المنتقى شرح الموطإ

أبو الوليد الباجي

[خطبة الكتاب]

[خِطْبَة الْكتاب] . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْهُمَامُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلَفٍ الْبَاجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ بُشْرًا، مَلِكِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَمْ يُشْرِكْ فِي مُلْكِهِ أَحَدًا وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الرَّشَادِ وَوَعْدِ الصِّدْقِ. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْمَجِيدَ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فَبَلَّغَهُ لِلنَّاسِ كَافَّةً وَبَيَّنَهُ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ حَتَّى كَمَلَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَتَقَرَّرَتْ شَرَائِعُهُ وَلَاحَتْ سُبُلُ الْأَحْكَامِ وَثَبَتَتْ مَنَاهِجُهُ وَأَمَرَ بِتَبْلِيغِهِ إلَى مَنْ شَهِدَهُ وَإِلَى مَنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِتَكُونَ مَعَالِمُ الدِّينِ بَعْدَهُ لَائِحَةً وَأَحْكَامُهُ عَلَى مَا أَثْبَتَهَا بَاقِيَةً فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. (أَمَّا بَعْدُ) وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا يُرْضِيهِ فَإِنَّك ذَكَرْت أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أَلَّفْتُ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ الْمُتَرْجَمَ بِكِتَابِ الِاسْتِيفَاءِ يَتَعَذَّرُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ جَمْعُهُ وَيَبْعُدُ عَنْهُمْ دَرْسُهُ لَا سِيَّمَا لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِي هَذَا الْعِلْمِ نَظَرٌ وَلَا تَبَيَّنُ لَهُ فِيهِ بَعْدُ أَثَرٌ فَإِنَّ نَظَرَهُ فِيهِ يُبَلِّدُ خَاطِرَهُ وَيُحَيِّرُهُ وَلِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِ وَمَعَانِيهِ يَمْنَعُ تَحَفُّظَهُ وَفَهْمَهُ. وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ رَسَخَ فِي الْعِلْمِ وَتَحَقَّقَ بِالْفَهْمِ وَرَغِبْتُ أَنْ أَقْتَصِرَ فِيهِ عَلَى الْكَلَامِ فِي مَعَانِي مَا يَتَضَمَّنُهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ وَأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي أَصْلِ كِتَابِ الْمُوَطَّأِ لِيَكُونَ شَرْحًا لَهُ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَسَائِلِ مِنْهُ وَيُشِيرُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى

[وقوت الصلاة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ الْمَسَائِلِ وَالْمَعَانِي الَّتِي يَجْمَعُهَا وَيَنُصُّهَا مَا يَخِفُّ وَيَقْرُبُ لِيَكُونَ ذَلِكَ حَظَّ مَنْ ابْتَدَأَ بِالنَّظَرِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِيفَاءِ إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ وَعَوْنًا لَهُ إنْ طَمَحَتْ هِمَّتُهُ إلَيْهِ فَأَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ وَانْتَقَيْته مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى حَسَبِ مَا رَغِبْتَهُ وَشَرَطْتَهُ وَأَعْرَضْتُ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ الْأَسَانِيدِ وَاسْتِيعَابِ الْمَسَائِلِ وَالدَّلَالَةِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ وَسَلَكْتُ فِيهِ السَّبِيلَ الَّذِي سَلَكْتُ فِي كِتَابِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ إيرَادِ الْحَدِيثِ وَالْمَسْأَلَةِ مِنْ الْأَصْلِ ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الْفَرْعِ وَأَثْبَتَهُ شُيُوخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ الْمَسَائِلِ وَسُدَّ مِنْ الْوُجُوهِ وَالدَّلَائِلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَبِهِ أَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَقَدْ قَدَّمْت فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مَا لَا أُخْلِي هَذَا الْكِتَابَ مِنْ حَرْفٍ مِنْ ذِكْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ فَتْوَى الْمُفْتِي فِي الْمَسَائِلِ وَكَلَامَهُ عَلَيْهَا وَشَرْحَهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يُوَفِّقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ يَرَى الصَّوَابَ فِي قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي وَقْتٍ وَيَرَاهُ خَطَأً فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ قَوْلُ الْعَالِمِ الْوَاحِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَعْتَقِدُ النَّاظِرُ فِي كِتَابِي أَنَّ مَا أَوْرَدْته مِنْ الشَّرْحِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْقِيَاسِ وَالتَّنْظِيرِ طَرِيقُهُ الْقَطْعُ عِنْدِي حَتَّى أَعِيبَ مَنْ خَالَفَهَا وَأَذُمَّ مَنْ رَأَى غَيْرَهُ. وَإِنَّمَا هُوَ مَبْلَغُ اجْتِهَادِي وَمَا أَدَّى إلَيْهِ نَظَرِي وَأَمَّا فَائِدَةُ إثْبَاتِي لَهُ فَتَبْيِينُ مَنْهَجِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْإِرْشَادِ إلَى طَرِيقِ الِاخْتِبَارِ وَالِاعْتِبَارِ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَيَعْمَلَ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ وِفَاقِ مَا قُلْته أَوْ خِلَافِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ نَالَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ فَلْيَجْعَلْ مَا ضَمَّنْته كِتَابِي هَذَا سُلَّمًا إلَيْهَا وَعَوْنًا عَلَيْهَا وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [وُقُوتُ الصَّلَاةِ] 1 ِ: جَمْعُ وَقْتٍ كَضَرْبٍ وَضُرُوبٍ وَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَوَجْهٍ وَوُجُوهٍ فَوَقْتُ الصَّلَاةِ يَتَّسِعُ لِتَكْرَارِ فِعْلِهَا مِرَارًا وَجَمِيعُهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ فِعْلِهَا وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ مِنْهُ فَذَهَبَ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ إلَى أَنَّ جَمِيعَهُ وَقْتٌ لِلْوُجُوبِ وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ آخِرَهُ وَقْتٌ لِلْوُجُوبِ وَذَهَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ أَوَّلَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا ضُرِبَ آخِرُهُ فَصْلًا بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ مِنْهُ وَقْتٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ لِلْمُكَلَّفِ تَعْيِينَهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَجْرَى عَلَى أُصُولِ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ مُعْظَمَهُمْ قَالُوا إنَّ الْأَفْعَالَ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهَا كَالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلِلْمُكَلَّفِ تَعْيِينُ وُجُوبِهِ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ جَمِيعَهَا وَاجِبٌ فَإِذَا فَعَلَ الْمُكَلَّفُ أَحَدَهَا سَقَطَ وُجُوبُ سَائِرِهَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْوَاجِبَ جَمِيعُهَا لَا يَسْقُطُ وُجُوبُ بَعْضِهَا بِفِعْلِ غَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَصْرٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا لِبَدَلٍ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يُفْعَلُ فِيهِ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْعَزْمَ وَاجِبٌ وَلَا أُسَمِّيهِ بَدَلًا وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ تَرْكُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا مَتَى تَذَكَّرَهَا فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَالزَّجَّاجِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدُّعَاءُ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمِنْ

(ص) : (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ بِهَذَا أُمِرْتُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَعْلَمُ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ أَوْ إنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ الصَّلَاةِ قَالَ عُرْوَةُ وَكَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُرْوَةُ وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْجَنَائِزِ صَلَاةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي الرِّدْفِ يَنْحَنِيَانِ فِي الصَّلَاةِ وَحُكِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ الْمُبَرِّدِ. وَقَالَ ابْنُ عَزِيزٍ الصَّلَاةُ الرَّحْمَةُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَاقِعٌ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَائِرِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إلَى أَنَّهَا لَفْظَةٌ عَامَّةٌ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الدُّعَاءِ مِنْهَا خَاصَّةً وَأَنَّ سَائِرَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ شُرُوطٌ فِيهَا وَمَعَانٍ تَقْتَرِنُ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فِي كِتَابِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُرَاعَى مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ فِعْلُ الطَّهَارَةِ بِحَسَبِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ فَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْلَى فِي الرُّتْبَةِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَهُ بِالْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إلَى آخِرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهَا عَنْ جَمِيعِهِ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَالْأَشْبَهُ بِفَضْلِ عُمَرَ وَحَالِهِ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ وَقْتَ الْإِسْفَارِ فَيَكُونَ عُرْوَةُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَأْخِيرَهَا بِالْجَمَاعَةِ الَّتِي مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تُقَامَ صَلَاتُهَا فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّهْوُ عَنْ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْضُ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَذِرْ لِعُرْوَةِ بِمَانِعٍ مَنَعَهُ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَإِنَّمَا رَاجَعَهُ مُرَاجَعَةَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْوَقْتِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُرْوَةَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ وَمَا قَالَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ سُنَّةٌ فِي مُلَاطَفَةِ الْإِنْكَارِ لِمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ لَا سِيَّمَا لِمَنْ عُلِمَ انْقِيَادُهُ لِلْحَقِّ وَحِرْصُهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ لَهُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ وَأَسْلَمُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَضَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِنَادِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ لِمَنْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ أَنْ يَرْفُقَ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] وَفِي فِعْلِ الْمُغِيرَةِ تَأْنِيسٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْأَمْرِ بَلْ قَدْ سَهَا عَنْ عِلْمِهِ كَبِيرٌ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُخَفِّفُ عَلَى عُمَرَ سَهْوَهُ وَاحْتَجَّ عُرْوَةُ عَلَى قَوْلِهِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَصِحَّ قَوْلُهُ وَتَثْبُتَ حُجَّتُهُ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَسُوغُ لَهُمْ الِاجْتِهَادُ فَلَيْسَ لِعُرْوَةِ أَنْ يَرُدَّهُ عَنْ رَأْيِهِ وَمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ إلَّا بِخَبَرٍ يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ الْمُؤَدِّيَ إلَى مَا يُخَالِفُهُ وَأَرْسَلَ عُرْوَةُ الْخَبَرَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُمَرُ إرْسَالَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْمَرَاسِيلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي مَسْعُودٍ مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِفِعْلِهِ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ صَلَاةِ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبْيِينِ الْأَوْقَاتِ لَهُ مَا عَلِمَ هُوَ وَاسْتِبْعَادِ أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَصُحْبَةِ الْمُغِيرَةِ لَهُ وَإِخْبَارُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهِ عَلَى الْمُغِيرَةِ فِي مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ غَيْرُ بَيِّنٍ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا فِيهِ مِنْ التَّعَلُّقِ بِذَلِكَ أَنَّ هَاهُنَا وَقْتًا مَأْمُورًا بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَأَمَّا تَعْيِينُ الْوَقْتِ فَلَيْسَ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ وَلَا يُحْتَمَلُ مُخَالَفَةُ مِثْلِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُغِيرَةُ عَلِمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَى اجْتِهَادِهِ وَنَظَرِهِ وَأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالْفَضِيلَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَأَخْبَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَقَامَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ تَأْخِيرَهَا عَنْ هَذَا الْوَقْتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ الْفَاءَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ائْتَمَّ بِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا مَعَهُ وَإِذَا حُمِلَتْ الْفَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا بَعْدَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ عَلَى بَابِهَا لِلتَّعْقِيبِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ كُلَّمَا فَعَلَ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ وَهَذِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ يَفْعَلُهَا بَعْدَهُ وَلَا يَفْعَلُهَا مَعَهُ فَإِنْ فَعَلَهَا مَعَهُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمَا مَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ وَمِنْهُمَا مَا لَا تَفْسُدُ بِهِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ صَلَّى زَيْدٌ فَصَلَّى عَمْرٌو إذَا افْتَتَحَ زَيْدٌ الصَّلَاةَ قَبْلَ عَمْرٍو وَفَعَلَا سَائِرَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ سَافَرَ زَيْدٌ فَسَافَرَ عَمْرٌو إذَا شَرَعَ زَيْدٌ فِي السَّفَرِ وَخَرَجَ لَهُ قَبْلَ عَمْرٍو وَإِنْ كَانَ عَمْرٌو قَدْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِ زَيْدٍ وَهَذَا أَوْضَحُ فِي ائْتِمَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِبْرِيلَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى قَبْلَ جِبْرِيلَ وَالْفَاءُ لَا تَحْتَمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ وَأَبْلَعُ فِي الْبَيَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَاحْتِجَاجُ أَبِي مَسْعُودٍ عَلَى الْمُغِيرَةِ وَعُرْوَةُ عَلَى عُمَرَ بِهَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَا أَخَّرَا الصَّلَاةَ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ بَيِّنٌ وَإِنْ كَانَا إنَّمَا أَخَّرَاهَا إلَى آخِرِهِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِفَوَاتِهَا وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ بِتَأَكُّدِ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّرَ عِنْدَ الْمُغِيرَةِ وَعُمَرَ مِنْ خَبَرِ أَبِي مَسْعُودٍ وَعُرْوَةَ وَقْتُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا بِإِشَارَةٍ أَوْ بِزِيَادَةِ لَفْظٍ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِمَا صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُغِيرَةَ وَعُمَرَ أَخَّرَا الصَّلَاةَ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بِهَذَا أُمِرْتُ وَأُمِرْتَ رِوَايَتَانِ فَأَمَّا أُمِرْتُ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهُ إلَيْك وَأُبَيِّنَهُ لَك وَمَعْنَى أُمِرْتَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَضَّاحٍ أُمِرْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَتُشَرِّعَ فِيهِ الصَّلَاةَ لِأُمَّتِكَ وَقَوْلُهُ هَذَا إنْ كَانَ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَلَّى بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لِلْأَئِمَّةِ إقَامَةُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ لِعُرْوَةِ أَعْلَمُ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا عُرْوَةُ أَوْ أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا لِمَعْنَى الِائْتِمَامِ لَهُ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ لَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى زِيَادَةِ التَّثَبُّتِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى إعَادَةِ النَّظَرِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا رَأْسُ هَذَا الدِّينِ وَأَهَمُّ أُمُورِهِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عِلْمُهُ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرِيعَةِ لَا سِيَّمَا الصَّلَاةَ الَّتِي إلَيْهِ إقَامَتُهَا وَهُوَ الْإِمَامُ فِيهَا فَعَظُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ شَأْنِهَا وَمَعْرِفَةِ سَبَبِ إقَامَةِ أَوْقَاتِهَا وَمَنْ الَّذِي أَقَامَهَا فَقَالَ عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ إتْمَامًا لِحُجَّتِهِ وَإِقَامَةً لَهَا بِإِسْنَادِ الْحَدِيثِ وَالْإِعْلَامِ بِاسْمِ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ عُرْوَةُ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا حَدَّثَتْهُ بِهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَكَّدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ عَدَالَةِ عَائِشَةَ عَلَى عَدَالَةِ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ الْأَمْرِ فِي نَفْسِ عُمَرَ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ وَالنَّاقِلِينَ لِمَعْنَاهُ وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ عُرْوَةَ إنَّمَا أَنْكَرَ تَأْخِيرَ فِعْلِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوَصَفَ الْوَقْتَ الَّذِي حَضَّ فِيهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي الْحُجْرَةِ وَقَوْلُهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ قِيلَ مَعْنَاهُ تَذْهَبُ وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا أَيْ ذَاهِبٌ وَقِيلَ مَعْنَى تَظْهَرُ تَعْلُو وَتَصِيرُ عَلَى ظَهْرِ الْحُجْرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] الْآيَةَ وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ وَرَوَى حَبِيبٌ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْأَرْضِ لَمْ تَبْلُغْ الْجِدَارَ أَيْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ. (ش) : هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَسْنَدَهُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَنَازِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سُفْيَانَ أَسْنَدَهُ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرَاهُ وَهِمَ وَقَوْلُهُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ طَارِئًا أَوْ قَاطِنًا قَدْ عَلِمَ أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مِنْ آكِدِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ الْوَقْتِ فَسَأَلَهُ عَنْ تَحْدِيدِهِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ تَعْجِيلَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ حَتَّى بَيَّنَهُ بِالْفِعْلِ قَصْدًا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْبَيَانِ وَأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُتَعَلِّمِ وَأَسْهَلُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْبَيَانَ لِلْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ السَّائِلَ لَانْفَرَدَ بِعِلْمِ ذَلِكَ وَالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ يَحْضُرُهَا مَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِجَمِيعِهِمْ إذَا كَانَ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَسُكُوتُهُ عَنْهُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَاطِنٌ مَعَهُ مُلَازِمٌ لَهُ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَكَفَاهُ عِلْمُهُ بِعَادَتِهِ الْمَاضِيَةِ وَمَعْرِفَتُهُ بِحَالِهِ فِي مُلَازَمَةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ عَنْ أَمْرِهِ لَهُ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَارِئًا قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْحَلُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْلِيمِ إمَّا بِوَحْيٍ عَلَى مَا حَكَاهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِي أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بُرَيْدَةَ بْنُ حَصِيبٍ الْأَسْلَمِيُّ وَذَكَرَ فِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لِحَدِيثِ عَطَاءٍ لَمْ يَسْمَعْ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّائِلَ بِأَنْ يُشَاهِدَ مَعَهُ الصَّلَاةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ سُكُوتَهُ عَنْ جَوَابِ مَسْأَلَتِهِ وَتَأْخِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابَ السَّائِلِ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ هَذَا فَأَخَّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَعْلَمَ الْحُكْمَ بِوَحْيٍ أَوْ بِنَظَرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي عَلِمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الَّذِي تَكَلَّمَ شُيُوخُنَا فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِالْعِبَادَةِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا. وَوَقْتُ الْخِطَابِ بِالصَّلَاةِ وَبَيَانُ أَحْكَامِهَا وَأَوْقَاتِهَا قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ سُؤَالِ هَذَا السَّائِلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ إلَّا عَنْ عِبَادَةٍ ثَابِتَةٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ جَوَابَ السَّائِلِ لَهُ عَنْ وَقْتِ السُّؤَالِ وَلَا يُجِيبَهُ أَصْلًا وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَأَنْكَرَ عَلَى السَّائِلِ مَسْأَلَةَ اللِّعَانِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى الْفِعْلِ وَقَدْ تَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْ شُيُوخِنَا فِي وَجْهِ تَأْخِيرِ جَوَابِ السَّائِلِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّغْرِيرِ بِفَوَاتِ الْعِلْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ السَّائِلُ قَبْلَ وَقْتِ التَّعْلِيمِ الَّذِي أُخِّرَ إلَيْهِ الْجَوَابُ فَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَحْيُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ وَهَذَا الْوَجْهُ إنْ كَانَ سَائِغًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حُكْمُهُ فِي إجْرَاءِ الْأُمُورِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَجَعْلِهَا عَلَى عَادَتِهَا حُكْمَ أُمَّتِهِ وَلِذَلِكَ كَانَ يُرْسِلُ أُمَرَاءَهُ عَلَى الْجُيُوشِ وَرُسُلَهُ إلَى الْبُلْدَانِ مَعَ تَجْوِيزِهِ عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ وَاسْتِصْحَابِ السَّلَامَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ سَائِلًا لَوْ سَأَلَ عَالِمًا عَنْ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ لَجَازَ لَهُ تَأْخِيرُ الْجَوَابِ عَنْهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي تَأْخِيرِ الْجَوَابِ تَقْرِيبٌ عَلَى السَّائِلِ وَزِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى الْمَعْرِفَةِ بِبَقَائِهِ إلَى وَقْتِ جَوَابِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سَأَلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ سُؤَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِتَعْلِيمِهِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ الْغَدِ فَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ وَقْتِ السُّؤَالِ وَوَقْتِ التَّعْلِيمِ وَقْتُ صَلَاةٍ يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهَا الْجَهْلَ بِالْوَقْتِ وَعَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ تَحْدِيدِ الْوَقْتِ فَالْأَمْرُ أَسْهَلُ وَوَجْهُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ أَبْيَنُ وَلَوْ مَاتَ السَّائِلُ قَبْلَ وَقْتِ التَّعْلِيمِ لَكَانَ قَدْ أُثِيبَ عَلَى بَحْثِهِ وَسُؤَالِهِ عَنْ الْعِلْمِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ تَفْرِيطٌ بِتَأْخِيرِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ» تَحْقِيقُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَصْلِ مَوْضُوعِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقْتَضِي أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ هُوَ كَانَ وَقْتَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ طُلُوعُ الْفَجْرِ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ تَقُولُ جَلَسْت حِينَ جَلَسَ زَيْدٌ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ جُلُوسَهُمَا كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَ جُلُوسِ زَيْدٍ تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ قَوْلُهُ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْفَجْرُ هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَنْفَجِرُ مِنْ الْمَشْرِقِ يُشَبَّهُ بِانْفِجَارِ الْمَاءِ وَهُمَا فَجْرَانِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا كَذَنَبِ سِرْحَانٍ وَالسِّرْحَانُ الذِّئْبُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ وَالثَّانِي هُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ عَلَى الصَّائِمِ وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُصَلِّي وَرَوَى ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا رُوِيَ بِمِثْلِ إسْنَادِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْغَدِ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ» يُرِيدُ بِذَلِكَ بَعْدَ بَدْءِ الْإِسْفَارِ ثُمَّ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ فِي بَقِيَّةِ الْإِسْفَارِ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ جَمِيعِ الْإِسْفَارِ لَكَانَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِهَا وَإِنَّمَا قَصَدَ الْمُحَدِّثُ بِذَلِكَ إلَى الْإِخْبَارِ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ مِنْ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرِهَا إلَى آخِرِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ مِنْ الْوَقْتِ فَأَتَى فِي ذَلِكَ بِأَلْفَاظِ الْمُبَالَغَةِ فِيمَا قَصَدَ بِهِ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنْ لَيْسَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَأَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لَهَا مُتَّصِلٌ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ. وَقَالَ مَرَّةً

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِهَا وَقْتُ اخْتِيَارٍ فَهُوَ قَوْلُهُ إنَّ مَنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ الْمَاءَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَتَيَمَّمْ فَلَوْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى الْإِسْفَارِ لَرَاعَى الْإِسْفَارَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ كَمَا يُرَاعَى مَغِيبُ الشَّفَقِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ. وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي مِنْ قَوْلِهِ إنَّ لَهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ فَهُوَ مَا رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسَافِرِينَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ لِسِنِّهِ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُسْفِرُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْإِسْفَارِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ لَا وَقْتَ اخْتِيَارٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَكَانَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَفَضِيلَةَ أَوَّلِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ عَلَى آخِرِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ الْخَبَرُ الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ فِي أَوَّلِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ لَهَا وَلِمَا شَارَكَهَا فِي وَقْتِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلِذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذِهِ إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَكَانَ لَهَا وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ» يَقْتَضِي اهْتِمَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَعْلِيمِ السَّائِلِ وَإِرَادَتَهُ لِإِتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اعْتَقَدَ مُقَامَهُ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يُتِمَّ تَعْلِيمَهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ الْجَمِيعَ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ السَّائِلَ لِفَضْلِ اجْتِهَادِهِ وَبَحْثِهِ عَنْ الْعِلْمِ وَقَوْلُهُ «مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» إخْبَارٌ أَنَّ مَا بَيْنَ وَقْتَيْ صَلَاتَيْهِ وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إخْبَارٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتٌ لِلصَّلَاةِ إنْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَيْنِ إلَى وَقْتَيْ الصَّلَاتَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَيْضًا مِنْ الْوَقْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْخِطَابِ أَنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ قِنْطَارًا مِنْ الْخَيْرِ يَرَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ «مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْخَبَرُ أَنَّ مَا بَيْنَ وَقْتَيْ صَلَاتَيْهِ وَقْتٌ لِلصَّلَاةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْخَبَرُ وَقْتَيْ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْدٌ مَا بَيْنَ دَارَيَّ هَاتَيْنِ لِعَمْرٍو لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِدَارَيْهِ لِعَمْرٍو. وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ إقْرَارُهُ مَا بَيْنَ الدَّارَيْنِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنَّ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَوَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتٌ لِلصُّبْحِ أَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] فَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِثْقَالَ قِنْطَارٍ مِنْ الْخَيْرِ يَرَهُ لِأَنَّ الْقِنْطَارَ كُلَّهُ مَثَاقِيلُ ذَرٍّ فَلَوْ كَانَ مَنْ عَمِلَ مِثْقَالَ قِنْطَارٍ مِنْ الْخَيْرِ لَمْ يَرَهُ لَمَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ صِدْقًا لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ قِنْطَارَ خَيْرٍ فَقَدْ عَمِلَ مَثَاقِيلَ ذَرٍّ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ» أَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا ثَبَتَ بِهِ أَنَّ مَا بَيْنَ وَقْتَيْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ كَانَ أَشَارَ إلَى الصَّلَاتَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ أَنَّ مَا بَيْنَهُمَا وَقْتٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَثَبَتَ بِفِعْلِهِ أَنَّ وَقْتَيْ صَلَاتَيْهِ وَقْتٌ لَهَا فَثَبَتَ بَعْضُ الْوَقْتِ بِالْقَوْلِ وَبَعْضُهُ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ أَشَارَ إلَى ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَإِلَى انْتِهَائِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ ثَبَتَ جَمِيعُ الْوَقْتِ بِالْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ قَدْ ثَبَتَ أَيْضًا بِالْفِعْلِ. وَقَوْلُهُ وَقْتٌ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً وَلَمْ يُضَفْ إلَى شَيْءٍ يَكُونُ وَقْتًا لَهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ.

النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَرَوَى يَحْيَى مُتَلَفِّفَاتٍ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى مُتَلَفِّعَاتٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ إلَّا أَنَّ التَّلَفُّعَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْمُرُوطُ أَكْسِيَةٌ مُرَبَّعَةٌ سَدَاهَا شَعْرٌ وَقَوْلُهُ «مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا: لَا يُعْرَفُ أَرِجَالٌ هُنَّ أَمْ نِسَاءٌ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ إنَّمَا يَظْهَرُ إلَى الرَّائِي أَشْخَاصُهُنَّ خَاصَّةً قَالَ ذَلِكَ الرَّاوِي. وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ لَا يُعْرَفْنَ مَنْ هُنَّ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ سَافِرَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ سَافِرَاتٍ لَمَنَعَ النِّقَابُ. وَتَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا الْغَلَسُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبِيحَ لَهُنَّ كَشْفَ وُجُوهِهِنَّ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ أَوْ يَكُونَ بَعْدَهُ لَكِنَّهُنَّ أَمِنَّ أَنْ تُدْرَكَ صُوَرُهُنَّ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ فَأُبِيحَ لَهُنَّ كَشْفُ وُجُوهِهِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبَاحَةُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي صَلَّيْنَ مَعَهُ الصُّبْحَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُرَادًا بِاللَّفْظِ لَمَا كَانَ ذَكَرَ انْصِرَافَهُنَّ تَبْيِينًا لِلْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى مُبَادَرَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُزَاحِمْنَ الرِّجَالَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ عِنْدِي ظَاهِرُ اللَّفْظِ اتِّصَالُ خُرُوجِهِنَّ بِانْقِضَاءِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهَا لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ وَالْفَاءُ فِي الْعَطْفِ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ وَيَصِحُّ أَنْ يُبَادِرْنَ بِالْخُرُوجِ لِمَا ذَكَرَ هَذَا الْمُفَسِّرُ مِنْ أَنْ يَسْلَمْنَ مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ وَيَصِحُّ أَنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ اغْتِنَامًا لِسَتْرِ الظَّلَامِ لَهُنَّ وَيَصِحُّ أَنْ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ مُبَادَرَةً إلَى مُرَاعَاتِ بُيُوتِهِنَّ وَفِعْلِ مَا يَلْزَمُهُنَّ فِعْلُهُ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُنَّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِقَوْلِهَا «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ» وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُثَابَرُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَدَاءَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي سَائِرِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُثَابِرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِلْفَضِيلَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إلَى أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَفْعَلُ الْفِعْلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُثَابِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُفَضِّلُهُ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقْضِي بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يُثَابِرُ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ وَيَرَاهُ أَفْضَلَ مِنْ مَسْحِ جَمِيعِهِ وَلَا عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَرَى الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا فِيمَا يَلْزَمُ الْمُخْبَرَ عَنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ كَانَ فُلَانٌ يَلْبَسُ الْخُضْرَةَ إذَا كَانَتْ غَالِبَ لِبَاسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَبِسَ فُلَانٌ الْخُضْرَةَ وَخَضَّبَ زَيْدٌ بِالصُّفْرَةِ وَأَتَى عَمْرٌو الْكُوفَةَ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَعْرُوفُ فِي خِطَابِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقْضِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمَا أَفْضَلَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ قَوْلِهِمَا بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِهِ أَفْضَلُ عِنْدَهُمَا مِنْ الْقَوْلِ بِغَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْأَفْضَلُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكَرِّرُ وَلَا يُثَابِرُ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ وَاسْتِدْلَالِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا احْتِيَاطٌ لِلشَّرِيعَةِ وَإِبْرَاءٌ لِلذِّمَّةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَا يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ النِّسْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ وَفِي التَّأْخِيرِ تَعْرِيضٌ لِلتَّغْرِيرِ وَتَسَبُّبٌ لِلْفَوَاتِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: مَنْ كَانَ بِصِفَةِ الْمُكَلَّفِينَ وَأَدْرَكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ وُجُوبَ الصُّبْحِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْأَعْذَارِ؛ الْحَائِضِ تَطْهُرُ، وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ، وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ، وَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ. وَالْوَجْهَ الثَّانِيَ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ فِعْلُ بَعْضِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَنْ حُكْمِ الْأَدَاءِ كَمَا أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي جَمِيعِهَا حُكْمُ الْمَأْمُومِ وَلَيْسَ فِعْلُهُ لِبَعْضِهَا وَحْدَهُ بِمُخْرِجٍ لَهُ عَنْ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ إدْرَاكُ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مَنْ أَدْرَكَ مِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ إبَاحَةٌ لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى لَا يُدْرِكَ إلَّا بَعْضَهَا فِيهِ وَإِنَّمَا بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ أَخَّرَهَا كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَ زَيْدٍ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبِحْ الْقَتْلَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» يَحْتَمِلُ مِنْ الْوُجُوهِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَخْبَارِ فِي تَفْسِيرِ خَبَرِ عُمَرَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَنَّ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقْتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَاسْتِحْبَابٍ.: وَالْآخَرُ: وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَكَرَاهِيَةٍ وَيَجْرِي مَجْرَى الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَسَنُبَيِّنُ الْأَوْقَاتَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» يَقْتَضِي أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ الْمُدْرِكُ مُدْرِكًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا مَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةً مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا أَدْرَكَ مَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَدْرَكَ الْعَصْرَ خَاصَّةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَدْرَكَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنْ قَالُوا لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ أَنَّهُ مُدْرِكٌ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ كَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ وَالْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَ مُتَقَدِّمُو أَصْحَابِنَا كَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يُحْتَجُّ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنْ سَلَّمْتُمْ وَإِلَّا نَقَلْنَا الْكَلَامَ إلَيْهِ إنْ تَرَكْنَا الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ عَلَى اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَصَدَ إلَى بَيَانِ آخِرِ الْوَقْتِ وَمَا يَكُونُ الْمُدْرِكُ بِهِ مُدْرِكًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِحُكْمِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْهَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ فَقَدْ أَدْرَكَهَا» فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّجْدَةَ هَاهُنَا تَقَعُ عَلَى الرَّكْعَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَوَتْ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَتْ فِي آخِرِهِ وَالسَّجْدَةُ إنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنَّهُ قَدْ شَرَطَ إدْرَاكَ السَّجْدَةِ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ فَلَمْ يُدْرِكْ السَّجْدَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهَا مِنْ صَلَاتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ مُدْرِكًا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ: إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِدْرَاكِهَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرَّكْعَةَ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا مُدْرِكُهَا الْوَقْتَ إنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ بِسَجْدَتَيْهَا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِسَجْدَتَيْهَا وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهَا الْفَسَادُ مَعَ سَلَامَةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ تَكْمُلْ بِسَجْدَتَيْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَنَسِيَ مِنْهَا سَجْدَةً ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَةً ثَانِيَةً بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مَعَ سَلَامَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ أَكْمَلَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَتَيْهَا لَمْ يُفْسِدْهَا شَيْءٌ بِوَجْهٍ مَعَ سَلَامَةِ الصَّلَاةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ إدْرَاكَ وَقْتِ الْعَصْرِ يَكُونُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِالْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا كَانَتْ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَاضَتْ فَإِنَّهَا تَقْضِي الْعَصْرَ لِأَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ رَأَيْت لِأَصْبَغَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ يَقْتَضِي أَنَّ أُمُورَهُمْ مُهِمَّةٌ وَلَكِنْ لِلصَّلَاةِ مَزِيَّةٌ لِأَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ وَعَلَامَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ أُمِرَ بِإِقَامَتِهَا جَمِيعُ النَّاسِ وَقَوْلُهُ مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ يُقَالُ حَفِظْت الشَّيْءَ إذَا قُمْت بِرِعَايَتِهِ وَلَمْ تُضَيِّعْهُ وَمِنْ رِعَايَةِ الصَّلَاةِ أَنْ تُقَامَ بِشُرُوطِهَا مِنْ طَهَارَتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَأَوْقَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَوْ حَافَظَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمُرَادُ بِهِ مُرَاعَاةُ أَوْقَاتِهَا وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِمُرَاعَاةِ الْوَقْتِ مَعَ دُخُولِهِ فِي وَقْتِهَا مِنْ حِفْظِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ حَافَظَ عَلَيْهَا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مَنْ حَفِظَهَا وَبِمَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَبْيَنُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَدَامَ الْحِفْظَ لَهَا يُقَالُ حَافَظَ فُلَانٌ عَلَى الصَّلَاةِ أَدَامَ الْحِفْظَ لَهَا وَيُقَالُ حَافَظَ فُلَانٌ عَلَى أَمْرِ كَذَا وَكَذَا أَدَامَ الرِّعَايَةَ لَهُ وَالِاهْتِمَامَ بِهِ وَلَا يُقَالُ حَافَظَ عَلَيْهِ إذَا رَاعَاهُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا يُقَالُ حَفِظَهُ فَمَعْنَى ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهَا وَأَدَامَ الْحِفْظَ لَهَا حَفِظَ دِينَهُ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يُرْوَى مَنْ حَفِظَهَا أَوْ حَافَظَ عَلَيْهَا وَإِنَّ ذَاكَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (فَصْلٌ) : حَفِظَ دِينَهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ حَفِظَ مُعْظَمَ دِينِهِ وَعِمَادَهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» يَعْنِي مُعْظَمُهُ وَعِمَادُهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ هُنَا بِهِ حِفْظَ سَائِرِ دِينِهِ فَإِنَّ مُوَاظَبَةَ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صَلَاحِ الْمَرْءِ وَخَيْرِهِ لِتَكَرُّرِهَا وَظُهُورِهَا دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِلصَّلَاةِ ظُنَّ بِهِ التَّضْيِيعُ لِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَخْفَى. وَالثَّانِيَ: أَنَّهُ إذَا ضَيَّعَ الصَّلَاةَ فَقَدْ ضَيَّعَ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ عَمِلَهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ «أَوَّلَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَضْيَعُ عَلَى مِثَالِ أَفْعَلَ فِي الْمُفَاضَلَةِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ وَهُوَ قَلِيلٌ وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَشَدُّ تَضْيِيعًا وَحَكَى السِّيرَافِيُّ أَنَّ بَعْضَ النُّحَاةِ قَالَ إنَّ سِيبَوَيْهِ يَرَى الْبَابَ فِي الرُّبَاعِيِّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّعَجُّبُ وَالْمُفَاضَلَةُ بِأَفْعَلَ فَيُقَالُ مَا أَيْسَرَ زَيْدًا مِنْ الْيَسَارِ وَمَا أَعْدَمَهُ مِنْ الْعَدَمِ وَمَا أَسْرَفَهُ مِنْ السَّرَفِ وَمَا أَفْرَطَ جَهْلَهُ وَزَيْدٌ أَفْلَسُ مِنْ عَمْرٍو. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي أَضْيَعَ وَمَاشِيَةٍ خَرْقَاءَ وَاهِيَةِ الْكَلَا ... سَقَى بِهِمَا سَاقٍ وَلَمَّا تُبَلَّلَا بِأَضْيَعَ مِنْ عَيْنَيْكَ لِلْمَاءِ كُلَّمَا ... تَعَرَّفْتَ رَبْعًا أَوْ تَذَكَّرْتَ مَنْزِلَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} [التغابن: 9] مَعْنَاهُ فِي يَوْمِ الْجَمْعِ حَكَاهُ ابْنُ النَّحَّاسِ وَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ضَائِعٌ فِي تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ وَأَنَّهُ أَضْيَعُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِعَمَلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا الْفَيْءُ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي تَفِيءُ عَنْهُ الشَّمْسُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ تَرْجِعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ تَرْجِعَ فَمَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الظِّلِّ فَلَيْسَ بِفَيْءٍ وَقَوْلُهُ ذِرَاعًا يَعْنِي رُبُعَ الْقَامَةِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الذِّرَاعِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْدَمُ التَّقْدِيرَ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَمَارَةٍ فِي الْعَمَلِ وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ قَائِمٌ عَلَى أَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَيُدَارَ حَوْلَهُ دَوَائِرُ يَكُونُ مَرْكَزَهَا كُلَّهُ مَوْضِعَ قِيَامِ الْقَائِمِ ثُمَّ تُرْقَبَ الشَّمْسُ فَمَا دَامَ الظِّلُّ يَنْقُصُ فَهُوَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَلَمْ يَدْخُلُ بَعْدُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَفَ الظِّلُّ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى زِيَادَةِ الظِّلِّ فِي تِلْكَ الدَّوَائِرِ فَإِذَا زَادَ بِمِقْدَارِ رُبُعِ الْقَائِمِ عَلَى الظِّلِّ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فَقَدْ فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ تُقَامَ فِيهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ يَعْنِي إلَى أَنْ يَتِمَّ الْفَيْءُ مِثْلَ كُلِّ قَائِمٍ أَوْ إلَى أَنْ يَتِمَّ الظِّلُّ الَّذِي زَادَ بِعِدَّتِنَا فِي نُقْصَانِ الظِّلِّ مِثْلَ كُلِّ قَائِمٍ وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ لَا يَعْدَمُ التَّقْدِيرُ بِهِ وَإِذَا صَارَ فَيْءُ كُلِّ إنْسَانٍ مِثْلَهُ فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ وَهُوَ بِعَيْنِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ زِيَادَةً بَيِّنَةً فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَانْفَرَدَ وَقْتُ الْعَصْرِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْ الْقَعْنَبِيُّ وَلَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ وَلَا أَبُو مُصْعَبٍ مُرْتَفِعَةٌ، وَنَقَاؤُهَا أَنْ لَا يَشُوبَ بَيَاضَهَا صُفْرَةٌ وَبَيَاضُهَا وَصُفْرَتُهَا إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي الْأَرْضِ وَالْجِدَارِ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ، حَكَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا حُدُودٌ لِلْوَقْتِ يَقْرُبُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَفِي قَوْلِهِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ إخْبَارٌ بِجَمِيعِ الْوَقْتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ لِلْبَطِيءِ وَثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ لِلْجَادِّ السَّرِيعِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَاكَ شَكٌّ مِنْ الْمُحَدِّثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَرْسَخَيْنِ فِي الشِّتَاءِ وَثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ فِي الصَّيْفِ لِطُولِ النَّهَارِ وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْحَزْرِ وَالتَّقْدِيرِ كَمَا يُقَالُ هَذَا الْوِعَاءُ يَسَعُ إرْدَبَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَيْ أَنَّ تَقْدِيرَهُ يَتَرَجَّحُ بَيْنَ الْإِرْدَبَّيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَسَعَ أَقَلَّ مِنْ إرْدَبَّيْنِ وَلَا يَسَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَكَذَلِكَ تَقُولُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ إلَى دَارِ فُلَانٍ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ وَتَقْدِيرُهُ يَتَرَجَّحُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالْخَمْسَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ عَشْرُ غِلَاءٍ وَالْغَلْوَةُ مِائَتَا ذِرَاعٍ فَفِي الْمِيلِ أَلْفُ بَاعٍ وَهِيَ أَلْفُ ذِرَاعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَبْوَاعُ الدَّوَابِّ وَأَمَّا بَاعُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ طُولُ ذِرَاعَيْهِ وَعَرْضُ صَدْرِهِ فَأَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَهُوَ الْقَامَةُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُطَرِّفٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا ابْنُ بُكَيْر وَلَا سُوَيْد وَلَا أَبُو مُصْعَبٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَمْشِي الرَّاكِبُ قَبْلَهُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ ذَلِكَ إلَى الِاصْفِرَارِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمُوَافَقَتِهِ لِرِوَايَةِ يَحْيَى وَمُطَرِّفٍ لِأَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَتَّسِعُ لِمَشْيِ الرَّاكِبِ مِنْ أَوَّلِهِ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَعْنِي بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ يَعْنِي الْحُمْرَةَ فِي أُفُقِ الْمَغْرِبِ فَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَوْلُهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ النَّوْمِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَمَنْ غَفَلَ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهِ مَعَ سَعَتِهِ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِمَا يُسْهِرُهُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّوْمِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ مِثْلَ هَذَا فِي أَلْفَاظِهَا تَقُولُ نَامَتْ عَيْنُك إذَا دَعَتْ لَك بِالسَّعَةِ وَالرَّفَاهِيَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ وَخُلُوِّ الْبَالِ، وَتَكْرَارُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَالَ شَيْئًا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ وَالْإِبْلَاغَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ آخِرَ مَا تَكُونُ بَادِيَةً مُشْتَبِكَةً لِأَنَّ هَذِهِ حَالُهَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ مَعَ الْإِصْبَاحِ بَعْدُ لَمْ يُغَيِّرْهَا عَنْ حَالِهَا فِي لَيْلِهَا مِنْ الظُّهُورِ وَالِاشْتِبَاكِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ. (إحْدَاهَا) أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقْتُ الزَّوَالِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. 1 - (الثَّانِيَةُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ إلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلْفَذِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ أَدَاءَهَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَالدَّلِيلُ لَنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَإِنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ عُمَّالَهُ وَأُمَرَاءَهُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَتَعَدَّوْا بِالصَّلَاةِ أَفْضَلَ أَوْقَاتِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا إلَّا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهِيَ صَلَاةٌ تَرِدُ عَلَى النَّاسِ غَيْرَ مُتَأَهِّبِينَ بَلْ تَجِدُهُمْ نِيَامًا غَافِلِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ عَقِيبَ الْأَذَانِ لَفَاتَتْ أَكْثَرَ النَّاسِ فَاسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا فَيُدْرِكَ مَنْ يَحْتَاجُ الْغُسْلَ الصَّلَاةَ وَيُدْرِكُهَا مَنْ كَانَ نَائِمًا بَعْدَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَتَوَضَّأَ وَيَرُوحَ إلَيْهَا. 1 - (الثَّالِثَةُ) أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ وَهَذَا مِمَّا كَتَبَ بِهِ إلَى الْأَمْصَارِ وَأَخَذَ بِهِ عُمَّالُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ. (الرَّابِعَةُ) أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا كَمَلَتْ الْقَامَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ بِنَفْسِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَقَعُ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ مَا دَامَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا تَبَيَّنَتْ الزِّيَادَةُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَانْفَرَدَ وَقْتُ الْعَصْرِ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ نَصْرٍ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الِاشْتِرَاكِ وَخَالَفَنَا فِي وَقْتِهِ فَعِنْدَهُ أَنَّ وَقْتَ الِاشْتِرَاكِ إذَا كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَنَفَى الشَّافِعِيُّ الِاشْتِرَاكَ جُمْلَةً فَقَالَ إنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَأَنَّهُ يَلِيهِ وَقْتُ الْعَصْرِ بِغَيْرِ فَصْلٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي الظُّهْرَ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ تَمَامِ الْقَامَةِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ تَمَامُ الْقَامَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَاجِّ أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ فَصَلَّى لَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ صَلَّى لَهُ الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى لَهُ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ ثُمَّ صَلَّى لَهُ الْمَغْرِبَ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ قَالَ لَهُ الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ صَلَاتِك بِالْأَمْسِ وَصَلَاتِك الْيَوْمَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا أَرْبَعُ مَسَائِلَ. (إحْدَاهَا) أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ. (الثَّانِيَةُ) أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا مُشْتَرَكٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (الثَّالِثَةُ) أَنَّ أَدَاءَهَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى الْقَامَةِ ذِرَاعٌ لَا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْدِيمِهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ رِفْقًا بِالنَّاسِ بِتَعْجِيلِ إيَابِهِمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ وَقْتَهَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ فِي الْأَغْلَبِ وَهُمْ مُتَأَهِّبُونَ لِلصَّلَاةِ رَوَاهُ فِي الْمَبْسُوطِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. (الرَّابِعَةُ) أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَصْرَ تُصَلَّى مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ يَدْخُلْهَا صُفْرَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» وَهَذَا نَصٌّ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ حُدَّ أَوَّلُ وَقْتِهَا بِالظِّلِّ فَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ آخِرُهَا بِهِ كَالظُّهْرِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَتَعَلَّقُ بِهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:. (إحْدَاهَا) : أَنَّ اسْمَهَا الْمُخْتَصَّ بِهَا الْمَغْرِبُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» . (الثَّانِيَةُ) : أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّالِثَةُ) : مَعْرِفَةُ آخِرِ وَقْتِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَمَنْ شَاءَ تَأْخِيرَهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ فَذَلِكَ لَهُ وَغَيْرُهُ أَحْسَنُ مِنْهُ وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ مَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» . (الرَّابِعَةُ) : أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِنْ اشْتَرَكَا كَاشْتِرَاكِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلِذَلِكَ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْخَامِسَةُ) : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَدَاءُ الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُصَادِفُ النَّاسَ مُتَأَهِّبِينَ لَهَا مُنْتَظِرِينَ أَدَاءَهَا كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي ذَلِكَ رِفْقًا بِالصَّائِمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْجِيلُ فِطْرِهِ بَعْدَ أَدَاءِ صَلَاتِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ: وَالْعِشَاءَ إذَا غَابَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ يَقْتَضِي أَرْبَعَ مَسَائِلَ. (إحْدَاهَا) أَنَّ اسْمَهَا فِي الشَّرْعِ الْعِشَاءُ وَسَيَرِدُ بَيَانُ ذَلِكَ. (الثَّانِيَةُ) بَيَانُ مَعْنَى الشَّفَقِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ تَكُونُ فِي الْمَغْرِبِ مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّمَاعِ إنَّ الْبَيَاضَ عِنْدِي أَبْيَنُ قَالَ وَكَأَنَّهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يُرِيدُ الِاحْتِيَاطَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الشَّفَقَ الَّذِي حُدَّ بِهِ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ هُوَ الْحُمْرَةُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ «النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ» . وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا الْحَدِيثَ وَضَعَّفَهُ قِيلَ لَهُ حَبِيبٌ هُوَ مُضْطَرِبٌ فَقَالَ إنَّ شُعْبَةَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ قِيلَ لَهُ لَعَلَّهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي بِشْرٍ أَوْ حَبِيبٍ فَقَالَ أَبُو بِشْرٍ لَا عِلَّةَ فِيهِ وَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَ حَبِيبٍ وَالنُّعْمَانِ رَجُلًا لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي احْتِجَاجِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ» وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ مَغِيبِ الْحُمْرَةِ وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَإِنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُصَنَّفِهِ جَعَلَهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ شَفَقَ الصَّلَاةِ هُوَ الْبَيَاضُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ مِنْ الشَّهْرِ إلَّا عِنْدَ مَغِيبِ الْبَيَاضِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحُمْرَةُ تُسَمَّى شَفَقًا وَالْبَيَاضُ يُسَمَّى شَفَقًا وَعَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِأَوَّلِهَا لِأَنَّهُ قَدْ غَابَ مَا يُسَمَّى شَفَقًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَارٍ مُتَتَابِعَةٌ مَارَّةٌ بِالْأُفُقِ فَوَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ أَحْكَامُ الصَّلَاةِ بِأَوْسَطِهَا كَالطَّوَالِعِ. (الثَّالِثَةُ) أَنَّ خُرُوجَ وَقْتِ الْعِشَاءِ انْقِضَاءُ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ انْقِضَاءُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ الصَّلَاةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ مَا يَنْتَظِرُهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ قَالَ وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إلَّا بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ» . 1 - (الرَّابِعَةُ) أَنَّ الْإِتْيَانَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَبَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلًا أَفْضَلُ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ تَأْخِيرَهَا أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ فَيُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَأَى الْفَضْلَ فِي التَّخْفِيفِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي الشِّتَاءِ شَيْئًا وَهَذَا لِطُولِ اللَّيْلِ وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَلَى الْأُمَّةِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي رَمَضَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي إفْطَارِهِمْ وَهَذَا أَيْضًا وَجْهٌ صَحِيحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَنْ نَامَ فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ يُرِيدُ مَنْ نَامَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَأَخِّرْ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فَإِنْ أَخَّرْت فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» . (ش) : قَوْلُهُ أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كِتَابِهِ إلَى عُمَّالِهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ إمَارَتِهِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْفَذِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْجُمُعَةَ وَقَوْلُهُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا صُفْرَةٌ تَحْدِيدٌ لِآخِرِ وَقْتِهَا وَقَوْلُهُ وَأَخِّرْ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْإِنْسَانَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا بَعْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ مَا لَمْ يَخَفْ النَّوْمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ الْمُبَادَرَةَ بِالنَّوْمِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ حِرْصًا عَلَى التَّهَجُّدِ فِي آخِرِهِ فَأَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ لِيُدْرِكَهَا مَعَهُ الْعُمَّالُ وَأَهْلُ الْأَشْغَالِ مَا لَمْ يَنَمْ قَبْلَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالنَّوْمِ فِيهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ يُرِيدُ بَعْدَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِي صَلَاةً إلَّا بِهَا وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِسُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ لِأَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَطْوَلُ الصَّلَاةِ قِرَاءَةً وَطِوَالُ الْمُفَصَّلِ فِيهَا عَدْلٌ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَخْذًا بِحَظٍّ مِنْ التَّطْوِيلِ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُفَصَّلَ لِكَثْرَةِ انْفِصَالِ سُوَرِهِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِثُبُوتِ أَحْكَامِهِ وَقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمُحْكَمَ. (ش) : قَوْلُهُ أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ هَاهُنَا ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ بِغَيْرِ شَكٍّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَحْفَظْ الزِّيَادَةَ إذَا قُلْنَا إنَّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الشَّكِّ مِنْ رَاوِيهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَشُكَّ وَتَيَقَّنَ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ رَاوِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ كَلَامٌ مُجْمَلٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوَجْهُهُ أَنْ تَقُولَ لَهُ افْعَلْ هَذَا مَا بَيْنَ وَقْتِك هَذَا وَبَيْنَ انْقِضَاءِ وَقْتِ كَذَا لِمَا عَلِمَ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ عَالِمٌ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَامَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَقَامَ كَوْنِهِ فِيهِ مَقَامَ تَحْدِيدِ أَوَّلِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ مَا بَيْنَك إذَا كُنْت فِي الْوَقْتِ وَمَا بَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرْت فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ يَعْنِي أَخَّرْت لِضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ فَصَلَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ شَطْرِ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ وَالضَّرُورَةُ لَا تُؤَقَّتُ إذْ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارِ الْفَاعِلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْإِتْيَانِ بِأَكْثَرِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ إنْ مَنَعَتْك الضَّرُورَةُ مِنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا فَصَلِّ قَاعِدًا وَقَدْ تَكُونُ الضَّرُورَةُ تَمْنَعُهُ مِنْ الْقُعُودِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَفْعَلَ مِمَّا كَلَّفَهُ اللَّهُ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَرَفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَمَا هُوَ مِمَّا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا أُخْبِرُك صَلِّ الظُّهْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَك وَالْعَصْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَيْك وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ يَعْنِي الْغَلَسَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالصَّوَابِ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَّرْت عَنْ ذَلِكَ بِمَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ رَأَيْت بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ حَكَى عَنْ أَبِي عُمَرَ الْإِشْبِيلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ وَلَا تَتَّخِذْ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ عَادَةً فَتَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي النَّادِرِ إمَّا لِضَرُورَةٍ وَإِمَّا لِحَالٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ. (ش) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ عَنْ آخِرِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ أَجَابَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ وَلَوْ سَأَلَهُ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَكَانَ جَوَابُهُ بِتَحْدِيدِ جَمِيعِهِ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَك وَالْعَصْرَ إذَا كَانَ ظِلُّك مِثْلَيْك مَعْنَاهُ فَتَكُونُ قَدْ أَدْرَكْت وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَمِيعِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا هُوَ آخِرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا وَقْتَ لِلْمَغْرِبِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ الْغَبَشُ بَقَايَا ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْغَلَسُ وَهَذَا عَلَى مَعْنَى تَفْضِيلِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (ش) : قَوْلُهُ «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ» يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاتَهُمْ الْعَصْرَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ كَانَ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ وَلَا يُقَالُ هَذَا إلَّا فِيمَا يَكْثُرُ وَيَتَكَرَّرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُصَلُّونَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي الْوَقْتِ وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يُثَابِرُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عُمَّالًا فِي الْحَوَائِطِ فَيَتَأَهَّبُونَ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَتَتَأَخَّرُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُمْ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى وَسَطِهِ فَكَانَ مَنْ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَأْتِيهِمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ صَلَاتِهِ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» ) . (ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ تَوْكِيدٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمُبَيِّنٌ أَنَّ صَلَاتَهُمْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَنَّ الذَّاهِبَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قُبَاءَ وَهُوَ مِنْ أَدْنَى مِنْ الْعَوَالِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ نَحْوُ الْمِيلَيْنِ أَوْ دُونُ يَأْتِيهَا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَحَكَى أَبُو الْمُطَرِّفِ الْقَنَازِعِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ «ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي» وَالْعَوَالِي فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ وَقُبَاءُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فَلِهَذَا لَمْ يُتَابَعْ مَالِكٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَصْرَ كَانَتْ تُصَلَّى أَوَّلَ وَقْتِهَا وَكَلَامُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ أَنَّ اللَّيْثَ إذَا خَالَفَ مَالِكًا فِي الزُّهْرِيِّ قُضِيَ لِمَالِكٍ لِأَنَّهُ أَوْثَقُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَأَحْفَظُهُمْ وَلَيْسَ اللَّيْثُ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الْعَوَالِيَ فِي

[وقت الجمعة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ) . وَقْتُ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَرَى طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُطْرَحُ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQطَرَفِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ قُبَاءَ مِنْ الْعَوَالِي وَهِيَ مِنْ أَدْنَى الْعَوَالِي إلَى الْمَدِينَةِ وَمَالِكٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا لِأَنَّهَا بَلْدَتُهُ وَمُنْشَؤُهُ فَكَيْفَ يُقْرَنُ بِهِ اللَّيْثُ فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ دُخُولَ الْمُسَافِرِ وَلَمْ يَطُلْ فِيهَا مُقَامُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ كَمَا يَرْوِيهِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْهُ. وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْعَوَالِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعَوَالِيَ فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ وَإِنَّ قُبَاءَ أَبْعَدُ مِنْهَا. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا» . وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُتَابَعْ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ تَقْتَضِي أَنَّ الْعَصْرَ كَانَتْ تُصَلَّى قَبْلَ وَقْتِهَا كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا يَمْشِي الْفَرْسَخَ وَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْوَقْتُ وَلَيْسَ الْوَقْتُ مِنْ الضِّيقِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ ذَلِكَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِهِمْ عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ بِهَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ اللَّيْثِ إلَّا اللَّفْظُ بَلْ رِوَايَةُ مَالِكٍ أَشَدُّ تَحْقِيقًا وَقَوْلُهُمْ إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ رُوَاةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ «فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ» كَمَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ أَنْبَأَنَا بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (ش) : الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ أَنَّهُ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَصَدَ الِاحْتِجَاجَ بِفِعْلِهِمْ وَتَصْحِيحَ مَا ذُهِبَ إلَيْهِ بِنَقْلِ مِثْلِهِ عَنْهُمْ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِبْرَادِ فِي الصَّيْفِ وَوَقْتَ الْحَرِّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ تَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِ الزَّوَالِ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً بَعْدَ أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا فَهُوَ أَوَّلُ الْعَشِيِّ. [وَقْتُ الْجُمُعَةِ] (ش) : قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ كُنْت أَرَى طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الطَّنَافِسُ هِيَ الْبُسُطُ كُلُّهَا وَاحِدَتُهَا طِنْفِسَةٌ كَذَلِكَ رَوَيْنَا بِالْكَسْرِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِي مُقَيَّدًا طِنْفِسَةٌ بِالْكَسْرِ وَطُنْفُسَةٌ بِالضَّمِّ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّنْفَسَةُ بِالْفَتْحِ وَعَرْضُ الطِّنْفِسَةِ الْغَالِبُ مِنْهَا وَإِلَّا كَثُرَ مِنْ جِنْسِهَا ذِرَاعَانِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تُطْرَحُ يَجْلِسُ عَلَيْهَا عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَيُصَلِّي عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ عَلَى الْحَصَبِ وَجُلُوسُهُ وَقِيَامُهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ يُصَلِّي عَلَى طِنْفِسَةٍ فِي الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَسْجُدُ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْحَصَبِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الطَّنَافِسِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ بَاقِيًا عَلَى صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَإِنَّهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِمَلَلٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ لِلتَّهْجِيرِ وَسُرْعَةِ السَّيْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرُورَةِ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَهَذَا الْجِدَارُ وَإِنْ كَانَ غَرْبِيًّا فَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْغَرْبِ لِأَنَّ قِبْلَةَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ إلَى وَسَطِ الْجَنُوبِ وَانْحِرَافُهَا إلَى الْمَشْرِقِ كَثِيرٌ فَجِدَارُهُ الْغَرْبِيُّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ الظِّلُّ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يَمْتَدُّ الذِّرَاعَيْنِ وَنَحْوَهُمَا بِقَدْرِ الطِّنْفِسَةِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّحْدِيدُ بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ عَايَنَ الْمَوْضِعَ أَوْ عَرَفَ السَّعَةَ وَمِقْدَارَ ارْتِفَاعِ الْحَائِطِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ لِامْتِدَادِ الظِّلِّ وَانْحِرَافِ الْجِدَارِ فَيَكُونُ لَهُ ظِلٌّ قَبْلَ الْفَيْءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَائِطُ قَدْ غُيِّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَفْعٍ وَوَضْعِ رَفٍّ عَلَيْهِ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ زَادَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا إيَاسُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ حَدَّثَنِي أَبِي وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ» فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْحِيطَانُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ لَهَا عُلُوٌّ وَلَا رَفٌّ تَقْتَضِي الظِّلَّ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ أَوْ يَكُونُ خَبَرُ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ حِيطَانٍ مُعْتَدِلَةٍ إلَى الْجَنُوبِ مِنْ دُورِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا. وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ مَمْدُودٌ وَقَدْ زَاغَتْ الشَّمْسُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ خُرُوجِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هُوَ إذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ظِلُّهُ قَدْ غَشِيَ بَعْضَهَا قَبْلَ خُرُوجِ عُمَرَ وَقِيلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الزَّوَالُ وَقَوْلُهُ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ يُقَالُ الْجُمُعَةُ وَالْجُمُعَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى عِلْمِ السَّامِعِ بِالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ الْمَشْرُوعِ فِي ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا بَسْطُ الطِّنْفِسَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَقَّى بَرْدُ الْأَرْضِ وَالْحَصْبَاءِ بِالْحُصْرِ وَالْمُصَلَّيَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ يُرِيدُ بِالْمُصَلَّيَاتِ الطَّنَافِسَ وَكُرِهَ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ يَتَّكِئَ فِيهِ عَلَى وِسَادٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْفِرَاشِ وَالْإِتْكَاءَ عَلَى الْوِسَادِ يُنَافِي التَّوَاضُعَ الْمَشْرُوعَ فِي الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمَدِّ حَرُّ الشَّمْسِ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ ارْتِفَاعُهَا عِنْدَ طُلُوعِهَا قَالَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْقَطَّانُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْمَمْدُودِ وَالْمَقْصُورِ وَبَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ يَجْعَلُ الضُّحَى وَالضَّحَاءَ مِثْلَ النَّعْمَاءِ وَالنُّعْمَى وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الضُّحَى مِنْ حِينِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَتَبْيَضَّ الشَّمْسُ جِدًّا ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّحَاءُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الضُّحَى حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَالضَّحَاءَ إذَا ارْتَفَعَتْ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِعُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيُدْرِكُونَ مَا فَاتَهُمْ مِنْ رَاحَةِ قَائِلَةِ الضَّحَاءِ بِالتَّهْجِيرِ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ سُنَّتَهَا أَنْ يُهَجَّرَ إلَيْهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَأَنْ تُصَلَّى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّ فِي تَعْجِيلِهَا إدْخَالُ الرَّاحَةِ عَلَى النَّاسِ بِسُرْعَةِ رُجُوعِهِمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَوَّلُ وَقْتِ الْجُمُعَةِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى حَسَبِ انْقِسَامِهِ فِي الضَّرُورَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُمُعَةَ بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا كَوَقْتِهَا وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَالْفَضِيلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا. (ش) : قَوْلُهُ

[من أدرك ركعة من الصلاة]

مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ إذَا فَاتَتْك الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْك السَّجْدَةُ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِمَلَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ عُثْمَانَ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُفِدْ قَوْلُهُ تَعْجِيلَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَلَلٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَفَسَّرَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ لِلتَّهْجِيرِ وَسُرْعَةِ السَّيْرِ يَعْنِي إدْرَاكَهُ صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا بِمَلَلٍ. [مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ جَمِيعَهَا بِالْفِعْلِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ أَدْرَكَ حُكْمَهَا مِثْلُ أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَكُونَ مُدْرِكًا لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ صَلَّى مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدْرِكًا لِوَقْتِهَا وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بَعْدَ وَقْتِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ أَنَّ فَضِيلَةَ الْإِدْرَاكَيْنِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا أَتَمُّ فَضِيلَةً مِنْ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى جَمِيعَ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا أَتَمُّ فَضِيلَةً مِمَّنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهَا فِي وَقْتِهَا إلَّا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ يَخْتَلِفُ فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُكَبِّرُ فِيهِ لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَرْكَعُ فَيَطْمَئِنُّ رَاكِعًا ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَطْمَئِنُّ قَائِمًا ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَطْمَئِنُّ سَاجِدًا ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَطْمَئِنُّ جَالِسًا ثُمَّ يَسْجُدُ فَيَطْمَئِنُّ سَاجِدًا ثُمَّ يَقُومُ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ مُدْرِكًا لِحُكْمِ الْوَقْتِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ. وَأَمَّا إدْرَاكُهُ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَنْ يُكَبِّرَ لِإِحْرَامِهِ قَائِمًا ثُمَّ يُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ لَهَا وَلَا يَحْمِلُ عَنْهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَلَا الْقِيَامَ بِسَبَبِهَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عَقْدُ الصَّلَاةِ وَمَوْضِعُ النِّيَّةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ الْإِمَامُ قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ تَمَامُ رُكُوعِهَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلْمَأْمُومِ الدُّخُولَ مَعَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَرْفَعْ وَالِاعْتِدَادَ بِمَا يَعْمَلُهُ مَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِمَا يَعْمَلُهُ مَعَهُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ آخِرَ عَمَلِ الرُّكُوعِ وَلِذَلِكَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَخَافَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ هُوَ الصَّفَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَيَرْكَعَ وَيَدِبَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَثَبَتَ أَنَّ إدْرَاكَ الْإِمَامِ يَحْصُلُ بِمَا يَخَافُ أَنْ يَفُوتَ بِهِ وَهُوَ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا فَاتَتْك الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْك السَّجْدَةُ يَعْنِي أَنَّهُ يَفُوتُ الِاعْتِدَادُ بِهَا لِأَنَّ إدْرَاكَهَا مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ مُشَاهَدٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهَا وَإِنَّمَا يَعْتَدُّ بِهَا إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ) ش قَوْلُهُمَا مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ يُرِيدُ أَنَّ بِإِدْرَاكِ السَّجْدَةِ الِاعْتِدَادَ بِهَا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَعْتَدُّ بِالسَّجْدَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَا يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ قَدْ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ فِي الْوَقْتِ مَنْ لَا يُدْرِكُ السَّجْدَةَ.

[ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل]

أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ) . مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا) . جَامِعُ الْوُقُوتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الِاعْتِدَادَ بِالسَّجْدَةِ وَلَيْسَتْ فَضِيلَةُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ دُونَ قِرَاءَةٍ كَفَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِهَا وَأَشَارَ مِنْ ذَلِكَ إلَى فَضِيلَةِ حُضُورِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ فَضِيلَةِ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَالدَّاوُدِيُّ إنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ آمِينَ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِلْإِمَامِ لَا تَسْبِقْنِي بِ آمِينَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ لِإِدْرَاكِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ هَاهُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي أَدْرَكَ إنَّمَا هِيَ بِجَمِيعِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ حُضُورَ قِرَاءَةِ جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ يَدْخُلُ فِيهَا فَضِيلَةُ إدْرَاكِ آمِينَ وَغَيْرِهَا وَفِي هَذَا الْأَثَرِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ جَاءَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَبَّرَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَتْبَعُ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَبْلَ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ لَمَا وُصِفَ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوصَفُ بِفَوَاتِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. [مَا جَاءَ فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ وَغَسَقِ اللَّيْلِ] (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ مَعَ مَا يَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ وَصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ وَإِذَا كَانَ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَالنَّابِغَةِ فِي اللُّغَةِ فَبِأَنْ يُحْتَجَّ بِقَوْلِهِ أَوْلَى وَالْمَيْلُ بِتَسْكِينِ الْيَاءِ فِيمَا لَيْسَ بِخِلْقَةٍ ثَابِتَةٍ يُقَالُ مَالَتْ الشَّمْسُ مَيْلًا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] وَأَمَّا الْخَلْقُ وَالْأَجْسَامُ فَبِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ فِي أَنْفِهِ مَيَلٌ وَفِي الْحَائِطِ مَيَلٌ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ دُلُوكُ الشَّمْسِ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ) . (ش) : دُلُوكُ الشَّمْسِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَيْلٍ لَهَا فَابْتِدَاءُ دُلُوكِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَهُوَ دُلُوكٌ أَيْضًا وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَقْتُ إقَامَةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا دُلُوكٌ أَيْضًا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ دُلُوكٌ أَيْضًا وَهُوَ حَدٌّ لِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلِذَلِكَ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا فَاسْمُ الدُّلُوكِ وَاقِعٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهَا بَعْضُ ذَلِكَ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ وَصَفَ اللَّيْلَ بِالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْوَقْتُ وَلَا يُوصَفُ بِالِاجْتِمَاعِ وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ بِذَلِكَ ظَلَامُهُ وَقَوْلُهُ وَظُلْمَتُهُ عَطْفٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ سَوَادُهُ. [جَامِعُ الْوُقُوتِ] (ش) : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى الْفَوَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّك مِثْلَيْك وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الدَّاوُدِيُّ وَذَكَرَ سَحْنُونٌ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَلَقِيَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ فَقَالَ لَهُ مَا حَبَسَك عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَذَكَرَ الرَّجُلُ لَهُ عُذْرًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ طَفَّفْت قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَفَاءٌ وَتَطْفِيفٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» قَالَ يُرِيدُ فِيمَا تَرَى وَقْتَهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ هُوَ الَّذِي تَغْرُبُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا شَيْئًا وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ وَقَالَ الْفَوَاتُ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ النَّهَارُ كُلُّهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِلَفْظِ الْفَوَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ التَّأْوِيلَانِ عَنْ نَافِعٍ فَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ بِإِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت لِنَافِعٍ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَرَوَى الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» وَمَعْنَى الْفَوَاتِ أَنْ لَا يُمْكِنَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي النَّاسِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ وَتْرَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَوَاتُ ثَوَابٍ يُدَّخَرُ لَهُ فَيَكُونُ مَا فَاتَهُ مِنْ ثَوَابِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهَا مِثْلَ مَا فَاتَ الْمَوْتُورَ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى وَتْرِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِأَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَسَفُ وَالنَّدَمُ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةُ مِنْهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَامِدًا وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُ مِنْ الثَّوَابِ مِثْلُ مَا فَاتَ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ دُونَ ثَوَابٍ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الثَّوَابِ مَا يَلْحَقُ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَعَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِرْجَاعُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ وَإِنْ اسْتَرْجَعَ مَعَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] . وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى مَنْ وُتِرَ أَهْلَهُ اُنْتُزِعُوا مِنْهُ وَذُهِبَ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : ذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ ابْنُ حَدِيدَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ طَفَّفْت أَيْ نَقَصْت نَفْسَك حَظَّهَا يُرِيدُ أَنَّهُ نَقَصَ حَظَّهَا مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ جَمَاعَةً إذَا كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ قَدْ صَلَّى فِيهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُخَاطَبُ يُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْفَذِّ وَيُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَهُ وَقْتُهَا وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ) . (ش) : قَالَ مَالِكٌ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَوَسَطِهِ وَكُرِهَ التَّضْيِيقُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ظَاهِرَهُ يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الَّذِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَجَعَلَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ فِي بَعْضِ وَقْتِهَا وَلَمْ يَفُتْهُ الْوَقْتُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ مِنْهُ بِفَوَاتِ أَوَّلِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَجَعَلَ فِي فَوَاتِ بَعْضِ الْوَقْتِ أَعْظَمَ مِمَّا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَوَاتِ جَمِيعِهِ وَفِي ذَلِكَ أَشَدُّ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ ذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى قَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فَقَدْ فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَلَا أَقُولُ فَاتَهُ الْوَقْتُ كُلُّهُ حَتَّى تَغْرُبَ

(ص) : (مَالِكٌ مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . (ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَخَرَجَتْ عَنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّمْسُ فَجَعَلَ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَلَى فَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَكَأَنَّ هَذَا يَنْحُو إلَى تَأْوِيلِ ابْنِ وَهْبٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا السَّهْوُ الذُّهُولُ عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَهُ ذِكْرٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ الذِّكْرُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا مَنْ غَفَلَ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْوَقْتِ جُمْلَةً أَوْ غَفَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَأْتِيَ بِاللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْحَضَرِ إذَا قَدِمَ عَلَى أَهْلِهِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا فِي الْحَضَرِ وَقَدْ كَانَ الْمُصَلِّي مُخَيَّرًا بَيْنَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِي وَسَطِهِ وَآخِرِهِ فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا فِي وَسَطِهِ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي آخِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ حَضَرِيَّةً وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا وَسَافَرَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَرْضُهُ الْإِتْمَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ وَأَوَّلِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَتِهَا بِوَقْتِ وُجُوبِهَا وَوَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَهُ تَعْيِينُهُ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ مِنْهُ وَالتَّعْيِينُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْفِعْلِ دُونَ النِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فَإِذَا أَخَّرَهَا حَتَّى سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ عَيَّنَ وَقْتَ الْوُجُوبِ فِيهِ وَهُوَ فِي حَالِ سَفَرِهِ فَلَزِمَتْهُ سَفَرِيَّةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يُرَاعِي مَنْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ فِي ذَلِكَ رَكْعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ فَمِقْدَارُ رَكْعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَمِقْدَارُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَبْقَى رَكْعَةُ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَمِقْدَارُ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْأَصْلِ إذَا خَرَجَ لِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ يُصَلِّيهَا حَضَرِيَّةً. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ قَدِمَ وَقَدْ ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضِيهَا حَضَرِيَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَقْضِيَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْضَى عَلَى حَسَبِ مَا تُؤَدَّى عَلَيْهِ مِنْ قَصْرٍ أَوْ إتْمَامٍ أَصْلُهُ إذَا نَسِيَهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً سَفَرِيَّةً فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْضِيَهَا سَفَرِيَّةً فَإِنْ أَتَمَّهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ وَمَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَصْرَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ قَالَ يَجِبُ قَصْرُهَا وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا سَفَرِيَّةً فَجَعَلَ لِذِكْرِهَا فِي الْحَضَرِ تَأْثِيرًا وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا إنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَخْرُجُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ كَسَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي يُجِدُّ بِهِ السَّيْرُ وَيُرِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَهَذَا عُدُولٌ مِنْهُ عَنْ الظَّاهِرِ مَعَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ إلَّا فِي الْوَقْتِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ ذَهَبَ فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخْتَارِ لَهُمَا وَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِذَلِكَ السَّبَبِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْتَارِ لَهُمَا وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ وَقْتَ الِاشْتِرَاكِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يَنْقَضِي بِمَغِيبِ الشَّفَقِ وَأَنَّ مَا بَعْدَهُ يَخْتَصُّ بِالْعِشَاءِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ هُوَ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَخْتَصُّ بِالْمَغْرِبِ وَلَا يَتَّجِهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ إلَّا بِمِقْدَارِ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِيهِ بَدَلًا مِنْ الْأُخْرَى وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْمَرَاغِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ» وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : هَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ حَتَّى انْقَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُغْمَ عَلَيْهِ إلَّا عَنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَضَى الصَّلَاةَ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ مِنْ الصَّلَاةِ مَا أُخِّرَ وَقْتُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَثِيرُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ فَرْضَهَا قَلِيلُهُ كَالْحَيْضِ وَسَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مَرَضٌ أَوْ عَرَا عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْوَقْتِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي أَفَاقَ فِي وَقْتِهَا لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَهَذَا قَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدْرِكًا لِجَمِيعِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْوَقْتُ الَّذِي يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِهِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ وَالْحَائِضُ تَطْهُرُ وَالصَّبِيُّ يَحْتَلِمُ وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِقْدَارَ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَهَذَا لِلْمُقِيمِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الصَّلَاتَيْنِ بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا مِقْدَارَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَفَاتَتْهُ الظُّهْرُ وَهَذَا حُكْمُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَمَّا الْمُقِيمُ فَإِنْ أَدْرَكَ مِقْدَارَ خَمْسِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاتَيْنِ وَإِنْ أَدْرَكَ مِقْدَارَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ دُونَ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ قَدْ خَرَجَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلَيْنِ إلَيْهِمَا تَعَدَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَعَلَيْهِمَا تَرَتَّبَتْ وَرُبَّمَا قِيلَ أَحَدُهُمَا أَصْلٌ لِلْآخَرِ فَأَمَّا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ يَخْتَصُّ بِالْعَصْرِ لَا مُشَارَكَةَ فِيهِ لِلظُّهْرِ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ جَمِيعَ الْوَقْتِ مِنْ الزَّوَالِ وَالْعَصْرِ بِمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلتَّرْتِيبِ فَإِذَا سَقَطَ فَرْضُ الْعَصْرِ بِوَجْهٍ مَا وَبَقِيَ فَرْضُ الظُّهْرِ جَازَ أَنْ يُؤَدَّى قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَيَكُونُ الْمُصَلِّي لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ. مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يَخْتَصُّ بِالْمَغْرِبِ وَمَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ يَخْتَصُّ بِالْعِشَاءِ وَوَقْتِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الِاشْتِرَاكُ مِنْ وَقْتِ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهَا كَالصُّبْحِ. وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا أَنَّ الْأُولَى تَسْقُطُ فَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُدْرِكُ الرَّكْعَةَ مُدْرِكًا لَهُمَا وَأَنْ تَسْقُطَ الْآخِرَةُ لِتَقَدُّمِ الْأُولَى فِي الرُّتْبَةِ فَلَمَّا سَقَطَتْ الْأُولَى مَعَ تَقَدُّمِهَا وَثَبَتَتْ الثَّانِيَةُ مَعَ تَأَخُّرِهَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْتَ لِلثَّانِيَةِ خَاصَّةً دُونَ الْأُولَى يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إذَا اجْتَمَعَتَا قُدِّمَتْ الْأُولَى عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا وَقْتُ الْعَصْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ أَصْلُهُ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ السَّفَرَ لَا يَنْقُلُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَ الظُّهْرَ إلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا الْفَجْرَ إلَى مَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ بِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ فِي الْحَضَرِ لَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ وَقْتًا لَهُمَا فِي السَّفَرِ وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاتَيْنِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ إدْرَاكُ وَقْتِهَا بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا أَوَّلًا أَوْ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْآخِرَةِ أَوَّلًا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُولَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْتَبِرُ أَوَّلًا بِإِدْرَاكِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُفِيقَ مُغْمًى عَلَيْهِ لِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُولَى فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لِلْمَغْرِبِ ثُمَّ رَكْعَةً مِنْ الْعِشَاءِ وَإِنْ قُلْنَا يَبْدَأُ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ النَّظَرَ فِي وَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ أَدَائِهَا مِنْ التَّرْتِيبِ فَيَكُونَ أَوَّلًا فِي الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَنَاوَلُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْعِشَاءَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ آخِرَ الصَّلَاتَيْنِ أَحَقُّ بِآخِرِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا تَسْقُطُ الْأُولَى فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِي الْوَقْتِ بِالثَّانِيَةِ مِنْهُمَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهَا مِنْ الْوَقْتِ شَيْءٌ كَانَ لِلْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَتْ الْأُولَى. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي تُحَصِّلُ بِهِ الْحَائِضُ مُدْرَكَةً لِلْوَقْتِ أَنْ تَكْمُلَ طَهَارَتُهَا وَتَتَمَكَّنَ مِنْ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْهُ مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إنْ كَانَتْ مُقِيمَةً أَوْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِوَقْتِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ كَمَالِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ فَأَمَّا الْكَافِرُ يُسْلِمُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ يُرَاعِي وَقْتَ إسْلَامِهِ دُونَ فَرَاغِهِ مِنْ طَهُورِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِضِ أَنَّهُ عَاصٍ بِتَرْكِ الطَّهُورِ وَالصَّلَاةِ وَلَا تَعْصِي بِذَلِكَ الْحَائِضُ وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَأَجْرَاهُ مَالِكٌ مَجْرَى الْحَائِضِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ غَيْرُ مَلُومٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ كَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حِينَ يُفِيقُ مِنْ الصَّلَاةِ كَالْكَافِرِ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْمُحْدِثِ وَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَمَا قَالَهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلِمُنَازِعِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ حَدَثَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كَاَلَّتِي انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُهَا وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ يُسْلِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ كَالْحَائِضِ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ غُسْلِهَا وَكَذَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ الْإِسْلَامِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ إسْلَامِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ مُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي نَسِيَ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقْتٌ لِلصَّلَاتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْوَقْتِ

النَّوْمُ عَنْ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ، وَقَالَ لِبِلَالٍ اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الرَّكْبِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَادُوا فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ وَاقْتَادُوا شَيْئًا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ ثُمَّ قَالَ حِينَ قَضَى الصَّلَاةَ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يُصَلِّي ظُهْرًا وَلَا عَصْرًا وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُصَلِّي مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ اسْتَوْعَبَ الصَّلَاةَ الْأُولَى لِلْوَقْتِ وَسَقَطَ فَرْضُ مَا بَعْدَهَا لَمَّا كَانَتْ أَحَقَّ مِنْهَا بِالْوَقْتِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ مُغْمًى عَلَيْهِ أَدْرَكَ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِمَا الْفَائِتَةُ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ الْوَقْتَ مُخْتَصٌّ بِهَا وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الظُّهْرِ وَهَذَا حُكْمُ إفَاقَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَطُهْرِ الْحَائِضِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَأَمَّا مَا يَطْرَأُ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِهَا مِقْدَارَ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ فَقَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُقِيمٌ لِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ لِمِقْدَارِ رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمِقْدَارِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الْمُقِيمِ أَوْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الْمُسَافِرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمِقْدَارِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ لِلْمُقِيمِ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ كَانَ لِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَسْقُطُ فَرْضُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يَسْقُطُ فَرْضُ الْعِشَاءِ وَيَقْضِي الْمَغْرِبَ وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَطَرَأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَعَلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمُحَمَّدٍ يَسْقُطُ فَرْضُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ جَمِيعَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَمِقْدَارَ رَكْعَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَسْقُطُ فَرْضُ الْعِشَاءِ وَيَقْضِي الْمَغْرِبَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مُقِيمٍ لِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَهُوَ نَاسٍ لِلْعَصْرِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا الظُّهْرَ مُصَلِّيًا لِلْعَصْرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَقْضِي الظُّهْرَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْضِي الظُّهْرَ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ فَرِوَايَةُ عِيسَى وَسَحْنُونٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ وَرِوَايَةُ يَحْيَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ يَخْتَصُّ بِالْعَصْرِ وَأَخَذَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاحْتِيَاطِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي رِوَايَةِ عِيسَى وَسَحْنُونٍ أَخَذَ بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى أَخَذَ بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَلَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ الظُّهْرَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَالْعَصْرَ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ ثُمَّ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ مِنْ النَّهَارِ لَمْ تَقْضِ الظُّهْرَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَضَتْهَا فِي قَوْلِ الْآخَرِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[النوم عن الصلاة]

فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [النَّوْمُ عَنْ الصَّلَاةِ] (ش) : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «حِينَ قَفَلَ مِنْ خَيْبَرَ» غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ حِينَ قَفَلَ مِنْ حُنَيْنٍ وَلَمْ يَعْرِضْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً حِينَ رَجَعَ مِنْ حُنَيْنٍ إلَى مَكَّةَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ نَوْمَهُ ذَلِكَ كَانَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ فِي زَمَنِ خَيْبَرَ وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ وَقَوْلُهُ أَسْرَى يَعْنِي سَارَ لَيْلًا وَيُقَالُ أَسْرَى وَسَرَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَسَيْرُ اللَّيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَخَوْفٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ إلَّا أَنَّ الْفَضْلَ مَعَ الْمُتَمَكِّنِ نَوْمُ اللَّيْلِ وَسَيْرُهُ آخِرَهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسَ» التَّعْرِيسُ نُزُولُ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعَرِّسِ التَّنَحِّي عَنْ الطَّرِيقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَقَّهَا وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَأَسْرِعُوا السَّيْرَ وَإِذَا أَرَدْتُمْ التَّعْرِيسَ فَتَنَكَّبُوا عَنْ الطَّرِيقِ» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «اكْلَأْ لَنَا الصُّبْحَ» دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أَمْرِ الشَّرِيعَةِ وَأَعْظَمِهَا شَأْنًا إلَى قَوْلِ بِلَالٍ وَحْدَهُ. 1 - وَقَوْلُهُ «وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ» إرَادَةُ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ لِمَا أَدْرَكَهُمْ مِنْ نَصَبِ السَّفَرِ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ النَّوْمَ قُرْبَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَمَادَى بِهِ النَّوْمُ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّجْوِيزِ يَلْحَقُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ اللَّيْلَ وَأَفْرَدَ بِلَالًا بِحِفْظِ الْوَقْتِ لِمَا تَوَهَّمَ فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَلِعِلْمِهِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَكَلَأَ بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ» إخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِعْلَ بِلَالٍ كَانَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْذِيبٌ لِلْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَنْفُونَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ «ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ» إخْبَارٌ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ حِفْظَ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى رَاحِلَتِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى حِفْظِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ قَابَلَهُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «لَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ الرَّكْبِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ» يُرِيدُ نَالَهُمْ شُعَاعُهَا وَضَوْءُهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ إنَّ فَزَعَهُ كَانَ لِأَجْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ رَجَعَ مِنْ غَزْوِهِمْ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ وَيَطْلُبُوا أَثَرَهُ فَيَجِدُوهُ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ نِيَامًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَصِحُّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ فَزَعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فَاتَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ نَابَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَفَزِعَ لَهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْخَبَرِ فَلِذَلِكَ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ «قَالَ لِلنَّاسِ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا» فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ لَهُمْ بِأَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ نَابَهُ مِثْلُ هَذَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك» اعْتِذَارٌ مِنْهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ لَمْ يَقُمْ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ يُرِيدُ غَلَبَ نَفْسِي الَّذِي غَلَبَ عَلَى نَفْسِك وَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ مُرَادِي مِنْهَا الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَعَّالُ لَمَا يُرِيدُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْتَادُوا» يُرِيدُ أَنْ يَقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ قَالَ فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ وَاقْتَادُوا شَيْئًا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالِاقْتِيَادِ مَعَ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ بِإِثْرِ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ وَتَرْكِ كُلِّ مَا مَنَعَ فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ هُوَ مَنْسُوخٌ قَالَ عِيسَى نَسَخَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَنَسَخَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ النَّاسِخَ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَفِعْلُهُ هَذَا بَعْدَ هِجْرَتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بِأَعْوَامٍ وَلَا يُنْسَخُ الْحُكْمُ قَبْلَ وُرُودِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» أَقْرَبُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَجَعَلَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْمَكِّيَّةِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا يُنْسَخُ بِهِ فِعْلُهُ فِي الْمَدِينَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ نَظَرًا إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ دَعْوَى النَّسْخِ فِيهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا مِمَّنْ مَنَعَ نَسْخَ هَذَا الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالِاقْتِيَادِ لِئَلَّا يَبْقَى مِنْ أَصْحَابِهِ نَائِمٌ وَقَدْ كَانُوا نَصِبُوا مِنْ طُولِ السَّرْيِ فَأَشْفَقَ أَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ لَا يَسْتَيْقِظُونَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالرَّحِيلُ يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ وَيُوقِظُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَبْيَنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ وَجْهَ الِاقْتِيَادِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَادِي بِمَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» وَهَذِهِ عِلَّةٌ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهَا فَلَا يَلْزَمُنَا الْعَمَلُ بِهَا وَمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنَّا لِصَلَاةٍ فِي بَطْنِ وَادٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ فِيهِ شَيْطَانٌ أَمْ لَا. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ نَحْوَ هَذَا وَلَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ الْوَادِيَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَجَرَى لَنَا فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ بَقِيَ الشَّيْطَانُ فِيهِ أَمْ لَا وَلَعَلَّهُ قَدْ ذَهَبَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا تَرْكُ الْعِبَادَةِ إلَى صَلَاةٍ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَتَعَيَّنَ فِعْلُهَا لِعِلَّةٍ لَا نَدْرِي هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ أَمْ لَا وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ وَأَمْرَهُ بِالِاقْتِيَادِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ انْتَبَهَ فِي حِينِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ ذَلِكَ الْوَقْتَ عِنْدَهُ فَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِيَادِ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ عَنْ الْأُفُقِ وَيَتِمَّ طُلُوعُهَا فَتَجُوزَ الصَّلَاةُ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَوْنَهَا فِي الْأُفُقِ لَا يَكُونُ لَهَا ضَوْءٌ يَضْرِبُ شَيْئًا مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنَّمَا تَضْرِبُ النَّاسَ الشَّمْسُ وَيَرْتَفِعُ ضَوْءُهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا مِنْ الْأُفُقِ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «فَمَا أَيْقَظَنَا إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ» وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَمَكُّنِ ارْتِفَاعِهَا وَمِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ فَجَعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ الْوَادِي وَاقْتِيَادِهِمْ رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ وَمُوجِبًا لِلِاقْتِيَادِ لَعَلَّلَ بِهِ وَلَقَالَ اقْتَادُوا فَإِنَّ الشَّمْسَ طَالِعَةٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ يُجَوِّزُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَا الْوَقْتِ صُبْحَ يَوْمِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ غَيْرَهَا مِنْ الْفَوَائِتِ وَاَلَّذِي امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَدَائِهَا فِي الْوَادِي هِيَ صُبْحُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَعَهُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ بِهِمْ» رَوَاهُ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ فَأَقَامَ عَلَى الْيَقِينِ رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْر «ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ» وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَصَحُّ وَأَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَذَانِ لِلْفَوَائِتِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ أَوْ صَلَوَاتٌ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَيُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤَذَّنُ لِلْفَوَائِتِ وَيُقَامُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ سُفْيَانُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ إعْلَامٌ لِلنَّاسِ بِالْوَقْتِ وَدُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْجَمَاعَةِ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِوَقْتِ إعْلَامِهِمْ وَلَا وَقْتِ دُعَائِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ فِي الْأَذَانِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهَا تَخْلِيطًا عَلَى النَّاسِ وَإِذَا اخْتَصَّ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي الْفَوَائِتِ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَالنَّوَافِلِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَذَانَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْأَذَانِ الْمَشْرُوعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْفَوَائِتِ حَدِيثُ مَالِكٍ الْمَذْكُورُ وَفِيهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ بِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِقَامَةَ ذِكْرٌ شُرِعَ فِي اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا فَكَانَ لَازِمًا لِلْفَوَائِتِ وَغَيْرِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً يَخَافُ فَوَاتَهَا إنْ أُذِّنَ لَهَا وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ يَلْزَمُهُمْ الْأَذَانُ فِي الْوَقْتِ فَلْيُقِيمُوا وَلْيُصَلُّوا جَمَاعَةً وَيَتْرُكُوا الْأَذَانَ فَإِنْ خَافُوا الْفَوَاتَ بِالْإِقَامَةِ صَلَّوْا بِغَيْرِ إقَامَةٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا وَالْوَقْتُ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ لِلْفَضَائِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَهَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ قَبْلَهَا أَمْ لَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْكَعُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَرْكَعُ الْفَجْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَهَذَا يَنْفِي فِعْلَ صَلَاةٍ قَبْلَهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ يَتَعَيَّنُ وَقْتُهَا بِالذِّكْرِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا تُفْعَلُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ غَيْرُهَا فِيهِ كَمَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا الْمُعَيَّنُ بِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا رُوِيَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ شَيْطَانٌ قَالَ فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ» بَيَانٌ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا فَاتَتْ جَمِيعَهُمْ الصَّلَاةُ صَلَّوْهَا جَمَاعَةً بَعْدَ وَقْتِهَا وَهَذَا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْجُمُعَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ حِينَ قَضَى الصَّلَاةَ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى فِقْهِ مَا فَعَلَهُ وَإِخْبَارٌ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالرَّحِيلِ مِنْ الْوَادِي وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فَرْضَ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يَشْتَغِلَ بِرَحِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ لَكِنَّ الرَّحِيلَ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » تَنْبِيهٌ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَأَخَذَهُ مِنْ الْآيَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ الْأَمْرَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ فِيهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَقَالَ مُجَاهِدٌ مَعْنَاهُ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي فِيهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَقِمْ الصَّلَاةَ لَأَنْ أَذْكُرَك بِالْمَدْحِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَقِمْ الصَّلَاةَ إذَا ذَكَرْتنِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَقِمْ حِينَ تَذْكُرُهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا أَبْيَنُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِهِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِذِكْرِي غَيْرَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إذَا ذَكَرَهَا لَمَا صَحَّ احْتِجَاجُهُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ وَقَدْ قُرِئَ أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي وَوَجْهُ إضَافَةِ الذِّكْرِ إلَى الْبَارِئِ تَعَالَى لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ لَهُ فَمَنْ ذَكَرَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ فَرَقَدَ بِلَالٌ وَرَقَدُوا حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ وَقَدْ فَزِعُوا فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي وَقَالَ إنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْزِلُوا وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ أَوْ يُقِيمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَى مِنْ فَزَعِهِمْ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ إلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُهْدِئُهُ كَمَا يُهْدَأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِبَادَةَ ذَكَرَ الْمَعْبُودَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ مُتَقَارِبٌ فِي أَكْثَرِ أَلْفَاظِهَا وَقَوْلُهُ «فَرَكِبُوا حَتَّى خَرَجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي» لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ «فَاقْتَادُوا» إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ وَاقْتَادَ بَعْضُهُمْ وَقَوْلُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَذَانَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقَوْلُهُ «وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ أَوْ يُقِيمَ» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ فِي نَفْيِ التَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا» فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهُمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فَقَالَ أَلَا تُصَلِّيَانِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهَا بَعَثَهَا فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْت ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ سَمِعْته وَهُوَ يُوَلِّي يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» وَإِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَأَسَّفَ عَلَى مَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ وَيَشُقُّ وَلَا يَخِفُّ عَلَيْهِ وَيَسْهُلُ فَوَاتُ مَا فَاتَهُ مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْأَجْرَ الْجَزِيلَ يَحْصُلُ لِلْمُتَأَسِّفِ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الرُّوحَ فَقَالَ «إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا» وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ النَّفْسَ. وَقَالَ «أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّفْسُ وَالرُّوحُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ السَّمْنَانِيُّ وَأَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ الْأَخْبَار فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مَرَّةً بِاسْمِ النَّفْسِ وَمَرَّةً بِاسْمِ الرُّوحِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا» يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مِنْ تَمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي وَقْتِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا» الْخَبَرَ إظْهَارٌ لِنُبُوَّتِهِ وَإِنْبَاءٌ بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِ غَيْبِهِ بِمَا يَنْفَرِدُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا لِمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا لِيُرِيَهُمْ تَحْقِيقَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِمَّا انْفَرَدَ بِلَالٌ بِعِلْمِهِ مِنْ حَالِ نَفْسِهِ فَأَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَقَوْلُهُ يُهْدِئُهُ مِنْ أَهَدَأْت الصَّبِيَّ إذَا ضَرَبْت بِيَدِك

[النهي عن الصلاة بالهاجرة]

النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْهَاجِرَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ وَقَالَ اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ رُوَيْدًا لِيَنَامَ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ «أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ» اسْتِدَامَةُ الْإِيمَانِ وَإِظْهَارٌ لِمَا تَجَدَّدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قُوَّتِهِ بِظُهُورِ الْآيَاتِ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْهَاجِرَةِ] (ش) : الْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِجَهَنَّمَ فَيْحًا وَأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْحِ وَأَمَرَ بِالْإِبْرَادِ بِالصَّلَاةِ مِنْ عِنْدِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُؤَخَّرَ فِعْلُهَا إلَى أَنْ يَبْرُدَ وَقْتُهَا وَقَوْلُهُ «اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْحَقِيقَةُ: وَهُوَ أَنْ يَخْلُقَ لَهَا حَيَاةً وَكَلَامًا فَتَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ. وَالثَّانِيَ: الْمَجَازُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ شَكَا إلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى وَقَوْلُهُ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا يُرِيدُ بِذَلِكَ كَثْرَةَ حَرِّهَا وَأَنَّهَا تَضِيقُ بِمَا فِيهَا وَلَا تَجِدُ مَا تَأْكُلُهُ وَتَحْرُقُهُ حَتَّى يَعُودَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ يُرِيدُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَتَنَفَّسَ فَيَخْرُجَ عَنْهَا بَعْضُ مَا تَضِيقُ بِهِ مِنْ أَنْفَاسِ حَرِّهَا وَزَمْهَرِيرِهَا أَعَاذَنَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ مِنْهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ مَعْنَى الْإِبْرَادِ مَسْأَلَةُ وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ أَنَّا حَدَّدْنَا أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَبَيَّنَّا فَضِيلَةَ أَوْقَاتِهَا بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهَا. وَبَقِيَ عَلَيْنَا الْكَلَامُ فِي الْفَضَائِلِ الَّتِي تَرِدُ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَتَكُونُ لَهَا الْفَضِيلَةُ فِي نَوْعٍ مِنْ التَّأْخِيرِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ أَقَاوِيلُ نَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ثُمَّ نُخَلِّصُ مَعَانِيَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْفَيْءُ ذِرَاعًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوَّلُ الْوَقْتِ أَحَبُّ إلَيْنَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا لِلْعَامَّةِ فِي ذَاتِ أَنْفُسِهَا فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ فَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّيْفِ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ وَمَا بَعْدَهُ قَلِيلًا لِأَنَّ النَّاسَ يَقِيلُونَ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي الشِّتَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ عَنْ أُفُقِ الْمُوَاجِهِ لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَقِيلُونَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ كَرِهَ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَكِنْ بَعْدَ مَا يَتَمَكَّنُ وَيَذْهَبُ بَعْضُهُ فَمَعْنَى التَّأْخِيرِ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْإِبْرَادِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فَحَصَلَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ تَأْخِيرَانِ: أَحَدُهُمَا: لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الْجَمَاعَاتِ دُونَ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذْ هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالتَّأْخِيرُ الثَّانِي: بِمَعْنَى الْإِبْرَادِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْحَرِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَالْفَذُّ فَوَقْتُ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ إلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا وَوَقْتُ التَّأْخِيرِ لِأَجْلِ الْإِبْرَادِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إلَى نَحْوِ الذِّرَاعَيْنِ. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ تَأْخِيرُ الصَّيْفِ الظُّهْرَ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ إلَى أَنْ يَفِيءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ بِإِثْرِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحَرِّ فَأَمَّا فِي الْحَرِّ فَالْإِبْرَادُ بِهَا أَحَبُّ إلَيْنَا وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِبْرَادِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْأَمْرِ بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَنْدُوبٌ إلَى الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِكْمَالِ لِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهَا وَأَقْوَالِهَا وَشِدَّةُ الْحَرِّ تَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْحَقْنِ الَّذِي يَمْنَعُ الْخُشُوعَ وَإِتْمَامَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَكَمَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْعِشَاءِ بِحَضْرَةِ الصَّلَاةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 -

[النهي عن دخول المسجد بريح الثوم]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ) . النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُبْرَدُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَزِيدَ الْمُصَلِّي ذِرَاعًا عَلَى الْقَامَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَرِّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقْتُهَا وَاحِدٌ تُعَجَّلُ وَلَا تُؤَخَّرُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُعَجَّلُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ رُبَاعِيَّةٌ مِنْ صَلَوَاتِ النَّهَارِ فَثَبَتَ فِيهَا الْإِبْرَادُ وَانْتِظَارُ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْعَصْرَ يَكُونُ فِي وَقْتٍ يَخِفُّ الْحَرُّ وَيَطْرَأُ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ مُتَأَهِّبُونَ لِلصَّلَاةِ وَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمَهَا كَالْمَغْرِبِ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِهَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ قَلِيلًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَخَّرُ فِي الشِّتَاءِ قَلِيلًا لِطُولِ اللَّيْلِ وَيُؤَخَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي إفْطَارِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لَمَعَانٍ تُوجِبُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا. (ش) : أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِبْرَادِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَذَكَرَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ التَّأْخِيرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو خَلْدَةَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا رِفْقَ بِتَأْخِيرِهَا بَلْ الرِّفْقُ فِي تَقْدِيمِهَا لِأَنَّ بِتَأْخِيرِهَا يَزِيدُ الْمَانِعُ مِنْ إتْمَامِهَا بِتَزَايُدِ الْبَرْدِ كَمَا تَمَكَّنَ الْعَشِيُّ وَقَرُبَ اللَّيْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِرِيحِ الثُّومِ] (ش) : قَوْلُهُ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» لَا يَقْتَضِي إبَاحَةً وَلَا حَظْرًا فَقَدْ يَرِدُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْحَظْرِ كَقَوْلِهِ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَيَرِدُ مِثْلُهُ فِي الْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَرْطٌ يَتَنَوَّعُ مَعْنَاهُ بِتَنَوُّعِ جَوَابِهِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا مَنْعٌ لِمَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إذَايَةِ النَّاسِ بِرَائِحَتِهَا وَلِمَا يَجِبُ مِنْ تَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ عَنْ كَرِيهِ الرَّائِحَةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» . وَرُوِيَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَسَاجِدَنَا عَلَى الْعُمُومِ وَرُوِيَ مَسْجِدَنَا عَلَى الْإِفْرَادِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِوَايَةِ مَنْ أَفْرَدَ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ بِرِوَايَةِ مَنْ عَمَّ وَلَيْسَ يَتَنَاوَلُ نَهْيُهُ هَذَا دُخُولَ الْمَسَاجِدِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ دُخُولَهَا بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِهِ فَيُقَالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْهُ «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَالثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُمْنَعُ دُخُولُهُ بِرَائِحَةِ الثُّومِ. وَالثَّانِيَةُ: بَيَانُ مَا يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا اجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى ضَرْبَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا اُتُّخِذَ لِلْعِبَادَاتِ كَالْجَامِعِ وَالْمَسْجِدِ فَهَذِهِ يُكْرَهُ دُخُولُهَا بِرَائِحَةِ الثُّومِ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَبْسُوطِ الَّذِي يَأْكُلُ الثُّومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي رِحَابِهِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا شَدِيدًا حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلُهَا مَنْ أَكَلَ الثُّومَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ» . وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمَوَاضِعِ مَا اُتُّخِذَ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ كَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا سَمِعْت بِكَرَاهِيَةٍ فِي دُخُولِ الْأَسْوَاقِ مِمَّنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَوَاضِعَ الْمُتَّخَذَةَ لِلْعِبَادَةِ لَهَا حُرْمَةٌ يَجِبُ أَنْ يُتَنَزَّهَ بِهَا عَنْ كَرِيهِ الأرايح بِخِلَافِ الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا فَلَوْ مُنِعَ دُخُولُ الْأَسْوَاقِ بِرَائِحَةِ الثُّومِ لَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَكْلِهِ جُمْلَةً لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّوَائِحُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ الثُّومِ كَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَالْكُرَّاثِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ هُنَا مِثْلَ الثُّومِ وَقَالَ إنْ كَانَ الْفُجْلُ يُؤْذِي وَيَظْهَرُ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَكَلَهُ الْمَسْجِدَ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي الْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ مَنْعًا وَمَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسُئِلَ عَنْ الْكُرَّاثِ فَقَالَ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ كُلُّ مَا يُؤْذِي النَّاسَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ الْخُضَرِ الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَةِ فِي ذَلِكَ كَالثُّومِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَالثُّومَ فَلَا يَقْرَبْ مَسَاجِدَنَا فَإِنَّ «الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ رَائِحَةٌ يَتَأَذَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ بِهَا فَأَشْبَهَتْ رَائِحَةَ الثُّومِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ لَمُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ مَنْ لَا تُوجَدُ لَهُ رَائِحَةٌ إنْ أَكَلَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ لَهُ الرَّائِحَةُ إذَا أَكَلَهُ فَإِنْ أَكَلَهُ أَحَدٌ وَأَتَى الْمَسْجِدَ أُخْرِجَ مِنْهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ مَا أَرَاهُمَا إلَّا خَبِيثَتَيْنِ لَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ» ، مَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا نُضْجًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ أَكْلُ ذَلِكَ بِحَرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ وَقَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا ثُمَّ رُحْنَا إلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّيحَ فَقَالَ مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْخَبِيثَةَ فَلَا يَغْشَنَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّاسُ حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ فِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» وَهَذَا فِيمَنْ أَكَلَ ذَلِكَ نِيئًا فَأَمَّا مَنْ أَكَلَهُ بَعْدَ الْإِنْضَاجِ بِالنَّارِ فَلَا مَنْعَ فِيهِ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلْيُتِمَّهَا نُضْجًا وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ رَائِحَتَهُ تَذْهَبُ بِالْإِنْضَاجِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الطَّعَامِ. (ش) : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَلْتَثِمُ الْمُصَلِّي وَلَا يُغَطِّي فَاهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْخُشُوعَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ وَاللِّثَامُ يُنَافِي الْخُشُوعَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْكِبْرُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَطُوفُ رَجُلٌ مُلَثَّمًا وَلَا امْرَأَةٌ مُتَنَقِّبَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الطَّوَافِ إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَفْعَلَاهُ فِي الصَّلَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ فَمَه وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَى ابْنُ شَعْبَانَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْخِلَافَ فِي تَغْطِيَةِ الذَّقَنِ عَنْ مَالِكٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ مِنْ اللِّثَامِ وَتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَالْفَمِ قَالَ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الرِّوَايَةَ إذَا مَنَعَتْ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ لَمْ تَمْنَعْ تَغْطِيَةَ الذَّقَنِ كَالْإِحْرَامِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ تَغْطِيَةٌ لِبَعْضِ الْوَجْهِ كَاللِّثَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مُتَنَقِّبَةً رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا مُتَلَثِّمَةً فَإِنْ فَعَلَتْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُعِيدُ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالتَّقَنُّعُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ لِلرَّجُلِ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ

[العمل في الوضوء]

الْعَمَلُ فِي الْوُضُوءِ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ نَعَمْ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَقَنَّعَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا وَكَانَ أَبُو النَّضْرِ يَلْزَمُهُ لِحَرٍّ يَجِدُهُ قَالَ وَرَأَتْ سُكَيْنَةُ أَوْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بَعْضَ وَلَدِهَا مُقَنِّعًا رَأْسَهُ فَقَالَتْ اكْشِفْ رَأْسَك فَإِنَّ الْقِنَاعَ رِيبَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ وَقَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَمَا عَلِمْته حَرَامًا وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ خِيَارِ النَّاسِ. [الْعَمَلُ فِي الْوُضُوءِ] (ش) : قَوْلُهُ «وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» سُؤَالٌ لَهُ هَلْ حَفِظَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِفْظًا يُمْكِنُ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهُ عَلَى صِفَتِهِ وَجَمِيعِ هَيْئَاتِهِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ بِضَمِّ الْوَاوِ هُوَ الْفِعْلُ وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِهَا هُوَ الْمَاءُ وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ الْوَضُوءُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ لَا يَخْلُو وُضُوءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ مَعَ التَّعْلِيمِ اسْتِبَاحَةَ عِبَادَةٍ أَوْ لَا يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ التَّعْلِيمِ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِهِ اسْتِبَاحَةَ عِبَادَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا التَّعْلِيمَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ صَلَاةً وَلَا غَيْرَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَوَى بِوُضُوئِهِ تَعَلُّمَ الْوُضُوءِ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ عَلَّمَ غَيْرَهُ الْوُضُوءَ أَجْزَأَهُ وَمَنْ عَلَّمَهُ التَّيَمُّمَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ لِنَفْسِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ دُونَ الْوُضُوءِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى افْتِقَارِ الْوُضُوءِ إلَى النِّيَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» يُرِيدُ أَنَّهُ نَظَّفَهُمَا بِذَلِكَ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي وُضُوئِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي صِفَتِهِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَيَغْسِلَهَا ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِي إنَائِهِ ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدَيْهِ فَيَغْسِلَهُمَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا يَقْتَضِي إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْ غَسَلَهُمَا جَمِيعًا لَقَالَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِيُسْرَاهُ الْإِنَاءَ فَيُفْرِغَ بِهَا عَلَى يُمْنَاهُ فَإِذَا غَسَلَهَا أَدْخَلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَصَبَّ بِهَا عَلَى يُسْرَاهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُبْنَى عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ طَرِيقَةُ الْعِبَادَةِ وَمِنْ حُكْمِ الْأَعْضَاءِ فِي طَهَارَةِ الْعِبَادَةِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ تَكْرَارَ غَسْلِ الْيُمْنَى قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ الْيُسْرَى وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى التَّنْظِيفِ بِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ عَلِقَ بِهَا مِنْ أَوْسَاخِ الْبَدَنِ وَالْعَرَقِ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ أَنْظَفُ لَهُمَا وَأَبْلَغُ فِي إزَالَةِ مَا يُقَدَّرُ تَعَلُّقُهُ بِهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «مَرَّتَيْنِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ لِلْعِبَادَةِ دُونَ النَّجَاسَةِ لِأَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فِيمَا يُغْسَلُ عِبَادَةً كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالْعَدَدُ الْمَشْرُوعُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ

[باب في بيان غسل الوجه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا» الْمَضْمَضَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ وَاجِبَةٌ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الْعُضْوَ بَاطِنٌ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَمْ يَجِبْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ كَدَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ. [بَابٌ فِي بَيَانِ غَسْلِ الْوَجْهِ] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا غَسْلُ الْوَجْهِ فَرْضٌ فِي الطَّهَارَةِ وَلَهُ أَبْوَابٌ فِي الْغَسْلِ وَالْمَغْسُولِ بِهِ وَالْمَغْسُولِ يَجِبُ بَيَانُهَا. (بَابٌ فِي بَيَانِ غَسْلِ الْوَجْهِ) فَأَمَّا الْغَسْلُ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِي الْوُضُوءِ شَيْئًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا لَا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَحْدِيدُ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ فَمَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَالْأَمْرُ بِالْغَسْلِ أَقَلُّ مَا يَقْتَضِي فِعْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى بِهِ غَاسِلًا لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً» وَأَمَّا النَّفَلُ فَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» . وَرُوِيَ «عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَرَاهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» وَهُوَ أَكْمَلُ الْوُضُوءِ وَأَتَمُّهُ وَهُوَ حَدٌّ لِلْفَضِيلَةِ وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي» وَلَيْسَتْ الْآثَارُ فِي ذَلِكَ بِالْقَوِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا. [بَابٌ فِي بَيَانِ الْمَغْسُولِ بِهِ] (بَابٌ فِي بَيَانِ الْمَغْسُولِ بِهِ) وَأَمَّا الْمَغْسُولُ بِهِ وَهُوَ الْمَاءُ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنْهُ مَا يَكْفِي وَيَصِحُّ بِهِ الْغَسْلُ وَمِقْدَارُ ذَلِكَ لِلْمُتَوَضِّئِ مِقْدَارُ مُدٍّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُغْتَسِلِ صَاعٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَفَرْضُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُضْوُ الْمَغْسُولُ بِهِ مَعَ إمْرَارِ الْيَدِ بِأَنْ يُنْقَلَ بِالْيَدِ أَوْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ وَأَمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ ثُمَّ يُمِرَّهَا عَلَى الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ فَلَا يُجْزِي لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَلَيْسَ بِغَسْلٍ. [بَابٌ فِي بَيَانِ الْمَغْسُولِ] 1 وَأَمَّا الْمَغْسُولُ وَهُوَ الْوَجْهُ فَحَدُّهُ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ إلَى طَرَفِ الذَّقَنِ فِي الْأَمْرَدِ وَأَمَّا الْمُلْتَحِي فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حَدَّهُ إلَى آخِرِ الشَّعْرِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فَمَنْ لَمْ يُمِرَّ بِيَدَيْهِ إلَى آخِرِ شَعْرِ لِحْيَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إنَّ الْفَرْضَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَاذَى الْمَغْسُولَ مِنْ الْوَجْهِ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً لَا تَسْتُرُ الْبَشَرَةَ وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ عَابَ تَخْلِيلَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُخَلِّلُهَا رَغْبَةً وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُخَلِّلُ فِي الْوُضُوءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا شَعْرٌ يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ فَلَمْ يَجِبْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ كَشَعْرِ الرَّأْسِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ يُغْسَلُ فِيهَا الْوَجْهُ فَوَجَبَ أَنْ تُخَلَّلَ فِيهَا اللِّحْيَةُ كَالْغُسْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَحَدُّ الْوَجْهِ عَرْضًا فِي الْمُلْتَحِي مِنْ الصُّدْغِ إلَى الصُّدْغِ وَأَمَّا الْأَمْرَدُ فَرَوَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُلْتَحِي وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ نَصْرٍ عَنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا أَنَّ عَرْضَ الْوَجْهِ فِي حَقِّ الْأَمْرَدِ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ بِخِلَافِ الْمُلْتَحِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ عَرْضُ الْوَجْهِ فِي الْأَمْرَدِ وَالْمُلْتَحِي مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: الْبَيَاضُ بَيْنَ الصُّدْغَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ لَا تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ بِهِ فَلَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ كَالْقَفَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُ عُضْوٌ بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ فِي الْوَجْهِ كَالْخَدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَا تَحْتَ مَارِنِهِ وَمَا غَارَ مِنْ أَجْفَانِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ ظَاهِرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَجُرْحٍ بَرِئَ عَلَى اسْتِغْوَارٍ كَبِيرٍ وَمَا كَانَ خَلْقًا خُلِقَ بِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ وَغَسْلُهُ كَمَوْضِعِ الْقَطْعِ مِنْ الْكُوعِ وَأَصَابِعِ الْقَدَمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ» ذَكَرَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّرْتِيبَ فِيهِمَا وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى لِمَا رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَى الْمَرَافِقِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اقْتِضَاءِ دُخُولِ الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْغَسْلِ مَعَ الْيَدَيْنِ. وَقَدْ حَكَى عَنْ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْغَسْلِ لِأَنَّ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا حَدَّدَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ مَا حُدَّ مِنْهُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى نِصْفِهِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ اشْتِمَالَ الْبَيْعِ عَلَى نِصْفِ الثَّوْبِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ إنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ إلَى لَا تَقْتَضِي دُخُولَ الْحَدِّ فِي الْمَحْدُودِ وَأَنَّهَا عَلَى بَابِهَا إلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا بِمَعْنَى مَعَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْعُدُولِ بِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَمَنْ ادَّعَى دُخُولَ الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْغَسْلِ مَعَ الْيَدَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ إلَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ إدْخَالِهِمَا فِي الْغَسْلِ مَعَ الْيَدَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالْغَسْلِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَإِلَى الْكَعْبَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَذْهَبِ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَرْفِقَيْنِ يَجِبُ إدْخَالُهُمَا فِي الطَّهَارَةِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِيهِمَا وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الذِّرَاعَيْنِ إلَيْهِمَا وَلَا يُتَيَقَّنُ ذَلِكَ لَهُمَا إلَّا بِغَسْلِ الْمَرْفِقَيْنِ وَذَهَبَ بِذَلِكَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَالْوَاجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ يُتَيَقَّنُ بِذَلِكَ الْإِمْسَاكُ جَمِيعَ النَّهَارِ وَحَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَنْكَرَهُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَرْفِقَيْنِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى شَرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا أَحَدُ طَرَفَيْ الْمِعْصَمِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ كَالرُّسْغِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ خَاتَمٌ فَهَلْ عَلَيْهِ تَحْرِيكُهُ أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ الْخَاتَمِ فِي الْوُضُوءِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا فِي الْغُسْلِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ ضَيِّقًا فَعَلَيْهِ تَحْرِيكُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ وَاسِعًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ الْخَاتَمِ ضَيِّقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ضَيِّقٍ وَيَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ تَعْلِيلًا مِنْ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْخَاتَمَ لَمَّا كَانَ مَلْبُوسًا مُعْتَادًا يُسْتَدَامُ لُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ فِي الْغَالِبِ لَمْ يَجِبْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ بِالْوُضُوءِ كَالْخُفَّيْنِ

[باب بيان حد الرأس]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي: أَنَّ الْمَاءَ بِرِقَّتِهِ مَعَ دِقَّةِ الْخَاتَمِ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ مِنْ الْبَشَرَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَحْرِيكِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ فِيمَنْ يُلْصِقُ بِذِرَاعَيْهِ قَدْرَ الْخَيْطِ مِنْ الْعَجِينِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيلِ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَأَمَّا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهَا وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْت فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ» وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ إمْرَارُ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ عَلَى أَنَّ حَكَّ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الْيَدَيْنِ يُجْزِي عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ التَّخْلِيلَ أَفْضَلُ وَأَمَّا عَفْوُهُمْ عَنْ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِ تَرْكِ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فِي الْوُضُوءِ. وَقَدْ أَشَارَ مَالِكٌ إلَى إبْدَاءِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ أَصَابِعَ الرِّجْلَيْنِ مُلْتَصِقَةٌ لَا يَظْهَرُ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي لِحْيَتِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَهُوَ مِثْلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ تَرَكَهُ فِي ذَلِكَ فِي غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ تَرَكَ تَخْلِيلَ لِحْيَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ اللِّحْيَةِ أَنَّ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مَسْتُورٌ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَبَشَرَةُ الْوَجْهِ سَاتِرُهَا طَارِئٌ فَانْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهِ. [بَابُ بَيَان حَدِّ الرَّأْسِ] (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ يُرِيدُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ فَقَالَ قَوْمٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ إلَى قَفَاهُ وَالْإِدْبَارَ إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ بَدَأَ بِنَاصِيَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِيَدَيْهِ إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ أَدْبَرَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى نَاصِيَتِهِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ فَيَصِيرُ الْإِقْبَالُ مُتَبَعِّضًا وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى انْتَهَى إلَى وَجْهِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ سُنَّةَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ بِطَرَفِهَا فَيَجِبُ أَنْ يُجْرَى الرَّأْسُ مَجْرَاهَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي رُتْبَةً وَإِنَّهُ قَدَّمَ الْإِقْبَالَ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فِي الْعَمَلِ وَهَذَا أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. (فَصْلٌ) : وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْحِ الرَّأْسِ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ حَدَّهُ وَإِيصَالَ الْمَاءِ إلَيْهِ وَاسْتِيعَابَهُ. (بَابُ بَيَانِ حَدِّ الرَّأْسِ) . أَمَّا حَدُّهُ فَهُوَ مَنَابِتُ شَعْرِهِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ إلَى آخِرِ مَنَابِتِ شَعْرِهِ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَفِي الْعَرْضِ مَا بَيْنَ الصُّدْغَيْنِ وَهُوَ حَدُّ مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْمُضَافِ إلَى الرَّأْسِ مِمَّا يَلِيهِمَا. وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ شَعْرَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ يَدْخُلُ فِي الْمَسْحِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَاهُ عِنْدِي مَا فَوْقَ الْعَظْمِ مِنْ حَيْثُ يَعْرُضُ الصُّدْغُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ يَحْلِقُهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ شَعْرُ الْعَارِضَيْنِ مِنْ الْخِفَّةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ لَزِمَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] هَذَا يَقْتَضِي عِنْدَهُ أَنَّ الْعَارِضَ مِنْ الْوَجْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ مَوْضِعِ الْعَظْمِ وَحَيْثُ يَبْتَدِئُ نَبَاتُ الشَّعْرِ بِعَرْضٍ مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ. [بَابُ كَيْفِيَّةِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الرَّأْسِ فِي الْوُضُوء إلَيْهِ] 1

[باب استيعاب الرأس مسحا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ كَيْفِيَّةِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ) . وَأَمَّا إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَنْقُلَ بَلَلَ الْمَاءِ بِيَدِهِ وَلَا يُجْزِيهِ أَنْ يُمِرَّ يَدَيْهِ جَافَّتَيْنِ عَلَى بَلَلِ رَأْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْحٍ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْحٌ بِيَدٍ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْمَطَرِ يَنْصِبُ يَدَيْهِ لِلْمَطَرِ فَيَمْسَحُ بِالْبَلَلِ رَأْسَهُ وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيُجْزِئُهُ فِيهِ أَنْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى جَسَدِهِ بِمَا صَارَ فِيهِ مِنْ مَاءِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَسْحَ يَسِيرٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ لَمْ يَكُنْ الْمَاسِحُ مَاسِحًا بِالْمَاءِ وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْيَدِ كَانَ مَاسِحًا بِالْمَاءِ وَأَمَّا الْغَسْلُ يَتَعَلَّقُ بِالْيَدِ وَيَنْصَرِفُ مَعَهَا عَلَى أَعْضَاءِ الْغَسْلِ كَانَ فِي الْيَدِ مَاءٌ أَوْ لَا لِكَثْرَتِهِ فَيَكُونُ غَاسِلًا بِالْمَاءِ وَمُبَاشَرَةُ الْمَمْسُوحِ بِالْمَاءِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَسْحِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَسْلِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُجْزِيهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْخُفَّيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَزِيَادَةٍ مَمْنُوعَةٍ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَرَّرَ مَسْحَ الرَّأْسِ. [بَابُ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ مَسْحًا] 1 وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ فَهُوَ الْفَرْضُ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُجْزِي مَسْحُ أَكْثَرِهِ فَإِنْ تَرَكَ الثُّلُثَ أَجْزَأَهُ وَحَكَى الْعُتْبِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الثُّلُثِ أَجْزَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَقَالَ أَيْضًا قَدْرُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبُعُ الرَّأْسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْفَرْضُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلِأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَمَا زَادَ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَهَذَا يَقْتَضِي مَسْحَ الرَّأْسِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يَقَعُ حَقِيقَةً عَلَى جَمِيعِهِ دُونَ بَعْضِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِمَسْحِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ فَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَثَّرَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِصُوفٍ أَوْ شَعْرٍ لَمْ يُجْزِ أَنْ تَمْسَحَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى شَعْرِهَا مِنْ أَجْلِهِ وَإِنْ وَصَلَ فَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى بَعْضِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْرَارُ الْيَدَيْنِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ لَا يُمْسَحُ مِنْهُ إلَّا مَا حَاذَى الْمَمْسُوحَ مِنْ الرَّأْسِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُمْسَحُ جَمِيعُهُ إلَى أَطْرَافِ الشَّعْرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ شَعْرٌ نَابِتٌ عَلَى مَحَلٍّ تَجِبُ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ فَوَجَبَ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهِ كَشَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَسُنَّةُ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ دُونَ تَكْرَارِهِ ثَلَاثًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَقَدْ يَقِلُّ الْمَاءُ فَيَكُونُ مَرَّتَيْنِ وَيَكْثُرُ فَيَكُونُ مَرَّةً وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّكْرَارِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ اسْتِئْنَافِ أَخْذِ الْمَاءِ لِمَا بَقِيَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَرَّرُ مَسْحُ الرَّأْسِ ثَلَاثًا كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ عُدُولَهُ فِيهِ عَنْ التَّكْرَارِ الَّذِي فَعَلَهُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمَيْنِ وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ فَلَيْسَ مِمَّا اخْتَلَفَا فِيهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَكْرَارُ مَسْحٍ بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي تَكْرَارِ مَسْحِ مَا قَدْ مُسِحَ مِنْهُ بِمَاءٍ قَدْ يُسْتَأْنَفُ اغْتِرَافُهُ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ إنَّ قَوْلَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ لَا تَكْرَارَ فِيهِ وَلَكِنْ ذَهَبَ بِهِمَا أَوَّلًا وَاضِعًا يَدَيْهِ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ رَافِعًا كَفَّيْهِ عَنْ فَوْدَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُمَا رَافِعًا يَدَيْهِ عَنْ وَسَطِ رَأْسِهِ وَوَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوْدَيْهِ لِيَتِمَّ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَمْسُوحٌ فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يُسَنَّ فِيهِ التَّكْرَارُ كَالتَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : مَسْحُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ فَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ أَصْلًا فِي الطَّهَارَةِ كَالْبَشَرَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «غَسَلَ رِجْلَيْهِ» يَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِهِمَا لِأَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ وَبِهَذَا قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُد إنَّ الْفَرْضَ التَّخْيِيرُ فِي الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيِّ وَعَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ إذَا وَجَبَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ وَجَبَ مَسْحُهَا لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْجَرِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مِنْ التَّخْيِيرِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَفِي الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ نَهْيٌ عَنْ الْمَسْحِ كَمَا أَنَّ فِي الْأَمْرِ بِالْمَسْحِ نَهْيًا عَنْ الْغَسْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِهِمَا يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَيُصْرَفُ تَعَيُّنُهُ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ فَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَدَّعُونَهُ مِنْ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا يَنْفِي التَّخْيِيرَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ إذَا وَرَدَا عَلَى وَجْهٍ فَلَمْ يُعْلَمْ الْآخَرُ مِنْ الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لَهُ حَمْلًا عَلَى التَّخْيِيرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ بَلْ إذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ عُلِمَ الْآخَرُ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى التَّارِيخِ أَوْ إلَى أَنْ يُنْظَرَ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إنْ جُهِلَ أَمْرُهُ عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مَتَى تَمَكَّنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ تُحْمَلُ قِرَاءَةُ الْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ وَهُوَ كَثِيرٌ سَائِغٌ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: 17] {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} [الواقعة: 18] إلَى قَوْلِهِ {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 23] وَالْحُورُ الْعِينُ لَا يُطَافُ بِهِنَّ وَلَكِنْ يَطُفْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ كَالْوِلْدَانِ. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ حَفِيفُ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيدٍ مُعَجَّلِ وَقَالَ النَّابِغَةُ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَسِيرٌ غَيْرُ مُنْفَلِتٍ ... أَوْ مُوثَقٍ فِي حِبَالِ الْقِدِّ مَسْلُوبِ فَخَفَضَ أَوْ مُوثَقٍ عَلَى الْجِوَارِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يَلْزَمُكُمْ أَيْضًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الْعَطْفُ عَلَى مَوْضِعِ الرَّأْسِ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ النَّصْبُ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ الشَّاعِرُ مُعَاوِي إنَّنَا بَشَرٌ فَاسْجَحْ ... فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَا يَجُوزُ لَكُمْ إيرَادُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْغَسْلِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ جَرٍّ وَفِي مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ كَقَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ وَعَمْرًا فَمَعْنَاهُ لَقِيَتْ زَيْدًا وَعَمْرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِحَرْفِ جَرٍّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى مَوْضِعِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَوْضِعِ لَا يَجُوزُ إلَّا حَيْثُ لَا يُشْكِلُ وَذَلِكَ يُجَوِّزُ أَنْ تَقُولَ مَرَرْت بِزَيْدٍ وَعَمْرًا لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ عَلَى اللَّفْظِ

[باب حكم إزالة النجاسة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثِرْهُ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ قُلْت رَأَيْت زَيْدًا وَمَرَرْت بِعَمْرٍو وَخَالِدًا وَأَنْتَ تُرِيدُ الْعَطْفَ عَلَى مَوْضِعِ عَمْرٍو لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حِينَئِذٍ عَلَى أَيِّهِمَا تُرِيدُ عَطْفَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ فِي الْعَطْفِ وَهُوَ أَنَّ الْغَسْلَ قَدْ يُسَمَّى مَسْحًا لِأَنَّ الْمَسْحَ خَفِيفُ الْغَسْلِ حَكَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ قَالَ وَلِذَلِكَ يُقَالُ تَمَسَّحْت لِلصَّلَاةِ بِمَعْنَى تَوَضَّأْت فَيَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى الرَّأْسِ فَيَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَسْلَ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مَتَى اشْتَرَكَا فِي لَفْظِ مَا يُعْطَفُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ الْعَطْفُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو كَامِلٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «تَخَلَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا وَنَادَى وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ عُضْوٌ مَنْصُوصٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ فَرْضُهُ فِي الْوُضُوءِ الْغَسْلَ كَالْيَدَيْنِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَرْفَعُ الْحَدَثَ فَكَانَ فَرْضُ الرِّجْلَيْنِ فِيهَا الْغَسْلَ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مَنْ نَصَّ قَوْلَهُمْ بِمَا رَوَاهُ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ» وَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الصَّحِيحِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِلَّةٌ إلَّا اجْتِمَاعَ الرُّوَاةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِيهِ لَقَالُوا وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ خُفًّا فِيهِ رِجْلُهُ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ ضَرَبَ رِجْلَهُ وَيُقَالُ أَخَذْت بِعَضُدِ زَيْدٍ وَإِنَّمَا أَخَذْت بِثَوْبِهِ مِنْ فَوْقِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْغَسْلَ وَسَمَّاهُ مَسْحًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَنَحْمِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِعِلَّةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الْغَسْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ إلَيْهِمَا حَدُّ الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِي ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُمَا النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيْ السَّاقَيْنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ الْأَظْهَرُ. (ش) : وَقَوْلُهُ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ يُرِيدُ الْمَاءَ» وَكَذَلِكَ هُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ هُوَ وَضْعُ الْمَاءِ فِي الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِالنَّفَسِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ مُسْتَحَبَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ وَأَمَّا الصَّائِمُ فَمَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِصَوْمِهِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «ثُمَّ لِيَنْثِرْهُ» مَعْنَاهُ يُنْزِلْ الْمَاءَ مِنْ أَنْفِهِ يَدْفَعُهُ بِنَفَسِهِ وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفِهِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الَّذِي يَسْتَنْثِرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ. [بَابُ حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ فَرَوَى سَحْنُونٌ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ قُلْت لِمَالِكٍ كَيْفَ الْوِتْرُ فِي الِاسْتِجْمَارِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَآخُذُ الْعُودَ فَأَكْسِرُهُ ثَلَاثَ كِسَرٍ وَأَسْتَجْمِرُ بِكُلِّ كِسْرَةٍ مِنْهُنَّ فَإِنْ كَانَ الْعُودُ مَدْقُوقًا أَخَذْت مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ عَلِيٌّ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ إنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَائِطِ اسْتِجْمَارًا فَرَجَعَ إلَى ذَلِكَ مَالِكٌ قَالَ عَلِيٌّ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ سَحْنُونٌ الْقَوْلُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَاهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ وَهِيَ الْجِمَارُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ اسْتَجْمَرَ الرَّجُلُ إذَا تَمَسَّحَ بِالْجِمَارِ وَالْجِمَارُ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ وَبِهِ سُمِّيَتْ جِمَارُ مَكَّةَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أُخِذَ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالْبَخُورِ الَّذِي تَطِيبُ بِهِ الرَّائِحَةُ وَهَذَا يُزِيلُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ وَهَذَا الْفَصْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: وُجُوبُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: تَمْيِيزُ النَّجَاسَاتِ مِنْ غَيْرِهَا. وَالثَّالِثُ: فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا لِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا. (بَابُ حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) فَأَمَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا الْعِرَاقِيِّينَ اخْتَلَفُوا فِيمَا حَكَوْا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَعُونَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنَّ إزَالَتَهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ فَمَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا ذَاكِرًا أَعَادَ أَبَدًا وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو طَاهِرٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا أَثِمَ وَلَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى إزَالَتِهَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّنَا إنْ قُلْنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا مَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا وَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا مَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا، وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ مُضْطَرًّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِثْلَ هَذَا فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَالَ فِي تَلْقِينِ الْمُبْتَدِئِ إنَّهَا وَاجِبَةٌ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِزَالَةِ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَتْ هَاهُنَا طَهَارَةٌ وَاجِبَةٌ لِلثِّيَابِ غَيْرَ طَهَارَتِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ الثِّيَابَ هَاهُنَا الْقَلْبُ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ تَطْهِيرُهُ مِنْ الشِّرْكِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ إنَّمَا شُرِعَ لِلصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ اسْمَ الثِّيَابِ أَظْهَرُ فِي ثِيَابِ اللِّبَاسِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا هُوَ أَظْهَرُ فِيهِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِاحْتِمَالِهِ لَهُمَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ مِنْ الْجُمْلَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْقَلْبُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصَّ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَفُرِضَ عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ لِأُمَّتِهِ. وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اتَّبَعَ فِي الصَّلَاةِ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ النَّبِيِّينَ فَوَجَبَ ذَلِكَ بِاتِّبَاعِهِمْ وَتَأَخَّرَ الْأَمْرُ بِهِ بِنَصِّ شَرْعِنَا عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُمِرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ لِلصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ نَصُّ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْته قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» . (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَوَجْهُ قَوْلِنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الَّذِي يُنَاظِرُ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ يَسِيرِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ كَثِيرِهِ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْكَثِيرِ بِالْيَسِيرِ لِأَنَّ دَمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَرَاغِيثِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهِ وَأَمَّا مَا كَثُرَ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهِ كَالْحَدَثِ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهِ كَالْمُحْدِثِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى أَصْلِكُمْ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَنْ لَهُ جُرْحٌ يَنْفَجِرُ دَمًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ إعَادَةَ الصَّلَاةِ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الطَّهَارَةِ وَطَهَارَةِ الْحَدَثِ عَلَى أُصُولِنَا أَنَّ هَذِهِ لَا تَجِبُ بِالشَّكِّ وَطَهَارَةَ الْحَدَثِ تَجِبُ بِالشَّكِّ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ دُونَ هَذِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَجِبُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَهَلْ تَكُونُ شَرْطًا مَعَ النِّسْيَانِ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهَا شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَاءِ نِعَالِكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا وَقَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ النِّسْيَانَ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ كَعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَدَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَدِمَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا نَسِيَ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ تَجِبُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ عَدَمُهَا وَنِسْيَانُهَا سَوَاءً فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ رَأَى نَجَاسَةً مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي جَسَدِهِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَيَبْتَدِئُهَا بَعْدَ إزَالَةِ ذَلِكَ وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ إنْ اسْتَطَاعَ إزَالَتَهَا تَمَادَى فِي صَلَاتِهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ ثَوْبٌ نَجِسٌ فَسَقَطَ عَنْهُ مَكَانَهُ قَالَ سَحْنُونٌ أَرَى أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةً وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ وَمَنْ رَآهَا بَعْدَ أَنْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ آخِرِ الْوَقْتِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ وَقْتَ صَلَاتَيْ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ وَقْتَهَا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَاضِحٌ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَقْتَ اخْتِيَارِ الصَّلَاةِ تُشَارِكُهَا فِي الْوَقْتِ كَانَ وَقْتًا لِاسْتِدْرَاكِ فَضِيلَتِهَا فَعَلَى هَذَا لِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ اخْتِيَارٍ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَوَقْتُ اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَتِهِ وَهُوَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ إلَى أَنْ يَبْقَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَدْرُ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْعَصْرُ أَوْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَإِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَيَمْضِيَ نِصْفُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَوَقْتُ اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَوَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ إلَى انْقِضَاءِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَوَقْتُهَا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَإِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِنْ قُلْنَا لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْإِسْفَارُ وَلَيْسَ لَهَا

[باب تمييز النجاسة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتُ اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهَا صَلَاةٌ تُشَارِكُهَا فِي وَقْتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [بَابُ تَمْيِيزِ النَّجَاسَةِ] ِ وَأَمَّا تَمْيِيزُ النَّجَاسَاتِ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَمْيِيزُ جِنْسِهَا. وَالثَّانِي: تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْيَسِيرِ الْمُرَخَّصِ فِيهِ. فَأَمَّا تَمْيِيزُ جِنْسِهَا فَإِنَّ أَبْوَالَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِتَحْرِيمِهِ مُحَرَّمَةٌ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِكَرَاهِيَتِهِ مَكْرُوهَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ مَسْحِهِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبْوَالَ وَالْأَرْوَاثَ تَابِعَةٌ لِأَجْنَاسِ اللُّحُومِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَعَرَقُ الدَّوَابِّ كُلِّهَا طَاهِرٌ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْمُسْكِرُ فَنَجِسٌ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ كَمَا تُعَادُ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَبْيِينُ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ مِنْ كَثِيرِهَا فَتَحْقِيقُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ قَلِيلَ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا وَكَثِيرَهَا سَوَاءٌ إلَّا الدَّمَ فَإِنَّ قَلِيلَهُ مُخَالِفٌ لِكَثِيرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَلِيلُ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَاتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَمَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَوَجَبَتْ إزَالَتُهَا كَالزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَالِاسْتِدْلَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَمُوجِبٌ لِغَسْلِ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ وَمُبِيحٌ لِتَرْكِ كَثِيرِهَا ذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ وَكَانَتْ مُتَرَاكِمَةً بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِحَيْثُ لَوْ بُسِطَتْ لَعَمَّتْ جَمِيعَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا وَإِذَا كَانَتْ أَوْسَعَ مِنْ الدِّرْهَمِ وَلَمْ تَكُنْ مُتَرَاكِمَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مَنْ نَصَّ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ لَا تُجَاوِزُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ فَلَمْ تَجِبْ إزَالَتُهَا كَأَثَرِ الْحَدَثِ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ بِمَوْضِعِ الْحَدَثِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَدَثِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَقَدْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي مَوْضِعِ النَّجْوِ مُتَكَرِّرَةٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَا مَعَ وُجُودِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا عَادَ إلَى مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَكَرِّرًا تَكَرُّرًا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَوَجَبَ إزَالَتُهَا كَاَلَّذِي يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يَجِبْ إزَالَةُ يَسِيرِهَا كَالدَّمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّمَ مُتَكَرِّرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ يَسِيرَهَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَوَجَبَ كَالْكَثِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّمُ فَإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ يَسِيرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ غَسْلُ دَمِ الْبُرْغُوثِ الْوَاحِدِ مِنْ ثَوْبِهِ وَلَا مَا يَسِيلُ مِنْ الْبَثْرَةِ مِنْ جَسَدِهِ لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو الْأَجْسَامُ وَالثِّيَابُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا قَلَّ مِنْ الدَّمِ أَوْ كَثُرَ يُغْسَلُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْيَسِيرَ جِدًّا لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ لَا يُغْسَلُ دَمُ الْبَرَاغِيثِ إلَّا أَنْ يَنْتَشِرَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْيَسِيرَ جِدًّا لَيْسَ عَلَى الْمُكَلَّفِ غَسْلُهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدِّمَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَسِيرٌ جِدًّا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَضَرْبٌ أَكْثَرُ مِنْهُ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ كَقَدْرِ الْأُنْمُلَةِ وَالدِّرْهَمِ وَضَرْبٌ ثَالِثٌ كَثِيرٌ جِدًّا يَجِبُ غَسْلُهُ وَيَمْنَعُ الصَّلَاةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالدِّمَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ كُلُّهَا سَوَاءٌ دَمُ الْحُوتِ وَغَيْرِهِ إلَّا دَمَ الْحَيْضَةِ فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ سَوَاءٌ تَجِبُ إزَالَتُهُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ الدَّمُ كُلُّهُ وَاحِدٌ. فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ دَمٌ فَوَجَبَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ

[باب اختلاف النجاسة باختلاف محلها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَثِيرِهِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ مَائِعٌ خَرَجَ مِنْ الْقُبُلِ فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْبَوْلِ وَرَوَى أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ مَنْ صَلَّى بِدَمِ حَيْضَةٍ أَوْ دَمِ مَيْتَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ رَجِيعٍ أَوْ احْتِلَامٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ دَمَ الْمَيْتَةِ كَدَمِ الْمُذَكَّى وَدَمِ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ وَالْحُوتِ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إنَّ دَمَ الْحُوتِ طَاهِرٌ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ مَائِعٌ يُجَاوِرُ الْمَيْتَةَ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُغْسَلَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكَمْ مِقْدَارُ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مِنْ الدَّمِ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ لَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ الْفَاشِيَ الْكَثِيرَ الْمُنْتَشِرَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَرَآهُ كَثِيرًا وَرَأَى قَدْرَ الْخِنْصَرِ قَلِيلًا فَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيٍّ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ يَسِيرِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَتَقَدَّرَ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ كَمَوْضِعِ النَّجْوِ. (فَرْعٌ) وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي الدَّمِ دُونَ أَثَرِهِ فَإِنَّ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ مِنْهُ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ لَمْ يَغْسِلْ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ مِنْ الدَّمِ حَتَّى صَلَّى لَمْ يُعِدْ وَمِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَجَفَّفَ مِنْ غُسْلٍ فِي ثَوْبٍ فِيهِ دَمٌ يَسِيرٌ لَا يَخْرُجُ بِالتَّجْفِيفِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا يَخَافُ أَنْ يَخْرُجَ بِبَلَلِ التَّجْفِيفِ فَلْيَغْسِلْ جِلْدَهُ. [بَابُ اخْتِلَافِ النَّجَاسَةِ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا] وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ لِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا فَهُوَ أَنَّ النَّجَاسَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَنْدُرُ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ فِي غَيْرِ مَخْرَجَيْهِمَا وَكَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَكَالدَّمِ الْكَثِيرِ فِيهِمَا فَهَذَا تَجِبُ إزَالَةُ عَيْنِهِ وَأَثَرِهِ وَضَرْبٌ مُتَكَرِّرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي مَخْرَجَيْهِمَا وَمَا يَتَطَايَرُ مِنْ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ فِي الطُّرُقَاتِ عَلَى الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْخُفِّ وَنَجَاسَةِ الدَّمِ عَلَى السَّيْفِ فَهَذَا تَجِبُ إزَالَةُ عَيْنِهِ دُونَ أَثَرِهِ فَأَمَّا وُجُوبُ إزَالَةِ عَيْنِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَأَثَرِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: فَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمِنْهَا مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فَأَثَرُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي مَخْرَجَيْهِمَا فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إلَى التَّصَرُّفِ فِي السَّفَرِ فِي مَوَاضِعَ تَقِلُّ فِيهَا الْمِيَاهُ وَخُرُوجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَمْرٌ مُعْتَادٌ لَا يُمْكِنُ مُدَافَعَتُهُ فَلَوْ كُلِّفَ النَّاسُ إزَالَةَ أَثَرِهِ بِالْمَاءِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْعًا مِنْ أَكْثَرِ الْأَسْفَارِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَمُعْظَمِ الْعِبَادَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمَخْرَجِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهَذَا الَّذِي يَحْكِيهِ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحُكْمُ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الَّذِي يُرِيدُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَازِمٍ وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي الْعِبَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَتَطْهِيرُ الْمَحَلَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ بِالْجِمَارِ وَالْأَثَرَ بِالْمَاءِ وَهَذَا أَفْضَلُهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِالْمَاءِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ بِالْجِمَارِ وَيَبْقَى الْأَثَرُ وَهُوَ أَضْعَفُهَا لِأَنَّهُ مُزِيلٌ لِلْعَيْنِ خَاصَّةً دُونَ الْأَثَرِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَالسَّبِيلَيْنِ وَالِاسْتِنْجَاءُ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا مِنْ طَاهِرٍ كَالرِّيحِ فَلَا اسْتِنْجَاءَ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُسْتَنْجَى مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَجْوٌ لَمْ يُشْرَعْ الِاسْتِنْجَاءُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا خُرُوجُ الْحَصَى وَالدُّودِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ إنْ أَمْكَنَ الرَّدُّ مَعَ بُعْدِهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ طَاهِرٌ فَلَمْ يَجِبْ مِنْهُ الِاسْتِنْجَاءُ كَالرِّيحِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَتَطَايَرُ مِنْ نَجَاسَاتِ الطُّرُقَاتِ عَلَى الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْخُفِّ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا:

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَخْفَى عَيْنُهُ وَيُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ لِكَثْرَتِهِ فِي الطُّرُقَاتِ وَتَكَرُّرِهِ بِهَا فَهَذَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ خُفٍّ وَلَا ثَوْبٍ وَلَا جَسَدٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَكَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَثَانِيهِمَا مَا ظَهَرَتْ عَيْنُهُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ وَالْمُحَرَّمُ كَبَوْلِ بَنِي آدَمَ وَعَذِرَتِهِمْ وَالدِّمَاءِ وَبَوْلِ مَا حَرُمَ لَحْمُهُ وَمَا يَأْكُلُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَهَذَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الثَّوْبِ وَالْخُفِّ وَالْجَسَدِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَا يَتَكَرَّرُ وَلَا تَخْفَى عَيْنُهُ وَلَا يَكْثُرُ كَثْرَةً تَمْنَعُ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَكَرَوْثِ الدَّوَابِّ وَبَوْلِهَا وَمَا يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِهِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي غَسْلِهِ مَشَقَّةٌ دَاعِيَةٌ لَأَنْ يَتْرُكَ الْمُتَوَقِّي مِنْهُ عِبَادَاتٍ يُضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ فِيهَا كَالْمُجَاهِدِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ يُمْسِكُ فَرَسَهُ وَلَا يَكَادُ يَنْجُو مِنْ بَوْلِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَتَوَقَّى جُهْدَهُ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوَقِّي إلَى مَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ مِنْ مَعِيشَتِهِ فِي السَّفَرِ بِالدَّوَابِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَسْلِ الْخُفِّ مِنْهُ فَقَالَ مَرَّةً يَغْسِلُ وَقَالَ مَرَّةً يُجْزِي الْمَسْحُ فَوَجْهُ الْغَسْلِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الثَّوْبِ مِنْهُ فَكَانَ مَأْمُورًا بِغَسْلِ الْخُفِّ مِنْهُ كَبَوْلِ مَا حَرُمَ لَحْمُهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَصْلِهِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ مُحَرَّمَةٌ فَإِنَّ هَذَا مُتَكَرِّرٌ فِي الطُّرُقَاتِ لَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْخُفِّ مِنْهُ وَيُمْكِنُ حِفْظُ الثِّيَابِ وَيُخَالِفُ هَذَا الْعَذِرَةُ وَبَوْلُ النَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي وَسَطِ الطُّرُقِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا الْمُسْتَرَاحُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ مَكْرُوهَةٌ فَلِأَنَّ أَرْوَاثَهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْخِفَافِ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْخُفَّ يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ فِي الْخُفِّ فَهَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي النَّعْلِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ وَرَوَى عِيسَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ فَرَّقَ بَيْنَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ فِيهِمَا فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تَلْحَقُ بِنَزْعِهِمَا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْغَسْلَ يُفْسِدُ النَّعْلَيْنِ كَالْخُفِّ. (مَسْأَلَةٌ) : أَمَّا الرِّجْلُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ فِيهَا بَعْدَ إزَالَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُبِيحَةَ لِمَسْحِ الْخُفِّ تَكَرُّرٌ لِهَذِهِ الْعَيْنِ وَعَدَمُ خُلُوِّ الطُّرُقَاتِ مِنْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقَدَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَسْلِ الْقَدَمِ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُفْسِدُهَا وَبِمَسْحِ الْخُفِّ لِأَنَّ الْغَسْلَ يُفْسِدُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّمُ عَلَى السَّيْفِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَمْسَحُ وَيُصَلِّي بِهِ وَقَدْ عَلَّلَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَلِكَ بِصِقَالَتِهِ وَأَنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ عَيْنُهَا وَأَثَرُهَا بِمَسْحِهِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ إنَّ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ فِيهِ يَسِيرٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَأَثَرِ الْمَحَاجِمِ وَهَذَا آكِدٌ لِأَنَّ السَّيْفَ يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَالْحَاجَةُ إلَى مُبَاشَرَةِ الدِّمَاءِ مُتَكَرِّرَةٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِمَا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يُرِيدُ أَنَّ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ لَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ الْمُبَاحَةَ وَلَا يَخْرُجُ وَإِنْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَقَوْلُهُ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْعَلَ الْمَضْمَضَةَ كُلَّهَا وَالِاسْتِنْثَارَ كُلَّهُ مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَجْمَعَ كُلَّ مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْثَارَةٍ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَأْتِي بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ تَفْرِيقَ ذَلِكَ أَوْلَى عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْثَارَةٍ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي ثَانِيَةٍ ثُمَّ فِي ثَالِثَةٍ فَيَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَضْمَضَةِ عَلَى النَّسَقِ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى نَسَقٍ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فَيَأْتِيَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ وُضُوءًا لِمَا تَحْتَ إزَارِهِ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَنَسِيَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ أَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ فَقَالَ أَمَّا الَّذِي غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فَلْيُمَضْمِضْ وَلَا يُعِدْ غَسْلَ وَجْهِهِ وَأَمَّا الَّذِي غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ فَلْيَغْسِلْ وَجْهَهُ ثُمَّ لِيُعِدْ غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَكُونَ غَسْلُهُمَا بَعْدَ وَجْهِهِ إذَا كَانَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِمَا فِي سِتِّ غَرَفَاتٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ رِوَايَةُ وُهَيْبٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَفِيهِ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَيْنِ عُضْوَانِ مُنْفَصِلَانِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا فِي الطَّهَارَةِ كَالْيَدَيْنِ. (ش) : قَوْلُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَسْبِغْ الْوُضُوءَ» عَلَى وَجْهِ التَّنْبِيهِ لَهُ عَلَى إكْمَالِ وَاسْتِيعَابِ أَعْضَائِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ تَلَقَّنَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَعِيدِ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ بِالْوُضُوءِ أَعْقَابَهُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَعْقَابَ الَّتِي لَا يَنَالُهَا الْوُضُوءُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجِنْسَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا لِمَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ الْوُضُوءِ. (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ سَمِعَ وَقْعَ الْمَاءِ وَحَرَكَةَ يَدَيْهِ وَقَوْلَهُ وُضُوءًا لِمَا تَحْتَ إزَارِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَقُولُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا ذَلِكَ وُضُوءُ النِّسَاءِ فَبَيَّنَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهَ إبَاحَتِهِ بِالْعَمَلِ الْجَارِي بِهِ مَعَ مَا يُعَضِّدُهُ مِنْ النَّظَرِ فِي مُبَالَغَةِ التَّطْهِيرِ بِهِ وَقَوْلُهُ لِمَا تَحْتَ إزَارِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامَ بِمَعْنَى فِي وَكَنَّى عَنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَوْ أُطْلِقَ لَكَانَ الْأَظْهَرُ حَمْلَهُ عَلَى الْوُضُوءِ الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِنْجَاءُ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ النَّاسِيَ لِأَنَّهُ لَا عَتْبَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ وَلَا إنْكَارَ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ الْمُسْتَحَبِّ فِي الطَّهَارَةِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ حُكْمَ النَّاسِي عِنْدَهُ غَيْرُ حُكْمِ الْعَامِدِ وَالْجَاهِلِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّرْتِيبَ مَشْرُوعٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَبَيْنَ غَسْلِ الْوَجْهِ فِي التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَغَسْلُ الْوَجْهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَحُكْمُ التَّرْتِيبِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْفَرَائِضِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا ابْنُ حَبِيبٍ فَقَالَ مَنْ نَكَّسَ طَهَارَتَهُ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا نَظَرْت فَإِنْ خَالَفَ بَيْنَ مَفْرُوضٍ وَمَسْنُونٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَفْرُوضَيْنِ أَخَّرَ مَا قَدَّمَ وَأَتَى بِمَا بَعْدَهُ مِنْ مَفْرُوضٍ وَمَسْنُونٍ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَوَى ابْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ رَأْسِهِ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ خَفِيفٌ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الَّذِي غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ قَبْلَ وَجْهِهِ فَلْيَغْسِلْ وَجْهَهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْ ذِرَاعَيْهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدُ أَنَّهُ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فَهَذَا إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ غَسَلَ وَجْهَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَسَلَهُ بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ أَتَى بِبَاقِي وُضُوئِهِ لِيَحْصُلَ لَهُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ وَجْهِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ يَدَيْهِ لِيَكُونَ غَسْلُهُمَا بَعْدَ وَجْهِهِ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ أَوْ يَسْتَنْثِرَ حَتَّى صَلَّى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ وَلْيَتَمَضْمَضْ وَلْيَسْتَنْثِرْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ) . وُضُوءُ النَّائِمِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُتِمَّ وُضُوءَهُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا حُكْمُ مَنْ أَتَى بِالْوُضُوءِ كُلِّهِ غَيْرَ غَسْلِ وَجْهِهِ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يُعِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يُتِمُّ وُضُوءَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِغَسْلِ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ لِيَحْصُلَ لَهُ التَّرْتِيبُ الْمُسْتَحَبُّ إذَا أَدْرَكَ الْمُوَالَاةَ الْمُسْتَحَقَّةَ وَإِنْ ذَكَرَ غَسْلَ وَجْهِهِ بَعْدَ أَنْ طَالَ وَزَالَ عَنْ مَكَانِهِ غَسَلَ وَجْهَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إعَادَةُ غَسْلِ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ الْمُسْتَحَقَّةَ قَدْ فَاتَتْهُ فَسَقَطَ حُكْمُ التَّرْتِيبِ الْمُلَازِمِ لَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُوَطَّأِ هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ فِي مَكَانِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْمُوَالَاةِ لِأَنَّ جَبْرَ التَّرْتِيبِ يَحْصُلُ لَهُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَسَائِرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ وَجْهِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَقَضَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ لِهَذَا الْغَسْلِ الْآخَرِ حَظٌّ مِنْ الْوُضُوءِ بِتَرْتِيبِهِ شُرِعَتْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مَا لَمْ يَجِفَّ الْوُضُوءُ وَلَمْ تَفُتْ الْمُوَالَاةُ فَإِذَا جَفَّ الْوُضُوءُ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ فَلَمْ يُشْرَعْ الْإِتْيَانُ بِبَاقِي الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْمُوَالَاةُ وَقَدْ فَاتَ حُكْمُهَا وَإِنَّمَا تَجِبُ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ يُعِيدُ غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ وَجْهِهِ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ وَإِنْ تَطَاوَلَ اسْتَأْنَفَ وُضُوءَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ طَوِيلَ النِّسْيَانِ يُبْطِلُ الْمُوَالَاةَ وَعَلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ مُسْتَحَقَّةٌ وَالتَّرْتِيبَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى وَجْهٍ مَا وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّنْكِيسِ وَمَسْأَلَةِ النِّسْيَان لِبَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَجَعَلَهُ يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فِي مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ. (فَرْعٌ) وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] فَعَطَفَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ وَالْوَاوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَقْتَضِي الْجَمْعَ دُونَ التَّرْتِيبِ فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّهُ قَالَ فَاغْسِلُوا فَتَلَقَّى الْأَمْرَ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَاغْسِلُوا وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَإِذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِي الْوَجْهِ وَالْبُدَاءَةِ وَجَبَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ وَإِنَّمَا هِيَ لِجَوَابِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ فِي الْعَطْفِ خَاصَّةً وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ لَمَا لَزِمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْأَعْضَاءَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ الَّتِي تَقْتَضِي الْجَمْعَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إذَا قُمْتُمْ لِلصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ وَهَذَا يَمْنَعُ التَّرْتِيبَ. (ش) : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَا مِنْ فَرْضِ الْوُضُوءِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ نَسِيَهَا أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ إذَا أَتَى بِالْوَاجِبِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ لِيُكْمِلَ نَفْلَ طَهَارَتِهِ وَفَرْضَهَا فَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُصَلِّيَ فَلَا يُمَضْمِضُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ لِأَنَّ وَقْتَ ذَلِكَ قَدْ ذَهَبَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةُ عِبَادَةٌ لَا تُرَادُ لِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا تُرَادُ لِغَيْرِهَا.

[وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة]

«إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وُضُوءُ النَّائِمِ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ] (ش) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سَبَبِ غَسْلِ الْيَدِ لِمَنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِمَا لَعَلَّهُ أَنْ يَنَالَ بِهِ مَا قَدْ يَبِسَ مِنْ نَجَاسَةٍ خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يَعْلَمُ بِهَا أَوْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ مِمَّا يُتَقَذَّرُ وَقِيلَ أَيْضًا إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانَ يَسْتَجْمِرُ بِالْحِجَارَةِ فَقَدْ يَمَسُّ بِيَدَيْهِ أَثَرَ النَّجَاسَةِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ لَا تَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِعِلْمِ مَنْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَمَا لَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ لَا تَنَالُهُ يَدُ النَّائِمِ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ غَسْلُ الْيَدِ بِتَجْوِيزِ ذَلِكَ لَأَمَرَ بِغَسْلِ الثِّيَابِ الَّتِي يَنَامُ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَخْرُجَ النَّجَاسَةُ مِنْهُ فِي نَوْمِهِ فَتَنَالَ ثَوْبَهُ أَوْ لِجَوَازِ أَنْ يَمَسَّ ثَوْبُهُ مَوْضِعَ الِاسْتِجْمَارِ وَهَذَا بَاطِلٌ وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّائِمَ لَا يَكَادُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ حَكِّ جَسَدِهِ وَمَوْضِعِ بَثْرَةٍ فِي بَدَنِهِ وَمَسِّ رَفْغِهِ وَإِبِطِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَغَابِنِ جَسَدِهِ وَمَوَاضِعِ عَرَقِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ عَلَى مَعْنَى التَّنَطُّفِ وَالتَّنَزُّهِ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي إنَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا لَمَا أَثِمَ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَوْلِهِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَاجِبٌ إذَا قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ نَوْمِ النَّهَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ عَقِيبَ نَوْمٍ فَاسْتُحِبَّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَهَا أَصْلُ ذَلِكَ الطَّهَارَةُ عَقِيبَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبَ فَإِنَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّدْبُ دُونَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ قَالَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَعَلَّلَ بِالشَّكِّ وَلَوْ شَكَّ هَلْ مَسَّتْ يَدُهُ نَجَسًا أَمْ لَا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتَعْلِيقُ هَذَا الْحُكْمِ بِنَوْمِ اللَّيْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ لِأَنَّ النَّائِمَ إنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ بَائِلٍ أَوْ مُتَغَوِّطٍ أَوْ مُحْدِثٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي إنَائِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمُسْتَيْقِظَ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ مَسِّ رَفْغِهِ وَنَتْفِ إبِطِهِ وَفَتْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَقَتْلِ بُرْغُوثٍ وَعَصْرِ بَثْرٍ وَحَكِّ مَوْضِعِ عَرَقٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ غَسْلُ الْيَدِ مَوْجُودًا فِي الْمُسْتَيْقِظِ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ عُلِّقَ فِي الشَّرْعِ عَلَى النَّائِمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَهُ عَلَى نَوْمِ الْمَبِيتِ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى نَوْمِ النَّهَارِ لَمَّا تَسَاوَيَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ وُضُوئِهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي وُضُوئِهِ فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ فَهَلْ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ ثَانِيَةً فِي اسْتِفْتَاحِ وُضُوئِهِ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُعِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا رِوَايَةً أُخْرَى لَا يُعِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مَتَى شُرِعَتْ لِلنَّظَافَةِ ثُمَّ دَخَلَهَا أَحْكَامُ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ لِتَأَكُّدِهَا غَلَبَ عَلَيْهَا حُكْمُ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ لَمْ يُرَاعَ فِيهَا وَيَعُودُ سَبَبُهَا كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ أَصْلُهُ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ فَلَمَّا دَخَلَتْ أَحْكَامُ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ عُدِمَتْ الرَّائِحَةُ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا دَخَلَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ لَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهَا. (ش) : وُجُوبُ الْوُضُوءِ عَلَى النَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ مِنْ بَابِ نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ لَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْمَذْهَبِ ذَهَابُ عَقْلٍ وَخَارِجٌ وَمُلَامَسَةٌ فَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ فَهُوَ النَّوْمُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ وَالْجُنُونِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ وَهَذَا قَائِمٌ إلَى الصَّلَاةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى

[باب فيما يفتقر إلى النية من الطهارة]

وَحَدَثَنِي عَن مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] إنَّ ذَلِكَ إذَا قُمْتُمْ مِنْ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ النَّوْمِ مَعَ الِاسْتِثْقَالِ خُرُوجُ الْحَدَثِ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَأُجْرِيَ جَمِيعُهُ مَجْرَى غَالِبِهِ. (فَرْعٌ) وَلَيْسَ النَّوْمُ بِحَدَثٍ فِي نَفْسِهِ لِمَا رَوَى «ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْت عِنْدَ يَسَارِهِ فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إذَا نَامَ نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . (فَرْعٌ) وَحُكْمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِهِ أَنَّ مَنْ اسْتَغْرَقَ فِي النَّوْمِ وَطَالَ أَمْرُهُ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا مُسْتَغْرِقُ النَّوْمِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَصْلُ ذَلِكَ الْمُضْطَجِعُ. (فَرْعٌ) وَلَا وُضُوءَ لِيَسِيرِ النَّوْمِ خِلَافًا لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ بِقَلِيلِ النَّوْمِ وَكَثِيرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ لِمَا يَخْفَى عَنْهُ وُقُوعُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي يَكُونُ الْغَالِبُ خُرُوجَهُ وَأَمَّا يَسِيرُ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَجْرِي لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحْوَالَ الْإِنْسَانِ تَخْتَلِفُ فِي النَّوْمِ بِاخْتِلَافِ هَيْئَتِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَكْثُرُ مِنْهُ الْحَدَثُ وَيَتَهَيَّأُ خُرُوجُهُ. وَالثَّانِي: لَا يُمْكِنُ مَعَهُ فِي الْغَالِبِ وَهُوَ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَتَهَيَّأُ مَعَهُ الِاسْتِغْرَاقُ فِي النَّوْمِ كَحَالَةِ الرُّكُوعِ. وَالثَّانِي لَا يَتَهَيَّأُ مَعَهُ خُرُوجُ الْحَدَثِ كَحَالِ الْجُلُوسِ فَإِذَا تَهَيَّأَ أَنْ يَتَّفِقَ الْمَعْنَيَانِ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِغْرَاقُ النَّوْمِ وَلَا يَتَهَيَّأُ خُرُوجُ الْحَدَثِ فَلَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَهِيَ هَيْئَةُ الِاحْتِبَاءِ وَإِنْ انْفَرَدَتْ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاعَى الْهَيْئَةَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ مَعَهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ فَيَقُولُ لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ جَالِسًا مَا لَمْ يُطِلْ ذَلِكَ وَلَا يُرَاعِي الْهَيْئَةَ الْأُخْرَى فَيُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ رَاكِعًا وَابْنُ حَبِيبٍ يُرَاعِي هَذِهِ الْهَيْئَةَ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ. (ش) : ذَهَبَ زَيْدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا هُوَ الْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ خَاصَّةً وَذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ وَرَدَ فِيهَا ذِكْرُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ فَيَجِبُ حَمْلُ أَوَّلِهَا عَلَى الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ لِيَجْتَمِعَ فِي الْآيَةِ أَنْوَاعُ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ وَذَهَبَ غَيْرُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إلَى أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعُمَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ جَمِيعَ الْأَحْدَاثِ ثُمَّ يَخُصَّ بَعْضَهَا بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذَلِكَ. [بَابُ فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لِلصَّلَاةِ قَالَ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذَا مَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاس أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ يُنْوَى مَحَلُّ مُوجِبِهَا مِنْ جِسْمِ الْمُكَلَّفِ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ أَصْلُ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي تَبْيِينِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي إيضَاحِ مَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّيَّاتِ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي مَحَلِّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ. (بَابُ فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ

[باب في إيضاح ما يجزئ من النية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِمَا يَكُونُ بِالْإِنْسَانِ مِنْ الْعَرَقِ وَالصُّنَانِ الَّذِي يَلْزَمُ إزَالَتُهُ لِلصَّلَاةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا النَّظَافَةُ وَالتَّجَمُّلُ فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ فِيهَا مِنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعِبَادَةِ فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ وَلِأَنَّهَا أَيْضًا تَتَعَدَّى مَحَلَّ مُوجِبِهَا لِأَنَّهَا تَلْزَمُ مَنْ لَا عَرَقَ لَهُ وَلَا صُنَانَ وَتَتَعَلَّقُ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِمَا يُعْدَمُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَأَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا طَهَارَةٌ لِإِزَالَةٍ مَعْنًى فَاعْتُبِرَتْ إزَالَتُهُ دُونَ النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّ افْتِقَارَهُ إلَى النِّيَّةِ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ كَابْنِ الْقَاسِم اعْتَبَرَ فِيهِ النِّيَّةَ وَمَنْ رَأَى غَسْلَهُمَا عَلَى سَبِيلِ النَّظَافَةِ كَأَشْهَبَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَلَا يَعْتَبِرُ فِي ذَلِكَ نِيَّةً وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا يَقْتَضِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غَسْلُ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَتَعَدَّى مَحَلَّ وُجُوبِهَا وَأَمَّا مَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا فَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ أَوْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْنِ أَسْفَلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ انْفَصَلَتْ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ غَسْلَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ جَفَّ وُضُوءُهُ وَطَالَ أَمْرُهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ فِي غَسْلِهِ مِنْ النِّيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ قَبْلَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عِنْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابٌ فِي إيضَاحِ مَا يُجْزِئُ مِنْ النِّيَّةِ] 1 ِ وَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يُجْزِئُ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ. وَالثَّانِي: بِمَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ. فَإِذَا تَسَاوَتْ الطَّهَارَتَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِيمَا تَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ وَفِيمَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ نِيَّةَ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ تَنُوبُ عَنْ الْأُخْرَى وَإِنْ تَسَاوَتَا فِي الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّ إحْدَاهُمَا عَنْ حَدَثٍ وَالْأُخْرَى سَبَبُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْغُسْلِ لِلرَّوَاحِ لِلْجُمُعَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِيهِ نِيَّةُ الْغُسْلِ لِلرَّوَاحِ عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ نَافِعٍ تُجْزِيهِ وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَا تُجْزِيهِ نِيَّةٌ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُجْزِئَ نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَمَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهَا فَرِيضَةً. (فَرْعٌ) وَإِنْ نَوَى الْجَنَابَةَ فَهَلْ يُجْزِيهِ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَشْهَبُ يُجْزِيهِ وَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْحَدَثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَشْهَبَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى الطَّهَارَتَيْنِ مَعًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تُجْزِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا تُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ يَتَوَضَّأُ مُجَدِّدًا لِلطَّهَارَةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ النَّافِلَةَ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فِي تَكْرَارِ الْوُضُوءِ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِتَنُوبَ الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ عَمَّا نَقَصَ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ أَتَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّهُ لَا يَكُونُ التَّكْرَارُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ بِمَنْزِلَةِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ النَّفَلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْفَرْضِ فَتَتِمَّ بِهِ فَضِيلَتُهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةَ فَرْضٍ فَذًّا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ لِلْفَضِيلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَوْ صَلَّاهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمَا كَمَلَتْ بِهَا فَضِيلَةُ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ جَنَابَةً فَاغْتَسَلَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ بِهِ جَنَابَةٌ فَهَذَا الْغُسْلُ يَرْفَعُ حُكْمَهَا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ جَنَابَةً فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِيهِ. وَقَالَ عِيسَى يُجْزِيهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ أَجْزَاهُ قَالَ عِيسَى فَكَيْفَ بِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَتَقْسِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَغْتَسِلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَخْلُو أَنْ يَشُكَّ هَلْ أَجْنَبَ بَعْدَ غُسْلِهِ أَوْ أُرِيَ شَيْئًا فَشَكَّ أَهُوَ جَنَابَةٌ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَشُكَّ بَلْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ شَكَّ فِي الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ فَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَهَذَا الشَّكُّ عِنْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ تَيَقُّنِ الْجَنَابَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِيهِ وَلَا أَنْ يُشَبِّهَهُ بِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الطَّهَارَةَ مَعَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الشَّكِّ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَمَّا مَنْ رَأَى بَلَلًا فَشَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْغُسْلَ يَلْزَمُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَلْزَمُهُ وَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ فَاغْتَسَلَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِظْهَارًا مُجَدِّدًا لِغُسْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا لِوُضُوئِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا تَسَاوَتْ الطَّهَارَتَانِ عَنْ حَدَثٍ وَاخْتَلَفَتْ مَوَانِعُهُمَا كَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ فَإِنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَا تَمْنَعُهُ الْجَنَابَةُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ الْحَائِضُ تَنْوِي الْجَنَابَةَ دُونَ الْحَيْضِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُجْزِئُ وَفِي كِتَابِ الْحَاوِي لِلْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ يُجْزِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِمَّا لَا تَمْنَعُ مِنْهُ الْجَنَابَةُ وَإِذَا رَفَعَ مُوجِبَ الْجَنَابَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ جَمِيعُ مُوجِبِ الْحَيْضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِيَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ هَذَيْنِ حَدَثَانِ مُوجِبُهُمَا وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ تَنُوبَ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ نِيَّةِ الْآخَرِ كَالْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ وَالْبَوْلِ وَاخْتِلَافُ مَوَانِعِهِمَا لَا يُوجِبُ التَّنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْحَائِضَ لَوْ نَوَتْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً لَأَجْزَأَهَا ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَوَانِعِ الْحَيْضِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلِهَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ يَنْوِي مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَوَتْ بِغُسْلِهَا الْحَيْضَ دُونَ الْجَنَابَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِيهَا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَا يَرَى لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَعَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَا يَرَى لَهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَأَمَّا مَنْ حَمَلَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ عَلَى تَجْوِيزِ الْقِرَاءَةِ لَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ نِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُجْزِي عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مُوجِبَاتُهُ وَمَوَانِعُهُ كَالْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّ نِيَّةَ الْأَعَمِّ مِنْهُ تَنُوبُ عَنْ نِيَّةِ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فَتَنُوبُ نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عَنْ نِيَّةِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَنْ نِيَّةِ الْأَكْبَرِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِاخْتِلَافِ مَوَانِعِهِمَا وَاتِّفَاقِ مُوجِبِهِمَا.

[باب في محل النية من الطهارة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَأَمَّا تَنَاوُلُ النِّيَّةِ لِلْعِبَادَاتِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنْ نَوَى بِالطَّهَارَةِ اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِ مَا يَمْنَعُهُ حَدَثُهَا أَجْزَأَ ذَلِكَ وَهُوَ أَعَمُّ وُجُوهِهَا فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ. وَالثَّانِي: مَا شُرِعَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ. وَالثَّالِثُ: مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ طَهَارَةٌ بِوَجْهٍ. فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ شُرِعَتْ الطَّهَارَةُ فِي صِحَّتِهِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِي وَيُسْتَبَاحُ بِهَا ذَلِكَ الْفِعْلُ مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ الْجُنُبُ الصَّلَاةَ أَوْ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْرَى مَجْرَى ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ الْجُنُبُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ يَنْوِيَ الْمُحْدِثُ صَلَاةَ نَافِلَةٍ. (فَرْعٌ) وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ بِهِ سَائِرَ مَوَانِعِ ذَلِكَ الْحَدَثِ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ نَوَى صَلَاةً بِعَيْنِهَا أَوْ مَسَّ مُصْحَفٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِهِ كُلَّ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ ذَلِكَ الْحَدَثُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِيمَنْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ غَيْرِهَا إنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي رَفْعِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُرْفَعُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا نَوَى وَغَيْرَهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تُرْفَعُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى رَفْضَ طَهَارَتِهِ بَعْدَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ شَيْئًا بَعْدَهَا وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ غَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِطَهَارَتِهِ فِعْلًا شُرِعَتْ فِيهِ اسْتِحْبَابًا مِثْلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ النَّوْمِ فَقَدْ حَكَى أَبُو الْفَرَجِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ. وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ لِلنَّوْمِ وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ السَّعْيِ أَوْ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَلْحَقَ ابْنُ حَبِيبٍ بِذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ لِيَدْخُلَ عَلَى الْأَمِيرِ وَرَوَاهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِوُضُوئِهِ اسْتِبَاحَةَ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الطَّهَارَةُ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ صَلَاةً وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ وَمَنْ تَوَضَّأَ لِيُعَلِّمَ الْوُضُوءَ أَوْ لِيَتَعَلَّمَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُصَلِّي بِهِ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُكْرَهًا لَمْ يُجْزِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْجُنُبَ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْوِيَ بِطَهَارَتِهِ الْجَنَابَةَ أَوْ مَا يُغْسَلُ مِنْهُ جَمِيعُ الْجَسَدِ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا. وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِ مَوَانِعِهَا وَبَعْضِهَا. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الطَّهَارَةِ مِنْ مَعْنًى تَجِبُ مِنْهُ أَوْ شُرِعَتْ فِيهِ اسْتِحْبَابًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَعْيِينُ الْحَدَثِ وَنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الْمَوَانِعِ وَبَعْضِهَا فَإِنْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَدَثًا فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي التَّطْهِيرَ وَلَا يَنْوِي الْجَنَابَةَ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً لَا يُجْزِيهِ. وَقَالَ مَرَّةً يُجْزِيهِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَيَلْزَمُ فِي التَّيَمُّمِ تَعْيِينُ الْفِعْلِ الَّذِي يُسْتَبَاحُ بِهِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي مَحَلِّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ] 1 ِ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي أَوَّلِهَا عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِهَا وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا عِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْبَحْرِ أَوْ الْحَمَّامِ يَنْوِي غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَلَمَّا أَخَذَ فِي الطُّهْرِ نَسِيَ الْجَنَابَةَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجْزِيهِ فِي الْبَحْرِ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الْحَمَّامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْزِلَةُ ذَلِكَ مَنْزِلَةُ مَنْ يُوضَعُ لَهُ الْمَاءُ وَهُوَ يَقْصِدُ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَنَسِيَ حَتَّى فَرَغَ فَإِنَّ ذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ مِنْ رُعَافٍ وَلَا مِنْ دَمٍ وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنْ الْجَسَدِ وَلَا يَتَوَضَّأُ إلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ نَوْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْزِئُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ مَا دَامَ مُشْتَغِلًا بِالْعَمَلِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّسْيَانُ وَفَرَّقَ سَحْنُونٌ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالْحَمَّامِ بِأَنَّ الْبَحْرَ لَا يَقْصِدُهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَيَقْصِدُهُ لِيَغْتَسِلَ فِيهِ تَنَظُّفًا وَهَذَا التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ إنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ نِيَّاتِ الْعِبَادَةِ أَنْ تُقَارِنَ افْتِتَاحَهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ كَمَا يَمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ فِي غُرَّةٍ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ لَيْلَتِهِ وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَإِنَّهَا تُفْتَتَحُ بِنَوَافِلِهَا فَلَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ الْفَرْضَ لَعَرَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَنْ النِّيَّةِ فَجَازَ لَهُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوُضُوءُ مَعَ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِهِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تُفْتَتَحُ بِفَرْضٍ مِنْ فُرُوضِهَا وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُكَلَّفِ الدُّخُولُ فِيهَا لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ فَوَجَبَ أَنْ تُقَارِنَ النِّيَّةُ افْتِتَاحَهَا وَكَذَلِكَ الْحَجُّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَمَنْ وَضَّأَ غَيْرَهُ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ النِّيَّةُ عَلَى الْمُوَضَّأِ لَا عَلَى الْغَاسِلِ. (فَصْلٌ) : ذَكَرَ ابْنُ الْجَهْمِ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَكَانَ الطُّهْرُ بِمَكَّةَ مِنْ النَّوَادِرِ وَهَذَا أَمْرٌ لَوْ صَحَّ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْوُضُوءُ بِمَكَّةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَارِدًا مِنْ قَبْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ إلَّا بِالْمَدِينَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَذَكَرَ الْمُلَامَسَةَ وَالْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ مَعَ النَّوْمِ وَهِيَ أُصُولُ أَسْبَابِ الطَّهَارَةِ إلَّا أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا قَالَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُنَا إنَّ الْأَحْدَاثَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: ذَهَابُ الْعَقْلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ. وَالثَّانِي: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حُكْمَهُ الْآنَ. وَالثَّالِثُ: الْمُلَامَسَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَارِجٍ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَخَارِجٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الطَّهَارَةَ عَلَى وُجُوهٍ سَنُبَيِّنُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ نَجَاسَةٍ سَالَتْ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ خَرَجَتْ مِنْهُ فَالْوُضُوءُ يَجِبُ بِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ قَلِيلُهُ فَلَمْ يَنْقُضْهَا كَثِيرُهُ كَالْبُصَاقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُون مُعْتَادًا أَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ فَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْوَدْيِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ يَخْرُجُ بِإِثْرِ الْبَوْلِ يَكُونُ مِنْ الْجِمَاعِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَكُونُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِحَمَّامٍ أَوْ إبْرِدَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَقِيلَ بِدَالٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ وَكُلٌّ قَدْ حُكِيَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَدْ اُسْتُوْعِبَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَهَذِهِ الْمَعَانِي

وَحَدَثَنِي عَن مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) . الطَّهُورُ لِلْوُضُوءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثَةُ يَجِبُ بِهَا الْوُضُوءُ خَاصَّةً وَالْمَذْيُ هُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الِالْتِذَاذِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّذْكَارِ فَإِنَّ فِيهِ الْوُضُوءَ وَهَلْ يَجِبُ فِيهِ غَسْلُ الذَّكَرِ أَمْ لَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ تَجِبُ بِهِ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى. (فَرْعٌ) وَهَذَا كُلُّهُ إذَا تَيَقَّنَ خُرُوجَهُ فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ وَلَا يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. وَالثَّانِي: إنْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَشَكَّ أَحْدَثَ بَعْدَهُ أَمْ لَا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَرَوَى عَنْهُ لَا يُعِيدُهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا إيجَابُ إعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهُ وَذَهَبَ الْمَغَارِبَةُ إلَى أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي لِأَنَّ مَالِكًا قَاسَهُ عَلَى مَنْ شَكَّ أَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ عَلَيْهِ إتْمَامُ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةٍ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْيَقِينُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ لِلشَّكِّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ فَإِنْ شَكَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَهَذَا حُكْمُهُ وَإِنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: يَقْطَعُ وَيَتَوَضَّأُ. وَالثَّانِيَةُ: إنْ شَكَّ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَكَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّ هَذَا شَكٌّ فِي الطَّهَارَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ كَاَلَّذِي يَشُكُّ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: مَا رُوِيَ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَإِذَا وَجَدَهُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ أَمْرٌ يَشُكُّ هَلْ هُوَ حَدَثٌ أَمْ لَا مِثْلُ أَنْ يَتَخَيَّلَ لَهُ رِيحًا وُجِدَتْ مِنْهُ أَوْ يَجِدَ بَلَلًا فَلَا يَدْرِي فَهَذَا قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُتَخَيِّلِ لَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي يَشُكُّ بَعْدَ الطَّهَارَةِ فِي الْحَدَثِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَجِدُ الْبَلَلَ فَلَا يَدْرِي مَا هُوَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ عَرَقٌ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ وَجَدَ الْبَلَلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ قَالَ وَإِنْ وَجَدَهُ خَارِجَ الصَّلَاة فَشَكَّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعْتَادِ فَهُوَ كَالْحَصَى وَالدَّمِ وَالدُّودِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ وُضُوءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خَارِجٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْوُضُوءُ كَدَمِ الْفِصَادَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَوَجَبَ بِهِ الْوُضُوءُ كَالْمُعْتَادِ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ نَوْمَهُ كَانَ يَسِيرًا يَعْلَمُ مَعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مُسْتَوَى جُلُوسِهِ وَهَذَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ رَأَى فِي ذَلِكَ رَأْيَ الْمُخَالِفِ.

[الطهور للوضوء]

الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الطَّهُورُ لِلْوُضُوءِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا يَرْكَبُونَهُ لَا يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَيَكُونُ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى قَلِيلِ الْمَاءِ لِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلضَّرُورَةِ قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَطَشَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلشُّرْبِ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّعَلُّقِ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ يَعْنِي الَّذِي يَتَكَرَّرُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى طَهُورٍ طَاهِرًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوهُ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ هَلْ هُوَ مُطَهِّرٌ فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ طَهُورٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ طَهُورٍ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى مُطَهِّرٍ وَلَا يَكُونُ مُطَهِّرًا حَتَّى يَكُونَ مَاءً طَاهِرًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِمَاءِ الْبَحْرِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْحُكْمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالْمِيَاهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٌ وَمُضَافٌ فَالْمُطْلَقُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبَحْرِ وَهَذَا هُوَ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ مِنْ الْمِيَاهِ وَالتُّرَابِ وَالْحَمْأَةِ الَّذِي هُوَ قَرَارٌ لَهَا وَكَذَلِكَ مَا جَرَى مِنْ الْمِيَاهِ عَلَى كُحْلٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ شَبٍّ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ زَاجٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُغَيِّرُ صِفَاتِهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ بِالطُّحْلُبِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكَّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَأَمَّا إذَا سَقَطَ وَرَقُ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشُ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ فَإِنَّ مَذْهَبَ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَيَشُقُّ تَرْكُ اسْتِعْمَالِهِ كَالطُّحْلُبِ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ غَانِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي غُدُرٍ تَرِدُهَا الْمَاشِيَةُ فَتَبُولُ فِيهَا وَتَرُوثُ فَتُغَيِّرُ طَعْمَ الْمَاءِ وَلَوْنَهُ لَا يُعْجِبُنِي الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَأَمَّا مُخَالَطَةُ الْمِلْحِ الْمَاءَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْمِلْحُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ فَإِذَا غُيِّرَ الْمَاءُ يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَقَدْ رَأَيْت الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَبَا الْحَسَنِ اخْتَلَفَا فِي مَسْأَلَةِ الْمِلْحِ يُخَالِطُ الْمَاءَ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ بِهِ وَمَنَعَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَفْصِلَا وَيُحْتَمَلُ كَلَامُ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمِلْحَ الْمَعْدِنِيَّ هُوَ الَّذِي حُكْمُهُ حُكْمُ التُّرَابِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا مَا يَجْمُدُ لِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَقَدْ دَخَلَتْهُ الصِّنَاعَةُ الْمُعْتَادَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ غُيِّرَ الْمَاءُ بِمُخَالَطَتِهِ مُنِعَ الْوُضُوءُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُضَافُ مِنْ الْمِيَاهِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ وَكَانَ مُضَافًا إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَاقِعٌ عَلَى مَا تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهُ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَأَمَّا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَاتُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُخَالِطَهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ فَإِنْ خَالَطَهُ طَاهِرٌ كَالْيَسِيرِ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَالْمَذْيِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الطَّهَارَةُ بِهِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُطَهِّرُ وَإِذَا تَوَضَّأَ مُكَلَّفٌ بِالْمَاءِ وَأَزَالَ بِهِ حُكْمَ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تُعَادَ بِهِ طَهَارَةٌ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَصْبَغَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ تَأْوِيلًا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَطَهُورٌ عَلَى مِثَالِ شَكُورٍ وَصَبُورٍ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَكْثُرُ مِنْهُ الْفِعْلُ وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مَرَّةً لَا يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِهِ بِهِ ثَانِيَةً كَرَفْعِهِ مِنْ آخِرِ الْعُضْوِ بَعْدَ تَطْهِيرِ أَوَّلِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ يَسِيرَ الطَّاهِرِ يَسْلُبُ الْمَاءَ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى جَسَدِ الْإِنْسَانِ أَثَرٌ يَسِيرٌ مِنْ عِرْقٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخَالَطَ الْمَاءَ فَيُسْلَبُ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ لَاقَى أَعْضَاءً طَاهِرَةً فَلَمْ يَنْجُسْ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ تَبَرُّدًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ لِمَاءٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ نَجِسًا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا فَاَلَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُطْلِقُ عَلَيْهِ اسْمَ النَّجَاسَةِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَوْلِهِ وَيَرَى عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي حَكَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْهُ وَأَمَّا الْخِلَافُ فَفِي الْعِبَارَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلَّمَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَنْجُسْ مِنْهُ غَيْرُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا نَجِسَ جَمِيعُهُ وَالْكَثِيرُ عِنْدَهُ الْغَدِيرُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَالْقُلَّةُ عِنْدَهُ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ شُرَيْحٍ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ تُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَاءٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارِهِ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَوْفِ الْخِلَافِ فِيهِ وَهَذَا الْمَاءُ يُسَمِّيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ نَجِسًا وَيَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِهِ بِحُكْمِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي غَسْلِ الثَّوْبِ وَالْجِسْمِ مِنْهُ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَعْرِفُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ فِي الْبَحْرِ تَبَرُّدًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ طَهَارَةِ أَعْضَائِهِ يَعْنِي مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ كَاَلَّذِي تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَلَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُعِيدَ الْوُضُوءَ بِنِيَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سُؤْرِ الْكَلْبِ وَأَمَّا سُؤْرُ النَّصْرَانِيِّ وَفَضْلُ وُضُوئِهِ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَوَضَّأُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِ وُضُوئِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ لِأَنَّهُ لَا يَتَدَيَّنُ بِالتَّوَقِّي مِنْهَا لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ مِنْ الدَّجَاجِ الْمُخْلَاةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِهَا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ إذَا أَمِنَتْ أَنْ يَأْكُلَ مَيْتَةً أَوْ يَشْرَبَ خَمْرًا فَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْبِئْرُ تَقَعُ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ دَجَاجَةُ أَوْ هِرَّةٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الْهِرَّةُ فَتَمُوتُ فَيُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ مَا يُطَيِّبُهَا وَأَشَارَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَتَمَعَّطَتْ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ سَالَ فِي الْبِئْرِ مِنْ فَرْثِهَا أَوْ دَمِهَا شَيْءٌ نُزِحَتْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ تَتَفَسَّخْ نُزِحَ مِنْهَا شَيْءٌ وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا مَيِّتَةً وَبَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا حَيَّةً فَتَمُوتَ فِيهَا فَقَالَ إنْ وَقَعَتْ مَيِّتَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْمَاءَ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَلَمْ يُؤْمَرْ أَهْلُ الْبِئْرِ أَنْ يُنَحُّوا مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا نُزِحَ مِنْهَا قَدْرُ مَا يُطَيِّبُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ

[باب في حكم الماء الممنوع من استعماله]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ وَحَكَى عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ كِلَا الْوَجْهَيْنِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُوجِبُ عَدَمَ إبَاحَتِهَا وَاَلَّتِي تَقَعُ فِيهَا مَيِّتَةً أَشَدُّ إفْسَادًا وَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي حُكْمِ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَحْكُومِ بِالْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ. وَالثَّانِي: فِي صِفَةِ تَطْهِيرِ الْمَحَلِّ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْقَلِيلِ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُفْسِدُ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ. [بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمَمْنُوعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ] يُمْنَعُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ الطَّاهِرُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونُ يُجْمَعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَيَمَّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْوُضُوءِ بِهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ الظَّاهِرِ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَاءً طَاهِرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَقَدْ تَيَمَّمَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ يَسِيرَ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ التَّيَمُّمَ يَلْزَمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّ ابْنَ سَحْنُونٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ بَدَأَ بِالْوُضُوءِ وَكَانَ الْمَاءُ نَجِسًا تَنَجَّسَتْ أَعْضَاؤُهُ وَثِيَابُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الْوُضُوءَ صَلَّى وَقَدْ نُجِّسَتْ أَعْضَاؤُهُ أَيْضًا فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلًا وَأَعْضَاؤُهُ طَاهِرَةٌ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا تَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَّى وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَقَدْ رَأَيْت لِسَحْنُونٍ يُهْرِيقُ الْمَاءَ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ وَصَلَّى فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ تَوَضَّأَ بِهِ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَسْنُونَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي عَشَرَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ وَقَعَتْ بِهِ دَجَاجَةٌ فَتَزَلَّعَتْ ثُمَّ صَلَّى وَهُوَ مِمَّا لَوْ عُجِنَ بِهِ لَطُرِحَ ذَلِكَ الطَّعَامُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ إلَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى هُوَ كَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ أَوْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَقَوْلُ يَحْيَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ كَالْمُتَغَيِّرِ وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى دُونَ تَيَمُّمٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ أَدَاءً لِلصَّلَاةِ حِينَ تَوَضَّأَ لَهَا بِمَاءٍ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا امْتَزَجَ بِهَذَا الْمَاءِ مِنْ عَجِينٍ أَوْ حِنْطَةٍ تُبَلُّ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الْخُبْزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي وَجْهَيْنِ التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهِيَةُ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوهُ وَقَدْ عَجَنُوا بِهِ خُبْزًا بِمِئِينَ مِنْ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَعْلَمُوهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُمْ بِطَرْحِهِ أَوْ عَلْفِهِ الدَّوَابَّ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَكْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّحْرِيمِ لَمَا أَمَرَهُمْ بِطَرْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ أَرْفَعِ الْأَقْوَاتِ وَالشَّرْعُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مَا عُجِنَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ الْمُتَغَيِّرِ لَا يُطْعَمُ الدَّجَاجَ وَهُوَ كَالْمَيْتَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ بِإِطْعَامِهِ الدَّوَابَّ وَالْإِبِلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَجِسًا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّ مَا عُجِنَ مِنْ الْخُبْزِ بِمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ مِنْ

[باب في صفة التطهير من الماء الممنوع من استعماله]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُطْعِمُهُمْ إيَّاهُ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَلَا يُطْعَمُ مَا عُجِنَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَة أَنَّ الْعَسَلَ النَّجِسَ يَعْلِفُهُ النَّحْلُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْحَرَامَ النَّجِسَ يَعْلِفُهُ الْحَيَوَانُ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّحْلَ تَأْكُلُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَسَلَ يُغْتَذَى بِهِ وَيُجْتَنَى عَسَلًا آخَرَ مِنْ النُّوَّارِ وَيَحْكُمُ لَهُ فِي نَفْسِهِ بِحُكْمِ الطَّهَارَةِ لِتَغَيُّبِهِ عَنَّا وَوُرُودِهِ الْمِيَاهَ كَالْهِرَّةِ تَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ ثُمَّ تَغِيبُ عَنَّا. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَقَى الدَّوَابَّ ذَوَاتِ اللَّبَنِ وَالْأَشْجَارَ ذَوَاتِ الثَّمَرِ هَذَا الْمَاءَ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فَيَنْجُسُ بَوْلُ الْحَيَوَانِ وَلَا يَنْجُسُ لَبَنُهُ وَلَا ثَمَرُ الشَّجَرِ وَأَمَّا مَا طُبِخَ مِنْ اللَّحْمِ بِهَذَا الْمَاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُغْسَلُ ذَلِكَ وَيُؤْكَلُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا فِي اللَّحْمِ مِنْ الْمَائِيَّةِ تَقْوَى بِالنَّارِ فَمَنَعَ الْمَاءُ الْمَكْرُوهَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَاطِنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِهِ وَالْمَاءُ يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَائِيَّةَ اللَّحْمِ تَمْتَزِجُ بِهَذَا الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ فَيَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى إزَالَةِ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ اللَّحْمِ بِالْغُسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي صِفَةِ التَّطْهِيرِ مِنْ الْمَاءِ الْمَمْنُوعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ] (بَابٌ فِي صِفَةِ التَّطْهِيرِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ) . وَأَمَّا تَطْهِيرُ الْمَحَلِّ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُطَهِّرَ مُسْتَقَرَّهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُطَهِّرَ مَا أَصَابَهُ فَأَمَّا تَطْهِيرُ مُسْتَقَرِّهِ. فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكُ إنْ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ أَخْرَجَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يُطَيِّبُهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ تَفَسَّخَتْ فِي الْبِئْرِ نُزِعَتْ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْمَاءُ وَإِذَا لَمْ تَتَفَسَّخْ نُزِعَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ بِقَدْرِ مَا يُطَيِّبُهَا وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ أَصْبَغَ قَوْلًا هُوَ عِنْدِي أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي قَدْرِ مَا يَنْزِعُ مِنْ الْبِئْرِ قَدْرُهَا وَقَدْرُ مَاءِ الْبِئْرِ وَطُولُ إقَامَتِهَا فِي الْمَاءِ وَدُرُوجِهَا فِيهِ قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَرَى أَنَّهُ جَاوَزَهَا وَأَصَابَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَطْهِيرُ مَا أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ مِنْ جِسْمٍ أَوْ ثَوْبٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَالْجَسَدُ وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ الْمُتَوَضِّئَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ الرَّفِيعُ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ وَلَهُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ وَالصَّلَاةُ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ غَيْرَهُ مِنْ الثِّيَابِ وَجَسَدَهُ وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إعَادَةَ الْمُتَوَضِّئِ مِنْهُ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يُنْضَحُ مِنْهُ الثَّوْبُ. [بَابٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ الْمَمْنُوعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ] 1 (بَابٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْهُ) . وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَاءِ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَّا التَّغْيِيرُ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ. وَالثَّانِي: الْبَقَاءُ وَالتَّجَدُّدُ فَأَمَّا الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّ الْآبَارَ الصِّغَارَ مِثْلُ آبَارِ الدُّورِ تَفْسُدُ بِمَا مَاتَ فِيهَا مِنْ شَاةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَا تَفْسُدُ بِمَا وَقَعَ فِيهَا مَيِّتًا حَتَّى تَتَغَيَّرَ. وَأَمَّا آبَارُ الزَّرَانِيقِ وَالسَّوَانِي فَلَا يُفْسِدُهَا مَا مَاتَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبِرَكُ الْعِظَامُ جِدًّا وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي جُبٍّ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ فَتَنْشَقُّ فِيهِ وَتَتَفَسَّخُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ إلَّا مَا قَرُبَ مِنْهَا إنَّهَا تُخْرَجُ وَيُنْزَعُ مِنْهَا مَا يُذْهِبُ دَسَمَ الْمَيْتَةِ وَالرَّائِحَةَ وَاللَّوْنَ فَتَطِيبُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَأَنْكَرَ هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَجَدِّدَ وَالدَّائِمَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْكَثْرَةِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمَاءَ الدَّائِمَ خِلَافُ الْمُتَجَدِّدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الدَّائِمُ جِدًّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ فَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: تَخْفِيفُ حُكْمِهَا. فَأَمَّا قِلَّتُهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إنَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ إنْ كَانَ مِثْلَ الْجِرَارِ لَمْ تُفْسِدْهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ إنَاءِ الْوُضُوءِ أَفْسَدَتْهُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْسِدُ مَاءَ بِئْرِ الدَّارِ. وَأَمَّا تَخْفِيفُ حُكْمِهَا فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ إنَاءَ الْوُضُوءِ يُفْسِدُهُ رَوْثُ الدَّابَّةِ وَإِنْ وَجَدَهُ طَافِيًا فِي الْحُبِّ لَمْ يُفْسِدْهُ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَجَاسَتِهِ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْحُبِّ تَجِدُ فِيهِ الرَّوْثَ طَافِيًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ بِنَجَاسَةِ أَرْوَاثِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي غَسْلِ الْخُفِّ مِنْهَا فَقَالَ مَرَّةً يُغْسَلُ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُغْسَلُ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا وَالثَّانِيَةُ لِلِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : ثُمَّ نَعُودُ إلَى أَصْلِ التَّقْسِيمِ وَقَدْ قَضَيْنَا الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُضَافُ فَهُوَ الَّذِي تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَتَغَيُّرُهُ يَكُونُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا اعْتِبَارَ فِي تَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِتَغَيُّرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُضَافُ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا فَمَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ وَمَا تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَشَرَطَ عَدَمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَهُوَ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَاءٌ قَدْ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ مُطَهِّرًا كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَجَدَ مُرِيدُ الطَّهَارَةِ الْمَاءَ مُتَغَيِّرًا وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَغَيَّرَ أَمِنْ مَعْنًى يَمْنَعُ التَّطْهِيرَ بِهِ أَمْ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ حُمِلَ عَلَى الطَّهَارَةِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ ظَاهِرٌ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي بِئْرٍ فِي دَارٍ تَغَيَّرَتْ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَغَيَّرَتْ قَالَ يَنْزِفُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ طَابَتْ وَإِلَّا لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهَا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَخَافُ أَنْ تَسْقِيَهُ قَنَاةُ مِرْحَاضٍ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ مِنْ أَمْرِهَا لِقُرْبِ الْمَرَاحِيضِ مِنْ آبَارِ الدُّورِ وَرَخَاوَةِ الْأَرْضِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ رُبَّ بِئْرٍ فِي الصَّفَا وَالْحَجَرِ لَا يَصِلُ إلَيْهَا شَيْءٌ وَرُبَّ أَرْضٍ رَخْوَةٍ يَصِلُ مِنْهَا فَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِي مِثْلِ هَذَا. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي الْبِئْرِ يَمْتَلِئُ مِنْ النِّيلِ إذَا زَادَ ثُمَّ تُقِيمُ بَعْدَ زَوَالِهِ شَهْرًا لَا يَسْتَقِي مِنْهَا فَتَتَغَيَّرُ رَائِحَتُهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي خَلِيجِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة الَّذِي تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَإِذَا جَاءَ النِّيلُ صَفَا مَاؤُهُ وَابْيَضَّ وَإِذَا ذَهَبَ النِّيلُ رَكَدَ وَتَغَيَّرَ وَالْمَرَاحِيضُ إلَيْهِ خَارِجَةٌ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي إذَا خَرَجَتْ إلَيْهِ الْمَرَاحِيضُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَقَالَ بِأَثَرِ هَذَا اجْعَلْ بَيْنَك وَبَيْنَ الْحَرَامِ سِتْرًا مِنْ الْحَلَالِ لَا تُحَرِّمْهُ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ كَرَاهِيَةً وَاسْتِظْهَارًا لَا الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمَرَاحِيضُ إلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِيَاهٌ مَاءٌ فَأَكْثَرُ فَعَلِمَ نَجَاسَةَ أَحَدِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَغَيَّرَ أَحَدُهَا بِنَجَاسَةٍ وَسَائِرُهَا بِمَا لَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَقَطَ فِي أَحَدِهَا نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ. إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّطْهِيرُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهَا وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَيُرْوَى عَنْهُ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهَا وَيُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِالْآخَرِ وَيُصَلِّي وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهَا وَيُصَلِّي ثُمَّ يَغْسِلُ مِنْ الْآخَرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوَاضِعَ الطَّهَارَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ يَتَحَرَّى أَحَدَهَا فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي بِهِ وَيُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنْ كَانَ عَدَدُ الْمِيَاهِ قَلِيلًا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ مِنْهَا وَيُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً يُؤَدِّي اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ إلَى الْمَشَقَّةِ جَازَ لَهُ التَّحَرِّي وَجْهُ مَنْعِ التَّحَرِّي أَنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الْيَقِينِ فِيهِ فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً وَاحِدَةً لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بِأَحَدِهَا لَمْ يُؤَدِّ الصَّلَاةَ بِيَقِينٍ وَإِذَا تَوَضَّأَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَصَلَّى لَزِمَهُ صَلَاتَانِ لِلظُّهْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ فَوَجَبَ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَجَهِلَ عَيْنَهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ بِالتَّحَرِّي أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى تَارَةً بِيَقِينٍ وَتَارَةً بِظَاهِرٍ فَجَازَ دُخُولُ التَّحَرِّي فِيهَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهَا وَالظَّاهِرُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَايَنَةِ وَالْيَقِينِ فِي الْوُصُولِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْبَحْرِ وَالنِّيلِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ لَا يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ غَيَّرَهُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْوُضُوءِ بِكُلِّ إنَاءٍ فَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي تَرْكِهِ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْإِنَاءِ الثَّانِي قَبْلَ الْوُضُوءِ بِهِ أَنَّ الْمَاءَ الثَّانِيَ إذَا غَلَبَ عَلَى آثَارِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ فِي الْأَعْضَاءِ صَارَ لَهُ حُكْمٌ فِي نَفْسِهِ فَإِمْرَارُ الْيَدِ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُجْزِي مِنْ الْوُضُوءِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ إلَى الْعُضْوِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ فَأَمَرَّ يَدَهُ مَعَهُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْعُضْوِ مِنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ غَسْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْوُضُوءِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ لَمْ يَغْسِلْ ذِرَاعَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَقَدْ رَأَيْت لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مِثْلَ مَا قَدَّمْته فِيمَنْ كَانَتْ فِي ذِرَاعَيْهِ نَجَاسَةٌ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُنَقِّهَا أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي التَّحَرِّي فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ تَسَاوِي الْمَحْظُورِ وَالْمُبَاحِ مَعَ كَوْنِ الْمَحْظُورِ أَكْثَرَ وَهَذَا حُكْمُ الثِّيَابِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ وَمَنَعَ ذَلِكَ فِي الْمِيَاهِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهَا إلَّا إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُبَاحِ أَكْثَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُبَاحِ أَكْثَرَ فَجَازَ فِيهِ التَّحَرِّي وَإِنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ عَدَدُ الْمَحْظُورِ أَكْثَرَ كَالثِّيَابِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ يُرِيدُ مَا مَاتَ مِنْ حَيَوَانِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَالْحَيَوَانُ جِنْسَانِ بَحْرِيٌّ وَبَرِّيٌّ أَمَّا الْبَحْرِيُّ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ لَا تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالْحُوتِ وَنَوْعٌ تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ فَأَمَّا الْحُوتُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَاتَتْ نَفْسُهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا مَاتَ مِنْهُ حَتْفَ أَنْفِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ صَيْدُهُ مَا صِدْته وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَاسْمُ الْمَيْتَةِ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا فَاتَتْ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا تَدُومُ حَيَاتُهُ كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ طَاهِرٌ حَلَالٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ هُوَ حَرَامٌ نَجِسٌ إنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ فَلَمْ يُفْتَقَرْ إلَى ذَكَاةٍ كَالْحُوتِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ حَيَوَانٌ تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالطَّيْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حَيَوَانُ الْبَرِّ فَعَلَى نَوْعَيْنِ أَيْضًا مَالُهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالطَّيْرِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ فَرْوَةَ عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي قَالَتْ فَقُلْت نَعَمْ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَحْمَةِ الْأَرْضِ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْبَرَاغِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَرَاغِيثِ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ لِأَنَّ مِنْ هَذَا الْخَشَاشِ مَا يَكُونُ فِيهِ دَمٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ لَهُ دَمٌ مِنْ ذَاتِهِ كَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَعُوضِ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي بُرْغُوثٍ وَقَعَ فِي ثَرِيدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَلَا دَمٌ سَائِلٌ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَنْ احْتَاجَ شَيْئًا مِنْهَا لِلدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ فَلْيُذَكِّهِ بِمَا يُذَكِّي الْجَرَادَ فَجَعَلَ الْبَعُوضَ مِنْ صِنْفِ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ وَفِيهِ دَمٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يُرَاعَى فِي الدَّمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْحَيَوَانِ فَيَكُونَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ دَمٌ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَمَا لَهُ دَمٌ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَفِيمَا فِيهِ دَمٌ وَلَيْسَ لَهُ دَمٌ الْقَوْلَانِ يَنْجُسُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ وَلَا يَنْجُسُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبُرْغُوثُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إذَا كَانَ فِيهِ الدَّمُ وَلَا يَنْجُسُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَمٌ وَذِكْرُ اللَّحْمِ فِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ مَعَ الدَّمِ والحلزوم لَحْمٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَرَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فَأْرَةُ الْمِسْكِ فَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هِيَ مَيْتَةٌ وَيُصَلِّي بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهَا كَخُرَّاجٍ يَحْدُثُ بِالْحَيَوَانِ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِدَادٌ ثُمَّ يَسْتَحِيلُ مِسْكًا وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَيْتَةً أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ بِذَكَاةِ مَنْ لَا تَصِحُّ تَذْكِيَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَإِنَّمَا حُكِمَ لَهَا بِالطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ الدَّمِ وَخَرَجَتْ عَنْ اسْمِهِ إلَى صِفَاتٍ وَاسْمٍ يَخْتَصُّ بِهَا فَطَهُرَتْ بِذَلِكَ كَمَا يَسْتَحِيلُ الدَّمُ وَسَائِرُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيَوَانُ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَى اللَّحْمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ إلَى الْخَلِّ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَكَمَا يَسْتَحِيلُ مَا يُدْمَنُ بِهِ مِنْ الْعَذَرَةِ وَالنَّجَاسَةِ تَمْرًا أَوْ بَقْلًا فَيَكُونُ طَاهِرًا. وَإِنَّمَا لَمْ تَنْجُسْ فَأْرَةُ الْمِسْكِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ وَلَا جُزْءٍ مِنْهُ فَتَنْجُسُ بِعَدَمِ الذَّكَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي الْحَيَوَانِ كَمَا يَحْدُثُ الْبَيْضُ فِي الطَّيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَهُوَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ طَهَارَتِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَعْنًى تَبَيَّنَ بِهِ وَجْهُ حُكْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَبَنَاتِ وَرْدَانِ وَالصِّرَارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالذُّبَابِ وَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ دَوَاءً» وَأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الدَّوَاءَ وَيُقَدِّمُ الدَّاءَ فَلَوْ كَانَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَيَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ لَمَا أُمِرْنَا أَنْ نُفْسِدَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِغَمْسِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَمُوتُ فِي الْغَالِبِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَلَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ كَالْجَرَادِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا يُرِيدُ دَخَلَ عَلَيْهَا مَنْزِلَهَا وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ فَكَسَبَتْ وَضُوءًا عَلَى مَعْنَى إكْرَامِ الْحَمْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مَنِّهِ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَمَالَهُ لَهَا يُمَكِّنُهَا مِنْ الشُّرْبِ ابْتِغَاءَ الْأَجْرِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ ذِي الْكَبِدِ الرَّطْبَةِ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ نَظَرُهَا إلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ مَكَّنَهَا مِنْ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ وَضُوئِهِ وَقَدْ شُرِعَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ مَعَ مَا عُلِمَ أَنَّ الْهِرَّةَ تَتَنَاوَلُ مِنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَى فِي فَمِهَا نَجَاسَةً) . . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَك السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيْتَةِ وَقَوْلُهُ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى التَّحْقِيقِ لِمَا ظَنَّهُ مِنْ تَعَجُّبِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهَا إلَيْهِ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَهَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْفِي نَجَاسَةَ الْعَيْنِ فَكُلُّ حَيٍّ طَاهِرٌ فَالْهِرَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ طَاهِرَةُ الْعَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا عَفَا عَنْ سُؤْرِهَا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ يَنْفِي نَجَاسَةَ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَأَمَّا نَجَاسَةُ الْمُجَاوَرَةِ فَهُوَ أَمْرٌ طَارٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَإِذَا ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي فِيهَا أَوْ عُلِمَتْ بِتَنَاوُلِهَا الْمَيْتَةَ فَهِيَ نَجِسَةٌ بِالْمُجَاوَرَةِ وَإِذَا شَرِبْت فِي إنَاءِ مَاءٍ فَغَلَبَ الْمَاءُ النَّجَاسَةَ طَهُرَ فَمُهَا وَكَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ تَنْبِيهٌ عَلَى تَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا وَإِشَارَةٌ إلَى تَأَكُّدِ طَهَارَتِهَا لِعِلَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِيهَا وَقَوْلُهُ أَوْ الطَّوَّافَاتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الذُّكُورِ الطَّوَّافِينَ أَوْ الْإِنَاثِ الطَّوَّافَاتِ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ سُؤْرِهَا إلَّا أَنْ يَرَى فِي فِيهَا نَجَاسَةً وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ وَجَدْت عَنْهُ غِنًى فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَمَعْنَى ذَلِكَ التَّوَقِّي مِمَّا يَحْصُلُ فِي الْمَاءِ مِنْ رِيقِهَا وَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. (ش) : قَوْلُهُ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا الْوُرُودُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الشُّرْبِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطَّهَارَةَ وَالْحَوْضُ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ. وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ هَذَا الْحَوْضَ مِجَنَّةٌ وَقَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَك السِّبَاعُ اسْتِخْبَارٌ لَهُمْ عَنْ حَالِ الْمَاءِ إذْ كَانَ يَخْتَلِفُ عِنْدَهُ مَا تَرِدهُ السِّبَاعُ وَمَا لَا تَرِدُهُ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا إنْكَارٌ لِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَإِخْبَارٌ أَنَّ وُرُودَ السِّبَاعِ عَلَى الْمِيَاهِ لَا تُغَيِّرُ حُكْمَهَا وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَصْدُ تَبْيِينِ عِلَّةِ مَنْعِ الِاعْتِبَارِ بِوُرُودِهَا لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ وُرُودَ السِّبَاعِ عَلَيْنَا وَوُرُودَنَا عَلَيْهَا مُبَاحٌ لَنَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي أَنَّ أَسْآرَ السِّبَاعِ طَاهِرَةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ طَاهِرَةٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ نَجِسَةٌ وَاسْتَثْنَى سُؤْرَ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَكَذَلِكَ سُؤْرُ الْهَوَامِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا سَبُعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا كَالْهِرِّ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَسْآرَ السِّبَاعِ طَاهِرَةٌ فَإِنَّهَا قَدْ تُكْرَهُ لِمَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَسِيرًا يُخَافُ مِنْ غَلَبَةِ رِيقِهَا عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ رِيقِ الْكَلْبِ وَمَا جَانَسَهُ مِنْهَا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَا وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ لَمْ يُعِدْ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْكَلْبُ كَالسِّبَاعِ لَا يُتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهَا إلَّا الْهِرَّ وَهِيَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَقْتَضِي الْكَرَاهِيَةَ قَالَ سَحْنُونٌ إلَّا أَنَّ الْهِرَّ فِي ذَلِكَ أَيْسَرُ مِنْ الْكَلْبِ وَالْكَلْبُ أَيْسَرُ حَالًا مِنْ السِّبَاعِ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ طَهَارَتَهَا بِتَطْوَافِهَا عَلَيْنَا وَفِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ بِفَضْلِ جَمِيعِ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ يُصِيبُ فِيهِ الْأَذَى وَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْهِرِّ مَا لَمْ يَكُنْ بِخَطْمِهِ أَذًى فَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ أَشَدُّ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ

[ما لا يجب منه الوضوء]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إنْ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا) . مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ «عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَكُّنُهُ مِنْ الْأَذَى وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِرِّ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْأَذَى فِي خَطْمِهِ. (فَرْعٌ) وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ أَسْآرَ الدَّوَابِّ الَّتِي تَأْكُلُ أَرْوَاثَهَا وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُرَ ذَلِكَ فِي أَفْوَاهِهَا عِنْدَ شُرْبِهَا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْقَذَرَ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهَا وَلْيَتَيَمَّمْ فَجَعَلَ الدَّوَابَّ لَمَّا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا عَامَّةً وَكَانَ أَكْلُهَا أَرْوَاثَهَا فِيهَا شَائِعًا بِمَنْزِلَةِ الْهِرَّةِ الَّتِي تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَجَمِيعُهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا سُؤْرُ الْخِنْزِيرِ فَيُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي حِيَاضِ الرِّيفِ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ مِنْهَا وَإِنْ وَلَغَتْ فِيهَا الْكِلَابُ فَإِنْ وَلَغَتْ فِيهَا الْخَنَازِيرُ فَلَا يُتَوَضَّأُ وَلَا يُشْرَبُ مِنْهَا وَذَلِكَ إنَّ كَرَاهِيَتَهَا أَشَدُّ مِنْ كَرَاهِيَةِ الْكِلَابِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا بِوَجْهٍ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ طَاهِرٌ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا حَقِيقَةُ الْمَذْهَبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَمَمْنُوعٌ مِنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لِمَا يُخَافُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمِقْدَارُ الَّذِي لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي وَلَغَتْ فِيهِ السِّبَاعِ كَالْحَوْضِ وَنَحْوِهِ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ رِيقُهَا وَلَا تُغَيِّرُهُ أَفْوَاهُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسِّبَاعِ هَاهُنَا غَيْرَ الْخِنْزِيرِ وَيُرِيدَ بِرِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْخِنْزِيرَ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَرَاهِيَةِ وَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ يَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا يَعْنِي مُجْتَمَعِينَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ هَذَا أَظْهَرُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ الْإِخْبَارُ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى إبَاحَةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَيَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَغْتَسِلُ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَجْنَبْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ فَاغْتَسَلْت مِنْ جَفْنَةٍ وَفَضَلَتْ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا فَقُلْت لَهُ قَدْ اغْتَسَلْت مِنْهَا قَالَتْ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا وَقَالَ إنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَيْنِ شَخْصَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا بِفَضْلِ الْآخِرِ كَالْمَرْأَةِ تَغْتَسِلُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ. [مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ] (ش) : قَوْلُهُ إنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تُطِيلُ ثَوْبَهَا الَّذِي تَلْبَسُهُ لِيَسْتُرَ قَدَمَيْهَا فِي مَشْيِهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ نِسَاؤُهُمْ يَلْبَسْنَ الْخِفَافَ فَكُنَّ يُطِلْنَ الذَّيْلَ لِلسَّتْرِ وَرَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا أَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ تُرِيدُ أَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا تَرْكُ الْمَشْيِ فِيهِ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الْمَاشِيَ يَمْشِي عَلَى مَوْضِعٍ قَذِرٍ وَغَيْرِ قَذِرٍ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا يَخْلُو فِي الْأَغْلَبِ مِنْ هَذَا وَتَرْكُ الْمَشْيِ فِي مِثْلِ هَذَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ جُمْلَةً وَالْمَرْأَةُ تَحْتَاجُ مِنْ إرْخَاءِ ذَيْلِهَا وَسَتْرِ قَدَمَيْهَا فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ إلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ أَفْتَتْهَا بِالْحَدِيثِ وَأَخْبَرَتْهَا

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ رَأَى رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقْلِسُ مِرَارًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَتَوَضَّأُ حَتَّى يُصَلِّيَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا عِنْدَهَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ لِيَجْتَمِعَ لِأُمِّ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ وَنَقْلُ الْحَدِيثِ الْمُوجِبِ لَهُ وَهَذَا لِمَا رَأَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ حِفْظِهَا وَضَبْطِهَا وَأَنَّهَا مِمَّنْ تَصْلُحُ لِنَقْلِ الْعِلْمِ وَفَهْمِهِ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمَ الْعَالِمِ إذَا سَأَلَهُ مَنْ يَفْهَمُ وَيَصْلُحُ لِلتَّعْلِيمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ بَيَّنَهَا لَهُ وَذَكَرَ أَدِلَّتَهَا وَفُرُوعَهَا مَا أَمْكَنَهُ وَبِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَيَصْلُحُ لَهُ وَإِذَا سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا يَصْلُحُ لِنَقْلِهِ أَجَابَهُ بِحُكْمِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْهُ خَاصَّةً وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِ الْمَوْضِعِ الْقَذِرِ الَّذِي يُطَهِّرُ الذَّيْلَ مَا بَعْدَهُ فَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَوْضِعِ الْيَابِسِ الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِالثَّوْبِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ فِي الْمَرْأَةِ مِنْ جَرِّ ذَيْلِهَا أَنَّ الدِّرْع يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ أَنَّهَا تَسْحَبُ ذَيْلَهَا عَلَى الْأَرْضِ نَدِيَّةً نَجِسَةً وَقَدْ رُخِّصَ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ وَهِيَ تَجُرُّهُ بَعْدَ تِلْكَ الْأَرْضِ عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ فَذَلِكَ لَهُ طَهُورٌ قَالَ الدَّاوُدِيُّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَرَوَوْهُ فِي الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ فِي الْقَشْبِ الْيَابِسِ فَإِنَّ الْقَشْبَ الْيَابِسَ لَا يُنْجِسُ الثَّوْبَ مُجَاوَرَتُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَطْهِيرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ الثَّوْبُ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَطْهِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِمُرُورِهِ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَّا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي فِي الطُّرُقَات لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا مَعَ التَّصَرُّفِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ لِلنَّاسِ فَخُفِّفَ أَمْرُهَا إذَا خَفِيَ عَيْنُهَا فَإِذَا مَرَّ الذَّيْلُ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ أَخْفَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَأَسْقَطَ عَنْ اللَّابِسِ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مَوْضِعٍ يُطَهِّرُهُ بِإِخْفَاءِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ لَظَهَرَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَلَوَجَبَ تَطْهِيرُهَا وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِنْ جَوَّزْنَا وُجُودَ نَجَاسَةٍ خَفِيَتْ عَيْنُهَا بِهِ وَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الطُّرُقَاتِ مِنْ الطِّينِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي لَا تَخْلُو مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْأَبْوَالِ وَأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ فَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الطِّينُ وَأَخْفَى عَيْنَهَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَطْهِيرًا لَهَا وَلَوْ ظَهَرَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ رَأَتْهَا لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا الْغُسْلُ وَإِنَّمَا مَعْنَى يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ بِالنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهَا قَدْ أَصَابَ مَا لَا تَخْلُو الطُّرُقَاتُ مِنْهُ فَقِيلَ لَهَا أَنَّ خَفَاءَ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّوْبِ مِنْ الطِّينِ وَالتُّرَابِ يَمْنَعُك مِنْ مُشَاهَدَةِ الْعَيْنِ وَتَحَقُّقِ وُصُولِهَا إلَيْهَا فَيَسْقُطُ عَنْك فَرْضُ تَطْهِيرِ ثَوْبِك وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَطْهِيرِهِ وَلَوْ مَرَّ رَجُلٌ بِطِينٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَطَارَتْ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلِمَ بِهَا ثُمَّ تَطَايَرَ عَلَيْهَا طِينٌ وَأَخْفَى عَيْنَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ غَسْلِهَا وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ غَسْلُهَا إذَا لَمْ يَرَ عَيْنَهَا فِي ثَوْبِهِ وَلَا عَلِمَ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ النَّجَاسَاتِ لِمَشْيِهَا فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ وَلَا تَعْلَمُ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبِهَا مِنْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَلَمْ تَسْأَلْ عَنْ مَشْيِهَا عَلَى نَجَاسَةٍ مَعْلُومَةٍ مُشَاهَدَةٍ بِتَيَقُّنِ تَعَلُّقِهَا بِذَيْلِهَا وَإِنَّ تِلْكَ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا. (ش) : وَهَذَا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ نَجِسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَالْقَلْسُ مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ يَسِيرٌ يَخْرُجُ إلَى الْفَمِ فَلَا يُوجِبُ وَضُوءًا وَلَيْسَ بِنَجَسٍ فَوَجَبَ غَسْلُ الْفَمِ وَلَكِنْ إنْ قَلَسَ طَعَامًا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَنْظِيفُ فَمِهِ مِنْهُ بِالْغَسْلِ لِأَنَّ تَنْظِيفَ الْفَمِ مَشْرُوعٌ لِلصَّلَاةِ كَالسِّوَاكِ وَإِنَّمَا كَانَ رَبِيعَةُ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُصَلِّيَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْلِسُ وَذَلِكَ أَمْرٌ خَفِيفٌ يَذْهَبُ بِالْبَصَرِ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَإِنَّهُ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فَيُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَلْسُ أَوَّلُ الْقَيْءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَا يَنْصَرِفُ وَلَا يَتَوَضَّأُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَمَضْمَضُ وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى وَأَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ

[ترك الوضوء مما مست النار]

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَلَسَ طَعَامًا هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلْيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ مِنْ الْقَيْءِ وُضُوءٌ قَالَ لَا وَلَكِنْ لِيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ) . تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَرَى رَبِيعَةَ كَثِيرًا مَا يَقْلِسُ فِي صَلَاتِهِ فَيَمْضِي وَلَا يَنْصَرِفُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءُ حَدَثٍ وَلَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ عَلَيْهِ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ ذَلِكَ وَيَغْسِلَ فَمَهُ لِأَنَّ الْقَلْسَ لَا يَكُونُ طَعَامًا مُتَغَيِّرًا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ تَنْظِيفُ الْفَمِ وَإِزَالَةُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ. (ش) : لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ حَنَّطَ مَيِّتًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» فَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا لِيَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَعَ الْمُصَلِّينَ. (ش) : وَهَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالْقَيْءِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَقَوْلُهُ لِيَتَمَضْمَضْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَغْسِلْ فَاهُ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْقَيْءُ مُتَغَيِّرًا أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَغَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لِإِزَالَةِ رَائِحَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ وَغَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ وَاجِبٌ. [تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ] (ش) : قَوْلُهُ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَطْبُوخٌ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ كَذَكَاةِ الشَّاةِ وَعَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثُمَّ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَرْكِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَانِيدَ لَا بَأْسَ بِهَا أَنَّهُ قَالَ «تَوَضَّئُوا مِمَّا أَنْضَجَتْ النَّارُ» وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ الْوُضُوءُ مِمَّا أَنْضَجَتْ النَّارُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ مَعْنَاهُ الْمَضْمَضَةَ وَغَسْلَ الْفَمِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَدْ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنَّ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ اخْتَصَرَ حَدِيثَ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا فَغَيَّرَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَقَدْ أُلْحِقَ بِنَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ مَعَانٍ نُبَيِّنُ مِنْهَا مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ فَمِنْهَا أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَنْقُضُ ذَلِكَ الطَّهَارَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَحْمٌ فَلَمْ يَجِبْ بِأَكْلِهِ وُضُوءٌ كَلَحْمِ الضَّأْنِ. 1 - (فَرْعٌ) الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُهَا دَاخِلَهَا كَالْكَلَامِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ. (فَرْعٌ) وَرَفْضُ الطَّهَارَةِ يَنْقُضُهَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ مَنْ تَصَنَّعَ لِلنَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنَمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ يَصِحُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ هُوَ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ رَفْضُهُ مِنْ مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَصَحَّ رَفْضُهَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ «عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكَلْنَا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ إلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآنِ مِمَّا مَسَّتُهُ النَّارُ. مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالصَّلَاةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تَبْطُلْ بِالرَّفْضِ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ ثُمَّ تَابَ وَرَاجَعَ الْإِسْلَامَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْتَنِفَ الْوُضُوءَ قَالَ يَحْيَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشِّرْكَ أَحْبَطَ عَمَلَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تُبْطِلْهَا الرِّدَّةُ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَوَجْهُ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ عَمَلٍ إلَّا مَا خَصَّصَهُ الدَّلِيلُ. (ش) : قَوْلُهُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ يُرِيدُ فَتْحَ خَيْبَرَ وَقَوْلُهُ بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ يُرِيدُ أَنَّهَا أَدْنَى مِنْ أَعْمَالِ خَيْبَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ بِالْأَزْوَادِ يُرِيدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا عَلَى التَّوَاسِي فِيهَا لَمَّا ضَاقَتْ الْأَزْوَادُ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَا زَادَ لَهُ مِثْلُ مَا رَوَى أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ وَقَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْأَسْفَارِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُوجَدُ فِيهَا الطَّعَامُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي جَيْشِ الْخَبْطِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهَذَا مَا لِلْإِمَامِ فِعْلُهُ لَا سِيَّمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِزَادِ مَنْ يَخُصُّهُ وَمِنْ يَعْلَمُ مُسَارَعَتَهُ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِخَلْطِ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الزَّادِ لِيُطْعِمَ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَ الْفَقْرِ وَمَنْ قَرُبَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَضْمَضَ يُرِيدُ لِإِزَالَةِ ذَفَرِ السَّمْنِ وَالسَّوِيقِ لِلتَّنْطِيفِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ لَبَنًا فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَمَضْمَضَ مِنْهُ وَقَالَ إنَّ لَهُ دَسَمًا» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ لِمَنْ أَكَلَ طَعَامًا مَسَّتْهُ النَّارُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ الْفَاكِهَةِ أَخَفُّ وَالصَّلَاةُ بِأَثَرِ الْأَكْلِ أَشَدُّ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ ذَلِكَ أَزَالَ الرِّيقُ الرَّائِحَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ يُرِيدُ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَهُوَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنْ لَا وُضُوءَ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ وَإِنَّ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْسُوخًا فَلَمْ يُشَاهِدْهُ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحْضُرْ التَّوَجُّهَ إلَى خَيْبَرَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) . (ش) : ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَذْكُرْ إنْ كَانَ مَا تَعَشَّى بِهِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إلَّا أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِمَا مَسَّتُهُ النَّارُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدِ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) . (ش) : قَوْلُهُ ثُمَّ مَضْمَضَ يُرِيدُ لِإِزَالَةِ رَائِحَةِ الطَّعَامِ مِنْ الْفَمِ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَسَحَهُ بِبَلَلِ يَدَيْهِ لِيُزِيلَ عَنْهُ الشَّعَثَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ بَابِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كُلُّ مَا مَسَّتُهُ النَّارُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآنِ مِمَّا مَسَّتُهُ النَّارُ. مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا

[جامع الوضوء]

مَسَّتُهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ فَقَالَ رَأَيْت أَبِي يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) . جَامِعُ الْوُضُوءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ مَسَّتُهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ فَقَالَ رَأَيْت أَبِي يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) . (ش) : سَأَلَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ عَنْ مَا عِنْدَهُ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتُهُ النَّارُ فَأَجَابَهُ بِعَمَلِ أَبِيهِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فِي هَذَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَخْذِهِ بِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَجَابَهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَكَلَ اللَّحْمَ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) . (ش) : وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ وَفَتْوَى التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ شِهَابٍ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَعَمَلِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ لِطَعَامٍ فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَلَحْمٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» ) . (ش) : وُضُوءُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ أَكَلَ مِنْ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الطَّعَامِ الَّذِي مَسَّتُهُ النَّارُ ثُمَّ يَكُونُ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ نَاسِخًا لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ بَيَّنَ بِتَرْكِهِ الْوُضُوءَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ مَا فَعَلَهُ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ لِمَا مَسَّتُهُ النَّارُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنْ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتُهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَا هَذَا يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ فَقَالَ أَنَسٌ لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّآ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنْ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ هَذِهِ سُنَّةٌ فِي زِيَارَةِ الْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ مَا هَذَا يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ إنْكَارٌ مِنْهُمَا لِوُضُوئِهِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَنَسَبَا ذَلِكَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الَّتِي تُسْتَفَادُ بِالْمَدِينَةِ وَتُتَعَلَّمُ مِنْ أَهْلِهَا بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِمَّا أَخَذْته مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَوْ رَأَيْته مِنْ بَعْضِ أَهْلِهَا وَقَوْلُ أَنَسٍ لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ انْقِيَادٌ مِنْهُ لِقَوْلِهِمَا وَرُجُوعٌ لِرَأْيِهِمَا وَمُوَافَقَتِهِمَا وَنَبْذٌ لِمَا فَعَلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ فَعَلَ ذَلِكَ تَجْدِيدًا لِلْوُضُوءِ لَا لِاعْتِقَادِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ وَافَقَهُمْ فِي الصُّورَةِ دُونَ الْمَعْنَى فَقَالَ أَنَسٌ لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّوَابِ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَيَجِبُ تَرْكُ النَّوَافِلِ الَّتِي تُدَّعَى فِيهَا الْفَرَائِضُ وَيَكْثُرُ فِي ذَلِكَ الْخِلَافُ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ مِنْهُ اعْتِقَادُ الْخَطَأِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ. [جَامِعُ الْوُضُوءِ] (ش) : الِاسْتِطَابَةُ هِيَ الِاسْتِجْمَارُ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذٌ مِنْ الطِّيبِ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ» يُرِيدُ بِذَلِكَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ وَتَيْسِيرَهُ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَكَادُ يَعْدَمُ مِثْلَ هَذَا وَعَلَّقَهُ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ الْأَحْجَارِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْإِنْقَاءُ فِي الْغَالِبِ وَإِنَّمَا قُصِرَ عَلَى الْأَحْجَارِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِطَابَةِ وَتَتَهَيَّأُ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الِاسْتِطَابَةُ بِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِرَقِ وَالْقَشْبِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا جَازَ خِلَافًا لِزَيْدٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مُنْفَصِلٌ مُنَقٍّ لَا حُرْمَةَ لَهُ فَجَازَ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ كَالْأَحْجَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الِاسْتِجْمَارُ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ وَالْحَمْأَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَمْأَةِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ قَالَ مَا سَمِعْت فِي الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ نَهْيًا عَامًا وَأَمَّا أَنَا فِي عِلْمِي فَمَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِذَلِكَ يُجْزِئُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّهَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» وَمَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِجْمَارِ كَمَنْ تَمَسَّحَ بِثَوْبٍ لِغَيْرِهِ أَوْ اسْتَجْمَرَ بِحِجَارَةٍ لِغَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُمْنَعُ الِاسْتِجْمَارُ بِمَا كَانَ نَجِسًا أَوْ مَكْرُوهًا وَبِكُلِّ شَيْءٍ مَأْكُولٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا أَعْرِفُ فِيهِ نَصًّا لِمَالِكٍ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَعِنْدِي أَنَّهُ قِيَاسًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ اسْتَنْجَى بِيَمِينِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُعِيدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَيْ الْمَفْرُوضَةِ وَقَوْلُنَا فِي الْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ لَا حُرْمَةَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِي لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَأَيْت الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ يَشْتَرِطُ الطَّهَارَةَ فِيمَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا يُسْتَجْمَرُ بِهِ نَجِسُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ فَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِهِ فَقَدْ طَرَأَتْ عَلَى الْمَحَلِّ نَجَاسَةٌ بِنَجَاسَةِ مَا اسْتَجْمَرَ بِهِ وَزَوَالُ مَا أَرَادَ إزَالَتَهَا وَلَا تَرْتَفِعُ هَذِهِ النَّجَاسَةُ إلَّا بِالْغَسْلِ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ وَارِدَةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الِاسْتِجْمَارُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَتِهَا وَتَطْهِيرِ الْمَحَلِّ مِنْهَا الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ وَإِنْ كَانَ مَا اسْتَجْمَرَ بِهِ نَجِسًا بِالْمُجَاوَرَةِ كَالْحَجَرِ فَإِنْ بَاشَرَ الِاسْتِجْمَارَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ النَّجَاسَةُ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ بَاشَرَ الِاسْتِجْمَارَ بِمَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ كَالْحَجَرِ الْوَاحِدِ مِنْهُ فِي أَحَدِ جِهَاتِهِ نَجَاسَةٌ فَيَسْتَجْمِرُ هُوَ بِجِهَةٍ طَاهِرَةٍ فَإِنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِهِ يَصِحُّ وَلَا يَضُرُّهُ وُجُودُ النَّجَاسَةِ فِي جِهَةٍ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي بَاشَرَ الِاسْتِجْمَارَ بِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَدِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى الِاعْتِبَارِ بِالْإِنْقَاءِ دُونَ الْعَدَدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاعْتِبَارُ بِالْعَدَدِ مَعَ الْإِنْقَاءِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» وَالْوَتْرُ يَكُونُ وَاحِدًا وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا الْعَدَدُ كَالْغُسْلِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي الْفَرَجِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ «وَنَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَوَقَعَ الْإِنْقَاءُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ سَلْمَانَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إلَى ذِكْرِ مَا لَا يَقَعُ الْإِنْقَاءُ غَالِبًا بِأَقَلَّ مِنْهُ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي الْفَرَجِ فَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُجْزِيهِ حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُرُوفٍ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَجَرِ الْوَاحِدِ خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُجْزِئُ وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ حَجَرٌ لَا يُجْزِئُ فِي الْجِمَارِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلَمْ يَجُزْ فِي الِاسْتِجْمَارِ عَنْهَا كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَبِرُ الْعَدَدَ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَحْجَارٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ لِكُلِّ مَخْرَجٍ مَعَ الْإِنْقَاءِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا حَتَّى يُوجَدَ الْإِنْقَاءُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الِاسْتِجْمَارِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ فَيَمْسَحَهُ حَتَّى يَجِفَّ أَثَرُ الْبَوْلِ مِنْهُ وَالْبُدَاءَةُ بِمَا فَضَلَ لِئَلَّا يَقْطُرُ عَلَى يَدِهِ مِنْهُ ثُمَّ يَمْسَحَ مَخْرَجَ الْغَائِطِ وَصْفَةُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ حَجَرٍ مَوْضِعَ النَّجْوِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ فَيَمْسَحُ بِأَحَدِهَا إحْدَى الصَّفْحَتَيْنِ وَيَمْسَحُ بِالثَّانِي الثَّانِيَةَ وَيَمْسَحُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت إخْوَانَنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِك فَقَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَك مِنْ أُمَّتِك فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ فَلَيُذَادَنَّ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَك فَأَقُولُ فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالثَّالِثِ عَلَيْهِمَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلَبِسَ ثَوْبًا فَعَرِقَ فِيهِ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُنْجِسُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ أَثَرُ النَّجْوِ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْجَسَدِ غَيْرِ الْمَخْرَجِ فَإِنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ إلَّا الْمَاءُ فَكَذَلِكَ إذَا نَالَ الثَّوْبَ وَتَعَلَّقَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَثَرِ فَإِنَّهُ لَا يُطَهِّرهُ إلَّا الْمَاءُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَتَلْحَقُ بِهِ الْمَشَقَّةُ كَمَوْضِعِ النَّجْوِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ نَسِيَ الِاسْتِجْمَارَ وَصَلَّى فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ لَا تَكُونَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَرَاهُ يُرِيدُ إذَا مَسَحَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ تَغَوَّطَ أَوْ بَالَ فَلَمْ يَغْسِلْهُ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى صَلَّى يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْجَسَدِ إلَّا أَنَّهُ يُجْزِي فِيهِ الْمَسْحُ بِالْأَحْجَارِ وَلَا يُجْزِئُ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ يَقْتَضِي قَصَدَ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمَقْبَرَةَ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ أَهْلُهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحَيُّوا فَيَسْمَعُوا سَلَامَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا وَهُوَ أَظْهَرُ لِامْتِثَالِ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ لِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنَّهُ لَا يَقُولُ أَفْعَلُ غَدًا شَيْئًا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَلَى ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ مَعَ الْقَطْعِ عَلَى اللِّحَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولُ ذَلِكَ غَيْرَ قَاطِعٍ عَلَى اللِّحَاق بِهِمْ إذْ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِمْ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ وَلَا بِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ «أَمَّا هُوَ وَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَمَا أَدْرِي وَاَللَّهِ وَإِنَّى رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ثُمَّ أُعْلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أُعِدَّ لَهُ وَمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ» وَرَوَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ مَعْنَاهُ لَا نُبَدِّلُ وَلَا نُغَيِّرُ نَمُوتُ عَلَى مَا مُتُّمْ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إخْوَانَنَا تَمَنٍّ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرُؤْيَةِ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ أُمَّتِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرَاهُمْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَلَّقَ التَّمَنِّي بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا تَعْلِيقُهُ بِمَا يَرْضَاهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخْوَانُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فَقَالُوا يَعْنِي أَصْحَابُهُ أَلَسْنَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمْدَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنُهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثَتْكُمُوهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا مِنْ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْآخِرَةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِخْوَانِك فَقَالَ بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي يُرِيدُ أَنَّ لَهُمْ مَزِيَّةً عَلَى إخْوَانِهِ وَاخْتِصَاصًا لِصُحْبَتِهِ وَلَمْ يَنْفِ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا إخْوَانَهُ وَإِنَّمَا مَنَعَ أَنْ يُسَمَّوْا بِذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بِذَلِكَ إنَّمَا هِيَ عَلَى سَبِيلِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُسَمَّى وَالْمَدْحِ وَالتَّرْفِيعِ مِنْ حَالِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُسَمَّى بِأَرْفَعِ حَالَاتِهِ وَيُوصَفَ بِأَفْضَلِ صِفَاتِهِ وَلِلصَّحَابَةِ بِصُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَرَجَةٌ لَا يَلْحَقُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ فَيَجِبُ أَنْ يُوصَفُوا بِهَا وَاَلَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا بَعْدُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُمْ دَرَجَةُ الصُّحْبَةِ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ إخْوَانُهُ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِرَحْمَتِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُهُمْ إلَيْهِ وَيَجِدُونَهُ عِنْدَهُ رَوَاهُ حَبِيبٌ عَنْ مَالِكٍ يُقَالُ فَرَطْتُ الْقَوْمَ إذَا تَقَدَّمْتَهُمْ لِتَرْتَادَ لَهُمْ الْمَاءَ وَتُهَيِّئَ لَهُمْ الْمَاءَ وَالرِّشَاءَ وَافْتَرَطَ فُلَانٌ ابْنًا لَهُ أَيْ تَقَدَّمَهُ ابْنٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَك مِنْ أُمَّتِك يَعْنُونَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَعْرِفُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ كَمَا يَعْرِفُ ذُو الْخَيْلِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلَةِ خَيْلَهُ فِي جُمْلَةِ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ وَالْغُرَّةُ بَيَاضٌ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وَالتَّحْجِيلُ بَيَاضٌ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَهَذِهِ سِيمَاءُ ظَاهِرَةٌ لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهَا وَلَا خَفَاؤُهَا ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ وَهَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ لَا تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَلِذَلِكَ يَعْرِفُ الْغُرَّ الْمُحَجَّلِينَ مِنْهُمْ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ إلَى أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ كَانَتْ لَا تَتَوَضَّأُ وَأَنَّ الْوُضُوءَ اخْتَصَّتْ بِهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ يَعْرِفُ أُمَّتَهُ بِآثَارِ الْوُضُوءِ وَهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْأُمَمِ كَانَتْ تَتَوَضَّأُ وُضُوءَنَا هَذَا أَوْ غَيْرَهُ وَلَا يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ مَا جُعِلَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَضِيلَةً خُصَّتْ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَا يُذَادَنَّ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مُطَرِّفُ وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ فَلَيُذَادَنَّ وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ وَضَاحٍ وَمَعْنَى فَلَا يُذَادَنَّ لَا يَفْعَلَنَّ رَجُلٌ فِعْلًا يُذَادُ بِهِ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ يُرِيدُ الَّذِي لَا رَبَّ لَهُ فَيَسْقِيهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَعْنَاهُ يُطْرَدَنَّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ يَحْتَمِلُ هَذَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَكُلَّ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُحْشَرُ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ وَلِذَلِكَ يَدْعُوهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سِيمَاهُمْ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ لَمَا دَعَاهُمْ وَيَعْرِفُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَرِدُ حَوْضَهُ وَإِنَّمَا يَدْعُوهُمْ لِمَا يَرَى بِهِمْ مِنْ سِيمَا أُمَّتِهِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَهُ قَالَ فَسُحْقًا أَيْ بُعْدًا لَهُمْ قِيلَ مَعْنَى بَدَّلُوا غَيَّرُوا سُنَّتَك وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَّلَ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُخْتَمُ بِهِ لِلْمُذَادِينَ عَنْهُ بِدُخُولِ النَّارِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُذَادُوا وَقْتًا فَتَلْحَقَهُمْ شِدَّةٌ ثُمَّ يَتَوَفَّاهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَيَقُولُ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحْقًا ثُمَّ يَشْفَعُ فِيهِمْ وَهَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ وَهُوَ مَوْضِعٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ وَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ قَالَ ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ الْمَقَاعِدُ الدَّكَاكِينُ عِنْدَ دَارِ عُثْمَانَ وَقَالَ الدَّوُادِيُّ هُوَ الْمُدْرَجُ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ كَانَ يُؤَذِّنَهُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بَعْدَ الْأَذَانِ لِشُغْلِهِ بِأُمُورِ النَّاسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَالِكٌ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَصِحُّ رِوَايَةُ يَحْيَى وَرِوَايَةُ ابْنِ بُكَيْر فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَوْلَا أَنَّ مَعْنَى مَا أُورِدُهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ لِئَلَّا تَتَّكِلُوا وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي مُصْعَبٍ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ لِئَلَّا تَتَّكِلُوا وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا تَصِحُّ رِوَايَةُ يَحْيَى وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَمْنَعُ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ لَمَا أَخْبَرْتُكُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِنْ امْرِئٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءُهُ يَعْنِي يَأْتِي بِهِ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَالْفَضَائِلِ، وَتَقْدِيرُهُ فَيُحْسِنُ فِي وُضُوئِهِ وَقَوْلِهِ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى حَتَّى يُصَلِّيَهَا وَمَعْنَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ثَوَابَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي أَحْسَنَ فِيهِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ إثْمِ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْمَعَاصِي بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . (ش) : قَوْلُهُ إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ فِيمَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْمَضْمَضَةِ كَفَّارَةً لِمَا يَخُصُّ الْفَمَ مِنْ الْخَطَايَا فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهَا مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَعْفُوَ تَعَالَى عَنْ عِقَابِ ذَلِكَ الْعُضْوِ بِالذُّنُوبِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ الْعُضْوِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ جَعَلَ الْعَيْنَيْنِ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ دُونَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ يَخْتَصَّانِ بِطَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْعَيْنَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مَخْرَجًا لِخَطَايَاهُ كَمَا جَعَلَ الْعَيْنَيْنِ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ وَالْأَظْفَارَ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إلَّا أَنَّهُمَا يَنْفَرِدَانِ لِأَخْذِ الْمَاءِ لَهُمَا كَمَا يَنْفَرِدُ الْفَمُ وَالْأَنْفُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ فِي أَنَّهُ جَعَلَ الْأُذُنَيْنِ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الرَّأْسِ مَعَ إفْرَادِهِمَا بِالْمَاءِ وَلَمْ يَجْعَلْ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ وَخَرَجَتْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ وَضُوءًا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَضُوءٍ فِي إنَاءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهُ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءُهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ الْإِقَامَةَ فَلَا يَسْعَ فَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا قَالُوا لِمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الْخُطَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَطَايَاهُمَا مِنْهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنْ الْوَجْهِ، وَالْأُذُنَانِ مُؤَخَّرَانِ عَلَى الرَّأْسِ فَكَانَ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ وَخَرَجَتْ خَطَايَاهُمَا مِنْهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهِمَا مِنْ الْوَجْهِ، وَالْأُذُنَانِ مُؤَخَّرَانِ عَلَى الرَّأْسِ فَكَانَ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ فَتَخْرُجُ خَطَايَا الرَّأْسِ مِنْهُمَا. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا وَيُطَهِّرُ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا مِنْ الْخَطَايَا وَذَلِكَ يُوجِبُ طَهَارَةَ جَمِيعِ جَسَدِهِ مِنْ الْحَدَثِ ثُمَّ يَكُونُ مَشْيُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً نَافِلَةً لَهُ يُرِيدُ زِيَادَةً لَهُ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى مَا يُكَفِّرُ بِهِ ذُنُوبَهُ وَالنَّافِلَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الزِّيَادَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ إنَّ صَلَاتَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ تُكَفِّرُ عَنْهُ مُسْتَقْبَلَ ذُنُوبِهِ وَمُسْتَقْبَلَ ذُنُوبِهِ إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا لِأَنَّ بِوُضُوئِهِ خَاصَّةً يُكَفَّرُ عَنْهُ مَاضِي ذُنُوبِهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. ش قَوْلُهُ إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُكَفِّرُ مَعَ الْكُفْرِ ذَنْبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَقَوْلُهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى خُرُوجِ الْخَطَايَا مِنْ الْعُضْوِ تَكْفِيرُ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْخَطَايَا وَقَوْلُهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِ هَذَا الشَّكُّ مِنْ الرَّاوِي مَعَ تَقَارُبِ الْمَعْنَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ تَكْمُلُ الطَّهَارَةُ لِسَائِرِ الْجَسَدِ مِنْهَا وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ غَيْرَ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهِ ذِكْرَ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فَالْتَمَسَ النَّاسُ وَضُوءًا الْوَضُوءُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَضُوءٍ فِي إنَاءٍ فَوَضَعَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِوَحْيٍ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ نَبَعَ الْمَاءُ حَتَّى يَعُمَّ أَصْحَابَهُ الْوَضُوءُ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَات وَأَبْيَنِ الدَّلَالَاتِ عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَعَلَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَحْيٌ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَخَلْقِهِ هُنَاكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُصَدِّقُ لِرِسَالَةِ نَبِيِّهِ. وَقَدْ رَوَى حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْإِنَاءَ كَانَ مُخَضَّبًا صَغُرَ عَنْ أَنْ يَضَعَ فِيهِ يَدَهُ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا وَأَزْيَدُ. (ش) : قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الصَّلَاةِ يُرِيدُ أَنْ يَقْصِدَهَا دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ يُرِيدُ أَنَّ أَجْرَهُ أَجْرُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ فَقَالَ سَعِيدٌ إنَّمَا ذَلِكَ وُضُوءُ النِّسَاءِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَلِّي مَا دَامَ يَقْصِدُ إلَى الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ تُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ وَتُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ لِخُطَاهُ حُكْمَيْنِ فَيُكْتَبُ لَهُ بِبَعْضِهَا الْحَسَنَاتُ وَتُمْحَى عَنْهُ بِبَعْضِهَا السَّيِّئَاتُ وَإِنَّ حُكْمَ الْحَسَنَاتِ غَيْرَ حُكْمِ مَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ وَاحِدٌ وَإِنَّ كَتْبَ الْحَسَنَاتِ هُوَ بِعَيْنِهِ مَحْوُ السَّيِّئَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ الْإِقَامَةَ فَلَا يَسْعَ فَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا قَالَ مَالِكٌ لَا يَخُبُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ فِي مَشْيِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجْرِي وَالسَّعْيُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْإِسْرَاعُ فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْمَشْيِ وَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَقِلُّ بِهِ الْخُطَا وَكَثْرَةُ الْخُطَا مُرَغَّبٌ فِيهَا مَرْجُوٌّ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَتْبِ الْحَسَنَاتِ وَمَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ وَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا وَفَسَّرْت أَنَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الْخُطَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَقَارِ الْمَشْرُوعِ فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ. (ش) : قَالَ ابْنُ نَافِعِ يُرِيدُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ يُجْزِي الرَّجُلَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لِلنِّسَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَاءِ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ وَالْعَمَلِ وَإِنَّ عَمَلَ الرِّجَالِ الِاسْتِجْمَارُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عَيْبَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا لَا يَرَاهُ مَالِكٌ وَلَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاسْتِنْجَاءُ عِنْدَهُمْ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ وَجَمِيعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ يُجْزِي مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ الِاسْتِجْمَارُ يُجْزِي إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ وَجْهَ الِاسْتِحْبَابِ وَإِلَّا فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ. (ش) : اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ فَمَرَّةً حَمَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَمَرَّةً حَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ فَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِهِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَوَجْهُ النَّدْبِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ فَلَمْ يَجِبْ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ أَصْلُ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْكَلْبِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي الْجَهْمِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ فِي الْكَلْبِ الْمَنْهِيِّ عَنْ اتِّخَاذِهِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ فِي جَمِيعِ الْكِلَابِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ وَالْمَنْعِ مِنْ اتِّخَاذِهَا وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا بِالْمُبَاحِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عُمُومُ الْخَبَرِ وَلَمْ يَخُصَّ كَلْبًا دُونَ كَلْبٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهَا لَمْ يَتَّخِذْ مِنْهَا إلَّا مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَالْحَاجَةُ الْوَكِيدَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّ إنَاءَ الْمَاءِ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي غَسْلِ إنَاءِ الطَّعَامِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ نَفْيَ غَسْلِهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ إثْبَاتَ غَسْلِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغٍ لِكَلْبٍ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ فِي اتِّخَاذِ الْكَلْبِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِغَسْلِ إنَاءِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ تَصِلَ إلَيْهِ الْكِلَابُ وَأَمَّا إنَاءُ الطَّعَامِ فَلَا تَصِلُ إلَيْهِ لِقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ التَّوَقِّي فِيهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا إنَاءٌ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَشُرِعَ غَسْلُهُ كَإِنَاءِ الْمَاءِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَدَدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَدَدُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَفِيهِ أَمْرُهُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي

[ما جاء في المسح بالرأس والأذنين]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصَوْا وَاعْمَلُوا وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافَظُ عَلَى الْوُضُوءِ إلَّا مُؤْمِنٌ» ) . مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَغَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عِبَادَةٌ لَا لِنَجَاسَةٍ وَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّهُ لِلنَّجَاسَةِ وَلِلشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُغْسَلُ لِلنَّجَاسَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ طَاهِرًا كَالْأَنْعَامِ. (ش) : قَوْلُهُ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَعْنَاهُ وَلَنْ تُحْصُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ وَلَا يُمْكِنُكُمْ الِاسْتِقَامَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْنَاهُ عِنْدِي لَا يُمْكِنُكُمْ اسْتِيعَابُ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] وَقَالَ مُطَرِّفٌ مَعْنَاهُ وَلَنْ تُحْصُوا مَا لَكُمْ مِنْ الْأَجْرِ إنْ اسْتَقَمْتُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعْمَلُوا وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ يُرِيدُ أَنَّهَا أَكْثَرُ أَعْمَالِكُمْ أَجْرًا. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُحَافَظُ عَلَى الْوُضُوءِ إلَّا مُؤْمِنٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُدِيمُ فِعْلَهُ بِالْمَكَارِهِ وَغَيْرِهَا مُنَافِقٌ وَلَا يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مُؤْمِنٌ. [مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ] (ش) : وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ مِنْ كِلْتَيْ يَدَيْهِ وَيَمُدُّ أُصْبُعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَيْنِ أُصْبُعًا مِنْ كُلِّ يَدٍ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ قَالَ وَهُوَ حَسَنٌ مِنْ الْفِعْلِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى مُحْتَمَلٌ وَهُوَ حَسَنٌ فِي صِفَةِ تَنَاوُلِ الْمَاءِ لِمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَأَمَّا تَنَاوُلُهُ لِلْغَسْلِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُدْخِلُ يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي الْإِنَاءِ فَيَأْخُذُ بِهِمَا الْمَاءَ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مِسْحِ الرَّأْسِ يَتَنَاوَلُ الْمَاءَ بِيُمْنَاهُ وَيُفْرِغُهُ عَلَى يُسْرَاهُ وَكَذَلِكَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي جَمِيعِ الْوُضُوءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيُمْنَاهُ ثُمَّ يَجْعَلَ بَعْضَهُ فِي يُسْرَاهُ فَيَنْقُلَهُ بِهِمَا إلَى وَجْهِهِ وَخَيَّرَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الطَّهَارَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْغَسْلُ بِالْيَدَيْنِ كَانَ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِهِمَا وَمَتَى كَانَ بِالْيُمْنَى خَاصَّةً كَانَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِهَا وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الطَّهَارَةِ لِلْوَجْهِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْيَدَيْنِ كَإِمْرَارِهِمَا مَعَ الْمَاءِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ غَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا تَنَاوُلُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْيُمْنَى أَصْلُهُ إذَا غَرَفَ بِيُمْنَاهُ لِيَغْسِلَ يُسْرَاهُ وَوَجْهُ التَّخْيِيرِ تَسَاوِي الدَّلِيلَيْنِ وَهَكَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَأَمَّا غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَتَهَيَّأُ إلَّا أَنْ يَغْرِفَ الْمَاءَ بِالْيُمْنَى وَيَغْسِلَ بِالْيُسْرَى غَيْرَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى فَإِنَّهُ يَعْرِفُ بِالْيُمْنَى فَيُفْرِغُ بِهَا عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ يَغْسِلُ بِالْيُمْنَى. 1 - (فَصْلٌ) وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ تَجْدِيدَ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ فَيَمْسَحُ بِهِمَا أُذُنَيْهِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ بَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ يُمْسَحُ بِالسَّبَّابَةِ وَظَاهِرَهُمَا بِالْإِبْهَامِ وَهَذِهِ طَهَارَةُ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُغْسَلَانِ مَعَ الْوَجْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُغْسَلُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ لَا حَتَّى يَمْسَحَ الشَّعْرَ بِالْمَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاطِنُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَظَاهِرُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرُهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَبَاطِنُهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ مَسْحِهِمَا أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا قَالَ مَالِكُ فِي الْمُخْتَصَرِ يُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ لَا يَتْبَعُ غُضُونَهُمَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُمْسَحَانِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إلَى أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ فَرْضًا وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ نَفْلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا عُضْوَانِ جُعِلَا فِي الشَّرْعِ مَخْرَجًا لِخَطَايَا عُضْوٍ فَكَانَ حُكْمُهُمَا فِي الْوُضُوءِ حُكْمَهُ كَالْعَيْنَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَالْأَظْفَارِ مَعَ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا عُضْوَانِ سُنَّ لَهُمَا تَجْدِيدُ الْمَاءِ فَلَمْ يَكُونَا مَعَ الرَّأْسِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِأُصْبُعَيْهِ وَيَقْتَضِي اسْتِئْنَافَ الْمَاءِ لَهُمَا وَلِذَلِكَ أَخَذَ الْمَاءَ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ لَمْ يُجَدِّدْ لَهُمَا مَاءً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَمْسَحْهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنْ شَاءَ جَدَّدَ لَهُمَا الْمَاءَ وَإِنْ شَاءَ مَسَحَهُمَا بِمَا فَضَلَ بِيَدِهِ مِنْ مَسْحِ رَأْسِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا يُسْتَأْنَفُ لَهُمَا الْمَاءُ وَدَلِيلُنَا عَلَى اسْتِئْنَافِ الْمَاءِ لَهُمَا أَنَّ الْمَغْسُولَاتِ نَفْلًا لَمَّا انْفَصَلَتْ مِنْ الْمَغْسُولَاتِ فَرْضًا فَكَذَلِكَ الْمَمْسُوحَاتُ نَفْلًا يَجِبُ أَنْ تَنْفَصِلَ عَنْ الْمَمْسُوحَاتِ فَرْضًا وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إنْ شَاءَ مَسَحَهُمَا بِمَا فَضَلَ بِيَدِهِ مِنْ مَسْحِ رَأْسِهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمَا مَوْضِعٌ مِنْ الرَّأْسِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُهُ فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُمَا آخِرُ الْعُضْوِ فَيُخْتَمُ مَسْحُهُ بِمِسْحِهِمَا. (ش) : قَوْلُهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ قَالَ لَا حَتَّى يَمْسَحَ الشَّعْرَ بِالْمَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ لَا يُجْزِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد يُجْزِي الْمَسْحُ عَلَى عَمَائِمِ الْعَرَبِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَمَنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ لَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ وَلَا امْتَثَلَ الْأَمْرَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عُضْوٌ مُفْتَرَضٌ مَسْحُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ دُونَهُ مَعَ السَّلَامَةِ كَالْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى يُمْسَحُ الشَّعْرُ بِالْمَاءِ يَقْتَضِي مَسْحَ جَمِيعِهِ لِأَنَّ لَفْظَ يُمْسَحُ الشَّعْرُ بِالْمَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْحَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا فِي يَدَيْهِ وَلَوْ مَسَحَهُ بِمَا عَلَى رَأْسِهِ مِنْ بَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا مَسَحَ شَعْرًا مَبْلُولًا بِيَدٍ جَافَّةٍ وَلَوْ مَسَحَهُ بِمَا فَضَلَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ بَلَلِ ذِرَاعَيْهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ ذِرَاعَيْهِ أَوْ لِحْيَتِهِ وَصَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَسْحٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ فَلَا يَمْسَحُهُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَلَلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ فَلْيَمْسَحْ بِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ فَقَوْلُ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْوُضُوءِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْيَدَيْنِ مِنْ الْبَلَلِ مِنْ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ أَوْ بَلَلِ اللِّحْيَةِ يَسِيرٌ لَا يَتَأَتَّى الْمَسْحُ بِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَسْحٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَمْسَحَ بِهِ لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ كَانَ يَنْزِعُ الْعِمَامَةَ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَنْزِعُ خِمَارَهَا وَتَمْسَحُ رَأْسَهَا بِالْمَاءِ وَنَافِعٌ يَوْمئِذٍ صَغِيرٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى عِمَامَةٍ وَلَا خِمَارٍ وَلْيَمْسَحَا عَلَى رُؤْسِهِمَا) . (ش) : هَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ يَجِبُ مُبَاشَرَةُ الشَّعْرُ بِالْمَاءِ

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ فَنَسِيَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى جَفَّ وُضُوءُهُ قَالَ أَرَى أَنْ يَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى يُعِيدُ الصَّلَاةَ) . مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ الْمُغِيرَةُ فَذَهَبْت مَعَهُ بِمَاءٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَبْت عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ كُمَّيْ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ومَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ وَقَدْ صَلَّى لَهُمْ رَكْعَةً فَصَلَّى لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ فَفَزِعَ النَّاسُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلٍ دُونَ الرَّأْسِ وَإِنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرَّجُلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَنَافِعٌ يَوْمئِذٍ صَغِيرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ رَآهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ صَغِيرًا سِنُّهُ بِحَيْثُ لَا تَحْتَجِبُ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنْ حَالِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَذَلِكَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ حَالُ صِغَرٍ وَهِيَ حَالٌ لَا تُؤْمَرُ فِيهَا بِالِاسْتِتَارِ ثُمَّ حَالُ شَبَابٍ وَهِيَ حَالٌ تُؤْمَرُ فِيهَا بِالِاسْتِتَارِ ثُمَّ حَالُ هَرَمٍ وَهِيَ حَالٌ تُؤْمَرُ فِيهَا بِبَعْضِ الِاسْتِتَارِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَنَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَضُوءِ أَوْ مَا يُقَارِبُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَضُوءِ أَوْ قُرْبِهِ مَسَحَ رَأْسَهُ وَمَا بَعْدَهُ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ الْمَشْرُوعُ فِي الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَ مَا نَسِيَ مَغْسُولًا كَرَّرَ فِيهِ الْغَسْلَ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلهُ فِي نَفْسِ الطَّهَارَةِ وَلَا يُكَرِّرُ الْغَسْلَ فِيمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَهُ لِمَعْنَى التَّرْتِيبِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَفْرِيقَ الْوُضُوءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ يُبْطِلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُبْطِلُهُ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَكَانَتْ الْمُوَالَاةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهَا الْمُوَالَاةُ كَطَهَارَةِ النَّجَاسَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَفْرِيقُ الطَّهَارَةِ لِعُذْرٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: النِّسْيَانِ. وَالثَّانِي: الْعَجْزُ عَنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ. فَأَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا يُفْسِدُ الطَّهَارَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ مَا أَخَّرَ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا طَالَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ مُطَّرِفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَمْسُوحِ وَالْمَسْنُونِ مِنْ الْمَغْسُولِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ إذَا كَانَ الْمَمْسُوحُ رَأْسًا دُونَ خُفٍّ وَأَمَّا الْمَغْسُولُ مِنْ الْمَفْرُوضِ فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ يُفْسِدُ الطَّهَارَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَخَّرَهُ مِنْ نِسْيَانِ أَوْ غَيْرِهِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَغْسُولَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَلَمْ يُفْسِدْهَا تَأْخِيرُهُ نَاسِيًا كَالْمَمْسُوحِ. وَأَنْكَرَ حَبِيبُ بْنُ الرَّبِيعِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَلَى ابْنِ حَبِيبِ وَقَالَ هِيَ سَهْوٌ عَلَى مَنْ نَقَلَهَا وَقَدْ تَابَعَ ابْنَ حَبِيبٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَبُو زَيْدٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَاحْتَجَّ لَهَا بِأَنَّ شَأْنَ الْمَسْحِ أَخَفُّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عَجْزُ الْمَاءِ عَنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ تَفْرِيقُهُ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ إذَا طَالَ وَلَا يُبْطِلُهُ فِيمَا قَرُبَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْنِي فِي عَجْزِ الْمَاءِ عَنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ وَإِنْ جَفَّ وَفِي الطُّولِ الْمُعْتَبَرِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَبْنِي مَا لَمْ يَجِفَّ. وَالثَّانِي: الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادُ الْمُتَطَهِّرِ دُونَ الْجُفُوفِ كَالْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في المسح على الخفين]

صَلَاتَهُ قَالَ أَحْسَنْتُمْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إخْبَارٌ بِأَنَّ أَحْكَامَ هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّفَرِ وَقَوْلُهُ فَذَهَبْت مَعَهُ بِمَاءٍ يُرِيدُ أَنَّهُ ذَهَبَ مَعَهُ إلَى بَعْضِ طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ أَوْ يَتَوَارَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَبْت عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخْبَرَ الْمُغِيرَةُ عَنْ الْمَفْرُوضِ فِي الْوُضُوءِ وَتَرَكَ ذِكْرِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسْنُونِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَصْدُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ الْجُبَّةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَأَمَّا الْكَفَّانِ فَإِنَّهُمَا كَانَا خَارِجَيْنِ وَبِهِمَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ يَسْتُرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلٌ وَهُوَ مِمَّا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إيثَارُ الْغَسْلِ عَلَيْهِ وَحَسْبُك بِمَا أَدْخَلَ فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا نُقِلَ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَلَا الْمُقِيمُ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَوَجْهُهَا أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي يَبْعُدُ لِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَمْسَحُ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ آخَرُ مَا فَارَقْته عَلَى الْمَسْحِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَأَنَّهُ وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ وَأَصْحَابُهُ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَنَعَهُ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لَمَّا لَمْ يَرَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَمْسَحُونَ ثُمَّ رَأَى الْآثَارَ فَأَبَاحَ الْمَسْحَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي السَّفَرِ فَأَمَّا الْمَسْحُ فِي الْحَضَرِ فَعَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ. وَالثَّانِيَةُ: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» . 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ يَمْسَحُ الْمُحْرِمُ عَلَى خُفٍّ قَطَعَهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَيُمِرُّ الْمَاءَ عَلَى مَا بَدَا مِنْ كَعْبَيْهِ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْأَوْزَاعِيِّ. وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْمَسْحُ بِمَا أُبِيحَ لَهُ لُبْسُهُ وَحُكْمُ النِّسَاءِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ حُكْمُ الرِّجَالِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ حَالَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْنُوعَةٍ مِنْ لُبْسِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ يُرِيدُ أَنَّهُ جَاءَ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ فَأَلْفَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا وَإِنَّ لَهَا فَضِيلَةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَلِذَلِكَ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إذْ تَغَيَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَتِهِ مَعَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرْبِ مَوْضِعِ تَغَيُّبِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ خَوْفَ فَوَاتِ الْوَقْتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَا يُظَنُّ بِهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدِمَ الْكُوفَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُهَا فَرَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ سَلْ أَبَاك إذَا قَدِمْت عَلَيْهِ فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ أَبَاهُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ سَعْدُ فَقَالَ أَسَأَلْت أَبَاك فَقَالَ لَا فَسَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إذَا أَدْخَلْت رِجْلَيْك فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ قَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ الرَّكْعَةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا مَعَهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ أَحْسَنْتُمْ يُرِيدُ أَنَّهُ قَضَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ سَلَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُمْ أَحْسَنْتُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهُمْ وَالْإِمْضَاءِ لَفِعْلِهِمْ. (ش) : إنْكَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ حَالِ الصَّحَابَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَا يَهَابُونَ فِي ذَلِكَ أَمِيرًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ عُلِمَ مِنْ فَضْلِ سَعْدٍ الْمُسَارَعَةُ إلَى مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الصَّوَابِ وَيَدُلُّ إنْكَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَاهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ يَمْسَحُونَ مَعَ تَجْوِيزِهِمْ لَهُ أَخْذًا بِالْأَفْضَلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إذَا قَدِمْت فَسَلْ أَبَاك يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلِمَ مِنْ عُمَرَ مُوَافَقَتُهُ فِي ذَلِكَ إمَّا بِمُفَاوَضَةٍ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ فَنَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ سَعْدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّمَا أَغْفَلَ سُؤَالَ أَبِيهِ لِأَنَّهُ سَكَنَ وَوَثِقَ وَاسْتَغْنَى بِخَبَرِ سَعْدٍ فِي ذَلِكَ وَعَلِمَ فَضَلَهُ وَحِفْظَهُ وَصِدْقَهُ فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدٌ وَأَمَرَهُ بِالسُّؤَالِ سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ إمَّا لِيُعْلِمَ أَبَاهُ بِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ وَوَصَلَ إلَيْهِ مِنْ عِلْمِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَإِمَّا لِيَطْلُبَ زِيَادَةً إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَأَخْبَرَهُ عُمَرُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ سَعْدٌ. وَقَالَ لَهُ إذَا أَدْخَلْت رِجْلَيْك فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا فَجَعَلَ طَهَارَةَ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ إدْخَالِهِمَا فِي الْخُفَّيْنِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ تَثْبِيتًا فِي الْأَمْرِ وَتَقْرِيرًا لَهُ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ دُونَ طَهَارَةِ الْفَضِيلَةِ فَأَجَابَهُ عُمَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ تَطَهَّرَ عَنْ حَدَثٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَإِنْ لَبِسَهُمَا بَعْدَ أَنْ صَلَّى لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعْنَاهُ. وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَبِسَ خُفَّيْهِ بِطَهَارَةٍ يَسْتَبِيحُ بِهَا الصَّلَاةَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ بِهَا الْمَاءَ كَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أَحَدُ حَالَتَيْ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَسْتَبِحْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَصْلُهُ إذَا لَبِسَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ مُطَرِّفُ وَصَاحِبَاهُ بِأَنَّ مُنْتَهَى طُهْرِ التَّيَمُّمِ فَرَاغُ تِلْكَ الصَّلَاةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مُدَّةَ الْمَسْحِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ فِي الرِّسَالَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى مَالِكٍ فِي التَّوْقِيتِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَنْهُ وَفِيهَا أَحَادِيثُ لَا تَصِحُّ عَنْهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَا وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مِنْ الْأَيَّامِ. وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ حَدُّهُ لِلْحَاضِرِ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ خَلْعُهَا لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَالَ بِالسُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَالَ ثُمَّ نَزَعَهُمَا ثُمَّ رَدَّهُمَا فِي رِجْلَيْهِ أَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ فَقَالَ لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ ثُمَّ لِيَتَوَضَّأْ وَلِيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ وَإِنَّمَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ بِطُهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمُقِيمِ وَقْتًا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تَتَوَّقَتْ بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ كَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ انْتِقَالَ الطَّهَارَةِ مِنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا كَالتَّيَمُّمِ. (ش) : قَوْلُهُ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَاسِيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْمَسْحَ لَمَّا اعْتَقَدَ تَفْرِيقَ الطَّهَارَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ ذَلِكَ لِعَجْزِ الْمَاءِ عَنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٍ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَأْخِيرِ الْمَسْحِ فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْقَصْدِ إلَى تَأْخِيرِهَا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ مَسْحَ خُفَّيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَمْسَحْهُمَا وَيُصَلِّي وَلَا يَخْلَعُ وَهَذَا يَحْتَمِلُ تَجْوِيزَ التَّفْرِيقِ فِي الطَّهَارَةِ أَجْمَعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَجْوِيزِهَا فِي الْمَسْحِ خَاصَّةً. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ إذَا صَارَ إلَى الْمَسْحِ فَهُوَ خَفِيفٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَسَحَهُمَا بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْهُ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ وَكَرِهَهُ سَحْنُونٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَجِّ الرِّيقِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْمَاءِ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي نَظَافَةِ الْمَسْجِدِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي الْمُزَنِيَّة عَنْ مَالِكٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ غُطِّيَ بِالْحَصْبَاءِ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ لِأَنَّ النُّخَامَةَ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهَا بُدًّا وَلَا مَضَرَّةً عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِ الْمَضْمَضَةِ فِي الْمَسْجِدِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ النُّخَامَةَ تَكْثُرُ وَتَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ الْخُرُوجَ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمَضْمَضَةُ تَنْدُرُ وَتَقِلُّ فَلَا مَضَرَّةَ وَلَا مَشَقَّةَ فِي الْخُرُوجِ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مَرْوِيٌّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ جَاءَ النَّهْيُ أَنْ يَتَطَهَّرَ إلَّا خَارِجًا عَنْهُ فِي رِحَابِهِ وَعَلَى أَبْوَابِهِ فَأَبَاحَ ذَلِكَ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ أَبْوَابِهِ مُتَنَحِّيًا عَنْ طُرُقِ النَّاسِ فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ وَالْخُرُوجِ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا يُرِيدُ عَلَى الْجِنَازَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا وَثُمَّ تَقْتَضِي الْمُهْلَةَ وَالتَّرَاخِيَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْجِنَازَةُ خَارِجُ الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى قُبَاءَ فَبَالَ ثُمَّ أُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى) ش قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى قُبَاءَ فَبَالَ إخْبَارٌ مِنْهُ بِتَقَدُّمِ حَدَثِهِ عَلَى الْوُضُوءِ وَأَنَّ مَا حَكَاهُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي تَجْدِيدِ طَهَارَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ فِي طَهَارَةِ حَدَثٍ لَا تُجْزِي الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا وَتَمَّمَ ذَلِكَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاتِهِ فِيهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَخْتَلِفُ لِذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا لَبِسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ خَلَعَهُمَا ثُمَّ لَبِسَهُمَا فَقَدْ زَالَ حُكْمُ لُبْسِهِمَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَصَارَ لَابِسًا لَهُمَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَإِدْخَالُهُمَا فِي الْخُفِّ طَاهِرَتَيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخُفَّيْنِ وَبَيْنَ الْجَبَائِرِ أَنَّ سَبَبَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِ لَابِسِهِمَا وَسَبَبَ الْجَبَائِرِ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ وُضِعَتْ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلُبْسُ الْخُفَّيْنِ إنَّمَا أُبِيحَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إذَا لَبِسَهُمَا لِلْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَشْيِ فِيهِمَا أَوْ التَّدَفِّي بِهِمَا وَأَمَّا مَنْ لَبِسَهُمَا لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِي وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُكْرَهُ فَمَنْ فَعَلَهُ أَجْزَأَهُ وَأَجَازَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَجْهَ الْمَنْعِ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ وَمَشَقَّةِ خَلْعِهِمَا وَلَمْ يُبَحْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا لِمَشَقَّةِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْعَظْمِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ حُكْمُ الْجَبَائِرِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ مَلْبُوسٌ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِضَرُورَةِ اللُّبْسِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذَا لُبِسَ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ كَالْجَبَائِرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ دَاوُد يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ خَلْعَ الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْمَسْحِ وَيُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَقَالَ دَاوُد الطَّهَارَةُ بَاقِيَةٌ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِحَدَثٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ إنَّ هَذَا مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ دُونَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَظُهُورُ أَصْلِهِ يُبْطِلُ حِكْمَةَ أَصْلِهِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْعَصَائِبِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُمَا عِنْدَ نَزْعِ الْخُفَّيْنِ بِنَوْعِهِمَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ غَسْلَهُمَا مَكَانَهُ أَجْزَأَهُ وَرَوَى زَيْدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْإِسْكَنْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي غَسْلِ رِجْلَيْهِ بَعْدَ خَلْعِ خُفَّيْهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَيْنَ حَالَيْ الطَّهَارَةِ مُهْلَةٌ فَلَمْ تُعْدَمْ الْمُوَالَاةُ وَإِنَّمَا تُعْدَمُ الْمُوَالَاةُ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ بَيْنَ أَوَّلِ الطَّهَارَةِ وَآخِرِهَا يَعْلَمُ فِيهَا الْمُكَلَّفُ أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلِذَلِكَ جَازَ لِمَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَنْ يُفْرِدَهُ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَفِي مَسْأَلَتِنَا أَبْيَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَغْسِلُ فَإِنْ غَسْلَهُمَا مَكَانَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخَذَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِك أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكِ يُجْزِيهِ غَسْلُهُمَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ وَابْتِدَاءُ الطَّهَارَةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ الْقَوْلِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَتُمْنَعُ الْمُوَالَاةُ إنْ تَخَلَّلَهَا مُدَّةٌ يَعْلَمُ فِيهَا أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ تَطْهِيرِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَحَلِّ بَعْدَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ بِتَطْهِيرِ الْبَوْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُوَالَاةُ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ.

الْوُضُوءِ فَأَمَّا مَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَتَيْنِ بِطُهْرِ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ خُفَّاهُ فَسَهَا عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَتَّى جَفَّ وَضُوءَهُ وَصَلَّى قَالَ لِيَمْسَحْ عَلَى خُفَّيْهِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا نَاقِدَ بَيَّنَّا أَنَّ تَأْخِيرَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ عَنْ الطَّهَارَةِ نَاسِيًا لَا يُفْسِدُهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَلَمْ يُكْمِلْ الْوُضُوءَ دُونَ ذَلِكَ فَوَجَبَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُمَا. (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ غَسَلَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوَضُوءَ قَالَ لِيَنْزِعْ خُفَّيْهِ ثُمَّ لِيَتَوَضَّأْ وَلِيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ) . (ش) : هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَرْوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ الصُّمَادِحِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ دُونَ

[العمل في المسح على الخفين]

الْعَمَلُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ وَكَانَ لَا يَزِيدُ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى أَنْ يَمْسَحَ ظُهُورَهُمَا وَلَا يَمْسَحَ بُطُونَهُمَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَائِرِ أَعْضَاءِ وَضُوئِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ نَامَ بَعْدَ أَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَقَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ فَالْخِلَافُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى فَصْلَيْنِ: وَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ إلَّا بِكَمَالِ الطَّهَارَةِ كُلِّهَا وَلَا يَكْمُلُ بِتَطْهِيرِهِ خَاصَّةً فَمَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لَمْ تَطْهُرْ قَدَمَاهُ بِغَسْلِ قَدَمَيْهِ إنَّمَا يَطْهُرَانِ بِإِكْمَالِ طَهَارَتِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْضَائِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ تَكْمُلُ طَهَارَتُهُ بِتَطْهِيرِهِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَدْ طَهُرَتَا بِالْغَسْلِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي لُبْسِ الْخُفَّيْنِ حُكْمَ مَنْ كَمُلَتْ طَهَارَتُهُ لِأَنَّ قَدَمَيْهِ قَدْ كَمُلَتْ طَهَارَتُهُمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فَهُوَ إفْرَادُ الْقَدَمَيْنِ بِالْغَسْلِ طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ يُسْتَبَاحُ بِهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ الطَّهَارَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ إنْ نَامَ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ جُوِّزَ لَهُ الْمَسْحُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَتْ بِطَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا يُسْتَبَاحُ بِهَا مَسْحٌ وَلَا غَيْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ الْوَاحِدَ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى ثُمَّ لَبِسَ الْآخَرَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجْهُ الرَّاوِيَةِ الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى جَمِيعِهِ كَالصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ حَدَثٌ وَرَدَ عَلَى طُهْرٍ كَامِلٍ فَأَشْبَهَهُ إذَا ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ. [الْعَمَلُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ لَا يَزِيدُ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ عَلَى مَسْحِ الظُّهُورِ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنَّ ظَهْرَ الْخُفِّ عِنْدَهُ مَحَلُّ وُجُوبِ الْمَسْحِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ مَسَحَ الْأَسْفَلَ دُونَ الْأَعْلَى لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُ أَبَدًا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ظَاهِرَ الْخُفِّ لَهُ حُكْمُ الْخُفِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ وَأَسْفَلُ الْخُفِّ لَهُ حُكْمُ النَّعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَسْحُ بِمَا لَهُ حُكْمُ الْخُفِّ دُونَ مَا حُكْمُهُ حُكْمُ النَّعْلِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ مِنْ الْمَلْبُوسِ فِي الْقَدَمِ لَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِلُبْسِهِ فِدْيَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْرَدَ بِالْمَسْحِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَمْسُوحَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُسْتَوْعَبٍ وَلِذَلِكَ جَوَّزَ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرَّأْسِ وَإِذَا كَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ عِنْدَهُ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ يُحَاذِي مِنْ الْقَدَمِ مَا هُوَ مَحَلٌّ لِفَرْضِ الْغَسْلِ جَازَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَيْفَ هُوَ فَأَدْخَلَ ابْنُ شِهَابٍ إحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ الْخُفِّ وَالْأُخْرَى فَوْقَهُ ثُمَّ أَمَرَّهُمَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) ش وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَمَعَ فِي مَسْحِهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخُفِّ وَبَيْنَ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ بَاطِنُ الْخُفِّ فَمَسَحَ جَمِيعَ الْخُفِّ إلَى الْعَقِبِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّ مَسْحَ بَاطِنِ الْخُفِّ فَرْضٌ لَا يَخْرِقُ الْإِخْلَالُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَنْ تَرَكَ مَسْحَ بَاطِنِ الْخُفِّ أَعَادَ أَبَدًا وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْفَرْضَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ وَأَنَّهُ إنْ مَسَحَهُ دُونَ ظَاهِرِهِ أَجْزَأَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنْ الْخُفِّ يُحَاذِي الْمَغْسُولَ مِنْ الْقَدَمِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ كَالظَّاهِرِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ بَاطِنِهِ أَعَادَ

[ما جاء في الرعاف]

مَا جَاءَ فِي الرُّعَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا رَعَفَ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَقْتِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِيُؤَدِّيَ الْفَرْضَ بِاتِّفَاقٍ وَلِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَاتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْمَمْسُوحِ مِنْ الْخُفِّ بِالْمَسْحِ أَمْ لَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الِاسْتِيعَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ لَيْسَ شَأْنُ الْمَسْحِ الِاسْتِيعَابَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَقَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرُ وَجْهُ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ أَنَّهُ مَسْحٌ أُبْدِلَ مِنْ غَسْلٍ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الِاسْتِيعَابِ كَالْجَبِيرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ إذَا كَانَ إلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَسْتُرَ مَحَلَّ الْغَسْلِ وَيَكُونُ مِنْ الصِّحَّةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ غَالِبًا فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الرِّجْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَلْبُوسٌ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْخِرَقِ تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ. (فَرْعٌ) وَفَرَّقَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي يَمْنَعُهُ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ مَعَهُ غَالِبًا وَالْكَثِيرُ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ مَعَهُ غَالِبًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْخَرْقَ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْقَدَمُ مَنَعَ الْمَسْحَ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الْقَدَمُ لَمْ يَمْنَعْهُ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا رُبْعًا وَلَا ثُلُثًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْخَرْقُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ مَا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أَشْكَلَ الْخَرْقُ فَلَمْ يَدْرِ أَهْوَ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يَمْنَعُ الْمَسْحَ أَمْ مِنْ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَمْنَعُهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى مَا تُيُقِّنَ إجْزَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ فَأَجَازَهُ مَرَّةً وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ مَرَّةً وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ هَذَا خُفٌّ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ غَالِبًا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ أُبِيحَ لِضَرُورَةِ مَشَقَّةِ خَلْعِهِ وَلُبْسِهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي الْجُرْمُوقِ كَالنَّعْلِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ عَلَى مَمْسُوحٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ فِي الْوُضُوءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْعِمَامَةِ فَاقْتَضَى اسْتِدْلَالُهُ أَنَّ الْجُرْمُوقَ هُوَ خُفٌّ مَلْبُوسٌ عَلَى خُفٍّ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مَسْحِ خُفٍّ مَلْبُوسٍ عَلَى خُفٍّ فَقَالَ مَرَّةً يُمْسَحُ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُمْسَحُ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْجُرْمُوقُ هُوَ الْخُفُّ فَوْقَ الْخُفِّ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ خُفٌّ غَلِيظٌ لَا سَاقَ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَبِسَ مَهَامِيزَ فَوْقَ خُفٍّ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَمْسَحُ عَلَى الْمَهَامِيزِ وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَبْعِيضَ الْمَسْحِ بَيِّنٌ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا سُومِحَ فِي يَسِيرِ الْخَرْقِ فَبِأَنْ يُسَامَحَ فِي يَسِيرِ الْحَائِلِ الَّذِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ أَوْلَى. [مَا جَاءَ فِي الرُّعَافِ] (ش) : قَوْلُهُ انْصَرَفَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ بِأَنْ يَرَاهُ قَاطِرًا أَوْ سَائِلًا أَوْ يَرَى أَثَرَهُ فِي أَنَامِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ فَفِي الْمُدَوَّنَة عَنْ مَالِكٍ فِي مُصَلٍّ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ أَوْ رَعَفَ فَانْصَرَفَ لِقِبَلِ الدَّمِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ يَرْجِعُ فَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا يَبْنِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ قَطَعَ صَلَاتَهُ تَعَمُّدًا أَفْسَدَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي الرُّعَافِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْعُفْ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِمَا يَجُوزُ لَهُ وَلْيُعِدْ هُوَ صَلَاتَهُ خَلْفَ الْمُسْتَخْلَفِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَعَلَ خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِظَنِّ الرُّعَافِ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَلِذَلِكَ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا يَتَعَدَّى صَلَاةَ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ كَالْمُصَلِّي مُحْدِثًا. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْإِمَامِ شَكَّ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى شَكِّ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا مَأْمُورٌ بِالتَّمَادِي عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَمَنْهِيٌّ عَمَّا أَتَى بِهِ مِنْ السَّلَامِ وَمَنْ ظَنَّ الرُّعَافَ فَمَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ مَنْهِيٌّ عَنْ التَّمَادِي وَإِنَّمَا يَبْنِي عَلَى الظَّاهِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ. وَقَدْ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَى الشَّكِّ فِي ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَنَّهَا تَجْزِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ غَائِبٌ لَا يَدْرِي أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ لِمِثْلِ مَا تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا فَنِكَاحُهُ مَاضٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَجْزِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجْزِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى يُرِيدُ انْصَرَفَ عَنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ فَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ يُرِيدُ أَنَّهُ اسْتَدَامَ حُكْمَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَيُحْتَمَلُ غَسْلُ الدَّمِ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الرُّعَافَ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ. وَالثَّانِي: فِي أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ. وَالثَّالِثُ: فِي أَنَّ الرُّعَافَ لَا يَنْقُضُ الصَّلَاةَ. وَالرَّابِعُ: فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى غَسْلِ الدَّمِ وَحُكْمِ الْبِنَاءِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُنَا عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ غَيْرَ غَالِبٍ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ الْحَدَثَ الْغَالِبَ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَالرُّعَافُ عِنْدَهُ حَدَثٌ غَالِبٌ فَلِذَلِكَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا خَرَجَ إلَى الْوُضُوءِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَجَبَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَى أَوَّلِ صَلَاتِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ مُفْسِدٌ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَلَوْ صَحَّ بَعْضُهَا مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ جَمِيعُهَا مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ بَطَلَ الْبِنَاءُ مَعَ الْحَدَثِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَنَّ الرُّعَافَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مَائِعٌ يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ غَيْرِ مَسْلَكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمْ يُبْطِلْ خُرُوجُهُ الصَّلَاةَ كَالْعَرَقِ وَالدُّمُوعِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ رَعَفَ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَغْسِلَ عَنْهُ الدَّمَ ثُمَّ يَبْتَدِرَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَيُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ بِاتِّفَاقٍ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ مَأْمُومًا فَإِنْ كَانَ فَذًّا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَالثَّانِيَةُ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَمَلَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيُنَافِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِفَائِدَةٍ لَا تَصِحَّ لَهُمَا بِهِ وَإِذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ وَرَاءَ إمَامٍ أُبِيحَ لَهُ الْخُرُوجُ وَغَسْلُ الدَّمِ لِيُحْرِزَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَاتَتْهُ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي خُرُوجِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَحْدَهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ عَمَلٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا رَعْفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي الرُّعَافِ كَالْمَأْمُومِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ الرَّاعِفِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَبْنِي حَتَّى يَتَقَدَّمَ لَهُ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا فَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ رَعَفَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَطَعَ وَاسْتَأْنَفَ الْإِقَامَةَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَعَفَ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ إنْ بَنَى أَجْزَأهُ وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ إنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَبْنِ إلَّا أَنْ يَرْعُفَ بَعْدَ كَمَالِ الرَّكْعَة وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي قَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَحْرَمَ ثُمَّ رَعَفَ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ قَدْ كَمُلَ وَحَصَلَ وَأَقَلُّ مَا يُوصَفُ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ بِسُجُودِهَا وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ الْفَذَّ لَا يَبْنِي وَمَنْ جَوَّزَ الْبِنَاءَ قَبْلَ عَقْدِ الرَّكْعَةِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلْفَذِّ أَنْ يَبْنِيَ وَعَلَى ذَلِكَ فَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْن الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِمَامِ وَلَا يَحْصُلُ لِلْمَأْمُومِ حُكْمُ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَبَعْدَهَا رَكْعَةٌ سَجَدَ لَهَا سَجْدَةً ثُمَّ رَعَفَ فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ غَسَلَ الدَّمَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَأْتَنِفُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ أَوَّلِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا تَقَدَّمَتْ لَهُ رَكْعَةٌ كَامِلَةٌ ثُمَّ رَعَفَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَصِحُّ الْفَصْلُ فِيهَا بِعَمَلٍ لِغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ رَكْعَةٍ وَسَجْدَتَيْهَا بِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ لِغَيْرِهَا فَقَدْ فَاتَهُ إتْمَامُهَا وَلَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ لِغَسْلِ الدَّمِ لَيْسَ مِنْ الرَّكْعَةِ كَانَ فَصْلًا بَيْنَ الرَّكْعَةِ مَانِعًا مِنْ إتْمَامِهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْخُرُوجَ لِغَسْلِ الدَّمِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ إتْمَامِ الرَّكْعَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى وَلَمْ يَتَكَلَّمْ يُرِيدُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ وَإِلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا رَعَفَ فَخَرَجَ وَغَسَلَ الدَّمَ فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ فِي صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَى تَمَامِ مَا أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَأَتَى بِمَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي جُمُعَةٍ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْجَامِعِ لِأَنَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ لَا تُصَلَّى إلَّا فِي الْجَامِعِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ أَتَمَّ حَيْثُ غَسَلَ عَنْهُ أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ فِيهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ عَمَلٌ تَسْتَغْنِي عَنْهُ الصَّلَاةُ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَجَعَلَ لَهُ الرُّجُوعَ لِفَضِيلَةِ الْمَكَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ فِي جِهَةٍ فَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى أَدْنَى مَوْضِعٍ تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَإِنْ أَتَمَّ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إتْيَانِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ الرُّجُوعَ إلَى الْجَامِعِ مِنْ فَضِيلَةِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَا يَسْجُدُهُمَا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ سَجَدَهُمَا فَلَا يُجْزِئُهُ وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يَصِحُّ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ يَرْجِعُ الرَّاعِفُ لِإِتْمَامِ

[العمل في الرعاف]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَغْسِلُ الدَّمَ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَعَفَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى) . الْعَمَلُ فِي الرُّعَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ مِنْ الدَّمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ إتْيَانَهُ فَضِيلَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّاعِفَ يَرْجِعُ مَا دَامَ إمَامُهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ صَلَاتِهِ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً وَإِلَّا صَلَّى مَكَانَهُ. (ش) : وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَعَفَ فَخَرَجَ فَغَسَلَ عَنْهُ الدَّمَ إخْبَارٌ وَتَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى خَرَجَ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ أَتَى حُجْرَةَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْمَوَاضِعِ إلَى مُصَلَّاهُ مِمَّا يُمْكِنُهُ فِيهِ غَسْلُ الدَّمِ لِأَنَّ الرَّاعِفَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ لَهُ الَّتِي يُمْكِنُهُ فِيهَا غَسْلُ الدَّمِ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي الصَّلَاةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ فِيهِ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ عَلَى حَسَبِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى عَلَى مَا قَدْ صَلَّى يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ مَا بَنَى عَلَيْهِ. [الْعَمَلُ فِي الرُّعَافِ] (ش) : قَوْلُهُ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَضِبُ أَصَابِعُهُ كُلُّهَا وَهَذَا فِي حَيِّزِ الدَّمِ الْكَثِيرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَنَامِلَ الْعُلْيَا مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَالرُّعَافُ عَلَى ضَرْبَيْنِ قَلِيلٌ وَكَثِيرٌ فَأَمَّا الْكَثِيرُ فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ الرَّاعِفُ إلَى غَسْلِهِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَأَمَّا الْقَلِيلُ فَإِنَّهُ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ حَتَّى يَجِفَّ وَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْبَثْرَةِ يَحُكُّهَا فِي الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا يَسِيرُ الدَّمِ فَإِنَّهُ يَفْتِلهُ بِأَصَابِعِهِ حَتَّى يَجِفَّ وَيَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (فَرْعٌ) وَالْكَثِيرُ أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَإِنْ لَمْ يَسِلْ وَلَمْ يَقْطُرْ وَإِنَّمَا كَانَ يَرْشَحُ مِنْ أَنْفِهِ فَإِنَّهُ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ فَإِنَّ عَمَّ أَنَامِلَهُ الْأَرْبَعَةَ الْعُلْيَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ يَسِيرٌ لَا يَنْصَرِفُ مِنْهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْأَنَامِلِ الَّتِي تَلِيهَا فَلْيَنْصَرِفْ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ نَحْوُهُ وَمَعْنَى انْصِرَافِهِ فِي هَذَا قَطْعُ صَلَاتِهِ وَاسْتِئْنَافُهُ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ لِأَنَّهُ حَامِلُ نَجَاسَةٍ فِي خُرُوجِهِ فَتَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا مَعْنَيَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَقْصِدُ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الدِّمَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءَ حَدَثٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَنْ يَقُولُ أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ الْجَسَدِ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْقُضُهَا الْكَثِيرُ الَّذِي يَسِيلُ فَأَمَّا الرَّشْحُ فَلَا يَنْقُضُهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَلَا يَغْسِلُ عَنْهُ الدَّمَ الْخَارِجَ مِنْ أَنْفِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ الدَّمُ حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ ثُمَّ يَفْتِلَهُ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) ش قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْتِلُهُ يُرِيدُ

[العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف]

الْعَمَلُ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ كَانَ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ لِيَجِفَّ فِيهَا وَتَذْهَبَ رُطُوبَتُهُ فَلَا يَفْسُدُ ثَوْبُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهِ وَهَذَا فِي الْيَسِيرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. [الْعَمَلُ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا ظَاهِرُهُ أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ طُعِنَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَلَعَلَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُتَّصِلِ بِتِلْكَ اللَّيْلَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عُمَرَ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ الَّذِي طُعِنَ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ بِجُرْحٍ وَلَا شِدَّةٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ أَعْمَالُهُ إذْ الصَّلَاةُ أَوَّلُ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ قَبُولًا وَأَرْفَعُهَا شَأْنًا فَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بَطَلَ نَصِيبُهُ مِنْ سَائِرِ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُكَذِّبًا بِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ وَلَا يُحْقَنُ دَمُهُ مَنْ لَا يُصَلِّي لِأَنَّ الَّذِي يَحْقِنُ الْإِنْسَانُ بِهِ دَمَهُ هُوَ إظْهَارُ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فَمَعْنَى ذَلِكَ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ حَظٌّ يُحْقَنُ بِهِ دَمُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا يُرِيدُ يَسِيلُ دَمًا وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَالثَّانِي أَنْ يَجْرِيَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَإِنْ اتَّصَلَ خُرُوجُهُ فَعَلَى الْمَجْرُوحِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَقِّي مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إلَّا إذَا كَثُرَتْ وَتَفَاحَشَتْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَا لَا يُتَصَوَّرُ خُرُوجُهُ وَيُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْ نَجَاسَتِهِ وَدَمِهِ فَإِنْ انْبَعَثَ فِي الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِنَجَاسَةِ جِسْمِهِ وَثَوْبِهِ فَيَغْسِلْ مَا بِهِ مِنْ الدَّمِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَرَى أَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ إيمَاءً قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ش) : سُؤَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لِأَصْحَابِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْبَارِ لَهُمْ بِالْمَسَائِلِ وَالتَّدْرِيبِ لَهُمْ فِي فَهْمِهَا وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ لَهُمْ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ مَنْ رَعَفَهُ الدَّمُ وَغَلَبَهُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ وَقَوْلُهُ أَرَى أَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ إيمَاءً يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ غَسْلِ الدَّمِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَحُكْمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَيُومِئَ لِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِيَدْرَأَ عَنْ ثَوْبِهِ الْفَسَادَ بِالْإِيمَاءِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ فَتَمَّ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ لَأَفْسَدَ ثَوْبَهُ الدَّمُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ الْإِيمَاءَ كَمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمُ الزِّيَادَةَ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ وَتُسْقِطُ فَرْضَ اسْتِعْمَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الرُّعَافُ يَضُرُّ بِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ كَالرَّمَدِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ.

[الوضوء من المذي]

الْوُضُوءُ مِنْ الْمَذْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ قَالَ الْمِقْدَادُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» ) . الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوُضُوءُ مِنْ الْمَذْيِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلٌ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالنِّيَابَةِ فِيهِ وَقَبُولِ خَبَرِ الثِّقَةِ فِيمَا يُعْقَلُ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ الْأَهْلُ هَاهُنَا الزَّوْجَةُ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْقَرَابَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] وَالْمَذْيُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِتَحْرِيكِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ إلَى الصُّفْرَةِ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ عِنْدَ الِالْتِذَاذِ بِالنِّسَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي سُؤَالِهِ عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَسَأَلَ عَنْ الْمَذْيِ الْخَارِجِ بِلَذَّةٍ دُونَ الْمَذْيِ الْخَارِجِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ إظْهَارٌ لِلْعُذْرِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لِسُؤَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ غَايَةٌ فِي حُسْنِ الْأَدَبِ وَكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ وَتَمَامِ الْمُرُوءَةِ إذَا كَانَتْ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْظَمَهُ وَوَقَّرَهُ عَلَى أَنْ يَذْكُرَ بِحَضْرَتِهِ شَيْئًا مِنْ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُنَّ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ بِهِنَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ النَّضْحُ يَكُونُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ الرَّشُّ وَالثَّانِي بِمَعْنَى إرْسَالِ الْمَاءِ وَسَكْبِهِ وَفِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى إرْسَالِ الْمَاءِ عَلَى الْفَرْجِ لِغَسْلِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ النَّضْحُ بِمَعْنَى الرَّشِّ فِي مَوْضِعِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ بِالْمَذْيِ فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يَجِبُ بِهِ غَسْلُ الذَّكَرِ كُلِّهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ مَعْنَى ذَلِكَ غَسْلُ مَخْرَجِ الْأَذَى مِنْ الذَّكَرِ دُونَ سَائِرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ إيجَابِ غَسْلِ الذَّكَرِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ لِلَّذَّةِ وَجَبَ بِهِ غَسْلُ الذَّكَرِ يُرِيدُ عَلَى مَا يَجِبُ بِالْبَوْلِ كَالْمَنِيِّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ يَعْنِي الْمَذْيَ) . (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ يُرِيدُ أَنَّ انْحِدَارَهُ عَلَى فَخِذِهِ كَانْحِدَارِ الْخُرَيْزَةِ وَرَوَاهُ عُمَرُ فَقَالَ مِثْلَ الْجُمَانَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَجِدَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِذَا وَجَدَ الْمَذْيَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَإِذَا وَجَدَ انْحِدَارَهُ مِنْهُ مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَذْيِ الْمُنْحَدَرِ مِثْلُ الْخُرَيْزَةِ وَحُكْمَ غَيْرِهِ مِمَّا يَجِدَهُ الْإِنْسَانُ مُضْطَجِعًا أَوْ جَالِسًا فَلَا يَنْحَدِرُ عَلَى فَخِذِهِ سَوَاءٌ عِنْدَنَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَصَّهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ هُوَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهِ إذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ اللَّذَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَحُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُهُمْ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ وَأُمِرَ بِغَسْلِ

[الرخصة في ترك الوضوء من المذي]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ فَقَالَ إنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي أَفَأَنْصَرِفُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْت حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّكَرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ غَسْلٌ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ وَلَوْ كَانَ يَغْسِلَهُ لِنَجَاسَةِ الْمَذْيِ لَقَالَ فَلْيَغْسِلْ الْمَذْيَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ مُبَالَغَةٌ فِي الْبَيَانِ لِئَلَّا يَظُنَّ السَّامِعُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْوُضُوءِ غَسْلَ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدُ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَقَوْلُهُ يَعْنِي الْمَذْيَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنْهُ مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ هُوَ الْمَذْيُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْمَذْيِ فَقَالَ إذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَك وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ) . (ش) : قَوْلُهُ إذَا وَجَدْتَهُ يُرِيدُ إذَا وَجَدْتَهُ قَدْ بَرَزَ مِنْ مَخْرَجِهِ فَاغْسِلْ فَرْجَك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَخْرَجَ الْمَذْيِ مِنْ الذَّكَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الذَّكَرَ وَقَوْلُهُ تَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ] (ش) : قَوْلُهُ إنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِدُ فِي صَلَاتِهِ بَلَلًا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِهِ فَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْت لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِمَّا لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَحَمَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْمَذْيِ وَإِنَّمَا وَرَدَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَامَّةً فِي الْبَلَلِ فَكَانَ مَذْهَبُ حُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْبَلَلَ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَهُ حَتَّى يَقْطُرَ فَإِذَا قَطَرَ بَطَلَ الْوُضُوءُ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَطَرَ وَسَالَ فَهَذَا وَجْهُ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَهُ عَلَى الْمَذْيِ الْخَارِجِ لِغَيْرِ اللَّذَّةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ وَجَدَ بَلَلًا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا فَيَتَمَادَى فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا إنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْعَادَةِ وَتَكَرَّرَ حَتَّى تَشُقَّ مُرَاعَاتُهُ دَخَلَ فِي بَابِ السَّلَسِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ مَنِيٍّ أَوْ مَذْيٍ أَوْ بَوْلٍ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَائِعٌ تَجِبُ بِهِ الطَّهَارَةُ إذَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَمْ تَجِبْ بِهِ تِلْكَ الطَّهَارَةُ كَدَمِ الْحَيْضِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي الْمَرْأَةِ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَإِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا بِالسَّاعَاتِ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْوُضُوءُ قَالَ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اعْتَرَاهُ الْمَذْيُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إلَّا أَنْ يَسْتَنْكِحَهُ فَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْمَذْيَ الْخَارِجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ إلَّا أَنْ يَكْثُرُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا حَمَلَ شُيُوخُنَا قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْمَذْيِ يَخْرُجُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِلَّذَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبُ حَالِ الْمَذْيِ أَنْ يَخْرُجَ لِلَّذَّةِ وَأَمَّا مَا يُسْتَنْكَحُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَلَا سَبَبٍ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ مَعْنَى خُرُوجِهِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْرُجَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَلَا يَكْثُرَ جِدًّا وَلَا يُرَاعَى لِلَّذَّةِ. 1 - قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي غَسْلِ مَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ أَوْ ضُرِبَ أَسْوَاطًا أَوْ كَانَتْ بِهِ حَكَّةٌ فَاغْتَسَلَ بِمَاءٍ سُخْنٍ فَأَنْزَلَ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْإِنْزَالِ، فَيَجِيءُ عَلَى اخْتِيَارِهِ هَذَا أَنَّ مَعْنَى خُرُوجِهِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْرُجَ سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ اللَّذَّةَ أَوْ الْمَاءَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ مَنْ أَمْنَى لِلَدْغَةِ عَقْرَبٍ أَوْ ضُرِبَ بِسَيْفٍ فَلَا غَسْلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْغَسْلُ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ لِلَذَّةٍ مِثْلِ أَنْ يَنْتَشِرَ لِشَبَقٍ فَيُمْنِيَ أَوْ يَنْزِلَ الْحَوْضَ فَيُمْنِيَ، فَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ مَا كَانَ

[الوضوء من مس الفرج]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْبَلَلِ أَجِدُهُ فَقَالَ انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِك وَالْهُ عَنْهُ) . الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ دَخَلْت عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ، فَقَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْت هَذَا فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمِيَاهِ يَخْرُجُ لِلَذَّةٍ فَإِنَّ خُرُوجَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ أَنْ يَخْرُجَ لِتِلْكَ اللَّذَّةِ فَإِنْ عَرَا مِنْهَا فَهُوَ خَارِجٌ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الصِّحَّةِ فَلَا تَجِبُ بِهِ تِلْكَ الطَّهَارَةُ وَهَذَا إجْرَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِسَلَسِ الْمَذْيِ وَالْبَوْلِ وُضُوءٌ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْقَطِعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهَذَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَّا أَنْ يُؤْذَى وَيَشْتَدَّ الْبَرْدُ. وَقِسْمٌ لَا يَنْقَطِعُ فَهَذَا لَا مَعْنَى لِلْوُضُوءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ أَنْ يَطْرَأَ مِثْلُهُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ. رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فَإِنْ قَرَنَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَنْ بِهِ سَلَسٌ أَوْ اسْتِحَاضَةٌ يَقْطَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ تُعِيدُ الثَّانِيَةَ فِي الْوَقْتِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إذَا تَعَمَّدَ الْبَوْلَ كَاَلَّذِي بِهِ سَلَسُ الْمَذْيِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَقْصِدَ اللَّذَّةَ بِأَنْ يُلَاعِبَ فَيَخْرُجَ مِنْهُ الْمَذْيُ لِلَذَّةٍ وَرَوَى مَعْنَى هَذَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمُعْتَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْبَلَلِ أَجِدُهُ فَقَالَ انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِك وَالْهُ عَنْهُ) . (ش) : قَوْلُهُ سَأَلْت سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْبَلَلِ أَجِدُهُ أَدْخَلَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ بَلَلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ تَوْقِيفٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَوَى عِنْدَهُ بَلَلُ الْمَذْيِ وَبَلَلُ الْبَوْلِ الْخَارِجَانِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ وَكَانَ السُّؤَالُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَحَدِهِمَا فِي الْغَالِبِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْخَبَرُ يَقْتَضِي الْجَوَابَ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا أَدْخَلَهُ فِي الْبَابِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِك وَالْهُ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ الْوَسْوَاسِ مِنْ احْتِبَاسِ الْبَوْلِ وَتَوَقُّعِ نَجَاسَةٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْضَحَ مَا تَحْتَ ثَوْبِهِ وَهُوَ الْفَرْجُ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ ثُمَّ يَلْهُوَ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَلِ وَيَعْتَقِدَ أَنَّهُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي نَضَحَهُ. [الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ] (ش) : قَوْلُهُ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ إخْبَارٌ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَذَاكُرِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِمَاعِ إلَيْهِ وَقَوْلُ عُرْوَةَ مَا عَلِمْت ذَلِكَ مُرَاجَعَةٌ لِمَرْوَانِ بْنِ الْحَكَمِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَإِظْهَارُ مُخَالَفَتِهِ وَلِذَلِكَ احْتَجَّ عَلَيْهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بِالْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَالْمَسُّ يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى مَسِّهِ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ جَسَدِهِ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ مَسَّهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَجَرَى ذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْمَسِّ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَكُونُ بِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْهُ وَاجِبٌ وَرَوَى عَنْهُ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَوْجِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَذَهَبَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ إذَا قَارَنَهُ مَعْنًى وَيَنْفِيهِ إذَا عَرَا مِنْ ذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْت فَقَالَ سَعْدٌ لَعَلَّك مَسِسْت ذَكَرَك قَالَ قُلْت نَعَمْ قَالَ قُمْ فَتَوَضَّأْ فَقُمْت فَتَوَضَّأْت ثُمَّ رَجَعَتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْنَى وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَاعَى فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْمَعْنَى الْمُرَاعَى هُوَ اللَّمْسُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ إنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ اللَّذَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ خَبَرُ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ. وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ طَهَارَةٌ كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّ لَمْسَ الذَّكَرِ إذَا عَرَا عَنْ اللَّذَّةِ لَمْ يُوجِبْ الْوُضُوءَ أَنَّ هَذَا لَمْسٌ عَرَا عَنْ اللَّذَّةِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْوُضُوءُ كَمَا لَوْ مَسَّهُ بِظَاهِرِ كَفِّهِ وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَسْلِ ذَكَرِهِ فَلَوْ كَانَ حَدَثًا مَعَ تَعَرِّيهِ مِنْ قَصْدِ اللَّذَّةِ لَمَّا كَانَ طَهَارَةً لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّ حَدَثٍ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَمَنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنْ قُلْنَا بِنَفْيِ الْوُجُوبِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يُعِيدُهَا فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا وُضُوءَ عَلَيْهَا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ إذَا أَلْطَفَتْ أَوْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافِ أَقْوَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالٍ فَمَنْ رَوَى لَا وُضُوءَ عَلَيْهَا فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ تَلْتَذَّ وَمَنْ رَوَى عَلَيْهَا الْوُضُوءُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا الْتَذَّتْ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْنِ إلَّا أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِلْطَافِ وَهُوَ إدْخَالُ الْأُصْبُعِ وَمَسُّ الْفَرْجِ بِهِ وَالْكَلَامُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَلَامِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فَاحْتَكَكْت يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ احْتِكَاكُهُ دُونَ الثَّوْبِ فَبَاشَرَ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَيَرَى سَعْدٌ فِيهِ الْوُضُوءَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَوْقَ ثَوْبِهِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ الْخَفِيفِ يُرِيدُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الثَّوْبَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ بَشَرَةَ الْيَدِ أَنْ تَصِلَ إلَى الذَّكَرِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الْكَثِيفُ الَّذِي يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيَحُولُ دُونَهُ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بِالْقَبْضِ عَلَى الذَّكَرِ تَحْصُلُ اللَّذَّةِ وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ اللَّذَّةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا إلَّا مَعَ اللَّمْسِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ اللَّذَّةِ فَلَا وُضُوءَ فِيهَا وَقَدْ يَلْتَذُّ الْإِنْسَانُ بِالذَّكَرِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءٌ. (فَصْلٌ) : وَأَمْرُ سَعْدٍ لَمُصْعَبٍ بِالْوُضُوءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ لَا يَمَسَّ الْمُصْحَفَ إلَّا طَاهِرًا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُصْعَبٍ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدًا قَالَ لَهُ اغْسِلْ يَدَك وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ أَثْبَتُ وَالْمَعْنَى أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِغَسْلِ الْيَدِ مِنْهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ. وَقَدْ رَوَى قَيْسُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَعْدٍ مَسِسْت ذَكَرِي قَالَ إنْ عَلِمْت أَنَّ بَضْعَةً مِنْك تَنْجُسُ فَاقْطَعْهَا وَهَذَا يُعَارِضُ مَا رَوَى مِنْ غَسْلِ الْيَدِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ) . (ش) : الْوُضُوءُ فِي الْحَدِيثَيْنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَقُلْت يَا أَبَتِ أَمَّا يُجْزِيك الْغُسْلُ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْمُولٌ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ دُونَ غَسْلِ الْيَدِ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تُغْسَلُ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا نَجَاسَةَ فِي الذَّكَرِ تُوجِبُ غَسْلَ الْيَدِ وَقَوْلُ عُرْوَةَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِالْأَخْذِ بِخَبَرِ بُسْرَةَ وَاعْتِقَادِ الْعَمَلِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةُ مَعَ دِينِهِ وَفَضْلِهِ يَصِيرُ إلَى الْعَمَلِ بِهِ وَيَتْرُكُ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الْخَبَرُ وَيَأْخُذَهُ عَمَّنْ يُوثَقُ بِنَقْلِهِ وَيَلْزَمُ الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ. (ش) : إنَّمَا كَانَ سُؤَالُ سَالِمٍ أَبَاهُ لَمَّا رَآهُ يَتَوَضَّأُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَافْتَتَحَهُ بِالْوُضُوءِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ إعَادَةَ الْوُضُوءِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ مَعَ الْغُسْلِ بِرَفْعِ صَغِيرِ الْحَدَثِ وَكَبِيرِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ مَعَ الْغُسْلِ عَلَى مَعْنَى تَخْصِيصِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنَّ الْغُسْلَ يُجْزِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ وَلَكِنَّهُ رُبَّمَا مَسَّ ذَكَرَهُ فَتَوَضَّأَ لِذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَسَّ ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمَنِيِّ بَلْ مُرُورُ يَدَيْهِ فِي دَلْكِهِ جَسَدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَصْدٍ وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَتَى مَسَّ ذَكَرَهُ إنْ كَانَ فِي حِينِ غُسْلِهِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَإِنْ بَعْدَ غُسْلِهِ فَهُوَ حَدَثٌ مُسْتَأْنَفٌ يَحْتَاجُ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ طَهَارَةً وَإِنْ كَانَ حَالَ غُسْلِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَالِمٍ رَأَيْت أَبِي عَبْدَ اللَّهِ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَلَفْظَةُ ثُمَّ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهَا لِلْمُهْلَةِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا لِلرُّتْبَةِ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَسَّ ذَكَرُهُ كَانَ حِينَ غُسْلِهِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَسُّ ذَلِكَ قَبْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ غُسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْغُسْلِ فِي أَوَّلِهِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ ثَابِتٌ حُكْمُهَا مَا لَمْ يَغْسِلْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ تَلْزَمَهُ النِّيَّةُ لِلْوُضُوءِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَصْلٍ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ الْمُتَطَهِّرُ إذَا غَسَلَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ فَهَلْ يَطْهُرُ بِتَمَامِ غَسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ أَمْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِتَمَامِ طَهَارَتِهِ فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَزُولُ عَنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ إلَّا بِتَمَامِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ الَّتِي غَسَلَهَا حُكْمُ الْحَدَثِ ثَابِتٌ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ قَبْلَ غُسْلِهِ فَحُكْمُ نِيَّةِ الْغُسْلِ بِأَوَّلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إلَى الْآنَ بِمُوجِبِهَا وَالْفِعْلِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي غُسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ قَدْ طَهُرَتْ وَارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْهَا بِتَمَامِ إمْرَارِ الْمَاءِ عَلَيْهَا قَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ تَمَامِ وُضُوئِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْوُضُوءَ بِنِيَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَزُولُ حَدَثُهُ بِتَمَامِ غَسْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ لِابْتِدَاءِ وُضُوئِهِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ إلَّا بِتَمَامِ وُضُوئِهِ فَحُكْمُ النِّيَّةِ الْأَوَّلُ بَاقٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَرَأَيْته بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قَالَ فَقُلْت لَهُ إنَّ هَذِهِ لَصَلَاةٌ مَا كُنْت تُصَلِّيهَا قَالَ إنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَسِسْت فَرْجِي ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ فَتَوَضَّأْت وَعُدْت لِصَلَاتِي) . (ش) : إعَادَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ دَلِيلٌ عَلَى تَأَكُّدِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْدَاثِ الَّتِي لَا تُبْقِي الطَّهَارَةُ حُكْمَهَا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ نَفْيِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِيُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى يَقِينٍ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ فَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ. وَقَدْ

[الوضوء من قبلة الرجل امرأته]

الْوُضُوءُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) . الْعَمَلُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَفْيُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَعَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ. [الْوُضُوءُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ] (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ قُبْلَةَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَجَسَّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْوُضُوءَ فِي قَوْلِهِ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وَأَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْجَسَّ بِالْيَدِ وَاقِعَانِ تَحْتَ ذَلِكَ وَأَنَّهُمَا مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي يُقَدَّرُ مَعَهَا خُرُوجُ الْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وَالْمُلَامَسَةُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُلَامَسَةَ هِيَ الْجِمَاعُ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَقَدْ قَالَا إنَّ الْقُبْلَةَ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي اللُّغَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّ الْمُلَامَسَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْآيَةِ هِيَ الْجِمَاعُ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَبُّنَا حَيٌّ كَرِيمٌ كَنَى عَنْ الْجِمَاعِ بِالْمُلَامَسَةِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ حَمَلَا اللَّفْظَ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُلَامَسَةَ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَاللَّمْسُ بِالْيَدِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ هِيَ الْجِمَاعُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ اثْنَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ هِيَ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ فِعْلِ اثْنَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُلَامِسٌ وَمَلْمُوسٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ لَهُ مَا ذَكَرَ فَإِنَّ الْمُلَامَسَةَ فِعْلُ اثْنَيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْصِدُ إلَيْهَا وَيَلْتَذُّ بِهَا وَلَوْ امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي اللَّمْسِ لَامْتَنَعَ فِي الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لِوَاحِدٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ وَلِذَلِكَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ» وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مَلْمُوسًا وَلَيْسَ بِلَامِسٍ وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إذَا قُرِئَ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وَبِهَا قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحَمْزَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْتِقَاءَ الْبَشَرَتَيْنِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفْعَلَ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ فَهَذَا الْقَدْرُ يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ فَهَذَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَهُوَ مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَمْسٌ عَرَا عَنْ اللَّذَّةِ فَلَمْ يَنْقُضْ الطَّهَارَةَ كَلَمْسِ الذَّكَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِيمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لَفْظٌ عَامٌّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُلْتَذًّا وَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّ قُبْلَةَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْأَغْلَبِ لَا تَنْفَكُّ مِنْ لَذَّةٍ وَجَسَّهَا بِيَدِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَذَّةٍ بِخِلَافِ لَمْسِ يَدِهَا لِتُنَاوِلْ شَيْءٍ أَوْ مُنَاوَلَتِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاَلَّذِي مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ دُونَ وُجُودِهَا فَمَنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ بِلَمْسِهِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ

[العمل في غسل الجنابة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدَيْهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُضُوءُ الْتَذَّ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَلْتَذَّ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْإِنْعَاظُ بِمُجَرَّدِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا وَلَا غَسْلَ ذَكَرٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ أَنْعَظَ إنْعَاظًا قَوِيًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مُجَرَّدَ اللَّذَّةِ لَا يَجِبُ لَهَا طَهَارَةٌ حَتَّى يُقَارِنَهَا مَعْنًى آخَرَ مِنْ مُلَامَسَةٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ) ش قَوْلُهُ مِنْ قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ الْوُضُوءُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَخَصَّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِاللَّذَّةِ فِي الْأَغْلَبِ فَأَمَّا تَقْبِيلُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ فِي قُبْلَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ مِنْ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ وُضُوءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ إنْ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَدَمَ اللَّذَّةِ مِنْ التَّقْبِيلِ عَلَى وَجْهِ الْإِشْفَاقِ وَالتَّحْنِينِ لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ الْوُضُوءُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَعْرَى مِنْ اللَّذَّةِ فِي الْأَغْلَبِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْلُومُ مِنْهُ حُمِلَ نَادِرُهُ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ كَالْجِمَاعِ لِلَذَّةٍ لَمَّا كَانَ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَذَّةٍ وَكَانَ ذَلِكَ بَابَهُ حُمِلَ الْإِكْرَاهُ فِيهِ عَلَى الِاخْتِيَارِ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ. [الْعَمَلُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ] (ش) : قَوْلُهُ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا أَصَابَهَا مِنْ مَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ التَّحَاتِّ فَيَكُونَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِقِيَامِهِ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِغَسْلِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ يُرِيدُ الْوُضُوءَ الْمَشْرُوعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَصْفِنَا لَهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ أَوْ تَقْدِيمِ ذَلِكَ فِي جُمْلَةِ الْوُضُوءِ فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُتِمُّ وُضُوءَهُ فِي أَوَّلِ غُسْلِهِ وَلَيْسَ الْغُسْلُ عَلَى تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَخِّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ غُسْلِهِ فَيَغْسِلَهَا فَذَلِكَ وَاسِعٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي غَسْلَ رِجْلَيْهِ كَمَا يَقْتَضِي غَسْلَ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فِي وَصْفِ غُسْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَأَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا هَذَا غُسْلُهُ مِنْ الْجَنَابَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا افْتَتَحَ غُسْلَهُ بِوَجْهِهِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ خَتَمَهُ بِرِجْلَيْهِ الَّتِي هِيَ آخِرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِيَكُونَ سَائِرُ الْجَسَدِ تَبَعًا لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فَعِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفَ تَخْلِيلَ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَتَخْلِيلَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ كَامِلًا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَة يَتَوَضَّأُ الْجَنْبُ قَبْلَ غُسْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنَّهُ إذَا غَسَلَ وَجْهُهُ خَلَّلَ أُصُولَ شَعْرِ لِحْيَتِهِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ غَرَفَ مَا يُخَلِّلُ بِهِ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فَقَدَّمَ وُضُوءَهُ وَأَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْغُسْلِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ رَاعَى الْمُوَالَاةَ فِي الْوُضُوءِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ فِي ذَلِكَ أَغْرَاضٌ مَقْصُودَةٌ: أَحَدُهَا: تَسْهِيلُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَأُصُولِ الشَّعْرِ وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْوَاضِحَةِ. وَالثَّانِي: مُبَاشَرَةُ الشَّعْرِ بِالْيَدِ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُمْكِنُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا حُكْمُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي التَّخْلِيلِ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ لَيْسَ عَلَى الْمُغْتَسِلِ مِنْ الْجَنَابَةِ تَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى الْبَشَرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ بِإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَيْهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ اسْتِيعَابَ جَمِيعِ الْجَسَدِ فِي الْغُسْلِ وَاجِبٌ وَالْبَشَرَةُ الَّتِي تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ جُمْلَتِهِ فَوَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَمُبَاشَرَتِهَا بِالْبَلَلِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَى الشَّعْرِ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَنِيَابَةُ الْإِبْدَالِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلِذَلِكَ جَازَ فِيهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يُجْزِئْ فِي الْغُسْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا شُرِعَ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ التَّكْرَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِتَمَامِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ الْغَرْفَةَ لَا تَجْزِي فِي اسْتِيعَابِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَيَتَخَرَّجُ فِي تَخْلِيلِ شَعْرِ الرَّأْسِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ بَشَرَةَ الرَّأْسِ مَمْسُوحَةٌ فِي الْوُضُوءِ مَغْسُولَةٌ فِي الْغُسْلِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ حُكْمُ شَعْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَشَرَةُ الْوَجْهِ فَإِنَّهَا مَغْسُولَةٌ فِي الْحَالَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَيْهَا وَاحِدًا فِي الْحَالَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْجِلْدِ يَكُونُ بِإِرْسَالِ الْمَاءِ بِالْيَدِ عَلَى الْجِسْمِ وَقَدْ يَكُونُ إمْرَارُ الْيَدِ مَعَ الْمَاءِ مُعِينًا فِي الْإِفَاضَةِ وَقَدْ يَجُوزُ خُلُوُّ الْإِفَاضَةِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا جُمِعَ عَلَى أَنَّ الْجِلْدَ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِهِ بِالْإِفَاضَةِ وَعِلْمنَا أَنَّ مِنْ الْجَسَدِ مَغَابِنَ وَمَوَاضِعَ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ بِإِرْسَالِهِ مِنْ أَعْلَى الْجَسَدِ حَتَّى يُوصَلَ إلَيْهَا بِالْيَدِ دَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إمْرَارَ الْيَدِ مُعْتَبَرٌ مَعَ الْإِفَاضَةِ فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْجَسَدِ مُتَسَاوٍ فِي الْغُسْلِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ إلَّا بِإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْجَسَدِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] . وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِالِاغْتِسَالِ وَالِاغْتِسَالُ مَعْنًى مَفْعُولٌ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى إفَاضَةِ الْمَاءِ وَالْغَمْسِ فِي الْمَاءِ فَلِذَلِكَ فَرَّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ غَسَلْت الثَّوْبَ وَقَوْلِهِمْ أَفَضْت عَلَيْهِ الْمَاءَ وَغَمَسْته فِي الْمَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَلَزِمَ فِيهَا إمْرَارُ الْيَدِ مَعَ الْمَاءِ كَالْمَسْحِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إمْرَارَ يَدِهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَجْعَلُ مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يُعَالِجُهُ بِخِرْقَةٍ وَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى مَا يُدْرِكُهُ مِنْ جَسَدِهِ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ حَتَّى يَعُمَّ مَا لَمْ تَبْلُغْهُ يَدَاهُ وَلِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ مِنْ الْجَنَابَةِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَنَضَحَ فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يُمِرُّهُ عَلَى جَسَدِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَجْزَاهُ إفَاضَةُ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إنْ كَانَ الَّذِي لَا يَنَالُهُ مِنْ جَسَدِهِ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا بَالَ لَهُ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ. (ش) : قَوْلُهَا كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْيَسِيرَ مِنْ مَائِهِ وَيَبْقَى أَكْثَرُهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ جَمِيعَ مَا فِيهِ وَزِيَادَةً مَعَهُ فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ إبَاحَةَ الْوُضُوءِ بِذَلِكَ الْإِنَاءِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِكُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءِ الشَّبَهِ وَنَحَا بِهِ نَاحِيَةَ الذَّهَبِ وَقَدْ رَوَى أَنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي أَشَارَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَبَهٍ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ فِي غُسْلِهِ مِلْءَ ذَلِكَ الْإِنَاءِ الْمُسَمَّى بِالْفَرَقِ فَتَقْصِدُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنْ مِقْدَارِ مَا كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ غَالِبًا مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ أَقَلِّ مَا يُجْزِي عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَتَطَهَّرُ بِالصَّاعِ وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُجْزِي فِي الْغُسْلِ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ رَأَيْت عَيَّاشَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ وَكَانَ فَاضِلًا يَتَوَضَّأُ بِثُلُثِ مُدِّ هِشَامٍ وَيَفْضُلُ لَهُ مِنْهُ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأَعْجَبَ مَالِكًا وَثُلُثُ الْمُدِّ بِمُدِّ هِشَامٍ دُونَ الرَّطْلِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ الْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى يَحْيَى الْفَرْقُ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ وَرَوَى غَيْرُهُ الْفَرَقَ بِتَحْرِيكِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ قَالَهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ وَيَكْفِي غَسْلُ الْيُمْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لِيُمَكِّنَّهُ غَرْفُ الْمَاءِ بِهَا وَلَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى مَعَهَا لِأَنَّهُ يَغْسِلُ بِهَا فَرْجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُبَاشِرُ النَّجَاسَةَ وَلَا يُبَاشِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِيُمْنَاهُ فَلِذَلِكَ غَسَلَهَا لِيَتَنَاوَلَ بِهَا الْمَاءَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ بَدَأَ بِغَسْلِ فَرْجِهِ قَبْلَ وُضُوئِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَتَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ مِنْهَا وَلِأَنَّ فِي غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ الذَّكَرِ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ بَعْدَ الْوُضُوءِ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِمَّا يَجِبُ التَّوَقِّي مِنْهُ عِنْدَ سَائِرِهِمْ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ذَكَرَهُ فِي جَنَابَتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَاسًا لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَسَلَ يَدَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْمَاءَ ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْهُ لِتَقَدُّمِ غَسْلِهِ عَلَى وُضُوئِهِ ثُمَّ بَدَأَ بِالْوُضُوءِ لِيَفْتَتِحَ بِهِ غُسْلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَنَضَحَ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَنْضَحُ الْمَاءَ فِي عَيْنَيْهِ فِي طَهَارَتِهِ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الْوُجُوبِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي نَضْحِ الْعَيْنَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَرَى فِعْلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُلْحَقَ بِالسُّنَنِ وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَهُمَا

[واجب الغسل إذا التقى الختانان]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سُئِلَتْ عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَتْ لِتَحْفِنْ عَنْ رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْمَاءِ وَلْتَضْغَثْ رَأْسَهَا بِيَدَيْهَا) . وَاجِبُ الْغُسْلِ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَقُولُونَ إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَتَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُمَا وَاجِبَانِ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ كَغُسْلِ الْمَيِّت. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إخْبَارٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ التَّيَمُّنَ فِي غُسْلِهِ وَالتَّرْتِيبِ فِيهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : سُؤَالُهَا عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَكَرِّرٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَقْضُ رَأْسِهَا وَأَمَّا الْحَيْضُ فَقَلِيلٌ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ نَقْضِ رَأْسِهَا إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا أَنَّ صِفَةَ الْغُسْلِ مِنْهُمَا وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهَا لِتَحْفِنْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ قَصَدَتْ إلَى الْأَهَمِّ عَلَى السَّائِلَةِ فِيمَا عَلِمَتْ مِنْ حَالِهَا فَأَجَابَتْهَا عَنْهُ بِأَنَّهُ يَكْفِيهَا نَقْضُ رَأْسِهَا أَنْ تَحْفِنَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْمَاءِ وَتَضْغَثَهَا بِيَدِهَا لِيُدَاخِلَهُ الْمَاءُ وَيَصِلُ إلَى بَشَرَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي الْغُسْلِ اسْتِيعَابُ الْبَشَرَةِ بِالْغُسْلِ. [وَاجِبُ الْغُسْلِ إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ] (ش) : قَوْلُهُ إذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ يُرِيدُ خِتَانَ الْفَرْجِ وَخِتَانَ الذَّكَرِ وَلَا يَتَمَاسَّانِ إلَّا بِالْإِيلَاجِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الصَّحَابَةُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ثُمَّ رَجَعُوا فِيهِ إلَى رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغُسْلِ مِنْهُ. وَقَالَ دَاوُد لَا يَجِبُ بِذَلِكَ الْغُسْلُ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَالْحَدِّ وَالْمَهْرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَقَالَتْ هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلُكَ يَا أَبَا سَلَمَةَ مَثَلُ الْفَرُّوجِ يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ تَصْرُخُ فَيَصْرُخُ مَعَهَا إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) ش سُؤَالُهُ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ عَامٌّ غَيْرَ أَنَّهَا فَهِمَتْ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُجِبْهُ عَنْ جَمِيعِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنَّمَا جَاوَبَتْهُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلُك يَا أَبَا سَلَمَةَ مَثَلُ الْفَرُّوجِ يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ تَصْرُخُ فَيَصْرُخُ مَعَهَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ كَانَ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَقَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْجِمَاعِ يَسْأَلُ عَنْ مَسَائِلِ الْجِمَاعِ وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْفَرُّوجِ الَّذِي يَسْمَعُ الدِّيَكَةَ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الصُّرَاخِ تَصْرُخُ فَيَصْرُخُ مَعَهَا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الْحَدَّ. وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ كَانَ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الرِّجَالَ وَالْكُهُولَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعِلْمِ فَيَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَتَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرٍ إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ فَقَالَتْ مَا هُوَ مَا كُنْت سَائِلًا عَنْهُ أُمَّك فَاسْأَلْنِي عَنْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ فَقَالَتْ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَك أَبَدًا) .

فَقَالَ لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرٍ إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ فَقَالَتْ مَا هُوَ مَا كُنْت سَائِلًا عَنْهُ أُمَّك فَاسْأَلْنِي عَنْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ فَقَالَتْ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَك أَبَدًا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) . وُضُوءُ الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرٍ إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ إلَّا لِقُوَّتِهِ وَلِقُوَّةِ مُوجِبِهِ وَالْأَخْبَارُ الصِّحَاحُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْفَرِيقَانِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَرْكُ بَعْضِهَا وَالتَّعَلُّقُ بِسَائِرِهَا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَعْظَمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمُجَامَعَةِ النِّسَاءِ فَنَبَّهَتْهُ عَلَى أَنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَبَّدَةٌ وَأَنَّهَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ أُمَّهُ إذَا رَجَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجِمَاعَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ يُقَالُ أَكْسَلَ الرَّجُلُ إذَا فَتَرَ عَنْ الْجِمَاعِ فَقَالَتْ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَأَجَابَتْهُ بِعِلْمِهَا فِي ذَلِكَ وَمَا تُوُفِّيَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ كَانَتْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِذَلِكَ وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ لِمَكَانِهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا أَبُو مُوسَى لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَك يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ بِقَوْلِهَا فِي ذَلِكَ وَوَثِقَ بِعِلْمِهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ فَقَالَ زَيْدٌ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَهُ مَحْمُودُ إنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إنَّ أَبِي بْنَ كَعْبٍ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ) . (ش) : سُؤَالُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانَتْ تَقُولُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَقُولُونَ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَأَرْسَلُوا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِيَعْلَمُوا مَا تَوَفَّى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُمْ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ نَزَعَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ كَانَ يَنْفِي الْغُسْلَ إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ وَعَلِمُوا أَنَّ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ نَفْيِهِ مَنْسُوخٌ أَوْ مَخْصُوصٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِقِلَّةِ الثَّبَاتِ ثُمَّ أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ وَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الِاحْتِلَامِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَقُولُ إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْهُ وَاعْتِقَادِهِ لَهُ وَأَخْذِهِ بِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْوَاطِئِ فِي الْفَرْجِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَلَا غُسْلَ عَلَى الْوَاطِئِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ فَيَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِالْإِنْزَالِ وَلَا غُسْلَ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ تُنْزِلَ فَإِنْ وَصَلَ شَيْءٌ مِنْ مَائِهِ إلَى فَرْجِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْتَذَّتْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ أَنْزَلَتْ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ احْتِيَاطًا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْتِقَاءِ خِتَانَيْنِ أَوْ إنْزَالٍ وَقَدْ عُدِمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ مَاءُ الرَّجُلِ قُبُلَهَا وَالْتَذَّتْ أَشْكَلَ عَلَيْهَا أَمْرُهَا فَلَمْ تَدْرِ أَنْزَلَتْ أَمْ لَا وَلَمَّا كَانَ غَالِبُ حَالِهَا الْإِنْزَالَ عِنْدَ وُجُودِهَا اللَّذَّةَ حُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى الْغَالِبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وُضُوءُ الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ] (ش) : سُؤَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَصَابَتُهُ الْجَنَابَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْغُسْلِ مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَنَدَبَهُ إلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ مَا بِذَكَرِهِ مِنْ الْأَذَى ثُمَّ يَنَامُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ وَهَذَا الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً» وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وُجُوبُ ذَلِكَ قَالَ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ جُنُبًا وَلَا يَمَسُّ مَاءً فَحَمْلُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ مَاءٌ وَأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَبْعُدُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعَادِمِ الْمَاءِ وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَيُرِيدُ بِهِ عَدَمَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِذِكْرِ الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ هَذَا عُرْفُ التَّخَاطُبِ وَلَمَّا قَالَتْ كَانَ يَنَامُ بَعْدَ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً كَانَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُ اسْتِبَاحَةَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى فَرُجِمَ أَنَّ الرَّجْمَ كَانَ لِأَجْلِ الزِّنَا وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَانَ قُتِلَ وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ ظَاهِرُهُ أَنَّ سُجُودَهُ كَانَ لِسَهْوِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ سُجُودَهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَلَا يُصْرَفُ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَّا بِدَلِيلٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْوُضُوءُ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَبْطُلُ بِشَيْءٍ إلَّا بِمُعَاوَدَةِ الْجِمَاعِ فَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ وُضُوئِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الثَّانِيَ يَحْتَاجُ مَنْ أَحْدَثَ الْوُضُوءَ مِثْلُ مَا احْتَاجَهُ الْأَوَّلُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إذَا أَصَابَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) . (ش) : قَوْلُهَا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ يُرِيدُ وُضُوءًا كَامِلًا كَالْوُضُوءِ الَّذِي يَسْتَبِيحُ بِهِ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَتَرَكَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ وَقَوْلُ مَالِكٌ أَوْلَى بِمَا فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوُضُوءِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ) ش قَوْلُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ لَهُمَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ لَا يَتَوَضَّأُ إلَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَقَطْ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ وَيُعَاوِدَ الْجِمَاعَ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْوُضُوءِ وَمَا رَوَى الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ» فَمَعْنَى وُضُوئِهِ هَاهُنَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ الْأَذَى وَمَعْنَى وُضُوئِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَكَا فِي اللَّفْظِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] وَالصَّلَاةُ مِنْ الْبَارِي رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ دُعَاءٌ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ مُفَسَّرًا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ طَعِمَ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَوَضَّأُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْأَكْلِ أَنَّ النَّوْمَ وَفَاةٌ فَشُرِعَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ الطَّهَارَةِ كَالْمَوْتِ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَإِنَّمَا يُرَادُ لِلْحَيَاةِ فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ وُضُوءٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْأَحْيَاءِ

[إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه]

إعَادَةُ الْجُنُبِ الصَّلَاة وَغَسَلَهُ إذَا صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ وَغَسْلُهُ ثَوْبَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ اُمْكُثُوا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى الْجَرْفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَانِي إلَّا احْتَلَمْت وَمَا شَعَرْت وَصَلَّيْت وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ لَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ عُضْوٌ يَسْقُطُ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَاءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَذَلِكَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [إعَادَةُ الْجُنُبِ الصَّلَاة وَغَسَلَهُ إذَا صَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ وَغَسْلُهُ ثَوْبَهُ] (ش) : قَوْلُهُ كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ يُرِيدُ تَكْبِيرَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُمْكُثُوا يُرِيدُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى حَالِهِمْ وَهَذِهِ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ إذَا طَرَأَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ التَّمَادِيَ فِي الصَّلَاةِ وَيَسْتَخْلِفُ إشَارَةً أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالْمُكْثِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا فَلْيَتَكَلَّمْ وَلَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ عَنْ تَكْبِيرِ أَصْحَابِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ كَبَّرُوا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنَّ الْمَأْمُومِينَ إذَا كَانُوا فِي الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ إمَامُهُمْ بِالْمُكْثِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ فَيُتِمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ انْتِظَارُهُ وَأَمَّا الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ لَهُ خَاصٌّ وَهَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ فِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَةِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ تَجَوُّزًا فَقَدْ يَنْقُلُونَ الْعَمَلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَهُمْ وَيَنْقُلُونَ عَنْهُ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَيُتَوَرَّعُ عَنْ تَأْوِيلِهِ فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُمْسَكُ عَنْهُ وَيُقَالُ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْجُمْلَتَيْنِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ بِنَاءِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَكْبِيرِهِمْ لِلصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الطَّاهِرِ خَلْفَ إمَامٍ مُحْدِثٍ نَاسٍ لِحَدَثِهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي زِيَادٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَانْتَظَرُوهُ حَتَّى اغْتَسَلَ ثُمَّ عَادَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ وَقَالَ هَذَا الثَّابِتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَذَا الْقَائِلُ لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ مَا سُئِلَ عَطَاءٌ فَسُنَّةٌ يُعْمَلُ بِهَا عِنْدَنَا لَا سِيَّمَا. وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَالْأَبْيَنُ أَنَّ تَكْبِيرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتٌ وَتَكْبِيرَ مَنْ خَلْفَهُ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ قُلْنَا بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَنَحْمِلُهُ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُحْرِمُوا وَأَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَظِرُوا لَمَّا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْإِمَامِ مَعَ النَّاسِ الْيَوْمَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ أَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي جَوَازِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ الْيَوْمَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْحَالِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَتَى كَبَّرَ كَبَّرَ النَّاسُ بِأَثَرِهِ وَلَا يَكَادُ يَتَأَخَّرُ تَكْبِيرُهُمْ عَنْ تَكْبِيرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْإِمَامِ قَطْعُ صَلَاتِهِ وَلَا يُفْسِدُ لِذَلِكَ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ غَلَبَةُ الْحَدَثِ أَوْ ذِكْرُ حَدَثٍ مُتَقَدِّمٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ وَخَافَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ أَعْمَى أَنْ يَقَعَ فِي نَارٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ ذَكَرَ مَتَاعًا خَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْلَفَ فَذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَا يُفْسِدُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ شَيْئًا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى الْجَرْفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَانِي إلَّا احْتَلَمْت وَمَا شَعَرْت وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلْت قَالَ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) .

اغْتَسَلْت قَالَ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى الْجَرْفِ الْجَرْفُ مَوْضِعٌ وَقَوْلُهُ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدْ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ أَثَرِ الْمَنِيِّ مَا دَلَّهُ عَلَى الِاحْتِلَامِ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَانِي إلَّا وَقَدْ احْتَلَمْت وَمَا شَعَرْت ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامَهُ جُمْلَةً وَقَوْلُهُ وَصَلَّيْت وَمَا اغْتَسَلْت يُرِيدُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ وَإِنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِلَامِ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ كَخُرُوجِهِ حَالَ الْيَقِظَةِ بِمُلَاعَبَةٍ أَوْ تَذْكَارٍ وَسَوَاءٌ ذَكَرَ أَنَّهُ جَامَعَ فِي نَوْمِهِ وَالْتَذَّ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ مَنْ رَأَى الْمَنِيَّ فِي ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّ الْغَالِبَ خُرُوجُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ تَتَقَدَّمُ اللَّذَّةُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ سُكُونِهَا كَالرَّجُلِ يُلَاعِبُ أَهْلَهُ فَيَجِدُ اللَّذَّةَ الْكُبْرَى وَلَا يُنْزِلُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يُنْزِلُ فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ تُقَارِنْهُ لَذَّةٌ حَالَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَاءَ انْفَصَلَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ بِاللَّذَّةِ وَذَلِكَ الْمُرَاعَى فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ دُونَ ظُهُورِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ مِنْ اللَّذَّةِ مَا قَارَنَ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَنِيِّ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَثُبُوتِ الْحَدَثِ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا حُكْمَ لَهُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فَهَلْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ رُوِيَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ يَغْتَسِلُ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَأَى أَنَّهُ احْتَلَمَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَنْزَلَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ رَاعَى اللَّذَّةَ حِينَ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ فَصَلَّى عَلَى حَالِ جَنَابَةٍ لَمَّا لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ جُنُبًا بِخُرُوجِ الْمَاءِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَصِحَّتِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَمَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَاءَ خَرَجَ بِلَذَّةٍ ثَانِيَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ عِنْدَنَا ظَاهِرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَاءِ لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَاغْتَسَلَ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَصَلَّى ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَقَدْ قَالَ أَيْضًا يُعِيدُ الْغُسْلَ وَحَكَاهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ مِنْ أَنَّهُ مَاءٌ اغْتَسَلَ لَهُ مَرَّتَيْنِ وَاحْتَجَّ لَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ بِأَنَّهُ مَا خَرَجَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ اللَّذَّةَ الْكُبْرَى الَّتِي يُقَدَّرُ مَعَهَا انْفِصَالُ الْمَاءِ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ وَإِنَّمَا وَجَدَ لَذَّةَ الْإِنْعَاظِ خَاصَّةً وَالْمُبَاشَرَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي يُوجِبُ إعَادَةَ الْغُسْلِ إنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ مَعَ وُجُودِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَهُوَ بِانْفِرَادِهِ حَدَثٌ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ حَدَثٌ فَإِذَا اجْتَمَعَا تَدَاخَلَا وَإِذَا انْفَصِلَا لَزِمَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْغُسْلُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَذَا الْمَنِيِّ الْغُسْلُ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ وَاجِبٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْعَادَةِ فَوَجَبَ بِهِ طَهَارَةٌ كَالْبَوْلِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَنِيٌّ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْوُضُوءُ كَمَنِيِّ السَّلَسِ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ آخَرُ يُعِيدُ الْغُسْلَ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَتَوْجِيهُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إلَى أَرْضِهِ بِالْجَرْفِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ لَقَدْ اُبْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيت أَمْرَ النَّاسِ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ الِاحْتِلَامِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاغْتَسَلَ عُمَرُ يُرِيدُ مِنْ جَنَابَةٍ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ غَسَلَ مَا تَيَقَّنَ فِي ثَوْبِهِ مِنْ الْمَنِيِّ لِنَجَاسَتِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ مِنْهُ يُرِيدُ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْ ثَوْبِهِ أَنْ يُصِيبَهُ مَنِيٌّ وَهَذَا حُكْمُ مَا يُشَكُّ فِيهِ مِنْ الثِّيَابِ أَنْ تُنْضَحَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا تُنْضَحُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا شَكَّ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَيَقَّنَ وُصُولَ النَّجَاسَةِ إلَى الثَّوْبِ وَيَشُكَّ هَلْ غَسَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا. وَالثَّانِي: أَنَّ يَشُكَّ هَلْ أَصَابَهُ بَوْلٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ تَيَقَّنَ وُصُولَهُ إلَيْهِ لَحَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُصِيبَ الثَّوْبَ شَيْءٌ لَا يَدْرِي أَطَاهِرٌ هُوَ أَوْ نَجِسٌ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يُجْزِي نَضَحَهُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مُتَيَقَّنَةٌ فَلَا يَزُولُ حُكْمُهَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَأَمَّا الثَّانِي فَحُكْمُهُ النَّضْحُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَيْسَ فِيهِ نَضْحٌ وَلَا غَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنْضَحُ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ هَذَا فَهَذَا حُكْمُ الثَّوْبِ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الثَّوْبِ فِي النَّضْحِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْجَسَدِ الْغَسْلُ إذَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ غَسْلُ أُنْثَيَيْهِ مِنْ الْمَذْيِ إلَّا أَنْ يَخْشَى أَنْ يُصِيبَهُمَا شَيْءٌ وَهَذَا يَقْتَضِي إنْ خَشِيَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّوْبِ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَالْجَسَدَ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إلَى أَرْضِهِ بِالْجَرْفِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ لَقَدْ اُبْتُلِيتُ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيت أَمْرَ النَّاسِ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ الِاحْتِلَامِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إلَى أَرْضِهِ بِالْجَرْفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَرْضِهِ وَيَتَعَاهَدَ ضَيْعَتَهُ وَأُمُورَ دُنْيَاهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُطَالِعَ الْقَاضِي ضَيْعَتَهُ فَيُقِيمَ فِي إصْلَاحِهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي قَالَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى خَرَابِ ضَيْعَتِهِ وَفَسَادِ حَالِهِ وَذَهَابِ قُوتِ عِيَالِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا يُرِيدُ مَنِيًّا مِنْ احْتِلَامٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ثَوْبَ لُبْسِهِ كَانَ لِنَوْمِهِ وَقَوْلُهُ لَقَدْ اُبْتُلِيَتْ بِالِاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيت أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ شُغْلَهُ بِأَمْرِ النَّاسِ وَاهْتِمَامَهُ بِهِمْ صَرَفَهُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالنِّسَاءِ وَكَثُرَ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَقْتًا لِابْتِلَائِهِ بِالِاحْتِلَامِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يَذْكُرْهُ وَوَقَّتَهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ وِلَايَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ الِاحْتِلَامِ يُرِيدُ اغْتَسَلَ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَغَسَلَ مَا بِجَسَدِهِ مِنْهَا وَغَسَلَ ثَوْبَهُ مِنْ مَنِيِّ الِاحْتِلَامِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَضَى صَلَاتَهُ حِينَئِذٍ إذْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا عَلَى طَهَارَةٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ ثُمَّ غَدَا إلَى أَرْضِهِ بِالْجَرْفِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَقَالَ إنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لَانَتْ الْعُرُوقُ فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لَانَتْ الْعُرُوقُ قِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا وُلِّيَ كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَعْيَانُ النَّاسِ وَالْعَرَبِ مِنْ الْبِلَادِ وَكَانَ يُطْعِمُهُمْ وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ وَالْمَشْهُورُ مِنْ حَالِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ بِالْوِلَايَةِ وَلَا كَانَ يَصْطَنِعُ لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا مِثْلَ مَا كَانَ يَأْكُلُهُ تَعْلِيمًا لَهُمْ وَإِنْكَارًا عَلَى النَّاسِ السَّرَفَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ فِي جَهْدٍ مِنْ الْجَدْبِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْوَدَكِ وَالسَّمْنِ لِيَكُونَ حَالُهُ فِي الْقِلَّةِ حَالَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَرَبَ بَطْنَهُ وَقَالَ لَأَصْبِرَنَّ عَلَى أَكْلِ الزَّيْتِ مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَأَنَّهُ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا حَتَّى يَنَالَهُ جَمِيعُ النَّاسِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءُ فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْت وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَك يُغْسَلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاعَجَبًا لَك يَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْت تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ تَجِدُ ثِيَابًا وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتهَا لَكَانَتْ سُنَّةً بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْت وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إنَّ النَّاسَ أَخْصَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَادَ إلَى أَكْلِ السَّمْنِ وَالْوَدَكِ فَكَثُرَ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ فَقَالَ لَمَّا إنَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لَانَتْ الْعُرُوقُ وَكَانَ قَبْلَ الْخِلَافَةِ إذَا أَصَابَ الْوَدَكَ وَالْخِصْبَ نَالَ مِنْ النِّسَاءِ مَا يَقْطَعُ عَنْهُ الِاحْتِلَامَ فَلَمَّا وُلِّيَ الْخِلَافَةَ وَاشْتَغَلَ عَنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الْجِمَاعِ وَنَالَ الْوَدَكَ أَصَابَهُ الِاحْتِلَامُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَادَ لِصَلَاتِهِ يُرِيدُ قَضَاءَ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ صَلَّى بِصَلَاتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ فَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا فَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ فَاسِدَةٌ وَرَوَى ابْنُ الْحَكَمِ فِي الْمُوَلَّدَات عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَاسِدَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِجَنَابَتِهِ حَدِيثُ عَطَاءٍ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُمْكُثُوا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ» . وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْكَلَامِ إلَى الْإِشَارَةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ أَعَمُّ وَأَبْيَنُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إلَّا لِتَصْحِيحِ صَلَاةِ مَنْ خَلْفَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذَلِكَ غَيْرُهَا وَلَا مَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ مِنْ الْحَدَثِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لَا يُفْسِدْ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِجَنَابَتِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ أَبَدًا وَهَذَا إذَا تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ جُنُبًا فَاسِقٌ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنَى لَوْ عَلِمَهُ الْمَأْمُومُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَإِذَا عَلِمَهُ الْإِمَامُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ كَالْكُفْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ابْتِدَاءَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَامِدًا يُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ وَابْتِدَاءَهُ سَهْوًا وَغَلَبَةً لَا يُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ فَكَذَلِكَ اسْتِدَامَةُ الصَّلَاةِ بِهِ عَمْدًا تُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ وَاسْتِدَامَةُ ذَلِكَ سَهْوًا لَا تُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ. (ش) : قَوْلُهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِقَوْلِ عُمَرَ مَا احْتَاجَ إلَى إيرَادِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَقَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ يُرِيدُ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ بِقُرْبِ بَعْضِ الْمِيَاهِ الَّتِي بِطَرِيقِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ بُعْدُ مَسَافَةٍ أَوْ خَوْفُ سَرَفِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي تُجْزِئُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا تُجْزِئُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً يَقْتَضِي طَلَبَهُ عِنْدَهُمْ وَكَذَلِكَ يَجِبُ لِمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ أَنْ يَطْلُبَهُ عِنْدَ رُفْقَتِهِ إذَا كَانَتْ عَدَدًا يَسِيرًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءُ ذُكِرَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي جَاءَ هُوَ مَاءُ الرَّوْحَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَكَبَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَيْهِ إمَّا لِقُرْبِهِ أَوْ لِمُبَالَغَتِهِ فِي طَلَبِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسَافِرِ يَكُونُ الْمَاءُ حَائِدًا عَنْ طَرِيقِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ الرَّجُلِ وَضَعْفِهِ وَبُعْدِ الْمَوْضِعِ وَقُرْبِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ إلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQطَرِيقِهِ إلَى الْمَاءِ مِيلِينِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَاءُ عَلَى طَرِيقِهِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا بِأَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْمِيلَ وَنِصْفَ الْمِيلِ وَيَخَافُ فِي ذَلِكَ لِسَلَابَةٍ أَوْ سِبَاعٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ عَلَى طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَجَّلَ السَّيْرَ إلَيْهِ حِينَ احْتَلَمَ بِحَاجَتِهِ إلَى الِاغْتِسَالِ وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ تَتَبَّعَ مَا كَانَ فِي ثَوْبِهِ مِنْ الْمَنِيِّ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ رَأَى أَنَّ تَطْهِيرَ ثَوْبِهِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ أَوْلَى مِنْ مُبَادَرَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِهِ وَتَتَبُّعَهُ لَهُ حَتَّى ذَهَبَ أَكْثَرُ الْوَقْتِ وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ التَّأْخِيرَ وَأَمَرَهُ بِاسْتِبْدَالِ ثَوْبٍ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الثَّوْبِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا عِنْدَهُمْ لَمَا اشْتَغَلَ عُمَرُ بِغُسْلِهِ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَقِيلَ لَهُ تَشْتَغِلُ عَنْ الصَّلَاةِ بِإِزَالَةِ مَا لَمْ تَلْزَمْ إزَالَتُهُ وَبِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ طَاهِرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي سَفَرِهِ وَأَفْعَالُهُ كَانَتْ تُنْقَلُ وَيُتَحَدَّثُ بِهَا وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُنْكَرٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَائِعٌ تُثِيرُهُ الشَّهْوَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا كَالْمَذْيِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَصْبَحْت هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الصَّبَاحِ بِمَعْنَى أَنَّك قَارَبْت الصَّبَاحَ وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمَكُّنِ الصَّبَاحِ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى قُرْبِ فَوَاتِهِ كَقَوْلِ عَمْرٍو لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَصْبَحْت وَقَدْ أَسْفَرَ تَنْبِيهًا عَلَى تَمَكُّنِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ فَوَاتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَعَنَا ثِيَابٌ يُرِيدُ أَنَّ مَعَهُمْ ثِيَابًا طَاهِرَةً يُصَلِّي بِهَا وَيَتْرُكُ ثَوْبَهُ حَتَّى يُغْسَلَ بَعْدَ صَلَاتِهِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الْوَقْتُ أَوْ يَصِيرُوا فِي ضَيِّقٍ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاعَجَبًا لَك يَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْت تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ تَجِدُ ثِيَابًا تَعَجَّبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَيْثُ لَمْ يَنْظُرُ فِي حَالِ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِي لَا يَجِدُ أَكْثَرُهُمْ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا وَبَنَى قَوْلَهُ عَلَى حَالِ نَفْسِهِ وَأَهْلِ الْجِدَّةِ مِثْلِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَكَانَ يَجْرِي أَمْرُهُ مَجْرًى يَقْتَدِي بِهِ الْفَقِيرُ وَالضَّعِيفُ قَالَ فَإِذَا كُنْت تَجِدُ ثِيَابًا تَلْبَسُهَا مِنْ احْتِلَامٍ وَلَا تَشْتَغِلُ بِغَسْلِ ثَوْبِك فَمِنْ أَيْنَ يَجِدُ غَيْرُك ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتهَا لَكَانَتْ سُنَّةً يُرِيدُ لَوْ تَرَكْت الِاشْتِغَالَ بِغَسْلِ ثَوْبِي لَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً يَقْتَدِي بِهَا مَنْ بَعْدِي فَيُؤَدِّيهِمْ ذَلِكَ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا تَرْكُ غَسْلِ الثِّيَابِ وَالصَّلَاةُ بِهَا عَلَى نَجَاسَتِهَا وَإِمَّا اتِّخَاذُ ثِيَابٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ وَيُكَلَّفُ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِكْثَارِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤْثِرُ التَّقَلُّلَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْت وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالنَّضْحُ هُوَ الرَّشُّ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ هُوَ صَبُّ الْمَاءِ وَلَيْسَ بِالرَّشِّ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْغَسْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنْضَحُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدِي فِي الْوَجْهَيْنِ فِي هَذَا الثَّوْبِ لَمَّا خَصَّ بِهِ مَا شَكَّ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي الثِّيَابِ عَلَى مَعْنَى التَّدْفِئَةِ وَلَوْ كَانَ صَبُّ الْمَاءِ يَبْلُغُ مَبْلَغَ الْغَسْلِ لَقَالَ أَغْسِلُ مَا رَأَيْت وَمَا لَمْ أَرَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْت وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَ يَقْتَضِي وُجُوبَ النَّضْحِ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَنْ الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ ضِيقِهِ إلَّا لِمَعْنًى وَاجِبٍ مَانِعٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَسْمَعْ مُنْكِرًا لِقَوْلِهِ ذَلِكَ مِمَّنْ حَضَرَهُ وَلَا مِمَّنْ بَلَغَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَكَّ فِي نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ لِشَيْءٍ رَآهُ فِيهِ لَا يَدْرِي أَنَجِسٌ هُوَ أَمْ طَاهِرٌ فَهَذَا قَدْ قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ نَضْحُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ أَثَرَ احْتِلَامٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا رَأَى فِي مَنَامِهِ قَالَ لِيَغْتَسِلْ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمٍ نَامَهُ فَإِنْ كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ فَلْيُعِدْ مَا كَانَ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّوْمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ وَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَرَى وَلَا يَحْتَلِمُ فَإِذَا وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَاءً فَعَلَيْهِ الْغُسْلِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمٍ نَامَهُ وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ كَانَ يَنْضَحُهُ لِمَا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَنِيِّ مَعَ النَّوْمِ وَعَدَمِ التَّوَقِّي. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَنْضَحْ ثَوْبَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَكٍّ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَلَا شَيْءَ وَيَنْضَحُهُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ لِشَكٍّ فِي نَجَاسَتِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ صَلَّى بِهِ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ صَلَّى بِهِ نَاسِيًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ النَّضْحَ لِمَا شَكَّ فِيهِ كَالْغَسْلِ لِمَا تَيَقَّنَ وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُحْتَلِمَ هَذَا شَكَّ وَذَلِكَ لَمْ يَشُكَّ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَنْضَحَهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا رَآهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّخَعِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ لِطَهَارَتِهِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ لَمْ تَتَيَقَّنْ صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِيمَنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا وَلَا يَدْرِي مَتَى كَانَ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا أَنَّهُ يَغْتَسِلُ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمٍ نَامَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَلْبَسَ ذَلِكَ الثَّوْبَ أَبَدًا لَا يَنَامُ إلَّا فِيهِ أَوْ يَكُونُ يَنَامُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ يَنَامُ فِيهِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ أَعَادَ مَا صَلَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَشُكُّ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاحْتِلَامُ فِي تِلْكَ النَّوْمَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَمَا قَبْلَ تِلْكَ النَّوْمَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا وَهَذَا الشَّكُّ إنَّمَا طَرَأَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ كَمَالِهَا وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: إنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ بَعْدَ طَهَارَتِهِ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَكٌّ طَرَأَ بَعْدَ تَمَامِ الْعِبَادَةِ وَتَيَقُّنِ سَلَامَتِهَا فَهَذَا الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّكَّ يُؤَثِّرُ فِيهَا وَيُوجِبُ إعَادَتَهَا فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى بَعْدَ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا لَمْ يَغْتَسِلْ فِي طُولِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَعَلَّقَ الشَّكُّ بِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَجَرَى الِاخْتِلَافُ فِي جَمِيعِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لَابِسُ هَذَا الثَّوْبِ لَا يَنَامُ إلَّا فِيهِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَوَاهُ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا يَحْمِلُونَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَسْأَلَةِ الْمُوَطَّأِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُفْتَرِقَتَانِ فَإِذَا كَانَ يَنَامُ فِي غَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنَامُ إلَّا فِيهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَامَ فِيهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدِي غَيْرُ بَيِّنٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ الَّذِي يَنَامُ فِيهِ أَبَدًا يَتَيَقَّنُ أَنَّ أُخْرَى الصَّلَوَاتِ صَلَّاهَا عَلَى حَدَثٍ وَيَشُكُّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ الَّذِي يَنَامُ فِيهِ مَرَّةً وَفِي غَيْرِهِ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ النَّاقِلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ مِنْ جَنَابَةٍ فَإِنْ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ كَانَ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا احْتَلَمَ وَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَرَى وَلَا يَحْتَلِمُ يُرِيدُ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ

[غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل]

غُسْلُ الْمَرْأَةِ إذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ أُفٍّ لَك وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرِبَتْ يَمِينُك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ الْأَنْزَالُ بِمَا يَرَاهُ فِي النَّوْمِ فَيَنْسَى ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَا يَذْكُرُهُ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ مُلْتَذًّا وَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ مِنْ مُقَارَنَةِ اللَّذَّةِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ عَنْهُ ذِكْرُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَرَى وَلَا يَحْتَلِمُ يُرِيدُ يَرَى فِي نَوْمِهِ يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَمَتَى رَأَى الْمُحْتَلِمُ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَلَا يُنْزِلُ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعَادَ مَا كَانَ صَلَّى لِآخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا وَلَمْ يُعِدْ مَا كَانَ قَبْلَهُ احْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى إعَادَةِ مَا صَلَّى بَعْدَ النَّوْمِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَنَامُ فِي هَذَا الثَّوْبِ أَوْ يَنَامُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ مُحْتَمَلٌ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَدْ اغْتَسَلَ قَبْلَ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ احْتِلَامَهُ لَمَّا رَأَى الْمَنِيَّ فِي ثَوْبِهِ أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ وَجَدَ فِيهِ مَا دَلَّهُ عَلَى حُدُوثِهِ مِنْ رُطُوبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى فِي ذَلِكَ رَأْيَ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [غُسْلُ الْمَرْأَةِ إذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ] (ش) : قَوْلُهَا «الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ تُرِيدُ مِنْ الْإِنْزَالِ وَالِاحْتِلَامِ أَتَغْتَسِلُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ» فَأَخْبَرَهَا أَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ الْغُسْلِ حُكْمُ الرَّجُلِ يَرَى ذَلِكَ «فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ أُفٍّ لَك عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِقَوْلِهَا وَالْإِغْلَاظِ عَلَيْهَا لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ النِّسَاءِ» قَالَتْ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ «فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرِبَتْ يَمِينُك» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَا أُرَاهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إلَّا خَيْرًا وَمَا الْإِتْرَابُ إلَّا الْغِنَى فَرَأَى أَنَّ تَرِبَ لَيْسَ مِنْ الْإِتْرَابِ بِسَبِيلٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ التُّرَابِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَعْنَاهُ أَضَعُفَ عَقْلُك أَتَجْهَلِينَ هَذَا وَقَدْ قِيلَ أَنَّ مَعْنَاهُ افْتَقَرَتْ يَدَاك مِنْ الْعِلْمِ وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذْ جَهِلْت مِثْلَ هَذَا فَقَدْ قَلَّ حَظُّك مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ كَيْسَانَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى تَعَلُّمِ مِثْلِ هَذَا كَمَا تَقُولُ اُنْجُ ثِكْلَتك أُمُّك لَا يُرِيدُ أَنْ تُثْكَلَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى تَرِبَتْ يَدَاك أَصَابَهَا التُّرَابُ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهَا بِالْفَقْرِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ أَنَّهُ تَرِبَتْ بِالتَّاءِ يُرِيدُ اسْتَغْنَتْ مِنْ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ الثَّبَجُ وَقَالَ هِيَ لُغَةُ الْقِبْطِ صَيَّرُوا التَّاء ثَاءً حَتَّى جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ كَمَا أَبْدَلُوا مِنْ التَّاءِ فَاءً وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تُخَاطِبْهَا وَهُمْ يُسْتَعْلَمُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عِنْدَ الْإِنْكَارِ لِمَنْ لَا يُرِيدُونَ فَقْرَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا افْتَقَرَتْ يَدَاك يُقَالُ تَرِبَ فُلَانٌ إذَا افْتَقَرَ فَلَصِقَ بِالتُّرَابِ وَأَتْرَبَ إذَا اسْتَغْنَى صَارَ مَالُهُ كَالتُّرَابِ كَثْرَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِعَائِشَةَ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ لَهَا لِإِنْكَارِهَا مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُقِرُّ إلَّا عَلَى الصَّوَابِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْته فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتُؤْجَرَ وَلِيُكَفَّرَ بِهَا مَا قَالَتْهُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَرَوَى حَبِيبٌ عَنْ مَالِكٍ تَرِبَتْ بِمَعْنَى خَسِرَتْ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ امْتَلَأَتْ تُرَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «مِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» يُرِيدُ شَبَهَ الِابْنِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ لِأَقَارِبِهِ مِنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ

[جامع غسل الجنابة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» ) . جَامِعُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْسِلُ جَوَارِيهِ رِجْلَيْهِ وَيُعْطِينَهُ الْخُمْرَةَ وَهُنَّ حُيَّضٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَرْأَةِ مَاءً تَدْفَعُهُ عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى كَمَا لِلرَّجُلِ مَاءٌ يَدْفَعُهُ عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ خَرَجَ الْوَلَدُ يُشْبِهُ عُمُومَتَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ خَرَجَ الْوَلَدُ يُشْبِهُ خُؤُولَتَهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» ) . (ش) : قَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ لَا يَأْمُرُ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْ الْحَقِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذِكْرِهِ امْتِنَاعُ الْمُسْتَحِي وَإِنَّمَا قَدَّمَتْ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ قَوْلِهَا لِمَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ أَمْرٍ يَسْتَحْيِ النِّسَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بُدٌّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهَمِّ أَمْرِ دِينِهَا فَقَدَّمَتْ هَذَا مِنْ قَوْلِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ يَلْزَمُ النِّسَاءَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَالتَّوَصُّلُ إلَى عِلْمِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ تُرِيدُ هَلْ يَلْزَمُهَا غُسْلٌ كَمَا يَلْزَمُ الرِّجَالَ مِنْ الِاحْتِلَامِ فَقَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ يُرِيدُ الْمَاءَ الدَّافِقَ عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الْمَنِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِلَامَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مَعَهُ الْإِنْزَالُ فَيَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ مَعَهُ الْإِنْزَالُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ فَذَلِكَ بَيِّنٌ لَهَا وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَاءُ الْمَرْأَةِ مُخَالِفٌ لِمَاءِ الرَّجُلِ مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ خَاثِرٌ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ. [جَامِعُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ] (ش) : قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ يُرِيدُ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ وَبِفَضْلِ غُسْلِهَا مَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ حَدَثٌ لَيْسَ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالثَّوْبِ فَيُنَجِّسَهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَسَدِ الْجُنُبِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى جَسَدِهِ نَجَاسَةٌ فَعَرِقَ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ نَجِسًا فَعَرِقَ فِيهِ نَجُسَ جَسَدُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَغْسِلُ جَوَارِيهِ رِجْلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ سَحْنُونٌ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ لَهُ أَلَا يَخَافَ أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الْجَوَارِي رِجْلَيْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ امْتِهَانِهِنَّ فَقَالَ لَا لَعَمْرِي وَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ شُغُلٍ أَوْ ضَعْفٍ يَجِدُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُعْطِينَهُ الْخُمْرَةَ وَهُنَّ حُيَّضٌ يُرِيدُ أَنَّ الْحَيْضَ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلْنَهَا بِأَيْدِيهِنَّ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا هُوَ حَدَثٌ وَلَيْسَ نَجَاسَةٌ فَيَنْجُسُ مَا جَاوَرَ الْحَائِضَ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ لَهُ نِسْوَةٌ وَجَوَارٍ هَلْ يَطَؤُهُنَّ جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَأَمَّا النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ فَيُكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى فَأَمَّا أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يُصِيبَ الْأُخْرَى وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ وُضِعَ لَهُ مَاءٌ يَغْتَسِلُ بِهِ فَسَهَا فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ لِيَعْرِفَ حَرَّ الْمَاءِ مِنْ بَرْدِهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ أُصْبُعَهُ أَذًى فَلَا أَرَى ذَلِكَ يُنَجِّسُ عَلَيْهِ الْمَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ تَمَسُّهُ. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ قَالَتْ فَقُلْت إنِّي حَائِضٌ فَقَالَ إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ بِيَدِك» . (ش) : قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ» لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يُرَادُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا شُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ مِمَّا شُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْغُسْلِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ جَسَدِهِ لِئَلَّا تَنْجُسَ بِذَلِكَ ثِيَابُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْوُضُوءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَسْلِ الْفَرْجِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْجَسَدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِمَعْنَى الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ حَرَائِرِ نِسَائِهِ فِي يَوْمٍ صَارَ بِالْقَسْمِ لِأُخْرَى إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ يَحْتَمِلُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: إبَاحَتُهُنَّ لَهُ وَرِضَاهُنَّ بِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصَابِعِهِ مَاءٌ فَإِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي أَصَابِعِهِ أَذًى فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَإِنَّ إدْخَالَ يَدِهِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَلْيَتَحَيَّلْ فِي شَيْءٍ يَتَنَاوَلُ بِهِ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُ هَذَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا بِيَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ يُغَيِّرُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ أَوْ لَا يُغَيِّرُهُ فَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُهُ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَيُفْسِدُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُهُ فَلْيُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلْ يَدَيْهِ بِمَا يَغْرِفُ بِهِمَا مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأْ أَوْ يَغْتَسِلْ لِأَنَّ إدْخَالَ يَدِهِ فِي الْمَاءِ إذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْيَسِيرِ تُحِلُّهُ نَجَاسَةٌ لَا تُغَيِّرُهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِمَا فَضَلَ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُحْتَمَلٌ فَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنَّ التَّيَمُّمَ أَوْلَى مِنْهُ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ وَيَتَيَمَّمُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَغْتَسِلُ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَإِنْ غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ لَجَازَ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ عَنْهُ الْأَذَى فَيَقْتَضِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ مِقْدَارًا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَيَّرُ بِالنَّجَاسَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي حَيِّزِ الْمَمْنُوعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَخْذُهُ الْمَاءَ بِفِيهِ لِيَغْسِلَ بِهِ يَدَيْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْمَنْعَ مِنْهُ وَرَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إبَاحَةَ ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا يَنْضَافُ إلَيْهِ مِنْ الرِّيقِ مَعَ قِلَّتِهِ يَجْعَلُهُ مَاءً مُضَافًا وَيَمْنَعُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّيقَ قَرَّبَهُ لِطَعْمِ الْمَاءِ وَلَوْنِهِ وَرِيحِهِ مَعَ قِلَّتِهِ لَا يُغَيِّرُهُ فَلَا يَمْنَعُ رَفْعَ النَّجَاسَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اغْتِسَالُ الْجُنُبِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَغْتَسِلُ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ

[باب في التيمم]

هَذَا بَابٌ فِي التَّيَمُّمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ إذَا غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ مَا وَقَعَ فِيهِ لَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مِنْهُ الْأَذَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي التَّيَمُّمِ] (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَفَرِ الرَّجُلِ بِأَهْلِهِ وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَزْوَاجٌ فَيَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ بِجَمِيعِهِنَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ بِبَعْضِهِنَّ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْهِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي هَذِهِ مَوَاضِعُ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَالْعِقْدُ قِلَادَةُ دُرٍّ كَانَ فِيهَا جَزْعٌ وَرُوِيَ أَنَّ الْقِلَادَةَ كَانَتْ مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَامُ لِأَجْلِ انْقِطَاعِهِ وَإِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ ضَيَاعِهِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ انْقَطَعَ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَلَمَّا ذَكَرَتْ أَمْرَهُ خَفِيَ عَلَيْهَا مَكَانُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ تُرِيدُ أَنَّهُ أَقَامَ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْتِمَاسُهُ بِذَهَابِ الظَّلَّامِ الْمَانِعِ مِنْ الْتِمَاسِهِ أَوْ لِانْتِظَارِ مَنْ أَرْسَلَهُ لِطَلَبِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَ وَلَا يَظُنُّ عَدَمَ الْمَاءِ وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاسْتَيْقَظَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَ عَلَى الْتِمَاسِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَدَمِ الْمَاءِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إقَامَتُهُ لِطَلَبِ الْعِقْدِ خَاصَّةً لِيَكُونَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْمُقَامُ عَلَى طَلَبِ مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَدَمِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَالِاضْطِرَارِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا سُلُوكُ طَرِيقٍ يَتَيَقَّنُ فِيهِ عَدَمَ الْمَاءِ طَلَبًا لِلْمَالِ وَرَعْيِ الْمَوَاشِي فِي الْفَلَوَاتِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ الْمُقَامُ بِمَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ فَبِأَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمُرُورُ بِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَنَحْوُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ إقَامَةُ النَّاسِ مَعَهُ دُونَ مَاءٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِعَدَمِهِ وَتَرْكِهِ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُقَامِ بِمَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ لِمَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ لِمَا يَعِنُّ لَهُ مِنْ الْحَاجَاتِ فِيهِ أَوْ لِمَنْ يَكُونُ مَعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَضَرَتْ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى أَيَتَيَمَّمُ لَهَا أَمْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمُهُ ذَلِكَ قَالَ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَمَنْ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ دَلِيلٌ عَلَى عِلْمِهِمْ بِعَدَمِ الْمَاءِ وَأَنَّ الْمُقَامَ إنَّمَا كَانَ لِطَلَبِ الْعِقْدِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا نُسِبَ الْمُقَامُ فِي ذَلِكَ إلَى عَائِشَةَ وَشَكَوْا فِعْلَهَا إمَّا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِعَدَمِ الْمَاءِ عِنْدَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهُ أَقَامَ لِطَلَبِ عِقْدِ عَائِشَةَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِعَدَمِ الْمَاءِ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إدْرَاكِ الْمَاءِ وَخِيفَ ذَلِكَ فِيهِ أَوْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ عَلَى طَلَبِ الْعِقْدِ وَنَامَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَبِيلٌ إلَى الرَّحِيلِ دُونَ إذْنِهِ وَلَا أَمْكَنَهُمْ إيقَاظُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَامَ لَا يُوقَظُ لِأَجْلِ الْوَحْيِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ» يُرِيدُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ لِيُعَاتِبَهَا فِيمَا ذُكِرَ لَهُ عَنْهَا أَوْ لِيَعْلَمَ عُذْرَهَا فِي ذَلِكَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِهَا وَلَمْ تَمْنَعْ هَذِهِ الْحَالَةُ دُخُولَ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ تُرِيدُ أَنَّهُ لَامَهَا وَبَالَغَ فِي لَوْمِهَا وَطَعَنَهَا بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِهَا أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي عَتْبِهَا وَإِظْهَارِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهَا أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيكُهَا سَبَبًا لِإِيقَاظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَافَ مِنْ وَقْتِ فَوَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ لِيُوقِظَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخِذِي تُرِيدُ أَنَّ طَعْنَ أَبِي بَكْرٍ فِي خَاصِرَتِهَا كَانَ يَقْتَضِي تَحْرِيكَهَا لِأَلَمِهِ وَلَكِنْ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ إكْرَامُهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِفْقُهَا بِهِ وَإِشْفَاقُهَا مِنْ أَنْ تَتَحَرَّكَ فَخِذُهَا فَيَنْقَطِعَ عَلَيْهِ نَوْمُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ» قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِعَدَمِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ مَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِ فِي وَقْتِ نَوْمِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ النَّوْمِ وَأَمَّا الْوَاحِدُ مِنَّا فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَكُونُ مِنْهُ حَالَ النَّوْمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ وَالْإِحْدَاثُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَكُونُ مُعْتَادًا وَلَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَالنَّوْمِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَهَذَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِلْمُتَوَضِّئِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ وَضَرْبٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَالْجِمَاعِ وَالْمُلَامَسَةِ وَمَسِّ الذَّكَرِ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ فِيمَا يَقْرُبُ وَيَطْرَأُ مِنْ الْمَشَقَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قَالَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ يُرِيدُ أَنَّ بَرَكَتَكُمْ كَانَتْ مُتَوَالِيَةً عَلَى الصَّحَابَةِ مُتَكَرِّرَةً وَكَانُوا سَبَبًا لِكُلِّ مَا لَهُمْ فِيهِ رِفْقٌ وَمَصْلَحَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَصْلُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ يَرْفَعُ الْحَدَثَيْنِ جَمِيعًا وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ مَعَ عَدَمِهِ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَعِبَادَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَأَمَّا الْعِبَادَةُ الْمُؤَقَّتَةُ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا مَعَ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: عَدَمُ الْمَاءِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. وَالثَّانِي: طَلَبُ الْمَاءِ. وَالثَّالِثُ: دُخُولُ وَقْتِ الْعِبَادَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَأَمَّا عَدَمُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَقْتِ مَعَ التَّمَادِي عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ السَّفَرِ. فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي الْجَرْيِ لِإِدْرَاكِ الْمَاءِ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ وَلَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِالْعُدُولِ لَهُ إلَى الِاسْتِقَاءِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي يُعْدَلُ لَهَا عَنْ الطُّرُقِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَا يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبُهُ وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَاتَهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَخَفْ فِي نِصْفِ الْمِيلِ إلَّا الْعَنَاءَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ الضَّعِيفُ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي عُدُولِ الْمُسَافِرِ عَنْ طَرِيقِهِ الْمِيلَيْنِ إلَى الْمَاءِ أَرَاهُ كَثِيرًا وَإِنْ كَانَ آمِنًا وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي سَفَرٍ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي يُرَاعَى مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَنْ يَجِدَ مِنْهُ مَا يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ الْكِفَايَةِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ مَا وَجَدَ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَسْتَعْمِلُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مَائِعٌ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا. 1 - (فَرْعٌ) وَأَمَّا عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَأَنْ يَجِدَ الْمَاءَ وَلَكِنَّهُ يَخَافُ مِنْ تَنَاوُلِهِ مَضَرَّةً بِجِسْمِهِ مِنْ تَلَفِ نَفْسِهِ أَوْ تَجَدُّدِ مَرَضِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ مِثْلَ أَنْ يَخَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَرِيضُ يَخَافُ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَخَافَ التَّلَفَ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِحْدَاثَ وَهِيَ مُلَامَسَةُ النِّسَاءِ وَالْمَجِيءُ مِنْ الْغَائِطِ فَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ إلَّا مَعَ الْمَرَضِ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ نَقَلَ إلَى التَّيَمُّمِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ الْمَرَضُ بِعَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالسَّفَرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهِ عَدَمُ الْمَاءِ وَقِلَّتُهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ فِيهِ بَيْنَ خَوْفِ الْمَرَضِ وَخَوْفِ التَّلَفِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ طَلَبُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ الْفَوَائِتِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُ الْمَاءِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَأَنَّ تَيَمُّمَهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ طَلَبُ الْمَاءِ لَمَا كَانَ تَيَمُّمًا يَسْتَبِيحُ بِهِ الصَّلَاةَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ طَلَبِ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَيَكُونُ تَحْدِيدُ الْخِلَافِ فِي هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ طَلَبُ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ فَلَمْ تَجِدُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمَاءِ وَقَدْ شُرِطَ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَدَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ مُبْدَلِهِ فَلَا يُجْزِي فِعْلُهُ إلَّا مَعَ تَيَقُّنِ عَدَمِ مُبْدَلِهِ كَالصَّوْمِ مَعَ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاتَيْ فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْهِمَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ دُخُولِ الْوَقْتِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَلَوَجَبَ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ تَيَمُّمٍ فَإِنْ فَعَلَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ وَقْتَيْ الصَّلَاةِ اشْتِرَاكٌ أَعَادَ الثَّانِيَةَ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُ الثَّانِيَةَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُعِيدُ الثَّانِيَةَ أَبَدًا وَهُوَ الَّذِي يُنَاظِرُ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ أَيَؤُمُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَلَى وُضُوءٍ فَقَالَ يَؤُمُّهُمْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَقَامَ وَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَطَلَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ قَالَ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَوَاتِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ صَلَّى نَوَافِلَ مُتَّصِلَةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا نَافِلَةً أَوْ نَوَافِلَ وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَوْ صَلَّى نَافِلَةً ثُمَّ صَلَّى بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ الْفَرِيضَةَ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَسْتَأْنِفُ التَّيَمُّمَ لِلْفَرِيضَةِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَفَّفَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ طَلَبَ الْمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا أَوْ سُؤَالُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ عِنْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَطَلَّبُ بِغَلَبَةِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَهَذَا مُرَاعًى فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَهَذَا يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ فِي وَقْتِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ هَذَا مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يُجْزِهِ التَّيَمُّمُ كَالْوَاجِدِ لِلْمَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَوَضِّئِينَ مُتَوَضِّئٌ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ حَالُهُ مُسَاوِيًا لِحَالِ مَنْ خَلْفَهُ وَأَفْضَلَ مِنْهَا وَالتَّيَمُّمُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِفَضِيلَةِ الْمُتَوَضِّئِ فَلَا يَؤُمُّهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَؤُمُّهُمْ الْمُتَيَمِّمُ لِأَنَّ مُتَسَاوِيَةٌ بِحَالِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا يُرِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ مَا تَقَدَّمَ وَأَنَّ إمَامَتَهُ لَهُمْ مِمَّا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنْ مَنَعَتْ فَضِيلَتَهَا. وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لَهُمْ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَصِحُّ بِهَا الصَّلَاةُ فَصَحَّتْ بِهَا إمَامَتُهُ الْمُتَوَضِّئِينَ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ أَنَّ تَيَمُّمَ الْوَاجِدِ لِلْمَاءِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: إحْدَاهَا: أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَجِدَهُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجِدَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالَهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ حَدِيثُ «أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ بَقِيَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَدَلٌ مِنْ مُبْدَلٍ يُرَادُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْمَقْصُودِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ كَوُجُودِ النَّصِّ قَبْلَ إنْفَاذِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ الْمُخَالِفِ لَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَتَوَضَّأُ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ مُتَعَبَّدٍ بِهَا بِتَيَمُّمٍ مَأْمُورٍ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِطُلُوعِ الْمَاءِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ طَاوُسٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَعَمِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ مَاءً بِأَطْهَرَ مِنْهُ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا أَدَّى الصَّلَاةَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا بِوُجُودِ الْمَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ. (ش) : قَوْلُهُ فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِاجْتِمَاعِ شُرُوطِ التَّيَمُّمِ فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ فَهَذَا الَّذِي أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى وَقَوْلُهُ لَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ كَمَا أَدَّاهُ الْمُتَوَضِّئُ وَلَيْسَتْ اسْتِبَاحَةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ لِصَلَاتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْمُتَيَمِّمِ لَهَا وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً يُرِيدُ فِي الْأَدَاءِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُتَيَمِّمِ قَدْ بَرِئَتْ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُتَوَضِّئِ وَبَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا أُمِرَ الْمُتَيَمِّمُ بِالتَّيَمُّمِ وَأُمِرَ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ بِالْوُضُوءِ فَإِذَا تَيَمَّمَ هَذَا وَصَلَّى وَتَوَضَّأَ الْآخَرُ فَقَدْ فَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أُمِرَ بِهِ وَأَدَّى فَرْضَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَ وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ وَصَاحِبُ الْجَبَائِرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ لِلشُّجُوجِ وَمُبَاشَرَةِ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ لِلصَّحِيحِ فَلَا يُقَالُ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَدَّى فَرْضَهُ دُونَ الْآخَرِ وَلَا أَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِهِمَا أَتَمُّ فِي بَابِ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْفَضِيلَةِ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا فَإِنَّ الْفَضْلَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ مِرَارًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ يَسْتَبِيحُ مَا تَمْنَعُ مِنْهُ الْجَنَابَةُ بِالتَّيَمُّمِ. وَالثَّانِي: تَفْسِيرُ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ فَأَمَّا اسْتِبَاحَةُ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْجَنَابَةِ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ مَنْعُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُمَا إنَّمَا مَنَعَا ذَلِكَ لِلذَّرِيعَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا وَائِلٍ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِيهَا لَأَوْشَكَ إذَا يَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ. وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاكُ ابْنُ مُزَاحِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي الْجُنُبِ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَغْتَسِلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ مَا مَنَعَك يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيك» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ مُحْدِثٍ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ كَالْمُحْدِثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَسْتَبِيحُهُ الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ كُلُّ أَمْرٍ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْجُنُبَ لَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَى هَذَا إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ بَدَلًا مِنْ الْوُضُوءِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ الْمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَإِجْزَائِهِ وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ عَادِمَ الْمَاءِ مَعْنًى يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ مَعَهُ

[العمل في التيمم]

الْعَمَلُ فِي التَّيَمُّمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ الْجُرْفِ حَتَّى إذَا كَانَا بِالْمِرْبَدِ نَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَيَمَّمَ صَعِيدًا طَيِّبًا وَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّيَمُّمُ فِي الْحَضَرِ كَالْمَرَضِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ فَهَلْ يُعِيدُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ لَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُعِيدُ أَبَدًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَبِالتَّيَمُّمِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ مُجْزِئَةً كَالْمُسَافِرِ. [الْعَمَلُ فِي التَّيَمُّمِ] (ش) : قَوْلُهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ الْجُرْفِ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَأَمَّا الْمِرْبَدُ فَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلًا أَوْ مِيلَيْنِ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِقَادَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ لِأَنَّ مَنْ يَقْصُرُ التَّيَمُّمَ عَلَى السَّفَرِ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْمَسَافَةِ إلَّا فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (فَصْلٌ) : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَإِنَّمَا يَتَيَمَّمُ عَبْدُ اللَّهِ بِالْمِرْبَدِ وَهُوَ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ الْمَاءَ لِأَنَّهُ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ وَابْنُ عَجْلَانَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ انْفَرَدَ بِهِ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَيْ أَنَّهَا مُرْتَفِعَةٌ عَنْ الْأُفُقِ لَمْ تَغِبْ بَعْدُ إلَّا أَنَّ الصُّفْرَةَ قَدْ دَخَلْتهَا فَخَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَارِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَتَيَمَّمَ عَلَى هَذَا الِاجْتِهَادِ وَصَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ فِي فُسْحَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَمْ يُعِدْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ رَجَا إدْرَاكَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ تُجْزِيهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ خَاصَّةً عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ رَأَى هَذَا الرَّأْيَ وَذَهَبَ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْعَادِمُونَ الْمَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ عَدَمُ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَشُكَّ فِي الْأَمْرِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِذَا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي الْأَمْرِ فَاَلَّذِي حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَتَيَمَّمَ مِنْ الْوَقْتِ فِي آخِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ رَجَاءَ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْمَاءِ مَا لَمْ تَفُتْ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَوَّلَ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِئَلَّا تَفُوتَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ لَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ الْمَاءِ فَتَفُوتُهُ الْفَضِيلَتَانِ وَأَمَّا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إدْرَاكُ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ فِي آخِرِهِ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْمَاءِ أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ أَصْلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَفَضِيلَةَ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَفَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ يَجُوزُ تَرْكُهَا دُونَ ضَرُورَةٍ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ فَضِيلَةِ الْمَاءِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَلَوْ عَلِمَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَتَيَمَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَصَلَّى فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُجْزِئُهُ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ خَاصَّةً. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يُعِدْ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِيَحُوزَ فَضِيلَةً لَا تَتِمُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَكَانَ تَيَمُّمُهُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِصَلَاةٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ فَقَالَ يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِوَجْهِهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ وَيَمْسَحُهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّيَمُّمِ كَاَلَّذِي تَيَمَّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا وَلَمْ يُرِدْ كَرَمَ الْأَرْضِ وَلَا لُؤْمَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى لَا خِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي الِاسْتِيعَابِ وَاحِدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْوُضُوءِ وَأَمَّا الْيَدَانِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِمَا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ حُكْمُهُمَا الْمَسْحُ إلَى الْمَنَاكِبِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ فَرْضَ التَّيَمُّمِ فِيهِمَا إلَى الْكُوعَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ. وَالثَّانِيَةُ: إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «مَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ يَسَارٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَا تَذْكُرُ أَنَا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْت فَصَلَّيْت فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَكْفِيك هَذَا فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ عُلِّقَ فِي الشَّرْعِ عَلَى اسْمِ الْيَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُخَصَّ بِالْكُوعِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ مَنْ تَيَمَّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَتَعَدَّى مَحَلَّ مُوجِبِهَا فَلَمْ يَقْتَصِرْ بِفَرْضِ الْيَدَيْنِ فِيهِمَا عَلَى أَدْوَنَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ كَالْوُضُوءِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَيَمَّمُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَسُئِلَ مَالِكٌ كَيْفَ التَّيَمُّمُ وَأَيْنَ يَبْلُغُ بِهِ فَقَالَ يَضْرِبُ ضَرْبَةً لِوَجْهِهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ وَيَمْسَحُهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) ش وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ حُكْمَ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ. وَقَالَ عَطَاءٌ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَشُرِعَ فِيهَا اسْتِئْنَافُ الطَّهُورِ لِكُلِّ عُضْوٍ كَالْوُضُوءِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ فِي الْيَدَيْنِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الطُّهْرَ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى إنَّمَا يُفْعَلُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى خَاصَّةً وَالطُّهْرَ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى إنَّمَا يُفْعَلُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى خَاصَّةً فَجَعَلَ لِكُلِّ يَدٍ طَهَارَةً بِيَدٍ لَيْسَ يُبَاشِرُهَا تَطَهُّرُ عُضْوٍ آخَرَ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْنَافِ طُهُورٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَهَلْ يَكْفِيهِ أَوْ لَا حَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا يُجْزِئُهُ وَيُعِيدُ أَبَدًا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ تُجْزِئَهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مَسْحٌ مُفْتَرَضٌ فِي طَهَارَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِيَ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الطُّهُورِ وَأَصْلُ ذَلِكَ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ ذِرَاعَيْهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسْحَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ فُرُوضِهِ مَمْسُوحٌ بِهِ وَهُوَ الْمَاءُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَنَّهُ إذَا فَنَى الْمَاءُ مِنْ يَدَيْهِ قَبْلَ اسْتِيعَابِ رَأْسِهِ جَدَّدَ آخَرَ فَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَلَيْسَ مِنْ فُرُوضِهِ مَمْسُوحٌ بِهِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى آخِرِ الْعُضْوِ مِنْ آثَارِ مَا تَعَلَّقَ بِالْيَدِ مِنْ التُّرَابِ شَيْءٌ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْدِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّعِيدِ فِي التَّيَمُّمِ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَتِنَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَمْسَحُهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الِاسْتِحْبَابَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ الْمَسْحِ فَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ فَيَمْسَحُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى يَبْدَأُ مِنْ ظَاهِرِهَا مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ مِنْ بَاطِنِهَا إلَى الْمِرْفَقِ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مِنْ جِهَةِ الْكَفِّ ثُمَّ يَمْسَحُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى مِثْلَ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ فَيَمْسَحُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى مِنْ ظَاهِرِهَا عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يَمْسَحُ بَاطِنَهَا مِنْ الْمِرْفَقِ إلَى الْكَفِّ وَلَا يَمْسَحُ الْكَفَّ ثُمَّ يَمْسَحُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى مِثْلَ ذَلِكَ وَيَمْسَحُ الْكَفَّيْنِ بَعْضَهُمَا بِبَعْضٍ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ

[تيمم الجنب]

تَيَمُّمُ الْجُنُبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْمَاءَ فَقَالَ سَعِيدٌ إذَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ احْتَلَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَقْدِرُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ وَهُوَ لَا يَعْطَشُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ فَقَالَ يَغْسِلُ بِذَلِكَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ جُنُبٍ أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَلَمْ يَجِدْ تُرَابًا إلَّا تُرَابَ سَبْخَةٍ هَلْ يَتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ وَهَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السِّبَاخِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ وَالتَّيَمُّمِ مِنْهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَكُلُّ مَا كَانَ صَعِيدًا فَهُوَ يُتَيَمَّمُ بِهِ سِبَاخًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْضَاءَ الطَّهَارَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الَّذِي قَبْلَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ فِي التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْعُضْوَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ اسْتِيعَابُ ظَاهِرِ بَشَرَةِ الْيَدَيْنِ بِالْمَسْحِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَمْ أَرَ تَخْلِيلَ الْأَصَابِعِ فِي التَّيَمُّمِ لِغَيْرِهِ. [تَيَمُّمُ الْجُنُبِ] (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ لِأَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ أَنْ تَمَّتْ لَهُ شُرُوطُ التَّيَمُّمِ الْمُتَقَدِّمَةُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهَا عَلَى مَا لَزِمَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثَ جَنَابَتِهِ وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الصَّلَاةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِاحْتِلَامٍ وَلَا يَقْدِرُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُصَلِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا قَدْرُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ غَسَلَهُ وَمَسَحَ كَفَّيْهِ بِالتُّرَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ أَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ لِلطَّهَارَةِ فَلَيْسَ بِوَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوُجُودِهِ قَدْرُ الْكِفَايَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ إنَّمَا خَصَّ السَّفَرَ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَسْفَارِ وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ لَا يَخَافُ الْعَطَشَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِئَلَّا يَكُونَ تَرْكُهُ لِاسْتِعْمَالِهِ بِسَبَبِ ضَرُورَةِ الْعَطَشِ إذْ هُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَغْسِلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَذَى لِأَنَّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ طَهَارَتَانِ طَهَارَةُ الْجَنَابَةِ وَطَهَارَةُ النَّجَاسَةِ فَلَمَّا أَمْكَنَهُ فِعْلُ إحْدَاهُمَا فَعَلَهَا وَهِيَ طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ وَأَبْدَلَ التَّيَمُّمَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ عَنْهُ لَتَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِبْ لِأَجْلِهَا الْإِعَادَةُ وَأَصْلُ ذَلِكَ إذَا صَلَّى بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ خُوطِبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ". (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي السِّبَاخِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا لِلْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُتَيَمَّمُ بِالسِّبَاخِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْت بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيت الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض]

مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إزَارَهَا ثُمَّ شَأْنَك بِأَعْلَاهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ السِّبَاخِ وَغَيْرِهَا وَأَصْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَلَهُ فِي التُّرَابِ قَوْلَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَتَيَمَّمُ بِرَمْلٍ لَا تُرَابَ فِيهِ وَلَا بِحَجَرٍ سَقَطَ عَنْهُ تُرَابُهُ فَذَهَبَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَوْله تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا وَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمْلًا أَوْ حَجَرًا قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالزُّجَاجُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَلَمْ يَخُصَّ تُرَابًا مِنْ غَيْرِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ طَاهِرٌ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ جِنْسِ الْأَصْلِ فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالتُّرَابِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْجِيرِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْمِلْحِ أَمْ لَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمِلْحُ عِنْدِي عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَعْدِنِيٌّ بَحْتٌ مِنْ الْأَرْضِ كَالْحِجَارَةِ فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي يَجْمُدُ مِنْ الْمَاءِ فَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ الثَّلْجِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ الثَّلْجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّنَاعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الثَّلْجُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَتَيَمَّمُ بِهِ زَادَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْجَلِيدُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالثَّلْجِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الثَّلْجَ جَامِدٌ إذَا قَصَدَ الْمُكَلَّفُ تَغْيِيرَ الْمَاءِ بِهِ لَمْ يَسْلُبْهُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّطْهِيرِ فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ حَالَ انْفِرَادِهِ كَالتُّرَابِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَعِيدٍ فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالنَّبَاتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ مِنْ التُّرَابِ مَا يَضْرِبُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَضْرِبُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إذَا لَمْ يَكْمُلْ تَيَمُّمُهُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الضَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ وَيُجْزِيهِ لِذَلِكَ لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مَرْبُوطٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَرَوَى أَصْبَغُ وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُصَلِّي كَذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مُحْدِثٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثٍ وَلَا اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ كَالْحَائِضِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُكَلَّفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ حَدَثِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُهُ بِهِ كَاَلَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ يَجِدُ التُّرَابَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ يُعِيدُ أَبَدًا وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُعِيدُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ قَالَ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُعِيدُ فَمَعْنَاهُ فِي الْمَرْبُوطِ عَلَى طَهَارَةٍ لَا يُصَلِّي إيمَاءً. [مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ] (ش) : قَوْلُهُ مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ وَإِنْ كَانَ لَفْظًا عَامًّا فَهُوَ خَاصٌّ بِالِاسْتِمْتَاعِ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مُضْطَجِعَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهَا قَدْ وَثَبَتْ وَثْبَةً شَدِيدَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَكِ لَعَلَّك نَفِسْت يَعْنِي الْحَيْضَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ شُدِّي عَلَى نَفْسِك إزَارَكِ ثُمَّ عُودِي إلَى مَضْجَعِك» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ الْحَائِضِ هَلْ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَا لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّؤَالُ عَلَى عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ انْصَرَفَ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إلَى الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ فَكَانَ السُّؤَالُ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ وَطْئِهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعُ مِنْ وَطْئِهَا فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَانْصَرَفَ الِاعْتِزَالُ أَيْضًا إلَى اعْتِزَالِ وَطْءٍ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَعَلِمَ هَذَا السَّائِلُ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَالْمُبَاشَرَةِ لَهَا وَالْقُبَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ مُبَاحٌ فَطَلَبَ تَحْدِيدَ الْمُبَاحِ وَتَمْيِيزَهُ مِنْ الْمَحْظُورِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إزَارَهَا ثُمَّ شَأْنَك بِأَعْلَاهَا» جَوَابٌ لِلسَّائِلِ وَنَصٌّ مِنْهُ لَهُ عَلَى الْمُبَاحِ بِأَنَّهُ مَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ وَلَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ تَحْتَ الْإِزَارِ فِي فَرْجٍ وَلَا غَيْرِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَصْبَغُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا تَحْتَ الْإِزَارِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ اعْتِزَالَهُنَّ بِالْوَطْءِ فَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَاسْتِدْلَالِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ إنَّمَا مُنِعَ لِمَوْضِعِ أَذَى الدَّمِ أَنْ يَنَالَ الرَّجُلَ أَوْ يُصِيبَهُ وَلَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ فِيمَا دُونَ الْإِزَارِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِيمَا فَوْقَ الْإِزَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْمَنُ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْوَطُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مُحْتَمَلٌ إذَا أُمِنَ الدَّمُ. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَثِمَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ عَلَيْهِ دِينَارٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لَا لِحُرْمَةِ عِبَادَةٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ كَفَّارَةٌ كَالزِّنَا. (ش) : قَوْلُهَا أَنَّهَا وَثَبَتْ وَثْبَةً شَدِيدَةً يُرِيدُ لِمَا رَأَتْهُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهَا وَقَوْلُهُ «لَعَلَّك نَفِسْت» يُرِيدُ لَعَلَّ الْمُوجِبَ لِوَثْبَتِك النِّفَاسُ وَهُوَ الْحَيْضُ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَعْلَمَهَا بِمَا يَجِبُ أَنْ تَمْتَثِلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ فَقَالَ «شُدِّي عَلَى نَفْسِك إزَارَك» يُرِيدُ أَنْ تَشُدَّ الْإِزَارِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِشَدِّهِ عَلَيْهَا مِنْهَا وَنَفْسُهَا حَقِيقَتُهَا فَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ شُدِّي الْإِزَارَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَمَا لَوْ قَالَ شُدِّي عَلَيْك إزَارَكِ لَفُهِمَ ذَلِكَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثُمَّ عُودِي إلَى مَضْجَعِك» دَلِيلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ إذَا ائْتَزَرَتْ وَمُضَاجَعَتِهَا لِأَنَّ الَّذِي حُظِرَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَأَمَّا الِالْتِذَاذُ بِهَا فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَلَا مَحْظُورٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَتْ لِتُشَدَّ إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إنْ شَاءَ) . (ش) : سُؤَالُ عَبْدِ اللَّهِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِمَوْضِعِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهَا عَرَفَتْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ مِرَارًا فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا تُرِيدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إنْ شَاءَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ بَعْدَ شَدِّ إزَارِهَا. (ش) : قَوْلُهُ هَلْ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ يُرِيدُ بِذَلِكَ إذَا رَأَتْ عَلَامَةَ وُجُوبِ الطُّهْرِ وَأَمَّا الطُّهْرُ فَلَيْسَ بِمَرْئِيٍّ وَإِنَّمَا تَرَى الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ أَوْ الْجُفُوفِ

[طهر الحائض]

طُهْرُ الْحَائِضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الطُّهْرَ وَلَا يَجِبُ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا بِذَلِكَ حَتَّى تَغْتَسِلَ سَوَاءً كَانَ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ لِأَقَلِّهِ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر الْإِمْسَاكُ عَنْهَا اسْتِحْسَانٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرِ أَمَدِ الْحَيْضِ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يُحْكَمَ بِطُهْرِهَا لِمَجِيءِ آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] وَالتَّطَهُّرُ إنَّمَا هُوَ الِاغْتِسَالُ لِأَنَّهُ تَفَعُّلٌ وَلَا يُقَالُ لِانْقِطَاعِ الدَّمِ تَطَهُّرٌ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَهُ طُهْرٌ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى يَطْهُرْنَ يَغْتَسِلْنَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَطَهَّرَتْ الْمَرْأَةُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ فِعْلِهَا كَمَا يُقَالُ تَطَهَّرَتْ الْأَرْضُ إذَا زَالَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَذَى وَالنَّجَاسَةِ وَيُقَالُ تَقَطَّعَ الْحَبْلُ وَتَكَسَّرَ الْكُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ انْقَطَعَ الْحَبْلُ وَانْكَسَرَ الْكُوزُ وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعْنَى تَطَهَّرْنَ تَطَهَّرْنَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ عَنْهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِنَّ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَرَّاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ قَالَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى يَطْهُرْنَ هُوَ الْغُسْلُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ تَطَهَّرْنَ هُوَ تَفَعَّلْنَ وَالتَّفَعُّلُ وُقُوعُ الْفِعْلِ مِمَّنْ يُضَافُ إلَيْهِ هَذَا مُقْتَضَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُمْ تَطَهَّرَتْ الْأَرْضُ وَتَكَسَّرَ الْكُوزُ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ وَالِاتِّسَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ طَهُرَتْ لِمَا يُقَالُ طَالَ الزَّرْعُ وَكَثُرَ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمَا وَلَكِنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِمَا مَجَازًا وَاتِّسَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ اللَّفْظُ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَمُقْتَضَاهُ إلَى مَجَازٍ لَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لَكُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فَمَدَحَ الْمُتَطَهِّرِينَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّطْهِيرُ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمَرْأَةِ وَلَا تُمْدَحُ بِهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا لَمْ تَجِدْ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُ حَيْضَتِهَا الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا بِطُهْرِ التَّيَمُّمِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّتْ بِالتَّيَمُّمِ جَازَ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْوَطْءَ يَتَقَدَّمُهُ مَعْنًى يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ وَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ فَلَمْ يَجُزْ بَعْدَهُ الْوَطْءُ كَمَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ. [طُهْرُ الْحَائِضِ] (ش) : قَوْلُهَا كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ تُرِيدُ لِعِلْمِهَا بِهَذَا الْأَمْرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَدُلُّ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَتُظْهِرُ إلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهُ مَا يَسْتَحْيِ مِنْهُ النِّسَاءُ فَاسْتَقَرَّ عِنْدَهَا مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى غَيْرِهَا فَكَانَ النِّسَاءُ يَرْجِعْنَ فِي عِلْمِ ذَلِكَ إلَيْهَا فَكُنَّ يَبْعَثْنَ إلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ وَهِيَ جَمْعُ دَرَجٍ فِيهِ الْكُرْسُفُ وَهُوَ الْقَطَنُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَا يُسْتَبْرَأُ بِهِ الرَّحِمُ وَالدَّمُ لِنَقَائِهِ وَبَيَاضِهِ وَتَجْفِيفِهِ الرُّطُوبَاتِ فَتَظْهَرُ فِيهِ آثَارُ الدَّمِ مَا لَا تَظْهَرُ فِي غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ فَإِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَسْأَلْنَ عَائِشَةَ إذَا رَأَيْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ ابْنَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ نِسَاءً كُنَّ يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إلَى الطُّهْرِ فَكَانَتْ تَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ وَتَقُولُ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَانَتْ عَائِشَةُ تَحْكُمُ بِأَنَّهَا حَيْضَةٌ وَتَقُولُ لَهُنَّ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ وَتَرَى أَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا رَأَيْنَ الصُّفْرَةَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا حَيْضٌ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْغُبْرَةَ وَالْكُدْرَةَ كُلَّهَا دِمَاءٌ يُحْكَمُ لَهَا بِحُكْمِ الدَّمِ وَذَلِكَ يُرَى فِي وَقْتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَبْلَ الطُّهْرِ. وَالثَّانِي: بَعْدَهُ فَأَمَّا مَا رَأَتْ مِنْهُ قَبْلَ الطُّهْرِ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ دَمُ حَيْضٍ سَوَاءٌ تَقَدَّمَهُ دَمٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ زَمَنَ الْحَيْضِ ابْتِدَاءً دُونَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَمٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا وَإِنْ رَأَتْهُ النُّفَسَاءُ كَانَ نِفَاسًا وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ كَانَ اسْتِحَاضَةً وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَمٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنْ رَأَتْهُ الْمُبْتَدَأَةُ أَوْ رَأَتْهُ الْمُعْتَادَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهِيَ مِنْ أَعْلَمْ النَّاسِ بِهَذَا الشَّأْنِ وَقَدْ شَاعَ ذَلِكَ مِنْ فَتْوَاهَا مَعَ تَكَرُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَلَا خَالَفَهَا فِيهِ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَوْ رُئِيَ بَعْدَ دَمِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ حَيْضًا فَإِذَا رُئِيَ مُبْتَدَأً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا كَالدَّمِ الْأَحْمَرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا رُئِيَ بَعْدَ الطُّهْرِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مِنْ قَطْرَةِ دَمٍ أَوْ غُسَالَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ غُسْلٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ وَهِيَ التِّرْيَةُ عِنْدَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا قَالَ الدَّاوُدِيُّ التِّرْيَةُ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ دُونَ الصُّفْرَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَدِّلِ فِي الْمَبْسُوطِ التِّرْيَةُ هِيَ الدَّفْعَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ لَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْحَيْضِ مَا يَكُونُ حَيْضَةً كَامِلَةً. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ لَا تَعْجَلْنَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ وَهِيَ عَلَامَةُ الطُّهْرِ وَالْمُعْتَادُ فِي الطُّهْرِ أَمْرَانِ: الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ شَبَهُ الْمَنِيِّ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ شَبَهُ الْبَوْل. وَالْأَمْرُ الثَّانِي الْجُفُوفُ وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ أَوْ الْخِرْقَةَ فِي قُبُلِهَا فَيَخْرُجَ ذَلِكَ جَافًّا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَعَادَةُ النِّسَاءِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ وَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْجَفَافَ فَمَنْ كَانَتْ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَرَأَتْهُ حُكِمَ بِطُهْرِهَا وَإِنْ رَأَتْ غَيْرَهُ هَلْ تَطْهُرُ بِذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ. وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا بِرُؤْيَةِ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ لَمْ تَطْهُرْ بِرُؤْيَةِ الْجُفُوفِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْجُفُوفُ أَبْلَغُ فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ طَهُرَتْ بِالْجُفُوفِ وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْجُفُوفَ لَمْ تَطْهُرْ بِالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ عَلَامَةٌ لِلطُّهْرِ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَهُ وَالْجُفُوفُ قَدْ يُوجَدُ فِي أَثْنَاءِ الدَّمِ كَثِيرًا فَكَانَتْ الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي لَا تُوجَدُ مَعَ الدَّمِ أَصْلًا أَبْلَغَ فِي الدَّلِيلِ عَلَى انْقِطَاعِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْقَصَّةَ مِنْ بَقَايَا مَاءٍ تُرْخِيهِ الرَّحِمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ، وَالْجُفُوفَ انْقِطَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَكَانَ أَبْلَغَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو جَعْفَرَ الدَّاوُدِيُّ النَّظَرُ أَنْ يَقَعَ الطُّهْرُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَتْ تِلْكَ عَادَتُهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَادَتَهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي الْمُعْتَادَةِ فَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ وَهَذَا مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نُزُوعٌ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. (ش) : وَقَوْلُهَا بَلَغَهَا أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ تُرِيدُ أَنَّهُنَّ كُنَّ

[جامع الحيضة]

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَائِضِ تَطْهُرُ فَلَا تَجِدُ مَاءً هَلْ تَتَيَمَّمُ قَالَ نَعَمْ لِتَتَيَمَّمْ فَإِنَّ مِثْلَهَا مِثْلُ الْجُنُبِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ) . جَامِعُ الْحَيْضَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْعَلْنَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ نَوْمِهِنَّ يَنَمْنَ ثُمَّ يَقُمْنَ فَيَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَعُدْنَ إلَى النَّوْمِ وَلَمْ يَكُنَّ يُرِدْنَ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَتْ تَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ لِتَكَلُّفِهِنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَلْزَمُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ النَّظَرُ إلَى الطُّهْرِ إذَا أَرَدْنَ النَّوْمَ وَإِذَا قُمْنَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ قُرْبَ الْفَجْرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ صَلَاةُ الْعِشَاءَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الصَّوْمُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَمِنْ الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَأَمَّا أَنْ يَقُمْنَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلنَّظَرِ إلَى الطُّهْرِ خَاصَّةً فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلَمْ يُكَلِّفْ النَّاسَ مَصَابِيحَ وَوَجْه ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِنَّ النَّظَرُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ إلَى الطُّهْرِ لَمَا جَازَ لَهُنَّ النَّوْمُ لِئَلَّا يَفُوتَهُنَّ النَّظَرُ بِالنَّوْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنَةِ زَيْدٍ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا تُرِيدُ أَنَّ هَذَا تَكَلُّفُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَتْهُ مِنْ النِّسَاءِ كُنَّ أَكْثَرَ اجْتِهَادًا وَأَفْضَلَ عِلْمًا وَلَمْ يَكُنَّ يَصْنَعْنَ ذَلِكَ لِسَبَبِ الْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الطُّهْرِ بِسَبَبِهِمَا قَدْ انْقَضَى عِنْدَ النَّوْمِ أَوْ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرَ الدِّمْيَاطِيِّ فِي آخِرِ وَقْتِهِمَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْحَيْضَ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهِ حَدَثٌ يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِالْغُسْلِ كَالْجَنَابَةِ وَالْجُنُبُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوَانِعِ الْجَنَابَةِ فَكَذَلِكَ الْحَائِضُ إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ تَتَيَمَّمُ وَتَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ مَوَانِعَ الْحَيْضِ غَيْرَ الْوَطْءِ كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. [جَامِعُ الْحَيْضَةِ] (ش) : قَوْلُهَا فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ تُرِيدُ أَنَّ دَمَهَا دَمُ حَيْضٍ يُحْكَمُ لَهُ بِإِسْقَاطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمَنْعِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَانِعِ الْحَيْضِ كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَأَتْهُ الْحَامِلُ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَلَيْسَ بِدَمِ حَيْضٍ فَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ وَلَا الصَّوْمَ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ مَوَانِعِ الْحَيْضِ وَقَالَ لَوْ أَخَذَتْ فِي هَذَا بِالْأَحْوَطِ فَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَقْضِي الصَّوْمَ لَكَانَ أَحْوَطَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا دَمٌ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ خَارِجٌ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا كَدَمِ الْحَائِلِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ فَقَالَ تَكُفُّ عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْحَيْضَ وَأَنَّ الدَّمَ مَتَى وُجِدَ مِنْ الْحَامِلِ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَامْتَنَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَوَانِعِ الْحَيْضِ وَنَصَّ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا آكَدُ الْعِبَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا شَأْنًا وَإِذَا كَانَ الدَّمُ يَمْنَعُهَا وَيُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهَا فَبِأَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - وَدَمُ الْحَيْضِ يَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: رَفْعُ حَدَثِهِ. وَالثَّانِي: صِحَّةُ الصَّلَاةِ. وَالثَّالِثُ: صِحَّةُ الصَّوْمِ. وَالرَّابِعُ: مَسُّ الْمُصْحَفِ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِلْحَائِضِ أَنْ تُمْسِكَ اللَّوْحَ تَقْرَأُ فِيهِ وَتَكْتُبُ الْقُرْآنَ عَلَى وَجْهِ التَّعَلُّمِ وَمَا كُتِبَ فِي الرِّقَاعِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِ التَّعَوُّذِ فَيُعَلَّقُ عَلَى الْحَائِضِ وَالصَّبِيِّ وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا حُرِزَ أَوْ جُعِلَ فِي شَيْءٍ يُكِنُّهُ. وَالْخَامِسُ: الْجِمَاعُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَالسَّادِسُ: دُخُولُ الْمَسْجِدِ. وَالسَّابِعُ: الطَّوَافُ. وَالثَّامِنُ: الِاعْتِكَافُ. وَالتَّاسِعُ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْحَائِضِ. وَفِي مَنْعِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ. وَالثَّانِيَةُ: الْإِبَاحَةُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ كُنْت أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا حَائِضٌ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ «سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ أَرَأَيْت إحْدَانَا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ تِسْعَةَ أَشْيَاءَ فَلَمْ يَذْكُرْ الِاعْتِكَافَ وَلَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَزَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَنْعَهُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الصَّوْمِ يَمْنَعُ فِعْلَهُ وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا لَمْ يَصِحَّ انْتَفَى وُجُوبُهُ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ لَا يَصِحُّ فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَهُ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ لَا يَصِحُّ فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ وَلَا يَصِحُّ فِعْلُهَا. وَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَا يَجِبُ لِوَجْهٍ وَلَوْ وَجَبَ لَأَثِمَتْ الْحَائِضُ بِتَأْخِيرِهِ وَلَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا فِعْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامٌ آخَرُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا يُقَالُ أَنَّ مَا تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ مِنْ الصَّوْمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ الْحَيْضِ قَضَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ. (ش) : تَرْجِيلُهَا لِرَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ وَفِي هَذَا زِيَادَةُ جَوَازِ مُبَاشَرَتِهَا لِغَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ وَتَصَرُّفِهَا كَتَصَرُّفِ الطَّاهِرِ فِي جَمِيعِ حَوَائِجِ الرِّجَالِ وَقَدْ كَانَتْ الْيَهُودُ إذَا حَاضَتْ مِنْهُمْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ فَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ تَتَصَرَّفْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَبَاحَ مُبَاشَرَتَهَا لِأَنَّ الْحَائِضَ لَيْسَتْ بِنَجَسٍ وَإِنَّمَا النَّجَاسَةُ فِي الدَّمِ وَأَمَّا الْحَدَثُ فَلَيْسَ بِنَجَاسَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ إنِّي حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك» وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ نَجَاسَةَ الْحَيْضِ لَيْسَتْ فِي يَدِهَا فَتَنْجَسُ الْخُمْرَةُ بِذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اسْتِنَادُ الْمُصَلِّي إلَى الْحَائِضِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَرِيضِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُسْتَنِدًا وَلَا يَسْتَنِدُ إلَى حَائِضٍ وَلَا إلَى جُنُبٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْتَنِدُ إنْ شَاءَ إلَى حَائِضٍ وَإِلَى جُنُبٍ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ لَمَّا مَنَعَ الْحَائِضَ الصَّلَاةَ مَنَعَ غَيْرَهَا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهَا كَالنَّجَاسَةِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ مَا رَوَى مَنْصُورُ بْنُ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَدَثٌ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ صَلَاةِ مَنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ مِنْ قَوْلِهِمَا وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ لِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ أَوْ الْجَسَدِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ ثَوْبَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لَا يَسْلَمُ مِنْ نَجَاسَةٍ وَأَنَّ أَشْهَبَ إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ إذَا تَيَقَّنَ سَلَامَةَ ثِيَابِهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (ش) : سُؤَالُ الْمَرْأَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَمَّا يَلْزَمُ مَنْ أَصَابَهَا ذَلِكَ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ لُبْسِ الثَّوْبِ أَوْ قَطْعِ مَوْضِعِ الدَّمِ لِشَنَاعَةِ نَجَاسَتِهِ فِي نَفْسِهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْأَلَ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي غُسْلِهِ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَقْرُصَهُ «رَوَاهُ يَحْيَى فَلْتُقْرِضْهُ» بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ بُكَيْر وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ «وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ فَلْتُقَرِّصْهُ» بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَوْضِعِ الدَّمِ بِأُصْبُعِهَا وَتَغْمِزَهُ لِلْغُسْلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْغُسْلُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِ الْمَاءِ مَعَ الْقَرْصِ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ إنَّمَا تَتِمُّ ثُمَّ يَكُونُ النَّضْحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِسَائِرِ

[المستحاضة]

الْمُسْتَحَاضَة (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَلِكَ عَرَقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْك وَصَلِّي» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّوْبِ لِمَا لَمْ يُتَيَقَّنْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ كَانَتْ إحْدَانَا تَحِيضُ وَلَمْ تَقْرُصْ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ فَأَخْبَرَتْ أَنَّ النَّضْحَ كَانَ عَلَى سَائِرِ الثَّوْبِ وَأَنَّ الْقَرْضَ وَالْغَسْلَ كَانَ لِمَوْضِعِ الدَّمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْرِيصُ مَعَهُ نَضْحُ الْمَاءِ فَيَكُونَانِ غَسْلًا لِلدَّمِ وَتَكُونُ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] وَمَعْنَاهُ وَاهْتَدَى إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ لِأَنَّ ثُمَّ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَالْمُهْلَةَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَمَالُ طَهَارَتِهِ لِأَنَّهَا لَا تُصَلِّي فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تُتِمَّ طَهَارَتَهُ. [الْمُسْتَحَاضَة] (ش) : قَوْلُهُ «إنِّي لَا أَطْهُرُ تُرِيدُ» لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا الدَّمُ فَهَلْ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَبَدًا مَا دَامَتْ تَرَى الدَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا ذَلِكَ عَرَقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ» يُرِيدُ أَنَّ الدَّمَ إذَا تَمَادَى بِهَا عُلِمَ أَنَّهُ عَرَقٌ لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضَةِ يَنْقَطِعُ وَيَأْتِي بَعْدَهُ الطُّهْرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْفَرِيرِيّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى إقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَإِدْبَارِهَا فِي الَّتِي تَنْقَطِعُ حَيْضَتُهَا وَتَخْتَلِطُ بِأَيَّامِ الطُّهْرِ فَأُمِرَتْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَهُوَ إقْبَالُ الْحَيْضَةِ وَأُمِرَتْ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَهُوَ إدْبَارُ الْحَيْضَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْحَدِيثُ عِنْدِي يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ لِدَمِ الْحَيْضِ بِاللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَتْ دَمُ الْحَيْضَةِ فَهُوَ دَمٌ أَسْوَدُ مُعَرَّقٌ» وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِلتَّأْوِيلِ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَإِنَّهَا تُصَلِّي أَبَدًا وَتَصُومُ حَتَّى تَرَى دَمًا لَا تَشُكُّ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ وَيَمْضِي لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ مِقْدَارُ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَتُمْسِكُ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَتَكُونُ حَائِضًا فَإِنْ رَأَتْ دَمَ حَيْضٍ لَا تَشُكُّ فِيهِ وَلَمْ يَمْضِ لَهَا مِقْدَارُ أَقَلِّ الطُّهْرِ أَوْ مَضَى لَهَا مِقْدَارُ طُهْرٍ وَلَمْ تَرَ التَّغْيِيرَ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَيْضِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ حَائِضًا وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا زَوْجُهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَقْدِيرُ الْحَدِيثِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ بِأَنْ تَرَى الدَّمَ الْمُتَغَيِّرَ وَقَدْ مَضَى الطُّهْرُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَرَى غَيْرَ دَمِ الْحَيْضِ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي فَيَكُونُ هَذَا فِعْلَهَا أَبَدًا مُسْتَمِرًّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ التَّمْيِيزِ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَمَدِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَإِذَا انْقَضَى اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَيَكُونُ إقْبَالُ الْحَيْضَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ وَإِدْبَارُهَا عِنْدَ التَّقْدِيرِ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ لِمَنْ يُصِيبُهَا بَعْدَ هَذَا مَا قَدْ أَصَابَ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ وَهَذَا إذَا حَمَلْنَا قَوْلَهَا إنِّي لَا أَطْهُرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ الدَّمَ يَتَّصِلُ وَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَكَادُ يَنْقَطِعُ فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْبَالُ الْحَيْضِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ ثُمَّ إدْبَارُهَا إذَا انْقَضَى مِقْدَارُ دَمِ الْحَيْضِ ثُمَّ إقْبَالُهَا إذَا رَأَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَهَكَذَا أَبَدًا فَيَكُونُ ذَلِكَ جَوَابَ فَاطِمَةِ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فِيمَا سَأَلَتْهُ عَنْهَا وَمَا تَمْتَثِلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : عَنْ مَالِكٍ فِي مِقْدَارِ أَقَلِّ الطُّهْرِ رِوَايَتَانِ: رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ وَأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ اُحْتِيجَ إلَى تَحْدِيدِهِ وَلَمْ يَرِدْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَالْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ وَاخْتُلِفَ فِي التَّقْدِيرِ فَرَوَى فِي الْمَبْسُوطِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنِ مَسْلَمَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَجْهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ الْيَائِسَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَأَعْلَمَنَا بِذَلِكَ أَنَّ بَدَلَ كُلِّ قُرْءٍ شَهْرٌ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ الشَّهْرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ أَوْ مَقَامَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِ الطُّهْرِ أَوْ مَقَامَ أَكْثَرِهِمَا أَوْ مَقَامَ أَقَلِّهِمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ مَقَامَ أَقَلِّهِمَا لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ الَّذِي يَقَعُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةُ أَيَّامٍ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا دُونَ مُدَّةِ الشَّهْرِ بِكَثِيرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ مَقَامَ أَكْثَرِهِمَا وَلَا مَقَامَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِ الطُّهْرِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُقَامَ مَقَامَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ الْحَيْضَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ الطُّهْرِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا يُرِيدُ قَدْرَ الْحَيْضَةِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ قَدْرُ الْحَيْضَةِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ إنْ كَانَ فِي الشَّرْعِ تَقْدِيرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْرَهُ عَلَى مَا تَرَاهُ الْحَائِضُ الْمُكَلَّفَةُ لِذَلِكَ وَتُقَدِّرُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى اجْتِهَادِهَا أَوْ لِاجْتِهَادِ مَنْ يُقَدِّرُ ذَلِكَ لَهَا مِمَّنْ يَلْزَمُ الْحَائِضَ تَقْلِيدُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَدْرِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَادَتِهَا فِي حَيْضِهَا وَفِي هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: مَعْرِفَةُ أَقَلِّ الْحَيْضِ. وَالثَّانِيَةُ: أَكْثَرِهِ. وَالثَّالِثَةُ: مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ حَيْضِ الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ اتَّصَلَتْ أَيَّامُ الدَّمِ أَوْ تَخَلَّلَهَا طُهْرٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ لَهُ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ عَلَى أَصْلِهِ فَأَمَّا فِي مَوَاضِعِ الْحَيْضِ فَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَأَمَّا فِي الِاعْتِدَادِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَلِأَقَلِّهِ حَدٌّ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الدَّفْعَةَ مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ بِحَيْضَةٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّتِي تَرَى الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَسْأَلْنَ عَنْهُ النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ اسْتَبْرَأَتْ بِهِ الْأَمَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَقَعُ الِاسْتِبْرَاءُ وَالِاعْتِدَادُ بِأَقَلِّ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْهُ بِلَيَالِيِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الدَّمُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَلَنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: اقْتِصَارُهُ فِي إجَابَتِهِمْ عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنْ الْمَحِيضِ بِأَنَّهُ أَذًى وَتَفْسِيرُهُ لَهُمْ الْمَحِيضَ بِالْأَذَى وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ أَذًى مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَمَّا كَانَ فِي جَوَابِهِ تَفْسِيرٌ وَلَا إعْلَامَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ. وَالدَّلِيلُ الثَّانِي: أَمْرُهُ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِيَصِحَّ اعْتِزَالُهُنَّ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَكَانَ قَدْ عَلَّقَ الْأَمْرَ بِمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ. وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ «فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» وَلَنَا فِي هَذَا دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَمَرَهَا بِأَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عِنْدَ إقْبَالِ أَمْرٍ يُسَمَّى بِإِقْبَالِهِ حَيْضًا وَعِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَالدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَهَا بِأَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عِنْدَ إقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَرْكَ الصَّلَاةِ بِأَقَلِّ الدَّمِ وَأَنَّهُ حَيْضٌ بِإِقْبَالِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمَا جَازَ تَرْكُ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِ تَرْكِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ مَا تَرَى مِنْ الدَّمِ ثَبَتَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا دَمٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ كَدَمِ النِّفَاسِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَدَلِيلُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَذَلِكَ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى كُلِّ أَذًى مِنْ جِنْسِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ أَبْقَتْ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَقْتًا فِي الشَّهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا كَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ مِقْدَارُ مُكْثِ الْحَائِضِ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّ الْحَائِضَ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَائِلٌ وَحَامِلٌ فَأَمَّا الْحَائِلُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ مُبْتَدَأَةٌ وَمُعْتَادَةٌ فَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَهِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ أَوَّلَ بُلُوغِهَا فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَعَنْ مَالِكٍ فِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهَا تَقْعُدُ أَيَّامَ لَدَّاتِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ تَقْعُدُ أَيَّامَ لَدَّاتِهَا تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرُ الْمَدَنِيِّينَ تَقْعُدُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَقْعُدُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثُمَّ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَهُوَ نَحْوُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقِيمُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَلَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ الْحَيْضُ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتُعِيدُ صَلَاةَ سَائِرِ الْمُدَّةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَعُدُّ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَتُعِيدُ صَلَاةَ سَائِرِ الْمُدَّةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا وَجُهِلَ أَمْرُهَا وَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِأَحْوَالِ لَدَّاتِهَا إذْ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الِاسْتِظْهَارِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ مِنْ الْجَسَدِ أُرِيدَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَصْلُ ذَلِكَ لَبَنُ الْمُصَرَّاةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ حَيْضٍ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا كَأَيَّامِ لَدَّاتِهَا وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ لَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهَا حَيْضًا لَمَا جَازَ أَنْ تُمْنَع فِيهَا الصَّلَاةُ فَلَمَّا مُنِعَتْ فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ تَجِبُ عَلَيْهَا إعَادَتُهَا وَقَدْ كَانَ الْأَصَحُّ إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ أَمْرُهَا أَنْ تُؤْمَرَ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَصِحُّ مِنْهَا وَتَجِبُ عَلَيْهَا فَقَدْ أَدَّتْهَا وَأَخَذَتْ بِالْأَحْوَطِ فِي أَمْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ مِنْهَا وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا فَقَدْ فَعَلَتْهَا اسْتِظْهَارًا فَأَمَّا أَنْ تُمْنَعَ مِنْهَا فِي وَقْتِهَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا وَتُمْنَعَ مِنْ أَدَائِهَا وَتُؤْمَرَ بِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَغَيْرِ الْحَائِضِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الَّتِي تَرَى الدَّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَادَتُهَا ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ أَنَّهَا تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَصُومُ وَتُصَلِّي اسْتِظْهَارًا إلَى انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الصَّوْمِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهَا الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فَقَدْ أَدَّتْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهَا فَهِيَ تَقْضِي الصَّوْمَ وَتَسْلَمُ مِنْ تَضْيِيعِ عِبَادَةٍ فِي وَقْتِهَا وَتَرْكِهَا حِينَ وُجُوبِهِ وَهَذَا وَجْهُ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا شَكَّ فِيهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ أَيَّامِ عَادَتِهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا تُقِيمُ أَيَّامَ عَادَتِهَا ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُقِيمُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً عَلَى مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا عِنْدَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُلِمَ أَنَّهَا قَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَكَانَتْ الْمُدَّةُ كُلُّهَا حَيْضًا وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُلِمَ أَنَّهَا قَدْ انْتَقَلَتْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَاعْتَدَّتْ بِحَيْضِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَادَتِهَا وَتَقْضِي الصَّوْمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَمُطَّرِفٌ تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَذَلِكَ أَكْثَرُ حَيْضِهَا وَإِنْ زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَيْضَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِتَنْظُرْ إلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ فَإِذَا خَافَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَجْلِسُ أَيَّامَ عَادَتِهَا ثُمَّ تَسْتَظْهِرُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تَجْلِسُ أَيَّامَ عَادَتِهَا دُونَ اسْتِظْهَارٍ وَقَالَ مُطَّرِفٌ تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَبَدًا ثُمَّ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحَامِلُ فَاخْتُلِفَ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ حَيْضِهَا فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ وَقَالَ لَا أَنْظُرُ إلَى أَوَّلِ الْحَمْلِ وَلَا إلَى آخِرِهِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَمْلِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ تُضَعِّفُ الْحَامِلُ أَيَّامَ عَادَتِهَا فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ حَيْضَتُهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَمْلِ أَيَّامَ عَادَتِهَا وَتَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثٍ وَفِي الثَّانِي تُضَعِّفُ أَيَّامَ عَادَتِهَا دُونَ اسْتِظْهَارِ وَالثَّالِثُ تُضَعِّفُ أَيَّامَ عَادَتِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالرَّابِعَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ يَوْمًا وَهِيَ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَسْلَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْغُسْلِ مِنْ الْمَحِيضِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ عِلْمُهُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ يُقَالُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَوْلُهُ كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ كَثْرَةِ الدَّمِ بِهَا كَأَنَّهَا تُهْرِيقُهُ فَاسْتَفْتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ لَهَا لِاسْتِحْيَائِهَا مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ وَكَانَ فِي ذِكْرِهِ عَوْرَةٌ فَسَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ تَسْأَلَ لَهَا عَنْ حُكْمِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَحِلُّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحَلًّا يُزِيلُ الْخَجَلَ فِي سُؤَالِهَا إيَّاهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفَ الْمَرْأَةَ بِاسْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ إشَارَةٍ إلَيْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَفْسِرْ حَالَهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ حَالِ صِغَرٍ وَحَالِ حَيْضٍ وَحَالِ يَأْسٍ فَأَمَّا حَالُ الصِّغَرِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِمَا رُئِيَ فِيهِ مِنْ الدَّمِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا هُوَ دَمُ جُرْحٍ فَاسِدٌ وَأَمَّا حَالُ الْحَيْضِ فَهُوَ الَّذِي أَجَابَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا فِيهِ وَأَمَّا حَالُ الْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ فَهُوَ فِي سِنِّ الشَّيْخِ وَالْهَرَمِ وَمَا رُئِيَ مِنْ الدَّمِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْحَيْضِ أَمْ لَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ اعْتِدَادٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . (فَرْعٌ) وَهَلْ تَتْرُكُ الْيَائِسَةُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فِي النَّوَادِرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا دَمٌ كَثِيرٌ وُجِدَ بِكَثْرَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَغَيْرِ الْيَائِسَةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ دَمُ مَنْ لَا يَحْمِلُ مِثْلُهَا فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ كَدَمِ الصَّغِيرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ كَالْحَائِضِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا دَمٌ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يُوجِبْ الْغُسْلَ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ. (فَرْعٌ) وَالسِّنُّ الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ بِالْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ خَمْسُونَ عَامًا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ بِنْتُ خَمْسِينَ عَجُوزٌ فِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَابِرِينَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَلَّ امْرَأَةٌ تُجَاوِزُ الْخَمْسِينَ فَتَحِيضُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قُرَشِيَّةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِتَنْظُرْ إلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَهَا» تَعْلِيقُهُ ذَلِكَ بِالشَّهْرِ لِمَا فِي عَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ أَنَّهُنَّ يَحِضْنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلِذَلِكَ أُقِيمَتْ حَيْضَةٌ وَطُهْرُهَا مَقَامَ شَهْرٍ وَقَصْرُ حَيْضِهَا عَلَى أَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ حَيْضَتَهَا وَأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَلِذَلِكَ قَصَرَهَا عَلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَيْضَتَهَا لِجَوَازِ أَنْ تَخْتَلِفَ عَادَتُهَا فَيَكُونَ الْجَوَابُ غَيْرَ مُسْتَوْفٍ فِي حَقِّهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ حَيْضِهَا فَأَجَابَهَا بِجَوَابٍ يَقْتَضِي حُكْمَ كُلِّ حَائِضٍ مُعْتَادَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا أَحَالَهَا مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهَا مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَعَلِمَ أَنَّهَا عَادَةُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ فَغَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ قَدْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَقَدْ أَمَرَهُنَّ بِاعْتِبَارِ قَدْرٍ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ عَلَى حَسَبِ عَادَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِ الْحَائِضِ إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ حَيْضَتُهَا عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ عَادَتِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ تَنْتَقِلُ إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَهَا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ حَالِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْتَتْرُكْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ» يَقْتَضِي مَنْعَ الْحَيْضِ لِلصَّلَاةِ وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ بِالشَّهْرِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيْضَ يَتَكَرَّرُ غَالِبًا وَأَنَّ لِلْحَيْضِ قَدْرًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لَا يَخْتَلِفُ أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ أَكْثَرِهِ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْحَيْضِ الْمَانِعِ مُدَّةَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِكُلِّ امْرَأَةٍ قَدْرُ عَادَتِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تَزِيدُ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْمَحِيضِ إلَى حُكْمِ الِاسْتِحَاضَةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِعَادَةٍ. (ش) : قَوْلُهَا أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا وَهْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُخْتُهَا حِصَنَةٌ كَانَتْ تَحْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُخْتُهَا أُمُّ حَبِيبَةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاسْمُهَا حَبِيبَةُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَتْ ابْنَةُ جَحْشٍ فَلَمْ يُسَمِّهَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فَهُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي يَحْتَمِلُ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ مَتَى اُسْتُحِيضَتْ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَتَتَمَادَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ مَتَى انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ مَرَّةً تَغْتَسِلُ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ لِلصَّلَاةِ إذَا أَرَادَتْهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَقَالَ تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) . (ش) : قَوْلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ يَقْتَضِي صِفَةَ غُسْلِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ السُّؤَالُ عَنْ وَقْتِ اغْتِسَالِهَا وَلِذَلِكَ جَاوَبَهُ سَعِيدٌ بِوَقْتِ الْغُسْلِ دُونَ صِفَتِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ قَالَ مَالِكٌ إنِّي لَأَظُنُّ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إذَا صَلَّتْ آنَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ إذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءُ الدَّمَ فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ظُهْرٍ إلَى ظُهْرٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ فَقَلَبَهَا النَّاسُ فَقَالُوا مِنْ ظُهْرٍ إلَى ظُهْرٍ. وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هُودُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَا إنَّمَا هُوَ مِنْ طُهْرٍ إلَى طُهْرٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِوَقْتِ الظُّهْرِ مَعْنًى يَقْتَضِي اغْتِسَالَهَا فَرَأَى أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ صُحِّفَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَصْلُهُ مَا ذَكَرَهُ وَذَلِكَ لِمَنْ تُمَيِّزُ الدَّمَ فَتَغْتَسِلُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ الْأَسْوَدُ أَوْ حُكِمَ بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ لِتَمَادِيهِ فَالِاغْتِسَالُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَقَدْ بَيَّنَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ مِنْ ظُهْرٍ إلَى ظُهْرٍ فَقَالَ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ حَافِظٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ شَرَعَ لَهَا الْغُسْلَ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَجْدِيدًا لِلنَّظَافَةِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ أَحَقُّ بِالْغُسْلِ لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْحَرِّ وَكَثْرَةِ الْعَرَقِ وَظُهُورِ الرَّائِحَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى إزَالَتِهَا وَخِفَّةِ الْغُسْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ دُونَ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا ذَلِكَ عَرَقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ» وَهَذَا يَنْفِي وُجُوبَ الْغُسْلِ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ غُسْلٌ فَهَلْ يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُ مَا يَكُونُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهَذَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضٍ وَمِنْهُ مَا يَتَكَرَّرُ بِالسَّاعَاتِ فَيُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَلَا يَجِبُ وَدَلِيلُنَا عَلَى نَفْيِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ دَمٌ لَا يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْوُضُوءُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا غُسْلٌ وَاحِدً عِنْدَ انْقِضَاءِ حَيْضَتِهَا وَابْتِدَاءِ اسْتِحَاضَتِهَا لِتُزِيلَ بِذَلِكَ حَدَثَ الْحَيْضِ وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ حَدَثٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِحَدَثٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَوَانِعَ الْحَيْضِ هِيَ الصَّلَاةُ وَالْوَطْءُ فَإِذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَجَبَتْ إبَاحَةُ الْوَطْءِ وَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ الطُّهْرُ فَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ الِاسْتِحَاضَةُ وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ لَا يُصِيبُ الْمُسْتَحَاضَةَ زَوْجُهَا. 1 - (فَصْلٌ) : حُكْمُ النُّفَسَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْحَائِضِ إذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النُّفَسَاءَ دَمُ النِّفَاسِ وَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ اغْتَسَلَتْ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَاخْتَلَفَتْ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ النِّفَاسُ فَقَالَ مَرَّةً لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى النِّسَاءِ وَمَعْرِفَتِهِنَّ. وَقَالَ مَرَّةً أَقْصَى ذَلِكَ سِتُّونَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ سِتُّونَ أَوْ سَبْعُونَ يَوْمًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَعْرُوفِ وَالْعَادَةِ وَقَدْ وُجِدَ النِّفَاسُ سِتِّينَ يَوْمًا عَادَةً مُسْتَمِرَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ طَرِيقُهُ الْعَادَةُ وَقَدْ وُجِدَ مُعْتَادًا بِأَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَدَّ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا لَمْ يُحَدَّ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمَّا وُجِدَ مُعْتَادًا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الْمِقْدَارِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ

[ما جاء في بول الصبي]

مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إيَّاهُ» ) . مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا وَغَيْرِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ فَكَشَفَ عَنْ فَرْجِهِ لِيَبُولَ فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى عَلَا الصَّوْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُتْرُكُوهُ فَتَرَكُوهُ فَبَالَ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ إلَّا غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. [مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ] (ش) : قَوْلُهَا أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَأْتُونَ بِصِبْيَانِهِمْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَدْعُوَ لَهُمْ وَيُحَنِّكَهُمْ وَيُسَمِّيَهُمْ تَبَرُّكًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إيَّاهُ يُرِيدُ أَتْبَعَ الْمَاءَ بَوْلَ الصَّبِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمَا وَجَبَ إتْبَاعُهُ بِالْمَاءِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْجَارِيَةِ سَوَاءً أَكَلَا الطَّعَامَ أَوْ لَمْ يَأْكُلَاهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ لِنَجَاسَتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ بِالْمُخْتَصَرِ لَا يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَلَا الْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَا الطَّعَامَ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَوْلُ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْهُ أَصْلُ ذَلِكَ بَوْلُ مَنْ أَكَلَ الطَّعَامَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مُحْصِنٍ «أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ يُرِيدُ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَأْتُونَ بِمَنْ وُلِدَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ يُحَنِّكُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ لَمْ يَقْبَلْ غِذَاءً مِنْ رَضَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَقَوَّتُ بِالطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَأْتُونَ بِأَبْنَائِهِمْ لِيَدْعُوَ لَهُمْ لَا سِيَّمَا عِنْدَ شَيْءٍ يَجِدُهُ أَحَدُهُمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شِبْهِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ يُرِيدُ وَضْعَهُ فِيهِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ إجْلَاسًا وَإِنْ كَانَ الطِّفْلُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لَا يَجْلِسُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى التَّأْوِيلِ خَالِصًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْإِجْلَاسَ الْمُعْتَادَ وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ جُلُوسُهُ وَقَوْلُهُ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ إلَى قَوْلِهِ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ يُرِيدُ أَنَّهُ صَبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا غَمَرَهُ وَأَذْهَبَ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ وَرِيحَهُ فَطَهُرَ بِذَلِكَ الثَّوْبُ وَهَذِهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ يَفْتَقِرُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ إلَى إمْرَارِ الْيَدِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إزَالَةُ الْعَيْنِ وَالْحُكْمُ لَمْ يَأْتِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

[ما جاء في البول قائما وغيره]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَبُولُ قَائِمًا) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ هَلْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ فَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ مَضَى كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَنَا أُحِبُّ غَسْلَ الْفَرْجِ مِنْ الْبَوْلِ) . مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي جُمُعَةٍ مِنْ الْجُمَعِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا فَاغْتَسِلُوا وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ وعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا وَغَيْرِهِ] (ش) : قَوْلُهُ دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ لِيَبُولَ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ دَخَلَ وَصَلَّى فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ الْمَسَاجِدَ وَلَا عَرَفَ مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ الْإِكْرَامِ وَالتَّنْزِيهِ وَصَاحَ النَّاسُ إنْكَارًا لِفِعْلِهِ وَمُبَادَرَةً إلَى مَنْعِهِ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُتْرُكُوهُ رِفْقًا بِهِ وَلُطْفًا فِي تَعْلِيمِهِ وَهَذِهِ سُنَّةٌ مِنْ الرِّفْقِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ الِاسْتِهَانَةُ بِهِ فَيُعَلَّمُ أُصُولَ الشَّرَائِعِ وَيُعْذَرُ فِي غَيْرِهَا حَتَّى تَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُمْ إنْ أُخِذُوا بِالتَّشْدِيدِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ خِيفَ عَلَيْهِمْ أَنْ تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ وَتَبْغَضَ الْإِسْلَامَ فَيَئُولَ ذَلِكَ إلَى الِارْتِدَادِ وَالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ الذَّنُوبُ الدَّلْوُ فَصُبَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَاءَ إذَا صُبَّ عَلَى الْبَوْلِ فَغَمَرَهُ وَأَذْهَبَ عَيْنَهُ وَصِفَاتِهِ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْمَغْسُولِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ قَلِيلَ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَهَذَا مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَرْفَعُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ تَطْهِيرُهَا وَقَدْ حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِّ دَلْوٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى مَا نَجُسَ مِنْهُ بِالْبَوْلِ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَطْهِيرُهُ لِلْمُصَلِّينَ فِيهِ. (ش) : الْبَوْلُ عَلَى قَدْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبَالُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَوْضِعًا طَاهِرًا دَمِثًا لَيِّنًا يُؤْمَنُ فِيهِ تَطَايُرُ الْبَوْلِ عَلَى الْبَائِلِ جَازَ أَنْ يُبَالَ فِيهِ قَائِمًا لِأَنَّ الْبَائِلَ حِينَئِذٍ يَأْمَنُ تَطَايُرَ الْبَوْلِ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبُولَ قَاعِدًا لِأَنَّهُ يَأْمَنُ عَلَى ثَوْبِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ وَالْبَوْلُ قَاعِدًا أَفْضَلُ وَأَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْبَائِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مَوْضِعًا ظَاهِرًا جَلَدًا يُخَافُ أَنْ يَتَطَايَرَ مِنْهُ الْبَوْلُ إذَا بَالَ قَائِمًا فَحُكْمُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ يَبُولَ الْبَائِلُ فِيهِ جَالِسًا لِأَنَّ طَهَارَتَهُ تُبِيحُ لَهُ الْجُلُوسَ وَصَلَابَةُ الْأَرْضِ تَمْنَعُ الْوُقُوفَ لِئَلَّا يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْعِ الْبَوْلِ مَا يُنَجِّسُ ثِيَابَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ دَمِثًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَذِرٌ بَالَ قَائِمًا وَلَمْ يَبُلْ جَالِسًا لِأَنَّ جُلُوسَهُ يُفْسِدُ ثَوْبَهُ وَهُوَ يَأْمَنُ تَطَايُرَ الْبَوْلِ إذَا وَقَفَ. وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ صُلْبًا نَجِسًا لَمْ يَبُلْ فِيهِ قَائِمًا وَبَالَ قَاعِدًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ وَأَنَّهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ هَلْ فِيهِ أَثَرٌ فَأَجَابَ عَنْهُ وَخَصَّ مَالِكٌ غَسْلَ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْبَوْلَ مَائِعٌ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ الِانْتِشَارِ فَلِذَلِكَ رَأَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ أَخْبَرَ بِأَنَّ عِنْدَهُ أَثَرٌ فِي غَسْلِ الْفَرْجِ مِنْ الْغَائِطِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِبُّ غَسْلَ الْفَرْجِ مِنْ الْبَوْلِ فَبَيَّنَ مَا عِنْدَهُ فِيهِ أَثَرٌ وَمَيَّزَهُ مِمَّا يَذْهَبُ إلَيْهِ لِنَوْعٍ مِنْ النَّظَرِ. [مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ] (ش) : قَوْلُهُ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شُرِعَ فِيهِ الْغُسْل لِأَنَّهُ عِيدٌ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ فِي الْحُكْمِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَادَ مَشْرُوعٌ فِيهَا التَّجَمُّلُ

[ما جاء في النداء للصلاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ) . مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ يُضْرَبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ مِنْ الْخَزْرَجِ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُبَاهَاةُ وَالنَّظَافَةُ مِنْ أَفْضَلِ التَّجَمُّلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى النَّدْبِ إلَيْهِ وَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا لَازِمٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ وَقَدْ يَشُقُّ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُهُ أَوْ مَنْ يَتَكَلَّفُ تَحْصِيلَهُ بِمُؤْنَةٍ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ فِي الْغَالِبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» أَمَرَ بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ السِّوَاكُ وَاجِبٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَنْظِيفٌ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَغَسْلِ الْفَمِ مِنْ الذَّفَرِ وَالْغَمَرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ) ش قَوْلُهُ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ إشْفَاقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ وَرِفْقِهِ بِهِمْ وَحِرْصِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَالْمُرَاعَاةِ لِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هَاهُنَا الْوُجُوبُ وَاللُّزُومُ دُونَ النَّدْبِ فَقَدْ نَدَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السِّوَاكِ وَلَيْسَ فِي النَّدْبِ إلَيْهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ إعْلَامٌ بِفَضِيلَتِهِ وَاسْتِدْعَاءٌ لِفَضْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ امْتِنَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَمْرِ لَهُمْ لِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ أَيْ لَوْلَا الْمَشَقَّةُ لَأَمَرَهُمْ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآمِرُ بِالْأَحْكَامِ وَإِيجَابِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَى اجْتِهَادِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ الْإِشْفَاقُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ كَانَ الْبَارِي تَعَالَى قَدْ أَمَرَهُ بِهِ وَأَوْجَبَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَارِي أَمَرَ بِهِ وَأَوْجَبَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إيجَابُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَلَى أُمَّتِهِ وَيَدُلُّ هَذَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ فَهَذَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَثْبُت بِحَدِيثِ الْأَعْرَجِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ يُضْرَبُ بِهِمَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي أُمُورِ الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يُنَصَّ لَهُ عَلَى الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى اتِّخَاذِ الْخَشَبَتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ صَارَ إلَيْهِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِاِتِّخَاذِ الْخَشَبَتَيْنِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ ذَلِكَ لِرُؤْيَا رَآهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتِمَاعَ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ إلَى أَنْ قِيلَ أَلَا تُؤَذِّنُونَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَشَارَ بِذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» ) .

الْمُؤَذِّنُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ يُرِيدُ الْأَذَانَ» لِأَنَّهُ النِّدَاءُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَأَنَّهُ مَتَى سَمِعَ النِّدَاءَ فَعَلَى السَّامِعِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ. وَقَدْ يَكُونُ الْأَذَانُ فِي وَقْتٍ يَكُونُ السَّامِعُ فِي صَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ فَرْضٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ فَدَلَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ وَلَا يَقُولُهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقُولُهُ فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ آكَدُ مِنْ النَّافِلَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَالِاشْتِغَالُ عَنْهَا بِالنَّافِلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي نَافِلَةٍ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ نَافِلَةٍ وَلِذَلِكَ جَازَ الِاشْتِغَالُ فِي النَّافِلَةِ بِالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالْإِتْيَانِ بِهَا وَمُنِعَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ أَنَّ هَذَا ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُمْنَعُ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ كَالتَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الصَّلَاةَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ لِمَا هُوَ مِثْلُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ يَقُولُ التَّشَهُّدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ الْمُؤَذِّنُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَنْ يَقُولُ مِثْلَهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يُعَاوِدُ التَّشَهُّدَ إذَا عَاوَدَهُ الْمُؤَذِّنُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بِرَفْعِ صَوْتِهِ يُرِيدُ الْإِسْمَاعَ وَالسَّامِعُ لَهُ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ لَهُ. وَوَجْهُ قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ التَّعَلُّقُ بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» . (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ أَنَّ ذَلِكَ إلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ فِيمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّ تَخْصِيصَهُ اللَّفْظَ الْعَامَّ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَا مِنْ جِهَةِ نَصٍّ عِنْدَهُ وَأَنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ يَقُولُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ بَأْسٌ أَوْ لَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَى قَوْلِهِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا يَعْنِي لَوْ أَتَمَّ الْأَذَانَ مَعَ الْمُؤَذِّنِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَوْلَ إلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ خَاصَّةً وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّشَهُّدَ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُؤَذِّنُونَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ السَّامِعِ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاعٍ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ السَّامِعُ قَالَ مِثْلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَقَالَ حَبِيبٌ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ السَّامِعُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ قَالَ مِثْلَهُ. وَجْهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا انْتَهَى إلَى التَّشَهُّدِ فَلَمْ يَتْبَعْهُ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَ مُتَابَعَتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو الْقَاسِمِ مِنْ التَّخْيِيرِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى التَّكْبِيرِ فَقَدْ شُرِعَ لَهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَشُرِعَ لَهُ أَيْضًا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] فَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُمَا وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ رَوَاهُ عُمَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» وَلَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّ هَذَا إذَا كَانَ السَّامِعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِأَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ تَبْطُلُ وَهُوَ كَالْمُتَكَلِّمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَقُولُ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُؤَذِّنِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَبْطَأَ الْمُؤَذِّنُ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَبْلَهُ وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ بَعْدَهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَهَذَا يَخْتَلِفُ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ ذِكْرٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ بَطِيئًا يُطَوِّلُ مِنْ صَوْتِهِ لِلِاسْتِمَاعِ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَ لِيَعُودَ إلَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيِّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» ) . (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وأَتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا هُوَ فِيهِ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا لِلِاسْتِمَاعِ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَائِلًا مِثْلَ قَوْلِهِ إلَّا بَعْدَ قَوْلِهِ. (ش) : قَوْلُهُ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمَ أَمْرِ الثَّوَابِ عَلَى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ يَعْلَمُونَ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَتَبَادَرُوا ثَوَابَهُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ تَشَاحًّا فِيهِ وَرَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ السَّابِقُ إلَى الْمَسْجِدِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ مَقْصُورَةٌ يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهَا بَعْضُ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَقْصُورَةَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ» التَّهْجِيرُ هُوَ التَّبْكِيرُ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْهَاجِرَةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ تَنَفَّلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» خَصَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّعْيَ إلَيْهِمَا أَشَقُّ مِنْ السَّعْيِ إلَى غَيْرِهِمَا لِمَا فِي أَوْقَاتِهِمَا مِنْ مَشَقَّةِ الْخُرُوجِ وَالتَّصَرُّفِ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَظِيمِ الْأَجْرِ عَلَى إتْيَانِهِمَا حَضًّا لِلنَّاسِ عَلَيْهِمَا وَأَنَّ الْمَشْيَ إلَيْهِمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَبْوًا لَاسْتَسْهَلَهُ مَنْ يَعْلَمُ مِقْدَارَ الثَّوَابِ عَلَيْهِمَا. (ش) : قَوْلُهُ «إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ» التَّثْوِيبُ إعَادَةُ الصَّوْتِ يُقَالُ نَادَى فُلَانٌ ثُمَّ ثَوَّبَ يُرِيدُ أَعَادَ النِّدَاءَ وَقَدْ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ إلَى التَّشَهُّدِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إلَى الْأَذَانِ وَقَدْ يُقَالُ لِلْأَذَانِ بَعْدَ الْأَذَانِ تَثْوِيبٌ وَقَدْ يُقَالُ لِلْإِقَامَةِ تَثْوِيبٌ لِأَنَّهَا إعَادَةٌ لِلنِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ وَهِيَ الَّتِي تَقْتَضِي تَعْجِيلَ مَنْ سَمِعَهَا خَوْفَ فَوَاتِ بَعْضِهَا فَأَمَّا الْأَذَانُ وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ فَلَا يَقْتَضِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» السَّعْيُ هُنَا الْجَرْيُ مُنِعَ فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ الْوَقَارِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا وَفِي الْقَصْدِ إلَيْهَا وَأَمَّا الْإِسْرَاعُ الَّذِي لَا يُنَافِي الْوَقَارَ وَالسَّكِينَةَ لِمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَخَافَ أَنْ يَفُوتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي يُوجَدُ عَلَيْهَا وَلَا يَشْتَغِلُ بِإِعَادَةِ مَا فَاتَ مِنْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي أَنْ لَا يُصَلِّيَ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَقْتَضِي أَنْ يَتْبَعَهُ فِيمَا لَا يَعْتَدُّ بِهِ مِنْ صَلَاتِهِ كَالسَّجْدَةِ الَّتِي فَاتَتْ رَكْعَتُهَا لِأَنَّهُ مِمَّا أَدْرَكَ فِعْلَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» اُخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَرَوَاهَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَلِكَ وَتَابَعَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ «عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ

(ص) : «مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو رَافِعِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (ش) : قَوْلُهُ فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ النِّدَاءَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَالْقَبَائِلِ وَحَيْثُ يَكُونُ الْأَئِمَّةُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَإِنْ أَذَّنَ فَحَسَنٌ وَإِنْ تَرَكَ الْأَذَانَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَاتُ يُصَلِّي بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ غَيْرُ الْإِمَامِ الْمُقَدَّمِ لِأُمُورِ النَّاسِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَذَانٌ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِلرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ فِي غَنَمِهِ أَوْ بَادِيَتِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي غَنَمِهِ أَوْ بَادِيَتِهِ مُعْتَزِلًا عَنْ الْحَوَاضِرِ الَّتِي يُقَامُ فِيهَا الْأَذَانُ فِي الْمَسَاجِدِ يَحْتَاجُ إلَى شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْأَذَانُ لِيَتَحَرَّكَ بِشِعَارِ الْإِسْلَامِ وَتَجْتَنِبَهُ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ وَجُيُوشُهُمْ. وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغِيرُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ خَرَجْت مِنْ النَّارِ فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزَى» وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي حَوَاضِرِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ اسْتَغْنَى عَنْ الْأَذَانِ لِأَنَّ الْأَذَانَ فِي الْمَسَاجِدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ شِعَارٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ سَكَنَ ذَلِكَ الْبَلَدَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ» أَمَرَهُ بِرَفْعِ صَوْتِهِ بِالْإِعَادَةِ لِيَسْمَعَهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ وَتُعْلَمُ بِذَلِكَ حَالُهُ وَجَعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ سَمِعَ صَوْتَهُ مِنْ جِنٍّ وَإِنْسٍ وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ سَائِرَ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يَسْمَعَ صَوْتَهُ وَمَعْنَى فَائِدَةِ الْمُؤَذِّنِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِهِ أَعْظَمَ أَجْرًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ أَذَّنَ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِهِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ» إخْبَارٌ عَنْ انْزِعَاجِهِ وَفِرَارِهِ حِينَ الْأَذَانِ عَنْ سَمَاعِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِتَأَذِّيهِ بِالْأَذَانِ حِينَ سَمَاعِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ يَبْعُدُ إلَى مِثْلِ الرَّوْحَاءِ عَنْ الْمَدِينَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ أَقْبَلَ» يُرِيدُ أَقْبَلَ إلَى الْإِنْسَانِ لِيُوَسْوِسَ لَهُ وَيُدْهِيَهُ عَنْ أَعْمَالِ الطَّاعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَقَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مَعْنَاهُ حَتَّى إذَا نُودِيَ لَهَا يُرِيدُ النِّدَاءَ الثَّانِيَ وَقَوْلُ عِيسَى أَبَيْنُ. وَقَدْ رُوِيَ مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «حَتَّى إذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ» يُرِيدُ حَتَّى يَمُرَّ بَيْنَ الْمَرْءِ

(ص) : «مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَلْ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَحُلَّ الْوَقْتُ فَقَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَثْنِيَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَتَى يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي فِي النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا مَا أَدْرَكْت النَّاسَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنَّهَا لَا تُثَنَّى وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ إلَّا إنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فَإِنَّ مِنْهُمْ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَفْسِهِ فَيَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنْهَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى صَلَاتِهِ وَالِاهْتِبَالِ بِمَعْرِفَتِهِ مَا قَضَى مِنْهَا وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَيَقُولَ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي صَلَاتِهِ فَيَشْغَلَهُ بِذَلِكَ عَنْهَا حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى مَعْنَاهُ يَبْقَى مُتَحَيِّرًا لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى يُقَالُ ظَلَّ فُلَانٌ يَفْعَلُ كَذَا إذَا أَقَامَ يَفْعَلُهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَيُرْوَى حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ وَمَعْنَاهُ يَتَحَيَّرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى ذَلِكَ غَيْرَ مَا قَالَ أَبُو جَعْفَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : «مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ تُفْتَحُ فِيهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِمَا وَقَوْلُهُ «وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلَاةِ» إخْبَارٌ بِأَنَّ الْإِجَابَةَ فِي ذَيْنِك الْوَقْتَيْنِ هِيَ الْأَكْثَرُ وَأَنَّ رَدَّ الدُّعَاءِ فِيهِمَا يَنْدُرُ وَلَا يَكَادُ يَقَعُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَوَقْتُهَا زَوَالُ الشَّمْسِ كَالظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ خَطَبَ بِهِمْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِمْ وَيُعِيدُونَ الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةٍ مَا لَمْ تَغْرُبُ الشَّمْسُ زَادَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَيُعِيدُونَ الظُّهْرَ أَفْذَاذًا أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُؤَذَّنُ لَهَا وَتُصَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ وَالدَّلِيلُ لَنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ يَجُوزُ الْأَذَانُ لَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَمْ يَجُزْ الْأَذَانُ لَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ كَالظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَقَى الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَخَطَبَ قَالَ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانُ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ أَنْ يُؤَذَّنَ عِنْدَ الزَّوَالِ بِالزَّوْرَاءِ وَهُوَ مَوْضِعُ السُّوقِ لِيَرْتَفِعَ مِنْهَا النَّاسُ فَإِذَا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ» ثُمَّ إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي إمَارَتِهِ نَقَلَ الْأَذَانَ الَّذِي فِي الزَّوْرَاءِ فَجَعَلَهُ مُؤَذِّنًا وَاحِدًا يُؤَذِّنُ عِنْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمَنَارِ فَإِذَا خَرَجَ هِشَامٌ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَّا مَا أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَيْهِ وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَصْلٌ يَجِبُ أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهِ وَفِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ خَمْسُ مَسَائِلَ. (الْأُولَى) أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّتَيْنِ وَلَا يُقَالُ أَرْبَعًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُرَبَّعُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِهِ أَنَّ الْأَذَانَ بِالْمَدِينَةِ أَمْرٌ مُتَّصِلٌ يُؤْتَى بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِرَارًا جَمَّةً بِحَضْرَةِ الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ مَالِكٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَعَاصَرَهُمْ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمْ التَّوَاطُؤُ وَلَا يَصِحُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ عَمَّا ذُكِرَ بِالْأَمْسِ مِنْ الْأَذَانِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَبْدِيلَهُ أَوْ تَغْيِيرَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ نِسْيَانُ يَوْمِهِمْ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَلِأَشْهُرِهِمْ الَّذِي يُؤَرِّخُونَ بِهِ وَاهْتِمَامُهُمْ بِأَمْرِ الْأَذَانِ وَمُثَابَرَتُهُمْ عَلَى مُرَاعَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ اهْتِمَامِهِمْ بِذِكْرِ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ حُضُورٍ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا الْمَكْتُوبَةَ فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا وَلَا يُؤَذِّنُوا قَالَ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَمُرَاعَاتِهِمْ لَهُ فَإِذَا رَأَيْنَا الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْأَمْسِ الْأَذَانَ قَدْ سَمِعُوهُ الْيَوْمَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنْكَارٌ لِشَيْءٍ مِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْأَذَانُ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمُهُ مِنْ التَّكْرَارِ وَالِانْتِشَارِ وَيَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ وَيَذْهَبُ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ جَازَ أَنْ يَذْهَبَ عَلَيْهِمْ تَبْدِيلُ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَكَيْفَ أَنْ يَرْضَى بِالْتِزَامِهِ مُسْلِمٌ وَهَذَا أَمْرٌ طَرِيقُهُ الْقَطْعُ وَالْعِلْمُ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا غَلَبَةُ الظَّنِّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ «حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» إلَى آخِرِهِ. (أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فَإِنَّ التَّرْجِيعَ مَسْنُونٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِالْمَدِينَةِ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ «حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي الْأَذَانِ وَفِيهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فَهِيَ أَنَّ قَوْلَهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَسْنُونٌ فِي الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ ذَلِكَ بِمَسْنُونٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِالْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُقَالُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ يُقَالُ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُقَالُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَمَلُ الْمُسْتَفِيضُ بِالْمَدِينَةِ وَمَا رَوَى أَنَسٌ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا أَحَدُ النِّدَاءَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ فِي شَفْعٍ أَوْ وَتْرٍ أَصْلُهُ قَوْلُهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فِي الْإِقَامَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِأَحَدِ النِّدَاءَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ سُنَّتُهُ الْإِفْرَادَ أَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فِي الْإِقَامَةِ. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فَهِيَ أَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تُثَنَّى فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُثَنَّى كَالْأَذَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ نَقْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَوَاتِرُ وَعِلْمُهُمْ الْمُسْتَفِيضُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ. (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فَإِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُقِيمَ يَقُولُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَرَوَى عَنْهُ الْمِصْرِيُّونَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عُمُومُ قَوْلِ أَنَسٍ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدٌّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ الْخَفِيفُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي التَّقْدِيمِ وَمِنْهُمْ الثَّقِيلُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي التَّأْخِيرِ وَإِنَّمَا يُرَادُ أَنْ يَتَكَامَلَ النَّاسُ قِيَامًا فِي صُفُوفِهِمْ فِي آخِرِ الْإِقَامَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْقِيَامَ يَكُونُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنٌ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخِفُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَيُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَثْقُلُ عَلَيْهِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأَنِّي وَالتَّكَلُّفِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَنْ يُشْرَعَ الْقِيَامُ قَبْلَ ذَلِكَ لِيُدْرِكَ التَّكْبِيرَ مَعَ الْإِمَامِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَهُوَ أَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ مَنْ صَلَّى دُونَ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ أَعَادَ. وَقَالَ دَاوُد الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضٌ فِي الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْفَذِّ وَلَا عَلَى

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْإِمَامِ وَدُعَائِهِ إيَّاهُ لِلصَّلَاةِ وَمَنْ أَوَّلُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرْأَةِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ ذِكْرٍ لَا يَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْفَذِّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ الرَّاتِبَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ مُؤَكَّدِ السُّنَنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَمْلُ لَفْظِ مَالِكٍ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدِي أَوْلَى وَأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ مِصْرٍ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ لَأَثِمُوا بِذَلِكَ وَلَوَجَبَ جَبْرُهُمْ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُمْ بِهِ وَوُجُوبُهُ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَلِذَلِكَ رَوَى أَنَسٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُغِيرَ اسْتَمَعَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ» . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالْإِعْلَامِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَرْكِ مُرَاعَاتِهَا إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَحْمِلُ مُرَاعَاتَهَا عَنْ بَعْضٍ فَإِذَا عَلِمَ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَعْلَمَ بِهَا بِالْأَذَانِ فَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَخْبَارُ بِالْأَمْرِ بِالْأَذَانِ عَلَى ظَاهِرِهَا. وَمَالِكٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَرَادَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَذَانَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَلْزَمُ الدُّعَاءُ فِيهَا إلَيْهَا وَهِيَ الْمَسَاجِدُ وَمَوَاضِعُ الْأَئِمَّةِ وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي نُصِبَتْ لِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَأُمِرَ النَّاسُ بِإِتْيَانِهَا لِذَلِكَ وَأَمَّا الْفَذُّ وَالْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَدُونَ ائْتِمَامٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَوَاضِرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ أَذَانٌ لِأَنَّ مَعْنَى شِعَارِ الْإِسْلَامِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمْ بِقِيَامِ أَهْلِ الْمِصْرِ بِهِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِلدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ مَوْضِعَهُمْ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ مَنْصُوبٍ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَيُدْعَى النَّاسُ إلَيْهِ فَإِنْ أَذَّنُوا فَحَسَنٌ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْلَامٌ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ وَأَخْذٌ بِحَظٍّ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَرْضِ قَفْرٍ أَوْ سَفَرٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا أَذَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ مَعَ جَمَاعَةٍ فِي سَفَرٍ أَوْ وَحْدَهُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهِ الْأَذَانَ لِأَنَّهُ جَمَاعَةٌ وَقَدْ نَصَبَ مَوْضِعَهُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَلَزِمَ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْأَذَانَ مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ مَنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُعِيدُ قَالَ الْقَاضِي وَأَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّغْلِيظَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي شُغُلٍ جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَأَعْلَمَهُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ دُونَ تَكَلُّفٍ وَلَا اسْتِعْمَالٍ فَأَمَّا مَا كَانَ يُتَكَلَّفُ الْيَوْمَ لِلْأَمِيرِ مِنْ وُقُوفِ الْمُؤَذِّنِ بِبَابِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُبَاهَاةِ وَالتَّكَبُّرِ وَالصَّلَاةُ يَجِبُ أَنْ تُنَزَّهَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ السَّلَامِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ يَرْحَمُك اللَّهُ قَالَ وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ قَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ انْتَظَرَ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ جَاءَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ قَالَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ دُعَاءَهُ إيَّاهُ لِلصَّلَاةِ وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ لِلْمَسْجِدِ لَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا جَمَعَ فِيهِ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَتَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ يَجِبُ الِاجْتِمَاعُ إلَيْهِمْ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَقْدِيمِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الِاخْتِلَافُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ جَازَ الْجَمْعُ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيَةً إلَى الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَلَكَانَ أَهْلُ الْبِدَعِ يُفَارِقُونَ الْجَمَاعَةَ بِإِمَامِهِمْ وَيَتَأَخَّرُونَ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ ثُمَّ يُقَدِّمُونَ مِنْهُمْ وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ بِالْإِمَامِ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إظْهَارِ مُنَابَذَةِ الْأَئِمَّةِ وَمُخَالَفَتِهِمْ وَمُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ سَدُّ هَذَا الْبَابِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ وُسِّعَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ لَأَدَّى إلَى أَنْ لَا تُرَاعَى أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ وَلَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ وَصَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ وَقَصْرُ النَّاسِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ دَاعٍ إلَى مُرَاعَاةِ صَلَاتِهِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى إدْرَاكِ الصَّلَاةِ مَعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ يُجْمَعُ فِيهِ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ وَلَا يُجْمَعُ سَائِرُهَا فَهَلْ يَجْمَعُ فِيهِ غَيْرُ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فِي تِلْكَ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا أَمْ لَا وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُجْمَعُ فِيهَا غَيْرُ صَلَوَاتِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ إنَّمَا يُرَاعَى الْخِلَافُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْمَعُهَا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَا خِلَافَ عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِيهَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا رَتَبَ لِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ إمَامَهُ فِي جَمِيعِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَاتَ عَلَيْهِ فِي الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ انْتَظَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ أَحَدٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَسْأَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إمَامَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرَ إمَامِهِ وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ كَانَ إمَامَ الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ وَانْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَتَتْ الْجَمَاعَةُ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا لَا تَجْمَعُ فِيهِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ لَا بِالْمَأْمُومِينَ بِدَلِيلِ أَنَّ أَمْرَهَا مَصْرُوفٌ إلَيْهِ وَاتِّبَاعُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَعَمَّدَ إفْسَادَ صَلَاتِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ تَعَمَّدُوا إفْسَادَ صَلَاتِهِمْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُمْ تَبَعٌ لَهُ فَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَدْ قُضِيَتْ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ فَلَا يُصَلِّيهَا فِيهِ غَيْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَا يَؤُمُّهُمْ فَهَلْ تَقُومُ صَلَاتُهُ مَقَامَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَذِّ. وَجْهُ مَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إمَامٌ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا جَمَعَ فِي مَوْضِعِهِ فَقَدْ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَؤُمُّ فِيهِ فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ ثَانِيَةً. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُؤْتَمُّ بِهِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ وَالدُّعَاءِ إلَى الصَّلَوَاتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ عِيسَى إنَّمَا هُوَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَكَانَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ الْمُؤَذِّنِ. (ش) : سُؤَالُهُ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ ثُمَّ تَنَفَّلَ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْر ثُمَّ تَنَفَّلَ فَأَمَّا تَنَفُّلُهُ بَعْدَ الْأَذَانِ فَإِنَّ تَنَفُّلَهُ وَتَنَفُّلَ غَيْرِهِ بَعْدَ الْأَذَانِ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُزَادَ وَبِإِثْرِ الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ مَأْمُورٌ بِتَقْدِيمِهَا بِإِثْرِ الْأَذَانِ لِلِاخْتِلَافِ بِاخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِمَا فِي تَعْجِيلِهَا مِنْ الرِّفْقِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَمْ تَزَلْ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّا لَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحُلَّ وَقْتُهَا) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُؤْذِنَهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنَّاسِ لِفِطْرِ الصَّائِمِ وَانْصِرَافِ الْمُتَصَرِّفِ جَمِيعَ نَهَارِهِ إلَى بَيْتِهِ فَكَانَ تَعْجِيلُهَا أَوْلَى مِنْ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا فَمَنْ آثَرَ التَّنَفُّلَ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّ الْأَذَانَ تَتَعَقَّبُهُ الْخُطْبَةُ وَهِيَ تَمْنَعُ التَّنَفُّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ إقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُؤَذِّنٌ فَجَازَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُهُ كَالْمُؤَذِّنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يُنَادَى لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ وَقْتِهَا لِأَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَوَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَسَمِعَ الْأَذَانَ فَعَلِمَ أَنَّهُ عِلْمُهُمْ الْمُتَّصِلُ فَرَجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ كَمَا رَجَعَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّاعِ بِمَا شَهِدَ مِنْ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ مَا وَقَعَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآثَارِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْأَذَانِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْآثَارُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَهُ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْمَقْصُودِ بِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ اتِّصَالِ الْأَذَانِ إلَى الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ الْأَذَانِ لَهَا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا حَتَّى يَبْقَى السُّدُسُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ آخِرِ أَوْقَاتِ الْعِشَاءِ وَذَلِكَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَقَالَ الْوَقَارُ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَهَذَا قَوْلٌ فِيهِ بُعْدٌ وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَالَ ذَلِكَ إنْكَارًا لِاسْتِعْمَالِهِ لَفْظَةً مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي غَيْرِ الْأَذَانِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَالَ لَهُ اجْعَلْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْأَذَانِ يَعْنِي لَا تَسْتَعْمِلْهَا فِي غَيْرِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا التَّثْوِيبَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ إذَا اسْتَبْطَأَ النَّاسَ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ لِإِفْرَادِ بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالنِّدَاءِ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَذَانِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ التَّثْوِيبَ بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مَكْرُوهٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْكَرَ عُمَرُ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ يَعْنِي لَا تَسْتَعْمِلْهَا فِي غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَتْرُكُ الْمُؤَذِّنُ قَوْلَهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَمَنْ أَذَّنَ فِي ضَيْعَتِهِ مُتَنَحِّيًا عَنْ النَّاسِ فَتَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ إلَّا النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ) . (ش) : قَوْلُهُ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْت عَلَيْهِ النَّاسَ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ لِأَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ أَكْثَرَ أَفْعَالِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَرَأَى أَنَّهَا مُخَالِفَةً لِمَا أَدْرَكَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّغْيِيرَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ صِفَةَ الْفِعْلِ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ الْفِعْلَ جُمْلَةً كَتَرْكِ الْأَمْرِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُنْكَرِ مَعَ عِلْمِ النَّاسِ بِذَلِكَ كُلِّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا النِّدَاءَ يُرِيدُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَهُ تَغْيِيرٌ لَعَرَفَ النَّاسُ ذَلِكَ وَلَعَرَفُوا أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَهُ فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْهُ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ.

[النداء في السفر وعلى غير وضوء]

أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ) . النِّدَاءُ فِي السَّفَرِ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إلَّا فِي الصُّبْحِ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِيهَا وَيُقِيمُ وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا الْأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ إلَيْهِ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الرَّجُلُ وَهُوَ رَاكِبٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : إسْرَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ مِنْ غَيْرِ جَرْيٍ وَلَا خُرُوجٍ عَنْ حَدِّ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ الْمَأْمُورِ بِهِمَا فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ وَهَذَا جَائِزٌ فِعْلُهُ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَمِعَ مُؤَذِّنَ الْحَرَسِ فَحَرَّكَ فَرَسَهُ لِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُحَرِّكَهُ لِلْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ دُونَ جَرْيٍ وَلَا خُرُوجٍ عَنْ حَدِّ الْوَقَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النِّدَاءُ فِي السَّفَرِ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ] (ش) : قَوْلُهُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ دَلِيلٌ عَلَى السَّفَرِ فَأَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي رِحَالِهِمْ بِصَلَاتِهِ إذَا كَانَ إمَامًا وَلِذَلِكَ احْتَاجَ أَنْ يُبِيحَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَالرِّيحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي رِحَالِهِمْ أَفْذَاذًا أَوْ يَؤُمَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَرَادَ التَّخْفِيفَ عَنْهُمْ بِالْأَذَانِ بِالصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ مُؤَذِّنَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الْمَطَرِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إمَامًا لَهُمْ فَقَاسَ ابْنُ عُمَرَ حَالَ الرِّيحِ بِحَالِ الْمَطَرِ وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَهُمَا الْمَشَقَّةُ اللَّاحِقَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ بَعْدَ كَمَالِ الْأَذَانِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَذَانَ مُتَّصِلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهُ مَا لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَلَمٌ عَلَى الْوَقْتِ وَدُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاتِّصَالِهِ وَلَوْ تَفَرَّقَ وَتَخَلَّلَهُ كَلَامٌ آخَرُ لَمَا وَقَعَ بِهِ الْإِعْلَامُ لِأَنَّ مِثْلَ أَلْفَاظِهِ تَتَكَرَّرُ فِي كَلَامِ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَمِيرٍ فِي هَذَا السَّفَرِ وَإِنَّمَا كَانَ أَمِيرًا فِي الرُّفْقَةِ إذَا أَذَّنَ فِيهَا فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ وَقَالَ بَعْدَ أَذَانِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ وَلِذَلِكَ أَبَاحَ النَّاسَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي رَحْلِهِ لِمَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ مِنْ الِاجْتِمَاعِ إلَيْهِ وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا الْأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ إلَيْهِ النَّاسُ فَكَانَ هُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَلْزَمُ النَّاسَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ إلَيْهِ وَكَانَ يُؤَذِّنُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ لَمَّا كَانَ فِي وَقْتِ الْإِغَارَةِ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغِيرُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْأَذَانَ وَيُمْسِكُ إذَا سَمِعَهُ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَذِّنُ لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْ أَمَّ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَلَا مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَذَانُ إلَّا لِمُسَافِرٍ أَوْ وَحِيدٍ فِي فَلَاةٍ فَيُرْغَبُ أَذَانُهُ وَهُوَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ إذَا كُنْت فِي سَفَرٍ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَذِّنَ وَتُقِيمَ فَعَلْت وَإِنْ شِئْتَ فَأَقِمْ وَلَا تُؤَذِّنْ) . (ش) : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَذَانَ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ لِأَنَّ السَّفَرَ مَوْضِعُ تَخْفِيفٍ وَلِعَدَمِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامِ وَأَمَّا مَا شُرِعَ مِنْ أَذَانِ الْمُسَافِرِ فِي الصُّبْحِ أَوْ غَيْرِهَا لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَلْزَمُ لُزُومُهُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَمَوْضِعِ الْإِمَامِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الرَّاكِبَ يُؤَذِّنُ وَذَلِكَ أَنَّهَا حَالَةٌ لَا تَمْنَعُ الْإِبْلَاغَ وَلَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ الِاتِّصَالُ بِالصَّلَاةِ فَيُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِالنُّزُولِ وَالْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى بِأَرْضِ فَلَاةٍ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ فَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ) . قَدْرُ السُّحُورِ مِنْ النِّدَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ بِلَالًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ) وَهَلْ يُؤَذِّنُ الْقَاعِدُ أَمْ لَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُؤَذِّنُ الْقَاعِدُ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الْقَاعِدُ. وَجْهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْإِبْلَاغَ وَالِاسْتِعْلَاءَ فِي الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ وَلِذَلِكَ شُرِعَ الْأَذَانُ فِي الْمَنَارِ وَالْقُعُودُ ضِدُّ الِاسْتِعْلَاءِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ مَشْرُوعٌ فِي الْمَكَانِ دُونَ حَالِ الْمُؤَذِّنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ الرَّاكِبُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يُقِيمُ الرَّاكِبُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا يُقِيمُ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِقَامَةِ الِاتِّصَالَ بِالصَّلَاةِ، وَنُزُولُهُ مِنْ دَابَّتِهِ وَمَشْيُهُ إلَى مَوْضِعِ صَلَاتِهِ عَمَلٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُقِيمُ الرَّاكِبُ لِأَنَّ نُزُولَهُ إلَى الصَّلَاةِ عَمَلٌ يَسِيرٌ فَلَمْ يُعَدَّ فَاصِلَا كَأَخْذِ الثَّوْبِ وَبَسْطِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. (ش) : قَوْلُهُ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَبْلُغَ بِالْمَلَكَيْنِ دَرَجَةَ الْجَمَاعَةِ إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَهُوَ رَاغِبٌ فِيهَا وَأَنَّ هَذَا الْمُصَلِّيَ إنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى وَرَائِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَدَدٌ عَظِيمٌ فَيَكُونُ فَضْلُ صَلَاتِهِ أَكْثَرَ لِكَثْرَةِ عَدَدِ مَنْ يُصَلِّي وَرَاءَهُ وَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَيْسَ لِلْجَمَاعَةِ الْيَسِيرَةِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْمُصَلِّي فِي ذَلِكَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ فَرْضٍ وَلِذَلِكَ يُتِمُّ فَضِيلَتَهَا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ وَلَيْسَ هَذَا مَقَامَ الْآدَمِيِّينَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنَّمَا يَقِفَانِ وَرَاءَهُ وَسَنُبَيِّنُ حُكْمَهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مُسْنَدًا فَيُحْتَجُّ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَا طَرِيقَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إلَى أَنْ يَعْرِفَ هَذَا بِنَظَرٍ فَيُقَلِّدَهُ فِيهِ مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فَرْضًا يَخْتَصُّ بِالْمَلَائِكَةِ وَحُكْمُ الْآدَمِيِّينَ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ لِأَنَّ أَنَسًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قُمْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكَانِ هُمَا الْحَافِظَانِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَكَانَهُمَا مِنْ الْمُكَلَّفِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ فَإِنَّمَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ أَوْ أَقَامَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ هَذِهِ رِوَايَةُ يَحْيَى وَأَبِي مُصْعَبٍ وَغَيْرِهِ يَقُولُ فَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى وَرَاءَهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدِي هِيَ الْأَصْلُ وَرِوَايَةُ يَحْيَى تَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّقْسِيمِ وَقُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ اقْتَضَتْهَا أَنَّ مَنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَوْ بِإِقَامَةٍ فَقَطْ صَلَّى وَرَاءَهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ صَلَّى الْفَرْضَ دُونَ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ وَتَرْكُ الْإِقَامَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَذَلِكَ يُنَافِي الْفَضِيلَةَ قَالَ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّى نَافِلَةً فَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ وَإِنْ صَلَّى فَرِيضَةً فَاقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ صَلَّى وَرَاءَهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاتَانِ صَلَاتَيْ فَرْضٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ صَلَّى عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ تَتِمُّ بِهِمَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْإِقَامَةِ الْأَذَانَ صَلَّى وَرَاءَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ.

[قدر السحور من النداء]

يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ) . مَا جَاءَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَدْرُ السُّحُورِ مِنْ النِّدَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَجَوَازِ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» فَأَبَاحَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي وَقْتٍ يُؤَذِّنُ فِيهِ بِلَالٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت» ) . (ش) : قَوْلُهُ «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» يَقْتَضِي مَنْعَ الْأَكْلِ إذَا أَذَّنَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الْغَايَةِ وَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ فِي مَسْجِدٍ يُؤَذِّنَانِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلْقَوْمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرَسِ وَالْمَرْكَبِ ثَلَاثَةُ مُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَعَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُتَّخَذَ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَةُ مُؤَذِّنِينَ وَخَمْسَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا بَأْسَ فِيمَا اتَّسَعَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ أَنْ يُؤَذِّنَ خَمْسَةٌ إلَى عَشَرَةٍ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَفِي الْعَصْرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَغْرِبِ إلَّا وَاحِدٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَذَانِ الْأَعْمَى إذْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اتَّخَذَهُ مُؤَذِّنًا لِأَنَّ عَمَاهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْأَوْقَاتِ وَيَرْقُبُهَا لَهُ فَيُجْزِئُ عَنْهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْمُؤَذِّنَ إمَامٌ وَالْأَعْمَى يَجُوزُ أَنْ يَكُون إمَامًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ وَقْتُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَئِمَّةِ إقَامَتُهَا وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ أَصْبَحْت أَصْبَحْت لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الصُّبْحَ قَدْ ظَهَرَ وَانْفَجَرَ وَلَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى التَّحْذِيرِ مِنْ طُلُوعِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَلِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ يَرْقُبُ الْفَجْرَ أَصْبَحْت بِمَعْنَى أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ بَدَا فَيُؤَذِّنُ حِينَئِذٍ وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ أَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ وَلَكَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ رَأَى الْفَجْرَ أَصْبَحْت وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْلَ حَتَّى يُؤَذِّنَ لَكَانَ أَكْلُ الْمُنْتَظِرِ لِأَذَانِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَقَعَ أَكْلُهُ إلَى وَقْتٍ يَتَبَيَّنُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ صَوْمِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ وَأَنَّهُ إنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مُبَاحٌ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهِ إذَا قِيلَ لَهُ أَصْبَحْت وَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِ الْفَجْرِ. [مَا جَاءَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُجْزِئُ مِنْ النُّطْقِ غَيْرُ التَّكْبِيرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَاَللَّهُ الْكَبِيرُ وَاَللَّهُ الْعَظِيمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ عَرَا مِنْ لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَبِنِيَّتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ إحْرَامًا بِالصَّلَاةِ أَصْلُ ذَلِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَلَيْسَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ فَضَائِلِهَا التَّوْجِيهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ صَلَّيْت مَعَ مَالِكٍ فِي بَيْتِهِ فَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ أَنْ أَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ جَاهِلٌ هَذَا مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا التَّكْبِيرُ فَلَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْزِئُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ غَيَّرَتْ مِنْ بِنْيَةِ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ فَمَنَعَتْ صِحَّةَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِهَا أَصْلُ ذَلِكَ اللَّهُ أَكْبَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي الرَّفْعِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا بَيَانُ مَوَاضِعِ الرَّفْعِ فَالْخِلَافُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَهَا مَشْرُوعٌ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَانَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ ضَعِيفًا إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ وَصَرَّحَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ مَشْرُوعٌ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا ذُكِرَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَكَانَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ عَمَلٌ كَالسَّلَامِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ عَمَلٍ قُرِنَ بِهِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ عَمَلٌ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ قَرَنَ بِهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ كَمَا قَرَنَ بِالسَّلَامِ الْإِشَارَةَ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إلَى الْيَمِينِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّانِي فَعِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْهُ الرَّفْعَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّهْشَلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا تَكْبِيرٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ كَالِانْتِقَالِ مِنْ الْجُلُوسِ إلَى السُّجُودِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرَّكْعَةِ تَكْبِيرَةٌ تَجْعَلُ مُدْرِكَهَا مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى فَشُرِعَ فِيهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا التَّكْبِيرُ عِنْدَ السُّجُودِ فَلَمْ يُشْرَعْ الرَّفْعُ مَعَهُ وَقَدْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نِهَايَةُ الرَّفْعِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَبِهِ قَالَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيُّ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَرْفَعُ إلَى صَدْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْفَعُ إلَى أُذُنَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى نِهَايَةِ الرَّفْعِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَأَمَّا مَا رَوَى مَالِكٌ بْنُ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ» فَلَنَا عَلَى ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّرْجِيحُ. وَالثَّانِي: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْ قَتَادَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّا نَقُولُ كَانَ يُحَاذِي بِكَفَّيْهِ مَنْكِبَيْهِ وَبِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ أُذُنَيْهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ إطْرَاحِ أَحَدِهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِفَةُ الرَّفْعِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنْ تَكُونَ يَدَاهُ قَائِمَتَيْنِ تُحَاذِي كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ وَأَصَابِعُهُ أُذُنَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُمَا تَكُونَانِ مَنْصُوبَتَيْنِ ظُهُورُهُمَا إلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَوْلَى لِأَنَّا نَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التَّكَلُّفِ وَأَيْسَرُ فِي الرَّفْعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى رَفْعَهُمَا عِنْدَ الِانْحِنَاءِ لِلرُّكُوعِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ وَزَادَ الرَّفْعَ عِنْدَ الِانْحِنَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمْ وَقَوْلُهُمْ أَوَّلًا لِأَنَّهُمْ زَادُوا وَفِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ الْأَثْبَاتِ. (ش) : قَوْلُهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ» يُرِيدُ بِالْخَفْضِ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَبِالرَّفْعِ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ وَأَمَّا الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَهُ التَّحْمِيدُ دُونَ التَّكْبِيرِ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْس الْخَفْضَيْنِ وَأَمَّا الرَّفْعُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِي نَفْسِ الْقِيَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا رَفْعُ رَأْسٍ مِنْ سُجُودٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى اسْتِيفَاءِ الْقِيَامِ كَالْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ اخْتِصَاصِ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ اخْتَصَّ بِهَا رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ السُّجُودِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْعَمَلِ وَابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ فَعَرَا آخِرُ الْقِيَامِ مِنْ تَكْبِيرٍ وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَنْتَقِلَ مِنْ عَمَلٍ إلَى عَمَلٍ إلَّا بِتَكْبِيرِ فَاخْتَصَّ بِذَلِكَ أَوَّلُ الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوَّلُ الْوُقُوفِ. وَالثَّانِي أَنَّهَا حَالٌ قَدْ شُرِعَ فِيهَا تَكْبِيرَةٌ وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا الْقِيَامُ مِنْ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ آخِرُ عَمَلٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إخْبَارٌ عَنْ رَفْعِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَ رَفْعِهِمَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَنْ مَنَعَ الرَّفْعَ جُمْلَةً. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ أَوْ رَفَعَ يَقُولُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي الشَّبَهَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا عَامٌّ فِي التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّاوِيَ إنَّمَا ذَكَرَ مِنْ صَلَاةِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّكْبِيرَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَصَدَ بِهِ الشَّبَهَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْبِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ غَيْرُ وَاجِبٍ إلَّا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَوْلِهِ أَنَّ التَّكْبِيرَ كُلَّهُ وَاجِبٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَكْبِيرٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُشْرَعْ لِلِافْتِتَاحِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى اقْتِدَائِهِمْ بِصَلَاتِهِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الشَّبَهِ بِهِ وَفَخْرِهِمْ بِالْمَزِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَتَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ وَالرَّدَّ لِقَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ يَقْتَضِي ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّا نَخُصُّهُ بِالدَّلِيلِ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي السُّجُودِ أَخْفَضُ مِنْهُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا وَجْهَ لَهُ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُون لِلِاتِّبَاعِ إنْ كَانَ فِيهِ أَثَرٌ فَالِاتِّبَاعُ أَحْسَنُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أُحِبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ وَبِقَوْلِهِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَإِنْ جَهَرَ بِذَلِكَ جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَجْهَرَ مَعَهُ إلَّا بِالسَّلَامِ جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ كَذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَيَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا فِيهِمَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فَكَانَ يَأْمُرُنَا نُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضْنَا وَرَفَعْنَا) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مُؤَكِّدُ أَحْكَامِ السُّنَنِ فِي الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ كَانَ يَهْتَبِلُ بِهِ اهْتِبَالًا يَخُصُّهُ بِالتَّعْلِيمِ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ فَكَبَّرَ يُرِيدُ إدْرَاكَ أَصْلِهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَفُتْهُ ذَلِكَ وَهُوَ بِأَنْ يَصِيرَ الْإِمَامُ إلَى رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِحْرَامِ لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَتِلْكَ التَّكْبِيرَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ خَفْضِ الْمَأْمُومِ إلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُومِ مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا رَاكِعًا وَإِنَّمَا يَفْتَتِحُهَا قَائِمًا وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْقِيَامِ قَدْرُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ فَيُحْمَلُ عَنْهُ قِيَامُهَا وَلَمَّا لَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَمْ يُحْمَلْ عَنْهُ قِيَامُهَا وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ يَنْوِي بِذَلِكَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ تَمَادَى وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَالتَّكْبِيرُ لِلرُّكُوعِ لَا يَكُونُ فِي حَالِ الْقِيَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الِانْحِطَاطِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا ابْتَدَأَهُ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ الْقِيَامِ أَجُزْأَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلَا تَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَ الرُّكُوعِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَلَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَوْ سَهَا مَعَ الْإِمَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رَأَيْت ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ إذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ إذَا رَكَعَ دُونَ تَكْبِيرٍ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ مَتَى مَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهَا وَلَا لَفْظُهُ فَهُوَ إذَا ذَكَرَ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ يَنْوِي بِذَلِكَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ أَوَّلَ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الِافْتِتَاحَ فَهَلْ يَتَمَادَى فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَبْتَدِئُهَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَبْتَدِئَهَا. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَتَمَادَى وَيُعِيدُهَا. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا صَلَاةٌ لَا تُجْزِئُهُ وَلَا تَبْرَأُ بِهَا ذِمَّتُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَتَمَادَى عَلَيْهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلرُّكُوعِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِالتَّمَادِي عَلَيْهَا ثُمَّ يَقْضِي الصَّلَاةَ بِنَفْسِ الِانْفِرَادِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ يَرَى أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ عَنْهُ وَرَبِيعَةُ يَقُولُ لَا تُجْزِي عَنْهُ فَقَدْ عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَيُكْرَهُ أَنْ يُبْطِلَ صَلَاتَهُ وَعَمَلًا قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إجْزَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَأَمَّا إنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ فَنَسِيَ الْإِحْرَامَ فَلْيُكَبِّرْ مَتَى مَا ذَكَرَ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ أَوْ لَمْ يُكَبِّرْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ تَمَادَى وَأَعَادَ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْوَارِدَ لِلصَّلَاةِ وَالْعَامِدَ إلَيْهَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا تُوجَدَ مِنْهُ نِيَّةٌ إلَيْهَا فَإِذَا نَسِيَهَا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ إذَا نَوَاهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ نَسِيَهَا عِنْدَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شِهَابٍ. فَإِذَا وُجِدَتْ مِنْهُ النِّيَّةُ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ اقْتَضَتْ النِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فَأَجْزَأَتْهُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شِهَابٍ وَلَمْ تُجْزِهِ عِنْدَ رَبِيعَةَ مَا لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةُ التَّكْبِيرَ وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ لِلرُّكُوعِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى وَكَبَّرَ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَمَلُهُ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَمْ يَصِحَّ انْتِظَامُهَا بِهَا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَلَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا فِيمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ إلَّا لِلرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ تَمَامَ الصَّلَاةِ عَلَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ إنَّمَا هُوَ لِئَلَّا يُبْطِلَ عَمَلًا مُخْتَلَفًا فِي إجْزَائِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فَيَجِبُ إتْمَامُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فِي الْجُمُعَةِ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِيه فِي هَذَا خَاصَّةً أَنْ يُكَبِّرَ فِي الثَّانِيَةِ وَيَجْعَلَهَا أُولَاهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُهَا ظُهْرًا. وَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنَّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ تَصِحُّ فِي غَيْرِ إمَامٍ فَيَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيُعِيدُهَا لِأَنَّ تَمَادِيهِ لَا يُفِيتُهَا وَالْجُمُعَةُ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إمَامٍ فَتَمَادِيهِ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ لَا تُجْزِيهِ يُفِيتُ الْجُمُعَةَ الَّتِي تُجْزِيهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَيَلْزَمُهُ

[القراءة في المغرب والعشاء]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَيَنْسَى تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي إمَامٍ نَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَرَى أَنْ يُعِيدَ وَيُعِيدَ مَنْ خَلْفَهُ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ مَنْ خَلْفَهُ قَدْ كَبَّرَ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ) . الْقِرَاءَةُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمَادِي كَمُصَلِّي الْعَصْرَ وَغَيْرَهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَحُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ تُحْمَلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ لَهَا فَلِذَلِكَ كَانَ فِي أَمْرِهِ مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْفَذُّ فَلَا يَحْمِلُ ذَلِكَ عَنْهُ أَحَدٌ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْكِلْ أَمْرُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّ مَا عَمِلَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا مُجْزِئٌ عَنْهُ فَكَانَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَتَرْكُ الِاعْتِدَادِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَالْإِمَامُ كَالْفَذِّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِذَا أَسْقَطَهَا الْإِمَامُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتَعَدَّى فَسَادُ ذَلِكَ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ صَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ وَإِنْ رَكَعُوا وَسَجَدُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقِرَاءَةُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا بَعْدَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ بِمَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَهُوَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا النَّفَلُ فَهُوَ قِرَاءَةُ سُورَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ» . (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَيُّ سُورَةٍ قَرَأَ بِهَا أَجْزَأَتْهُ إلَّا أَنَّهُ يَخْتَارُ التَّطْوِيلَ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَالتَّخْفِيفَ فِي بَعْضِهَا فَأَطْوَلُ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةً صَلَاةُ الصُّبْحِ ثُمَّ الظُّهْرِ ثُمَّ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ثُمَّ الْمَغْرِبِ وَالْعَصْرِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ الرُّوَاةُ عَنْهُ لِذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأَ فِي الظُّهْرِ بِأَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْرَأَ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَنَحْوِهَا وَيَقْرَأَ فِي الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْرَأُ فِيهِمَا ب ق وَالضُّحَى إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَقَالَتْ لَهُ يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِك هَذِهِ السُّورَةَ إنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ) . (ش) : قَوْلُهَا لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِك هَذِهِ السُّورَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَّرَهَا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَّرَهَا بِقِرَاءَتِهِ إيَّاهَا ثُمَّ فَسَرَّتْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَّرَهَا هُوَ آخِرُ مَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهَا آخِرُ قِرَاءَةٍ سَمِعَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ وَأَنَّ ذَلِكَ صَادَفَ قِرَاءَتَهُ إيَّاهَا فِي الْمَغْرِبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا آخِرُ مَا سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ وَإِنْ جَازَ أَنْ تَكُونَ سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَصَلَّيْت وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى أَنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْته قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الْآيَةِ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] ) .

أَنَّهُ قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَصَلَّيْت وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى أَنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ فَسَمِعْته قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الْآيَةِ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ قَدِمَهَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَهَا قَبْلَ خِلَافَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَوَّلَ قَدْمَةً قَدِمَ الْمَدِينَةَ كَانَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَاتَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسِ لَيَالٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّيْت وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبُّ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ وَالصَّائِمُ وَالْمُسْتَعْجِلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ فَدَنَوْت مِنْهُ حَتَّى أَنَّ ثِيَابِي لَتَمَسُّ ثِيَابَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِدُنُوِّهِ مِنْهُ تَأْخِيرَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قَرُبَ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الصَّفَّ كُلَّهُ تَقَدَّمَ حَتَّى قَرُبُوا مِنْ مَقَامِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ دَنَا وَحْدَهُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ مَقَامِ أَبِي بَكْرٍ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّفِّ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ وَيَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقْرَبَ مِنْ الْإِمَامِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى وَحْدَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ فَقَرُبَ مِنْهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مَا لَمْ يَقْرَبْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهَذِهِ الْآيَةِ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ دَعَا بِهَذِهِ فِي آخِرِ الرَّكْعَةِ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ لِمَعْنَى تَذْكِرَةٍ أَوْ خُشُوعٍ حَضَرَهُ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَرَنَ قِرَاءَتَهُ تِلْكَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى حَسَبِ مَا تُقْرَنُ بِهَا قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ) ش قَوْلُهُ كَانَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ الْحَدِيثَ يُرِيدُ أَنَّ فِعْلَهُ إنَّمَا كَانَ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ فِي الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِسُورَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ حِرْصًا عَلَى التَّطْوِيلِ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَتْ الْأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَرِيضَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْفَرِيضَةِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي الشَّرْعِ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّافِلَةِ فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا أَوْلَى إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّافِلَةِ فِي وَقْتٍ كَانَتْ تَفَرَّدَتْ فِيهِ نَافِلَتُهُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ سَهْوًا أَوْ تَجْوِيزًا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ قِرَاءَتَهُ فِي الْفَرِيضَةِ بَيَّنَهَا فَقَالَ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَأَيُّهُمْ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِشَيْءٍ سِوَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ كُلِّهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ فَقَرَأَ فِيهَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْحَذْفِ وَالِاخْتِصَارِ وَلِذَلِكَ أُسِرَّتْ قِرَاءَتُهُمَا وَلَمْ يُجْهَرْ فِيهِمَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانَا بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْفَرِيضَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَاحْتِرَازًا مِمَّنْ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الضُّعَفَاءِ فَكَانَ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ قَرَأَ مِنْ السُّوَرِ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ مَا يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ خَوْفًا أَنْ يَشْرَعَ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ فَيَدْخُلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى الْقِيَامِ فَيَشْرَعَ لِذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَأَرَادَ مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زَادَ سُورَةً أُخْرَى مِثْلَهَا ثُمَّ ثَالِثَةً حَتَّى يَبْلُغَ غَرَضَهُ مِنْ طُولِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ أَرَادَ التَّطْوِيلَ مِنْ أَوَّلِ قِرَاءَتِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ لَشَرَعَ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ بِسُورَتَيْنِ وَثَلَاثٍ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَسُورَةٍ وَاحِدَةٍ أَحَبُّ إلَيْنَا. وَوَجْهُ جَوَازِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ عَرَفْت النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَوَجْهُ اخْتِيَارِ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ أَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْثُورُ عَنْهُ وَخَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السُّورَةَ تُقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى حُكْمِهَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ كَامِلَةٌ مِثْلُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقِرَاءَةِ بِبَعْضِ سُورَةٍ فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَآيَةٍ مِثْلِ آيَةِ الدَّيْنِ. وَجْهُ كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَبِ " ق " وَالطُّورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السُّوَرِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ فَكَمَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِ أُمِّ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ. وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ حَاضِرُ ذَلِكَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ يُرِيدُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ جَمِيعًا الصَّلَاةَ الرَّبَاعِيَةَ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرَادَ بِهِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَيَقْرَأُ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ فَقَرَأَ فِيهَا بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ لِلصَّلَاةِ وَبَيَانٌ لِسَمَاعِهِ لِمَا أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ وَقِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّخْفِيفَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ السُّوَرِ الَّتِي يَقْرَأُ بِهَا الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ سَلَامَةِ الْحَالِ لِأَنَّ مَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَوَاتِ مِنْ السُّوَرِ لَيْسَتْ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْهَا مَا يَكُونُ تَخْفِيفًا عَلَى الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ إتْمَامًا مَعَ الْأَخْذِ بِالْحَظِّ مِنْ التَّخْفِيفِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهَا وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْصِدَ مِنْ السُّوَرِ مَا يَلِيقُ بِالْجَمَاعَةِ فِي تِلْكَ

[العمل في القراءة]

الْعَمَلُ فِي الْقِرَاءَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ وَالْإِكْمَالَ وَعَرَفَ أَحْوَالَ مَنْ مَعَهُ فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَالتَّخْفِيفُ جَائِزٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي الْقِرَاءَةِ] (ش) : قَوْلُهُ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ الْقَسِّيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ رَوَى سَحْنُونٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُرِيدُ مُخَطَّطَةً بِالْحَرِيرِ كَانَتْ تُعْمَلُ بِالْقَسِّ الْمَاحُوزِ الَّذِي يَلِي الْفَرْمَاءَ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِهَا وَهَذَا فِي الْحَرِيرِ الْمَحْضِ أَوْ مَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرِيرَ الْمَحْضَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ وَأَمَّا الْغَزْوُ فَأَجَازَ ابْنُ حَبِيبٍ لُبْسَهُ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَمَنَعَ مِنْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْغَزْوَ مَوْضِعُ مُبَاهَاةٍ وَإِرْهَابٍ عَلَى الْعَدُوِّ. وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْغَزْوِ مِنْ اللِّبَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْغَزْوِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (فَرْعٌ) وَيُمْنَعُ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُفْرَشُ وَلَا يُبْسَطُ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَحَفُ فِيهِ وَلَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ. (فَرْعٌ) مَنْ صَلَّى بِثَوْبِ حَرِيرٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ مَنْ صَلَّى بِهِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِغَيْرِهِ لَمْ يُعِدْ فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الثَّمَانِيَةِ وَسَوَاءٌ مَنْ صَلَّى بِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّا يَسْتُرُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ يَسْتُرُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ يَسْتُرُهُ أَثِمَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَعَادَ أَبَدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمُعَصْفَرُ زَادَ أَبُو مُصْعَبٍ هَذَا اللَّفْظُ فَقَالَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَعْنَبِيُّ وَمَعْمَرٌ وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ فَقَالَ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْمُفَدَّمِ وَالْمُعَصْفَرِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَذْكُرْ الْمُفَدَّمَ غَيْرُ الضَّحَّاكِ. وَرَوَى سَحْنُونٌ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِالْمُفَدَّمِ لِلرَّجُلِ فِي الدُّورِ وَالْأَبْنِيَةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ مَعَ النِّسَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَنَا أَسْتَحِبُّ فِي لُبْسِهِ لِلرِّجَالِ أَنْ يُصْبَغَ بِنِصْفِ مَا يُصْبَغُ بِهِ لِلْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، خَاتَمُ الذَّهَبِ مَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ فَمَنْ صَلَّى بِهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ حُلِيَّ ذَهَبٍ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يُلْبَسُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الدُّعَاءَ فِي الرُّكُوعِ إنَّمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الرُّكُوعِ وَهَذَا يَقْتَضِي إفْرَادَهُ لِذَلِكَ وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ خَصَّ كُلَّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَتَيْنِ بِنَوْعٍ مِنْ الْعَمَلِ فَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ هَذَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ عَنْ الْبَيَاضِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ ولَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْت وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاتَهُمْ كَانَتْ نَافِلَةً لَمَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَرِيضَةً لَأَمَّهُمْ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: عُلُوُّ أَصْوَاتِهِمْ وَقِرَاءَةُ جَمِيعِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ فَرِيضَةً لَرَفَعَ صَوْتَهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْفَرِيضَةَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِصَلَاةِ إمَامٍ وَقَدْ بُيِّنَ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ جَمَعَهُمْ عَلَى إمَامٍ فِي نَوَافِلِ رَمَضَانَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ» تَنْبِيهٌ عَلَى مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْمَقْصُودُ بِهَا لِيَكْثُرَ مَعْنَى الِاحْتِرَازِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الْمُدْخِلَةِ لِلنَّقْصِ فِيهَا وَالْإِقْبَالَ عَلَى أُمُورِ الطَّاعَةِ الْمُتَمِّمَةِ لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ قِرَاءَةَ جَمِيعِهِمْ، وَقِرَاءَةُ كُلٍّ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُنَاجِيَهُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ مِنْ رَفْعِ صَوْتِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إيذَاءَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَمَنْعًا مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ وَتَفْرِيغِ السِّرِّ لَهَا وَتَأَمُّلِ مَا يُنَاجِي بِهِ رَبَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِذَا كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعًا حِينَئِذٍ لِإِذَايَةِ الْمُصَلِّينَ فَبِأَنْ يُمْنَعَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِالْمَسَاجِدِ وَاطِّرَاحًا لِتَوْقِيرِهَا وَتَنْزِيهِهَا الْوَاجِبِ وَإِفْرَادِهَا لِمَا بُنِيَتْ لَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ الْعَظِيمُ {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40] . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْإِمَامِ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ فَلَا بَأْسَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَنْ تَنَفَّلَ فِي بَيْتِهِ وَلَعَلَّهُ أَنْشَطُ لَهُ وَأَقْوَى وَزَادَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. (ش) : قَوْلُهُ قُمْت وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ يُرِيدُ الْقِيَامَ وَرَاءَهُمْ فِي الصَّفِّ وَذَلِكَ هَيْئَتُهُ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ الْوُقُوفَ الْمُعْتَادَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الِاعْتِمَادِ عَلَى رِجْلَيْهِ جَمِيعًا فَيَقْرِنُهُمَا وَيُحَرِّكُهُمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَوِّحَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَيَعْتَمِدَ عَلَى الْأُخْرَى وَيُقَدِّمَ إحْدَاهُمَا وَيُؤَخِّرَ الْأُخْرَى لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْوُقُوفُ الْمُعْتَادُ الْعَارِي عَنْ الِاسْتِعْمَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَذَلِكَ يَكُونُ فِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْبِرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ فِعْلِهِ فِي السِّرِّ وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اهْتِمَامِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الْحُكْمِ وَتَتَبُّعِ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ فِيهِ. وَالثَّانِي: فِيمَا جَهَرُوا وَذَلِكَ أَنْ يَسْمَعَ قِرَاءَتَهُمْ لِأُمِّ الْقُرْآنِ بِإِثْرِ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَيَعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْرَؤُهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ تَرْكِ قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَقْرَؤُهَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ إنْ جَهَرَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ بِهَا فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْرَأُ بِهَا سِرًّا وَلَا يَجْهَرُ بِهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلٍ بُنِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَهَبَ إلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عِنْدَ دَارِ أَبِي جَهْمٍ بِالْبَلَاطِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَقَامُوا لِلنَّاسِ الصَّلَاةَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَقْرَءُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَوْ كَانَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لَمَا جَازَ إقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَرَكُوا قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَمَا أُقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ فَتَرْكُهُمْ لِلْقِرَاءَةِ بِهَا وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَإِجْمَاعٌ مُسْتَقِرٌّ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ مِنْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْقَى الْقُرْآنَ إلَى أُمَّتِهِ إلْقَاءً شَائِعًا يُوجِبُ الْحُجَّةَ وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ وَيُثْبِتُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ وَيَمْنَعُ الِاخْتِلَافَ وَالتَّشَكُّكَ وَيُوجِبُ تَكْفِيرَ مَنْ جَحَدَ حَرْفًا مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا طَرِيقَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَلَمْ يَقَعْ لَنَا بِهِ الْعِلْمُ وَلَا يُوجِبُ جَحْدُ ذَلِكَ تَكْفِيرَ مَنْ جَحَدَهُ فَوَجَبَ بِأَنْ لَا يَكُونَ قُرْآنًا وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ وَلَا يَخْلُو إثْبَاتُكُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ أَوْ بِآحَادٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَبَلَغَنَا كَمَا بَلَغَكُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ آحَادٍ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَإِذَا بَطَلَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ فَخَبَرُ حُمَيْدٍ الْمَذْكُورُ وَهُوَ إجْمَاعٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ بِحَضْرَةِ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَعَدَمِ الْمُنْكِرِ عَلَيْهِ وَالْمُخَالَفِ لَهُ «وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ» الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدَيْ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ثُمَّ ذَكَرَ آيَ أُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى أَتَى عَلَى جَمِيعِهَا وَمَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ عِنْدَ قِرَاءَةِ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا قِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي النَّوَافِلِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقْرَأَ بِهَا فِي النَّافِلَةِ فِي أَوَّلِ الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَفِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ يُقْرَأُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ وَزَادَ إلَّا أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فَيُؤْمَرَ أَنْ يَفْصِلَ بِهَا بَيْنَ السُّوَرِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَسْتَفْتِحُ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ إلَّا سُورَةَ بَرَاءَةٌ. (ش) : يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِيهَا هِيَ الْفَرِيضَةُ الَّتِي كَانَ يَجْتَمِعُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِيهَا فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ يُنْكِرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ جَهَرَ عَلَيْهِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْبَلَاطُ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجِدَ نِهَايَةَ مَا كَانَ يَسْمَعُ مِنْهُ صَوْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِمَّا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَخْبَرَ عَنْهُ فَأَخْبَرَ عَمَّا كَانَ فِي عِلْمِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ صَوْتَ عُمَرَ إنَّمَا سُمِعَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِجَهَارَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ لَمَعَانٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ مَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ إتْيَانِ الْمَسْجِدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ عَنْ طَائِفَتِهِ وَأَهْلِهِ وَمِمَّنْ يَنْضَافُ إلَيْهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ صَوْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى مَا يَقُولُهُ وَجْهُ الْقَبِيلَةِ وَكَبِيرُ الْمَحَلَّةِ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ أَتْبَاعُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَلْيَقَ بِفَضْلِ مَالِكٍ وَدِينِهِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إتْيَانِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَرَأَ بِنَفْسِهِ فِيمَا يَقْضِي وَجَهَرَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أُصَلِّي إلَى جَانِبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَيَغْمِزُنِي فَأَفْتَحُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نُصَلِّي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ يَجْهَرُ ذَلِكَ فِي نَافِلَتِهِ بِاللَّيْلِ وَتَهَجُّدِهِ فَكَانَ يُسْمَعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. (ش) : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى دِينِهِ وَفَضْلِهِ قَدْ كَانَ يُدْرِكُهُ مَا يُدْرِكُ الْبَشَرَ مِنْ فَوَاتِ بَعْضِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ اتَّبَعَ الْإِمَامَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَرَأَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ مِنْ صَلَاةِ الْجَهْرِ فَكَانَ يَأْتِي فِيمَا يُصَلِّيهِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى حَسَبِ مَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ مِنْ الْجَهْرِ وَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ حَدِيثَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى نَحْوِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْجَهْرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ مَنْ رَأَى إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَأَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمَأْمُومُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ فِي مِثْلِ أَنْ يَفُوتَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الصُّبْحِ أَوْ يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الْخِلَافَ مُرْتَفِعٌ هُنَاكَ وَلَا بُدَّ لِلْمَأْمُومِ مِنْ الْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. (ش) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ رُومَانٍ كَانَ يُصَلِّي بِصَلَاةِ نَافِعٍ وَيَأْتَمُّ بِهِ فِي نَفْلٍ أَوْ فَرْضٍ وَقَوْلُ يَزِيدَ فَيَغْمِزُنِي فَأَفْتَحُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُرْتَجُ عَلَيْهِ فَيَغْمِزُهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ عِيسَى وَإِنَّمَا كَانَ يَغْمِزُهُ بِيَدِهِ دُونَ الْغَمْزِ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَدْعِي بِذَلِكَ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ الْفَتْحَ عَلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرْتَجَ عَلَيْهِ وَالْفَاتِحَ عَلَيْهِ لَا يَخْلُوَانِ أَنْ يَكُونَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي صَلَاتَيْنِ أَوْ يَكُونَ الْمُرْتَجُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْفَاتِحُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْفَتْحَ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بَأْسًا وَكَرِهَهُ الْكُوفِيُّونَ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّ الْفَتْحَ عَلَى الْإِمَامِ مَعُونَةٌ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَإِصَابَةِ الْقِرَاءَةِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْصَاتِ عِنْدَ إصَابَةِ الْقِرَاءَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَا فِي صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَا يَفْتَحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ فِيهِ اشْتِغَالًا لِلْفَاتِحِ عَنْ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ وَتَغْرِيرًا بِفَرْضِهِ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إلَى السَّهْوِ وَإِدْخَالِ نَقْصٍ فِي الْعِبَادَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَدْ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُعِيدُ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْتَحَ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ عَلَى مَنْ هُوَ فِي صَلَاةٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ وَإِذَا غَيَّرَ قِرَاءَتَهُ فَأَمَّا مِنْ الْإِرْتَاجِ عَلَيْهِ فَهُوَ إذَا وَقَفَ يَنْتَظِرُ التَّلْقِينَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا إذَا غَيَّرَ الْقِرَاءَةَ فَلَا يُفْتَحُ إذَا خَرَجَ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ أَوْ مِنْ آيَةٍ إلَى أُخْرَى مَا لَمْ يَخْلِطْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ أَوْ يُغَيِّرْ تَغْيِيرًا يَقْتَضِي كُفْرًا فَإِنَّهُ يُنَبَّهُ عَلَى الصَّوَابِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا غَمْزُ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ يَزِيدَ بْنَ رُومَانٍ لِيَفْتَحَ عَلَيْهِ فَقَدْ كَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ رُومَانٍ إذَا وَقَفَ نَافِعٌ وَلَا يُحْوِجُهُ إلَى غَمْزِهِ وَذَلِكَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْغَمْزَ زِيَادَةُ عَمَلٍ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْمَأْمُومُ عِنْدَ تَوَقُّفِ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فَقَدْ رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا خَبَرَ يَزِيدَ بْنِ رُومَانٍ وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِيهِ لَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَوْنِ عَلَى إتْمَامِ الْقِرَاءَةِ وَأَنَّهُ عَمَلٌ لِلصَّلَاةِ مَعَ قِرَاءَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْتَحْ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ مَعَ ذَلِكَ فَوَجْهُ الْعَمَلِ فِيهِ أَنْ يَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ أَوْ يُخَطْرِفَ تِلْكَ الْآيَةَ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَكَعَ وَسَجَدَ وَسَلَّمَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْظُرُ فِي مُصْحَفٍ إنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَأَمَّا إنْ أُرْتِجَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَلْيَسْتَدْعِ الْفَتْحَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَمْكَنَهُ وَلْيَغْمِزْ مَنْ

[القراءة في الصبح]

الْقِرَاءَةُ فِي الصُّبْحِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُصَلِّي مَعَهُ وَلْيَنْظُرْ فِي مُصْحَفٍ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ فَرْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقِرَاءَةُ فِي الصُّبْحِ] (ش) : مَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يُدْرِكُ الْإِسْفَارَ وَإِنْ بَدَأَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَدْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَنْصَرِفْنَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِي الْغَلَسِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ جَائِزٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا سُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَجَزَّأَ السُّورَةَ بَيْنَهُمَا أَمْ قَرَأَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَكِنْ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَوْ أَكْمَلَهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ لَخَرَجَ عَنْ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَمَّا كَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ السُّورَةِ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَجَابَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً كَامِلَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرَ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةِ يُوسُفَ وَسُورَةِ الْحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً فَقُلْت وَاَللَّهِ إذًا لَقَدْ كَانَ يَقُومُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ أَجَلْ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةِ يُوسُفَ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الْحَجِّ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ قِرَاءَةً بَطِيئَةً يُرِيدُ يَتَمَهَّلُ فِي النُّطْقِ بِالْحُرُوفِ وَيُبَالِغُ فِي التَّرْتِيلِ. وَقَوْلُ عُرْوَةَ لَهُ لَقَدْ كَانَ يَقُومُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ إنَّمَا عَلِمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ تَكَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي مُصَلَّاهُ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَمُّدٌ لِأَدَاءِ بَعْضِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَلَا يُظَنُّ هَذَا بِمِثْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ آخِرَ وَقْتِهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ خَفَّفَ صَلَاتَهُ مَعَ الْإِتْمَامِ لِفَرْضِهَا أَدْرَكَ جَمِيعَهَا فِي الْوَقْتِ وَإِنْ أَطَالَ قِرَاءَتَهَا أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً وَأَتَى بِسَائِرِهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ أَنْ يُخَفِّفَ صَلَاتَهُ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ أَعْظَمُ مِنْ فَضِيلَةِ الْإِطَالَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ كُلَّهُ فِي الْوَقْتِ وَيَتَنَفَّلَ بَعْدَهُ بِمَا شَاءَ وَالْإِطَالَةُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الَّذِي يُجْزِئُ مِنْهَا فِي مَعْنَى النَّافِلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفُرَافِصَةَ بْنَ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ قَالَ مَا أَخَذْت سُورَةَ يُوسُفَ إلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ إيَّاهَا فِي الصُّبْحِ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدِّدُهَا) ش قَوْلُهُ مَا أَخَذْت سُورَةَ يُوسُفَ يُرِيدُ مَا حَفِظَتْهَا إلَّا مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ إيَّاهَا فِي الصُّبْحِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ إنْصَاتِهِ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَتَفْرِيغِهِ سِرَّهُ لِمَا يَقْرَأُ بِهِ وَكَثْرَةِ تَرْدَادِ الْإِمَامِ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَقَدْ يَحْضُرُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْخُشُوعِ عِنْدَ قِرَاءَةِ بَعْضِ السُّوَرِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْضُرُهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ بَعْضٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْقِرَاءَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِ مَا يَحْضُرُهُ الْخُشُوعُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الْأُوَلِ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي سَفَرِهِ بِالسُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهَا وَذَلِكَ لِتَمَهُّلِهِ وَتَأَنِّيهِ وَقِلَّةِ عَجَلَتِهِ وَإِلَّا فَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْأَسْفَارِ الْعَجَلَةُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِيهَا بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالْأَكْرِيَاءُ يُعَجِّلُونَ النَّاسَ وَلِأَنَّ

[ما جاء في أم القرآن]

مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى يَدِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلَهَا قَالَ أُبَيٌّ فَجَعَلْت أُبْطِئُ فِي الْمَشْي رَجَاءَ ذَلِكَ ثُمَّ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي بِهَا قَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ إذَا افْتَتَحْت الصَّلَاةَ قَالَ فَقَرَأْت عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى أَتَيْت عَلَى آخِرِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيت» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّفَرَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُحْذَفُ فِيهِ بَعْضُ أَرْكَانِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْحَاجَةِ إلَى اسْتِصْحَابِ الرُّفْقَةِ فَبِأَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا أَوْلَى وَأَحْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ مَا أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ] (ش) : إنَّ حَمْلَ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِصَلَاةِ أُبَيٍّ أَفَادَ جَوَازَ مُنَادَاةِ الْمُصَلَّى وَذَلِكَ بِالْأَمْرِ الْيَسِيرِ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَعِيَهُ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِصَلَاتِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَوَاءً كَانَ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَأَمَّا إنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَعِيهِ إلَّا مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُبَيًّا فِي الصَّلَاةِ بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَمِنَ عَلَى أُبَيٍّ أَنْ يُجِيبَهُ فِي الصَّلَاةِ لِعِلْمِهِ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ احْتَجَّ عَلَى أُبَيٍّ بَعْدَ إخْبَارِهِ لَهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي إجَابَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ أُبَيٍّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَجَابَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَكُونُ هَذَا حُكْمًا يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِجَابَتِهِ وَلِأَنَّ إجَابَتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَذْكَارِ الَّتِي لَا تُنَافَى بِالصَّلَاةِ بَلْ هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا سَمِعَ الْمَأْمُومُ ذِكْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى النَّاسِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يُكْثِرُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بِذَلِكَ عَنْ صَلَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا اسْتَدْعَى مِنْهُ أَنْ يُجِيبَهُ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ مَعْنَى الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ فَرَفَعَ بِذَلِكَ صَوْتَهُ لِيُنَبِّهَ بِهِ رَجُلًا أَوْ لِيَسْتَوْقِفَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَقَدْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَجَابَهُ حِينَ أَمْكَنَتْهُ الْإِجَابَةُ عَلَى أَسْرَعِ مَا أَمْكَنَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ أَتَاهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ لِيُكَلِّمَهُ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ يُبَادِرُ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ وَيُوجِزُ لَهُمَا فِي صَلَاتِهِ وَيُكَلِّمُهُمَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ جَلَسَ إلَى مُصَلِّي نَافِلَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فَلْيُجَوِّزْ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا نُدِبَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ إتْمَامِ النَّافِلَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْعَوْدَةِ إلَيْهَا إنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أُبَيٍّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى يَدِي إنَّمَا ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّأْنِيسِ وَالتَّقْرِيبِ وَالتَّنَبُّهِ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالتَّأَمُّلِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إلَّا وَرَاءَ إمَامٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً» عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِقُدْرَتِهِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيمُ ذَلِكَ يَسِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِتَمَامِهِ إلَّا أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ وَمَعْنَى تَعْلَمَ سُورَةً أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِالسُّورَةِ وَحَافِظًا لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا» ذَكَرَ شُيُوخُنَا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُجْزِي غَيْرُهَا عَنْهَا وَسَائِرُ السُّوَرِ يُجْزِئُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَهِيَ سُورَةٌ قَسَمَهَا اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا مِنْ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ ثَوَابٍ أَوْ حَسَنَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَجَعَلْت أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ إبْطَاءَهُ خَوْفًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ النِّسْيَانِ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ شِدَّةُ الْحِرْصِ وَإِنْ بَعُدَ خَوْفُ النِّسْيَانِ بِقُرْبِ الْمُدَّةِ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ يُزِيلُهُ بِقَوْلِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي بِهَا وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْحِرْصِ وَاسْتِنْجَازٌ لِلْوَعْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَيْفَ تَقْرَأُ إذَا افْتَتَحْت الصَّلَاةَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ أَنْ يُقْرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ تُجْزِي وَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِهَا لَمَا صَحَّ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيِّ لِجَوَازِ أَنْ يُجِيبَهُ بِغَيْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْ تَعْلِيمِهِ أَحْكَامَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَصِفَاتِهَا وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهَا فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَقْرَأُ إذَا افْتَتَحْت الصَّلَاةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أُبَيٍّ فَقَرَأْت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى أَتَيْت عَلَى آخِرِهَا اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ بِآيَةٍ فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّ أُبَيًّا يَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ قَرَأَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لَبَدَأَ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ يَعْنِي أَنَّ مِنْ فَضَائِلِهَا أَيْضًا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي السَّبْعِ الْمَثَانِي وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى مَعْنَى التَّخْصِيصِ لَهَا بِهَذَا الِاسْمِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ قُرْآنًا عَظِيمًا كَمَا يُقَالُ فِي مَكَّةَ بَيْتُ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ الْبُيُوتُ كُلُّهَا لِلَّهِ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّعْظِيمِ لِمَكَّةَ وَيُقَالُ مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ عَبْدُ اللَّهِ وَكُلُّ رَسُولٍ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي أُعْطِيت» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إلَّا وَرَاءَ إمَامٍ) ش قَوْلُهُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً يَعْنِي مَنْ أَتَى مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِرَكْعَةٍ وَلَمْ يَقْرَأْ مَعَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا أَصْلٌ لَهُ فِيمَا مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ

الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ هِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَامٍّ فَقُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ فَغَمَزَ ذِرَاعِي ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] يَقُولُ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَجَّدَنِي عَبْدِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثًا فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَاَلَّذِي يَجِبُ قِرَاءَتُهُ أُمُّ الْقُرْآنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَقْرَأُ مَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَيُجْزِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «خَبَرُ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةً مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إلَّا وَرَاءَ إمَامٍ يَقْتَضِي قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ لِلْفَذِّ وَلَا لِلْإِمَامِ فَمَنْ قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ أَتَى مِنْ صَلَاتِهِ بِمَا لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ تَرَكَ قِرَاءَتَهَا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً رَوَاهَا الْوَاقِدِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهَا وَإِنْ قَرَأَ بِهَا فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عَوْنٍ وَأَيُّوبٌ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ إذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ «حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِذَا كَانَ شُرِطَ فِي صِحَّةِ بَعْضِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ سَائِرِهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَاهَا كُلَّهَا عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُلْغِي الرَّكْعَةَ وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَيُعِيدُهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً فَقَدْ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ مَحْمَلٌ وَاحِدٌ وَمَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ أَعَادَ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَأَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ مَا يَدْخُلُ الرُّبَاعِيَّةَ وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ بِجَوَازِهَا لِأَنَّهُ يَسْتَخِفُّ فِي عَامَّةِ الْأَشْيَاءِ الثُّلُثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة]

الْعَبْدُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَعْنِي نَاقِصَةً عَمَّا يَجِبُ فِيهَا وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ الْخِدَاجَ النَّاقِصُ الَّذِي لَا يَتِمُّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكُونَ مُجْزِئَةً وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَجَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً وَوَصَفَهَا بِالنُّقْصَانِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَإِنْ نَقَصَتْ فَضِيلَتُهَا أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهَا لَا تَخْرُجُ بِعَدَمِهَا عَنْ كَوْنِهَا صَلَاةً وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ لِأَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمُجْزِئِ مِنْهَا وَغَيْرِ الْمُجْزِئِ يُقَالُ صَلَاةٌ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ كَمَا يُقَالُ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةٌ مُجْزِئَةٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ النُّقْصَانِ عَلَيْهَا يَقْتَضِي نُقْصَانَ أَجْزَائِهَا وَالصَّلَاةُ لَا تَتَبَعَّضُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُ النُّقْصَانِ عَلَى عَدَمِ الْفَضِيلَةِ لِمَنْ كَمُلَتْ أَجْزَاؤُهُ وَوَصْفُ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا خِدَاجٌ إذَا لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ يَعْنِي فَسَادَهَا وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ تَامٍّ فَإِنْ قَرَأَ فِي بَعْضِ رَكَعَاتِهَا دُونَ بَعْضٍ فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ لَمْ يُذْكَرْ حُكْمُهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى يَخْرُجُ فَسَادُ كُلِّ رَكْعَةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي السَّائِبِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ اعْتِرَاضٌ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الشَّائِعِ عِنْدَهُ وَمَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَغَمَزَ ذِرَاعِي عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ لَهُ وَتَنْبِيهِهِ عَلَى فَهْمِ مُرَادِهِ وَالْحَثِّ لَهُ عَلَى جَمْعِ ذِهْنِهِ وَفَهْمِهِ لِجَوَابِهِ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ تَرْجَمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَنْ تَأَوَّلَ خِدَاجًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ تَامَّةٍ وَلَا مُجْزِئَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَهُ فِي الْمَأْمُومِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَقْرَأَ فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِيَشْغَلَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْوَسْوَاسِ وَأَمَّا مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ خِدَاجٌ عَلَى نُقْصَانِ الْفَضِيلَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ أُجْرِيَ عَلَى رَأْيِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تُرْسَمَ التَّرْجَمَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ وَالْقِرَاءَةُ فِي النَّفْسِ هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالتَّكَلُّمِ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ سِرًّا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ وَلَوْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ يَسِيرًا لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إجْرَاءَهَا عَلَى قَلْبِهِ دُونَ أَنْ يَقْرَأَهَا بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ قِرَاءَتَهَا بِاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّفْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ احْتِجَاجٌ مِنْهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي النَّفْسِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا أَعْلَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَضِيلَةِ الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ» ثُمَّ عَدَّ آيَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَسَمَّاهَا صَلَاةً لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الدُّعَاءُ وَهَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرْنَا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَقَعُ تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْصِيصُ وَالْبَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ غَيْرِهَا. وَالْمَعْنَى الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ لَكِنَّهُ سَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَاةً لَمَّا كَانَتْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْحَجُّ عَرَفَةَ» لَمَّا كَانَ الْحَجُّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعَرَفَةَ. (فَصْلٌ) : «وقَوْله تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ» مَعْنَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفًا ثَنَاءً عَلَيْهِ وَنِصْفًا دُعَاءً إلَى رَبِّهِ فِي الِاسْتِعَانَةِ لَهُ فِي تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى بِفَضْلِهِ إذَا أَتَى الْعَبْدُ بِالنِّصْفِ الَّذِي لِرَبِّهِ مِنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّمْجِيدِ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ هُوَ مَا يَدْعُوهُ فِيهِ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَقَدْ وَعَدَ بِذَلِكَ تَعَالَى وَوَعَدَهُ الْحَقُّ بِقَوْلِهِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بِنِصْفَيْنِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الْقِسْمَةِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى أَوْ فِي عَدَدِ الْأَلْفَاظِ أَوْ فِي عَدَدِ الْآيِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لِأَنَّ قَسَمَ الْبَارِي تَعَالَى ثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَقَسَمَ الْعَبْدِ دُعَاءٌ وَرَغْبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَالْبَارِي تَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِالثَّنَاءِ وَالْعَبْدُ مُنْفَرِدٌ بِالدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ الَّتِي يُنَزَّهُ الْبَارِي عَنْهَا كَمَا لَا يُقَالُ هَذَا الثَّوْبُ وَالْعَبْدُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِنِصْفَيْنِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَبْدُ لِلْآخِرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عَدَدَ الْأَلْفَاظِ وَلَا عَدَدَ الْحُرُوفِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَعَالَى عَدَدَ الْآيِ وَيُبَيِّنَ هَذَا قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ يَقُولُ الْعَبْدُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالْآيِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّمْجِيدِ لَهُ وَعَلَى ذَلِكَ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالْآيَةُ الرَّابِعَةُ فِيهَا إقْرَارٌ لِلَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَاسْتِعَانَةٌ بِهِ فَهِيَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَبِذَلِكَ وُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالثَّلَاثُ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ تَخْتَصُّ بِالْعَبْدِ رَغْبَةً فِي التَّوْفِيقِ وَبِذَلِكَ وُصِفَتْ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ لَكَانَ الْبَارِي يَخْتَصُّ مِنْ السُّورَةِ بِأَرْبَعِ آيَاتٍ ثُمَّ تَكُونُ آيَةٌ خَامِسَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ ثُمَّ يَخْتَصُّ الْعَبْدُ بِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ أَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ وَهَذَا يَمْنَعُ قِسْمَتَهَا بِنِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] عَلَى مَعْنَى الْبَيَانِ لِلصَّلَاةِ الَّتِي قَسَمَ الْبَارِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيَانُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لَهَا فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَقُولُهُ الْبَارِي تَعَالَى عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَبْدِ كُلَّ آيَةٍ مِنْهَا وَأَعْلَمَ الْعَبْدَ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَحَمْدَهُ وَثَنَاءَهُ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدَهُ إيَّاهُ وَدُعَاءَهُ وَرَغْبَتَهُ إلَيْهِ حَضًّا لِلْعَبْدِ عَلَى الْخُشُوعِ عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي لَا نَعْلَمُ اجْتِمَاعَهَا فِي سُورَةٍ مِنْ السُّوَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] بَيَانُ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ السُّورَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَدَأَ بِقَوْلِهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وَلَوْ كَانَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوَّلَ السُّورَةِ لَبَدَأَ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَرَأَ جَمِيعَ مَا سَمَّى صَلَاةً وَذَكَرَ فَضْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا فَلَوْ كَانَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْهَا لَقَرَأَهَا وَذَكَرَ فَضْلَهَا. (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى يَقُولُ الْعَبْدُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] يَقُولُ اللَّهُ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ بِخَلْقِهِ وَعِبَادِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ قَوْلِ الْعَبْدِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] مَجَّدَنِي عَبْدِي وَالدِّينُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحِسَابُ وَقِيلَ الْجَزَاءُ وَهَذَا إقْرَارٌ مِنْ الْعِبَادِ لِلْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِمُلْكِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ لَمَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الدِّينِ

[ترك القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مِمَّا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . تَرْكُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سَأَلَ هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالذِّكْرِ لِعَظَمَتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَذُلِّ الْمُلَّاكِ فِيهِ وَعَجْزِهِمْ عَنْ مِلْكِ شَيْءٍ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ وَيُرْجَى الثَّوَابُ وَيُخْشَى الْعِقَابُ فَيَجِبَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعِبَادَةِ مَنْ يَمْلِكُهُ وَيَمْلِكُ فِيهِ النَّفْعَ وَالضَّرَرَ وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَآلَ الْأَيَّامِ إلَيْهِ وَانْقِطَاعَ كُلِّ مَمْلَكَةٍ قَبْلَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ مَنْ يَبْقَى مُلْكُهُ دُونَ مِنْ يَنْقَطِعُ مُلْكُهُ وَتَضْمَحِلُّ رِئَاسَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ مَجَّدَنِي فِي هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ التَّمْجِيدُ ثَنَاءً إلَّا أَنَّ الْمَجْدَ الشَّرَفُ وَالْعُلُوُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي قَوْلِ الْعَبْدِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ اخْتِصَاصٌ بِهَذَا الْمَعْنَى. (فَصْلٌ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْعَبْدِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي أَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ تَعْظِيمٌ لِلْبَارِئِ تَعَالَى وَبَعْضَهَا اسْتِعَانَةٌ مِنْ الْعَبْدِ لَهُ عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ عَزَّ وَجَلَّ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مَا سَأَلَ مِنْ الْعَوْنِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِ الْعَبْدِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَبْدِ لِأَنَّهَا دُعَاؤُهُ بِالتَّوْفِيقِ إلَى صِرَاطِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ وَالْعِصْمَةِ مِنْ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ وَقَدْ وَعَدَ رَبُّنَا لِمَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ وَسَأَلَ أَنَّ لَهُ مَا سَأَلَ وَاَللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مِمَّا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . ش مَعَانِي هَذِهِ الْمُتُونِ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ عَمَلَ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ تَأْوِيلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَحَبُّ الْأَقْوَالِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ خَلْفَهُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ أَصْلًا أَسَرَّ الْإِمَامُ أَوْ جَهَرَ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَا الْمَأْمُومَ مِنْ الْقِرَاءَةِ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ لِلْإِنْصَاتِ إلَيْهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ عِنْدَ الْإِسْرَارِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْغَلْ نَفْسَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ وَلَمْ يَشْغَلْ نَفْسَهُ بِالتَّدَبُّرِ وَلَا يَقْرَأُ هُوَ إذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ تَفَرَّغَ لِلْوَسْوَاسِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ وَمَا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ وَتَعَلَّقَ ابْنُ وَهْبٍ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إلَّا الْخَيْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ هَذَا الْقَارِئِ أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَتَهُ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَهَذَا مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْكُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ] (ش) : قَوْلُهُ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ يُرِيدُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ تَكْفِيهِ أَنْ يَقْرَأَ هُوَ وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ مَنْ يَكْفِيهِ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فَقَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَقْرَأُ وَرَاءَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَتْرُكَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامِ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمَنْعِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَا يَقْرَأُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ وَرَاءَهُ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ وَأَتَى بِاللَّفْظِ عَامًّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ وَرَاءَ الْإِمَامِ جُمْلَةً وَلَكِنْ أَوْرَدَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ لِيُبَيِّنَ قِرَاءَةَ الِاخْتِلَافِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُسَوِّغَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إيرَادَ دَلِيلٍ عَلَى مَا يَقُولُ بِهِ مِنْهُ. (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَتْرُكَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) . ش ذَكَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِثْرِ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَخْتَارُهُ وَيَرَاهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ ثُمَّ احْتَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَقُولُ مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ش) : قَوْلُهُ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الدُّعَاءَ وَيَكُونُ مَعْنَى جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ بِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّلَاةِ الْأَفْعَالَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَجْهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ وَلَوْ جَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ لَقَالَ مَالِي أُنَازِعُ الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ حِينَ أَخْبَرُوهُ بِالْقِرَاءَةِ مَعَهُ وَلَوْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ لَقَالَ مَنْ قَرَأَ مَعِي آنِفًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتَدَأَهُمْ بِالسُّؤَالِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الْعِلْمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَقُولُ لَكُمْ مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَمَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُعَاتِبَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فَيَقُولَ مَالِي فَعَلْت كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ لِمَعْنَى التَّثْرِيبِ وَاللَّوْمِ لِمَنْ فَعَلَ مَا لَا يُحِبُّ فَيَقُولُ مَالِي أُوذِيَ وَمَا لِي أَمْنَعُ حَقِّي. وَقَدْ يَقُولُ ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ أَمْرًا غَابَ عَنْهُ سَبَبُهُ فَيَقُولُ الْإِنْسَانُ مَالِي لَمْ أُدْرِكْ أَمْرَ كَذَا وَمَالِي أُوقَفُ عَلَى أَمْرِ كَذَا وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ مَا الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ إبَاحَتِي لَكُمْ الْقِرَاءَةَ مَعِي فِي الصَّلَاةِ فَتَنَازَعُوا فِي الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَمَعْنَى مُنَازَعَتِهِمْ لَهُ لَا يُفْرِدُوهُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَقْرَءُونَ مَعَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُنَازَعَتَهُمْ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَالتَّنَازُعُ يَكُون بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى التَّجَاذُبِ. وَالثَّانِي: بِمَعْنَى الْمُعَاطَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] أَيْ يَتَعَاطَوْنَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ تَلَقَّوْا إنْكَارَهُ عَلَيْهِمْ الْقِرَاءَةَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَتَرْكِ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَرْكِ الْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْجَهْرِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ حُكْمَ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجَهْرِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْرَ عِلَّةُ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْقِرَاءَةِ جُمْلَةً وَجَمِيعِ الْكَلَامِ وَوُجُوبَ الْإِنْصَاتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ كُلِّ قَارِئٍ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ

[ما جاء في التأمين خلف الإمام]

مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ آمِينَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَالُ ائْتِمَامٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ مَعَهَا الْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَأْمُومِ أَصْلُهُ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا. (فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يَسْكُتُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ سَكَتَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يَقْرَأُ مَنْ خَلْفَهُ فِي سَكْتَتِهِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْلَى مِنْ تَفْرِيغِهِ لِلْوَسْوَاسِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ الْإِمَامُ قِرَاءَةً يَنْصِتُ لَهَا وَيَشْتَغِلُ بِتَأَمُّلِهَا وَتَدَبُّرِهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَرَأَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَ جَهْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَرُوِيَ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا أَنَّهَا قِرَاءَةُ قُرْآنٍ فَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ أَصْلُ ذَلِكَ حَالُ الْإِسْرَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ الْقَارِئُ نَفْسَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُسْمِعُ نَفْسَهَا وَلَا تُسْمِعُ غَيْرَهَا فِي قِرَاءَةٍ وَلَا تَلْبِيَةٍ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَلَيْسَتْ بِإِمَامِ فَتُسْمِعَ غَيْرَهَا رَوَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ هَلْ هُمَا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ هَيْئَاتِهَا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مِنْ الْهَيْئَاتِ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَمَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ كَقَوْلِهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] . وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يُعِيدُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمِنْهَا مَا يُسَرُّ فِيهَا فَاَلَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ الصُّبْحُ وَالْجُمُعَةُ وَالرَّكْعَتَانِ الْأُولَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَمِنْ غَيْرِ الْفَرَائِضِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْوَتْرِ إذَا أَمَّ فِيهَا فَأَمَّا النَّاسُ إذَا أَوْتَرُوا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ يُسِرُّونَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْهَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا مَا يُسَرُّ فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ فَصَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَمِنْ غَيْرِ الْفَرَائِضِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الَّتِي لَا تَتَقَدَّرُ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا جَهَرَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُسِرَّ فِيهَا أَسَرَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْجَهْرُ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَاعَدُونَ بِالْمَدِينَةِ لِقِيَامِ الْقُرَّاءِ بِاللَّيْلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُسْتَحَبُّ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ. [مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ] (ش) : قَوْلُهُ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ بَلَغَ مَوْضِعَ التَّأْمِينَ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ إذَا دَعَا قَالُوا وَقَدْ يُسَمَّى الدَّاعِي مُؤَمِّنًا كَمَا يُسَمَّى الْمُؤَمِّنُ دَاعِيًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] وَإِنَّمَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَاعِيًا وَالْآخَرُ مُؤَمِّنًا وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَعْنَى تَأْمِينِ الْإِمَامِ قَوْلُ آمِينَ كَمَا أَنَّ مَعْنَى أَمِّنُوا قُولُوا آمِينَ إلَّا أَنْ يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ بِدَلِيلٍ إنْ وُجِدَ إلَيْهِ وَجْهٌ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لِلْمُؤَمِّنِ دَاعٍ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ لِلدَّاعِي مُؤَمِّنٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسَّمَاعِ مَعَ أَنَّ تَأْوِيلَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ دَاعِيًا وَالثَّانِيَ كَانَ مُؤَمِّنًا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا دَاعِيَيْنِ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِيهِمَا وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إخْبَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَا عَلَى النَّدْبِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْبَرُ عَنْ فِعْلِ الْمُبَاحِ وَلَا يُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ وَحُضُورِ النِّيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْغَفْلَةِ وَقِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ فَمَنْ كَانَ دُعَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ دُعَاءَهُمْ وَقِيلَ إنَّ الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ الْمُتَعَاقِبِينَ يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَيُؤَمِّنُونَ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ فِي حُضُورِهِمْ الصَّلَاةَ وَقَوْلِهِمْ آمِينَ عِنْدَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ غُفِرَ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ الْإِجَابَةُ فَمَنْ اُسْتُجِيبَ لَهُ كَمَا يُسْتَجَابُ لِلْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ وَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ فِيهَا تَعَسُّفٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ قَالَ آمِينَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ آمِينَ غُفِرَ لَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمِنْ وَافَقَ قَوْلُهُ آمِينَ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ آمِينَ وَقَوْلُهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ يَقْتَضِي غُفْرَانَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ آمِينَ مُرْسَلٌ وَلَمْ يُسْنِدْهُ أَحَدٌ غَيْرُ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَدْ غَلَطَ فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَوْ أُسْنِدَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ آمِينَ فِيمَا يَؤُمُّ فِيهِ جَهْرًا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ قَوْلًا مُطْلَقًا وَلَعَلَّهُ كَانَ يَقُولُهُ فِيمَا يُصَلِّي فِيهِ فَذًّا أَوْ يَؤُمُّ فِيهِ سِرًّا. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ فِي آمِينَ لُغَةً ثَالِثَةً آمِّينَ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَذَكَرَ أَنَّهَا شَاذَّةٌ وَذَكَرَ ثَعْلَبُ أَنَّهَا خَطَأٌ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ أَنَّ الْقَصْرَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَإِنَّمَا قَصَرَ الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ تَبَاعَدَ مِنِّي فَطْحَلٌ إنْ سَأَلْته ... أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدَا لِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ قَصَرَهُ. وَقَدْ رُوِيَ فَآمِينَ زَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدًا بِالْمَدِّ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ إلَّا بِالْمَدِّ قَالَ وَمَعْنَى آمِينَ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِي وَهِيَ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ أَتَتْ مُعَرَّبَةً مَبْنِيَّةً عَلَى الْفَتْحِ لِلْيَاءِ الَّتِي قَبْلَ نُونِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْلُو الْمُصَلِّي إمَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُسِرَّ الْقِرَاءَةَ أَوْ يَجْهَرَ بِهَا فَإِنْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ آمِينَ فَرَوَى عَنْهُ الْمِصْرِيُّونَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَقُولُهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّ الْإِمَامَ دَاعٍ وَمِنْ سُنَّةِ الْمُؤَمِّنِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الدَّاعِي. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَهِيَ عِنْدِي الْخَبَرُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَقَائِلٌ يَقُولُ هُوَ مَكْرُوهٌ فَإِذَا بَطَلَتْ الْكَرَاهِيَةُ بِإِقْرَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ النَّدْبُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْحَدَثِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» لِأَنَّ الْفَاءَ فِي الشَّرْطِ لَا تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ وَلَوْ اقْتَضَتْ التَّعْقِيبَ فَإِنَّ خَبَرَ مَنْ رُوِيَ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» يَمْنَعُ مِنْهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا أَسَرَّ آمِينَ فَإِنَّ قَوْلَ الْمَأْمُومِ آمِينَ يَكُونُ عَقِيبَ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا أَيْ إذَا قَدَرْتُمْ أَنَّهُ أَمَّنَ بِقَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ عَقِبَ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ وَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا إمَامٌ فَكَانَ التَّأْمِينُ مَشْرُوعًا لَهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَسَرَّ الْقِرَاءَةَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْمَعْهَا فَلَا يَقُلْ آمِينَ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّة. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى قَدْ يُصَادِفُ تَأْمِينُهُ آيَةَ وَعِيدٍ وَلَيْسَتْ مِمَّا شُرِعَ التَّأْمِينُ عِنْدَهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَفْرِيعٍ وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ فَإِنَّهُ يُسِرُّهَا وَلَا يَجْهَرُ بِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَأْمِينُهُ ظَاهِرًا لَعَلَّقَ تَأْمِينَنَا بِهِ لَا بِقَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ إلَّا أَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ قَوْلُهُ آمِينَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ غَيْرِ الذِّكْرِ حَالَ الْقِيَامِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ الْجَهْرُ كَسَائِرِ مَا يُدْعَى بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّهُ يَقُولُ آمِينَ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَا دُعَاؤُهُ مِنْ مُؤَمِّنٍ عَلَيْهِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ أَمَّنَ هُوَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ فَإِنْ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ وَإِنْ أَسَرَّ الْقِرَاءَةَ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ عِنْدَ قَوْلِهِ هُوَ وَلَا الضَّالِّينَ لِأَنَّنَا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيمَا يُسِرُّ الْإِمَامُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الْفَذُّ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ عِنْدَ تَمَامِهِ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ أَسَرَّ وَلَا يَجْهَرُ بِقَوْلِ آمِينَ كَالْإِمَامِ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ الْقِرَاءَةَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ خَالِيَةٍ مِنْهَا حَتَّى صَارَ لِقِرَاءَتِهَا وَلِانْتِهَائِهَا أَحْكَامٌ فِي الصَّلَاةِ لِلْأَئِمَّةِ وَالْمَأْمُومِينَ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ رُبَّمَا تَرَكَهَا وَقَرَأَ بِغَيْرِهَا لَقِيلَ إنْ قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ يُقَالُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلِّ وَلَا يُقَالُ إنْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلِّ لِأَنَّ إنْ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُشَكُّ فِي وُقُوعِهِ فَتَقُولُ إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا وَلَا تَقُلْ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا وَأَنْتَ شَاكٌّ فِي مَجِيئِهِ هَذَا ظَاهِرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. (ش) : الْحَدِيثَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ يَخْتَصَّانِ بِالْمَأْمُومِ وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ قَائِلٍ آمِينَ وَدَعَا إلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَنَّ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ إذَا وَافَقَ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ آمِينَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَهَذِهِ حَالٌ يَرْجُوهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَتَبَيَّنُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُوَافَقَةَ تَأْمِينِ الْمُصَلِّي تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ مَعَ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ وَخَصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ يُرِيدُ مَنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ فِي السَّمَاءِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ عِنْدَ دُعَاءِ الْمُصَلِّي بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَهُمْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَغْفِرَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَتَّفِقُ مِمَّنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لَهُ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَتِهِ وَلَا يَحْرِمَنَا إيَّاهَا بِرَحْمَتِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ بِالْوُضُوءِ يَخْرُجُ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ وَمِنْ حَدِيثِ الصُّنَابِحِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَنَّ مَشْيَهُ إلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ نَافِلَةً لَهُ فَمَا الَّذِي يُغْفَرُ لَهُ بِقَوْلِ آمِينَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْوُضُوءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بَعْدَ حَدِيثِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا يُحْدِثُ فِي مَمْشَاهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بِقَرَائِنَ لَمْ يُطْلِعْنَا اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ اسْتِصْحَابِ نِيَّةٍ وَتَمَامِ خُشُوعٍ وَأَنَّهُ مِنْ عَدِمَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوُضُوءِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ آمِينَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ) . الْعَمَلُ فِي الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغُفْرَانِ نَوْعٍ مِنْ الذُّنُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَبِيُّنَا الصَّادِقُ الْمَعْرُوفُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ. وَقَدْ وَرَدَ بَيَانُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ فَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ لِمَنْ حَمِدَك فَيَقُولُ الْمَأْمُومُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَالدَّاعِي وَالْمُؤَمِّنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّرْغِيبِ فِي التَّحْمِيدِ وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ فِي ذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي التَّأْمِينِ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ كَقَوْلِ الْمَأْمُومِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْفِقْهِ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: أَحَدُهَا: قَوْلُ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ هَلْ يَقُولُ مَعَهَا اللَّهُمَّ رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ أَمْ لَا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ الْإِمَامُ اللَّفْظَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَقَدْ خَصَّ الْإِمَامَ بِلَفْظٍ وَخَصَّ الْمَأْمُومَ بِلَفْظٍ آخَرَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا أَضَافَهُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ مَا أَضَافَهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا بَطَلَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ وَاحِدًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَالذِّكْرِ فِي الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ وَالْكَلَامُ فِي الْمَأْمُومِ كَالْكَلَامِ فِي الْإِمَامِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُ يَقُولُهُمَا لِأَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ الْمَأْمُومُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجَابَةِ لِلْإِمَامِ بِغَيْرِ لَفْظِهِ فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِهِمَا جَمِيعًا أَصْلُ ذَلِكَ آخِرُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلِ آمِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا خِلَافَ فِي صِفَةِ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَقُولُهُ الْمَأْمُومُ وَاخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِزِيَادَةِ اللَّهُمَّ وَنُقْصَانِ الْوَاوِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَك الْحَمْدُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ رَبّنَا وَلَك وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اللَّهُمَّ رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ وَاخْتَارَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ قَدْ رَوَاهُ وَهُوَ ثِقَةٌ وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْلَى إذَا كَانَ ثِقَةً وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي لَفْظِ الذِّكْرِ. وَوَجْهُ مَا اخْتَارَهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْوَاوَ الزَّائِدَةَ فِي الْكَلَامِ لَا تُفِيدُ مَعْنًى فَكَانَ حَذْفُهَا أَوْلَى وَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهَا وَاوُ الِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ اللَّهُمَّ افْعَلْ وَلَك الْحَمْدُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَلِّي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِذْكَارِ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ إذْ الصَّلَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ أَنْ يَسْمَعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَيَكُونَ مَعْنًى يَسْمَعُهُ أَيْ يُثِيبُهُ وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُ وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مَعْنَاهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى فِعْلِ مَا دَعَا إلَيْهِ وَالْعَمَلِ بِمَا دَعَا لَهُ أَيْ يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُ.

[العمل في الجلوس في الصلاة]

وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفْت نَهَانِي. وَقَالَ اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ فَقُلْت كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ قَالَ كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَصَلَّى إلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ فَلَمَّا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعٍ تَرَبَّعَ وَثَنَى رِجْلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّك تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنِّي أَشْتَكِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْعَمَلُ فِي الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَيَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ فَأَخَّرَ تَعْلِيمَهُ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَبَثُ فِي الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْعَبَثِ بِالْحَصْبَاءِ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ فَجَمَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّهُ عَلَّمَهُ سُنَّةَ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ دَخَلَ تَحْتَ ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ مِنْ كُلِّ عَبَثٍ فِي حَالِ الْجُلُوسِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ مَعَ امْتِثَالِهِ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ أَتَاهُ بِالْحُجَّةِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ حِرْصٌ عَلَى الْعِلْمِ وَمُبَادَرَةٌ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُعَلِّمًا لَهُ وَمُخْبِرًا بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِعْلُهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِعْلَهُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ لَمَا صَحَّ إطْلَاقُهُ الْإِخْبَارَ عَنْ صَلَاتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ يَعْنِي غَيْرَ السَّبَّابَةِ قَبَضَهَا وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفَ هِيَ عَقْدُ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَعْنَى إشَارَتِهِ بِالسَّبَّابَةِ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَوَّلًا ثُمَّ لَقِيته فَسَمِعْته مِنْهُ وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ قَالَ هِيَ مُدْيَةُ الشَّيْطَانِ لَا يَسْهُو أَحَدُكُمْ مَا دَامَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَهُوَ يَقُولُ هَكَذَا فَفِيهِ أَنَّ تَحْرِيكَ السَّبَّابَةِ إنَّمَا هُوَ لِرَفْعِ السَّهْوِ وَقَمْعِ الشَّيْطَانِ يَتَذَكَّرُ بِذَلِكَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُهَا مِنْ تَحْتِ الْبُرْنُسِ وَيُوَاظِبُ عَلَى تَحْرِيكِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَمُدُّهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ وَيَجْعَلُ جَنْبَهَا الْأَيْسَرَ مِنْ فَوْقُ وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَرْيَمَ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيكِهِمَا فَهُوَ الَّذِي يَتَأَوَّلُ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ السَّهْوِ وَقَمْعَ الشَّيْطَانِ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى مَدِّهَا فَهُوَ الَّذِي يَتَأَوَّلُ التَّوْحِيدَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَرِّكُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَدَّهَا وَالْإِشَارَةَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فَلَمَّا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعٍ تَرَبَّعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَيَضَعُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَرَبَّعَ وَيَثْنِيَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ فَتَكُونَ رِجْلُهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ الْيُمْنَى وَيَثْنِيَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَتَكُونَ عِنْدَ أَلْيَتِهِ الْيُمْنَى وَيُشْبِهُ أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ قَعْدَةَ الرَّجُلِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ صَلَاتِهِ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِ اللَّهِ إنَّك تَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلِذَلِكَ امْتَثَلَ الرَّجُلُ فِعْلَهُ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِشَكْوَى رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ فُدِعَ بِخَيْبَرَ فَلَمْ تَعُدْ رِجْلَاهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ يَشْتَكِيهَا فَكَانَ يَجْلِسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَاجِبُ أَنْ يَتَكَلَّفَ سُنَّةَ الصَّلَاةِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي السَّجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَثْنِيَ الْيُسْرَى وَيُخْرِجَهُمَا جَمِيعًا مِنْ جِهَةِ وَرِكِهِ الْأَيْمَنِ وَيُفْضِيَ بِأَلْيَتِهِ إلَى الْأَرْضِ وَيَجْعَلَ بَاطِنَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَجْعَلَ جَنْبَهَا وَلَا ظَاهِرَهَا إلَى الْأَرْضِ هَذِهِ صِفَةُ الْجُلُوسِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجِلْسَتَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْلِسُ فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيَجْلِسُ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ مُتَوَرِّكًا يُخْرِجُ رِجْلَيْهِ مِنْ جِهَةِ وَرِكِهِ الْيُمْنَى وَيُفْضِي بِأَلْيَتِهِ إلَى الْأَرْضِ وَيُضْجِعُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْلِسُ فِي الْجِلْسَتَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ رِجْلَكَ الْيُسْرَى وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ يَتَكَرَّرُ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَكَرَّرَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْقِيَامِ وَالسُّجُودِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي السَّجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي) . (ش) : مَعْنَى رُجُوعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ سَجْدَتَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى قَدَمَيْهِ فَرُجُوعُهُ مِنْ الْأُولَى إلَى الْقُعُودِ عَلَى رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ عَلَى التَّوَرُّكِ فَكَانَ يَفْعَلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَقْرَبِ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هَيْئَاتِ الْجُلُوسِ مِمَّا كَانَ أَيْسَرَ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ إلَى السُّجُودِ وَهَذِهِ الْهَيْئَةُ يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ مِنْهَا إلَى السُّجُودِ فَأَمَّا هَيْئَتُهُ فِي الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى السُّجُودِ وَأَمَّا رُجُوعُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إلَى قِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ إلَى جُلُوسٍ عَادَ إلَى تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ تَرَبَّعَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إلَى قِيَامٍ رَجَعَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ إلَى الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَلْيَتَاهُ تَكَادُ أَنْ تَمَسَّ الْأَرْضَ ثُمَّ يَنْهَضُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إلَى الْقِيَامِ وَهُوَ الْإِقْعَاءُ الَّذِي كَرِهَهُ مَالِكٌ وَنَفَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ لِأَجْلِ شَكْوَاهُ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الرُّجُوعَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَقْعُدُ عَلَى قَدَمَيْهِ يَسِيرًا ثُمَّ يَنْهَضُ إلَى الْقِيَامِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يُسَمِّيهِ إقْعَاءً وَإِنَّمَا الْإِقْعَاءُ عِنْدَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى عَقِبَيْهِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّ الْإِقْعَاءَ هُوَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ عَلَى أَلْيَتِهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْلَ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا جُلُوسٌ لَمْ يُسَنَّ فِيهِ ذِكْرٌ وَلَيْسَ يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ مُشْتَبِهِينَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظُهُورِ قَدَمَيْهِ لَمْ يَعُدْ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ ذِكْرَ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ لِسُنَّةٍ عَلِمَهَا أَوْ لِتَمْيِيزٍ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ أَوْ لِعُذْرٍ اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْعُذْرَ الشَّكْوَى الَّتِي بِهِ لَا أَنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاة إذَا جَلَسَ قَالَ فَفَعَلْته وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَك الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ رِجْلَك الْيُسْرَى فَقُلْت لَهُ فَإِنَّك تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي) . ش قَوْلُهُ فَفَعَلْته وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَخْبَرَ أَنَّ مَا فَعَلَ مِنْ التَّرَبُّعِ فِي جُلُوسِ الصَّلَاةِ إذْ رَأَى أَبَاهُ يَفْعَلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ عُذْرَهُ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ مِمَّنْ رَسَخَ فِي الْعِلْمِ حَتَّى نَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ بِسُنَّةِ الصَّلَاةِ

[التشهد في الصلاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمْ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) . التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِي أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَرَهُ بِهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمْ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) . (ش) : هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اهْتِمَامِ التَّابِعِينَ وَمَنْ قَبْلَهُمْ بِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ يُرِيدُ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى طَرَفِ وَرِكِهِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمَيْهِ وَمَتَى لَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفْضِيَ بِأَلْيَتِهِ إلَى الْأَرْضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَمَّا إخْبَارُهُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ شَكْوَاهُ مِنْ رِجْلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُطَاعُ فِيهِ. [التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ] (ش) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَالسَّلَامُ مِنْهُ وَقَالَ غَيْرُهُ التَّحِيَّاتُ الْمُلْكُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالزَّاكِيَاتُ صَالِحُ الْأَعْمَالِ وَالطَّيِّبَاتُ طَيِّبَاتُ الْقَوْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الصَّلَوَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهَا غَيْرُ اللَّهِ وَهَذَا تَشَهُّدُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَارَ تَشَهُّدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ تَشَهُّدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَجْرِي مَجْرَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَّمَهُ لِلنَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا خَالَفَهُ فِيهِ وَلَا قَالَ لَهُ إنَّ غَيْرَهُ مِنْ التَّشَهُّدِ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ وَمُوَافَقَتُهُمْ إيَّاهُ عَلَى تَعْيِينِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ يَجْرِي مَجْرَاهُ لَقَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ وَأَكْثَرُهُمْ إنَّكَ قَدْ ضَيَّقْت عَلَى النَّاسِ وَاسِعًا وَقَصَرْتهمْ عَلَى مَا هُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ الْقِرَاءَةَ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْنَا مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الْمُنْزَلَةِ فَكَيْفَ بِالتَّشَهُّدِ وَلَيْسَتْ لَهُ دَرَجَةُ الْقُرْآنِ أَنْ يَقْصِرَ النَّاسَ فِيهِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ وَيَمْنَعَ مِمَّا تَيَسَّرَ مِمَّا سِوَاهُ وَلَمَّا لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِذَلِكَ وَلَا بِغَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّهُ التَّشَهُّدُ الْمَشْرُوعُ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ فِي التَّشَهُّدِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَكَيْفَمَا تَشَهَّدَ الْمُصَلِّي عِنْدَهُ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِي تَعْلِيمِ عُمَرَ النَّاسَ هَذَا التَّشَهُّدَ مَنْعٌ مِنْ غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ قَالَ قَوْمٌ السَّلَامُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] فَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيْ عَلَى حِفْظِكُمْ وَقَالَ قَوْمٌ السَّلَامُ الْمُسَلِّمُ لِعِبَادِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُ ذُو السَّلَامِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ السَّلَامَ مَقَامَهُ وَالسَّلَامُ التَّسْلِيمُ يُقَالُ سَلَّمَ سَلَامًا وَتَسْلِيمًا وَقَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُ السَّلَامَةُ عَلَيْكُمْ وَالسَّلَامُ جَمْعُ سَلَامَةٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَهِدْت أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَيَدْعُو إذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ بِمَا بَدَا لَهُ فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّ عَلَيْهِ) . (ش) : قَوْلُهُ فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ التَّشَهُّدِ عِنْدَ مَالِكٍ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ تَشَهُّدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ ذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ الْعَجْزِ فَلَمْ يَسْتَفْتِحْ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ يَدْعُو إذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ بَيَانٌ أَنَّ التَّشَهُّدَ عِنْدَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ نَقُولُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ حَتَّى بَلَغَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَدْعُو إذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ بِمَا بَدَا لَهُ يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ الدُّعَاءُ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا بِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو عَلَى الظَّالِمِ وَيَدْعُو لِلْمَظْلُومِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَدْعُو بِغَيْرِ الْقُرْآنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَدْعُو فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَوْضِعٌ لِلدُّعَاءِ وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُ. وَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ آخِرَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَمَّا كَانَ مُشْبِهًا لِأَوَّلِهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْتَهَى الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِيَسْتَدْرِكَ فِيهِ مَا فَاتَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلدُّعَاءِ كَأَوَّلِهِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ آخِرُ تَشَهُّدٍ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُمْنَعْ فِيهِ الدُّعَاءُ أَصْلُ ذَلِكَ التَّشَهُّدُ الثَّانِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ بَيَانَ أَنَّ التَّشَهُّدَيْنِ عِنْدَهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَفْظٍ وَاحِدٍ مُتَقَدِّمَيْنِ عَلَى الدُّعَاءِ مِنْ مَوْضِعِهِمَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ التَّشَهُّدِ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ هُوَ وَاجِبٌ فِي الْجِلْسَتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ وَاجِبٌ فِي الْجِلْسَةِ الْأُخْرَى دُونَ الْأُولَى وَرَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ ذِكْرٌ لَا يُجْهَرُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ يُرِيدُ أَنَّهُ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ التَّشَهُّدِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ السَّلَامِ وَهُوَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى الْمُصَلِّي وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ يَصِلُ بِذَلِكَ سَلَامَهُ مِنْ الصَّلَاةِ لِيُدْخِلَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ فِي حُكْمِهِ وَيَكُونُ آخِرُ التَّشَهُّدِ الْمَسْنُونِ مُتَّصِلًا بِسَلَامِهِ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ لِلْمَأْمُومِ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيُسَلِّمُ بِإِثْرِ سَلَامِ إمَامِهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا بَيَانُ حُكْمِ الْمَأْمُومِ فِي السَّلَامِ وَفِي هَذَا سَبْعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنَّ السَّلَامَ وَاجِبٌ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِهِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَحَلَّلُ مِنْهَا بِكُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ يُنَافِيهَا وَيَقْصِدُ بِهِ إلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا وَالِانْفِصَالِ مِنْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ فِي التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ صَحَّتْ وَكَمُلَتْ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ التَّسْلِيمِ فِي الصَّلَاةِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِالتَّعْرِيفِ فَإِنْ نُكِّرَ وَنُوِّنَ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُجْزِئُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَاَلَّذِي رَأَيْت لَهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ «أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا وَضَعَ اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا رَفَعَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَسَارِهِ» وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ الَّذِي لَمْ يُرْوَ عَنْهُ خِلَافُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (مَسْأَلَةٌ) : وَالْفَرْضُ مِنْ السَّلَامِ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْفَرْضُ اثْنَتَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نُطْقٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ مِنْهُ وَاحِدًا كَالتَّكْبِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحْوَالَ الْمُصَلِّينَ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَأْمُومٌ وَغَيْرُ مَأْمُومٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْمُومِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ الْفَذُّ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً يَخْرُجُ بِهَا عَنْ صَلَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ يُسَلِّمُ الْفَذُّ تَسْلِيمَةً عَنْ يَسَارِهِ وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ مَالِكٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إنَّ كُلَّ مُسَلِّمٍ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ تَسْلِيمَةً عَنْ يَمِينِهِ وَتَسْلِيمَةً عَنْ يَسَارِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشِيرُ بِالْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ وَبِالثَّانِيَةِ عَنْ يَسَارِهِ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ بِالتَّسْلِيمَةِ الَّتِي فِي جِهَتِهِ عَنْ يَمِينِهِ كَانَ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا شَيْئًا وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي إفْرَادَ السَّلَامِ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حُكْمِ الرَّدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يَخْرُجُ بِهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ يَرُدُّ بِهَا عَلَى الْإِمَامِ وَأَصْلُ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَإِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» وَهَذَا حُكْمُ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ فَيُسَلِّمُ أَوَّلًا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. وَوَجْهُ التَّعَلُّقِ بِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُرِعَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَيُسَلِّمَ أَوَّلًا عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ يَرُدَّ هُوَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ سَلَّمُوا هَذَا فِيمَنْ عَنْ يَسَارِهِ قِسْنَا عَلَيْهِ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ مُسَلِّمٌ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ كَالْمَأْمُومِينَ. (فَرْعٌ) فَعَلَى هَذَا يُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ يَتَحَلَّلُ بِهَا مِنْ صَلَاتِهِ وَأُخْرَى يَرُدُّ بِهَا عَلَى إمَامِهِ وَهَلْ يَرُدُّ بِتِلْكَ الثَّانِيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ يُسَلِّمُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَةً ثَالِثَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ فَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُزْ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرُدَّ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِتَسْلِيمَةٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يُفْرِدُ الْمَأْمُومِينَ بِتَسْلِيمَةٍ ثَالِثَةٍ فَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْمَأْمُومِينَ غَيْرُ حُكْمِ الْإِمَامِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ الْإِمَامُ عَنْهُمْ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَهُمْ بِسَلَامٍ يَرُدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ كَالْإِمَامِ لَمَّا كَانَ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ أُفْرِدَ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ بِأَيِّ سَلَامِ الرَّدِّ يَبْدَأُ الْمَأْمُومُ فَرَوَى أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ وَحَكَى عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً ثَالِثَةً وَهُوَ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِمَامَ بَدَأَ بِالسَّلَامِ فَكَانَ أَنْ يَبْدَأَ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ أَوْلَى. (فَرْعٌ) وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَسَلَّمَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الرَّدِّ الِاتِّصَالَ بِالسَّلَامِ فَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ بَطَلَ حُكْمُهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ بَاقٍ فَلَزِمَهُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُ لَوْ بَقِيَتْ صَلَاتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجْهَرُ الْمَأْمُومُ بِأَوَّلِ السَّلَامِ وَهُوَ الَّذِي يَرُدُّ بِهِ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُخْفِيَهُ لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّلَامَ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي الرَّدَّ عَلَيْهِ فِيهِ فَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْجَهْرِ بِهِ وَالسَّلَامُ الثَّانِي هُوَ رَدٌّ فَلَا يَسْتَدْعِي بِهِ رَدًّا فَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْإِسْرَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَعْيِينُ مَوَاضِعِ الْإِشَارَةِ بِالسَّلَامِ فَذَلِكَ عَلَى قَدْرِ أَحْكَامِ الْمُصَلِّينَ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَيَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا وَهَذَا حُكْمُ الْفَذِّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يُشِيرُ بِهَا عَنْ يَمِينِهِ وَالثَّانِيَةُ يُشِيرُ بِهَا عَنْ يَسَارِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ الْأُولَى وَيَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا وَلَمْ يَذْكُرُوا قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَيَقْصِدُ بِهَا الْإِمَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامَهُ وَيُسَلِّمُ الَّتِي يَرُدُّ بِهَا عَلَى الْمَأْمُومِ وَيُشِيرُ بِهَا عَنْ يَسَارِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) . (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ حَتَّى وَصَلَتْ السَّلَامَ بِآخِرِ التَّشَهُّدِ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ مَقَالَةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ الشَّافِعِيَّ قَالَ بِهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ إذَا تَشَهَّدَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) . (ش) : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ أَثْبَتُّمْ أَنَّ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الصَّوَابُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَرَدَدْتُمْ بِدَلِيلِكُمْ ذَلِكَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَهُمَا مُسْنَدَانِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمَ أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُمَا أَشَدُّ خِلَافًا لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ كَوْنِهِمَا مَوْقُوفَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا اخْتَارَ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى سَائِرِ مَا رُوِيَ فِيهِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ بِغَيْرِهِ لَا يَأْثَمُ وَلَا يَكُونُ.

[ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ إمَامٍ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَتْرًا فَقَالَا لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَا يَنْتَظِرَ الْإِمَامَ وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ إنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَارِكًا لِلتَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي عَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ وَحَضَّهُمْ عَلَيْهَا وَأَتَوْا بِمَعَانِيهَا وَنَقْلِ شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ قَدْ تَرَكْت الْأَفْضَلَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ إنَّكَ تَرَكْت الدُّعَاءَ جُمْلَةً وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّشَهُّدِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا جَعَلَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ أَلْفَاظُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ. (ش) : وَجْهُ مَا رَوَاهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي الْأَفْعَالِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَالْأَقْوَالُ تَتْبَعُ الْأَفْعَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَتَى سَقَطَتْ عَنْ الْمَأْمُومِ الْأَفْعَالُ سَقَطَتْ الْأَقْوَالُ بِأَنْ يُدْرِكَهُ رَاكِعًا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ الْأَفْعَالُ بِأَنْ يُدْرِكَهُ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْأَقْوَالُ فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي الْجُلُوسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَدُّ بِهِ فَكَذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ. [مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ] (ش) : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَعِيدُ لِمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ وَخَفَضَهُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ إمَامِهِ وَإِخْبَارٌ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ وَأَنَّ انْقِيَادَهُ لَهُ وَطَاعَتَهُ إيَّاهُ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ قَبْلَ إمَامِهِ انْقِيَادٌ لِمَنْ كَانَتْ نَاصِيَتُهُ بِيَدِهِ وَفِي رَفْعِ الْمَأْمُومِ وَخَفْضِهِ مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثُ صِفَاتٍ إحْدَاهَا أَنْ يَخْفِضَ وَيَرْفَعَ بَعْدَهُ فَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَخْفِضَ وَيَرْفَعَ مَعَهُ فَهَذَا يُكْرَهُ وَلَكِنَّهُ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَرْفَعَ وَيَخْفِضَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ» . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ سَاهِيًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَ رُكُوعِهِ فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِاتِّبَاعِ إمَامِهِ إنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ النَّاعِسِ وَالْغَافِلِ يَفُوتُهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَيَتْبَعُهُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ رَفَعَ مِنْ رُكُوعِهِ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ إحْدَى حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَبِعَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِهِ بِمِقْدَارِ فَرْضِهِ أَوْ رَفَعَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ رَفَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ مَنْ رَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبِعَ الْإِمَامَ فِي مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَرُكُوعُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَدْ اتَّبَعَ إمَامَهُ فِي فَرْضِهِ. (فَرْعٌ) وَلَا يَخْلُو أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا إنْ رَجَعَ لِاتِّبَاعِهِ أَنْ يَفُوتَهُ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ رَاكِعًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُتَابَعَتِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلْإِمَامِ وَقَدْ قَالَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ رَاكِعًا فَهَلْ يَرْجِعُ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يَرْجِعُ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ

[ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا]

مَا يَفْعَلُ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْجِعُ وَيَبْقَى بَعْدَ الْإِمَامِ بِقَدْرِ مَا انْفَرَدَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ مِنْ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ فَكَانَ اتِّبَاعُهُ فِيمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ بِمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ اتِّبَاعَ الْإِمَامِ يَلْزَمُهُ فِي فَضِيلَةِ الرَّكْعَةِ كَمَا يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ فِي فَرِيضَتِهَا وَلَوْ فَاتَهُ فَرْضُهَا مَعَهُ لَعَادَ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا فَاتَهُ فَضْلُهَا وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَبْنِيَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ مُسْتَحِقٌّ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ لِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ فِيهِ وَلَكِنْ لَا يَمْكُثُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ بِمِقْدَارِ مَا أَقَامَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ فَأَمَّا الْخَفْضُ قَبْلَ الْإِمَامِ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ عَنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا مِقْدَارَ فَرْضِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِي خَفْضِهِ قَبْلَ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا مِقْدَارَ فَرْضِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لِاتِّبَاعِ إمَامِهِ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْأَفْعَالِ فَأَمَّا الْأَقْوَالُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ فَرَائِضُ وَفَضَائِلُ فَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامُ وَمَتَى تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ دُخُولٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قَبْلَ إمَامِهِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَتْبَعَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ عَقَدَهَا غَيْرَ مُؤْتَمٍّ وَأَمَّا السَّلَامُ فَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إمَامِهِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَلَّمَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَحَمَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ. [مَا يَفْعَلُ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ يَعْنِي انْصَرَفَ وَخَرَجَ عَنْهَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَتْ رُبَاعِيَّةً عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَأَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْكَارًا لِفِعْلِهِ مَعَ أَنَّهُ شَرَعَ الشَّرَائِعَ وَعَنْهُ تُؤْخَذُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ جَوَّزَ عَلَيْهِ النِّسْيَانَ وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِيهَا تَقْصِيرٌ فَطَلَبَ مِنْهُ بَيَانُ ذَلِكَ فَصَادَفَ سُؤَالُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقِينًا أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ كَمُلَتْ أَوْ شَكًّا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ وَقَوْلُهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَهُوَ يَتَيَقَّنُ كَمَالَ صَلَاتِهِ فَيَسْتَشْهِدُ عَلَى رَدِّ قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ الصَّلَاةَ وَبَيَّنَ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَيَقُّنًا لِتَمَامِ صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِي تَمَامِ صَلَاتِهِ وَكَمَالِهَا لَأَخَذَ فِي الْإِتْيَانِ بِمَا شَكَّ فِيهِ وَلَا الْتَزَمَ مِنْ الصَّمْتِ مَا يَلْتَزِمُهُ الْمُصَلِّي فَلَمَّا أَخْبَرَ الصَّحَابَةُ بِتَصْدِيقِ قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ أَوْ الذِّكْرُ فَأَخَذَ فِي إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَالْتِزَامُ الصَّمْتِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا مَا لَمْ تَدْعُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ لِسَبَبِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَهُ الشَّكُّ فِي إتْمَامِ صَلَاتَهُ بِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ بِخَبَرِ مَنْ شَهِدَ مَعَهُ الصَّلَاةَ فَلَمَّا صَدَّقُوا ذَا الْيَدَيْنِ وَتَيَقَّنَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ لَمْ تَتِمَّ أَخَذَ فِي إتْمَامِهَا وَالْتَزَمَ شُرُوطَهَا. وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْكَلَامُ مَعَ الشَّكِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ كَمَالَ صَلَاتِهِ وَاعْتَقَدَ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا فَحُدُوثُ الشَّكِّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إلَيْهَا وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ تَرِدُ لِأَصْحَابِنَا مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى يَقِينٍ مُؤَثِّرٌ وَتَرِدُ مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ شَكَّ بَنَى عَلَى يَقِينِهِ فَإِنْ سَأَلَ مَنْ خَلْفَهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ وَيُجْزِيهِمْ وَلَوْ كَانَ الْفَذُّ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ شَكَّ فَقَدْ قَالَ أَصْبُغُ لَا يَسْأَلُ مَنْ حَوْلَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَخْطَأَ بِخِلَافِ الْإِمَامِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى يَقِينِ مَنْ مَعَهُ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْيَقِينِ مُؤَثِّرٌ وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ حُكْمَ الشَّكِّ دَاخِلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَإِنْ فَعَلَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ ثُمَّ سَأَلَهُمْ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يُجْزِيهِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حُكْمَ الشَّاكِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى يَقِينِهِ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى شَكٍّ فَقَدْ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الْكَلَامَ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي فِيهَا. وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ سَلَامٌ لَوْ قَارَنَهُ تَيَقُّنٌ بِتَمَامِ الصَّلَاةِ كَمُلَتْ الصَّلَاةُ فَإِذَا قَارَنَهُ شَكٌّ ثُمَّ تَيَقَّنَ كَمَالَ صَلَاتِهِ وَجَبَ أَنْ يُكْمِلَ بِهِ الصَّلَاةَ أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوئِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَلَّمَ وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ مَا قَالَ فَمَنْ كَانَ هَذَا فَذَكَرَ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي صَلَاتِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْهَيْئَةِ شَيْءٌ وَأَمَّا إنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَعَادَ إلَى الْجُلُوسِ لَمَّا عَلِمَ بِالسَّهْوِ ثُمَّ قَامَ إلَى صَلَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ فَكَانَ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَقِيَامُهُ لِلصَّلَاةِ مُسْتَحِقٌّ فَيَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي تَحَلَّلَ مِنْ صَلَاتِهِ فِيهَا ثُمَّ يَكُونُ قِيَامُهُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يَجْلِسُ. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ النُّهُوضَ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الصَّلَاةِ وَبِذَلِكَ احْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لِقَوْلِهِ هَذَا. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالنُّهُوضُ إلَى الْقِيَامِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ إذَا فَاتَ مَحِلُّهُ بِالْقِيَامِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ دَخَلَ بِإِحْرَامٍ وَلَمْ يَجْلِسْ وَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ نَافِعٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِلرَّكْعَتَيْنِ قَدْ انْقَضَى وَالْقِيَامُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَالْقِيَامِ بَعْدَ السُّجُودِ مِنْ رَكْعَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ إذَا لَمْ يَفْهَمْ عَنْهُ الْإِمَامُ بِالتَّسْبِيحِ مَوْضِعَ السَّهْوِ أَنْ يُكَلِّمَهُ بِذَلِكَ وَيُعْلِمَهُ بِمَوْضِعِ السَّهْوِ وَلَا يُفْسِدَ ذَلِكَ صَلَاتَهُ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَ ذُو الْيَدَيْنِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَوَاءٍ كَانَ سَهْوُهُ فِي ذَلِكَ فِي سَلَامِهِ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السَّهْوِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ تَنَاظَرَ شُيُوخُنَا بِالْعِرَاقِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَنْ سَهَا فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ عَلَى مِثْلِ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنْ فَعَلَهُ أَحَدٌ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ الْيَوْمَ وَمَنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا الْيَوْمَ وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْإِجَابَةِ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] وَلَمْ يَخُصَّ صَلَاةً مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُبَيٍّ إذْ لَمْ يُجِبْهُ حِينَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَعَاهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَنَبَّهَهُ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ هُوَ الْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالتَّكْبِيرُ لِلرُّجُوعِ إلَى الصَّلَاةِ مُسْتَحِقٌّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ بِإِحْرَامٍ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنْ لَمْ يُكَبِّرْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْهَا بِالسَّلَامِ فَلَا يَعُودُ إلَيْهَا إلَّا بِإِحْرَامٍ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ نُكْتَةً عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَقَامِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ بِالْقُرْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْصَرِفْ وَلَمْ يَعْمَلْ عَمَلًا وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ السَّلَامُ فَقَطْ فَهُوَ كَلَامٌ تَكَلَّمَ بِهِ فِي حَالِ صَلَاتِهِ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَتَمَادَى مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ يُجَدِّدُهُ وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ قَائِمٌ لَمْ يَنْصَرِفْ مِنْ مَوْضِعِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَالْمُنْصَرِفِ وَهَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ نَظَرٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ سَهْوٌ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ التَّحَلُّلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ سَاهِيًا فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ إحْرَامٍ يَعُودُ بِهِ إلَى صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّحَلُّلُ مِنْهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ بِسَلَامِهِ التَّحَلُّلَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ صَلَاتَهُ فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى إحْرَامٍ يَعُودُ بِهِ إلَى صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ وَإِلَّا كَانَ بِنَاؤُهُ عَارِيًّا مِنْ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا الَّذِي يَتَكَلَّمُ سَاهِيًا فَلَا يَقْصِدُ التَّحَلُّلَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَأَبْطَلَ صَلَاتَهُ وَأَمَّا مَا اعْتَبَرَهُ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ لَا يَقَعُ التَّحَلُّلُ بِهَا فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي وُجُوبِ الْإِحْرَامِ. (فَرْعٌ) وَمَتَى يُكَبِّرُ حَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نُكَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَجْلِسُ قَالَ رَوَاهُ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ التَّكْبِيرِ عَنْ وَقْتِ ذِكْرِهِ وَحَكَى ابْنُ شَبْلُونٍ أَنَّهُ يَجْلِسُ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي فَارَقَ عَلَيْهَا صَلَاتَهُ وَهُوَ الْجُلُوسُ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الطُّلَيْطِلِيِّ فِيمَنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ أَنَّهُ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَنْوِي بِهَا الرُّجُوعَ إلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً أُخْرَى يَقُومُ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يُفِيدُ اعْتِدَادَهُ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَإِضَافَةُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ إلَيْهِمَا لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَشُكُّ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اللَّتَيْنِ صَلَّى بَعْدَ سَهْوِهِ غَيْرُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَلَّى قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ وَالْبَدَلِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِمَا وَالْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يُبَيِّنَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ صَلَّاهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ بَيَانٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ كَانَتَا بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَبَيَانٌ وَاضِحٌ فِي مِقْدَارِ سُجُودِهِ فِيهِمَا وَأَنَّهُمَا كَسُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْ أَطْوَلَ وَقَدْ بَيَّنَ مَعَ ذَلِكَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَالرَّفْعَ مِنْ آخِرِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ التَّشَهُّدَ بَعْدَهُمَا وَلَا السَّلَامَ مِنْهُمَا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ التَّكْبِيرَ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ التَّكْبِيرَ وَالسَّلَامَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَفْعَلُونَ كَفِعْلِهِ. ش بَيَّنَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّلَاةَ الَّتِي جَرَتْ فِيهَا قِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذِي الْيَدَيْنِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيَانٌ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْصُرْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ بُكَيْر بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي خَثْمَةَ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إحْدَى صَلَاتَيْ النَّهَارِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَلَّمَ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلُ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ كُلُّ سَهْوٍ كَانَ نُقْصَانًا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَكُلُّ سَهْوٍ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ بَعْدَ السَّلَامِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ مِنْهَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ عِنْدَ ذِي الْيَدَيْنِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْقِسْمُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ نَسِيَ إلَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنْ يَقِينِهِ وَمَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فَعَلَهُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ النِّسْيَانُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ اسْتِبْعَادٌ لِقَوْلِهِ وَقَطْعٌ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الصِّحَّةُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي اعْتِدَادَهُ بِمَا صَلَّى مِنْهَا. (ش) : قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذُو الشِّمَالَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ خَيْثَمَةَ ذُو الشِّمَالَيْنِ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ مِنْ خُزَاعَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَذُو الْيَدَيْنِ هُوَ الْخِرْبَاقُ وَهُوَ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مَعًا خَالَفَهُ فِيهِ الْحُفَّاظُ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَبُو سُفْيَانَ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُفَّاظُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَبَيَّنَ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي مُشَاهَدَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَذُو الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ جَمَّةٍ. (فَصْلٌ) : وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِهِ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ سُجُودَ السَّهْوِ وَقَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ أَوْلَى إذَا كَانَ رَاوِيهِ ثِقَةً. (ش) : هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّجُودُ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّجُودُ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ سُجُودَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّلَامَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ وَأُضِيفَ إلَى الصَّلَاةِ اقْتَضَى السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَى مَعَ الْإِطْلَاقِ لَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ جِنْسِ السَّلَامِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ السُّجُودُ بَعْدَ كُلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ سَهْوَ الزِّيَادَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ سُجُودَ سَهْوٍ فِيهَا لِأَنَّ النَّقْصَ إنَّمَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالزِّيَادَةِ فِي فِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُزَالَ ذَلِكَ النَّقْصُ وَيُجْبَرَ بِزِيَادَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا أَدْخَلَ النَّقْصُ فِيهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُحْرِمُ لَهُمَا أَوْ لَا، عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُحْرِمُ لَهُمَا وَالثَّانِيَةُ نَفْيُ ذَلِكَ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى لَا يُحْرِمُ لَهُمَا قَالَ ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا إلَّا بِإِحْرَامٍ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ صَلَاةٌ فِي نَفْسِهَا لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةٍ وَتُفْعَلُ بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ السَّهْوِ وَيُسَلَّمُ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهَا تَكْبِيرَ إحْرَامٍ وَأَنْ تَفْتَقِرَ إلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا سُجُودٌ يُفْعَلُ خَارِجَ الصَّلَاةِ مُفْرَدًا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. (فَرْعٌ) وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ لَهُمَا وَيُسَلِّمُ

[إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته]

إتْمَامُ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا يَتَشَهَّدُ لَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا فَقَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» وَهَذَا نَصٌّ فِي السَّلَامِ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السُّجُودَ إذَا كَانَ شَفْعًا لَمْ يَكُنْ إلَّا فِي صَلَاةٍ وَكُلُّ مَوْضِعٍ شُرِعَ فِيهِ السُّجُودُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنَّمَا شُرِعَ وَتْرًا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا إلَّا بِسَلَامٍ بَعْدَهُ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صِفَةِ السَّلَامِ مِنْهَا فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهَا فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسِرُّ وَلَا يَجْهَرُ بِهَا. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ سَلَامٌ عَقِبَ سُجُودِ سَهْوٍ فَجَازَ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ كَسَلَامِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ يَقْتَصِرُ فِيهَا عَلَى رُكْنٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ سُنَّةُ السَّلَامِ مِنْهَا الْإِسْرَارَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْخِلَافُ فِي الْجِنَازَةِ كَالْخِلَافِ فِي هَذَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا ذِكْرُ السُّجُودِ لِسَهْوِ النَّقْصِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ. [إتْمَامُ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ] (ش) : قَوْلُهُ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّهْوَ وَالشَّكَّ يَقَعُ مِنَّا فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَدَائِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَةً وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ظَاهِرُهُ خِلَافُ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ السُّجُودَ فِي السَّهْوِ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَنَا فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّرْجِيحُ. وَالثَّانِي: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَلَنَا أَخْبَارٌ كُلُّهَا صِحَاحٌ وَلَا اضْطِرَابَ فِي أَسَانِيدِهَا وَخَبَرُهُمْ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ مَالِكًا وَأَكْثَرَ الْحُفَّاظِ عَلَى إرْسَالِهِ. وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي إسْنَادِهِ فَرَوَاهُ ابْنُ بِلَالٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ مَا تَعَلَّقْنَا بِهِ أَوْلَى لِسَلَامَةِ رِوَايَتِهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ خَبَرَ عَطَاءٍ رَوَاهُ وَاحِدٌ وَالْأَخْبَارَ الَّتِي تَعَلَّقْنَا بِهَا رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّعَلُّقُ بِخَبَرِهِمْ أَوْلَى لِأَنَّ السَّهْوَ عَنْ الْجَمَاعَةِ أَبْعَدُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ رُوَاةَ مَا تَعَلَّقْنَا بِهِ أَثْبَتُ لِأَنَّ عَلْقَمَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ أَثْبَتُ مِنْ عَطَاءٍ فَكَانَ التَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِمَا أَوْلَى. وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّا نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ سَلَامُ التَّشَهُّدِ وَقَدْ أَطْلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَ السَّلَامِ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ. وَوَجْهٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَةً وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ نَصُّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ وَالسَّلَامِ فَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إطْرَاحِ أَحَدِهِمَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَخَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي قَدْ تَرَكَ ذِكْرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ شَفَعَهُمَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ ذِكْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّفْعِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا مَا يُوتِرُهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَجَبَ إصْلَاحُ ذَلِكَ بِمَا يَشْفَعُهَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ مَا أَرَادَ بِهِ الشَّفْعَ يُوتِرُ الصَّلَاةَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ السَّجْدَتَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ الشَّفْعُ يَقَعُ بِهِ الْوَتْرُ فَلَوْ كَانَتْ السَّجْدَتَانِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَفْعٍ فَيَنْقُلَهَا ذَلِكَ إلَى الْوَتْرِ فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَتَانِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يَقَعْ بِهَا شَفْعٌ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا وَتْرٌ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ شَفْعًا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَا يُفْعَلُ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَجْبُرُ الصَّلَاةَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِهَا وَإِفْسَادِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ مُتَيَقِّنًا لِتَمَامِ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَرَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ فَصَلَّاهَا عَلَى مَا بَدَا لَهُ فَإِنَّهُ يَجْبُرُ بِذَلِكَ نَقْصَ صَلَاتِهِ وَيُتِمُّهَا فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ إتْمَامِهَا أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَوْ لَا لَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا فِي نَصِّ صَلَاتِهِ وَلَا فِي إفْسَادِهَا وَلَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ لِشَيْءٍ مِنْ زِيَادَتِهِ تِلْكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ السَّهْوَ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنَّ السَّلَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ هُوَ سَلَامُ التَّشَهُّدِ لِأَنَّ تَرْغِيمَ الشَّيْطَانِ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ تَمَامِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ أَنْ يُؤْمَنَ إفْسَادُهُ إيَّاهَا بِالسَّهْوِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ إنَّ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ نَقْصٌ وَلِلسَّهْوِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنَّمَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ مَنْ تَيَقَّنَ الزِّيَادَةَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلْيَتَوَخَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهِ عَلَّقَ الْإِعَادَةَ بِالظَّنِّ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّجْوِيزَ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَإِنَّمَا يَعْتَدُّ مِنْ صَلَاتِهِ بِمَا تَيَقَّنَ أَدَاءَهُ لَهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْجِعُ إلَى غَالِبِ ظَنِّهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنَّهُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا لَمْ يُصَلِّ خَامِسَةً وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ صَلَّى رَابِعَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ أَسْنَدَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَيَقَّنٌ تَعَلُّقُهَا بِالذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَلْزَمُ الشَّاكَّ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا لَمْ يَطُلْ ذَلِكَ فَإِنْ تَذَكَّرَ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَأَلْغَى وَالشَّكَّ وَهَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ سَهْوٍ لِتَذَكُّرِهِ أَمْ لَا أَفْعَالُ الصَّلَاةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ فِي تَطْوِيلِهِ قُرْبَةٌ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ فَهَذَا لَيْسَ فِي تَطْوِيلِهِ لِذَلِكَ سُجُودُ سَهْوٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْجُلُوسِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّهِ فَيَسْجُدَ لِسَهْوِهِ وَأَمَّا مَا لَا قُرْبَةَ فِي تَطْوِيلِهِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ الْمُسْتَوْفِزِ لِلْقِيَامِ عَلَى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَطَالَ التَّذَكُّرَ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ لِأَنَّ الشَّكَّ بِانْفِرَادِهِ لَا يُوجِبُ سُجُودَ سَهْوٍ وَتَطْوِيلُ ذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَوَّلَهَا بِالشَّكِّ وَلَا قُرْبَةَ فِي تَطْوِيلِهَا فَلَزِمَ بِذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ يَعْنِي قَبْلَ قِيَامِهِ وَزَوَالِهِ عَنْ مُصَلَّاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الدُّخُولَ فِيهَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جُلُوسٍ وَكَذَلِكَ الِانْفِصَالُ عَنْهَا وَلَا يَنْحَطُّ لَهَا مِنْ قِيَامٍ كَمَا

[من قام بعد الإتمام وفي الركعتين]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرِو السَّهْمِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَكِلَاهُمَا قَالَ لِيُصَلِّ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ النِّسْيَانِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لِيَتَوَخَّ أَحَدُكُمْ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْعَلُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِمَنْ قَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. (ش) : جَوَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَقْرِيرُ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِ عَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهِ. (ش) : وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِثْلُ رِوَايَةِ سَالِمٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سُجُودَ السَّهْوِ وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَكَعْبٍ. [مَنْ قَامَ بَعْدَ الْإِتْمَامِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ] ِ (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ بَعْدَ الْإِتْمَامِ يُرِيدُ إتْمَامَ رُكُوعِ صَلَاتِهِ وَسُجُودِهَا وَهُوَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا وَقَوْلُهُ أَوْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ يَعْنِي أَنْ يَقُومَ مِنْهُمَا وَلَا يَجْلِسُ الْجِلْسَةَ الْأُولَى. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ» ) . (ش) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا حُكْمَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَأَنَّهُ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا لَا يَرْجِعُ إلَى الْجِلْسَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَلَا مَحِلًّا لِلْفَرْضِ أَوْ يَكُونُوا لَمْ يَعْلَمُوا فَسَبَّحُوا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسَبَّحُوا بِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنْ يُسَبِّحُوا بِهِ وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِيَامِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْأَرْضِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ الْأَرْضِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ قِيَامَهُ. وَالثَّالِثَةُ: بَعْدَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقِيَامَ. فَأَمَّا إذَا سَبَّحُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا سَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ أَنْ فَارَقَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ الْقِيَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يَتَشَبَّثْ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْوُقُوفُ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى فِعْلِ الْجُلُوسِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَحِلَّ قَدْ فَاتَ بِالِانْتِقَالِ عَلَى هَيْئَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إذَا سَبَّحُوا بِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ مَحِلُّ الْجِلْسَةِ وَتَلَبَّسَ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْوُقُوفُ فَإِنْ رَجَعَ فَهَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ لَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحِلِّ الْجُلُوسِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بِالْجُلُوسِ كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجُلُوسِ فَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ بِالرُّجُوعِ فَهَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَأَشْهَبُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَضَى الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ الدُّعَاءُ وَصَارَ مَنْ وَرَاءَهُ يَنْتَظِرُونَ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّلَاةِ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فَقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فِيهِمَا فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ» ) . النَّظَرُ فِي الصَّلَاةِ إلَى مَا يَشْغَلُك عَنْهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ «أَهْدَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَضَى صَلَاتَهُ قَارَبَ قَضَاءَهَا وَأَتَى بِجَمِيعِهَا غَيْرِ التَّسْلِيمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَبَّرَ يَقْتَضِي أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ يُكَبَّرُ لَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ التَّكْبِيرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ سَجَدَ لِسَهْوِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَى سَهْوِهِ النَّقْصَ مِمَّا سُنَّ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْجِلْسَةُ الْأُولَى وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْجُدُ لِمِثْلِ هَذَا بَعْدَ السَّلَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا جُبْرَانٌ لِلنَّقْصِ الْوَاقِعِ فِي الْعِبَادَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فِي الْحَجِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ سَجْدَةُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَلْ يُعَادِلُهُ التَّشَهُّدُ أَمْ لَا فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ: وَجْهُ قَوْلِهِ يُعَادُ أَنَّ هَاتَيْنِ سَجْدَتَانِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ لَا يُسَلِّمَ مِنْهُمَا إلَّا بَعْدَ تَشَهُّدِ سَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ لَا يَتَكَرَّرُ التَّشَهُّدُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِذَا أَعَدْنَا التَّشَهُّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَقَدْ كَرَّرْنَاهُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ الصَّلَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا إحْرَامَ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلَّ سُجُودٍ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِإِحْرَامٍ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ فَذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ بِالْقُرْبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَسْجُدُهُمَا فِي مَوْضِعِ ذِكْرِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا يَسْجُدُهُمَا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ فِي السَّلَامِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ أَتَمَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تُجْزِهِ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُجُودٌ مِنْ نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الرَّاعِفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُتِمُّ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (ش) : بَيَّنَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُرِيدُ انْقَضَتْ أَفْعَالُ صَلَاتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا التَّحَلُّلُ مِنْهَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ بِقَوْلِهِ وَانْتَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ وَقَوْلِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُرِيدُ لِسَهْوِهِ ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّشَهُّدَ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَقَامَ بَعْدَ إتْمَامِهِ الْأَرْبَعَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَجْلِسُ وَلَا يَسْجُدُ وَلَوْ سَجَدَ إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ لَمْ أَرَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى ثُمَّ إذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ) . (ش) : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ لِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَإِذَا زَادَ سَاهِيًا وَهُوَ فِي نَفْسِ الزِّيَادَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهَا مَتَى مَا ذَكَرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ ذَكَرَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ التَّرْكُ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ وَالْأَخْذِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَشَهُّدِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ قَضَى صَلَاتَهُ يُرِيدُ أَتَمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا مِنْ جُلُوسٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُرِيدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ.

[النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها]

أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ يَشْهَدُ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إلَى أَبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْت إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [النَّظَرُ فِي الصَّلَاةِ إلَى مَا يَشْغَلُك عَنْهَا] (ش) : الْخَمِيصَةُ كِسَاءُ صُوفٍ رَقِيقٌ يَكُونُ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَمٌ وَكَانَتْ مِنْ لِبَاسِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَشُهُودُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا الصَّلَاةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا وَذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لَنَا وَهُمْ كَانُوا سُكَّانَ الشَّامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ جِهَتِهِمْ عَلَى الذَّكَاةِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إلَى أَبِي جَهْمٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْهَدِيَّةِ إلَى مُهْدِيهَا بِاخْتِيَارِ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِنِّي نَظَرْتُ إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَيَّنَ عِلَّةَ رَدِّهَا لِيُقْتَدَى بِهِ فِي تَرْكِ لِبَاسِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. وَالثَّانِي: عَلَى وَجْهِ التَّأْنِيسِ لِأَبِي جَهْمٍ فِي رَدِّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَقَعْ وَأَنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمُلَتْ بِقَوْلِهِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي. (ش) : لِبَاسُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَمِيصَةَ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا عَلَمٌ وَالْأَنْبِجَانِيَّةَ وَالْأَنْبِجَانِيُّ كِسَاءُ صُوفٍ غَلِيظٌ إنْ أَرَدْت الثَّوْبَ وَالْكِسَاءَ ذَكَّرْتَ وَإِنْ أَرَدْت الرُّقْعَةَ وَالْخَمِيصَةَ أَنَّثْت قَالَ ثَعْلَبٌ يُقَالُ أَنْبِجَانِيَّةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا فِي كُلِّ مَا كَثُفَ وَالْتَفَّ يُقَالُ شَاةٌ أَنْبِجَانِيَّةٌ إذَا كَانَ صُوفُهَا كَثِيرًا مُلْتَفًّا وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا هِيَ مَنْبَجَانِيٌّ وَلَا يُقَالُ الْبَجَانِيُّ إنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مَنْبِجَ وَفُتِحَتْ بَاؤُهُ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٍّ وَمَخْبَرَانِيٍّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ثَعْلَبٌ أَظْهَرُ وَالنَّسَبُ إلَى مَنْبِجَ مَنْبِجِيٌّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبِجَانِيَّةً لَهُ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا التَّبَسُّطَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسْعِفُ رَغْبَتَهُ وَلَا يَرُدُّ إرَادَتَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَرْوِيهِ عَلْقَمَةُ فِي أَنَّ أَصْلَ الْخَمِيصَةِ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَهْمٍ أَهْدَاهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا أُهْدَاهُ مِنْ الْمُهْدِي لَهُ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ الَّتِي يُكْرَهُ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِمَنْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْفَرَسَ الَّذِي كَانَ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي جَهْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ؟ سُؤَالٌ عَنْ مَعْنَى كَرَاهِيَتِهِ لِلْخَمِيصَةِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِيهَا تَحْرِيمُ لُبْسِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي نَظَرْت إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِاشْتِغَالِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهَا يُقَلِّبُهُ فِيهَا دُونَ تَكَلُّفٍ وَلَا قَصْدٍ وَلَا امْتِنَاعٍ مِنْ كُلِّ مَا يَشْغَلُ فِيهَا وَالْقَصْدِ إلَى التَّفَرُّغِ لَهَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ خَيْرَهَا وَلَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ أَبَا جَهْمٍ مِنْ لُبْسِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْرَضْ عَلَى غَيْرِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا وَيُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِدْخَالِ النَّقْصِ فِيهَا بِالشُّغُلِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ فَطَارَ دُبْسِيٌّ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا يَعْنِي أَنَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ ثُمَّ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبِجَانِيَّةً لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ فَقَالَ إنِّي نَظَرْت إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّسَاقَ النَّخْلِ وَاتِّصَالَ جَرَائِدِهَا لِتَنَسُّقِهَا كَانَتْ تَمْنَعُ الدُّبْسِيَّ مِنْ الْخُرُوجِ فَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ بِطَلَبِ الْمَخْرَجِ فَرَأَى ذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ اتِّبَاعَ الْمَسْرُورِ بِصَلَاحِ مَالِهِ وَحُسْنِ إقْبَالِهِ وَتَنَعُّمِهِ فَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ صَلَاتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ مَعْنَاهُ رَجَعَ إلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَتَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِإِتْمَامِهَا فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى لِأَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ بِنَظْرَةٍ إلَى الدُّبْسِيِّ فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ أَصْلُ الْفِتْنَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الِاخْتِبَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اخْتَبَرْنَاك اخْتِبَارًا إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْفِتْنَةِ إذَا أُطْلِقَ فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَنْ أَخْرَجَهُ الِاخْتِبَارُ عَنْ الْحَقِّ يُقَالُ فُلَانٌ مَفْتُونٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ اُخْتُبِرَ فَوُجِدَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَصَابَتْنِي فِتْنَةٌ أَيْ اُخْتُبِرْت بِهَذَا الْمَالِ فَشَغَلَنِي عَنْ الصَّلَاةِ وَتَكُونُ الْفِتْنَةُ بِمَعْنَى الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 73] مَعْنَاهُ يُمِيلُونَك فَيَكُونُ مَعْنَى أَصَابَتْنِي فِتْنَةٌ أَيْ أَصَابَتْنِي مِنْ بَهْجَةِ هَذَا الْمَالِ مَا أَمَالَنِي عَنْ الْإِقْبَالِ إلَى صَلَاتِي وَتَكُونُ الْفِتْنَةُ أَيْضًا الْإِحْرَاقَ يُقَالُ فَتَنْتُ الرَّغِيفَ إذَا أَحْرَقْتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أَيْ يُحْرَقُونَ وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فَتَنْت الرَّجُلَ وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ أَفَتَنْت الرَّجُلَ لَمَّا أَصَابَتْ أَبَا طَلْحَةَ الْفِتْنَةُ فِي مَالِهِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ إخْرَاجَ مَا فُتِنَ بِهِ مِنْ مَالِهِ وَتَكْفِيرَ اشْتِغَالِهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا كَانَ يَقِلُّ مِنْهُمْ وَيَعْظُمُ فِي نُفُوسِهِمْ فَكَيْفَ مِمَّنْ يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ تَغَمَّدَ اللَّهُ زَلَلَنَا بِفَضْلِهِ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى الصَّلَاةِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ فِيهَا مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ أَحْكَامِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] قَالَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا وَالْخُشُوعُ فِيهَا وَقَدْ كُرِهَ كُلُّ مَا يَكُونُ سَبَبًا إلَى الِالْتِفَاتِ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَلِذَلِكَ كَرِهَ النَّاسُ تَزْوِيقَ الْمَسْجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْفُسَيْفِسَاءِ وَتَأَوَّلُوا أَنَّهُ يَشْغَلُ النَّاسَ فِي صَلَاتِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت يَقْتَضِي الصَّدَقَةَ بِرَقَبَةِ الْمَالِ وَإِنَّمَا صَرَفَ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِهِ بِأَفْضَلِ مَا تُصْرَفُ إلَيْهِ الصَّدَقَاتُ وَحَاجَتُهُ إلَى صَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ بِالْقُفِّ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ الثَّمَرِ وَالنَّخْلُ قَدْ ذُلِّلَتْ فَهِيَ مُطَوَّقَةٌ بِثَمَرِهَا فَنَظَرَ إلَيْهَا فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ ثَمَرِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ صَدَقَةٌ فَاجْعَلْهُ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ فَبَاعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِخَمْسِينَ أَلْفًا فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ الْخَمْسِينَ) . (ش) : قَوْلُهُ بِالْقُفِّ الْقُفُّ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَرْضِ وَاجْتَمَعَ وَأَصْلُ الْقُفُوفِ الِاجْتِمَاعُ وَمِنْهُ قَفَا شَعْرِك أَيْ اجْتَمَعَ وَتَقَبَّضَ وَقَوْلُهُ قَدْ ذُلِّلَتْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى مَعْنَى ذُلِّلَتْ مَالَتْ الثَّمَرَةُ بِعَرَاجِينِهَا فَبَرَزَتْ وَصَارَتْ كَالطَّوْقِ لِلنَّخْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ تُجْمَعُ عَرَاجِينُهَا بِحَبْلٍ أَوْ شَيْءٍ فَتَبْرُزُ الثَّمَرَةُ فَتَبِينُ لِلْخَرْصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّمَرَةَ تُفْتَلُ عَرَاجِينُهَا لِتُثْمِرَ وَرَوَى عِيسَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ الْخِرْصُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا عَظُمَتْ وَبَلَغَتْ حَدَّ النُّضْجِ ثَقُلَتْ فَمَالَتْ بِعَرَاجِينِهَا فَهُوَ مَعْنَى تَذْلِيلِهَا وَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِي نَفْسِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [الإنسان: 14] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ هُوَ صَدَقَةٌ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِانْفِرَادِهَا تَقْتَضِي الْبِرَّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِذَلِكَ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِصَارُ صَدَقَتِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ لَهُ اعْتِصَارَهَا حَتَّى يَقُولَ هِبَةٌ لِلَّهِ وَتُفَارِقُ الصَّدَقَةُ

[العمل في السهو]

الْعَمَلُ فِي السَّهْوِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبِسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِبَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَالَ صَدَقَةٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ كَمُلَتْ الصَّدَقَةُ وَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى ذِكْرِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالْهِبَةُ تَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَوْ عَرَفُوا ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَلْزَمَ ذَلِكَ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ. [الْعَمَلُ فِي السَّهْوِ] (ش) : لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَعْمَلُ عِنْدَ شَكِّهِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى يَقِينِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيَكُونَ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ الْمُفَسِّرِ أَوْلَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إلَى أَنَّ هَذَا فِي الْمُسْتَنْكِحِ وَقَالَ إنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْيَقِينُ لَوَجَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخِلَّ فِيهِ بِبَعْضِ الْمَقْصُودِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ فِيمَا يَرْعَاهُ مِنْ الِاسْتِنْكَاحِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ فَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَنْكِحَ لَوَجَبَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَهُ وَلَكِنَّهُ حَفِظَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ وَنَسِيَهُ بَعْضُهُمْ فَيُؤْخَذُ بِرِوَايَةِ مَنْ حَفِظَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كُلِّ سَاهٍ وَأَنَّ حُكْمَهُ السُّجُودُ وَيَرْجِعُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُصَلِّي فِيمَا شَكَّ فِيهِ وَفِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُفَسِّرَةِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنِّي لَأَنْسَى أَوْ أَنْسَى لِأَسُنَّ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي لَأَنْسَى أَوْ أَنْسَى لِأَسُنَّ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْسَى أَنَا أَوْ يُنْسِينِي اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى بَيَانٍ لِأَنَّهُ أَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَسِيَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ أَنْسَاهُ أَيْضًا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَأَنْسَى فِي الْيَقِظَةِ أَوْ أَنْسَى فِي النَّوْمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَإِنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى النِّسْيَانِ فَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي الْيَقَظَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهَا حَالُ التَّحَرُّزِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي النَّوْمِ إلَى غَيْرِهِ أَمَّا لِأَنَّهَا كَانَتْ حَالًا يُمْكِنُ فِيهَا التَّحَرُّزُ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي حَالِ الْيَقِظَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُرِيدُ إنِّي لَأَنْسَى عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ النِّسْيَانِ مَعَ السَّهْوِ وَالذُّهُولِ عَنْ الْأَمْرِ أَوْ أَنْسَى مَعَ تَذَكُّرِ الْأَمْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَايَيْنِ إلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَهُ بَعْضُ السَّبَبِ فِيهِ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ الْآخَرَ إلَى غَيْرِهِ لَمَّا كَانَ كَالْمُضْطَرِّ إلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ» فَنَفَى أَنْ يُضِيفَ الْإِنْسَانُ النِّسْيَانَ هَاهُنَا إلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ يُنْسَخُ مِنْ الْقُرْآنِ بِالنِّسْيَانِ يَنْسَاهُ جَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَبْقَى فِي حِفْظِ أَحَدٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَسْخَهُ لَهُ وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ النِّسْيَانُ الْمُعْتَادُ مِنْ السَّهْوِ الْمُعْتَادِ فِي الصَّلَاةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِأُسِنَّ يُرِيدُ لِأَرْسُمَ لَكُمْ النِّسْيَانَ وَالسَّهْوَ وَمَا يُتَلَقَّى بِهِ مِنْ إفْسَادِ الْعِبَادَةِ أَوْ إدْخَالِ

[العمل في غسل يوم الجمعة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقَالَ الْقَاسِمُ امْضِ فِي صَلَاتِك فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْك حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْت صَلَاتِي) . الْعَمَلُ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقَرْنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْصِ فِيهَا وَمَا يَجِبُ لِذَلِكَ مِنْ سُجُودٍ أَوْ غَيْرِهِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقَالَ الْقَاسِمُ امْضِ فِي صَلَاتِك فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْك حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْت صَلَاتِي) . (ش) : هَذَا الْقَوْلُ مِنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَسْتَنْكِحُهُ السَّهْوُ وَالْوَهْمُ فَلَا يَكَادُ يَثْبُتُ لَهُ يَقِينٌ وَذَلِكَ أَنَّ السَّاهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٍ يُمْكِنُهُ التَّيَقُّنُ لِأَنَّ السَّهْوَ يَقَعُ مِنْهُ نَادِرًا وَضَرْبٍ يَكْثُرُ مِنْهُ السَّهْوُ حَتَّى لَا يَكَادُ يَحْصُلُ لَهُ يَقِينٌ فَهَذَا مِنْ بَابِ الْوَسْوَاسِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ قَبْلَ هَذَا. وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ امْضِ عَلَى صَلَاتِكَ وَلَا تَلْتَفِتْ إلَى السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبِنَاءَ عَلَى الْيَقِينِ لَمْ تَتِمَّ لَهُ صَلَاةٌ وَهَلْ يَسْجُدُ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَسْجُدُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَإِنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَحَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ يَسْجُدُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ اسْتِنْكَاحًا وَجَبَ إطْرَاحُهُ وَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَطْرَحَ مَا يُوجِبُهُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ فِي الصَّلَاةِ وَجَبَ أَنْ يَجْبُرَ نَقْصَهُ بِالسُّجُودِ كَالنَّادِرِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ السُّجُودِ فَمَتَى يَسْجُدُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ سَهْوَهُ زِيَادَةٌ فِي صَلَاتِهِ وَسُجُودَهُ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ وَلَا تَأْثِيرَ لِتَجْوِيزِ النَّقْصِ وَلَوْ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ لَمَا أَجْزَأَ عَنْهُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْصُ مَا لَا يُجْزِئُ عَنْهُ السُّجُودُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَجُوزُ النُّقْصَانَ وَيَجُوزُ الزِّيَادَةَ فَوَجَبَ أَنْ يُغَلِّبَ حُكْمَ النُّقْصَانِ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَا هُنَا قِسْمٌ ثَانٍ مِنْ كَثْرَةِ السَّهْوِ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَيَكْثُرُ عَلَيْهِ يَنْسَى وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ وَأَمَّا الَّذِي يَكْثُرُ عَلَيْهِ الشَّكُّ فَلَا يَدْرِي أَسَهَا أَمْ لَمْ يَسْهُ إلَّا أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَهَا وَنَقَصَ فَهَذَا لَا يَنْسَى وَيُجْزِئُ سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَبَيْنَ مَنْ يَجُوزُهُ فَجَعَلَ مَنْ تَيَقَّنَهُ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهُ وَمَنْ يَجُوزُهُ يَسْجُدُ لَهُ وَلَا يُكْمِلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غُسْلًا عَلَى صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجُنُبَ الْمُغْتَسِلَ لِجَنَابَتِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ أَوْجَبَ عَلَى غَيْرِهِ الْغُسْلَ بِالْجِمَاعِ وَاغْتَسَلَ هُوَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ إلَى قَوْلِهِ الْخَامِسَةِ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ هَذِهِ أَجْزَأُ مِنْ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَرَ التَّبْكِيرَ لَهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَهَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّاعَاتِ الْمَعْلُومَاتِ وَأَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ فِي ذَلِكَ أَوَّلُ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّاعَةَ السَّادِسَةَ مِنْ النَّهَارِ لَمْ يَذْكُرْ فَضِيلَةَ مَنْ رَاحَ فِيهَا وَلَيْسَتْ بِوَقْتِ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بِوَقْتِ اسْتِمَاعِ الذِّكْرِ مِنْهُ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرْتَفِعُ فَضِيلَةُ الرَّوَاحِ وَتَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ لِلذِّكْرِ وَإِنَّ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِالسَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ السَّاعَةَ الْخَامِسَةَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ لِأَنَّ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ تَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخَامِسَةِ وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَتِلْكَ السَّاعَةُ يَصِحُّ تَجْزِئَتُهَا عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَدَلِيلٌ ثَانٍ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَالرَّوَاحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرِهَ الرَّوَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَالْمَشْيُ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يُتْعِبَهُ ذَلِكَ لِمَاءٍ وَطِينٍ أَوْ بُعْدِ مَكَان وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عِيسَى وَأَنَا أَذْهَبُ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يُرِيدُ بِهِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَامِعِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِمَّا كَانَ مَسْتُورًا فِيهِ مِنْ مَنْزِلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ فَضِيلَةِ التَّهْجِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَعَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ جَعَلَ فِي الْحَدِيثِ فَضَائِلَهُمْ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَطْوُونَ صُحُفَهُمْ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ وَاسْتَمَعُوا الذِّكْرَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَكْتُبُ فَضِيلَةَ مَنْ يَأْتِي ذَلِكَ الْوَقْتَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرَ الْحَفَظَةِ لِأَنَّ الْحَفَظَةَ لَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ مَخْصُوصُونَ بِكَتْبِ هَذَا الْعَمَلِ. (ش) : قَوْلُهُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إضَافَةُ الْغُسْلِ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْيَوْمُ مِنْ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَقَوْلُهُ وَاجِبٌ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا» وَطَاوُسٌ أَثْبَتُ مِنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَلَفْظُ الْحَقِّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى النَّدْبِ فَإِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَتَنَوَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَإِضَافَةُ وُجُوبِهِ إلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ وَتَوَجُّهِ الْأَوَامِرِ إلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ يَعْنِي صِفَةَ الْغُسْلِ وَاسْتِيعَابَهُ الْجَسَدَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ مِنْ السُّوقِ فَسَمِعْت النِّدَاءَ فَمَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت فَقَالَ عُمَرُ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» ) . (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ سَاعَاتِ الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ طُوِيَتْ فِيهِ الصُّحُفُ وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَا يَكُونُ لَاغِيًا وَإِنَّ لِمَنْ خَاطَبَهُ الْإِمَامُ أَنْ يُجَاوِبَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ لَاغِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ كَلَّمَهُ الْإِمَامُ فَرَدَّ عَلَيْهِ لَمْ أَرَهُ لَاغِيًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْصَاتَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِمَامِ وَالْإِصْغَاءَ إلَيْهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَى كَلَامِهِ فَإِذَا سَأَلَهُ عَنْ أَمْرٍ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُفْتَاتٍ عَلَيْهِ وَلَا مُعْرِضٍ عَنْهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا أَنْ يَتَكَلَّمَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَا يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَيَسْأَلُ بِسَبَبِهِ وَيُجَابُ عَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَبْلِيغُهُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَإِعْلَامُهُمْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ بِالتَّكَلُّمِ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْخُطْبَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ الْمُخَاطِبُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا بِذَلِكَ انْقَلَبْتُ مِنْ السُّوقِ فَسَمِعْت النِّدَاءَ إظْهَارٌ مِنْهُ لِعُذْرِهِ الْمُبَاحِ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِيمُ لِعَقْدِ بَيْعٍ أَوْ شُغُلٍ إلَى وَقْتِ النِّدَاءِ وَفِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى حِينِ وَقْتِ النِّدَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة: 9] وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَرْكُهُ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْعَمَلِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى وَقْتِ الْأَذَانِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَ الْعَمَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى نَحْوِ تَعْظِيمِ الْيَهُودِ لِلسَّبْتِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحَدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت اعْتِذَارٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِ الْفَرْضِ مُبَادَرَةً إلَى سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالذِّكْرِ وَقَوْلُ عُمَرَ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ مَعْنَاهُ أَنَّك مَعَ مَا فَاتَكَ مِنْ التَّهْجِيرِ فَاتَتْك فَضِيلَةُ الْغُسْلِ الَّذِي قَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِهِ تَذْكِيرًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضًّا لَهُ عَلَى أَنْ لَا يَفُوتَهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ مِنْ فَضِيلَةِ مَا فَاتَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا أَنَّ عُمَرَ رَأَى اشْتِغَالَهُ بَعْدُ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ خُرُوجِهِ إلَى فَضِيلَةِ الْغُسْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ قُعُودَهُ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا مَضَى مِنْ تَرْكِهِ الْغُسْلَ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يَعْصِي تَارِكُهُ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ لِحُكْمِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ لَسَارَعَ إلَى الْإِنْكَارِ عَلَى عُثْمَانَ وَالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ إلَى الِاغْتِسَالِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرِ دَاوُد فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَذْكُورُ فَهُوَ إجْمَاعٌ يَجِبُ الْتِزَامُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ. ش: مَعْنَى الْوُجُوبِ تَأَكُّدُ لُزُومِهِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى مَعْنَى تَأْكِيدِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَيُقَالُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَيُكْثِرَ النَّوَافِلَ الْمُوَصِّلَةَ لَهُ إلَى رِضَاهُ. وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ سُلَيْمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَ» قَالَ عُمَرُ فَأَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وُجُوبُ الِاسْتِنَانِ وَالطِّيبِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَأَكُّدُ حُكْمِهِ دُونَ إيجَابِهِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ بِمَعْنَى مَنْ يَلْزَمُهُ لِحَقِّهِ فَيُقَالُ يَجِبُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَتَرَفَّقَ طَرِيقَهُ وَلَا يَصْحَبَ إلَّا مَنْ يَأْمَنُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الْحَدِيثِ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَعَ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى مَعْنَى تَأْكِيدِ النَّدْبِ إلَيْهِ وَالثَّانِي وُجُوبُهُ لِمَا يَخُصُّ الْإِنْسَانَ وَيَلْزَمُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ مِنْ التَّجَمُّلِ بَيْنَ أَتْرَابِهِ وَجِيرَانِهِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ تَجَمُّلِهِمْ وَأَخْذِهِ بِالْحَظِّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الزِّينَةِ الْمُبَاحَةِ وَلَا يُضَيِّعُ حَظَّهُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْوُجُوبِ يَقْتَضِي اللُّزُومَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ لَخُصَّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَعُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْجُنُبِ الرَّائِحِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَأَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى وُجُوبِهِ وَأَنَّهُ أَيُّ وَقْتٍ اغْتَسَلَ مِنْ الْيَوْمِ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ الْمُتَقَدِّمُ وَمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» قَالَ ثَعْلَبٌ يُقَالُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ بِالتَّاءِ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ فَبِهَا وَنِعْمَهْ وَتَقِفُ بِالْهَاءِ. وَقَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ ثَعْلَبٍ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنْ تَكُونَ التَّاءُ خَطَأً لِأَنَّ الْكُوفِيِّينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ نِعْمَ وَبِئْسَ اسْمَانِ وَالْأَسْمَاءُ يَدْخُلُ فِيهَا الْهَاءُ بَدَلَ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ هُمَا فِعْلَانِ مَاضِيَانِ وَالْأَفْعَالُ تَلِيهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ وَلَا يَلْحَقُهَا الْهَاءُ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ لَا يَنْقُضُهَا الْحَدَثُ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً كَالطَّهَارَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ الْعِبَادَاتِ بِالِاحْتِلَامِ دُونَ الْإِنْبَاتِ وَهِيَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالرِّجَالِ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ تَذْكِيرٍ مَعَ أَنَّ الِاحْتِلَامَ مُعْتَبَرٌ فِيهِمْ وَعَامٌّ لَهُمْ وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فِي النِّسَاءِ فَنَادِرٌ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِيهِنَّ بِالْحَيْضِ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمًا لِلصَّلَاةِ وَأَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ مَنْ جَاءَهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الِاغْتِسَالِ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْيَوْمِ وَقَوْلُهُ فَلْيَغْتَسِلْ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَيَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْغُسْلُ لِلْجُمُعَةِ مَنْ يَأْتِيهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْمُقِيمُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْمُسْتَطِيعُ وَكَذَلِكَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ إذَا أَتَوْا الْجُمُعَةَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ تَقْسِيمٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ الْغُسْلُ مَنْ يَأْتِيهَا لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُقِيمِ وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ يَأْتِيهَا لِلْفَضْلِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهَا الْمُسَافِرُ لِلْفَضْلِ وَإِنَّمَا شَهِدَهَا لِلصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَلْزَمُ الْآتِيَ لِلْجُمُعَةِ مَعَ الْغُسْلِ الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ فِطْرَةَ جَسَدِهِ مِنْ قَصِّ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ وَنَتْفِ إبْطِهِ وَسِوَاكِهِ وَاسْتِحْدَادِهِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّجَمُّلَ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ بَابِ التَّجَمُّلِ وَالتَّنَظُّفِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ) . (ش) : ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ لَهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَصِحُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَّصِلَ غُسْلُهُ بِرَوَاحِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ مَنْ جَاءَ الْجُمُعَةَ بِالِاغْتِسَالِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ اغْتِسَالَهُ لِلْمَجِيءِ لَهَا وَيَجِبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَبْقَى أَثَرُهُ إلَى وَقْتِ الْإِتْيَانِ لَهَا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ اغْتِسَالُهُ مُتَّصِلًا بِرَوَاحِهِ وَأَمَّا مَنْ اغْتَسَلَ أَوَّلَ نَهَارِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخِّرًا وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ نَامَ وَتَصَرَّفَ فَإِنَّ أَثَرَ غُسْلِهِ لَا يَبْقَى وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ أَتَى الْعِيدَ فَلْيَتَجَمَّلْ وَلْيَلْبَسْ أَفْضَلَ ثِيَابِهِ فَفُهِمَ مِنْهُ اسْتِصْحَابُ ذَلِكَ فِي إتْيَانِهِ إلَى الْعِيدِ وَلَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنْ يَتَجَمَّلَ ثُمَّ يُزِيلَ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ إلَى حَالِ الْبَدَاوَةِ حِينَ خُرُوجِهِ إلَى الْعِيدِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ الْعَوَالِي فَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الْعَرَقُ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاغْتِسَالِ لِمَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُمْ مِنْ الْعَرَقِ وَالرَّائِحَةِ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخِّرًا يُرِيدُ بِالتَّعْجِيلِ أَنْ يُعَجِّلَ غُسْلَهُ وَرَوَاحَهُ وَالْمُؤَخِّرُ أَنْ يُؤَخِّرَ غُسْلَهُ وَرَوَاحَهُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْوَى وَيُقْصَدُ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى النِّيَّةِ عِنْدَهُ لَمَا أَثَّرَ فِيهِ وُجُودُهَا وَلَا عَدَمُهَا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى افْتِقَارِهِ إلَى النِّيَّةِ أَنَّهُ غُسْلٌ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِالنِّيَّةِ أَنَّهُ تَأَكَّدَ وَتَعَدَّى عَلَى مُوجِبِهِ حَتَّى لَحِقَ بِالسُّنَنِ وَالْعِبَادَاتِ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ بِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ لَاخْتَصَّ بِالْمَوَاضِعِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ وَبِمَنْ يُتَوَقَّعُ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمَّا شَمِلَ جَمِيعَ الْجَسَدِ وَلَزِمَ التَّنْظِيفُ لِلْجَسَدِ الَّذِي يُؤْمَنُ مِنْهُ وُجُودُ رَائِحَةٍ تَتَعَدَّى مَحِلَّ مُوجِبِهِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَلَحِقَ بِالسُّنَنِ الَّتِي تَلْزَمُ فِيهَا النِّيَّةُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ ثَبَتَ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي ثُمَّ يَتَعَدَّى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَيَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَيَلْحَقُ بِالسُّنَنِ وَالْعِبَادَاتِ كَمَا قُلْنَا فِي الرَّمَلِ حَوْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ كَانَ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ ثَبَتَ مَعَ عَدَمِ الْمُشْرِكِينَ وَمَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَحِقَ بِالسُّنَنِ وَالْعِبَادَاتِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَمَنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي الْجُمُعَةَ وَالْجَنَابَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِجَنَابَتِهِ وَيَنْوِي أَنْ يُجْزِئُهُ عَنْ غُسْلِ جُمُعَتِهِ. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْجَنَابَةَ مُوجِبُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْغُسْلُ وَهِيَ عِبَادَةٌ تَتَدَاخَلُ فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَ لَهُمَا كَالْوُضُوءِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالنَّوْمِ وَمَسِّ الذَّكَرِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ نِيَّةَ الْجُمُعَةِ تَقْتَضِي النَّفَلَ وَنِيَّةَ الْجَنَابَةِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا يُنَافِي الْآخَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَإِذَا نَوَاهُ مَعَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ مَنَعَ ذَلِكَ صِحَّةَ النِّيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا الْبَابِ مُسْتَوْعَبًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا أَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ لَا يُنَافِيهِ الْحَدَثُ وَلَا يُنَافِيهِ الْعَرَقُ وَالصُّنَانُ وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَطَالَ مَقَامُهُ بَعْدَ اغْتِسَالِهِ لَانْتَقَضَ غُسْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَكَلَ أَوْ نَامَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ وَذَلِكَ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ فَأَمَّا مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَكَنَوْمِ الْمُحْتَبِي. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَعْرِيفِهِ إنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَشَاغَلَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَعَادَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْزِئُهُ اغْتِسَالُهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ سَعْيُهُ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّأَخُّرَ إلَى وَقْتِ الرَّوَاحِ هُوَ الْمَشْرُوعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اغْتَسَلَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ مَسَافَةٌ فَذَهَبَ فِيهَا أَثَرُ الْغُسْلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ يَأْتِي الْجُمُعَةَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ رُبَّ دَابَّةٍ سَرِيعَةِ الْمَشْيِ وَأُخْرَى الْمَشْيُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِهَا فَإِعَادَةُ الْغُسْلِ فِي مِثْلِ هَذَا

[باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب]

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْت» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ قَالَ ثَعْلَبَةُ جَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَخُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَبُّ إلَيَّ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ وَفِيهِ سَعَةٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا فَاغْتَسَلَ لَمْ يُجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] (ش) : مَعْنَى هَذَا الْمَنْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنْعُ مِنْ الْكَلَامِ إذَا خَطَبَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مَنْ أَمَرَ حِينَئِذٍ غَيْرَهُ بِالصَّمْتِ فَهُوَ لَاغٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنْ الْكَلَامِ بِمَا نُهِيَ عَنْهُ كَمَا أَنَّ مَنْ نَهَى فِي الصَّلَاةِ مُصَلِّيًا عَنْ الْكَلَامِ فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاتَهُ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِالصَّمْتِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لَاغٍ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مُكَلِّمٍ غَيْرَهُ لَاغٍ وَاللَّغْوُ رَدِيءُ الْكَلَامِ وَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ تَرْكُ اللَّغْوِ وَرَفَثُ التَّكَلُّمِ وَالْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ شَهِدَهَا سَمِعَهَا أَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ لَا يَجُوزُ الْإِنْصَاتُ إلَّا إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ خَاصَّةً وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ دُونَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ عَامٌّ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ مَعْنَى قَدْ لَغَوْت أَنَّك أَمَرْت بِالْإِنْصَاتِ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ لَاغِيًا لِأَجْلِ أَمْرِهِ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَاغِيًا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي وَقْتٍ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ فِيهِ عِبَادَةٌ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَرْبٌ لَا عِبَادَةَ فِيهِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مَمْنُوعٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا مَا فِيهِ عِبَادَةٌ فَإِنَّ كَثِيرَهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مَشْرُوعَةٌ لِمَعْنَى التَّذْكِيرِ وَالْوَعْظِ وَأَمْرُ الْإِمَامِ وَنَهْيُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَهُوَ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ يُفَوِّتُ مَا قُصِدَ بِهَا وَمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَا يُفَوِّتُهُ وَأَمَّا يَسِيرُ الذِّكْرِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَخْتَصُّ بِهِ كَحَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْ النَّارِ عِنْدَ ذِكْرِهَا فَهَذَا خَفِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَشْغَلُ عَنْ الْإِصْغَاءِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِنْصَاتِ إلَى الْخُطْبَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْإِنْصَاتُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَإِنْ فَعَلُوا فَسِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: لَا يَخْتَصُّ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَعْطِسَ غَيْرُهُ فَيُشَمِّتَهُ فَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فَلْيُصَلِّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا دَعَا الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَمَّنَ النَّاسُ وَجَهَرُوا جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي قَالَ وَذَلِكَ فِيمَا يَنُوبُ النَّاسَ مِنْ قَحْطٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ بِدُعَائِهِ مُسْتَدْعٍ تَأْمِينَهُمْ وَآذِنٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ مُسْتَدْعٍ مِنْهُمْ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْلِيمًا فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ النُّطْقِ بِهِ مِنْ سِرٍّ وَجَهْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْإِنْصَاتُ الْمَذْكُورُ لَازِمٌ مِنْ وَقْتِ يَشْرَعُ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ إلَى أَنْ تَكْمُلَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ. ش: قَوْلُهُ كَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمُعَةِ يَعْنِي الْمُهَجِّرِينَ إلَى الْجُمُعَةِ يُصَلُّونَ فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقْتَضِي اسْتِقْرَاءَهُ لِلْعَمَلِ وَتَتَبُّعَهُ الْأَخْبَارَ عِنْدَ اتِّصَالِ خُرُوجِهِ عَلَى النَّاسِ بِارْتِقَائِهِ الْمِنْبَرَ وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِرُكُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَرْقَى الْمِنْبَرَ بِإِثْرِ دُخُولِهِ وَلَا يَرْكَعُ لِأَنَّ دُخُولَهُ الْمَسْجِدَ يَمْنَعُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ وَيَقْتَضِي الْأَخْذَ فِي الْغَرَضِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَرْكَعُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ وَأَمَّا مَتَى شَرَعَ فِي الْغَرَضِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ رُكُوعٌ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ حُكْمُ الْإِمَامِ إذَا صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنْ يَجْلِسَ وَلَا يُسَلِّمَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شِهَابٍ مَنْ فِعْلِ عُمَرَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا دَخَلَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ وَوَقَفَ إلَى جَنْبِهِ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّاسِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَ النَّاسِ رَكَعَ أَوْ لَمْ يَرْكَعْ فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إذَا جَلَسَ لِلْخُطْبَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسَلِّمُ إذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يَفْصِلْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَّصِلُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ شُغُلٍ بِافْتِتَاحِ عِبَادَةٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ كَافْتِتَاحِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِالسَّلَامِ فَيُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ سَمِعَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمُسَلِّمِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْضَهُمْ وَيَلْزَمُ الرَّدُّ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا خِلَافَ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْخُطَبِ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَجْلِسُ لِأَنَّ ارْتِقَاءَ الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ الْجُلُوسُ كَالِارْتِقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجْلِسُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ إنَّمَا شُرِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ انْتِظَارًا لِفَرَاغِ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الْأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا أَذَانَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ فَلَا مَعْنَى لِلْجُلُوسِ فِي أَوَّلِهَا. (فَصْلٌ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَجَلَسْنَا نَتَحَدَّثُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِبَاحَةَ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى صَلَاةٍ حَتَّى إذَا خَرَجَ عُمَرُ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ وَهَذَا أَبْيَنُ فِي تَرْكِهِمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَانْتِقَالِهِمْ إلَى حَالٍ أُخْرَى غَيْرِهَا وَهُوَ الْحَدِيثُ وَأَمَّا الْإِنْصَاتُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْخُطْبَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْصَاتَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِصْغَاءِ إلَى الْخُطْبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ لَمْ يُوجَدْ مَا يُصْغَى لَهُ وَلَمْ يَلْزَمْ بَعْدَ حُكْمِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ فَلَا مَعْنَى لَهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْإِنْصَاتِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِنْصَاتِ قَدْ لَزِمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ عِنْدَ جُلُوسِ عُمَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهِيَ السُّنَّةُ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ أَنْصَتْنَا يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْخُطْبَةِ الْقِيَامَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ» كَمَا تَفْعَلُونَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنْصَتْنَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ بَيَّنَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْإِنْصَاتِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامَهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ تَفْسِيرٌ لِحَدِيثِ ثَعْلَبَةَ وَتَقْرِيرٌ لِمَعْنَاهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَخْلُو أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ الشُّرُوعُ فِيهَا وَلَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَإِنْ دَخَلَ الْإِمَامُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْعُدُ وَلَا يُحْرِمُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الصَّلَاةُ جَائِزَةٌ إلَى أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ دُخُولِ الْإِمَامِ وَقَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ لِقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ

> (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّ مَا يَدَعُ ذَلِكَ إذَا خَطَبَ إذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنْ الْحَظِّ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ فَإِذَا قَامَتْ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَشَمَّتَهُ إنْسَانٌ عَنْ جَنْبِهِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَجْلِسَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ فَلَا يُصَلِّي وَإِنْ أَحْرَمَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَلْيُتِمَّهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِالصَّلَاةِ وَلَزِمَهُ حُكْمُهَا فَكَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يَرْكَعُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْكَعُ مَنْ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَالْمُصَلِّي لَا يُمْكِنُهُ الْإِنْصَاتُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ. . (ش) : هَذَا الْخَبَرُ وَخَبَرُ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ حُجَّتَانِ فِيمَا تَضَمَّنَهُ كُلُّ خَبَرٍ مِنْهُمَا لِحُضُورِ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمَا وَعَدَمِ الْمُخَالِفِ وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَمُثَابَرَةُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَأَكُّدِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنْ الْحَظِّ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِوَاءِ الْحَالَتَيْنِ فِي الْوُجُوبِ وَأَمَّا فِي الْأَجْرِ فَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُفَرِّطْ فِي التَّهْجِيرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لِأَنَّ الْمُفَرِّطَ فِي التَّهْجِيرِ وَغَيْرَ الْمُفَرِّطِ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِنْصَاتُ وَيُؤْجَرَانِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حَالُهُمَا وَيَتَبَايَنُ أَجْرُهُمَا فِي التَّهْجِيرِ وَتِلْكَ قُرْبَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْإِنْصَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَامَتْ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ أَمْرٌ بِتَعْدِيلِ الصُّفُوفِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ فَصَحَّتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِيهِ كَالصَّفِّ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ وَكَّلَ أُنَاسًا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ لَمَّا عَلِمَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَعَلِمَ اعْتِقَادَ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَفَضَائِلِهَا دُونَ فَرَائِضِهَا فَرُبَّمَا تَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ صَلَاتِهِ وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِالْأَفْضَلِ الْأَكْمَلِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُمَا أَنْ اُصْمُتَا) . ش: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى الْمُتَحَدِّثِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمَا فَحَصَبَهُمَا وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى تَحْصِيبِ مَنْ تَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ إنَّمَا حَصَبَهُمَا لِبُعْدِهِمَا وَخُلُوِّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ بِذَلِكَ أَحَدًا فَحَصَبَهُمَا يَعْنِي أَنَّهُ رَمَى الْحَصْبَ بِقُرْبِهِمَا لِيَنْظُرَا إلَيْهِ فَيُشِيرَ إلَيْهِمَا بِالصَّمْتِ فَإِنْ كَانَ ابْنُ دِينَارٍ خَافَ مِنْ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا بِذَلِكَ فَإِنَّمَا أَنْكَرَ إطْلَاقَ اللَّفْظِ مَنْ أَذَى الْمَحْصُوبَ أَوْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاصِبِ وَإِنْ كَانَ أَنْكَرَ كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَالِاشْتِغَالَ عَنْ الْخُطْبَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ لَا يُشِيرَ إلَيْهِمَا وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِمَا أَنْ يَصْمُتَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُمَا اُصْمُتَا فِي تَرْكِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَاغِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء فيمن أدرك ركعة يوم الجمعة]

سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَا تَعُدْ) . مَا جَاءَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَهِيَ السُّنَّةُ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : هَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْنَا النَّهْيَ عَنْهُ لِأَنَّ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ كَلَامٌ مِنْ الْمُشَمِّتِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ وَمُخْرِجٌ مِنْ الْإِنْصَاتِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعَاطِسِ حِينَ الْخُطْبَةِ إنْ حَمِدَ اللَّهَ فَفِي نَفْسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْجَهْرَ بِهِ اسْتِدْعَاءٌ لِتَشْمِيتِ مَنْ سَمِعَهُ وَمَعْنَى التَّشْمِيتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَيُقَالُ شَمَّتَهُ وَسَمَّتَهُ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالشِّينُ أَفْصَحُ وَمَعْنَى التَّشْمِيتِ الدُّعَاءُ فَمَعْنَى شَمَّتَهُ أَيْ دَعَا لَهُ وَقَوْلُهُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَا تَعُدْ مِنْ بَابِ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِالْأَمْرِ بِالصَّمْتِ وَاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا نَزَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . (ش) : فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ فَإِذَا انْقَضَتْ الْخُطْبَةُ وَزَالَ حُكْمُهَا فَلَا يُوجِبُ الْإِنْصَاتَ إلَّا الْإِحْرَامُ بِالصَّلَاةِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ] (ش) : فِي إدْرَاكِ الْمُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنْ يُدْرِكَ بَعْضَ الْخُطْبَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي إدْرَاكِهِ الْجُمُعَةَ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَفُوتَهُ جَمِيعُ الْخُطْبَةِ وَيُدْرِكَ جَمِيعَ الصَّلَاةِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ فَاتَتْهُ بِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ وَفَرْضُهُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا أَرْبَعًا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَهُوَ أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ جُمُعَتَهُ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ عَلَى نَحْوِ مَا فَاتَتْهُ فَتَتِمُّ بِذَلِكَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ وَالْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَتَا شَرْطًا فِي إدْرَاكِ جَمِيعِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَامِعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فَأَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ جَالِسًا فِي صَلَاتِهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ فَاتَتْهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا أَرْبَعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ فَهَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ عَلَى إحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصِيبُهُ زِحَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَرْكَعُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ أَوْ يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ إنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فَلْيَسْجُدْ إذَا قَامَ النَّاسُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ ظُهْرًا أَرْبَعًا) . (ش) : الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَهَا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ سَجَدَهَا وَاعْتَدَّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى سُجُودِهَا حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: فِي بَيَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: فِي اخْتِلَافِ مَحِلِّ الْأَسْبَابِ. وَالثَّالِثُ: فِي بَيَانِ فَوَاتِ الِاتِّبَاعِ

[باب بيان الأسباب التي يجب بها اتباع الإمام]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَا يَجِبُ فِيهِ الِاتِّبَاعُ. وَالرَّابِعُ: الْعَمَلُ فِيمَا تَرَكَهُ لِلْمُصَلِّي. [بَابُ بَيَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ] 1 (بَابُ بَيَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ) وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ نُعَاسٌ وَغَفْلَةٌ وَزِحَامٌ فَأَمَّا الْغَافِلُ وَالنَّاعِسُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا أَصْحَابِهِ فِي أَنَّهُمَا يَتْبَعَانِ الْإِمَامَ وَيَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي الْمُزَاحِمِ فَقَالَ مَالِكٌ يَتْبَعُ الْإِمَامَ وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيب عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا رَوَيَا أَنَّ الْمُزَاحِمَ لَا يَتْبَعُ الْإِمَامَ بِوَجْهٍ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُزَاحِمَ يَتْبَعُ الْإِمَامَ بِمِثْلِ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغَافِلَ يَتْبَعُ الْإِمَامَ وَالْمُزَاحِمُ أَعَذْرُ مِنْهُ فَقَالَ يَكُونُ اتِّبَاعُهُ لَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُزَاحِمَ ذَاكِرٌ وَلِهَذَا تَأْثِيرٌ فِي لُزُومِ الْفَرَائِضِ وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَرْبُوطَ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَبَدًا وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ فِي اخْتِلَافِ مَحَلِّ الْأَسْبَابِ] 1 ِ أَمَّا مَحَلُّ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّ مَنْ نَعَسَ أَوْ غَفَلَ عَنْ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ أَوْ نَسِيَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ غَفَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ نَعَسَ أَوْ غَفَلَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الْأُولَى لَمْ يَتْبَعْهُ فِيهَا وَلَوْ نَابَهُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الْأُولَى لَتَبِعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ غَفَلَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَاهُمَا عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إحْدَاهُمَا لَا يَتْبَعُهُ فِي الْأُولَى وَيَتْبَعُهُ فِيمَا بَعْدَهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّانِيَةُ يَتْبَعُهُ فِي الْأُولَى وَفِيمَا بَعْدَهَا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ مَا يَكُونُ بِهِ مُدْرِكًا لِلْإِمَامِ فَلَا يَتْبَعُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ رَكْعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَتْبَعَ فِيهَا الْغَافِلُ وَالنَّاعِسُ الْإِمَامَ كَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. [بَابٌ فِي بَيَانِ فَوَاتِ الِاتِّبَاعِ] ِ أَمَّا مَا يَفُوتُ بِهِ الْمَأْمُومُ اتِّبَاعَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجِبُ لَهُ فِيهِ اتِّبَاعُهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى فَعَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى الِاتِّبَاعَ فِيهَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَتْبَعُهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهَا وَالثَّانِيَةُ يَتْبَعُهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الَّذِي يَلِيهَا. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ لَهُ اتِّبَاعَ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَلْتَبِسْ بِفِعْلِ رَكْعَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَلَبَّسَ بِهَا كَانَ اتِّبَاعُهُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِهِ فِي الْأُولَى الَّتِي قَدْ فَارَقَهَا لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ فِي الْأُولَى مُخَالَفَةٌ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ سَبَقَهُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ دُونَ مَا سَبَقَهُ بِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِحَائِلٍ فِي الصَّلَاةِ يَمْنَعُ مِنْ تَصْحِيحِ مَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا الْحَائِلُ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ذَكَرَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ أَوْلَى وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الثَّانِيَةِ يُؤْمَرُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهَا فَقَدْ فَاتَهُ تَصْحِيحُ مَا قَبْلَهَا فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يَتْبَعُ الْإِمَامَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ سَلَامِهِ وَيُجْزِيهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَتْبَعُهُ فِي السُّجُودِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ

[ما جاء فيمن رعف يوم الجمعة]

مَا جَاءَ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَخَرَجَ فَلَمْ يَرْجِعْ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَرْكَعُ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَرْعُفُ فَيَخْرُجُ فَيَأْتِي وَقَدْ صَلَّى الْإِمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا أَنَّهُ يَبْنِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ آخِرُ صَلَاتِهِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ عَمَلٌ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى فَيَلْزَمُ الْمَأْمُورَ اتِّبَاعُهُ فِيهَا لِعَقْدِ الْإِمَامِ لَهَا وَإِنَّمَا عَمَلُ الْإِمَامِ فِي إتْمَامِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ اتِّبَاعُهُ فِيهَا كَمَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَمْ يَعْقِدْ الثَّانِيَةَ أَوْ يَتَلَبَّسْ بِهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِسَجْدَتَيْهَا فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهَا فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً كَامِلَةً فَلَا يَتْبَعُهُ فِيهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَتْبَعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْجُمُعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجْدَةً فَقَالَ مَرَّةً يَسْجُدُهَا وَيَقْضِي رَكْعَةً وَتَصِحُّ لَهُ الْجُمُعَةُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَيَبْنِي عَلَيْهَا أَرْبَعًا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَةً شُرِعَ لَهُ إتْمَامُهَا وَالِاعْتِدَادُ بِهَا فَكَانَ بِهَا مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ كَمَا لَوْ أَتَى بِهَا وَبِسَجْدَتَيْهَا مَعَ الْإِمَامِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ إلَّا الْجُلُوسَ. (فَرْعٌ آخَرُ) وَهَلْ يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى تِلْكَ التَّكْبِيرَةِ إذَا قُلْنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ جُمُعَةً وَإِنَّمَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يُتِمُّ عَلَيْهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَدْ قَالَ أَيْضًا يُسَلِّمُ وَيَبْتَدِئُ ظُهْرًا أَرْبَعًا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَبْتَدِئَ تَكْبِيرَةً أُخْرَى لِلْإِحْرَامِ وَقَالَ أَصْبَغُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ وَيُعِيدُ ظُهْرًا أَرْبَعًا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا نَوَى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعًا لِأَنَّ نِيَّتَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ هُنَا وَإِتْمَامُ الْأَرْبَعِ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي أُولَى صَلَاتِهِ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ جَوَّزَ لَهُ هَاهُنَا الْإِتْمَامَ أَرْبَعًا. [مَا جَاءَ فِيمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَا يَعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا أَرْبَعًا وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً يُرِيدُ بِسَجْدَتَيْهَا فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا فَاتَتْهُ الثَّانِيَةُ بِالرُّعَافِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ يُتِمُّ بِهَا جُمُعَتَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذَا الْبَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى الَّذِي يَرْعُفُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَبْنِيَ فِيهِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَيَكُونُ مَشْيُهُ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ فِي رَكْعَةِ الْبِنَاءِ إلَّا مَا لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ مِنْ أَمْرِ الْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ حَيْثُ غَسَلَ عَنْهُ الدَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ لَمْ يَرْجُ أَنْ يُدْرِكَ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ إتْيَانُ الْجَامِعِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَمَّ مَكَانَهُ أَجْزَأَهُ وَهَذَا لَهُ أَصْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَيَجِيءُ هَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي الْجَامِعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ مِنْ ذَلِكَ عَقْدُ رَكْعَةٍ مِنْهَا فِي جَامِعٍ كَالْإِمَامَةِ أَوْ يَقُولُ إنَّ الرُّجُوعَ إلَى الْجَامِعِ فَضِيلَةٌ وَلَيْسَ بِفَرِيضَةٍ فَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَجُوِّزَ لَهُ تَرْكُهَا فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ فِي الْمَشْيِ إلَى الْفَضَائِلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبِنَاءِ لِلرَّاعِفِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ الرُّجُوعَ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ مِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في السعي يوم الجمعة]

عَلَى مَنْ رَعَفَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ) . مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ} [البقرة: 205] . وَقَالَ {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: 8 - 9] وَقَالَ {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22] وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] قَالَ مَالِكٌ فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ السَّعْيَ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا الِاشْتِدَادَ وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ التَّابِعِينَ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يُسْتَأْذَنُ فِيمَا فِيهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَالْمَنْعُ مِنْهُ إنْ شَاءَ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الِاسْتِئْذَانِ وَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ فَلَا يُسْتَأْذَنُ فِيهِ وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَأْذِنُهُ النَّاسُ فِي سَائِرِ تَصَرُّفِهِمْ. [مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] (ش) : إنَّمَا سَأَلَ مَالِكٌ عَنْ تَفْسِيرِ لَفْظَةِ السَّعْيِ لَمَّا كَانَتْ تَحْتَمِلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْجَرْيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» وَالْمَشْيَ مِنْ غَيْرِ جَرْيٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: 8 - 9] فَأَجَابَهُ ابْنُ شِهَابٍ بِقِرَاءَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْمَشْيِ فَاحْتَجَّ ابْنُ شِهَابٍ فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عُمَرَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي الْمُصْحَفِ إلَّا أَنَّهَا تَجْرِي عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ مَجْرَى خَبَرِ الْآحَادِ سَوَاءٌ أَسْنَدَهَا الْقَارِئُ أَوْ لَمْ يُسْنِدْهَا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إلَى أَنَّهَا لَا تَجْرِي مَجْرَى خَبَرِ الْآحَادِ إلَّا إذَا اسْتَنَدَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا لَمْ يُسْنِدْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَارِئِ لَهَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ لِنَصِّ الْقُرْآنِ الثَّابِتِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا وَنَقَلَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّ عُمَرَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ حَمَلَ السَّعْيَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّ تَفْسِيرَ السَّعْيِ الثَّابِتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ الْمُضِيُّ دُونَ الْعَدْوِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا إلَى آخِرِ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ ذَهَبَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ وَالْمُضِيَّ إلَى الْجُمُعَةِ إنَّمَا سُمِّيَا سَعْيًا مِنْ حَيْثُ كَانَا عَمَلًا وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا بِيَدَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ سَعَى وَأَمَّا السَّعْيُ بِمَعْنَى الْجَرْيِ فَهُوَ الْعَمَلُ بِالْقَدَمَيْنِ عَلَى نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِاشْتِدَادِ وَالْإِسْرَاعِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» فَنَهَى عَنْ الْعَدْوِ خَاصَّةً دُونَ الْمَشْيِ وَالْمُضِيِّ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ السَّعْيَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَدْوِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الْغَايَةِ بِإِلَى يُقَالُ سَعَى إلَى غَايَةِ كَذَا وَكَذَا أَيْ جَرَى إلَيْهَا وَمَشَى إلَيْهَا وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَمَلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِإِلَى وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى بِاللَّامِ فَتَقُولُ سَعَيْت لِكَذَا وَكَذَا وَسَعَيْت لِفُلَانٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19] وَإِنَّمَا تَعَدَّى السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ بِإِلَى لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالسَّعْيُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةَ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ يُبَاحُ التَّأْخِيرُ عَنْهَا لِأَعْذَارٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهَا لِجِنَازَةِ أَخٍ مِنْ إخْوَانِهِ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَتَخَلَّفُ لِغُسْلِ مَيِّتٍ عِنْدَهُ قَالَ مَالِكٌ أَوْ مَرِيضٍ يَخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَاخْتُلِفَ فِي تَخَلُّفِ الْعَرُوسِ وَالْمَجْذُومِ عَنْهَا وَفِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلِلسَّعْيِ إلَيْهَا وَقْتَانِ: أَحَدُهُمَا: وَقْتُ اسْتِحْبَابٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَقْتُ وُجُوبٍ وَهُوَ وَقْتُ النِّدَاءِ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ. هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَذَلِكَ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ فَيَجِبُ رَوَاحُهُ بِمِقْدَارِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِلُ لِيَحْضُرَ الْخُطْبَةَ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّوَاحُ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ وَقَدْ رَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ دُونَ جَمَاعَةٍ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ شُيُوخِنَا أَنَّهُ يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِيهَا وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ يَجِبُ بِالْأَذَانِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْأَذَانَ هُوَ عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ فِي طَرَفِ الْمِصْرِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْمَسْجِدَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخُطْبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا الْجَمَاعَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ السَّعْيِ بِمِقْدَارِ مَا يَأْتِي الْمَسْجِدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ لِمَنْ كَانَ مِنْهَا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ النُّزُولُ لِمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ النُّزُولُ إلَيْهَا لِمَنْ كَأَنْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَمَنَعَ التَّحْدِيدَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ الْمِصْرِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا سَلِيمٌ يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ الْجُمُعَةُ كَاَلَّذِي دَاخِلَ الْمِصْرِ وَدَلِيلُنَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ أَنَّنَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالنِّدَاءِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ لَا بِنَفْسِ السَّمَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَصَمَّ يَلْزَمُهُ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ وَاَلَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ فِي غَالِبِ الْحَالِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ فِي وُجُوبِ إتْيَانِهَا وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْمَكَانُ الَّذِي يَكُونُ الْمُقِيمُ فِيهِ وَقْتَ وُجُوبِ السَّعْيِ عَلَيْهِ دُونَ مَكَانِ مَنْزِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالنِّدَاءُ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ الْبَيْعُ هُوَ النِّدَاءُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ وَأُنْكِرُ مَنْعُ النَّاسِ الْبَيْعَ قَبْلَ ذَلِكَ وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ النُّزُولُ إلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عَمَلٍ فَمَنْ بَاعَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ النُّزُولُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ وَقْتِ الْأَذَانِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَى الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْهِبَاتُ وَالصَّدَقَاتُ مِثْلُهُمَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ النِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُفْسَخُ فَفَاتَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ حَوَالَةِ سُوقٍ فَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَسَحْنُونٌ يَمْضِي بِالثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُرَدُّ إلَى الْقِيمَةِ. وَجْهُ مَا قَالَهُ الْمُغِيرَةُ مَا احْتَجَّ لَهُ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْعَرْضِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَمْضِيَ بِالْمُسَمَّى إذَا فَاتَ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ لَا يَفُوتُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا يَفُوتُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى الْقِيمَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِرَدِّ الْقِيمَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُرَاعَى الْقِيمَةُ حِينَ الْقَبْضِ وَقَالَ أَشْهَبُ الْقِيمَةُ حِينَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ وَوَقْتَ جَوَازِ الْبَيْعِ.

[ما جاء في الإمام ينزل بقرية يوم الجمعة في السفر]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا نَزَلَ الْإِمَامُ بِقَرْيَةٍ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَخَطَبَ وَجَمَعَ بِهِمْ فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرَهُمْ يَجْمَعُونَ مَعَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْزِلُ بِقَرْيَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ شُرُوطَ الْجُمُعَةِ قَدْ وُجِدَتْ وَالْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَإِنَّ وَالِيَهُ النَّائِبَ عَنْهُ مُسْتَوْطِنٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تَجِبُ بِحَقِّ النِّيَابَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَجَبَتْ أَيْضًا عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَنُوبُ عَنْهُ الْوَالِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْقَصْرِ أَنَّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ وَرَاءَ مَنْ يَقْصُرُ وَمَنْ كَانَ فَرْضُهُ فِي الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَرَاءَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ دُونَ الْوَالِي لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْمُجْمَعُ بِهَا مِنْ عَمَلِهِ وَنَظَرِهِ وَإِنَّمَا يَنُوبُ الْوَالِي عَنْهُ مَعَ غَيْبَتِهِ فَإِذَا حَضَرَ كَانَ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى الْوَالِي جَازَتْ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي وَطَنِهِ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَهُوَ حَاضِرٌ وَجُمْلَةُ مَا تُبْنَى عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ لِلْجُمُعَةِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ تَجِبُ بِوُجُودِهَا وَلَهَا شَرْطٌ آخَرُ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَهِيَ مَوْضِعُ اسْتِيطَانٍ وَإِقَامَةٍ وَجَامِعٍ وَجَمَاعَةٍ وَإِمَامٍ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا فَهُوَ الْخُطْبَةُ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَمَّا مَوْضِعُ الِاسْتِيطَانِ فَإِنَّمَا يُعْنَى بِهِ الْمِصْرُ وَالْقَرْيَةُ وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي الِاسْتِيطَانِ وَالْإِقَامَةِ فَهِيَ اعْتِقَادُ الْمَقَامُ بِمَوْضِعٍ مُدَّةً يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِهَا فَكُلُّ اسْتِيطَانٍ إقَامَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ إقَامَةٍ اسْتِيطَانًا فَإِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِيطَانِ فَلَا يَجُوزُ لِجَمَاعَةٍ مَرَّتْ بِقَرْيَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَعَقَدُوا فِيهَا إقَامَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَنْ يَجْمَعُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْإِقَامَةِ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَوْضِعُ الِاسْتِيطَانِ هُوَ الْمِصْرُ أَوْ الْقَرْيَةُ الْجَامِعَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ فَأَمَّا الْمِصْرُ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ وَطُرُقُهَا فِي وَسَطِهَا وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ يُجْمَعُ فِيهِ لِلصَّلَوَاتِ فَلْيَجْمَعُوا كَانَ لَهُمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ «أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ لَجُمُعَةٌ جُمِّعَتْ بِجُوَاثَى قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ» وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ جُمُعَةٌ. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ الْقَرْيَةِ الَّتِي تَلْزَمُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ الْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ وَرَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا الَّتِي فِيهَا ثَلَاثُونَ بَيْتًا مُتَّصِلَةً وَذَلِكَ مُتَقَارِبٌ فِي الْمَعْنَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الْمَوْصُوفَةُ حَيْثُ الْجَامِعُ فَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجَامِعِ لَا تَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَقْرَبُ مِنْهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَتِهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا تَصِحُّ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا الْجَامِعُ فَإِنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا خِلَافٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِمَّا نَقَلَهُ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّالِحِيِّ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَتَأَوَّلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُقَامُ فِي الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ الَّتِي بِهَا الْأَسْوَاقُ وَتَرَكَ ذِكْرَ الْأَسْوَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّالِحِيُّ لَوْ كَانَ مِنْ صِفَةِ الْقَرْيَةِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْجَامِعُ لَذَكَرَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مِنْ ذِكْرِ الْقَرْيَةِ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِصِفَاتِهَا دُونَ أَنْ يَذْكُرَهَا فَهُوَ شَرْطٌ مُنْفَرِدٌ عَنْهَا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَنْ تَكُونَ مَعْمُورَةً بِعَدَدٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَأَنْ يَحْضُرَهَا إمَامٌ وَأَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ وَطُرُقُهَا فِي وَسَطِهَا وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ فَلْيَجْمَعُوا بِشَرْطِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَلَا أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ كُلُّ رَاوٍ وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ فَلَا نَعْلَمُ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ وَلَيْسَ الْقَزْوِينِيُّ وَلَا الصَّالِحِيُّ بِالْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمَا فِي النَّقْلِ وَالتَّأْوِيلِ فَيُعْتَمَدُ عَلَى مَا أَثْبَتَاهُ وَيَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ عَنْهُ وَأَمَّا الصَّالِحِيُّ فَمَجْهُولٌ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ لِنُبَيِّنَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ يَقَعُ هَذَا الْقَوْلُ إلَيْهِ مِمَّنْ لَا يُمَيِّزُ وَجْهَ الْأَقْوَالِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ إلَى هَلُمَّ جَرًّا. (فَرْعٌ) وَمِنْ شَرْطِهِ الْبُنْيَانُ الْمَخْصُوصُ عَلَى صِفَةِ الْمَسَاجِدِ فَأَمَّا الْبَرَاحُ الَّذِي لَا بُنْيَانَ فِيهِ أَوْ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْبُنْيَانِ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْجِدٍ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ شُرُوطَهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِأَسْمَائِهَا كَالْجَمَاعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْزِئَ بِذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يُوجَدَ الِاسْمُ مَعَ الْحُكْمِ بِهِ. (فَرْعٌ) وَالْجَامِعُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مَسْجِدًا فَكُلُّ جَامِعٍ مَسْجِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَسْجِدٍ جَامِعًا وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ جَامِعٌ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِيهِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُقَامَ الْجُمُعَةُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ مِمَّا لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَذَا الْحُكْمِ حَتَّى يُحْكَمَ لَهُ بِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ دُونَ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ أَصَابَ النَّاسُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْجَامِعِ فِي يَوْمٍ مَا لَمْ تَصِحَّ لَهُمْ جُمُعَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا بِأَنْ يَحْكُمَ لَهُ الْإِمَامُ بِحُكْمِ الْجَامِعِ وَيَنْقُلَ الْحُكْمَ إلَيْهِ عَنْ الْجَامِعِ الْمَمْنُوعِ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فَمَنْ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ يَخْرُجُ فَيَغْسِلُ عَنْهُ الدَّمَ وَيَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ فَيُتِمُّ فِيهِ تَشَهُّدَهُ وَيُسَلِّمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ وَلَوْ كَانَتْ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ تَنُوبُ عَنْ الْجَامِعِ لَقَالَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ فِي أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ لِأَنَّ إتْمَامَهَا فِيهِ يُجْزِئُ عَنْهُ. (فَرْعٌ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعِ وَبَيْنَ جَامِعٍ أَقْدَمَ مِنْهُ مَسَافَةٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ مِنْهَا إلَى الْجَامِعِ الْأَقْدَمِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْحَضْرَةِ أَوْ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي يُجَمَّعُ فِيهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ بَرِيدٍ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُتَّخَذُ بِهَا جَامِعٌ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ بَرِيدٍ فَأَكْثَرَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لَا يُجَمِّعُوا حَتَّى يَكُونُوا مِنْهَا عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ بَشِيرٍ يَتَّخِذُوا جَامِعًا إنْ كَانُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ فَرْسَخٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَلْزَمُ أَهْلَهُ النُّزُولُ إلَى الْجُمُعَةِ لِبُعْدِهِمْ عَنْهُ وَكَمُلَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعِهِمْ كَأَهْلِ الْمِصْرِ. وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ أَنْ تُقَامَ الْجُمُعَةُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأَمْصَارِ الْعِظَامِ كَبَغْدَادَ وَمِصْرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ لَا يُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَالصَّلَاةُ صَلَاةُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ يَعْنِي الْقَدِيمَ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْإِمَامُ فَهُوَ أَيْضًا شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا فَإِنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ إمَامٍ فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً لَا وَالِيَ لَهَا قَدَّمُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَصَحَّتْ الْجُمُعَةُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ صِفَةِ الْإِمَامِ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ وَمِنْ صِفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَمِنْ صِفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَصِحَّ إمَامَةُ الْفَاسِقِ وَلَمْ يَخُصَّ جُمُعَةً مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَصِحُّ إمَامَتُهُ وَإِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلَغَ فِسْقُهُ مَا بَلَغَ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِفَاتِ إمَامِ الْجُمُعَةِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ الْفِسْقُ يَمْنَعُ إمَامَتَهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَبِأَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ أَوْلَى. (فَرْعٌ) وَهَلْ مِنْ صِفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَؤُمُّ الْمُسَافِرُ ابْتِدَاءً وَلَا مُسْتَخْلَفًا وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ يَؤُمُّ فِي الْحَالَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ يَؤُمُّ مُسْتَخْلَفًا وَلَا يَؤُمُّ ابْتِدَاءً. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَالْمَرْأَةِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهَا صَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّقَدُّمِ فِيهَا كَالْإِمَامِ بِقَرْيَةٍ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ الْمُسَافِرُ مَعَ الْإِمَامِ إحْرَامَهُ فَقَدْ لَزِمَ حُكْمُ الْجُمُعَةِ وَثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهَا فَصَحَّ أَنْ يُسْتَخْلَفَ عَلَى إتْمَامِهَا وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهَا وَلَمْ يَصِحَّ إمَامَتُهُ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَشَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَلَا حَدَّ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ وَتُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ بِانْفِرَادِهِمْ وَمُنِعَ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَنْعَقِدُ بِالْإِمَامِ وَثَلَاثَةٍ مَعَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ مَعَ الْإِمَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِهَا الْإِقَامَةُ بِدَلِيلِ سُقُوطِهَا عَنْ أَهْلِ الظَّعْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهَا مَنْ يُمْكِنُهُ الْإِقَامَةُ مِنْ الْجَمْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّافِعِيِّ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَانْفَضُّوا إلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] » وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ التَّعَلُّقِ بِهِ يَقْتَضِي إجَازَتَهُمْ لِلْجُمُعَةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مَعَ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّ هَذَا عَدَدٌ يَصِحُّ مِنْهُمْ الِانْفِرَادُ بِالِاسْتِيطَانِ فَصَحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَالْأَرْبَعِينَ رَجُلًا. (فَرْعٌ) وَمِنْ صِفَتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ أَوْ عَبِيدًا لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْإِمَامِ يَفِدُ مَنْ عِنْدَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا نِسَاءٌ أَوْ عَبِيدٌ فَلْيُصَلِّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَرَى أَنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْجُمُعَةِ قَدْ ثَبَتَ بِالْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ أَنْ تَحْضُرَ جَمِيعَ الصَّلَاةِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ عَقَدَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ رَكْعَةً ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ هُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا تَصِحُّ لَهُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ عَدَدٌ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ جَعَلَهَا نَافِلَةً وَسَلَّمَ وَانْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ أَنْ يُؤْتَى بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَأَنَّهَا مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْعَقِدَ مِنْهَا رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى وَحْدَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْرَى عَنْهَا شَيْءٌ مِنْهَا كَالْجَامِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ كَمُلَتْ بِشُرُوطِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ مَنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ جُمُعَتَهُ مَاضِيَةٌ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الثَّمَانِيَةِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا نَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ تَرْكَهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ أَعَادَ أَبَدًا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِقَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا لِمَنْ جَمَعَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلْيُتِمَّ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ الصَّلَاةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. (فَرْعٌ) وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ بِحَضْرَةِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ شُيُوخِنَا أَنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيهَا نَصًّا لِمَالِكٍ وَلَا لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ لَا تُجْمَعُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ ذِكْرٌ جُعِلَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ شَرْطِهِ الْجَمَاعَةُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِقَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَلَا لِمَنْ جَمَعَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلْيُتِمَّ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ الصَّلَاةَ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُصَلِّينَ لِعَدَمِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ الْمَوْصُوفَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلْيُتِمَّ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعُودُوا إلَى الْإِتْمَامِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُتِمُّوا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِمْ. وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ لَقَالَ لِيُعِدْ جَمِيعُ الْمُصَلِّينَ مَعَهُ فَيُتِمَّ الْمُقِيمُ وَيَقْصُرْ الْمُسَافِرُ وَلَمَّا خَصَّ الْمُقِيمِينَ بِالذَّكَرِ كَانَ أَظْهَرَ إذْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ جَائِزَةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ الْإِمَامَ وَلَا أَحَدًا مِمَّنْ مَعَهُ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ تُجْزِئُهُ وَلَا تُجْزِي أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ حَتَّى يُتِمُّوا عَلَيْهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِمَامَ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ بِتَعَمُّدِ الْجَهْرِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِالْعَمْدِ تَعَدَّى إلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَعَهُ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنَّ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْإِسْرَارَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهَذَا مُقْتَضَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ تَعَمُّدَهُ لِلْجَهْرِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ مَشْرُوعَةٌ فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ صَلَاتِهِ لَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ صَلَاةِ مَنْ وَرَاءَهُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسَافِرَ عَلَى ضَرْبَيْنِ رَجُلٌ ابْتَدَأَ سَفَرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَجُلٌ مُسْتَدِيمٌ لِسَفَرِهِ فَأَمَّا مَنْ ابْتَدَأَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبْتَدِئَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ أَنْشَأَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَتَحْرِيمَ تَرْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَذَّنَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَدْ نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ بِمَوْضِعٍ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ كَمَا لَوْ كَانَ بِالْمِصْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسْتَدِيمًا لِسَفَرِهِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعِ الْجُمُعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ عُذْرٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ لِلصَّائِمِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ فَرْضُ الْجُمُعَةِ كَالْمَرَضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُسَافِرُ وَارِدًا عَلَى مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِمِصْرِهِ فَلْيُؤَخِّرْ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ فَإِنْ عَجَّلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فَانْتَقَضَ مَا كَانَ صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ صَلَّى الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَالْأُولَى فَرْضُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ صَلَّى الْأُولَى فَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا جُمُعَةً ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِصَلَاتِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إنْ كَانَ

[ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة]

مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِسِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْت إلَى الطُّورِ فَلَقِيت كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْت مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْته أَنْ قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْت بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت فَقُلْت مِنْ الطُّورِ فَقَالَ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّى عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ صَلَّى عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إتْيَانُهَا بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ كَانَتْ مُرَاعَاةً لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ فَلَا ظُهْرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُدْرِكُهَا فَظُهْرُهُ ثَابِتٌ فَإِذَا طَلَعَ الْغَيْبُ عَنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا صَلَّى وَهُوَ مُعْتَقِدٌ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ فَاتَتْهُ كَانَ مَا صَلَّى فَرْضَهُ فَلَا يُعِيدُ إلَّا لِمِثْلِ مَا يُعِيدُ لَهُ الْعَبْدُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ فَصَلَاتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ صَلَّى عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَظُهْرُهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُهُ. [مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سَاعَةٌ يَقْتَضِي جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ غَيْرَ مُقَدَّرٍ وَلَا مُعَيَّنٍ وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَقْلِيلِهَا وَلَوْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً أَوْ مُعَيَّنَةً لَمَا كَانَ لِلتَّقْلِيلِ مَعْنًى وَقَوْلُهُ وَلَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ تَخْصِيصًا لِدُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجَابَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَخَالَفَهُمْ قُتَيْبَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو مُصْعَبٍ فَأَسْقَطُوا لَفْظَةَ وَهُوَ قَائِمٌ وَهِيَ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ وَقَوْلُهُ يُصَلِّي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي تَعْيِينِ السَّاعَةِ وَرُوِيَتْ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ نَذْكُرُ مَا شَهَرَ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالُوا إنَّ السَّاعَةَ هِيَ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ يُصَلِّي بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمُصَلِّي عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَتَأَوَّلُوا يُصَلِّي بِمَعْنَى يَدْعُو وَتَأَوَّلَ مَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِمَعْنَى مُوَاظِبٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] وَيَحْتَمِلُ اللَّفْظُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَهُ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا احْتَاجُوا مِنْ التَّأْوِيلِ إلَى مِثْلِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لِأَنَّ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لَيْسَ بِوَقْتِ قِيَامٍ فِي صَلَاةٍ عِنْدَنَا وَلَا يُنْتَدَبُ إلَى ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِي هَذَا اللَّفْظُ النَّدْبَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ تِلْكَ السَّاعَةُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِسِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْت إلَى الطُّورِ فَلَقِيت كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْت مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْته أَنْ قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْت بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت فَقُلْت مِنْ الطُّورِ فَقَالَ لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

يَقُولُ» لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِدِ إيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَشُكُّ «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْته بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْته بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْت قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ سَلَامٍ كَذَبَ كَعْبٌ فَقُلْت ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ صَدَقَ كَعْبٌ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْت أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنِنْ عَلَيَّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت بَلَى قَالَ فَهُوَ ذَلِكَ» ) .. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُ» لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِدِ إيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَشُكُّ «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْته بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْته بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْت قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ سَلَامٍ كَذَبَ كَعْبٌ فَقُلْت ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ صَدَقَ كَعْبٌ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْت أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنِنْ عَلَيَّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْت بَلَى قَالَ فَهُوَ ذَلِكَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ خَرَجْت إلَى الطُّورِ الطُّورُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى جَبَلٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الَّذِي كُلِّمَ فِيهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَوْلُهُ فَلَقِيت كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْرَاةِ يَعْنِي أَخْبَرَهُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ عَلَى وَجْهِ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ عَمَّا يُنْسَبُ إلَيْهَا وَاعْتِبَارِ مَا يُوَافِقُ مِنْهَا مَا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْته أَنْ قُلْت خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ إخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ الْأُمُورِ الْعِظَامِ فِيهِ وَاخْتِصَاصِهَا بِهِ فِي الْأَغْلَبِ دُونَ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَذَلِكَ حَضٌّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الطَّاعَاتِ فِيهِ وَزَجْرٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الْمَعَاصِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا صَاخَّةَ الْإِسْمَاعِ مَعَ التَّوَقُّعِ لِأَمْرٍ يَطْرَأُ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ إصَاخَتَهَا إنَّمَا هِيَ تَوَقُّعٌ لِلسَّاعَةِ وَشَفَقَةٌ مِنْهَا وَقَوْلُهُ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ اسْتَثْنَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْجِنْسِ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ إذْ هَذَا الْجِنْسُ لَا يُصِيخُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إشْفَاقًا مِنْ السَّاعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أَشْرَاطًا يَنْتَظِرُهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّا نَجِدُ مِنْهَا مَا لَا يُصِيخُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَشْرَاطِ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِالْأَشْرَاطِ عَلَى حَالَتِهِمْ الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا لَا يُصِيخُونَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ إخْبَارٌ عَنْ فَضِيلَةِ الْيَوْمِ وَعَظِيمِ دَرَجَتِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ السَّاعَةِ وَقَوْلُ كَعْبٍ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ التَّوْرَاةِ أَوْ التَّأْوِيلِ لِلَفْظِهَا فَلَمَّا رَاجَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَاجَعَ قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَعْنَى أَنَّ الَّذِي فِي التَّوْرَاةِ مُوَافِقٌ لَهُ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ صِدْقَهُ إنَّمَا ظَهَرَ بِمُوَافَقَتِهِ مَا قَرَأَ مِنْ التَّوْرَاةِ لِأَنَّ الَّذِي عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَحُّ وَصِدْقُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ مَا قَرَأَ كَعْبٌ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَقِيت بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَعْنِي أَنَّهُ لَقِيَهُ مُنْصَرِفًا مِنْ الطُّورِ وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ هَذَا إلَى الطُّورِ لِحَاجَةٍ عَنَّتْ لَهُ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ عَلَى مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَالتَّقَرُّبِ بِإِتْيَانِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَ بَصْرَةَ لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ نَخْرُجَ إلَيْهِ مَا خَرَجْت دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ التَّقَرُّبِ بِقَصْدِهِ وَسُكُوتِ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَهِمَ مِنْهُ كَانَ قَصْدَهُ

الْهَيْئَةُ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اتَّخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ هُوَ تَسْيِيرُهَا وَالسَّفَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلُهَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَنَهْيُهُ عَنْ إعْمَالِ الْمَطِيِّ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً بِمَسْجِدِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِمَوْضِعِهِ وَلَا يَأْتِيهِ حَدِيثُ بَصْرَةَ الْمَنْصُوصُ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا فِيهِ الْقُرْبَةُ وَلَا فَضِيلَةَ لِمَسَاجِدِ الْبِلَادِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تَقْتَضِي قَصْدَهُ بِإِعْمَالِ الْمَطِيِّ إلَيْهِ إلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْفَضِيلَةِ وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِ الثُّغُورِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْيَانُهَا وَالْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ لِأَنَّ نَذْرَهُ قَصْدُهَا لَمْ يَكُنْ لِمَعْنَى الصَّلَاةِ فِيهَا بَلْ قَدْ اُقْتُرِنَ بِذَلِكَ الرِّبَاطِ فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ إلَّا مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ أَضَافَ إلَى ذَلِكَ مَسْجِدًا رَابِعًا وَهُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ فَقَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِلَى مَسْجِدِ إيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَشُكُّ فِي اللَّفْظَةِ وَمَسْجِدُ إيلِيَاءَ هُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بَصْرَةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَ يُرْسِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ كَذَبَ كَعْبٌ لَمَّا أَخْبَرَهُ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً يَعْنِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ بِهِ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ الْكَذِبَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُخْبِرِ عَلَى مَا لَيْسَ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [النحل: 38] {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: 39] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ إذَا بُعِثُوا بَعْدَ الْمَوْتِ أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ فِي قَوْلِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وَإِنْ كَانُوا فِي حَالِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَدَقَ كَعْبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْت أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ إظْهَارٌ لِعِلْمِهِ وَتَنْبِيهٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَيُبَيِّنُهُ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضْنِنْ عَلَيَّ بِمَعْنَى لَا تَبْخَلْ عَلَيَّ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا يَسْتَضِرُّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بَلْ يَنْتَفِعُ بِتَعْلِيمِهِ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِطْرَةَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْبُخْلُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِعِلْمِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا مُطَالَبَةً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ وَلِيُزِيلَ مِنْ نَفْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ الشُّبْهَةَ الَّتِي تَعْتَرِضُ عَلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى كَثْرَةِ بَحْثِهِمْ عَنْ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَتَحْقِيقِهِمْ فِيهَا وَصِحَّةِ مُنَاظَرَتِهِمْ عَلَيْهَا بِمَعْنَى اسْتِخْرَاجِ الْفَائِدَةِ فَفَزِعَ عَبْدُ اللَّهِ إلَى تَأْوِيلِ الظَّاهِرِ الَّذِي اعْتَرَضَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَوْرَدَهُ وَلَمْ يَقْنَعْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ مَا رَوَيْته عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَوْ بِأَنَّ مَا قُلْته أَوْلَى مِنْهُ لَمَّا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ حَتَّى بَيَّنَ لَهُ وَجْهَهُ وَمُوَافَقَتَهُ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْمُصَلِّي يَنْطَلِقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مُنْتَظِرِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ فِيهِ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ» .

[الهيئة وتخطي الرقاب واستقبال الإمام يوم الجمعة]

ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْهَيْئَةُ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَاسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] (ش) : هَذَا حَضٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّجَمُّلِ لِلْجُمُعَةِ فِي اللِّبَاسِ كَمَا حَضَّ عَلَى التَّطَيُّبِ وَالْغُسْلِ وَالسِّوَاكِ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ فَكَانَ التَّجَمُّلُ مَسْنُونًا فِيهِ كَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ لُبْسِ الْجَمَالِ وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ عَلَى عَادَتِهِمْ مِنْ الْمَلَابِسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاِتِّخَاذِهَا لِلْجُمُعَةِ سِوَى الثِّيَابِ الَّتِي يَمْتَهِنُهَا فِي سَائِرِ أَوْقَاتِهِ يُفِيدُ قَصْرَهَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَنْ تَكُونَ الْجُمُعَةُ مَخْصُوصَةً بِلُبْسِهَا وَأَنْ تَكُونَ لَهُ ثِيَابٌ غَيْرَهَا يَمْتَهِنُهَا وَيُبَاشِرُ الْأَعْمَالَ فِيهَا. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرُوحُ إلَى الْجُمُعَةِ إلَّا إذَا ادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا) . (ش) : هَذَا مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْأُمَّةِ وَالْحَدِيثُ إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إسْنَادٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ عَمَلَ الْأُمَّةِ بِهِ يَقْتَضِي الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ بِتَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَتَصْحِيحِ إسْنَادِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَقْوَى. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَزْمٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَأَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ حَتَّى إذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْثَمَ عِنْدَهُ فِي تَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُؤْثَمِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالتَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَالثَّانِي: بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَمَّا التَّخَطِّي قَبْلَ الْجُلُوسِ لِمَنْ رَأَى فُرْجَةً لِجُلُوسِهِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّ لِلدَّاخِلِ حَقًّا فِي الْجُلُوسِ فِي الْفُرْجَةِ مَا لَمْ يَجْلِسْ فِيهَا غَيْرُهُ لِأَنَّ جُلُوسَ الْجَالِسِ فِيهَا قَبْلَ الدَّاخِلِ لَا يَمْنَعُ هَذَا الدَّاخِلَ مِنْ الْجُلُوسِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ إلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّحَفُّظِ مِنْ إذَايَةِ النَّاسِ وَالْوُجُوبِ فِي التَّخَطِّي إلَيْهَا وَأَمَّا الدَّاخِلُ بَعْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ فَلَا يَتَخَطَّى إلَى فُرْجَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّعْيِ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ التَّخَطِّي إلَى الْفُرْجَةِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِلدَّاخِلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْطُبَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَمَلُ النَّاسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي وَعْظِهِمْ وَأَتَمَّ فِي إحْضَارِهِمْ أَفْهَامَهُمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوهُ إجَابَةً لَهُ وَطَاعَةً وَإِقْبَالًا عَلَى كَلَامِهِ وَوَقْتُ اسْتِقْبَالِهِ هُوَ إذَا قَامَ يَخْطُبُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَلْزَمُ اسْتِقْبَالُ الْإِمَامِ مَنْ لَا يَسْمَعُهُ وَلَا يَرَاهُ مِمَّنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ وَلِلْمُسْتَقْبِلِ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا زَادَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ وَإِنْ حَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ. [الْقِرَاءَةُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالِاحْتِبَاءُ وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ] 1 ٍ ذُكِرَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ الِاحْتِبَاءُ وَلَمْ يَجِئْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْبَابِ وَلِأَصْحَابِنَا فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ مَسَائِلُ نَذْكُرُهَا فَأَوَّلُهَا الِاحْتِبَاءُ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ أَمْرِهِ فَلْيَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ عَلَى إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسَاؤُلِ عَنْهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَعْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ قِيلَ لِمَالِكٍ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ قَالَ مَا أَدْرِي مَا سُنَّةٌ وَلَكِنْ مَنْ أَدْرَكْنَا كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْأُولَى وَأَمَّا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ فَكَانَتْ تَخْتَلِفُ الْقِرَاءَةُ فِيهَا فَمَرَّةً كَانَ يُقْرَأُ فِيهَا بِهَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَرَأَ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَرُوِيَ أَنَّهُ قَرَأَ بِالْمُنَافِقِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ السُّوَرِ سَوَاءٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تَخْتَصُّ بِتَضَمُّنِ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا وَأَشْبَهَ بِالْحَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَلَى إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ الْقِرَاءَةِ بِإِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَخْتَصُّ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَهِيَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا تَخْتَصُّ بِغَيْرِهِمَا مِنْ السُّوَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْرَأُ فِيهَا إلَّا بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَتُهُ بِهَذِهِ السُّوَرِ كُلِّهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ عَلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِسُورَةٍ مِنْ السُّوَرِ لِأَنَّهَا لَوْ اُخْتُصَّتْ بِسُورَةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِغَيْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْحَدِيثُ جَهْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ وَلِذَلِكَ عَلِمُوا مَا قَرَأَ بِهِ وَلَوْ أَسَرَّ لَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إلَى التَّغْرِيرِ كَمَا ذَهَبُوا إلَى ذَلِكَ فِي قِرَاءَتِهِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَعْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» ) . (ش) : هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَأَمَّا مَعْنَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَانْتِظَارٌ لِلْفَيْئَةِ وَإِمْهَالٌ مِنْهُ تَعَالَى عَبْدَهُ لِلتَّوْبَةِ وَمَعْنَى الطَّبْعِ عَلَى الْقَلْبِ أَنْ يُجْعَلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَخْتُومِ عَلَيْهِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَيْرِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ بِفَضْلِهِ. (ش) : لَا خِلَافَ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْخُطْبَةِ أَنْ تُفْصَلَ عَلَى خُطْبَتَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ لِانْحِصَارٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ حَدَثٍ وَصَلَّى غَيْرُهُ أَجْزَأَهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُتِمَّ الْأُولَى وَأَتَى مِنْهَا بِمَا لَهُ بَالٌ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَةِ مَا لَهُ بَالٌ لَمْ تُجْزِهِمْ وَأَعَادَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مَسْنُونٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ ذِكْرَانِ يَتَقَدَّمَانِ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَكُنْ الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِمَا كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِقْدَارُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مِقْدَارُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ فَصْلٌ بَيْنَ مُشْتَبِهَيْنِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ خُطْبَتُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَكُنْ الْقِيَامُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ كَالْأَذَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَمْ الْمِقْدَارُ الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مَا لَهُ بَالٌ وَيَقَعُ عَلَيْهِ

[الترغيب في الصلاة في رمضان]

التَّرْغِيبُ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ (ص) : «مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْمُ خُطْبَةٍ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إنْ سَبَّحَ وَهَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ فَقَطْ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا لَمْ يُصَلِّ فَإِنْ صَلَّى أَجْزَأَهُ وَفِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَتَكَلَّمَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَجُمُعَتُهُمْ جُمُعَةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْخُطْبَتَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُهُمَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ «خَطَبَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْت وَأَوْجَزْت فَلَوْ سَكَتَّ تَنَفَّسْت فَقَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ فَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ سُنَّةِ الْخُطْبَةِ الطَّهَارَةُ وَهَلْ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَمْ لَا قَالَ سَحْنُونٌ إنْ خَطَبَ جُنُبًا أَعَادُوا الصَّلَاةَ أَبَدًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَهُوَ ذَاكِرٌ فَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إذَا خَطَبَ بِهِمْ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ صَحَّتْ خُطْبَتُهُ وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِجَنَابَتِهِ بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ وَقَدْ أَسَاءُوا إلَى مِثْلِ هَذَا قَصَدَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ خَطَبَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الِاخْتِيَارُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَسَاءَ وَالْخُطْبَةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ خُطْبَتُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ جُنُبٌ فَتَمَادَى فِي خُطْبَتِهِ وَاسْتَخْلَفَ لِلصَّلَاةِ أَجْزَأَهُمْ وَنَحْوَ هَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُكْمِ الْخُطْبَةِ الِاتِّصَالُ بِالصَّلَاةِ اتِّصَالَ قُرْبٍ فَإِنْ خَطَبَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَصَلَّى فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فِي غَيْمٍ قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ قَرِيبٌ فَيُجْزِيهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [التَّرْغِيبُ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ يَدُلُّ آخِرُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ نَافِلَةٌ وَصَلَاةُ النَّاسِ مَعَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِمَاعِ فِي النَّافِلَةِ فِي رَمَضَانَ وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ دُونَ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ مَا كَمَا خَصَّهُ بِالِاعْتِكَافِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِفَضِيلَةِ الْعَمَلِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ لَهُمْ فِي اللَّيْلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَيْهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ لِأَنَّهُ عَلَّلَ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا زَالَتْ الْعِلَّةُ بِانْقِطَاعِ الْفَرْضِ بَعْدَهُ ذَهَبَ الْمَانِعُ وَثَبَتَ جَوَازُ الِاجْتِمَاعِ لِقِيَامِ رَمَضَانَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ قَالَ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَدَعَ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي وَقَاصِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إلَيْهِ أَنَّهُ إنْ وَاصَلَ هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ إمَّا لِإِرَادَتِهِ فَرْضَهَا فَقَطْ عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ فِيهِمْ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالِاعْتِقَادِ مَا يَكُونُ الْأَصْلَحُ لَهُمْ فَرْضَ هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ لَمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ فَإِنَّ مَا دَامَ عَلَيْهِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ مِنْ الْقُرْبِ فُرِضَ عَلَى أُمَّتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَظُنَّ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ إذَا دَاوَمَ عَلَيْهَا وُجُوبَهَا وَإِلْزَامَ النَّاسِ أَمْرَهَا وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مَأْمُونَةٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ مَالِكٍ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ إلَى وَقْتِنَا فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِالنَّفَرِ فِي سُبْحَةِ الضُّحَى وَغَيْرِهَا مِنْ النَّافِلَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ غَيْرَ نَافِلَةِ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفَرًا قَلِيلًا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مَشْهُورًا فَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا اشْتَهَرَ مِنْ أَمْرِ نَافِلَةِ رَمَضَانَ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ وَتَشْتَهِرَ الْإِمَامَةُ فِيهَا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ الَّتِي لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إشْهَارِهَا وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ يَظُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَحُضُّهُمْ عَلَيْهِ وَيَنْدُبُهُمْ إلَيْهِ وَيُخْبِرُهُمْ عَنْ ثَوَابِهِ بِمَا يُرَغِّبُهُمْ فِيهِ وَقِيَامُ رَمَضَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةً تَخْتَصُّ بِهِ وَلَوْ كَانَ شَائِعًا فِي جَمِيعِ الْعَامِ لِمَا اُخْتُصَّ بِهِ وَلَا انْتَسَبَ إلَيْهِ كَمَا لَا تُنْتَسَبُ إلَيْهِ الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ الَّتِي تُفْعَلُ فِي غَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تُفْعَلُ فِيهِ وَإِنَّمَا خُصَّ بِهِ بِمَعْنَى الْحَضِّ عَلَيْهِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ قِيَامِ الْعَامِ رَجَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِحَظٍّ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ أَشْهُرِ الْعَامِ ثَوَابًا كَمَا أَنَّهُ يَحُضُّ عَلَى قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قِيَامَ جَمِيعِ رَمَضَانَ وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقُومَ جَمِيعَ الْعَامِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَالَتْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَطِيعُهُ كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً فَلَمَّا عَلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أُمَّتَهُ لَا تُطِيقُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُطِيقُهُ حَضَّهُمْ عَلَى أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ مُحَافَظَةً عَلَيْهَا وَأَعْلَمَهُمْ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ إيجَابًا لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ ثُمَّ بَيَّنَ التَّرْغِيبَ بِقَوْلِهِ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ التَّرْغِيبِ وَأَوْلَى مَا يَجِبُ أَنْ يُسَارَعَ إلَيْهِ إذَا كَانَ فِيهِ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي يَكُونُ التَّكْفِيرُ بِهِ هُوَ أَنْ يَقُومَهُ إيمَانًا بِصِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَرْغِيبِهِ فِيهِ وَعِلْمًا بِأَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ مَنْ قَامَهُ عَلَى مَا وَعَدَهُ بِهِ وَاحْتِسَابًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَقُومُهُ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ الْعَمَلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَرْسَلَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَيَعْنِي قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَحَالُ النَّاسِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَرْكِ النَّاسِ وَالنَّدْبِ إلَى الْقِيَامِ وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِيهِ عَلَى إمَامٍ يُصَلِّي بِهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونُوا أَلَّا يُصَلُّونَ إلَّا فِي بُيُوتِهِمْ أَوْ يُصَلِّي الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ أَوْزَاعًا مُتَفَرِّقِينَ عَلَى حَسَبِ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَإِنَّمَا أَمْضَاهُ عَلَى ذَلِكَ

[ما جاء في قيام رمضان]

مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ فَقَالَ نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تُفْرَضُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا لِأَنَّهُ شُغِلَ وَلَمْ يَتَفَرَّغْ لِلنَّظَرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ مَعَ قِصَرِ الْمُدَّةِ أَوْ لِأَنَّهُ رَأَى مِنْ قِيَامِ النَّاسِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقُوَّتِهِمْ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَهُ مِنْ جَمْعِهِمْ عَلَى إمَامٍ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَغَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَقَامَ النَّاسُ وُحْدَانًا مِنْهُمْ فِي بَيْتِهِ وَمِنْهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ رَأَى عُمَرُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ فَأَمَرَ أُبَيًّا وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يُصَلِّيَا بِهِمْ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوَتْرِ. [مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ] (ش) : قَوْلُهُ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يَعْنِي جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةً تَكُونُ الْجَمَاعَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَفِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْهَا جَمَاعَةٌ أُخْرَى وَكَذَلِكَ فِي نَوَاحٍ مِنْهُ وَقَوْلُهُ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يُصَلِّي رَجُلٌ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي آخَرُ وَمَعَهُ الرَّهْطُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِصَلَاتِهِ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الرَّجُلُ فَتَكُونُ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ الرَّجُلُ لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْجِنْسِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي بِصَلَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الرَّهْطُ فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجِنْسِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يَصِحُّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُصَلِّي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ فَبَانَ أَنْ ذَلِكَ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَرَأْيُهُ وَاسْتِنْبَاطُهُ ذَلِكَ مِنْ إقْرَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَقِيَامِهِ ذَلِكَ عَلَى جَمْعِ النَّاسِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَلِمَا فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَأَسْبَابِ الْحِقْدِ وَلِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَجْمَعُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّاسِ عَلَى الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ أَمْثَلَ يُرِيدُ أَفْضَلَ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فِي دُورِهِمْ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا سَمِعُوا التَّكْبِيرَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ رَجُلٌ التَّكْبِيرَ وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يَعْنِي أَنَّهُ جَمَعَهُمْ عَلَى الِائْتِمَامِ بِهِ وَالصَّلَاةِ مَعَهُ قَالَ ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ يَعْنِي الَّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ نِعْمَةُ فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ نِعْمَةُ بِالْهَاءِ وَذَلِكَ وَجْهُ الصَّوَابِ عَلَى أُصُولِ الْكُوفِيِّينَ وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَهُمْ نِعْمَتْ بِالتَّاءِ الْمَمْدُودَةِ لِأَنَّ نِعْمَ عِنْدَهُمْ فِعْلٌ فَلَا تَتَّصِلُ بِهِ إلَّا تَاءُ التَّأْنِيثِ دُونَ هَذَا وَهَذَا الْقَوْلُ تَصْرِيحٌ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ بِقَصْدِ الصَّلَاةِ بِهِمْ وَرَتَّبَ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ تَرْتِيبًا مُسْتَقِرًّا لِأَنَّ الْبِدْعَةَ هُوَ مَا ابْتَدَأَ فِعْلَهُ الْمُبْتَدَعُ دُونَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَابْتَدَعَهُ عُمَرُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالنَّاسُ إلَى هَلُمَّ جَرًّا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إلَّا فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا أَبْيَنُ فِي صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِنِعْمَتْ الْبِدْعَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا يُرِيدُ الصَّلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ، أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ» وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّوَافِلَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُسْنَدًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُكْرَهُ لِلْقَارِئِ التَّطْرِيبُ فِي قِرَاءَتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَزِّنَ قِرَاءَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلَا تَرْجِيعٍ وَلَا تَحْزِينٍ فَاحِشٍ يُشْبِهُ النَّوْحَ أَوْ يُمِيتُ بِهِ حُرُوفَهُ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى التَّرْتِيلِ وَالْخُشُوعِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] . (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَاذَةِ لِلْقَارِئِ فِي رَمَضَانَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: تَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَنَّ الْآيَةَ عِنْدَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَذَا لَفْظٌ لَيْسَ مِنْ الْمُعْجِزِ فَلَمْ يُسَنَّ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ كَسَائِرِ الْكَلَامِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِالْجَهْرِ بِذَلِكَ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الْجَهْرِ بِذَلِكَ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ حَالَ الْقِيَامِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعْجِزِ فَكَانَ شَأْنُهُ الْإِسْرَارَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ فِي افْتِتَاحِ الْقَارِئِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْتَتِحَ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. (ش) : قَوْلُهُ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ يَعْنِي أَنْ يَؤُمَّاهُمْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ يُصَلِّي بِهِمْ أُبَيٌّ مَا قَدَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي تَمِيمٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقْرَأَ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْأَوَّلُ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَنَائِبٌ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْقَارِئَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنَّمَا يَقْصِدُ مَا يُوَافِقُ صَوْتَهُ وَيَحْسُنُ فِيهِ طَبْعُهُ وَذَلِكَ يُنَافِي الْخُشُوعَ، وَسُنَّةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إحْدَى عَشْرَ رَكْعَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ عُمَرَ إنَّمَا امْتَثَلَ فِي ذَلِكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّيْلِ عَلَى مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا كَانَ يُصَلِّي بِهِ فِي رَمَضَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ فَرَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَرَوَى نَافِعُ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ يُصَلُّونَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ عِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ عَلَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمَرَهُمْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَمَرَهُمْ مَعَ ذَلِكَ بِطُولِ الْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ الْقَارِئُ بِالْمِئِينَ فِي الرَّكْعَةِ لِأَنَّ التَّطْوِيلَ فِي الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ فَلَمَّا ضَعُفَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِثَلَاثِ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَاسْتِدْرَاكِ بَعْضِ الْفَضِيلَةِ بِزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَلَى حَدِيثِ الْأَعْرَجِ وَقَدْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ إنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً إلَى عِشْرِينَ وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْحَرَّةِ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ الْقِيَامُ فَنَقَصُوا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَزَادُوا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَجَاءَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرُ بِثَلَاثٍ فَمَضَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَيَّامِهِ أَنْ يُقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِعَشْرِ آيَاتٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ وِتْرُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْجَمَاعَةِ فَكَانَ هُوَ الْأَفْضَلُ بِمَعْنَى التَّخْفِيفِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَهَذَا فِي الْآيَاتِ الطِّوَالِ وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الْخِفَافِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي فِي الْجَمَاعَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَلَوْ اسْتَطَاعَ أَحَدٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْمِئِينَ لَكَانَ أَفْضَلَ وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقِيَامِ» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْعَصَا وَالْحَائِطِ فِي النَّافِلَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لِطُولِ الْقِيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِطُولِ الْقِيَامِ فَضِيلَةً رُبَّمَا اُسْتُعِينَ عَلَيْهَا بِالِاعْتِمَادِ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ جَائِزٌ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ فُرُوضِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ إلَّا بِالِاعْتِمَادِ كَانَ ذَلِكَ فَرْضَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجُلُوسِ إلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ الِاعْتِمَادُ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ اعْتِمَادٌ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْمَنْعِ مَبْلَغَ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْعَصَا وَالْعُودِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إلَّا فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ وَهِيَ أَوَائِلُهُ وَأَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْضُونَ صَلَاتَهُمْ لِطُولِ الْقِيَامِ إلَّا لِقُرْبِ الْفَجْرِ وَهَذِهِ صَلَاةُ مَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى قِيَامِ آخَرِ اللَّيْلِ وَقَوْلُ عُمَرَ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ لِمَنْ كَانَ يَقُومُ أَوَّلَ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ كَانَتْ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي أَوَّلَ اللَّيْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي آخِرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُصَلِّي جَمِيعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُرِيدُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُ مِنْهَا وِتْرًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ مِنْهَا رَكْعَةً وَاحِدَةً وَقَدْ اخْتَارَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَهُ عِنْدِي ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ أَخَّرَ وِتْرَهُ عَنْ صَلَاتِهِ وَأَمَّا مَنْ وَصَلَ صَلَاتَهُ بِوِتْرِهِ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ. وَالثَّانِي: مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا سَلَامَ فِيهَا فَأَرَادَ مَالِكٌ إبْقَاءَ الصُّورَةِ إذْ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ اتِّصَالُهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْوِتْرَ نَفْلٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يُوتِرَ نَفْلًا وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ فَلَزِمَتْ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ الْوِتْرَ حَتَّى صَارَتَا مِنْ جُمْلَتِهِ لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ فِيهِ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَهُ غَيْرُ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إنْ شَاءَ جَاءَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْوِتْرِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانُوا يَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً يُرِيدُ عِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُفْعَلَانِ مَعَهُ فِي سَائِرِ الْعَامِ وَالْعِشْرُونَ رَكْعَةً خَمْسُ تَرَاوِيحَ كُلُّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ تَرْوِيحَةٌ وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَفْصِلُوا بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يُصَلُّونَهُمَا أَفْذَاذًا وَلِذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى التَّصْحِيحِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَأَبْعَدَ مِنْ الْغَلَطِ فِيهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَمَكَّنَ مَنْ فَاتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَلَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ الْأَعْرَجَ يَقُولُ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ قَالَ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فَإِذَا قَامَ بِهَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ خَفَّفَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا عَمْرٍو وَكَانَ عَبْدًا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَتْهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْلُو أَنْ تَكُونَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوْ مِنْ الْأُولَيَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَخِرَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الَّتِي فَاتَتْهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَنْفَرِدُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ سَلَامَهُ وَلَكِنْ يَقُومُ فَيَصْحَبُ الْإِمَامَ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَصَلَّى مِنْهُمَا رَكْعَةً ثُمَّ قَضَى الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا حِينَ انْفِرَادِهِ بِالتَّنَفُّلِ. (ش) : قَوْلُهُ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ يُرِيدُ بِالنَّاسِ الصَّحَابَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي رَمَضَانَ بِلَعْنِ الْكَفَرَةِ وَمَحَلُّ قُنُوتِهِمْ الْوِتْرُ وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: نَفْيُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ جُمْلَةً وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلِيٍّ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ وِتْرٍ فَلَمْ يَكُنْ الْقُنُوتُ مَشْرُوعًا فِيهَا كَالْمَغْرِبِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُنُوتُ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ ذَلِكَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ أُبَيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ النِّصْفَ الْأَوَّلَ فَلَمْ يَقْنُتْ ثُمَّ مَرَضَ وَصَلَّى مَكَانَهُ مُعَاذٌ فَقَنَتَ فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْهُمَا وَمِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَصَّ بِالرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ. (فَرْعٌ) وَفِي الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَعَنَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ إذَا أَوْتَرَ النَّاسُ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَرَكَعَ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَقَفَ يَدْعُو عَلَى الْكَفَرَةِ وَيَلْعَنُهُمْ وَيَسْتَنْصِرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَدْعُو قَالَ وَكُلُّ ذَلِكَ شَيْءٌ خَفِيفٌ غَيْرُ كَثِيرٍ وَكَانَ لِلْإِمَامِ دُعَاءٌ مَعْرُوفٌ يَجْهَرُ بِهِ كَمَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ وَهَذَا أَمْرٌ مُحْدَثٌ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْكِرُهُ إنْكَارًا شَدِيدًا وَلَا أَرَى مَنْ يَعْمَلُ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ كَانَ النَّاسُ يَدْعُونَ بِهِ فِي لَيْلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الشَّهْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ كَانَ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ أَنْ خُفِّفَتْ الصَّلَاةُ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالْمِئِينَ لَمَّا رَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَأَدْعَى لَهُمْ إلَى الصَّلَاةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ فَنَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ بِالطَّعَامِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ) . (ش) : هَذَا لِمَنْ كَانَ يَسْتَدِيمُ الْقِيَامَ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ أَوْ لِمَنْ كَانَ يَخْتَصُّ آخِرَهُ بِالْقِيَامِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ عَنْهُ عُمَرُ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا خَيْرٌ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ حَالَهُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ لَهَا فِي رَمَضَانَ يَقْتَضِي أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ كَانَ أَمْرًا فَاشِيًّا عِنْدَ الصَّحَابَةِ مَعْمُولًا بِهِ حَتَّى إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَلْتَزِمْنَهُ وَيَتَّخِذْنَ مَنْ يَقُومُ بِهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَفِي هَذَا إجَازَةُ إمَامَةِ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ الْعَبْدِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقُومُ فِي أَهْلِهِ حَسْبَمَا فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ وَأَمَّا فِي الْمَسَاجِدِ الْجَامِعَةِ فَلَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَةَ الرَّاتِبَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي ذَلِكَ يُرَاعَى تَمَامُ أَحْوَالِ الْأَئِمَّةِ فَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى

[ما جاء في صلاة الليل]

مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطَتْهُمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُبُودِيَّةَ نَقْصًا مُؤَثِّرًا فِي الْإِمَامَةِ فَأَمَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إمَامًا رَاتِبًا. وَقَدْ رَوَى أَنَّ ذَكْوَانَ هَذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ نَظَرًا مَنْ لَا يَحْفَظُ. [مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ] (ش) : قَوْلُهُ مَا مِنْ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَعْنِي أَنْ تَكُونَ لَهُ عَادَةٌ مِنْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ فِي لَيْلِهِ فَيَغْلِبُهُ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ نَوْمٌ يَمْنَعُهُ مِنْهَا وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَذْهَبَ بِهِ النَّوْمُ فَلَا يَسْتَيْقِظُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَمْنَعُهُ النَّوْمُ مِنْ الصَّلَاةِ فَهَذَا حُكْمُهُ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ مَانِعُ النَّوْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي اعْتَادَهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ عِنْدِي وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُهَا غَيْرُ مُضَاعَفٍ وَلَوْ عَمِلَهَا لَكَانَ لَهُ أَجْرُهَا مُضَاعَفًا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي يُصَلِّيهَا أَكْمَلُ حَالًا وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ أَلَا تُصَلِّيَانِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهَا بَعَثَهَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فَخْذَهُ وَيَقُولُ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَهُ أَجْرَ مَنْ تَمَنَّى أَنْ يُصَلِّيَ مِثْلَ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَجْرَ تَأَسُّفِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِهِ وَيُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْمُصَلِّينَ. (ش) : قَوْلُهَا كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَضْجَعُهَا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْجَوْفِ مُتَّصَلُ رِجْلَاهَا مِنْ قِبْلَتِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطَتْهُمَا مَعَ كَوْنِهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ يَدَيْهِ فِيهِ مَعْنَى الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي لِزَوَالِهَا عَنْ قِبْلَتِهِ مَرَّةً وَرُجُوعِهَا إلَيْهَا ثَانِيَةً لِتُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَأَنَّهُ مُبَاحٌ مَعَ الضَّرُورَةِ وَفِي هَذَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُصَلِّي إلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي قِبْلَتِهِ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ إلَى الْمَرْأَةِ لِئَلَّا يَتَذَكَّرَ مِنْهَا مَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ فِيهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ صَلَّى وَعَائِشَةُ فِي قِبْلَتِهِ مَعَ ضِيقِ الْمَنْزِلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلَيَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ لِغَيْرِ اللَّذَّةِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهَا غَمَزَنِي يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ لِجَسَدِهَا بِيَدِهِ. وَالثَّانِي: قَوْلُهَا وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. وَهَذِهِ حَالَةٌ لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا أَنْ تَقَعَ يَدُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا لِلظَّلَامِ وَأَنَّ النَّائِمَ لَا يُؤْمَنُ انْكِشَافُ بَعْضِ جَسَدِهِ وَغَمْزُهُ إيَّاهَا بِيَدِهِ لِتَقْبِضَ رِجْلَيْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا وَالْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: الْيَسِيرُ جِدًّا كَالْغَمْزِ وَحَكِّ الْجَسَدِ وَالْإِشَارَةِ فَهَذَا لَا يَنْقُضُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَلَا سَهْوُهُ وَكَذَلِكَ التَّخَطِّي إلَى الْفُرْجَةِ الْقَرِيبَةِ. وَالثَّانِي: أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَهُوَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَلَا يُبْطِلُهَا سَهْوُهُ كَالِانْصِرَافِ عَنْ الصَّلَاةِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هَشَّامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نَعِسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ امْرَأَةً مِنْ اللَّيْلِ تُصَلِّي فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقِيلَ هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَتْ الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا جِدًّا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: فَهُوَ الْكَثِيرُ جِدًّا كَالْمَشْيِ الْكَثِيرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَهَذَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ تُرِيدُ فِي زَمَانِ اللَّيْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَصَابِيحَ لَا تُتَّخَذُ فِي الْأَيَّامِ وَإِنَّمَا تُتَّخَذُ فِي اللَّيَالِيِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا يَوْمَئِذٍ يُرِيدُ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَلَمْ تُرِدْ أَيَّامَهُ دُونَ لَيَالِيِهِ. (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ وَلَمْ يَسْتَطِعْ مُدَافَعَتَهُ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ وَيَقْدِرَ عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مَعْنَى سُكَارَى مِنْ النَّوْمِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْعُمُومِ فَنَجْعَلُهُ عَلَى سُكْرِ النَّوْمِ وَغَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي حَالِ غَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ إذَا أَرَادَ الِاسْتِغْفَارَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَأْتِي بِسَبِّ نَفْسِهِ بَدَلًا مِنْ الِاسْتِغْفَارِ هَذَا مِمَّا يُنَافِي الصَّلَاةَ وَهَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَقَدْ أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ لِأَنَّ النَّوْمَ الْغَالِبَ لَا يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنْ جَرَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ فَكَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ السَّعَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ عَنْهُ فِيهِ النُّعَاسُ وَيَدْرِك صَلَاتَهُ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَلْيَرْقُدْ وَلْيَتَفَرَّغْ لِإِقَامَةِ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا فَإِنْ كَانَ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَقَدَ فَاتَهُ الْوَقْتُ فَلْيُصَلِّ مَا يُمْكِنُهُ وَلْيُجْهِدْ نَفْسَهُ فِي تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يَرْقُدُ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَى فِي ذَلِكَ بِالْفَرْضِ وَإِلَّا قَضَاهَا بَعْدَ نَوْمِهِ. (ش) : قَوْلُهُ سَمِعَ امْرَأَةً مِنْ اللَّيْلِ تُصَلِّي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَذْكُرُ صَلَاتَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَسْمَعَ قِرَاءَتَهَا وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ أَصْوَاتَهُنَّ عَوْرَةٌ وَإِنَّمَا حُكْمُهَا فِيمَا تَجْهَرُ فِيهِ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا خَاصَّةً وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَوَاعَدُونَ بِالْمَدِينَةِ لِقِيَامِ الْقُرَّاءِ فِي الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ يُرِيدُ أَنَّهَا تُصَلِّي فِي جَمِيعِ لَيْلَتِهَا وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ النَّوْمِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ عَادَةُ النِّسَاءِ بِاللَّيْلِ وَلِأَنَّهَا لَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إلَّا لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ وَذَلِكَ مَا أَشَارَتْ إلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا كَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ لَا تَسْتَطِيعُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْجِبُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَقَالَ لَعَلَّهُ يُصْبِحُ مَغْلُوبًا وَفِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كَانَ يُصَلِّي أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَإِذَا أَصَابَهُ النَّوْمُ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يَأْتِيهِ الصُّبْحُ وَهُوَ نَاعِسٌ فَلَا يَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُدْرِكُهُ كَسَلٌ وَفُتُورٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى عُرِفَتْ الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ يَعْنِي أَنَّهُ رَأَى فِي وَجْهِهِ مِنْ التَّقْطِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132] ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَامَاتِ الْكَرَاهِيَةِ مَا عُرِفَتْ بِهِ كَرَاهِيَتُهُ لِمَا وُصِفَتْ بِهِ الْحَوْلَاءُ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ مِنْ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَلِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَلَلَ مِنْ الْبَارِّي إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْإِثَابَةِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمَلَلُ مِنَّا هُوَ السَّآمَةُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْأَمْرَيْنِ التَّرْكَ وَصَفَ تَرْكَهُ بِالْمَلَلِ عَلَى مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَمَلُّ وَأَنْتُمْ تَمَلُّونَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: النَّدْبُ لَنَا إلَى تَكَلُّفِ مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ مِنْ الْعَمَلِ. وَالثَّانِي: نَهْيُنَا عَنْ تَكَلُّفِ مَا لَا نُطِيقُ وَالْأَمْرُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا نُطِيقُهُ وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِنَفْسِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْعَمَلِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَمَلَ الْبَرِّ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَفْظٌ وَرَدَ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا لَكُمْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ طَاقَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّنَفُّلَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ كُلِّ إنْسَانٍ وَنَشَاطِهِ وَمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ وَإِيقَاظُهُ أَهْلَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ نَافِلَةِ اللَّيْلِ بِحَظٍّ وَإِنْ قَلَّ فَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَهُوَ السَّحَرُ وَقَدْ قَلَّ قِيَامُهُ فَلْيَتَوَخَّ بِهِ أَفْضَلَ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] يَحْتَمِلُ أَنْ يُوقِظَهُمْ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْبَارِّي تَعَالَى فَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا لِيَتَأَكَّدَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ مِنْ إيقَاظِهِمْ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) . (ش) : يَعْنِي كَرَاهِيَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَتَعْرِيضِهَا لِلْفَوَاتِ فَقَدْ يَذْهَبُ بِهِ النَّوْمُ حَتَّى يَفُوتَ وَقْتُهَا وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ تَحَدَّثَ مَعَ ضَيْفٍ أَوْ قَرَأَ عِلْمًا زَادَ الدَّاوُدِيُّ أَوْ الْعَرُوسِ أَوْ مُسَافِرٍ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةُ اللَّيْلِ يُرِيدُ بِذَلِكَ النَّافِلَةَ وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِضَافَتُهَا إلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَقْتَضِي أَنَّ لِلَّيْلِ نَافِلَةً وَلِلنَّهَارِ نَافِلَةً وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ النَّهَارِ الْهَاجِرَةُ قَالَ مَالِكٌ إنَّمَا كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَبِالْهَاجِرَةِ وَالْوَرَعَ وَالْفِكْرَةَ قِيلَ لَهُ فَالتَّنَفُّلُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ إنَّمَا كَانَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِاللَّيْلِ وَالْهَاجِرَةِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَأَنِّي رَأَيْته يَكْرَهُ الصَّلَاةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا وَقْتُ التَّصَرُّفِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِ النَّوْمِ وَالدَّعَةِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي وَقْتٍ يَبْعُدُ عَنْ صَلَاةِ فَرْضٍ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَثْنَى مَثْنَى يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا صَلَاةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا يُرِيدُ أَنَّ النَّوَافِلَ لَا يُزَادُ فِيهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ

[صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر]

صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوِتْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مِنْ أَرْبَعٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ صَلِّ كَمْ شِئْت بِسَلَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ تَجْلِسَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَجْلِسَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْفَصْلِ بِالْجُلُوسِ وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ مَثْنَى مَثْنَى وَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا وَيُقَالُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَثْنَى لَمَّا كَانَ يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا صَلَاةً وَلَا تَكُونُ صَلَاةً إلَّا بِأَنْ يَفْصِلُهَا عَمَّا بَعْدَهَا بِالسَّلَامِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ نَفْلٍ فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ. [صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوِتْرِ] (ش) : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فَزَادُوا فِيهِ «يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَقَوْلُهُ يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْوِتْرَ مِنْ جُمْلَتِهَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوِتْرِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا: وُجُوبُهُ. وَالثَّانِيَةِ: عَدَدُهُ. وَالثَّالِثَةِ: إفْرَادُهُ مِنْ الشَّفْعِ. فَأَمَّا وُجُوبُهُ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَالْوَاجِبُ عِنْدَهُ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ السُّنَنِ وَمِيزَتُهُ عَلَى السُّنَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَنِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَنَقْصُهُ عَنْ الْفَرْضِ أَنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُ الْفَرْضِ وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُ الْوَاجِبِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا وَالْفَرْضُ وَاللَّازِمُ وَالْحَتْمُ وَالْمُسْتَحَقُّ بِمَعْنًى فَيَتَحَقَّقُ مَعَهُمْ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ أَرَادُوا بِالْوَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَرْكُهُ فَهُوَ خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ فَلَا مَعْنَى لِلِانْتِقَالِ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ قَالُوا أَنَّهُ مِمَّا يَحْرُمُ تَرْكُهُ فَهُوَ خِلَافٌ فِي مَعْنًى وَالدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهِ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَرَائِضِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» : فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْفَرْضِ فَأَجَابَ بِالْخَمْسِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ هِيَ جَمِيعُ فَرْضِ الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا فَنَفَى وُجُوبَ غَيْرِهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ فَوَصَفَ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ بِالتَّطَوُّعِ. (فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي عَدَدِ الْوِتْرِ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ قَوْلُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْحَدِيثِ يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ» . (وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَهُوَ أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَقِيبَ شَفْعٍ وَأَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ سَحْنُونَ فِي كِتَابِ ابْنِهِ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُوتِرُ الْمُسَافِرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ أَوْتَرَ سَحْنُونَ فِي مَرَضِهِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ مِنْ رَأْيِهَا عَلَى تَخْفِيفِ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَأَنَّ الشَّفْعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوِتْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ جَائِزٌ دُونَ عُذْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ وِتْرٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةَ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَجَبَ أَنْ يُوتِرَ بِهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا كَالْمَغْرِبِ الَّتِي تُوتِرُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ الْفَرْضُ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْوِتْرِ قِرَاءَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّ النَّاسَ لَيَلْتَزِمُونَ فِي الْوِتْرِ قِرَاءَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا هُوَ بِلَازِمٍ وَهَذَا يَنْفِي الْوُجُوبَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إنِّي لَأَفْعَلُهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَرَأَ فِي الْوِتْرِ سَهْوًا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشَّفْعُ قَبْلَ الْوِتْرِ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ مَا عِنْدِي شَيْءٌ يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّفْعَ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ النَّوَافِلِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي لِمَنْ كَانَ وِتْرُهُ بِوَاحِدَةٍ عَقِيبَ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوتِرْ إلَّا عَقِيبَ شَفْعِ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الشَّفْعِ بِسَبِّحْ اسْمِ رَبِّك الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا فَرَغَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهَا الَّتِي ذَكَرَ فِعْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرَاغَ كَانَ مِنْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَإِذَا فَرَغَ يَعْنِي مِنْ جَمِيعِ مَا صَلَّى إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَظْهَرُ إذْ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَالْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّ اضْطِجَاعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ رَاحَةً وَانْتِظَارًا لِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَانَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ رَاحَةً وَانْتِظَارَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ هَذِهِ الضَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْطَجِعُ رَاحَةً وَإِبْقَاءً عَلَى نَفْسِهِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ فَعَلَهَا رَاحَةً فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ فَعَلَهَا سُنَّةً وَعِبَادَةً فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اُسْتُحِبَّ الضَّجْعَةُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلَاةِ» وَأَمَّا اضْطِجَاعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . (ش) : قَوْلُهُ كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ يَحْتَمِلُ السُّؤَالُ عَنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سُؤَالًا عَنْ عِدَّةِ مَا يُصَلِّي مِنْ الرَّكَعَاتِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَوَابُ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَأَجَابَتْهُ بِالْعَدَدِ ثُمَّ أَتْبَعَتْ ذَلِكَ الصِّفَةَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ تَأْتِي كَيْفَ بِمَعْنَى كَمْ وَإِنَّمَا قَصَرَ السُّؤَالَ عَلَى رَمَضَانَ لِمَا رَأَى مِنْ الْحَضِّ عَلَى صَلَاةِ رَمَضَانَ فَظُنَّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخُصُّهُ بِصَلَاةٍ فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ حُصُولَنَا عَلَى صَلَاةِ رَمَضَانَ لِمَا عُلِمَ مِنْ ضَعْفِنَا عَنْ إقَامَةِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعَامِ فَحَضَّنَا عَلَى أَفْضَلِ أَوْقَاتِ الْعَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنَّهَا جَمَعَتْهُمَا فِي اللَّفْظِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ صِفَتَهُمَا وَطُولَهُمَا وَحُسْنَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْأَرْبَعَ الْأُخَرَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ الْحُسْنِ وَالطُّولِ حَظَّهَا. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِآيَاتٍ لِأُوَلِي الْأَلْبَابِ فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَامَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَضْلِ وَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْوِتْرِ فِي الْحُسْنِ وَالطُّولِ وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ بِإِثْرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ لِصَلَاتِهِ وَوِتْرِهِ فَقَالَتْ لَهُ كَيْفَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَرُبَّمَا ذَهَبَ بِك النَّوْمُ عَنْ وِتْرِك. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ نَامَ قَبْلَ أَنْ يُوتِرَ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنَامُ عَنْ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ. وَهَذَا مِمَّا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ وَالْعِصْمَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْتَاجُ إلَى الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ لِعِلْمِهِ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ) . (ش) : ذَكَرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَذَكَرَتْ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَنَّ رِوَايَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اضْطَرَبَتْ فِي الْحَجِّ وَالرَّضَاعِ وَصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَهَذَا غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَسَهْوٌ عَنْ وَجْهِ التَّأْوِيلِ وَلَوْ اضْطَرَبَتْ رِوَايَتُهَا فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ مَعَ مُشَاهَدَتِهَا لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهَا فِي حَيَاتِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اضْطِرَابُ رِوَايَتِهَا فِيمَا لَمْ تُشَاهِدْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَشَدَّ وَلَا تَصِحُّ لَهَا رِوَايَةٌ وَقَدْ أَجْمَعَ مَنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قِلَّةُ مَعْرِفَتِهِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ وَوُجُوهِ التَّأْوِيلِ وَرِوَايَةُ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْتَلِفُ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ فَمَرَّةً كَانَتْ تُخْبِرُ بِمَا شَاهَدَتْ مِنْهُ فِي وَقْتٍ مَا وَمَرَّةً كَانَتْ تُخْبِرُ بِمَا شَاهَدَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنَّمَا قَالَتْ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً تُرِيدُ صَلَاتَهُ الْمُعْتَادَةَ الْغَالِبَةَ وَإِنْ كَانَ رُبَّمَا يَزِيدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى ذَلِكَ فَقَصَدَتْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ غَالِبِ صَلَاتِهِ وَذَكَرَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ تَنْتَهِي إلَيْهِ صَلَاتُهُ فِي النَّادِرِ أَنَّ مَا كَانَتْ تَنْتَهِي إلَيْهِ صَلَاتُهُ فِي الْأَغْلَبِ إذَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ. وَالْوَجْهَ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقْصِدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ جَمِيعِ صَلَاتِهِ فِي لَيْلَةٍ وَتَقْصِدُ فِي وَقْتٍ ثَانٍ إلَى ذِكْرِ نَوْعٍ مِنْ صَلَاتِهِ فِي اللَّيْلِ وَجَمِيعِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» فَلَمْ تَعْتَدَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ بِرَكْعَتَيْ الِافْتِتَاحِ وَلَا بِرَكْعَتَيْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ فَاضْطَجَعْت فِي عُرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْت فَصَنَعْت مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْت فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَجْرِ فَلِذَلِكَ وَصَفَتْ صَلَاتَهُ بِأَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَوَى هَاشِمُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَاعْتَدَّتْ فِيهَا بِرَكْعَتَيْ الِافْتِتَاحِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهَا أَبُو سَلَمَةَ أَيْضًا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِاللَّيْلِ مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُخْبِرُ بِالْأَمْرِ عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ أَسْبَابِ السُّؤَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ تُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إذَا عَلِمَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَمِنْ سُنَّتِهَا التَّخْفِيفُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ خَالَتُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الِاسْتِئْنَاسَ وَالصِّلَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةَ عَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاضْطَجَعْت فِي عُرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طُولِهَا الْوِسَادَةُ هُوَ الْفِرَاشُ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ فَكَانَ اضْطِجَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي عَرْضِهَا عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَوْ عِنْدَ أَرْجُلِهِمَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الْوِسَادَةُ مَا يَضَعُونَ عَلَيْهِ رُءُوسَهُمْ لِلنَّوْمِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُهُ رُءُوسَهُمَا فِي طُولِهَا وَوَضَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأْسَهُ فِي عُرْضِهَا وَالْعُرْضُ بِالضَّمِّ هُوَ الْجَانِبُ الضَّيِّقُ مِنْهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا لَيْسَ بِالْبَيِّنِ عِنْدِي وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ لَقَالَ يَتَوَسَّدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُهُ طُولَ الْوِسَادَةِ وَتَوَسَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عُرْضَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاضْطَجَعَ فِي عُرْضِهَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعُرْضُ مَحَلًّا لِاضْطِجَاعِهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِرَاشًا لَهُ وَمَا قَالَهُ فِي الْعُرْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ فِي عَرْضِهَا بِالْفَتْحِ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ فِي عِلْمِنَا بِالضَّمِّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْعُرْضَ الْجَانِبُ وَاَلَّذِي كَانَ يَتَوَسَّدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا إنَّمَا كَانَ الْجَانِبُ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالطُّولِ وَالْعُرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا فِرَاشٌ غَيْرُهُ وَلِذَلِكَ نَامُوا جَمِيعًا فِيهِ وَهَذَا نِهَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ تَقْرِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِهِ وَأَهْلِ مَيْمُونَةَ زَوْجِهِ وَفِيهِ إبَاحَةُ مِثْلِ هَذَا لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ سِنِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَحْوُ الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ السِّنِّ وَهُوَ سِنٌّ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَرْقُدَ مَنْ بَلَغَهُ مَعَ أَحَدٍ مِنْ الْأَجَانِبِ أَوْ ذِي الْمَحَارِمِ دُونَ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَيُضْرَبُونَ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَأَلْته مَتَى يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا ثَغَرُوا مِنْ نَاحِيَةِ التَّفْرِقَةِ فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ» وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ أَنْ لَا يَتَجَرَّدَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ إذَا بَلَغَا عَشْرًا وَلَا الْجَارِيَتَانِ وَلَا الْغُلَامَانِ وَإِنْ كَانُوا أَخَوَيْنِ وَلَا يَتَجَرَّدَا مَعَ أَبِيهِمَا وَلَا مَعَ أُمِّهِمَا إلَّا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبٌ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ تَفْرِقَةٌ فَكَانَ حَدُّهَا الْإِثْغَارَ كَالتَّفْرِقَةِ فِي الْبَيْعِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا قَالَ عِيسَى إنَّ الصَّبِيَّ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْجِمَاعِ وَلَا يَتَشَوَّقُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا فِي أَقَلِّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَزِمَتْ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَأَمَّا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ فَلَا يَأْبَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ عَلَى مَعْنَى التَّغْرِيرِ وَهَذَا هُوَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ فِي الْقِيَامِ وَقَوْلُهُ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ النَّوْمِ مِنْ الْوَجْهِ. وَالثَّانِي: إزَالَةُ الْكَسَلِ بِمَسْحِ الْوَجْهِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِيَبْتَدِئَ يَقَظَتَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَيَخْتِمَهَا بِذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ نَوْمِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِيَذْكُرَ مَا نَدَبَ إلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَمَا وَعَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثَّوَابِ وَتَوَعَّدَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ مِنْ الْعِقَابِ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ جَامِعَةٌ لِكَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْشِيطًا لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ وَهُوَ السِّقَاءُ الْبَالِي فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ يُقَالُ أَحْسَنَ فُلَانٌ كَذَا بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلِمَ كَيْفَ يَأْتِي بِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يُحْسِنُ صَنْعَةَ كَذَا أَيْ يَعْلَمُ كَيْفَ يَصْنَعُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَامَ يُصَلِّي إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُمْت فَصَنَعْت مِثْلَ مَا صَنَعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُبَادَرَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا تَعَلَّمَ مِنْهُ فَقَامَ إلَى جَنْبِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَامَ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ عَنْهُ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَأْتَمُّ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ أَنْ يَؤُمَّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَتَوَضَّأَ وَدَخَلَ مَعَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ حَتَّى يَنْوِيَ ذَلِكَ الْإِمَامُ عِنْدَ إحْرَامِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْتَمُّ بِهِ الرَّجُلُ وَلَا يَأْتَمُّ بِهِ النِّسَاءُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِعْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَادَفَ دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ افْتِتَاحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ مِمَّا قَبْلَهُمَا فَنَوَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامَتَهُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ كَانَ يُقِيمُهُ عَلَى جَنْبِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِيُقِرَّهُ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَى يَسَارِهِ فَيُدِيرَهُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَكَى أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ إدَارَتِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أَوْتَرَ لِأَنَّهُ وَصَفَ إدَارَتَهُ ثُمَّ قَالَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَالْفَاءُ تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ فِي الْعَطْفِ. وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ كُرَيْبٍ «كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» فَثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ غَيْرُ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهَا نِيَّةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِي صَلَاةِ مَنْ نَوَاهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ كَالتَّخْفِيفِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ إذَا عَقَلَ مَعْنَى الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْمَرُ الصِّبْيَانُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَتَوَسَّدْت عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَيُضْرَبُونَ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ مِنْ جِهَةِ إسْنَادِهِ فَقَدْ قَالَ فِيهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَصْلٌ صَحِيحٌ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنْ يُؤْمَرَ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ إذَا أَثَغْرَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ شِهَابٍ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهَا لِسَبْعِ سِنِينَ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَالَ أَشْهَبُ يُؤْمَرُ بِهَا لِلسَّبْعِ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ الْمُؤْتَمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَلِلْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ سَبْعَةُ أَحْوَالٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا وَاحِدًا فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُومُ عَنْ يَسَارِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ عَنْ «أَنَسٍ صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْت إلَى شِقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَيْسَرِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يَعْدِلُنِي كَذَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» . (فَرْعٌ) فَإِنْ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ أَدَارَهُ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِهِ وَتَكُونُ إدَارَتُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ تَحْوِيلَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِنْ بَابِ الْمُرُورِ بَيْنِ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي بِالْإِمَامِ رَجُلَيْنِ فَزَائِدًا صَلَّوْا وَرَاءَهُ خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ يُصَلِّي بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ «جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ سِرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَاةٍ فَقَامَ يُصَلِّي ثُمَّ جِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَكُونُ مِنْ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَا تَكُونُ وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الصَّفُّ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ لِيَقُومَ مِنْهُمَا صَفٌّ وَاحِدٌ فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ صَحَّ مِنْهُمَا الصَّفُّ وَلَزِمَ تَقَدُّمُ الْإِمَامِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِهِ وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ تَأْنِيسًا لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَهُ إيقَاظًا لَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «فَجَعَلَ إذَا أَغْفَيْت يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ الْفَصْلَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِسَلَامٍ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ لَكَانَ يَجْمَعُهُنَّ فِي التَّسْمِيَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الْوِتْرَ هُوَ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُنْفَرِدَةُ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ كُرَيْبٌ «أَنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَتَامَّتْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذَا الِاضْطِجَاعُ لِانْتِظَارِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَعْنِي بِذَلِكَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ غَيْرُهُمَا.

[الأمر بالوتر]

قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ تِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» ) . الْأَمْرُ بِالْوِتْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيِّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ فَقَالَ الْمُخْدَجِيُّ فَرُحْت إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْت لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي بِذَلِكَ نَافِلَتَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَقَدْ كَانَ يُشَاهِدُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ دُونَ تَكَلُّفٍ وَقَوْلُهُ فَتَوَسَّدْت عَتَبَتَهُ الْعَتَبَةُ مَوْضِعُ الْبَابِ وَالْفُسْطَاطُ نَوْعٌ مِنْ الْقِبَابِ وَالْفُسْطَاطُ مُجْتَمَعُ الْمِصْرِ وَالْخَبَرُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ قَدْ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ إذْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّسَمُّعُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ انْفَرَدَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي هَذَا الْبَابِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ قَالُوا عَنْ مَالِكٍ فِي الْأُولَى خَفِيفَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ افْتِتَاحًا لِصَلَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَفْعَلُهُ تَحِيَّةً لِلْمَسْجِدِ إنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ قِيلَ لِمَالِكٍ فِيمَنْ يُرِيدُ تَطْوِيلَ التَّنَفُّلِ يَبْدَأُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ يَرْكَعُ كَيْفَ شَاءَ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا شَأْنَ مَنْ يُرِيدُ التَّنَفُّلَ فَلَا وَإِنَّمَا أَنْكَرَ مَالِكٌ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ سُنَّةَ التَّنَفُّلِ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ أَوْ يَكُونُ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثَلَاثًا وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي طُولِهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا يَعْنِي فِي الطُّولِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ وَصَفَهُمَا ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ وَصَفَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ رَكَعَهُمَا بِأَنَّهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَذَلِكَ خَمْسُ مَرَّاتٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ آخِرَ الصَّلَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ عَمَّا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِهَا مِنْ الْإِتْمَامِ وَالتَّطْوِيلِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ. [الْأَمْرُ بِالْوِتْرِ] (ش) : قَوْلُهُ مَثْنَى مَثْنَى يَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ تَامَّةً وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ الْمُصَلِّي وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مَثْنَى مَثْنَى فَلَمْ يَحُدَّ بِحَدٍّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً فَجَعَلَ غَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْشَى الصُّبْحَ وَلَمْ يَجْعَلْ غَايَتَهُ عَدَدًا وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً أَنْ تَكُونَ خَشْيَتُهُ بِسَبَبِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِسَبَبِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِسَبَبِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ آخِرَ وَقْتِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَوَقْتِ الْوِتْرِ الْمُخْتَارِ لَهُمَا الْفَجْرُ وَلَهُمَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ فَقَدْ فَاتَ وَأَمَّا أَوَّلُ وَقْتِ الْوِتْرِ فَهُوَ إتْمَامُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى بَعْدِ الْفَجْرِ فَمَنْ نَامَ عَنْهَا أَوْ غَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ.

وَهُوَ رَائِحٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ «سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ كُنْت أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ سَعِيدُ فَلَمَّا خَشِيت الصُّبْحَ نَزَلْت فَأَوْتَرْت ثُمَّ أَدْرَكْته فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْت فَقُلْت لَهُ خَشِيت الصُّبْحَ فَنَزَلْت فَأَوْتَرْت فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَلَيْسَ لَك فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ فَقُلْت بَلَى وَاَللَّهِ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ مَعْنَى الْوَاجِبِ هُوَ مَا فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكٌ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مَا وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ النَّاسِ بِالْوَاجِبِ عَنْ مُؤَكَّدِ السُّنَنِ اتِّسَاعًا وَمَجَازًا عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ فَإِنْ كَانَ مَنْ قَالَ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ يُرِيدُ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ وَلَا مَعْنَى لِمُعَارَضَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ الْفَرَائِضَ فَهُوَ خِلَافٌ فِي مَعْنًى وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ تُفْعَلُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرُحْت إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْت لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْفَتْوَى بِمَا خَفَّ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الطُّرُقِ وَأَمَّا مَا طَالَ مِنْهَا وَأَشْكَلَ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَجْلِسَ لَهُ وَيَتَدَبَّرَهُ وَلَا يُفْتِيَ فِيهِ مُسْتَوْفِزًا وَلَا مَاشِيًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَفِيهِ إعْلَامُ الْمُفْتِي بِمَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ عَسَى أَنْ يُخَالِفَهُ لِيَبْعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالْبَحْثِ وَهَذَا عَلَى سَلَامَةِ النُّفُوسِ وَخُلُوِّ الصُّدُورِ مِنْ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُبَادَةَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِ وَالْكَذِبُ يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: لَا يَأْثَمُ صَاحِبُهُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَقَعَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِيمَا خَفَى عَنْهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَحِلُّ فِيهِ الصَّرْفُ مِثْلُ أَنْ يُؤَمِّنَ رَجُلًا يَسْتَتِرُ فَيَسْأَلُ عَنْهُ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْذِبَ عَنْهُ وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا الْقَسَمُ الثَّانِي: فَيَأْثَمُ صَاحِبُهُ وَهُوَ مَا قَصَدَ فِيهِ إلَّا الْكَذِبَ مِمَّا حُصِرَ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى الْكَذِبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُبَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسٍ قَدْ أَتَى مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَمْ يَرْضَهُ وَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ تَدْقِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُخَالِفُهُ فَأَتَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ تَغْلِيظًا عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى مُخَالَفَتِهِ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ فَإِنَّ مَنْ جَاءَ بِالْخَمْسِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَهَذَا يَنْفِي وُجُوبَ صَلَاةِ غَيْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ اُحْتُرِزَ مِنْ النِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَحَدًا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا مَنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْعِصْمَةِ فَمَنْ نَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا عَالِمًا بِذَلِكَ وَقَادِرًا عَلَى إتْمَامِهِ فَذَلِكَ الْمُسْتَخِفُّ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ نَصٌّ فِي أَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ فِي الْمَشِيئَةِ وَمَانِعٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُغْفَرُ لَهُ وَمَانِعٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ كَافِرٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إنْ كَانَ لَا يَأْتِي بِهَا مَعَ إيمَانِهِ بِهَا فَحُكْمُهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُنْتَظَرَ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّاهَا وَإِلَّا قُتِلَ حَدًّا وَلَوْ تَرَكَهَا مُكَذِّبًا بِهَا اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كُفْرًا. (ش) : قَوْلُهُ فَلَمَّا خَشِيت الصُّبْحَ نَزَلْت فَأَوْتَرْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ طُلُوعَ الْفَجْرِ بِفَوَاتِ الْوِتْرِ وَلِذَلِكَ صَلَّى الْوِتْرَ حِينَ خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُ أَلَيْسَ لَك فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ فِرَاشَهُ أَوْتَرَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُوتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَمَّا أَنَا فَإِذَا جِئْت فِرَاشِي أَوْتَرْت) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَالسَّمَاءُ مُغِيمَةٌ فَخَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ الصُّبْحَ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُسْوَةُ مَا يَتَأَسَّى بِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْقُدْوَةِ وَقَوْلُهُ بَلَى وَاَللَّهِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْيَمِينِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فِي تَصَارِيفِ الْكَلَامِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِثُبُوتِ النَّافِلَةِ فِيهِ وَهُوَ فِعْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِعْلَ الْوِتْرِ عَلَى الْأَرْضِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي وُجُوبِهِ فَمَنْ صَلَّى عَلَى رَاحِلَةٍ فِي اللَّيْلِ اُسْتُحِبَّ لَهُ إذَا أَرَادَ الْوِتْرَ أَنْ يَنْزِلَ. (ش) : مَعْنَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ الْوِتْرَ لِلِاحْتِيَاطِ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ النَّوْمُ فَيَنَامَ عَنْ الْوِتْرِ فَكَانَ يُقَدِّمُ الْوِتْرَ فَإِنْ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ تَنَفَّلَ مَا أَمْكَنَهُ وَكَانَ عُمَرُ قَدْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْقِيَامِ وَأَنَّهُ لَا يَغْلِبُهُ أَمْرٌ عَلَيْهِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ فَكَانَ يُؤَخِّرُ الْوِتْرَ إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ أَوَاجِبٌ هُوَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ» ) . (ش) : هَذَا السَّائِلُ كَانَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ وُجُوبِ الْوِتْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَمْ يَرَ الرَّجُلَ أَهْلًا لِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الْعِلْمِ وَكَانَ يُخْبِرُهُ بِمَا يَحْتَاجُ هُوَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْتَرَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ وَطَوَى عَنْهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هُوَ وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ حُكْمَ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِمَا كَانَ وَتَرَكَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُجِبْهُ بِهِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ مَنْ خَشِيَ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ فَلْيُوتِرْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ وَمَنْ رَجَا أَنْ يَسْتَيْقِظَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُؤَخِّرْ وِتْرَهُ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوِتْرَ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ وَأَمِنَ النَّوْمَ عَنْهُ وَمَنْ خَافَ أَنْ يَفُوتَهُ بِنَوْمِهِ عَنْهُ فَلْيُقَدِّمْهُ فِي أَوَّلِ لَيْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ. ش قَوْلُهُ وَالسَّمَاءُ مُغِيمَةٌ فَخَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ الصُّبْحَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِهِمْ الْإِتْيَانَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةً فَلَمَّا انْكَشَفَ الْغَيْمُ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ وِتْرَهُ بِوَاحِدَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْوَاحِدَةِ حِينَ رَأَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ أَكْمَلَ بِهَا مَعَ وِتْرِهِ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي نِيَّةِ أُولَى الصَّلَاةِ إلَى اعْتِبَارِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَا اعْتِبَارِ وِتْرٍ وَلَا شَفْعٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَلَّمَ ثُمَّ رَأَى أَنَّ عَلَيْهِ وَقْتًا فَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى مُفْرَدَةً اعْتَدَّهَا مُشَفِّعَةً لِلْأُولَى وَقَدْ رَوَى إجَازَةَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ يَسَارٍ وَعَائِشَةُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَامَ يُنَافِي اسْتِدَامَةَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ إضَافَةَ مَا بَعْدَهُ مِنْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ إلَى مَا قَبْلَهُ وَيَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْأُخْرَى كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إلَى الظُّهْرِ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يُوتِرْ ذَلِكَ فِي الظُّهْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا فَإِنْ فَعَلَهُ ذَاكِرًا فَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ بِوَاحِدَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَلَكِنَّ أَدْنَى الْوِتْرِ ثَلَاثٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَشْفَعُ مَا شَفَعَ بِهِ الْوِتْرَ وَرَوَى سَحْنُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِمَنْ أَحْرَمَ عَلَى وِتْرٍ أَنْ يَشْفَعَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْوِتْرَ وَالشَّفْعَ يَجْمَعُهُمَا مَعْنَى التَّنَفُّلِ وَلَمَّا لَمْ يَحْتَجْ الْمُتَنَفِّلُ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى نِيَّةِ التَّنَفُّلِ وَكَانَ الشَّفْعُ نَفْلًا جَازَ أَنْ يُحَالَ الْوِتْرُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ الشَّفْعُ إلَى الْوِتْرِ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ نِيَّةٍ يَتَغَيَّرُ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ الْفَرْضُ إلَى التَّنَفُّلِ وَلَا يَجُوزُ النَّفَلُ إلَى الْفَرْضِ. وَقَدْ حَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ يَفْتَتِحُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْوِتْرِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الشَّفْعَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوِتْرِ فَلَا يُحَالُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ أَنَّهُ يَشْفَعُهَا نَافِلَةً وَيُسَلِّمُ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ فِي الْمَغْرِبِ إنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً قَطَعَهَا وَلَمْ يَشْفَعْهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إنْ ذَكَرَ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ فَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَعُودُ فَيَشْفَعُ وِتْرَهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِنْ طَالَ لَمْ يَعُدْ وَأَجْزَأَهُ وِتْرُهُ الْأَوَّلُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ تُسَمَّى الثَّلَاثُ رَكَعَاتٍ وِتْرًا مَجَازًا لَمَّا كَانَ الْوِتْرُ لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهَا إلَّا أَنَّ الْوِتْرَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمَّا كَانَ وَاقِعًا عَلَى الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَجَبَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مِنْ تَوَابِعِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ فَلَا يُسَلِّمُ مِنْهُ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ الْوِتْرَ فَإِذَا سَلَّمَ مِنْهُ سَلَّمَ مَعَهُ ثُمَّ أَوْتَرَ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُسَلِّمُ مِنْ الشَّفْعِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُسَلِّمُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إمَامُهُ يُسَلِّمُ مِنْ الشَّفْعِ سَلَّمَ مَعَهُ مِنْ الْوِتْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسَلِّمُ مِنْ الشَّفْعِ فَلْيُصَلِّ ذَلِكَ بِرَكْعَةِ الْوِتْرِ كَفِعْلِ إمَامِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنْ يُحَاذِيَ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ رُكُوعَ الْإِمَامِ وَسُجُودَهُ فَإِمَّا أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ فَلَا لِأَنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا قَبْلَ إمَامِهِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ بِوَاحِدَةٍ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَتَمَةِ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا يُرِيدُ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ مَا يُصَلِّي بَعْدَ الْعَتَمَةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِتْرَ نَفْلٌ فَلَا يُوتِرُ إلَّا نَافِلَةً فَيَجِبُ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ نَافِلَةٌ يُوتِرُهَا وَأَقَلُّ تِلْكَ النَّافِلَةِ رَكْعَتَانِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَشْهَبَ يُعِيدُ وِتْرَهُ بِإِثْرِ شَفْعٍ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ. وَقَالَ سَحْنُونَ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ شَفَعَهَا بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أَوْتَرَ وَإِنْ تَبَاعَدَ أَجُزْأَهُ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ الْمُسَافِرُ بِرَكْعَةٍ. وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ مُوتِرَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا مَا تُوتِرُهُ وَتَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ إنَّمَا تُوتَرُ مِنْ جِنْسِهَا كَالْمَغْرِبِ فَإِذَا عَرَا الْوِتْرُ عَمَّا يُوتِرُهُ لَمْ يَكُنْ وِتْرًا فَكَانَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى شُرُوطِهِ مَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُهُ فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الصُّبْحِ لَمْ يَقْضِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُقْضَى بَعْدَ الْفَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنْ فَصَلَهَا بِالسَّلَامِ مِمَّا قَبْلَهَا يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهَا بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ الشَّفْعَ عَلَى سَبِيلِ الْفَضِيلَةِ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونَ أَنَّهُ أَوْتَرَ فِي مَرَضِهِ بِرَكْعَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُكْمِ الشَّفْعِ أَنْ يَتَّصِلَ بِوِتْرِهِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَنَفَّلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوتِرَ حَتَّى يَأْتِيَ بِشَفْعٍ وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فِي بَيْتِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَنَفَّلَ ثُمَّ جَلَسَ مَا بَدَا لَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ مِنْ بَعْدِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى

[الوتر بعد الفجر]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَبَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ مَثْنَى مَثْنَى وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ) . الْوِتْرُ بَعْدَ الْفَجْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ الصُّبْحِ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ وَقْتَهَا وَاحِدٌ لِاخْتِصَاصِ هَذَا الشَّفْعِ بِالْوِتْرِ حَتَّى نُسِبَ إلَيْهِ وَسُمِّيَ بِاسْمِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُفَارِقَهُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الْوِتْرَ وَوَجَدَ مَا يَكُونُ وِتْرًا لَهُ فِي وَقْتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّتَهُمَا وَإِنْ تَفَرَّقَا كَالْمَغْرِبِ الَّذِي يُوتِرُ صَلَاةَ النَّهَارِ وَإِنْ تَفَرَّقَا فِي الْوَقْتِ وَالْفِعْلِ. (ش) : يَعْنِي بِقَوْلِهِ الْمَغْرِبُ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ إنَّهَا تُوتِرُهَا فَيَصِيرُ عَدَدُهَا وِتْرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا الْوِتْرُ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ مِنْ خَشِيَ الصُّبْحَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» وَكَذَلِكَ أَمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ تُوتَرَ صَلَاةُ اللَّيْلِ. (ش) : يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَةً تَشْفَعُ لَهُ وِتْرَهُ وَلْيَعْتَدَّ بِوِتْرِهِ عَلَى مَا مَضَى يُصَلِّي مَا أَمْكَنَهُ رَكْعَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ إنَّمَا يُوتِرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ النَّوَافِلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوتِرَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ إلَّا أَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي تَأَخُّرِهِ جَمِيعَ مَا يُوتِرُهُ. [الْوِتْرُ بَعْدَ الْفَجْرِ] (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ لِخَادِمِهِ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْوَقْتِ اقْتَدَى بِجَمَاعَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ فِي الْوَقْتِ لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عُلَمَاءُ أَئِمَّةٌ فَلَمَّا قَالَ لَهُ الْخَادِمُ قَدْ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ الصُّبْحِ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ يَتَّسِعُ لِوِتْرِهِ وَفَرْضِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ حَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ يَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ وِتْرَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ أَوْتَرَ بَعْدِ الْفَجْرِ لِضَرُورَةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُوتِرُ الْآنَ بِرَكْعَةٍ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي لَيْلَتِهِ مِنْ النَّافِلَةِ مَا يُوتِرُهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَقْتِ نَافِلَةٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَنَفَّلْ فِي لَيْلَتِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصَبْغَ يَتَنَفَّلُ بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوِتْرَ يُصَلَّى لِلضَّرُورَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لِلصُّبْحِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ لِلصُّبْحِ وَقَدْ رَأَى أَنَّهُ يَتْرُكُ الْوِتْرَ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ قَبْلَ الشَّمْسِ بَدَأَ بِالْوِتْرِ ثُمَّ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْوِتْرِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي نَفْيِ وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا تَرَكَ الْوِتْرَ وَصَلَّى الْفَرْضَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ فَيُصَلِّيهَا وَلَا يَخْرُجُ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَخَرَجَ لِيُدْرِكَ الصَّلَاتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَهُ وَهُوَ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى الْوِتْرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْمُغِيرَةِ لَا يَقْطَعُ الصُّبْحَ لِلْوِتْرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ عِنْدِي أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْفَرْضَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِلنَّفْلِ وَلِأَنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يُعَيَّنَ وَقْتَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ وَيَلْزَمُ بِدُخُولِهِ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا إلَّا بِمَا هُوَ بِالْوَقْتِ مِنْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيعٍ وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ الذَّاكِرُ لِلْوِتْرِ مُصَلِّيًا

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جَمَاعَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيُصَلِّي الْوِتْرَ ثُمَّ الصُّبْحَ. وَالثَّانِيَةُ: يَتَمَادَى عَلَى الصُّبْحِ وَقَدْ فَاتَهُ الْوِتْرُ وَرَوَاهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ الْوِتْرِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ تَوْجِيهِ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَقْطَعُ إلَّا أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ ذَكَرَ الْوِتْرَ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَلَا تُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يُوتِرْ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْوِتْرِ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ وِتْرٌ لَهُ صَلَاةُ فَرْضٍ لَا يُنْتَسَبُ إلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَفُوتُ بِهِ وَقْتُهُ وَالنَّوَافِلُ لَا تُقْضَى وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِأَوْقَاتِهَا. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ) . (ش) : وَهَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوِتْرَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقْتَهُ إلَّا أَنَّهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لَا وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَخَّرَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ إنَّمَا أَخَّرَهُ نِسْيَانًا أَوْ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ تَبَيُّنِ الْوَقْتِ مَانِعٌ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أَوْتِرُ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الْوِتْرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ تُقَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُوتِرُ فِي بَيْتِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ فَخَرَجَ يَوْمًا إلَى الصُّبْحِ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ) . (ش) : قَوْلُهُ فَخَرَجَ يَوْمًا إلَى الصُّبْحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَلَسَ إلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لِغَيْمٍ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ ذَلِكَ مَعَ تَوَارِي الْأُفُقِ عَنْهُ فَرَجَا أَنْ يُدْرِكَ تَنَفُّلًا فِي الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ وِتْرَهُ بَعْدَهُ وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ عَلِمَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَلِمَ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَأَسْكَتَ الْمُؤَذِّنَ لِيُوتِرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِرَأْيٍ رَآهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إسْكَاتُهُ الْمُؤَذِّنَ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَأْمُومِ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ إسْكَاتُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِتْيَانُ بِمُؤَكَّدِ النَّفْلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْفُذُ إقَامَتُهَا دُونَهُ وَهُوَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لِلْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلَا يَخْرُجُ إلَيْهِ وَلَا يُسْكِتُهُ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنَ رَبِيعَةَ يَقُولُ إنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ إنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) . (ش) : هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِالْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَثَّرَ مِنْ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ ظَاهِرًا مَوْجُودًا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى يُخْبِرُوا بِذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إنْكَارًا عَلَى مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَمَعْنَى وُجُودِ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِمَنْ فَاتَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ لَا يَمْنَعُ الْإِتْيَانَ بِالْوِتْرِ وَإِنْ أَثَّرَ فِي نَقْصِ فَضِيلَتِهِ وَشَكَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِيمَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ يَسْمَعُ الْإِقَامَةَ لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا لِأَنَّ الْإِقَامَةَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَتَرْكُهَا وَالِاشْتِغَالُ بِالْوِتْرِ أَبْيَنُ فِي تَأَكُّدِهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَصْنَعَ وِتْرَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ) .

[ما جاء في ركعتي الفجر]

حَتَّى يَصْنَعَ وِتْرَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ) . مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الْأَذَانِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَذَلِكَ وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ فَاتَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ قَبْلَهُ لِنَوْمٍ أَوْ لِسَهْوٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ» وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مُتَعَلِّقَانِ لِمَا ذَكَرْنَا: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ إذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْوِتْرِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأْخِيرُ وَقْتِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ فَلْيُوتِرْ إذَا خَشِيَ الْفَجْرَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي فِعْلَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةُ أَنْ يَفُوتَهُ فِعْلُهُ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ بَعْدَ الْفَجْرِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَعَ مَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ مِنْ التَّغْلِيسِ. [مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنْ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْأَذَانَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَذَلِكَ الْأَذَانُ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلِاسْتِعْدَادِ لِلصَّلَاةِ وَلِيَرْجِعَ الْقَائِمُ وَيَسْتَيْقِظَ النَّائِمُ وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَخَّرُ إلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَيَدْعُو عِنْدَ آخِرِهِ فَإِذَا أَكْمَلَ ذَلِكَ عِنْدَ سُكُوتِ الْمُؤَذِّنِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ يَعْنِي قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهِيَ صَلَاةٌ يَخْتَصُّ بِهَا ذَلِكَ الْوَقْتُ دُونَ سَائِرِ النَّوَافِلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ» . (فَرْعٌ) وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ أَصَبْغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هُمَا مِنْ الرَّغَائِبِ وَلَيْسَتَا مِنْ السُّنَنِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ هُمَا مِنْ السُّنَنِ فَمَعْنَى السُّنَّةِ مَا رُسِمَ لِيُحْتَذَى وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ نَدْبًا وَمَعْنَى الرَّغَائِبِ مَا رُغِّبَ فِيهِ وَقَدْ يُرَغَّبُ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ أَوْقَعُوا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَى مَا تَأَكَّدَ مِنْ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ وَكَانَتْ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّوَافِلُ الْوَصْفَ بِالسُّنَنِ فَعِنْدَ أَشْهَبَ أَنَّ السُّنَنَ مِنْهَا كُلُّ مَا تَقَرَّرَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكَلَّفِ الزِّيَادَةُ فِيهِ بِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كَالْوِتْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ السُّنَنِ وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ السُّنَنَ مِنْ النَّافِلَةِ مَا تَكَرَّرَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَمَاعَةِ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ فَقَصَرَ عَنْ رُتْبَةِ السُّنَنِ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّغَائِبِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَيْسَتْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ بِسُنَّةٍ وَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَقَالَ أَصَبْغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَهِيَ مِنْ الرَّغَائِبِ وَهَذِهِ كُلُّهَا عِبَارَاتُ اصْطِلَاحٍ بَيْنَ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ وَلَا خِلَافَ فِي تَأَكُّدِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شُرُوطِهَا التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ الصَّلَوَاتِ لَهُ وَقْتٌ مَعِينٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ بِالنِّيَّةِ كَرَكْعَتَيْ الْعِيدِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ إنْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا» ) . (ش) :

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَلَاتَانِ مَعًا أَصَلَاتَانِ مَعًا وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ سُنَّةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ التَّخْفِيفُ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ أَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ لِتَغْرِيرِ عَائِشَةَ لِقِرَاءَتِهِ مَعَ عِلْمِهَا بِحَالِهِ فِي ذَلِكَ وَتَوَسُّلِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ بِغَيْرِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَعَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ كَالصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَمِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَانِ مِنْهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَفَرْضُ الصُّبْحِ قَدْ بُيِّنَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ سُورَةٌ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ الْإِفْرَادَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِيهَا بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» وَذُكِرَ الْحَدِيثُ لِمَالِكٍ فَأَعْجَبُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا الْإِسْرَارُ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ أَقْرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا وَلَوْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَغْرِيرِ قِرَاءَتِهِ وَلَعَلِمَتْ مَاذَا قَرَأَ بِهِ فِيهِمَا وَأَيْضًا فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّهَا مَعَ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ فِي صُورَةِ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَمِنْ حُكْمِ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ الْإِسْرَارُ مِنْهَا فِي رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ الْإِسْرَارَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَلَاتَانِ مَعًا أَصَلَاتَانِ مَعًا وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ» ) . ش قَوْلُهُ سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا عَالِمِينَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْإِقَامَةَ قَامُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُصَلُّونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا دَخَلُوا عِنْدَ الْإِقَامَةِ فَقَامُوا يُصَلُّونَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَظَاهِرُ اجْتِمَاعِهِمْ وَخُرُوجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي قَامُوا إلَيْهَا وَاخْتِلَافِ مَوْضِعِهَا فَمَنْ قَامَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ مَسْجِدٌ وَلَا غَيْرُهُ وَمَنْ قَامَ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ وَلْيَتْرُكْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصَلَاتَانِ مَعًا إنْكَارًا عَلَى مَنْ قَامَ يُصَلِّي عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَسَمِعَ الْإِقَامَةَ لِلصُّبْحِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَفُوتُهُ رَكْعَةٌ مِنْ الصُّبْحِ لِاشْتِغَالِهِ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَتْرُكْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْفَرْضِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فَوَاتِ إحْدَاهُمَا بُدٌّ فَفَوَاتُ النَّفْلِ أَيْسَرُ فَإِنْ رَجَا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَيُدْرِكَ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ فَلْيُصَلِّهِمَا ثُمَّ لِيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فَفِي ذَلِكَ إدْرَاكُ الْأَمْرَيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْإِمَامِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَرْكِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْفَرْضِ. (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ إذَا جَوَّزْنَا لَهُ صَلَاةَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَسْمَعُ مِنْهُ الْإِقَامَةَ مَوْضِعًا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْإِتْيَانُ بِهِمَا وَهُوَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَخَارِجَ أَفْنِيَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَمِنْ الْجَامِعِ خَارِجَ رِحَابِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَكَعَهَا فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهَلْ يَرْكَعُ أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً يَرْكَعُهَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ لَا يُعِيدُهَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ قَدْ شُرِعَ لَهُ الرُّكُوعُ وَالْوَقْتُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا لِذَلِكَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِمَا فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ إعَادَتُهُمَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ

[فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ) . فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَصَلَاتَانِ مَعًا تَوْبِيخٌ وَإِنْكَارٌ لِلْإِتْيَانِ بِصَلَاةٍ غَيْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي اُجْتُمِعَ عَلَى الِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ الِائْتِمَامِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يُرِيد أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُجْتَمَعَ لَهَا وَاَلَّتِي خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهَا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَّ إنْكَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى كُلِّ مَنْ قَامَ لِيُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا. (ش) : قَوْلُهُ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسِ» . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَسِيَ الصُّبْحَ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ جَمِيعًا أَوْ يَكُونَ صَلَّى الْفَرْضَ وَنَسِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَهُمَا جَمِيعًا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ يُصَلِّي الصُّبْحَ دُونَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَمَا بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْ الصَّلَاةِ» . وَقَالَ أَشْهَبُ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» بِأَنْ ذَكَرَ وَقْتَهَا وَإِنْ كَانَ وَقْتُ ذِكْرِهِ لِلْفَرْضِ وَقْتَ فَرْضِهِ وَضَاقَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِيهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا خَافَ فَوَاتَ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ مَنْ نَامَ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَاصَّةً أَوْ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَسَمَّاهَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَحَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ فِعْلِهِمَا صَلَاةُ فَرْضٍ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ فَجَازَ الْإِتْيَانُ بِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَا لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ. (فَصْلٌ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَسِيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَاصَّةً فَذَكَرَهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّاهُمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ مَالِكٌ يَقْضِيهِمَا إنْ شَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . [فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ] (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ وَلَا مَعْنَى لِفَضِيلَتِهَا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ عَلَيْهَا يُضَاعَفُ عَلَى أَجْرِ صَلَاةِ الْفَذِّ بِالْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمَاعَةِ جَمَاعَاتِ الْمَسَاجِدِ وَأَخْرَجَ اللَّفْظُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ حَالِ الْجَمَاعَاتِ وَيُرِيدُ بِالْفَذِّ الَّذِي يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ وَحْدَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا بِفَرْضٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ دَاوُد إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فَرْضٌ وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْفَذِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَلَاةُ الْفَذِّ مُجْزِئَةً لَمَا وُصِفَتْ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُهَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَدَّ ذَلِكَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِصَلَاةِ الْفَذِّ دَرَجَةٌ مِنْ الْفَضِيلَةِ لَمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزِيدُ عَلَيْهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَلَاةِ الْفَذِّ مِقْدَارٌ مِنْ الْفَضِيلَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَتَقَدَّرَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِدَرَجَاتٍ مَعْدُودَةٍ مُضَافَةٍ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ تَعْدِلُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ لِأَنَّهَا تُسَاوِيهَا وَتَزِيدُ عَلَيْهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ جُزْءًا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» . (ش) : الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَتْنِ كَالْكَلَامِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعَانِيَ أَحَدَهَا أَنْ يَكُونَ خَاطَبَ بِقَوْلِهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَعْلَمَ بِفَضِيلَةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا ثُمَّ أَعْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَضِيلَةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَأَعْلَمَ بِذَلِكَ وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو صَالِحٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَشَارَ إلَى بَيَانِ مَعْنَى الْفَضِيلَةِ فَقَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» فَقَوْلُهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي سُوقِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ وَلِذَلِكَ عَلَّلَ الْفَضِيلَةَ وَبَيَّنَهَا بِالْخُطَى إلَى الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْمُقَامِ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ وَيَكُونُ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ. وَمَعْنَى رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ فِيهِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ فِي الْبَيْتِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَلَعَلَّهُ لَمْ يُضِفْ إلَى فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَضِيلَةَ الْخُطَا إلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فَضِيلَةَ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلَا فَضِيلَةَ الْقِيَامِ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَوْ أُضِيفَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَكَانَتْ الدَّرَجَاتُ أَكْثَرَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ وَلَمْ يُفَاضِلْ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِفَضْلِ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَبَعْضِهَا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ قِيَامَ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَصَلَاةَ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ قِيَامَ لَيْلَةٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْت أَنَّ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ الْحَدِيثَ وَعِيدٌ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِخْبَارٌ بِمَا هَمَّ بِهِ فِيهِمْ وَفِي ذَلِكَ تَحْذِيرٌ لَهُمْ عَنْ مُعَاوَدَةِ التَّخَلُّفِ عَنْهَا لِجَوَازِ أَنْ يَرَى إنْفَاذَهَا قَدْ هَمَّ بِهِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَمَّا لَمْ يُنَفِّذْ مَا هَمَّ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَعَّدَ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْ الصَّلَاةِ وَلَا يُتَوَعَّدُ إلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَالْأَصَحُّ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَيُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ الِاسْتِخْفَافُ بِهَا وَالتَّضْيِيعُ لَهَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ

[ما جاء في العتمة والصبح]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ) . مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQهَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ مَوْسُومِينَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ إمَّا لِتَكَرُّرِ فِعْلِهِمْ لِذَلِكَ أَوْ لِوَحْيٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَهِمَّ بِذَلِكَ إلَّا فِيمَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ الِاسْتِخْفَافَ وَالتَّضْيِيعَ وَلِذَلِكَ أُعْلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ أَشَدُّ مُسَارَعَةً وَقَوْلُهُ أَوْ مِرْمَاتَيْنِ وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا مِمَّنْ اسْتَخَفَّ أَمْرَهَا وَلَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ» فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي الْخَبَرِ بِتَأَخُّرِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَهِيَ فَرِيضَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْأَعْيَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ وَقَوْلُهُ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بَيَانٌ أَنَّهُ هَمَّ أَنْ يُؤَدِّبَ بِإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْلَاغِ فِي النِّكَايَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَشْبِيهَ عُقُوبَتِهِمْ بِعُقُوبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي تَحْرِيقِ بُيُوتِهِمْ وَتَخْرِيبِ دِيَارِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ هِيَ حَدِيدَةٌ كَالسِّنَانِ يُكَوِّمُونَ كَوْمًا مِنْ تُرَابٍ وَيَقُومُونَ مِنْهُ عَلَى أَذْرُعٍ وَيَرْمُونَهُ بِتِلْكَ الْحَدِيدَةِ فَأَيُّهُمْ أَثْبَتَهَا فِيهِ فَقَدْ غَلَبَ وَقِيلَ الْمِرْمَاتَانِ السَّهْمَانِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمِرْمَاتَانِ مَا بَيْنَ ظِلْفَيْ الشَّاةِ وَقَالَ هَذَا حَرْفٌ لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَا مَا وَجْهُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا تَفْسِيرُهُ يُقَالُ مِرْمَاتَانِ وَوَاحِدُهُ مِرْمَاةٌ مِثْلُ مِدْحَاةٌ «وَإِنَّمَا نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِرْمَاتَيْنِ وَالْعَظْمِ السَّمِينِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيرِ لِمَا يُؤْثِرُهُ الْمُنَافِقُونَ وَيُبَادِرُونَ إلَيْهِ وَيَتَخَلَّفُونَ مَعَ ذَلِكَ عَنْ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ مَعَ عَظِيمِ أَجْرِهِمَا» وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ الْمَشَقَّةَ فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَعْجِزُ عَنْ الْمَشْيِ فَيَتَهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُوقَفَ فِي الصَّفِّ فَمُحَالٌ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا مَنْ يَأْتِيهِمَا إذَا عَجَزَ يَتَهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ) . ش مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ إظْهَارُهَا وَالِاجْتِمَاعُ إلَيْهَا أَفْضَلُ وَأَمَّا التَّنَفُّلُ فَفِي الْبُيُوتِ لِأَنَّ إخْفَاءَهَا وَالِاسْتِتَارَ بِهَا أَفْضَلُ وَقَدْ جَعَلَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضِيلَةً عَلَى التَّنَفُّلِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي الْبُيُوتِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ التَّنَفُّلِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِلْغُرَبَاءِ فَإِنَّ تَنَفُّلَهُمْ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيْهِ. [مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ] (ش) : قَوْلُهُ «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ» وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بِكِيرٍ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ عَلَى لَفْظِ التَّرْجَمَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمِيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) انْتَهَتْ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَجَمَاعَةٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ إلَى حَيْثُ ذَكَرْنَا وَزَادَ أَبُو مُصْعَبٍ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَقَالَ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الصَّلَاةِ إذْ هَمَّ أَنْ يُحَرِّقَ بُيُوتَهُمْ الْمُنَافِقُونَ وَأَنَّ بِحُضُورِ هَاتَيْنِ يَتَمَيَّزُ الْمُؤْمِنُ مِنْ الْمُنَافِقِ وَقَدْ جَمَعَ مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ أَبُو صَالِحٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْتَطِيعُونَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ فِي حُضُورِهَا فِي الْجَمَاعَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَمُفَارِقَةِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقِّي فِي الْعِبَارَةِ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمِيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) انْتَهَتْ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَجَمَاعَةٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ إلَى حَيْثُ ذَكَرْنَا وَزَادَ أَبُو مُصْعَبٍ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَقَالَ «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» ) . (ش) : مَعْنَى تَعَلُّقِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ إتْيَانَ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ ثُمَّ أَدْخَلَ حَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي أَخَّرَ الْغُصْنَ عَنْ الطَّرِيقِ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَعَ نَزَارَةِ هَذَا الْفِعْلِ وَصِغَرِهِ فِي النَّفْسِ بِإِتْيَانِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَهَذَا حَضٌّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى إتْيَانِهَا فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ جَازَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا اقْتَضَى الْمَغْفِرَةَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِجَمِيلِ فِعْلِهِ وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ بِالشُّكْرِ فَقَالَ وَاَللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إلَى السُّوقِ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ فَقَالَتْ إنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَقَالَ عُمَرُ لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً) . (ش) : قَوْلُهُ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدُلُّ عَلَى مُوَاظَبَةِ سُلَيْمَانَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَعَهُ وَذَلِكَ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَالْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا وَسُؤَالُهُ أُمَّ سُلَيْمَانَ مِنْ كَرَمِ الْأَخْلَاقِ وَمُوَاصَلَةِ الْأَهْلِينَ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَ سُلَيْمَانَ عَنْ الْجَمَاعَةِ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهَا إنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَلَبَتْهُ بِأَنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَاسْتَيْقَظَ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَلَبَتُهُمَا لَهُ بِأَنْ بَلَغَ مِنْهُ النَّوْمُ مَبْلَغًا لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَنَامَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ قَوْلُ عُمَرَ لَهَا مَا قَالَ حَضًّا وَتَعْلِيمًا لِسُلَيْمَانَ أَنْ يُؤْثِرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ صَلَاةً تَمْنَعُهُ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَهُوَ آكُدُ مِنْ النَّوَافِلِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ فَجَلَسَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ مَنْ هُوَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً) . (ش) :

[إعادة الصلاة مع الإمام]

إعَادَةُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدَّيْلِ يُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ أَنَّهُ «كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاضْطِجَاعُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ لِيَكْثُرُوا مِنْ أَدَبِ الْأَئِمَّةِ وَرِفْقِهِمْ بِالنَّاسِ وَانْتِظَارِهِمْ الصَّلَاةَ إذَا تَأَخَّرُوا وَتَعْجِيلِهَا إذَا اجْتَمَعُوا. وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ فَجَلَسَ إلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَلَسَ إلَيْهِ لِيَقْتَبِسَ مِنْهُ عِلْمًا أَوْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي عَمَلٍ أَوْ يَسْأَلَهُ حَاجَةً فَسَأَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ هُوَ وَمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا اهْتِبَالٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَبِمَا يَحْصُلُ مَعَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَيَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ بِذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُنَشِّطُ النَّاسَ إلَيْهِ وَإِخْبَارُ عُثْمَانَ لَهُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ لَمَّا رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَمَّا رَجَا أَنْ يَنْشَطَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْأَعْيَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوَافِلِ وَلَا يَعْدِلُ الْفَرْضُ النَّفَلَ وَلَا يُسَاوِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ فَرْضٍ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. [إعَادَةُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ] (ش) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلَسْت بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِفْهَامُ. وَالثَّانِي: التَّوْبِيخُ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى تَوْبِيخِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا يَتْرُكُهَا مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا تَرْكُهَا مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ وَلَا يَقْتَضِي قَوْلُهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ قُرَشِيٌّ مَا لَك لَا تَكُونُ كَرِيمًا أَلَسْت بِقُرَشِيٍّ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْيَهُ عَنْ قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا يُوَبِّخُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ أَخْلَاقَ قُرَيْشٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْت فِي أَهْلِي يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا اجْتَزَأَ بِصَلَاتِهِ فِي أَهْلِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا جِئْتَ الْمَسْجِدَ فَهَذَا أَمْرٌ لَهُ إذَا أَتَى الْمَسْجِدَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ أَوْ حِينَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ فِيهَا فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا بِإِقَامَتِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْأَذَانِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ أَدَّى فَرْضَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ الصَّلَاةَ تُقَامُ أَوْ وَجَدَهُمْ قَدْ شَرَعُوا فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولِ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَأَمَّا مَنْ رَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ وَهُوَ مَارٌّ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَا يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ وَلْيَرْجِعْ فَإِنَّهُ بِدُخُولِهِ يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَتَعَمَّدَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُصَلِّيَ فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَيَحْتَمِلُ الْفَذَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ آتِي الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ سَعِيدٌ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ فَأَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ سَعِيدٌ أَوَ أَنْتَ تَجْعَلُهَا إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاصَّةً غَيْرَ أَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى فَذًّا قَصَرَ عَلَى الْفَذِّ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ذَلِكَ فِي الْفَذِّ وَغَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت ابْنُ عُمَرَ جَالِسًا عَلَى الْبَلَاطِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ قُلْت يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا لَك لَا تُصَلِّي قَالَ إنِّي قَدْ صَلَّيْت إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ أَدَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ فَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِإِعَادَتِهَا مَعَ إمَامِ غَيْرِهِ كَالْعَصْرِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي الْجَمَاعَاتِ وَمَسَاجِدِ الْآفَاقِ فَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدُ إيلِيَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِيهَا فِي جَمَاعَةِ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَذَلِكَ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ آتِي الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ سَعِيدٌ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ فَأَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ سَعِيدٌ أَوَ أَنْتَ تَجْعَلُهَا إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ) . (ش) : قَوْلُهُ أَيَّتَهمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي يُرِيدُ أَيَّتُهُمَا أَعْتَدُّ عَنْ فَرْضِي فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَوَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ أَيْ هُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ عَنْ فَرْضِك مَا شَاءَ مِنْهُمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الَّتِي تَقَبَّلَهَا مِنْهُ فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِدَادِ بِهَا فَهِيَ الْأُولَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَوْ صَلَّى إحْدَاهُمَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَشُكَّ أَنَّ الْأُخْرَى هِيَ فَرْضُهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْأُولَى فَرْضٌ وَالثَّانِيَةُ نَفْلٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا تَدْرِي وَذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَرْضَهُ وَالْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ رَفْضِ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَإِذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فَالْأُولَى فَرْضُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِذَا قُلْنَا يَصِحُّ رَفْضُهَا جَازَ أَنْ يُقَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَأَحْدَثَ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِغَلَبَةٍ أَوْ تَعَمُّدٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ عَقْدِ رَكْعَةٍ لَزِمَتْهُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ رَكْعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُعِيدُ وَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ رَكْعَةٍ سَوَاءٌ قَصَدَ بِصَلَاتِهِ رَفْضَ الْأُولَى أَوْ الْفَضْلَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَوَى الْمِصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ الْأُولَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ أَرَادَ بِصَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ تَكُونَ هِيَ فَرِيضَةً أَوْ أَنَّ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ فَلْيُعِدْ هَذِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَفِيفٍ السَّهْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ آتِي الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ نَعَمْ صَلِّ مَعَهُ فَإِنَّ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ سَهْمَ جَمْعٍ أَوْ مِثْلَ سَهْمِ جَمْعٍ) . (ش) : قَوْلُهُ فَإِنَّ لَهُ سَهْمَ جَمْعٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ لَهُ سَهْمَانِ مِنْ الْأَجْرِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْجَمْعُ الْجَيْشُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] قَالَ وَسَهْمُ الْجَمْعِ هُوَ السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنَّ ثَوَابَهُ مِثْلُ سَهْمِ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْأَجْرِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِثْلَ سَهْمِ مَنْ بَيَّتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ جَمْعًا اسْمُ الْمُزْدَلِفَةِ حَكَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فَلَمْ يُعْجِبْ سَحْنُونًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ لَهُ سَهْمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ صَلَاةِ الْفَذِّ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إخْبَارٌ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَضِيعُ لَهُ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّ هَذَا يُرْوَى بِأَنَّ لَهُ سَهْمَ جَمْعٍ بِالتَّنْوِينِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ وَالْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهُ أَوْ مِثْلَ سَهْمِ

[العمل في صلاة الجماعة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوْ الصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَعُدْ لَهَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ إلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا) . الْعَمَلُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمْعٍ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوْ الصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَعُدْ لَهَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ إلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا) . (ش) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُعَادُ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ مَالِكٌ تُعَادُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا إلَّا الْمَغْرِبَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ تُعَادُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ وَلَا يُعِيدُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُعِيدُهَا كُلَّهَا إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ إعَادَةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مِحْجَنٍ «إذَا جِئْت فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت» وَلَمْ يُفَرِّقْ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ شَفْعٍ فَجَازَ أَنْ تُعَادَ مَعَ الْإِمَامِ لِلْفَضِيلَةِ كَالظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَحْدَهُ ثُمَّ أَوْتَرَ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّ الْمَغْرِبَ لَا تُقْضَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ وِتْرٍ فَلَا تُعَادُ مَعَ الْإِمَامِ لِلْفَضِيلَةِ، أَصْلُ ذَلِكَ وِتْرُ النَّافِلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِمَّنْ أَعَادَ الْمَغْرِبَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ إصْلَاحَ ذَلِكَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ أَوْ عِنْدَ إتْمَامِهَا أَوْ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْطَعُ مَا لَمْ يَرْكَعْ فَإِنْ رَكَعَ شَفَعَهَا بِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَسَلَّمَ وَيَجِيءُ عَلَى أَحَدِ أَصْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْطَعُ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ أَكْمَلَ صَلَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَأَرَادَ الْإِصْلَاحَ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعَادَ الْمَغْرِبَ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يَشْفَعُهَا بِرَكْعَةٍ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يَشْفَعُ وَلَكِنْ يُسَلِّمُ وَيُعِيدُهَا ثَالِثَةً وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ شَفَعَهَا بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَتْ الْكَرَاهِيَةُ وَالنَّقْصُ فِي صَلَاتِهِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ وَالنَّافِلَةُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا الْوِتْرُ. وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي الْفُرُوضِ وَالسُّنَنِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهَا وِتْرٌ فَإِذَا أَتَى بِنَافِلَةٍ مُطْلَقَةٍ عَلَى حُكْمِ الْوِتْرِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ فَيَشْفَعَ صَلَاتَهُ وَيَرُدَّهَا إلَى حُكْمِ النَّافِلَةِ الْمَشْرُوعَةِ مَا لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ بِسَلَامٍ أَوْ طُولٍ أَوْ عَمَلٍ مَانِعٍ مِنْ اسْتِدْرَاكِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الشَّفْعِ لَا تُنَافِي نِيَّةَ الْوِتْرِ فَإِذَا فَاتَ تَشْفِيعُهَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِصَلَاةٍ ثَالِثَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِنَافِلَةٍ أُخْرَى عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْوِتْرِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الشَّفْعِ تُنَافِي نِيَّةَ الْوِتْرِ وَهَذَا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ فَلَا يُتِمُّهَا شَفْعًا وَإِنَّمَا دَخَلَ النَّقْصُ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرٌ فَلَمَّا أَعَادَهَا صَارَتْ شَفْعًا مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ النَّقْصَ بِصَلَاةٍ ثَالِثَةٍ يُعِيدُهَا إلَى صُورَةِ الْوِتْرِ وَقَدْ يَكُونُ لِلنَّفْلِ مَدْخَلٌ فِي الْوِتْرِ كَوِتْرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ فَهَذَا عِنْدِي وَجْهُ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ يَجِيءُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَسَائِلُ عَلَى الْأَصْلَيْنِ وَمِمَّا وَرَدَ لَهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ وَهْبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مُنَافَاةِ نِيَّةِ الْوِتْرِ لِنِيَّةِ الشَّفْعِ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ افْتَتَحَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فَفَرَّقَ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ يُرِيدُ التَّخْفِيفَ مِنْ الْقِرَاءَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْت وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَهَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ التَّخْفِيفِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ الْإِخْلَالَ بِالْفَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ التَّخْفِيفُ مِمَّا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ الَّذِي لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ يُرِيدُ أَنَّ الضَّعِيفَ لَا يَسْتَطِيعُ التَّطْوِيلَ فَيَضُرُّ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخِلَافُ عَلَى الْإِمَامِ فَيَنْقَطِعُ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَكَذَلِكَ الْكَبِيرُ وَالسَّقِيمُ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَتَجَوَّزُ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَى أَحَدِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ فَإِنَّ تَطْوِيلَهُ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ قُمْت وَرَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ) . (ش) : قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مَرَاتِبَ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ يَجِبُ أَنْ يَقُومَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَعَدَّى الْمَأْمُومُ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقَوْلُهُ فَخَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بِيَدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ خَالَفَ سُنَّةَ الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِمَدِّ يَدِهِ إلَى نَافِعٍ وَاسْتَبَاحَ ذَلِكَ لِأَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ خَالَفَ مَا أَرَادَهُ نَافِعٌ مِنْ الْوُقُوفِ عَنْ يَسَارِهِ فَنَقَلَهُ إلَى يَمِينِهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَلَدِ الزِّنَا هَلْ يَكُونُ إمَامًا رَاتِبًا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَمَّ جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ أَهْلًا لِذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَكَمَالٍ يُنَافَسُ صَاحِبُهُ وَيُحْسَدُ عَلَى مَوْضِعِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَيَسْتَشْرِفَ الطَّعْنَ وَالسَّبَّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَتَقَدُّمٍ عَلَى النَّاسِ فِي أَهَمِّ أَمْرِ الدِّينِ وَأَجَلِّ عِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ مِمَّا يَلْزَمُهُ الْخُلَفَاءُ وَيَقُومُ بِهِ الْأُمَرَاءُ وَالْإِمَامَةُ مَوْضِعُ شَرَفٍ وَرِفْعَةٍ وَعُلُوِّ مَنْزِلَةٍ فَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ لِذَلِكَ مَنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّقَائِصِ الْمَرْذُولَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ إمَامًا لِنَقْصِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْمَانِعَةَ مِنْ رُتْبَةِ الْإِمَامَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: يَمْنَعُ صِحَّتَهَا. وَالثَّانِي يَمْنَعُ فَضِيلَتَهَا. فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِهَا: الْأُنُوثَةُ. وَالثَّانِيَةِ: الصِّغَرُ وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ. وَالثَّالِثَةِ: نَقْصُ الدِّينِ. فَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَؤُمُّ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَرَوَى ابْنُ أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ تَؤُمُّ النِّسَاءَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُد تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا جِنْسُ وَصْفٍ فِي الشَّرْعِ بِنُقْصَانِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ فَلَمْ يَصِحَّ إمَامَتُهُ كَالْكَافِرِ وَتَعَلَّقَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَزُورُ أُمَّ وَرَقَةِ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا لَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى خَلْفَ امْرَأَةٍ أَعَادَ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا ائْتَمَّ بِمَنْ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِنَقْصِ دِينِهِ وَعَقْلِهِ كَالْكَافِرِ وَفِي النَّوَازِلِ لِسَحْنُونٍ إنْ كَانَ الْخُنْثَى مِمَّنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الرِّجَالِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا الصِّغَرُ وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَؤُمُّ الصَّبِيُّ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً فِي فَرِيضَةٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ

[باب ما يمنع فضيلة الإمامة وتكره معها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا النَّوَافِلُ فَالصِّبْيَانُ يَؤُمُّونَ النَّاسَ فِيهَا وَيَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ إنْ أَمَّ الصَّبِيُّ مَضَتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْمَجْنُونِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي مُصْعَبٍ مَا رُوِيَ عَنْ «عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ كُنَّا بِحَاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إذَا أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا وَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ كَذَا وَقَالَ كَذَا وَكُنْت غُلَامًا حَافِظًا فَتَحَفَّظْت مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْت أَؤُمُّ بِهِمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ» . (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يُصَلِّي وَالصَّبِيُّ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ أَعَادَ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ إفْسَادَ صَلَاةِ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ كَالْكَافِرِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيِّنَةٌ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ الْفَرِيضَةَ وَرَاءَ مَنْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَقَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ جَازَتْ وَرَاءَ الصَّبِيِّ لَمَّا صَلَّاهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُبْنَى عَلَى تَجْوِيزِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ نَافِلَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْ أَدَّى صَلَاتَهُ بِنِيَّةِ إمَامِهِ لَمْ تُجْزِهِ فَإِذَا أَدَّاهَا بِغَيْرِ نِيَّتِهِ لَمْ تَجْزِهِ كَالْجُمُعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّقْصُ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ فِسْقٌ وَكُفْرٌ فَأَمَّا الْفِسْقُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا نَوْعَ فِسْقٍ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْإِمَامَةَ كَالْكُفْرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى وَرَاءَ فَاسِقٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ قَالَ لِي الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ الْأَبْهَرِيَّ إنَّ ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَمَا كَانَ فِسْقًا بِإِجْمَاعٍ أَعَادَ أَبَدًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ صَلَّى وَرَاءَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ سَكْرَانَ وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ يَشْرَبُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَلَيْسَ مِمَّنْ تُحَبُّ إمَامَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي الَّذِي تَوَلَّى إلَيْهِ الطَّاعَةَ فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ سَكْرَانَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ فَقَالَ لَا يُصَلَّى خَلْفَ عَاصِرِ الْخَمْرِ فَمَنْ صَلَّى وَرَاءَهُ لَمْ يُعِدْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفِسْقَ بِإِجْمَاعٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِمَامَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَضْلِ فِي الدِّينِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَتَمُّ دِينًا مِنْ الْفَاسِقِ وَمَنْ صَلَّى وَرَاءَهَا أَعَادَ أَبَدًا فَبِأَنْ يُعِيدَ مَنْ صَلَّى وَرَاءَ الْفَاسِقِ أَوْلَى وَأَحْرَى. [بَابٌ مَا يَمْنَعُ فَضِيلَةَ الْإِمَامَةِ وَتُكْرَهُ مَعَهَا] 1 بَابٌ وَأَمَّا مَا يَمْنَعُ فَضِيلَةَ الْإِمَامَةِ وَتُكْرَهُ مَعَهَا فَالنَّقَائِصُ الَّتِي تَمْنَعُ كَمَالَ الْفُرُوضِ أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالنَّقَائِصُ الَّتِي تَحُطُّ الْمَنْزِلَةَ وَتُسْرِعُ إلَى صَاحِبِهَا الْأَلْسِنَةَ فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ كَمَالَ الْفُرُوضِ فَمِنْهُ الرِّقُّ فَيُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ الْأَحْرَارَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْرَأُ وَهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فَيَؤُمُّهُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَؤُمُّ الْعَبْدُ رَاتِبًا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَاقِصُ الْفُرُوضِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا جُمُعَةٌ وَلَا زَكَاةٌ وَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْإِمَامَةِ كَالْمَرْأَةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْجُمُعَةُ مُنِعَتْ إمَامَتُهَا وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَةَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَشَرَفٍ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا الرِّقُّ لِأَنَّهُ مِنْ النَّقَائِصِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعَبْدَ سَالِمٌ مِنْ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالْفِسْقِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا كَالْحُرِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَؤُمُّ الْأَعْرَابِيُّ الْحَضَرِيِّينَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ جَهْلُهُ بِالسُّنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَوْضَحُ

[صلاة الإمام وهو جالس]

صَلَاةُ الْإِمَامِ وَهُوَ جَالِسٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتَدِيمُ نَقْصَ الْفَرَائِضِ وَالْفَضَائِلِ فَأَمَّا نَقْصُ الْفَرَائِضِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا نَقْصُ الْفَضَائِلِ فَلِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ الْجَمَاعَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ فَكَالْخَصِيِّ لَا يَكُونُ إمَامًا وَإِنَّمَا قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَحَا بِهِ نَحْوَ التَّأْنِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الْخَصِيُّ إمَامًا رَاتِبًا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ حَالًا ظَاهِرًا فِي الْقُرْبِ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالْبَعْدِ عَنْ الذُّكُورَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْأُنُوثَةِ تَأْثِيرًا فِي مَنْعِ الْإِمَامَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْعِنِّينِ فَإِنَّ لَيْسَ مِمَّا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ قَطْعَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الِائْتِمَامِ كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّقَائِصُ الَّتِي تُسْرِعُ إلَى أَصْحَابِهَا الْأَلْسِنَةَ وَتُكْثِرُ فِيهِمْ الْمَقَالَةَ فَكَوَلَدِ الزِّنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ نَقْصًا فِي الْخِلْقَةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَ الْعُضْوُ النَّاقِصُ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ أَوْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا وَلَا يَقْرَبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِمَامَةِ وَلَا فَضِيلَتَهَا كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقَ فَضِيلَةٍ كَالْيَدِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا فَضِيلَةُ السُّجُودِ وَغَيْرِهَا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِائْتِمَامِ بِهِ. وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا أَرَى أَنْ يَؤُمَّ الْأَقْطَعُ وَإِنْ حَسُنَتْ حَالُهُ وَلَا الْأَشَلُّ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْنَعُ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْعَمَى وَالصَّمَمِ. [صَلَاةُ الْإِمَامِ وَهُوَ جَالِسٌ] (ش) : قَوْلُهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ الْجَحْشُ مَعْنَاهُ الْخَدْشُ وَالتَّوَجُّعُ مِنْ السَّقْطَةِ وَنَحْوِهَا وَقَوْلُهُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا قَوْلُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ يَحْتَمِلُ أَلْ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا لِلْعَهْدِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا بِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى التَّأْكِيدِ يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ قَاعِدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ إنْ جَعَلْنَا الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي الصَّلَوَاتِ لِلْعَهْدِ رَاجِعًا إلَى الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى جَالِسًا فِي نَافِلَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ طَلَبًا لِلرِّفْقِ وَلِيَقْوَى عَلَى مَا يُرِيدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ فَتَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ رَاجِعَةً إلَى غَيْرِ الْمَفْرُوضَاتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْ الْجِنْسِ فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَلَا يَخْلُو إذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ مَنْ وَرَاءَهُ مِثْلَهُ عَاجِزِينَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ قَادِرِينَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ الْقِيَامِ فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُنَا فَرَوَى مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ لِأَنَّ حَالَهُمْ قَدْ اسْتَوَتْ كَمَا لَوْ أَضَافُوا الْقِيَامَ وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَرَوَى سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَؤُمُّهُمْ لِأَنَّ هَذَا عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ فَلَا يَؤُمُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا مَنْ يَعْجَزُ عَنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الِاضْطِجَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَؤُمُّ مَنْ سَاوَاهُ فِيهِ وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَؤُمُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُضْطَجِعُ الْمُضْطَجِعِينَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَؤُمُّ الْجَالِسُ الْجُلُوسَ مَعَ تَسَاوِيهِمْ فِي الْعَجْزِ فَوَقَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِئُ الْإِمَامَ وَيُعِيدُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَتَى بِصَلَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الِانْفِرَادِ وِتْرِكِ الِاقْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ وَمَنْ ائْتَمَّ بِهِ فَقَدْ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ ائْتَمَّتْ امْرَأَةٌ بِامْرَأَةٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى الْجُلُوسِ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ فَقَدْ رَوَى مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا إمَامَةَ فِي هَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فَإِنْ صَلَّوْا عَلَى ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ وَأَعَادُوا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَادِرِينَ عَلَى الْقِيَامِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمُّوا بِهِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ سَحْنُونَ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَاَلَّذِي فِي رِوَايَتِنَا فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعُتْبِيِّ إنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ لَهُمْ الِائْتِمَامُ بِهِ قِيَامًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِمَنْ عَجَزَ عَنْهُ كَالْقِرَاءَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّ وَهُوَ جَالِسٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ قِيَامٌ يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» . (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ فَصَلُّوا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مُطَّرِفٌ تُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ أَبَدًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ عَجَزَ عَنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجْزِهِمْ مَا ائْتَمُّوا بِهِ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَخْرَسَ وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْوَلِيدِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى جَنْبِهِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ يَكُونُ عَالِمًا لِصَلَاتِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حِينَ صَلَّى بِالنَّاسِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَإِلَى جَنْبِهِ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ يُرِيدُ لِيُقْتَدَى وَهَذَا يُفِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَقَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى فَصَلُّوا قِيَامًا يُرِيدُ مَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَأْتَمُّ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ جَالِسًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَجْزَ الْمَأْمُومِ عَنْ الْقِيَامِ لَا يُدْخِلُ عَلَى الْإِمَامِ نَقْصًا فِي صَلَاتِهِ بَلْ يُدْرِكُ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْمَأْمُومِ كُلُّهَا بَعْدَ أَفْعَالِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَعْنَى الِائْتِمَامِ بِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ وَأَفْعَالُهَا عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَقِسْمٌ هُوَ فَضْلٌ لِغَيْرِهِ فَأَمَّا الْمَقْصُودُ فِي نَفْسِهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَفْعَلَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ فِعْلِ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي الدُّخُولِ فِيهِ وَالْخُرُوجِ عَنْهُ وَيُدْرِكُهُ فِيهِ فَهَذِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ وَحُكْمُهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلُهُ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: بِأَنْ يَدْخُلَ فِي الْفِعْلِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ عَنْهُ فَإِنَّ تَعَمُّدَهُ مَمْنُوعٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فِعْلُهُ مَعَهُ فَأَنْ يَنْحَطَّ لِلرُّكُوعِ مَعَ انْحِطَاطِهِ وَيَرْفَعَ مِنْهُ مَعَ رَفْعِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَهُوَ أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ مِنْهُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِقْدَارَ الْفَرْضِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ ائْتِمَامِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَبِعَهُ فِي مِقْدَارِ فَرْضِهِ وَصَارَ مُؤْتَمًّا بِهِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدَ الْإِمَامِ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ اقْتَصَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْأَفْعَالِ وَأَمَّا الْأَقْوَالُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ فَرَائِضُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ شَاكٌّ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَضَائِلُ فَالْفَرَائِضُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِمَا إذَا فُعِلَا قَبْلَ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَإِنْ فَعَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ فَإِنْ أَحْرَمَ مَعَهُ أَعَادَ الْإِحْرَامَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجُزْأَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لِأَنَّ مِنْ صِحَّةِ الِائْتِمَامِ الِاقْتِدَاءَ بِفِعْلِهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَتَقَدَّمَ مَا يَقْتَدِي بِهِ وَإِذَا وُجِدَ مِنْهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَمْتَثِلَ أَحَدُهُمَا فِعْلَ صَاحِبِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ أَنَّ الْفِعْلَ أَمْرٌ يَدُومُ وَيَتَكَرَّرُ مِنْهُ مِقْدَارُ الْفَرْضِ وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ يَفْعَلُهُ مَعَهُ إذَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ اتِّبَاعُهُ لَهُ فِي مِقْدَارِ الْفَرْضِ وَفِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا قَوْلٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ جَمِيعُهَا فَرْضٌ وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَقَعُ عَلَى أَجْزَائِهَا اسْمُ تَكْبِيرٍ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَتْبَعْ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي فَرْضِهِ وَلَا فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ تَكْبِيرٍ مِنْهُ وَأَمَّا فَضَائِلُ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ فِيهَا الْإِمَامَ وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ الْمَأْمُومُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاللَّفْظَيْنِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْسِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ يَقْتَضِي مِنْ جِهَةِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى جَالِسًا فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْجُلُوسِ لِأَنَّهُ وَصَفَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَصْلًا فَصْلًا وَأَمَرَ الْمَأْمُومَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْإِمَامِ فِيهَا فَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نُصِبَ لَهُ الْإِمَامُ هُوَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مُخَالَفَتَهُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ فَانْتَقَلَ إلَى وَصْفِ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي حَالِ الْجُلُوسِ وَهُوَ مَوْضِعُ التَّشَهُّدِ وَيُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا أَيْ إذَا اسْتَطَاعَ الْقِيَامَ فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا ثُمَّ ذَكَرَ صِفَةَ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ وَصَلَّى جَالِسًا فَحُكْمُكُمْ أَنْ تَجْلِسُوا بِجُلُوسِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُصَلِّي الْمَأْمُومُ جَالِسًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا وَالدَّلِيلُ لَنَا أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُومِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ فِي النَّافِلَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ شَاكٌّ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» ) . (ش) : وَقَوْلُهَا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا بَيَّنَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالْمُخَالَفَةِ لِأَهْلِ فَارِسٍ فِي قِيَامِهِمْ عَلَى رُءُوسِ مُلُوكِهِمْ فَمَنَعَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَهُ أَحَدٌ قَائِمًا إذَا صَلَّى هُوَ جَالِسًا وَيَحْتَمِلُ مَعَ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَعَلَّهُمْ قَامُوا وَرَاءَهُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ تَعْظِيمًا لَهُ فَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَالْجُلُوسُ مَعَهُ إذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي مَرَضِهِ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» ) .

خَرَجَ فِي مَرَضِهِ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْضِعِهِ وَصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ اخْتِلَافًا بَيِّنًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا لِاخْتِلَافِهَا وَأَخَذَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِبَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَرُوِيَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَوَى الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» وَرَوَاهُ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ فَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَؤُمَّ الْقَاعِدُ الْقِيَامَ تَعَلَّقَ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ إنَّ رِوَايَةَ عَائِشَةَ اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ وَلَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَّهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْتَمًّا بِهِ وَسَامِعًا بِتَكْبِيرِهِ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَرَّفُونَ بِهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ فَيَأْتَمُّونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعُفَ صَوْتُهُ عَنْ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى صَلَاةِ النَّاسِ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَنْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ فَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنَّمَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةً فَأَتَمَّ بِهِمْ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَامَ يَقْضِي فَائْتَمَّ بِهِ مَنْ فَاتَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ أَنَّهَا تُجْزِئُهُمْ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ اتَّبَعَهُ فِيهَا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فَإِذَا قُلْنَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ فِيهَا فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَ ذَلِكَ الْمُسْتَخْلِفِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا حُكْمُهُ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَحْدَهُ. وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ فَقَضَاهَا مَعَ إمَامٍ فَاتَتْهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ رَكْعَةٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ فَذًّا فَقَضَى بِإِمَامٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَنْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ اتَّبَعَ الْمَأْمُومَ فِي الْقَضَاءِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ حِينَئِذٍ مُؤْتَمًّا بِهِ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي إمَامٍ كَانَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ فِي السَّفَرِ فَرَأَى أَمَامَهُ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَجَهِلَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِمْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا وَأَعَادَ مَنْ وَرَاءَهُ أَبَدًا لِأَنَّهُمْ لَا إمَامَ لَهُمْ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَمَّا مَنْ قَالَ تُجْزِئُهُمْ فَقَدْ جَوَّزَ الصَّلَاةَ مَعَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَبِأَنْ يُجْزِئَ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْلَى فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَصَّ بِأَنْ أَتَمَّ صَلَاةً افْتَتَحَهَا أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : فَإِذَا قُلْنَا إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْإِمَامَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَعْتَرِضُ فِيهِ فَصْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَأْتَمَّ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا. وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِتَرْكِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْإِمَامَةَ حَالَ الْجُلُوسِ وَهَذَا فِيهِ

[فضل صلاة القائم على صلاة القاعد]

فَضْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرٌ لِأَنَّ النَّسْخُ لَا يَكُونُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ النَّسْخَ كَانَ بَعْدَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ النَّسْخِ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالْمَنْعِ مِنْ إمَامَةِ الْجَالِسِ وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُمْ ثُبُوتًا شَائِعًا مَعَ عَدَمِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا. (فَرْعٌ) فَإِذَا ائْتَمَّ الْوَاقِفُ بِالْجَالِسِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَاعِدٌ قِيَامًا فَإِنْ أَمَّهُمْ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَضْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ] (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ» يُرِيدُ أَجْرُ صَلَاةِ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ صَلَاةِ الْقَائِمِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَلَا يَصِحُّ نِصْفُهَا دُونَ سَائِرِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا الْقَاعِدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ وَبَعْضُ الْحَالَاتِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْفَرْضِ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْقِيَامِ. وَرُوِيَ عَنْ «عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» فَخَصَّ بِهَذَا الْخَبَرِ مِنْ الْآيَةِ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ وَبَقِيَتْ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي الْمُسْتَطِيعِينَ وَقَدْ ثَبَتَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَرْوِيِّ بَعْدَ هَذَا جَوَازُ الْجُلُوسِ فِي التَّنَفُّلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَخُصَّتْ بِذَلِكَ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَبَقِيَتْ عَامَّةً فِي الْمُسْتَطِيعِينَ الْقِيَامَ فِي الْفَرِيضَةِ وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدِهِمَا: مَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ غَيْرَ مُسْتَطِيعِ الْقِيَامِ. وَالثَّانِيَةِ: مَنْ صَلَّى النَّافِلَةَ مُسْتَطِيعًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ إنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُصَلُّوا قِيَامًا إلَّا أَنَّ الْقُعُودَ كَانَ أَرْفَقَ بِهِمْ فَأَمَّا مَنْ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ وَالضَّعْفُ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ قَاعِدًا فِي الثَّوَابِ مِثْلُ صَلَاتِهِ قَائِمًا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَمَا ذَكَرْته عِنْدِي أَظْهَرُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي النَّوَافِلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى حَالِ الْجُلُوسِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى حَالِ الْقِيَامِ وَهَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: فِي وَصْفِ مَنْ تَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ جَالِسًا. وَالثَّانِيَةُ: فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ. فَأَمَّا مَنْ تَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ قَاعِدًا فَهُوَ الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ بِحَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَنْ لَا يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ صَلَّى جَالِسًا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي السَّفِينَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْدَحَ عَيْنَيْهِ وَيُصَلِّي جَالِسًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْقِيَامِ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ جَالِسًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى ذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَالَنَا وَبَاءٌ مِنْ وَعْكِهَا شَدِيدٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَاعِدُ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ» ) . مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ فِي النَّافِلَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مَا لَمْ يُمْنَعُ الْمُسَافِرُ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي يُسَبِّبُ الْفِطْرَ وَالْقَصْرَ وَالتَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ صَلَّى جَالِسًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَعَادَ أَبَدًا وَمَنْ صَلَّى جَالِسًا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْوَقْتِ لَمْ يُعِدْ رَوَاهُ مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا أَتَى بِالصَّلَاةِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ فَرْضِهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا لَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا مُسْتَنِدًا أَوْ مُتَّكِئًا فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ جَالِسًا قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَالَ أَقْرَبُ إلَى فَرْضِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا. (فَرْعٌ) وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ جَالِسًا مُسْتَنِدًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ مُضْطَجِعًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجُلُوسَ هَيْئَةٌ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَالْقِيَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ وَلَا الْقُعُودَ أَدَّى فَرْضَهُ مُضْطَجِعًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. (فَرْعٌ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَرَأْسُهُ إلَى الْمَغْرِبِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْمَشْرِقِ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مَشْرُوعٌ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مَعَهُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَجَزَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَهَلْ يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ التَّيَامُنِ الَّذِي هُوَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ كَانَ الِاضْطِجَاعُ عَلَى الظَّهْرِ أَمْكَنَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَأَشْبَهَ فِي ذَلِكَ بِحَالِ الْقِيَامِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فَإِنْ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ إلَى الْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إلَّا كَذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ مَشْرُوعٌ وَلَا يَتَأَتَّى لِمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَالَنَا وَبَاءٌ مِنْ وَعْكِهَا شَدِيدٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَاعِدُ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ» ) . ش قَوْلُهُ نَالَنَا وَبَاءٌ مِنْ وَعْكِهَا شَدِيدٌ الْوَبَاءُ سُرْعَةُ الْمَوْتِ وَكَثْرَتُهُ فِي النَّاسِ وَالْوَعْكُ شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ الْمَرَضِ وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا قِيلَ إنَّ السُّبْحَةَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] يُرِيدُ الْمُصَلِّينَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْأَرْبَعِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى السُّبْحَةِ الصَّلَاةُ فَإِذَا كَانَ لَفْظُ السُّبْحَةِ وَاقِعًا عَلَى الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ جَازَ أَنْ يُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَمْرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ تَنْشِيطًا لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ وَنَدْبًا لَهُمْ إلَى فَضْلِهِ وَتَذْكِيرًا لَهُمْ لِئَلَّا يَجْتَزِئُوا بِالْقُعُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِمَا فِيهِمْ مِنْ أَلَمِ الْوَعْكِ وَشِدَّةِ الْمَرَضِ.

[ما جاء في صلاة القاعد في النافلة]

أَطْوَلَ مِنْهَا» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ فِي النَّافِلَةِ] (ش) : قَوْلُهَا مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا قَطُّ إخْبَارٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي تَنَفُّلِهِ عَلَى أَتَمِّ هَيْئَاتِهَا مِنْ الْقِيَامِ إذْ هُوَ أَفْضَلُ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ وَثَقُلَ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا رِفْقًا بِهِ وَاسْتِدَامَةً لِصَلَاتِهِ وَتَوْفِيرَ قُوَّتِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي الْجُلُوسَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ مِنْ الصَّلَاةِ هَذَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَخْلُو مِنْ الْجُلُوسِ إلَّا أَنَّهُ إذَا قِيلَ صَلَّى فُلَانٌ قَاعِدًا أَوْ جَالِسًا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ جَلَسَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ» ) . (ش) : قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةً فِي اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ تُرِيدُ بِذَلِكَ نَافِلَةَ اللَّيْلِ وَيَحْتَمِلُ تَخْصِيصُهَا لِلذِّكْرِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهَا نَصَّتْ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَبَّهَتْ بِذَلِكَ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي هِيَ آكَدُ مِنْهَا. وَالثَّانِي. أَنَّهَا قَصَدَتْ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهِ فِي النَّافِلَةِ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ لِأَنَّهَا لَوْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ فَلَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْحَثُّ وَالتَّأْكِيدُ فِي قِيَامِ النَّافِلَةِ ثُمَّ قَالَتْ حَتَّى أَسَنَّ فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَأَخْبَرَتْ عَنْ عُذْرِهِ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ بِالسِّنِّ إبْقَاءً عَلَى نَفْسِهِ لِيَسْتَدِيمَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَالَتْ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَتَأَكُّدِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ عَمَّا يُطِيقُهُ مِنْهُ وَفِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَقُومَ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُومَ فِيمَا أَمْكَنَهُ مِنْهَا وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا لِمَنْ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ قَاعِدًا ثُمَّ أَرَادَ الْقِيَامَ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْقُعُودَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا حَالَةٌ تُبِيحُ لَهُ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ جَالِسًا فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهَا إلَى الْجُلُوسِ مَنْ افْتَتَحَهَا كَحَالَةِ الْعُذْرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَهَذَا لَمَّا افْتَتَحَ نَافِلَتَهُ قَائِمًا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ لِحَالٍ كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الضَّعْفِ عَنْ الْقِيَامِ فِي جَمِيعِهَا وَالْقُوَّةِ عَلَى الْقِيَامِ فِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرٍ طَرَأَ لَهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا طَرَأَ لَهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ يَجِدُهُ حِينَ الشُّرُوعِ فِيهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْجَوَازِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْقِيَامَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فَيُتِمَّهَا قَائِمًا وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ جَازَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ قَاعِدًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِمَا كَانَ فَرْضُهُ فِي افْتِتَاحِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ كَمَا لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْقِيَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : لَوْ افْتَتَحَ صَلَاةً بِالِاضْطِجَاعِ لِضَعْفِهِ عَنْ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ ثُمَّ اسْتَطَاعَ الْقِيَامَ أَوْ الْجُلُوسَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى مَا أَدَّتْ حَالُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِمَا كَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا بِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ كَمَا لَوْ افْتَتَحَهَا بِالْجُلُوسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُ التَّرْتِيلَ فِي قِرَاءَتِهَا لِلتَّدَبُّرِ وَلِامْتِثَالِ قَوْلِهِ {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» ) .

[الصلاة الوسطى]

كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» ) . الصَّلَاةُ الْوُسْطَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا ثُمَّ قَالَتْ إذَا بَلَغْتُ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذَنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» ثُمَّ قَالَتْ سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهَا كَانَ يُصَلِّي فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ بَيَانٌ أَنَّ آخِرَ جُلُوسِهِ كَانَ حِينَ الْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهَا فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً يَقْتَضِي أَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ قَبْلَ الْقِيَامِ أَكْثَرَ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ لَا تَنْطَلِقُ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا عَلَى الْأَقَلِّ وَقَوْلُهَا قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ قِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَةِ مُقَدَّرًا عِنْدَ عَائِشَةَ لِتَكَرُّرِ صَلَاتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَمَعْرِفَتِهَا بِمِقْدَارِهَا وَمِقْدَارِ تَرْتِيلِهِ لَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ حَالُهُ تَخْتَلِفُ فِي طُولِ الْقِيَامِ وَقِصَرِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهَا مِقْدَارُ قِرَاءَتِهِ قَائِمًا وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ قَاعِدًا تَخْتَلِفُ عَلَيْهَا لِطُولِهَا وَقِصَرِهَا فَتَقَدَّرَ لِعَائِشَةَ مِقْدَارُ قِرَاءَتِهِ حَالَ الْقِيَامِ خَاصَّةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ فِي النَّافِلَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَائِشَةَ إنَّمَا وَصَفَتْ الْمُتَكَرِّرَ مِنْ فِعْلِهِ وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ الْقِرَاءَةَ جَالِسًا ثُمَّ يَقُومُ لِبَقِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ الْمُتَكَرِّرَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَصِحُّ بِجَرْيِ الْعَادَةِ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهَا الْمَانِعُ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ وَيَزُولُ فِي أَثْنَائِهَا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ لِلصَّلَاةِ وَإِبْقَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْوِي ذَلِكَ عِنْدَ افْتِتَاحِ نَافِلَتِهِ وَلَعَلَّ أَشْهَبَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا افْتَتَحَهُ بِنِيَّةِ الْقِيَامِ أَوْ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِيمَا نَوَى فِيهِ الْجُلُوسَ بَعْدَ الْقِيَامِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَا يُصَلِّيَانِ النَّافِلَةَ وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَا يُصَلِّيَانِ النَّافِلَةَ وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ يُرِيدُ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْلِسَانِ مَوْضِعَ الْقِيَامِ عَلَى صِفَةِ الِاحْتِبَاءِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجُلُوسَ فِي الصَّلَاةِ مَوْضِعَ الْقِيَامِ لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ لَا يُجْزِئُ إلَّا عَلَيْهِ بَلْ يُجْزِئُ عَلَى كُلِّ صِفَاتِ الْجُلُوسِ مِنْ الِاحْتِبَاءِ وَالتَّرَبُّعِ وَالتَّوَرُّكِ وَغَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْجُلُوسِ غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ رَأَى أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّرَبُّعُ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ هَيْئَاتِ الْجُلُوسِ إلَّا أَنَّ الِاحْتِبَاءَ مَعَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِي احْتِبَاءِ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ هَيْئَاتِ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُمَا وَلَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَ السَّآمَةِ لِلتَّرَبُّعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الصَّلَاةُ الْوُسْطَى] (ش) : قَوْلُهُ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ جَمْعِ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ وَقَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الْمَصَاحِفِ الَّتِي كَتَبَ بِهَا عُثْمَانُ إلَى الْأَمْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَاحِفِ إلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَثَبَتَ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُ قُرْآنٌ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يُكْتَبُ مِنْ مَعْنَى التَّفْسِيرِ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا إنَّمَا أَمَرَتْ أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُمْلِيَ عَلَيْهِ زِيَادَةً لَمْ تَكُنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي كَانَ يَنْتَسِخُ مِنْهُ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْسَخَ مِنْهُ وَإِنَّمَا رَوَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرَادَتْ أَنْ تُثْبِتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بِهِ نَفْعٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمْلَتْ عَلَيَّ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ زِيَادَةً فِي الْمَحْفُوظِ مِنْ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَكَانَ الْأَظْهَرُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى غَيْرُ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَاَلَّذِي يَقْتَضِي مَا أَمْلَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّهَا غَيْرُ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّهَا عَطَفَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَلَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ تَعْيِينٌ لِلصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ إنَّهَا الْمَغْرِبُ وَيَجِبُ أَنْ نُبَيِّنَ مَعْنَى وَصْفِنَا لَهَا بِأَنَّهَا الْوُسْطَى قَبْلَ أَنْ نَبْدَأَ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَا نَخْتَارُهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْوُسْطَى يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تُسَمَّى وُسْطَى بِمَعْنَى فَاضِلَةِ الصَّلَوَاتِ يُقَالُ هَذَا أَوْسَطُ الْقَوْمِ بِمَعْنَى فَاضِلُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28] . وَقَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] يُرِيدُ أُمَّةً فَاضِلَةً. وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِي: فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمُتَوَسِّطَةَ بِمَعْنَى أَنَّ وَقْتَهَا يَتَوَسَّطُ أَوْقَاتَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَيَكُونُ بَعْضُهَا قَبْلَهَا وَبَعْضُهَا بَعْدَهَا. وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ أَنْ تُوصَفَ بِذَلِكَ التَّخْصِيصِ. وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ صَلَاةٍ وُسْطَى عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَعَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ يَصِحُّ أَنْ تُوصَفَ بِأَنَّهَا وُسْطَى بِمَعْنَى أَنَّهَا فَاضِلَةٌ وَبِمَعْنَى أَنَّ وَقْتَهَا يَتَوَسَّطُ الْأَوْقَاتِ وَبِمَعْنَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّ مَا مِنْ صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَّا وَيَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَهَا وُسْطَى وَتَجْعَلَ مَا قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ مِنْ الْفُرُوضِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ وَإِذَا وَصَفْت صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ بِأَنَّهَا وُسْطَى وَلَمْ يُنَصَّ لَنَا عَلَيْهَا نَصًّا تَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا وُسْطَى بِمَعْنَى التَّخْصِيصِ خَاصَّةً وَلَكِنْ لِمَعْنًى فِيهَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ حَالِهَا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَنَظَرٌ إلَى أَوَّلِ الصَّلَوَاتِ بِأَنْ تُوصَفَ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةٌ فِي الْفَضِيلَةِ أَوْ أَنَّ وَقْتَهَا أَوْلَى بِأَنْ يُوصَفَ بِالتَّوَسُّطِ مِنْ غَيْرِهَا فَيُصْرَفَ هَذَا الِاسْمُ إلَيْهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى لَيْسَتْ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَعَطَفَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُهَا وَقَدْ رَوَتْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ جِهَةِ تَأَكُّدِ فَضِيلَتِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَشَقُّ مِنْهَا وَلَا أَبْيَنُ عُذْرًا فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا لِأَنَّهَا تَطْرَأُ عَلَى النَّاسِ فِي أَلَذِّ أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَيَتَكَلَّفُ لَهَا مَنْ تَرَكَ وَثَارَةَ الْمَضْجَعِ وَدِفْأَهُ وَتَرَكَ لَذِيذَ النَّوْمِ مَعَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْقِيَامِ إلَى شِدَّةِ الْبَرْدِ وَتَنَاوُلِ الْمَاءِ الْبَارِدَ مَا لَا يَتَكَلَّفُ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَجِيءُ أَوْقَاتُهَا وَالنَّاسُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مُتَصَرِّفُونَ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» فَخَصَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِهَذَا الْوَصْفِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِتَأَكُّدِ فَضِيلَتِهَا فَثَبَتَ أَنَّهَا أَعْظَمُ الصَّلَوَاتِ أَجْرًا وَأَتَمُّهَا فَضْلًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ مِنْ جِهَةِ تَوَسُّطِ الْوَقْتِ أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ لَا تُشَارِكُ وَاحِدَةً مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي وَقْتِهَا وَلَا تُشَارِكُهَا صَلَاةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي وَقْتِهَا وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ أَوْقَاتُهَا مُشْتَرَكَةٌ فَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إذَا بَلَغْت هَذِهِ الْآيَةَ فَآذَنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشْتَرِكَتَانِ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ مُشْتَرِكَانِ فِي وَقْتِهِمَا فَلَوْ جَعَلْنَا الْعَصْرَ هِيَ الْوُسْطَى لَكُنَّا قَدْ فَصَلْنَاهَا مِمَّا شَرَكَهَا وَهِيَ الظُّهْرُ وَأَضَفْنَا إلَى الظُّهْرِ مَا لَا يُشْرِكُهَا فِي وَقْتٍ وَهِيَ الصُّبْحُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَوْصُوفَةَ بِأَنَّهَا وُسْطَى لَا تَكُونُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِمَّا يُشَارِكُهَا فِي الْوَقْتِ فَإِذَا وَصَفْنَا الصُّبْحَ بِأَنَّهَا الْوُسْطَى سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ وَقُرِنَتْ كُلُّ صَلَاةٍ بِمَا يُشَارِكُهَا فِي وَقْتِهَا وَانْفَصَلَتْ مِمَّا لَا يُشَارِكُهَا فَكَانَتْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ مُشْتَرِكَتَيْنِ ثُمَّ الصُّبْحُ ثُمَّ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ مُشْتَرِكَتَيْنِ فَكَانَتْ الصُّبْحُ أَوْلَى بِالْوَصْفِ بِالتَّوَسُّطِ. وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوُسْطَى مِنْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا وُسْطَى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ لِتَأَكُّدِ فَضِيلَتِهَا عَلَى الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعَهَا وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الصُّبْحِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ تُوصَفَ بِأَنَّهَا وُسْطَى إذَا قَرَنْتَ ذِكْرَهَا وَاسْمَهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] الْقُنُوتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّكُوتُ وَالْقُنُوتُ الطَّاعَةُ وَالْقُنُوتُ الدُّعَاءُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَالْقُنُوتُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْقُنُوتُ الَّذِي يَكُونُ فِي الصُّبْحِ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا إنَّ الْقُنُوتَ طُولُ الْقِيَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَتْ سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ الزَّائِدَةُ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ نُسِخَتْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَإِنْ صَحَّ خَبَرُ الْبَرَاءِ بِنَسْخِهَا فَلَعَلَّ عَائِشَةَ لَمْ تَعْلَمْ بِنَسْخِهَا إذْ أَرَادَتْ إثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ وَلَعَلَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا مِمَّا نُسِخَ حُكْمُهَا وَثَبَتَ رَسْمُهَا فَأَرَادَتْ إثْبَاتَهُ. وَالْوَجْهَ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ سَمِعَتْ اللَّفْظَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِتَأْكِيدِ فَضِيلَةِ الْعَصْرِ مَعَ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى كَمَا رَوَى عَنْهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ أَنَّهُ قَالَ إنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] فَأَكَّدَ فَضِيلَتَهَا فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُثَبِّتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لَمَّا ظَنَّتْ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّهَا اعْتَقَدَتْ جَوَازَ إثْبَاتِ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَعَ الْقُرْآنِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا إثْبَاتَ الْقُنُوتِ وَبَعْضَ التَّفْسِيرِ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ قُرْآنًا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إذَا بَلَغْت هَذِهِ الْآيَةَ فَآذَنِّي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَلَمَّا بَلَغْتهَا آذَنْتهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) . (ش) : أَمَرَتْ حَفْصَةُ بِإِثْبَاتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ أَنَّهَا سَمِعَتْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَمِعَتْهَا مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَمِعَتْهَا مِنْ عَائِشَةَ أَوْ غَيْرِهَا فَأَرَادَتْ إثْبَاتَهَا عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ ابْنِ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ) . ش يُذْكَرُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَخَذَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَثْبُتْ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ وُسْطَى بِمَعْنَى أَنَّهَا فَاضِلَةٌ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا الْمَخْصُوصَةُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَأَنَّ لَهَا بِذَلِكَ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ

[الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد]

كَانَا يَقُولَانِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . الرُّخْصَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ش) : رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كُنَّا نَرَى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى الصُّبْحَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَقُولُ مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ» وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى يَوْمَئِذٍ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ وَإِنَّمَا بَلَغَهُ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَجَعَ عَنْ رِوَايَتِهِ فِي ذَلِكَ لَمَّا سَمِعَ حَدِيثَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ أَوْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ حَتَّى سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَمِعَهُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَوْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ مَا سَمِعَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ وَلَا حَقَّقَ النَّظَرَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ اخْتِيَارَ مَالِكٍ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّرْجِيحِ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَلَى سَائِرِ الْأَقْوَالِ عَلَى احْتِمَالِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [الرُّخْصَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ] (ش) : قَوْلُهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ لِبَاسُهُ فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ ثَوْبًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا عَنَى بِنَقْلِ ذَلِكَ لِأَنَّ اللِّبَاسَ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابَيْنِ: أَحَدِهِمَا: فِي مِقْدَارِ الْمَلْبُوسِ. وَالْآخَرِ: فِي صِفَةِ الْمَلْبُوسِ وَاللِّبَاسِ. (بَابٌ) فَأَمَّا الْمَلْبُوسُ فَإِنَّ لَهُ مِقْدَارَيْنِ مِقْدَارَ الْفَرْضِ وَمِقْدَارَ الْفَضْلِ فَأَمَّا الْفَرْضُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فَرْضٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ هُوَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ إنَّهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ بُكَيْر وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا إنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ بِعَدَمِ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْنَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ أَثِمَ التَّارِكُ وَلَمْ تَبْطُلْ. وَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالنِّيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ كَالطَّوَافِ فَإِنْ سَلَّمُوا وَإِلَّا دَلَلْنَا عَلَيْهِمْ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ فِي مُؤَذِّنِينَ يُنَادِي بِمِنًى أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ لَاخْتَصَّ بِهَا وَلَمَّا كَانَ مَشْرُوعًا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَوْرَةَ الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا هِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَالْفَخْذَانِ وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْحَدِيثُ الَّذِي

[باب صفة الملبوس واللباس في الصلاة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْتِي بَعْدَ هَذَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِجَرْهَدٍ غَطِّ فَخْذَك فَإِنَّ الْفَخْذَ عَوْرَةٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يَسْتُرُهُ الْمِئْزَرُ غَالِبًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَوْرَةِ كَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ الْعَوْرَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُغَلَّظَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ فَالْمُغَلَّظَةُ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَالْمُخَفَّفَةُ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عِنْدِي هَذَا الْقَوْلُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَلَّى وَفَخِذُهُ مَكْشُوفَةٌ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ يَسْقُطُ فَرْضُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مَعَ عَدَمِ مَا تُسْتَرُ بِهِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ صَلَّى قَائِمًا وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلِّي جَالِسًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِهَا بِالْعَجْزِ عَنْهُ كَالْوُضُوءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مِقْدَارُ الْفَضِيلَةِ لِلرِّجَالِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يُلْقِي عَلَى كَتِفَيْهِ مِنْ ثَوْبِهِ شَيْئًا إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ الْوَقَارِ الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ. [بَابٌ صِفَةُ الْمَلْبُوسِ وَاللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ] 1 بَابٌ وَأَمَّا صِفَةُ الْمَلْبُوسِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّ الْمَلْبُوسَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا فَإِنَّ مِنْ صِفَتِهِ الْجَامِعَةِ لِأَنْوَاعِهِ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ الْعَوْرَةِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّفَاقَةِ وَالْمَتَانَةِ بِحَيْثُ لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يَشِفُّ أَوْ رَقِيقًا يَصِفُ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ وَمَنْ صَلَّى فِيهِ أَعَادَ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَسَتْرُهَا هُوَ الْمَشْرُوعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ صَلَّى وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ أَوْ رِدَاءٌ وَإِزَارٌ فَقَدْ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَطْرَحَ الرِّدَاءَ عَنْ مَنْكِبَيْهِ لِلْحَرِّ فِي الْفَرِيضَةِ وَخَفَّفَ فِي النَّافِلَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي الْمَكْتُوبَةِ مَا لَا يُرَاعَى فِي النَّافِلَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَالْحِرْصُ عَلَى إتْمَامِهَا آكَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَسَ الْمُصَلِّي ثِيَابَهُ عَلَى أَفْضَلِ هَيْئَاتِهَا مِنْ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ لِأَنَّ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ خَالَفَ هَذِهِ الصِّفَةَ بِأَنْ يُشَمِّرَ كُمَّهُ أَوْ يَشُدَّ ثِيَابَهُ بِحِزَامٍ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِشُغْلٍ هُوَ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَإِنْ صَلَّى عَلَى حَالِ التَّشْمِيرِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِصَلَاتِهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ لِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّلَاةَ بِمَا يُخَالِفُهَا وَتَهَيَّأَ لَهَا بِمَا يُضَادُّ هَيْئَاتِهَا إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مُشْتَمِلًا بِهِ قَالَ الْأَخْفَشُ الِاشْتِمَالُ أَنْ يَلْتَحِفَ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمَيْهِ وَالتَّوَشُّحُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مِنْ تَحْتِ يَمِينِهِ فَيَرُدَّهُ عَلَى مَنْكِبِهِ مِنْ يَمِينِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَ الْأَخْفَشُ لَيْسَ هَذَا هُوَ الِاشْتِمَالُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاشْتِمَالِ وَالِاشْتِمَالُ عَلَى أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: التَّوَشُّحُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْمُبَاحُ فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ الَّذِي «أَنْكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ قَالَ لَهُ مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ» وَقَدْ وَرَدَ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ فِي الثَّوْبِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَتَكُونَ يَدَاهُ تَحْتَ الثَّوْبِ فَهَذَا مُنِعَ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَاشِرَ الْأَرْضَ بِيَدِهِ لِلسُّجُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَوْ يُخْرِجَ يَدَيْهِ لِذَلِكَ فَتَبْدُوَ عَوْرَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ إزَارُ غَيْرِ الثَّوْبِ الَّذِي يَشْتَمِلُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْمَنُ حِينَئِذٍ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا الْكَرَاهِيَةُ وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ الِاشْتِمَالِ هُوَ الِاضْطِبَاعُ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَنْ يَرْتَدِيَ وَيُخْرِجَ ثَوْبَهُ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى فَيَرُدَّهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَأْتِيَ بِالثَّوْبِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَوْقَ يَدِهِ الْيُسْرَى فَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الِاضْطِبَاعُ مِنْ نَاحِيَةِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ يَدِهِ الْيُسْرَى لِسُجُودٍ وَلَا لِغَيْرِهِ إلَّا لَحِقَهُ فِيهِ مَا يَلْحَقُهُ فِي اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَخَذَ طَرْفَ ثَوْبِهِ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى فَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَأَخَذَ الطَّرْفَ الْآخَرَ تَحْتَ يَدِهِ الْيُسْرَى فَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الِاشْتِمَالِ يُسَمَّى التَّوَشُّحَ وَيُسَمَّى الِاضْطِبَاعَ وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ يَدَيْهِ لِلسُّجُودِ وَغَيْرِهِ دُونَ كَشْفِ عَوْرَتِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» ) . ش قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ مَعَ سُؤَالِ السَّائِلِ إبَاحَةٌ لِلصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ سُمِعَ إلَى نَفْيِ الْحَرَجِ اللَّاحِقِ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ وَلَيْسَ فِي عُدْمِ الرَّجُلِ الثَّوْبَيْنِ يَلْبَسُهُمَا فِي صَلَاتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ إذَا وَجَدَهُمَا كَمَا أَنَّ عُدْمَهُ لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَا يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ صَلَاتِهِ عُرْيَانًا مَعَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ قَوْلُهُ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّوْبَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ عَدَمَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَمْرٌ شَائِعٌ كَثِيرٌ وَالضَّرُورَةُ إذَا كَانَتْ شَائِعَةً كَثِيرَةً كَانَتْ الرُّخْصَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا عَامَّةً يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ السَّفَرِ التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ كَانَتْ رُخْصَةُ الْفِطْرِ فِيهِ عَامَّةً وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي سَفَرِهِ وَلَمَّا كَانَتْ فِي الْحَضَرِ نَادِرَةً لَمْ تُدْرِكْ الرُّخْصَةُ فِيهَا مَنْ يُدْرِكُهُ التَّعَبُ وَلَا أَحَدَ يَسْلَمُ مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ النَّاسِ فِي وَقْتِ مُخَاطَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَمَ مَا زَادَ عَلَى الثَّوْبِ كَانَتْ الرُّخْصَةُ عَامَّةً فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ لِلْوَاجِدِ وَالْعَادِمِ وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ نَادِرًا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ دُونَهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إجْزَاءِ الصَّلَاةِ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الَّذِي أَبَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ وَالثَّوْبَانِ أَفْضَلُ لِمَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السَّائِلَ لَمَّا سَأَلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَكَانَ مَعْنَاهُ السُّؤَالَ عَنْ إجْزَاءِ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ غَالِبَ حَالِ النَّاسِ عَدَمُ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِرٌّ فِي عِلْمِهِ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ هَلْ تَفْعَلُ أَنْتَ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ إنِّي لَأُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ) . (ش) : قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ إنِّي لَأُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ مَعَ رِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا اقْتِصَارٌ مِنْهُ عَلَى الْجَائِزِ دُونَ الْأَفْضَلِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُبَيِّنُ جَوَازَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ ثَوْبَيْنِ فَأَرَادَ أَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَهُ وَيُعْلِمَهُ بِصِحَّةِ إبَاحَتِهِ وَأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الثَّوْبَيْنِ فَكَيْفَ مَنْ لَا يَجِدُ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا وَأَخْبَرَهُ عَنْ فِعْلِهِ فِي النَّادِرِ دُونَ الْأَغْلَبِ وَأَخْبَرَهُ عَمَّا يَفْعَلُهُ فِي مَنْزِلِهِ دُونَ الْمَسَاجِدِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ إخْبَارٌ عَنْ قُرْبِ تَنَاوُلِهَا وَتَمَكُّنِهِ مِنْ لُبْسِهَا وَالْمِشْجَبُ عُودٌ تُنْشَرُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) . (ش) : هَذَا الَّذِي بَلَغَ مَالِكًا مِنْ فِعْلِ جَابِرٍ يَحْتَمِلُ مِنْ الْوُجُوهِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي فِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَحْتَمِلُ مَعَ ذَلِكَ عَدَمَ الثَّوْبِ الثَّانِي غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي فَبَيْنُ مَوْضُوعٌ قَالَ نَعَمْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَ الْجُهَّالَ أَمْثَالَكُمْ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي كَذَا» فَقَدْ نَصَّ جَابِرٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إعْلَامَ جَوَازِهِ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي كَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ لِيُبَيِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَهُ فَاعْتَقَدَ جَابِرٌ فِعْلَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ فَعَلَ ذَلِكَ لَمَّا صَلَّى وَحْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَأَنَّهُ اعْتَقَدَ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِالْمَسْجِدِ وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَمَوْضِعُ تَجَمُّلٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . وَقَالَ السُّدِّيَّ الزِّينَةُ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الزِّينَةَ مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ مِنْ الثِّيَابِ وَهُوَ الرِّدَاءُ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِذَلِكَ خَصَّ ذَلِكَ بِالْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةِ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ) . (ش) : وَهُوَ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا فِي فِعْلِ جَابِرٍ إلَّا أَنَّهُ أَتَمُّ فِي اللِّبَاسِ لِأَنَّ الْقَمِيصَ أَتَمُّ ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُصَلِّي فِيهِ الرَّجُلُ وَآمَنُ مِنْ التَّكَشُّفِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَمْرٌ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمُ مَنْ وَجَدَ ثَوْبَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ جَوَازُ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لِمَنْ وَجَدَ ثَوْبَيْنِ وَيَحْتَمِلُ لِمَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَنْ وَجَدَ ثَوْبَيْنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ فَيَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ الْمَفْهُومُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ بِالتَّفْضِيلِ دُونَ التَّحْرِيمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مُلْتَحِفًا بِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى عَاتِقَيْهِ فَجَعَلَ الِالْتِحَافَ هُوَ التَّوَشُّحُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ الِالْتِحَافَ هُوَ الِالْتِفَافُ فِي الثَّوْبِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ التَّوَشُّحُ وَالِاشْتِمَالُ وَقَدْ خَصَّ مِنْهُ اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ يَعْنِي إنْ قَصُرَ عَنْ سَتْرِ جَسَدِهِ فَلْيَسْتُرْ بِهِ عَوْرَتَهُ لِأَنَّ سَتْرَهَا آكَدُ مِنْ سَتْرِ سَائِرِ جَسَدِهِ لِأَنَّ سَتْرَ جَسَدِهِ سُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ فَرِيضَةٌ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالِالْتِحَافِ بِالثَّوْبِ الْكَامِلِ لِيَجْمَعَ فِي اللِّبَاسِ بَيْنَ الْفَضْلِ وَالْفَرْضِ فَإِذَا قَصَرَ الثَّوْبُ عَنْ ذَلِكَ أَمَرَهُ بِالِاتِّزَارِ بِهِ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ عَلَى عَاتِقَيْهِ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً) . (ش) : وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ عُمَرَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى نَفْسِهِ وَيُحْسِنُ زِيَّهُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الرِّدَاءَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ سُنَّةَ الصَّلَاةِ الْوَقَارُ وَالرِّدَاءُ مِنْ زِيِّ الْوَقَارِ فَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ.

[الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار]

الرُّخْصَةُ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُنْقِذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الرُّخْصَةُ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِمَا وَالنِّسَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ فَأَمَّا الْحُرَّةُ فَجَسَدُهَا كُلُّهُ عَوْرَةٌ غَيْرَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ جَسَدِهَا وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالُوا إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُضْوٌ يَجِبُ كَشْفُهُ بِالْإِحْرَامِ فَلَمْ يَكُنْ عَوْرَةً كَوَجْهِ الرَّجُلِ وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَسَدِ الْحُرَّةِ يَجْرِي مَجْرَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ فِي وُجُوبِ سَتْرِهِ فِي الصَّلَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ فَالدِّرْعُ الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَالْخِمَارُ الَّذِي تَتَقَنَّعُ بِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الثَّوْبِ مِئْزَرٌ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَجْزَأَهَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ صَلَّتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفَةً بِهِ وَسَتَرَ مِنْهَا مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَلَمْ تَشْتَغِلْ بِإِمْسَاكِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ اشْتَغَلَتْ بِذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْأَمَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَسْتُرُ الْأَمَةَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَسْتُرُ الرَّجُلَ وَعَوْرَتُهَا مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَسْتُرُ الْمَرْأَةُ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعَ جَسَدِهَا. وَجْهُ قَوْلِ أَصَبْغَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مِنْهَا عَوْرَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْهَا عَوْرَةً فِي الصَّلَاةِ كَالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا امْرَأَةٌ فَكَانَتْ مَأْمُورَةً بِتَغْطِيَةِ جَمِيعِ جَسَدِهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْحُرَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِتَغْطِيَةِ جَسَدِهَا إذَا بَرَزَتْ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ يَفْتِنُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ تَخْتَمِرُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ وَتُجْزِئُهَا. وَقَالَ سَحْنُونَ تَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ الْعُرْيَانُ يَجِدُ الثَّوْبَ فِي الصَّلَاةِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا عُدِمَ حِينَ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا وُجُودُهُ كَالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونَ أَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ مُسْقِطَةٍ فَإِذَا لَزِمَ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ فِي بَعْضِهَا لَزِمَ فِي جَمِيعِهَا وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ وَإِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاتَهَا فَكَذَلِكَ يُبْطِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَتَمَادِيهَا عَلَى صَلَاتِهَا فَلَمْ تَفْعَلْ جَهْلًا أَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا مَنْ يُنَاوِلُهَا خِمَارَهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُعِيدُ مَا دَامَتْ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا الْخِمَارَ وَلَا وَصَلَتْ إلَيْهِ لَمْ تُعِدْ وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى أَخْذِهِ فَلَمْ تَأْخُذْهُ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ الْعُرْيَانُ. وَقَالَ أَصَبْغُ لَا تُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ تَرَكَتْ ذَلِكَ عَمْدًا. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهَا اُسْتُحِبَّ لَهَا الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى وَجْهٍ مُجْمَعٍ عَلَى صِحَّتِهَا. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَصَبْغُ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ بِمَا يَجُوزُ لَهَا فَلَا يُخْرِجُهَا عَنْهَا وُجُودُ مَا عَدِمَتْهُ قَبْلَهَا كَالْمُتَيَمِّمِ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ يَجِدُ الْمَاءَ. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا الدِّرْعُ فَهُوَ الْقَمِيصُ وَالْخِمَارُ مَا تَخْتَمِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَا خَصِيفَيْنِ يَسْتُرَانِ مَا تَحْتَهُمَا فَإِنْ كَانَا خَفِيفَيْنِ يَصِفَانِ مَا تَحْتَهُمَا لَمْ يُجْزِئْ لِأَنَّ السَّتْرَ لَمْ يَقَعْ بِهِمَا وَيُكْرَهُ الرَّقِيقُ الصَّفِيقُ مِنْ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ يَلْصَقُ بِالْجَسَدِ فَيَبْدُو حَجْمُ مَا تَحْتَهُ وَفِيهِ بَعْضُ الْوَصْفِ لِمَا تَحْتَهُ. (فَصْلٌ) : وَمِنْ صِفَةِ الْقَمِيصِ أَنْ يَكُونَ سَابِغًا يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَيَسْتُرُ الْخِمَارُ عُنُقَهَا وَقُصَّتَهَا وَدَلَّالَيْهَا وَلَا يُظْهِرُ مِنْهَا غَيْرَ دُورِ وَجْهِهَا وَذَلِكَ أَقَلُّ الْمُجْزِئِ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الْقِيَاسِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مِئْزَرٌ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي السَّتْرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُنْقِذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) .

[الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر]

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) . الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهَا مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ سُؤَالٌ عَنْ مِقْدَارِ مَا يَكْفِيهَا مِنْ الثِّيَابِ فِي الصَّلَاةِ لِتُعَرِّفَهَا بِمَا لَا يُجْزِئُ وَيَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ جِنْسِ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ الْجَوَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ الْمِقْدَارِ وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ فُهِمَ بِشَاهِدِ الْحَالِ وَلَوْ فُهِمَ أَنَّهُ كَانَ عَنْ الْجِنْسِ لَوَجَبَ أَنْ نَصِفَهُ بِالْكَثَافَةِ وَالسَّتْرِ فَلَمَّا قَالَتْ إنَّهَا تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الْمُغَيِّبِ لِظُهُورِ قَدَمَيْهَا عُلِمَ أَنَّهَا أَجَابَتْهَا عَنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ وَأَنَّهَا رَاعَتْ فِي مِقْدَارِ مَقَاسِ السُّبُوغِ أَنْ يُغَيِّبَ الدِّرْعُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُضْوٌ لَا يُكْشَفُ لِلْإِحْرَامِ فَوَجَبَ عَلَى الْمُصَلِّيَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَسْتُرَهُ كَالذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ صَلَّتْ بَادِيَةَ الشَّعْرِ أَوْ الصَّدْرِ أَوْ ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ اُسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تُعِيدَ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ أَثِمَتْ لِمُخَالَفَتِهَا السُّنَّةَ إنْ قَصَدَتْ ذَلِكَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى إعَادَةَ الصَّلَاةِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ سَلَّمَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنْ تُعَادَ الصَّلَاةُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَهُ فَرْضًا. وَالثَّانِي: ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَنَّهُ يُبْقَرُ عَنْهُ فَيَنْظُرُ إلَيْهِ أَهْلُ الْبَصَرِ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَوْرَةِ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ وَيَصِفْنَهُ لِأَهْلِ الْبَصَرِ مِنْ الرِّجَالِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْخَوْلَانِيِّ وَكَانَ فِي حِجْرِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ لَيْسَ عَلَيْهَا إزَارٌ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ فِي حِجْرِ مَيْمُونَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يَظْهَرُ إلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ أُخْتِهَا وَمَعَ وَذَلِكَ فَقَدْ كَانَ مَعَهَا وَمُضْطَرًّا إلَى كَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ عَلَيْهَا فَكَانَ يَرَاهَا تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ دُونَ إزَارٍ وَالْإِزَارُ مَا تَتَّزِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ عَلَى الْجَسَدِ دِرْعٌ يَسْتُرُهُ. ص (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْهُ فَقَالَتْ إنَّ الْمِنْطَقَ يَشُقُّ عَلَيَّ أَفَأُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ فَقَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا) . (ش) : الْمِنْطَقُ هُوَ الْإِزَارُ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْمِنْطَقُ إزَارٌ فِيهِ تِكَّةٌ تَتَنَطَّقُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَالْمِنْطَقَةُ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ وَقَوْلُهَا يَشُقُّ عَلَيَّ تُرِيدُ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهَا لُبْسُهُ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَتَأَذَّى مِنْ لُبْسِهِ وَلَمْ تَعْتَدْهُ فَاسْتَفْتَتْ عُرْوَةَ إنْ كَانَ لَهَا رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ لُبْسِ الْمِنْطَقِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ يَسْتُرُ مَا يَسْتُرُهُ الْإِزَارُ لِسُبُوغِهِ وَتَمَامِهِ. [الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إلَى تَبُوكَ يَعْنِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ بِالْمُصَلِّي وَذَلِكَ عَلَى حَدِّ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: السَّفَرُ. وَالثَّانِي: الْمَرَضُ. وَالثَّالِثُ: الْمَطَرُ وَاللَّيْلُ. وَالرَّابِعُ: الْخَوْفُ. وَالْجَمْعُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ فِي الْوَقْتِ وَهُمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَأَمَّا كُلُّ صَلَاتَيْنِ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا السَّفَرُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَكْرَهُ جَمْعَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي غَزْوٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَجْهُ كَرَاهَةِ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى إتْيَانِ الْأَفْضَلِ لِئَلَّا يَتْرُكَ ذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دُونَ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ وَأَمَّا إبَاحَتُهُ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ فَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَجَمِيعُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْفِعْلُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ السَّيْرِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَأَمَّا الْجَمْعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ أَعَادَ الثَّانِيَةَ أَبَدًا يُرِيدُ إنْ صَلَّاهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. وَقَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ إلَّا بِعَرَفَةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْمُسَافِرِ فِي جَمْعِهَا مَا لَيْسَ لِلْمُقِيمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَلَهُ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ مِنْ الرُّخْصَةِ مَا لَيْسَ لَهُ إذَا لَمْ يَجِدَّ بِهِ وَلِلْمُقِيمِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَهُ الرُّخْصَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ اللَّذَيْنِ وَقَّتَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ مَنَعَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنْ رَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى الْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ سَفَرٌ تُقْصَرُ بِهِ الصَّلَاةُ فَجَازَ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَهُمَا فَالْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاكِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ وَقْتُ اخْتِيَارٍ لِلظُّهْرِ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ لِلْعَصْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَمْعَ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَرْتَحِلَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَيَجْمَعَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَرْتَحِلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَيُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَيُصَلِّيَهَا ثُمَّ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إنَّمَا شُرِعَ لِلرِّفْقِ بِالْمُسَافِرِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهِ وَالتَّأَخُّرِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَخَفَّفَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا وَلِلصَّلَاةِ وَقْتَانِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ بِمِقْدَارِ مَا تُؤَدَّى فِيهِ الظُّهْرُ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِالظُّهْرِ وَمَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ مَا تُؤَدَّى فِيهِ الْعَصْرُ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِالْعَصْرِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَلِذَلِكَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ» فَإِنْ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَسَارَ قَبْلَ الزَّوَالِ شُرِعَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لَهُمَا وَهُوَ إذَا كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِأَنَّ مَشَقَّةَ النُّزُولِ لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ فِي أَوْلَى الْوَقْتِ بِالصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لَهُمَا أَنْ يَبْتَدِئَ الظُّهْرَ وَالْفَيْءُ قَامَةٌ أَوْ تَنْقَضِي وَالْفَيْءُ قَامَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي بِإِثْرِهَا الْعَصْرَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ فِيهِمَا أَنْ تَنْقَضِيَ الْمَغْرِبُ وَقَدْ غَابَ الشَّفَقُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ حِينَئِذٍ ثُمَّ يُصَلِّي بِإِثْرِهَا الْعِشَاءَ وَذَلِكَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ أَجْوَزُ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ إنَّمَا ذُكِرَ لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا رَكِبَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبَعْدَ أَنْ حَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ جُوِّزَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَالْعَصْرَ فِي وَقْتِ ضَرُورَتِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الرِّفْقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النُّزُولِ فَكَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَإِذَا رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النُّزُولِ فَكَانَ نُزُولُهُ فِي الْوَقْتِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ إنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا فَقَالَا نَعَمْ فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ فَاسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا فِي وَقْتِهِمَا الْمُخْتَارِ لَهُمَا أَوْلَى وَهَذَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ عِنْدَ الرَّحِيلِ مِنْ الْمَنْهَلِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُمَا فِي ذَلِكَ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَقْتِ ارْتِحَالٍ مِنْ الْمَنْهَلِ فِي جَرْيِ الْعَادَةِ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الرُّخْصَةُ كَتَعَلُّقِهَا بِمَنْ ارْتَحَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مُعْتَادٌ لِلرَّحِيلِ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ ارْتَحَلَ مِنْ النُّزُولِ فِي سَفَرِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِاشْتِرَاكِ وَقْتَيْهِمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَنَزَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ الْعَصْرَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَالَفَ سُنَّةَ الْجَمْعِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْتَحَبِّ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إذَا لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ عِنْدَ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَحَدُّ الْإِسْرَاعِ الَّذِي شُرِعَ مَعَهُ الْجَمْعُ هُوَ مُبَادَرَةُ مَا يَخَافُ فَوَاتَهُ وَالْإِسْرَاعُ إلَى مَا يُهِمُّهُ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ إذَا جَدَّ فِي السَّفَرِ لِقَطْعِ سَفَرِهِ خَاصَّةً لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ. وَوَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» . (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَخَافَ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ إنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوْ يَخَافَ مَانِعًا مِنْ فِعْلِهَا أَوْ حُمَّى فِي وَقْتِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَأْمَنَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الطَّهَارَةِ وَالْقِيَامُ مَرَّتَيْنِ وَيَخَافُ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةَ أَلَمٍ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ خَافَ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إذَا غَرَبَتْ وَنَحْوُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ خَافَ نَافِضًا عَرَفَ وَقْتَهُ. وَقَالَ سَحْنُونَ لَا يَجْمَعُ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ وَلَا يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَّا فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا احْتِيَاطٌ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا رُبَّمَا أَدَّى إلَى تَضْيِيعِهَا وَإِذَا جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ فَبِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إذَا خَافَ عَلَى عَقْلِهِ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالتَّحَرُّكُ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ الَّتِي تَلْحَقُهُ بِمَا ذَكَرَ أَشَدُّ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُ الْمُسَافِرَ عِنْدَ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ فَإِذَا جَازَ لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَبِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ لِمَشَقَّةِ الْمَرَضِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلْجَمْعِ فَهُوَ الْمَطَرُ وَاللَّيْلُ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بِك حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ تَبُوكَ أَضَافَ الْعَامَ إلَى تَبُوكَ وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْجُودًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنَّمَا أَرَادَ غَزْوَةَ عَامِ تَبُوكَ إلَّا أَنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ وَشُهِرَ وَعُرِفَ الْمَقْصِدُ فِيهِ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِ الْغَزْوَةِ وَتَعَيَّنَ الْعَامُ بِعَامِ تَبُوكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِتَبُوكَ قِصَّةٌ تُشْهَرُ وَيُتَحَدَّثُ بِهَا إلَّا فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ فَسَّرَ بَعْضَ ذَلِكَ فَقَالَ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا جَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ فَصْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ لَا عَلَى وَجْهِ تَقْدِيمِ الْعَصْرِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُقِيمٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُ فِي الدُّخُولِ إلَى الْمَنْزِلِ أَوْ الْخِبَاءِ أَوْ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا وَهَذَا غَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الطَّرِيقِ إلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَهُ لِلسَّيْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِ هَذَا فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخُرُوجِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّرِيقِ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا بِالْأَرْضِ وَلَكِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ مَطَرٍ وَقَدْ تَعَلَّقَ أَشْهَبُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقَالَ إنَّ لِلْمُقِيمِ رُخْصَةً فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِغَيْرِ عُذْرِ مَطَرٍ وَلَا مَرَضٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ خَبَرِ الْعَيْنِ وَخَبَرِ أَنْ يَمْتَلِئَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ جِنَانًا وَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَى التَّأَدُّبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيرِ لِسَيْرِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا مُبَيَّنٌ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ كَالْمِيَاهِ وَالْكَلَأِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظُهُورَ بَرَكَتِهِ فِي مَائِهَا إذَا سَبَقَ إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُوحَى إلَيْهِ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْوُضُوءِ مِنْ مَائِهَا فَسَيَكْثُرُ مَاؤُهَا وَيَكْفِي الْمُؤْمِنِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْعَيْنُ تَبِضُّ بِشَيْءٍ فَمَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُوَطَّأِ تَبِصُّ بِالصَّادِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ وَمَعْنَاهُ تَبْرُقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ يُقَالُ بَصَّ الشَّيْءُ يَبِصُّ بَصِيصًا وَوَبَصَ يَبِصُ وَبِيصًا إذَا بَرِقَ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ تَبِضُّ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ يَنْشَعُ مِنْهَا الْمَاءُ يُقَالُ بَضَّ الْمَاءُ إذَا قَطَرَ وَسَالَ وَضَبَّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مِنْ الْمَقْلُوبِ وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ وَقَوْلُهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ يُشِيرُ إلَى تَقْلِيلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ سَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُمَا لَمَّا رَأَى مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ أُوحِيَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَكْثُرُ إذَا سَبَقَ إلَيْهِ فَأَنْكَرَ قِلَّتَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْأَلَهُمَا لَمَّا رَآهُمَا قَدْ سَبَقَا إلَيْهِ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُ فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ إذَا مَسَّ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ مَائِهَا مَا قَدْ كَانَ أُوحِيَ إلَيْهِ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَكْثُرُ مَاؤُهَا إذَا تَوَضَّأَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهُ غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمَا نَعَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا لَمْ يُقْدِمَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمَا نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مِمَّنْ عَلِمَ بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْدَمَا عَلَى ذَلِكَ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَا مُؤْمِنَيْنِ صَحِيحَيْ الْإِيمَانِ فَحَمَلَا نَهْيَهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ أَوْ نَسِيَا نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا نَعَمْ لِيَصْرِفَاهُ عَنْ أَنْفُسِهِمَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَرَادَا أَنْ يَمْنَعَاهُ مِنْ مُرَادِهِ بِإِظْهَارِ بَرَكَتِهِ وَمُعْجِزَتِهِ فِيهَا فَقَالَا نَعَمْ لِيُدْخِلَا عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ بِامْتِنَاعِ مُرَادِهِ. وَقَدْ رَوَى الدُّولَابِيُّ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِرُسُلٍ بِوَادٍ مِنْ الْمُنْتَفَقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ فَأَمَّا وَجْهُ سَبِّهِ لَهُمَا إنْ كَانَا مُنَافِقَيْنِ أَوْ عَالِمَيْنِ بِنَهْيِهِ حَامِلَيْنِ لَهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا إنْ كَانَا يَعْلَمَا بِنَهْيِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسُبَّهُمَا مَا إذَا كَانَ سَبَبًا لِفَوَاتِ مَا أَرَادَهُ مِنْ إظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَلِإِدْخَالِهِمَا الْمَشَقَّةَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا يَسُبُّ السَّاهِيَ وَالنَّاسِيَ وَيَلْحَقُهُمَا اللَّوْمُ إذَا كَانَا سَبَبًا لِفَوَاتِ أَمْرٍ مَفْرُوضٍ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ غَرَفُوا مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ جَمَعُوا مِنْ مَاءِ الْعَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ مَا أَمْكَنَهُمْ إلَى أَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُ قَدْرُ مَا غَسَلَ مِنْهُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَهَذَا نِهَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهِ فَجَرَتْ الْعَيْنُ إخْبَارٌ عَنْ الْمُعْجِزِ الْعَظِيمِ وَعَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ بَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا لِلْمُنَافِقَيْنِ وَتَصْدِيقًا لِمَا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاسْتَغْنَى النَّاسُ أَيْضًا عَنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهُ النَّاسُ وَهُمْ أَهْلُ الْجَيْشِ عَلَى كَثْرَةِ عَدَدِهِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بِك حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا إخْبَارٌ لِمُعَاذٍ بِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي لَا طَرِيقَ لِأَحَدٍ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَإِخْبَارُهُ بِذَلِكَ لِمُعَاذٍ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ مِمَّنْ اسْتَوْطَنَ الشَّامَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاتَ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَقَدْ مُلِئَ جِنَانًا وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ سَيَمْتَلِئُ جِنَانًا بِمَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُعْجِزَةٌ غَيْرَهَا لَظَهَرَتْ حُجَّتُهُ وَتَبَيَّنَ صِدْقُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ) . (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَإِنَّمَا خَصَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي خَبَرِهِ هَذَا ذِكْرَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّهُ جَرَى لَهُ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ اسْتَعْجَلَ فِيهِ بِسَبَبِ زَوْجِهِ صَفِيَّةِ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَيَعْنِي الْكَلَامَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعُذْرِ الْمَطَرِ وَأَمَّا الْخَوْفُ فَهَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمْ أَسْمَعْهُ لِأَحَدٍ وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ تَلْحَقُ بِهِ الْمَشَقَّةُ وَمَشَقَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ فَإِذَا كَانَ الْجَمْعُ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ فَبِأَنْ يَجُوزُ لِلْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ أَوْلَى وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعُذْرِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ كَالْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا يُتَوَقَّعُ مَعَ آخِرِ الصَّلَاةِ جَمَعَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ خَوْفًا يَمْنَعُ مِنْ تَكْرَارِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَالِانْفِرَادِ بِهَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا الْمُخْتَارِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فَأَمَّا الْمَطَرُ وَالطِّينُ فَلَيْسَا مِمَّا يُبِيحُ الْجَمْعَ فِي صَلَوَاتِ النَّهَارِ وَإِنَّمَا يُبِيحُهَا فِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاةِ اللَّيْلِ لِلظُّلْمَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَجْمَعُ فِي الْوَحْلِ وَالْمَطَرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظُلْمَةٌ يُرِيدُ فِي اللَّيْلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فِي حَضَرٍ لِمَطَرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا يَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْحَضَرِ لِغَيْرِ مَرَضٍ أَعَادَ الْعِشَاءَ أَبَدًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ إنْ كَانَ صَلَّاهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. وَقَدْ رَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ إلَّا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَضْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَسْجِدٌ غَيْرَهُ فَيَنْتَابُهَا عَلَى بُعْدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مَعْنَى يَلْحَقُ بِهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا فَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرَ مَالِكٍ لَهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِضَرُورَةِ الْمَطَرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ تَصَرُّفُهُمْ فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَزِرَاعَاتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَصَرِّفَاتِهِمْ فِي وَقْتِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِهِمَا فَكَرِهَ أَنْ يَمْتَنِعَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَهِيَ عِمَادُ الدِّينِ فِي أَوْقَاتِهَا الْمُخْتَارَةِ لَهَا وَلَا يَمْتَنِعُ لِأَجْلِهِ مِنْ السَّعْيِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ تَصَرُّفٍ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَى السُّكُونِ فِي مَنْزِلِهِ وَالرَّاحَةِ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَشَقَّتَهُ بِالنَّهَارِ أَخَفُّ لِأَنَّ لَهُ مِنْ ضَوْءِ النَّهَارِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْمَشْيِ وَتَوَقِّي الطِّينِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ ظَلَامِ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ لِيُرِيَ اشْتِرَاكَ الْوَقْتِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَلَيْسَ هَذَا الْجَمْعُ الَّذِي كَرِهَهُ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كَرِهَ الْجَمْعَ بِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ عَلَى حَسَبِ مَا أَجَازَهُ فِي الْعِشَاءِ وَيَحْتَمِلُ عَلَى رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْفَضِيلَةِ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْ نَهَارٍ وَلَا لَيْلٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَسْتَوِي صَلَاةُ النَّهَارِ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ فِي مَنْعِ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَغَايِرَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ صِفَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنَادَى بِالْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِوَقْتِهَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِمَنْ لَا يَجْمَعُ مَعَهُمْ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَالْمُفْطِرِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَذَانِ بِالْمَغْرِبِ فِي الْمَنَارِ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ شَيْءٌ مِنْ التَّغْيِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لَهَا بِإِثْرِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ أَذَانًا لَيْسَ بِالْعَالِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ بَعْضَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْأَذَانَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْمَسْجِدِ لِمَا شُرِعَ مِنْ الْأَذَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلِمَا فِي الْإِعْلَانِ بِهِ مِنْ التَّلْبِيسِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مَعَهُمْ فَإِنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى صُعُودِ الْمَنَارِ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِسْمَاعِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ لِلْمَغْرِبِ فَهَلْ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا ثُمَّ يُصَلِّي وَقَالَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَلَمْ تَرَ إلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُؤَخِّرُ قَلِيلًا وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ بِإِثْرِ الْأَذَانِ لَهَا وَحُكِيَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا لِيَقْرَبَ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ مَا لَمْ يَخَفْ اجْتِمَاعَ الظُّلْمَةِ وَإِضْرَارَ ذَلِكَ بِالنَّاسِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْجَمْعَ مُرْفِقٌ بِالنَّاسِ لِسُرْعَةِ الْعَوْدَةِ قَبْلَ اجْتِمَاعِ الظُّلْمَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ يُدْرَكُ بِهِ رِفْقُ الرُّجُوعِ فِي بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَعْجِيلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إثْرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَشَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ لِلْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَهَلْ يَتَنَفَّلُ أَحَدٌ مِمَّنْ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ شَاءَ تَنَفَّلَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وَجْهِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْأَذَانِ لَهُمَا لِيَتَنَفَّلَ مَنْ يُرِيدُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّنَفُّلِ وَتَقْدِيمِ الْعِشَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّفْقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي أَهْلِهِ الْمَغْرِبَ فَهَلْ يُصَلِّي مَعَهُمْ الْعِشَاءَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَغْرِبَ تُؤَدَّى فِي وَقْتِهَا بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْعِشَاءِ لِأَنَّ الْعِشَاءَ إنَّمَا تَقَدَّمَ لِلتَّخْفِيفِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ كَاَلَّذِي صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْمَسْجِدِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعِشَاءِ إنَّمَا أُبِيحَ لِحُكْمِ الْجَمْعِ فَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِالْجَمْعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ لَوُصِفَ بِتَقْدِيمِ الْعِشَاءِ خَاصَّةً فَإِذَا فَاتَ مَعْنَى الْجَمْعِ امْتَنَعَ تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ فَإِنْ صَلَّاهَا مَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ قَالَ أَصَبْغُ وَابْنُ الْحَكَمِ لَا يُعِيدُهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اشْتِرَاكِ الْوَقْتِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الشَّفَقِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي أُبِيحَ لَهَا تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الشَّفَقِ قَدْ فَاتَتْهُ فَيَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فَيُصَلِّيهَا بَعْدَ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ الشَّفَقِ لِأَنَّ إدْرَاكَ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ أَعْظَمُ مِنْ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. (ش) : جَمْعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَعَ الْأُمَرَاءِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْجَمْعَ فِي الْمَطَرِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَجْمَعُ مَعَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي جَوَازِهِ وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَّا مَرَّةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ السَّفَرَ وَكَانَ يَجْمَعُ فِي الْمَطَرِ لِئَلَّا تَفُوتَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الطِّينِ وَالظُّلْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْجَمْعُ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ظُلْمَةٌ أَوْ كَانَ الْمَطَرُ الْمُضِرُّ وَلَمْ يَكُنْ وَحْلٌ وَلَا ظُلْمَةٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَشَاقُّ تَمْنَعُ التَّعْتِيمَ بِالصَّلَاةِ فَأُبِيحَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الِانْصِرَافُ مِنْهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ ضَوْءِ الشَّفَقِ مَا يُخَفِّفُ الْمَشَقَّةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجْمَعُ مَعَهُمْ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ جِدًّا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَمْرٍو يَجْمَعُ مَعَهُمْ الْمُنْعَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا هُوَ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَيَسْتَوِي فِي فَوَاتِ ذَلِكَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَمَنْ قَرُبَتْ وَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ فِي الْمَسْجِدِ. (ش) : قَوْلُ سَالِمٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ وَتَمْثِيلُهُ ذَلِكَ بِصَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ جَوَابٌ هَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتَصَرَ بَعْضَ السُّؤَالِ وَلَعَلَّ السَّائِلَ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِثْرِ الزَّوَالِ لِمَعْنًى يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ الرَّحِيلِ مِنْ الْمَنْزِلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَعْلَمُهُ سَالِمٌ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَائِزٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَلَى وَجْهِ

[قصر الصلاة في السفر]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ) . قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَا ابْنَ أَخِي إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّرُورَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ إلَى وَقْتِهَا عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ وَعِلَّةُ الْجَمْعِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِعَرَفَةَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَشُرِعَ تَقْدِيمُهَا لِذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ عَامَّةً وَأَصْلُهَا لِلشَّرِيعَةِ لَحِقَتْ بِالْوَاجِبِ وَأَمَّا عِلَّةُ الْمُسَافِرِ بِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ بِالنُّزُولِ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهِيَ عِلَّةٌ غَيْرُ عَامَّةٍ وَلَكِنَّهَا شَائِعَةٌ وَهِيَ الرِّفْقُ بِالْإِنْسَانِ دُونَ التَّفَرُّغِ لِلشَّرِيعَةِ فَأَوْجَبَتْ الْإِبَاحَةَ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ نِهَايَةُ سَفَرِهِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ بَعِيدًا فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَاسْتَوْعَبَ يَوْمَهُ بِالسَّيْرِ وَأَقْوَالُ أَصْحَابِنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ شِدَّةِ السَّيْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَرَ قَصْرٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِسَفَرِ الْقَصْرِ. [قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَالْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا نَصُّ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّائِلَ إمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْقَصْرُ ثُمَّ طَرَأَ نَسْخُ ذَلِكَ بِالتَّمَامِ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَصْلَهَا التَّمَامُ ثُمَّ طَرَأَ نَسْخُ ذَلِكَ بِالْقَصْرِ فَأَمَّا اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ فَبَيِّنٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَأَنَّ النَّسْخَ طَرَأَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فَعَلَّقَ حُكْمَ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ وَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَصَلَاةُ سَفَرِ الْأَمْنِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ أَيْنَ أَخَذُوا قَصْرَهَا وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ الْقَصْرُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ النَّسْخُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ خَصَّ بِالْقَصْرِ لِلْخَوْفِ ذَلِكَ الْعُمُومَ فَبَقِيَتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ الْآمَنِ عَلَى حُكْمِ عُمُومِ الْإِتْمَامِ. (فَصْلٌ) : وَصَلَاةُ الْخَوْفِ الَّتِي عَنَاهَا السَّائِلُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّمَا هِيَ صَلَاةُ السَّفَرِ لِلْخَائِفِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فَوَجَدَ قَصْرَ الصَّلَاةِ لِلْخَائِفِ الْمُسَافِرِ فِي الْآيَةِ وَلَمْ يَجِدْ قَصْرَ الصَّلَاةِ لِلْآمَنِ الْمُسَافِرِ وَفِي الْوَاضِحَةِ لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] أَنَّ مَعْنَى قَصْرِهَا فِي الْخَوْفِ التَّرْتِيبُ وَتَخْفِيفُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ. (قَالَ) الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْآيَةِ الْقَصْرُ الْمَعْرُوفُ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عُمَرُ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَتَأْوِيلُ عُمَرَ وَابْنِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدِ اللَّهِ وَالسَّائِلِينَ لَهُمَا أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ الَّذِي هُوَ رَدُّ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أُقِرَّ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْأَمْنِ. (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا سَمَّاهَا السَّائِلُ صَلَاةَ الْخَوْفِ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ الْقَصْرِ عِنْدَهُ بِالْخَوْفِ وَلَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةَ السَّفَرِ الْمُطْلَقِ فَلِذَلِكَ طَلَبَ حُكْمَهُ وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِنَا فِي الْآيَةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّ اللَّهَ بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا يُرِيدُ وَلَا نَعْلَمُ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ وَلَا مَا يَجِبُ مِنْ صِفَاتِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالشَّرْعِ دُونَ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ يُرِيدُ أَنَّ قَصْرَهُمْ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ آمِنِينَ مِمَّا ائْتَسَوْا فِيهِ «بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَإِنْ لَمْ تَكُنْ آيَةُ الْقَصْرِ تَتَنَاوَلُهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» ) . (ش) : قَوْلُهَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ بِمَا نَزَلَ بِمَكَّةَ ثُمَّ طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّسْخُ بِالتَّمَامِ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ وَبَقِيَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ أَوْ مُبَاحٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُونَ إنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَصْرَ وَاجِبٌ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ رُبَاعِيَّةٌ رُدَّتْ بِالتَّغْيِيرِ إلَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ فَرْضَهَا كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَدْخُلُ خَلْفَ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ فَلَوْ كَانَ فَرْضُهُ الْقَصْرَ لَمَا جَازَ لَهُ الْإِتْمَامُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُوَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ تَمَامُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ بَعْدَ مَقْدِمِهِ بِشَهْرٍ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ النَّسْخَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا زِيدَ فِيهَا فَبَلَغَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقَدْ مَنَعَتْ زِيَادَةُ الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَتَانِ صَلَاةً بِانْفِرَادِهِمَا فَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ تُرِيدُ أَنَّهَا بَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ مِنْ وُجُوبِ كَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْفَرْضُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الْقَصْرَ سُنَّةٌ فَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُ إنَّمَا أُقِرَّتْ صَلَاةُ الْقَصْرِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فَيَكُونُ إقْرَارُهَا بِمَعْنَى الِاجْتِزَاءِ وَالْجَوَازِ لَا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ وَيَكُونُ الْوُجُوبُ مَنْسُوخًا وَيَكُونُ الْقَصْرُ فِي الْحَضَرِ مَنْسُوخًا وُجُوبُهُ وَجَوَازُهُ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ فِي الْجَوَازِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ عِنْدِي ظَاهِرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَسْفَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: سَفَرُ عِبَادَةٍ كَالْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَسَفَرٌ مُبَاحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَاتِ وَسَفَرٌ مَكْرُوهٌ كَسَفَرِ الصَّيْدِ لِلَذَّةٍ وَسَفَرُ الْمَعْصِيَةِ، فَأَمَّا سَفَرُ الْغُرْبَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَصْرَ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَأَمَّا السَّفَرُ الْمُبَاحُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَنْعُ ذَلِكَ إلَّا فِي سَفَرِ الْعِبَادَةِ

[ما يجب فيه قصر الصلاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْتَ أَبَاكَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي السَّفَرِ فَقَالَ سَالِمٌ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ بِذَاتِ الْجَيْشِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْعَقِيقِ) . مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سَفَرٌ لَمْ يُحْظَرْ فِي مَسِيرِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَشُرِعَ فِيهَا الْقَصْرُ كَسَفَرِ الْعِبَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ فَقَالَ مَالِكٌ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمُتَصَيِّدِ لِلَذَّةٍ أَنَا لَا آمُرُهُ بِالْخُرُوجِ فَكَيْفَ آمُرُهُ بِالْقَصْرِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ مُبَاحٍ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ الْقَصْرُ كَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ تَنَاوُلُ النِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فِيهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى يُتَرَخَّصُ بِهِ فِي سَفَرِ الطَّاعَةِ فَجَازَ أَنْ يُتَرَخَّصَ بِهِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رِوَايَتِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ تُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ قُلْتُ لِعُرْوَةِ فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَقِيلَ تَأَوَّلَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخَلِيفَةُ وَأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَمُرُّ فِيهِ فَهُوَ قُطْرُهُ وَأَنَّ مَنْ فِيهِ مُلْتَزِمٌ لِطَاعَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيطَانِهِ فِيهِ فَحُكْمُهُ لِذَلِكَ أَنْ يُتِمَّ وَتَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ كُلَّ نُزُلٍ تَنْزِلُهُ فَهُوَ مَنْزِلٌ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ كَانَ حُكْمُهَا لِذَلِكَ أَنْ تُتِمَّ. وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامَةِ تَأْثِيرًا فِي أَحْكَامِ الْإِتْمَامِ كَمَا لَهَا تَأْثِيرٌ فِي إمَامَةِ الْجُمُعَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُ الْإِمَامِ يَمُرُّ بِمَوْضِعِ جُمُعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ غَيْرَ أَنَّ «عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سَافَرَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ اعْتَقَدَا فِي ذَلِكَ التَّخْيِيرَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَآثَرَا الْإِتْمَامَ وَتَأَوَّلَا أَفْعَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَصْرِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ كَالْفِطْرِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ السُّنَّةَ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ سُنَّةُ صَاحِبَيْهِ» وَلَكِنْ حَدَثَ طَغَامٌ مِنْ النَّاسِ فَخِفْتُ أَنْ يَنْسَوْا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا أَتَمَّا بِمِنًى بَعْدَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ مُدَّةَ الْإِتْمَامِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ لِمَنْ احْتَسَبَ فِي الْقَصْرِ بِالْخُرُوجِ خَاصَّةً دُونَ الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا غَيْرُ هَذَا مِنْ وُجُوهِ الْإِتْمَامِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : سُؤَالُهُ عَنْ أَشَدِّ مَا رَآهُ أَخَّرَ أَبُوهُ الْمَغْرِبَ مِنْ الْوَقْتِ لِيَعْرِفَ بِذَلِكَ آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَأَخْبَرَهُ سَالِمٌ بِمَا شَاهَدَ مِنْ فِعْلِهِ وَعَلِمَ ذَلِكَ بِمَوْضِعَيْنِ لَا يَعْرِفُ مِقْدَارَ التَّأْخِيرِ إلَّا مَنْ عَرَفَ مَا بَيْنَهُمَا وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ سَيْرِ مَنْ جَدَّ فِي السَّيْرِ. [مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا خَصَّ سَفَرَهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَدْرُ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ. وَالثَّانِي: قَدْرُ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَشْرَعُ فِي الْقَصْرِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصْبِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا فَأَمَّا قَدْرُ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ السَّفَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحَجِّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَقَلِّ مَقَادِيرِ سَفَرِ الْقَصْرِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ سَفَرِ الْقَصْرِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْهُ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَهُ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ فِي الْغَالِبِ هُوَ مَا يُسَارُ فِيهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ تَرْكَ التَّحْدِيدِ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اللَّفْظَ إلَى لَفْظٍ هُوَ بَيِّنٌ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَتُقْصَرُ فِي أَرْبَعِينَ مِيلًا وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ الْقَصْرُ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ قَصَرَ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ أَعَادَ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ دَاوُد إنْ سَافَرَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَصَرَ الصَّلَاةَ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ وَطَوِيلِهِ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ لِهَذَا الْمِقْدَارِ وَجَعَلَهُ سَفَرًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجَ إلَى الْمَوْضِعِ الْقَرِيبِ دُونَ ذِي مَحْرَمٍ فَإِذَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدًّا لِلسَّفَرِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ وَيُحَدَّدُ مِنْهُ قِيَاسًا فَنَقُولُ إنَّهُ سَفَرٌ لَا تَخْرُجُ فِيهِ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْقَصْرِ أَصْلُهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي الْمِيلِ وَالْمِيلَيْنِ أَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ لَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِقَطْعِهَا غَالِبًا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمُ الْقَصْرِ كَالْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْمَسَافَةِ فِي الْبَرِّ فَإِنَّ حُكْمَ الْبَحْرِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْبَرِّ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ فِي بِرٍّ وَبَحْرٍ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ بِاتِّصَالِ الْبَرِّ مَعَ الْبَحْرِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَرِّ مَسَافَةُ قَصْرٍ وَكَانَ الْمَرْكَبُ لَا يَبْرَحُ إلَّا بِالرِّيحِ فَلَا يَقْصُرُ فِي الْبَرِّ حَتَّى يَرْكَبَ فِي الْبَحْرِ وَيَبْرُزَ عَنْ الْمَرْسَى وَإِنْ كَانَ يَجْرِي بِالرِّيحِ وَغَيْرِهَا فَلْيَقْصُرْ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ بِالْبِرِّ فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى مَسِيرَةِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَحُكْمُهُ الْقَصْرُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ عَزْمِهِ وَهَذَا مُتَيَقَّنٌ لِلسَّفَرِ عَازِمٌ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُهُ الْقَصْرَ انْتِظَارُ الرِّيحِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فِي الْبَحْرِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْعَزْمُ عَلَى اتِّصَالِ السَّيْرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصْبِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) . (ش) : قَدْ رَوَى عُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ رِيمَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِينَ مِيلًا وَكَذَلِكَ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ وَمَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَوْلَى وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ لِتَكَرُّرِهِ عَلَيْهِ وَنَشْأَتِهِ بِهِ وَإِخْبَارِهِ بِمَسَافَتِهِ إخْبَارَ مَنْ يَرُوحُ إلَيْهِ وَيَغْدُو مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَقَلِّ مَقَادِيرِ الْقَصْرِ وَإِنَّمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَإِنَّمَا يُخْبِرُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِمَا يُشَاهِدُ مِنْ ذَلِكَ وَتَخْتَلِفُ عِبَارَاتُهُمْ فَبَعْضُهُمْ يَحُدُّ مَا رَوَاهُ بِالْمَسَافَةِ وَبَعْضُهُمْ بِالزَّمَانِ وَبَعْضُهُمْ بِالْأَمْيَالِ وَيَعُودُ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَبَيْنَ مُبْتَدَأِ سَفَرِهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُبْتَدَأَ سَفَرِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ اسْتِيطَانِهِ وَالْقَصْرُ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِالسَّفَرِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ مَرَضٍ وَلَا سِوَاهُ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ مَالِكٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْيَوْمَ التَّامَّ هُوَ أَنْ يَقْطَعَ جَمِيعَهُ بِجَدِّ السَّيْرِ وَلَا يُقَالُ فِي عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَإِنْ مَشَاهَا فِي جَمِيعِ يَوْمِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الصَّيْفِ لِلرَّجُلِ الْمُجِدِّ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْإِشَارَةَ إلَى اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَصِيرَ الْمَسَافَةِ كَالْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا وَصَفَ خُرُوجَهُ مَعَهُ إلَى الْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ سَفَرًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالْإِمْتَاعِ فَأَمَّا أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ حَقِيقَةً فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَا وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عِنْدَهُمْ اسْمُ السَّفَرِ عَلَى طَوِيلِ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْقَائِلَ لَوْ قَالَ سَافَرَ زَيْدٌ لَمَا فُهِمَ مِنْهُ الْخُرُوجُ إلَى مَسِيرَةِ الْمِيلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَلَا فُهِمَ مِنْهُ إلَّا السَّفَرُ وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَى طَوِيلِ الْمَسَافَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَفْظُ نَافِعٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ فَيُحْتَجَّ بِلَفْظِهِ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَتْ فِي نُطْقِهِ لُكْنَةٌ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيَّ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ الَّتِي ذَكَرَ هِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ أَوْ نَحْوُهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ أَفْعَالَ الصَّحَابَةِ وَكَثَّرَ مِنْهَا لَمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ تَوْقِيتٌ عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَشُهْرَةِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمْ وَتَكَرُّرِهِ مِنْهُمْ وَعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا إلَى أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي اعْتِبَارِ مَسَافَةٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ دُونَهَا وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَسَافَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِنِيَّةِ عَزْمٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَزْمُهُ عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ مِثْلَ أَنْ يَمُرَّ بِمَنْزِلِ رَفِيقِهِ فَإِنْ خَرَجَ سَافَرَ مَعَهُ وَإِنْ أَقَامَ لَمْ يُسَافِرْ فَهَذَا لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْعَزْمُ عَلَى السَّفَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِسَيْرٍ مُتَّصِلٍ قَصَرَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ سَيْرًا مُتَّصِلًا وَنَوَى فِي أَثْنَائِهِ مُقَامًا لَا يُتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي جَمِيعِ سَفَرِهِ وَإِنْ نَوَى مُقَامًا يُتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ ذَلِكَ كَوَطَنِهِ يُرَاعَى مَا قَبْلَ الْمُقَامِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ لَا يَقْصُرُ إلَّا فِي مُقَامِهِ وَجَعَلَ مَا قَبْلَ مُقَامِهِ وَمَا بَعْدَهُ مَسَافَةً وَاحِدَةً. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا مَا تَتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ فَأَتَمَّ فِيهِ الصَّلَاةَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَسَافَةَ كُلَّهَا مَسَافَةُ قَصْرٍ فِي حَقِّهِ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ وَلَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُدُنِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْقُرَى الَّتِي لَا يُجْمَعُ فِيهَا فَحَتَّى يُجَاوِزَ بَسَاتِينَهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَزَارِعِهَا. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْقَرْيَةِ فَلَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ الِاسْتِيطَانِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُ الِاسْتِيطَانِ الْبُيُوتُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَا فِي الْمُقَامِ وَيَعْتَبِرَ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا فِي السَّفَرِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ النُّزُولُ مِنْهُ إلَى الْجُمُعَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَطَنِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَيْنَ

[صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا]

صَلَاةُ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُيُوتِ فِي الْبَرِّ وَأَمَّا فِي الْبَحْرِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا جَاوَزَ الْبُيُوتَ وَرَفَعَ فَلْيَقْصُرْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ خَرَجَ فِي سَفَرٍ فَقَصَرَ فَلَمَّا سَارَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ بَرِيدًا مِنْ مَنْزِلِهِ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَمَرُّهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْزِلِهِ قَالَ مَالِكٌ يُتِمُّ مِنْ حِينِ أَخَذَ فِي الرُّجُوعِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَسْكَنَهُ ثُمَّ يَنْفَصِلُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ أَهْلَهُ وَهُوَ كَمَنْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ الدُّخُولَ إلَى مَسْكَنِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ مَسْكَنِهِ وَمَوْضِعٍ نَوَى مِنْهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ فَجَعَلَ الْإِتْمَامَ يَثْبُتُ فِي الرُّجُوعِ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّقْصِيرُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي الْخُرُوجِ حُكْمَ الْقَصْرِ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْبُيُوتِ ثُمَّ جَعَلَ حُكْمَ الْقَصْرِ فِي الرُّجُوعِ بِقُرْبِ الْبُيُوتِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى الْبُيُوتِ وَهَذَا آخِرُ الْمَوْضِعِ الَّذِي فَارَقَ فِيهِ حُكْمَ الْإِتْمَامِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْإِتْمَامِ مُغَلَّبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِ سَفَرِهِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَانْتَقَلَ مِنْ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَإِذَا نَوَى السَّفَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ لَمْ تَنْتَقِلْ نِيَّتُهُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَهَا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ مَنْزِلَهُ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقْصُرُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِالْقَصْرِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَارِبَ الدُّخُولَ. وَالثَّانِي: أَنْ يُقَارِبَ الْبُيُوتَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ مُقَارِبَ الْبُيُوتِ هُوَ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ وَأَمَّا مُقَارَبَةَ الدُّخُولِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِالْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ دُخُولُهُ لِمَعْنًى يُوجِبُ بَقَاءَهُ بِهَا وَيُؤَخِّرُ دُخُولَهُ. [صَلَاةُ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا] (ش) : وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي يَقْصُرُ الصَّلَاةَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِئًا لِسَفَرِهِ أَوْ مُسْتَدِيمًا لَهُ فَإِنْ كَانَ مُبْتَدِئًا لِسَفَرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ فَأَمَّا النِّيَّةُ فَأَنْ يَنْوِيَ الْبُلُوغَ إلَى غَايَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُبْتَدَإِ سَفَرِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اتِّصَالِ السَّيْرِ وَانْفِصَالِهِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَبْرُزَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَجَاوَزَهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَأَمَّا الْمُسْتَدِيمُ لِسَفَرِهِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ سَفَرِهِ وَالْمُسْتَقْبَلِ مِنْهُ فَاصِلٌ مُتَيَقَّنٌ وَالْفَاصِلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرِدَ عَلَى مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَيَنْزِلَ فِيهِ أَوْ يَشُقَّ بُيُوتَهُ فَيَجِبَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا وَيَفْصِلُ بَيْنَ مَاضِي سَفَرِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَدِيمًا لِسَفَرِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُجْمِعَ عَلَى مُقَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَإِنَّهُ فَاصِلٌ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ سَفَرِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ وَمُخْرِجٌ لَهُ عَنْ حُكْمِ الْمُسَافِرِ وَمَانِعٌ لَهُ مِنْ الْقَصْرِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ سَفَرَ قَصْرٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا أَخَذْتُهُ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ نَوَى سَفَرَ قَصْرٍ عَلَى أَنْ يُقِيمَ فِي أَثْنَائِهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي اخْتِلَافِ قَوْلِ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَقَامَ بِمَوْضِعٍ مُدَّةَ الْإِتْمَامِ فَهَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ حُكْمُ الْوَطَنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَوْطَنَهَا ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُحْفَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيَهَا بِصَلَاتِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعْتَمِرًا فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ مَالِكٌ يُتِمُّ الصَّلَاةَ كَأَنَّ مَكَّةَ صَارَتْ لَهُ وَطَنًا وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَهُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ وَمَعْنَى اسْتِيطَانِهِ لَهَا أَنَّهُ أَقَامَ بِهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ مُدَّةَ الْإِتْمَامِ وَلَمْ يَقُمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ يُتِمُّ إذَا عَادَ إلَيْهَا لِأَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ الْقَصْرِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يُتِمُّ إذَا عَادَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالْوَطَنِ لَهُ يُتِمُّ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يُتِمُّ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْهَا وَطَنًا وَإِنَّمَا أَتَمَّ بِهَا أَوَّلًا لِطُولِ الْمُقَامِ بِهَا فَبِخُرُوجِهِ عَنْهَا إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ يَبْطُلُ حُكْمُ الْمُقَامِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ إلَيْهَا وَلَوْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ لَا يَقْصُرُ فِيهَا لَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْإِتْمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْقَصْرِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَاعِي فِيهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ كَامِلَةٍ قَالَ عَنْهُ عِيسَى وَلَا يَعْتَدُّ بِيَوْمِ دُخُولِهِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي أَوَّلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ إذَا نَوَى مُقَامَ زَمَانٍ تَجِبُ فِيهِ عِشْرُونَ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ حُكْمُ الْمُقَامِ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْأَيَّامِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِهَا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَيَّامِ مِنْ أَجْلِ الصَّلَوَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذْ نَوَى الْمُقَامَ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا نَافِلَةً رَكْعَتَيْنِ وَيَسْتَأْنِفُ فَرْضَهُ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ صَلَاتَهُ بِنِيَّةٍ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَهَا وَهَذَا إنَّمَا أَحْرَمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَصَلَّاهَا أَرْبَعًا أَجْزَأَتْهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى إحْرَامِهِ وَيُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَتُجْزِئُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ رَكْعَةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَشْفَعَهَا بِرَكْعَةٍ وَيَجْعَلَهَا نَافِلَةً ثُمَّ يُصَلِّي فَرْضَهُ أَرْبَعًا. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى تَكُونُ فَرْضَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ لَزِمَهُ حُكْمُ السَّفَرِ فَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً وَيَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَلَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَهَا وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ تَمَادَى عَلَيْهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى السَّفَرَ بَعْدَ أَنْ نَوَى الْمُقَامَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ فَقَدْ أَجْزَأَهُ مَا صَلَّى مِنْ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتَنِفَ الْقِصَارَ بِرُجُوعِ نِيَّتِهِ إلَى السَّفَرِ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونَ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَظْعَنَ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا كَانَ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا رَجَعَ عَنْهُ بِمَا نَوَى مِنْ الْمُقَامِ فَإِذَا نَوَى السَّفَرَ رَجَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ السَّفَرُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِهَا عَامِلَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى اقْتِرَانِ الْعَمَلِ بِهَا فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالْمَوْضِعِ فِي الْمُقَامِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونَ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ لَا تُوجِبُ الْقَصْرَ حَتَّى يُقَارِنَهَا الْعَمَلُ وَالْخُرُوجُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ السَّفَرَ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا يُرِيدُ مَا لَمْ أَنْوِ الْمُقَامَ مُدَّةً تَمْنَعُ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِمَنْزِلٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْوِي فِي كُلِّ يَوْمٍ الِانْتِقَالَ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ مَانِعٌ وَلَا يَدْرِي مَتَى يَنْتَقِلُ فَإِنَّ هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيَهَا بِصَلَاتِهِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَنْوِي إقَامَتَهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَنْوِي كُلَّ يَوْمٍ السَّفَرَ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ

[صلاة المسافر إذا أجمع مكثا]

صَلَاةُ الْمُسَافِرِ إذَا أَجْمَعَ مُكْثًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مَنْ أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةٍ أَرْبَعَ لَيَالٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إلَيَّ) . صَلَاةُ الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ إمَامًا وَوَرَاءَ إمَامٍ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ إمَامٍ فَيُصَلِّيَهَا بِصَلَاتِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ وَرَاءَ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَ الْمُقِيمِ إلَّا لِمَعَانٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي ائْتِمَامِهِ بِهِ تَغْيِيرَ صَلَاتِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُعِيدُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يُتِمُّ الْمُسَافِرُ وَحْدَهُ وَلَا خَلْفَ إمَامٍ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إلَّا فِي جَوَامِعِ الْمُدُنِ وَأُمَّهَاتِ الْحَوَاضِرِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَصْرَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ آكَدُ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِ الْقَصْرِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي تَفْضِيلِ الْجَمَاعَةِ وَلَا تُعَادُ صَلَاةٌ أُدِّيَتْ بِفَضِيلَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا لِفَضِيلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْإِتْمَامَ بِالْإِمَامِ مُسْتَحَبٌّ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَغْيِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْعَدَدِ فَإِنْ أَدَّى إلَى ذَلِكَ كَانَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الْأُمَرَاءَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ طَاعَتِهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ الِانْفِرَادِ بِالصَّلَاةِ دُونَهُمْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارَ الْخِلَافِ عَلَيْهِمْ. (فَرْعٌ) وَمِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تُبِيحُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْمُقِيمِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُضُورِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي جَوَامِعِ الْأَمْصَارِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْزِلُ لِلْمُقِيمِ أَوْ يَكُونَ أَسَنَّهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ مُسَافِرُونَ وَحَاضِرُونَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُسَافِرِينَ أَحَدُهُمْ وَالْحَاضِرِينَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ أَمَّهُمْ كُلَّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ مُسَافِرٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْأُمَرَاءِ وَحَيْثُ يَكُونُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسَافِرِ لَا يُوجِبُ تَغْيِيرَ صَلَاةِ مَنْ وَرَاءَهُ وَتَقْدِيمُ الْمُقِيمِ يُوجِبُ تَغْيِيرَ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. [صَلَاةُ الْمُسَافِرِ إذَا أَجْمَعَ مُكْثًا] (ش) : وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَجْمَعَ إقَامَةً أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ مُقِيمٌ لِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْإِقَامَةِ لِمَنْ نَوَاهَا مَا بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يُجْمِعَ مُقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمُهَاجِرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنِعَ مِنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ وَأُبِيحَ لَهُ الْمُقَامُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ مَا زَادَ عَلَيْهَا فِي الْمُقَامِ. وَقَدْ رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثٌ لِلْمُهَاجِرِ بَعْدَ الصَّدْرِ» . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْأَسِيرِ فَقَالَ مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ مُسْتَوْطِنٌ وَظَاهِرُ أَمْرِهِ الْمُقَامُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْطَعُ بِمُقَامِهِ وَإِنَّمَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ عَلَى مَا يَظْهَرُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ وَقَدْ يَطْرَأُ مَا يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْأَسِيرُ فَإِنَّمَا مُقَامُهُ وَسَفَرُهُ بِاخْتِيَارِ مَنْ يَمْلِكُهُ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُعْتَبَرَةً فِي إتْمَامِهِ وَقَصْرِهِ بِمَا يَظْهَرُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ. [صَلَاةُ الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ إمَامًا وَوَرَاءَ إمَامٍ] (ش) : قَوْلُهُ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يَسْتَوْطِنُ مَكَّةَ وَإِنْ أَقَامَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِأَنَّ الْمُهَاجِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِيطَانِهَا لِأَنَّهَا قَدْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَجَرَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ حُكْمُهُ فِيهَا حُكْمَ الْمُسَافِرِ وَكَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْتَحِقَّ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يَأْتِي مِنْهَا بِمَا شُرِعَ فِي حَقِّهِ وَكَانَ يُلْزِمُ الْجَمِيعَ اتِّبَاعُهُ فِيهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ طَاعَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الْخِلَافِ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، أَمْرٌ لِلْمُقِيمِينَ خَاصَّةً بِأَنْ يُتِمُّوا صَلَاتَهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُهُمْ وَإِعْلَامٌ لَهُمْ وَلِمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ بِأَنَّ حُكْمَهُمْ الْقَصْرُ لِأَجْلِ سَفَرِهِمْ وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ صَلَّى صَلَاةَ مُسَافِرٍ فَإِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ مَعَهُ الْمُسَافِرُونَ ثُمَّ يَقُومُ الْمُقِيمُونَ فَيُتَيِّمُونَ بَعْدَهُ أَفْذَاذًا كَمَا لَوْ سَبَقَهُمْ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا يَجِبُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَتَرْكِ إظْهَارِ الْخِلَافِ لَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ مُعْتَقِدٌ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْخِلَافِ لَهُ وَإِنَّمَا يُتِمُّ الْمُسَافِرُ بِإِتْمَامِ إمَامِهِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً وَدَخَلَ مَعَهُ فِي جُلُوسٍ أَوْ سُجُودٍ مِنْ آخِرِ رَكْعَةٍ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قَصْرُهَا وَالْإِمَامُ الَّذِي كَانَ يُتِمُّ بِمَكَّةَ هُوَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَحِبْتُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِالسَّفَرِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إتْمَامَ عُثْمَانَ بِمِنًى حَمَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ وَرَاءَهُ مُقَامًا يَمْنَعُهُ الْقَصْرَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بِأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِيمُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى مُدَّةً تُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَأَقَامَ بِهَا عُثْمَانُ مُدَّةً تُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ مَسَافَةَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ إذَا انْفَصَلَتْ مِمَّا قَبْلَهَا مِنْ السَّفَرِ لَا تُبِيحُ الْقَصْرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ عُثْمَانَ لَا يَتَعَمَّدُ خِلَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ تَأَهَّلَ بِمِنًى فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِهَذَا الْوَجْهِ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا أَتَمَّ لِأَنَّهُ أَزْمَعَ الْمُقَامَ بَعْدَ الْحَجِّ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَمْرٌ أَوْجَبَ مُقَامَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِضَرُورَةٍ دَفَعَتْهُ إلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّذِي يُقِيمُ بِمِنًى لِيَخِفَّ النَّاسُ فَلْيُتِمَّ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرُ هَذَا مِنْ وُجُوهِ الْإِتْمَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ جَمِيعِ الْحَاجِّ بِمِنًى الْقَصْرُ غَيْرَ أَهْلِهَا وَكَذَلِكَ عَرَفَةُ يَقْصُرُ بِهَا جَمِيعُ الْحَاجِّ غَيْرَ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْمَكِّيِّ الْقَصْرُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِنًى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ مَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنَّ عَمَلَ الْحَاجِّ لَا يَنْقَضِي إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعَ الِانْتِقَالِ اللَّازِمِ فِيهِ وَالْمَشْيِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ فَجَرَى فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْمَشْيِ الدَّائِمِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ بِمَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ يَلْحَقُهُ بِهَا مِنْ التَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ تِلْكَ أُمُورٌ لَا يَلْزَمُ التَّمَادِي فِيهَا بِالشُّرُوعِ وَأَفْعَالُ الْحَجِّ يَلْزَمُ التَّمَادِي فِيهَا بِالشُّرُوعِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ الرُّجُوعُ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ مِقْدَارَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيَلْزَمُ بِالدُّخُولِ فِيهِ الْقَصْرُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْ خَرَجَ إلَى سَفَرِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلًا أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلًا لِأَنَّ رُجُوعَهُ هُنَاكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَرُجُوعَهُ إلَى مَكَّةَ فِي الْحَجِّ لَازِمٌ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ فِيهَا بِمَسَافَةِ سَفَرِهِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْحَاجَّ مِنْ مَكَّةَ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَ الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ فَصَارَ سَفَرُهُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ يَجْمَعَ عَلَى مَسِيرِهِ مِقْدَارَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَسْفَارِ كَانَ سَفَرُ الْخَارِجِ فِيهَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِالرُّجُوعِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لَا يَدْخُلُ فِيهِمَا الْعَرَفِيُّ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَتَوَجَّهَ إلَى مِنًى وَمَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْوِي مَسَافَةَ قَصْرٍ وَلَا يَلْزَمُهُ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَهْلِ مِنًى وَعَرَفَةَ يُفِيضُونَ يَقْصُرُ الْعَرَفِيُّ وَيُتِمُّ الْمُنَاوِيُّ إلَى مِنًى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَاوِيَّ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ فِي

[صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا) . صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مَعَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي السَّفَرِ شَيْئًا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا إلَّا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسَافَةِ الْإِتْمَامِ وَالْعَرَفِيُّ يَفِيضُ مِنْ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ لِإِتْمَامِ حَجِّهِ فَيَقْصُرُ فَإِذَا دَفَعَ مِنْ مِنًى بَعْدَ انْقِضَاءِ حَجِّهِ لَمْ يَقْصُرْ إلَى عَرَفَةَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَنْوِيِّينَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مَكَّةَ بِالْمُحَصَّبِ أَوْ تَأَخَّرُوا بِمِنًى لِزِحَامٍ وَنَحْوِهِ فَلْيُتِمُّوا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَى آخِرِ الْقَوْلَيْنِ رَجَعَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى الْإِتْمَامِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي إنَّمَا اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لِاخْتِلَافِ قَوْلَيْهِمَا فِي التَّحْصِيبِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مَشْرُوعٌ فَحُكْمُهُمَا الْقَصْرُ لِأَنَّهُمَا قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَهُمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِمَا وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعِ فَحُكْمُهُمَا الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقْصُرَ الْمُنَاوِيُّ فِي رُجُوعِهِ إلَى مِنًى مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ عَمَلٌ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا) . (ش) : قَوْلُهُ فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدَّمَهُ صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَنْزِلَ مَنْزِلُهُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَلِيلِ أَنَّهُ يُعَادُ فِي مَنْزِلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَهُ لِلصَّلَاةِ لِفَضْلِهِ خَاصَّةً مَعَ تَمَكُّنِ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَدَّمَهُ مَعَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ الصَّلَاةِ بِهِمْ وَالْأَصْلُ فِي الْإِمَامَةِ فِي الْمَنْزِلِ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ. وَقَدْ صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِقَوْمٍ مُقِيمِينَ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا زَارَ الْمُقِيمِينَ فِي رِحَالِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوهُ. [صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ] (ش) : وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ التَّنَفُّلَ بِالنَّهَارِ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا وَيَقُولُ لَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت يَعْنِي لَوْ كَانَ التَّنَفُّلُ مُطْلَقًا لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَوْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اقْتِدَاءً بِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ «لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ» فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ تَنَفَّلَ بِالنَّهَارِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَرَآهُ يَتَنَفَّلُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَكَانَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ تَنَفُّلِ الْمُسَافِرِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعَلَى الْأَرْضِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا رَأَتْهُ يُصَلِّي فِي فَتْحِ مَكَّةَ ضُحًى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ» وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا زَمَانٌ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِيهِ فِي الْحَضَرِ فَجَازَ التَّنَفُّلُ فِيهِ فِي السَّفَرِ كَزَمَانِ اللَّيْلِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ) . (ش) : لَيْسَ فِي ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَا مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ تَنَفُّلِهِمْ فِي السَّفَرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ مَعِينٍ وَإِنَّمَا نَفَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ التَّنَفُّلَ فِي وَقْتٍ مَعِينٍ غَيْرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ جَمِيعِ السَّلَفِ جَوَازُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِدْخَالُهُ لِذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى التَّنَفُّلِ بِالنَّهَارِ. (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَوْلُهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ

(ص) : (مَالِكٌ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إظْهَارًا مِنْهُ لِاقْتِدَائِهِ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَمَّا عَمِلَ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَرَوَاهُ قَبِلَهُ. (ص) : (مَالِكٌ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِجَوَازِهِ، هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ فِيهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِنَقْلِ الْخَبَرِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُنْقَلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْمَسَائِلِ وَسَمِعَ بِإِنْكَارٍ عَلَى فَاعِلِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ وَعَلَى هَذَا الظَّاهِرِ أَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالنَّهَارِ. (ش) : قَوْلُهُ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ لَا يَخُصُّ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ مِنْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَصَلَاةُ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِمَخَافَةٍ وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْخَوْفِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ طِينٍ فَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْهُ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُصَلِّي الْمَرِيضُ عَلَى مَحْمِلِهِ الْمَكْتُوبَةَ وَإِنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَكَانَ يُومِئُ. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَ لَا يُصَلِّي فِي الْأَرْضِ إلَّا إيمَاءً فَيُصَلِّي فِي مَحْمِلِهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْأَرْضِ بِالصَّلَاةِ لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي عُلْوٍ وَلَا عَلَى حَائِلٍ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ السُّجُودُ فَإِذَا تَعَذَّرَ السُّجُودُ وَصَارَ إلَى الْإِيمَاءِ سَقَطَ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ مَنْ صَلَّى عَلَى الْمَحْمِلِ لِشِدَّةِ مَرَضٍ أَعَادَ أَبَدًا. وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَهُ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى السَّرِيرِ وَالدُّكَّانِ فَجَائِزٌ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ جَائِزٌ لِلصَّحِيحِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ ثَابِتٌ فِيهَا فَأَشْبَهَ الْجَبَلَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ فَنَقُولُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْفِرَاشَ وَالْبُنْيَانَ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا صَلَاةُ النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِيمَا عَدَاهُ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَضَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ فَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْحَضَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَالْفَرْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَهَلْ يَجُوزُ فِي سَفَرٍ لَا تَقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا؟ مَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِسَفَرِ الْقَصْرِ أَصْلُ ذَلِكَ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) ش قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ غَيْرَ أَنَّهُ أَفَادَ حَدِيثُ ابْنِ دِينَارٍ تَكْرَارَ ذَلِكَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ كَانَ يُصَلِّي لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَقَوْلُهُ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُرِيدُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى دُبُرِهَا وَإِلَى الْمَشْرِقِ وَإِلَى الْمَغْرِبِ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي مَحْمِلِهِ مُشَرِّقًا أَوْ مُغَرِّبًا لَا يَنْحَرِفُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ كَانَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسِيرًا وَلْيُصَلِّ قِبَلَ وَجْهِهِ. وَجْهُ ذَلِكَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا عَلَيْهَا غَالِبًا وَيَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِهِ مَا اسْتَقْبَلَتْهُ الرَّاحِلَةُ فَتَقْدِيرُهُ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ إلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهِيَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِقَوْلِهِ يُصَلِّي وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُوِيَ مُفَسَّرًا وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ إذَا كَانَ يَنْحَرِفُ إلَى الْقِبْلَةِ إلَّا مَا فِي قَوْلِهِ عَنْ رَاحِلَتِهِ إلَّا أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَعَلَى حَمْلِ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا افْتِتَاحُهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ تَنَفَّلَ فِي السَّفِينَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَتَنَفَّلُ فِيهَا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ كَالدَّابَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَنَفَّلُ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا كَثِيرَةُ التَّحَرُّفِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَكَانَتْ الْمَشَقَّةُ تَلْحَقُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهَا كَالرَّاحِلَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا وَاسِعَةُ الِانْحِرَافِ فِيهَا كَالْأَرْضِ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ) . (ش) : ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَوَجُّهَ أَنَسٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَظَاهِرُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَادَةِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَقْبِلَ غَيْرَ الْقِبْلَةِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ رَاجِعًا إلَى الْحِمَارِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مُفَسَّرًا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ اسْتَقْبَلْنَا «أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ فَلَقِيَنَا بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْته يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ. وَوَجْهُهُ مِنْ ذِي الْجَانِبِ يَعْنِي مِنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ فَقُلْت رَأَيْتُك تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ لَمْ أَفْعَلْهُ» وَقَوْلُهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إيمَاءً يُرِيدُ أَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَأْتِي بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَهَذِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ رَبِيعَةَ الْمُتَقَدِّمُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ إيمَاءً قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إيمَاءُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ مِنْ إيمَاءِ رُكُوعِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَةٍ فَجِئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَيُومِئُ إيمَاءَ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» . (فَرْعٌ) وَهَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَتَنَفَّلَ يَجُوزُ أَنْ يُومِئَ فِي النَّافِلَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُومِئُ الْجَالِسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ عِيسَى فِي النَّوَافِلِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ أَنْ يُومِئَ فِي النَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَالُهُ أَنْ يَدَعَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ أَوْمَأَ فِي النَّوَافِلِ أَجْزَأَهُ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى الْكَرَاهِيَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى الْمَنْعُ وَجْهُهُ أَنَّ الْإِيمَاءَ لَيْسَ بِهَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْكُورِ وَلَا عَلَى الْقَرَبُوسِ وَإِنَّمَا سُنَّتُهُ أَنْ يُومِئَ إيمَاءً قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سُنَّتَهُ الْإِيمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِالسُّجُودِ كَالْمُضْطَجِعِ وَوَجْهٌ

[صلاة الضحى]

صَلَاةُ الضُّحَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبِ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرُّخْصَةُ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ دُونَ الْجَوَازِ كَاسْتِقْبَالِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ. [صَلَاةُ الضُّحَى] (ش) : قَوْلُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّاهَا نَافِلَةً وَلَمْ تُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَسَيَرِدُ بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الضُّحَى مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَحْصُورَةِ بِالْعَدَدِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا وَلَكِنَّهَا مِنْ الرَّغَائِبِ الَّتِي يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ مِنْهَا مَا أَمْكَنَهُ وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُصَلِّهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ حَدًّا وَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ مَا صَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا يَوْمَ رَأَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ حَدًّا لِذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا صَلَّاهُ النَّبِيُّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ رُبَّمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا زَادَ وَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ الَّذِي كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذَا صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِحَدٍّ وَلَا تَقْدِيرَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِقْدَارُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَعَ مَا رُزِقَ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَلَيْسَ فِي قَوْلِهَا ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلَا أَنَّهُ صَلَّاهَا كُلَّهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا قَصَدَتْ إلَى ذِكْرِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ «أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ «أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْت أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى» ) . ش قَوْلُهَا ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ ذَهَابُهَا هَذَا كَانَ بِمَكَّةَ وَقَوْلُهَا فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فِيهِ سَتْرُ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ وَقَوْلُهَا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا بِنُطْقِهَا بِالسَّلَامِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا بَعْضُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ عَلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ لَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَلُّقٌ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ لَا يَقُولُ إنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَ مُتَكَلِّمًا يُمَيِّزُ صَوْتَهُ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ إنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ مِنْ كَرَمِ الْأَخْلَاقِ التَّرْحِيبُ بِالْأَهْلِ وَالتَّأْنِيسُ لَهُمْ وَتَأْخِيرُهَا سُؤَالَ حَاجَتِهَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ مِنْ حُسْنِ التَّسَاؤُلِ وَجَمِيلِ الْأَدَبِ أَنَّهَا تَرَكَتْهُ حَتَّى تَفَرَّغَ لِحَاجَتِهَا وَخَلَا لِسَمَاعِ شَفَاعَتِهَا وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا: زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ - إخْبَارٌ عَنْ قُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْهَا مَعَ مَا يُرِيدُ مِنْ مُخَالِفَتِهَا أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَارَتْهُ فُلَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَهَذَا جَدُّهُ وَكَانَتْ أُمُّ هَانِئٍ أَجَارَتْهُ لِمَوْضِعِهِ مِنْهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَأْمِينِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ يُجَوِّزُ ذَلِكَ مَالِكٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ «عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثِ بَيَانٌ لِجَوَازِ جِوَارِ الْمَرْأَةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ أَقَرَّهَا عَلَى قَوْلِهَا قَدْ أَجَرْتُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَذَلِكَ ضُحًى تُبَيِّنُ أَنَّ دُخُولَهَا عَلَيْهِ وَصَلَاتَهُ كَانَتْ ضُحًى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَقْتِ صَلَاةِ فَرْضٍ وَهَذَا أَصْلٌ فِي صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ تَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ لَمَّا اغْتَسَلَ وَجَدَّدَ طَهَارَتَهُ لَا لِقَصْدِهِ لِلْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ لَهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَقَالَ صَلَاةُ الضُّحَى فَأَجَابَهَا إلَى الْوَقْتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الضُّحَى يَوْمًا بِرَجُلٍ ضَخْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَهُ فَدَعَاهُ إلَى بَيْتِهِ وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَصَلَّى عِنْدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لِأَنَسٍ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى قَالَ لَمْ أَرَهُ صَلَّاهَا إلَّا يَوْمَئِذٍ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعْهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ «عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» ) . (ش) : «قَوْلُهَا مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ هَذَا صَحِيحٌ عَنْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا مِنْ» حَدِيثِ مُعَاذَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَرَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَسَّامُ وَقَالَ خَالَفَهَا عُرْوَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبَا إلَيْهِ لِأَنَّ عُرْوَةَ إنَّمَا رَوَى عَنْهَا نَفْيَ صَلَاةِ الضُّحَى لِغَيْرِ سَبَبٍ وَاَلَّذِي رَوَتْهُ مُعَاذَةُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا لِسَبَبٍ وَذَلِكَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَتْ نَعَمْ إذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ فَيَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا رِوَايَةُ عُرْوَةَ عَلَى نَفْيِ صَلَاتِهَا لِغَيْرِ سَبَبٍ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ فِي رِوَايَةٍ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى قَالَتْ لَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا تَعْنِي أَنَّهَا تَتَنَفَّلُ بِهَا وَأَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَتُؤْثِرُهَا عَلَى النَّوَافِلِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لَهَا لِحَدِيثِ أُمِّ مُعَاذٍ وَإِمَّا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّهَا قَدْ سَمِعَتْ مِنْهُ الْحَضَّ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَرَكَ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا لِمَا ذَكَرَتْهُ وَهُوَ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ تَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ عَلِمَ مِنْ مُتَابَعَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ وَاقْتِدَائِهِمْ بِصَلَاتِهِ مَا إنْ دَاوَمَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ وَكَانَ يَخْشَى إذَا دَاوَمُوا عَلَى عِبَادَةٍ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ عَنْهُمْ مِنْ الْفُرُوضِ لِأَنَّ بِتَرْكِهَا يَقَعُ الْعِصْيَانُ وَعَلَى هَذَا تَرَكَ مُدَاوَمَةَ الْقِيَامِ لِرَمَضَانَ فِي جَمَاعَةٍ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى النَّاسِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا وَإِنَّمَا أَمَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِصَلَاةِ الضُّحَى عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُثَابِرُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ لِمُدَاوَمَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ فَأَمِنَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَوْصَاهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ وَقْتٌ لَا يُفْتَرَضُ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ بِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكَتْهُنَّ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ مَنْقُولٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَخَبَرِ أُمِّ هَانِئٍ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَيَحْتَمِلُ

[جامع سبحة الضحى]

جَامِعُ سُبْحَةِ الضُّحَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جِدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ هَذَا الْمِقْدَارُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُمْكِنُهَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهَا لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكَتْهُنَّ أَيْ لَوْ بُعِثَا وَأُحْيِيَا مَا تَرَكَتْهُنَّ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ فَضِيلَتِهَا عِنْدَهَا وَتَأَكُّدِ أَمْرِهَا. [جَامِعُ سُبْحَةِ الضُّحَى] (ش) : إجَابَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُلَيْكَةَ لِطَعَامِهَا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوَاضُعِ وَقُرْبِهِ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَمُخَالَطَتِهِ لَهُمْ وَرِفْقِهِ بِهِمْ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُومُوا فَلْأُصَلِّ لَكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَخُصَّهُمْ بِبَرَكَةِ صَلَاتِهِ وَدُعَائِهِ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْقُرْبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَنَسٍ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ يَقْتَضِي قِلَّةَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْحُصْرِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُونُوا يَخُصُّونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِأَفْضَلِ مَا عِنْدَهُمْ مِمَّا يَصْلُحُ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا نَضَحَهُ بِالْمَاءِ عَلَى سَبِيلِ تَجْدِيدِ نَظَافَتِهِ وَطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَقَعَ فِي النَّفْسِ مِنْ طُولِ لُبْسِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ أَنْ يَنَالَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ فَنَضَحَهُ لِيُذْهِبَ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ النَّضْحُ طَهُورًا لَمَّا لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا نَضَحَ لَمَّا خِيفَ أَنْ يَنَالَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَهُ وَمَعَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ اسْمُهُ أَبُو عُمَيْرٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَيْرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالنَّضْحِ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ طُولِ لُبْسِهِمْ لِلْبِسَاطِ مَعَ تَصَرُّفِ الطِّفْلِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ إنَّمَا غَسَلَهُ لِيَلِينَ وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَضْحَهُ لَمْ يَكُنْ لِجَسَاوَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ لَوْنِهِ وَطُولِ لُبْسِهِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّضْحُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ وَأَنْ يَكُونَ غَسْلُهُ لِنَجَاسَةٍ فِيهِ أَوْ لِلَوْنِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَقَدْ أُلْحِقَ بِذَلِكَ فِي جَوَازِ الْقِيَامِ أَنْوَاعٌ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ كَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ الْيَتِيمُ هُوَ ضُمَيْرَةُ وَهُوَ جَدُّ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْيَتِيمُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فِي جَمَاعَةِ الْمُؤْتَمِّينَ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَيْنِ وَرَاءَ الْإِمَامِ يَقِفَانِ وَرَاءَهُ وَقَوْلُهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا دَلِيلٌ عَلَى تَأَخُّرِ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُفْرَدَةَ إذَا صَلَّتْ خَلْفَ الصَّفِّ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ وَأَمَّا الرَّجُلُ يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَقَامٌ لَوْ صَلَّتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ صَحَّتْ صَلَاتُهَا فَإِذَا صَلَّى فِيهِ الرَّجُلُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَالصَّفِّ

[التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَأُ تَأَخَّرْت فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ) . التَّشْدِيدُ فِي أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ يَقْتَضِي فِي الْأَغْلَبِ أَنَّهَا نَافِلَةٌ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي مَسْجِدِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الضُّحَى وَقَدْ أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ سُبْحَةِ الضُّحَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى إلَّا مَرَّةً فِي دَارِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ لِيَتَّخِذَ مَكَانَهُ مُصَلًّى وَلَكِنَّهُ يَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ صَلَاتَهُ فِي دَارِ مُلَيْكَةَ كَانَتْ ضُحًى وَأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ فِيهَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّعْلِيمُ دُونَ الْوَقْتِ لَمْ يَعْتَقِدْهَا صَلَاةَ الضُّحَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الضُّحَى عِنْدَهُ نَافِلَةً مَحْضَةً نَابَ ذِكْرُ هَذِهِ النَّافِلَةِ عَنْ ذِكْرِهَا وَقَامَ مَقَامَهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَأُ تَأَخَّرْت فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ) . (ش) : قَوْلُهُ دَخَلْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدَتْهُ يُسَبِّحُ إدْخَالُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ سُبْحَةِ الضُّحَى يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ حُكْمَ صَلَاةِ الضُّحَى فِي أَنَّهَا نَافِلَةٌ مَحْضَةٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقْتَ صَلَاةِ الضُّحَى عِنْدَهُ وَالْهَاجِرَةُ هُوَ وَقْتُ قُوَّةِ الْحَرِّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى فَقَالَ أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ أَفْضَلُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقُمْت وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِمَامَةِ فِي النَّافِلَةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا لَا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّاسُ الْيَوْمَ فِي الْخَاصَّةِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِالنَّفَرِ فِي سُبْحَةِ الضُّحَى وَغَيْرِهَا مِنْ النَّافِلَةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي غَيْرِ نَافِلَةِ رَمَضَانَ إلَّا إذَا كَانَ النَّفَرُ قَلِيلًا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَثِيرًا مَشْهُورًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّ مَوْقِفَ الْمُصَلِّي بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَنْ يَمِينِهِ فَإِذَا خَالَفَ ذَلِكَ فَمِنْ سُنَّةِ الْإِمَامِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِالْإِشَارَةِ وَأَنْ يُقِيمَهُ عَنْ يَمِينِهِ «وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَدَارَهُ عَنْ يَمِينِهِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَأُ تَأَخَّرْت فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُؤْتَمَّيْنِ بِالْإِمَامِ يَقِفَانِ خَلْفَهُ وَفِيهِ انْتِقَالُ الْمَأْمُومِ عَنْ مَحَلِّهِ إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ يَنْتَفِلُ مِنْ أَجْلِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُقِيمُ عَلَى الْوُقُوفِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَزِمَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ. [التَّشْدِيدُ فِي أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي] (ش) : قَوْلُهُ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ هَذَا يَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَكُونُ الْمُصَلِّي بِهِ عَاصِيًا. وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ الْمُصَلِّي عَاصِيًا. فَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ الْمُصَلِّي بِهِ عَاصِيًا بِأَنْ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَذَا قَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَتَى مَرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَدْ أَثِمَ الْمَارُّ وَالْمُصَلِّي أَمَّا إثْمُ الْمَارِّ فَلِأَنَّهُ ارْتَكَبَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحْظُورَ وَأَمَّا إثْمُ الْمُصَلِّي فَلِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ الْمُصَلِّي بِهِ عَاصِيًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَظُنُّ أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ فِيهِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْبَرَارِيِ وَالْقِفَارِ. وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى سُتْرَةٍ حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحَدٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ شَأْنِ الْمُصَلِّي أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا إلَى سُتْرَةٍ أَمِنَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَأْمَنْ. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُكْمُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّحَرُّزُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ أَوْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ دُونَهَا فَمَرَّ أَحَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَدْ أَثِمَ الْمَارُّ وَلَا يَأْثَمُ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ وَلَا يَخْلُو الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي أَنْ يَمُرَّ بِالْقُرْبِ مِنْهُ حَيْثُ يُمْكِنُهُ رَدُّهُ دُونَ أَنْ يَتَكَلَّفَ خَطْوًا وَلَا كَبِيرَ عَمَلٍ أَوْ يَمُرُّ بِالْبُعْدِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَشْيِ إلَيْهِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ دُونَ مَشْيٍ وَلَا تَكَلُّفِ عَمَلٍ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِرَدِّهِ وَدَرْئِهِ مَا اسْتَطَاعَ بِمَا خَفَّ فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا يُنَازِعُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ مُرُورِهِ وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ أَبَى فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَلْيَلْعَنْهُ فَإِنَّ الْمُقَاتَلَةَ تَكُونُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ بِمَعْنَى اللَّعْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] وَقَالَ {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] قِيلَ مَعْنَاهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَلْيُؤَاخِذْهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ وَيَدْفَعْهُ عَلَى فِعْلِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلْيَدْفَعْهُ دَفْعًا أَشَدَّ مِنْ الدَّرْءِ مُنْكِرًا عَلَيْهِ وَمُغَلِّظًا وَقَدْ يُسَمَّى ذَلِكَ مُقَاتَلَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيَعْدِلُ عَنْ ظَاهِرِ الْمُقَاتَلَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَهُ الْمُقَاتَلَةَ الَّتِي تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يَمْنَعُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ دَرَأَ رَجُلٌ رَجُلًا فَكَسَرَ أَنْفَهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ لَوْ تَرَكْتَهُ فَيَمُرُّ لَكَانَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى دَرْئِهِ إلَّا بِالْمَشْيِ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا تَرَكَهُ فَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عَمَلٌ يَسِيرٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَشْيُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الرَّدُّ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مُرُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمَّا إذَا مَرَّ فَلَا يَرُدُّهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّ رَدَّهُ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَهُ مُرُورٌ ثَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً) . (ش) : قَوْلُهُ أَرْسَلَهُ إلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مِنْ بَابِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ وَفِيهِ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ فِي السُّؤَالِ إمَّا لِشُغُلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ قَوْلُهُ لِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ وَتَسَامُحِهِ بِالنُّزُولِ فِي الرِّوَايَةِ وَسَمَاعِ الْحَدِيثِ مِنْ التَّابِعِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ الصَّحَابِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ لِيَعْلَمَ هَلْ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ فَيَلْقَاهُ فَيَأْخُذُهُ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ لَأَرْسَلَهُ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ هَلْ يَسْمَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي شَيْئًا أَمْ لَا لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ شَكَّ فِي السَّمَاعِ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ تَيَقَّنَ السَّمَاعَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ يَعْنِي مِنْ الْوِزْرِ وَالْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ لَاخْتَارَ وُقُوفَ أَرْبَعِينَ عَلَى مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَكَانَ وُقُوفُهُ خَيْرًا لَهُ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ

[الرخصة في المرور بين يدي المصلي]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) . الرُّخْصَةُ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْت الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْت فَأَرْسَلْت الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْت فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ خَيْرًا لَهُ وَعِظَمُ الْإِثْمِ فِي مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي أَنْ لَا يَقِفَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَارِّ بِقَدْرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَكَانَ وُقُوفُهُ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي النَّضْرِ لَا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ نَصَّ لَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَشَكَّ أَبُو النَّضْرِ فِيمَا ذَكَرَ بُسْرٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْغَرَضُ بِهِ مَعْلُومٌ وَهُوَ التَّغْلِيظُ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَإِشَارَةٌ إلَى عَظِيمِ مَا يَرْتَكِبُهُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) . (ش) : قَوْلُهُ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ خَيْرًا لَهُ وَمَعْنَى الْخَسْفِ بِهِ أَنْ يُخْسَفَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَهُوَ تَهَوُّرُهَا فَيَصِيرُ هُوَ مَعَهَا فِي أَطْبَاقِ الْأَرْضِ فَلَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِمَا عَلَيْهِ لَاخْتَارَ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ عَلَى إثْمِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ النِّسَاءِ وَهُنَّ يُصَلِّينَ) . ش كَرَاهِيَتُهُ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ النِّسَاءِ وَهُنَّ يُصَلِّينَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يَكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا يَكْرَهُ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّينَ مِنْ الرِّجَالِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ خَصَّ النِّسَاءَ بِذَلِكَ لِدُخُولِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَخُرُوجِهِ مِنْهُ وَهُوَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَكَرِهَ الْمُرُورَ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ إذَا صَلَّيْنَ وَإِنْ كُنَّ فِي طَرِيقِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَقَوْلُهُ وَلَا يَدْعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ «أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْرَأَ مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» فَيَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِالْمَارِّ لِحَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ وَبِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْأَمْرِ لَهُ بِمَنْعِهِ. (فَرْعٌ) وَمِنْ بَابِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مُنَاوَلَةُ الشَّيْءِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ الْإِقْبَالَ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِهَذَا الْمَعْنَى. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَنْ عَنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ قَالَ وَحَسَنٌ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُمَا وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ مِمَّا يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ بِمَا يَجْرِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُمَا فَقَدْ صَارَ مُصَلِّيًا خَلْفَهُمَا. [الرُّخْصَةُ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي] (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّرْجَمَةِ الرُّخْصَةُ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الرُّخْصَةُ فِي الشَّرْعِ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي إبَاحَةِ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ مَمْنُوعٍ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ الْمُصَلِّي وَتَكُونُ الرُّخْصَةُ تَنَاوَلَتْ بَعْضَ أَحْوَالِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَتَكُونَ الْإِبَاحَةُ تَنَاوَلَتْ مُصَلِّيًا مَعْهُودًا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ الْمَأْمُومُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْت الِاحْتِلَامَ أَيْ قَارَبْته

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَصْفُهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ «إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ» دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَعْقِلُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَيَصِحُّ مِنْهُ امْتِثَالُهَا وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِ مَنْ هُوَ دُونَ هَذَا السِّنِّ عَلَى الشَّرَائِعِ وَمَنْعِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ. وَقَدْ نَزَعَ تَمْرَةً مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ فِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى يُرِيدُ أَنَّهُ يَؤُمُّهُمْ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِأَنَّهُ يُصَلِّي لَهُمْ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَذًّا لَمَا كَانَتْ صَلَاتُهُ لَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْهِ فِي بَعْضِ الصَّفِّ يُرِيدُ الصَّفَّ الَّذِي يَأْتَمُّونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُرُورُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الْأَتَانِ فَنَزَلَ مِنْ عَلَيْهَا وَأَرْسَلَهَا وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهَا بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ أَوْ أَرْسَلَهَا بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ دُخُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّفِّ مَعَ الْمُصَلِّينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ فِعْلِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَغْلَبِ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مُرُورُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْأَتَانِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ لِيُخْبِرَ وَيَحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِعْلَهُ إلَّا لِفَائِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِفِعْلِهِ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ مَنْ يَلْزَمُ إقْرَارُهُ وَإِنْكَارُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لِمَنْ وَرَاءَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الْمَأْمُومِ وَكُرِهَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ فَأَبْعَدَ وَلِذَلِكَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ عَنَزَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَلَا يَحْتَاجُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ إلَى ذَلِكَ» . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجِدْ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مَنْ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ وَالصُّفُوفُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حِينَ إقَامَتِهَا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ مَالِكٍ إنِّي لَأَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ فَحَمَلَ إقَامَةَ الصَّلَاةِ عَلَى إقَامَتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ غَيْرَ أَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْمَدْخَلِ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَتَى فِي الْبَرَاحِ وَالْمُتَّسَعِ مِنْ الْأَرْضِ فَمَشَى بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ لِضِيقٍ وَأَنَّهُ أَتَى ذَلِكَ مُخْتَارًا وَيَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَصَدَ الِاحْتِيَاطَ بِأَنْ أَجَابَ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَّا بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ وَلَمْ يَجِبْ عَمَّنْ وَجَدَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذَا ثَبَتَتْ الْحَاجَةُ كَالْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ يُبَاحُ مِمَّنْ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِيهِ. (ش) : هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ يَقْطَعُهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ عَدَلْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ وَلَقَدْ رَأَيْتَنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَوَسَّطُ

[سترة المصلي في السفر]

سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْتَتِرُ بِرَاحِلَتِهِ إذَا صَلَّى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّرِيرَ فَيُصَلِّي فَأَكْرَهُ أَنْ أُزَاحِمَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ عَنْ لِحَافِي» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْإِمَامِ كَالطَّائِرِ يَطِيرُ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ» وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّ مَعْنَى الْقَطْعِ لِلصَّلَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شُغْلُ الْمُصَلِّي عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَالْبُعْدِ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَنَفَى فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْقَطْعَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى إفْسَادِ الصَّلَاةِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّمَادِي فِيهَا وَيَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي الْقَطْعُ عَنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَالِاشْتِغَالِ بِهَا. [سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَسْتَتِرُ بِرَاحِلَتِهِ إذَا صَلَّى فِيهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلِاسْتِتَارِ فِي الصَّلَاةِ مِمَّنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ: صِفَةُ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِتَارُ. وَالثَّالِثَةُ: مُقَامُهُ مِمَّا يَسْتَتِرُ بِهِ. فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ لِلِاسْتِتَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِ مَنْ يَمُرُّ وَرَاءَ ذَلِكَ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِفَةُ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مِثْلُ عَظْمِ الذِّرَاعِ فِي جَلَّةِ الرُّمْحِ وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهُ يَكْفِي مِنْ ارْتِفَاعِهِ مِثْلُ عَظْمِ الذِّرَاعِ لِلْخَبَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّ مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ يُصَلِّي إلَيْهَا وَلَا يُبَالِي بِمَنْ يَمُرُّ وَرَاءَهَا وَارْتِفَاعُهَا نَحْوٌ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ جُلَّةِ الرُّمْحِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ» . (فَرْعٌ) فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ إلَى الرُّمْحِ فَسَقَطَ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُقِيمُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ خَفِيفًا فَإِنْ شَغَلَهُ فَلْيَتْرُكْهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَامَ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْهُ سُتْرَةٌ مَشَى إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ وَرَاءَهُ رَجَعَ إلَيْهَا الْقَهْقَرَى فَإِنْ بَعُدَتْ عَنْهُ صَلَّى فِي مَوْضِعِهِ. (فَرْعٌ) وَلَا تَقَعُ السُّتْرَةُ بِالْخَطِّ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهِ فَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَخُطُّ عَرْضًا. وَقَالَ مُسَدَّدٌ يَخُطُّ طُولًا وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِ مَنْ يَمُرُّ وَرَاءَ ذَلِكَ» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ يَسِيرِ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ الْمُصَلِّي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَقَلِّهِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا اسْتِتَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُنَاخَةً لِأَنَّهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُؤْمَنُ مَعَهَا مَشْيُهَا وَإِمَّا أَنْ يَسْتَتِرَ بِالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِنَجَاسَةِ أَرْوَاثِهَا وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ قَائِمَةٌ لَا يُؤْمَنُ مَشْيُهَا وَانْتِقَالُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَكَانُهُ مِمَّا يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَبَ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ مِنْ الصَّوَابِ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ قَدْرُ صَفَّيْنِ وَالدُّنُوُّ مِنْ السُّتْرَةِ حَسَنٌ لِمَا رَوَاهُ سَهْلٌ أَنَّهُ «كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ دُنُوَّهُ مِنْ السُّتْرَةِ أَقْرَبُ لَهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِذَا بَعُدَ عَنْهَا أَمْكَنَ الْمَارَّ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ) . (ش) : مَا فَعَلَهُ عُرْوَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ السُّتْرَةَ

[مسح الحصباء في الصلاة]

مَسْحُ الْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إذَا أَهْوَى لِيَسْجُدَ مَسَحَ الْحَصْبَاءَ لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ مَسْحًا خَفِيفًا) . مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ كَبَّرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي لِتَسْتُرَهُ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ فِيهِ أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا مَعْنَى لَهَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا حَيْثُ يَخَافُ أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ شَأْنِ الْمُصَلِّي أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا إلَى سُتْرَةٍ فِي سَفَرٍ كَانَ أَوْ حَضَرٍ أَمِنَ أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ لَمْ يَأْمَنْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. [مَسْحُ الْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ] (ش) : مَسَحَ الْحَصْبَاءَ فِي الصَّلَاةِ لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَمْنُوعٌ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاشْتِغَالُ عَنْ الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: تَرْكُ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ مِنْ تُرَابٍ يُؤْذِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَمْسَحْ مَرَّةً وَاحِدَةً لِمَا رَوَاهُ مُعَيْقِيبٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَمْسَحْ - يَعْنِي الْأَرْضَ - وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْتَ وَلَا بُدَّ فَوَاحِدَةً تُسَوِّي بِهَا الْحَصْبَاءَ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ مَسْحُ الْحَصْبَاءِ مَسْحَةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) . (ش) : قَوْلُهُ مَسْحُ الْحَصْبَاءِ مَسْحَةً وَاحِدَةً يَقُولُ الْمُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ فِي الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ شُغْلًا عَنْ الصَّلَاةِ لِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَسْحَةُ الْوَاحِدَةُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُصَلِّي لِيُزِيلَ شُغْلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَا يَحْصُلُ عَلَى جَبْهَتِهِ مِنْ التُّرَابِ أَوْ يَتَأَذَّى بِهِ فَيُضْطَرُّ إلَى مَسْحِهِ مِنْ جَبْهَتِهِ فَيَحْصُلُ الِاشْتِغَالُ بِمَسْحِ الْجَبْهَةِ وَالِاشْتِغَالُ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَا حَصَلَ عَلَيْهَا مِنْ التُّرَابِ وَالْمُتَأَذِّي بِهِ إلَى أَنْ يَمْسَحَهُ فَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ مَسْحُهُ الْحَصْبَاءَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا أَخَفُّ مِمَّا يَئُولُ إلَيْهِ تَرْكُهَا مِنْ الشُّغْلِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ يُرِيدُ لِمَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَأَذَّ بِمَا يَحْصُلُ عَلَى جَبْهَتِهِ مِنْ التُّرَابِ وَلَا أَحْتَاجَ إلَى مَسْحِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ صَلَّى عَلَى تُرَابٍ يُؤْذِيهِ بِنَثْرٍ عَلَى وَجْهِهِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَمْسَحَهُ. [مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ] (ش) : أَمْرُهُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ يَقْتَضِي مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْمُرَ أَهْلَ الصُّفُوفِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنْ يُوَكِّلَ بِذَلِكَ مَنْ يُسَوِّي النَّاسَ فِي الصُّفُوفِ وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ الصُّفُوفُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ كَانُوا يَعُودُونَ إلَيْهِ فَيُعْلِمُونَهُ بِاسْتِوَائِهَا. وَتَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ مِمَّا كَانَ يَأْمُرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْدُبُ إلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» حَتَّى تَوَعَّدَ عَلَيْهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بِوُجُوهِكُمْ» وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يَتَّصِلُ بِمَقَامِ الْمَأْمُومِينَ مِنْ الْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِذَا كَانُوا عَدَدًا لَزِمَ فِيهِمْ إقَامَةُ الصُّفُوفِ وَهُوَ تَقْوِيمُهَا وَنَمَاؤُهَا وَالتَّرَاصُّ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَأَمَّا تَسْوِيَتُهَا فَهُوَ إتْمَامُهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكْمُلَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَفِي الْمُؤَخَّرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّرَاصُّ فِيهَا فَلِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ

[وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَامَتْ الصَّلَاةُ وَأَنَا أُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ لِي فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ وَهُوَ يُسَوِّي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدْ اسْتَوَتْ فَقَالَ لِي اسْتَوِ فِي الصَّفِّ ثُمَّ كَبَّرَ) . وَضْعُ الْيَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسُّحُورِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَانْضِمَامُ الصُّفُوفِ مِنْ التَّرَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ وَبِالْأَعْنَاقِ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهُ الْخَذْفُ» . (ش) : قَوْلُهُ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدْ اسْتَوَتْ فَقَالَ لِي اسْتَوِ فِي الصَّفِّ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا وَبِهَذَا قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْكَلَامَ مَمْنُوعٌ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ لَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَنَسٌ قَالَ «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُنَادِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ حَتَّى قَامَ الْقَوْمُ وَإِنَّمَا كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ اغْتِنَامًا لِخَلْوَتِهِ بِهِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ يُسَوِّي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسَوِّيَ مَكَانَهُ لِسُجُودٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ دَلِيلٌ عَلَى اهْتِبَالِ الْأَئِمَّةِ بِتَسْوِيَتِهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَئِمَّةَ مُرَاعَاتُهُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ فِعْلِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ رَأَيْت أَمِيرَ الْمَدِينَةِ وَكَّلَ رِجَالًا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ وَجَدُوهُ دُونَ الصَّفِّ وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَارُوا بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَى السِّجْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدْ اسْتَوَتْ الصُّفُوفُ كَانَ انْتِظَارُهُ لِمَجِيءِ الرِّجَالِ لِيُعْلِمُوهُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَهَذَا مِمَّا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَتَرَبَّصَ بَعْدَ الْإِقَامَةِ يَسِيرًا حَتَّى يَعْتَدِلَ النَّاسُ فِي صُفُوفِهِمْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ لِي اسْتَوِ فِي الصَّفِّ ثُمَّ كَبَّرَ أَبَاحَ لَهُ مُكَالَمَتَهُ لَمَّا كَانَ يَنْتَظِرُ الِاسْتِوَاءَ فِي الصُّفُوفِ فَلَمَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ بِاسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ أَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ لِيَأْخُذَ بِحَظِّهِ مِنْ اسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَيَّ مَكَانِهِ فِي الصَّفِّ خَالِيًا وَإِنَّ فِي مَوَاضِعِ النَّاسِ فِي الصَّفِّ مِنْ السَّعَةِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعَهُمْ ثُمَّ كَبَّرَ عُثْمَانُ لِلصَّلَاةِ بِأَثَرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ مَا كَانَ يُؤَخِّرُ التَّكْبِيرَ بِسَبَبِهِ مِنْ اسْتِوَاءِ الصُّفُوفِ. [وَضْعُ الْيَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ يُرِيدُ أَنَّ مِمَّا بَقِيَ مِنْ حِكْمَتِهِمْ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْت وَقَدْ تَأَوَّلَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إذَا كُنْت مِمَّنْ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْقَبِيحِ الَّذِي يَسْتَحْيِ النَّاسُ وَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْهُ فَاصْنَعْ مَا شِئْت أَيْ وَلَا مَانِعَ لَك وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْأَمْرِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ. وَالثَّانِي: إذَا كَانَ مَا تَفْعَلُهُ مِمَّا لَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ فَافْعَلْ مَا شِئْت فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدِعُ أَهْلُ الدِّينِ إلَّا مِمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَافْعَلْ مَا شِئْت عَلَى الْإِبَاحَةِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَوْضِعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ أُسْنِدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ

[القنوت في الصبح]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ يُنْمِي ذَلِكَ) . الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصِحَاحٍ رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ الْتَحَفَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الِاسْتِحْسَانُ. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ وَكَرِهَهُ فِي الْفَرِيضَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِمَادِ وَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ وَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِمَادٌ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ. وَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ ضَرْبًا مِنْ الْخُشُوعِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا الْوَضْعَ لَمْ يَمْنَعْهُ مَالِكٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْوَضْعَ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِمَادِ وَمَنْ حَمَلَ مَنْعَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ اعْتَلَّ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ أَهْلُ الْجَهْلِ بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْمُعْتَبَرِ فِي صِحَّتِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ تُوضَعُ الْيَدَانِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لِذَلِكَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْهَبُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّنَّةُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِوَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَالْعَجْزِ وَقَوْلُهُ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسُّحُورِ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الصَّوْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ يُنْمِي ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى يُرِيدُ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى رَسْغِهِ لِأَنَّ يَدَهُ الْيُمْنَى لَا يَضَعُهَا عَلَى كَفِّ يَدِهِ الْيُسْرَى وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُ بِهَا عَلَى الْمِعْصَمِ وَالْكُوعِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ يُنْمِي ذَلِكَ هَكَذَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابِهِ بِالْإِصْلَاحِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ لَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنَّهُ يُنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إسْمَاعِيلُ يُنْمِي ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يُنَمِّي قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ يُرِيدُ يُنْمِي ذَلِكَ يَرْفَعُ ذَلِكَ وَيُسْنِدُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ] (ش) : قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّرْجَمَةِ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَلَمْ يُدْخِلْ فِي الْبَابِ مَا فِيهِ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ عَلَى مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ هُوَ مِنْ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ أَدْخَلَ فِعْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُخَالِفًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ فِي ذَلِكَ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا أَرَادَ دُعَاءً مَعْرُوفًا فِي مَكَان مِنْ الصَّلَاةِ مَعْرُوفٍ وَيُسَمَّى ذَلِكَ الدُّعَاءُ قُنُوتًا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ قَنَتَ الرَّجُلُ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالْقُنُوتُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْقُنُوتُ الطَّاعَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] يَعْنِي مُطِيعِينَ وَالْقُنُوتُ الْقِيَامُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ فَقَالَ طُولُ الْقُنُوتِ» مَعْنَاهُ طُولُ الْقِيَامِ قَالَ وَالْقُنُوتُ السُّكُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَالْقُنُوتُ الْأَخْذُ فِي الدُّعَاءِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَنَرَى قُنُوتُ الْوِتْرِ سُمِّيَ قُنُوتًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَائِمٌ فِي الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَمِلُ

[النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته]

النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَرْقَمِ كَانَ يَؤُمُّ أَصْحَابَهُ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ يَوْمًا فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي أَنْ يُسَمَّى قُنُوتًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: يُسَمَّى قُنُوتًا بِمَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى قُنُوتًا بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَيُسَمَّى قُنُوتًا بِاسْمِ الْقِيَامِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ وَيُسَمَّى قُنُوتًا بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ الْقَانِتَ يَسْكُتُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقُنُوتِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّهُ مِنْ فَضَائِلِ الصُّبْحِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ إنَّهُ كَانَ الْقُنُوتُ قُلْت قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ إنَّمَا «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أَرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأُصِيبُوا دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقُنُوتُ عِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ الْقُنُوتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ خَبَرُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِدْرَاكِ صَلَاةِ بَعْضِ مَنْ يَأْتِي مِمَّنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ وَإِذَا جُعِلَ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ وَلْيَدْعُ فِي الْقُنُوتِ بِمَا شَاءَ مِنْ حَوَائِجِهِ رَوَاهُ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَيَخْتَصُّ عِنْدَ مَالِكٍ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ زَادَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْوِتْرِ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ الْمَنْعَ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ. [النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ] (ش) : قَوْلُهُ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يُرَادُ بِهَا مَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَيْهِ مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَاجَةِ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ عُرْفَ اللُّغَةِ جَرَى بِاسْتِعْمَالِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيمَا ذَكَرْنَا يُقَالُ ذَهَبَ فُلَانٌ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَيْ أَتَى الْغَائِطَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيَتَفَرَّغَ لَهَا وَيَخْلُو سِرُّهُ لِلْإِقْبَالِ عَلَيْهَا فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَجِدُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى إتْيَانِ الْغَائِطِ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ الَّذِي لَا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَيُعْجِلُهُ عَنْهَا وَيَجِدُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْغَلُهُ وَيُعْجِلُهُ فَإِنْ وَجَدَ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْغَلُهُ وَيُعْجِلُهُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يَنْصَرِفُ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَقْدِيمِ الْغَائِطِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَعْنَى التَّفَرُّغِ لَهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا بِقَطْعِ مَا شَرَعَ فِيهِ مِنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَبِهِ مِنْ الْحَقْنِ مَا يُعْجِلُهُ وَيَشْغَلُهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ فَعَلَ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَقْدِيمِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَفِيهِ نَهْيٌ عَنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَعْنَى عَنْهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ اسْتِدَامَتَهُ لِمُدَافِعَةِ الْحَدَثِ عَمَلٌ كَثِيرٌ فِي الصَّلَاةِ شَاغِلٌ عَنْهَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهَا فَوَجَبَ أَنْ

[انتظار الصلاة والمشي إليها]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ضَامٌّ بَيْنَ وَرِكَيْهِ) . انْتِظَارُ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيُ إلَيْهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى قَوْلَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ إلَّا الْحَدَثَ الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مُفْسِدًا لَهَا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِاسْتِدَامَةِ ضَمٍّ شَدِيدٍ لِوِرْكَيْهِ وَتَكَلُّفِ إمْسَاكِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَحْمِلُ فِي الصَّلَاةِ حِمْلًا ثَقِيلًا لَا يَسْتَطِيعُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ وَعَمَلٍ مُتَتَابِعٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ صَلَّى بِكِيسٍ كَبِيرٍ تَحْتَ إبْطِهِ يَخَافُ أَنْ يَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ أَنْ يُخْتَطَفَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى وَضْعِ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَا فِي الْأَرْضِ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي مُمْسِكِ عِنَانِ فَرَسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ضَرُورَةَ حِفْظِ الْمَالِ جَوَّزَتْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَبَاحَتْ لِلْخَائِفِ عَلَى فَرَسِهِ إمْسَاكَهُ وَإِنْ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ إتْمَامِ فَرْضِهِ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي سُجُودِهِ وَلَوْ تَرَكَ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي سُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَلَا عَادَ إلَيْهِ أَبَدًا وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لِكِيسٍ تَحْتَ إبْطِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مَخَافَةَ فَكَذَلِكَ الضَّامُّ لِوِرْكَيْهِ لِأَجْلِ ثِقَلِ الْحَقْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَهَذَا يُصَلِّي بِهِ وَلَا يَقْطَعُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ضَامًّا بَيْنَ وَرِكَيْهِ فَهَذَا يَقْطَعُ فَإِنْ تَمَادَى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْغَلَهُ وَيُعْجِلَهُ عَنْ اسْتِيفَائِهَا فَهَذَا يَقْطَعُ فَإِنْ تَمَادَى أَعَادَ أَبَدًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَرْقَرَةُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقْنِ وَأَمَّا الْغَثَيَانُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ عِنْدِي لَا تَقْطَعُ لَهُ الصَّلَاةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقْنِ أَنَّ الْحَقْنَ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَأَمَّا الْغَثَيَانُ فَمَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِقَطْعِ الصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ضَامٌّ بَيْنَ وَرِكَيْهِ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ضَامٌّ بَيْنَ وَرِكَيْهِ نَهْيٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَقْنِ الَّذِي يَبْلُغُ بِالْمُصَلِّي أَنْ يَضُمَّ وَرِكَيْهِ مِنْ شِدَّةِ حَقْنِهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَلَا يُمْكِنُهُ مِنْ اسْتِيفَائِهَا وَلْيَبْدَأْ أَوَّلًا بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ صَلَاتَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ خَرَجَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ كَالرَّاعِفِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُهُ خَجَلُهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ التَّمَادِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا خَرَجَ عَلَى صِفَةِ الرَّاعِفِ سَهُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبَادَرَ إلَى الْخُرُوجِ. [انْتِظَارُ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيُ إلَيْهَا] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ يُرِيدُ تَدْعُو لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُنَا إنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَقَوْلُهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَعْنِي مَوْضِعَ صَلَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَدْعُو لَهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ قَبْلَ صَلَاتِهِ فَيَجِبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ لِلْوُضُوءِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِجُلُوسِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ جَالِسًا بَعْدَ صَلَاتِهِ فِيهِ إلَّا أَنَّ جُلُوسَهُ فِيهِ يَكُونُ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا لِلذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِمَّا لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَهَذَا يَعُودُ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ يُبَيِّنُ مَعْنَى الصَّلَاةِ الَّتِي أَضَافَهَا إلَى الْمَلَائِكَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى الْحَدَثِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ الْحَدَثُ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلَى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلَاةُ» ) .

أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلَى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلَاةُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ وكَثْرَةُ الْخُطَى إلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQش قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ هُوَ فِي صَلَاةٍ فِي كَثْرَةِ ثَوَابِهِ إذَا نَوَى بِمُقَامِهِ فِي مَوْضِعِهِ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ لِمُقَامِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الِانْقِلَابِ إلَى أَهْلِهِ مَعْنًى غَيْرُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ يَكُونُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْتَظِرَ وَقْتَهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَنْتَظِرَ إقَامَتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ بِمَوْضِعِهِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى أَتَرَاهُ فِي صَلَاةٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ مَوْلَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَقُولُ مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَجَعَ غَانِمًا) . (ش) : قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إلَى الْمَسْجِدِ خَاصَّةً لَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ فَيَمُرَّ بِالْمَسْجِدِ وَقَوْلُهُ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ تَبْيِينٌ لِمَعْنَى قَصْدِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْخَبَرُ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَأَدْخَلَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَيْرِ فَمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ لِيَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ فَهُوَ مِمَّنْ مَشَى إلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ إذَا رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَجَعَ غَانِمًا وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ تَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ عَلَّمَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَصْدَهُ إلَى ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ بِقَصْدِهِ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْأَجْرُ فَصَارَ إذَا رَجَعَ بِمَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي رَجَعَ بِالْغَنِيمَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَبَّهَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِالْغَنِيمَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِلْمُجَاهِدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَا رَجَعَ بِهِ مِنْ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمُجَاهِدِ وَغَنِيمَتِهِ مَا يَعْلَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ) . (ش) : قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ فِي مُصَلَّاهُ لِلذِّكْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَقَوْلُهُ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ عَلَى نَحْوِ مَا رَوَى عَنْهُ أَبُو الزِّنَادِ مُسْنَدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى نَحْوِ مَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْهُ مُسْنَدًا أَنَّ مَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ غَيْرَ أَنَّهُ بَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ انْتِظَارَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَجْلِسٍ فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ وَأَنَّ جُلُوسَهُ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ مِمَّا يَقْتَضِي صَلَاةَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ إنْ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا وَالْعَفْوِ عَنْهَا وَقَدْ يَكُونُ مَحْوُهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ دَلِيلًا عَلَى عَفْوِهِ تَعَالَى عَمَّنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ بِاكْتِسَابِهِ لَهَا وَقَوْلُهُ يَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنَازِلَ فِي الْجَنَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْفَعَ دَرَجَتَهُ فِي الدُّنْيَا بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ ثُمَّ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا لِلْمُكَلَّفِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَضِيلَةِ فَقَالَ إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ اسْتِيعَابُهُ وَالْمَكَارِهُ عَلَى أَنْوَاعِهِنَّ مِنْ شِدَّةِ بَرْدٍ وَأَلَمِ جِسْمٍ وَقِلَّةِ مَاءٍ وَحَاجَةٍ إلَى النَّوْمِ وَعَجَلَةٍ وَتَحَفُّزٍ إلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ يُقَالُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ إلَّا مُنَافِقٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إلَى الْمَسَاجِدِ وَهُوَ يَكُونُ بِبُعْدِ الدَّارِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَيَكُونُ بِكَثْرَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ وَأَمَّا انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ الَّتِي تَلِيهَا وَهَذَا يَكُونُ فِي صَلَاتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ أَوْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعِشَاءَ وَأَمَّا انْتِظَارُ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْحَدَثُ وَكَذَلِكَ انْتِظَارُ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَأَمَّا انْتِظَارُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا أَذْكُرُ الْآنَ فِيهِ نَصًّا وَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ انْتِظَارِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَحُكْمُ انْتِظَارِ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ كَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ صَلَاةً لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي صَلَّى اشْتِرَاكٌ فِي وَقْتٍ وَاَلَّذِي يَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ رَأَيْت رِوَايَةً فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا أَذْكُرُ مَوْضِعَهَا الْآنَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ الرِّبَاطِ الْمُرَغَّبِ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ رَبَطَ نَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَحَبَسَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ التَّفْضِيلَ لِهَذَا الرِّبَاطِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّبَاطِ فِي الثُّغُورِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْوَاعِهِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْقَائِلُ جِهَادُ النَّفْسِ هُوَ الْجِهَادُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ الرِّبَاطُ الْمُمْكِنُ الْمُتَيَسِّرُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ قَوْلُهُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَكْرَارِ كَلَامِهِ ثَلَاثًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ فَائِدَةِ التَّعْظِيمِ وَالْإِفْهَامِ أَوْ غَيْرِهِمَا. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إخْبَارٌ عَنْ تَعَلُّقِ مَنْعِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالنِّدَاءِ لِمَا رُوِيَ وَلِأَنَّ النِّدَاءَ دُعَاءٌ إلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا فَمَنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَظَاهِرُهُ قَصْدُ خِلَافِهِمْ وَتَفْرِيقُ جَمَاعَتِهِمْ وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَحَدٌ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ اسْتِثْنَاءٌ لِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ ضَرُورَةٌ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخَرَجَ لِيُزِيلَ الضَّرُورَةَ وَيَرْجِعَ فَيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فَإِنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ ظَاهِرَةً كَالرُّعَافِ وَنَحْوِهِ فَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ لِحَاجَتِهِ وَإِزَالَةُ اللُّبْسِ فِي أَمْرِهِ وَمَانِعٌ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةً بَاطِنَةً فَيُظْهِرُ أَمْرًا يَقُومُ بِهِ عُذْرُهُ مِنْ قَبْضِهِ عَلَى أَنْفِهِ كَهَيْئَةِ الرَّاعِفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا مُنَافِقٌ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ وَقَوْلُهُ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ وَالْإِرَادَةُ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ فَلَا يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ صَلَّاهَا فَذًّا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَإِذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْجَمَاعَةِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرُ الْخَمْسِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ فَوَاتَ مَا قُصِدَ لَهُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَأَنَّ الْقَاعِدَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَحْصُلَ لَهُ أَحَدُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ لَمْ أَرَ صَاحِبَك إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ أَبُو النَّضْرِ يَعْنِي بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَيَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَيْنِ أَوْ يَكُونُ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ فَيَحْصُلَانِ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالدَّاخِلُ لِلْمَسْجِدِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَدْخُلُهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ دَخَلَهُ لِصَلَاةٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَقَالَ فِيمَنْ أَتَى لِلْمُصَلَّى فِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَجْلِسُ وَلَا يَرْكَعُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَتَى الْجَامِعَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يَرْكَعُ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ لِأَجْلِ الْمَكَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لِأَجْلِ الْمَكَانِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الْجَامِعِ لِمَنْ أَتَى الْعِيدَ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُصَلًّى مُتَّخَذٌ لِصَلَاةٍ سُنَّ لَهَا الْبُرُوزُ فَلَمْ يُسَنَّ الرُّكُوعُ لِمَنْ دَخَلَهُ كَمُصَلِّي الْجِنَازَةِ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ قَدْ لَحِقَهَا التَّغَيُّرُ وَسُنَّ لَهَا الْبُرُوزُ فَلَمْ يُشْرَعْ لِمَنْ جَاءَ الرُّكُوعُ قَبْلَهَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَرْكَعُ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ لِلْعِيدِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَرْكَعَ فِي الْمُصَلَّى مَنْ خَرَجَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ يَرْكَعُ فِي الْمُصَلَّى مَنْ جَاءَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَهَذَا حُكْمُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضَهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ وَقْتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضَهُ وَلَهُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي ضِيقٍ مِنْ وَقْتِ فَرْضِهِ لَزِمَهُ تَقْدِيمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَافِلَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَافِلَةٍ عَلَى الضَّرُورَةِ كَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَمَرَّةً قَالَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ رَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَبُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرْكَعُ. وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَرْكَعُ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ يُؤْتَى فِيهِ بِالنَّوَافِلِ عَلَى وَجْهٍ مَا فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ مِنْ النَّوَافِلِ بِمَا لَهُ سَبَبٌ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا وَقْتٌ مُنِعَ فِيهِ مِنْ النَّوَافِلِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِيهِ مِنْ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ كَمَا بَعْدَ الْعَصْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ الْجُلُوسَ أَوْ الْجَوَازَ فَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» وَإِنْ أَرَادَ الْجَوَازَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ يَرْكَعُ لِدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ. وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا تَوَجَّهَ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُرِيدُ الْجُلُوسَ وَأَمَّا الْمَارُّ فَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الدَّاخِلَ لِلْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكْعَتَيْ الْمَسْجِدِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فَإِذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ أَجْزَأَهُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي مَسَاجِدِ الْآفَاقِ فَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ ابْتَدَأَ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِهِ بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهَا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا بُدَّ بَعْدَهُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ وَأَمَّا مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ أَحَبُّ إلَيَّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ لَمْ أَرَ صَاحِبَك إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ أَبُو النَّضْرِ يَعْنِي بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَيَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) . (ش) : أَنْكَرَ أَبُو سَلَمَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ تَرْكَهُ السُّنَّةَ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَعْلَامِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ فَتَرَكَهَا فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَعَابَ عَلَيْهِ جَهْلَهُ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَتَكَرُّرِ الْعَمَلِ بِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ أَبُو سَلَمَةَ إلَّا بِتَكَرُّرِهِ مِنْ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مِرَارًا جَمَّةً

[وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود]

وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ فِي السُّجُودِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ قَالَ نَافِعٌ وَلَقَدْ رَأَيْته فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ وَإِنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الْحَصْبَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي جَمِيعِهَا مَانِعٌ مِنْ حَدَثٍ أَوْ قِيَامِهِ إلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ جُلُوسِهِ دُونَ تَجْدِيدِ طَهَارَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ يُرِيدُ أَنَّ الرُّكُوعَ حِينَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَذَهَبَ دَاوُد إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» . [وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ فِي السُّجُودِ] (ش) : قَوْلُهُ إذَا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ وَجْهَهُ هُوَ السُّنَّةُ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ مِمَّا تُرْفَعُ وَتُوضَعُ فِي السُّجُودِ كَالْوَجْهِ وَبِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الْوَجْهِ فِيمَا يُوضَعَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَصَابِعُ يَعْنِي غِشَاءً مُتَّخَذًا لِلْأَصَابِعِ مِنْ الْجِلْدِ فَلَا يُصَلِّي بِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَابِعَ مِنْ الْيَدِ فَلَزِمَ أَنْ يُبَاشِرَ بِهَا مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ فِي السُّجُودِ وَكَانَتْ الْأَصَابِعُ فِي يَدَيْهِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَأَمَّا الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ فَهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ وَالْأَنْفُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَبَعٌ لِلْجَبْهَةِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُمَا سَوَاءٌ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهِمَا لَمْ يُجْزِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَنْفَ لَيْسَ مَعَ الْجَبْهَةِ عَظْمًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا هُوَ مُضَافٌ إلَى الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُوضِحَةٌ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَعَ الْوَجْهِ عَلَى مَعْنَى التَّبَعِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رَوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا أَكُفَّ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَاشِرَ بِجَبْهَتِهِ الْأَرْضَ فِي السُّجُودِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَجْزَأَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَتْ الْعِمَامَةُ طَاقًا أَوْ طَاقَيْنِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ وَاسْتُحِبَّ لِلْمُومِئِ أَنْ يَحْسُرَ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ لِيَكُونَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِمَا مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِهِمَا فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُمَا لَا يُرْفَعَانِ وَيُوضَعَانِ فِي السُّجُودِ وَلِأَنَّهُمَا مَسْتُورَتَانِ فِي الْغَالِبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلَا أَكُفَّ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ رَأَيْته فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ وَأَنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الْحَصْبَاءِ إخْبَارٌ عَنْ تَشَدُّدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْذِهِ بِالْأَفْضَلِ عَلَى شِدَّةِ الْبَرْدِ وَلَوْ تَوَقَّى الْبَرْدَ بِفَضْلِ ثَوْبِهِ لَأَجْزَأَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ فَلْيَضَعْ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَتَهُ ثُمَّ إذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا فَإِنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ) . (ش) : قَوْلُهُ إذَا وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا أَنَّ حُكْمَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ فِي الْوَضْعِ وَالرَّفْعِ حُكْمُ الْوَجْهِ وَلَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْوَضْعِ وَالرَّفْعِ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ فَمَنْ كَانَتْ جَبْهَتُهُ أَوْ يَدَاهُ بِالْأَرْضِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُجْزِهِ سُجُودُهُ إلَّا بَعْدَ

[الالتفات والتصفيق في الصلاة عند الحاجة]

الِالْتِفَاتُ وَالتَّصْفِيقُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمُ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ التَّصْفِيقِ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَك أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُك فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ التَّصْفِيقِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعِهَا وَوَضْعِهَا لِلسُّجُودِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهَا عِنْدَ كَمَالِ السُّجُودِ بِخِلَافِ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُجْتَزَأُ فِيهِمَا بِكَوْنِهِمَا فِي الْأَرْضِ وَلَا يُشْتَرَطُ وَضَعْهُمَا بِالْأَرْضِ لِلسُّجُودِ وَلَا رَفْعُهُمَا بَعْدَ السُّجُودِ عَنْ الْأَرْضِ. [الِالْتِفَاتُ وَالتَّصْفِيقُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إصْلَاحِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْحَاكِمَ قَدْ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ فِيمَا احْتَاجَ إلَى مُشَاهَدَتِهِ مِنْ الْقَضَايَا وَالْأَحْكَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ وَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ يُرِيدُ بِلَالًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَجِيئَهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ إنَّمَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ وَقْتِهَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ آثَرُوا التَّعْجِيلَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ ظَنِّهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمُ قَالَ نَعَمْ بَيَانٌ أَنَّ الْإِقَامَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ اسْتَفْهَمَهُ هَلْ يُصَلِّي لِيَكُونَ يُقِيمُ إنْ أَجَابَهُ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ يَتْرُكُ الْإِقَامَةَ إنْ لَمْ يُجِبْهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ بِالصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إذَا دَحَضَتْ الشَّمْسُ فَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ يُرِيدُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَدَخَلَ فِيهَا إثْرَ الْإِقَامَةِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَاوَزَ الصُّفُوفَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ لِأَنَّهُ لَوْ يَشُقُّ مِنْ الصُّفُوفِ مَا قَبْلَهُ لَمْ يَقُلْ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ إلَّا بِمَا يُوصَفُ أَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْهُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الصَّفِّ لِلْعَهْدِ يُرِيدُ الصَّفَّ الْأَفْضَلَ وَهَذَا أَصْلٌ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ يُصَلُّونَ فَرَأَى فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ أَنَّهُ يَشُقُّ الصُّفُوفَ إلَيْهَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرِقَ صَفًّا إلَى فُرْجَةٍ يَرَاهَا بِصَفٍّ آخَرَ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا رَأَى فُرْجَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا صَفَّانِ فَإِنْ كَانَتْ وِجَاهَهُ فَلْيَنْهَضْ إلَيْهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ فَلْيَدَعْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ الْكَلَامِ وَرَأَوْا مَا اسْتَعْظَمُوهُ وَكَبُرَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ أَرَادُوا إعْلَامَهُ فَرَامُوا ذَلِكَ بِالتَّصْفِيقِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهَا مُشْتَغِلًا بِهَا لَا يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ شِمَالِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ فِي قِبْلَتِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَعَلَ ذَلِكَ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ حَتَّى وُصِفَ بِهِ وَعُرِفَ مِنْ حَالِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ «الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ فِي قِبْلَتِهِ حَيْثُ وَجْهُهُ» . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَضَعُ بَصَرَهُ أَمَامَ قِبْلَتِهِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ أَنْ يُنَكِّسَ رَأْسَهُ وَلَا يَتَكَلَّفُ رَفْعَ رَأْسِهِ وَلَا خَفْضَهُ وَلَكِنَّ حَالَتَهُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا إذَا اسْتَرْسَلَ وَتَرَكَ الِاشْتِغَالَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ التَّصْفِيقِ يُرِيدُ صَفَّقَ مِنْهُمْ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَكْثَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ التَّصْفِيقَ فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ لِيَنْظُرَ مَا أَوْجَبَ كَثْرَةَ تَصْفِيقِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ الْتَفَتَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَقْطَعْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ مَنْ الْتَفَتَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْمَنْعِ وَالْكَرَاهِيَةِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا النَّظَرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَمْنُوعٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْحَظُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلِمَ أَنَّ التَّصْفِيقَ كَانَ مِنْ أَجْلِهِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى أَنْ يَتَأَخَّرَ إلَى الصَّفِّ أَوْ أَخَذَ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ لِلْعُذْرِ وَالْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لَا تُبْطِلُهَا وَلَا تَنْقُصُهَا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ» وَمِنْهُ رَدُّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِشَارَةِ بِهِمَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِشَارَةِ بِرَدِّ السَّلَامِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشِيرَ فِي الصَّلَاةِ بِنَعَمْ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْمَشْيِ وَيُعْطِيَهُ إيَّاهُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُخْطِئُ مَوْضِعَهُ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ حَتَّى يُفْهِمَ وَذَلِكَ شُغْلٌ عَنْ الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَمْكُثَ فَكَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ إمَامًا. وَالثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ مَأْمُومًا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَقَدْ رُوِيَ مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إلَيْكَ، وَرَفْعُ أَبِي بَكْرٍ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِلدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي مَوْضِعِ الدُّعَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَمْدُهُ عَلَى أَنْ لَمْ يَكُنْ أَخْطَأَ فِي تَقَدُّمِهِ بِالنَّاسِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَأْمَنُ فِيهِ وُرُودَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ وَأَهَّلَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَقَدُّمِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَصَلَاتِهِ بِهِ. وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أُخْبِرَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا يَسُرُّهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ بِمُصِيبَةٍ فَاسْتَرْجَعَ أَوْ خُبِّرَ بِشَيْءٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوْ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتِ لَا يُعْجِبُنِي وَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قَطْعَ الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ دُخُولًا فِي جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ الْمُؤْتَمِّينَ وَخُرُوجًا

[وفي الاستخلاف أربعة أبواب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُتْبَةِ الْمَأْمُومِ فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ وَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: تَأَخُّرُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالثَّانِيَةُ: تَقَدُّمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا تَأَخُّرُ الْإِمَامِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ إتْمَامُ صَلَاتِهِ وَلَزِمَ النَّاسَ الِائْتِمَامُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ مَا دَخَلَ فِيهِ وَالْتَزَمَهُ وَلَا إبْطَالُ صَلَاةِ مَنْ قَدْ ائْتَمَّ بِهِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي إمَامٍ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ ثُمَّ أَتَى فَأَخَّرَ الْمُسْتَخْلَفَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ أَنَّ ذَلِكَ مَاضٍ وَاسْتَدَلَّ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ إذْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَظْهَرَ بِذَلِكَ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا تَأَخَّرَ وَهَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ قَالَ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَجَازَ الْيَوْمَ أَنْ يَتَأَخَّرَ لِإِمَامٍ يَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَأَخُّرُ الْإِمَامِ لِعُذْرٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَالْأَعْذَارُ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا مَا يُوجِبُ لِلْإِمَامِ كَوْنَهُ مَأْمُومًا وَذَلِكَ إذَا عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ وَيُقَدِّمُ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَيَأْتَمُّ هُوَ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَحْدُثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ كَالْحَدَثِ وَمَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ أَحَدَ الْمُصَلِّينَ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَيَنْصَرِفُ هُوَ لِإِزَالَةِ مَا مَنَعَهُ إتْمَامَ الصَّلَاةِ. [وَفِي الِاسْتِخْلَافِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ وَالْمُسْتَخْلَفِ] 1 وَفِي الِاسْتِخْلَافِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِي حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ وَالْمُسْتَخْلَفِ. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي عَمَلِ الْبَابُ الْمُسْتَخْلَفِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي عَمَلِ مَنْ اُسْتُخْلِفَ لِلصَّلَاةِ بِهِمْ. وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي عَمَلِهِمْ بَعْدَ إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُهُ التَّمَادِي فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُتِمُّ بِالْقَوْمِ الصَّلَاةَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا صَلَاةُ جَمَاعَةٍ تُؤَدَّى فَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْإِمَامَةُ جَمِيعَهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ بَاقِيًا عَلَى إمَامَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَدَّمَ الْمُحْدِثُ رَجُلًا فَلَمْ يَتَقَدَّمْ حَتَّى تَقَدَّمَ غَيْرُهُ فَصَلَّى بِهِمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ تُجْزِئُهُمْ صَلَاتُهُمْ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لَا يَكُونُ إمَامًا إلَّا بَعْدَ أَخْذِهِ فِي الْإِمَامَةِ وَأَخْذِ النَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَمَّا عُدِمَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَخْلَفِ لَمْ يَكُنْ إمَامًا وَلَمَّا وُجِدَ ذَلِكَ فِي الَّذِي تَقَدَّمَ صَحَّ ائْتِمَامُهُمْ بِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَكُونُ إمَامًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَوْضِعَ الْإِمَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ أَحْرَمَ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ فَأَحْرَمَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْمٍ أَحْرَمُوا قَبْلَ إمَامِهِمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السُّجُودِ فَلَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فَلْيُقَدِّمْ هَذَا مَنْ أَدْرَكَهَا وَيَتَأَخَّرْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ السُّجُودِ وَالْإِمَامُ لَا يَأْتِي مِنْ الصَّلَاةِ بِمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَأْمُومُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْإِمَامِ وَهَذَا لَمَّا اُسْتُخْلِفَ قَدْ صَارَ إمَامًا فَلَا يَشْتَغِلُ عَنْ الصَّلَاةِ بِمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ جُنُبًا وَلَا سَكْرَانَ وَلَا مَجْنُونًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ إمَامٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ

[الباب الثاني في عمل المستخلف فيما بقي عليه من صلاة الإمام]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصِفَةِ مَنْ تَصِحُّ إمَامَتُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ اُسْتُخْلِفَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَائْتَمُّوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إذَا كَانَ الْجُنُبُ ذَاكِرًا لِجَنَابَتِهِ وَحُكْمُهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا غَيْرَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ أَحَدًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ أَحَدًا وَقَدَّمَتْ طَائِفَةٌ رَجُلًا صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ وَقَدَّمَتْ طَائِفَةٌ رَجُلًا صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ قَالَهُ سَحْنُونَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ وَقَدْ أَسَاءَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ وَجَدُوا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ أَوْ مَنْ تَقَدَّمَ إنَّمَا تَلْزَمُ إمَامَتُهُ مَنْ شَرَعَ فِي الِائْتِمَامِ بِهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي ذَلِكَ وَلَوْ قَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ صَلَّى فَذَّا فَقَدْ أَسَاءَ وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَصَلَّى فَذًّا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَمْ يُقَدِّمْ الْإِمَامُ أَحَدًا فَصَلَّوْا أَفْذَاذًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلُوا أَجْزَأَتْهُمْ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ ابْتَدَأَ صَلَاةً مَعَ إمَامٍ فَأَتَمَّهَا وَحْدَهُ فَلْيَعُدْ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عِنْدَهُ صَلَاةً تَصِحُّ مِنْ الْفَذِّ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ قَدْ زَالَ حُكْمُهُ بِمَا أَحْدَثَ فَصَحَّ أَنْ تَتِمَّ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَلَى حُكْمِ الْفَذِّ كَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي أَحْدَثَ غَيْرُ مَأْمُومٍ وَاحِدٍ لَكَانَ يَقْضِي فَذًّا. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِمَامَةِ بِالدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِانْفِرَادِ عَنْ الْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ فَارَقَ الْإِمَامَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حُكْمِ الْإِمَامَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِإِمَامٍ يُرِيدُ أَنْ يَؤُمَّ فِي جَمِيعِهَا أَدَاءً وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْفَذِّ فَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِمَامِ تَنْفَضُّ عَنْهُ الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ رَكْعَةٍ فَقَالَ أَشْهَبُ يُصَلِّي رَكْعَةً وَتُجْزِئُهُ جُمُعَتُهُ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَالَ سَحْنُونَ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا تَكُونُ لَهُ جُمُعَةٌ فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ سَحْنُونٍ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَتِنَا وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فَالظَّاهِرُ فِي مَسْأَلَتِنَا الْجَوَازُ وَأَلَّا نُفَرِّقَ بَيْنَ انْفِرَادِ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ فِي الْجُمُعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَقَلُّ لِعَمَلِ الْمُسْتَخْلَفِ فِي التَّقَدُّمِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ أَنْ يَلِيَ الْإِمَامَ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ لِيَسْتَخْلِفَ مِنْهُمْ إنْ احْتَاجَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لِيَلِنِي مِنْكُمْ ذَوُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» . (مَسْأَلَةٌ) : وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِالْإِشَارَةِ وَيَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فِي خُرُوجِهِ يُرِي أَنَّ مَا أَصَابَهُ رُعَافٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَكَلَّمَ لَمْ يُفْسِدْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أَحْدَثَ رَاكِعًا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يَرْفَعُ بِهِمْ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يَرْفَعُ بِهِمْ وَقِيلَ يَسْتَخْلِفُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ لِئَلَّا يَرْفَعُوا بِرَفْعِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ خَرَجَ عَنْ الْإِمَامَةِ فَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يَرْفَعُ بِهِمْ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِالرُّكُوعِ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِمَامِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنُ لَهُ فِي تَنَاوُلِ الِاسْتِخْلَافِ بِالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ إلَى مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ وَيَتْرُكُ التَّكْبِيرَ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ وَلِئَلَّا يُتَّبَعَ فِي التَّكْبِيرِ فَيُقْتَدَى بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِحَدَثِهِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى حَالَةِ الرُّكُوعِ أَنَّ ذَلِكَ تَوَقُّعٌ مِنْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ وَرَاءَهُ فِي رَفْعِهِ رَأْسَهُ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَحْدَثَ عَلَيْهَا. [الْبَابُ الثَّانِي فِي عَمَلِ الْمُسْتَخْلَفِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ] 1 ِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ. فَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ أَنْ قَرَأَ بَعْضَ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

[الباب الثالث في عمل من استخلف للصلاة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعُتْبِيَّةِ يَقْرَأُ الْمُقَدَّمُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْقِرَاءَةِ فَلَا يُعِيدُهَا وَيَرْكَعُ وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَحْدَثَ رَاكِعًا اسْتَخْلَفَ مَنْ يَدِبُّ رَاكِعًا يُرِيدُ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ وَيَرْفَعُ بِهِمْ وَرَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُسْتَخْلَفُ فِي الْجُلُوسِ يَدِبُّ جَالِسًا وَفِي الْقِيَامِ يَتَقَدَّمُ قَائِمًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِ الْإِمَامِ وَيَتَقَدَّمَ إلَى مَوْضِعِهِ لِيَتِمَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ عَلَى سُنَّتِهِ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ تَقَدُّمُهُ لِلْإِمَامَةِ فَرُبَّمَا قَدْ يُعَضِّدُهُ الِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي اُسْتُخْلِفَ عَلَيْهَا فَيَتَقَدَّمُ بِهِ فِي إتْمَامِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَى الْمُسْتَخْلَفِ أَنْ يُتِمَّ بِهِمْ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِصَلَاتِهِ فَلَوْ فَاتَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَةٌ ثُمَّ رَكَعَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ سُجُودَهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِهِمْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَجْلِسُ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَلِّيهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا أَكْمَلَ صَلَاةَ الْإِمَامِ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُنَبِّهَهُمْ عَلَى انْتِظَارِهِ لِئَلَّا يَتْبَعُوهُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِذَا أَتَمَّ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ سَلَّمَ بِهِمْ. (فَرْعٌ) وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ وَحْدَهُ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ فَرَكَعَ مَعَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُتِمُّ رَكْعَتَهُ وَيَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْضِي الْأَوَّلُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ حَتَّى يَبْلُغَ مَحَلَّ السَّلَامِ ثُمَّ يَقُومَ فَيَقْضِيَ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يُسَلِّمَ فَتَتِمَّ صَلَاتُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا أَحْدَثَ إمَامُهُمْ فَخَرَجَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَصَلَّوْا أَفْذَاذًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يَبْنِي عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ مَنْ فَاتَهُ مِنْهُمْ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَنْ لَمْ يَفُتْ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي عَمَلِ مَنْ اُسْتُخْلِفَ لِلصَّلَاةِ] وَحُكْمُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَتْبَعُ الْمُسْتَخْلَفَ فِيمَا يَبْنِي عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلِفُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ ابْتِدَاءَ رَكْعَةٍ أَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَهُ فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ بَاقِيَةٌ عَلَى سُنَّتِهَا لَا يَلْحَقُهَا تَغْيِيرٌ وَلَوْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ بِهِمْ صَلَاةَ الْإِمَامِ حَتَّى يَبْلُغَ مَحَلَّ السَّلَامِ فَإِذَا بَلَغَهُ أَشَارَ إلَيْهِمْ فَقَامَ فَقَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ قَدْ فَاتَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ يَقُومُ الْمُسْتَخْلَفُ وَحْدَهُ لِلْقَضَاءِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُ مَعَهُ مَنْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ وَيَقُومُ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا فَيَقْضِيهِ بَعْدَ سَلَامِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا قَامَ يَقْضِي قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا فَاتَهُمْ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ وَالْقَضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ فَإِنَّ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ صَلَاتِهِ لَا يَقْضِي إلَّا بَعْدَ سَلَامِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَأْخِيرَ السَّلَامِ لِقَضَاءِ الْمُسْتَخْلَفِ مُدَّةً لَا عَمَلَ عَلَى الْمَأْمُومِ فِيهَا غَيْرَ انْتِظَارِ تَمَامِهِ فَجَازَ أَنْ يُتِمُّوا فِيهَا صَلَاتَهُمْ كَالطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ تُتِمُّ صَلَاتَهَا فِي مُدَّةٍ يَنْتَظِرُ فِيهَا الْإِمَامُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْمُسْتَخْلَفِ يُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَامَ يَقْضِي لِنَفْسِهِ فَضَحِكَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الْقَوْمُ احْتِيَاطًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ وَهَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَتَمَّ مَعَهُ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِ إمَامَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومُوا وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُمْ فِي حُكْمِ إمَامَتِهِ لَزِمَتْهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا أَفْسَدَهَا بِضَحِكٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْمَأْمُومَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ قَبْلَ سَلَامِ الْمُسْتَخْلَفِ فَقَدْ حَكَى سَحْنُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنْ ائْتَمَّ بِالْمُسْتَخْلَفِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ تُجْزِئُهُ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُعِيدُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ائْتَمَّ بِهِ فِيمَا مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يُصَلِّيَهُ فَذًّا كَمَا لَوْ

[الباب الرابع في عملهم بعد إتمام صلاة الإمام]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِي أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَرَائِي وَلَا أَشْعُرُ بِهِ فَالْتَفَتُّ فَغَمَزَنِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَّمَ الْإِمَامُ وَقَامَ لِلْقَضَاءِ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ صَلَاتِهِ، فَائْتَمَّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُنَافِي حُكْمَ الْجَمْعِ وَالِائْتِمَامِ وَلِذَلِكَ لَا يَأْتَمُّ الْقَاضِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا لَا تَتِمُّ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ لَا يُتِمَّ صَلَاةً مَعَ إمَامٍ إلَّا مَنْ ابْتَدَأَهَا مَعَهُ وَلِذَلِكَ مَنْ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ فَذًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا مَعَ الْإِمَامِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ لَهُ حُكْمُ الِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَجَازَ أَنْ يَقْتَدِيَ فِيهِ بِالْمُسْتَخْلَفِ أَصْلُ ذَلِكَ الْبِنَاءُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي عَمَلِهِمْ بَعْدَ إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ] 1 وَإِذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهَا سَجْدَةٌ وَتَمَادَى الْمُسْتَخْلَفُ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَتْبَعُوهُ فِي سَجْدَتِهَا لِأَنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ وَلَا يَعْتَدُّونَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ فَإِنْ اتَّبَعُوهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدْ قِيلَ تُجْزِئُهُمْ إنْ سَجَدُوهَا مَعَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ تِلْكَ السَّجْدَةَ نَافِلَةٌ لِلْمُسْتَخْلَفِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهَا وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا اتِّبَاعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَمَنْ اتَّبَعَهُ فِيهَا لَمْ يَقْضِ بِهَا فَرْضَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي فَرْضَهُ بِاتِّبَاعِ إمَامٍ مُتَنَفِّلٍ وَإِذَا لَمْ يَجْزِهِ فِي صَلَاتِهِ وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ إنَّمَا يَأْتِي بِهَذِهِ السَّجْدَةِ نِيَابَةً عَنْ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَتْبَعَهُ فِيهَا الْمَأْمُومُ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهَا إلَّا اتِّبَاعَ الْمَأْمُومِ لَهُ فِيهَا فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ فِعْلُهَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يُجْزِئَ الْإِمَامَ اتِّبَاعُهُ فِيهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهَا نَافِلَةٌ لِلْمُسْتَخْلَفِ بَلْ هِيَ فَرْضُهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَالِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ التَّصْفِيقِ إنْكَارٌ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَّقَ حُكْمَ الْإِنْكَارِ بِالْإِكْثَارِ وَالْمُرَادُ إنْكَارُ جَمِيعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِنْكَارُ لِلْإِكْثَارِ مِنْهُ أَكْثَرَ قَصَدَ إلَيْهِ وَعَلَّقَ الْإِنْكَارَ بِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ هَذَا عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَعْقِلُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ التَّسْبِيحُ كَالرِّجَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ إذَا نَابَهُنَّ شَيْءٌ التَّصْفِيقُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا وَرَدَ بِسَبَبِ الْقَوْمِ الَّذِينَ صَفَّقُوا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَيَجِبُ أَنْ يُقْصَرَ عَلَيْهِمْ. فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُقْصَرُ عَلَى سَبَبِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُقْصَرْ حُكْمُ الظِّهَارِ عَلَى سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ وَلَا آيَةُ اللِّعَانِ عَلَى هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» لَيْسَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُنَّ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى الْعَيْبِ لِلْفِعْلِ بِإِضَافَتِهِ إلَى النِّسَاءِ كَمَا يُقَالُ كُفْرَانُ الْعَشِيرِ مِنْ أَفْعَالِ النِّسَاءِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ التَّسْبِيحِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ سَبَّحَ سَبَّحَ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ فِي نَوَازِلِهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ الْتَفَتَ إلَيْهِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ لِيَعْلَمَ سَبَبَ التَّسْبِيحِ هَلْ هُوَ مِنْ أَجْلِ صَلَاتِهِ أَمْ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهَا فَيَعْمَلَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِي أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَرَائِي وَلَا أَشْعُرُ بِهِ فَالْتَفَتُّ فَغَمَزَنِي) . (ش) : وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ لِإِقْبَالِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِهَا وَإِعْرَاضِهِ عَنْ غَيْرِهَا وَقَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَا أَشْعُرُ بِهِ يَعْنِي لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَرَاءَهُ فَلَمَّا الْتَفَتَ غَمَزَهُ ابْنُ عُمَرَ يُرِيدُ أَشَارَ إلَيْهِ مُنْكِرًا لِفِعْلِهِ وَآمِرًا لَهُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى

[ما يفعل من جاء والإمام راكع]

مَا يَفْعَلُ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّاسَ رُكُوعًا فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ حَتَّى وَصَلَ الصَّفَّ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَدِبُّ رَاكِعًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاتِهِ وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَإِنَّمَا كَانَ جَالِسًا وَرَاءَهُ وَأَبُو جَعْفَرٍ يَتَنَفَّلُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الِالْتِفَاتَ وَلَوْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ لَاشْتَغَلَ بِهَا عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ. [مَا يَفْعَلُ مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ] (ش) : قَوْلُهُ فَوَجَدَ النَّاسَ رُكُوعًا يُرِيدُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ لَمَّا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ الْإِمَامُ بِالرَّكْعَةِ ثُمَّ دَبَّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الصَّفِّ، وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَخَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الصَّفَّ وَخَافَ إنْ كَبَّرَ لَا يَصِلُ أَوَّلَ الصَّفِّ حَتَّى يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَرْكَعْ وَلْيَمْشِ عَلَى هَيِّنَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّفَّ فَيُكَبِّرَ وَيُصَلِّيَ مَا أَدْرَكَ فَهَذَا حُكْمُهُ إذَا كَانَ بِمَوْضِعِ ائْتِمَامِهِ مُصَلُّونَ قَلِيلٌ لَيْسُوا مِمَّنْ يَقُومُ بِهِمْ صَفٌّ وَلَا جُزْءٌ مِنْهُ لَهُ بَالٌ وَلَوْ أَدْرَكَ صَفًّا أَوْ جُزْءًا لَهُ بَالٌ مِنْ الصَّفِّ رَكَعَ بِهِ ثُمَّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ كَانَ فِي صَفٍّ فَرَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَ الصَّفِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ كَبَّرَ دُونَ الصَّفِّ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ دُونَ الصَّفِّ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُكَبِّرُ وَلَا يَرْكَعُ حَتَّى يَأْخُذَ مُقَامَهُ مِنْ الصَّفِّ أَوْ يُقَارِبَهُ وَأَمَّا مَا كَانَ بَعِيدًا فَلَا أُحِبُّهُ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مُرَغَّبٌ فِيهَا وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَهُ الْإِمَامُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَتَفُوتُهُ بِذَلِكَ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ يَدْخُلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّفِّ فَهُوَ أَمْرٌ لَا يَفُوتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ مَا يَخَافُ فَوَاتَهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ فَلَا يَرْكَعُ دُونَ الصَّفِّ حَتَّى يَأْخُذَ مَكَانَهُ» . (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يُمَكِّنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ هُوَ الْفَرْضُ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ ائْتَمَّ بِهِ فِي الرُّكُوعِ فَكَانَ مُدْرِكًا لَهُ مَعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَمَتَى يَدِبُّ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ انْحَطَّ لِلرُّكُوعِ ثُمَّ دَبَّ رَاكِعًا فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ أَكْمَلَ الرُّكُوعَ ثُمَّ دَبَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُخَالِفًا لَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ مَالِكٍ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ وَيَدِبُّ رَاكِعًا وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَا يَدِبُّ إلَى الصَّفِّ حَتَّى يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَرُوِيَ عَنْهُ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا وَلَعَلَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ لِمَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الصَّفِّ مَأْمُورٌ بِهَا وَالصَّلَاةُ دُونَ الصَّفِّ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّكْبِيرُ دُونَ الصَّفِّ خَوْفَ الْفَوَاتِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَفْعَلُهَا دُونَ الصَّفِّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إدْرَاكِ الصَّفِّ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ فِي دَبِيبِهِ فِي نَفْسِ الرُّكُوعِ اشْتِغَالًا عَنْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى هَيِّنَتِهِ ثُمَّ يَدِبَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِدْرَاكِ الصَّفِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِقْدَارُ الْقَرِيبِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ فِيهِ هَذَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْكَعُ إذَا كَانَ قَرِيبًا يَدِبُّ بَعْدَ ذَلِكَ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَأَمَّا إذَا بَعُدَ فَلَا أُحِبُّهُ.

[ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم]

مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؛ الصَّلَاةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ الرَّحْمَةُ إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا هِيَ الدُّعَاءُ وَإِنَّمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمَرُونَ بِالرَّحْمَةِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُونَ بِالدُّعَاءِ إلَّا أَنَّ الدُّعَاءَ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ وَعَلَى صِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَسَأَلُوا هَلْ لِذَلِكَ صِفَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي ذَلِكَ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَهِيَ أَنْ يُدْعَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَهُنَّ مَعْرُوفَاتٌ وَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَمَنْ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِلَادَةً مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ مِمَّنْ تَبِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَطَاعَهُ. وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ أَيْ كَمَا رَحِمْت آلَ إبْرَاهِيمَ وَآلُ إبْرَاهِيمَ أَتْبَاعُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَتْبَاعَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَتْبَاعَهُ مِنْ كُلِّ مَنْ اتَّبَعَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] يُرِيدُ أَتْبَاعَهُ مِنْ رَهْطِهِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ الْآلُ الْأَتْبَاعُ مِنْ الرَّهْطِ وَالْعَشِيرَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الْبَرَكَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّكْثِيرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَبَرَّةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ تَكْثِيرَ الثَّوَابِ لَهُمْ وَرَفْعَ دَرَجَاتِهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] وَيَحْتَمِلُ بِذَلِكَ تَكْثِيرَ عَدَدِهِمْ مَعَ تَوْفِيقِهِمْ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُكَ تَقَدَّسَ أَيْ تَطَهَّرَ، فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ طُهْرَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ «أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ» ) . (ش) : قَوْلُهُ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ رُؤَسَاءَ النَّاسِ وَفُضَلَاءَهُمْ بِالزِّيَارَةِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَالتَّأْنِيسِ لَهُمْ وَقَوْلُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَهَذَا الْأَمْرُ لَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ ذَلِكَ فَرِيضَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ فَرِيضَةً لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْآخَرِ مِنْ الصَّلَاةِ

[العمل في جامع الصلاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) . الْعَمَلُ فِي جَامِعِ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا ذِكْرُ نَبِيٍّ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَذِكْرِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك سُؤَالٌ عَنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَسُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ فَأُوحِيَ إلَيْهِ بِذَلِكَ عِنْدَ السُّؤَالِ فَكَانَ سُكُوتُهُ لِأَجْلِ الْوَحْيِ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَصْرُوفًا إلَيْهِ فَسَكَتَ مُخْتَارًا وَإِنَّمَا تَمَنَّوْا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَأَلَهُ لَمَّا خَافُوا أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ السُّؤَالَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ قَوْله تَعَالَى {وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَأَنَّ صِفَةَ هَذَا التَّسْلِيمِ قَدْ عَرَفُوهَا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) . (ش) : هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَتَابَعَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ مَذَاهِبِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» وَفِي الْجُمْلَةِ إنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ إنْ خِيفَ مِنْهُ الْإِبْهَامُ اُمْتُنِعَ مِنْهُ وَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يُمْنَعْ بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقِفَ بِالْقَبْرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْغُرَبَاءِ إذَا دَخَلُوا وَخَرَجُوا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَأَيْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ إذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا أَتَوْا الْقَبْرَ فَسَلَّمُوا وَإِذَا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ رَأْيٌ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْغُرَبَاءِ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ قَصَدُوا لِذَلِكَ وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَهُمْ مُقِيمُونَ بِهَا لَمْ يَقْصِدُوهَا مِنْ أَجْلِ الْقَبْرِ وَالْمَسْجِدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي شُرِعَ لِمَنْ وَقَفَ بِالْقَبْرِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْعُو لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الصَّلَاةِ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَوَجَدْت لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْنُو فَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدُّعَاءُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو وَلَكِنْ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَمْضِي وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي غَيْرِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَدْعُو مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ وَلَا يَدْعُو وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ وَظَهْرُهُ إلَى الْقَبْرِ. [الْعَمَلُ فِي جَامِعِ الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ يَتَنَفَّلُ بِهِمَا وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَتَرَكَ ذِكْرَهَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَهَا فَأَمَّا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فَوَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّنَفُّلُ قَبْلَهَا فَمُبَاحٌ وَفِيمَا بَعْدَهَا فَمَمْنُوعٌ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَمَّا قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْت لَهُ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا قَالَ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَا يَأْمُرُنَا وَلَا يَنْهَانَا» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ تَقْدِيمَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قُدِّمَ ذَلِكَ عَلَى التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَلَوْ تَنَفَّلَ مُتَنَفِّلٌ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَجَائِزٌ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِبَيْتٍ وَلَا غَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْ سُرْعَةِ انْصِرَافِهِ إمَّا لِلْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ فِي الْجُمُعَةِ إنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَهَا حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ الِانْصِرَافَ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الِانْصِرَافَ مِنْ مَكَانِهِ فَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ إلَى مَنْزِلِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا صَلَاةُ فَرْضٍ رَكْعَتَانِ غَيْرُ مَقْصُورَةٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَكَانَ لِلْمَنْعِ تَأْثِيرٌ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا كَصَلَاةِ الصُّبْحِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْكَعْ وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَرْكَعَ وَوَجْهُ ذَلِكَ الْقِيَاسُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَالْمَأْمُومِ أَنَّ الْإِمَامَ شُرِعَ لَهُ سُرْعَةُ الْقِيَامِ مِنْ مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ وَلَا يُقِيمُ بِهِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِلْمَأْمُومِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فَوَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا» يَعْنِي حَيْثُ يَسْتَقْبِلُ بِوَجْهِهِ «فَوَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ» يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ حَضَّهُمْ عَلَى الْخُشُوعِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَقَوْلُهُ «إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ بِأَفْعَالِكُمْ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْعِلْمَ مَا كَانَ لِقَوْلِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي فَائِدَةٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ أَوْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إعْلَامَهُمْ بِأَنَّهُ يَرَى مَعَ إقْبَالِهِ عَلَى قِبْلَتِهِ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْظُرَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَرَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ مِمَّنْ يُدْرِكُهُ نَظَرُهُ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ أَوْ مَعَ الْتِفَاتٍ يَسِيرٍ فِي نَادِرِ الْأَوْقَاتِ وَيُوصَفُ مَنْ يَقِفُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ كَمَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ وَرَاءَهُ وَخَلْفَهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) . ش قَوْلُهُ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا يُرِيدُ مَسْجِدَ قُبَاءَ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَتِهِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ فَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْقَصْدِ إلَى قُبَاءَ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَأْتِي الْمَسْجِدَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْجُمُعَةِ الْمَقْصُودَةِ مَوْضِعٌ مَقْصُودٌ ثُمَّ وَصَفَ الْقَصْدَ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ الْمَوْضِعِ الْمَقْصُودِ كَمَا يُقَالُ خَرَجَ فُلَانٌ إلَى الْمَدِينَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ تَوَجُّهُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَإِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ قَصْدُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ تَوَجَّهَ فُلَانٌ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ تَوَجُّهُهُ إلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ لِلْعَمَلِ الْمَقْصُودِ فِيهَا وَلَيْسَ فِي قُبَاءَ مَوْضِعٌ مَقْصُودٌ غَيْرُ مَسْجِدِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ وَقَتَادَةُ إلَى أَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءَ وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي قَالَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ فَقَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنَّهُ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هُوَ مَسْجِدِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَنْ تُعْمَلَ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ لِأَنَّ إتْيَانَ قُبَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ إعْمَالِ الْمَطِيِّ لِأَنَّ إعْمَالَ الْمَطِيِّ مِنْ صِفَاتِ الْأَسْفَارِ الْبَعِيدَةِ وَقَطْعِ الْمَسَافَاتِ الطِّوَالِ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ دَارِهِ رَاكِبًا أَنَّهُ أَعْمَلَ الْمَطِيَّ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَنْعِ مِنْ إعْمَالِ الْمَطِيِّ أَنْ يَرْكَبَ إنْسَانٌ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ فِي جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ فَإِنَّ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ أَنْ يُسَافِرَ السَّفَرَ الْبَعِيدَ إلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ وَلَوْ أَنَّ آتِيًا أَتَى قُبَاءَ وَقَصَدَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ وَتَكَلَّفَ فِيهِ مِنْ السَّفَرِ مَا يُوصَفُ مِنْ إعْمَالِ الْمَطِيِّ لَكَانَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ قَدَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَكْثَرُ. (ش) : قَوْلُهُ «مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي» اخْتِبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَسَائِلِ الْعِلْمِ عَلَى حَسَبِ مَا يَخْتَبِرُ بِهِ الْعَالِمُ أَصْحَابَهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْرِيبَ التَّعْلِيمِ عَلَيْهِمْ فَقَرَّرَ مَعَهُمْ حُكْمَ قَضَايَا يُسَهِّلُ عَلَيْهِمْ مَا أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ إيَّاهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَصَدَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهِيَ أَسْوَأُ مِمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ فَاحِشَةٌ. (فَصْلٌ) : وَسُؤَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عَنْ حُكْمِ الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ حُكْمٌ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِآرَائِهِمْ وَفِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ حَدٌّ بَعْدَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ تَأَدُّبٌ مِنْهُمْ وَرَدٌّ لِلْعِلْمِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ «هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةُ الْفَوَاحِشِ» جَمْعُ فَاحِشَةٍ وَهِيَ مَا فَحُشَ مِنْ الذُّنُوبِ يُقَالُ هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَعَيْبٌ فَاحِشٌ أَيْ كَبِيرٌ شَدِيدٌ وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ عَلَى مَا يُعَاقِبُ عَلَيْهِ الْمُعْتَدِي وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِجِنْسٍ مِنْهَا وَلَا بِقَدْرٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلَاتَهُ» السَّرِقَةُ تَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْرِقَهَا مِنْ الْحَفَظَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهِ وَكَتْبِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ وُجُودُ مَا أَرَادُوا أَنْ يَكْتُبُوهُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ فِيهَا. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِيهَا بِمَعْنَى الْخِيَانَةِ وَذَلِكَ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَيْهَا فَيَخُونَ فِيهَا وَلَا يَأْتِي فِيهَا عَلَى حَسَبِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَدَائِهَا وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ فِي رُكْبَتَيْهِ وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ كَذَلِكَ وَمِنْ السُّجُودِ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ وَيَدَيْهِ وَسَائِرَ أَعْضَاءِ سُجُودِهِ عَلَى مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقِرَّ كَذَلِكَ فَلَوْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ سَرَقَ صَلَاتَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» ) .. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَرِيضُ السُّجُودَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ إيمَاءً وَلَمْ يَرْفَعْ إلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ الرَّجُلُ كَلَامًا فَرَجَعَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ إذَا سُلِّمَ عَلَى أَحَدِكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَا يَتَكَلَّمْ وَلْيُشِرْ بِيَدِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ «كَيْفَ يَسْرِقُ صَلَاتَهُ» سُؤَالٌ عَنْ تَفْسِيرِ مَا أَجْمَلَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفَسِّرًا لِذَلِكَ أَنْ لَا يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَإِنَّمَا خَصَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِأَنَّ الْإِخْلَالَ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَقَعُ بِهِمَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» ) . ش قَوْلُهُ «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فَرْضِهِ فِي بَيْتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ أَهْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ التَّخَلُّفَ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالنِّسَاءُ كُنَّ يَخْرُجْنَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَى الْمَسَاجِدِ فَيَتَعَلَّمْنَ وَيَقْتَدِينَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا فَقَدْ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ بِالْقَوْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ كَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إتْيَانَهُ بِالنَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مَسْجِدِهِ وَهَذَا حُكْمُ النَّوَافِلِ كُلِّهَا التَّسَتُّرُ بِهَا أَفْضَلُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . (ش) : قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَرِيضُ السُّجُودَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَيَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْإِيمَاءِ وَحُكْمِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا شَيْئًا) . (ش) : قَوْلُهُ إذَا جَاءَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يُرِيدُ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي جَاءَ لَهَا وَحَضَرَ وَقْتُهَا وَصَلَّاهَا النَّاسُ دُونَهُ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا شَيْئًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ سَعَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ يُصَلِّي وَحْدَهُ صَلَاةَ فَرْضٍ فِي وَقْتِهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ ضَيِّقٍ عَنْ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ وَعَنْ نَافِلَةٍ قَبْلَهَا بَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا نَافِلَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَوَاتَ الْفَرِيضَةِ فِي وَقْتِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ بِالنَّافِلَةِ ثُمَّ بِالْفَرِيضَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَ فِعْلَهُ بِتَقَدُّمِ صَلَاةِ النَّاسِ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ فِي ضِيقٍ مِنْ الْوَقْتِ لَقَصَدَ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ مِنْ نَقْلِ فِعْلِهِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ وَيَفْعَلَ ضِدَّهُ فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ فَنَقْلُهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَحَمْلُ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَأُضِيفَ إلَيْهِ عَلَى فَائِدَةٍ أَوْلَى. (ش) : السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي جَائِزٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَدْرَكْته وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيَّ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي فَقَالَ إنَّك سَلَّمْت عَلَيَّ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي. فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَظْهَرَ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ نُطْقًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَرُدُّ بِالْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ فَرَدُّ السَّلَامِ كَلَامٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا أَتَيْنَا الْجَيْشَ فَرَجَعْنَا سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلْيُشِرْ بِيَدِهِ لَمَّا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْكَلَامِ كَانَ حُكْمُهُ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَأَمَّا الْمُؤَذِّنُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الْأُخْرَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُلَبِّي فَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ فَإِنَّ سُلِّمَ عَلَيْهِ لَمْ يَرُدَّ إشَارَةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقْطَعُ الْكَلَامُ صَلَاتَهُ وَالْمُؤَذِّنُ وَالْمُلَبِّي لَا يَقْطَعُ عِبَادَتَهُمَا الْكَلَامُ فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بَدَلٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ وَالتَّلْبِيَةِ بَدَلٌ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا إنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَغُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهُمَا مَشْرُوعَانِ فَكَانَ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَلَمْ يَكُنْ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ بَدَلٌ مِنْ تَيَمُّمٍ وَلَا غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ وَرَاءَ إمَامٍ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي كَانَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَادَى لِئَلَّا تَفُوتَهُ فَضِيلَةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ فَيَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُعِيدُ صَلَاتَهُ تِلْكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ تِلْكَ وَيَقْضِي الْفَائِتَةَ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ فَائِتَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَهَا فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي صَلَاةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَفَذًّا فَإِنْ كَانَ إمَامًا قَطَعَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِتِ وَسَنَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ أَوْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَاهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ إحْدَاهُمَا تَبْطُلُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْفِصَالُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِعَدَمِهِ تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ إنَّ صَلَاتَهُمْ صَحِيحَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى لَوْ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ مَعَ عَدَمِهِ فَإِذَا ذَكَرَهُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ بِذَلِكَ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ كَالْحَدَثِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الذَّاكِرُ لِلصَّلَاةِ مَأْمُومًا فَإِنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ ثُمَّ يُعِيدُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ ذَكَرَ فِي الْعَصْرِ ظُهْرَ يَوْمِهِ قَطَعَ عَلَى شَفْعٍ أَوْ وِتْرٍ وَكَذَلِكَ إنْ ذَكَرَ مَغْرِبَ لَيْلَتِهِ فِي الْعِشَاءِ وَإِنَّمَا يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ ذَاكِرًا لِصَلَاةٍ خَرَجَ وَقْتُهَا وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي خِنَاقٍ مِنْ وَقْتِهَا فَاسْتِدْرَاكُهُ لِوَقْتِهَا أَوْلَى مِنْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ لَا تُجْزِئُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ صَلَاةٍ فِي صَلَاةٍ لَا يُفْسِدُهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِلذَّاكِرِ وَحْدَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَبْدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ وَلَوْ بَطَلَتْ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِذِكْرِ غَيْرِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَرَاءَ إمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا يَحْتَسِبُ الَّتِي تَمَادَى فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا فَرْضُهُ وَإِنَّمَا يُعِيدُ بَعْدَ الَّتِي ذَكَرَهَا لِفَضِيلَةِ التَّرْتِيبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هِيَ نَافِلَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا يَقْطَعُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَوَائِتِ وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحُبِسْنَا عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْت نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِنَا ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ طَافَ عَلَيْنَا فَقَالَ مَا عَلَى الْأَرْضِ عِصَابَةٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ غَيْرُكُمْ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ حُبِسْنَا عَنْ الصَّلَوَاتِ وَذَكَرَ الْعِشَاءَ وَأَنَّهَا مِمَّا حُبِسُوا عَنْهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَهُمْ مِنْ صَلَاتِهَا فِي وَقْتِهَا وَلَوْ كَانَ وَقْتُهَا بَاقِيًا لَمَا كَانُوا مَحْبُوسِينَ عَنْهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَدَأَ بِالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ قَبْلَهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا تَرْتِيبٌ مَشْرُوعٌ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَبْطُلْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَتَرْتِيبِ الرَّكَعَاتِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا بِمَا ذَكَرَ فِيهَا مِنْ الْفَائِتَةِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا أَبَدًا وَقَالَ سَحْنُونَ لَا يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ مُرَاعًى فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَهَلْ التَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَاهُ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ ذَكَرَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمِهِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَجَهِلَ فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ أَنَّهُ يُعِيدُهَا إنْ عَلِمَ مَكَانَهُ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ رَأَيْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ انْفِصَالُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ مَا هُوَ فِي وَقْتِهَا أَكْثَرُ مِنْ تَأْخِيرِ الثَّانِيَةِ عَنْ وَقْتِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ صَلَاةِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَقْتٍ لَهَا وَتَقَدُّمُ الْأُخْرَى عَلَيْهَا لَا يَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَوَاتُ الَّتِي ذَكَرَ كَثِيرَةً فَلَا يَبْطُلُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلْيَقْضِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَوَائِتِ بَعْدَ إتْمَامِهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَلِيلَةَ خَمْسٌ فَمَا دُونَ ذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْخَمْسَ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا عَدَدٌ لَا تُنْكَرُ فِيهِ صَلَاةٌ فَكَانَ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ كَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ فِيهِ الْمُوَالَاةُ إلَّا فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الصَّلَوَاتِ مَقِيسٌ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الرَّكَعَاتِ وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ الْفَذُّ صَلَاةَ فَرْضٍ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَلْيَقْطَعْهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَلْيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى يَجْعَلُهَا نَافِلَةً وَيُسَلِّمُ وَيُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي كَانَ شَرَعَ فِيهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْطَعَ إذَا ذَكَرَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِ الصَّلَاةِ تَأْثِيرٌ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا وَلِذَلِكَ إذَا ذَكَرَهَا بَعْدَ رَكْعَةٍ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا فَأَثَرُ الذِّكْرِ فِيهَا الِاخْتِصَارُ مِنْهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَصَرْفُهَا عَنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ فَلَوْ أَتَمَّ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمَا كَانَ لِلذِّكْرِ فِيهَا تَأْثِيرٌ لِأَنَّهُ أَتَمَّهَا عَلَى حَسَبِ مَا ابْتَدَأَهَا بِهِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ لِيُظْهِرَ بِذَلِكَ تَأْثِيرَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ فِي صَلَاتِهِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ إذَا ذَكَرَهَا فِي الصُّبْحِ بَعْدَ رَكْعَةٍ أَنْ يَقْطَعَ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ يُضِيفُ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً عَلَى شَفْعٍ فَأَتَى مِنْهَا بِوِتْرٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَبْلِيغُهَا الشَّفْعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ كَمَا لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ رَكْعَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةَ فَرْضٍ فِي نَافِلَةٍ قَطَعَهَا إنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً يَقْطَعُ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى لَا يَقْطَعُ بَلْ يُتِمُّ نَافِلَةً وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُتِمَّ نَافِلَتَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الَّتِي ذَكَرَ بَعْدَ ثَلَاثٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ. وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا الْقَطْعَ إنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ تَأْثِيرَ الذِّكْرِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا إذَا كَانَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ تَرْتِيبٌ وَلَمَّا كَانَ التَّرْتِيبُ مَشْرُوعًا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُتَأَخِّرَةِ تَرْتِيبٌ وَأَمَّا الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِ الْفَرْضِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ رَكْعَةٍ تَأْثِيرٌ. وَوَجْهُ اخْتِيَارِ مَالِكٍ الْقَطْعَ فِي النَّافِلَةِ أَنَّهُ ذَاكِرٌ لِصَلَاةِ فَرْضٍ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ فَاسْتُحِبَّ لَهُ قَطْعُ النَّفْلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا ذَكَرَ الْفَرِيضَةَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْ النَّافِلَةِ فَإِنْ اُعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْ النَّافِلَةِ أَنْ لَا يَقْطَعَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَيْت صَلَاتِي انْصَرَفْت إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ شِقِّي الْأَيْسَرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَا مَنَعَك أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِك قَالَ فَقُلْت رَأَيْتُك فَانْصَرَفْت إلَيْك قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَإِنَّك قَدْ أَصَبْت إنَّ قَائِلًا يَقُولُ انْصَرِفْ عَنْ يَمِينِك فَإِذَا كُنْت تُصَلِّي فَانْصَرِفْ حَيْثُ شِئْت إنْ شِئْت عَنْ يَمِينِك وَإِنْ شِئْت عَنْ يَسَارِك) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أُصَلِّي فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا وَلَكِنْ صَلِّ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ يَقْطَعُ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ النَّافِلَةَ إذَا لَمْ يَعْقِدْ مِنْهَا رَكْعَةً فَإِنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ الْوَقْتَ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي ذَكَرَ أَحَقَّ مِنْهَا بِالْوَقْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَيُدْرِكُ بِذَلِكَ وَقْتَهَا فَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي ذَكَرَ تَسْتَحِقُّ الْوَقْتَ دُونَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا لَزِمَهُ قَطْعُهَا وَالشُّرُوعُ فِي الَّتِي تَسْتَحِقُّ بِالْوَقْتِ وَأَمَّا مَنْ عَقَدَ رَكْعَةً مِنْ النَّافِلَةِ فَقَدْ اسْتَحَقَّتْ تِلْكَ النَّافِلَةُ الْوَقْتَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» فَلَمَّا اسْتَحَقَّتْ الْوَقْتَ بِالْإِدْرَاكِ لَمْ تُقْطَعْ لِفَرِيضَةٍ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْوَقْتَ بِالذِّكْرِ فَيُتِمُّ نَافِلَةً ثُمَّ يُصَلِّي فَرِيضَتَهُ. (ش) : قَوْلُهُ كُنْت أُصَلِّي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى جِدَارِ الْقِبْلَةِ بَيَّنَ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ فَانْصَرَفْت إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ شِقِّي الْأَيْسَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قِبْلَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ عَنْهُ فِي جَانِبٍ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِك عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لِوَاسِعٍ لَمَّا رَآهُ قَدْ أَصَابَ فِي انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَكَانَ قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ أَتَاهُ سَهْوًا، وَقَوْلُ وَاسِعٍ رَأَيْتُك فَانْصَرَفْت إلَيْك يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الِانْصِرَافَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الشِّقِّ وَإِنَّمَا انْصَرَفَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتْ تَلِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَصَبْت يَعْنِي حَيْثُ رَأَيْت الِانْصِرَافَ عَنْ يَسَارِكَ جَائِزًا لِأَنَّ قَائِلًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ الِانْصِرَافَ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي وَأَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ بِتَعْلِيمِ صَوَابِ مَنْ انْصَرَفَ عَلَى أَيِّ شِقٍّ شَاءَ لِئَلَّا يَتْبَعَ قَوْلَ ذَلِكَ الْقَائِلِ فَيَعْمَلَ بِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَلَا أَتَاهُ عَنْ قَصْدٍ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثَرٌ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ» . (ش) : نَهْيُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَإِبَاحَتُهُ لِلصَّلَاةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ جَوَابٌ لِلسَّائِلِ عَمَّا سَأَلَهُ وَزَادَهُ مَعَ ذَلِكَ عِلْمًا لَعَلَّهُ خَافَ أَنْ لَا يُدْرِكَ السَّائِلُ السُّؤَالَ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ خَافَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ مُرَاحَ الْغَنَمِ مِثْلُهُ فَأَخْبَرَهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَعَطَنُ الْإِبِلِ مَبَارِكُهَا عِنْدَ الْمَاءِ وَمُرَاحُ الْغَنَمِ مُجْتَمَعُهَا مِنْ آخَرِ النَّهَارِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي عَطَنِ الْإِبِلِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ عِلَلًا مُخْتَلِفَةً فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا يُسْتَتَرُ بِهَا لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَلَا تَكَادُ تَسْلَمُ مَبَارِكُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَبَارِكِهَا إذَا أُمِنَتْ النَّجَاسَةُ بِبَسْطِ ثَوْبٍ أَوْ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى فِي ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابُنَا إنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَقَالَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ مَا صَلَاةٌ يُجْلَسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ سَعِيدٌ هِيَ الْمَغْرِبُ إذَا فَاتَتْكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ فَقَالَ لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَالَ لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا بِكُلِّ وَجْهٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُصَلِّي فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَإِنْ بَسَطَ ثَوْبًا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ نِفَارَهَا جَنَابَةٌ وَأَنَّ نِفَارَهَا ذَلِكَ يَمْنَعُ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا يُصَلَّى فِي مَبَارِكِهَا مَا دَامَتْ فِيهَا وَإِنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا يُصَلَّى فِيهَا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ عَنْهَا إذَا تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا وَيَجِبُ أَنْ تَجْرِي الْبَقَرُ مَجْرَاهَا لِأَنَّ نِفَارَهَا أَيْضًا جَنَابَةٌ وَلَا يُؤْمَنُ قَطْعُهَا لِلصَّلَاةِ بِنِفَارِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِزُفُورَتِهَا وَثِقَلِ رَائِحَتِهَا وَالصَّلَاةُ قَدْ سُنَّتْ النَّظَافَةُ لَهَا وَتَطِيبُ الْمَسَاجِدِ بِسَبَبِهَا وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَعَاطِنِهَا لِمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِيهَا فَإِذَا تُيُقِّنَتْ الطَّهَارَةُ جَازَتْ لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إلَى بَعِيرِهِ فَقَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ. (فَرْعٌ) فَمَنْ صَلَّى فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ صَلَّى فِيهَا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا كَمَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصَبْغَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِسَلَامَتِهَا مِنْ الْعِلَلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِبِلِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» وَيَدُلُّ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَبَعْرِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَبْوَالُهَا نَجِسَةٌ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَإِنَّ مَرَابِضَ الْبَقَرِ بِمَثَابَتِهَا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا. (ش) : قَوْلُ سَعِيدٍ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لِأَصْحَابِهِ وَتَدْرِيبِهِمْ فِي الْمَسَائِلِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلُ سَعِيدٍ هِيَ الْمَغْرِبُ إذَا فَاتَتْك مِنْهَا رَكْعَةٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَجَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا ثُمَّ يَأْتِي هُوَ بِالرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْلِسَ فِيهَا لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا جُلُوسًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ رَكْعَةٌ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ وَمَحَلٌّ لِجُلُوسِهِ لِسَلَامِهِ وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ أَيْضًا جُلُوسًا كُلُّهَا لِأَنَّهُ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ فَيَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الثَّانِيَةِ الْجُلُوسَ ثُمَّ يُصَلِّي الثَّالِثَةَ فَيَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ. وَلَيْسَ هَذَا حُكْمَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَقُومُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الرُّبَاعِيَّةُ جُلُوسًا كُلُّهَا إذَا فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ فَاتَتْهُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ بِرُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا أَدْرَكَ الْمُقِيمُ مِنْ صَلَاةِ مُسَافِرٍ رَكْعَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ تَصِيرُ جُلُوسًا كُلُّهَا لِأَنَّهُ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْإِمَامِ وَهِيَ أُولَاهُ ثُمَّ جَلَسَ فِي ثَانِيَةٍ ثُمَّ جَلَسَ فِي ثَالِثَةٍ لِأَنَّ مِنْهَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا يُقَامُ إلَى الْقَضَاءِ إلَّا مِنْ جُلُوسٍ ثُمَّ يَجْلِسُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا رَابِعَةٌ وَقَالَ سَحْنُونَ يَقُومُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا يَجْلِسُ.

[جامع الصلاة]

جَامِعُ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي الْعَاصِي بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَفِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ الصَّلَاةِ] (ش) : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي النَّوَافِلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّوَافِلَ قَدْ يُتَرَخَّصُ فِيهَا بِيَسِيرِ الْعَمَلِ وَأَمْرُ الْفَرْضِ آكَدُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّغَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَوَضْعُ أُمَامَةَ عِنْدَ السُّجُودِ وَحَمْلُهَا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَبَاحُ مِثْلُهُ فِي النَّوَافِلِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَجِدُ مَنْ يَكْفِيهِ وَلَمْ يُفَرَّقْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لِلرَّجُلِ الِاشْتِغَالَ فِي فَرْضِهِ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ مَعَ الْكِفَايَةِ وَرُبَّمَا كَانَ الصَّبِيُّ يَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُمْسِكٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلضَّرُورَةِ أَنَّ فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الزَّجْرَ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَقَالَا فِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَذَلِكَ عِنْدِي يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَحْمِلُ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ عَلَى مَعْنَى الْكِفَايَةِ لِأُمِّهِ أَوْ لِاشْتِغَالِهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَهُمُّهَا أَوْ يَحْمِلُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَّا فِي النَّافِلَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ أَنَّ مُدَّةَ الْفَرِيضَةِ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَرَّغَ لَهَا وَيُسَلِّمَ الصَّبِيَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبَدًا إلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ وَيَخِفُّ عَلَيْهِ إمْسَاكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمُدَّةُ النَّفْلِ طَوِيلَةٌ وَلِذَلِكَ أُبِيحَ فِيهَا مَا لَمْ يُبَحْ فِي الْفَرِيضَةِ مِنْ الْجُلُوسِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ يَخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ هَلَاكًا أَوْ أَمْرًا شَدِيدًا وَلَا يَجِدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ فَإِنَّ إمْسَاكَهُ لَهُ جَائِزٌ فِي الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ مَمْنُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَإِنَّهُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا ذَلِكَ فِي الِاسْتِيفَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي حَمْلِ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا تَرْكَعُ بِهِ وَتَسْجُدُ فِي الْفَرْضِ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَتْ وَلَمْ يَشْغَلْهَا عَنْ الصَّلَاةِ لَمْ تُعِدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ إمْسَاكُهَا حَالَ الْقِيَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْغَلُهَا وَلَا تَتَكَلَّفُ إمْسَاكَهُ بِيَدِهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى عَاتِقِهَا أَوْ فِي ثَوْبٍ مُعَلَّقٍ مِنْهَا وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تَمْسِكُهُ بِيَدَيْهَا أَوْ تَحْمِلُهُ فِي ذِرَاعَيْهَا فَإِنَّهُ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ كَثِيرٌ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَشْغَلْهَا، وَأَمَّا فِي حَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى عَاتِقِهَا وَضَعَتْهُ حَتَّى تُكْمِلَ ذَلِكَ وَتَأْخُذَهُ عِنْدَ قِيَامِهَا فَيَكُونَ مِنْ الْعَمَلِ الْمُتَفَرِّقِ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ مِنْ حَيِّزِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَعْنَاهُ تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِيبَ أُخْرَى وَتَعَاقُبُهُمْ أَيْ تَأْتِي مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَتُعَاقِبَهُمْ مَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَتَدَاوَلُونَ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَتَعْرُجُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَبْقَى مَلَائِكَةُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكِ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِك لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْت لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهَارِ ثُمَّ تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَعْرُجُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبْقَى مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَهُوَ مِنْ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ وَآخِرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّعَاقُبِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي جُمْلَةِ النَّاسِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ الَّتِي يَتَعَاقَبُونَ فِيهَا وَقْتَ صَلَاةِ النَّاسِ وَوَقْتَ إقَامَتِهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ الْحَفَظَةُ الْكِرَامُ وَأَنْ يَكُونَ التَّعَاقُبُ فِيمَا يَخُصُّ كُلَّ إنْسَانٍ مِمَّا فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ. (فَصْلٌ) : وَسُؤَالُهُ لَهُمْ تَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَعَبُّدًا لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبُوا وَيُحْصُوا أَعْمَالَ الْعِبَادِ وَهُوَ عَالِمٌ بِسِرِّهِمْ وَجَهْرِهِمْ. (ش) : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمَهُمْ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ أَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَفْضَلُهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَقَالَ مَالِكٌ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَفْقَهُهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُ حَالٌ حَسَنَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا حَتَّى يَكُونَ قَارِئًا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ. وَقَالَ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَكْبَرُهُمْ وَمَعْنَى الْخِلَافِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ فَقِيهًا عَالِمًا وَيَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُقِيمُ بِهِ صَلَاتَهُ وَلَا يَقْرَؤُهُ كُلَّهُ وَيَكُونُ الْآخَرُ قَارِئًا لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ حَسَنَ التِّلَاوَةِ وَيَعْلَمُ إقَامَةَ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْقَهُ فِي أَحْكَامِهَا وَلَا يَعْلَمُ دَقَائِقَ أَحْكَامِ السَّهْوِ فِيهَا فَيَكُونُ أَحَقُّهُمَا الْفَقِيهَ إذَا كَانَتْ لَهُ حَالٌ حَسَنَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ لَمَّا كَانَ أَعْلَمَ الصَّحَابَةِ وَأَفْضَلَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ وَالصَّلَاةُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَطْرَأَ فِيهَا عَلَى الْإِمَامِ مَا لَا يَعْلَمُ حُكْمَهُ الْقَارِئُ فَيُفْسِدُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ الْفَقِيهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا حُكْمُهَا الْجَهْرُ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهَا عَلَى اعْتِرَاضِهَا عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ بَعْدَ نَصِّهِ عَلَى الْحُكْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا لِعَائِشَةَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ اعْتِبَارِ شَيْءٍ مِمَّا اعْتَرَضَتْ بِهِ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ وَالتَّأْكِيدِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مَرَضُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشِدَّةُ وَجَعِهِ قَدْ مَنَعَهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ قَوْلِهَا فَهَابَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُرَاجِعَهُ فِي الْقَوْلِ وَأَرَادَتْ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِذَلِكَ غَيْرُهَا وَيَتَكَرَّرُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْلُ مِنْ جَمَاعَةٍ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ يُرِيدُ جِنْسَ النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ وَأَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَمِيلُ إلَى النِّسَاءِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ قَالَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ النَّاسِ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَارَّهُ فَلَمْ نَدْرِ مَا سَارَّهُ بِهِ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَهَرَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ بَلَى وَلَا شَهَادَةَ لَهُ قَالَ أَلَيْسَ يُصَلِّي قَالَ بَلَى وَلَا صَلَاةَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَعَلَّهُ إنَّمَا مَالَ إلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اللَّاتِي قَطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ إنْكَارَ مُرَاجَعَتِهِنَّ إيَّاهُ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ بِأَمْرٍ قَدْ تَكَرَّرَ سَمَاعُهُ وَلَمْ يَرَهُ فَذَكَّرَهُمَا بِفَسَادِ رَأْيِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسِهِنَّ وَأَنَّهُنَّ قَدْ دَعَوْنَ إلَى غَيْرِ صَوَابٍ وَأَنَّ هَذَا الَّذِي دَعَتْ إلَيْهِ غَيْرُ صَوَابٍ أَيْضًا. (ش) : قَوْلُهُ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ ظَهْرَيْ النَّاسِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ وَقَوْلُهُ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ يُقَالُ أَنَّهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُسَارَّةِ الْإِمَامِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إلَّا لِمَنْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَدَقَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِإِبَاحَتِهِ دُونَ تَقْدِيمِ صَدَقَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المجادلة: 13] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ نَدْرِ مَا سَارَّهُ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ جَهْرِ مَنْ أُسِرَّ إلَيْهِ بِالسِّرِّ إذَا أَوْجَبَ ذَلِكَ الشَّرْعُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يُقَالُ إنَّهُ مَالِكٌ بْنُ الدُّخْشُمِ بْنِ غَنْمٍ شَهِدَ بَدْرًا وَيُخْتَلَفُ فِي شُهُودِهِ الْعَقَبَةَ كَانَ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِهِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ عَنْهُ اسْتَأْذَنَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَذْكُرْ لِمَاذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالنِّفَاقِ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ أَظْهَرَ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَقَامَ الصَّلَوَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا عَلَى نِفَاقِهِ بِمَيْلِهِ إلَى أَهْلِ الْكُفْرِ وَنُصْحِهِ لَهُمْ فَلَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ يُبِيحُ دَمَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ السَّائِلُ بَلَى وَلَا شَهَادَةَ لَهُ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ فَقَصَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُؤَالِهِ الْمَعَانِيَ الْمُبِيحَةَ لِدَمِهِ مِنْ تَرْكِ إظْهَارِ الشَّهَادَتَيْنِ وَتَأَبِّيهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَمَّا قَالَ إنَّهُ يُظْهِرُ الشَّهَادَتَيْنِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ» وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لَهُ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِي قَلْبِهِ وَلَا يَعْرِفُ هَلْ لَهُ شَهَادَةٌ أَوْ صَلَاةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا اعْتَقَدَ فِيهِ لَمَّا رَأَى مِنْ مَيْلِهِ إلَى أَقَارِبِهِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْهُمْ يَعْنِي نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِمْ لِمَعْنَى الْآيَاتِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُمْ الْقَتْلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا يَلْزَمُ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ. (ش) : دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُجْعَلَ قَبْرُهُ وَثَنًا يُعْبَدُ تَوَاضُعًا وَالْتِزَامًا لِلْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِقْرَارًا بِالْعِبَادَةِ وَكَرَاهِيَةً أَنْ يُشْرِكَهُ أَحَدٌ فِي عِبَادَتِهِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لِذَلِكَ كَرِهَ أَنْ يُدْفَنَ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا وَجْهٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إذَا دُفِنَ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا فَرُبَّمَا صَارَ مِمَّا يُعْبَدُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ «عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَاللَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَشَارَ إلَى مَكَان مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَرَادَ عَذَابَ قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ تَحْذِيرًا مِمَّا صَنَعَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمَقَابِرِ الَّتِي دُرِسَتْ وَغُيِّرَتْ قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ مِثْلُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْضِينَ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يُصَلَّى فِي الْمَقَابِرِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا النَّبْشُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ نَصَّ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا بُقْعَةٌ خُصَّتْ بِأَهْلِ الْعَذَابِ وَسَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَ اجْتِنَابُهَا كَمَا شُرِعَ تَحَرِّي مَوَاضِعِ الصَّالِحِينَ وَلِذَلِكَ كَانَ يَتَحَرَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالنَّاسُ بَعْدَهُ مَوْضِعَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلُّونَ فِيهِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إمَامَةِ الْأَعْمَى لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَكَرُّرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ مَوَانِعُ لَهُ عَنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَؤُمُّ فِيهِ وَعَنْ شُهُودِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مَكَانًا يَتَّخِذُهُ مُصَلًّى يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِهِ فِي مَكَان يَخُصُّهُ بِصَلَاتِهِ لِبَرَكَةِ النَّبِيِّ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَتَّخِذَهُ مُصَلًّى إمَّا لِطَهَارَتِهِ أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْ إفْرَادِهِ لِذَلِكَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَأَشَارَ لَهُ عِتْبَانُ إلَى مَكَان مِنْ الْبَيْتِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِشَارَةِ قَوْلُهُ هَذَا الْمَكَانُ الَّذِي أُحِبُّهُ فَنَقَلَ الرَّاوِي الْإِشَارَةَ دُونَ الْقَوْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِتْبَانُ اكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْيِينًا لِمَوْضِعِ اخْتِيَارِهِ. (ش) : قَدْ رَوَى اللَّيْثُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ» . وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فِيهِمَا فَيَقْتَضِي بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتَصُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَنَهَى عَنْهُ غَيْرَهُ لِأَنَّ نَهْيَهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَكَرُّرَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعَ عَدَمِ الْخِلَافِ عَلَيْهِمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجْهٌ ثَانٍ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ مُتَوَجِّهٌ إلَى صِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يُقِيمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْتَبِدُّ مُؤْتَزِرٌ بِفِعْلِ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ التَّحَذُّرِ وَإِنَّ فِعْلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَهُ إنَّمَا كَانَ بِأَنْ يَبْسُطَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَمُدَّهَا وَيَضَعَ عَلَيْهَا الْأُخْرَى، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنِهِمَا وَهُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى كَشْفِ عَوْرَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِمَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِإِنْسَانٍ إنَّك فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ يَبْدَؤُنَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ يَبْدَؤُنَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَلَيْهِ مَا لَا تَبْدُو عَوْرَتُهُ مَعَ فِعْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكَانَ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ رِوَايَتَهُ أَثْبُتُ وَأَخْذُ الْجَمَاعَةِ بِهِ وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَبَقَاءِ حُكْمِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ فَخَبَرُ الْإِبَاحَةِ هُوَ النَّاسِخُ لِلْإِجْمَاعِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَوَازِهِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّك فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَانَ قَلِيلًا فِي زَمَانِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَكُونُ حَظُّهُ مِنْهُ قِرَاءَتَهُ دُونَ الْفِقْهِ فِيهِ قَلِيلٌ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إنَّمَا قَصَدَ إلَى مَدْحِ الزَّمَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَهُوَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَجُلُّ فِقْهِ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ إنَّمَا كَانَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ وَلَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَلَا دَوَاوِينَ وَلَا ضَمَّنُوا الْقَرَاطِيسَ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا كَانَ عِلْمُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ وَاسْتِنْبَاطُهُمْ مِنْ مَحْفُوظِهِمْ وَمُحَالٌ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ الْقُرْآنِ مَنْ لَا يَحْفَظُهُ وَأَصْلُ الْفِقْهِ وَمُعْظَمُهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ تَعَالَى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ - وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 38 - 89] فَمُحَالٌ أَنْ يُوصَفَ بِالْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ فِي الدِّينِ مَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي اقْتِصَارِهِمْ فِي الْعِلْمِ عَلَى الْقُرْآنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ فَضْلِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَكَوْنِهِ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ إلَى أَنْ يَمْدَحَ زَمَنَ الصَّحَابَةِ وَصَدْرَ الْأُمَّةِ بِقِلَّةِ الْقُرْآنِ فِيهِ لِأَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْعَصْرِ كَانُوا أَلْهَجَ النَّاسِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَلَقِّيهِ مِنْ الرُّكْبَانِ وَتَدَارُسِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَوْا مِنْ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ وَتَقْدِيمِهِ فِي اللَّحْدِ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ وَدُعَائِهِ أَصْحَابَهُ فِي مَوَاطِنِ الشَّدَائِدِ أَيْنَ أَصْحَابُ الْبَقَرَةِ بِأَفْضَلِ مَا يُدْعَوْنَ بِهِ حَضًّا لَهُمْ عَلَى الرُّجُوعِ وَتَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنْ أَفْضَلِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي يَجِلُّ عَنْ الْفِرَارِ صَاحِبُهَا وَلَا يَدْعُو بِذَلِكَ وَاحِدًا وَلَا اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمْ وَإِنَّمَا يَدْعُو بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ وَمَعْلُومٌ فِي الْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إلَّا مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَأَكْثَرَهُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَحِفْظَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنَاقِبِ وَأَرْفَعِ الْمَرَاتِبِ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَابَ بِهِ أَحَدٌ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَحُسْنِ الظَّنِّ فَيُجْعَلَ مَدْحُهُ لِزَمَانِ الصَّحَابَةِ بِكَثْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَقِلَّةِ الْقُرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِيهِ وَلَا يَفْقَهُهُ قَلِيلًا وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ فِيهِ مِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ الْمُسْتَنْبِطِينَ الْأَحْكَامَ مِنْهُ كَثِيرٌ وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَحُشِرْنَا مَعَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْقَائِلِ لِذَلِكَ وَحَالِ الصَّحَابَةِ الْمَوْصُوفِينَ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْحُرُوفِ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِهَا حُرُوفَ الْقُرْآنِ مِنْ أَلْفٍ وَلَامٍ وَمِيمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي أَوْ يُرِيدَ بِهِ لُغَاتِهِ وَفِي تَضْيِيعِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَنْعٌ مِنْ تَحَفُّظِهِ وَإِطْرَاحُ تِلَاوَتِهِ وَهَذَا مَا لَا يَسْتَجِيزُهُ مُسْلِمٌ أَنْ يَؤُمَّ بِهِ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ أَمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْدَحَ الزَّمَانَ بِتَضْيِيعِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ الصَّلَاةُ فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ نُظِرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِلَفْظِهِ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ صِفَةَ الزَّمَانِ بِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ وَإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقُرْآنُ وَأَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ بَيْنِ رَاغِبٍ فِيهِ وَمَحْمُودٍ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُسْرِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ هَذَا الصِّنْفَ لَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيُضَيِّعُونَ حُرُوفَهُ وَتِلَاوَتَهُ وَإِنْ أَظْهَرُوا الْتِزَامَ أَحْكَامِهِ وَحُدُودِهِ خَوْفًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفُضَلَاءَ الصَّحَابَةِ يُضَيِّعُونَ حُرُوفَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ ضَيَّعُوا حُرُوفَ الْقُرْآنِ لَمْ يَصِلْ أَحَدٌ إلَى مَعْرِفَةِ حُدُودِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَتَضَمَّنُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْحُدُودِ إلَّا مَنْ قَرَأَ الْحُرُوفَ وَعَرَفَ مَعَانِيَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي يَعْنِي أَنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ كَثِيرٌ وَأَنَّ الْمُتَعَفِّفِينَ عَنْ الصَّدَقَةِ مِنْ الْفُقَرَاءِ كَثِيرٌ وَأَنَّ السَّائِلِينَ مِنْهُمْ قَلِيلٌ وَهَذَا وَصْفٌ لِأَغْنِيَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِالصَّدَقَةِ وَالْفَضْلِ وَالْمُوَاسَاةِ وَوَصْفٌ لِفُقَرَائِهِمْ بِالصَّبْرِ وَغِنَى النَّفْسِ وَالْقَنَاعَةِ وَهَذِهِ صِفَةُ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ يَعْنِي مُلَازَمَتَهُمْ لِلسُّنَّةِ وَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَفْعَلُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ لِلنَّاسِ أَهْلُ الْعِلْمِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَبْدَؤُنَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ الْأَعْمَالُ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ وَاقِعًا فِي أَصْلِ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ مِنْ بِرٍّ وَفِسْقٍ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَاهُنَا الْبِرُّ وَهَذَا يَقْتَضِي إطْلَاقَهُ فِي الشَّرْعِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عُرِضَ لَهُمْ عَمَلُ بِرٍّ وَهَوًى بَدَءُوا بِعَمَلِ الْبِرِّ وَقَدَّمُوهُ عَلَى مَا يَهْوُونَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ يَفْقَهُهُ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَلِيلٌ وَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَفْقَهُ فِيهِ وَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ لَا تَقِلُّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَ بِحِفْظِهِ وَأَمَّنَ مِنْ نِسْيَانِهِ فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ كَثْرَةَ الْقُرَّاءِ عَيْبٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا عَابَهُ بِقِلَّةِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ وَأَنَّ قُرَّاءَهُ لَا يَفْقَهُونَ وَلَا يَعْلَمُونَ بِهِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ مِنْهُ تَحَفُّظُهُ وَهَذَا نَقْصٌ وَعَيْبٌ فِيهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ يَعْنِي أَنَّ التَّالِينَ لِكِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ لَا يَعْلَمُونَ بِهِ وَلَا لِلنَّاسِ إمَامٌ وَلَا رُؤَسَاءُ يَحْمِلُونَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَتُضَيَّعُ لِذَلِكَ حُدُودُهُ وَأَحْكَامُهُ وَبِهَذَا خَالَفَ الزَّمَانَ الْأَوَّلَ الْمَمْدُوحَ فَإِنَّ أَئِمَّتَهُ كَانُوا يَقْضُونَ بِالْقُرْآنِ وَيَحْمِلُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يَعْنِي أَنَّ الْحِرْصَ وَالرَّغْبَةَ تُلْقَى فِي نُفُوسِ فُقَرَائِهِمْ وَالشُّحُّ وَالْمَنْعُ فِي نُفُوسِ أَغْنِيَائِهِمْ فَيَكْثُرُ السَّائِلُ وَيَقِلُّ الْمُعْطِي. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ يَعْنِي أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مَعْنَاهَا الْوَعْظُ وَالصَّلَاةُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ وَعْظَهُمْ يَكْثُرُ وَعَمَلَهُمْ يَقِلُّ وَقَوْلُهُ يَبْدَؤُنَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُمْ إذَا عَرَضَ لَهُمْ هَوًى وَعَمَلُ بِرٍّ بَدَءُوا بِعَمَلِ الْهَوَى. (ش) : قَوْلُهُ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ الصَّلَاةُ يَقْتَضِي تَأْكِيدَهَا وَشِدَّةَ مُرَاعَاتِهَا لِأَنَّهُ يُبْدَأُ بِالنَّظَرِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِمَزِيَّتِهَا عَلَيْهَا وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ فَفِي هَذَا حَضٌّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ وَتَخْصِيصُهَا بِمَزِيَّةٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمُرَاعَاةِ لِأَنَّهَا إنْ قُبِلَتْ مِنْهُ نُظِرَ فِي سَائِرِ أَعْمَالِهِ وَنَفَعَهُ مَا عَمِلَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ لَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ وَلَمْ يُنْظَرْ لَهُ فِيهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» ) . (ش) : الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِالنِّيَّةِ. وَالثَّانِي: بِتَكَرُّرِ الْعَمَلِ فَأَمَّا بِالنِّيَّةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَكَرُّرُهَا قَبْلَ وَقْتِ الْعَمَلِ. وَالثَّانِي: تَكَرُّرُهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَمَلِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ مَتَى أَمْكَنَ وَأَمَّا تَكْرَارُ الْعَمَلِ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ لَهُ نَافِلَةُ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَيُدَاوِمُهَا فَكَانَتْ هَذِهِ النَّافِلَةُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ وَيَرَاهَا أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرِ النَّافِلَةِ الَّتِي لَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ يَكُونُ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يُفْعَلُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يَتْرُكُهُ وَيَتْرُكُ الْعَزْمَ عَلَيْهِ وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ يُثَابُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يُدَاوَمُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَشْرُوعُ وَأَنَّ مَا تُوُغِّلَ فِيهِ بِعُنْفٍ ثُمَّ قُطِعَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَجُلَانِ أَخَوَانِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ الْآخَرُ مُسْلِمًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ إنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ عَذْبٍ بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالذِّكْرِ لِفَضِيلَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «مَرُّوا بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَا وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» وَمَا يَجُوزُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَلَا يُخْبَرُ عَمَّا يَصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ عَنَّا وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ «أُمِّ الْعَلَاءِ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْك أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْك لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ» وَأَمَّا الْحَيُّ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ بِذِكْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَحَاسِنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمَدْحِ فَقَالَ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ» وَإِنْ لَمْ تُخَفْ الْفِتْنَةُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِعُمَرَ إيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَك الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَمْ يَكُنْ الْآخَرُ مُسْلِمًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفْ فَسَأَلَهُمْ مُسْتَفْهِمًا عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فَأَتَى بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَانَ لَا بَأْسَ بِهِ يَعْنُونَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ إسْلَامِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّخَاطُبِ فِيمَا يَقْرُبُ مَعْنَاهُ وَلَا يُرَاعَى الْمُبَالَغَةُ فِي تَفْضِيلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ صَلَاةَ هَذَا الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يُرْفَعُ صَاحِبُهَا وَقَدْ عَمِلَ مِنْهَا بَعْدَ أَخِيهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا تَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ فَلَا يَدْرُونَ لَعَلَّهَا قَدْ بَلَّغَتْهُ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ أَخِيهِ ثُمَّ فَسَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّمَا مَثَلُ الصَّلَاةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ عَذْبٍ غَمْرٍ خَصَّ الْعَذْبَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ، وَالْغَمْرُ الْكَثِيرُ، وَقَوْلُهُ بِبَابِ أَحَدِكُمْ يُرِيدُ قُرْبَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ إذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَك وَمَا تُرِيدُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ قَالَ عَلَيْك بِسُوقِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ فِيهِ طُولَ الْمَسَافَةِ فَيَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَدَدَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ غَيْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ الدَّرَنُ الْوَسَخُ عَلَى الْبَدَنِ وَمَعْنَى ذَلِكَ التَّقْرِيرُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الِاسْتِفْهَامِ وَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ الصَّلَوَاتِ فِي أَنَّهَا لَا تُبْقِي سَيِّئَةً وَلَا ذَنْبًا إلَّا كَفَّرَتْهُ فَمَا عِلْمُكُمْ أَيْنَ بَلَغَتْ بِالثَّانِي صَلَاتُهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ بَعْدَ أَخِيهِ. (ش) : قَوْلُ عَطَاءٍ لِمَنْ مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ مَا مَعَك لِئَلَّا يَكُونَ مَا مَعَهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْبَيْعَ أَوْ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ بَيْعَهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَيْعَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا وَأَعْلَمُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا هُوَ سُوقُ الْآخِرَةِ لَمْ يُتَّخَذْ إلَّا لِلصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قُرْبَةٌ وَغَيْرُ قُرْبَةٍ فَأَمَّا الْقُرْبَةُ الَّتِي بُنِيَتْ لَهَا الْمَسَاجِدُ فَالصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنُ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَأَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ الْأَفْعَالُ فَكَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَكْلِ وَعَمَلِ الصَّنَائِعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الْمَسْجِدِ دِينًا فَأَمَّا مَا كَانَ بِمَعْنَى التِّجَارَةِ وَالصَّرْفِ فَلَا أُحِبُّهُ فَأُرَخِّصُ فِي الْقَضَاءِ لِخِفَّتِهِ وَقِلَّةِ مَا يَحْظُرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْمُصَارِفَةُ فَيَحْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِمَا يُعَاوَضُ بِهِ وَتَكْثُرُ الْمُرَاجَعَةُ وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ هُمَا الْمُؤَثِّرَانِ فِي الْمَنْعِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ كَثْرَةَ اللَّغَطِ وَلَمْ يَحْظُرْ فِيهِ يَسِيرَ الْعَمَلِ وَلَوْ كَانَ قَضَاءُ الْمَالِ جَسِيمًا تَتَكَلَّفُ الْمُؤْنَةُ فِي اسْتِجْلَابِهِ وَوَزْنِهِ وَانْتِقَادِهِ وَيَكْثُرُ الْعَمَلُ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ لَكَانَ مَكْرُوهًا وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ سِلْعَةً فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ فَأَمَّا أَنْ يُسَاوِمَ رَجُلًا بِثَوْبٍ عَلَيْهِ أَوْ سِلْعَةٍ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا وَمَعْرِفَتُهُ بِهَا فَيُوَاجِبُهُ الْبَيْعَ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَرِيَ شَيْئًا حَاضِرًا وَلَا غَائِبًا أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلسِّلَعِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ صَارَ الْمَسْجِدُ سُوقًا وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ كَالدُّورِ وَالْأُصُولِ وَبَيْعِ الصِّفَةِ وَشَبَهِهِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ اللَّغَطِ وَاللَّغْوِ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْ هَذَا فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ إحْضَارَ الْعَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَثْرَةَ الْمُرَاجَعَةِ الْمُبَلِّغَةِ إلَى اللَّغَطِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ كِلَا الْوَجْهَيْنِ الْيَسِيرُ إذَا انْفَرَدَ وَلَعَلَّهُ إذَا اجْتَمَعَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ مِنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ مَالِكٌ فِي السُّؤَالِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقُولُونَ قَدْ وَقَفْنَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ وَيَذْكُرُونَ حَاجَتَهُمْ أَرَى أَنْ يُنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذِكْرِ الْحَقِّ يُكْتَبُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَمَّا الشَّيْءُ الْخَفِيفُ فَنَعَمْ وَأَمَّا شَيْءٌ يَطُولُ فَلَا أُحِبُّهُ وَلَمْ أَرَ لَهُ شَيْئًا فِي كَتَبَةِ الْمَصَاحِفِ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَدْ كَرِهَ سَحْنُونَ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَعَلَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ تَوَقِّيهِمْ فِيهِ وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمُتَوَقِّي الَّذِي يَصُونَ الْمَسْجِدَ وَيَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ مَنَعَهُ سَحْنُونَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صُورَةِ الصَّنَائِعِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْعُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخِيَاطَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ لَا يَجْلِسُ فِيهِ لَلْخِيَاطَةِ وَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُشْبِهُ الْخِيَاطَةَ عَلَى ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَكْلَ الْأَطْعِمَةِ اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَسْجِدِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ رِحَابِهِ وَأَمَّا الصَّائِمُ يَأْتِيهِ مِنْ دَارِهِ السَّوِيقُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ الطَّعَامُ الْخَفِيفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ زَادَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَنَى رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تُسَمَّى الْبُطَيْحَاءَ وَقَالَ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَلْيَخْرُجْ إلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَوْ خَرَجَ إلَى بَابِهِ فَشَرِبَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ خَفِيفٌ وَكَثِيرَهُ مَكْرُوهٌ وَيُرَاعَى مَعَ ذَلِكَ عَيْنُ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ إحْضَارُ الْكَثِيرِ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَفَّفَ فِي إحْضَارِ يَسِيرِهِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْقَوْمِ يُفْطِرُونَ فِيهِ عَلَى كَعْكٍ وَتَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَيَتَمَضْمَضُونَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَأُرَخِّصُ لِبَعِيدِ الدَّارِ أَنْ يَأْتِيَهُ فِيهِ طَعَامُهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُضْطَرُّ وَالْمُجْتَازُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْمَسَاجِدُ تُتَّخَذُ فِي الْقُرَى لِلْأَضْيَافِ فَيَبِيتُونَ وَيَأْكُلُونَ خُفِّفَ فِيهَا فَاتَّفَقَتْ أَقْوَالُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ الْإِكْثَارِ وَإِحْضَارِ كَثِيرِ الطَّعَامِ وَالْغِنَى عَنْ ذَلِكَ وَتَجْوِيزِهِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَشُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّوِيقِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَتَجْوِيزِهِ فِي الْمُتَوَسِّطِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَكَرِهَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ لِلْغُرَبَاءِ دُونَ الرَّجُلِ الْحَاضِرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْحَاضِرِ الضَّيْفِ دُونَ مَنْ لَهُ مَنْزِلٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ لَا تُوقَدُ نَارٌ فِي الْمَسْجِدِ وَجَوَّزَ مَالِكٌ التَّعْزِيرَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَسْوَاطَ الْيَسِيرَةَ دُونَ مَا كَثُرَ مِنْ الضَّرْبِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : هَذِهِ الْبُطَيْحَاءُ بِنَاءٌ يُرْفَعُ عَلَى الْأَرْضِ أَزَيْدَ مِنْ الذِّرَاعِ وَيُحْدَقُ حَوَالَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ جِدَارٍ قَصِيرٍ وَيُوَسَّعُ كَهَيْئَةِ الرَّحْبَةِ وَيُبْسَطُ بِالْحَصْبَاءِ يُجْتَمَعُ فِيهَا لِلْجُلُوسِ وَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثْرَةَ جُلُوسِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَحَدُّثَهُمْ فِيهِ وَرُبَّمَا أَخْرَجَهُمْ ذَلِكَ إلَى اللَّغَطِ وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ مِنْ الْقَوْلِ وَارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَرُبَّمَا جَرَى فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ إنْشَادُ شِعْرٍ بَنَى هَذِهِ الْبَطْحَاءَ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ وَجَعَلَهَا لِذَلِكَ لِيَتَخَلَّصَ الْمَسْجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَحْسُنُ مِنْ الْقَوْلِ وَيُنَزَّهُ مِنْ اللَّغَطِ وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ وَتَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ لَا سِيَّمَا مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجِبُ لَهُ مِنْ التَّعَظُّمِ وَالتَّنْزِيهِ مَا لَا يَجِبُ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ كُنْت قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِينِي بِهَذَيْنِ فَجِئْته بِهِمَا فَقَالَ مَنْ أَنْتُمَا فَقَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَادَ ابْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّ مَسْجِدَنَا هَذَا لَا يُرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْ رَأَيْت مَالِكًا يَعِيبُ عَلَى أَصْحَابِهِ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بِعِلَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ الْمَسْجِدُ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَأْتِيَهَا وَعَلَيْنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَبِأَنَّ لِمُلْتَزِمٍ ذَلِكَ بِمَوْضِعِهَا الْمُتَّخِذِ لَهَا أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الَّذِي يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَقُومُ رَافِعًا صَوْتَهُ وَأَمَّا أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ جُلَسَاءَهُ غَيْرَ رَافِعٍ لِصَوْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا سُؤَالُهُ جَلِيسَهُ فَمِنْ جِنْسِ الْمُحَادِثَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ اللَّغَطُ مِنْ الْإِكْثَارِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ مَمْنُوعٌ فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَجْمَعُ النَّاسَ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُحْتَجَّ فِيهِ بِمَا جَوَّزَهُ مَالِكٌ مِنْ جُلُوسِ الْحَاكِمِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ وَلَا بُدَّ لِلْمُتَخَاصِمِينَ مِنْ رَفْعِ الْأَصْوَاتِ فَعَلَى هَذَا يُبَاحُ فِيهِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ

[جامع الترغيب في الصلاة]

جَامِعُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّازِمَةِ وَلِذَلِكَ شُرِعَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْخُطَبِ فِي الْمَسَاجِدِ لِلْأَمْرِ يَأْمُرُ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ الْخَبَرِ يُخْبِرُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالنَّظَرِ لِلنَّاسِ فِيهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَالْإِمَامِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَحْدَهُ وَأَمَّا رَفْعُ النَّاسِ أَصْوَاتَهُمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا لَا لَغْوَ فِيهِ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْلِسُ إلَيْهِ رِجَالٌ فَيُحَدِّثُهُمْ عَنْ الْأَجْنَادِ وَيُحَدِّثُونَهُ بِالْأَحَادِيثِ وَلَا يَقُولُونَ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ. [جَامِعُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ] (ش) : ثَائِرُ الرَّأْسِ يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ قَامَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَلَمْ يُرَجَّلْ بِمُشْطٍ وَلَا دُهْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ جَهَارَةَ صَوْتِهِ وَلَا يَبِينُ كَلَامُهُ إبَانَةً يُفْهَمُ بِهِ أَوْ لِبُعْدِ مَكَانِهِ عَمَّنْ يَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ حَتَّى دَنَا وَقَرُبَ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ طَلْحَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ لَمَّا دَنَا الْأَعْرَابِيُّ مِنْهُ وَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْإِسْلَامِ عَرَفَ طَلْحَةُ مَا يَقُولُ وَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَالتَّذَلُّلُ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْلَمَ فُلَانٌ الْأَمْرَ فَكَانَ أَيْ انْقَادَ لَهُ فَكَانَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ يَسْأَلُ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَيَكُونُ بِفِعْلِهَا مُسْلِمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا عُمْدَةُ الدِّينِ وَآكَدُ أَفْعَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِيمَانَ وَإِظْهَارَ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ كَانَ أَقَرَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا السَّائِلَ قَدْ رَأَى الصَّلَاةَ وَعَرَفَ صِفَتَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَلَا مِقْدَارَهَا فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا سَأَلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ حَالِهَا فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجُمْلَةِ الْوَاجِبِ ثُمَّ يُفَسِّرُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ يَعْنِي مِنْ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا وَتْرٌ وَلَا غَيْرُهُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ مَعَ سُؤَالِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ لَكَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا جَمِيعُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ السَّائِلَ أَرَادَ رَفْعَ الْإِشْكَالِ وَالتَّجْوِيزَ بِسُؤَالِهِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ الرَّجُلُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدُخُولِهِ فِيهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يَشْرَعُ فِي النَّافِلَةِ هَلْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا أَمْ لَا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا عَمْدًا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ غَلَبَهُ عَلَى قَطْعِهَا غَالِبٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْعَمْدِ وَالْعُذْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ لِأَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَطَوَّعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْكَ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ التَّطَوُّعُ بِالدُّخُولِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ يَعْنِي أَنَّ هَذَا مِنْ الصِّيَامِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيِّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَى الْمُكَلَّفِ غَيْرُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ لَهُ الزَّكَاةَ وَأَخْبَرَهُ بِمَا يَجِبُ مِنْهَا فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَسَأَلَهُ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَقَادِيرِ الَّتِي ذَكَرَ لَهُ مِنْهَا فَقَالَ لَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةً لَهَا مِقْدَارٌ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَحَقٌّ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ جِنْسُهَا وَلَا قَدْرُهَا فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا الْحَقِّ فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ يَدِك إلَى يَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ يَعْنِي السَّائِلَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا وَنَفْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا أَزِيدُ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِ غَيْرِ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا أَزِيدُ فِي الْبَلَاغِ إلَى قَوْمِي عَلَى هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لَا أَزِيدُ فِي الْفِعْلِ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمَنْعِ مِنْ الْفَهْمِ عَلَى أَنْ لَا يَتَطَوَّعَ بِخَيْرٍ وَعَمَلِ بِرٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي سَأَلَهُ غَرِيمُهُ أَنْ يَحُطَّهُ فَأَقْسَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا» عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِفِعْلِهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ «وَاَلَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَصَحُّ لِأَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ. وَقَدْ تَابَعَهُ الرُّوَاةُ عَلَى قَوْلِهِ وَأَرَى إسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ نَقَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى بِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا أَتَطَوَّعُ بِشَيْءٍ أَلْتَزِمُهُ وَأُوجِبُ غَيْرَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ بِمِثْلِ هَذَا فِي أَوَّلِ إسْلَامِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَجَمِيِّ يُسْلِمُ وَلَا يَفْقَهُ الْإِسْلَامَ فَيَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ لَا يَضِيقُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ الْفَلَاحُ الْبَقَاءُ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرْعِ الْبَقَاءُ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا الْبَقَاءُ الدَّائِمُ فِي الْخَيْرِ الدَّائِمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ فَازَ إنْ صَدَقَ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51] أَنَّ مَعْنَاهُ الْفَائِزُونَ وَأَمَّا الصِّدْقُ فَاسْتَعْمَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّ الْكَذِبَ فِي مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ عَنْ الْمَاضِي وَالْخُلْفُ وَمُخَالَفَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الصِّدْقُ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمَاضِي وَالْوَفَاءُ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ. (فَصْلٌ) : أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ جَامِعِ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ فَيَكُونَ تَرْغِيبُهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ فَيَكُونَ التَّرْغِيبُ فِي النَّافِلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ فَيَكُونَ التَّرْغِيبُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.

[العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة]

عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» ) . الْعَمَلُ فِي غُسْلِ الْعِيدَيْنِ وَالنِّدَاءِ فِيهِمَا وَالْإِقَامَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَلَا فِي عِيدِ الْأَضْحَى نِدَاءٌ وَلَا إقَامَةٌ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمِ قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَقْدُ بِمَعْنَى السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَالْمَنْعِ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وَالْقَافِيَةُ مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هُوَ الْقَفَا وَقَافِيَّةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ قَافِيَةُ الْبَيْتِ مِنْ الشِّعْرِ لِأَنَّهَا آخِرُهُ وَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا هُوَ نَامَ كَانَ ظَاهِرُهُ إنْ عَقَدَهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ النَّوْمِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ إنَّ ذَلِكَ مَقْصُودُ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَمُرَادُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ تَسْوِيفُهُ بِالْقِيَامِ وَالْإِلْبَاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ مِنْ الطُّولِ مَا لَهُ فِيهِ فُسْحَةٌ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ يُرِيدُ أَنَّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْوُضُوءِ وَبِالصَّلَاةِ تَنْحَلُّ عُقَدُ الشَّيْطَانِ كُلُّهَا وَيَنْجُو الْمُسْلِمُ مِنْ كَيْدِهِ وَمِنْ شَرِّ عُقَدِهِ فَيُصْبِحُ نَشِيطًا قَدْ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقَدُ الشَّيْطَانِ الَّتِي تُكَسِّلُهُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِمَا عَمِلَ فِي لَيْلِهِ مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ يُرِيدُ مُتَغَيِّرًا قَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ عُقَدَهُ وَكَسَّلَهُ عَنْ النَّشَاطِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي» وَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ اخْتِلَافٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْمُسْلِمَ أَنْ يَقُولَ خَبُثَتْ نَفْسِي لَمَّا كَانَ خُبْثُ النَّفْسِ بِمَعْنَى فَسَادِ الدِّينِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَ بَعْضَ الْأَفْعَالِ بِذَلِكَ تَحْذِيرًا عَنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَافِلَةَ اللَّيْلِ مَشْرُوعَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَقْصُودٌ لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْدِيدُهُ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْهَاجِرَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَرَاحَةٍ وَبُعْدٍ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّفْلِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ إنَّمَا كَانَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِالْهَاجِرَةِ وَاللَّيْلِ وَلَمْ تَكُنْ بَعْدَهُ. [الْعَمَلُ فِي غُسْلِ الْعِيدَيْنِ وَالنِّدَاءِ فِيهِمَا وَالْإِقَامَةِ] (ش) : هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ يَجْرِي عِنْدَهُ مَجْرَى الْمُتَوَاتِرِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ، وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ هُمْ التَّابِعُونَ الَّذِينَ شَاهَدُوا الصَّحَابَةَ وَصَلَّوْا مَعَهُمْ وَأَخَذُوا عَنْهُمْ وَسَمِعُوا مِنْهُمْ وَقَدْ قَالُوا إنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمِ فَأَضَافُوهُ إلَى زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الْخَبَرَ بِذَلِكَ وَأَثْبَتُوهُ بِاتِّصَالِ الْعَمَلِ بِهِ إلَى وَقْتِ إخْبَارِهِمْ بِهِ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِأَنْ قَالَ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَهُ وَأَفْعَالُ الصَّلَوَاتِ الْمُتَكَرِّرِ نَقْلُهَا بِالْمَدِينَةِ نَقْلَ الْمُتَوَاتِرِ إذَا اتَّصَلَ الْعَمَلُ بِهَا وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا بَيْنَ فُقَهَاء الْأَمْصَارِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا أَذَانَ فِي نَافِلَةٍ وَلَا عِيدٍ وَلَا خُسُوفٍ وَلَا اسْتِسْقَاءٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إنَّمَا شُرِعَا لِلْفَرَائِضِ فَأَمَّا النَّوَافِلُ فَلَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ نَافِلَةٌ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ حُكْمَهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ إنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ لَهَا هِشَامٌ. (ش) : الْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمَاعَةِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ. وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّ فِعْلَهُ لَحَسَنٌ وَالطَّيِّبُ يَجِيءُ مِنْهُ وَرَوَى مَالِكٌ فِي ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ

[الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين]

الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الْخُطْبَةِ» مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ فَقَالَ إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَجَاءَ فَصَلَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ. وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ مَا رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اغْتَسَلَ لِلْعِيدِ قَطُّ كَانَ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَغْدُو مِنْهُ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةُ أَيُّوبَ فِي فِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ اعْتِكَافِهِ بَيَّنَ ذَلِكَ مَبِيتَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا عِنْدَ اعْتِكَافِهِ وَيُحْمَلُ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى غَيْرِ وَقْتِ اعْتِكَافِهِ وَلَوْ تَعَارَضَ الْخَبَرَانِ تَعَارُضًا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكَانَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ أَوْلَى، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا يَوْمٌ يُسَنُّ فِيهِ الطِّيبُ وَالتَّجَمُّلُ فَسُنَّ فِيهِ الْغُسْلُ كَالْجُمُعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَلَا أُوجِبُ غُسْلَ الْعِيدِ كَغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَجْهُ ذَلِكَ الِاتِّفَاقُ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالِاخْتِلَافُ فِي غُسْلِ الْعِيدَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُ مُتَّصِلًا بِغُدُوِّهِ إلَى الْمُصَلَّى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَفْضَلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَاسِعٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ الِاتِّصَالَ بِالْغُدُوِّ إلَيْهَا فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ قَدَّمَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَاسِعٌ لِقُرْبِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ لَا تَذْهَبُ آثَارُهُ قَبْلَ الْغُدُوِّ وَلَا تَتَغَيَّرُ نَظَافَتُهُ. [الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ] (ش) : لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَرُوِيَ عَنْ يُوسُفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَنْفُضُونَ إذَا صَلَّى حَبَسَهُمْ لِلْخُطْبَةِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ فِي الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبِذَلِكَ عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي أَوَّلَ مَنْ بَدَأَ بِذَلِكَ إلَّا أَنِّي أَدْرَكْت النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْعَمَلِ بِهِ وَاتِّصَالَهُ وَقِلَّةَ الْإِنْكَارِ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ إنْكَارُهُ لِمَا شَاهَدَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْكَارُهُ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَلِذَلِكَ شَهِدَ مَعَ مَرْوَانَ الْعِيدَ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا مُحَرَّمًا أَوْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَمَا شَهِدَهُ وَلَعَلَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ مَرْوَانُ الْعَدَدَ تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهٌ وَلِذَلِكَ اتَّصَلَ الْعَمَلُ بِهِ دُونَ إنْكَارٍ مِنْ جُمْهُورِ النَّاسِ لَهُ حَتَّى أَخْبَرَ عَطَاءُ أَنَّهُ وَجَدَ الْعَمَلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَقَدْ أَسَاءَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَأْخِيرَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ خُطْبَةٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلَكِنَّ السُّنَّةَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ يُؤْتَى بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَخْطُبْ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ أَسَاءَ فِي تَرْكِ الْخُطْبَةِ.

ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُرِيدُ صَلَاةُ الْعِيدِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ شَهِدْت الْجُمُعَةَ فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَأَخْبَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَصَرَّحَ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا ذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُعَلِّمُ النَّاسَ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ أَحْكَامِ أَيَّامِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ عِلْمَ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَ فِي الْفِطْرِ أَنْ يَذْكُرَ فِي خُطْبَةِ الْفِطْرِ وَسُنَّتِهِ وَيَحُضَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَضْحَى ذَكَرَ الْأُضْحِيَّةَ وَسُنَّتَهَا وَأَمَرَ بِالزَّكَاةِ وَعَلَّمَهُمْ فَرْضَهَا وَحَذَّرَهُمْ تَضْيِيعَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ بَيَّنَ الْيَوْمَيْنِ وَأَضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْلًا مَشْرُوعًا فِيهِ يَمْنَعُ صَوْمَهُ فَقَالَ إنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ هُوَ يَوْمٌ سُنَّ فِيهِ الْفِطْرُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَهَذَا يَمْنَعُ صَوْمَهُ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى يَوْمٌ يُسَنُّ فِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ نُسُكِهِ وَهُوَ أَيْضًا يَمْنَعُ مِنْ صَوْمِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ يَعْنِي أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ صَادَفَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْت لَهُ، الْعَالِيَةُ مِنْ الْعَوَالِي قَالَ مَالِكٌ بَيْنَ أَبْعَدِ الْعَوَالِي وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ مَنَازِلُ حَوَالِي الْمَدِينَةِ سُمِّيَتْ الْعَوَالِي لِإِشْرَافِ مَوَاضِعِهَا وَأَهْلُ الْعَوَالِي يَلْزَمُهُمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمٍ جَازَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي غَيْرُ عُثْمَانَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا أَذِنَ عُثْمَانُ وَأَنْكَرُوا رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةُ وَالشَّافِعِيُّ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَلَمْ يَخُصَّ عِيدًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْفَرَائِضَ لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي تَرْكِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسْبِ الْعُذْرِ فَمَتَى أَسْقَطَهَا الْعُذْرُ سَقَطَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِعَدَمِ الْعُذْرِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ إسْقَاطُهَا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَلْحَقُ النَّاسَ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالتَّكْرَارِ وَالتَّأَخُّرِ وَهِيَ صَلَاةٌ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِطُولِ الْمَسَافَةِ وَبِالْمَشَقَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ بِذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ وَهُوَ وَقْتُ احْتِفَالِ النَّاسِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ أَذِنْت لَهُ يُرِيدُ أَعْلَمْت النَّاسَ أَنِّي أُجِيزُهُ وَآخُذُ بِهِ وَلَا أُنْكِرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ النَّاسِ بِالْمَجِيءِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا إلَّا لِعُذْرٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَزِمَ النَّاسَ اتِّبَاعُ رَأْيِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مِثْلَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ إقَامَةِ الْعِيدِ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ لِلْإِمَامِ عُذْرٌ لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ وَمُوَافَقَتُهُمْ لَهُ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَسْتَفْتِحُ خُطْبَتَهُ بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تِبَاعًا فَإِذَا مَضَتْ كَلِمَاتٌ كَبَّرَ ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنَّهُ يَفْتَتِحُهَا بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرُ بَيْنَ أَضْعَافِ خُطْبَتِهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ قَالَ

[الأمر بالأكل قبل الغدو في العيد]

الْأَمْرُ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ فِي الْعِيدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ) . مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] ، وَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] » ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ شَهِدْت الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْأَخِيرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ حَبِيبٍ وَبِمَا قُلْنَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَوَجْهُ مَا قَالُوهُ اسْتِحْسَانٌ وَمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَا حَرَجَ. (مَسْأَلَةٌ) : هَلْ يُكَبِّرُ النَّاسُ مَعَهُ إذَا كَبَّرَ فِي خُطْبَتِهِ قَالَ مَالِكٌ يُكَبِّرُونَ مَعَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ الْمُغِيرَةُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَشْرُوعٌ لِلْكَافَّةِ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ كَانَ ذَلِكَ اسْتِدْعَاءً لَهُ مِنْ النَّاسِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ يَمْنَعُ الْكَلَامَ وَيُوجِبُ الْإِنْصَاتَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَمَادَى عَلَيْهَا وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ مَنْ يُتِمُّهَا لِأَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ وَمَنْ أَحْدَثَ مِنْ النَّاسِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَا يَنْصَرِفُ أَيْضًا قَالَهُ مَالِكٌ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْأَمْرُ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ فِي الْعِيدِ] (ش) : هَذَا الِاسْمُ يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ وَإِنْ كَانَ الْأَضْحَى أَيْضًا يَوْمَ فِطْرٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ الصَّوْمُ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مُخْتَصٌّ بِهِ فِي الشَّرْعِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يُرِيدُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْغُدُوُّ الْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُؤْكَلَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَ الْفِطْرِ إخْرَاجُ حَقٍّ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الصَّلَاةِ فَكَانَتْ سُنَّةٌ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْحَقِّ كَمَا أَنَّ يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ حَقًّا وَهُوَ الْأُضْحِيَّةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَكَانَ سُنَّةٌ أَنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى تَمْرٍ إنْ وَجَدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» (ص) : (مَالِكُ بْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ) (ش) : قَوْلُهُ إنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ إشَارَةٌ إلَى عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى عَصْرِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا إمَّا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لِأَنَّ أَئِمَّةَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَائِعًا فِيهِمْ دُونَ نَكِيرٍ وَلَا مُخَالِفٍ وَلَا تَغْيِيرٍ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَضْحَى) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ الْأَكْلُ فِي الْأَضْحَى قَبْلَ الْغُدُوِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ إخْرَاجِ الْحَقِّ فِيهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَقْتُ نَحْرِ أُضْحِيَّتِهِ وَهُوَ إخْرَاجُ الْحَقِّ الْمُخْتَصِّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ. [مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (ش) : لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ نَسِيَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَذَكَّرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَسْنَدُ.

قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَجَدَ النَّاسَ قَدْ انْصَرَفُوا مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَرَى عَلَيْهِ صَلَاةً فِي الْمُصَلَّى وَلَا فِي بَيْتِهِ وَأَنَّهُ إنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي بَيْتِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَيُكَبِّرُ سَبْعًا فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فَكَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي ثَوْرٍ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّكْبِيرُ فِي الْأُولَى ثَلَاثٌ غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِثَابِتٍ وَلَمْ يَبْلُغْ عِنْدِي مَبْلَغَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِهِ وَمِمَّا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ الْمَذْهَبُ إذْ لَمْ يَرْوِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ اتَّصَلَ الْعَمَلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ قُلْنَا إنَّ نَقْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِلصَّلَوَاتِ وَالْأَذَانِ عَلَى التَّوَاتُرِ وَإِذَا اتَّصَلَ بِمَا قُلْنَاهُ الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ كَانَ حُجَّةً يُقْطَعُ بِهَا وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ صَحِيحِ الْأَسَانِيدِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي السَّبْعِ تَكْبِيرَاتٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْأَخْبَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ بِذَلِكَ وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ وَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ كَبَّرَ سَبْعًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا كَبَّرَ (مَسْأَلَةٌ) : وَالتَّكْبِيرُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسٌ غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ خَمْسٌ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ هِيَ فِي نَفْسِ الْقِيَامِ وَلَا يُعْتَدُّ مِنْ التَّكْبِيرِ إلَّا بِمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ خَيَّرَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الزَّوَائِدِ وَعَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَرَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي الْعِيدَيْنِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا يَقْرَبُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَخْتَلِفْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهَا إحْدَى رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ مَحَلُّ زَوَائِدِ التَّكْبِيرِ فِيهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ فَلْيُكَبِّرْ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّهُ تَكْبِيرٌ فِي الصَّلَاةِ يَفْعَلُهُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُ كَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ مَحَلٌّ لِلدُّعَاءِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارًا مُتَوَسِّطًا يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُهَلِّلُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَيْنِ ذِكْرَانِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لَيْسَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ يُفْعَلَانِ فِي حَالٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُسَنَّ بَيْنَهُمَا ذِكْرُ غَيْرِهِمَا كَالتَّسْبِيحِ حَالَ السُّجُودِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ إنَّمَا سُنَّتْ لِلْجَمَاعَةِ وَتِلْكَ الْجَمَاعَةُ هُمْ عِنْدَ مَالِكٍ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ فَمَنْ فَاتَتْهُ تِلْكَ الْجَمَاعَةُ لَمْ يَلْزَمْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ فَإِنْ شَاءَ صَلَّاهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هِيَ سُنَّةٌ لَازِمَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَمَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الصِّبْيَانِ يُصَلُّونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ وَحَيْثُ كَانُوا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوهَا فِي الْجَمَاعَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ عِيدٍ فَلَمْ تَلْزَمْ الْمُفْرَدَ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ عَنْ

[ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما]

تَرْكُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْ النِّسَاءِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَسَائِرِ الْفُرُوضِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا صَلَّاهَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ هَلْ يُصَلِّيهَا فِي جَمَاعَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ يَخْرُجُ إلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ لَا يُجْمِعُ بِهِنَّ أَحَدٌ وَإِنْ صَلَّيْنَ صَلَّيْنَ أَفْذَاذًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُجْمِعَ الرَّجُلُ صَلَاةَ الْعِيدِ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهَا مَعَ أَهْلِهِ أَوْ مَعَ نَفَرٍ يَكُونُونَ عِنْدَهُ أَوْ فِي مَسْجِدِهِمْ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ عِيدٍ فَلَا يَجْمَعُهَا مَنْ فَاتَتْهُ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ يَلْحَقُهَا التَّغْيِيرُ فَجَازَ أَنْ تُجْمَعَ مَعَ غَيْرِ الْإِمَامِ وَإِنْ جَمَعَ فِيهَا الْإِمَامُ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ (مَسْأَلَةٌ) وَفِي أَيِّ الْمَوَاضِعِ يَلْزَمُ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ أَنَّ صَلَاتَهَا لَيْسَتْ إلَّا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَلْزَمُ الْقَرْيَةَ فِيهَا عِشْرُونَ رَجُلًا وَالنُّزُولُ إلَيْهَا مِنْ ثَلَاثِ أَمْيَالٍ كَالْجُمُعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ صَلَّى فِي الْمُصَلَّى أَوْ فِي بَيْتِهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ حِينَ فَاتَتْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْإِمَامِ افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ وَلَا إظْهَارٌ لِمُخَالَفَتِهِ وَلِذَلِكَ جَوَّزَ لِمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ أَوْ فِي بَيْتِهِ وَمَنَعَاهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ بِجَمَاعَةٍ أُخْرَى. [تَرْكُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا] (ش) : صَلَاةُ الْعِيدِ تُقَامُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمَوْضِعُ الْمُخْتَصُّ بِهَا، وَالْآخَرُ الْجَامِعُ فَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْمُخْتَصُّ بِهَا فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّنَفُّلِ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ فِيهِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَنْتَفِلُ بَعْدَهَا وَلَا يَنْتَفِلُ قَبْلَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْتَفِلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ لَحِقَهَا التَّغْيِيرُ سُنَّ لَهَا الْبُرُوزُ فَلَمْ تُسَنَّ الصَّلَاةُ قَبْلَهَا فِي مُصَلَّاهَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ صُلِّيَتْ فِي الْجَامِعِ فَهَلْ يُصَلِّي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فِيهِ أَوَّلًا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةُ ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ مَنْعَهُ قَبْلَهَا وَإِبَاحَتَهُ بَعْدَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعِيدِ حَظَّهُ مِنْ النَّافِلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَالصَّوَابُ جَوَازُ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بَعْدَ طُولِ الْمُكْثِ فِيهِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُ التَّنَفُّلِ لِأَنَّهَا صَلَاةُ عِيدٍ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ. (ش) : تَأْخِيرُ غُدُوِّهِ إلَى الْمُصَلَّى حِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصُّبْحِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْغُدُوُّ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْغُدُوُّ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلِمَنْ أَرَادَ التَّبْكِيرَ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ غَدَا إلَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ قَبْلَ الْجُلُوسِ بِالْمُصَلَّى فَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَتَقَدَّمَ جُلُوسُهُ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ عَمَلُ بِرٍّ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَمَلُ الْفُقَهَاءِ عِنْدَنَا وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيُقْبِلَ عَلَى الذِّكْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْمَأْمُومِ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ غَدَا الْغَادِي إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِهِ وَلَا جُلُوسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَإِنْ غَدَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلْيُكَبِّرْ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمُصَلَّى وَإِذَا جَلَسَ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ

[الرخصة في الصلاة قبل العيدين وبعدهما]

الرُّخْصَةُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَاهُ الْقَاسِمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) . غُدُوُّ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَانْتِظَارُ الْخُطْبَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَنَّ الْإِمَامَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ مُصَلَّاهُ وَقَدْ حَلَّتْ الصَّلَاةُ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْفِطْرِ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الْخَارِجِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَصِّ بِهَا وَأَمَّا قَبْلُ ذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الذِّكْرُ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِهِ ذِكْرُ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْفِطْرُ وَالْأَضْحَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَلَا يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْعَامِ فَسَنَّ فِيهِ التَّكْبِيرَ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ كَالْأَضْحَى. [الرُّخْصَةُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا] (ش) : حُكْمُ هَذَا الْبَابِ غَيْرُ حُكْمِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ بِالْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَهَذَا فِي الرُّخْصَةِ فِي التَّنَفُّلِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِمَنْ تَأَخَّرَ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَيَتَنَفَّلُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَنَحْوَهَا ثُمَّ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ) . ش وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ إنْ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى. [غُدُوُّ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَانْتِظَارُ الْخُطْبَةِ] (ش) : قَوْلُهُ مَضَتْ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ عَمَلِ الْأَئِمَّةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ فَذَكَرْنَا أَنَّهُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَقَوْلُهُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا وَقْتُ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى الْعِيدِ. وَالثَّانِي: وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. فَأَمَّا وَقْتُ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى الْعِيدِ فَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ قَدْرَ مَا يَصِلُ إلَى الْمُصَلَّى وَقَدْ بَرَزَتْ الشَّمْسُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا عِيدٌ فَلَمْ يُشْرَعْ لِلْإِمَامِ الْجُلُوسُ فِي مُصَلَّاهُ كَالْجُمُعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ فَأَوَّلُهُ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَحَلَّتْ السُّبْحَةُ وَفَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَوَجْهُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ صَلَاةُ نَافِلَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يَتَخَيَّرَ لَهَا جَوَازَ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ بِقَدْرِ تَمَكُّنِ الْوَقْتِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَوُرُودِ مَنْ بَعُدَ وَلَهُ عُذْرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْفِطْرُ وَالْأَضْحَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعَجِّلُ الْأَضْحَى وَيُؤَخِّرُ الْفِطْرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْأَضْحَى صَلَاةُ عِيدٍ يُبْرَزُ لَهَا كَصَلَاةِ الْفِطْرِ. (فَرْعٌ) وَآخِرُ وَقْتِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ لَا وَقْتَ لِمَا غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّوَافِلَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْأَوْقَاتِ أَوْقَاتُهَا إلَى الزَّوَالِ كَصَلَاةِ الْخُسُوفِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ مُصَلَّاهُ يُرِيدُ يَبْلُغُ الْإِمَامُ مُصَلَّاهُ لِلْعِيدِ لِأَنَّ النُّزُولَ لِلْعِيدِ سُنَّةٌ وَتَعَيُّنَ مَوْضِعِهِ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْمُصَلَّى لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ وَذَلِكَ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ مُصَلَّى الْعِيدِ مَعْرُوفًا مَعْهُودًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ.

[صلاة الخوف]

قَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ) . صَلَاةُ الْخَوْفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا مِمَّنْ شَهِدَ الصَّلَاةَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ أَوْ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ وَعَبْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ حُضُورَ سُنَّتِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ طَوَافُ النَّفْلِ لَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ تَوَابِعِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَنَفَّلَ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ الرُّكُوعَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا انْصَرَفَ فَلَا يُكَبِّرُ فِي انْصِرَافِهِ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَكْبِيرَهُ يَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي غَدَا مِنْهُ لِمَا رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَلْزَمُ مِنْهُ لِلنَّاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَسُئِلَ مَالِكٌ أَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِأَخِيهِ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعِيدِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك وَغَفَرَ لَنَا وَلَك وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَخُوهُ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ لَا يُكْرَهُ. [صَلَاةُ الْخَوْفِ] (ش) : غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَوْلُهُ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَضَافَ الْيَوْمَ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَقِيلَ إنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إبِلٌ تَحْمِلُهُمْ فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشَاةً فَتَخَرَّقَتْ نِعَالُهُمْ فَلَفُّوا الرِّقَاعَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ نَزَلَتْ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ يُرِيدُ أَنَّ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ صِفَةً تَخْتَصُّ بِهَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي عَمَّ النَّاسَ مَعْرِفَةُ صِفَاتِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِفَتِهَا فَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَهُوَ الَّذِي صَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً ثُمَّ تَصِيرُ فِي وِجَاهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا الْإِمَامُ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ تَقُومُ كُلُّ طَائِفَةٍ فَتُتِمُّ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَزَادَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تَأْتِي بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَإِذَا انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَقَفَتْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ قَضَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ رَكْعَتَهَا الثَّانِيَةَ، وَالْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: جَوَازُهَا. وَالثَّانِي: صِفَتُهَا فَأَمَّا جَوَازُهَا فَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بِإِمَامٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ وَقَدْ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ بَلْ أَفْعَالُهُ عِنْدَهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي جُيُوشٍ عَظِيمَةٍ وَمَحَافِلَ مُخْتَلِفَةٍ مِثْلُهَا تَذِيعُ وَتَسْلَمُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْعُذْرِ يُغَيَّرُ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُنَا فِيهِ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الصِّفَةَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى صِفَةِ ظَاهِرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ الْجَيْشُ وَرَاءَ الْإِمَامِ صَفَّيْنِ فَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَيُكَبِّرُ الصَّفَّانِ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ رَكْعَةً وَالصَّفُّ الْآخَرُ وِجَاهَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدُوِّ ثُمَّ يَذْهَبُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ إلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ وَيَأْتِي الصَّفُّ الثَّانِي فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقْضِي الَّذِينَ صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مَكَانَهُمْ ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ وَيَأْتِي أُولَئِكَ فَيَقْضُونَ رَكْعَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَسْنَدُ رَوَاهُ عَنْهُ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ صَحِيحٌ وَخَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَدْ صَغُرَ عَنْ السَّمَاعِ مِنْهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَوْ تَسَاوَيَا فِي الْإِسْنَادِ لَوَجَبَ الْأَخْذُ بِحَدِيثِ سَهْلٍ لِمُوَافَقَتِهِ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ مَعَ الْإِمَامِ وَعَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يَقُومُونَ مَعَهُ وَقَوْلُهُ فَإِذَا سَجَدُوا وَهَذَا يَقْتَضِي إفْرَادَهُمْ بِالسُّجُودِ وَلَوْ سَجَدَ بِهِمْ الْإِمَامُ لَقَالَ فَإِذَا سَجَدْتُمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] . وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي إفْرَادَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِالسُّجُودِ ثُمَّ تَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فِي صَلَاةٍ وَعَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَا تَنْفَرِدُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِالسُّجُودِ دُونَ الْإِمَامِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ صَلَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَعَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ طَائِفَةٌ لَمْ تُصَلِّ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ كَبَّرَ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ. وَدَلِيلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَيْنِ لَوْ تَسَاوَيَا وَلَمْ يَكُنْ يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ وَيَرْجِعَ إلَى سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَإِذَا رَجَعْنَا إلَيْهَا فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِحِفْظِ الْمُسْلِمِينَ وَلِحِمَايَتِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّحَرُّزُ لِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَكُونُ أَبَدًا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لِتَحْفَظَ الطَّائِفَةَ الْمُصَلِّيَةَ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ تَكُونُ الطَّائِفَتَانِ أَبَدًا مُصَلِّيَتَيْنِ فَلَا تَبْقَى طَائِفَةٌ تَحْفَظُ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ تَغَيُّرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا دَخَلَهَا التَّغْيِيرُ لِفَائِدَةِ التَّحَرُّزِ وَالْحِفْظِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. (فَصْلٌ) : ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فَقَوْله إنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ يَعْنِي أَنَّهَا تُصَلِّي مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ يَعْنِي تَحْرُسُ الْمُصَلِّينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا يَعْنِي أَنَّهُ أَتَمَّ بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَهَا وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْكَامِلَةُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ قَائِمًا لِأَنَّ قِيَامَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا يَكُونُ إلَّا إلَى قِيَامٍ فَثَبَتَ فَإِنَّمَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا فَهَلْ يَثْبُتُ لِانْتِظَارِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا؟ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ كِنَانَةَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا أَكْمَلَ التَّشَهُّدَ قَامَ فَأَتَمَّتْ حِينَئِذٍ الطَّائِفَةُ الْأُولَى صَلَاتَهَا وَانْتَظَرَ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ قَائِمًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ مَا أَمْكَنَ وَمِنْ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا ابْتَدَأَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِقُعُودِهِ وَلَا أَمَارَةَ تَعْلَمُ بِهَا الطَّائِفَةُ الَّتِي يُصَلِّي مَعَهَا انْقِضَاءَ تَشَهُّدِهِ لِتَقُومَ لِلْقَضَاءِ إلَّا بِإِشَارَةٍ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّ بِقِيَامِهِ يُعْلَمُ ذَلِكَ فَكَانَ انْتِظَارُهُ إيَّاهُمْ قَائِمًا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ قَائِمًا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَدْعُوَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تُحْرِمَ الطَّائِفَةُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ حَتَّى تُحْرِمَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَرُبَّمَا أَكْمَلَهَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَإِذَا كَانَ انْتِظَارُهُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فِي صَلَاةِ سَفَرٍ قَائِمًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: السُّكُونُ وَالدُّعَاءُ وَالْقِرَاءَةُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهُ حَتَّى تُكَبِّرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَتُدْرِكُ مَعَهُ الْقِرَاءَةَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ يَعْنِي أَكْمَلُوا صَلَاتَهُمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَحِفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجَهَةَ الْعَدُوِّ فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِاَلَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فَيَكُونُ وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ) ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحِفْظِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ أَفْذَاذًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ يَقْتَضِي أَنَّهَا صَلَاةُ سَفَرٍ أَوْ صَلَاةُ صُبْحٍ فِي حَضَرٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا الْفِعْلِ رِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَرِوَايَةُ الْقَاسِمِ وَهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ وَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى حُكْمِ الْخَوْفِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مَا أَمْكَنَ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّمَامُ وَالْكَمَالُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ لِأَنَّ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ دُونَ آخِرِهَا وَيُطَوِّلُ فِي أَوَّلِهَا مَا لَا يُطَوِّلُ فِي آخِرِهَا فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُ الرَّكْعَةِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ قَسْمِهَا وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجَهَةَ الْعَدُوِّ فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِاَلَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فَيَكُونُ وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ) (ش) : حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ صَلَّوْا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ فَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ إذَا كَمُلَتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ تَقُومُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَتَقْضِي بَعْدَ سَلَامِهِ رَكْعَةً وَقَدْ تَرَجَّحَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَخْذِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ أَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ مَا فِي ذَلِكَ إلَيَّ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر أَنَّهُ قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِثْرِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَبِهِ أَخَذَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَوَجْهُ تَعَلُّقِ مَالِكٍ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ مُسْنَدٌ وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَوْقُوفٌ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَفْعَلَ الصَّلَاةَ فِي حُكْمِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ التَّغْيِيرَ إنَّمَا يَلْحَقُ صَلَاةَ الْخَوْفِ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ أُجْرِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى انْتِظَارِ الْإِمَامِ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى يُتِمُّوا صَلَاتَهُمْ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِهِ إيَّاهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي صَلَاةٍ لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهَا وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لَهَا ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) .

صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَكْثَرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي خَوْفًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمُقَامُ فِي مَوْضِعٍ وَلَا إقَامَةَ صَفٍّ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ وَإِقَامَةُ الصَّفِّ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ ظُهُورِ الْعَدُوِّ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ فَهَاهُنَا لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَرْجُوَ أَنْ يَأْمَنَ فِي الْوَقْتِ فَهَذَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْمَنَ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَرْجُوَ ذَلِكَ فَهَذَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَوْفِ. فَهَذَا أَنْ لَا يُمْكِنَ مَعَهُ اسْتِقْرَارٌ وَلَا إقَامَةُ صَفٍّ مِثْلُ الْمُنْهَزِمِ الْمَطْلُوبِ فَهَذَا يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا تَأَكَّدَ أَمْرُهَا وَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهَا وَلَا تَرْكُهَا بِوَجْهٍ وَجَبَ أَنْ يَفْعَلَ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى حَسْبِ مَا أَمْكَنَ مِنْ فِعْلِهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ إيمَاءٌ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ حَالَ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ وَكُلُّ مَنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّ حُكْمَهُ الْإِيمَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرُكْبَانًا فَيُرِيدُ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ لِأَنَّ فَرْضَ النُّزُولِ إلَى الْأَرْضِ يَسْقُطُ بِالْخَوْفِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَكَانَ أَحَبُّ إلَيْهِ إنْ أَمِنَ فِي الْوَقْتِ أَنْ يُعِيدَ وَلَمْ يَرَهُ كَالْعَدُوِّ فَقَوْلُهُ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ الْوُقُوفِ وَحَاجَتِهِ إلَى الْفِرَارِ وَفَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ أَنْ يَكُونَ خَوْفُ هَؤُلَاءِ غَيْرَ مُتَيَقِّنٍ وَلَوْ اسْتَوَى تَيَقُّنُ الْخَوْفَيْنِ أَوْ ظَنُّهُمَا لَاسْتَوَى حُكْمُهُمَا وَلَكِنَّهُ حَكَمَ فِي كُلِّ قِسْمٍ بِأَغْلَبِ أَحْوَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مَطْلُوبًا فَإِنْ كَانَ طَالِبًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُصَلِّي إلَّا بِالْأَرْضِ صَلَاةَ الْأَمْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ طَالِبًا لِأَنَّ أَمْرَهُ إلَى الْآنِ مَعَ عَدُوِّهِ لَمْ يَنْقَضِ وَلَا يَأْمَنُ رُجُوعَهُ إلَيْهِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ رَأَى أَنَّ الَّذِي قَدْ بَلَغَ بِعَدُوِّهِ مَبْلَغًا أَمِنَ رُجُوعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ الطَّالِبَ بِكُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ أَشَدَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يُمْكِنَهُ إقَامَةَ الصَّفِّ وَمُدَافَعَةَ الْعَدُوِّ وَهَذِهِ حَالَةٌ لَا تُبِيحُ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا تُبِيحُ بِالْأَرْضِ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ. (ش) : قَوْلُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأْخِيرُهُ لِلصَّلَاتَيْنِ نِسْيَانًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ وَالشُّغْلِ بِحَرْبِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ صَلَاةِ الْخَوْفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ثُمَّ نُسِخَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ وَفِيهِ أَنَّهُ قَضَاهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ) . (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ حَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ فِي مَسَائِلَ مِنْ السَّهْوِ نُشِيرُ مِنْهَا إلَى مَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَهَا فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُصَلِّي الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَاقِيَ صَلَاتِهِ وَتَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَتُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَجْلِسُ الْإِمَامُ حَتَّى تُتِمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا ثُمَّ تَسْجُدَ مَعَهُ

[العمل في صلاة الكسوف]

الْعَمَلُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِسَهْوِهِ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا عَلَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَأَمَّا عَلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ فَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ يَسْجُدُ مَنْ مَعَهُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَسْجُدُوا مَعَهُ وَلْيَسْجُدُوا بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمُوا مِنْ تَمَامِ صَلَاتِهِمْ. [الْعَمَلُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ] (ش) : اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَصَحُّهَا حَدِيثُ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَرُوَاتُهُ أَئِمَّةٌ هِشَامٌ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ تَابَعَهَا عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفُقَهَاءُ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَقَوْلُ عَائِشَةَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ كَسَفَتْ وَإِنَّمَا يُقَالُ خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الْكُسُوفُ فِي الْقَمَرِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ وَقَالَ آخَرُونَ يُقَالُ كَسَفَتْ وَخَسَفَتْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيُسْتَعْمَلَانِ جَمِيعًا فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَعْنَى الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ ذَهَابُ ضَوْئِهِمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ قَالَ مَالِكٌ صَلَاةُ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْعَبِيدِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ لَمْ تُشْرَعْ لَهَا خُطْبَةٌ فَكَانَتْ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْوَتْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَذَلِكَ لِطُولِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ فَكَبَّرَ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَيَسْتَفْتِحُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِالسُّورَةِ وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ قِرَاءَتَهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ يَسْتَفْتِحُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا قِرَاءَةٌ بِرَكْعَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَفْتَحَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ كَالْأُولَى وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمَّا قَرَأَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ أُخْرَى ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الرَّكْعَةِ الْمُفْرَدَةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْقِرَاءَةَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِيهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي حُكْمِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُجْزِيه إدْرَاكُ إحْدَاهُمَا وَأَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ فِيهِمَا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَإِنَّهَا سِرٌّ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ افْتَقَرَ إلَى التَّقْدِيرِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ مَا قَرَأَ بِهِ وَلَوْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَعَلِمَ مَا قَرَأَ بِهِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى التَّقْدِيرِ وَلَذَكَرَ الْمَقْرُوءَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مِقْدَارُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِآلِ عُمْرَانَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِسُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي الرَّابِعَةِ بِسُورَةِ الْمَائِدَةِ وَإِلَى نَحْوِ ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَمِيعِ الْقِيَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ يَعْنِي أَنَّهُ خَالَفَ فِيهِ عَادَتَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَمَا خَالَفَ عَادَتَهُ فِي الْقِيَامِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ دَخَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَيَكُونُ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَطْوِيلِ السُّجُودِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُطَوِّلُ السُّجُودَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُطِيلُ السُّجُودَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْإِطَالَةَ نَوْعٌ مِنْ التَّغْيِيرِ فَلَمْ يَلْحَقْ السُّجُودَ كَالتَّكْرَارِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رَوَتْ عَمْرَةُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا وَذَكَرَتْ مِنْ تَدْرِيجِ السُّجُودِ فِي الطُّولِ عَلَى حَسْبِ مَا ذَكَرَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ يَتَكَرَّرُ فَرْضًا فَدَخَلَهُ التَّغْيِيرُ كَالرُّكُوعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي مِنْ التَّغْيِيرِ بِالتَّكْرَارِ وَالتَّطْوِيلِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ يَعْنِي الِانْصِرَافَ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ يَحْتَمِلُ أَنَّ انْصِرَافَهُ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ عِنْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ مِنْ الْكُسُوفِ وَهِيَ السُّنَّةُ وَلِذَلِكَ تُطَالُ الْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِيَكُونَ انْقِضَاءُ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ مَا عُهِدَ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ دَوَامِ الْكُسُوفِ فَإِنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ انْجِلَائِهِ فَإِنَّهُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ وَلَكِنَّهُ يُصَلِّي مَنْ شَاءَ لِنَفْسِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ انْصَرَفَ وَقَدْ كَانَتْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا مُخْتَلِفٌ فَإِنْ تَجَلَّتْ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا كَمَّلَهَا وَإِنْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ الْأُولَى. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُصَلِّيهَا رَكْعَةً وَاحِدَةً بِسَجْدَتَيْنِ عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا عَلَى حَسْبِ مَا دَخَلَ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ عِلَّةَ التَّغْيِيرِ فِي الصَّلَاةِ الْكُسُوفُ فَإِذَا زَالَ الْكُسُوفُ زَالَ التَّغْيِيرُ وَوَجَبَ إتْمَامُ الصَّلَاةِ عَلَى سُنَّةِ النَّوَافِلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَتَى بِكَلَامٍ عَلَى نَظْمِ الْخُطَبِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَمْدُهُ وَثَنَاءٌ وَوَعْظٌ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بِخُطْبَتَيْنِ يَرْقَى لَهُمَا الْمِنْبَرَ وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِهِمَا وَبَيْنَهُمَا هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ الْخُطْبَةُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ كَالْخُطْبَةِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ نَفْلٍ لَمْ يُجْهَرْ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهَا الْخُطْبَةُ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، الْآيَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْعَلَامَةُ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُمَا مِنْ عَلَامَاتِ تَخْوِيفِهِ وَتَحْذِيرِهِ بِآيَاتِهِ وَسَطْوَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا أَمْرٌ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّصْرِيحِ بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَصَرْفِ الْبَلَاءِ وَأَمْرٌ بِالتَّكْبِيرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْهِ وَيُسْتَجْلَبُ بِهِ رِضَاهُ وَيُسْتَدْفَعُ بَأْسُهُ وَسَطْوَتُهُ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَقْرَبِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِعْجَالُهَا وَأَمَّا الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ فَإِنَّهَا مِمَّا يَتَأَخَّرُ أَمْرُهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاَللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَالَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ فَقَالَ إنِّي رَأَيْت الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْته لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْت النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْت إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْت مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَظَهُمْ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ وَنَهَاهُمْ عَنْ الْمَعَاصِي وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ وَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا يَغَارُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يُجَدِّدَ عُقُوبَتَهُ فِي مُوَاقَعَةِ الزِّنَا، وَأَقْسَمَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْفُصُولِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْتَابُ فِي صِدْقِهِ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَالْإِبْلَاغِ وَنَادَاهُمْ بِيَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ الْإِشْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَالتَّذْكِيرِ لَهُمْ بِمَا يَعْمَلُونَ بِهِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةً لَهُمْ كَمَا يُخَاطِبُ الرَّجُلُ وَلَدَهُ يَا بُنَيَّ وَأَخَاهُ يَا أَخِي وَغَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» يُرِيدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمٍ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَنَوَّرَ بِهِ قَلْبَهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَا أَرَاهُ فِي عَرْضِ الْحَائِطِ مِنْ النَّارِ فَرَأَى مِنْهَا مَنْظَرًا شَنِيعًا لَوْ عَلِمَتْ أُمَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلِمَ لَكَانَ ضَحِكُهُمْ قَلِيلًا وَبُكَاؤُهُمْ كَثِيرًا إشْفَاقًا وَخَوْفًا. (ش) : قَوْلُهُ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ وَلَوْ جَهَرَ بِهَا لَكَانَ تَبْلِيغُ مَا قَرَأَ بِهِ أَبْلَغَ فِي تَقْدِيرِ صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الْقِيَامِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ دُونَ الْقِيَامِ الَّذِي يَلِيهِ أَبْيَنُ فِي وَصْفِهِ لِأَنَّنَا إنْ صَرَفْنَاهُ إلَى أَوَّلِ قِيَامِهِ لَمْ يُعْلَمْ إنْ كَانَ تَقْدِيرُ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَكَانَتْ إضَافَتُهُ إلَى الَّذِي يَلِيهِ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّ يَسِيرَ الْعَمَلِ لَا يُفْسِدُهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْت الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَآهُمَا حَقِيقَةً يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا يَعْنِي أَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهُ وَهُوَ التَّنَاوُلُ الَّذِي رَأَوْهُ يَفْعَلُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْلُقَ الْبَارِي تَعَالَى إدْرَاكًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يُدْرَكُ بِهِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فِي جِهَةِ الْحَائِطِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَخَذْته لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا يُرِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ مَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَفِنِي وَلَا تَنْقَطِعُ ثَمَرَتُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ عَنْ تَنَاوُلِهِ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ تَكَعْكُعِهِ فَقَالَ رَأَيْت النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ كَمَنْظَرٍ رَآهُ فِي الْيَوْمِ مَنْظَرًا فَحَذَفَ الْمَرْئِيَّ وَأَدْخَلَ حَرْفَ التَّشْبِيهِ عَلَى الْيَوْمِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْبَارَ عَنْ شَنَاعَةِ مَا رَأَى وَفَظَاعَتِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ الْمَنَاظِرِ الْمُرِيبَاتِ. 1 -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَجَرِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ صِفَةِ النَّارِ وَوَعَظَ النِّسَاءَ وَزَجَرَهُنَّ عَنْ الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ فَقَالُوا لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ فَأَطْلَقَ اسْمَ الْكُفْرِ عَلَى فِعْلِهِنَّ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي فِي الشَّرْعِ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ السَّامِعِ أَنَّهُ أَرَادَ جِنْسَ النِّسَاءِ وَأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُنَّ كَافِرَاتٍ إلَّا أَنْ يَرِدْ بِذَلِكَ شَرْعٌ فَيُكَذِّبُ إقْرَارَهُنَّ بِالْإِيمَانِ وَالْعَشِيرُ الزَّوْجُ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ عَشِيرُ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ الزَّوْجَ سُمِّيَ عَشِيرًا لِأَنَّهُ يُعَاشِرُهَا وَتُعَاشِرُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ، وَقَالَ مَكِّيٌّ فِي قَوْله تَعَالَى {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: 13] أَيْ الْخَلِيطُ وَالصَّاحِبُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْعَشِيرُ يَعْنِي الْوَلِيَّ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ الْعَشِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ يُقَالُ هَذَا عَشِيرُكَ وَشَعِيرُكَ عَلَى الْقَلْبِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ الْعَشِيرَ الزَّوْجَ خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ كُلَّ مَنْ يُعَاشِرَهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَحْسَنْت إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْت مِنْك خَيْرًا قَطُّ وَعْظٌ وَزَجْرٌ عَنْ كُفْرِ الْإِحْسَانِ وَجَحْدِهِ عِنْدَ بَعْضِ التَّغْيِيرِ وَمُوَاقَعَةِ شَيْءٍ مِنْ الْإِسَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مَعَ طُولِ الْمُؤَالَفَةِ إسَاءَةً أَوْ مُخَالَفَةً فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَلَا يُجْحَدُ لِذَلِكَ كَثِيرُ إحْسَانِهِ وَمُتَقَدِّمُ أَفْضَالِهِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا تُرِيدُ عَطَاءً فَقَالَتْ أَعَاذَك اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ تَدْعُو لَهَا بِذَلِكَ وَلَعَلَّ الْيَهُودِيَّةَ سَمِعَتْهُ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِهِمْ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا سَمِعَتْهُ لَمَّا لَمْ تَعْلَمْ حَقِيقَتَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَسْمَعُ أَنَّ الْعَذَابَ وَالثَّوَابَ يَكُونُ بَعْدَ الْبَعْثِ وَلَمْ تَكُنْ سَمِعْت قَبْلَ ذَلِكَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ يُعَذَّبَ النَّاسُ فِي الْقُبُورِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُخْبِرَ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا وَقْتُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ. وَالثَّانِي: مَوْضِعُهَا فَأَمَّا وَقْتُهَا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا ضُحًى وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَقْتٌ مُخْتَصٌّ بِهَا أَوَّلُهُ وَقْتُ جَوَازِ النَّافِلَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَخِلَافٌ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا آخِرُهُ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ رَوَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّانِيَةُ: آخِرُ وَقْتِهَا امْتِنَاعُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ رَوَاهَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَالثَّالِثَةُ: تُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ رَوَاهَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ

[ما جاء في صلاة الكسوف]

مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْت عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْت مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْت آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ قَالَتْ فَقُمْت حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ وَجَعَلْت أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ فَحَمِدَ اللَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْت لَمْ أَرَهُ إلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقَدْ أَوْحَى إلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مَثَلًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْت لَمُؤْمِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْته) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا صَلَاةُ نَفْلٍ شُرِعَتْ ضُحًى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ كَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ نَافِلَةٌ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا خُطْبَةٌ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ بِهِمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ شُرِعَتْ لِعِلَّةٍ غَيْرِ بَاقِيَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تَخْتَصَّ بِوُجُودِ تِلْكَ الْعِلَّةِ دُونَ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ كَصَلَاةِ الْخَوْفِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ سُنَّتُهَا أَنْ تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ دُونَ الْمُصَلَّى حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ إنْ شَاءُوا أَوْ فِي صَحْنِهِ أَوْ يَبْرُزُوا لَهَا إلَى الْبَرَازِ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ نَافِلَةٌ لَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَلَمْ يُسَنَّ لَهَا الْبُرُوزُ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا الْبَذَاذَةُ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْبُرُوزِ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ يَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَ كَلَامِهِ وَمُبَالَغَتَهُ فِيمَا قَصَدَ إلَى الْكَلَامِ بِهِ، وَقَوْلُهَا ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ شَمَلَ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ فَلَمَّا رَأَى سُؤَالَ عَائِشَةَ عَنْ ذَلِكَ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِهِ وَيَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عِلْمُهُ فَكَانَ سُؤَالُ عَائِشَةَ سَبَبًا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْهُ. [مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ] (ش) : قَوْلُهَا أَتَيْت عَائِشَةَ فَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْت مَا لِلنَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِجَازَتِهَا سُؤَالَ الْمُصَلِّي وَمُخَاطَبَتَهُ بِالْأَمْرِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ الْجَوَابُ بِالْإِشَارَةِ عَلَى حَسْبِ مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَشَارَتْ بِيَدِهَا إلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ كَانَ عِنْدَهُمْ حُكْمَ الرِّجَالِ فِي التَّسْبِيحِ دُونَ التَّصْفِيقِ وَقَوْلُهَا فَقُمْت حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ دَلِيلٌ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ وَلَعَلَّهَا لِذَلِكَ كَانَتْ صَبَّتْ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا لِتُزِيلَ أَلَمَ الْحَرِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِفْتَاحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَلِذَلِكَ وَصَفَ كَلَامَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِأَنَّهُ خُطْبَةٌ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ رَأَيْته إلَّا وَقَدْ رَأَيْته فِي مَقَامِي هَذَا

[العمل في الاستسقاء]

الْعَمَلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِمَّا يَصِفُ النَّاسُ إلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ وَعْظٌ لِلنَّاسِ حِينَ يُخْبِرُ عَنْ عِيَانٍ وَقَوْلُهُ حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ لِأَنَّهُمَا غَايَةُ مَصِيرِ النَّاسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ أُوحَى إلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ بَيَانٌ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْفِتْنَةُ الِاخْتِبَارُ وَلَيْسَ الِاخْتِبَارُ بِالْقَبْرِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إظْهَارُ الْعَمَلِ وَإِعْلَامٌ بِالْمَآلِ وَالْعَاقِبَةِ كَاخْتِبَارِ الْحِسَابِ لِأَنَّ الْعَمَلَ وَالتَّكْلِيفَ قَدْ انْقَطَعَا بِالْمَوْتِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَفِتْنَةُ الدَّجَّالِ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ وَالتَّعَبُّدِ لَكِنَّهُ شَبَّهَهَا بِهَا لِصُعُوبَتِهَا وَعِظَمِ الْمِحْنَةِ فِيهَا وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ مَعَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ إشَارَةً إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي عَنْ أَسْمَاءَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ لِقَوْلِهِ فَآمَنَّا وَلَمْ يَقُلْ فَأَيْقَنَّا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا النَّوْمُ هَاهُنَا الْعَوْدَةُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَوَصْفُهُ بِالنَّوْمِ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا لِمَا يَصْحَبُهُ مِنْ الرَّاحَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ وَقَوْلُهُ قَدْ عَلِمْنَا إنْ كُنْت لَمُؤْمِنًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ لَا الْمُوقِنُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ وَالْمُنَافِقُ الَّذِي يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ وَالْمُرْتَابُ وَالشَّاكُّ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ فِي الْكُفْرِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْمَعْنَى. [الْعَمَلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ] (ش) : هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الصَّلَاةَ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ فِيهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَوْلُهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمُصَلَّى نَصٌّ فِي الْبُرُوزِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَبْرُزُ إلَيْهَا وَصِفَةُ الْبُرُوزِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلزِّينَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ التَّضَرُّعِ وَالتَّذَلُّلِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلَاةِ لَهُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي لِلِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّمَا سُنَّ فِيهِ الْبُرُوزُ لِلدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي قَالَ فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ خُطْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَعْرَى مِنْ صَلَاةٍ كَسَائِرِ الْخُطَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تَكْبِيرَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِيهَا كَتَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا الْبَذَاذَةُ وَالْخُشُوعُ فَلَمْ يَلْحَقْهَا تَغْيِيرٌ بِالتَّكْبِيرِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاسْتَسْقَى يُرِيدُ اسْتَدْعَى السَّقْيَ وَتَضَرَّعَ فِيهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ جَمِيعًا فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ لَفْظُ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَيْهِمَا وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ خُصَّ ذَلِكَ بِالْمُصَلَّى وَلَا يُخْتَصُّ إلَّا بِصَلَاةٍ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ خُطْبَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمَنْصُوصُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمْ هِيَ فَقَالَ رَكْعَتَانِ وَلَكِنْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْطُبُ قَائِمًا وَيَدْعُو وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ وَإِذَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ وَاَلَّذِي عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إذَا حَوَّلَ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُودٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافِ وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ عَلَى مَعْنَى التَّفَاؤُلِ لِلِانْتِقَالِ مِنْ حَالِ الْجَدْبِ إلَى حَالِ الْخَصْبِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ وَمَا عَلَى شِمَالِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِالْعِرَاقِ وَقَالَ بِمِصْرَ يُنَكِّسُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَزَادَ فِيهِ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الشِّمَالِ وَقَوْلُهُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ أَظْهَرُ فِيمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّحْوِيلِ فِي الْأَظْهَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَلْبَ الرِّدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مَتَى يَكُونُ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ. وَقَالَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو مَا شَاءَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَسْتَقْبِلُ النَّاسَ وَيُتِمُّ خُطْبَتَهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ خُطْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ فَلَمْ يُسَنَّ قَطْعُهَا بِذِكْرٍ كَخُطْبَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَانِ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَتَى بِالدُّعَاءِ مُفْرَدًا كَانَ ذَلِكَ كَالْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ حِينَئِذٍ مُنْفَرِدٌ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ وَإِذَا أَتَى بِهِ فِي نَفْسِ الْخُطْبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْخُطْبَةِ. (ش) : قَوْلُهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمْ هِيَ فَقَالَ إنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَوْلُهُ إنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَكَانَ يَقُولُ زَمَانًا إنَّ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ فَقَالَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَثُمَّ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ لَمْ يَلْحَقْهَا تَغْيِيرٌ فَإِذَا سُنَّتْ لَهَا خُطْبَةٌ كَانَ الْقِيَاسُ الْإِتْيَانَ بِهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ نَافِلَةٌ شُرِعَتْ لَهَا خُطْبَةٌ فَكَانَتْ سُنَّتُهَا تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ كَالْعِيدَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ قَائِمًا هُوَ سُنَّةُ خُطْبَةِ الصَّلَاةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ» كَمَا يَفْعَلُونَ الْآنَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ هُوَ السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ شُرِعَتْ لَهَا الْخُطْبَةُ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهَا الْجَهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ تَعْلِيمٌ لِلْحَجِّ فَبَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ لَهَا قُدِّمَ الْأَذَانُ قَبْلَهَا وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ الْخُطْبَةُ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَجْزَأَ الْأَذَانُ بَعْدَهَا وَجُعِلَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ عَلَى سُنَّتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُودٌ وَهَذَا أَيْضًا سُنَّةُ النَّاسِ فِي تَحْوِيلِهِمْ أَرْدِيَتَهُمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُنَّتُهُ الْقِيَامُ فِي دُعَائِهِ فَكَانَ تَحْوِيلُهُ رِدَاءَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِ الدُّعَاءِ وَلِأَنَّ النَّاسَ

[ما جاء في الاستسقاء]

مَا جَاءَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهِيمَتَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَدْرَكَ الْخُطْبَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ إذَا رَجَعَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سِعَةٍ إنْ شَاءَ فَعَلَ أَوْ تَرَكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ وَهُمْ قُعُودٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ قِيَامًا. [مَا جَاءَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ] (ش) : الدُّعَاءُ الَّذِي يُدْعَى بِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَجَاءَ بَرَكَتِهِ دُعَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ يَحْفَظُ فِيهِ دُعَاءً دَعَا بِمَا أَمْكَنَهُ ص (مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُطِرْنَا مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ ظُهُورَ الْجِبَالِ وَالْآكَامِ وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ قَالَ فَانْجَابَ عَنْ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي إخْبَارٌ عَنْ قِلَّةِ الْكَلَأِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْمَطَرِ، وَقَوْلُهُ وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ يُرِيدُ أَنَّهُ ضَعُفَتْ الْإِبِلُ لِقِلَّةِ الْكَلَأِ أَنْ يُسَافَرَ بِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْ الْكَلَأِ مَا تَبْلُغُ بِهِ فِي أَسْفَارِهَا فَادْعُ اللَّهَ اسْتِشْفَاعٌ بِمَنْ تُرْجَى بَرَكَةُ دُعَائِهِ وَفَضْلُهُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُطِرْنَا مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الِاسْتِسْقَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: يُبْرَزُ لَهُ وَيُجْتَمَعُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الَّذِي سُنَّتْ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالْخُطْبَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَضَرْبٌ لَا يُبْرَزُ وَلَا يُجْتَمَعُ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَجِيءُ الرَّجُلِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالْخُطَبِ لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي إخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ وَضَرَرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ ظُهُورَ الْجِبَالِ وَالْآكَامِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ الْآكَامُ الْجِبَالُ الصِّغَارُ قَالَ الْبَرْقِيُّ هِيَ شَيْءٌ مُجْتَمِعٌ مِنْ تُرَابٍ أَكْبَرُ مِنْ الْكُدَيَّةِ، الْوَاحِدَةُ أَكَمَةٌ، وَقَوْلُهُ: وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ يُرِيدُ شَجَرَ الرَّعْيِ رَغْبَةً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكُونَ الْأَمْطَارُ بِحَيْثُ لَا تَضُرُّ بِأَحَدٍ كَثْرَتُهَا وَهَذَا أَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْمَنَابِرِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْمَطَرِ وَيَدْعُو بِذَلِكَ الْإِمَامُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَانْجَابَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ تَدَوَّرَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ كَمَا يَدُورُ جَيْبُ الْقَمِيصِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِي تَقَطَّعَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ كَانْقِطَاعِ الثَّوْبِ الْخَلِقِ وَقَالَهُ سَحْنُونُ. (فَصْلٌ) : وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَلِكَ هَذَا الِاسْتِسْقَاءُ الَّذِي لَا يُجْتَمَعُ بِسَبَبِهِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ يُفْعَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مُجَرَّدٌ وَأَمَّا الِاسْتِسْقَاءُ الَّذِي يُبْرَزُ لَهُ وَيُجْتَمَعُ بِسَبَبِهِ فَإِنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ ضَحْوَةٍ إلَى الزَّوَالِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ وَقْتَهُ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ النَّهَارِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ خَصَّ الرِّجَالَ

[الاستمطار بالنجوم]

الِاسْتِمْطَارُ بِالنُّجُومِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ «زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ لِأَنَّ الرِّجَالَ هُمْ الْمَنْدُوبُونَ إلَى ذَلِكَ وَالْمَأْمُورُونَ بِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ مَنْ شَاءَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الْمُتَجَالَّاتِ وَلَا يُمْنَعْنَ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَيُكْرَهُ خُرُوجُ الشَّوَابِّ إلَيْهِ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِنَّ فِتْنَةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَخْرُجُ إلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ مَنْعُهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ دَاعُونَ مُظْهِرُونَ لِلدُّعَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ دُعَاءَهُمْ لَيْسَ فِيهِ إخْلَاصٌ لِلْبَارِي تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ إظْهَارِهِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَخْرُجُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَنَا مُظْهِرِينَ شِعَارَهُمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ يَخْرُجُونَ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ صُلُبِهِمْ فِي الطُّرُقَاتِ وَالْأَسْوَاقِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِيِ وَالْخَلَوَاتِ وَلَا يُمْنَعُونَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ إظْهَارِ التَّضَرُّعِ وَالْعَجِيجِ وَالْبُكَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّهُ فِي سَعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي بَيْتِهِ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ قَدْ قَصَدَهُ وَفَاتَهُ حُضُورُهُ فَإِنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ نَافِلَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَلَا زَمَانٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الِاسْتِمْطَارُ بِالنُّجُومِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ عِبَادِهِ مُؤْمِنًا بِهِ وَهُوَ مَنْ أَضَافَ الْمَطَرَ إلَى فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ سَبَبٍ وَلَا تَأْثِيرٍ لِكَوْكَبٍ وَلَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا الْمُؤْمِنُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُكَذِّبُ قُدْرَتَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيَجْحَدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ وَأَنَّ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ أَصْبَحَ كَافِرًا بِهِ وَهُوَ مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَأَضَافَ الْمَطَرَ إلَى النَّوْءِ وَجَعَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا وَلِلْكَوْكَبِ فِعْلًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا يُدَّعَى لِلْكَوْكَبِ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْكَوْكَبُ فَاعِلًا لِلْمَطَرِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَإِذَا حَمَلْنَا لَفْظَ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ لَهُمَا اقْتَضَى ظَاهِرُهُ تَكْفِيرَ مَنْ قَالَ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالْإِنْشَاءِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَا وَجَلَّ: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] وَأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ مَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] . وَقَدْ اعْتَرَضَ مَنْ ذَهَبَ إلَى تَصْحِيحِ ذَلِكَ مِنْ الْجُهَّالِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُ بِمَا يَظْهَرُ إلَيْهِ مِنْ أَدِلَّةِ النُّجُومِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَعْنَى الْغَيْبِ لِأَنَّ الْغَيْبَ هُوَ الْمَعْدُومُ وَمَا غَابَ عَنْ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَذَا الْقَائِلُ لَمَا تُصُوِّرَ أَنْ يَكُونَ غَيْبٌ يَنْفَرِدُ الْبَارِي تَعَالَى بِعِلْمِهِ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ مَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ وَيَكُونُ إلَّا وَالنُّجُومُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ يَتَمَدَّحُ تَعَالَى بِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ فَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 65] . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» )

[النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته]

بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» ) . النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالْإِنْسَانُ عَلَى حَاجَتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ إِسْحَاقَ مَوْلًى لِآلِ الشِّفَاءِ وَكَانَ يُقَالُ أَنَّهُ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ «سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمِصْرَ يَقُولُ وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَايِيسِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ أَوْ الْبَوْلَ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا بِفَرْجِهِ» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَإِذَا نَشَأَتْ سَحَابَةٌ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ يَقُولُ إذَا نَشَأَتْ السَّحَابَةُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ ثُمَّ اسْتَدَارَتْ فَصَارَتْ نَاحِيَةَ الشَّامِ فَذَلِكَ سَحَابٌ يَكُونُ مِنْهُ الْمَطَرُ الْغَزِيرُ وَالْغَدَقُ الْغَزِيرُ. وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ مَعْنَى ذَلِكَ إذَا ضَرَبَتْ رِيحٌ بَحْرِيَّةٌ فَأَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ ضَرَبَتْ رِيحٌ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ فَتِلْكَ عَلَامَةُ الْمَطَرِ الْغَزِيرِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ الْعَيْنُ مَطَرُ أَيَّامٍ لَا يُقْلِعُ وَأَهْلُ بَلَدِنَا يَرَوْنَ غُدَيْقَةٌ عَلَى التَّصْغِيرِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّنُوبَرِيُّ الْحَافِظُ وَضَبَطَهُ بِخَطِّهِ غَدِيقَةٌ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْحَافِظُ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيِّ الْحَافِظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ لِابْنِهِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ مَا يَفُورُ مِنْ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ بِأَثَرِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ لِيُبَيِّنَ مَا يَجُوزُ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِثْلُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ بِأَنْ يُمْطَرُوا بِالرِّيحِ الْغَرْبِيَّةِ وَفِي بِلَادٍ بِالرِّيحِ الشَّرْقِيَّةِ فَيَسْتَبْشِرُ مُنْتَظِرُ الْمَطَرِ إذَا رَأَى الرِّيحَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنْ يُمْطَرُوا بِهَا مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الرِّيحَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَا فِعْلَ وَلَا سَبَبَ وَإِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنَزِّلُ لِلْغَيْثِ وَقَدْ أَجْرَى الْعَادَاتِ بِإِنْزَالِهِ عِنْدَ أَحْوَالٍ يُرِيهَا عِبَادَهُ وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِنُزُولِ الْمَطَرِ عِنْدَ نَوْءٍ مِنْ الْأَنْوَاءِ فَاسْتَبْشَرَ أَحَدٌ لِنُزُولِهِ عِنْدَ ذَلِكَ النَّوْءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ النَّوْءَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي نُزُولِ الْمَطَرِ وَلَا هُوَ فَاعِلٌ لَهُ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِإِنْزَالِهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَمَا كَفَرَ بِذَلِكَ بَلْ يَعْتَقِدُ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا كَفَرَ مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا لِإِضَافَةِ الْمَطَرِ إلَى النَّوْءِ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرًا أَوْ فِعْلًا مَعَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ بِوَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ قَائِلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ السَّامِعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَبَانَ بِذَلِكَ فَضْلُ مَالِكٍ وَعِلْمُهُ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ إذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] ) . (ش) : كَانَ يَقُولُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ مُضَادَّةً لِقَوْلِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَيَقُولُ هُوَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَوْءَ يُنْزِلُ الْمَطَرَ وَلَا يَنْزِلُ بِهِ وَأَنَّ الَّذِي بِهِ يَنْزِلُ الْمَطَرُ هُوَ فَتْحُ اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةَ لِلنَّاسِ. [النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالْإِنْسَانُ عَلَى حَاجَتِهِ] (ش) : وَقَوْلُهُ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهَذِهِ الْكَرَايِيسِ يَعْنِي الْمَرَاحِيضَ وَاحِدُهَا كِرْيَاسٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَجِدُ مِنْهَا مَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ أَوْ يَسْتَدْبِرُهَا وَكَانَ يَحْمِلُ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ أَوْ الْبَوْلَ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَائِطَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّجِيعِ خَاصَّةً وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يَذْهَبُ إلَى الْغَائِطِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ فَكَانُوا لَا يُبْعِدُونَ لَهُ ذَلِكَ الْإِبْعَادَ وَلَا

[الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط]

(الرُّخْصَةُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِكَ فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ «عَبْدُ اللَّهُ لَقَدْ ارْتَقَيْت عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكَ مِنْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ قَالَ قُلْت لَا أَدْرِي وَاَللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي الَّذِي يَسْجُدُ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُونَ لَهُ بِغَائِطٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يُوَلِّي الرَّجُلَ ظَهْرَهُ لِأَنَّ الرَّجِيعَ يَحْتَاجُ لَهُ مِنْ التَّكَشُّفِ إلَى مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَوْلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْغَائِطَ أَوْ الْبَوْلَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي أَيِّ اللَّفْظَيْنِ قَالَ الْمُحَدِّثُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا بِفَرْجِهِ حَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَكَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ فِي الصَّحَارِي وَالْبُيُوتِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْمَبَانِي وَذَهَبَ دَاوُد إلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ فِيهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ دَاوُد الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْمَبَانِي قَوْلُ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَقَدْ ارْتَقَيْت عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» . [الرُّخْصَةُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ وَبِذَلِكَ أَوْرَدَ الْحُجَّةَ فِي إبَاحَتِهِ فَقَالَ لَقَدْ رَقِيت عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ارْتَقَى مِنْ ظَهْرِ بَيْتِهِ مَوْضِعًا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَلَاءٍ وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الِاطِّلَاعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ فِي دَارٍ عَهِدَهَا ابْنُ عُمَرَ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فَدَخَلَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمَبْسُوطِ نَافِعٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ حَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَخْدَعِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَقْصِدْ النَّظَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مُسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَكَذَلِكَ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرَ عُمَرُ الْمَنْعَ فِيهِمَا جَمِيعًا فَقَالَ إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحَارِي لِأَنَّ الْبُنْيَانَ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَضِيقٍ لَيْسَ كُلُّ مَنْ بَنَى خَلَاءً يُمْكِنُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَالصَّحَارِي مَوْضِعُ اتِّسَاعٍ وَتَمَكُّنٍ وَيُمْكِنُهُ فِي الْأَغْلَبِ أَنْ يَنْحَرِفَ فِي جُلُوسِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي الْوَطْءِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إبَاحَتَهُ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ كَرَاهِيَتَهُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُجَامِعُ الرَّجُلُ إلَى الْقِبْلَةِ فَقَالَ لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى بِالْمَرَاحِيضِ بَأْسًا فِي الْمُدُنِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ جَوَابَهُ إنَّمَا كَانَ فِي الْبُنْيَانِ، وَأَمَّا فِي الصَّحَارِيِ فَلَمْ

[النهي عن البصاق في القبلة]

النَّهْيُ عَنْ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ عَنْهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَا تَأَوَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فِي الصَّحَارِي إكْرَامًا لِلْقِبْلَةِ لِعَدَمِ السُّتْرَةِ فَإِذَا سَتَرَ الْبُنْيَانُ الْقِبْلَةَ جَازَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْوَطْءُ الْمُبَاحُ لَا يَكُونُ إلَّا تَحْتَ سُتْرَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِفَرْجٍ فَجَازَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَعَلَّك مِنْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَالْعَيْبُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوْرَاكِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ فِي سُجُودِهِ عَنْ الْأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ وَلَا يُقِيمُ وِرْكَهُ وَإِنَّمَا يَفْتَحُ رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُهُمَا حَتَّى يَصِيرَ كَالْمُعْتَمِدِ عَلَى وِرْكَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَعْنِي الَّذِي يَسْجُدُ وَلَا يَرْتَفِعُ إلَى آخَرِ الْكَلَامِ مِنْ لَفْظِ مَالِكٍ فَسَرَدَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ وَأَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَ بِالْمَدِينَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَدْ اسْتَدْبَرَ مَكَّةَ فَشَمَلَ النَّهْيُ عَنْهُ الِاسْتِدْبَارَ فَرَاعَى مَالِكٌ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ مَكَّةَ دُونَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَكُونُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي يَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ فِي التَّرْجَمَةِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ قِبْلَةً وَإِنْ نُسِخَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهَا فَإِنَّ سَائِرَ أَحْكَامِهَا بَاقِيَةٌ وَحُرْمَتَهَا ثَابِتَةٌ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّسْخِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ مَنْعًا مِنْ اسْتِقْبَالِ مَكَّةَ وَمِنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ كَانَ قِبْلَةً وَعَلَى هَذَا فَالْمَنْعُ بَاقٍ فِي اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فِي الصَّحَارِيِ عَلَى حَسْبِ مَا هُوَ فِي اسْتِقْبَالِ مَكَّةَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ وَاحِدَةٌ مِنْ الْقِبْلَتَيْنِ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إسْنَادُهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بَعْدَ النَّسْخِ وَأَنْ يَكُونَ حُرْمَةُ بَيْتِ الْمُقَدَّسِ بَاقِيَةً فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ النَّسْخِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ كَانَتْ تُسْتَقْبَلُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ حِينَ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلَيْهَا فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ مَمْنُوعٌ بَعْدَ النَّسْخِ وَيَنْظُرُ فِي اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى مَا يَقْتَضِي غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [النَّهْيُ عَنْ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ ظَاهِرًا فِيهِ وَلِذَلِكَ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاكْتَفَى بِحَكِّ عَيْنِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى غَسْلِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ حَالَ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ مَعَانِي: أَحَدُهَا: أَنَّهُ نَصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْبُصَاقِ قِبَلَ وَجْهِهِ حَالَ الصَّلَاةِ لِفَضِيلَةِ تِلْكَ الْحَالِ عَلَى سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَصَّ بِذَلِكَ حَالَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَفِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ قَدْ تَكُونُ الْقِبْلَةُ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ الْجِهَةُ الَّتِي أُمِرَ بِالْبُصَاقِ إلَيْهَا أَوْ أَمَامَهُ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ لِجَوْزِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ تَوَجَّهَ إلَى سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَإِنَّ

[ما جاء في القبلة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ بُصَاقًا أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ» ) . مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ فِيهَا إلَى شَيْءٍ وَلْيَبْصُقْ كَيْفَ تَيَسَّرَ لَهُ فِي قِبْلَتِهِ وَغَيْرِهَا فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ إكْرَامِ الْقِبْلَةِ وَتَنْزِيهِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ثَوَابَهُ وَإِحْسَانَهُ وَتَفَضُّلَهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُنَزِّهَ تِلْكَ الْجِهَةَ عَنْ الْبُصَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى أَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَتَعْظِيمِهَا وَتَنْزِيهِهَا وَلَا سِيَّمَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ بِمَعْنَى أَنَّ مَا أَمَرَهُ بِتَنْزِيهِهِ وَتَعْظِيمِهِ قِبَلَ وَجْهِهِ وَأَنَّ فِي تَعْظِيمِهِ تِلْكَ الْجِهَةَ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَطَاعَتُهُ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إذَا وَرَدَ عَلَيْكَ فُلَانٌ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فَأَكْرِمْهُ فَإِنَّ الْأَمِيرَ يَرُدُّ عَلَيْكَ بِوُرُودِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَصَقَ بُصَاقًا ظَاهِرًا وَالْبُصَاقُ فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سَتْرُهُ إلَّا بِإِزَالَتِهِ وَحَكِّهِ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْبُصَاقُ فِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَخَصَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ لِفَضِيلَتِهَا عَلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ وَلِأَنَّهَا الْجِهَةُ الَّتِي يَتَّجِهُ الْبُصَاقُ إلَيْهَا فِي الْأَغْلَبِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ يُصَلِّي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا مَنْ بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ وَسَتَرَ بُصَاقَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» وَذَلِكَ لِطَهَارَةِ الْبُصَاقِ، وَأَمَّا الدَّمُ وَمَا كَانَ نَجِسًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ دَمِيَ فُوهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَنْصَرِفْ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الدَّمَ نَجَسٌ فَيَجِبُ أَنْ يُنَزِّهَ الْمَسْجِدَ عَنْهُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا وَالْبُصَاقُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَكِنَّهُ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ وَالْأَثَرُ يَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ إذَا سُتِرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْبُصَاقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ شَهْرٍ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ نَعْلَاهُ وَرَأَيْتُهُ يَبْصُقُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقُ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لِيَدْفِنَهَا» فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ أَوْلَى بِالْبُصَاقِ إلَيْهَا لِمَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّ التَّيَاسُرَ فِي الْأَقْذَارِ مَشْرُوعٌ وَلِذَلِكَ أَمَرَ الْمُكَلَّفَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِشِمَالِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ بُصَاقًا أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ» ) (ش) : الْبُصَاقُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ وَالنُّخَامَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَلْقِ وَالْمُخَاطُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ وَقَوْلُهُ فَحَكَّهُ يُرِيدُ أَزَالَهُ وَذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ سَتْرِهِ وَإِخْفَاءِ عَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْحَائِطِ مِنْ سَتْرِهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ يَبْصُقُ فِي الْأَرْضِ وَيَحُكُّهُ بِرَجُلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ سَتْرَهُ فِي الْأَرْضِ يُمْكِنُهُ بِغَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَقْذِيرِ الْمَوْضِعِ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ. [مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ] (ش) : قَوْلُهُ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي قُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إلَى الْكَعْبَةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إلَى الْكَعْبَةِ الْعَصْرُ عَلَى مَا رَوَى الْبَرَاءُ وَأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ إلَّا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا الْمُخْبِرُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ «زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ بِشْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي مَسْجِدِ الْقِبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَى الشَّامِ ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَدَارَ وَدَارَتْ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ فَصَلَّى الْبَقِيَّةَ إلَى مَكَّةَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ يَعْنِي فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ إنَّمَا هُوَ فِيهَا وَأَمْرُهُ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ نَسْخٌ لِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالصَّلَاةِ وَنَهْيٌ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ عَمَلٌ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي شُهْرَتِهِ لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِبَادَةِ مُتَوَجِّهٌ إلَيْنَا مِنْ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ رَجَعُوا إلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي صُرِفَ إلَيْهَا وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَلَوْ شَرَعَ أَحَدٌ فِي صَلَاةٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ يَظُنُّهَا إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ صَلَاتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا انْحِرَافًا يَسِيرًا رَجَعَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى إلَى جِهَةٍ شُرِعَ الصَّلَاةُ إلَيْهَا مَعَ الِاجْتِهَادِ وَوُجُودِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْهَا انْحِرَافًا كَثِيرًا مُشَرِّقًا أَوْ مُغَرِّبًا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ افْتَتَحَهَا إلَى جِهَةٍ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ مَعَ إدْرَاكِ عَلَامَاتِ الْقِبْلَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ قُبَاءَ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ إلَى مَا شُرِعَ لَهُمْ مِنْ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا طَرَأَ النَّسْخُ فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ لَمْ يَجُزْ إفْسَادُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَهَذَا الَّذِي افْتَتَحَ صَلَاتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَفْتَتِحْهَا عَلَى مَا شَرَعَ وَلَا عَلَى جِهَةٍ يَجْتَهِدُ فِيهَا مَعَ إدْرَاكِ عَلَامَاتِ الْقِبْلَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ مُخْطِئًا لِلْقِبْلَةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ دُونَ مَا بَعْدَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَبَيَّنَ الْقِبْلَةَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا كَانَ إذَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ أَمَرَهُ أَنْ لَا يُتِمَّهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا الْأَصْلُ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ مَسَائِلُ يَجِبُ أَنْ نُبَيِّنَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ وَقَالَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ وَذَلِكَ أَنَّ مَا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ فِيهِ عِنْدَهُ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ أَمَرَهُ بِالتَّمَامِ لِئَلَّا يُبْطِلَ عَمَلًا يَخْتَلِفُ فِيهِ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ بِيَقِينٍ فَكَيْفَ بِصَلَاةٍ هِيَ إذَا تَمَّتْ عِنْدَهُ صَلَاةٌ يَقْضِي بِهَا الْفَرْضَ كَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُرَاعِي فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُجْزِيَةً أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهَا مَعَ ذِكْرِهِ لِلْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ فِيهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ يُؤَثِّرُ فِيهَا مَعَ الْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ النِّسْيَانِ فَإِنَّ ذِكْرَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ يَمْنَعُ عِنْدَهُ إتْمَامَهَا وَيُوجِبُ إبْطَالَ مَا مَضَى مِنْهَا كَذِكْرِهِ لِصَلَاةٍ فِي صَلَاةٍ. (فَرْعٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهَذَا قَوْلٌ مُجْمَلٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا يَخْلُو أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ وُجُودِهَا وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْقَصَّارِ ذَكَر عَنْ مَالِكٍ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَهِدًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى إلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا جِهَتُهَا ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ إنَّمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَبْسُوطِ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِشَيْءٍ مِنْ وَجْهِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ إلَى الْيَمِينِ فَصَلَّى إلَى شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ بَعْضَهُ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ انْحِرَافُهُ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَلَا يُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَمَنْ انْحَرَفَ عَنْ الْبَيْتِ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا لَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَقْبَلَهُ فَلَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ إلَيْهِ فَهَذَا مَذْهَبُ الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَلَى التَّحْقِيقِ وَهُوَ كُلُّهُ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عِنْدِي قَوْلٌ صَحِيحٌ وَمَحَلُّهُ عِنْدِي مَعَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْقِبْلَةِ وَأَمَّا مَعَ خَفَائِهَا فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ فَعَلَى هَذَا الِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهَذَا يُعِيدُ أَبَدًا وَإِنْ صَلَّى إلَى جِهَتِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَحَرَّى اسْتِقْبَالَهَا مَعَ ظُهُورِ عَلَامَاتِهَا فَهَذَا حُكْمُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَحَرَّى اسْتِقْبَالَهَا مَعَ عَدَمِ عَلَامَاتِهَا فَهَذَا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ» ) (ش) : قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يُرِيدُ نُسِخَتْ الصَّلَاةُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحُوِّلَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَ الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ النَّسْخِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَحْوِيلًا وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ مُشَارَكَةً وَالنَّسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأَمَّا الْمَاضِي فَقَدْ مَضَى عَلَى الْوَاجِبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ بِالِانْتِقَالِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ وَلِذَلِكَ إنَّمَا تُنْسَخُ الْعِبَادَةُ قَبْلَ فِعْلِهَا وَأَمَّا بَعْدَ فِعْلِهَا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ فَرْضٍ عَلَيْهِ لِتَأَلُّفِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ ثُمَّ صُرِفَ إلَى مَكَّةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ الْأَمْرُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ قَدْ خُيِّرَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مِمَّنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ صُرِفَ إلَى الْكَعْبَةِ. (ش) : قَوْلُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ إلَّا بِمَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ إنْ زَالَ عَنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ تَرَكَ الْقِبْلَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ مِمَّنْ قِبْلَتُهُ بَيْنَ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِبِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ فِي الْمَشْرِقِ أَوْ فِي الْمَغْرِبِ فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ مَا بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ وَلَهُمْ مِنْ السِّعَةِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ مَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ بَيِّنٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَعَ الِاجْتِهَادِ لِمَنْ تَعَيَّنَ اجْتِهَادُهُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: فَأَمَّا مَنْ عَايَنَ الْبَيْتَ فَإِنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُهُ خَاصَّةً لَا يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُعَايِنٌ لِلْقِبْلَةِ الَّتِي فُرِضَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا فَمَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا تَيَقَّنَ انْحِرَافَهُ عَنْهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعَايِنْ الْقِبْلَةَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَفَرْضُهُ الِاجْتِهَادُ فِي تَعْيِينِ سَمْتِ الْقِبْلَةِ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مَعَ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَفَرْضُهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ إنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْقِبْلَةِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدِي أَنْ لَا يُصَلِّي إلَّا فِي آخِرِ

[ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم]

مَا جَاءَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَرْجُو أَنْ يَجِدَ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ فَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ الِاجْتِهَادُ فِيهَا إلَى قِبْلَةٍ تُخَالِفُ قِبْلَةَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّبَ قِبْلَتَهَا وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَيْهَا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبْلَةَ مَسْجِدِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اجْتِهَادُهُ فِي تَعْيِينِ سَمْتِ الْقِبْلَةِ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إصَابَةِ الْجِهَةِ أَوْ الْعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِي إصَابَةِ الْجِهَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَالشَّطْرُ النَّحْوُ وَالْجِهَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدِي أَظْهَرَ أَنَّ الْفَرْضَ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْنَا إصَابَتُهُ وَلَزِمَنَا إصَابَةُ جِهَتِهِ وَسَمْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ يُرِيدُ أَنَّهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْضُلُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى أَيِّ الْبَلَدَيْنِ أَفْضَلُ وَسَنُبَيِّنُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَكَّةَ خَارِجًا عَنْ أَحْكَامِ سَائِرِ الْمَوَاطِنِ فِي الْفَضِيلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْخَبَرِ وَلَا يَعْلَمُ حُكْمَ مَكَّةَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي مَكَّةَ أَفْضَلَ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْمَدِينَةِ أَفْضَلَ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا. (مَسْأَلَةٌ) : سُئِلَ مُطَرِّفٌ عَنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ هَلْ هِيَ فِي النَّافِلَةِ أَيْضًا قَالَ نَعَمْ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ وَقَالَ لِي عُمَرُ حَدَّثَهُ جُمُعَةٌ خَيْرٌ مِنْ جُمُعَةٍ وَرَمَضَانُ خَيْرٌ مِنْ رَمَضَانَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عِبَادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ) (ش) : قَوْلُهُ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ مِنْبَرِهِ وَبَيْتِهِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ إلَى الْجَنَّةِ فَيَكُونَ مِنْ رِيَاضِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مُلَازَمَةَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ يُؤَدِّي إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ كَمَا يُقَالُ الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اتِّبَاعَ مَا يُتْلَى فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يُؤَدِّي إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا لِلْبُقْعَةِ فَضِيلَةٌ إلَّا لِمَعْنَى اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مُلَازَمَتَهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِالطَّاعَةِ وَالصَّلَاةِ يُؤَدِّي إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَهَذَا أَبْيَنُ لِأَنَّ

[ما جاء في خروج النساء إلى المساجد]

مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامَ إنَّمَا خَرَجَ عَلَى مَعْنَى تَفْضِيلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأَوَّلَ فِيهِ هَذَا الْوَجْهَ وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ فِي بَابٍ وَاحِدٍ مَعَ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ إتْيَانَهُ لِلصَّلَاةِ وَالطَّاعَاتِ وَلُزُومَهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُؤَدِّي إلَى وُرُودِ حَوْضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ لِي مِنْبَرًا عَلَى حَوْضِي وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْكَلَامِ عَمَّا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ. [مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ] (ش) : قَوْلُهُ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ لَا خُرُوجَ لَهُنَّ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ لَخُوطِبَ النِّسَاءُ بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يُخَاطَبْ الرِّجَالُ بِالْمَنْعِ كَمَا خُوطِبَ النِّسَاءُ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يُخَاطَبْ الرِّجَالُ بِأَنْ لَا يَمْنَعُوهُنَّ مِنْهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُمْنَعُ النِّسَاءُ الْخُرُوجَ إلَى الْمَسَاجِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ لَهُنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَضَّ الْأَزْوَاجِ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُنَّ لِمَا كَانَ لَهُمْ الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ بِاللَّيْلِ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَسَاجِدَ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لَهَا وَالتَّخْصِيصِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا أَضَافَ الْإِمَاءَ إلَيْهِ أَتَى بِإِضَافَةِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ لِيُظْهِرَ وَجْهَ خُرُوجِهِنَّ إلَيْهَا وَاخْتِصَاصِهِنَّ بِهَا. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَلَا تَمَسَّنَّ طِيبًا» ) ش قَوْلُهُ إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الَّتِي يُمْكِنُ مُشَاهَدَةُ النِّسَاءِ لَهَا لِأَنَّ غَالِبَ مَا يَحْضُرْنَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا كَانَ فِي أَوْقَاتِ الظُّلُمَاتِ كَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهُنَّ وَأَخْفَى لِأَحْوَالِهِنَّ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» فَخَصَّ بِذَلِكَ اللَّيْلَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّتْرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَطَيُّبَ النِّسَاءِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ إنَّمَا يَكُونُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِمُضَاجَعَةِ الْأَزْوَاجِ فَكُرِهَ لَهُنَّ تَعْجِيلُ التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْعِشَاءِ لِأَنَّ خُرُوجَهُنَّ مَعَ التَّطَيُّبِ وَالتَّجَمُّلِ فِتْنَةٌ لِلنَّاسِ وَإِذَا بِهِ لَمَّا وُضِعَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْمَيْلِ إلَيْهِنَّ وَالشُّغْلِ بِهِنَّ وَالتَّطَيُّبِ سَبَبٌ لِذَلِكَ وَبَاعِثٌ عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَأْذِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَسْكُتُ فَتَقُولُ وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي فَلَا يَمْنَعُهَا) . (ش) : اسْتِئْذَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِئْذَانِهِ وَجْهٌ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْكُتُ لِتَمْتَنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ وَكَانَ يَكْرَهُ خُرُوجَهَا إلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا كَانَ طُبِعَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَيْرَةِ وَكَانَتْ هِيَ تَقُولُ وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي لِأَنَّهَا كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَجْرُ الْخُرُوجِ إنْ خَرَجَتْ وَإِنْ مُنِعَتْ مَعَ نِيَّتِهَا فِي الْخُرُوجِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْذَانُهَا بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ بِخُرُوجِهَا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ إلَيْهَا حَاجَةٌ تُبِيحُ لَهُ مَنْعَهَا فَإِذَا سَكَتَ عَنْهَا عَلِمَتْ بِعَدَمِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَقُولُ وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ إلَّا أَنْ تَمْنَعَنِي أَنَّهَا تَخْرُجُ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ سَبَبٌ يُؤْثِرُ مِنْ

[الأمر بالوضوء لمن مس القرآن]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ يَحْيَى فَقُلْت لِعَمْرَةَ أَوَمُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَسَاجِدَ قَالَتْ نَعَمْ» ) . الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْلِهِ مَنْعَهَا لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ يَحْيَى فَقُلْت لِعَمْرَةَ أَوَمُنِعَ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَسَاجِدَ قَالَتْ نَعَمْ» ) . (ش) : قَوْلُهَا لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ يَعْنِي التَّطَيُّبَ وَالتَّجَمُّلَ وَقِلَّةَ السَّتْرِ وَتَسَرُّعَ كَثِيرٍ مِنْهُنَّ إلَى الْمَنَاكِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا أَدْرَكْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُلَابِسِ وَالتَّجَمُّلِ الَّذِي يُفْتَنُ بِهِ النَّاسُ وَإِنَّمَا كُنَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبِسْنَ الْمُرُوطَ فَيَخْرُجْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مَنَعَهُ نِسَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي شَرِيعَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ إنَّمَا مُنِعْنَ بَعْدَ إبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُنَّ لِمِثْلِ هَذَا وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا بِالْخَبَرِ دُونَ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ خُرُوجِهِنَّ الْبَيِّنَةُ الرَّائِحَةِ أَوْ الْجَمِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي مِثْلِهَا الْفِتْنَةُ. [الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَصْلٌ فِي كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَتَحْصِينِهِ فِي الْكِتَابِ وَأَصْلٌ فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُنَاوَلَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِهِ فَجَازَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْعَمَلُ بِهِ وَالْأَخْذُ بِمَا فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ الْقُرْآنَ مُحْدِثٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَمَسَّ الْقُرْآنَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحْدِثُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْله تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَهَذَا نَهْيٌ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ لِأَنَّ خَبَرَ الْبَارِي تَعَالَى لَا يَكُونُ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ وَنَحْنُ نُشَاهِدُ مَنْ يَمَسُّهُ غَيْرَ طَاهِرٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ «أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ لِمَعْنِيٍّ فِيهِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ كَالْمُشْرِكِ أَوْ كَاَلَّذِي غَمَرَتْ جَسَدَهُ النَّجَاسَةُ. (ص) : (مَالِكٌ وَلَا يَحْمِلُ أَحَدٌ الْمُصْحَفَ لَا بِعَلَّاقَتِهِ وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَمَلَ فِي أَخْبِيَتِهِ وَلَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الَّذِي يَحْمِلُهُ شَيْءٌ يُدَنِّسُ الْمُصْحَفَ وَلَكِنْ إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ يَحْمِلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ إكْرَامًا لِلْقُرْآنِ وَتَعْظِيمًا لَهُ) . (ش) : هَذَا كَمَا قَالَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ بِعَلَّاقَةٍ وَيَحْمِلَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مُحْدِثٌ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْحَمْلِ وَمِنْ أَصَحِّ الِاسْتِدْلَالِ فِيهِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَمَلَ فِي أَخْبِيَتِهِ لِأَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ فِي عَلَّاقَتِهِ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ حَمْلِهِ إلَّا أَنَّهُ مُحْدِثٌ قَاصِدٌ لِحَمْلِهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِيمَنْ حَمَلَهُ بِعَلَّاقَتِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ حَمْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الَّذِي يَحْمِلُهُ نَجَاسَةٌ يُدَنَّسُ بِهَا الْمُصْحَفُ رَدًّا عَلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي عَبَسَ وَتَوَلَّى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: 11] {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس: 12] {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} [عبس: 13] {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 14] {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس: 15] {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 16] . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَمْلِهِ بِعَلَّاقَتِهِ أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ وَبَيْنَ مُبَاشَرَتِهِ بِالْحَمْلِ وَلَكِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ وَمِنْ التَّعْظِيمِ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ حَمْلِهِ بِعَلَّاقَتِهِ وَأَمَّا إنْ حَمَلَهُ فِي غِرَارَةٍ بَيْنَ مَتَاعِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِحَمْلِهِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي عَبَسَ وَتَوَلَّى قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: 11] {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس: 12] {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} [عبس: 13] {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 14] {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس: 15] {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 16] . (ش) : ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى أَنَّهَا عَلَى الْخَبَرِ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ وَقَالَ إنَّ هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ النَّهْيُ لِلْمُكَلَّفِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ عَنْ مَسِّ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَالُوا إنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ الْمَكْنُونِ الْمَصَاحِفُ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ وقَوْله تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ} [الواقعة: 79] وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيُ لِأَنَّ خَبَرَ الْبَارِي تَعَالَى لَا يَكُونُ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ وَنَحْنُ نَرَى الْيَوْمَ مَنْ يَمَسُّهُ غَيْرَ طَاهِرٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ وَجَعَلُوا هَذَا حُجَّةً عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَأَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي بَابِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ وَلَيْسَ يَقْتَضِي ظَاهِرُ تَأْوِيلِهِ لَهَا الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَصِحُّ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي الْبَابِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَدْخَلَ هُوَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَا يُصَحِّحُ هُوَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِمَنْ مَسَّ الْقُرْآنَ وَأَدْخَلَ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ بِحُجَّةٍ فَأَتَى بِهِ وَبَيَّنَ وَجْهَ ضَعْفِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَهَذَا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالْإِنْصَافِ وَمَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّعَصُّبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَدْخَلَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى وَصَفَ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ وَأَنَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ الَّذِي لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَوَصَفَهُ بِهَذَا تَعْظِيمًا لَهُ وَالْقُرْآنُ الْمَكْنُونُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ هُوَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي بِأَيْدِينَا وَقَدْ أَمَرَنَا بِتَعْظِيمِهَا فَيَجِبُ أَنْ تَمْتَثِلَ ذَلِكَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ الْقُرْآنَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمَسُّ الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَّا مُطَهَّرٌ وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ سَائِغٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ يُبِيحُ مَسَّ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ضَرُورَةُ التَّعَلُّمِ وَهَلْ يُبِيحُ ذَلِكَ ضَرُورَةُ التَّعْلِيمِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَتَهُ وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُعَلِّمَ يَحْتَاجُ مِنْ تَكَرُّرِ مَسِّهِ مَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِاسْتِدَامَةِ الطَّهَارَةِ لَهُ فَأَرْخَصَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُتَعَلِّمِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِتَكْرَارِ مَسِّهِ لِلْحِفْظِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَعْنَى الصِّنَاعَةِ وَالْكَسْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْمُصْحَفِ الْجَامِعِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ أَسْدَاسًا وَأَسْبَاعًا فِي الْمَصَاحِفِ فِيهِ وَقَالَ قَدْ جَمَعَهُ اللَّهُ وَهَؤُلَاءِ يُفَرِّقُونَهُ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ وَمِنْ الْمَصَاحِفِ فَلَا أَرَى أَنْ يُنَقَّطَ وَلَا يُزَادَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَأَمَّا مَصَاحِفُ صِغَارٌ يَتَعَلَّمُ فِيهَا الصِّبْيَانُ وَأَلْوَاحُهُمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنَعَ مَالِكٌ فَقَطْ الْمُصْحَفَ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيُكْتَبُ مِنْ الْهِجَاءِ عَلَى الْكَتَبَةِ الْأُولَى وَلَا يُكْتَبُ عَلَى مَا أَحْكَمَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ الْهِجَاءِ قَالَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ بَرَاءَةَ لَا يُكْتَبَ فِي أَوَّلِهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِئَلَّا يُوضَعَ شَيْءٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَيُكْتَبُ فِي الْأَلْوَاحِ فِي أَوَّلِهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَوَاءٌ بَدَأَ بِأَوَّلِ سُورَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُجْعَلُ إمَامًا قَالَ وَإِنَّمَا كُتِبَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الذِّكْرُ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ فَلَا يَمْنَعُ الْحَدَثُ مِنْ النُّطْقِ بِهِ وَلَا مِنْ مَسِّهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتَخَفَّ مَالِكٌ فِي الْخَاتَمِ الْمَنْقُوشِ يَكُونُ فِي الشِّمَالِ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ قَالَ وَلَوْ نَزَعَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَفِيهِ سَعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُ مِنْ هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا اسْتَنْجَى بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَرُمَ.

[الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء]

الرُّخْصَةُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ فِي قَوْمٍ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَقْرَأُ وَلَسْت عَلَى وُضُوءٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ أَفْتَاكَ بِهَذَا أَمُسَيْلِمَةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الرُّخْصَةُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ فِي قَوْمٍ يَقْرَءُونَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى مَعْنَى الدَّرْسِ لَهُ وَالتَّعْلِيمِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْرَأَ الْمُتَعَلِّمُ عَلَى الْمُعَلِّمِ أَوْ يَقْرَأُ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَوْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعِلْمِ فَيَقْرَأُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ لَهُ وَالْمُدَارَسَةِ لَهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قُرَّاءِ مِصْرَ الَّذِينَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقْرَأُ فِي النَّفَرِ يَفْتَحُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ قَالَ مَرَّةً إنَّهُ كَرِهَهُ وَعَابَهُ. وَقَالَ يَقْرَأُ ذَا وَيَقْرَأُ ذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وَلَوْ كَانَ يَقْرَأُ وَاحِدٌ وَيَسْتَثْبِتُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ أَوْ يَقْرَءُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيَقْرَءُونَ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّي الْقِرَاءَةَ بِالْإِدَارَةِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَوَجْهُ ذَلِكَ الْكَرَاهِيَةِ لِلْمُبَارَاةِ فِي حِفْظِهِ وَالْمُبَاهَاةِ بِالتَّقَدُّمِ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَقْرَأُ لَهُمْ الرَّجُلُ الْحَسَنُ الصَّوْتِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ قَالَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ وَالِانْفِرَادُ بِذَلِكَ أَوْلَى وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَذَا صَرْفُ وُجُوهِ النَّاسِ وَالْأَكْلُ بِهِ خَاصَّةً وَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ السُّؤَالِ بِهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ الْقُرْآنُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ كِنَايَةً عَنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ حَدَثُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْحَدَثُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ فَأَمَّا الْأَكْبَرُ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ كَالْحَيْضِ فَلَا يَمْنَعُ الْقِرَاءَةَ عَلَى رَأْيٍ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي تُمْكِنُ إزَالَتُهُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ دَاوُد لَا تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ يَتَكَرَّرُ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْجُنُبِ فِعْلُهُ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَتَى ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْيَسِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِ التَّعَوُّذِ وَالتَّبَرُّكِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَدَّ لِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَ آيَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْمَامُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لِلتَّعَوُّذِ وَذِكْرِ اللَّهِ فَلَمْ تَمْنَعْ الْجَنَابَةُ مِنْهُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ الْحَدَثُ مِنْ مَسِّ الْآيَةِ وَالشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الرِّسَالَةِ وَالْخُطْبَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ وَهُوَ الْحَيْضُ فَهَلْ يَمْنَعُ الْقِرَاءَةَ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْحَيْضَ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا حَدَثٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَالْجَنَابَةِ وَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقِرَاءَةَ لِتَكَرُّرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَتَقْرَأُ وَلَسْتَ عَلَى وُضُوءٍ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الِاسْتِفْهَامَ وَيَحْتَمِلُ الْإِنْكَارَ إلَّا أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ لَهُ مَنْ أَنْبَأَكَ بِهَذَا أَمُسَيْلِمَةُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَلَقَّى ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَهَذَا الْقَائِلُ لِعُمَرَ هُوَ أَبُو مَرْيَمَ الْحَنَفِيُّ إيَاسُ بْنُ صُبَيْحٍ مِنْ قَوْمِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَإِنَّمَا أَضَافَ عُمَرُ هَذَا الْقَوْلَ إلَيْهِ لَمَّا كَانَ الْقَائِلُ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ وَلِبُعْدِهِ عَنْ الصَّوَابِ عِنْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوُضُوءَ مَشْرُوعٌ

[ما جاء في تحزيب القرآن]

مَا جَاءَ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَرَأَهُ حِينَ تَزُولَ الشَّمْسُ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ أَوْ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ حِبَّانَ جَالِسَيْنِ فَدَعَا مُحَمَّدٌ رَجُلًا فَقَالَ أَخْبَرَنِي مَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ أَبِيك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ أَتَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ كَيْف تَرَى فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ قَالَ زَيْدٌ حَسَنٌ وَلَأَنْ أَقْرَأَهُ فِي نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ عِشْرِينَ أَحَبُّ إلَيَّ وَسَلْنِي لِمَ ذَاكَ قَالَ فَإِنِّي أَسْأَلُك قَالَ زَيْدٌ لِكَيْ أَتَدَبَّرَهُ وَأَقِفَ عَلَيْهِ) . مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ أَبُو مَرْيَمَ أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ لَمَّا كَانَ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتْرُكَ الْأَفْضَلَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْخُذُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ بِالْأَيْسَرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَخْفِيفٌ لِلْعِبَادَةِ وَرِفْقٌ بِالنَّاسِ فِي اسْتِدَامَتِهَا مَعَ أَنَّ لَفْظَ أَبِي مَرْيَمَ ظَاهِرُهُ الْإِنْكَارُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ دُونَ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّرِيقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَمَّا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ لِمَنْ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الطَّرِيقِ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ. [مَا جَاءَ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ الْحِزْبُ هُوَ الْجُزْءُ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِي هَذَا تَجْرِئَةُ الْقُرْآنِ وَتَحْزِيبُهُ أَحْزَابًا عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ الْمُكَلَّفِ يَقْرَأُ فِي سَبْعٍ أَوْ عَشْرٍ أَوْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَرَأَهُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ نَرَى أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الرُّوَاةِ إنَّمَا رَوَوْهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مَنْ قَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يُصَلِّيهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ فِعْلُهُ وَالْإِتْيَانُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَيْفَ تَرَى فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي سَبْعِ لَيَالٍ فَقَالَ زَيْدٌ حَسَنٌ وَزَادَ عَلَى سُؤَالِ السَّائِلِ بِمَا فِيهِ بَيَانُ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَالتَّدَبُّرُ لَهُ وَأَنَّ قِرَاءَةَ الْقَلِيلِ مَعَ ذَلِكَ أَفْضَلُ عِنْدَهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْكَثِيرِ دُونَ تَدَبُّرٍ وَلَا وُقُوفٍ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي التَّرْتِيلِ وَالْهَذِّ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَفْضِيلِ التَّرْتِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] وَكَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْصُوفَةً بِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ «وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا» وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْهَذِّ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ إذَا هَذَّ كَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَإِذَا رَتَّلَ أَخْطَأَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُحْسِنُ يَهُذُّ وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَخِفُّ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ وَاسِعٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مُلَازَمَةُ مَا يُوَافِقُ طَبْعَهُ وَيُخِفُّ عَلَيْهِ فَرُبَّمَا تَكَلَّفَ مَا يُخَالِفُ طَبْعَهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَقْطَعُهُ ذَلِكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَفْضِيلِ التَّرْتِيلِ لِمَنْ تَسَاوَى فِي حَالِهِ الْأَمْرَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما جاء في القرآن]

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْت أَنْ أُعَجِّلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْت بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي سَمِعْت هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْته يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْف يَأْتِيك الْوَحْيُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ، قَالَتْ عَائِشَةُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا» . وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «أُنْزِلَتْ عَبَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ] (ش) : قَوْلُهُ سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا دَلِيلٌ عَلَى تَشَدُّدِهِمْ فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ وَاهْتِبَالِهِمْ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَلُغَاتِهِ وَضَبْطِهِمْ لِقِرَاءَتِهِ الْمَنْسُوبَةِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ لَهُمْ إنْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَجِّلُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَمْهَلَهُ لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ وَذَهَبَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَعْظَمَ مُخَالَفَةَ قِرَاءَتِهِ لِلْقِرَاءَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بِإِرْسَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ لِتَسْكُنَ نَفْسُهُ وَيَثْبُتَ جَأْشُهُ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ إيرَادِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي قَرَأَهَا لِئَلَّا يُدْرِكَهُ مِنْ الِانْزِعَاجِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقِرَاءَةِ هِشَامٍ هَكَذَا أُنْزِلَتْ تَصْوِيبٌ وَتَجْوِيزٌ لِقِرَاءَتِهِ ثُمَّ أَمَرَ عُمَرَ بِالْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَكُونَ الْغَلَطُ وَالْخَطَأُ وَالتَّغْيِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمَّا أَصَابَ عُمَرُ الْقِرَاءَةَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَصَوَّبَ أَيْضًا قِرَاءَتَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهَا قِرَاءَةٌ مُنَزَّلَةٌ ثُمَّ أَعْلَمَهُمَا أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ تَيْسِيرًا عَلَى الْأُمَّةِ فِي تِلَاوَتِهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَبْعَ قِرَاءَاتٍ وَسَبْعَةَ أَوْجُهٍ لِأَنَّ الْوَجْهَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي يَكُونُ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَتُسَمَّى فِي اللُّغَةِ حَرْفًا وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ فُلَانٌ يَقْرَأُ بِحَرْفِ أَبِي عَمْرٍو وَيَقْرَأُ بِحَرْفِ نَافِعٍ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ قِرَاءَتَهُ وَطَرِيقَتَهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى هِشَامٍ قِرَاءَةً قَرَأَ هُوَ بِخِلَافِهَا فَجَوَّزَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَرْفُ الْقِرَاءَةَ لَمَا كَانَ مَا قَالَهُ جَوَابًا لَهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَقُولُونَ إنَّ جَمِيعَ هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ ثَابِتَةٌ فِي الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ بِجَمِيعِهَا جَائِزَةٌ قِيلَ لَهُمْ كَذَلِكَ نَقُولُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَلَا يَصِحُّ انْفِصَالُ الذِّكْرِ الْمُنَزَّلِ مِنْ قِرَاءَتِهِ فَيُمْكِنُ حِفْظُهُ دُونَهَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ تَيَسُّرًا عَلَى مَنْ أَرَادَ قِرَاءَتَهُ لِيَقْرَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَبِمَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى طَبْعِهِ وَأَقْرَبُ إلَى لُغَتِهِ لِمَا يَلْحَقُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِذَلِكَ الْمَأْلُوفِ مِنْ الْعَادَةِ فِي النُّطْقِ وَنَحْنُ الْيَوْمَ مَعَ عُجْمَةِ أَلْسِنَتِنَا وَبُعْدِنَا عَنْ فَصَاحَةِ الْعَرَبِ أَحْوَجُ إلَى.

وَتَوَلَّى فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ اسْتَدْنِينِي وَعِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ وَيَقُولُ يَا أَبَا فُلَانٍ هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا فَيَقُولُ لَا وَالدِّمَاءِ مَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا فَأُنْزِلَتْ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس: 2] » . وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُك قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْت بَعِيرِي حَتَّى إذَا كُنْت أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيت أَنْ يَنْزِلَ فِي قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ أُنْزِلَ فِي قُرْآنٌ قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعْت عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَالَ: إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا» . وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمْيَةِ تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا تَرَى شَيْئًا وَتَنْظُرُ فِي الْقَدَحِ فَلَا تَرَى شَيْئًا وَتَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا تَرَى شَيْئًا وَتَتَمَارَى فِي الْفَوْقِ» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : بَيَاضٌ لِأَنَّهُ لَا غِنَاءَ فِيهِمْ وَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي الْعَدَدَ الْكَثِيرَ وَسُؤَالُهُمْ فِي الْقَتْلَى أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرُ إلَى أَحَدِهِمْ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ تَفْضِيلًا لَهُ وَتَحْذِيرُهُ مِنْ نِسْيَانِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَدْرِكُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهَا فَكَيْف يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ الْفُضَلَاءِ وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَعَ اقْتِفَائِهِ لِآثَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّهْدُ فِي تَعَلُّمِ مِثْلِ هَذَا وَالتَّشَاغُلُ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إنَّ هَذَا لَمِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ وَأَبْعَدِهَا عَنْ الصَّوَابِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهٌ يُعْرَفُ لَوَجَبَ رَدُّهُ إذْ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ يُوجِبُ رَدَّ مَا ظَنَّهُ فَكَيْفَ وَمَعْنَى ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ تَلَقِّي جَمِيعِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةٍ وَأَمَّا سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَقِّنُ الرَّجُلَ السُّورَةَ وَالسُّورَتَيْنِ وَيُلَقِّنُهَا هُوَ أَصْحَابَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ تَلَقَّنَ مِنْهُ نِصْفَ الْقُرْآنِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَلَقَّنَ مِنْهُ ثُلُثَهُ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ وَتَلَقَّنَ سَائِرَهُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَخْرٌ عَلَى نُظَرَائِهِ بِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَانَ يَأْخُذُ الْآيَةَ مِنْ الْقُرْآنِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ تَلَقَّنَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ وَجَدَ آلَافًا مِمَّنْ يَقْرَؤُهَا وَيَحْفَظُهَا وَتَلَقَّنَهَا عَنْ الصَّحَابَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِتَلَقُّنِهَا

[ما جاء في سجود القرآن]

مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ لَهُمْ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِيهَا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنَ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَسْجُدُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِرْبَةٌ وَدَرَجَةٌ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْفِقْهُ فِي أَحْكَامِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِهَا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَرَاهِيَةُ التَّسَرُّعِ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ دُونَ التَّفَقُّهِ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ يُخْبِرُونَهُ أَنَّ رِجَالًا قَدْ جَمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ افْرِضْ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ قَالَ فَكَثُرَ مَنْ يَطْلُبُ الْقُرْآنَ فَكَتَبَ إلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ فَقَالَ عُمَرُ إنِّي لَأَخْشَى أَنْ يُسْرِعُوا إلَى الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ فَكَتَبَ أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَبِيٍّ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ جَمَعَ الْقُرْآنَ فَقَالَ مَا أَرَى هَذَا يَنْبَغِي وَهُوَ مَعْنَى مَا عَابَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الزَّمَنَ الْآخِرَ أَنَّ قُرَّاءَهُ كَثِيرٌ وَفُقَهَاءَهُ قَلِيلٌ وَقَدْ مَدَحَ زَمَنَهُ أَنَّ فُقَهَاءَهُ كَثِيرٌ وَقُرَّاءَهُ قَلِيلٌ وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَاهُ هُنَاكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَأَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ خَلَطَ مَعَ ذَلِكَ مَنْ يَعْلَمُ غَيْرَهَا مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ وَدَرْسِهِ وَسَائِرِ الْقُرْآنِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ الْكَثِيرُ وَلَكِنَّهُ كَانَ بَيَّنَ أَوَّلَ ابْتِدَائِهِ بِهَا وَآخِرَ إتْمَامِهِ لَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ وَلَعَلَّهُ حَفِظَ تِلَاوَتَهَا وَأَكْثَرَ أَحْكَامِهَا فِي أَيْسَرِ مُدَّةٍ ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا وَأُشْكِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِيهَا فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ مُرَادُهُ وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ فَهْمُهُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ] (ش) : قَوْلُهُ قَرَأَ لَهُمْ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ فَسَجَدَ فِيهَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى السُّجُودَ فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ» . وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ يَعْنِي الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فِيهَا فَلَمَّا فَرَغَ قُلْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا كُنَّا نَسْجُدُهَا قَالَ سَجَدَهَا أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا خَلْفَهُ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُهَا حَتَّى أَلْقَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بِهَا فِي الْمَدِينَةِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَسْلَمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. (ش) : السَّجْدَتَانِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ أَوَلَاهُهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا فَمَنَعَ مَالِكٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هِيَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ إثْبَاتَ السُّجُودِ طَرِيقَةُ الشَّرْعِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ فَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بَيَانُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّمَا لَفْظُ السُّجُودِ إذَا اقْتَرَنَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ بِ {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ عَلَى رِسْلِكُمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ فَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَسْجُدُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرُّكُوعِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] . وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رُوِيَ عَنْ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ قَالَ نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» وَالتَّعَلُّقُ بِمِثْلِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لِضَعِيفِ إسْنَادِهِ وَأَظْهَرُ مَا فِي الْأَمْرِ سُجُودُ الصَّحَابَةِ فِيهِ. (ش) : وَهَذِهِ السَّجْدَةُ أَيْضًا مِمَّا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ «زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» . وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إلَّا سَجَدَ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصَى وَتُرَابٍ فَرَفَعَهُ إلَى وَجْهِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا» وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ أَجْرَى عَلَى أُصُولِهَا لِأَنَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُمْسِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ السُّجُودِ حِينَ رَآهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تَرَكَ السُّجُودَ لِيَرَى جَوَازَ تَرْكِ السُّجُودِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا سَجَدَ فِي آخِرِ السُّورَةِ قَامَ فَاسْتَأْنَفَ قِرَاءَةً يَتَّصِلُ بِهَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ الَّذِي بِالصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سَجْدَةً فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ قَامَ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ يَقْرَأَ مِنْ سُورَةٍ أُخْرَى شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعُ وَالسُّورَةُ الَّتِي قَرَأَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هِيَ إذَا زُلْزِلَتْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِسُورَةِ يُوسُفَ ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بِالنَّجْمِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ بِالسَّجْدَةِ فِي فَرِيضَةٍ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ عَنْ أَشْهَبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ وَرَاءَهُ عَدَدٌ قَلِيلٌ لَا يَخَافُ أَنْ يُخْلَطَ عَلَيْهِمْ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ بِالسَّجْدَةِ فِي فَرِيضَةٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ بِالسَّجْدَةِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَا احْتَجَّا بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُخْلَطُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي الصَّلَاةِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّخْلِيطَ إنَّمَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَمَّا مَعَ الْجَهْرِ فَأَكْثَرُ مَنْ وَرَاءَهُ يَعْلَمُ بِمَوْضِعِ السَّجْدَةِ فَيَتَأَهَّبُ لَهَا وَلَا يُنْكِرُ السُّجُودَ فِيهَا فَإِنْ قَرَأَ بِالسَّجْدَةِ فِي فَرِيضَةٍ فَلْيَسْجُدْ لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ قَرَأَهَا فَإِنْ قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَمْ يَسْجُدْ لَهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقْرَؤُهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَسْجُدُ لَهَا قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِنَا بِإِعَادَتِهَا أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ بِهَا قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُهَا فَإِذَا تَرَكَ السُّجُودَ لَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ قِرَاءَتَهَا فَيَسْتَدِرْك مَا فَاتَهُ مِنْ السُّجُودِ لَهَا. وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنْ إعَادَتِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَعَمُّدِ قِرَاءَتِهَا فَلَمَّا تَرَكَ السُّجُودَ لَهَا حِينَ قِرَاءَتِهَا وَكَانَتْ قِرَاءَتُهَا الْأُولَى مَمْنُوعَةً مُنِعَتْ إعَادَتُهَا. (ش) : قَوْلُهُ قَرَأَ بِسَجْدَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِ السُّجُودِ وَإِنَّ فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ يُخَالِفُهُ فِي رَأْيِهِ أَمْ لَا وَلَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا أَجْمَلَ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عِنْدَ خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَرَأَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ قَالَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَضَافَ الْخَطَّابُ إلَيْهِ لِمَا كَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ وَإِنَّمَا وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَأَكْثَرُ مَا يَذْكُرُ حِصَارَ عُثْمَانَ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَنْهُ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمِنْبَرِ لِيَسْجُدَ سَجْدَةً قَرَأَهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَقْرَأُ بِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَنْزِلْ فَلْيَسْجُدْهَا وَيَسْجُدُ النَّاسُ مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَّبَعُ عَلَيْهِ عُمَرُ وَلَا عَمِلَ أَحَدٌ بَعْدَهُ وَلَعَلَّ عُمَرَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَيُبَادِرُ إلَى حَسْمِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَمْ يَعُمَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ النَّاسَ وَقَدْ تَقَرَّرَتْ الْآنَ الْأَحْكَامُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا وَعُرِفَ الْخِلَافُ السَّائِغُ فِي سِوَاهَا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى النَّاسِ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الْمِنْبَرَ صَلَّى عَلَيْهِ بِالنَّاسِ فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ نَزَلَ ثُمَّ إذَا قَامَ أَرْقَى الْمِنْبَرَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ أَنِّي فَعَلْت ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ عَمَّهُمْ عِلْمُ ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ إنَّمَا سَجَدُوا مَعَهُ لِأَنَّهُمْ اسْتَمَعُوا قِرَاءَتَهُ وَهَذَا حُكْمُ مَنْ جَلَسَ إلَى الْقَائِمِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ أَنْ يَسْجُدَ بِسُجُودِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدَ أَحَدُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا جَلَسُوا إلَيْهِ لِهَذَا الْمَعْنَى لَزِمَهُمْ أَنْ يُنْصِتُوا لِقِرَاءَتِهِ وَمَنْ لَزِمَهُ الْإِنْصَاتُ لِقِرَاءَةِ الْقَارِئِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِسُجُودِ تِلَاوَتِهِ كَالْمُصَلِّي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَلَى رِسْلِكُمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ بَيَانٌ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ حِينَ تَرَكُوا الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ، وَإِجْمَاعُهُمْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فِي خَبَرِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سُجُودٌ يُفْعَلُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَسُجُودِ النَّوَافِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنَّهُ مُؤَكَّدٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ السَّجْدَةَ وَلَا يَسْجُدُ دُونَ مَانِعٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَرِهَ أَنْ يُخَطْرَفَ مَوْضِعُ السَّجْدَةِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ وَفِي وَقْتِ سُجُودٍ كَمَا كَرِهَ أَنْ يَقْرَأَهَا وَلَا يَسْجُدُ لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْوُجْهَتَيْنِ تَرْكٌ لِسُجُودَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَرِهَ أَنْ يَقْرَأَ مَوْضِعَ السَّجْدَةِ خَاصَّةً لِيَسْجُدَ وَلَا يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَلَا مَا بَعْدَهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَسُجُودُ تِلَاوَةٍ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلتَّالِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَوْضِعِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فَأَثْبَتَ مَعَ مَا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فِي الْمُفَصَّلِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَزَائِمُ السُّجُودِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فَزَادَ إلَيْهَا الْآخِرَةَ مِنْ الْحَجِّ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً أَثْبَتَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّجُودِ وَأَسْقَطَ سَجْدَةً وَقَالَ سَجْدَةُ شُكْرٍ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنْ سَجَدَ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا لِأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي سُجُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُفَصَّلِ أَنَّ مَالِكًا لَا يَمْنَعُ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَزَائِمِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَقْرَأُ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» وَالسَّجْدَةُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ سَجْدَةً فِي تِينِكَ السَّاعَتَيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّجُودِ وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِلْعَزْمِ عَلَى النَّاسِ فِي السُّجُودِ فِيهَا وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ تَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ مِنْهُ مَا لَا بُدَّ مِنْ السُّجُودِ فِيهِ وَهِيَ عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ وَمِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ السُّجُودُ فِيهِ جُمْلَةً عَلَى مَعْنَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمِنْهُ مَا خُيِّرَ فِيهِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الْمُتَكَلَّمُ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ أَظْهَرُ عِنْدِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ مَوَاضِعَ سُجُودِ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] وَفِي الرَّعْدِ قَوْله تَعَالَى {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15] وَفِي النَّحْلِ قَوْله تَعَالَى {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وَفِي سُبْحَانَ قَوْله تَعَالَى {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَفِي مَرْيَمَ قَوْله تَعَالَى {سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وَفِي الْحَجِّ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَفِي الْفُرْقَانِ قَوْله تَعَالَى {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَفِي النَّمْلِ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَوْلَى لِإِتْمَامِ الْكَلَامِ وَفِي الم تَنْزِيلٌ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وَفِي ص قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وَفِي حم فُصِّلَتْ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَسْأَمُونَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَاسِعٌ وَفِي النَّجْمِ خَاتِمَتُهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ فِي انْشَقَّتْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذِكْرِ السُّجُودِ وَفِي سُورَةِ الْعَلَقِ آخِرُهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَمَّا كَانَتْ صَلَاةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي وَقْتِهَا فَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ لَا يَقْرَأُ بِهَا بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ السُّجُودِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمَنْعَ مِنْ قِرَاءَتِهَا مَعَ تَرْكِ السُّجُودِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَسْجُدُ لِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَسْجُدُ لَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَلَا يُرَخَّصُ فِي السُّجُودِ لَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّ هَذِهِ صَلَاةُ نَافِلَةٍ فَمُنِعَتْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا فَجَازَ فِعْلُهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قِيَاسِ هَذَا عَلَى الطَّائِفِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنْ لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَا بَيْنَ قَبْلِ الْإِسْفَارِ وَمَا بَيْنَ الْإِسْفَارِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى وَقْتَ الْإِسْفَارِ لِلصُّبْحِ وَقْتَ ضَرُورَةٍ لَا وَقْتَ اخْتِيَارٍ كَاصْفِرَارِ الشَّمْسِ لِلْعَصْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ قَرَأَهَا فِي وَقْتٍ يَمْنَعُ مِنْ سُجُودٍ أَوْ قَرَأَهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ مَالِكٌ يَخْطِرُ فِيهَا وَلَا يَقْرَؤُهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ السُّجُودِ وَمَمْنُوعٌ مِنْ قِرَاءَتِهَا وَتَرْكِ السُّجُودِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَتَعَدَّى مَوْضِعَ السُّجُودِ فَلَا يَقْرَؤُهَا. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ يَتَعَدَّى مَوْضِعَ السُّجُودِ خَاصَّةً وَلَا يَتَعَدَّى الْآيَةَ كُلَّهَا (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَرَأَ بِسَجْدَةٍ وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ تَسْمَعُ هَلْ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ إلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ) ش وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحَائِضُ غَيْرَ طَاهِرَةٍ

[ما جاء في قراءة قل هو الله أحد وتبارك الذي بيده الملك]

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ قَرَأَتْ بِسَجْدَةٍ وَرَجُلٌ مَعَهَا يَسْمَعُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهَا إنَّمَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى الْقَوْمِ يَكُونُونَ مَعَ الرَّجُلِ يَأْتَمُّونَ بِهِ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُونَ مَعَهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ إنْسَانٍ يَقْرَؤُهَا لَيْسَ لَهُ بِإِمَامٍ أَنْ يَسْجُدَ تِلْكَ السَّجْدَةَ) . مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] (ص) : «مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت «أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَقْبَلْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَتْ فَسَأَلْتُهُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْجَنَّةُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ إلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ ثُمَّ فَرَقْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمِهَا السُّجُودُ إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ كَانَ طَاهِرًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي التَّكْبِيرِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَقَالَ مَرَّةً يُكَبِّرُ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُكَبِّرُ وَخَيَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُجُودُ تِلَاوَةٍ فَشُرِعَ التَّكْبِيرُ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا تَحْلِيلٌ فَلَمْ يُشْرَعْ لَهَا إحْرَامٌ كَالصَّوْمِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَالِائْتِمَامُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِلِاسْتِمَاعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَارًّا أَوْ جَالِسًا وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الِائْتِمَامُ بِهَا فَلَا يَصِحُّ السُّجُودُ مَعَهَا فِيمَا يَكُونُ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الْإِمَامَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ جَلَسَ لِلِاسْتِمَاعِ مِنْ الْقَارِئِ فَقَدْ ائْتَمَّ بِهِ وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَسَجَدَ كَانَ عَلَى مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ السُّجُودُ مَعَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدَ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ يَلْزَمُ الْقَارِئَ وَالْمُسْتَمِعَ فَإِذَا تَرَكَ الْقَارِئُ مَا نُدِبَ إلَيْهِ فَعَلَى الْمُسْتَمِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَارِئَ إمَامٌ فَلَا تَصِحُّ مُخَالَفَتُهُ. [مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ] (ش) : قَوْلُهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغَادِي هُوَ الرَّجُلُ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تَهَجَّدَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَأَخْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا يَعْنِي يَرَاهَا قَلِيلًا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَتَأَسَّفُ إذْ لَا يُحْسِنُ غَيْرَهَا لِيَتَهَجَّدَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْغَادِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ قَسَمٌ عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ مَعَ أَنَّهُ صَدَقَ بِالْخَبَرِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لِلْقَارِئِ بِهَا مِنْ الْأَجْرِ مَا لِلْقَارِئِ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ غَيْرَهَا وَمَنَعَهُ مِنْ تَعَلُّمِهَا عُذْرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ أَجْرَهَا مَعَ التَّضْعِيفِ يَعْدِلُ أَجْرَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَجْرَ عَلَيْهَا لِذَلِكَ الْقَارِئِ أَوْ لِقَارِئٍ عَلَى صِفَةِ مَا مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ وَإِحْضَارِ الْفَهْمِ وَتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت «أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَقْبَلْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَتْ فَسَأَلْتُهُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْجَنَّةُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ إلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ ثُمَّ فَرَقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآثَرْت الْغَدَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَهَبْتُ إلَى الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ» )

[ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى]

أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآثَرْت الْغَدَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَهَبْتُ إلَى الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُلُثُ الْقُرْآنِ وَأَنَّ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا) . مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ وَذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَبَّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَتْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَنْبِيهَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى فَضْلِهَا وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ لِقَارِئِهَا وَقَوْلُهُ ثُمَّ فَرَقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ الْغَدَاءُ هَاهُنَا صَلَاةُ الْغَدَاةِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا الْغَدَاءُ مَا يُؤْكَلُ بِالْغَدَاةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشِبَعِ بَطْنِهِ فَكَانَ يَتَغَدَّى مَعَهُ وَيَتَعَشَّى فَخَافَ إنْ مَرَّ إلَى الرَّجُلِ يُبَشِّرُهُ أَنْ يَغِيبَ عَنْ الْغَدَاءِ مَعَهُ فَيَفُوتَهُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا قِيلَ مَعْنَاهُ تُجَادِلُ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ رَوَى زَادٌ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ هِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ إذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَتَقُولُ رِجْلَاهُ إنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي إنَّهُ قَدْ وَعَى بِي سُورَةَ الْمُلْكِ وَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي إنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ قَالَ وَهِيَ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبَةٌ سُورَةُ الْمُلْكِ مَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْنَبَ وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ بَطْنُهُ وَهِيَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَاطِنَ ظَهْرِهِ فَيَدْخُلَ فِيهِ الصَّدْرُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الصَّدْرَ هُوَ الَّذِي حَوَى السُّورَةَ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الرَّأْسِ إنَّهُ قَدْ قَرَأَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ وَإِنَّمَا قَرَأَهَا بِالْفَمِ لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّأْسِ. [مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى] (ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَهَا يَعْدِلُ ثَوَابَ عِتْقِ عَشْرِ رِقَابٍ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا غَايَةٌ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ قَلَّ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ وَلَوْ لَمْ يَفِدْ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْكَلَامِ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَتَى إنْسَانٌ بِبَعْضِهِ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَأْتِي بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا مَنْ جَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا غَايَةٌ فِي بَابِهِ ثُمَّ قَالَ إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَظُنَّ السَّامِعُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ كَتَكْرَارِ الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الْبِرِّ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَبَّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)

كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، وَقَوْلُهُ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ التَّسْبِيحُ وَهُوَ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ تَعَالَى عَمَّا يَقُولُهُ الظَّالِمُونَ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ خَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّحْمِيدَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا فَإِذَا هَلَّلَ أَكْمَلَ الْمِائَةَ وَذَلِكَ مِمَّا يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ وَالْغُفْرَانُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّتْرُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ يُرِيدُ فِي كَثْرَتِهَا فَإِنَّ مَا قَالَهُ يَعْدِلُ ذَلِكَ ص (مَالِكٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ إنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) (ش) : قَوْلُهُ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ قَوْله تَعَالَى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِفَهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا بَاقِيَاتٌ لِصَاحِبِهَا وَصَالِحَاتٌ لِجَزِيلِ ثَوَابِهَا فِي الْمَعَادِ وَحِينَ الْحَاجَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَتَجَمَّلُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْمَالِ وَالْبَنِينَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَيْسَ يَبْقَى لَهُمْ وَلَا يَعُودُ بِمَصْلَحَةٍ عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ هِيَ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ لَكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) . (ش) : قَوْلُهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ. وَالثَّانِي: ذِكْرٌ عِنْدَ الْأَوَامِرِ بِامْتِثَالِهَا وَعِنْدَ الْمَعَاصِي بِاجْتِنَابِهَا وَهُوَ ذِكْرٌ. وَالذِّكْرُ بِاللِّسَانِ عَلَى ضَرْبَيْنِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسَلُّمِ فِيهَا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَالْمَنْدُوبُ إلَيْهِ سَائِرُ الْأَذْكَارِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَمَّا الْوَاجِبُ مِنْ الذِّكْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْضُلَ عَلَى سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ الْجِهَادِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَيُقَالُ إنَّ ثَوَابَ الْمُصَلِّي أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ غَيْرِهِ إمَّا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِمَّا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ عَلَى حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْضُلَ عَلَى سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ وَهَذَا طَرِيقَةُ الْخَبَرِ. وَالثَّانِي: كَثْرَةُ تَكَرُّرِهِ وَهَذَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالنَّظَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) . ش يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هَاهُنَا بِذِكْرِ اللَّهِ الذَّاكِرِينَ جَمِيعًا بِالْقَلْبِ عِنْدَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِذَا قُلْت إنَّهُ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الذِّكْرَ فِي الصَّلَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ سَائِرَ الْأَذْكَارِ لِتَكَرُّرِهَا وَخِفَّتِهَا عَلَى اللِّسَانِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ رَأَيْت بِضْعًا وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهُنَّ أَوَّلٌ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا يَعْنِي قَبْلَ هَذَا وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يَقْرَبُ وَقَوْلُ الْمُتَكَلِّمِ أَنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ الْكَلَامِ فِي

[ما جاء في الدعاء]

مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إذَا دَعَا اللَّهَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْوَقْتَ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ رَأَيْت بِضْعًا وَثَلَاثِينَ مَلَكًا الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ وَقَوْلُهُ يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ ثَوَابِهَا وَرِفْعَةِ دَرَجَةِ صَاحِبِهَا وَأَنَّ لِكَاتِبِهَا أَوَّلًا مَزِيَّةً وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُمْ يَكْتُبُهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْعَمَلَ عَلَى هَذَا وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَهَا الْمُصَلِّي. وَوَجْهُ ذَلِكَ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْرُوعَةِ كَالتَّكْبِيرِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. [مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مُجَابَةً قَدْ وُعِدَ الْإِجَابَةَ فِيهَا وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَّأَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ إلَى الْآخِرَةِ لِيُشَفَّعَ بِهَا فِيهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الشَّفَاعَةِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَقُوَّتِي فِي سَبِيلِكَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] وَمَعْنَى فَالِقِ الْإِصْبَاحِ الَّذِي خَلَقَهُ وَابْتَدَأَهُ وَأَظْهَرَهُ وَالْفَلَقُ الْبَحْرُ وَقَوْلُهُ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا الْجَعَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى الْخَلْقِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] وَأَمَّا إذَا تَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْخَلْقِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] مَعْنَاهُ سَمَّوْهُمْ وَوَصَفُوهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَاثٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ قَوْلِهِمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مُسْلِمًا مَعْنَاهُ خَلَقَنِي مُسْلِمًا فَقَوْلُهُ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] يَعْنِي أَنَّهُ يُسْكَنُ فِيهِ وقَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: 96] بِمَعْنَى يَحْسُبُ بِهِمَا الْأَيَّامَ وَالشُّهُورَ وَالْأَعْوَامَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُوَّتِي فِي سَبِيلِك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِهَادَ الْعَدُوِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ سَائِرَ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ مَالِي هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ يُوضَعُ فِي بَابِ الْغَزْوِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّ عُرْفَهَا الْجِهَادُ وَالْغَزْوُ وَإِنْ جَازَ أَنْ تُطْلَقَ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ بِقَرِينَةٍ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت مَعْنَاهُ لَا يَشْتَرِطُ مَشِيئَتَهُ بِاللَّفْظِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ دُونَ أَنْ يَشَاءَ بِالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ أَيْ يُعْرِي دُعَاءَهُ وَسُؤَالَهُ مِنْ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ وَيَسْأَلُ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت نَوْعًا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَغْفِرَتِهِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ إنْ شِئْت أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَافْعَلْ لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا إلَّا مَعَ الْغِنَى عَنْهُ وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْزِمُ مَسْأَلَتَهُ وَيَسْأَلُ سُؤَالَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ إلَى مَا سَأَلَهُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُسْتَجَابُ الْإِخْبَارَ عَنْ وُجُوبِ وُقُوعِ الْإِجَابَةِ. وَالثَّانِي: الْإِخْبَارُ عَنْ جَوَازِ وُقُوعِهَا فَإِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى الْإِخْبَارِ عَنْ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَكُونُ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إمَّا أَنْ يُعَجِّلَ مَا سَأَلَ فِيهِ: وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِهِ: وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ. فَإِذَا قَالَ قَدْ دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي بَطَلَ وُجُوبُ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ وَعَرَى الدُّعَاءُ مِنْ جَمِيعِهَا وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى جَوَازِ الْإِجَابَةِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ بِفِعْلِ مَا دَعَا بِهِ خَاصَّةً وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي قَدْ دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقُنُوطِ وَضَعْفِ الْيَقِينِ وَالسَّخَطِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا إخْبَارٌ عَنْ إجَابَةِ الدُّعَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِعْطَاءِ السَّائِلِينَ مَا سَأَلُوهُ وَغُفْرَانِهِ لِلْمُسْتَغْفِرَيْنِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى فَضِيلَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَحَضٌّ عَلَى كَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِيهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُ إلَيْهِ هَرْوَلَةً» وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّقَرُّبَ فِي الْمَسَافَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا مَوْجُودٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّقَرُّبَ بِالْعَمَلِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْقُرْبَ مِنْهُ تَعَالَى بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ قَرِيبٌ مِنْ فُلَانٍ وَيَقُولُونَ فِي الرَّئِيسِ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْإِسْعَافِ لَهُمْ وَالتَّرْحِيبَ بِهِمْ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْعَرْشِ فَقَالَ لَا يَتَحَدَّثْنَ بِهِ وَمَا يَدْعُو الْإِنْسَانَ إلَى أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ وَهُوَ يَرَى مَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ، وَحَدِيثِ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، وَحَدِيثِ السَّاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ أَنْ يُحَدِّثَ بِمِثْلِ هَذَا قِيلَ لَهُ فَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ضَحِكَ فَلَمْ يَرَهُ مِنْ هَذَا وَأَجَازَهُ، وَقَالَ وَحَدِيثِ التَّنَزُّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَدِيثَ التَّنَزُّلِ وَالضَّحِكِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ لَمْ يُطْعَنْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَحَدِيثَ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِنْكَارُ لَهُ وَالْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحَدِيثَ الصُّورَةِ وَالسَّاقِ لَيْسَتْ أَسَانِيدُهَا تَبْلُغُ فِي الصِّحَّةِ دَرَجَةَ حَدِيثِ التَّنَزُّلِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ التَّأْوِيلَ فِي حَدِيثِ التَّنَزُّلِ أَقْرَبُ وَأَبْيَنُ وَالْغَرَرُ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ فِيهَا أَبْعَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كُنْت نَائِمَةً إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَقَدْتُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي فَوَضَعْت يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» ) . ش قَوْلُهَا فَلَمَسْته بِيَدِي فَوَضَعْتهَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَلَوْ كَانَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ لَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ اسْتِدَامَةِ السُّجُودِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَرِيَ عَنْ اللَّذَّةِ لَمْ يَنْقُضْ الطَّهَارَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا أُحْصِي شَيْئًا مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّنَاءِ عَلَيْكَ فَيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْمَدْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَا أُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْكَ. (ش) : قَوْلُهُ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ يَعْنِي أَكْثَرَ الذِّكْرِ بَرَكَةً وَأَعْظَمَهُ ثَوَابًا وَأَقْرَبَهُ إجَابَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحَاجَّ خَاصَّةً لِأَنَّ مَعْنَى دُعَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي حَقِّهِ يَصِحُّ وَبِهِ يَخْتَصُّ وَإِنْ وَصَفَ الْيَوْمَ فِي الْجُمْلَةِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِفِعْلِ الْحَاجِّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» ) (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ دَلِيلٌ عَلَى تَأَكُّدِهِ وَمَا نَدَبَ إلَيْهِ مِنْ تَحَفُّظِ أَلْفَاظِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ الْمَسِيحَ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَسُمِّيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسِيحًا لِسِيَاحَتِهِ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ لِحُسْنِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فِتْنَةً وَهِيَ فِتْنَةُ الْقَبْرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُك الْحَقُّ وَوَعْدُك الْحَقُّ وَلِقَاؤُك حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْتُ وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَإِلَيْك أَنَبْت وَبِك خَاصَمْت وَإِلَيْك حَاكَمْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَأَخَّرْت وَأَسْرَرْت وَأَعْلَنْت أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ» ) (ش) : قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قِيلَ مَعْنَاهُ ذُو نُورِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ مَعْنَاهُ مُدَبِّرُهُمَا شَمْسُهُمَا وَقَمَرُهُمَا وَنَحْوُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُنِيرُهُمَا كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مُغِيثٌ بِمَعْنَى مُغِيثِنَا فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ ذُو نُورِ السَّمَوَاتِ وَذُو نُورِهِ الْقُرْآنُ قَالَ كَعْبٌ النُّورُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ يَعُودُ إلَى أَنَّهُ ذُو النُّورِ الَّذِي أَصَابَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَاهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي يَهْدِي بِهِ مُنِيرٌ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يُنِيرُ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا قُلْنَا مَعْنَاهُ مُدَبِّرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بِهِ يَكُونُ وَمِنْ خَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ الَّتِي تُنِيرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النُّورَ الَّذِي بِمَعْنَى الْهِدَايَةِ وَأَنَّهُ هَادٍ يَهْتَدِي بِهِ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُقَالُ فِيهِ قَيَّامٌ وَقَيُّومٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْقَيَّامُ الَّذِي لَا يَزُولُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَعْنَاهُ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قُلْنَا مَعْنَى الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَزُولُ مِنْ قَيُّومِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ الدَّائِمُ حُكْمُهُ فِيهِمَا وَتَدْبِيرُهُ لَهُمَا وَإِنَّهُ لَا قَائِمَ يُضَافُ تَدْبِيرُهُمَا إلَيْهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُلْنَا مَعْنَى الْقَيُّومِ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] قِيلَ مَعْنَاهُ أَفَمَنْ هُوَ حَافِظٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ لَا يَغْفُلُ وَلَا يَمُوتُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ حَافِظٌ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» وَمَنْ فِيهِنَّ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الرَّبُّ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الرَّبُّ الْمَالِكُ وَالرَّبُّ السَّيِّدُ الْمُطَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41] مَعْنَاهُ سَيِّدُهُ وَيَكُونُ الرَّبُّ الْمُصْلِحَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَبُّ الشَّيْءِ إذَا أَصْلَحَهُ فَعَلَى هَذَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ مَعْنَاهُ مَالِكُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيَحْتَمِلُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى سَيِّدَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ. وَقَدْ أَنْكَرَ مَالِكٌ الدُّعَاءَ بِسَيِّدِي فَلِعِلَّةٍ إنَّمَا كَرِهَ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إنَّ صَلَاحَهُمَا بِهِ وَلَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ صَلَاحُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِمَّنْ يَدَّعِي الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ إلَهٌ وَمِنْ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62] وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَقِّ يَعُودُ إلَى مَعْنَى الصِّدْقِ وَيَتَعَلَّقُ بِتَسْمِيَتِهِ إلَهًا بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ إلَهًا وَأَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ إلَهٌ فَقَدْ صَدَقَ وَقَالَ الْحَقُّ وَمَنْ سُمِّيَ سِوَاهُ إلَهًا وَأُخْبِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إلَهٌ فَقَدْ كَذَبَ وَأَبْطَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَوَعْدُك حَقٌّ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعْدُهُ يَفِي بِهِ وَلَا يَخْلُفُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9] وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] أَيْ وَعَدَ الْجَنَّةَ مَنْ أَطَاعَهُ وَوَعَدَ النَّارَ مَنْ كَفَرَ بِهِ فَوَفَّى بِوَعْدِهِ فَكَأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى مَعْنَى الصِّدْقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ وَعْدَهُ حَقٌّ بِمَعْنَى إثْبَاتِ أَنَّهُ قَدْ وَعَدَ بِالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ إنْكَارَ الْقَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ وَعْدَهُ بِذَلِكَ وَكَذَّبَ الرُّسُلَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِيمَا بَلَّغُوهُ مِنْ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ خَبَرَهُ تَعَالَى بِذَلِكَ حَقٌّ لَا يَدْخُلُهُ بَاطِلٌ وَلَا كَذِبٌ وَلَا تَحْرِيفٌ وَلَا تَغْيِيرٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ خَبَرَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَبَلَغَهُ حَقٌّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْتُ مَعْنَاهُ انْقَدْت وَأَطَعْت مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْلَمَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ إذَا انْقَادَ لَهُ وَعُطِفَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ وَبِك آمَنْت فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] مَعْنَاهُ وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا إلَّا أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ وَالطَّاعَةِ فَقَدْ يَنْقَادُ الْمُكَلِّفُ بِالْإِيمَانِ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا مُسْلِمًا وَقَدْ يَنْقَادُ بِغَيْرِ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ وَنَفَى عَنْهُمْ الْإِيمَانَ فَتَقَرَّرَ أَنَّ مَا أَثْبَتَ لَهُمْ غَيْرَ مَا نَفَاهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِسْلَامُ فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ مَعَهُمْ رَجَعَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِلَيْك أَنَبْت يُرِيدُ تُبْت وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيك خَاصَمْت يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ خَاصَمَ فِيهِ بِلِسَانٍ أَوْ سَيْفٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} [غافر: 35] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: 5] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِلَيْك حَاكَمْت ظَاهِرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُحَاكِمُهُمْ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَرْضَى إلَّا بِحُكْمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا} [الأنعام: 114] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ مِمَّا مَضَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ

[العمل في الدعاء]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي بَنِي مُعَاوِيَةَ وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْأَنْصَارِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَسْجِدِكُمْ هَذَا فَقُلْت لَهُ نَعَمْ أَشَرْت لَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا الثَّلَاثُ الَّتِي دَعَا بِهِنَّ فِيهِ فَقُلْت نَعَمْ قَالَ فَأَخْبَرَنِي بِهِنَّ فَقُلْت دَعَا بِأَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ فَأُعْطِيَهُمَا وَدَعَا بِأَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمُنِعَهَا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَنْ يَزَالَ الْهَرْجُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إلَّا كَانَ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ) . الْعَمَلُ فِي الدُّعَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَأَنَا أَدْعُو وَأُشِيرُ بِأُصْبُعَيْنِ أُصْبُعٍ مِنْ كُلِّ يَدٍ فَنَهَانِي) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] فِي الدُّعَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدَ بِمَا قَدَّمَ مَا مَضَى وَبِمَا أَخَّرَ مَا يَسْتَقْبِلُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ حَمَلَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ الْغُفْرَانَ تَنَاوَلَ مِنْ أَفْعَالِهِ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ. (ش) : سُؤَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا دَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لِلْمَسْئُولِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَإِلَّا أَعْلَمَهُ، وَقَوْلُهُ هَلْ تَدْرِي مَا الثَّلَاثُ الَّتِي دَعَا بِهِنَّ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُهْلِكُهُمْ بِالسِّنِينَ يُرِيدُ الشَّدَائِدَ وَالْمَحَلُّ يُقَالُ عَامُ سِنَةٍ أَيْ عَامُ جَدْبٍ وَمَجَاعَةٍ، وَقَوْلُهُ وَدَعَا بِأَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمُنِعَهَا يَعْنِي أَنْ لَا يَجْعَلَ الْحَرْبَ وَالْهَرْجَ بَيْنَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: 81] وَقَوْلُهُ فَلَنْ يَزَالَ الْهَرْجُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْحَرْبَ وَالْفِتَنَ وَالِاخْتِلَافَ. (ش) : هَذَا إنَّمَا يَكُونُ لِلدَّاعِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَعَا فِيمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيمَا دَعَا فِيهِ أَوْ يُدَّخَرُ لَهُ أَجْرٌ بِدُعَائِهِ وَإِخْلَاصِهِ وَذِكْرِهِ لِلَّهِ وَإِقْرَارِهِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ لَهُ بَعْضَ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ مَا مِنْ دَاعٍ إلَّا كَانَ عَلَى إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا أَنْ يُعْطَى الدَّعْوَةَ الَّتِي دَعَا بِهَا أَوْ يُدَّخَرَ لَهُ أَوْ يُصْرَفَ عَنْهُ بِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُصْرَفُ عَنْهُ إثْمُ ذُنُوبِهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى التَّكْفِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي الدُّعَاءِ] (ش) : إنَّمَا نَهَاهُ أَنْ يُشِيرَ بِأُصْبُعَيْنِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يُحَبُّ أَنْ يَكُونَ إمَّا بِالْيَدَيْنِ وَبَسْطِهِمَا عَلَى مَعْنَى التَّضَرُّعِ وَالرَّغْبَةِ وَإِمَّا بِالْإِشَارَةِ بِالْوَاحِدَةِ عَلَى مَعْنَى التَّوْحِيدِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَالَ بِيَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ فَرَفَعَهُمَا) (ش) : قَوْلُهُ وَقَالَ بِيَدَيْهِ بِهِ نَحْوَ السَّمَاء رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى يَرْفَعُهُمَا يَدْعُو لِأَبَوَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَفَعَهُمَا إشَارَةً بِيَدِهِ وَقَالَ هَكَذَا يَرْفَعُ إلَى فَوْقٍ وَقَوْلُهُ وَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ يُرِيدُ إشَارَةً بِيَدَيْهِ وَسَمَّى ذَلِكَ قَوْلًا لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ فِي النَّفْسِ فَتَارَةً يُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللَّفْظِ وَتَارَةً بِالْإِشَارَةِ وَتَارَةً بِالْكِتَابَةِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَلَامًا وَقَوْلًا لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَالَ ابْنُ نَافِعٍ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ فَمَنْ دَعَا فَلَا يَجْهَرْ بِدُعَائِهِ وَلَا يُخَافِتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَالَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ لَا تَجْهَرْ بِقِرَاءَتِك فِي صَلَاةِ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِيهَا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَرَدْت فِي النَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إلَى هُدًى إلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ اتَّبَعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إلَى ضَلَالَةٍ إلَّا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُومُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ نَامَتْ الْعُيُونُ وَغَارَتْ النُّجُومُ وَأَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهَارِ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلْت هَذِهِ الْآيَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء: 110] أَيْ بِقِرَاءَتِك فَيَسْمَعُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِك فَلَا تُسْمِعُهُمْ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا. (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِيهَا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ يَدْعُو بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا كَانَ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ» قَالَ الرَّاوِي فَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ يَقْتَضِي أَنَّ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ إنَّمَا هُوَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَعِصْمَتِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي فِعْلِ الْخَيْرَاتِ إلَّا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالتَّوَاضُعِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْكِبْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا أَرَدْت فِي النَّاسِ فِتْنَةً يَقْتَضِي أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى مَرِيدٌ لِوُقُوعِ مَا يَقَعُ مِنْهَا وَأَنَّهَا تَكُونُ بِإِرَادَتِهِ دُونَ إرَادَةِ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُ دَعَا رَبَّهُ فَقَالَ إنْ هِيَ إلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ وَلِذَلِكَ دَعَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ أَنْ يَقْبِضَهُ غَيْرَ مَفْتُونٍ إذَا أَرَادَهَا وَلَوْ كَانَ يَقَعُ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِ لَمَا كَانَ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَقْبِضَهُ عِنْدَ إرَادَتِهِ بِغَيْرِهِ الْفِتْنَةَ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَسْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْفِتَنِ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ إرَادَةِ غَيْرِهِ. (ش) : قَوْلُهُ مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إلَى هُدًى إلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ اتَّبَعَهُ هَذَا فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ إنَّ مَنْ دَعَا مِنْهُمْ إلَى خَيْرٍ أُثِيبَ مِثْلَ ثَوَابِ جَمِيعِ مَنْ عَمَلِ بِهِ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا لِأَنَّ ذَلِكَ ثَوَابٌ عَلَى الدُّعَاءِ إلَى الْهُدَى وَالْخَيْرِ وَلِلْعَامِلِينَ ثَوَابُ الْعَمَلِ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ الْعَامِلِينَ بِهَا عُقُوبَةً عَلَى الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَلِلْعَامِلِينَ بِهَا أَوْزَارُ الْعَمَلِ عَدْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ) (ش) : قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الِاقْتِدَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا وَقَدْ يَدْعُو بِهَذَا لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَدْعُو فِي الْخَيْرِ فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الْعَامِلِينَ بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ كُلِّ عَامِلٍ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِمَامَ أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ فَكَأَنَّهُ دَعَا أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمُتَّقِينَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَعَدَ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ مِنْ الْخَيْرِ بِمَا وَعَدَهُمْ فَكَيْفُ بِأَئِمَّتِهِمْ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَقُومُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُرِيدُ لِلتَّهَجُّدِ وَذِكْرِ اللَّهِ فَكَانَ يُشْعِرُ نَفْسَهُ بِهَذَا

[النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر]

النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا ثُمَّ إذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّظَرِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا وَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِهَا دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تُوجَدُ فِيهِ صِفَاتُ الْحُدُوثِ وَذَلِكَ أَنَّ عُيُونَ الْخَلَائِقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَائِمَةٌ وَالنُّجُومَ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَكُونَ طَالِعَةً غَائِرَةٌ وَالنَّوْمُ فِي الْعُيُونِ وَالْغَوْرُ فِي النُّجُومِ دَلِيلٌ عَلَى الْحُدُوثِ وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُدُوثِ الْكَوَاكِبِ فَقَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ وَقَوْلُهُ وَأَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ حَيًّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّوْمُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حَيٌّ قَيُّومٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأُفُولُ وَلَا التَّغْيِيرُ وَلَا الْعَدَمُ تَبَارَكَ رَبَّنَا وَتَعَالَى. [النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ إلَى أَنَّ لَهُ قَرْنًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَطْلُعُ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْطَانًا تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَتَغْرُبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ قَرْنُهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى إضْلَالِ النَّاسِ وَلِذَلِكَ يَسْجُدُ لِلشَّمْسِ حِينَئِذٍ الْكُفَّارُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبَائِلَ مِنْ النَّاسِ يَسْتَعِينُ بِهِمْ الشَّيْطَانُ عَلَى كُفْرِهِ فَيَكُونُ طُلُوعُهَا عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِمَنْزِلَةِ طُلُوعِهَا مَعَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ «أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ فَارِسٍ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هَا هُنَا وَأَنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَنَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ عَامٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ مُقَارَنَةِ قَرْنِ الشَّيْطَانِ لِلشَّمْسِ عِنْدَ الطُّلُوعِ إلَى الِاسْتِوَاءِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَمَّا عِنْدَ الزَّوَالِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ فَقَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نِصْفَ النَّهَارِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ فَأَنَا لَا أَنْهَى عَنْهُ لِلَّذِي أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَيْهِ وَلَا أُحِبُّهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْضُ الْكَرَاهِيَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى التَّهْجِيرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاسْتِدَامَتُهُمْ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالنَّاسُ بَيْنَ مُصَلٍّ وَنَاظِرٍ إلَى مُصَلٍّ وَغَيْرِ مُنْكِرٍ وَمُجْمَلُ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّهْيُ إلَى تَحَرِّي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِالنَّافِلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مَنْسُوخًا وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ رَاحَ قَبْلُ وَيُصَلِّ ذَلِكَ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ هَذَا إنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ النَّافِلَةِ وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْفَرِيضَةِ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ تَأْخِيرِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ وَفِي مَنْعِ تَقْدِيمِ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ حِينَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَفِي مَنْعِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَفِي مَنْعِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ حِينَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ أَيْضًا تَحَرِّي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ بِالْفَرِيضَةِ فَقَدْ رُوِيَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَكَذَلِكَ اسْتِوَاؤُهَا. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ نِصْفَ النَّهَارِ كَمَا لَا أَكْرَهُ التَّنَفُّلَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَثْبُتْ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَقَوْلُ أَشْهَبَ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِالْمَرَاسِيلِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَأْوِيلَ الْمَنْعِ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَلَكِنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ فَظَاهِرُهَا التَّوَقُّفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَرَى فِي الْحَدِيثِ التَّأْوِيلَ وَلَا يُحِبُّهُ يُرِيدُ لَا يَأْمُرُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا أَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخُصَّ النَّهْيَ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ وَزَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ دَاوُد لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَقْرَبْ الشَّمْسُ مِنْ الْغُرُوبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ إلَخْ قَالَ الْعُتْبِيُّ قَرْنُ الشَّمْسِ أَعْلَاهَا وَحَوَاجِبُهَا نَوَاحِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ حَاجِبَ الشَّمْسِ هُوَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهَا وَهُوَ أَعْلَاهَا نَهَى عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ غُرُوبِهَا مُنْذُ يَبْرُزُ حَاجِبُ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ جَمِيعُهَا وَمُنْذُ يَغِيبُ بَعْضُ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَغِيبَ جَمِيعُهَا هَذَا مِقْدَارُ مَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَيَتَنَاوَلُ حَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَلَا تُسَمَّى مُرْتَفِعَةً حَتَّى تَتَكَامَلَ وَحِينَئِذٍ يَنْتَشِرُ شُعَاعُهَا وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ جُرْمِهَا وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يُسْتَبَاحُ فِيهِ النَّافِلَةُ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ «دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَّرْنَاهُ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» ) . (ش) : قَوْلُهُ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ مُتَّصِلًا بِفَرَاغِهِ مِنْ الظُّهْرِ أَوْ بِقُرْبِ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَعَلَى ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ تَعْجِيلِ أَنَسٍ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَلَوْ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى مُقْتَضَاهُ لَمَا كَانَ فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ تَعْجِيلِ أَنَسٍ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاءُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا قَالَ الْعَلَاءُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا تَعْجِيلَ أَنَسٍ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ إذْ صَلَّاهَا قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ أَنْ صَلَّوْا هُمْ الظُّهْرَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يُرِيدُ أَنَّ التَّعْجِيلَ هُوَ الْمَشْرُوعُ وَأَنَّ التَّأْخِيرَ مَمْنُوعٌ فَأَسْنَدَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ فَقَدَّمَ التَّأْخِيرَ هَذَا تَعْجِيلًا وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَمَّ التَّأْخِيرَ كُلَّهُ وَأَضَافَهُ إلَى وَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَقَوْلُهُ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَتَحَرَّ أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ تَأْخِيرَهُمْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا شُغْلٍ وَأَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ تَأْخِيرَهُ نِسْيَانٌ أَوْ غَلَبَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ الْمُنَافِقِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ يَكُونُ وَقْتَ مَنْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا بِمُقَارَنَةِ قَرْنِ الشَّيْطَانِ لَهَا وَقَوْلُهُ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا عَبَّرَ بِالنَّقْرِ إشَارَةً لِقِلَّةِ خُشُوعِهِ وَتَسَرُّعِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ قَلِيلُ ذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْخُشُوعَ بِالْقَلْبِ وَالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ ذِكْرَهُ بِالْقَلْبِ وَالْإِخْبَارَ عَنْ قِلَّةِ إقْبَالِهِ عَلَى صَلَاتِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَتَحَرَّ أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا» ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا يَتَحَرَّ أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَنْعٌ مِنْ تَحَرِّي ذَلِكَ وَقَصْدِهِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ النَّافِلَة فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مِنْ تَأْخِيرِ الْفَرْضِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ) . ش قَوْلُهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ وَقْتِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ وَقْتَ الْعَصْرِ فَإِنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الْعَصْرِ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى الْعَصْرَ مُنِعَتْ النَّافِلَةُ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ لَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا وَلَمْ يَجُزْ الِاشْتِغَالُ بِالنَّافِلَةِ عَنْهَا وَفِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ وَقْتِهَا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِالْحَدِيثَيْنِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثَبَتَ النَّهْيُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ نَهْيٌ عَنْ الصَّلَاةِ لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِهِ لَمَنَعَ كُلَّ صَلَاةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ صَلَاةِ الْيَوْمِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» (مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا الْفَوَائِتُ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صَلَاةُ الْجَنَائِزِ فَلَا يُمْنَعُ فِي وَقْتٍ مُخْتَارٍ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا لِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لَهُمَا إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ أَوْ يُسْفِرَ الصُّبْحُ مُنِعَ مِنْهَا وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ يَجْرِي مَجْرَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَفِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُطْلِعُ قَرْنَاهُ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَغْرُبَانِ مَعَ غُرُوبِهَا وَكَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ الْمُنْكَدِرَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ) (ش) : قَوْلُهُ يَضْرِبُ النَّاسُ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي يُتَحَرَّى بِهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغُرُوبُهَا وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ أَوْ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَوَقْتَ الْغُرُوبِ فَيَقُومُ عِنْدَهُ ذَلِكَ مَقَامَ التَّحَرِّي وَفِي حَدِيثِ السَّائِبِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ الْمُنْكَدِرَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهَذَا مَنْ لَا يَتَحَرَّى غُرُوبَ الشَّمْسِ وَمَنْ لَا يُصَلِّي حِينَ الْغُرُوبِ وَضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمُنْكَدِرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادَ فِي مِثْلِ هَذَا لَمَّا صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْعِهِ هَذَا إنْ كَانَ الْمُنْكَدِرُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[كتاب الجنائز]

كِتَابُ الْجَنَائِزِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ» ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَشْبَهَ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يُخَرِّجْ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُجَرَّدُ عَنْ قَمِيصِهِ لِلْغُسْلِ وَلَا يُغَسَّلُ عَلَى قَمِيصِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجَرَّدُ الْمَيِّتُ وَيُغَسَّلُ عَلَى قَمِيصِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً مِنْ الْحَيِّ فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الْمَيِّتِ كَالْوَجْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَسَدُ الْمَيِّتِ عَوْرَةً فَلَا مَعْنَى لِسَتْرِهِ بِالْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ تَجْرِيدَهُ مِنْهُ أَمْكَنُ لِغُسْلِهِ وَأَبْلُغُ فِي تَنْقِيَتِهِ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَإِذَا جُرِّدَ لِلْغُسْلِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يَلِيه. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا حَالَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْحَيِّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَحُسْنُ الزِّيِّ فَلَا يُطَّلَعُ عَلَى الْمَيِّتِ مَا دَامَ عَلَيْهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَوْرَةَ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِذَلِكَ يُسْتَرُ بِالْكَفَنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ بِمِئْزَرٍ وَيَجْعَلُ عَلَى صَدْرِهِ وَوَجْهِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ بْن سِيرِينَ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ تَعْنِي بِحِقْوِهِ إزَارَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِرْقَةً أُخْرَى وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَرُ مِنْهُ غَيْرَ عَوْرَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجْعَلُ الْغَاسِلُ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً كَثِيفَةً مَطْوِيَّةً مِرَارًا يَتَنَاوَلُ بِهَا غَسْلَ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ لِيَصِلَ إلَى غُسْلِهِ وَلَا يُبَاشِرُ عَوْرَتَهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا كَالنَّظَرِ إلَيْهَا فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بَاشَرَهَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ النَّظَرَ إلَى عَوْرَةِ الْحَيِّ لِلْمُدَاوَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا إذَا غَسَّلَ الرِّجَالُ الرَّجُلَ وَالنِّسَاءُ الْمَرْأَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا غَسَّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فَأَمَّا غَسْلُ ذَوِي الْمَحَارِمِ الْمَرْأَةَ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ» فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا، وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَوْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا وَذَقَنُهُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ اغْسِلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَ دُونَ أَيْدِيهِمْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَهُ إلَّا نِسَاؤُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» يَقْتَضِي مُرَاعَاةَ الْوِتْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ بَابُ الطِّهَارَاتِ الْمَشْرُوعَةِ كَالْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ ثَلَاثًا كَانَتْ وِتْرًا فَإِنْ زَادَ الْغَاسِلُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُرَاعِ الْوِتْرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهُ «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» فَجَعَلَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْخَمْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَرْبَعِ فَإِنْ قِيلَ فَفِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يُسَوِّي بَيْنَ مَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى الْخَمْسَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى الْوِتْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْخَمْسَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوِتْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ «ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْوِتْرُ. وَالثَّانِي: الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ السِّتَّةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» وَهَذَا يُبَيِّنُ جَمِيعَ مَا قُلْنَاهُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ مِنْ حَدَثٍ فَكَانَ الْوِتْرُ مَشْرُوعًا فِيهَا كَالْوُضُوءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» عَلَى مَعْنَى تَفْوِيضِ هَذَا الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْغَاسِلِ وَقَدْ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْغُسْلِ ثَلَاثًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَمْسًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَسَبْعًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «بِمَاءٍ» الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلِيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يُكْرَهُ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْقُرُنْفُلِ لِلسَّرَفِ وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا يُغَسَّلُ لِيَطْهُرَ، وَإِنَّمَا هُوَ إكْرَامٌ لَهُ لِلِقَاءِ الْمَلَكَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُغَسَّلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ لَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ؛ لِأَنَّ السِّدْرَ غَاسُولٌ وَهَذَا إذَا وُجِدَ فَإِنْ عُدِمَ فَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يُعِينُ عَلَى التَّنْظِيفِ وَالْغُسْلِ كَالْأُشْنَانِ وَالنَّطْرُونِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا. فَأَمَّا الْأُولَى فَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ يُغَسَّلُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، ثُمَّ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَيُحْتَسَبُ بِذَلِكَ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْغُسْلَ أَوَّلًا هُوَ الْفَرْضُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّنْظِيفِ وَالتَّطْيِيبِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا خَالَطَهُ مِمَّا يَزِيدُ فِي تَنْظِيفِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَنْظِيفِهِ مِنْ الْأَقْذَارِ وَغَيْرِهَا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا» يُرِيدُ بِذَلِكَ تَطْيِيبَ الرَّائِحَةِ وَبَقَاءَ الطِّيبِ فِي أَنْ يُجْعَلَ فِي آخَرِ غَسْلَةٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْكَافُورَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى الْأَرَائِحِ الطَّيِّبَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّجْمِيرِ وَمَنْعِ مَا فِي الْمَيِّتِ مِنْ النَّتْنِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنْ عُدِمَ أَوْ عَظُمَتْ مُؤْنَتُهُ طُيِّبَ الْمَيِّتُ بِغَيْرِهِ أَوْ تُرِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» يُرِيدُ إذَا فَرَغْنَ مِنْ غُسْلِهَا أَنْ يُعْلِمْنَهُ وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِ الْحِقْوِ بِجِسْمِهِ وَيَكُونُ نَقْلُهُ مِنْهُ إلَى الْمَغْسُولَةِ رَجَاءَ الْخَيْرِ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْبَرَكَةَ بِإِشْعَارِهَا بِثَوْبٍ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِجِسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ» وَأَرَادَتْ بِحِقْوِهِ الْإِزَارَ، وَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا مِنْ الثِّيَابِ وَهُوَ الشِّعَارُ، وَاَلَّذِي فَوْقَهُ الدِّثَارُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ غَسَّلَتْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ غَسْلِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَمَوْضِعٌ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ فِي الْأَغْلَبِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُجْزِي فِيهِ أَنْ يُتَحَدَّثَ بِهِ وَيَنْتَشِرَ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ هُوَ أُخْتَهَا غَسَّلَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُغَسِّلُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا عُرْيَانٌ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى عَوْرَةِ الْآخَرَ بَلْ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ بِالْوَضْعِ قَبْلَ غُسْلِ زَوْجِهَا لَجَازَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ كَالْمَوَارِيثِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غُسْلُ الزَّوْجِ زَوْجَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ زَوْجِيَّةٌ كَمَّلَتْ الْمَوْتَ فَلَمْ تَمْنَعْ الْغُسْلَ كَمَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنًا فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ غُسْلُهَا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَهُ غُسْلُهَا وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَاوِي وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ فَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا كَالْبَائِنِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا امْرَأَةٌ يَرِثُهَا الزَّوْجُ فَكَانَ لَهُ غُسْلُهَا كَاَلَّتِي لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ غُسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ مَعَهَا نِسَاءٌ يُغَسِّلْنَهَا وَلَا مِنْ ذَوِي الْمَحْرَمِ أَحَدٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا وَلَا زَوْجٌ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا يُمِّمَتْ فَمُسِحَ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ الصَّعِيدِ) . (ص) : (مَالِكٌ، وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إلَّا نِسَاءٌ يَمَّمْنَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيَاسُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْحَيِّ لَا يَرَاهَا حَتَّى يَرْتَجِعَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِخْبَارِ بِأَفْعَالِ النَّفْلِ إنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ الْإِخْبَارُ عَنْ قَضَاءِ الْوَاجِبِ إنْ كَانَ وَاجِبًا إذَا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ حُكْمٌ يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاءُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فَحُكْمُهَا التَّقْلِيدُ لِلصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهُ لِخَوْفِ فَوَاتِ الْحَادِثَةِ إذَا لَمْ يُبَيَّنْ لَهَا الْحُكْمُ أَوْ لِيَقْوَى فِي نَفْسِهَا مَا ظَهَرَ إلَيْهَا مِنْهُ إنْ كَانَتْ عَلِمَتْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا إنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ أَخْبَرَتْ بِالْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ لَهَا مِنْ الْغُسْلِ أَوْ السَّبَبِ الَّذِي تَخَافُ الضَّرَرَ بِهِ وَقَوْلُهُمْ لَهَا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لَهَا مِنْ أَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ وُجُوبَهُ أَسْقَطَتْهُ عَنْهَا شِدَّةُ الْبَرْدِ إلَّا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» لَيْسَ بِثَابِتٍ. وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَوْ ثَبَتَ لَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيَكُونَ الْعَازِمُ عَلَى الِاغْتِسَالِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ يُبَالِغُ فِي غُسْلِهِ وَيَنْبَسِطُ وَلَا يَتَحَفَّظُ وَلَا يَتَقَبَّضُ إذَا لَمْ يَبْنِ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَأَمْرُ الْحَامِلِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَهُ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ فَيُصَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَنْجَسُ الْمَاءُ الَّذِي يُغَسَّلُ بِهِ الْمَيِّتُ وَالثَّوْبُ الَّذِي يُجَفَّفُ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُرْوَى أَنَّهُ يَنْجَسُ ذَلِكَ الثَّوْبُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُرَى أَنْ يُصَلَّى بِهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَلَا بِاَلَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ مَائِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَنْجَسُ الثَّوْبُ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْإِنْسَانِ بِالْمَوْتِ فَمَنْ قَالَ أَنَّهُ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ قَالَ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ حَكَمَ بِطَهَارَتِهِمَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تُوُفِّيَتْ وَكَانَ مَعَهَا نِسَاءٌ يَلِينَ ذَلِكَ مِنْهَا غَسَّلْنَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نِسَاءٌ وَكَانَ مَعَهَا رِجَالٌ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا فَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا مِنْ ذَوِي الْمَحْرَمِ أَحَدٌ يَقْتَضِي أَنَّ ذَا الْمَحْرَمِ يُغَسِّلُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُغَسِّلُهَا فِي قَمِيصِهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُيَمِّمُهَا، وَإِذَا غَسَّلَتْ ذَاتُ الْمَحْرَمِ الرَّجُلَ غَطَّتْ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ جَسَدَهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُغَسِّلُهَا ذُو الْمَحْرَمِ فَصِفَةُ غُسْلِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ تُغَسَّلَ فِي قَمِيصِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُغَسَّلُ وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ يُجَافِيه عَنْهَا وَيَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ لِئَلَّا يَلْصَقَ الثَّوْبُ بِجَسَدِهَا فَيَصِفَهَا وَقَوْلُ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ رَاعَى لَمْسَ جَسَدِهَا بِيَدِهِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ بَصَرِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ حَجْمِ جَسَدِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَفْضَلُ عِنْدِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَيُلْقِيَ الْمَاءَ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُجَافِي الثَّوْبَ عَنْ جَسَدِهَا وَيَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةٌ يَغْسِلُ بِهَا جَسَدَهَا تَمْنَعُ يَدَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُمِّمَتْ فَمُسِحَ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ الصَّعِيدِ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا فَبَاشَرَ غُسْلَهَا مِنْ النِّسَاءِ أَوْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا يُمِّمَتْ بِالصَّعِيدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّهُورَ عَلَى مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي جَسَدِ الْإِنْسَانِ فَكَانَ بَدَلُهُ التَّيَمُّمَ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَيَخْتَصُّ التَّيَمُّمُ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِمَّا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا الذِّرَاعُ فَعَوْرَةٌ وَفَرْضُ التَّيَمُّمِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّرَاعِ فَقَصَرَ عَلَى الْفَرْضِ الَّذِي لَيْسَ بِعَوْرَةٍ.

أَيْضًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَوْصُوفٌ وَلَا لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَكِنْ يُغَسَّلُ فَيَطْهُرُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا مُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ النَّظَرِ إلَى جَسَدِهَا وَمُبَاشَرَتِهِ بِأَيْدِيهِمْ فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ النِّسَاءُ مِنْ النَّظَرِ إلَى جَسَدِ الرَّجُلِ وَمُبَاشَرَتِهِ بِأَيْدِيهِنَّ إلَّا أَنْ يَكُنَّ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ فَيُغَسِّلْنَهُ عُرْيَانَ وَيَسْتُرْنَ عَوْرَتَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُغَسِّلْنَهُ فِي قَمِيصِهِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ فَتُفْلِيهِ وَتُطْعِمُهُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ جَسَدَ الرَّجُلِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ كَشْفُ جَسَدِهِ بِحَضْرَةِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مِنْ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِسِتْرِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ جَسَدَهَا عَوْرَةٌ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ مَمْنُوعٌ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ يَمَّمْنَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَمَّمْنَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَيْ الرَّجُلِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ فَتُوَصَّلُ إلَيْهِمَا الطَّهَارَةُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ صِفَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ تُتَعَدَّى فَتَكُونَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ وَلَكِنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ تَطْهِيرُهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنْ غُسْلِهِ فَيَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَيَبْدَأَ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، ثُمَّ بِجَسَدِهِ يَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ لِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَضِّئَهُ الْغَاسِلُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَبْدَأْنَ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا عِنْدَ الْغُسْلِ الَّذِي هُوَ مَحْضُ الْعِبَادَةِ لَا فِي غَسْلِ الْجَسَدِ مِمَّا بِهِ أَذًى أَوْ غَيْرُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ تُوَضَّأُ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْغَسْلَةُ الْأُولَى لِإِزَالَةِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى أَوْ غَيْرِهِ أَنْ تُوَضَّأَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَهُوَ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا غُسْلُ الْجَسَدِ لِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فَشُرِعَ فِيهِ الْوُضُوءُ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ أَشْهَبُ يُعَادُ وُضُوءُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنْ لَا يُكَرِّرَ وُضُوءَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ ثَلَاثًا فَيُعَادُ الْوُضُوءُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَكْرَارَهُ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُعَادُ وُضُوءُهُ اقْتَضَى أَنْ يُوَضَّأَ ثَلَاثًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُمَضْمَضُ الْمَيِّتُ وَيُدْخَلُ الْمَاءُ فِي فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَيَأْخُذُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً وَيُدْخِلُهَا فِي فَمِهِ لِتُنَظَّفَ أَسْنَانُهُ وَيُنَقَّى أَنْفُهُ. وَوَجْهُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ طَهَارَةِ الْحَيِّ فَجَازَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْمَيِّتِ كَسَائِرِ الْوُضُوءِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَغْسُولُ امْرَأَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُضَفَّرَ شَعْرُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْمَلُ فِي شَعْرِ الْمَرْأَةِ بِمَا شَاءُوا مِنْ لَفِّهِ وَأَمَّا الضَّفْرُ فَمَا أَعْرِفُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا أَعْرِفُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْغُسْلِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي غُسْلِ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَ قُرُونٍ فَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ تَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُقَلَّمُ لِلْمَيِّتِ ظُفُرٌ وَلَا يُحْلَقُ لَهُ شَعْرٌ وَلَا يُنْتَفُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِقَوْلِنَا قَالَ الْمُزَنِيّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا قَطْعُ جُزْءٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَيِّتِ فَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا أَصْلُ ذَلِكَ الْخِتَانُ وَيُزَالُ الْوَسَخُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ظَاهِرِ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهَا نَظَافَةٌ لَهُ دُونَ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَمَا سَقَطَ مِنْ جَسَدِهِ مِنْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ جُعِلَ فِي أَكْفَانِهِ.

[ما جاء في كفن الميت]

مَا جَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ الْكَفَنِ الْوِتْرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فَكُرِهَ أَنْ يُقَصَّرَ عَنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا أَوْ يُزَادَ عَلَيْهَا إلَّا إلَى وِتْرٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَوْبَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ثَوْبٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ الْوِتْرِ الَّذِي هُوَ فَضْلٌ وَالنُّقْصَانُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلضَّرُورَةِ وَالتَّقْصِيرِ عَنْ الْكِفَايَةِ فَلَا يُقَصِّرُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ " بِيضٍ " الْبَيَاضُ أَفْضَلُ أَلْوَانِ الْكَفَنِ اسْتِنَانًا بِكَفَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ أَشْهَبُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهُرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُكَفَّنَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فِي مُعَصْفَرٍ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ زِيَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِالْمُزَعْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْوَانَ إنَّمَا هِيَ لِلْجَمَالِ وَلَيْسَ الْكَفَنُ بِمَوْضِعِ تَجَمُّلٍ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي زِيَادٍ أَنَّ مَا جَازَ مِنْ اللِّبَاسِ حَالَ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ فِيهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ كَالْأَبْيَضِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ سُحُولِيَّةٍ ابْنُ بِكِيرٍ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى سُحُولٍ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْقُطْنِ؛ لِأَنَّ السُّحُولَ ثِيَابُ الْقُطْنِ وَالْأَمْرَانِ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ثِيَابَ الْيَمَنِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْقُطْنِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ السُّحُولُ قُطْنٌ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ اسْتِنَانًا فِي الْقُطْنِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَتَّانُ يَجْرِي مَجْرَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَمِمَّا يُلْبَسُ غَالِبًا لِغَيْرِ مَعْنَى الْمُبَاهَاةِ، وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَإِنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَرِيرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالْجَمَالِ وَلَيْسَ الْكَفَنُ بِمَوْضِعِ مُبَاهَاةٍ وَلَا تَجَمُّلٍ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا مِنْ لِبَاسِهَا الْمُبَاحِ لَهَا كَالْقُطْنِ وَكُرِهَتْ الْمُغَالَاةُ فِي الْكَفَنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُبَاهَاةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْكَفَنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي كَفَنِهِ جُمْلَةُ قَمِيصٍ وَلَا عِمَامَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ جَمِيعُ مَا كُفِّنَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَعْتَدَّ فِيهَا بِقَمِيصِ وَلَا عِمَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا كُفِّنَ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَيِّتَ يُقَمَّصُ وَيُعَمَّمُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُقَمَّصَ وَلَا يُعَمَّمَ وَنَحَا بِهِ نَحْوَ الْمَنْعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الْكَفَنِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَمِئْزَرٌ وَثَوْبَانِ يُدْرَجُ فِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الْمِئْزَرُ إلَى الثَّوْبَيْنِ فِي الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مُشْتَقٌّ أَوْ زَعْفَرَانٌ فَاغْسِلُوهُ، ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَمَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا هَذَا لِلْمُهْلَةِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ الْمَيِّتُ يُقَمَّصُ وَيُؤَزَّرُ وَيُلَفُّ بِالثَّوْبِ الثَّالِثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ فِيهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِنْسِهِمَا وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ مِئْزَرٌ وَثَوْبَانِ وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ وَالزِّيَادَةُ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ عَلَى الْخَمْسَةِ إلَى السَّبْعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لِحَاجَةٍ مَا إلَى السَّتْرِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُدْرَجُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ إدْرَاجًا وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ مِئْزَرًا وَخِمَارًا لِحَاجَةٍ مَا إلَى السَّتْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَعِمَامَةُ الْمَيِّتِ عَلَى حَسَبِ عِمَامَةِ الْحَيِّ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ يُجْعَلُ مِنْهَا تَحْتَ لِحْيَتِهِ وَيُتْرَكُ مِنْهَا قَدْرَ الذِّرَاعِ ذُؤَابَةٌ تُطْرَحُ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ مِنْ خِمَارِ الْمَيِّتَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعِمَامَةِ لِلرِّجَالِ. (ش) : سُؤَالُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَائِشَةَ لَمَّا كَانَتْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي يَوْمِهَا وَفِي بَيْتِهَا وَوَلِيَتْ أَمْرَهُ وَاهْتَبَلَتْ بِهِ فَكَانَ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَيْهَا وَسَأَلَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَرَضِهِ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ وَلْتَنْظُرْ فِي كَفَنِهِ وَأَمْرِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ لِثَوْبٍ عَلَيْهِ وَصِيَّةٌ مِنْهُ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ لَبِيسٍ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْكَفَنِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّكْفِينِ فِي خَلَقَ الثِّيَابِ إذَا كَانَتْ لَهَا لَمَّةٌ مِنْ الْقَطْعِ وَسَاتِرَةً لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَبِسَهُ فِي مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحْرَمَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ مِثْلَ هَذَا مُسْتَحَبٌّ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى حِقْوَهُ أُمَّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَأَمَرَهَا أَنْ تُشْعِرَهُ ابْنَتَهُ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي كَفَنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ إذَا وَافَقَ سُنَّةً وَصَوَابًا فَإِنْ أَوْصَى بِسَرَفٍ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُكَفَّنُ مِنْهُ بِالْقَصْدِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا تَعَدَّتْ إلَى مَا نُهِيَ اُقْتُصِرَ مِنْهَا عَلَى الْمُبَاحِ الْجَائِزِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ وَتَشَاحَّ الْوَرَثَةُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَلْبَسُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا وَالنَّقْصَ مِنْهَا خُرُوجٌ بِهِ عَنْ عَادَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاغْسِلُوهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ عَلِمَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَإِنَّ الثَّوْبَ اللَّبِيسَ لَا يَقْتَضِي لُبْسُهُ وُجُوبَ غَسْلِهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَرُبَّمَا كَانَ الْجَدِيدُ أَحَقَّ بِالْغَسْلِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِالْغَسْلِ لِلْحُمْرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَمَا هَذَا تُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ لَمْ يَصْلُحْ عِنْدَهَا لِكَفَنِهِ وَأَرَادَتْ أَنْ يُكَفَّنَ فِي جَدِيدٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَفْضَلُ، فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ لِمَا يَلْزَمُهُ فِي طُولِ عُمْرِهِ مِنْ اللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَإِنَّ تَغَيُّرَهُ سَرِيعٌ وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ يُرِيدُ الصَّدِيدَ وَالْقَيْحَ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِتَجَمُّلٍ وَلَا لِاسْتِدَامَةٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ عَنْ قَرِيبٍ إلَى التَّغَيُّرِ بِالصَّدِيدِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ جَدِيدًا هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى لِلْمُهْلَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُرْوَى لِلْمُهْلِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ لَا يُقَالُ الْمِهْلَةُ بِالْكَسْرِ وَرَوَاهُ ابْنُ عُبَيْدٍ، وَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ وَالتُّرَابِ وَالْمَهْلُ الصَّدِيدُ. (ش) : قَوْلُهُ يُقَمَّصُ يُرِيدُ يُلْبَسُ الْقَمِيصَ وَيُشَدُّ عَلَيْهِ الْمِئْزَرُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْقَمِيصِ وَالْمِئْزَرِ، وَقَوْلُهُ وَيُلَفُّ فِي الثَّوْبِ الثَّالِثِ يَقْتَضِي أَنَّ كَفَنَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَأَنَّ الثَّالِثَ مِنْهَا يُلَفُّ بِهِ.

[المشي أمام الجنازة]

الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ النَّاسَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فِي جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ لِمَنْ وَجَدَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا اجْتَزَأَ بِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ وَخَلَقُ نَمِرَةٍ وَرَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ. [الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ] (ش) : قَوْلُهُ «كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ الْمَشْيُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَيُسْتَدَامُ وَيُوَاظَبُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ بَعْدِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَوْلٍ لَأَحَدٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ مَشْرُوعَةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّ السُّنَّةَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ مَعَانِيَ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ مِنْهَا أَنَّ النَّاسَ شُفَعَاءُ لَهُ وَالشَّفِيعُ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ الْمَشْفُوعِ وَهَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَمْشِينَ مِنْ وَرَاءِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهُنَّ قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الِانْصِرَافِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْه ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْيَ مَعَ الْجِنَازَةِ فِعْلُ بِرٍّ وَمَوْضِعُ تَوَاضُعٍ، وَمَشْيٌ إلَى صَلَاةٍ كَالْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالرُّجُوعِ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوبُ فِيهِ مُطْلَقٌ كَالرُّكُوبِ لِلْمُنْصَرِفِ مِنْ الْجُمُعَةِ (فَرْعٌ) فَإِنْ رَكِبَ إلَى الْجِنَازَةِ فَحُكْمُهُ أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي مَسِيرِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمَاشِيَ مَنْ عَلَى السُّنَّةِ فَيُظْهِرَ مُخَالَفَتَهُ وَأَذِيَّتَهُ بِدَابَّتِهِ فَكَانَ مَوْضِعُ سَيْرِهِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَأَمَامَ النِّسَاءِ لِيَسْتَتِرْنَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ النَّاسَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ وَزَادَ فِي هَذَا أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا كَانَ يَأْمُرُ بِهِ وَيَأْخُذُ النَّاسَ بِالْتِزَامِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا أَحَدٌ إلَّا لِعُذْرٍ، ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ إنْكَارٌ مِنْ أَحَدٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَبِي قَطُّ فِي جِنَازَةٍ إلَّا أَمَامَهَا قَالَ ثُمَّ يَأْتِي الْبَقِيعَ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ) . (ش) : قَوْلُهُ مَا رَأَيْت أَبِي قَطُّ فِي جِنَازَةٍ إلَّا أَمَامَهَا يَقْتَضِي مُدَاوَمَةَ عُرْوَةَ عَلَى ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبَرَ هِشَامٌ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ فِي جِنَازَةٍ إلَّا أَمَامَهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ ذَلِكَ وَقَصْدِهِ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْبَقِيعَ يُرِيدُ مَقْبَرَةَ الْمَدِينَةِ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ عَلَى طَرِيقِهِمْ إلَى الْقَبْرِ إذْ كَانَ يَتَقَدَّمُهُمْ لِسُرْعَةِ سَيْرِهِ وَإِبْطَائِهِمْ وَسُرْعَةُ السَّيْرِ بِالْجِنَازَةِ مُسْتَحَبٌّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ يَجْلِسُ

[النهي عن تتبع الجنازة بنار]

(ص) :. (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْيُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَطَأِ السُّنَّةِ) . . النَّهْيُ عَنْ تَتَبُّعِ الْجِنَازَةِ بِنَارٍ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِأَهْلِهَا أَجْمِرُوا ثِيَابِي إذَا مِتَّ، ثُمَّ حَنِّطُونِي وَلَا تَذُرُّوا عَلَى كَفَنِي حِنَاطًا وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْضِعِ الْقَبْرِ لَقَالَ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَلْحَقُوا بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْعُ مِنْ الْجُلُوسِ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ» ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَعَدَ» (ص) :. (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْيُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَطَأِ السُّنَّةِ) . ش قَوْلُهُ مِنْ خَطَإِ السُّنَّةِ السُّنَّةُ مَا رُسِمَ لِيُجْرَى عَلَيْهِ وَلَا يُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ إلَّا عَلَى جَوَابِ الْفِعْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ مُخَالِفَةِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ قَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَخَالَفَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ خَطَأِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ قَدْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ. [النَّهْيُ عَنْ تَتَبُّعِ الْجِنَازَةِ بِنَارٍ] (ش) : قَوْلُهَا أَجْمِرُوا ثِيَابِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ بِالسُّنَّةِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِبُلُوغِهَا وَالتَّحْذِيرِ مِنْ التَّقْصِيرِ عَنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ قَدْ عَلِمَ جَوَازَ ذَلِكَ وَجَوَازَ غَيْرِهِ وَتُرِيدُ بِقَوْلِهَا أَجْمِرُوا ثِيَابِي تَجْمِيرَهَا بِالْعُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَبَخَّرُ بِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ يَحْتَاجُ إلَى تَطْيِيبِ رِيحِهِ وَرِيحِ كَفَنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إكْرَامِهِ وَصِيَانَتِهِ لِئَلَّا تَظْهَرَ مِنْهُ رِيحٌ مَكْرُوهَةٌ وَلِذَلِكَ شُرِعَ فِي غُسْلِهِ الْكَافُورُ لِيُطَيِّبَ رِيحَهُ وَلِتَخْفَى رِيحٌ كَرِيهَةٌ إنْ كَانَتْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا، ثُمَّ حَنِّطُونِي الْحَنُوطُ مَا يُجْعَلُ فِي جَسَدِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَكُلِّ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ رِيحُهُ دُونَ لَوْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرَّائِحَةِ دُونَ التَّجَمُّلِ بِاللَّوْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَوْضِعُ الْحَنُوطِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ جُعِلَ الْحَنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ فَوَاسِعٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُجْعَلُ الْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ وَوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَيُجْعَلُ فِي مَسَامِّهِ وَعَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَأُذُنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَعَلَى الْقُطْنِ الَّذِي يَجْعَلُهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَيُجْعَلُ بَيْنَ أَكْفَانِهِ كُلِّهَا وَلَا يُجْعَلُ عَلَى ظَاهِرِ كَفَنِهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَنُوطَ يُجْعَلُ مِنْ أَعْضَائِهِ فِيمَا يُكَرَّمُ وَهُوَ مَوَاضِعُ السُّجُودِ وَفِيمَا تُيُقِّنَ مِنْهُ خُرُوجُ أَذًى وَهُوَ جَمِيعُ مَسَامِّهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعَ قُطْنٍ لِيَمْنَعَ مَا تُيُقِّنَ خُرُوجُهُ مِنْ الْأَذَى وَلِيَرُدَّ رِيحُ الْحَنُوطِ مَا تُيُقِّنَ مِنْ رِيحٍ مَكْرُوهَةٍ وَلَا يُجْعَلُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَفَنِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَنُوطَ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنَى الرِّيحِ لَا لِلَّوْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُفْعَلُ هَذَا بِكُلِّ مَنْ يُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ الطِّيبَ وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِالْمَوْتِ كَالطَّوَافِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَاتَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُجْمِرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّنَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى أَنْ نَعْلَمَ نَحْنُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمَ بِمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِهِ وَلَوْ كَانَ حُكْمًا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ لَعَلَّلَهُ بِمَا لَنَا طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِلتَّفَاؤُلِ بِالنَّارِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَشُرِعَتْ مُخَالَفَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ مَقْصُودٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الظُّهُورِ وَالتَّعَالِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

[التكبير على الجنازة]

أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتْبَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَارٍ قَالَ يَحْيَى سَمِعَتْ مَالِكًا يَكْرَهُ ذَلِكَ) . التَّكْبِيرُ عَلَى الْجِنَازَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ نَهَى أَنْ يُتْبَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَارٍ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْهَى فَاعِلِيهِ وَيُوصِيهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي أَمْرِهِ وَغُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِ. [التَّكْبِيرُ عَلَى الْجِنَازَةِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ» يُرِيدُ أَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ «أَخْبَرَ بِقَتْلِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ» وَهَذَا النَّعْيُ غَيْرُ مَحْظُورٍ فَأَمَّا النَّعْيُ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ الصِّيَاحُ وَالضَّجِيجُ فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ وَلِذَلِكَ كَرِهَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ تُدَارَ بِالْجَنَائِزِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّعْيِ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ الْإِنْذَارُ بِالْجَنَائِزِ مِنْ النَّعْيِ وَالنَّعْيُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا النَّجَاشِيِّ فَمَلِكُ الْحَبَشَةِ وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ وَكَانَ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَ الْإِيمَانَ بِهِ عَمَّنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَعَ عَنْهُمْ وَآوَاهُمْ وَأَسَرَّ إيمَانَهُ لِمُخَالَفَةِ جَمِيعِ الْحَبَشَةِ لَهُ فَلَمَّا مَاتَ نَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِمَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. . [اتِّخَاذ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَهُمْ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى» يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَهُمْ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ: أَحَدُهُمَا - فِي صِفَةِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَالثَّانِي - فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَازِمَةٌ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَوَانِعُ نُبَيِّنُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَاتِهِ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ إنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ» وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ يُفْعَلُ مُفْرَدًا لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاةٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَصْلُ ذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَهِيَ فَرْضٌ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتٍ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُ إذَا صَلَّى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ أُدِّيَ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَسَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ سَائِرِهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَأَمَّا الْعَامُّ فَلِمَعْنًى فِي الْمَيِّتِ وَيَكُونُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فَضِيلَةٌ فِي الْمَيِّتِ وَنَقِيصَةٌ فَأَمَّا الْفَضِيلَةُ فَإِنَّهَا الشَّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُسْقِطُ فَرْضَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُغَسَّلُ وَلَكِنْ لَا يُعَرَّى مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَمْنَعُ فَرْضَ الْغُسْلِ فَمَنْعُ فَرْضِ الصَّلَاةِ كَعَدَمِ الِاسْتِهْلَالِ فِي السَّقْطِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّقْصُ فَالْكُفْرُ وَعَدَمُ الِاسْتِهْلَالِ فِي السَّقْطِ فَأَمَّا

[الباب الثاني في صفة الصلاة على الميت]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفْرُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] ، وَأَمَّا الِاسْتِهْلَالُ فَإِنَّ بِهِ تُعْرَفُ الْحَيَاةُ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ حَيَّاتُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا مُسْتَوْعَبًا فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَإِنْ كَانَ مُقَطَّعًا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ أَكْثَرَ الْبَدَنِ يُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ مُجْتَمِعًا كَانَ أَوْ مُقَطَّعًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ مُجْتَمِعًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَطَّعًا لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ تَقْطِيعَهُ لَا يُبْطِلُ حُرْمَتَهُ وَلَا يُسْقِطُ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ تَقْطِيعَهُ مَنَعَ غُسْلَهُ، وَإِذَا مُنِعَ غُسْلُهُ يَبْطُلُ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَالشَّهِيدِ، وَلِأَنَّ فِي غُسْلِهِ انْتِهَاكَ الْحُرْمَةِ وَمُتَابَعَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّمْثِيلِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا رَأْسٌ أَوْ رِجْلٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ أَكْثَرُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُنْوَى بِهِ الْجُمْلَةُ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ فَإِذَا غَابَ الْأَكْثَرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَغِيبِ جَمِيعِهِ وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَائِبٍ وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا - تَجْوِيزُ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ الْبَعْضُ لَزِمَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إفْرَادُهُ بِالصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) أَمَّا صِفَتُهَا فَأَنْ يُكَبِّرَ فِيهَا أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ عَلَى حَسَبِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُكَبِّرُ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٌ: يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ وَلَا يَتْبَعُهُ وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ يَسْكُتُ وَلَا يُكَبِّرُ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ مَعَهُ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ. فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا أَصْلٌ قَدْ صَارَ شِعَارًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ فَيَجِبُ إظْهَارُ الْخِلَافِ عَلَيْهِمْ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ كَثِيرٌ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالسُّنَّةِ، وَالْخَطَأُ إنَّمَا هُوَ مِنْهُ فِي زِيَادَةِ التَّكْبِيرِ فَلَا يَتْبَعُهُ فِيهَا وَزِيَادَةُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَيَقُومُ حَتَّى يُسَلِّمَ بِسَلَامِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُصَلَّى مَعَهُ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ كَبَّرَ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى بُطْلَانِ الْخَامِسَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَقِفُ الْإِمَامُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لِلدُّعَاءِ؟ (قَالَ) سَحْنُونٌ: يَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَيَدْعُو كَمَا يَدْعُو بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ. وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِهِ: لَا يَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَيُسَلِّمُ بِأَثَرِهَا. وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ التَّكْبِيرَةُ الْآخِرَةُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَكَانَ الدُّعَاءُ مَشْرُوعًا بَعْدَهَا أَصْلُ ذَلِكَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الدُّعَاءَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِهَا فَلَوْ دَعَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَاحْتَاجَ إلَى تَكْبِيرَةٍ تَفْصِلُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالسَّلَامِ كَمَا يَفْصِلُ الرُّكُوعُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْلِيمِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ لَا يَرْفَعُ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَى، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَرْفَعُ فِي الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرِ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ مَا أَدْرَكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَخَذَ فِي الْقَضَاءِ فَهَلْ يُوَالِي التَّكْبِيرَ أَوْ يَدْعُو بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَدْعُو بَيْنَ التَّكْبِيرِ إنْ لَمْ يَخَفْ رَفْعَ الْجِنَازَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَإِنْ خَافَ الرَّفْعَ وَالَى التَّكْبِيرِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُكَبِّرُ مَا سَبَقَهُ بِهِ الْإِمَامُ تِبَاعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ خَوْفَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا وَجْهُ مَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مَقْصُودُهَا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَإِذَا خَافَ الْفَوَاتَ وَالَى التَّكْبِيرَ لِئَلَّا يُصَلِّي عَلَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرَضِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُ الْمَسَاكِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا فَخَرَجَ بِجِنَازَتِهَا لَيْلًا فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخْبِرَ بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا فَقَالَ أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَك لَيْلًا وَنُوقِظَك فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنَازَةِ بَعْدَ رَفْعِهَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ حَمَلْنَاهَا عَلَى الْخِلَافِ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ هِيَ التَّكْبِيرُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ حَمَلَ عَنْهُ الدُّعَاءَ حِينَ لَمْ يُدْرِكْ مَحِلَّهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَاهَلَ فِي الدُّعَاءِ وَحْدَهُ كَانَ مُصَلَّيَا عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَاةً مُفْرَدَةً بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " فَصَفَّ بِهِمْ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ سُنَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الصَّفُّ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيَتَقَدَّمُهُمْ إمَامُهُمْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةُ كُلِّ صَلَاةٍ شُرِعَ الصَّفُّ لَهَا وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الصَّلَاةِ وَصَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَثُلَ لَهُ فَرَآهُ دُونَ أَنْ يَرَاهُ غَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَازَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ عَلِمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْتِ مَوْتِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ «نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاسِ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ غَابَ عَنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ أَوْ قُتِلَ وَلَمْ يُتَمَكَّنُ مِنْ غُسْلِهِ أَوْ أَكَلَهُ السَّبُعُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّجَاشِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ إنَّمَا شُرِعَتْ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا بَعُدَ مَوْتُهُ أَوْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا لَا يُصَلَّى الْيَوْمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مِمَّنْ قُتِلَ ظُلْمًا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ أَوْ مِمَّنْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ عُرِفَ أَمَرَهُ وَعُويِنَ غَرَقُهُ أَوْ أَكْلُ السَّبُعِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرَضِهَا» دَلِيلٌ عَلَى اهْتِبَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْبَارِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتَفَقُّدِهِ لَهُمْ وَلِذَلِكَ كَانَ يُخْبَرُ بِمَرْضَاهُمْ، وَقَدْ أُخْبِرَ أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إخْبَارٌ عَنْ كَرِيمِ خُلُقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَاضُعِهِ وَاهْتِبَالِهِ بِالضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَعِيَادَتِهِ لَهُمْ وَتَأْنِيسِهِ إيَّاهُمْ وَرِفْقِهِ بِهِمْ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤْذَنَ بِهَا إذَا مَاتَتْ لِئَلَّا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهَا وَلِيُشَاهِدْ جِنَازَتَهَا وَيُصَلِّي عَلَيْهَا وَلِيَسْتَغْفِرَ لَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا مِنْ الْحَقِّ فِي دُعَائِهِ وَبَرَكَتِهِ كَحَقِّ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَخَرَجَ لِجِنَازَتِهَا لَيْلًا» الْخُرُوجُ بِالْجِنَازَةِ مِنْ اللَّيْلِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَرْكَ ذَلِكَ إلَى النَّهَارِ لِيَحْضُرَهَا مَنْ أَمْكَنَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ مَشَقَّةٍ وَلَا تَكَلُّفِ خُرُوجٍ بِاللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» تَعْظِيمًا مِنْهُمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِجْلَالًا لَهُ وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُوقِظُوهُ فِي وَقْتِ رَاحَتِهِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُوقَظُ مِنْ نَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدْرُونَ مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَعْجِيلُهُمْ بِالْجَنَائِزِ وَظَنُّوا أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ آكَدُ مِنْ أَمْرِهِ بِأَنْ يُؤْذِنُوهُ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُمْشَى بِالْجِنَازَةِ الْهُوَيْنَى وَلَكِنْ مِشْيَةَ الرَّجُلِ الشَّابِّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَرِّ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَحْرِ فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُرْجَ الْبَرُّ قَبْلَ التَّغَيُّرِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَرُمِيَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي» تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَمْرِهِ إيَّاهُمْ وَنَهْيًا لَهُمْ عَنْ اسْتِدَامَةِ مِثْلِ هَذَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ أَمْرَهُ لَهُمْ بِذَلِكَ كَانَ مُؤَكَّدًا وَأَنَّ اهْتِبَالَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ شَدِيدٌ فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ بِأَنَّ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْإِشْفَاقُ مِنْ إخْرَاجِهِ فِي اللَّيْلِ وَإِيقَاظِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ إلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا حَتَّى صَفَّ النَّاسَ عَلَى قَبْرِهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الصُّفُوفَ عَلَى الْجِنَازَةِ مَسْنُونَةٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ جَمَاعَةٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ النِّسَاءُ فَقَطْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلِّينَ أَفْذَاذًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ فَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِيهَا إمَامًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ أَشْهَبُ تَؤُمُّهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ فِي إمَامَةِ الْمَرْأَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَصَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» بَيَّنَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا غَيْرِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا إنْ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا يُصَلِّ عَلَى قَبْرِهِ وَلْيَدْعُ لَهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا أَجْعَلُهُ ذَرِيعَةً إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْقُبُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَفُتْ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَجِبُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّر مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَالْغُسْلِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَالشَّافِعِيِّ تَعَلُّقُهَا بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ امْتِثَالُهُ لَمَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ صَلَاتَهُ عَلَى الْقُبُورِ بِمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ فِيهِ كَحُكْمِهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مُمْتَلِئَةٌ ظُلْمَةً، وَاَللَّهُ يُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَالْوَلِيُّ فِيهَا فَإِذَا صَلَّى غَيْرُهُ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ دَفَنَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ إنْ مَاتَتْ فَلَا تَدْفِنُوهَا حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمُوتَنَّ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي لَهُ رَحْمَةٌ» رَوَى ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ فَلَمَّا كَانَ قَدْ نَهَى أَنْ تُدْفَنَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُمْ دُونَهُ تُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّنَا لَا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرٍ بِوَجْهٍ فَيُحْتَجُّ عَلَيْنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ، وَإِنَّمَا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى مَنْ دُفِنَ فِيهِ وَلَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهَا إلَّا وَلَنَا أَنْ نَقُولَ لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا، وَإِذَا تَسَاوَى الدَّعْوَتَانِ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ «لَمَّا دُفِنَ الرَّجُلُ لَيْلًا نَهَى النَّبِيُّ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يُدْرِكُ بَعْضَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَيَفُوتُهُ بَعْضُهُ فَقَالَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْفَنَ أَحَدٌ لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَلَوْ دُفِنَ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَمَّا نَهَى أَنْ يُدْفَنَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا كُفِّنَ وَغُسِّلَ لَمْ يُؤَخَّرْ عَنْ أَنْ يُدْفَنَ حَتَّى يُكَفَّنَ وَيُغَسَّلَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا قَصَدَ فِي كَفَنِهِ قَالَ «مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ لَهُمْ الْإِمَامُ إنِّي لَمْ أَدْعُ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ وَنَسِيَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ وَذَكَرَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ رَفْعِهَا أُعِيدَتْ وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ التَّكْبِيرِ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ فَإِنْ دُفِنَتْ تُرِكَتْ وَلَمْ تُكْشَفْ وَلَمْ تُعَدْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَذُكِرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَحْوُهُ فَأَمَّا إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِالْقُرْبِ وَابْتِدَاؤُهَا إذَا تَطَاوَلَ فَوَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى تَقَدُّمٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرُهُ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بِوَجْهٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إذَا لَمْ تَكْمُلْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ أَنْ تَفُوتَ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَفُوتُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ تَفُوتُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ خَارِجَ الْقَبْرِ بِأَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَيُخْرَجُ، وَإِنْ وُضِعَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ مَا لَمْ يُهَلْ التُّرَابُ عَلَيْهِ، وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا سُوِّيَ التُّرَابُ فَقَدْ فَاتَ إخْرَاجُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَفُوتُ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ وَأَنْ يُخْرَجَ مَا لَمْ يُخَفْ التَّغْيِيرُ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّ وَضْعَ اللَّبِنِ هُوَ مِنْ بُنَيَّانِ دَاخِلِ الْقَبْرِ، وَأَمَّا إهَالَةُ التُّرَابِ فَهُوَ الشُّرُوعُ فِي الدَّفْنِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ بِالدَّفْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ الدَّفْنِ تَسْوِيَةُ التُّرَابِ وَبِهِ يَقَعُ الْفَرَاغُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلتُّرَابِ وَتَسْوِيَتِهِ إذْ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي إزَالَتِهِ وَلَا هَتْكَ فِي ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ مَا لَمْ يُخَفْ التَّغْيِيرُ عَلَيْهِ فَإِنْ خِيفَ التَّغْيِيرُ عَلَيْهِ امْتَنَعَ إخْرَاجُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ. (ش) : التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ هِيَ أَرْكَانُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَبِهَا شَبَّهَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ كَأَطْوَلِ صَلَاةِ الْفَرْضِ فَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ فَلَا يَخْلُوَ أَنْ يَجِدَهُ فِي حَالِ تَكْبِيرٍ أَوْ فِي حَالِ دُعَاءٍ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي حَالِ تَكْبِيرٍ كَبَّرَ مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي حَالِ دُعَاءٍ فَهَلْ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُكَبِّرُ وَيَشْرَعُ فِي الدُّعَاءِ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ أُخْرَى فَيُكَبِّرَ مَعَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ شُبِّهَتْ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَنْ فَاتَهُ فِي الْفَرْضِ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدَهُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَشْرَعَ فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ كَالرُّكُوعِ فِي غَيْرِهَا فَمَنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ لَمْ يُقَدِّمْهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ كَانَ يُؤَخِّرُ قَضَاءَهَا حَتَّى يُكَمِّلَ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ هَذَا يَبْدَأُ بِمَا أَدْرَكَ مِنْ التَّكْبِيرِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا بُنِيَ عَلَى فَوَاتِ اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ فَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ مَا لَمْ تَكْمُلْ التَّكْبِيرَةُ الَّتِي تَلِيهَا وَعَلَى رِوَايَةِ عَلِيٍّ يَفُوتُ اتِّبَاعُهُ بِالشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ فَإِنْ شَرَعَ فِي الدُّعَاءِ فَقَدْ فَاتَهُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهَا مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ انْتِظَارُ الْإِمَامِ حَتَّى يُكَبِّرَ فَيَتْبَعُهُ فِي تَكْبِيرَتِهِ تِلْكَ إذْ قَدْ فَاتَهُ اتِّبَاعُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِالشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا تَمَّ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ

[ما يقول المصلي على الجنازة]

مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْف نُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا لَعَمْرُ اللَّهِ أُخْبِرُك اتَّبِعْهَا عَنْ أَهْلِهَا فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْت وَحَمِدْت اللَّهَ وَصَلَّيْت عَلَى نَبِيِّهِ، ثُمَّ أَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ فَسَمِعْته يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ) . الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُوُفِّيَتْ وَطَارِقٌ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَأُتِيَ بِجِنَازَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوُضِعَتْ بِالْبَقِيعِ قَالَ وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ فَسَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ لِأَهْلِهَا إمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جِنَازَتِكُمْ الْآنَ وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاةٌ فَإِذَا فَاتَ الْمَأْمُومَ بَعْضُ أَرْكَانِهَا قَضَاهُ بَعْدَ تَمَامِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ كَصَلَاةِ الْفَرِيضَةِ. [مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ] (ش) : سُؤَالُهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ اسْتِخْبَارٌ عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خَاصَّةً وَجَاوَبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ أَهْلِهَا فَعَمَلُهُ بِذَلِكَ إذَا تَبِعَهَا مَشْرُوعٌ وَقَوْلُهُ فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْت يُرِيدُ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّصِلَةٌ بِالْوُصُولِ وَالْوَضْعِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَتَلَوَّى لِلنَّاسِ الْوَارِدِينَ شَيْئًا يَسِيرًا. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَحَمِدْت اللَّهَ وَصَلَّيْت عَلَى نَبِيِّهِ إعْلَامٌ بِأَنَّ اسْتِفْتَاحَ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نُطْقٌ مُعَيَّنٌ لَا يَحْدُثُ غَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا دَعَا بِهِ. (ش) : قَوْلُهُ صَلَّى عَلَى صَبِيٍّ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ قُرْبَةٌ لَهُ وَرَغْبَةٌ فِي إلْحَاقِهِ بِصَالِحِ السَّلَفِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ اعْتَقَدَهُ لِشَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ عَامٌّ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَأَنَّ الْفِتْنَةَ فِيهِ لَا تَسْقُطُ عَنْ الصَّغِيرِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ لَهُ اُنْظُرْ إلَى مَقْعَدِك مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْت أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْت وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ» . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ خَاصَّةً وَيَدْعُو فِي سَائِرِهَا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَقَالَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ. [الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ] (ش) : قَوْلُهُ أُتِيَ بِجِنَازَتِهَا يَعْنِي أُتِيَ بِهَا إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَقَدْ

[الصلاة على الجنائز في المسجد]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا) . الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضِرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ مَاتَ لِتَدْعُوَ لَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّى طَارِقٌ الصُّبْحَ وَهَذَا قَبْلَ الْإِسْفَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُغَلِّسُ بِصَلَاتِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَهْلِهَا إمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جِنَازَتِكُمْ الْآنَ يُرِيدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَتَجُوزَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَيَخْرُجَ وَقْتُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَنْعِ عِنْدَهُ هُوَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْفَارِ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَتَجُوزُ النَّوَافِلُ وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ: أَحَدُهُمَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا بَعْدَ الصُّبْحِ. وَالثَّانِيَةُ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ فَلَمْ يُمْنَعُ فِعْلُهَا قَبْلَ الْإِسْفَارِ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ فَتُصَلُّوا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَوَاتِ فِي الْجُمْلَةِ مَمْنُوعَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِعْلُ صَلَاةِ الْوَقْتِ فِيهَا خَوْفَ فَوَاتِ وَقْتِهَا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ لَا يُخَافُ فَوَاتُ وَقْتِهَا وَلَوْ خِيفَ فَوَاتُ وَقْتِهَا بِالضَّرُورَةِ إلَى الدَّفْنِ خَوْفَ تَغَيُّرِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَجَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَغَيْرَهُ خَوْفَ الْفَوَاتِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا) . (ش) : قَوْلُهُ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ يُرِيدُ بَعْدَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقَوْلُهُ إذَا صُلِّيَتَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إذَا صُلِّيَتْ الصَّلَاتَانِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ لِوَقْتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُصَلَّى الصَّلَاتَانِ فِي آخِرِ وَقْتِهِمَا وَلَا يُصَلَّى بَعْدَهُمَا عَلَى الْجِنَازَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إذَا صُلِّيَتَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِمَا وَهُوَ تَكَلُّفٌ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِوَقْتِهِمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لِوَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لَهُمَا فِي الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَفِي الصُّبْحِ إلَى الْإِسْفَارِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ يُصَلَّى عَلَيْهَا إلَّا عِنْدَمَا تَهُمُّ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ وَعِنْدَمَا تَهُمُّ أَنْ تَغْرُبَ وَيَصْفَرُّ أَثَرُهَا فِي الْأَرْضِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ هَذَا فِي الصُّبْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِلصُّبْحِ جَمِيعُ وَقْتِهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ لَهَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ وَهُوَ مِنْ الْإِسْفَارِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ إذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتِهِمَا لِوَقْتِ صَلَاتَيْ الْجِنَازَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَبْدَأُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ وَذَلِكَ لِضِيقِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ لِفَضِيلَةِ تَقَدُّمِهَا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَيْسَ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ أَخُصَّ بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ وَجَدَ سَعَةً وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْمَسْجِدِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَنْ يُمَرَّ عَلَيْهَا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ يُرِيدُ أَنَّ حُجْرَتَهَا كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ يُمَرَّ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِتَصِلَ هِيَ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ تَدْعُو إلَى الْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ وَتَمْنَعُ تَأْخِيرَ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَحُثُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلِذَلِكَ يُسْعَى إلَى الْجَنَائِزِ وَلَا يَجْتَزِئُ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا وَالدُّعَاءَ لَهَا بِمَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ فِي مَنْزِلِهِ. (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُمَرَّ عَلَى حُجْرَتِهَا بِهِ لِتَدْعُوَ لَهُ لِامْتِنَاعِهَا هِيَ وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ) . جَامِعُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْخُرُوجِ مَعَ النَّاسِ إلَى جِنَازَتِهِ لِكَرَاهِيَةِ خُرُوجِهِنَّ إلَى الْجَنَائِزِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْجَنَائِزِ، وَإِنْ كُنَّ غَيْرَ نَوَائِحَ وَلَا بِوَاكِي فِي جِنَازَةِ الْخَاصِّ مِنْ قَرَابَتِهِنَّ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُوَسِّعُ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ مَعَ الْجَنَائِزِ وَجْهُ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَدْ كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ قَدِيمًا وَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا إلَّا فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَنْكَرِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْكَرَاهِيَةِ مَا رُوِيَ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ إبَاحَةُ الْخُرُوجِ لَهُنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ وَهَذَا خُرُوجٌ إلَى صَلَاةٍ سُنَّ لَهَا الْبَرَازَةُ كَالْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ وَمَنْ قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ فَلْتَخْرُجْ عَلَى الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَتْبَعُ جِنَازَةَ وَلَدِهَا وَوَالِدِهَا وَمِثْلِ زَوْجِهَا وَأُخْتِهَا مِمَّنْ يَخْرُجُ مِثْلُهَا عَلَى مِثْلِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرِيدُ بِذَلِكَ عِنْدِي قُرْبَ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ فَيُكْرَهُ أَنْ تَخْرُجَ الشَّابَّةُ لِجِنَازَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَبْسُوطِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّابَّةَ خُرُوجُهَا فِتْنَةٌ لَهَا وَلِغَيْرِهَا فَلَا تَخْرُجُ فِي الْمَحَافِلِ إلَّا فِي الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا لِتَدْعُوَ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ الدُّعَاءَ خَاصَّةً فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صَلَاةَ النِّسَاءِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلِّي النِّسَاءُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَهَا الرِّجَالُ فَصَحَّ أَنْ يَفْعَلَهَا النِّسَاءُ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهَا النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَيْهَا يُرِيدُ أَنْكَرُوا عَلَيْهَا إدْخَالَ الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِنَازَةُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي مَنْ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا لِضِيقِ الْمَوْضِعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ مَوْضِعًا يَخْتَصُّ بِهَا وَلَا يُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَجَازَ أَنْ تُفْعَلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَمَّا مَنْعُ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ فَإِنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْمَسْجِدِ وَامْتِهَانٌ لَهُ لِئَلَّا يَتَفَتَّقَ فَيَسِيلَ مِنْهُ مَا يُؤْذِي الْمَسْجِدَ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ طَاهِرٌ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ نَجِسٌ فَلَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِنَجَاسَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا مَا أَسْرَعَ النَّاسَ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ مَا أَسْرَعَهُمْ إلَى الْإِنْكَارِ وَالْعَيْبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ مَا أَسْرَعَ نِسْيَانَهُمْ لِحُكْمِ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَا أَسْرَعَ النَّاسَ تُرِيدُ إلَى الطَّعْنِ وَالْعَيْبِ قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ يَعْنِي مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوهُ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» تُرِيدُ بِذَلِكَ الْحُجَّةَ لِمَا أَنْكَرُوهُ وَيُحْتَمَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُصَلَّى وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجِنَازَةُ خَارِجُ الْمَسْجِدِ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ مَنْ أَنْكَرَ إدْخَالَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ تَمْضِي الصَّلَاةُ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ) (ش) : مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي

[جامع الصلاة على الجنائز]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQدُفِنَ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَهُ الْآنَ حُكْمُ الْمَقَابِرِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا كَانَ فِيهِ مَقْبَرَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى فِي مَوْضِعِ الْمَقَابِرِ مِنْهُ عَلَى الْمَيِّتِ. [جَامِعُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا لِلْإِمَارَةِ وَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا إمَّا لِصَلَاحِهِ وَخَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُ جِنَازَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْجِنَازَةُ يُصَلَّى عَلَيْهَا بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: الْوِلَايَةُ وَهِيَ الْإِمَارَةُ. وَالثَّانِي: الْوَلَاءُ وَالتَّعْصِيبُ. وَالثَّالِثُ: التَّعْصِيبُ وَالدِّينُ فَإِذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، مِثْلُ أَنْ يَمُوتَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ لَهُ وَلِيٌّ وَلَا يَحْضُرُ مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِصَلَاحٍ وَيَحْضُرُ الْوَالِي فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ يَحْضُرُهَا الْوَالِي فَكَانَ أَحَقَّ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهَا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَإِنْ حَضَرَهُ وَلِيٌّ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَالٍ وَلَا رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالصَّلَاحِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ مِنْ حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَمِنْ حُقُوقِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِالْقِيَامِ بِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ كَسَائِرِ أُمُورِهِ مِنْ مُوَارَاتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَهُ رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالصَّلَاحِ وَلَمْ يَحْضُرْهُ وَالٍ وَلَا وَلِيٌّ فَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَةِ دُعَائِهِ وَفَضْلِهِ وَصَلَاتِهِ لِلْمَيِّتِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَتُهُمْ فِي جِنَازَةٍ فَأَحَقُّهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْوَالِي وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ شَهِدْت حُسَيْنًا حِينَ مَاتَ الْحَسَنُ وَهُوَ يَدْفَعُ فِي قَفَا سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ يَقُولُ تَقْدَمَ فَلَوْلَا السُّنَّةُ مَا قَدَّمْنَاك وَسَعِيدٌ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ سُنَّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَكَانَ الْوَالِي أَحَقَّ بِإِمَامَتِهَا كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ الْوَالِي الَّذِي يَسْتَحِقُّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَيَكُونُ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْوَلِيِّ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مَنْ إلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ وَالٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ صَاحِبِ شُرْطَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ إنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي تُؤَدَّى إلَيْهِ الطَّاعَةُ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلْقَاضِي وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَتْ إلَيْهِ الصَّلَاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَالٍ فَأَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّقْدِيمِ الْوَلِيُّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تَصِحُّ إمَامَتُهُ وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِالتَّعْصِيبِ فَأَقْوَى عَصَبَتِهِ تَعْصِيبًا وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ أَحَقُّهُمْ بِذَلِكَ كَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا اجْتَمَعَ جِنَازَتَانِ فَأَكْثَرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلِيٌّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحَقَّهُمْ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُهُمْ، وَإِنْ كَانَ وَلِيَّ امْرَأَةٍ وَغَيْرُهُ وَلِيُّ رَجُلٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَحَقُّهُمْ وَلِيُّ الرَّجُلِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا قَدْ تَشَارَكَا فِي الْوِلَايَةِ لِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ بِسَبَبِ وَلِيِّهِ وَلِلْفَاضِلِ مَزِيَّةُ الْفَضْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ بِسَبَبِ وَلِيِّهِ الْمَيِّتِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الرَّجُلِ كَمَا يُقَدَّمُ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمَدِينَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ الْجَنَائِزَ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهَا صَلَاةً وَاحِدَةً تُجْزِئُ عَنْ أَفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِصَلَاةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَتَرَادُفُ الْجَنَائِزِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَأْتِيَ جِنَازَةٌ بَعْدَ أَنْ يُشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا فَهَذِهِ قَدْ فَاتَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ عَلَى الْأُولَى، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ عَلَى الثَّانِيَةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي:

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ يُسَلِّمُ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيه) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الْجِنَازَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) . (ص) : (مَالِكٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ أَنْ صَلَّى عَلَى وَلَدِ الزِّنَا وَأُمِّهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ تَأْتِيَ جِنَازَةٌ قَبْلَ أَنْ يُشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ جَمْعِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَجْعَلُونَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ هَذَا نَوْعٌ مِنْ تَرْتِيبِ الْجَنَائِزِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ أَنْ يُقَدَّمَ مُسْتَحَقُّ الْفَضِيلَةِ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ وَيُجْعَلُ غَيْرُهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ الْجِهَةُ الَّتِي تَبْعُدُ عَنْ الْإِمَامِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلُوا صَفًّا وَاحِدًا، وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ مُسْتَحَقُّ الْفَضِيلَةِ هَذَا الْإِمَامَ وَيُجْعَلُ غَيْرُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ رِجَالٍ وَصِبْيَانٍ وَنِسَاءٍ وَأَحْرَارٍ وَعَبِيدٍ فَإِنَّهُ يَلِي الْإِمَامَ الْأَحْرَارُ مِنْ الرِّجَالِ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ الْأَحْرَارُ، ثُمَّ الرِّجَالُ الْعَبِيدُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ ثُمَّ إنَاثُ الصِّبْيَانِ، ثُمَّ إمَاءُ النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَكَذَا قَالَ لِي مَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَضَائِلَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي النَّاسِ بِالْأَحْوَالِ وَالتَّقَدُّمِ هِيَ الذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ كَمَا أَنَّ النَّقَائِصَ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ الْأُنُوثَةُ وَالصِّغَرُ وَالرِّقُّ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مَنْ كَمُلَتْ لَهُ الْفَضَائِلُ وَسَلِمَ مِنْ النَّقَائِصِ وَهُوَ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْبَالِغُ وَالْأُنُوثَةُ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا مِنْ الصِّغَرِ وَالْعُبُودِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَزُولَانِ وَالْأُنُوثَةُ مَعْنًى ثَابِتٌ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ الصَّغِيرُ وَالْعَبْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَقُدِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ حَالًا؛ لِأَنَّ رُتْبَتَهُ مِنْ صِغَرِهِ رُتْبَةُ الْحُرِّ الْبَالِغِ، وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ زَوَالِ هَذَا النَّقْصِ وَبُلُوغِ حَالِ الْكَمَالِ، وَالْعَبْدُ يُسْتَطَاعُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى حَسَبِ هَذَا يَتَوَجَّهُ تَرْتِيبُ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُسَلِّمُ سَلَامَ التَّحْلِيلِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَ لَهَا تَكْبِيرٌ يَدْخُلُ بِهِ فِيهَا فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا بِتَسْلِيمٍ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيه يُرِيدُ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ مِنْ الْمُصَلَّيْنَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذْنٌ لَهُمْ بِتَمَامِ الصَّلَاةِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى يُسِرُّ السَّلَامَ فِي نَفْسِهِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ فِي جَمَاعَةٍ فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ الْإِمَامِ الْإِعْلَانُ بِالسَّلَامِ مِنْهَا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا رُكْنٌ مُنْفَرِدٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ الْإِعْلَانُ بِالسَّلَامِ كَسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ يَعْلَمُونَ بِحَالِ الْإِمَامِ بِانْصِرَافِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْمَأْمُومُونَ يُسَلِّمُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْإِعْلَانِ وَهَلْ يَرُدُّونَ عَلَى الْإِمَامِ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ غَانِمٍ أَنَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ وَلَا يَثْبُتُ فِي مَوْضِعِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ غَانِمٍ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ فَشُرِعَ فِيهَا رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْإِمَامِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَيْنِ عَلَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِالسَّلَامِ فَإِذَا قُلْنَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالسَّلَامِ قُلْنَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ، وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجْهَرُ بِالسَّلَامِ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : مَنْعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا الشَّعْبِيَّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ وَلَدَ الزِّنَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُوَالَاةُ لَا تَنْقَطِعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَكَيْفَ وَلَا ذَنْبَ لِوَلَدِ الزِّنَا فِي أَمْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إلَّا قَتَادَةَ فَقَالَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ مَاتَ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ فَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَوَلَدِ الرَّشْدَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أُمُّهُ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهَا أَيْضًا غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَنِبَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّاسُ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ فَقَالَ نَاسٌ يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَقَالَ آخَرُونَ يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحُفِرَ لَهُ فِيهِ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ غُسْلِهِ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُولُ لَا تَنْزِعُوا الْقَمِيصَ فَلَمْ يُنْزَعْ الْقَمِيصُ وَغُسِّلَ وَهُوَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّقَائِصَ الْمَانِعَةَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِي الْعَامَّةِ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الْخَاصَّةِ وَهُوَ كُلُّ نَقْصٍ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْإِيمَانِ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ الْمُسْتَمْسِكِينَ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا وَزَجْرًا لِغَيْرِهِمْ عَنْ مِثْلِ حَالِهِمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سُمْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ صَلَّوْا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ لَازِمٌ بِسَبَبِهِمْ وَلَا يُسْقِطُهُ كَبَائِرُهُمْ وَبِدَعُهُمْ مَا تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْتُولُ فِي الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ تَمْنَعْهُ مَعْصِيَتُهُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أُتِيَ بِمَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَهُ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» . (ش) : قَوْلُهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ وَقَوْلُهُ " صَلَّى عَلَيْهِ النَّاسُ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ " قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَأْتِي الرَّجُلُ وَالرِّجَالُ فَيَدْعُونَ وَيَتَرَحَّمُونَ وَلِهَذَا وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَهِيدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّ الشَّهِيدَ يُغْنِيه فَضْلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُغْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضْلُهُ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَإِنَّمَا فَارَقَ الشَّهِيدَ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ عَلَى الشَّهِيدِ مِنْ الدَّمِ مَا هُوَ طِيبٌ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَعِنْوَانٌ لِشَهَادَتِهِ وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُكْرَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ فَافْتَرَقَا لِذَلِكَ فِي الْغُسْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ إنَّ النَّاسَ صَلُّوا عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ وَلِهَذَا أَيْضًا وَجْهٌ وَذَلِكَ لِئَلَّا تَفُوتَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَفُوزَ بِالْإِمَامَةِ وَالْخِلَافَةِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ تَقَرَّرَ بَعْدُ أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَكُونُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ وَلِذَلِكَ ادَّعَاهَا الْأَنْصَارُ، وَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، ثُمَّ ثَبَتَتْ النُّصُوصُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ نَاسٌ يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَقَالَ آخَرُونَ يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ إخْبَارًا مِنْهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ فِي ذَلِكَ وَمَبْلَغِ اجْتِهَادِهِمْ حَتَّى ذَكَرَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَرَجَعُوا إلَيْهِ وَأَخَذُوا بِهِ وَهَذَا حُكْمُ الِاجْتِهَادِ إذَا ظُهِرَ عَلَى النَّصِّ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاجْتِهَادُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى حُكْمِهِ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَخَذَ بِهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَحَفَرُوا لَهُ فِيهِ يُرِيدُ مَوْضِعَ وَفَاتِهِ وَدُفِنَ فِيهِ وَصِفَةُ الدَّفْنِ أَنْ يُنْزَلَ فِي قَبْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهَا الْجِهَةُ الَّتِي كَانَ يُعَظِّمُهَا الْمُسْلِمُ فِي حَيَّاتِهِ وَيُجْعَلُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . 1 -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ وَالْآخَرُ لَا يَلْحَدُ فَقَالُوا أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلَ عَمِلَ عَمَلَهُ فَجَاءَ الَّذِي يَلْحَدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ غُسْلِهِ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ سُنَّةَ الْغُسْلِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ وَلَا بُدَّ لِاتِّصَالِ الْمَوْتِ عِنْدَهُمْ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ أَنْ يَعْرِفُوا حُكْمَ الْغُسْلِ وَمُحَالٌ أَنْ يَجْهَلَ جَمِيعُهُمْ حُكْمَ الْغُسْلِ حِينَ أَرَادُوا اسْتِعْمَالَ الْمَحْظُورَ مِنْهُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ نَزْعُ الْقَمِيصِ وَإِبْقَاؤُهُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ كَمَا ذَهَبُوهُ فِي اللَّحْدِ لَهُ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَمْ يَتَقَرَّرْ بَيْنَهُمْ حُكْمُهُ لَاخْتَلَفُوا فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ فَثَبَتَ أَنَّ نَزْعَ الْقَمِيصِ هُوَ سُنَّةُ الْغُسْلِ وَلِذَلِكَ أَرَادُوا أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَمِعُوا صَوْتًا يَقُولُ لَا تَنْزِعُوا الْقَمِيصَ وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظَّاهِرَةِ بِسَبَبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكْرِمَةً لَهُ وَتَفْضِيلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ فِيهِ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ الْأَمْرُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ وَلِذَلِكَ امْتَثَلَتْ الصَّحَابَةُ مَا سَمِعَتْ مِنْ الصَّوْتِ فَلَمْ يُنْزَعْ الْقَمِيصُ وَغُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ وَالْآخِرُ لَا يَلْحَدُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَحْظُورًا لَمَا اسْتَدَامَ عَمَلُهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ عَمِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ لَا سِيَّمَا، وَاَلَّذِي كَانَ لَا يَلْحَدُ مِنْ أَفْضَلِ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِهِمْ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَاَلَّذِي كَانَ يَلْحَدُ هُوَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ اللَّحْدُ وَالشَّقُّ كُلٌّ وَاسِعٌ وَاللَّحْدُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ التَّبَرُّكُ بِمَا فُعِلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّحْدُ هُوَ مَا كَانَ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ وَالضَّرِيحُ مَا كَانَ فِي وَسَطِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَغْمَقُ الْقَبْرُ جِدًّا وَلَكِنْ قَدْرَ عِظَمِ الذِّرَاعِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الشَّقَّ الَّذِي هُوَ نَفْسُ اللَّحْدِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ اللَّبِنَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ فُعِلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي التَّابُوتِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ الطُّوبُ قَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِاللَّوْحِ وَالْآجُرِّ وَالْقَصَبِ وَاللَّبِنِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ السَّرَفِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الَّتِي تَلِي الْإِنْسَانَ وَتَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَى أَنْ يَصِيرَ أَجْزَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ السُّنَّةِ تَسْنِيمُ الْقَبْرِ وَلَا بِرَفْعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا، فَأَمَّا بُنْيَانُهُ وَرَفْعُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَاةِ فَمَمْنُوعٌ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُرَصَّصُ عَلَى الْقَبْرِ بِالْحِجَارَةِ وَالطِّينِ أَوْ الطُّوبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَرَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُرْفَعَ الْقُبُورُ أَوْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَأَمَرَ بِهَدْمِهَا وَتَسْوِيَتِهَا بِالْأَرْضِ وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَوَّى تَسْوِيَةَ تَسْنِيمٍ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُسَوِّي نَفْسَ الْقَبْرِ بِالْأَرْضِ وَيَرْفَعَ رَفْعَ تَسْنِيمٍ دُونَ أَنْ يَرْفَعَ أَصْلَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ عَلَى الْقَبْرِ إذَا عَفَا، وَأَمَّا وَهُوَ مُسَنَّمٌ وَالطَّرِيقُ دُونَهُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكْسِرُ تَسْنِيمَهُ وَيُبِيحُهُ طَرِيقًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّنَامَ يَحْفَظُهُ عَلَى أَهْلِهِ يَعْرِفُونَهُ بِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ ابْتِذَالِهِ بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَتَعْفِيَةِ أَثَرِهِ فَأَمَّا الْبُنْيَانُ الْمُتَّخَذُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَاةِ فَمَمْنُوعٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَقْصِيصُهَا يُقَالُ تَجْصِيصُهَا وَهُوَ تَبْيِيضُهَا بِالْجِيرِ أَوْ التُّرَابِ الْأَبْيَضِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَالنَّقْشُ عَلَى الْقَبْرِ كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ بَلَاطَةٌ وَيَكْتُبُ فِيهَا وَلَمْ يَرَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ مَا صَدَّقْت بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى سَمِعْت وَقْعَ الْكَرَازِينِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ وَحُمِلَا إلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعَمُودِ وَالْخَشَبَةِ وَالْحَجَرِ يُعْرَفُ بِهَا الْقَبْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْتَبَ فِيهَا بَأْسًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَنْعُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمُبَاهَاةِ وَإِبَاحَةِ مَا عَرَا مِنْهَا، وَأَمَّا الْفُسْطَاطُ يُضْرَبُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ضَرْبُهُ عَلَى قَبْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ مِنْ ضَرْبِهِ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ لِمَا يَسْتُرُ مِنْهَا عِنْدَ إقْبَارِهَا، وَقَدْ ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى قَبْرِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَكَرِهَ ضَرْبَهُ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَضَرَبَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى قَبْرِ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَبْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَرَاهُ وَاسِعًا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَيُبَاتُ فِيهِ إنْ خِيفَ مِنْ نَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ لِمَنْ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِ السُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ. (ش) : قَوْلُهَا مَا صَدَّقْت بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تُكَذِّبُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَكَانَ أَشَدُّ النَّاسِ فِيهِ عُمَرَ حَتَّى جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَحَقَّقَ مَوْتَهُ، وَقَوْلُهَا حَتَّى سَمِعْت وَقْعَ الْكَرَازِينَ تُرِيدُ وَقْعَ الْمَسَّاحِي يَحْثِي التُّرَابَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرُفَ وَكَرُمَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ رَأَيْت ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي فَقَصَصْت رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِك وَهُوَ خَيْرُهَا) (ش) : قَوْلُهَا رَأَيْت ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي فَقَصَصْت رُؤْيَايَ تُرِيدُ أَنَّهَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطَتْ فِي حُجْرَتِهَا وَأَنَّهَا قَصَّتْ رُؤْيَاهَا تِلْكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِاعْتِقَادِهَا فِيهَا أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ وَأَنَّ الرُّؤْيَا أَمْرٌ صَحِيحٌ وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ فَأَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ تَعْبِيرِهَا إذْ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهَا مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاجْتِمَاعِ دَلَالَةِ الرُّؤْيَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ قَدْ يَدُلُّ عَلَى السُّلْطَانِ وَالرَّئِيسِ وَيَدُلُّ عَلَى الْعَالِمِ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَسُقُوطُهَا فِي حُجْرَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى دَفْنِهِمْ فِي حُجْرَتِهَا، وَسُنَّةُ الْعِبَارَةِ إذَا رَأَى الْمُعَبِّرَ فِيهَا مَا يُكْرَهُ أَنْ لَا يُعَبِّرَهَا لَهُ فَصَدَقَتْ رُؤْيَا عَائِشَةَ بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهَا فَتَأَوَّلَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ حِينَئِذٍ الرُّؤْيَا إذْ رَآهَا قَدْ خَرَجَتْ، وَقَالَ لَهَا هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِك وَهُوَ خَيْرُهَا فَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (ش) : قَوْلُهُ تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَحُمِلَا إلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُون فَعَلَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتَوَلَّوْا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِفَضْلٍ اعْتَقَدُوهُ فِي الدَّفْنِ بِالْبَقِيعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِيَقْرُبَ عَلَى مَنْ لَهُمْ مِنْ الْأَصْلِ زِيَارَةُ قُبُورِهِمْ وَالدُّعَاءُ لَهُمْ (ص) . (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ أُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ لَأَنْ أُدْفَنَ فِي غَيْرِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنَّ أُدْفَنَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إمَّا ظَالِمٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ مَعَهُ وَإِمَّا صَالِحٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُنْبَشَ لِي عِظَامُهُ) (ش) : كَرِهَ عُرْوَةُ الدَّفْنَ بِالْبَقِيعِ لَا لِكَرَاهِيَةِ الْبُقْعَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ فِيهِ مَوْضِعٌ إلَّا قَدْ دُفِنَ فِيهِ فَكَرِهَ الدَّفْنَ بِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُنْبَشَ لَهُ عِظَامُ مَنْ دُفِنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ ظَالِمًا كَرِهَ مُجَاوَرَتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا كَرِهَ أَنْ يُنْبَشَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَظَّمُ نَبْشُ عِظَامِ الصَّالِحِ مِنْ أَجْلِهِ لِحُرْمَتِهِ وَصَلَاحِهِ وَأَنْ يَكُونَ لِلظَّالِمِ حُرْمَةٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّ كَرَاهِيَتَهُ لِمُجَاوِرَتِهِ أَعْظَمُ فَلِذَلِكَ عَلَّقَ الْكَرَاهِيَةَ لِمُجَاوِرَتِهِ وَلَا تُكْرَهُ مُجَاوِرَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكْرَهْ إلَّا نَبْشَ عِظَامِهِ لَهُ.

[الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر]

الْوُقُوفُ لِلْجَنَائِزِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْمَقَابِرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقُبُورَ وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْقُعُودِ عَلَى الْقُبُورِ فِيمَا نَرَى لِلذَّاهِبِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يَقُولُ كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَمَا يَجْلِسُ آخَرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوُقُوفُ لِلْجَنَائِزِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْمَقَابِرِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الْقِيَامِ» وَالْجُلُوسِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ. وَالثَّانِي: لِمَنْ يَتْبَعُهَا فَهَلْ يَقُومُ لَهَا حَتَّى تُوضَعَ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِيَامُ لَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ: رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» . ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ عَلَى الْمَذْكُورِ فِيهِ «أَنَّهُ جَلَسَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُومُ» اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ جُلُوسَهُ نَاسِخٌ لِقِيَامِهِ وَاخْتَارُوا أَنْ لَا يَقُومَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّوْسِعَةِ وَإِنَّ الْقِيَامَ فِيهِ أَجْرٌ وَحُكْمُهُ بَاقٍ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَوْلَى لِحَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي فِيهِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَتَوَسَّدُ عَلَى الْقُبُورِ وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْجُلُوسِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءُ فِي مَنْعِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقُبُورِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابِهِ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَتَأَوَّلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقُبُورِ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْجُلُوسَ عَلَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ زَارَ الْقُبُورَ وَأَبَاحَ زِيَارَتَهَا» وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا عِنْدَ الدَّفْنِ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِعْلِهِ. (ش) : قَوْلُهُ فَمَا يَجْلِسُ آخَرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاعَ بِالْجِنَازَةِ مَشْرُوعٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ حَتَّى يُؤْذَنُوا يُرِيدُ يُؤْذَنُوا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَبْنُونَ الْقُبُورَ، وَإِنَّمَا كَانَ إدْلَاؤُهُ وَرَدُّ التُّرَابِ، وَهَذَا لَا يَلْبَثُ النَّاسُ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا يَجْلِسُ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا وَلَا يُقَالُ آخِرُ النَّاسِ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَنْ يَأْتِي بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ فَيَصِلُ أَوَّلُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ آخِرُهُمْ فَرُبَّمَا لَمْ يَجْلِسْ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يُدْرِكَ آخِرُهُمْ فَتُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَيُؤْذَنُوا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَبُّصِ حَتَّى يُدَلَّى فِي الْقَبْرِ وَيُرَدَّ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُدَّةٍ يَجْلِسُ فِيهَا أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ إنْ صَحَّ أَنْ يُوصَفُوا بِأَوَّلٍ وَآخِرٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِيهَا جَمِيعُ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَتَنَاوَلُ دَفْنَهُ أَوْ يَتَكَلَّفُ الْقِيَامَ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى أَنْ يَتِمَّ أَمْرُهُ، وَأَمَّا الِانْقِلَابُ عَنْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجِنَازَةِ لَوْ شَاءُوا أَنْ يُمْسِكُوا النَّاسَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِإِذْنِهِمْ فِي انْصِرَافِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِمْسَاكُ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِذْنِهِ كَسَائِرِ النَّاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ بِالِانْصِرَافِ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ دَفْنُهَا إذَا بَقِيَ مَعَهَا مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَنْصَرِفُ لِعِلَّةٍ

[النهي عن البكاء على الميت]

النَّهْيُ عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَبُو أُمِّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ غُلِبْنَا عَلَيْك يَا أَبَا الرَّبِيعِ فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسْكِتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوُجُوبُ قَالَ إذَا مَاتَ فَقَالَتْ ابْنَتُهُ، وَاَللَّهِ إنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّك قَدْ كُنْتَ قَضَيْتَ جَهَازَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ، وَاَلَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِغَيْرِ عِلَّةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ إذَا قَامَ بِهَا غَيْرُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْبَقَاءُ حَتَّى تُدْفَنَ فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَةٌ فَمَنْ أَقَامَ لَهَا فَحَسَنٌ وَيَنْصَرِفُ إنْ شَاءَ بَعْدَ كَمَالِ الدَّفْنِ دُونَ إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ أَحَدٍ فَيُؤْذَنَ لَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطُ؟ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» فَجَعَلَ لِشَاهِدِ فَرْضِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطًا وَلِمُشَاهَدَةِ فَضْلِ الْمُوَارَاةِ قِيرَاطًا وَلَعَلَّهُمَا إنَّمَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْمِ دُونَ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [النَّهْيُ عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ» إخْبَارٌ عَنْ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُوَاصَلَتِهِ أَصْحَابَهُ وَعِيَادَتِهِ مَرَضَاهُمْ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ «قَدْ غُلِبَ أَنَّ الْأَلَمَ وَالْمَرَضَ الَّذِي كَانَ بِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى مَنَعَهُ مِنْ مُجَاوَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَاحَ عَلَيْهِ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لِمَا أُصِيبَ فِيهِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ فَقَالَ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْفِقًا عَلَى أَصْحَابِهِ مُحِبًّا فِيهِمْ فَإِذَا أُصِيبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اسْتَرْجَعَ كَمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى ذَلِكَ تَصَبُّرٌ لِنَفْسِهِ وَاشِعَارٌ لَهُ أَنَّ الْكُلَّ لِلَّهِ وَأَنَّ الْكُلَّ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَيَجِبُ أَنْ يُقْتَدَى بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا يُصَابُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَإِخْوَانِهِ وَمَالِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غُلِبْنَا عَلَيْك يَا أَبَا الرَّبِيعِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ التَّصْرِيحَ بِمَعْنَى اسْتِرْجَاعِهِ وَتَأَسُّفِهِ، فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بُكَاؤُهُنَّ لِمَا رَأَيْنَ مِنْ حَالِهِ وَتَيَقُّنٍ مِنْ مَوْتِهِ وَلَعَلَّهُ حَرَّكَهُنَّ لِذَلِكَ مَا سَمِعْنَ مِنْ اسْتِرْجَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ جَابِرٌ يُسْكِتُهُنَّ لِمَا عَرَفَ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَفْعِ النِّسَاءِ أَصْوَاتَهُنَّ بِالْبُكَاءِ وَنِيَاحِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ صِيَاحُ النِّسَاءِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِرْجَاعًا وَبُكَاءً مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ بِقُبْحٍ وَلَا نِيَاحَةٍ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهُنَّ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إطْلَاقَ الْبُكَاءِ وَالِاسْتِرْجَاعِ لَهُنَّ وَبِهَذَا اسْتَبَاحَ النَّاسُ الْبُكَاءَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ مَا لَمْ يُرْفَعْ بِهِ الصَّوْتُ وَيَكُونُ مَعَهُ كَلَامٌ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الْبُكَاءُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى؟ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ» فَأَمَّا قَوْلُهُ «فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ» وَفَسَّرَ الْوُجُوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْتِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْ بُكَاءٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الصِّيَاحِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَتَوَجَّهَ نَهْيُهُ إلَى ذَلِكَ الْبُكَاءِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَمْرٌ بِتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا عَلِمْتُ التَّوْجِيهَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ فَوُجِّهَ فَأَفَاقَ فَأَنْكَرَ فِعْلَهُمْ بِهِ، وَقَالَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيِيتُ وَعَلَيْهِ أَمُوتُ لِيَكُنْ مَضْجَعِي مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَأَرَاهُ إنَّمَا كَرِهَ عَجَلَتَهُمْ بِذَلِكَ قَبْلَ الْحَقِيقَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُخَالِفٌ لِهَذَا التَّأْوِيلِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآثَارِ الصِّحَاحِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّوْجِيهُ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهَا عَدَمُ التَّوْجِيهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ وُجِدَتْ فِيهَا أَسْبَابُ الْوَفَاةِ فَشُرِعَ فِيهَا التَّوْجِيهُ كَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّوْجِيهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَاسْتِقْبَالِهَا فِي الصَّلَاةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَكُونُ التَّوْجِيهُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ بِإِحْدَادِ نَظَرِهِ وَإِشْخَاصِ بَصَرِهِ وَيُلَقَّنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ أَنْ تُغْمِضَهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْإِغْمَاضُ سُنَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 182] {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ وَيُقَالُ عِنْدَ إغْمَاضِهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ مَوْتَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَجْلِسَ عِنْدَهُ إلَّا أَفْضَلُ أَهْلِهِ وَأَحْسَنُهُمْ هَدْيًا وَقَوْلًا وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَلَا قُرْبَهُ ثَوْبٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَلَا يَحْضُرُهُ كَافِرٌ وَلَا حَائِضٌ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا أَوْرَدَهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ فُعِلَتْ فَحَسَنٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ وَالْإِجْمَارُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ يس، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ سُنَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَرَّبَ إلَيْهِ الرَّوَائِحُ الطَّيِّبَةُ مِنْ بَخُورٍ وَغَيْرِهِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ وَاتَّصَلَ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ «ابْنَتِهِ إنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّك قَدْ كُنْتَ قَضَيْتَ جِهَازَك» أَخْبَرَتْ عَنْ قُوَّةِ رَجَائِهَا فِي الشَّهَادَةِ لَهُ لِمَا كَانَتْ تَرَى مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْجِهَادِ وَمُبَادَرَتِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ قَضَى جِهَازَهُ لِلْغَزْوِ فَأَشْفَقَتْ مِمَّا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ» وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَجْرَهُ قَدْ جَرَى لَهُ بِمِقْدَارِ الْعَمَلِ الَّذِي نَوَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ أَنْ لَوْ عَمِلَهُ فَتَكُونُ النِّيَّةُ بِمَعْنَى الْمَنْوِيِّ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ أُوقِعَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ لِنِيَّتِهِ. إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدَ إلَى تَسْلِيَتِهَا وَإِخْبَارِهَا بِأَنَّ مَا نَوَاهُ لَمْ يَفُتْهُ وَأَنَّ أَجْرَهُ قَدْ جَرَى لَهُ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ إلَّا بِقَدْرِ النِّيَّةِ لَمَا كَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ رَاحَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ اسْتَفَادَتْ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنْ

[الحسبة في المصيبة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ وَذُكِرَ لَهَا «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» ) . الْحِسْبَةُ فِي الْمُصِيبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟» سُؤَالٌ لَهُمْ عَنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ عِلْمَهُمْ وَيُفِيدَهُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنْ جِنْسِ جَمِيعِ الشَّهَادَةِ فَأَخْبَرُوهُ عَنْ بَعْضِهَا وَهُوَ جَمِيعُ مَا كَانَ يُسَمَّى عِنْدَهُ شَهَادَةً فَقَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الشَّهَادَةَ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِخْبَارًا لَهُمْ بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَإِنَّ شُهَدَاءَ أَمَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ الْحَاضِرُونَ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ هُوَ الْمُصَابُ بِالطَّاعُونِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَهُوَ مَنْ مَاتَ غَرَقًا فِي الْمَاءِ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَكَذَلِكَ الْمَبْطُونُ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَهُوَ مَنْ يَمُوتُ بِالنَّارِ، وَاَلَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ قِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَمُوتُ بِالْوِلَادَةِ وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَمُوتَ جَمْعَاءَ بِكْرًا غَيْرَ ثَيِّبٍ لَمْ يَنَلْهَا أَحَدٌ وَهَذِهِ مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةُ الْأَمْرِ فَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا لِذُنُوبِهِمْ زِيَادَةً فِي أَجْرِهِمْ حَتَّى بَلَّغَهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ الشُّهَدَاءِ. (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وُجُوهًا: أَحَدَهَا: أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا يُبْكَى عَلَيْهِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْدُبْنَ الْمَيِّتَ وَيَمْدَحْنَهُ لِقَتْلِهِ النَّاسَ وَظُلْمِهِ لَهُمْ وَتَسَلُّطِهِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ فَقَالَ إنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ إذْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ، وَإِذَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ رِوَايَتَهُ عَائِشَةُ وَحَمَلَتْ الْقَوْلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاحْتَجَّتْ فِي رَدِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ خَرَجَ عَنْ مَعْنَى مَا أَنْكَرَتْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ بِنَوْحِهِمْ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ بِفِعْلِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ لَهُمْ بِالنِّيَاحَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ «إنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» وَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ عَذَابُهَا بِالْبُكَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهَا حِينَ الْبُكَاءِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحِسْبَةُ فِي الْمُصِيبَةِ] (ش) : قَوْلُهُ «لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ» شَرْطُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَجَاةَ لِلْكَافِرِ مِنْ النَّارِ بِمَوْتِ أَوْلَادِهِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُنَجَّى مِنْهَا بِالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ الْمَغْفِرَةِ لَهَا بِأَنْ يَمُوتَ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَيُحْتَمَلُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَجْرُهُ عَلَى مُصَابِهِ بِهِمْ يُكَفِّرُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ فَلَا تَمَسُّهُ النَّارُ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا أَهْلُ الذُّنُوبِ فَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُصَابِهِمْ بِأَوْلَادِهِمْ إذْ فِي ذَلِكَ سَتْرٌ لَهُمْ مِنْ النَّارِ وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَقَوْلُهُ «إلَّا تَحِلَّةَ

[جامع الحسبة في المصيبة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبَهُمْ إلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ اثْنَانِ؟ قَالَ أَوْ اثْنَانِ» ) . جَامِعُ الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمْ الْمُصِيبَةُ بِي» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَسَمِ» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ تَفْسِيرُهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَإِذَا مَرَّ بِهَا وَجَاوَزَهَا فَقَدْ أَبَرَّ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمَهُ قَالَ وَمَوْضِعُ الْقَسَمِ مَرْدُودٌ إلَى قَوْلِهِ {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] وَالْعَرَبُ تُقْسِمُ وَتُضَمِّنُ الْمُقْسَمَ بِهِ وَمِثْلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72] مَعْنَاهُ، وَإِنَّ مِنْكُمْ - وَاَللَّهِ - لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا قَسَمَ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَيَكُونَ لَهُ تَحِلَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ «إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» إلَّا الشَّيْءَ الَّذِي لَا يَنَالُهُ مَعَهُ مَكْرُوهٌ وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ ضَرَبَهُ تَحْلِيلًا إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي ضَرْبِهِ وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ أَنَّ النَّارَ لَا تَمَسُّهُ إلَّا قَدْرَ وُرُودِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَنْجُو بَعْدَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَحْتَسِبَهُمْ إلَّا كَانُوا لَهُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ اثْنَانِ؟ قَالَ أَوْ اثْنَانِ» ) (ش) : الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَتْنِ كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ «فَيَحْتَسِبَهُمْ» بَيَانٌ لِصِفَةِ مَنْ يُؤْجَرُ بِمُصَابِهِ فِي وَلَدِهِ وَهُوَ أَنْ يَحْتَسِبَهُمْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَحْتَسِبْهُمْ وَلَمْ يَرْضَ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْوَجْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ أَوْ اثْنَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى الثَّلَاثِ عَلَى انْتِفَائِهِ عَمَّنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَوْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ لَمَا سَأَلَتْهُ وَلَكِنَّهَا لَمَّا جَوَّزَتْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الِاثْنَيْنِ حُكْمَ الثَّلَاثَةِ فِي ذَلِكَ وَجَوَّزَتْ أَنْ يُخَالِفَهُ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِالثَّلَاثَةِ أَعْظَمُ مِنْ أَجْرِ الْمُصِيبَةِ بِالِاثْنَيْنِ سَأَلَتْهُ فَأَخْبَرَهَا أَنَّ تَفَضُّلَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِاثْنَيْنِ يَبْلُغُ بِهِ السَّتْرَ مِنْ النَّارِ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهَا. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصَابُ فِي وَلَدِهِ وَحَامَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ» ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصَابُ فِي وَلَدِهِ وَحَامَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ» الْحَامَّةُ الْخَاصَّةُ وَمِنْهُ قِيلَ حَمِيمُ فُلَانٍ أَيْ خَاصَّتُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُفْجَعُ فِيهِمْ بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَتْ لَهُ خَطِيئَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ لِذَلِكَ خَطَايَاهُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ خَطِيئَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَزِنُ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ فَيَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يَزِيدُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِنَّمَا هَذَا لِمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وَأَمَّا مَنْ سَخِطَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَأْثَمَ لِسَخَطِهِ فَيَكْثُرَ بِذَلِكَ سَائِرُ آثَامِهِ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ. [جَامِعُ الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمْ الْمُصِيبَةُ بِي» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مُصَابَهُ أَعْظَمُ مِنْ سَائِرِ مَصَائِبِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا مُصِيبَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْمُصِيبَةِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُصَابٍ بِهِ لَهُ مِنْهُ عِوَضٌ وَلَا عِوَضَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أُصِبْنَا بِمُصِيبَةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ حَمِيمٍ فَإِنَّهَا دُونَ الْمُصَابِ بِهِ فَيُعَزَّى فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ أُصِيبَ بِأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُصَابُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَبَرَ فَبِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْهُ وَأَخَفُّ أَوْلَى.

فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْت ذَلِكَ، ثُمَّ قُلْتُ وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ فَتَزَوَّجَهَا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ هَلَكَتْ امْرَأَةٌ لِي فَأَتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ يُعَزِّينِي بِهَا فَقَالَ إنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مُجْتَهِدٌ وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا وَلَهَا مُحِبًّا فَمَاتَتْ فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا وَلَقِيَ عَلَيْهَا أَسَفًا حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ وَغَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَجَبَ مِنْ النَّاسِ فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَأَنَّ امْرَأَةً سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ إنَّ لِي إلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا لَيْسَ يُجْزِينِي فِيهَا إلَّا مُشَافَهَتُهُ فَذَهَبَ النَّاسُ وَلَزِمَتْ بَابَهُ، وَقَالَتْ مَالِي مِنْهُ بُدٌ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ إنَّ هَاهُنَا امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَفْتِيَكَ، وَقَالَتْ إنْ أَرَدْتُ إلَّا مُشَافَهَتَهُ. وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ وَهِيَ لَا تُفَارِقُ الْبَابَ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهَا فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ إنِّي جِئْتُك أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَتْ إنِّي اسْتَعَرْت مِنْ جَارَةٍ لِي حَلْيًا فَكُنْت أَلْبَسُهُ وَأُعِيرُهُ زَمَانًا، ثُمَّ إنَّهُمْ أَرْسَلُوا إلَيَّ فِيهِ فَأُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَاَللَّهِ فَقَالَتْ إنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا فَقَالَ ذَلِكَ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إيَّاهُ إلَيْهِمْ حِينَ أَعَارُوكِيهِ زَمَانًا قَالَ فَقَالَتْ أَيْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهَا) . مَا جَاءَ فِي الِاخْتِفَاءِ الِاخْتِفَاءُ فِعْلُ النَّبَّاشِ وَمَعْنَاهُ الْإِظْهَارُ يُقَالُ خَفَيْت الشَّيْءَ إذَا أَخْرَجْته مِمَّا يَسْتُرُهُ وَأَظْهَرْته وَخَفَيْته إذَا سَتَرْته. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ «مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ» هَذَا اللَّفْظُ مَوْضُوعٌ فِي أُصَلِّ كَلَامِ الْعَرَبِ لِكُلِّ مَنْ نَالَهُ شَرٌّ أَوْ خَيْرٌ وَلَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ بِالرَّزَايَا وَالْمَكَارِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] » لَمْ يُرِدْ لَفْظَ الْأَمْرِ بِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَبْشِيرِ مَنْ قَالَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ إلَى غَيْرِ الْقُرْآنِ فَيُخْبِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرِ الْبَارِي لَنَا بِذَلِكَ وَلِذَلِكَ وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ «اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُ وَيَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ عَلَى مُصِيبَتِهِ وَيُعْقِبُهُ مِنْهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُعْطِيه بِعَقِبِ ذَلِكَ خَيْرًا مِمَّا أَصَابَهُ (فَصْلٌ) : قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَذَلِكَ لِمَا كَانَتْ تَعْلَمُ مِنْ فَضْلِ أَبِي سَلَمَةَ وَدِينِهِ وَخَيْرِهِ وَاسْتَبْعَدَتْ لِذَلِكَ أَنْ تُعَوَّضَ بِخَيْرٍ مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ تَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَزَوَّجُهَا وَلَوْ ظَنَّتْ ذَلِكَ لَمْ تَقُلْهُ فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ. (ش) : الْمَتْنُ كُلُّهُ ظَاهِرُ الْمَعْنَى وَفِيهِ وَعْظُ الْعَالِمِ وَتَذْكِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَاعِظُ أَوْ الْمُذَّكِّرُ دُونَهُ فِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْنَفَ الْفَاضِلُ مِنْ وَعْظِ مَنْ هُوَ دُونَهُ إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْحَقِّ وَوُفِّقَ لِلصَّوَابِ فَقَدْ يُخْطِئُ الْفَاضِلُ فِي أَمْرٍ يُوَفَّقُ فِيهِ الْمَفْضُولُ وَالتَّعْزِيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْلُغَ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شِدَّةُ إشْفَاقٍ وَافِرَاطُ حُزْنٍ فَيُعَزِّيَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّذْكِيرِ وَالْوَعْظِ فَهَذَا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقِفَ الْمَيِّتَ عِنْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ عَلَى الْقَبْرِ فَيُعَزَّى فِيهِ فَهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ.

[ما جاء في الاختفاء]

سَمِعَهَا تَقُولُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخْتَفِيَ وَالْمُخْتَفِيَةَ يَعْنِي نَبَّاشَ الْقُبُورِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ كَسْرُ عَظْمِ الْمُسْلِمِ مَيِّتًا كَكَسْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ تَعْنِي فِي الْإِثْمِ) . جَامِعُ الْجَنَائِزِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى صَدْرِهَا وَأَصْغَتْ إلَيْهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُك حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الِاخْتِفَاءِ] (ش) : قَوْلُهَا «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخْتَفِيَ» اللَّعْنُ الْإِبْعَادُ فِي أَصْلِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِبْعَادِ مِنْ الْخَيْرِ فَلَعْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخْتَفِيَ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْمُخْتَفِي وَالْمُخْتَفِيَةُ هُمَا النَّبَّاشُ وَالنَّبَّاشَةُ لِلْقُبُورِ لِأَخْذِ أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَسَيَأْتِي ذِكْرُ وُجُوبِ الْقَطْعِ فِيهِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) : قَوْلُهَا كَسْرُ عَظْمِ الْمُسْلِمِ مَيِّتًا كَكَسْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ مَوْتِهِ مِثْلَ مَا لَهُ مِنْهَا حَالَ حَيَاتِهِ وَأَنَّ كَسْرَ عِظَامِهِ فِي حَالِ مَوْتِهِ يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ كَسْرُهَا حَالَ حَيَاتِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْنِي فِي الْإِثْمِ يُرِيدُ أَنَّهُمَا لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْإِثْمِ. [جَامِعُ الْجَنَائِزِ] (ش) : قَوْلُهُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ يُرَافِقُهُ فِي الْجَنَّةِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ يَقُولُ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» الْآيَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الرَّفِيقَ الَّذِي يُرْتَفَقُ بِهِ يُرِيدُ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى رَفِيقَ الرَّفِيقِ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى أَعْلَى مُرْتَفَقِهَا. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَحِيحٌ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَحْيَا أَوْ يُخَيَّرَ فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرَهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى فَقُلْتُ إذًا لَا يُجَاوِرُنَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ» فَظَاهِرُ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّفِيقَ بِمَعْنَى الْمُرْتَفَقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الرَّفِيقُ اسْمٌ لِكُلِّ سَمَاءٍ وَأَرَادَ الْأَعْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَكَرَهُ وَأَرَاهُ وَهِمَ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ قَالَتْ فَسَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى فَعَرَفْت أَنَّهُ ذَاهِبٌ» ) ش قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ وَمَا ذَكَرَ لَهُ فِيهَا لِيُسَرَّ بِذَلِكَ وَيَتَشَوَّقَ بِهِ إلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ «حَتَّى يُخَيَّرَ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُقَامِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ الِانْتِقَالِ إلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ بِقَوْلِهَا فَعَلِمْت أَنَّهُ ذَاهِبٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرَ فِي مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَاخْتَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّفِيقَ الْأَعْلَى وَقَوْلُهَا فَعَرَفْت أَنَّهُ ذَاهِبٌ يُرِيدُ أَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ جَوَابَ التَّخْيِيرِ الَّذِي خُيِّرَ فَكَانَ ذَلِكَ انْقِضَاءَ عُمُرِهِ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» ، الْعَرْضُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى حَيٍّ وَلَا يَصِحُّ الْعَرْضُ عَلَى مَيِّتٍ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَعْلَمَ مَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَفْهَمَ مَا يُخَاطَبُ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَيِّتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الْمَيِّتَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ لَهُ اُنْظُرْ إلَى مَقْعَدِك مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا» الْحَدِيثَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَمُخَاطَبَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ كُلَّ غَدَاةٍ وَكُلَّ عَشِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ لِجُزْءٍ مِنْهُ فَإِنَّا نُشَاهِدُ الْمَيِّتَ مَيِّتًا بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَذَلِكَ يَمْنَعُ إحْيَاءَ جَمِيعِهِ وَإِعَادَةَ جِسْمِهِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ تُعَادَ الْحَيَاةُ فِي جُزْءٍ أَوْ أَجْزَاءٍ مِنْهُ وَتَصِحُّ مُخَاطَبَتُهُ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ غَدَاةً وَاحِدَةً يَكُونُ الْعَرْضُ فِيهَا وَقَوْلُهُ «مَقْعَدُهُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِهِ. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ وَيَكُونُ مَعْنَى حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ أَيْ أَنَّهُ مَقْعَدُك لَا تَصِلُ إلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَكَ. (ش) : قَوْلُهُ «كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ جَمِيعَ جِسْمِ الْإِنْسَانِ مِمَّا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَ الْأَرْضُ أَجْسَامًا كَثِيرَةً مِنْ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءَ وَكَثِيرًا مِنْ الشُّهَدَاءِ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَمَا يُشَاهَدُ مِنْ أَكْلِ السِّبَاعِ وَالْوُحُوشِ مِنْ أَجْسَامِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَحَرْقِ بَعْضِهَا بِالنَّارِ وَعَجْبُ الذَّنَبُ لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَإِنْ أَكَلَتْ سَائِرَ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خُلِقَ الْإِنْسَانُ وَهَذَا الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيبُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ وَيُقَالُ عَجْبٌ وَعَجْمٌ كَمَا يُقَالُ لَازِبٌ وَلَازِمٌ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ» فِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ النَّسَمَةَ النَّفْسُ وَالرُّوحُ وَالْبَدَنُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا يَعْنِي الرُّوحَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ الرُّوحُ مِنْ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْبَعْثِ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ طَيْرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَطِيرَ وَيَعْلُقَ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيَقَعُ عَلَيْهَا تَكْرِمَةً لِلْمُؤْمِنِ وَثَوَابًا لَهُ. وَرُوِيَ يَعْلُقُ وَمَعْنَاهُ يَأْكُلُ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: إنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَتَعْلُقُ أَيْ تَتَنَاوَلُ قَالَ وَالْعَلْقُ التَّنَاوُلُ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ يُرِيدُ أَنَّ إحْيَاءَ جَمِيعِ الْجَسَدِ بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إلَيْهِ يَكُونُ يَوْمَ الْبَعْثِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ فِي الْأَرْوَاحِ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ فَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ مُنَعَّمَةٌ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ مُعَذَّبَةٌ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 170] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آلِ فِرْعَوْنَ {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] وَهَذَا قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْكُفَّارِ {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: 93] وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ يُمِيتُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَقَالَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَوْتَى {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] هَذَا قَوْلُ الرُّوحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَيْئًا مِنْ مَحَلِّ الرُّوحِ يَبْقَى فِيهِ الرُّوحُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى نَسَمَةً وَهُوَ الَّذِي إذَا كَانَ مِنْ مُؤْمِنٍ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ وَيُرْزَقُ إنْ

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ إذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ أَذْرَوْا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لِمَا فَعَلْتَ هَذَا قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبُّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ فَغَفَرَ لَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مِنْ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْجَسَدِ عُدِمْت الْحَيَاةُ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ، وَإِذَا أُعِيدَ يَوْمَ الْبَعْثِ إلَى الْجَسَدِ أُعِيدَتْ الْحَيَاةُ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ النَّسَمَةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ وَالنَّفْسُ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ قِيلَ إنَّهُمَا اسْمَانِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادُ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحِيمِ بْنَ خَالِدٍ يَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّ الرُّوحَ لَهُ جَسَدٌ وَيَدَانِ وَرِجْلَانِ وَرَأْسٌ وَعَيْنَانِ يُسَلُّ مِنْ الْجَسَدِ سَلًّا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَّ النَّفْسَ هِيَ الَّتِي لَهَا جَسَدٌ مُجَسَّدٌ قَالَ وَهِيَ فِي الْجَسَدِ كَخَلْقٍ فِي جَوْفِ خَلْقٍ يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ حِينَ الْوَفَاةِ مَيِّتًا وَيَبْقَى الْجَسَدُ حَيًّا، وَنَحْوُهُ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ قَالَ وَالرُّوحُ هُوَ كَالْمَاءِ الْجَارِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالرُّوحُ هُوَ النَّفْسُ الْجَارِي يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَلَا حَيَاةَ لِلنَّفْسِ إلَّا بِهِ وَالنَّفْسُ تَأْلَمُ وَتَلْتَذُّ وَالرُّوحُ لَا يَأْلَمُ وَلَا يَلْتَذُّ. وَقَدْ بَسَطَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْهِدَايَةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُطِيعَ لِلَّهِ إذَا عَلِمَ مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ لِذَلِكَ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ لِيَجْزِيَهُ وَيُكْرِمَهُ وَأَنَّ الْكَافِرَ الْعَاصِي إذَا عَايَنَ مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْخِزْيِ وَالْعِقَابِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَرَادَ إبْعَادَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا مُفَسَّرًا. (ش) : قَوْلُهُ «لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ» ظَاهِرٌ أَنَّ الْعَمَلَ مَا تَعَلَّقَ بِالْجَوَارِحِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعَمَلِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الِاعْتِقَادِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تُعْمَلُ بِالْجَوَارِحِ وَلَيْسَ فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ اعْتِقَادِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ مِنْ شَرَائِعِهِ بِشَيْءٍ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ خَافَ تَفْرِيطَهُ فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُحَرِّقُوهُ وَيَذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ وَنِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى وَجْهِ الْفِرَارِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ غَيْرُ فَائِتٍ كَمَا يَفِرُّ الرَّجُلُ أَمَامَ الْأَسَدِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يَفُوقُهُ سَبْقًا وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ نِهَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَ هَذَا خَوْفًا مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَتَذَلُّلًا وَرَجَاءَ أَنْ يَكُونَ هَذَا سَبَبًا إلَى رَحْمَتِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي مِلَّتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِيُعَذِّبَنَّهُ» يُرِيدُ لَئِنْ ضَيِّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَاقَبَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لِيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ يُقَالُ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] ، وَقَالَ {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِأَمْرِهِ أَنْ يُذْرَى نِصْفُهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفُهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رَجَاءَ أَنْ يُعْجِزَ اللَّهَ بِذَلِكَ وَاعْتَقَدَ بِأَنَّ الْبَارِيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إعَادَتِهِ مَعَ هَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ كَفَرَ وَالْكَافِرُ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَقَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] ، وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ إنْ قَدَرَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَنِي وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَغْفِرَ لِي لِيُعَذِّبَنِي عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ» يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَطَاعَ أَمْرَ اللَّهِ فَجَمَعَ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ، ثُمَّ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا يُرِيدُ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ إحْرَاقِهِ وَتَفْرِيقِ أَجْزَائِهِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَقَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبُّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إيمَانِهِ وَعِلْمِهِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِمَقْصِدِهِ وَمُعْتَقِدِهِ فَكَيْفَ يُظَنُّ مَعَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إعَادَتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَالْفِطْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخِلْقَةُ يُقَالُ فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِمَعْنَى خَلَقَهُمْ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الْحَالَةُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا مِنْ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مِنْ الْإِيمَانِ رَوَى ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ تَفْسِيرَهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ، وَقَدْ قِيلَ عَلَى فِطْرَةِ أَبِيهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَيُؤْمَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْجِهَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا كَافِرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ تَمَامِ الْوِلَادَةِ يَسْرِي إلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْهُمَا. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» يُرِيدُ أَنَّ أَبَوَيْهِ هُمَا اللَّذَانِ يَصْرِفَانِهِ عَنْ الْفِطْرَةِ وَمَا خُلِقَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا يُرَغِّبَانِهِ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ وَيُحَبِّبَانِ ذَلِكَ إلَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَانِهِ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ كَوْنَهُ تَبَعًا لَهُمَا فِي الدِّينِ يُوجِبُ الْحُكْمَ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِمَا وَيُعْقَدُ لَهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ بِعَقْدِهِمَا لَهُ وَيُوَارِثُهُمَا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ كَوْنُهُ تَبَعًا لَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ» يُرِيدُ تَامَّةَ الْخَلْقِ «هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا جَدْعَاءَ فِيهَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِنَّمَا تُجْدَعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُغَيَّرُ خَلْقُهَا كَالْمَوْلُودِ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ يُغَيِّرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَوَاهُ فَيُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ» يُرِيدُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ حَالِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ صَرْفَ أَبَوَيْهِ لَهُ عَنْ الْفِطْرَةِ إلَى دِينِهِمَا مَا يَكُونُ حَالُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَكَيْفَ يُعَذِّبُهُمْ بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ وَيُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ بِكُفْرِهِمْ دُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ كُفْرٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ لَوْ أَحْيَاهُمْ حَتَّى يَعْقِلُوا وَيُمْكِنَهُمْ الْعَمَلُ، وَفِي هَذَا إخْبَارٌ عَنْ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ مَصِيرِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إلَّا مِنْ جِهَةِ إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا وَأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُمْ بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ بِهِمْ مَا يُرِيدُ بِهِمْ مِنْ التَّفَضُّلِ عَلَيْهِمْ وَالتَّكْلِيفِ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ أَوْ يَكُونُ جَزَاؤُهُ لَهُمْ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ يُوَفِّقُهُمْ لَهُ مِنْ الضَّلَالِ أَوْ الْهُدَى إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» أَظْهَرُ فِي أَنَّ جَزَاءَهُمْ يَكُونُ عَلَى مَا عَلِمَ تَعَالَى مِنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ لَوْ بَلَّغَهُمْ حَدَّ التَّكْلِيفِ. (ش) : هَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أُمُورًا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَمَا الْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت «عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ قَالَتْ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي بَرِيرَةَ تَتْبَعُهُ فَتَبِعَتْهُ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَوَقَفَ فِي أَدْنَاهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقِفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَبَقَتْهُ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْنِي فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ ذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي بُعِثْت لِأَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَمَنَّى النَّاسُ مَعَهَا الْمَوْتَ وَأَنَّهُ يَغْبِطُ الْحَيُّ صَاحِبَ الْقَبْرِ وَيَوَدُّ لَوْ أَنَّهُ مَكَانَهُ وَذَلِكَ يَكُونُ إمَّا لِفِتَنٍ لَا يَأْمَنُ الْمُؤْمِنُ أَمْرَهَا فَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِلنَّجَاةِ مِنْهَا وَإِمَّا لِشِدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ وَفِتَنٍ مِنْ الدُّنْيَا يَهْلِكُ مَنْ شَاهَدَهَا فَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إطْلَاقُ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَعَ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِمَنْعِهِ تَمَّنِي الْمَوْتِ لِضَرَرٍ يَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ. (ش) : قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى الْجِنَازَةَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» يُرِيدُ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ النَّاسِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَسْتَرِيحُ، وَضَرْبٌ يُسْتَرَاحُ مِنْهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ تَفْسِيرِ مُرَادِهِ بِذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْتَرِيحَ هُوَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَصِيرُ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَيَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَتَعَبِهَا وَأَذَاهَا وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ هُوَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَذَاهُ لِلْعِبَادِ بِظُلْمِهِمْ وَأَذَاهُ لِلْأَرْضِ وَالشَّجَرِ بِغَصْبِهَا مِنْ حَقِّهَا وَصَرْفِهَا إلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَإِتْعَابِ الدَّوَابِّ بِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ أَنَّهُمْ يَسْتَرِيحُونَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْمُنْكَرِ فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ نَالَهُمْ أَذَاهُ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا وَاسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ أَنَّهُ بِمَا يَأْتِي مِنْ الْمَعَاصِي تَخْرُبُ الْأَرْضُ فَيَهْلِكُ لِذَلِكَ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ نَالَهُ الْأَذَى مِنْ أَهْلِ الْمُنْكَرِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَيَكْفِيه أَنْ يُنْكِرَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِوَجْهٍ لَا يَنَالُهُ بِهِ أَذَاهُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (ص) . (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَمُرَّ بِجِنَازَتِهِ ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ» ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا شَيْئًا لِمَوْتِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُفْتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الدُّنْيَا فَيَتَلَبَّسُونَ بِهَا مَعَ زُهْدِهِ فِيمَا كَانَ يَنَالُهُ مِنْهَا وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَإِنَّهُ هَاجَرَ إلَى اللَّهِ فَذَهَبَ وَلَمْ يَنَلْ مِنْ الدُّنْيَا شَيْئًا فَبَقِيَ أَجْرُهُ كَامِلًا، وَقَدْ غَبِطَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ فِي ذَلِكَ. (ش) : أَمْرُهَا جَارِيَتِهَا بَرِيرَةَ بِاتِّبَاعِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ إبَاحَةَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَتْهُ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ السَّتْرُ فِيهِ مِنْ النَّاسِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِي الطُّرُقَاتِ وَالصَّحَارِي فَاسْتَجَازَتْ الِاطِّلَاعَ عَلَى أَثَرِهِ وَالتَّسَبُّبَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا خَرَجَ لَهُ لِذَلِكَ وَلَوْ دَخَلَ مَوْضِعًا يَنْفَرِدُ فِيهِ لَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَبِعَتْهُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَرْسَلَتْهَا لِاتِّبَاعِهِ لِتَسْتَفِيدَ عِلْمًا مِمَّا يَفْعَلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَةً مِنْهَا وَخَوْفًا أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَوُقُوفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَدْنَى الْبَقِيعِ مَا شَاءَ اللَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلدُّعَاءِ لَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَلَاتَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَفِي هَذَا إتْيَانُ الْقُبُورِ وَالدُّعَاءُ لِأَهْلِهَا عِنْدَهَا.

[كتاب الصيام]

تُقَدِّمُونَهُ إلَيْهِ أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ يُرِيدُ تَعْجِيلَ أَمْرِهَا وَتَرْكَ تَأْخِيرِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي تَعْجِيلِ دَفْنِهَا سَتْرًا لَهَا وَمُبَادَرَةً لِسَتْرِهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعْجِيلِهَا وَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنْ كَانَ صَالِحًا فَتَقْدِيمُهُ خَيْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدَمُ عَلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَلَا مَرْحَبًا بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ يَضَعُهُ أَهْلُهُ عَنْ رِقَابِهِمْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ» تَمَّ كِتَابُ الْجَنَائِزِ. [كِتَابُ الصِّيَامِ] [مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ] 1 كِتَابُ الصِّيَامِ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ الصِّيَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] إلَّا أَنَّ اسْمَ الصَّوْمِ وَاقِعٌ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ عَلَى إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَأَمَّا الْفِطْرُ فَهُوَ قَطْعُ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا هُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يَقْطَعُ الصَّوْمَ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالْإِنْزَالِ وَغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالْإِتْسَاعِ وَرَمَضَانُ هُوَ شَهْرُ الصَّوْمِ مَأْخُوذٌ مِنْ رَمِضَ الصَّائِمُ يَرْمَضُ إذَا حَرَّ جَوْفُهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالرَّمْضَاءُ شِدَّةُ الْحَرِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِلصِّيَامِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ الْفِطْرُ لَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي زَمَانِ رَمَضَانَ لِلْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ وَرُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي الْأَغْلَبِ فِي غَيْرِهِ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ» ذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ جَاءَ رَمَضَانُ وَلَا دَخَلَ رَمَضَانُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ. وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقُولُوا جَاءَ رَمَضَانُ وَقُولُوا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَيْتُ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ قَالَ يُقَالُ صُمْتُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ فَإِذَا وُصِفَ بِالْمَجِيءِ لَا يُقَالُ جَاءَ رَمَضَانُ حَتَّى يُقَالَ جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ لِلْإِشْكَالِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَا طَرِيقٍ صَحِيحٍ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَوَّلُ مَا فُرِضَ مِنْ الصِّيَامِ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ نَسَخَ وُجُوبَهُ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» يَقْتَضِي مَنْعَ الصَّوْمِ فِي آخِرِ شَعْبَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْعُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّلَقِّي لِرَمَضَانَ أَوْ الِاحْتِيَاطِ، وَأَمَّا صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لِمَنْ كَانَ فِي صَوْمٍ مُتَتَابِعٍ أَوْ لِمَنْ ابْتَدَأَ التَّنَفُّلَ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ بِوَجْهٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الشَّكِّ ابْتِدَاءً، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يَصُومُهُ إلَّا مَنْ كَانَ يَسْرُدُ الصِّيَامَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ فَجَازَ أَنْ يُبْتَدَأَ بِصَوْمِهِ نَفْلًا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» الرُّؤْيَةُ تَكُونُ عَامَّةً وَخَاصَّةً فَأَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ أَنْ يَرَى الْهِلَالَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ حَتَّى يَقَعَ بِذَلِكَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ بِهِ لِمَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ إلَى حُكْمِ الْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الْكَبِيرَةُ يَرَى أَهْلُهَا الْهِلَالَ فَيَرَاهُ مِنْهُمْ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤُ عَلَى بَاطِلٍ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى شَهَادَةٍ وَلَا تَعْدِيلٍ وَيَلْزَمُ النَّاسَ الصَّوْمُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ اسْتِفَاضَةِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ، وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ الْخَاصَّةُ فَهِيَ أَنْ يَرَاهُ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةٌ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صَاحِيَةً فَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَإِنْ كَانَتْ صَاحِيَةً ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَاحِيَةً كَالرُّؤْيَةِ الْعَامَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى هِلَالٍ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى هِلَالِ شَوَّالِ وَذِي الْحِجَّةِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ لَوْ رَآهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الثَّانِي لَمْ يُفْطِرْ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يَكْمُلَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بَعْدَ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الثَّانِي لَا تُصَحِّحُ شَهَادَةَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ رَأَى شَيْئًا وَرَأَى الثَّانِي هِلَالَ شَوَّالٍ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. وَأَمَّا إذَا رَأَى الثَّانِي هِلَالَ شَوَّالٍ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ هِلَالَ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفْطَرَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الثَّانِي تُصَحِّحُ شَهَادَةَ الْأَوَّلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَصْدُقَ الثَّانِي وَلَا يَصْدُقَ الْأَوَّلُ، فَيَجِبُ تَأَمُّلُ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى هِلَالِ شَعْبَانَ فَعُدَّ لِذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالسَّمَاءُ صَاحِيَةٌ فَلَا يُرَى قَالَ هَذَانِ شُهَدَاءُ سَوْءٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَا حُكْمَيْنِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلشَّاهِدَيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَيَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ الَّذِي شَهِدَ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ: إنَّ الْإِمَامَ يَرُدُّ شَهَادَتَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا فَإِمَّا أَنْ يُبْطِلَهَا حَتَّى يَمْنَعَ مِنْ أَنْ يُضِيفَ شَهَادَةَ غَيْرِهِ إلَيْهَا فَلَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُصَامُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَلَا يُفْطَرُ بِهَا فَإِنَّهُ يُصَامُ وَيُفْطَرُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مِنْ صِفَتِهِمَا أَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَلَا يُعْرَفَانِ بِسَفَهٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُصَامُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا يُفْطَرُ قَالَ أَشْهَبُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَدْلًا وَكَانَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لَمْ يُصَمْ لِشَهَادَتِهِمَا وَلَمْ يُفْطَرْ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الْعَدَالَةِ كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لَمْ يُعْرَفَا بِعَدَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَاحْتَاجَ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْ حَالِهِمَا، وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ زُكُّوا بَعْدَ ذَلِكَ وَأُمِرَ النَّاسُ بِالصِّيَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي الْفِطْرِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا ثَبَتَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَحُكِمَ بِذَلِكَ وَأُمِرَ بِالصِّيَامِ وَنَقَلَ ذَلِكَ إلَيْك عَنْهُ الْعَدْلُ وَنَقَلَ إلَيْك عَنْ بَلَدٍ آخَرَ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ الإسكندراني يَلْزَمُكَ الصَّوْمُ مِنْ بَابِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَنْقُلُ إلَى أَهْلِهِ وَابْنَتِهِ الْبِكْرِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُمْ تَبْيِيتُ الصِّيَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَعْنَى هَذَا عِنْدِي أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْخَبَرُ. وَالثَّانِي: الشَّهَادَةُ. فَأَمَّا طَرِيقَةُ الْخَبَرِ فَإِذَا عَمَّ النَّاسَ رُؤْيَتُهُ فَمَنْ أَخْبَرَهُ الْعَدْلُ عَنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ لَزِمَهُ الصِّيَامُ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَزَوَالِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الصَّوْمِ بِالْغُرُوبِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الشَّهَادَةُ، وَذَلِكَ إذَا قَلَّ عَدَدُ الرَّائِينَ لَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الشُّهُودِ وَعَدَدِهِمْ وَاخْتِصَاصِ ثُبُوتِهِ بِالْحُكَّامِ مَا يُعْتَبَرُ فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ،. وَوَجْهُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي رُؤْيَتِهِ وَأَنَّ اخْتِصَاصَ بَعْضِ النَّاسِ بِرُؤْيَتِهِ دُونَ بَعْضٍ لِدِقَّتِهِ وَبُعْدِهِ وَاشْتِبَاهِ مَطَالِعِهِ أَمْرٌ شَائِعٌ ذَائِعٌ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى شَائِعًا فِيهِ وَكَانَ مَا هَذِهِ سَبِيلُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَخْلُ مِنْ إحْدَى حَالَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَبْطُلَ صَوْمُ كَثِيرٍ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ أَوْ يَثْبُتَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ فِيهِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى رُؤْيَتِهِ، وَيُخَالِفُ هَذَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغُرُوبَ الشَّمْسِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلصَّلَاةِ وَاسِعٌ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَوَّلُهُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ بَعْضُ النَّاسِ تَيَقُّنَ مَا بَعْدَهُ لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَوَقْتُ الصَّوْمِ يَلْزَمُ اسْتِيعَابُهُ بِالْعِبَادَةِ فَإِنْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ فَاتَ صَوْمُهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَالْإِمْسَاكَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَيُمْكِنُ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ تَيَقُّنِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ قَبْلَ تَيَقُّنِ دُخُولِ الشَّهْرِ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِالشَّهَادَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا وَحُكِمَ بِالصَّوْمِ جَازَ أَنْ يُنْتَقَلَ عَنْهُ لِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِيُمْكِنَ انْتِقَالُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُنْتَقَلُ لِلشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِ الرُّؤْيَةِ وَهِيَ وَجْهُ ثُبُوتِهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ وَأَمْكَنَ أَنْ يَشِيعَ عَمَّنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ رَجَعَتْ إلَى حُكْمِ الْخَبَرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا رَأَى أَهْلُ الْبَصْرَةَ هِلَالَ رَمَضَانَ، ثُمَّ بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَزِمَهُمْ الصِّيَامُ أَوْ الْقَضَاءُ إنْ فَاتَ الْأَدَاءُ، وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَبَتَ بِالْبَصْرَةِ بِأَمْرٍ شَائِعٍ ذَائِعٍ يَسْتَغْنِي عَنْ الشُّهْرَةِ وَالتَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ إلَّا مَنْ كَانَ يَلْزَمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْحَاكِمِ مِمَّنْ هُوَ فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ يَثْبُتُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ انْتَقَلَ إلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ ثُبُوتِهِ لِتَمَكُّنِ أَخْذِ ذَلِكَ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ مَا يُنْقَلُ عَنْ الْحَاكِمِ ثُبُوتُهُ وَمَا عَمَّتْ رُؤْيَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ عَادَا إلَى حُكْمِ الْخَبَرِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ الْحَاكِمِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَنْ تَنَالُهُ وِلَايَتُهُ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ حَاكِمٌ يَتَفَقَّدُ أَمَرَ النَّاسِ فِي الصَّوْمِ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُضَيِّعُ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِي ذَلِكَ وَيَتَفَقَّدَهُ بِمَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ فَيَصُومَ بِذَلِكَ وَيُفْطِرُ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمَّا تَعَذَّرَ لِعَدَمِهِ أَوْ لِتَفْرِيطِهِ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ فِي ثُبُوتِهِ بِالْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ» يُرِيدُ تَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» يُرِيدُ مَنَعَكُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ سَحَابٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ غَمَمْتُ الشَّيْءَ إذَا سَتَرْتُهُ فَاقْدُرُوا لَهُ يُرِيدُ قَدِّرُوا لِلشَّهْرِ وَتَقْدِيرُهُ إتْمَامُ الشَّهْرِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ إنَّمَا يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِالرُّؤْيَةِ فَأَمَّا بِالتَّقْدِيرِ فَلَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثِينَ. وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَفِي حَدِيثِ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ أَيْ قَدِّرُوا الْمَنَازِلَ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ إلَّا بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَزنِيَّةِ فِي الْإِمَامِ لَا يَصُومُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَا يُفْطِرُ لِرُؤْيَتِهِ، وَإِنَّمَا يَصُومُ وَيُفْطِرُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَاكَمَالِ الْعَدَدِ فَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عُدِمَتْ الرُّؤْيَةُ لَزِمَ إتْمَامُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ كَانَ صَحْوًا أَوْ غَيْمًا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ كَانَ غَيْمًا صَامَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ احْتِيَاطًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» ، وَالدَّلِيلُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا يَوْمُ شَكٍّ فَلَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ صَاحِيَةً. (ش) : قَوْلُهُ «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» يَحْتَمِلُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَلَا يَرِيبُكُمْ نَقْصُهُ إنْ نَقَصَ وَلَا تَشْرَعُوا فِي صَوْمِهِ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ ثُمَّ رَأَيْتُمْ هِلَالَ الْفِطْرِ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَا تَرْتَابُوا بِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " التَّنْبِيهَ عَلَى تَرَائِي الْهِلَالِ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَصُومُوا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا اتَّصَلَ غَمُّ الْهِلَالِ أَشْهُرًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي مَرْكَبٍ فَلَا يَرَوْنَ هِلَالَ رَجَبٍ وَلَا شَعْبَانَ وَلَا رَمَضَانَ فَقَالَ يَنْظُرُونَ أَيَّ هِلَالٍ رَأَوْهُ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ فَيَعُدُّوهُ بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ رَجَبٌ بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ شَعْبَانُ بِثَلَاثِينَ ثُمَّ رَمَضَانُ بِثَلَاثِينَ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ هِلَالُ شَوَّالَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ أَفْطَرُوا وَقَضَوْا مَا أَفْطَرُوا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَرَوْا الْهِلَالَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَيُفْطِرُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَهِلَّةَ قَبْلَ الْهِلَالِ الَّذِي رَأَوْهُ قَدْ كَانَ مِنْهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ مَا اقْتَضَى أَنْ يَرَوْا الْهِلَالَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي رَأَوْهُ فِيهِ وَهَلْ بَنَوْا عَلَى أَنَّ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ فِيمَا نَقَصُوهُ مِنْهُ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ» ) (ش) : قَوْلُهُ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ الشَّهْرِ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ ثَلَاثِينَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْفِطْرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْمُلَ عَدَدُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ، وَإِنَّمَا

(ص) : (مَالِكٌ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَرَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ: إنَّهُ يَصُومُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُوهُ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا وَيَقُولُ أُولَئِكَ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالَ نَهَارًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ إذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ رَمَضَانُ فَجَاءَهُمْ ثَبْتٌ أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ قَدْ رُئِيَ قَبْلَ أَنْ يَصُومُوا بِيَوْمٍ وَأَنْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيْ سَاعَةَ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَ هَذَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ حَتَّى يُرَى الْهِلَالُ الْمُوجِبُ لِلصَّوْمِ أَوْ يُرَى الْهِلَالُ الْمُوجِبُ لِلْفِطْرِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْنَا أَحَدُهُمَا فَهَذَا حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَارِدٌ بَعْدَهُمَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَيْهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَكْمُلَ الْعَدَدُ ثَلَاثِينَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي يَكْمُلُ فَمَعْنَاهُ وَأَنْ يُكْمِلَ الشَّهْرَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَنْ غُمَّ عَلَيْهِ الْهِلَالُ ثَلَاثِينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ الْعَشِيُّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَأَنَّ الْهِلَالَ الَّذِي رُئِيَ هُوَ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ وَأَمَّا إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَجُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ إنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْخَالِيَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ رُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ رَوَاهُ شِبَاكٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا هِلَالٌ رُئِيَ نَهَارًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ أَصْلُهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا رُئِيَ فِي يَوْمِ ثَلَاثِينَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ مُنْفَرِدًا فِي صَحْرَاءَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَصُومُ حَتَّى يَحْكُمَ الْإِمَامُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ فَبِأَنْ يَلْزَمُهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَاللَّيْلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَامِدٌ لِلْفِطْرِ مُنْتَهِكٌ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ لِأَهْلِ الْفِسْقِ وَالْبِدَعِ إلَى الْفِطْرِ قَبْلَ النَّاسِ بِيَوْمٍ وَيَدَّعُونَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُفْطِرُ بِالنِّيَّةِ وَيُمْسِكُ عَنْ الْأَكْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْأَكْلِ يَخْرُجُ عَمَّا خِيفَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ وَحْدَهُ فِي سَفَرٍ فَلْيُفْطِرْ إذْ لَا يَدْرِي لَعَلَّ غَيْرَهُ قَدْ رَآهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَرَهُ لَكَانَ حُكْمُهُ الْإِمْسَاكَ كَاَلَّذِي فِي الْحَضَرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلَا يُفْطِرُ وَيُتِمُّ صَوْمَهُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْهِلَالَ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ فَإِنْ رَآهُ فِي آخِرِ شَعْبَانَ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ، وَإِنْ رَآهُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ.

[من أجمع الصيام قبل الفجر]

غَيْرُ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ إنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) . مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ فَجَاءَهُمْ ثَبْتٌ أَنَّهُ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ كَمَالِ عَدَدِهِ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ. وَالثَّانِي: بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ بِالْأَمْسِ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَلْزَمُ الْإِفْطَارُ سَاعَةَ يَصِحُّ الْخَبَرُ بِذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَلَا يُصَلَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانُوا فِي آخِرِ شَعْبَانَ فِيمَا يَظُنُّونَ فَجَاءَهُمْ الثَّبَتُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ عَنْ جَمِيعِ مَا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ سَوَاءٌ كَانُوا أَكَلُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ لَمْ يَأْكُلُوا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُمْ الْفِطْرُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الْفِطْرِ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْفِطْرُ لِعُذْرٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ كَانَ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْفِطْرِ بَاقِيَ يَوْمِهِ كَالْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَفْطَرُوا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ كَانُوا أَفْطَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُفْطِرُوا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُفْطِرَ جُرْأَةً وَعِلْمًا بِمَا عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقِيَاسُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِالتَّعَمُّدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِالْأَكْلِ لَكَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ أَكَلَ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ لِذَلِكَ صَوْمًا. [مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ] (ش) : قَوْلُهُ لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ الْإِجْمَاعُ لِلصِّيَامِ هُوَ الْعَزْمُ عَلَيْهِ وَالْقَصْدُ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ تَسْتَيْقِظُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَتَرَى الطُّهْرَ فَتَشُكُّ أَنَّ ذَلِكَ الطُّهْرَ لَيْلًا أَنَّهَا تَصُومُ وَتَقْضِي مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذِهِ رِوَايَةٌ فِي أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَقْطَعُ النِّيَّةَ الْمُتَنَاوِلَةَ لِأَوَّلِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أَصْبَحَ وَلَا يَدْرِي بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَثَبَتَ بِرُؤْيَةٍ عَامَّةٍ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى شُهْرَةٍ أَوْ بِرُؤْيَةٍ خَاصَّةٍ تَشْهَدُ عِنْدَ الْإِمَامِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى عَلِمَ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ صَوْمِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ فِيهِ صَوْمًا غَيْرَهُ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا بِنِيَّةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَتَصُومُ فَتُمْسِكُ عَنْ الْأَكْلِ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهَا وَيَكُونُ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمَ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ، ثُمَّ يَقْضِي وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ الطُّهْرَ وَهِيَ تَشُكُّ فِي الْفَجْرِ فَنَوَتْ الصَّوْمَ، ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا أَمْرُ الْفَجْرِ حَتَّى نَامَتْ وَاسْتَيْقَظَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَقَدْ فَاتَهَا تَبَيُّنُ أَمْرِهَا فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ أَنَّهَا قَدْ أَدْرَكَتْ وَقْتَ النِّيَّةِ وَتَقْضِيه؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ أَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : قَوْلُهُ لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ مَنَعَ الصَّوْمَ دُونَ نِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ الصَّوْمِ مُعَيَّنًا كَرَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إنَّ الْفَرْضَ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالنَّفَلُ يُجْزِئُهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ شَرْعِيٌّ فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْلُهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَأَصْلُهُ مَعَ الشَّافِعِيِّ الْفَرْضُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَوَقْتُ النِّيَّةِ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ يَوْمِ الْفِطْرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْهُ إذَا كَانَ قَبْلَهُ يَوْمُ فِطْرٍ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ فَوَقْتُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَتِهِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِهِ. وَوَجْهُ التَّوْسِعَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الدُّخُولِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْمُكَلَّفِ وَهُوَ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَفِي ارْتِقَابِ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ صَوْمٍ مُعَيَّنٍ زَمَنُهُ فَنَوَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ نِيَّتِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ فَجْرَ يَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ صَوْمٌ يَتَعَيَّنُ زَمَنُهُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَنْ يَسْتَصْحِبَهَا إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ جَمِيعِ رَمَضَانَ مِنْ أَوَّلِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذَا قَدْ نَوَى جَمِيعَ الشَّهْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ تَجِبُ فِي الْعَامِ مَرَّةً فَجَازَ أَنْ تَشْمَلَهَا نِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى صَوْمًا مُتَتَابِعًا أَوْ مُعَيَّنًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ أَوْ كَانَ شَأْنُهُ سَرْدَ الصِّيَامِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ الصَّوْمِ لِكُلِّ يَوْمٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي كُلِّ صِيَامٍ مُتَّصِلٍ مُتَتَابِعٍ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالنَّذْرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ التَّبْيِيتَ لِجَوَازِ فِطْرِهِ، وَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ حُكْمَ نِيَّةِ الصَّوْمِ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى زَمَانِ صَوْمِهَا إلَّا بِزَمَانٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ فِطْرُ نَهَارٍ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ الصَّوْمِ وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْيَوْمَ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَمَنِ صَوْمِهَا نَهَارٌ يَجُوزُ فِطْرُهُ وَلَا صَوْمُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ذَلِكَ الصَّوْمِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ وَأَلْزَمَهُ نَفْسَهُ صَحَّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِيهِ وَالِالْتِزَامَ لَهُ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ فِي النِّيَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا تَخَلَّلَهُ مِنْ أَزْمِنَةِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ بِمَا تَخَلَّلَهُ مِنْ زَمَنِ اللَّيْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُجْزِئُ الْأَدَاءُ عَنْ الْقَضَاءِ؟ يَتَخَرَّجُ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْوَالِ أَصْحَابِنَا فِي الْأَسِيرِ إذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ فَصَامَ شَعْبَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ رَمَضَانُ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُجْزِئُهُ الشَّهْرُ الثَّانِي عَنْ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَنْهُ، وَقَدْ قِيلَ لَا يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا نِيَّةُ الْقَضَاءِ عَنْ نِيَّةِ الْأَدَاءِ فَيَتَخَرَّجُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَجْهَانِ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْوَالِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ صَامَ رَمَضَانَ قَضَاءً عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي حَضَرَ وَيَقْضِي الْأَوَّلَ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ التِّلْيَانِيُّ مَعْنَاهُ يُجْزِئُ عَنْ الْمَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في تعجيل الفطر]

مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا، ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ] (ش) : قَوْلُهُ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى سُنَّةٍ وَسَبِيلٍ، وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى وَجْهِ التَّشَدُّدِ وَالْمُبَالَغَةِ وَاعْتِقَادِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْفِطْرُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى حَسِبَ مَا تَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَ فِطْرَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَمْرٍ عَنَّ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ كَمُلَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُوَاصِلُ أَحَدٌ مِنْ السَّحَرِ إلَى السَّحَرِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ الْأَخْذُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ أَيُّكُمْ أَرَادَ تَأْخِيرَ الْأَكْلِ لِمَانِعٍ مَنَعَهُ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ شُغْلٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُؤَخِّرْ إلَى السَّحَرِ وَلَا يَصِلُ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ زَمَنَ اللَّيْلِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ دُونَ النَّهَارِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ النَّهَارِ بِالصَّوْمِ دُونَهُ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عَنْ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَأَيْت اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» فَجَعَلَ مَجِيءَ اللَّيْلِ فِطْرًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَتَمَامُ الصَّوْمِ وَوَقْتِ الْفِطْرِ هُوَ إذَا انْقَضَى غُرُوبُ الشَّمْسِ وَكَمُلَ ذَهَابُ النَّهَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِمْسَاكَ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِيَتَيَقَّنَّ صِيَامَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَبِمَاذَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُفْرَدُ أَوْ مَنْ كَانَ فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ مُؤَذِّنُونَ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ أَمْسَكَ لِلصَّوْمِ، وَإِذَا رَأَى الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ أَفْطَرَ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَأَمَّا الْبَصِيرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي الْمِصْرِ فِيهِ الْمُؤَذِّنُونَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إذَا كَانَ أَذَانُهُمْ عِنْدَ الْفَجْرِ، وَإِنْ رَأَى هُوَ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَلَا يُفْطِرُ حَتَّى يُؤَذِّنُوا، وَإِنْ رَأَى هُوَ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ؛ لِأَنَّهُمْ مُوَكَّلُونَ بِذَلِكَ وَهُمْ رُعَاتُهُ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَلَا يَنْتَظِرُ إلَى مُؤَذِّنٍ وَلَا مُثَوِّبٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْفَجْرَ فَكَانَ فِي مَوْضِعٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَى الْفَجْرَ فَلْيَحْتَطْ، وَكَذَلِكَ الْفِطْرُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَشُكَّ فَإِذَا شَكَّ فَلْيَحْتَطْ وَلَا يَنْتَظِرُ الْمُؤَذِّنَ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ مُؤَذِّنُونَ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ عِيسَى وَأَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمُزَنِيَّة. (ش) : قَوْلُهُ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ يُرِيدُ حِينَ كَانَا يَرَيَانِهِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» فَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ إذَا رَأَيَا سَوَادَ اللَّيْلِ فِي أُفْقِ الْمَشْرِقِ تَيَقَّنَا غُرُوبَ الشَّمْسِ فِي أُفْقِ الْمَغْرِبِ يَشْرَعَانِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ تَعْجِيلَهَا مَشْرُوعٌ فَكَانَا يَبْدَآنِ بِالْعِبَادَةِ فَإِذَا فَرَغَا مِنْ الصَّلَاةِ أَفْطَرَا وَلَيْسَ هَذَا بِتَأْخِيرٍ لِلْفِطْرِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا كُرِهَ مِمَّنْ أَخَّرَهُ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ لِلْمُبَادَرَةِ إلَى عِبَادَةٍ.

[ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان]

مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ] (ش) : قَوْلُهُ «إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ نَوَى الصِّيَامَ وَقْتَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيُصْبِحُ جُنُبًا فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصِّيَامِ أَمْ لَا فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ وَلَا يَمْنَعُهُ حَدَثُ الْجَنَابَةِ مِنْ صِحَّةِ صَوْمِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِلرَّجُلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ حَالِ نَفْسِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ حُكْمُ السَّائِلِ وَلَوْ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَا جَازَ أَنْ يُجِيبَهُ بِمِثْلِ هَذَا أَنَّهُ يَفْعَلُهُ هُوَ وَيُجْزِئُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ «لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ» ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى شِدَّةِ الْإِشْفَاقِ وَكَثْرَةِ الْخَوْفِ وَالتَّوَقِّي إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَعْتَقِدَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتِكَابَ مَا شَاءَ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُحِلَّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ فَأَتَى بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَشَدُّ مِنْ مُرَادِهِ. وَقَدْ رُوِيَ «لَسْنَا مِثْلَك يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ» وَهَذَا أَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا يَمْنَعُ الْأُمَّةَ أَنْ تَقْتَدِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَغَضِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمَّا مَنَعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: «وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» مَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا غُفِرَ مِنْ ذَنْبِي لَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ بَلْ أَنَا أَخْشَاكُمْ وَمِنْ خَشْيَتِي لَهُ أَنِّي أَعْلَمُكُمْ بِمَا أَجْتَنِبُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِدَاءِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا قَالَتَا «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ» ) (ش) : قَوْلُهُمَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ» عَلَى مَعْنَى الْإِبْلَاغِ فِي الْبَيَانِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ لِمَا كَانَ وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدُ ذَلِكَ فَاضْطُرَّتَا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْبَيَانِ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ وَوُجُوهُ الِاحْتِمَالِ وَتَخْلِيصُ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَحْدَاثَ كُلَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ عَمْدٍ أَوْ غَيْرِ عَمْدٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ فَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَافُ بِخَبَرِ عَائِشَةِ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَهُمَا أَعْلَمُ بِهَذَا لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاطِّلَاعِهِمَا فِي ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِمَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ مِنْ أَمْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حَدَثُ الْحَيْضِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ أَخَّرَتْ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: إنْ حَدَثَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَأَبِي عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ مَرْوَانُ وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَتَذْهَبَنَّ إلَى أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَلْتَسْأَلْهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنَّا كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانِ بْنِ الْحَكَمِ فَذُكِرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا وَاَللَّهِ «قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ» قَالَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا قَالَتَا فَقَالَ مَرْوَانُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَتَرْكَبَنَّ دَابَّتِي الَّتِي بِالْبَابِ فَلْتَذْهَبَنَّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَلَتُخْبِرَنَّهُ ذَلِكَ فَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَتَحَدَّثَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَاعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ إنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا قَالَتَا إنْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا زَالَ مُوجَبُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا يَمْنَعُ بَقَاءُ حُكْمِهِ صِحَّةَ الصَّوْمِ كَحَدَثِ الْجَنَابَةِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الَّتِي تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَتَأْخُذُ فِي الْغُسْلِ دُونَ تَوَانٍ فَلَا يَكْمُلُ غُسْلُهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهَا كَالْحَائِضِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَجَعَلَ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الصَّوْمِ إمْكَانَ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ تَصُومُ وَيُجْزِئُهَا وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ إنَّهَا تُفْطِرُ وَلَيْسَتْ كَالْجُنُبِ. (ش) : قَوْلُهُ كُنَّا عِنْدَ مَرْوَانَ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَفْطَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ دَلِيلٌ عَلَى تَذَاكُرِهِمْ بِالْعِلْمِ فِي مَجَالِسِ عُلَمَائِهِمْ وَأُمَرَائِهِمْ وَتَحَفُّظِهِمْ لِأَقْوَالِ النَّاسِ فِيهِ وَقَوْلُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ " أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَذْهَبَنَّ إلَى أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْتَسْأَلْهُمَا " حِرْصٌ عَلَى مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ وَمُوجَبِ الشَّرِيعَةِ سُؤَالُ مَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَلِذَلِكَ خَصَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالسُّؤَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ الرَّدِّ لَيْسَ فِيهِ أَذًى لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا تَقْصِيرٌ عَنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ لَا سِيَّمَا فِيمَا عِنْدَهَا فِيهِ النَّصُّ الَّذِي لَا تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ، وَإِنْكَارِ التَّعَلُّقِ بِمَا أُورِدَ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ وَهَذَا لِمَا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبٌ لَازِمٌ لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ ثُمَّ ذَكَرَتْ مَا عِنْدَهَا مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ، وَقَالَتْ «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ» ، وَإِنَّمَا بَيَّنَتْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ هُوَ وَلَا حَدَثُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يُرِيدُ أَنَّهَا وَافَقَتْهَا فِي الْحُكْمِ

[ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم]

مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا، وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، ثُمَّ رَجَعَتْ امْرَأَتُهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَوَجَدَتْ عِنْدَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ أَخْبَرْتُهَا فَذَهَبَتْ إلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا، وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَعَلَّهَا لَمْ تَأْتِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَقَوْلُ مَرْوَانَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُخْبِرَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْصَاءِ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِيُعْلَمَ مَا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا أَوْ مَنْسُوخًا أَوْ يُوجِبُ تَخْصِيصًا أَوْ تَأْوِيلًا. (فَصْلٌ) : تَحَدُّثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ وَتَقْدِيمِ التَّأْنِيسِ، وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ تَسْلِيمٌ مِنْهُ لِلْحُكْمِ وَانْقِيَادٌ لِلْحَقِّ إذْ جَاءَهُ مِنْ النَّصِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ مِنْ عِنْدِ مَنْ لَا يَشُكُّ فِي ثِقَتِهِ وَلَا حَفِظَهُ وَعِلْمِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ بَعْدَ الْأَصْلِ قَوْلُهُ بِذَلِكَ وَالْمُخْبِرُ الَّذِي أَخْبَرَهُ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ تَرَكَ فُتْيَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُؤَكِّدُ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ قَوْله تَعَالَى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فَأَبَاحَ الْوَطْءَ إلَى تَبْيِينِ الْفَجْرِ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ اغْتِسَالُهُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ. [مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ] (ش) : قَوْلُهُ «فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا» يُرِيدُ حَزِنَ وَأَشْفَقَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْظُورًا وَلَعَلَّهُ وَقْتَ أَنْ قَبَّلَ غَفَلَ عَنْ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَأَشْفَقَ مِنْ فِعْلِهِ لَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهَا بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ هُوَ الْقُدْوَةُ وَالْأُسْوَةُ وَإِذْ لَا يَفْعَلُ الْمَحْظُورَ وَلَا يَأْتِيه. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَزَادَهُ لِذَلِكَ شَرًّا» يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَدَامَ الْأَسَفَ وَالْحُزْنَ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى حُزْنِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ السُّؤَالِ لَمْ يَأْتِهِ بِمَا يُقْنِعُهُ وَيُؤَمِّنُ خَوْفَهُ مِمَّا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَثِمَ بِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى زَادَهُ هُنَا أَدَامَ لَهُ الْأَسَفَ وَالْحُزْنَ وَلَمْ يُزِلْهُ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى زَادَهُ ذَلِكَ حُزْنًا اشْتَدَّ حُزْنُهُ لِمَا يَقْوَى عِنْدَهُ مِنْ سَنَدِ الْحَظْرِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ الْإِبَاحَةِ غَيْرُ مَا أَخْبَرَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَجَعَتْ امْرَأَتُهُ لِتَسْأَلَ لَهُ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ مِمَّا يُقْتَدَى فِيهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ سَلَمَةَ قَدْ عَلِمْتِ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذَا فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَهَا بِذَلِكَ وَفِيهِ الْمُقْنِعُ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَنَّ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمْ تُخْبِرْهَا بِذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَنَبَّهَهَا عَلَى الْإِخْبَارِ بِأَفْعَالِهِ إذْ هِيَ السُّنَنُ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ أَكْثَرُ هَذِهِ الْمَعَانِي عَنْ أَزْوَاجِ

ص (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ إنْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَضْحَكُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَاتِكَةَ ابْنَةَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تُقَبِّلُ رَأْسَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا يَنْهَاهَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا هُنَالِكَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا يَمْنَعُك أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلَاعِبَهَا فَقَالَ أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَتْ نَعَمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ أَنْ يُخْبِرْنَ بِذَلِكَ لِيَقْتَدِيَ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] فَلَمَّا عِلْمَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدْ أَعْلَمَتْهَا بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ قَدْ اعْتَقَدَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْكَارًا لِقَوْلِهِ وَلِتَرْكِ التَّأَسِّي بِهِ «، وَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» . ص (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ إنْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَضْحَكُ» ) (ش) : قَوْلُهَا «يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ وَلَا يَمْلِكُهَا لِئَلَّا تَكُونَ سَبَبًا إلَى مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَالْمُبَاشَرَةُ تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْقُبْلَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِمَا مِنْ بَابِ الِاسْتِمْتَاعِ وَرُبَّمَا سَبَّبَا مَا لَا يَمْلِكُ مِنْ مَذْيٍ أَوْ مَنِيٍّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «، ثُمَّ تَضْحَكُ» يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ تَضْحَكُ عِنْدَ ذَلِكَ لِمَا كَانَتْ تُخْبِرُ بِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَلَعَلَّهَا هِيَ الْمَخْبَرُ عَنْهَا وَالنِّسَاءُ لَا يُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ بِمِثْلِ هَذَا فَكَانَتْ تَتَبَسَّمُ مِنْ إخْبَارِهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْحُكْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُشِيرَ بِضَحِكِهَا إلَى أَنَّهَا هِيَ الْمَخْبَرُ عَنْهَا لِتَحَقُّقِ مَعْرِفَتِهَا بِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَضْحَكَ تَعَجُّبًا مِمَّنْ يُخَالِفُهَا فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْتَذْكِرَ حُبَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا فَتَضْحَكُ سُرُورًا بِذَلِكَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْلَى وَأَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهَا إنَّهَا كَانَتْ تُقَبِّلُ رَأْسَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَائِمٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ وَالْبِرِّ وَقَوْلُهُ وَهُوَ صَائِمٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا هِيَ صَائِمَةٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فِي وَقْتِ صَوْمِهِ فِي رَمَضَانَ أَوْ يَكُونَ صَوْمُهُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى صَوْمِهِ لِلِالْتِذَاذِ بِمُبَاشَرَتِهَا لِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ مِلْكَهَا فِي مِثْلِ هَذَا لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْهَهَا وَلَعَلَّهُ قَدْ الْتَذَّ بِفِعْلِهَا. (ش) : قَوْلُهَا مَا يَمْنَعُك أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلَاعِبَهَا قَصْدًا لِتَعْلِيمِهِ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ وَإِعْلَامِهِ بِجَوَازِهِ وَأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقْصِدْ بِذَلِكَ أَمْرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُؤْمَرُ بِمِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِ فَاعِلِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةٌ لِتَقْبِيلِهِ إيَّاهَا بِحَضْرَةِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَرَ بِهِ وَلَا يُفْعَلُ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا سَأَلَتْهُ عَنْ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إنَّ كَانَ الصَّوْمَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَهَا ذَلِكَ عَنْهُ فَأَرَادَتْ أَنْ تُعْلِمَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ إظْهَارٌ لِلْأَمْرِ الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَانِعُهُ مِمَّا أَبَاحَتْهُ لَهُ فَقَالَتْ لَهُ نَعَمْ وَلَمْ تُعِدْ عَلَيْهِ الْحَضَّ مِنْ الْمُلَاعَبَةِ وَالتَّقْبِيلِ بَعْدَ أَنْ كَمَّلَتْ تَعْلِيمَهُ الْحُكْمَ فَثَبَتَ إنَّهَا إنَّمَا قَصَدَتْ التَّعْلِيمَ دُونَ الْحَضِّ عَلَى الْمُلَاعَبَةِ، وَلَعَلَّ عَائِشَةَ قَدْ عَلِمَتْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ مِثْلِ هَذَا بِخَبَرِ زَوْجِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَلِذَلِكَ أَبَاحَتْهُ لَهُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا الْقُبْلَةُ فِي التَّطَوُّعِ فَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا، وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَإِنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

[ما جاء في التشديد في القبلة للصائم]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ) . مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ إذَا ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ تَقُولُ وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْلٍ وَلَا فَرْضٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ) (ش) : قَوْلُهُ كَانَا يُرَخِّصَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَابَ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْعٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُطْلَقًا مُبَاحًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ رُخْصَةً مَا يَتَعَلَّقُ بِبَابِهِ الْمَنْعُ وَأَرْخَصَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِأَمْرٍ مَا. [مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ] (ش) : قَوْلُهَا «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ تَقُولُ وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقُبْلَةَ قَدْ تَئُولُ بِصَاحِبِهَا إلَى إفْسَادِ الصَّوْمِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ يُقَبِّلُ فَإِنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ مِلْكًا لَا يَجُوزُ مَعَهُ إفْسَادُ صَوْمِهِ فَمَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ هَذَا الْمِلْكَ حَتَّى يُقْتَدَى بِهِ فِي اسْتِنَانِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَبْقَى عَلَى نَفْسِهِ عَاقِبَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ هَذَا الْفِعْلُ فَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ. (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ لِلصَّائِمِ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ) (ش) : قَوْلُهُ لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ يُرِيدُ أَنَّهَا مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَالْإِنْزَالِ وَهَذَا مِمَّا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَلَيْسَ فِي قَصْدِهَا وَالْفِعْلِ بِهَا لِمَنْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ إلَّا التَّغْرِيرُ بِصَوْمِهِ، وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ وَعَرَفَ الِانْقِيَادَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهَا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَدَّدَ مَالِكٌ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ شَدَّدَ فِي الْقُبْلَةِ فِي الْفَرِيضَةِ وَأَرْخَصَ فِيهَا فِي التَّطَوُّعِ وَتَرْكُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضِيقٍ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ صَوْمُ الْفَرْضِ يَمْنَعُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ كَسَائِرِ الْمَوَانِعِ. (ش) : قَوْلُهُ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ فِي الْغَالِبِ يَمْلِكُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ وَالشِّدَّةِ إلَى مَعَانِي الْجِمَاعِ مَا فِي الشَّابِّ فَهُوَ يَأْمَنُ عَاقِبَةَ الْقُبْلَةِ وَلَا يَتَيَقَّنُ أَنْ يَتَسَبَّبَ مِنْهَا مَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ، وَأَمَّا الشَّابُّ فَلَا يَقْدِرُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ لِحِدَّتِهِ وَشَرَهِهِ إلَى أَمْرِ النِّسَاءِ وَقُوَّةِ شَهْوَتِهِ فَرُبَّمَا أَفْضَى بِهِ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُمْنِيَ لِإِفْرَاطِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَيَفْسُدَ صَوْمُهُ، وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الشَّبَابِ مَنْ يَأْمَنُ هَذَا وَيَمْلِكُ نَفْسَهُ فِيهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ. (ش) : نَهْيُهُ عَنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خَوْفِ مَا يَحْدُثُ عَنْهَا فَإِنْ قَبَّلَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ بَاشَرَ فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَأَنْعَظَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ قُبُلِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَمْدِيسِيَّةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْنِيَ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِنْعَاظَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ لَذَّةٍ شَدِيدَةٍ وَيَتَيَقَّنُ مَعَهُ انْفِصَالَ الْمَاءِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ وَسَلَامَتَهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ اللَّذَّةَ غَيْرُ مُرَاعَاةٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكَادُ يَسْتَبِدُّ مِنْهَا وَلَوْ رُوعِيَ سَلَامَةُ الصَّوْمِ مِنْهَا لَبَطَلَ أَكْثَرُ الصَّوْمِ وَلَوْ بَلَغَتْ اللَّذَّةُ مَبْلَغًا يُخَافُ مِنْهُ انْفِصَالُ الْمَاءِ لَمَا سَلِمَ مِنْ الْمَذْيِ فَإِذَا عَرَا مِنْ الْمَذْيِ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَذَّةٌ يَسِيرَةٌ لَا يَنْفَصِلُ مَعَهَا الْمَاءُ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ، وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ لَا يَقْضِي إلَّا أَنْ يُمْنِيَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَذْيًا أَوْ مَنِيًّا فَإِنْ كَانَ مَذْيًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ

[ما جاء في الصيام في السفر]

مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، ثُمَّ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ ذَلِكَ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ فَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّنَا إنَّمَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَدَاءَ صَوْمِهِ وَلَا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَيَقُّنِ الْفِطْرِ عَلَى صِفَاتٍ مُعْتَبَرَةٍ وَنَحْنُ لَا نَتَيَقَّنُ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَمْنَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا؟ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبَّلَ قُبْلَةً وَاحِدَةً فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ فَالْتَذَّ فَعَاوَدَ فَأَنْزَلَ فَإِنْ قَبَّلَ قُبْلَةً وَاحِدَةً أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَنْزَلَ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُكَرِّرَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي النَّظَرِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ لَيْسَتْ بِفِطْرٍ فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تُيُقِّنَ أَنْ يَئُولَ إلَى الْأَمْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ فَإِذَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَقْصِدْ الْإِنْزَالَ وَافَسَادَ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَإِذَا كَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَ إفْسَادَ صَوْمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَظُنَّ مِنْهُ وُقُوعَ الْإِنْزَالِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ يَقَعُ بِهَا الْإِنْزَالُ كَثِيرًا وَهِيَ مِنْ دَوَاعِيهِ فَلَا تُفْعَلُ غَالِبًا إلَّا لِمَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي مِنْ صَدَدِهِ الْإِنْزَالُ فَالْفَاعِلُ لَهَا مُغَرِّرٌ بِصَوْمِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبَ إفْسَادِ صَوْمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَدَامَ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي لِلصَّائِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّظَرُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَالَمَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ لَذَّةٍ فَإِنْ نَظَرَ نَظْرَةً وَاحِدَةً يَقْصِدُ بِهَا اللَّذَّةَ فَأَنْزَلَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِهَا الِاسْتِمْتَاعَ كَانَتْ كَالْقُبْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَرَوَى فِي الْمُزَنِيَّة عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ مُتَجَرِّدَةٍ فَالْتَذَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُدِيمَ النَّظَرَ إلَيْهَا تَلَذُّذًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفَرَّقَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ بَيْنَ النَّظَرِ وَبَيْنَ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَاعَبَةِ فَجَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْكَفَّارَةَ. [مَا جَاءَ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ] (ش) : قَوْلُهُ «خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ يُرِيدُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لِصَوْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَهَذَا مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَقَدِيدٍ كَذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ «فَأَفْطَرَ بِهِ فَأَفْطَرَ النَّاسُ لِفِطْرِهِ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِيَتَقَوَّوْا لِعَدُوِّهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لِذَلِكَ أَخَّرَ الْفِطْرَ إلَى الْكَدِيدِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ يَصِحُّ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ الْفِطْرُ أَفْضَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّوْمَ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ فَالْمُبَادَرَةُ إلَى إبْرَائِهَا أَوْلَى لِمَا رُبَّمَا طَرَأَ مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْأَشْغَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ أَنَّ الذِّمَّةَ تَبْرَأُ بِمَا يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْقَصْرِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الذِّمَّةُ مُشْتَغِلَةٌ بِالصَّوْمِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ مَا دَامَ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَدِمَ فِي أَضْعَافِ سَفَرِهِ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ فَلَهُ الْفِطْرُ حَتَّى يَعْزِمَ عَلَى مُقَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ تَخْتَصُّ إبَاحَتُهُ بِالسَّفَرِ فَأَشْبَهَ الْقَصْرَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَوْلَاهُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ، وَقَالَ تَقْوَوْا لِعَدُوِّكُمْ وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي لَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَرَجِ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ، ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ طَائِفَةً مِنْ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْت قَالَ فَلَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَدِيدِ دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ» ظَاهِرُ أَمْرِهِ النَّدْبُ لِمَا قَرَنَهُ بِهِ مِنْ الْعِلَّةِ الدَّاعِيَةِ لِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ «تَقْوَوْا لِعَدُوِّكُمْ» فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ فِطْرِهِمْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ السَّفَرَ لَمَا عَلَّلَ بِالتَّقَوِّي لِلْعَدُوِّ وَلَعَلَّلَ بِالسَّفَرِ فَقَالَ فَإِنَّ السَّفَرَ لَا يَحِلُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَلَا يَصِحُّ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الصَّوْمِ لِمَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالْجَلَدَ، وَقَدْ بَلَغَ بِهِ شِدَّةُ الْعَطَشِ أَوْ الْحَرِّ أَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى صَوْمِهِ وَلِيُخَفِّفْ عَنْ نَفْسِهِ بَعْضَ أَلَمِ الْحَرِّ أَوْ الْعَطَشِ وَهَذَا أَصْلٌ فِي اسْتِعْمَالِ مَا يَتَقَوَّى بِهِ الصَّائِمُ عَلَى صَوْمِهِ مِمَّا لَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ مِنْ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ وَالْمَضْمَضَةِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعِينُهُ عَلَى الصَّوْمِ وَلَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي فَمِهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَصْرِفُهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَيُكْرَهُ لَهُ الِانْغِمَاسُ فِي الْمَاءِ لِئَلَّا يَغْلِبَهُ الْمَاءُ مَعَ ضِيقِ نَفَسِهِ فَيَفْسُدَ صَوْمُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ هُوَ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الْقَصْرَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ، وَذَلِكَ مَسِيرَةُ الْيَوْمِ التَّامِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ قَالَ مَالِكٌ وَيُنْظَرُ لِرَاكِبِ الْبَحْرِ أَنْ يَكُونَ مَسِيرُهُ فِي الْبَحْرِ قَدْرَ مَسِيرِهِ فِي الْبَرِّ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ طَائِفَةً مِنْ النَّاسِ قَدْ صَامُوا حِينَ صُمْت» ، وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَسُّوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْقُوَّةَ وَاغْتَنَمُوا الْأَجْرَ لَمَّا رَأَوْهُ صَامَ فَصَامُوا فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِأَحْوَالِهِمْ وَبِمَا يُطِيقُونَهُ مِنْ ذَلِكَ دَعَا بِالْكَدِيدِ بِمَاءٍ فَشَرِبَ فَأَفْطَرَ وَعَلِمُوا بِإِفْطَارِهِ فَأَفْطَرُوا، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ بَعْضَ الْعَمَلِ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِئَلَّا يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ مِنْ نَسْقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنَّمَا أَفْطَرَ لِئَلَّا يَتَكَلَّفَ أَصْحَابُهُ الصَّوْمَ فَيَضْعُفُونَ عَنْ الْعَمَلِ وَعَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إفْطَارُهُ نَهَارًا لِيُرِيَهُمْ فِطْرَهُ بَعْدَ أَنْ نَوَى مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ. وَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّهُ أَفْطَرَ بَعْدَ أَنْ بَيَّتَ الصِّيَامَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْفِعْلُ الْأَمْرَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَاجِبِ وَأُلْحِقَ بِهِ التَّقَوِّي لِلْعَدُوِّ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَرُورَةً تُبِيحُ الْفِطْرَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ إلَّا بِوُجُودِ الضَّعْفِ أَوْ الْعَطَشِ بِاللِّقَاءِ وَالْحَرْبِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِهَذَا الْفِطْرِ اسْتِعْدَادًا لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَهَذَا لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ بَعْدَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ صِيَامَ رَمَضَانَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِفِطْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَدِيدِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَبْيَنُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَصُومُ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ مَعَهُ فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ فَلَا يَأْمُرْنَا بِالصِّيَامِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ بَعْدَ انْعِقَادِ صَوْمِهِ فِي سَفَرِهِ وَأَوْجَبَ مَالِكٌ عَلَيْهِ بِهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَالَ مُطَّرِفٍ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ سَوَاءٌ بَيَّتَ أَوْ لَمْ يُبَيِّتْ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحَمَلَهُ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْفِطْرِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّوْمِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ كِنَانَةَ يُمْنَعُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَلَبَّسَ فِيهَا بِالصَّوْمِ فَإِنَّ فِطْرَهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْمُقِيمِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ تَلَبَّسَ بِالصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ لِمَا طَرَأَ مِنْ السَّفَرِ تَأْثِيرًا فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ يُسْقِطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ كِنَانَةَ مَا احْتَجَّا بِهِ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ انْعَقَدَ فِي حَالَةٍ أُبِيحَ لَهُ تَرْكُهُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ. (ش) : قَوْلُهُ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ كَانَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ اخْتِيَارِهِ وَبِحَسَبِ قُوَّتِهِ وَيَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ لَهُ جَائِزٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِاعْتِقَادِهِ جَوَازَ الْفِطْرِ وَلَمْ يَعِبْ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ صَوْمَهُ لِاعْتِقَادِ جَوَازِ الصَّوْمِ. (ش) : قَوْلُهُ «إنِّي رَجُلٌ أَصُومُ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ» سُؤَالٌ عَنْ إجْزَاءِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَجَوَازِهِ لِمَنْ فَعَلَهُ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَقَالَ «إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» وَسُؤَالُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عَامٌّ فَإِذَا خَرَجَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى عُمُومِهِ فَحُمِلَ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَخُصُّ صَوْمًا دُونَ صَوْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ) ش يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لِضَعْفِهِ عَنْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَوَقْتَ ضَعْفِهِ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَجَدَ فِيهَا الْعَجْزَ عَنْ الصِّيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُفْطِرُ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّوْمِ فِيهِ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّوْمَ فِيهِ مَمْنُوعًا أَوْ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَلَى مَا تَأَوَّلَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، وَإِنَّمَا حَمَلَ ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى سَفَرٍ مَخْصُوصٍ كَانَ الْفِطْرُ فِيهِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ أَوْ وَاجِبًا لِمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ التَّقَوِّي لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ» تَبْيِينٌ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَالْمُخَالِفُ يَقُولُ لَا يُجْزِئُ قَالَ هِشَامٌ فَكَانَ عُرْوَةُ يَصُومُ، وَذَلِكَ إنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ صَوْمَهُ يُجْزِيهِ وَكَانَ يُبَادِرُ إلَى إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَأَدَائِهِ لِفَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ مِنْ نَفَسِهِ الْقُوَّةَ وَكَانَ لَا يُنْكِرُ عَلَى بَنِيهِ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الصَّوْمِ.

[ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان]

مَا يَفْعَلُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ فِي رَمَضَانَ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ فَعِلْم أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي رَمَضَانَ وَطَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ بِأَرْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَإِنَّهُ يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْدَمُ مِنْ سَفَرِهِ وَهُوَ مُفْطِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُفْطِرَةٌ حِينَ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فِي رَمَضَانَ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا إنْ شَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَفْعَلُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ فِي رَمَضَانَ] (ش) : قَوْلُهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ الْمَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ آخِرُ اللَّيْلِ فَعَلَى هَذَا كَانَ صَوْمُهُ مُسْتَحْسَنًا. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ أَهْلَهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ وَطَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ) ش وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دَخَلَ مِنْ سَفَرِهِ إلَى أَهْلِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ بِدُخُولِهِ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّوْمُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَذْهَبُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ بِدُخُولِهِ إلَى أَهْلِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُبَادِرَ إلَى أَدَاءِ فَرْضِهِ فِي مَحِلِّهِ وَمَوْضِعِهِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ الصَّوْمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ ذَلِكَ الْخَارِجَ لِسَفَرٍ لَا يَخْلُو أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ نَهَارًا قَبْلَ خُرُوجِهِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ خَرَجَ أَوْ أَقَامَ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي أُهْبَتِهِ لِلسَّفَرِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِيهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي غَيْرِ الْوَاضِحَةِ إنْ خَرَجَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِطْرَهُ وُجِدَ قَبْلَ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ لِسَفَرِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ كَانَ مُسَافِرًا فَكَانَ لَهُ الْفِطْرُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} [البقرة: 187] وَهَذَا أَمْرٌ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَإِذَا تَلَبَّسَ بِهَا فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ كَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا حَضَرِيَّةً كَالصَّلَاةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَفْطَرَ فَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ كِنَانَةٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَعْنًى لَوْ قَارَنَ أَوَّلَ الصَّوْمِ لَأَسْقَطَ الْكَفَّارَةَ فَإِذَا طَرَأَ بَعْدَ انْعِقَادِ الصَّوْمِ أَبْطَلَ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ كَالْمَرَضِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بِأَنَّ هَذَا فِطْرُ عَمْدٍ صَادَفَ صَوْمًا قَبْلَ السَّفَرِ فَلَمْ يُبْطِلْ السَّفَرُ الْكَفَّارَةَ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ السَّفَرِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِإِبَاحَةِ السَّفَرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَضَرَ وَالْمَرْأَةُ تُفْطِرُ لِأَجْلِ حَيْضَتِهَا فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا، وَإِنْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فَإِذَا جَازَ لَهُمَا الْفِطْرُ جَازَ لَهُمَا الْجِمَاعُ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ لِعِلَّةٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيمُ الْفِطْرَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَإِنْ زَالَتْ الْعِلَّةُ مِثْلُ الْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالْمَرِيضِ يُطَمْئِنُ

[كفارة من أفطر في رمضان]

كَفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ لَا أَجِدُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ كُلْهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُسَافِرُ يَقْدَمُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَتَى زَالَتْ عِلَّةُ الْفِطْرِ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الْفِطْرَ لِعِلَّةِ سَفَرٍ أَبَاحَ لَهُ الْفِطْرَ فَكَانَتْ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْفِطْرِ كَمَا لَوْ اسْتَدَامَ السَّفَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ بِتَرْكِهَا الْإِسْلَامَ وَالصَّوْمَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا مَا تَقَدَّمَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ بَعْدَ الْفَجْرِ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُفَّ عَمَّا يَفْعَلُهُ الْمُفْطِرُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْطِرُ مِنْ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45] {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 46] ، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَفْطَرَ لِعَطَشٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَتَمَادَى عَلَى فِطْرِهِ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُفْطِرُ بَعْدَ أَنْ يَزُولَ عَطَشُهُ بِالشُّرْبِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَدِيمَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهِ كَالْمَرِيضِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِضَرُورَةِ الْعَطَشِ فَإِنْ زَالَ الْعَطَشُ رَجَعَ إلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُضْطَرِّ إذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ. [كَفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ] (ش) : اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي لَفْظٍ فَقَالَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ» وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الرُّوَاةِ فَقَالُوا «إنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ» وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ بِلَفْظٍ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَقِيلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ عَلَى «أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْعِتْقِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامٌ» . (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «إنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ» الْفِطْرُ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِدَاخِلٍ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ أَوْ إيلَاجٍ وَهُوَ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ وَهَوَائِهِ أَوْ بِخَارِجٍ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فَهَذِهِ مَعَانٍ يَقَعُ بِجَمِيعِهَا الْفِطْرُ وَافَسَادُ الصَّوْمِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَسَدَ الصَّوْمُ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَأَمَّا الْمَعْذُورُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ فِطْرُهُ مِنْ الْعَمْدِ وَالْهَتْكِ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ إيلَاجٍ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِإِيلَاجٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا قَصْدٌ إلَى الْفِطْرِ وَهَتْكُ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَالْمُجَامِعِ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْفِطْرُ بِالدَّاخِلِ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْفَمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَالْقَصْدِ إلَى وَضْعِهِ فِي الْفَمِ وَازْدِرَادِهِ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الِاغْتِذَاءُ فَأَمَّا مَا وَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ مَقْصُودُهُ الِاغْتِذَاءُ وَضَرْبٌ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الِاغْتِذَاءَ فَأَمَّا مَا مَقْصُودُهُ الِاغْتِذَاءُ فَكَغُبَارِ الْمَكِيلِ يَدْخُلُ حَلْقَ مَنْ يَكِيلُهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبُ دُونَ التَّطَوُّعِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ الْغُبَارُ أَمْرٌ غَالِبٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ فَوَقَعَ بِهِ الْفِطْرُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا غَالِبًا كَالْمُنْغَمِسِ فِي الْمَاءِ يَغْلِبُ حَلْقَهُ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ زَادَ فِي الْوَاضِحَةِ أَوْ أُذُنِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِي الْوَاجِبِ دُونَ التَّطَوُّعِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجْ بِهِ مِنْ أَنَّهُ غُبَارٌ غَالِبٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ مِنْهُ قَضَاءً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الذُّبَابُ يَدْخُلُ فِي الْحَلْقِ أَوْ فَلَقَةُ حَبَّةٍ كَانَتْ بَيْنَ الْأَسْنَانِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الذُّبَابِ وَالْحَصَاةِ وَالْعُودِ فَهَذَا يَقْضِي وَجْهَ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَنْ تَمَضْمَضَ بِالْمَاءِ فَغَلَبَهُ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ مَطْعُومٌ وَصَلَ إلَى مَوْضِعِ الْفِطْرِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُ عَلَيْهَا كَالْمُكْرَهِ وَهَذَا يُفَارِقُ عِنْدَهُ غُبَارَ الدَّقِيقِ فَإِنَّهُ يُصَلِّ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَصِلُ عَلَى وَجْهِ الْغُبَارِ وَمَنْ ابْتَلَعَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ حَبَّةِ الْعِنَبَةِ أَوْ فِلْقَةِ حَبَّةٍ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ بِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ الْأَرْضِ إلَى فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْعَمْدِ فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلِّقَةً بِقَصْدِ نَقْلِهِ إلَى فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَتْ فِي فِيهِ حَصَاةٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ أَوْ لَوْزَةٌ أَوْ نَوَاةٌ أَوْ جَوْزَةٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ سَبَقَ إلَى حَلْقِهِ فَفِيهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوَاةَ قَالَ وَإِلَى هَذَا رَجَعَ فِيمَا لَا غِذَاءَ لَهُ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَا يُكَفِّرُ وَيَقْضِي، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَرَوَى مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ الْحَصَاةُ خَفِيفَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ حَصَاةٌ تَكُونُ بَيْنَ الْأَسْنَانِ كَقَوْلِهِ فِي فِلْقَةِ الْحَبَّةِ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَ أَخْذَهَا مِنْ الْأَرْضِ فَابْتَلَعَهَا عَامِدًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا كَانَ لَهُ غِذَاءٌ مِثْلُ النَّوَاةِ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي سَهْوِهِ وَغَلَبَتِهِ الْقَضَاءُ وَمَا لَا غِذَاءَ لَهُ كَالْحَصَاةِ وَاللَّوْزَةِ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا شَيْءَ فِي سَهْوِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَلْغَمُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الرَّأْسِ فَيَصِيرُ إلَى طَرَفِ لِسَانِهِ وَيُمْكِنُهُ طَرْحُهُ فَيَبْتَلِعُهُ فَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ فِي سَهْوِهِ الْقَضَاءُ وَشَكَّ فِي الْكَفَّارَةِ لِلْعَامِدِ وَلَمْ يَشُكَّ فِي الْقَضَاءِ، وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ مُتَعَمِّدًا لَيْسَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ تَنَخَّمَ، ثُمَّ ابْتَلَعَ نُخَامَتَهُ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى طَرَفِ لِسَانِهِ وَإِمْكَانِ طَرْحِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ كَانَ قَلْسًا لَقَضَى وَكَفَّرَ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا طَعَامٌ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَبْتَلِعُ الْقَلْسَ نَاسِيًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي النُّخَامَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَخْذَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجْتَمِعٌ فِي فِيهِ مُعْتَادٌ كَالرِّيقِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرِّيقُ دَائِمًا لَا يَنْفَكَّ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ ابْتِلَاعُهُ وَكُرِهَ هَذَا لَمَّا أَمْكَنَ الِانْفِكَاكُ مِنْهُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْقَلْسِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ طَعَامٌ بِخِلَافِ النُّخَامَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَعَامٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ أَنَّهُ خَارِجٌ يَصِيرُ إلَى الْفَمِ فَأَشْبَهَ النُّخَامَةَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْجِمَاعُ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ مِنْهُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِ الْمُجَامِعِ فَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْفِطْرِ فَلَمْ تَجِبْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ مُلْتَذٌّ بِالْجِمَاعِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُخْتَارِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الِالْتِذَاذَ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ الطَّائِعَ يَتْرُكُ مَا يَشْتَهِيهِ وَيُلْتَذُّ بِهِ فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ لَا يَلْتَذَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الِالْتِذَاذَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِ فَهُوَ يَأْتِي مَا لَوْلَا الْإِكْرَاهُ لَمْ يَأْتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مِنْهَا مَا وَجَدَتْ مِنْهُ مِنْ مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ فَلَزِمَهَا مَا لَزِمَهُ كَالْحَدِّ، وَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهَا فَاَلَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَنْهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ عَنْهَا وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَى مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فَلَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهَا كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَجِّ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهَا فَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ يُكَفِّرُ عَنْهَا بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ وَالْوَلَاءُ لَهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ» يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَقَوْلُهُ «بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا» يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ؛ لِأَنَّ أَوْ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّمَا هِيَ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ فِيمَا تَنَاوَلَتْهُ مِنْ حَظْرٍ أَوْ أَبَاحَةً أَوْ جَزَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَشُكَّ فِيهِ الرَّاوِي بَلْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِجَمِيعِهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ أَمْرِهِ بِهَا فَقَالَ مَالِكٌ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَنَا أَقُولُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ فِيهِ تَخْيِيرٌ وَلَكِنْ بِالتَّرْتِيبِ كَالظِّهَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ وَلَفْظُهُ لَفْظُ التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ فِدْيَةٌ يَدْخُلُهَا الْإِطْعَامُ وَتَخْتَصُّ بِإِدْخَالِ نَقْصٍ فِي الْعِبَادَةِ فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى أَوْ جَزَاءِ الصَّيْدِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْإِطْعَامُ أَفْضَلُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِطْعَامَ أَعَمُّ نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْيَا بِهِ جَمَاعَةٌ لَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الشَّدَائِدِ وَالْمَجَاعَاتِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنَّ فِيهِ إسْقَاطَ نَفَقَةٍ وَتَكْلِيفَ الْمُعْتَقِ نَفَقَتَهُ وَمُؤْنَتَهُ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُرَاعُونَ فِي ذَلِكَ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادَ فَإِنْ كَانَتْ أَوْقَاتِ شِدَّةٍ وَمَجَاعَةٍ فَالْإِطْعَامُ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ خِصْبٍ وَرَخَاءٍ فَالْعِتْقُ أَفْضَلُ، وَاَلَّذِي احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي تَفْضِيلِ الْإِطْعَامِ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ مَنْ اسْتَفْتَاهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى الْوَاسِعِ بِالصِّيَامِ لَمَّا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَشُقُّ عَلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَأَنَّهُ أَرْدَعُ لَهُ عَنْ انْتِهَاك حُرْمَةِ الصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَجِبُ مِنْ الْعِتْقِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَسَيَأْتِي وَصْفُهَا مُسْتَوْعَبًا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَعَلَى جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ التَّتَابُعُ بِلَازِمٍ فِي ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْخَبَرُ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَوْ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَرَتَّبَ بِالشَّرْعِ كَفَّارَةً فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ التَّتَابُعُ أَصْلُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ. 1 - (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ أَشْهَبُ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ وَالْإِطْعَامُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الْغَدَاءِ وَالْعِشَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِطْعَامُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعُ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ شُرِعَتْ مِنْ غَيْرِ عَوْدَةٍ وَلَا إمَاطَةِ أَذًى فَكَانَ الْإِطْعَامُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَاكَ قَالَ أَصَبْت أَهْلِي وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً فَقَالَ لَا فَقَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ لَا قَالَ فَاجْلِسْ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحْوَجَ مِنِّي فَقَالَ كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْت قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَطَاءُ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ فَقَالَ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إلَى عِشْرِينَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا مُدًّا وَاحِدًا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ «لَا أَجِدُ» يَقْتَضِي شِدَّةَ فَقْرِهِ وَضِيقَ يَدِهِ عَنْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَضَعْفِهِ عَنْ الصِّيَامِ وَهَذَا يَمْنَعُ وُجُوبَ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ حَتَّى يَجِدَ أَوْ يَقْوَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» الْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ هُوَ الزِّنْبِيلُ الْمَضْفُورُ وَيُقَال عَرَقَةٌ أَيْضًا قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَقَالَ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ الْعَرَقُ وَهُوَ عِنْدِي وَهْمٌ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِنَّمَا الْعَرْقُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ لَحْمٌ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ الَّذِي جَاءَهُ لِيُكَفِّرَ بِهِ الْكَفَّارَةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْجِيلِ لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ وَالرِّفْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ مِنَّا» أَعْلَمَهُ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْقُوتِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِ إلَى تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهَا بَعْدَ وَقْتِهِ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُعَاقَبْ مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ فِعْلِهِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ وَالْقُوتُ لَا يُمْكِنُهُ تَأْخِيرُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ كَانَ مَسْئُولًا عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ أَحْوَجُ مِنْ الَّذِينَ تُصْرَفُ إلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ» لَعَلَّهُ ضَحِكَ مِنْهُ إذْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ يُخْرِجُهَا فَأَخَذَهَا صَدَقَةً فَحَمَلَهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ آثِمٍ وَهَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّنَا وَسَعَةِ رِفْقِهِ بِنَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْنَا وَهَلْ يَكُونُ أَكْلُهُ لِلتَّمْرِ يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَمْ لَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُجَزِّئُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ كُلْهُ، وَرَوَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ «أَطْعِمْهُ لِعِيَالِك» فَأَمَّا قَوْلُهُ كُلْهُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ لِيَتَبَلَّغَ بِهِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ «أَطْعِمْهُ لِعِيَالِك» فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ لَأَجْزَأَ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَأْكُلُهُ وَيُجْزِئُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الزُّهْرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِبَقَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَبْلَ هَذَا بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رَأَيْت نَحْوَهُ لِلدَّاوُدِيِّ. (ش) : قَوْلُهُ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ» يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ نَدَمًا عَلَى خَطِيئَتِهِ وَإِشْفَاقًا مِمَّا أَتَى مِنْهَا وَحُزْنًا عَلَى عَظِيمِ جُرْمِهِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ «هَلَكَ الْأَبْعَدُ» يُرِيدُ أَنَّهُ هَلَكَ بِمُوَاقَعَتِهِ الْخَطِيئَةَ وَكَنَّى الْمُحَدِّثُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأَبْعَدِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ إذَا حَكَتْ عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَا يَجْمُلُ أَوْ خَاطَبَتْ بِهِ غَيْرَهُ فَلَمَّا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَاكَ قَالَ أَصَبْت أَهْلِي وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ» يُرِيدُ الْجِمَاعَ وَهَذَا اللَّفْظُ يُكَنَّى بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْهُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا قُرِنَ بِمَحِلِّ الْجِمَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً» قَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتِلَافُهُمْ

[ما جاء في حجامة الصائم]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ نَهَارًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِيهِ إلَيَّ) . مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَرْتِيبِ ذَلِكَ أَوْ حَمْلِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً» انْفَرَدَ عَطَاءُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنْ سَعِيدٍ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ كَذَبَ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَالَ إنَّمَا قُلْت لَهُ «فَقَالَ تَصَدَّقْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْلِسْ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ شَيْئًا يَأْتِيه قَدْ عَرَفَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَا لَهُ فَضْلَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْت» عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْسِيرِ وَأَمْرُهُ لَهُ بِقَضَاءِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَا رَوَاهُ الْإسْفَرايِينِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِهَذَا السَّائِلِ «كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي رَمَضَانَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدٍ فِي الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إلَى عِشْرِينَ صَاعًا فَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِخَمْسَةِ عَشَرَ صَاعًا. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا وَهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْحَزْرِ وَالتَّقْدِيرِ وَاخْتِلَافِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمَسَاكِينِ سِتُّونَ مِسْكِينًا وَالْكَفَّارَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُدٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ مُدَّيْنِ وَلَيْسَ فِيهَا مُدٌّ وَثُلُثٌ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى صِحَّةِ الْمُدِّ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْرَ الْعَرَقِ إلَّا أَنَّ الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ الْمِكْتَلُ يَسْعَ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إلَى الْعِشْرِينَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ حَاشَا رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا زَمَنٌ لَيْسَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فَلَمْ يَجِبْ بِالْفِطْرِ فِيهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ صَامَهُ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً. [مَا جَاءَ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَنْ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَهَذَا نَصٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ جِرَاحَةٌ فَلَمْ يَجِبْ بِهَا الْفِطْرُ لِلصَّائِمِ كَالْفِصَادِ. وَقَدْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّ تَرْكَ الْحَجَّامَةِ لِلصَّائِمِ أَحْوَطُ لِمَا رَأَى فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِ وَهَذَا مَيْلٌ مِنْهُ إلَى قَوْلِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدَ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُفْطِرَ بِالضَّعْفِ مِنْ الْحَجَّامَةِ إلَى الْفِطْرِ وَلِهَذَا يُكْرَهُ لِكُلِّ مَنْ خَافَ الضَّعْفَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحْتَجِمَ حَتَّى يُفْطِرَ؛ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ رُبَّمَا أَدَّتْهُ إلَى إفْسَادِ صَوْمِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ) .

[صيام يوم عاشوراء]

أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ) . صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَحْتَجِمَانِ وَهُمَا صَائِمَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَا يَحُسَّانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا وَقُوَّتِهِمَا أَنَّ الْحِجَامَةَ مَعَ الصَّوْمِ لَا تُضْعِفُهُمَا وَيَعْلَمَانِ أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ نَقْصًا فِي صَوْمِهِمَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَمَا رَأَيْته احْتَجَمَ قَطُّ إلَّا وَهُوَ صَائِمٌ) ش قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ لَا يُفْطِرُ بَيَّنَ أَنَّ اتِّقَاءَ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ لِمَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْفِطْرِ لِلضَّعْفِ الَّذِي يَحْدُثُ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ صَوْمِهِ، وَإِنَّ عُرْوَةَ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَكَانَ يَحْتَجِمُ فِي حَالِ صِيَامِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا رَأَيْته احْتَجَمَ قَطُّ إلَّا وَهُوَ صَائِمٌ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ صَوْمَهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ حِجَامَةٌ إلَّا وَهُوَ صَائِمٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كَانَ لَا يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَلَكِنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ جَوَازَهُ وَلِمَنْفَعَةٍ كَانَ يَرْجُو فِي ذَلِكَ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَهُوَ صَائِمٌ غَيْرَ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ أَنْ يَحْتَجِمَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ لِقُوَّتِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لِمَنْفَعَةٍ كَانَ يَرْجُوهَا مِنْ الْحِجَامَةِ عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ قُوَّتَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْحِجَامَةُ إلَّا خِشْيَةً مِنْ أَنْ يَضْعُفَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ سَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَمْ آمُرْهُ بِالْقَضَاءِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي احْتَجَمَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِجَامَةَ إنَّمَا تُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصِّيَامِ فَمَنْ احْتَجَمَ وَسَلِمَ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ حَتَّى يُمْسِيَ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) . ش وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْحِجَامَةَ إنَّمَا تُكْرَهُ لِلتَّغْرِيرِ بِالصِّيَامِ فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ بِضَعْفٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ كُرِهَتْ لَهُ الْحِجَامَةُ فِي حَالِ صِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِصِيَامِهِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَسْلَمُ أَمْ لَا وَلَا يَجُوزُ التَّغْرِيرُ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي حَرُمَ الْخُرُوجُ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ كَمَالِهَا فَإِنْ احْتَجَمَ أَحَدُ هَذَيْنِ فَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ فَقَدْ وَاقَعَ الْمَحْظُورَ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ مُتَعَمِّدًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ مُتَعَمِّدًا مَا جَرَّ إلَى الْفِطْرِ ضَرُورَةً فَإِنْ سَلِمَ مِنْ الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّرَ بِأَمْرٍ وَخَاطَرَ فِيهِ فَسَلِمَ مِنْهُ وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْحِجَامَةَ مَعَ الصَّوْمِ لَا تُضْعِفُهُ وَلَا تُخْرِجُهُ إلَى الْفِطْرِ فَإِنَّ الْحِجَامَةَ مُبَاحَةٌ لَهُ وَلِذَلِكَ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُرْوَةُ يَحْتَجِمَانِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَحْتَجِمُ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ وَقُوَّتِهِ وَشَبَابِهِ فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ تَرَكَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُغَرِّرَ بِصَوْمِهِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَحْتَجِمُ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ فِي صَوْمِهِ حَتَّى يُفْطِرَ فَرُبَّمَا ضَعُفَ بَعْدَ الْقُوَّةِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ. [صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ] (ش) : اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَجَّى اللَّهُ فِيهِ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ تَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَمَّا هَاجَرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ نَسَخَ وُجُوبَهُ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ فِعْلِهِ لَهُ وَمِنْ جِهَةِ أَمْرِهِ بِهِ وَقَوْلُهُ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ يُرِيدُ أَنَّ رَمَضَانَ لَمَّا فُرِضَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِنَسْخِ وُجُوبِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَلَيْسَ فِي الْأَمْرِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ وُجُوبِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إلَّا أَنَّهُ قُرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُ الْفَرْضِ مِنْ الصَّوْمِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ فَرِيضَةِ الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَاحِقٌ بِسَائِرِ الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ يُمْنَعْ صَوْمُهَا وَلَا وَجَبَ وَلَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَأَنَا صَائِمٌ «فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» قَالَ أَشْهَبُ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُسْتَحَبُّ لِمَا رُجِيَ مِنْ ثَوَابِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» ) . ش قَوْلُهُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ اسْتِدْعَاءَهُمْ لِيَسْمَعُوا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ وَيُبَلِّغُوهُ عَنْهُ وَيَكُونُ عِنْدَهُمْ مِنْهُ عِلْمٌ فَيُوَافِقُوهُ وَيُبَلِّغُوهُ إلَى النَّاسِ مَعَهُ وَقَوْلُهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَلَا أَوْجَبَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ قَدْ كَانَ نُسِخَ بِرَمَضَانَ وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ قَالَ إنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَتْ شَرِيعَةً لَنَا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا أَمَرْتُكُمْ أَنَا بِصِيَامِهِ رَجَاءَ الْفَضْلِ فِيهِ لِصِيَامِ مُوسَى لَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَا صَائِمٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهًا عَلَى فَضِيلَةِ الْيَوْمِ أَوْ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ تَصْرِيحٌ بِالتَّخْيِيرِ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ فِيهِ عِنْدَ نَسْخِ صَوْمِهِ الْمَنْعُ مِنْهُ جُمْلَةً. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا) . ش قَوْلُ عُمَرَ إنَّ غَدًا عَاشُورَاءَ هُوَ اسْمُ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَشْرِ فَكَانَ أَظْهَرُ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ بَلْ يَلْزَمُهُ وَيَخْتَصُّ بِهِ وَأَمَّا الْيَوْمُ التَّاسِعُ فَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّاسُوعَاءُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ إرْسَالَ عُمَرَ بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ لِيَتَمَكَّنَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ تَبْيِيتِ صِيَامِهِ لَيْلَةَ عَاشُورَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ خَصَّ بِأَنْ لَمْ يُبَيِّتْ صَوْمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ أَنْ يَصُومَهُ أَوْ بَاقِيَهُ إنْ أَكَلَ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ هَذَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ» فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ لَمَّا عَلِمَ صَوْمَ مُوسَى لَهُ فَإِنَّهُ طَرَأَ عِلْمُ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ وَلِذَلِكَ أَمَرَ مَنْ أَكَلَ بِالصِّيَامِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ مُضِيِّ

[صيام يوم الفطر والأضحى والدهر]

صِيَامُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالدَّهْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ» يُرِيدُ يَوْمَ فِطْرِ النَّاسِ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ يَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ (وَيَوْمِ الْأَضْحَى يُرِيدُ يَوْمَ النَّحْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدْرٍ مِنْهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا يَدُلُّ تَرْكُهُ الْأَمْرَ عَلَى الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ ثَانٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ عَدَمَ أَمْرِهِ بِالْقَضَاءِ لَا يَدُلُّ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. [صِيَامُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالدَّهْرِ] (ش) : وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ أَمَّا يَوْمُ الْأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ وَأَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَهَذَا الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ يَوْمُ الْفِطْرِ أَنَّهُ فَصْلٌ لِلصَّوْمِ الْمُفْتَرَضِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ فَلَوْ جَازَ صَوْمُهُ لَاتَّصَلَ التَّطَوُّعُ بِالْفَرْضِ وَلَأَشْكَلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ شَعْبَانَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ تَطَوُّعًا شَهْرُ رَمَضَانَ وَاسْتِقْبَالُ النَّاسِ لَهُ يَمْنَعُ مِنْ اتِّصَالِهِ بِشَعْبَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ فَإِنَّ اسْتِقْبَالَهُ بِالصَّوْمِ لَا يُسْمَعُ وَلَا يَشِيعُ فَلَوْ لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِفِطْرٍ لَأَشْكَلَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعُرْوَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهَا وَلَعَلَّهُمَا إنَّمَا كَانَا يَصُومَانِهَا أَوْ يَأْمُرَانِ بِصِيَامِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْهَدْيِ فَإِنَّ عُرْوَةَ يَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ لَا يَصُومُهَا إلَّا الْمُتَمَتِّعُ لَا يَجِدُ هَدْيًا. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ اعْتَكَفَهَا فَصَامَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ صِيَامِهَا ابْتِدَاءُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ تَصُمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ وَمِنْ وِجْهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ فَأَشْبَهَتْ الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَصُومَهَا فِي الْفِدْيَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَهَا عَنْ ظِهَارٍ؟ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ فِي مُبْتَدَأِ صَوْمِ الظِّهَارِ زَادَ فِي الْمُزَنِيَّة أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ نَسِيَ أَوْ غَفَلَ فَأَفْطَرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَصَامَ أَيَّامَ مِنًى وَوَصَلَ قَضَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ بِصِيَامِهِ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ وَيَبْتَدِئَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَالَ فِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَرَى أَنْ يُفْطِرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَلَّمْت مَالِكًا فِيهِ فَضَعَّفَهُ، وَقَالَ أَرَى أَنْ يَبْتَدِئَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا رَأْيِي وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي خَطَأٍ خَالَفَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ أَشْهَبُ مَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ شَيْءٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى عَنْ تَطَوُّعٍ أَوْ وَاجِبٍ فَلْيُفْطِرْ مَتَى ذَكَر فَإِنْ أَتَمَّهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاجِبٍ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا يَوْمٌ يَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ الْهَدْيِ فَصَحَّ صَوْمُهُ عَنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ فَلَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ وَاجِبٍ وَلَا تَطَوُّعٍ، وَإِنَّمَا صَحَّ صَوْمُهُ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحَجِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ مَنْ نَذَرَهُ مُفْرَدًا وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ صَوْمَ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَصُومُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْطِرَهُ وَيَقْضِيَهُ وَلَا أُوجِبُهُ وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ صَوْمَ عَامٍ مُعَيَّنٍ فَفِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصُومُ الْيَوْمَ الرَّابِعَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصُومُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَصُومُهُ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمٍ مُتَتَابِعٍ وَلَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ مُخْتَصَّانِ بِالْأَحْكَامِ فِي النَّحْرِ وَالتَّكْبِيرِ بِأَثَرِ الصَّلَوَاتِ وَلُزُومِ الرَّمْيِ فِيهِمَا لِلْمُتَعَجِّلِ وَكَانَتْ فِيهِمَا أَحْكَامُ الْعِيدِ آكَدُ وَهَذَا لِمَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ شَهْرَيْ التَّتَابُعِ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ فَمَرِضَ أَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ غَالِبٌ حَتَّى وَافَاهُ الْأُضْحِيَّةُ وَأَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ صِيَامَ شَهْرَيْ التَّتَابُعِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَوْمَهُ سَيَنْقَطِعُ أَوْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ

[النهي عن الوصال في الصيام]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ إذَا أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهَا وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى وَيَوْمُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فِيمَا بَلَغَنَا وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّك تُوَاصِلُ فَقَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ قَالُوا فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ عِلْمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَتَرَجَّحَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُجْزِئُهُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ شَرَعَ فِي صَوْمِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَتَابَعُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ كَمَا لَوْ نَوَى تَفْرِيقَهُ فِي شَوَّالٍ وَذِي الْقِعْدَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ نَوَى التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ مَا يَصِحُّ صَوْمُهُ مِنْ مُدَّةِ صَوْمِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَا يُفْسِدُ تَتَابُعَهُ الْفِطْرُ فِي مُدَّةٍ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا كَالْفِطْرِ فِي اللَّيْلِ وَفِطْرِ الْمَرْأَةِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِصِيَامِ الدَّهْرِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ ذَلِكَ إلَى الضَّعْفِ وَأَفْطَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِهَا. وَقَالَ هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَنْ فَعَلَهُ آثِمٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَلَمْ يَخُصَّ صَوْمًا مِنْ صَوْمٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُسْتَدَامَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَصِحُّ فِعْلُهُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ. [النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ يُرِيدُ وِصَالَ صَوْمِ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ وَظَاهِرُ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَالتَّحْرِيمَ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ تَلَقَّوْهُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَلِذَلِكَ وَاصَلُوا بَعْدَ نَهْيِهِ لَهُمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا فَفِي هَذَا دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ لَمْ يُخَالِفُوهُ بِالْمُوَاصَلَةِ كَمَا لَمْ يُخَالِفُوهُ بِصَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَاصَلَ بِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا وَاصَلَ بِهِمْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّك تُوَاصِلُ اسْتِعْلَامًا مِنْهُمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ لِمَعْنًى مَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّعْفِ وَيُرِيدُهُ بِهِمْ مِنْ الرِّفْقِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِنْ هَذَا غَيْرُ حَالِهِمْ مِنْ طَرِيقِ قُوَّتِهِ عَلَى الصَّوْمِ بِمَا يُطْعِمُهُ اللَّهُ وَيَسْقِيه وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الزَّمَانَ مُخْتَصٌّ بِصَوْمِهِ دُونَ صَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِقُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُطْعِمُهُ رَبُّهُ وَيَسْقِيه وَلِذَلِكَ قَالَ حَدِيثُ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَبِيتُ يُطْعِمنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَحْظُورَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُونَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يُطْعَمُ وَيُسْقَى الْكِنَايَةَ عَمَّا يَخْلُقُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الصِّيَامِ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يَتَأَذَّى بِالْوِصَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ كَانَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُعْتَادَيْنِ لَمَا كَانَ مُوَاصِلًا وَلَكَانَ مُفْطِرًا

[صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر]

صِيَامُ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً أَوْ يَتَظَاهَرُ (ص) : (سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي قَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ تَظَاهُرٍ فَعَرَضَ لَهُ مَرَضٌ يَغْلِبُهُ وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ صِيَامَهُ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ وَهُوَ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ صِيَامِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا الصِّيَامُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً إذَا حَاضَتْ بَيْنَ ظُهْرَيْ صِيَامِهَا إنَّهَا إذَا طَهُرَتْ لَا تُؤَخِّرُ الصِّيَامَ وَهِيَ تَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَامَتْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا مِنْ عِلَّةِ مَرَضٍ أَوْ حَيْضَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) . مَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ فِي صِيَامِهِ (ص) : (سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَصَابَهُ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ وَيُتْعِبُهُ وَيَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَبَلَغَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنْ الْمَرِيضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الْمَرِيضِ فَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» تَأْكِيدٌ فِي الْمَنْعِ لَهُمْ مِنْهُ لَعَلَّهُ لِمَا كَانَ يَخَافُهُ مِنْ الضَّعْفِ عَلَيْهِمْ بِالْوِصَالِ عَمَّا كَانَ أَنْفَعَ مِنْهُ بِالْجِهَادِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْعَدُوِّ مَعَ حَاجَتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَيْهِ فَلَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ وِصَالِهِ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ حَالَتَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ حَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُطْعَمُ وَيُسْقَى (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوِصَالُ وَيَصِحُّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَامُ زَمَنَ اللَّيْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلنَّهَارِ فَأَمَّا أَنْ يُفْرَدَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ. [صِيَامُ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً أَوْ يَتَظَاهَرُ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامٌ لِقَتْلِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِهِ أَوْ لِتَظَاهُرٍ مَعَ عَدَمِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الصِّيَامِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] . 1 - (فَصْلٌ) : فَمَنْ شَرَعَ فِي صِيَامِ شَهْرَيْ التَّتَابُعِ فَعَرَضَ لَهُ مَرَضٌ أَوْ حَيْضٌ أَمْسَكَ عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يُمْكِنَهُ فَيَصُومُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَهُ لِلضَّرُورَةِ فَمَتَى أَخَّرَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ بَطَلَ التَّتَابُعُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ صَوْمِهِ مِنْ أَوَّلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ الْعُذْرُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ كَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ وَيَجْرِي النِّسْيَانُ مَجْرَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِزَازُ مِنْهُ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَصِلَ أَيَّامَ الْقَضَاءِ وَالْحَيْضِ بِصِيَامِهِ أَوْ غَلِطَ فِي الْعَدَدِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَسْتَأْنِفُ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ فِي خَطَأِ الْعَدَدِ إنْ كَانَ هَذَا عَامِدًا بِخِلَافِ الْمُفْطِرِ نَاسِيًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ صَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِزَازُ مِنْهُ وَأَمَّا مَا يُلْحِقُ بِهِ الْمَشَقَّةَ وَيُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ كَالسَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ، وَإِنْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما يفعل المريض في صيامه]

النَّذْرُ فِي الصِّيَامِ وَالصِّيَامُ عَنْ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ فَقَالَ سَعِيدٌ لِيَبْدَأ بِالنَّذْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ) (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مِنْ رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَأَوْصَى أَنْ يُوَفَّى ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْبَدَنَةَ فِي ثُلُثِهِ وَهُوَ مُبَدَّأٌ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا إلَّا مَا كَانَ مِثْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النُّذُورِ وَغَيْرِهَا كَهَيْئَةِ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ خَاصَّةً دُونَ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ لَأَخَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَفْعَلُ الْمَرِيضُ فِي صِيَامِهِ] ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمَرِيضَ إذَا شَقَّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَأَتْعَبَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] تَقْدِيرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَمِقْدَارُ الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ ذَلِكَ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقَدِّرَ لِنَفْسِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَللَّهُ أَعْلَم بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغُ صِفَتَهُ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَوْ تَكَلَّفَ الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ لَأَتَى بِهِمَا بِمَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ فَلْيُفْطِرْ وَلِيُصَلِّ جَالِسًا وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاَلَّذِي يُصِيبُهُ الضُّرُّ بَانَ مِنْ الْخَوَى فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ مَرَضٌ مِنْ الْأَمْرَاضِ فَإِذَا بَلَغَ بِهِ مَا يُجْهِدُهُ فَلْيُفْطِرْ فَهَذَا تَقْدِيرٌ مِنْهُمَا وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَلَكِنَّهُ تَقْدِيرٌ بِمَا تَيَقَّنَ أَنْ يَئُولَ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَخَافَ مِنْهُ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ يَزِيدَ فِي مَرَضِهِ أَوْ يُجَدِّدَ لَهُ مَرَضًا غَيْرَ مَرَضِهِ أَوْ يُدِيمَ زَمَنَ مَرَضِهِ فَإِنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ يُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ وَمِثْلُ هَذَا الْمِقْدَارِ يُبِيحُ لَهُ الصَّلَاةَ جَالِسًا لِمَنْ خَافَ مِنْ الْقِيَامِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَذْكُرْ دَوَامَ زَمَنِ مَرَضِهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ فِيمَا خَفَّ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَأَمَّا الْمَرَضُ الشَّدِيدُ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى مَشَقَّةُ مَا يَتَكَلَّفُ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ الَّذِي أَرَادَ أَشْهَبُ فَجَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَوَازِ فِطْرِهِ لِمَشَقَّةِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] قَالَ فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنْ الْمَرِيضِ الَّذِي يُتْعِبُهُ الصِّيَامُ فَجَعَلَ جَوَازَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ بِيَسِيرِ الْمَشَقَّةِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ الصِّيَامِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُ عِلَّةِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ الْمَشَقَّةُ وَكَانَ مَشَقَّةُ الْمَرِيضِ أَشَدَّ فَبِأَنْ يُبَاحَ لَنَا الْفِطْرُ مَعَهَا أَوْلَى وَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ إلَّا لِخَوْفِ الْهَلَاكِ دُونَ مَا ذَكَرْنَا وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ خَافَ اعْتِرَاضَ مُعْتَرِضٍ بِهِ فَتَبَرَّعَ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِ. [النَّذْرُ فِي الصِّيَامِ وَالصِّيَامُ عَنْ الْمَيِّتِ] (ش) : النَّذْرُ هُوَ مَا يَنْذِرُهُ الْإِنْسَانُ وَيُلْزِمُهُ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّطَوُّعُ هُوَ مَا لَا يَلْتَزِمُهُ بِالْقَوْلِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ اخْتِيَارًا فَيَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ إتْمَامُهُ وَقَوْلُهُ لِيَبْدَأَ بِالنَّذْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعَ كَلَامٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ لَزِمَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ وَالتَّطَوُّعُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ فَمِنْ النَّظَرِ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا قَدْ لَزِمَهُ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَطَوَّعُ إنْ شَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَدَّمَ التَّطَوُّعَ صَحَّ صَوْمُهُ فِي التَّطَوُّعِ وَبَقِيَ النَّذْرُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ أَسَاءَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَصِحُّ تَطَوُّعُهُ قَبْلُ إذَا نَذَرَهُ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَخْتَصُّ بِصَوْمِ النَّذْرِ بَلْ يَصِحُّ فِيهِ التَّطَوُّعُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِيهِ غَيْرَهُ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ صَوْمَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا مَضَى زَمَنُ النَّذْرِ وَلَمْ يَصُمْهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ تَعَلَّقَ قَضَاءُ صَوْمِهِ بِذِمَّتِهِ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّذْرِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ. (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مِنْ رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَأَوْصَى أَنْ يُوَفَّى ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْبَدَنَةَ فِي ثُلُثِهِ وَهُوَ مُبَدَّأٌ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا إلَّا مَا كَانَ مِثْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النُّذُورِ وَغَيْرِهَا كَهَيْئَةِ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ خَاصَّةً دُونَ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ لَأَخَّرَ الْمُتَوَفَّى مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا وَعَيَّ أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ) .

[ما جاء في قضاء رمضان والكفارات]

الْمُتَوَفَّى مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا وَعَيَّ أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ) . مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَطَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " الْخَطْبُ يَسِيرٌ " الْقَضَاءَ فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَخِفَّةَ مُؤْنَتِهِ وَيَسَارَتَهُ، يَقُولُ نَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQش أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمٍ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى جَوَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَقَالَ إنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُوَفَّى مِنْ مَالِهِ عَنْهُ مَا نَذَرَهُ فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَهِيَ فِي ثُلُثِهِ مُبَدَّاةٌ عَلَى الْوَصَايَا يُرِيدُ التَّطَوُّعَ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا أَثْبَتَهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إعَادَتِهِ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْتَقْصًى فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسْأَلُ هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَيَقُولُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) . ش قَوْلُهُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ يُرِيدُ لَا يُجْزِي أَنْ يَنُوبَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَمَنْ لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَفَعَلَهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي صِيَامِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ مِنْهَا مِنْ عِبَادَاتِ الْمَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَدَنِ كَالزَّكَاةِ فَهَذَا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَدَنِ كَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْبَدَنِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَهَذَا لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِوَجْهٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصِّيَامِ فَإِذَا اتَّصَلَ مَرَضُهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فَيَصُومُهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِي صَوْمِهِ فَهُوَ آثِمٌ مُخَالِفٌ لِلْأُمَّةِ عَاصٍ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعِصْيَانِ بِصَوْمِ وَلِيِّهِ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَدَنِ فَلَمْ يَدْخُلْهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ. [مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ] (ش) : قَوْلُهُ أَفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ فِي الْوَقْتِ اجْتِهَادًا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَغِيبُ الشَّمْسِ، وَهَذَا الَّذِي يَلْزَمُ الصَّائِمَ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ فَمَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ مَعَ الشَّكِّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ وَتَيَقُّنِ مَغِيبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ حَلَّ لَهُ الْفِطْرُ، وَهَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ إذَا خَفِيَتْ عَلَامَاتُ أَوْقَاتِهَا قَامَ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْمَعْرِفَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَطَلَعَتْ الشَّمْسُ مُحْتَمَلٌ أَنَّ الرَّجُلَ قَصَدَ إلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ مِنْ عِنْدِهِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَمُحْتَمَلٌ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ لِيُمْسِكَ عَنْ الْأَكْلِ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزَّمَنَ زَمَنُ صَوْمٍ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ زَمَنُ صَوْمٍ بِخِلَافِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الزَّمَنَ زَمَنُ صَوْمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عُمَرَ الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا قَالَ مَالِكٌ بِأَنَّ خَطْبَ الْقَضَاءِ يَسِيرٌ فِي ذَلِكَ إذْ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمْ الْأَثِمُ بِالِاجْتِهَادِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقَضَاءِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا مَنْ أَفْطَرَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ) . ش قَوْلُهُ كَانَ يَقُولُ يَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوُجُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَخْبَارَ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ فَرَّقَهُ أَجُزْأَهُ وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَلَمْ يَخُصَّ مُتَفَرِّقَةً مِنْ مُتَتَابِعَةٍ، وَإِذَا أَتَى بِهَا مُتَفَرِّقَةً فَقَدْ صَامَ عِدَّةَ أَيَّامٍ أُخَرَ فَوَجَبَ أَنْ تُجْزِئَهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَلَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَلَا أَيُّهُمَا قَالَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ) . ش قَوْلُهُ لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَلَا أَيَّهُمَا قَالَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ إنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ لَا يُفَرِّقُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مُتَتَابِعًا. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ اسْتَقَاءَ يُرِيدُ مَنْ اسْتَدْعَى ذَلِكَ وَغَلَبَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الرَّازِيّ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ لِلْقَيْءِ وَالْمُسْتَعْمِلَ لَهُ وَالْمُكْرِهَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ لَا يَسْلَمُ فِي الْغَالِبِ مِنْ رُجُوعِ شَيْءٍ إلَى حَلْقِهِ مِمَّا قَدْ صَارَ فِيهِ فَيَقَعُ بِهِ فِطْرُهُ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ حُمِلَ سَائِرُهُ عَلَى غَالِبِهِ كَالنَّوْمِ فِي الْحَدَثِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا عَابِثًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ لَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ وَيَبْطُلُ عِنْدِي مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا إنَّمَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَيَقَّنُ سَلَامَةَ صَوْمِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْقَضَاءِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الصَّوْمِ الَّذِي لَزِمَهَا وَنَحْنُ لَا نَتَيَقَّنُ فَسَادَ صَوْمِهِ فَنُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَالْكَفَّارَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ وَاجِبٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ مُتَيَقَّنٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْفِطْرُ نَفْسُهُ بِاخْتِيَارِ الصَّائِمِ فَأَمَّا إذَا فَعَلَ فِعْلًا يُؤَدِّي إلَى وُقُوعِ الْفِطْرِ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ فَغَلَبَهُ فَدَخَلَ حَلْقَهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا أَوْ كُحْلًا فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِطْرُ الْمُسْتَقْيِئِ إنَّمَا يَقَعُ بِالرَّاجِعِ وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ ارْتِجَاعَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعْنَاهُ الَّذِي يَغْلِبُهُ الْقَيْءُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَجَعَ شَيْءٌ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُسْأَلُ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ سَعِيدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَأَنْ يُوَاتِرَ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ فَرَّقَ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ وَذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيَّ أَنْ يُتَابِعَهُ) . (ص) : (وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مَا كَانَ مِنْ صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ إلَى حَلْقِهِ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى حَلْقِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَرْعَ الْقَيْءِ وَغَلَبَتَهُ لَهُ يَنْدَفِعُ وَيَخْرُجُ وَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْمُعَالَجَةِ وَالْإِكْرَاهِ لِلنَّفْسِ عَلَى الْقَيْءِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إنَّمَا هُوَ إكْرَاهٌ عَلَى إخْرَاجِ مَا لَيْسَ بِخَارِجٍ بَلْ مِنْ شَأْنِهِ الرُّجُوعُ وَلَوْ تَيَقَّنَ الَّذِي ذَرَعَهُ الْقَيْءُ رُجُوعَ شَيْءٍ إلَى حَلْقِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي فَمِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَا رَجَعَ مِنْ الْقَيْءِ إلَى الْجَوْفِ مِنْ اللَّهَوَاتِ أَوْ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِنَ وُصُولَهُ إلَى الْفَمِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالْقَلْسُ بِسَبِيلِ الْقَيْءِ فِيمَا وَصَفْنَا وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَلَسَ فَوَصَلَ الْقَلْسُ إلَى فِيهِ فَرَدَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَقَالَ إنْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ شَاءَ طَرَحَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ ازْدَرَدَهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ ازْدَرَدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُفَرِّقَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ تَعْجِيلُهُ، وَإِذَا عَجَّلَ أَوَّلَ يَوْمٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ تَعْجِيلُ الثَّانِي وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّوَاتُرَ إلَّا أَنَّ هَذَا تَوَاتُرٌ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ. وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤْتَى بِالْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ مُتَيَقَّنٍ عَلَى إجْزَائِهِ فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَكُونُ التَّتَابُعُ مَقْصُودًا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقْصِدَ إلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْعَمْدُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُفْطِرَ بِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَلَطٍ بِوَقْتٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقْصِدَ الْفِطْرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَكِنَّهُ بِتَأْوِيلٍ يَظُنُّ بِهِ أَنَّ الْفِطْرَ لَهُ سَائِغٌ. فَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ مُكْرَهًا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا يَخْلُو أَنْ يُفْطِرَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ فَإِنْ كَانَ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِجِمَاعٍ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ فَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْأَكْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ بِنِسْيَانٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِعَدَمِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِعَدَمِهِ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ كَالنِّيَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِأَكْلٍ فَإِذَا كَانَ بِجِمَاعٍ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْإِكْرَاهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ بِتَأْوِيلٍ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَأَوَّلَ بِمَعْنًى مَوْجُودٍ، مِثْلُ أَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكِفًا قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَظُنَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا صَوْمَ لَهُ، أَوْ تَطَهَّرَ لِلصِّيَامِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ حَتَّى يَتَطَهَّرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ يَخْرُجُ الْمُقِيمُ إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ فَيَعْتَقِدُ جَوَازَ الْفِطْرِ فَهَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَتْكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَوَقَعَ التَّأْوِيلُ مِنْهُ بِمَعْنًى مَوْجُودٍ، وَإِنْ تَعَلَّقَ التَّأْوِيلُ بِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يُتَوَقَّعُ وُجُودُهُ، مِثْلُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ إنِّي أَحِيضُ الْيَوْمَ فَتُفْطِرَ قَبْلَ وُجُودِ الْحَيْضِ، أَوْ يَقُولُ الْمَحْمُومُ الْيَوْمَ يَوْمُ حُمَّايَ فَيُفْطِرُ قَبْلَ بَدْءِ النَّوْبَةِ فَهَذَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ سَوَاءٌ وُجِدَ الْحَيْضُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يُوجَدْ.

أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ كُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ أَمُتَتَابِعَانِ أَمْ يَقْطَعُهَا قَالَ حُمَيْدٍ فَقُلْت لَهُ نَعَمْ إنْ شَاءَ قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْطَعُهَا فَإِنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قَالَ مَالِكٌ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يُصَامُ مُتَتَابِعًا) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تُصْبِحُ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ عَبِيطٍ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ تَنْتَظِرُ حَتَّى تُمْسِيَ أَنْ تَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَلَا تَرَى شَيْئًا، ثُمَّ تُصْبِحُ يَوْمًا آخَرَ فَتَدْفَعُ دَفْعَةً أُخْرَى وَهِيَ دُونَ الْأُولَى، ثُمَّ يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهَا قَبْلَ حَيْضَتِهَا بِأَيَّامٍ فَسَأَلَ مَالِكٌ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَإِذَا رَأَتْهُ فَلْتُفْطِرْ وَلِتَقْضِ مَا أَفْطَرَتْ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ هَلْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ كُلِّهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الصِّيَامَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ كُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ فَسَأَلَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ فِي الطَّوَافِ مُبَاحٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ فَسَأَلَهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ الْكَفَّارَةِ يُرِيدُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عِتْقٍ وَلَا كِسْوَةٍ وَلَا إطْعَامٍ فَسَأَلَهُ الْإِنْسَانُ هَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْمُتَابَعَةُ أَمْ لَا فَقَالَ حُمَيْدٍ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا لِمَا كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهَا مِنْ جَوَازِ التَّفْرِيقِ فَأَنْكَرَهُ مُجَاهِدٌ عَلَيْهِ لِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ فَلَمْ يَسَعْهُ السُّكُوتُ إذْ كَانَ هُوَ الْمَسْئُولَ وَالْمُقَلَّدَ فَلَوْ سَكَتَ لَظَنَّ السَّائِلُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَيَأْخُذُ بِهِ وَيُقَلِّدُهُ فِيهِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ وَالسَّائِلُ لَمْ يَرَ تَقْلِيدَ حُمَيْدٍ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ احْتَجَّ مُجَاهِدٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ". وَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ كُلَّ صَوْمٍ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فَالْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا إلَّا أَنَّهُ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّتَابُعُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عِنْدَهُمَا تَفْرِيقُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ وَالسَّبْعَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَفْضَلُ فِيهِ التَّتَابُعَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صِفَةِ مَا هُوَ قَضَاءٌ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّوْمِ لِتَبْرَأَ الذِّمَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وَهَذَا مُطْلَقٌ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ مُجَاهِدٌ مِنْ قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَأَنَّهَا عِنْدَ قَوْمٍ تَجْرِي مَجْرَى أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهِ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ قُرْآنًا لَمْ يَصِحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ مِنْ زَمَنِ الطُّهْرِ مَا يَكُونُ طُهْرًا كَامِلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا الْمُعْتَادِ وَفِي غَيْرِهِ فَإِذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ وَلَوْ دَفْعَةً فِي الْيَوْمِ أَفْطَرَتْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّ الدَّمَ إذَا رُئِيَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا وَأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتَقْضِي مَا أَفْطَرَتْ يُرِيدُ مِنْ الْأَيَّامِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهَا الدَّمُ فَلْتَغْتَسِلْ وَتَصُومُ أَمَّا غُسْلُهَا فَإِنَّ الْحَائِضَ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِتَطْهُرَ بِهِ مِنْ حَدَثِ حَيْضِهَا، وَإِنْ رَأَتْ الطُّهْرَ فِي آخِرِ يَوْمٍ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِهِ وَأَمَّا صَوْمُهَا فَيَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ تَصُومَ شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا تَصُومُ مَا بَعْدَهُ إنْ كَانَتْ طَاهِرًا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الشَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَاضِي مِنْهُ خِلَافًا لِلْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَدَاءَ قَدْ فَاتَ لِمُضِيِّ زَمَنِهِ وَالْقَضَاءُ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَمْرٍ ثَانٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا مَضَى

[قضاء التطوع]

قَضَاءُ التَّطَوُّعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إلَيْهِمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ حَفْصَةُ وَبَدَرَتْنِي بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ هَذَا الشَّهْرِ وَبَيْنَ سَائِرِ الشُّهُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ فِي أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ قَدْ فَاتَ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ فَكَذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ شَهْرِ هَذَا الْعَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ الصِّيَامَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالصَّوْمِ عَلَى وَجْهِ الِانْحِتَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ، وَهَذَا قَدْ شَهِدَ هَذِهِ الْأَيَّامَ مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهَا كَاَلَّذِي يَكُونُ مُقِيمًا فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَمُسَافِرًا فِي أَوَّلِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا كَانَ مِنْهُ مُقِيمًا فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ صِيَامِهِ قَدْ فَاتَ بِفَوَاتِ وَقْتِ الدُّخُولِ فِيهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَأَمَّا وُجُوبُهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ قَالَ إنَّ الْإِسْلَامَ يُسْقِطُهُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاؤُهُ لَمَّا أَدْرَكَ بَعْضَ زَمَنِ صَوْمِهِ وَهُوَ بِصِفَةِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ وَقْتِ إسْلَامِهِ إلَى آخِرِهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَرَوَاهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [قَضَاءُ التَّطَوُّعِ] (ش) : قَوْلُهُ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا فِي الْغَالِبِ نَهَارًا جَازَ لَهَا أَنْ تَصُومَ دُونَ إذْنِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لَمْ تَصُمْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَذَلِكَ السُّرِّيَّةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَلَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ مِنْهُ بِالنَّوَافِلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَمِمَّا يُعْلَمُ بِهِ أَنْ لَا حَاجَةَ لَهُمَا بِذَلِكَ يَكُونُ غَائِبًا أَوْ مُسِنًّا لَا يَنْبَسِطُ فَهَذَا لَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِذْنِ، وَكَذَلِكَ خَادِمُ الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ السُّرِّيَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ فِي صَوْمِهِمَا مِنْ جِهَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمَا إلَّا أَنْ يَضْعُفَ عَنْ الْخِدْمَةِ بِالصَّوْمِ فَيَكُونَ كَالْعَبْدِ لَا يَأْتِي مِنْ الصَّوْمِ مَا يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ أَيْضًا مِنْ حُقُوقِ السَّيِّدِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُبْعِدَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِيَامِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِ فَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَبِهَذَا أَقُولُ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَفِيمَا تُدْخِلُهُ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْسِهَا فَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَا إذْنَ لِأَحَدٍ فِيهِ عَلَى زَوْجَةٍ وَلَا عَبْدٍ، وَإِنْ أَضْعَفَهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَوْمٌ لَزِمَهُ بِالشَّرْعِ كَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ. (فَرْعٌ) وَمَنْ صَامَ مِنْهُمْ بِإِذْنٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْفِطْرُ حَتَّى يُتِمَّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ قَدْ لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَهَلْ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُنَّ عَلَى الْفِطْرِ مَعَ الْإِذْنِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَاجَةِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّوْمِ.

(ص) : (سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلِيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَلَا يُفْطِرُهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ قَضَاءٌ إذَا كَانَ إنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ أَوْ النِّسْيَانِ لِصَوْمِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِاعْتِقَادِ جَوَازِ ذَلِكَ، ثُمَّ شَكَّتَا فِيهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ فِطْرِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفْطِرُ كَمَا شَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وَهَذَا قَدْ عَقَدَ الصَّوْمَ فَوَجَبَ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ «قَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّعَ بِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ الْفِطْرُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ كَانَ الْيَوْمُ لِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا فِي بَيْتِ الَّتِي كَانَ يَوْمُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِهَا وَيَحْتَمِلُ بِأَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَصَامَتْ بِإِذْنِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ حَفْصَةُ وَبَدَرَتْنِي بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ ابْنَةَ أَبِيهَا تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ جَرِيئَةً عَلَى الْكَلَامِ وَجَلْدَةً فِي سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهَا مُبَادَرَةٌ إلَى الْكَلَامِ وَإِرَادَةٌ أَنْ تَتَوَلَّاهُ وَقَوْلُ حَفْصَةَ أَنِّي أَصْبَحَتْ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَلَمْ يُعْلِمْهُمَا هَلْ هُوَ تَطَوُّعٌ أَوْ غَيْرُهُ فَأَعْلَمَتْهُ عِنْدَ سُؤَالِهَا بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِأَنَّ صَوْمَهُمَا تَطَوُّعٌ فَأَرَادَتَا إذْكَارَهُ وَقَوْلُهُمَا فَإِنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْ ضَرُورَتِهِمَا وَحَالِهِمَا مَا أَغْنَاهُمَا عَنْ أَنْ تُخْبِرَاهُ أَنَّ فِطْرَهُمَا وَقَعَ لِضَرُورَةٍ وَعَلِمَتَا عِلْمَهُ بِذَلِكَ وَتَفَهُّمَهُ بِهِ فَلَمْ تَذْكُرْهُ فِي سُؤَالِهَا، وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُمَا الصَّوْمَ لَا يَعْرِفُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُمَا أَنَّ نَفْلَ الصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ إتْمَامُهُ وَأَحْكَامُ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ يُخْتَلَفُ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا الصَّوْمِ نَفْسِهِ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْكَرَاهِيَةُ وَالْعَمْدُ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِنْ أَفْقَهِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا ذِكْرَ عِلَّةِ الْفِطْرِ فِي سُؤَالِهِمَا إلَّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَالِهِمَا وَهِيَ الضَّرُورَةُ إلَى الطَّعَامِ فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا عَلَى أَصْلِكُمْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ وَالْمُضْطَرُّ إلَى النَّفْلِ فِي النَّفْلِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمَا عَلَى الْوُجُوبِ وَلَمْ يَكُنْ فِطْرُهُمَا لِضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ مَعَ اعْتِقَادِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يُتِيحُ الْفِطْرَ وَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ فَلَمَّا أَمَرَهُمَا بِالْقَضَاءِ تَضْمَنَّ ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ الْفِطْرِ لِمِثْلِ هَذَا الْعُذْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ» ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَيَحْتَمِلُ النَّدْبَ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ مُخْتَارًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إلَّا وَإِنْ أَفْطَرَ لِضَرُورَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَّا النَّاسِيَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي الْعُمْرِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا فَكَانَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ نَفْلَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْحَجِّ. (ص) : (سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلِيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَلَا يُفْطِرُهُ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ قَضَاءٌ إذَا كَانَ إنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ إذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْوُضُوءِ) .

صَلَاةِ نَافِلَةٍ إذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْوُضُوءِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا النَّاسُ فَيَقْطَعَهُ شَيْءٌ يُتِمُّهُ عَلَى سُنَنِهِ إذَا كَبَّرَ لَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا صَامَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يُتِمَّ صَوْمَهُ، وَإِذَا أَهَلَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ، وَإِذَا دَخَلَ فِي طَوَافٍ لَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى يُتِمَّ سُبُوعَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا إذَا دَخَلَ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ إلَّا مِنْ أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْ الْأَسْقَامِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَالْأُمُورُ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَعَلَيْهِ إتْمَامُ الصِّيَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْحَجِّ تَطَوُّعًا، وَقَدْ قَضَى الْفَرِيضَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَيَرْجِعُ حَالًّا مِنْ الطَّرِيقِ وَكُلُّ أَحَدٍ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا إذَا دَخَلَ فِيهَا، ثُمَّ يُتِمُّ الْفَرِيضَةَ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ فَأَفْطَرَ فِيهِ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ مِنْ السَّهْوِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ يُسْقِطُ الْإِثْمَ فِي فِطْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ كَالنِّسْيَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَعْذَارُ الَّتِي تُسْقِطُ الْقَضَاءَ النِّسْيَانُ وَالْمَرَضُ وَالْإِكْرَاهُ وَشِدَّةُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ تَجَدُّدُ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ طُولُ مُدَّتِهِ فَأَمَّا السَّفَرُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مَعْنًى يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ فِي التَّطَوُّعِ كَالْمَرَضِ وَالنِّسْيَانِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَفْطَرَ مُخْتَارًا بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّوْمِ مَعَ إمْكَانِ إتْمَامِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْمُقِيمِ فَإِذَا ابْتَدَأَ صَوْمَ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ أَفْطَرَ لِعُذْرِ السَّفَرِ فَفِيهِمَا أَيْضًا رِوَايَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَتَوَجَّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُقْصَدُ لِأَنْفُسِهَا وَلَا تَتَبَعَّضُ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا وَتَلَبَّسَ بِعَمَلِهَا أَنْ يَقْطَعَهَا حَتَّى يُتِمَّ مِنْهَا أَقَلَّ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَامِلَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ ذَلِكَ فَالتَّلَبُّسُ بِالْحَجِّ هُوَ الْإِهْلَالُ بِهِ وَالتَّلَبُّسُ بِالصَّوْمِ هُوَ الدُّخُولُ فِيهِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِنِيَّةٍ مُسْتَصْحَبَةٍ قَبْلَهُ إمَّا ذِكْرًا وَإِمَّا حُكْمًا وَالتَّلَبُّسُ بِالصَّلَاةِ هُوَ الْإِحْرَامُ بِهَا وَالتَّلَبُّسُ بِالطَّوَافِ هُوَ التَّكْبِيرُ لَهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالشُّرُوعُ فِي الْمَشْي فِيهِ لِمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الصِّيَامِ عِبَادَةُ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَجِّ عِبَادَةً حِجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الطَّوَافِ عِبَادَةُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ مَعَ مَا يَتْبَعُهُ وَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الصَّلَاةِ عِبَادَةُ رَكْعَتَانِ فَهَذَا الْمِقْدَارُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بِالتَّلَبُّسِ بِهَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الِاعْتِكَافُ وَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . وَقَالَ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَعْرِضَ مَانِعٌ يُتِيحُ الْخُرُوجَ مِنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَسْقُطَ وُجُوبُ التَّمَادِي وَيُعَيَّنَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَعْذَارَ الَّتِي تُبِيحُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَسَيَأْتِي الْأَعْذَارُ الَّتِي تُبِيحُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فدية من أفطر في رمضان من علة]

فِدْيَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَّةٍ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ قَالَ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا الْقَضَاءَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرَاضِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فِدْيَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَّةٍ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي يُرِيدُ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ الضَّعْفِ لِلْكِبَرِ أَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ، وَالْعَجْزُ عَنْ الصِّيَامِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَوْجُودٌ سَبَبُهُ فِي الْجَسَدِ وَهُوَ الْمَرَضُ وَالْعَطَشُ وَالْحَرُّ وَالْجُوعُ فَهَذِهِ مَتَى وُجِدَتْ وَمَنَعَتْ تَمَامَ الصِّيَامِ سَقَطَتْ الْفِدْيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَغَيْرِهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُبِيحُ الْفِطْرَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَخَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ تَجَدُّدِهِ أَوْ طُولِ مُدَّتِهِ وَيُبِيحُهُ مَعَ ذَلِكَ الْحَاجَةُ إلَى التَّدَاوِي إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْفِطْرِ وَخِيفَ مِنْ تَأْخِيرِهِ الْمَرَضَ أَوْ تَجَدُّدِهِ أَوْ طُولِ أَمْرِهِ أَوْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَقَدْ أَرْخَصَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِصَاحِبِ الْحَفْرِ الشَّدِيدِ أَنْ يُفْطِرَ وَيَتَدَاوَى وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّدَاوِيَ هَاهُنَا يَقُومُ مَقَامَ الْغِذَاءِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ فَإِذَا خِيفَ مِنْ تَأَخُّرِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أُبِيحَ الْفِطْرُ لَهُ كَالْأَكْلِ. (فَصْلٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجَسَدُ سَالِمًا مِنْ سَبَبِ الْعَجْزِ إلَّا أَنَّهُ بِحَالِ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَانِعُ مِنْ تَمَامِ الصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ وَاعْتِمَادِهِ وَكَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ لَا يُشَكُّ فِيهِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْحَامِلِ فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ بِهِمْ مَانِعٌ وَلَا مَرَضٌ وَلَا عَطَشٌ وَلَا جُوعٌ وَلَا حَرٌّ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الصَّوْمِ فَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَغَلَبَهُ عَطَشٌ أَوْ جُوعٌ أَوْ ضَعْفٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَنْ أَفْطَرَ ابْتِدَاءً لِعِلْمِهِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُهُ إنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ. فَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا مُفْطِرٌ بِعُذْرٍ مَوْجُودٍ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إطْعَامٌ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فِي أَنَسٍ كَانَ يَفْتَدِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ فَمَنْ فَدَى فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِطْعَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ لِكِبَرٍ وَهَرَمٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عَوْدَةَ لَهُ إلَى قَضَائِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الَّذِي يَرْجُو الْقَضَاءَ وَقَوْلُهُ فَمَنْ فَدَى فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ فِي ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَفَّارَةُ كُلِّ يَوْمٍ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ فَلَمْ تَتَقَدَّرْ بِصَاعٍ أَوْ فَلَمْ يَتَقَدَّرْ جَمِيعُهَا بِنِصْفِ صَاعٍ أَصْلُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ مَا قُلْنَا هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا مِنْ شِدَّةِ الصِّيَامِ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ لَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَرَ الْحَامِلَ بِالْإِطْعَامِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَا إطْعَامَ عَلَيْهَا

[جامع قضاء الصيام]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى صِيَامِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ) . جَامِعُ قَضَاءِ الصِّيَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ إنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَصُومَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهَا الْإِطْعَامُ وَيَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْإِطْعَامِ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا فَلَا إطْعَامَ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى حَمْلِهَا فَعَلَيْهَا الْإِطْعَامُ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ لِعُذْرٍ مَوْجُودٍ بِهَا فَلَمْ يَلْزَمْهَا إطْعَامٌ كَالْمَرِيضَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ وَالْحُبْلَى دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا تُطِيقُ الصِّيَامَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ يَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى فَجَازَ أَنْ يَجِبَ فِيهَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى كَالْحَجِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُرْضِعُ فَإِنْ ضَعُفَتْ عَنْ الصَّوْمِ مَعَ إرْضَاعِ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ يَرْضِعُهُ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَقَبِلَ غَيْرُهَا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرُهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ أَرْضَعَتْ ابْنَهَا وَهَلْ عَلَيْهَا إطْعَامٌ أَوْ لَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا نَفْيُ الْإِطْعَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ إيجَابُهُ وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (ش) : هَذَا الْفَصْلُ يَقْتَضِي أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُؤَقَّتٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّ وَقْتَهُ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ آخَرَ مَتَى أَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مَعَ الْقَضَاءِ وَبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْكَلَامُ مَعَهُ أَوَّلًا فِي تَوْقِيتِ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَا كَانَتْ تَسْتَطِيعُ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ وَجَبَتْ عَلَى الْبَدَنِ تَتَكَرَّرُ فِي وُجُوبِهَا مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَإِذَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الَّتِي تَلِيهَا كَانَ مُفَرِّطًا عَاصِيًا كَالصَّلَاةِ وَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ فَإِذَا أَخَّرَهَا بِتَفْرِيطٍ حَتَّى عَادَ وَقْتُهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ كَالْحَجِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ يُؤَخِّرُ الْحَجَّ إلَى عَامٍ ثَانٍ وَبِذَلِكَ يَكُونُ مُفَرِّطًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فَرَّطَ فِيهِ إطْعَامُ مِسْكِينٍ مُدًّا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَشْهَبُ يُطْعِمُ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ مُدًّا وَنِصْفًا وَهُوَ قَدْرُ شِبَعِ أَهْلِ مِصْرَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي إطْعَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطْعِمَ مُدًّا كَامِلًا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يُفَرِّقُهُ عَلَى مِسْكِينَيْنِ وَأَكْثَرَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُتِمَّ مُدًّا كَامِلًا لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَهَكَذَا الْكَفَّارَاتُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قَدْرُ الطَّعَامِ وَعَدَدُ الْمَسَاكِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [جَامِعُ قَضَاءِ الصِّيَامِ] (ش) : قَوْلُهَا إنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ تُرِيدُ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُمْكِنْهَا صَوْمُهَا فِيهِ بِحَيْضٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَهَا حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ وَمِثْلُ هَذَا إذَا تَكَرَّرَ فَإِنَّمَا يَكُونُ لِمَانِعِ شُغْلٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَّفِقَ مَرَضٌ فِي كُلِّ عَامٍ يَتَّصِلُ إلَى شَعْبَانَ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلَّا فِي شَعْبَانَ قَالَ يَحْيَى لِشَغْلٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِالنَّبِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّمَنَ يَصِحُّ فِيهِ الْقَضَاءُ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ لِشَغْلِهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى

[صيام اليوم الذي يشك فيه]

صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ أَنْ يُصَامَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ إذَا نَوَى بِهِ صِيَامَ رَمَضَانَ وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَى مَنْ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبَتُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَلَا يَرَوْنَ بِصِيَامِهِ تَطَوُّعًا بَأْسًا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَعْبَانَ وَالشَّغْلُ الَّذِي كَانَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَإِمَّا التَّصْرِيفُ لَهَا فِي حَوَائِجِهِ وَحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ كَحَاجَتِهِ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ تَأْخِيرِ الصَّوْمِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ شَعْبَانَ قَدْرُ مَا عَلَيْهَا مِنْ أَيَّامِ الصَّوْمِ وَلَمَّا يَكُونُ الْمُؤَخِّرُ بِذَلِكَ مُفَرِّطًا وَلَوْ كَانَ مُفَرِّطًا لَمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ أَوَّلِ إمْكَانِ الْقَضَاءِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ زَمَنِ رَمَضَانَ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَمَضَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفِطْرِ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَيَّامِ أَمْكَنَهُ فِيهَا صِيَامُهَا فَأَخَّرَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَهُ مَانِعٌ مَنَعَهُ الْقَضَاءَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ حِينَ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ التَّأْخِيرِ هَذَا قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَرَوْنَهُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ كَانَ صَحِيحًا فَفَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى مَرِضَ فَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَيَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُفَرِّطُ حَتَّى يَمْرَضَ أَحَبُّ إلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْإِطْعَامِ وَهُوَ نَحْوُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي بَعْضِ الْعَامِ دُونَ بَعْضٍ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ الْإِطْعَامُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي زَالَ فِيهَا عُذْرُهُ دُونَ غَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَعْذَارُ الَّتِي تُسْقِطُ الْإِطْعَامَ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ الْمُتَّصِلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَكُونُ لِلزَّوْجِ جَبْرُ الْمَرْأَةِ عَلَى تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ إلَى شَعْبَانَ أَوْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِاخْتِيَارِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهَا مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي لَزِمَهَا وَأَمَّا التَّنَفُّلُ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» . (فَصْلٌ) : قَوْلُهَا حَتَّى إلَى شَعْبَانَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الزَّمَنِ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا قَضَاءُ رَمَضَانَ لِامْتِنَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمَا فِي شَعْبَانَ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ قَبْلَ شَعْبَانَ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي شَعْبَانَ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا آخِرَ وَقْتِ الْقَضَاءِ لِغَيْرِ الْمُفَرِّطِ وَأَنَّ الْمُؤَخِّرَ يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ. [صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَهَوْهُ عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِرَمَضَانَ وَيَرَوْنَ أَنَّ صِيَامَهُ لَا يُجْزِئُ مَنْ صَامَهُ إذَا ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ يُصَامُ احْتِيَاطًا فِي الْغَيْمِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصِيَامِهِ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ وَالنَّفَلِ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.

[جامع الصيام]

جَامِعُ الصِّيَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ الصِّيَامِ] (ش) : قَوْلُهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ» تُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ الصَّوْمَ حَتَّى يَقُولَ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ إنَّهُ يَتَمَادَى عَلَى سَرْدِ الصِّيَامِ وَلَا يُفْطِرُ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُفْطِرُ وَيَصِلُ الْفِطْرَ حَتَّى يَقُولَ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ سَيَسْرُدُ الْفِطْرَ وَلَا يَصُومُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ الصَّوْمِ وَأَشَدُّهُ لِمَنْ اسْتَطَاعَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَهَذَا نَفْيٌ لَأَنْ تَرَاهُ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَعْبَانَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُعْظَمَهُ وَأَكْثَرَهُ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ الْمُوَطَّأِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي لَبِيَدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا إنَّهُ مَا اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ وَالتَّخْصِيصِ لَهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ «قُلْت لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ صَوْمٌ مَعْلُومٌ سِوَى رَمَضَانَ قَالَتْ، وَاَللَّهِ إنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ وَلَا أَفْطَرَ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ» فَقَوْلُهَا شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ وَلَا أَفْطَرَ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، قَوْلُهَا شَهْرًا مَعْلُومًا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِصَوْمِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ تُرِيدُ أَنَّ صِيَامَهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ غَيْرَ رَمَضَانَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لَهُ لِكَثْرَةِ الصَّوْمِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصِّيَامُ جُنَّةٌ يُرِيدُ أَنَّهُ سِتْرٌ وَمَانِعٌ مِنْ الْآثَامِ وَالْجُنَّةُ مَا يُسْتَرُ بِهِ وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ الْمِجَنُّ وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَجْهَلُ يُرِيدُ لَا يَأْتِ بِمَا يَكْسِبُ الْآثَامَ وَالرَّفَثُ قَبِيحُ الْكَلَامِ قَالَ الرَّاجِزُ عَنْ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ وَالْجَهْلُ ضِدُّ الْعِلْمِ يَتَعَدَّى بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ وَالْجَهْلُ ضِدُّ الْحِلْمِ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ تَقُولُ الْعَرَبُ جَهِلَ عَلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى تَعَدَّى فَيُعَدُّونَهُ بِحَرْفِ الْجَرِّ قَالَ الشَّاعِرُ أَلَّا لَا يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ مَعْنَاهُ فَلَا يُقَاتِلُهُ وَلَا يُشَاتِمُهُ وَلْيُذَكِّرْ نَفْسَهُ صِيَامَهُ لِيَرْتَدِعَ بِذَلِكَ عَنْ مُعَاوَضَةِ الشَّاتِمِ وَالْمُقَاتِلِ وَوَصَفَهُ هُنَا بِأَنَّهُ مُشَاتِمٌ وَمُقَاتِلٌ، وَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مِنْ فِعْلِ اثْنَيْنِ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَإِنْ امْرُؤٌ أَرَادَ أَنْ يُشَاتِمَهُ أَوْ يُقَاتِلَهُ فَلْيَمْتَنِعْ مِنْ ذَلِكَ وَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الْمُفَاعَلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَظْهَرَ فِي فِعْلِ الِاثْنَيْنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي فِعْلِ الْوَاحِدِ فَيُقَالُ سَافَرَ الرَّجُلُ وَعَالَجَ الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ الْمُشَاتَمَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَلْيُذَكِّرْ نَفْسَهُ الصَّائِمُ بِصَوْمِهِ وَلَا يَسْتَدِيمُ الْمُشَاتَمَةَ وَالْمُقَاتَلَةَ. (ش) : قَوْلُهُ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الْخُلُوفُ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ فَمِ الصَّائِمِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَلَا يَذْهَبُ بِالسِّوَاكِ؛ لِأَنَّهَا رَائِحَةٌ النَّفَسِ الْخَارِجِ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَذْهَبُ بِالسِّوَاكِ مَا كَانَ فِي الْأَسْنَانِ مِنْ التَّغَيُّرِ. وَقَالَ الْبَرْنِيُّ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ تَغَيُّرُ طَعْمِ فَمِهِ وَرِيحِهِ لِتَأَخُّرِ الطَّعَامِ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنَّمَا هُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلِذَلِكَ مُنِعَ الصَّائِمُ السِّوَاكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُودِ الْخُلُوفِ فِيهِ عِنْدَهُ وَأَبَاحَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْخُلُوفَ عِنْدَهُ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَلَوْ زَالَ بِالسِّوَاكِ لَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ تَعَاهُدَهُ بِالسِّوَاكِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَمْنَعُ وُجُودَهُ مِنْهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إنْ كَانَ مُجْتَمِعًا بِالْفَمِ وَسَمِعْت جَمَاعَةً مِنْ خُطَبَاءِ بَلَدِنَا يُدْخِلُونَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي خُطَبِهِمْ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ لَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ بَائِنًا فِي خُطَبِ ابْنِ نَبَاتَةَ الْوَارِدَةِ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَخُطَبُهُمْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَوِيَّةٌ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَتْرُكَ الْأَخْذَ بِهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ إنَّ الْخُلُوفَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ فِيهِ أَمْرٌ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَرْغِيبٌ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّوْمِ الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ وَلِذَلِكَ خَصَّ بِخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ دُونَ خُلُوفِ فَمِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، الْمِسْكُ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ صَاحِبَهُ يَجِدُهَا عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ لِأَنَّهُ يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَنَالُ الْمُتَطَيِّبُ بِالْمِسْكِ مِنْ طِيبِ مِسْكِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا تَعْبَقُ فِي مَوْضِعٍ يُوصَفُ بِأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ عَبَقِ طِيبِ الْمِسْكِ. وَقَدْ رُوِيَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى يُفِيدُ بِهَا لِلصَّائِمِ أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُهُ رِيحُ الْمِسْكِ لِصَاحِبِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلُهُ لِتَفْضِيلِهِ رِيحَ الْخُلُوفِ عَلَى رِيحِ الْمِسْكِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ ثَنَاءٍ عَلَى الصَّائِمِ وَقَوْلُهُ فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الصِّيَامَ خَالِصٌ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْمَالِ تَظْهَرُ عَلَى صَاحِبِهَا وَرُبَّمَا يَدْخُلُهَا شَيْءٌ مِنْ حُبِّ السُّمْعَةِ وَالصِّيَامُ لَا يَظْهَرُ عَلَى الصَّائِمِ فَهُوَ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِضَافَةُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ إلَى اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَعِظَمِ جَزَائِهِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» وَذَلِكَ أَعْظَمُ التَّضْعِيفِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ التَّضْعِيفَ فِي النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَفَضَّلَ تَضْعِيفَ الصِّيَامِ أَضْعَافَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ إلَى نَفْسِهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى السَّبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ قَالَ الْفَرَّاءُ جَمْعُ رَمَضَانَ رَمَاضِينُ، وَقَالَ أَكْرَه جَمْعَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ لَا تَقُولُوا رَمَضَانُ وَقُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ بِلَا شَهْرٍ وَالْأَثَرُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْفَرَّاءُ لَا أَصْلَ لَهُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّعَلُّقِ بِهِ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ دُونَ ذِكْرِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَكْرَهُونَ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ لَا فِي أَوَّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَمَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى بَرَكَةِ الشَّهْرِ وَمَا يُرْجَى لِلْعَامِلِ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كَثْرَةَ الثَّوَابِ عَلَى صِيَامِ الشَّهْرِ وَقِيَامِهِ وَأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ كَمَا يُقَالُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ قَدْ فُتِّحَتْ لَكُمْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَكُمْ فِعْلٌ تَدْخُلُونَهَا بِهِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الْغُفْرَانِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْ الذُّنُوبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُصَفَّدُ حَقِيقَةً فَتَمْتَنِعُ مِنْ بَعْضِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تُطِيقُهَا إلَّا مَعَ الِانْطِلَاقِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ تَصَرُّفِهَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمَغْلُولُ الْيَدِ إلَى الْعُنُقِ يَتَصَرَّفُ بِالْكَلَامِ وَالرَّأْيِ وَكَثِيرٍ مِنْ السَّعْيِ. وَيَحْتَمِلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ لِبَرَكَتِهِ وَثَوَابِ الْأَعْمَالِ فِيهِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ تَكُونُ الشَّيَاطِينُ فِيهِ كَالْمُصَفَّدَةِ؛ لِأَنَّ سَعْيَهَا لَا يُؤَثِّرُ وَإِغْوَاءَهَا لَا يَضُرُّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ صِنْفًا مِنْ الشَّيَاطِينِ يُمْنَعُونَ التَّصَرُّفَ جُمْلَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ السِّوَاكَ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ لَا فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي أَوَّلِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهِيَتِهِ فِي آخِرِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرِهِ سَوَاءٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ السِّوَاكُ فِي آخِر النَّهَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَا يُكْرَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَمْ يُكْرَهْ آخِرَهُ كَالْمَضْمَضَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ السِّوَاكُ يَابِسًا فَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَهُ طَعْمٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ السِّوَاكُ بِهِ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ لِمَوْضِعِ التَّغْرِيرِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَسْبِقَ شَيْءٌ مِنْ طَعْمِهِ إلَى حَلْقِ الصَّائِمِ فَيُفْسِدَ صَوْمَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَرِّرَ بِالْفَرْضِ لِمَوْضِعِ الْفَضِيلَةِ وَهِيَ السِّوَاكُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجْعَلُهُ الصَّائِمُ بِاخْتِيَارِهِ فِي فَمِهِ وَيَصِلُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى مَوْضِعِ فِطْرِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَكْرُوهٌ وَمُبَاحٌ فَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَمِثْلُ الطَّعَامِ بِمَضْغِهِ لِلصَّبِيِّ وَلَحْسِهِ الْمِدَادَ وَذَوْقِ الْقِدْرِ فَإِنَّ ابْنَ نَافِعٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلصَّائِمِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَمْرٌ يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ دُونَ ضَرَرٍ وَلَا عَوْنَ فِيهِ عَلَى الصَّوْمِ بَلْ فِيهِ تَغْرِيرٌ بِالصَّوْمِ. 1 - (فَرْعٌ) فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَمَجَّهُ فَقَدْ سَلِمَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ جَوْفُهُ شَيْءٌ مِنْهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ تَعَمَّدَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا عِنْدِي حُكْمُ السِّوَاكِ الرَّطْبِ وَمَا لَهُ طَعْمٌ مِمَّا يَتَعَمَّدُ الْإِنْسَانُ وَضْعَهُ فِي فِيهِ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَهُ رُطُوبَةٌ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي فِيهِ كَالْمَاءِ يَتَمَضْمَضُ بِهِ الصَّائِمُ لِشِدَّةِ الْعَطَشِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَبْتَلِعُ رِيقَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي بَعْدَ أَنْ يَزُولَ عَنْهُ طَعْمُ الْمَاءِ وَيَخْلُصُ طَعْمُ رِيقِهِ كَالْمُغْتَسِلِ وَالْمُتَوَضِّئِ يَتَمَضْمَضُ أَوْ الدَّوَاءُ يُضْطَرُّ الصَّائِمُ إلَى مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ بِهِ فِي النَّهَارِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنْ خَافَ الضَّرَرَ بِتَأْخِيرِ التَّدَاوِي بِهِ إلَى اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُفْطِرَ فَإِنْ أَفْطَرَ مَغْلُوبًا بِأَنْ يَصِلَ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ تَعَمَّدْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ يَقْضِي؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ إنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ خِفَّتَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ) . (ص) : (وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِلُ إلَى حَلْقِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْ جَهِلَ أَنْ يَمُجَّ مَا تَجَمَّعَ فِي فِيهِ مِنْ السِّوَاكِ الرَّطْبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُغَيِّرُ الرِّيقَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي التَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ يُغَيِّرْ طَعْمُهُ الرِّيقَ لَمَا مُنِعَ مِنْهُ كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْيَابِسِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْتَاكُ بِالْيَابِسِ، وَإِنْ بُلَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ الرَّطْبُ لِلْجَاهِلِ الَّذِي لَا يُحِسُّ إنْ لَمْ يَمُجَّ مَا تَجَمَّعَ مِنْهُ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ صَوْمَ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ السَّلَفُ يَتَعَمَّدُونَ صَوْمَهَا. وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ أَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِمَا خَافَ مِنْ إلْحَاقِ عَوَامِّ النَّاسِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَأَنْ لَا يُمَيِّزُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَتَّى يَعْتَقِدُوا جَمِيعَ ذَلِكَ فَرْضًا وَالْأَصْلُ فِي صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِرَادَ بِمِثْلِ هَذَا فَلَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَوَجَدَ مَالِكٌ عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ مُنْكَرِينَ الْعَمَلَ بِهَذَا احْتَاطَ بِتَرْكِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا لِمَا قَالَهُ قَالَ مُطَّرِفٌ إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَهَا لِئَلَّا يُلْحِقَ أَهْلُ الْجَهْلِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا مَنْ رَغِبَ فِي ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِيهِ فَلَمْ يَنْهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَفْضَلُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ بَعْدَ الْفِطْرِ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. (ش) : هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ لِمَنْ أَرَادَ صِيَامَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ مُفْرَدًا وَمُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى هَذَا وَغَيْرَهُ بِغَيْرِ صِيَامٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتَصُّ مِنْ الْأَيَّامِ شَيْئًا قَالَتْ لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً» . وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى نَفْسِهِ صِيَامَ يَوْمٍ يُؤَقِّتُهُ أَوْ شَهْرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَصْدِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ لَمْ يَصِلْهُ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ الْأُسْبُوعِ فَجَازَ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ» وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَالتَّعَلُّقُ وَاجِبٌ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْ ظَنِّهِ بِالرَّجُلِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ لِفِعْلِهِ وَتَحَرِّيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَنْعِ لِقَصْدِ شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ بِصَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَلِذَلِكَ كَرِهَ صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِمَنْ يَتَحَرَّى ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي صِيَامِهِمَا أَحَادِيثُ لَمْ أَرَ مِنْهَا شَيْئًا ثَابِتًا وَوَرَدَ أَيْضًا فِي صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ حَدِيثٌ وَوَرَدَ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ حَدِيثٌ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُحْتَجُّ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِيَامُ ثَلَاثَةِ

[ذكر الاعتكاف]

ذِكْرُ الِاعْتِكَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ إلَّا وَهِيَ تَمْشِي لَا تَقِفُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَحَسَنٌ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَيَّامًا بِعَيْنِهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» ، وَلِأَنَّ صِيَامَهَا مَعَ أَنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا كَصِيَامِ الدَّهْرِ وَلَيْسَ فِيهَا تَشْبِيهٌ بِالْفَرْضِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ أَيَّامًا مِنْ الشَّهْرِ مِثْلُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ أَيَّامَ الْبِيضِ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ مَا هَذَا بِبَلَدِنَا وَكَرِهَ تَعَمُّدَ صَوْمِهَا، وَقَالَ الْأَيَّامُ كُلُّهَا لِلَّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ «أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَتْ نَعَمْ قُلْت مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ قَالَتْ مَا كَانَ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ» وَقَدْ رُوِيَ فِي إبَاحَة تَعَمُّدِهَا بِالصَّوْمِ أَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءَ كَانَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوَّلُ يَوْمٍ وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَيَوْمُ عِشْرِينَ وَيَقُولُ هُوَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا قَالَ وَأَخْبَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا كَانَ صِيَامَ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا ضَعْفٌ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا كَانَ مِقْدَارَ صِيَامِ مَالِكٍ فَأَمَّا أَنْ يَتَحَرَّى صِيَامَ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ مَنْعُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَفْضَلُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ، وَيَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ الثَّانِي، وَيَوْمُ وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ الثَّالِثُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [ذِكْرُ الِاعْتِكَافِ] (ش) : وَقَوْلُهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ» الِاعْتِكَافُ اللُّزُومُ يُقَالُ فُلَانٌ عَاكِفٌ عَلَى أَمْرِ كَذَا إذَا لَازَمَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] قَالَ مَعْنَاهُ مُلَازِمِينَ بِالْعِبَادَةِ، وَالِاعْتِكَافُ فِي الشَّرْعِ مُلَازَمَةُ الْمَسْجِدِ لِلْعِبَادَةِ وَقَوْلُهَا يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَظَاهِرُ هَذَا امْتِنَاعُهُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَلَوْ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ لَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُدْنِيَ إلَيْهَا رَأْسَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ إذَا لَمْ يَعْتَكِفْ وَفِي هَذَا إبَاحَةُ تَنَاوُلِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ فَلْيِ رَأْسِهِ وَتَرْجِيلِهِ وَمُنَاوَلَتِهِ وَلَمْسِ جَسَدِهِ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا لِلَّذَّةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ تُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مَوْضِعَ مُعْتَكَفِهِ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ إلَّا لِضَرُورَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ إلَّا لِضَرُورَةِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَلَا يُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَدْخُلُهُ لِأَكْلٍ وَلَا نَوْمٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَّا الْأَكْلُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجُ لِيَأْكُلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ اعْتِكَافِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِفِعْلٍ يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ وَلِلْجُلُوسِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ إذَا اعْتَكَفَتْ لَا تَسْأَلُ عَنْ الْمَرِيضِ إلَّا وَهِيَ تَمْشِي تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ وَلَا يَخْرُجُ لَهَا وَلَا يُعَيِّنُ أَحَدًا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ لَكَانَ أَحَقُّ مَا يَخْرُجُ إلَيْهِ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعَهَا) . (ص) :. (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفًا حَتَّى يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَدُخُولِ الْبُيُوتِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ وَلَا أَرَاهُ كَرِهَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا إلَّا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَدَعَهَا فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا لَا يُجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يُخَصِّصْ شَيْئًا مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ فَمِنْ هُنَاكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجْمَعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْرُجُ لِحَاجَتِهَا فَتَمُرُّ بِأَهْلِ الْمَرِيضِ أَوْ بِمَوْضِعِهِ فَلَا تَقِفُ لِلسُّؤَالِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَسْأَلُ عَنْهُ مَاشِيَةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْعِيَادَةِ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَلَا حُضُورُ جِنَازَةٍ وَلَا طَلَبُ دَيْنٍ لَهُ وَلَا اسْتِيفَاءُ حَدٍّ وَجَبَ لَهُ فَإِنْ خَرَجَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِمَا يَقْتَضِيه الِاعْتِكَافُ مِنْ الْمُلَازَمَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ خَرَجَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ مِنْهُ أَوْ اسْتِيفَاءِ حَدٍّ عَلَيْهِ مُكْرَهًا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ خُرُوجِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مُكْرَهٌ عَلَى الْخُرُوجِ فَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَا يُفْسِدُهُ خُرُوجُهُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَةً وَلَا يَخْرُجُ لَهَا وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْحَوَائِجَ الَّتِي تَنْدُرُ وَيُمْكِنُ التَّرْكُ لَهَا كَالْخُرُوجِ لِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ لِطَلَبِ أَمْرٍ فَأَمَّا الْحَوَائِجُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهَا فَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ لِلْمُعْتَكِفِ مِنْهَا وَمِنْهَا مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَشِرَاءِ طَعَامٍ لِغِذَائِهِ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ إنْ أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَيِّنُ أَحَدًا أَيْ لَا يُعَيِّنُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ الْمُعْتَادَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا قَالَ وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِمَعُونَةِ أَحَدٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَدِّ بِهَا لَكَانَ أَحَقُّ مَا يَخْرُجُ إلَيْهِ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَشُهُودَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مَأْمُورٌ بِهَا مَعَ مَا شُرِعَ مِنْ التَّشَارُكِ فِيهَا وَالِاحْتِفَالِ بِهَا فَإِذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعًا فَإِنْ يُمْنَعَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا إلَّا مَنْ الْتَزَمَ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ وَتَرَكَ الْخُرُوجَ لِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا. (ش) : قَوْلُهُ هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَضَاءَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفٍ. وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ بَيْتَهُ تَحْتَ سَقْفٍ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ» ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ وَكُلُّ مَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي اعْتِكَافِهِ أَنْ يَدْخُلَ لَهُ تَحْتَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي اعْتِكَافَهُ إلَّا الْخُرُوجُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْكَوْنُ تَحْتَ سَقْفٍ فَلَا يُنَافِيهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا اخْتِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ يُرِيدُ يُصَلَّى

(ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَبِيتُ الْمُعْتَكِفُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعَ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَضْرِبُ بِنَاءً يَبِيت فِيهِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيتُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، قَوْلُ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا يَعْتَكِفُ أَحَدٌ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي الْمَنَارِ يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الْجُمُعَةُ وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِيهَا إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ يَتَّصِلُ إلَى وَقْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ. وَالثَّانِي: الْخُرُوجُ عَنْ الِاعْتِكَافِ إلَى الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْجَهْمِ عَنْ مَالِكٍ الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ اعْتِكَافُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اعْتِكَافُهُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجْمَعُ فِيهَا مَكْرُوهًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِكَافِهِ فِي مَسْجِدٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُدْخِلَ فِي اعْتِكَافِهِ نَقْصًا وَاخْتِلَافًا فِي جَوَازِهِ وَمَنْ يُدْخِلُ فِيهِ إبْطَالًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِلُ إلَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] قَالَ فَعَمَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِقَوْلِهِ بِالْعُمُومِ وَتَعَلَّقَ بِهِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَا تُدْرِكُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ فَمَرِضَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى إكْمَالِ اعْتِكَافِهِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَيَبْطُلَ اعْتِكَافُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي اعْتِكَافٍ يَأْتِي عَلَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ أَمْرٌ طَرَأَ عَلَيْهِ خُرُوجٌ لِعِبَادَةٍ يَلْزَمُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا فَلَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَبِيتُ الْمُعْتَكِفُ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعْتَكِفُ فِيهِ وَبِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِكَافُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَضْطَرِبَ خِبَاءً فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ يَبِيتُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَكَفَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَصَحَّ اعْتِكَافُهُ وَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ مَبِيتًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْمُعْتَكَفِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ اللُّزُومَ وَالتَّتَابُعَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ اللُّزُومَ وَالْمُوَاصَلَةَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ لِلنَّوْمِ لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَسْجِدِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَانِ مُعْتَكَفِهِ إلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَإِلَى مَا يَكُونُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ صَحْنَ الْمَسْجِدِ دَاخِلَهُ وَأَمَّا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَعْتَكِفُ الْمُعْتَكِفُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَ الْمَسْجِدِ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ لَا تُؤَدَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ لِبُعْدِهِ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ فَبِأَنْ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا فِي الْمَنَارِ يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَنَارِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ اسْمًا يَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُتَّخَذٌ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا اُتُّخِذَ لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ

(ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِاعْتِكَافِهِ أَوَّلَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْمُعْتَكِفُ مُشْتَغِلٌ بِاعْتِكَافِهِ لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ التِّجَارَاتِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَأْمُرَ بِبَيْعِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ خَفِيفًا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَكْفِيه إيَّاهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الِاعْتِكَافِ شَرْطًا، وَإِنَّمَا الِاعْتِكَافُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً فَمَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِكَافُ فِيهِ كَالْبَيْتِ الْمُتَّخَذِ فِيهِ لِاخْتِزَانِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَسُرُجِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآلَةِ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يُؤَذِّنُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَنَارِ أَمْ لَا؟ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَنَعَ مِنْهُ مَرَّةً وَأَبَاحَهُ أُخْرَى وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْخُرُوجُ إلَيْهِ لِحَاجَةٍ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلْأَكْلِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُرَادُ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَبْطُلْ الِاعْتِكَافُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ كَالطَّهَارَةِ. (ش) : هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يُؤْمَرُ الْمُعْتَكِفُ بِأَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكَفِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَدْ عَزَمَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكَفَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا بَقِيَّةٌ لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ اللَّيْلَةِ فِي مُعْتَكَفِهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتٌ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ أَجُزْأَهُ كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ لَيْلَةِ الِاعْتِكَافِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّيْلَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا بِصَوْمٍ وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِزَمَنٍ لِلصَّوْمِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاعْتِكَافِ هُوَ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلَةِ، وَإِذَا أَتَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَمْ يُبْطِلْهَا الْإِخْلَالُ بِبَعْضِ ثَوَابِهَا وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ زَمَنٌ لِلِاعْتِكَافِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ كَالصَّوْمِ. (فَرْعٌ) فَمَنْ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ فِيمَا لَزِمَ نَفْسَهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فَإِنْ كَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ اسْتَأْنَفَ بَعْدَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِكَمَالِ لَيَالِيهَا إلَّا أَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي تَرَكَ بَعْضَ لَيْلَتِهِ مُعْتَكِفٌ فَإِنْ فَعَلَ مَا يَقْطَعُ الِاعْتِكَافَ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الْمُعْتَكِفَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْتَسِبُ بِهِ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَشْتَغِلُ عَنْ اعْتِكَافِهِ بِشَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ عَلَى مَعْنَى الْتِزَامِ نَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمُوَاظَبَتِهَا فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا بِالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِأَمْرِ دُنْيَا وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطْعًا لِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُهُ، وَلِأَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ غَيْرِ مَا عَكَفَ عَلَيْهِ فَبِأَنْ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ بِقَطْعٍ لِاعْتِكَافِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ اعْتِكَافِهِ الصَّمْتُ، وَإِنَّمَا مِنْ شَرْطِهِ اتِّصَالُ أَمْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ كَمَا لَا يَقْطَعُهُ أَمْرُهُ بِمُنَاوَلَتِهِ الطَّعَامَ وَالْمَاءَ وَالْوُضُوءَ، وَكَذَلِكَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الَّذِي يَجْلِسُ إلَى جَانِبِهِ وَسُؤَالُهُ عَنْ الْمَرِيضِ مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ وَتَعْزِيَتُهُ بِالْمَيِّتِ مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَمُحَادَثَتُهُ صَدِيقَهُ وَأَهْلَهُ بِمَا خَفَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْقَضِي بِيَسِيرِ الْكَلَامِ فَلَا يَقْطَعُ اعْتِكَافَهُ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ مَا كَثُرَ مِنْ الْكَلَامِ وَاتَّصَلَ.

[ما لا يجوز الاعتكاف إلا به]

بِمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لَا مِنْ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ وَلَا يَبْتَدِعُهُ، وَقَدْ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ سُنَّةَ الِاعْتِكَافِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ سَوَاءٌ وَالِاعْتِكَافُ لِلْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ سَوَاءٌ) . مَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِهِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَنَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَا لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الِاعْتِكَافَ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ مُقْتَضَاهُ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِلَافَ مُقْتَضَاهُ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ الدُّخُولَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا يَشْتَرِطُ الْخُرُوجَ مِنْهُ مَتَى أَرَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ الشَّرْعِيَّ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا يُفْطِرُ فِيهِ نَهَارًا مَتَى شَاءَ أَوْ نَذَرَ صَلَاةً يَتَكَلَّمُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يُبْطِلُهَا عَلَيْهِ الْحَدَثُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ نَذَرَ هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخُرُوجِ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عِنْدَهُ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَفْعَالَ الْقُرَبِ إذَا دَخَلَ فِيهَا لَزِمَتْ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرُوجَ فِي أَثْنَائِهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا فَإِذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ. وَالْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الصَّوْمُ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ كَامِلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مُدَّتِهَا مَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَذَلِكَ يَوْمٌ. (ش) : قَوْلُهُ الِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ سَوَاءٌ يُرِيدُ الْجِوَازَ الَّذِي بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فِي التَّتَابُعِ يَلْزَمُ فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَأَمَّا الْجِوَارُ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ بِالنَّهَارِ وَالِانْقِلَابِ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَع شَيْئًا وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهِ وَلِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ وَيَطَأُ أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ مَتَى شَاءَ فَهَذَا الْجِوَارُ غَيْرُ الْجِوَارِ الَّذِي عِنْدَ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاعْتِكَافُ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ سَوَاءٌ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُمَا فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَيُبَاحُ لَهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فِي أَمْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ الْبَدَوِيُّ بِمَوْضِعٍ فِيهِ جُمُعَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُ دُونَ الْبَدَوِيِّ. [مَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِهِ] (ش) : قَوْلُهُمَا إنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ نَفْيٌ لِوُجُودِ اعْتِكَافٍ شَرْعِيٍّ دُونَ صِيَامٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الصِّيَامُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاسِمُ وَنَافِعٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، وَهَذَا خِطَابٌ لِلصَّائِمِينَ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَبْثٌ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً بِمُجَرَّدِهِ دُونَ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ

[خروج المعتكف للعيد]

خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ لِلْعِيدِ (ص) : (عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اعْتَكَفَ فَكَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فِي حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) . (ص) : (يَحْيَى عَنْ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ قَالَ زِيَادٌ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا أَوْ هَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ دَلِيلُهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لِرَمَضَانَ وَلِنَذْرٍ وَلِغَيْرِهِ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَهَلْ يَجُوزُ لَك أَدَاؤُهُ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاعْتِكَافَ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ فِعْلِهِ مَعَ صِيَامٍ لِغَيْرِهِ فَإِذَا نَذَرَهُ النَّاذِرُ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ نَذْرُهُ إلَى مُقْتَضَاهُ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَكُونَ كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَصَوْمًا، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ إنَّ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً لَزِمَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا خَاصَّةً بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِطَهَارَةٍ لِغَيْرِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ النَّاذِرَ لِلِاعْتِكَافِ لَزِمَهُ نَذْرُهُ عَلَى جَمِيعِ شُرُوطِهِ الَّتِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الصَّوْمِ تَنَاوَلَ صَوْمَهُ النَّذْرُ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ لِلْعِيدِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فِي حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ مَنْزِلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فِي غَيْرِ دَارِهِ؛ لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إلَى دَارِهِ وَدُخُولِهِ إلَيْهِ ذَرِيعَةً إلَى الِاشْتِغَالِ بِبَعْضِ مَا يَظْهَرُ إلَيْهِ فِيهِ وَيَرَاهُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِشَيْءٍ وَلَا يَتَوَضَّأُ إلَّا فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ يُمَكِّنُهُ إلَى مَوْضِعِ مُعْتَكَفِهِ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَقْصِدُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ لَمْ يَتَعَدَّهُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ فِي مُعْتَكَفِهِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إلَى دَارِهِ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ الْعِيدَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَرَوَاهُ عَنْهُ سَحْنُونٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ خَرَجَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِبَادَتَيْنِ يَصِحُّ إفْرَادُهَا فَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْأُخْرَى كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الِاعْتِكَافُ فِي زَمَنٍ لَا يَتَّصِلُ بِلَيْلَةِ الْفِطْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُقَامُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ بِالْمُعْتَكَفِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ كُلَّ عِبَادَتَيْنِ جَرَى عُرْفُ الشَّرْعِ بِاتِّصَالِهِمَا فَإِنَّ اتِّصَالَهُمَا عَلَى الْوُجُوبِ كَالطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا مَضَى وَأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَفِعْلُهُمْ أَنْ لَا يَرْجِعُوا مِنْ مُعْتَكَفِهِمْ إلَى أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ مَعَ النَّاسِ فَيُصَلُّونَ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ، وَهَذَا لِمَنْ شَهِدَ صَلَاةَ الْعِيدِ مَعَ النَّاسِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ مَرِيضٍ يَقْدِرُ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[قضاء الاعتكاف]

قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ (ص) : (زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَجَدَ أَخْبِيَةً خِبَاءَ عَائِشَةَ وَخِبَاءَ حَفْصَةَ وَخِبَاءَ زَيْنَبَ فَلَمَّا رَآهَا سَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ هَذَا خِبَاءُ عَائِشَةَ وَخِبَاءُ حَفْصَةَ وَخِبَاءُ زَيْنَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» . (ص) : (زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِعُكُوفٍ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ مَرِضَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَشْرِ إذَا صَحَّ أَمْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَعْتَكِفُ إنْ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ إذَا صَحَّ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى إذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ] (ش) : قَوْلُهُ: ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ مَوْضِعًا يَلْزَمُهُ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ مِنْ مَسْجِدِهِ وَلَيْسَ لُزُومُهُ لَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ اعْتِكَافِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فَمَشْيُهُ إلَى مَوْضِعِ إمَامَتِهِ مَشْيٌ لِأَدَاءِ فَرِيضَتِهِ فِي مَسْجِدِهِ فَلَمْ يُدْخِلْ نَقَصَا فِي اعْتِكَافِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْأَذَانِ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا ثَانِيَةً فَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا عِنْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ مَكْرُوهًا فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا اعْتَكَفَ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ الْإِتْيَانَ بِهِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ الْعِبَادَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا الْمُعْتَكِفُ فَكَرِهَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا كَرِهَ لَهُ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ حُضُورِ الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَجَدَ أَخْبِيَةً خِبَاءَ عَائِشَةَ وَخِبَاءَ حَفْصَةَ وَخِبَاءَ زَيْنَبَ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ الْمَذْكُورَاتِ ضَرَبَتْ لِنَفْسِهَا خِبَاءً تَعْتَكِفُ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَذَّرَهُنَّ وَخَافَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُنَّ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَالْغَيْرَةُ عَلَى سَائِرِ أَزْوَاجِهِ أَنْ يَفْعَلْنَ مِثْلَ فِعْلِهِ فَلَا تَسْلَمُ نِيَّتُهَا لِلِاعْتِكَافِ فَكَرِهَ اعْتِكَافَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَمَنَعَ جَمِيعَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مِنْهُنَّ مَنْ قَصَدَ هَذَا الْقَصْدَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: ثُمَّ انْصَرَفَ يُرِيدُ أَنَّ انْصِرَافَهُ كَانَ قَبْلَ الْتِزَامِهِ الِاعْتِكَافَ وَالدُّخُولَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْصَرَفَ لِمَانِعِ عَزْلِهِنَّ أَوْ لِقُرْبَةٍ أُخْرَى رَآهَا أَوْلَى مِنْ الِاعْتِكَافِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا أَرَادَ مِنْ صَرْفِ جَمِيعِهِنَّ فَرَأَى انْصِرَافَهُ أَقْرَبَ لِاسْتِصْلَاحِهِنَّ تَطْيِيبَ أَنْفُسِهِنَّ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مُطْلَقٌ إذَا كَانَ فِي زَمَنٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ لَزِمَهُ اعْتِكَافٌ فِي رَمَضَانَ وَطَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ الصِّيَامِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَلْزَمُ بِوَجْهَيْنِ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ فَيَأْتِي وَجْهٌ لِفِطْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ يَنْوِي مُدَّةً مِنْهُ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْمُدَّةُ وَصَارَتْ مَعَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ

(ص) : (زِيَادٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ اعْتِكَافُهُ إلَّا تَطَوُّعًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْمِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ قَضَاءُ ذَلِكَ الِاعْتِكَافِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ صَوْمُ الِاعْتِكَافِ وَاجِبًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَفَسَدَ صَوْمُهُ لِمَعْنًى يُوجِبُ قَضَاءَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَفِي صَوْمٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ نَاسِيًا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَانِعٍ مِنْ قَضَاءِ الصَّوْمِ كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ يَمْنَعُ مِنْ قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ أَيْضًا. (فَصْلٌ) : فَإِنْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَانٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُ رَمَضَانَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَمَضَانَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ الْمَانِعُ أَوَّلًا يَسْتَغْرِقُهُ فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ وَكَانَ الْمَانِعُ فِي آخِرِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِالِاعْتِكَافِ قَدْ لَزِمَهُ بَعْضُهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا مَانِعٌ غَالِبٌ مَانِعٌ مِنْ صَوْمٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ وُجُوبُهُ لِغَيْرِ الِاعْتِكَافِ فَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ مَا مَنَعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ مَنَعَ مِنْ جَمِيعِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمَعَانِي الْمَانِعَةُ مِنْ الِاعْتِكَافِ هِيَ الْمَرَضُ وَالْحَيْضُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا يَصِحُّ مَعَهُ فِعْلُهُ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْمُكَلَّفِ فِيهِ التَّفْرِيطُ وَيَلْزَمُ الْحَائِضَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالرُّجُوعُ إلَى بَيْتِهَا وَالْمَرِيضَ الرُّجُوعُ إلَى بَيْتِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ وَأَمْكَنَ لِعِلَاجِهِ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَيْتِهِ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ الصَّوْمُ فَاَلَّذِي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْقُرْطُبِيُّ يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِمَا يُمْكِنُهُ وَهُوَ مُلَازَمَةُ الْمَسْجِدِ وَالِامْتِنَاعِ تَمَايُنًا فِي الِاعْتِكَافِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُفِيقَ، وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُعْتَكِفِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ يَلْزَمُ الْمَسْجِدَ فَعَلَيْهِ هَاهُنَا مِثْلُهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَلَبَّسَ فِي الثُّغُورِ بِالِاعْتِكَافِ حَالَ الْأَمَانِ، ثُمَّ طَرَأَ الْخَوْفُ فَلَزِمَهُ الْخُرُوجُ وَتَرْكُ الِاعْتِكَافِ فَقَالَ مَالِكٌ إذَا أَمِنَ ابْتَدَأَ اعْتِكَافَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِكَافِهِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ وَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِعِبَادَةٍ وَقَطَعَ مَسَافَةً كَمَا لَوْ خَرَجَ لِحَجِّ أَوْ جِنَازَةٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ خَرَجَ لِطَاعَةٍ لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهَا وَلَا يَتِمُّ اعْتِكَافُهُ إلَّا بِهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِشِرَاءِ قُوتِهِ وَطَهُورِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ إذَا صَحَّ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَبْطُلُ أَوَّلَ وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَقْتِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عَلَى حُكْمِهِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ فَإِذَا تَرَكَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ فَقَدْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي تَطَوَّعَ بِالِاعْتِكَافِ فَلَزِمَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَاَلَّذِي نَذَرَهُ فَلَزِمَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَا يُنَافِي الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ يُنَافِيهَا إذَا تَطَوَّعَ بِهَا كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ بَلْ هُوَ هَيْئَةٌ مِنْ هَيْئَاتِهَا تَسْقُطُ لِعُذْرٍ، وَاَلَّذِي يُنَافِي الصَّلَاةَ الْكَلَامُ وَالْحَدَثُ وَتَطَوُّعُ الصَّلَاةِ وَفَرْضُهَا يَتَسَاوَيَانِ فِي ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي يَحْرُمُ فِي الِاعْتِكَافِ وَيَفْسُدُ لِمُنَافَاتِهِ هُوَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إنَّهَا إذَا اعْتَكَفَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى بَيْتِهَا فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى الْمَسْجِدِ أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهَا قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَتَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِمْتَاعُ بِالنِّسَاءِ بِقُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ جَسَّةٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . (فَرْعٌ) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُبْطِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الِاعْتِكَافَ إلَّا بِالْإِيلَاجِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُبَاشَرَةٍ لَوْ قَارَنَهَا الْإِنْزَالُ أَفْسَدَتْ الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهَا تُفْسِدُهُ وَإِنْ عَرِيَتْ عَنْ الْإِنْزَالِ كَالْإِيلَاجِ. 1 - (فَرْعٌ) وَيُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ الْأَكْلُ عَامِدًا لِمَا قُلْنَا إنَّ مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمَ وَالتَّتَابُعَ وَيُفْسِدُهُ ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالِالْتِذَاذِ بِمَنْ لَا يَحِلُّ الِالْتِذَاذُ بِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ السَّرِقَةَ وَالْقَتْلَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْكَبَائِرِ يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ نِهَايَةُ الطَّاعَةِ وَالْمُبَالَغَةِ حَتَّى إنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِ التَّشَاغُلُ عَنْهُ بِتَدْرِيسِهِ الْعِلْمَ وَالْمَشْيُ إلَى الْجَنَائِزِ وَرُكُوبُ الْكَبَائِرِ يُنَافَى هَذَا وَمَا ضَادَّ الْعِبَادَةَ أَفْسَدَهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْحَائِضَ الْمُعْتَكِفَةَ إذَا حَاضَتْ خَرَجَتْ مِنْ مُعْتَكَفِهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَائِضُ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إلَى مُعْتَكَفِهَا أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ لَا تُؤَخِّرُ رُجُوعَهَا عَنْ وَقْتِ طُهْرِهَا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ التَّتَابُعَ فَإِذَا أَخَّرَتْ ذَلِكَ بَطَلَ التَّتَابُعُ وَبَطَلَ بِعَدَمِهِ الِاعْتِكَافُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ رَجَعَتْ نَهَارًا فَأَنَّهَا لَا تُمْسِكُ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ نَهَارِهَا وَلَا يُحْتَسَبُ لَهَا بِهِ فِي أَيَّامِ اعْتِكَافِهَا فَإِنْ رَجَعَتْ لَيْلًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَوَتْ الصَّوْمَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُجْزِئُهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَحْتَسِبُ بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ دُخُولُهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ كَابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَتَحِيضُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا وَلَا تُؤَخِّرُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ الْمَوَانِعَ الْغَالِبَةَ كَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ لَهُ بَعْدَ الْمَوَانِعِ الْغَالِبَةِ عَنْ وَقْتِ الْإِمْكَانِ، وَكَذَلِكَ تَتَابُعُ الصِّيَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْبُيُوتِ لِمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ التَّغَوُّطِ وَالطَّهَارَةِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ الْخُرُوجُ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ يُؤْتَى لَهُ الْأَسْوَاقُ وَمَوَاضِعُ بَيْعِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْهُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جِنَازَةِ أَبَوَيْهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمَا) (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا لِمَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ لِفَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ عَلَيْهِ وَيُبْطِلُ ذَلِكَ اعْتِكَافَهُ وَأَمَّا خُرُوجُهُ لِجِنَازَةِ أَبَوَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِفَرْضٍ وَلَا فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الِاعْتِكَافِ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِعِيَادَةِ أَبَوَيْهِ إذَا مَرِضَا وَيَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ لَزِمَهُ طَلَبُ مَرْضَاتِهِمَا وَاجْتِنَابُ مَا يُسْخِطُهُمَا فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ بِرِّ أَبَوَيْهِ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا وَالْإِتْيَانِ بِاعْتِكَافِهِ بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ حُضُورِ جِنَازَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ بِحُضُورِهِ فَيُرْضِيهِمَا ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمَانِ بِتَخَلُّفِهِ فَيُسْخِطُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[النكاح في الاعتكاف]

النِّكَاحُ فِي الِاعْتِكَافِ (ص) : (زِيَادَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ نِكَاحَ الْمِلْكِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ، وَالْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ أَيْضًا تُنْكَحُ نِكَاحَ الْخِطْبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ قَالَ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ مِنْ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ بِالنَّهَارِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ بِقُبْلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ لِلْمُعْتَكِفِ وَلَا لِلْمُعْتَكِفَةِ أَنْ يَنْكِحَا فِي اعْتِكَافِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ وَلَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَنْكِحَ فِي صِيَامِهِ وَفَرْقٌ بَيْنَ نِكَاحِ الْمُعْتَكِفِ وَبَيْنَ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَلَا يَتَطَيَّبُ وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدْهُنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ شَعْرِهِ وَلَا يَشْهَدَانِ الْجَنَائِزَ وَلَا يُصَلِّيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يَعُودَانِ الْمَرْضَى فَأَمْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ مُخْتَلِفٌ قَالَ قَالَ وَذَلِكَ لِمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ وَالصَّائِمِ) . مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسُطَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [النِّكَاحُ فِي الِاعْتِكَافِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُعْتَكِفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهُ وَنِكَاحَ غَيْرِهِ بِمَا خَفَّ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ كَمَا لَا يُنَافِيه دَوَاعِي النِّكَاحِ مِنْ التَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ، وَإِنَّمَا يُنَافِيه نَفْسُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْجِمَاعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَجَّ يَمْنَعُ دَوَاعِيَ النِّكَاحِ مِنْ التَّطَيُّبِ فَمَنَعَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَالِاعْتِكَافُ لَا يَمْنَعُ دَوَاعِيَ النِّكَاحِ مِنْ التَّطَيُّبِ فَلَمْ يَمْنَعْ مُقَدِّمَاتِهِ مِنْ الْعَقْدِ كَالصَّوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرَ الْعَمَلِ مَمْنُوعٌ فِي الِاعْتِكَافِ وَيَسِيرُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ فَأَمَّا مَا لَهُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ اعْتِكَافِهِ وَانْتَهَى إلَيْهِ الزِّحَامُ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ كَسُؤَالِ الْمَرِيضِ عَنْ حَالِهِ وَتَعْزِيَةِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ وَسَلَامِهِ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ وَحَدِيثِهِ مَعَ مَنْ رَآهُ وَكِتَابَةِ يَسِيرِ الْعِلْمِ وَالْأَخْذِ فِي يَسِيرِهِ وَيَسِيرِ الْحُكْمِ لِلْحَاكِمِ فَإِنَّ يَسِيرَ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَوْضِعِ اعْتِكَافِهِ وَالْمَسِيرِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ مَوْضِعِ مُعْتَكَفِهِ لِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ عِبَادَةِ الْمُعْتَكِفِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَشْيُ إلَى الْمِحْرَابِ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ الْقُرْآنَ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكْتُبَ الْمُعْتَكِفُ الْعِلْمَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، وَالتَّرْكُ أَحَبُّ إلَيَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ مِنْ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ بِالنَّهَارِ يُرِيدُ أَنَّ حَالَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِهِ التَّتَابُعُ كَشَهْرَيْ صِيَامِ التَّظَاهُرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ يَدْهُنَانِ وَيَتَطَيَّبَانِ يُرِيدُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَمْنَعُ الطِّيبَ وَالتَّجَمُّلَ بِالْحُلِيِّ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْضِي فِي فَسَادِهِ كَالصَّوْمِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ دَوَاعِيَ النِّكَاحِ مَا يَمْنَعُ الطِّيبَ وَيَمْضِي فِي فَسَادِهِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.

[ما جاء في ليلة القدر]

مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا مِنْ صُبْحِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ. وَقَدْ رَأَيْت هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صُبْحِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمْطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ وَعَلَى جَبِينِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] (ش) : قَوْلُهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْوُسُطَ» هَكَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِي مُقَيَّدًا بِضَمِّ الْوَاوِ وَالسِّينِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ جَمْعَ وَاسِطٍ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَاسِطُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ قَادِمَتِهِ وَآخِرَتِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَطَ الْبُيُوتَ يَسِطُهَا إذَا نَزَلَ وَسَطَهَا وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ ذَلِكَ وَاسِطٌ وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ وُسُطٌ كَنَازِلٍ وَنُزُلٍ وَبَاذِلٍ وَبُذُلٍ وَأَمَّا الْوَسَطُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسِّينِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ أَوْسَطَ وَهُوَ جَمْعُ وَسِيطٍ كَكَبِيرٍ وَأَكْبَرَ أَوْ كُبُرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِجَمِيعِ الْوَقْتِ عَلَى التَّوْحِيدِ كَمَا يُقَالُ وَسَطُ الدَّارِ وَوَسَطُ الْوَقْتِ وَالشَّهْرِ فَإِنْ كَانَ قُرِئَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالسِّينِ فَهَذَا عِنْدِي مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْوُسُطَ وَقَدْ رَأَيْت هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ نَسِيتهَا ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَعُيِّنَتْ لَهُ لَيْلَتُهَا ثُمَّ أُنْسِيَ التَّعْيِينَ وَبَقِيَ ذَاكِرًا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَأُعْلِمَ مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَصَدَ الْفَضْلَ بِالِاعْتِكَافِ مَعَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ تَحَرِّيًا لَهَا وَقَوْلُهُ، وَقَدْ رَأَيْت هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أُعْلِمَ بِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ الْعَلَامَةُ الَّتِي أُعْلِمَتْ لَك بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَقَدْ رَأَيْتنِي أَسْجُدُ مِنْ صُبْحِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رُؤْيَا رَآهَا حِينَ أُعْلِمَ بِاللَّيْلَةِ أَوْ رَآهَا فَبَقِيَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ رُؤْيَا بَعْدَ النِّسْيَانِ وَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ تَحْدِيدٌ لَهَا بِمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُدَّهَا بِهَا فَحَضَّ عَلَى قِيَامِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ تَحَرِّيًا لَهَا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوِتْرِ مِنْهُ وَبَيَّنَ ذَلِكَ لِيَتَحَرَّاهَا فِي الْوِتْرِ مَنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامِ جَمِيعِ الْعَشْرِ كَمَا بَيَّنَهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامِ رَمَضَانَ وَحَضَّ عَلَى قِيَامِ جَمِيعِ رَمَضَانَ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامِ جَمِيعِ الْعَامِ. وَقَدْ رَوَى بَيَانَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ وَعَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ الْعَرِيشُ مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَقِيفَةً إلَّا مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ وَلَا يَكُنْ مِنْ الْمَطَرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سُمِّيَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ عُرُوشًا؛ لِأَنَّهَا عِيدَانٌ تُنْصَبُ لِلتَّظَلُّلِ وَيُقَالُ عُرُشٌ فَمَنْ قَالَ عُرُشٌ فَوَاحِدُهَا عَرِيشٌ مِثْلُ سَبِيلٍ وَسُبُلٍ وَمَنْ قَالَ عُرُوشٌ فَوَاحِدُهَا عَرْشٌ مِثْل فَلِيسٍ وَفُلُوسٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْعَرِيشُ شَبَهُ الْهَوْدَجِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ وَعَلَى جَبِينِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ الْجَبِينُ مَا بَيْنَ الصُّدْغَيْنِ وَالسُّجُودُ يَكُونُ بِوَسَطِهِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيَّ «قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ فَمُرْنِي لَيْلَةً أَنْزِلُ لَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَقَالَ إنِّي أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى تَلَاحَى رَجُلَانِ فَرَفَعْت فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَبْهَةُ وَسَطُ الْجَارِحَةِ وَالْجَبِينَانِ يُكَتِّفَانِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ جَبِينٌ وَقَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ هَاهُنَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ إنَّ لَيْلَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ هِيَ التَّاسِعَةُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ لِيُعَيِّنَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ لِمَا خَبَّرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي صُبْحِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَرَأَى هُوَ فِي صَبِيحَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبِينِهِ مِنْ سُجُودِهِ فِيهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ سُورَةَ الْقَدْرِ ثَلَاثُونَ كَلِمَةً وَأَنَّ " هِيَ " مِنْهَا هِيَ الْكَلِمَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِعَلَامَةٍ أَنْبَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي صُبْحِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا تَكُونُ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي جَمِيعِ الْعَامِ وَلَعَلَّهُ حَمَلَ حَضَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْتِمَاسِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي كُلِّ وِتْرٍ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَامِ خَاصَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَقَوْلُهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ تُسَمَّى بِذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا أَيْ ذَاتُ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسَمَّى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى يُنَفِّذُ فِيهَا مَا قَدَّرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 5] وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَرَّوْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَأَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ أُعْلِمَ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَأَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ مَا قَدَّمْنَا أَوَّلًا أَنَّهُ حَضَّ عَلَى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَنْ لَهُ بَعْضُ الْقُوَّةِ وَحَضَّ عَلَى السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ جَمِيعِ الْعَشْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالسَّبْعُ الْأَوَاخِرُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى التَّمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ عَلَى النُّقْصَانِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ الْكَلْبِيُّ هُوَ ابْنُ أُنَيْسٍ بْنِ حَرَامٍ وَكَانَ مُهَاجِرًا أَنْصَارِيًّا عَقَبِيًّا قَالَ غَيْرُهُ يُكَنَّى بِأَبِي يَحْيَى فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَنْزِلُ بِهَا إلَى الْمَدِينَةِ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ لَيْلَةً لَهَا فَضِيلَةٌ تُرْجَى بَرَكَتُهَا وَاقَرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَصْدِ مِثْلِ هَذَا (فَصْلٌ) : وَقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصَّ عَلَيْهَا عَلَى مَعْنَى التَّحَرِّي لَهَا وَأَنَّهَا عِنْدَهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ تَكُونَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ سَائِرِ لَيَالِي الْوِتْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهَا لِفَضِيلَةٍ ثَبَتَتْ لَهَا عِنْدَهُ وَيُقَالُ إنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ الْجُهَنِيِّ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِتَعْيِينِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الزكاة]

رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أُرِيت هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي رَمَضَانَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ اخْتِصَاصِهَا فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ الَّذِي رَآهَا فِيهِ وَعُيِّنَتْ لَهُ حَتَّى تَلَاحَى رَجُلَانِ يَعْنِي تَسَابَّا فَرُفِعْت يَعْنِي رُفِعَ عِلْمُ تَعْيِينهَا فَأَمَرَ بِتَحَرِّيهَا وَالْتِمَاسِهَا فِي التَّاسِعَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُذْنِبُ الْقَوْمُ الذَّنْبَ فَتَتَعَدَّى فِي الدُّنْيَا عُقُوبَتُهُ إلَى غَيْرِهِمْ فَيُجْزَى بِهِ مَنْ لَا سَبَبَ لَهُ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسْيَانَهَا كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُرِيت لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنَسِيتهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ نِسْيَانِهَا تَلَاحِيَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُوقِظَ فَقَدْ يَذْكُرُ الرُّؤْيَا مَنْ يُوقَظُ مِنْ نَوْمِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ رَوَى فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ نَافِعٍ وَدَاوُد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ التَّاسِعَةُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَالسَّابِعَةُ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَالْخَامِسَةُ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى نُقْصَانِ الشَّهْرِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ رَجَعَ مَالِكٌ، وَقَالَ مَشْرِقِيٌّ لَا أَعْلَمُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ فَإِذَا مَضَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ، وَهَذَا عَلَى كَمَالِ الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» ظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ لِرُؤْيَا أَصْحَابِهِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَأَى أَيْضًا مَا قَوَّى ذَلِكَ أَوْ بَلَغَهُ الْيَقِينُ فَأَمَرَهُ بِتَحَرِّيهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهَا تُنْقَلُ فِي الْوِتْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَتَكُونُ فِي عَامٍ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَفِي عَامٍ آخَرَ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ فَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَذَهَبَ قَوْمٌ وَهُمْ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِلَيْلَةٍ لَا تُنْتَقَلُ عَنْهَا وَالْمَعْلُومُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَالْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ إنَّمَا هُمَا مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ لِلْأَحَادِيثِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) . (ش) : قَوْلُهُ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ رَأَى أَعْمَارَ سَائِرِ الْأُمَمِ أَطْوَلَ فَخَافَ أَنْ لَا تَبْلُغَ أُمَّتُهُ مِنْ الْعَمَلِ فِي قِصَرِ أَعْمَارِهَا مَا بَلَغَهُ غَيْرُهَا مِنْ الْأُمَمِ فِي طُولِ أَعْمَارِهَا فَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَهِيَ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَقَوْلُهُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا) (ش) : قَوْلُهُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ فَمَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَدَلَ لَهُ ذَلِكَ قِيَامَ نِصْفِهَا، وَهَذَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى حَظٌّ وَافِرٌ مِنْهَا وَخَصَّ بِذَلِكَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ دُونَ صَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى مَا جَاءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ اللَّيْلَةِ وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] [مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ] 1

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الْمَازِنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الزَّكَاةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَفْظُ التَّرْجَمَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَدْ قَصَدَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَأَدْخَلَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَبَيَّنَ فِيهِ نِصَابَ الزَّكَاةِ وَدَخَلَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِيهِ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالزَّكَاةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هِيَ النَّمَاءُ فَقَوْلُ الْقَائِلِ " أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِكَ " ذَكَرَ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ وَجْهًا وَهُوَ أَنَّ مَا يَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُطَهِّرُ اللَّهُ بِهِ الْأَمْوَالَ وَيُنَمِّيهَا وَيُقَالُ زَكَا مَالُ فُلَانٍ إذَا كَبِرَ وَزَكَا الزَّرْعُ إذَا حَسُنَ وَكَبِرَ رَيْعُهُ وَفُلَانٌ زَكِيٌّ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْخَيْرِ فَسُمِّيَتْ بَرَكَتُهُ الْمَالَ بِمَعْنَى أَنَّ إخْرَاجَهُ يَئُولُ إلَى نَمَاءٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وَإِنَّمَا كَانَ يَعْصِرُ عِنَبًا إلَّا أَنَّهُ سَمَّاهُ خَمْرًا بِالْمَآلِ وَعَلَى هَذَا سُمِّيَ فِعْلُ الْخَيْرِ فَلَاحًا وَسُمِّيَ فَاعِلُهُ مُفْلِحًا، وَإِنْ كَانَ الْفَلَاحُ إنَّمَا هُوَ الْبَقَاءُ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْبَقَاءِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَخْرَاجَ هَذَا الْحَقِّ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ الْمُعَرَّضَةِ لِلنَّمَاءِ وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ فِي الْمُقْتَنَى لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعَرَّضًا لِلتَّنْمِيَةِ وَلِذَلِكَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ إذَا مُنِعَ صَاحِبُهُ مِنْ تَنْمِيَتِهِ بِالْغَصْبِ فَلَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالْأَمْوَالِ الَّتِي تُنَمَّى قِيلَ لَهُ وَاسِ مِنْ نَمَائِهِ وَأَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِك بِمَعْنَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ نَمَائِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَسْمَاءٌ مِنْهَا الزَّكَاةُ وَمِنْهَا الصَّدَقَةُ وَمِنْهَا الْحَقُّ وَالنَّفَقَةُ وَالْعَفْوُ فَالزَّكَاةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالصَّدَقَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَالْحَقُّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] وَالْعَفْوُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الزَّكَاةِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا يُشَارِكُهَا فِي الْحُقُوقِ وَالْإِنْفَاقِ وَالْبَدَلِ إلَّا أَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الشَّرْعِ جَرَى فِيهَا بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ تَعُمُّ النَّافِلَةَ وَالْفَرِيضَةَ وَالزَّكَاةُ تُخَصُّ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْفَرْضِ خَاصَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَالزَّكَاةُ لَفْظَةٌ عَامَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا الْجُمْلَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلَهْزَمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180] » الْآيَةَ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الْمَازِنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» (ش) : الذَّوْدُ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَى التِّسْعَةِ. وَقَالَ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ الذَّوْدُ وَاقِعٌ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْهَا وَهُوَ هَاهُنَا وَاقِعٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ إلَى الْعَشَرَةِ لَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمَعْدُودِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ فِي الصَّدَقَةِ إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَأَنَّهُ قَالَ خَمْسَةُ جِمَالٍ أَوْ خَمْسُ نُوقٍ وَلَمَّا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالزَّكَاةِ مِنْ الْإِبِلِ فَقَالَ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» اقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَلِيلِ الْإِبِلِ وَكَثِيرِهَا فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَخَصَّ بِذَلِكَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَبَقِيَ الْخَمْسَةُ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ تَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فَصَارَتْ الْخَمْسَةُ نِصَابَ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ وَزْنٌ مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالنَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ وَهُوَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَوَزْنُ النَّوَاةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَهَذِهِ كُلُّهَا بِالدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ وَوَزْنُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَالْخَمْسُ الْأَوَاقِي مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَارَ الْمِائَتَا الدِّرْهَمِ نِصَابَ الْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الزَّكَاةِ وَرَدَ فِيهَا عَامًّا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» ، فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ بِحَقِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ ثُمَّ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» فَثَبَتَ فَرْضُ الزَّكَاةِ فِي الْخَمْسِ الْأَوَاقِي فَمَا فَوْقَهَا فَكَانَ ذَلِكَ نِصَابَ الْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ، وَمَعْنَى النِّصَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْأَصْلُ وَاسْتُعْمِلَ فِي الشَّرْعِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَنِصَابُ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِنْ كَانَتْ بِوَزْنِ الْأَنْدَلُسِ وَذَلِكَ ثُلُثَا دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَمْسِ أَوَاقٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ بَيَّنَ فِي أَنَّ الْحُبُوبَ لَهَا نِصَابُ زَكَاةٍ تَجِبُ فِيمَا بَعْدَهُ وَلَا تَجِبُ فِيمَا دُونَهُ كَالْوَرِقِ وَالْإِبِلِ وَذَلِكَ النِّصَابُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نِصَابِ الْحُبُوبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ وَسْقًا وَاحِدًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ تَجِبُ مِنْ عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نِصَابُ الزَّكَاةِ كَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إخْبَارٌ بِمَنْعِ الصَّدَقَةِ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّ " إنَّمَا " حَرْفٌ مَوْضُوعٌ لِلْحَصْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَإِنَّمَا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْيَ الْوَلَاءِ عَمَّنْ يُعْتِقُ وَالصَّدَقَةُ هَاهُنَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقَعَ اسْمُ الصَّدَقَةِ عَلَى التَّطَوُّعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ الصَّدَقَةِ عَمَّا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَصْنَافِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَى بَيَانِهِ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى بَيَانِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَحْرُوثِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ وَأَوْقَعَ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَطْلَقَ الِاسْمَ الْعَامَّ. وَالْمُرَادُ مُعْظَمُ مَا يَتَنَاوَلُهُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[الزكاة في العين من الذهب والورق]

الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ فَأَقْطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إذَا أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَّاتِهِمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ لَا أَسْلَمَ إلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ كُنْت إذَا جِئْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ فَإِنْ قُلْت نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْت لَا دَفَعَ إلَيَّ عَطَائِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا» فَعَبَّرَ عَنْ الْأَرْضِ بِاسْمِ التُّرَابِ لَمَّا كَانَ أَعَمَّ أَجْزَائِهَا، وَالْحَرْثُ هَاهُنَا كُلُّ مَا لَا يَنْمُو وَلَا يَزْكُو إلَّا بِالْحَرْثِ وَالْعَمَلِ كَالثِّمَارِ وَالزَّرْعِ وَسَيَأْتِي تَمْيِيزُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ] (ش) : سُؤَالُهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ عَظِيمٍ قَاطَعَ بِهِ مُكَاتَبَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ هَذَا الْمَالِ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّ جَوَابَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ سُؤَالَهُ إنَّمَا كَانَ عَنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَوَصَفَ لَهُ الْمَالَ بِالْعِظَمِ لِيَدْخُلَ فِي حَيِّزِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَحْتَمِلُ الْمُسَاوَاةَ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ احْتِجَاجٌ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخْذٌ بِالْمَرَاسِيلِ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْخَلِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى أَخْذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ مَالِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِعْلَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الصَّدَقَاتِ وَقِتَالِهِ الْمَانِعِينَ لِلزَّكَاةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَعَادَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلُهُ النِّصَابُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فِي ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَوْ أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْهُ جَبْرًا لَمْ يُجْزِهِ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قُرْبَ الْحَوْلِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَبُو الْفَرَجِ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ تُكْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَنْ لَقِيته مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٌ لَا تُجْزِئُهُ إلَّا فِيمَا قَرُبَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَشْرَةً، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُجْزِئُهُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ الْحَوْلُ فَلِقُرْبِهِ تَأْثِيرٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَرَضِ الْمُوَرِّثِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَعْتَبِرُ فِيهِ بِالسَّاعَةِ الَّتِي أُفِيدَ فِيهَا الْمَالُ وَلَا بِمِقْدَارِ مَا مَضَى مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِمَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْيَوْمُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ فَهُوَ فِي حُكْمِهِ فِي الْحَوْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ كِتَابَةٍ وَقِطَاعَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ، وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ الْمَالَ أَوْ قَبْضِ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْمِيَتِهِ، وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْحَوْلُ لِلتَّنْمِيَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَبْضِ

[باب في إخراج زكاة المال من غيره]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إذَا أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَّاتِهِمْ سَأَلَ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ الْأَعْطِيَاتُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُعْطِيه الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ عَلَى مَا يُعْطِيه الْأَمَامُ النَّاسَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْأَرْزَاقِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ إلَى الْعَطَاءِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَطَاءَهُ سَأَلَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ يُرِيدُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِالْحَوْلِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْعَطَاءِ وَدَفَعَهَا هُوَ إلَى أَهْلِ الزَّكَاةِ وَفِي هَذَا بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاةَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ عَيْنِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ فَيُؤَدِّيَهَا فِي مَوَاضِعِهَا. [بَابٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ] 1 (بَابٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ) فَأَمَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالٍ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إذَا كَانَ مَا يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَأَمَّا أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاجِبَ كَالْغَنَمِ فِي شَنَقِ الْإِبِلِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُخْرِجَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلُ إخْرَاجِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ، فَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ وَإِخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُخْرِجُ الْفِضَّةَ عَنْ الذَّهَبِ وَلَا يُخْرِجُ الذَّهَبَ مِنْ الْفِضَّةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ أَجْوَزُ مِنْ إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمَا مَالَانِ هُمَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَجَازَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ كَالذَّهَبَيْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْفِضَّةَ تَخْرُجُ عَنْ الذَّهَبِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى قِيمَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا جَازَ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُخْرِجُ بِمِقْدَارِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَالَهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى عِدَّةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَأُخْرِجَتْ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرَجَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ لَا يُخْرِجُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ زَادَتْ الْقِيمَةُ أَوْ نَقَصَتْ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ فِي إخْرَاجِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ظُلْمًا لِلْمَسَاكِينِ وَفِي إخْرَاجِ مَا زَادَ عَلَيْهَا ظُلْمًا لِرَبِّ الْمَالِ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْصَرِفُ لَهُ فَإِذَا رَأَى النَّقْصَ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَنْفَذَهُ، وَإِذَا رَأَى النَّقْصَ عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنْهُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ظُلْمِ الْمَسَاكِينِ أَبَدًا. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَسَاكِينِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ مَصْرُوفًا إلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْبَدَلِ عِنْدَهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الذَّهَبِ وَرِقًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْقِيمَةِ إلَّا جَيِّدًا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ الْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ دَرَاهِمَ جِيَادًا يُرِيدُ لِمَا امْتَنَعَ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا. [بَابُ أَخْذُ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُزَكِّي] فَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي فَأَنَّ الْأَمَامَ إذَا كَانَ عَدْلًا فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْعَيْنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَكْفِيهِ الِاجْتِهَادُ فِي أَدَائِهَا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمَسْئُولُ وَالْمَطْلُوبُ بِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ بَاطِنَةٌ مُوَكَّلَةٌ إلَى أَمَانَاتِ أَرْبَابِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْأَلُ كُلَّ إنْسَانٍ عَمَّا عِنْدَهُ وَيَكِلُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ إلَى أَمَانَتِهِ، وَهَذَا عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَّصِلُ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَمْوَالِ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ فِيهَا الْإِمَامُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا وَأَمْكَنَهُ أَخِفَّاؤُهَا وَوَضْعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا أَجُزْأَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْفَاؤُهَا وَأَدَّاهَا إلَيْهِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ سَوَاءٌ وَضَعَهَا الْإِمَامُ مَوْضِعَهَا أَوْ غَيْرَ مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاهِرَةُ الْإِمَامِ بِالْمُخَالِفَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ شَقِّ الْعَصَا وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَجَبَ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُجْزِهِ إخْرَاجُهَا دُونَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، وَهَذَا أَمْرٌ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ إنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْوِلَايَةُ فَوَجَبَ دَفْعُهُ إلَيْهِ أَصْلُهُ دَفْعُ مَالِ الْيَتِيمِ إلَى الْوَصِيِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَا أُسْلِمُ إلَيْهِ عَطَاءً وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا يَقْتَضِي تَصْدِيقَ النَّاسِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الَّتِي سَأَلَ الْإِمَامُ عَنْهَا أَرْبَابَهَا إذَا كَانَ عَدْلًا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيَقْبَلُ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَوْلَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَدْ أَخْرَجْتُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَعْرِفُ بِالْخَيْرِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَضَرْبٌ يُعْرَفُ بِمَنْعِهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي فَلْيَأْخُذْهُ بِالزَّكَاةِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَأَدَّاهَا عَنْهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُلْجِئُهُ إلَى الْأَدَاءِ وَيَحْبِسُهُ وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ الْمَحْضِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ جَبْرًا عِنْدَ الِامْتِنَاعِ كَدُيُونِ النَّاسِ فِيهِ. (فَرْعٌ) وَتَقُومُ فِي ذَلِكَ نِيَّةُ الْإِمَامِ مَقَامَ نِيَّةِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تُجْزِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَجَازَ أَنْ تَنُوبَ فِيهَا نِيَّةُ مَنْ يَتَوَلَّى إخْرَاجَهَا عَنْ نِيَّةِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ عُرِفَ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ سُجِنَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَجَازَ أَنْ يُسْجَنَ فِي أَدَائِهِ كَالدُّيُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَيُتَّهَمُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قَالَ قَدْ أَخْرَجْتهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا كَعُمْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ عُرِفَ مِنْهُ مَنْعُ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ وَاتُّهِمَ اُسْتُحْلِفَ وَدِينَ. (فَرْعٌ) وَإِنَّمَا شَرَطَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَرْكُهَا عِنْدَ صَاحِبِهَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لِمُطَالَبَتِهِ بِهَا. (ش) : قَوْلُهُ لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَاشِيَةَ وَالْعَيْنَ فَأَمَّا الزَّرْعُ وَالثِّمَارُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ سَاعَةَ يَحْصُلُ مِنْهُ النِّصَابُ وَلَا يُرَاعَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا ضُرِبَ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ فِيهِمَا فَإِذَا مَرَّتْ مُدَّةٌ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ فِيهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَأَمَّا الزَّرْعُ وَالْمَعْدِنُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ زَكَاةٌ فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى يَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَارًا وَازِنَةً فَفِيهَا الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا الزَّكَاةُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةٍ بَيِّنَةِ النُّقْصَانِ الزَّكَاةُ فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَافِيَةٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ فَانٍ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ رَأَيْت فِيهَا الزَّكَاةَ دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ دَرَاهِمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ تَكَامُلَ نَمَائِهِ عِنْدَ حَصَادِ الْحَبِّ وَخُرُوجِ الْعَيْنِ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا نَمَاءَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ النَّمَاءِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ تَصْرِيفُ الزَّكَاةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَوْلُ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْحَبِّ يَوْمَ الْحَصَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . (ش) : قَوْلُهُ أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ نَفْسِ الْأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَرَجَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ فَجَرَتْ عِنْدَهُ مَجْرَى الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ يَجْرِي فِيهَا الْحَوْلُ فِي حَالِ اشْتِرَاكِهَا وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُ مَنْ أُعْطِيَهَا لَهَا إلَّا بَعْدَ الْإِعْطَاءِ وَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يُرَاعَى الْحَوْلُ فِيهَا مِنْ وَقْتِ قَبْضِهِمْ لَهَا وَصِحَّةُ مِلْكِهِمْ أَيَّاهَا وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَنَحْوُ هَذَا ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي أَخْذِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ وَفِي أَخْذِ مُعَاوِيَةَ زَكَاةَ الْأَعْطِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا مِنْ الدَّنَانِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَيَكُونَ فِيهَا دِينَارٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ بَعْدَ الْحَسَنِ عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا مِنْ قَوِيِّ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلَافِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا كَانَتْ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ يَعْنِي فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَك عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ إسْنَادُهُ هُنَاكَ غَيْرَ أَنَّ اتِّسَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ حُكْمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمِائَتَيْ الدِّرْهَمِ نِصَابُ الْوَرِقِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالدِّينَارُ كَانَ صَرْفُهُ فِي وَقْتِ فَرْضِ الزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَوِزَانُ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عِشْرُونَ مِثْقَالًا فَكَانَ ذَلِكَ نِصَابَ الذَّهَبِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعِشْرِينَ دِينَارًا إذَا نَقَصَتْ نُقْصَانًا بَيِّنًا وَمَعْنَى الْبَيِّنِ هَاهُنَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَجْرِيَ مَجْرَى الْوَازِنَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَتَّفِقَ الْمَوَازِينُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ بِكُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِذَا تَبَيَّنَ النُّقْصَانُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ فِي الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْوَزْنُ دُونَ الْعَدَدِ فَإِذَا زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَارًا وَازِنَةً فَقَدْ بَلَغَتْ النِّصَابَ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قَصُرَتْ عِدَّتُهَا عَنْ الْعِشْرِينَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ تَجْرِي وَزْنًا وَتَجْرِي عَدَدًا فَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا بِالْوَزْنِ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا بِالْعَدَدِ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَهِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ فَقَدْ بَلَغَتْ النِّصَابَ وَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَإِذَا نَقَصَتْ مِنْ ذَلِكَ نُقْصَانًا بَيِّنًا وَتَأْوِيلُ الْبَيِّنِ مَا تَقَدَّمَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِتَقْصِيرِهَا عَنْ النِّصَابِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالزِّيَادَةُ تَكُونُ فِيهَا بِنَمَائِهَا وَتَكُونُ مِنْ فَائِدَةٍ مُضَافَةٍ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَمَائِهَا فَحَوْلُهَا حَوْلُ أَصْلِ الْمَالِ إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أُخْرِجَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَكَاتُهَا يَوْمَ تَبْلُغُ النِّصَابَ، وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَتُهَا فَائِدَةً مُضَافَةً إلَيْهَا لَمْ يُخْرِجْ مِنْهَا زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَى الزِّيَادَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْمُوَازَنَةِ رَأَيْت فِيهَا الزَّكَاةَ يُرِيدُ إنْ كَانَتْ النَّاقِصَةُ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُ أَنَّهُ مَالِكٌ يَمْلِكُ مِنْ الذَّهَبِ مِقْدَارًا يَجُوزُ لِوَزْنِهِ جَوَازَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَوَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعِشْرِينِ دِينَارًا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَازِنَةِ فَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ فِي مِيزَانٍ وَازِنَةٌ وَفِي مِيزَانٍ نَاقِصَةٌ فَإِذَا نَقَصَتْ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ النَّقْصَ الْيَسِيرَ فِي جَمِيعِ الْمَوَازِينِ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ وَمَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَسَامَحُوا بِهِ فِي السَّاعَاتِ وَغَيْرِهَا وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي إذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَوَازِينِ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَلَا بُدَّ مِنْ مِيزَانٍ يَقَعُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ بِهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا نَقَصَتْ نُقْصَانًا بَيِّنًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا مَنْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْمُوَازَنَةِ، وَرَوَى ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيمَا نَقَصَتْ يَسِيرًا وَكَثِيرًا الْأَمْثَلُ الْحَبَّةُ وَالْحَبَّتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِيهَا الزَّكَاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ وَحَمَلُوا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الْمَوْزُونَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْدُودَةِ كَالْفُرَادَى فَإِنَّهَا يَنْقُصُ بَعْضُهَا النَّقْصَ الْيَسِيرَ وَيَجْرِي مَجْرَى الْوَازِنَةِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا مَالِكٌ وَمُتَقَدِّمُو أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ نُقْصَانًا يَسِيرًا عَنْ الْمُوَازَنَةِ الْجَارِيَةِ عَدَدًا وَجَرَتْ مَجْرَاهَا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهَا نُقْصَانًا كَثِيرًا لَا تَجْرِي بِهِ مَجْرَى مَا بَلَغَ الْعَدَدَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ مِنْهَا لَمْ تُجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَقَدْ يُتَبَايَعُ بِالنَّاقِصَةِ الْوَزْنِ عَدَدًا وَيُتَبَايَعُ بِالْقَائِمَةِ الْوَزْنِ عَدَدًا وَلَكِنَّهُ لَا يُعْطَى بِعَدَدٍ مِنْ النَّاقِصَةِ مَا يُعْطَى بِعَدَدٍ مِنْ الْوَازِنَةِ مِنْ وَزْنٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ كَالْفُرَادَى وَالْقَائِمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ ذَلِكَ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَجْرِي بِالْأَنْدَلُسِ وَالدِّرْهَمُ مِنْهَا ثُلُثَا دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي دَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ لَيْسَتْ كَيْلًا وَتَجُوزُ عِنْدَهُمْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ الْكَيْلَ لِمَا تَكُونُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الْكَيْلِ نَقْصًا يَسِيرًا وَنَحْوَهُ رَوَى ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَأَخْرُجَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ رِوَايَتُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ فِي نَوَازِلَ سَأَلَ عَنْهَا سَحْنُونٌ مِنْ قَوْلِهِ فَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِي دَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ يَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ يُرِيدُ أَنَّ الِاعْتِدَادَ فِي الْبَيْعِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهَا مَا يُؤْخَذُ بِالدِّرْهَمِ الْوَازِنِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ بِوَزْنِ الْأَنْدَلُسِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا نَقَصَتْ الْعِشْرُونَ دِينَارًا فِي الْعَدَدِ دِينَارًا وَاحِدًا وَنَقَصَتْ الْمِائَتَا الدِّرْهَمِ فِي الْعَدَدِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ فِي الْعَدَدِ وَنَقَصَتْ فِي الْوَزْنِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فِي الْبَلَدِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ فِضَّةٌ وَزْنُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ بِوَزْنِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ فَيُرِيدُ ابْنُ حَبِيبٍ بِقَوْلِهِ تَجُوزُ فِي الْبَلَدِ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ أَنَّ التَّعَامُلَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ يَكُونُ بِعَدَدِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَأَنَّ مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْقَدْرَ عِنْدَهُمْ فَهُوَ الْوَازِنُ فَجَعَلَ نِصَابَ كُلِّ بَلَدٍ مُعْتَبَرًا بِوَزْنِ الدِّرْهَمِ الْجَارِي عِنْدَهُمْ فَيَخْتَلِفُ عَلَى هَذَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةٍ وَصَرْفُ الدِّرْهَمِ بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصَابُ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فِي الْبِلَادِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ دَرَاهِمِهِمْ وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُهَا فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ إنْ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْبَلَدِ فِي قَدْرِ الْكَيْلِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَبِرَ مِثْلَ هَذَا فِي كَيْلِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَبِرَ هَذَا فِي أَرْبَاعِ صِقِلِّيَةَ فَإِنَّهُ بِهِ يَقَعُ الِاعْتِدَادُ عِنْدَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّينَارِ إلَّا الِاسْمُ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عِنْدِي إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا نَقَصَ كُلُّ مِثْقَالٍ حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ حَبَّاتٍ وَكَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيقِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ إلَّا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ أَيْضًا أَنْ يُوجَدَ بِأَنْ يُبَاعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عِشْرِينَ يَنْقُصُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ مِنْهَا حَبَّتَانِ، ثُمَّ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَازِنَةً مَزِيَّةٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُتَعَامَلَ بِهَا وَيُتَعَامَلَ بِالْمُوَازَنَةِ إلَّا أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُ بِهَا فِي غَالِبِ الْحَالِ أَقَلُّ مِمَّا يَدْفَعُ بِالْمُوَازَنَةِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الصَّرْفِ بَيْنَ الْقَائِمَةِ وَالْفُرَادَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِجَوَازِهَا جَوَازُ الْوَازِنَةِ وَأَنْ تَكُونَ عِوَضًا فِي الْغَالِبِ عِوَضَ الْوَازِنَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيعِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَالتَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ ثَالِثٌ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ الْعِشْرُونَ دِينَارًا تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فِضَّةٌ لَا تَبْلُغُ النِّصَابَ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ مَا تَبْلُغُ النِّصَابَ؛ لِأَنَّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَإِنَّمَا نِصَابُهُ بِنَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ ثَلَاثُونَ شَاةً قِيمَتُهَا أَرْبَعُونَ شَاةً مِنْ غَيْرِهَا أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا تَقَوَّمُ بِجِنْسِهَا وَلَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ تَبْلُغُ بِقِيمَةِ صِيَاغَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصَابِ وَوَزْنُهَا أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ وَالصِّيَاغَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْوَزْنِ وَلَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْفِضَّةِ فَيَكْمُلُ بِهَا نِصَابُهَا (مَسْأَلَةٌ) وَالِاعْتِبَارُ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالْخَالِصِ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُخَالِطَهُمَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ضَرْبِهِ فَإِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَاهَا فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْوَزْنِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَرْضِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ أَقَلَّ مِنْ الْفِضَّةِ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْفِضَّةِ وَأَكْثَرَ وَجَبَ إسْقَاطُهُ وَالِاعْتِدَادُ بِالْفِضَّةِ خَاصَّةً وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ مَالِكٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْفَخَّارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا غِشٌّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِهِ فِي وَزْنِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ أَصْلُهُ إذَا بَلَغَ النِّصْفَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدِي فِيمَا يَدْخُلُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْغِشِّ وَأَمَّا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْمَعْدِنِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّخْلِيصِ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ النُّحَاسِ وَغَيْرِهِ الْمِقْدَارُ الْيَسِيرُ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِهِ فِي دَنَانِيرِهِمْ وَدَرَاهِمِهِمْ الطَّيِّبَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْخَالِصَةِ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ وَإِخْرَاجُهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مِمَّا لَا يُوصَفُ الدِّينَارُ مَعَهُ بِالطَّيِّبِ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالرَّدَاءَةِ مِنْ أَجْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ وَلَا يُحْتَسَبُ فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ إلَّا بِالطَّيِّبِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وُضِعْت فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَحْمِلُ الْمُوَاسَاةَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ مِثْلًا مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَجَرَ فِيهَا فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا، وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ إلَّا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زُكِّيَتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ النِّصَابُ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ رَدِيئَةً كَثِيرَةَ النُّحَاسِ قَصُرَتْ عَمَّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ فَإِذَا كَانَتْ فِي حُكْمِ الطَّيِّبَةِ الْخَالِصَةِ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ فَتَجَرَ فِيهَا فَحَالَ الْحَوْلُ، وَقَدْ أَكْمَلَتْ بِرِبْحِهَا النِّصَابَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَوْلَ الرِّبْحِ حَوْلُ الْأَصْلِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَوْ دُونَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْأَصْلُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ كَمَلَ النِّصَابُ، الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ حَادِثٌ عَنْ أَصْلٍ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْأَصْلِ كَانَ حَوْلُهُ حَوْلَ أَصْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ مَا رُبِحَ فِي مَالٍ اشْتَرَى بِهِ نَقْدَهُ وَمَنْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَلَمْ يُنْقِدْ ثَمَنَهَا حَتَّى بَاعَهَا بِرِبْحِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُزَكِّي الرِّبْحَ مَعَ مَا بِيَدِهِ. وَقَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ يَأْتَنِفُ بِالرِّبْحِ حَوْلًا زَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ وَعِنْدَهُ دِينَارٌ وَكَانَ شِرَاؤُهُ مُتَعَلِّقًا بِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي مِنْهَا فَكَانَتْ أَصْلًا لِمَا رُبِحَ فِي السِّلْعَةِ كَمَا لَوْ نَقَدَ فِيهَا الْمِائَةَ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى عَلَى ذِمَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يُنْقِدْ الثَّمَنَ صَارَ الرِّبْحُ رِبْحَ ذِمَّتِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ مَالٌ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُزَكِّي لِحَوْلِ الْمِائَةِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَأْتَنِفُ بِالرِّبْحِ حَوْلًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَكُونُ حَوْلُ الرِّبْحِ مِنْ يَوْمِ ادَّانَ وَاشْتَرَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ السِّلْعَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَالْمِائَةُ الَّتِي بِيَدِهِ لَمْ تَصِلْ إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَضْمَنْهَا سِوَى أَنْ يَنْقُدَهُ غَدًا أَوْ إلَى شَهْرٍ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهَا فَائِدَةٌ مَحْضَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَنِدُ إلَى مَالٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا حَوْلُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهَا وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ ثَبَتَ فِيهَا حُكْمُ الْحَوْلِ فَإِذَا بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى الرِّبْحَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي قِيمَةِ السِّلْعَةِ مِنْ حِينِ اُشْتُرِيَتْ وَلَكِنَّهُ الْآنَ ظَهَرَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَبَاعَهَا بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الرِّبْحُ فَائِدَةٌ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إذَا قَامَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَهُ حَوْلًا زَكَّى الرِّبْحَ مَكَانَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةٌ لَا تَسْتَنِدُ إلَى جِنْسِ مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ إنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ بِمَا يَمْنَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَسَلَّفَ عَرْضًا فَتَجَرَ فِيهِ حَوْلًا فَرَبِحَ فِيهِ مَالًا فَرَدَّ مَا تَسَلَّفَ. فَلْيُزَكِّ الرِّبْحَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَسَلَّفَ مِائَةَ دِينَارٍ فَرَبِحَ فِيهَا بَعْدَ حَوْلٍ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ وَأَصْلُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ يَبْقَى عِنْدَهُ السَّلَفُ الَّذِي لَا عِوَضَ مِنْهُ مِنْ عَرْضٍ وَلَا عَيْنٍ حَوْلًا كَامِلًا فَإِنَّ حُكْمَ الزَّكَاةِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَمَا رَبِحَ فِيهِ فَهُوَ نَمَاءُ مَالٍ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ الْأَصْلِ لِلدَّيْنِ وَيَبْقَى الرِّبْحُ يَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُقَابِلُهُ وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتَهُ فَيَرَى أَنَّ الْأَصْلَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ لَمْ تَجِبْ فِي رِبْحِهِ كَغَلَّةِ الرِّبَاعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَسَلَّفَ مِائَةَ دِينَارٍ فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ حَوْلًا، ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَبَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِمِائَتَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجْعَلُ مِائَةً فِي دَيْنِهِ وَيُزَكِّي مِائَةً وَكَذَبَ عَلَيَّ مَنْ قَالَ عَنَى أَنَّ الْمِائَةَ فَائِدَةٌ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ

(ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِيهَا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَقَدْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا إنَّهُ يُزَكِّيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ذَلِكَ يُزَكِّي الرِّبْحَ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ هُوَ فَائِدَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِي زَكَاةِ الرِّبْحِ قَالَ مُطَرِّفٌ إنْ كَانَ لَهُ فِي ثَمَنِهَا دِينَارٌ وَاحِدٌ أَوْ أَقَلُّ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا أَنَّهُ يُزَكِّي الرِّبْحَ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ مَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ مُطَّرِفِ فَقَالَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَانِينَ فَنَقَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِثَلَاثِمِائَةٍ عِنْدَ الْحَوْلِ يُزَكِّي الْأَرْبَعِينَ وَمَا قَابَلَهَا مِنْ الرِّبْحِ وَمَا بَقِيَ بِيَدِهِ فَائِدَةٌ وَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ لَمَّا كَانَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ اسْتَنَدَ جَمِيعُ الرِّبْحِ إلَيْهِ فَزَكَّاهُ لِأَصْلِهِ كَمَنْ مَعَهُ عِشْرُونَ فَيَشْتَرِي بِعِشْرِينَ فَيَنْقُدُ مِنْهَا عَشَرَةً، ثُمَّ يَبِيعُ وَيَرْبَحُ عِشْرِينَ فَإِنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى مَا لَهُ فِيهِ مِنْ النَّقْدِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ لَا وَفَاءَ لَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ رِبْحَهُ فَائِدَةٌ فَإِذَا كَانَ قَدْ رَبِحَ فِيمَا اشْتَرَى أَصْلَ مَالِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ فِيهِ الزَّكَاةَ وَبِمَا اشْتَرَى عَلَى ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ يَنْفِي عَنْهُ الزَّكَاةَ وَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُمَا فَمَا قَابَلَ مَا زَكَّى أَصْلَهُ زَكَّى مِنْ الرِّبْحِ وَمَا قَابَلَ مَا لَا يُزَكَّى أَصْلُهُ لَمْ يُزَكَّ. (فَصْلٌ) : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَضُمُّ الرِّبْحَ إلَى أَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ حَادِثٌ عَنْ أَصْلٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ كَانَ حَوْلُهُ حَوْلَ أَصْلِهِ كَالسِّخَالِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَأَنْفَقَ مِنْهَا خَمْسَةً وَاشْتَرَى بِسَائِرِهَا سِلْعَةً فَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّى الْعِشْرِينَ، وَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِنْفَاقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ الْحَوْلِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ اشْتَرَى قَبْلَ الْإِنْفَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى السِّلْعَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ اشْتَرَى قَبْلَ الْإِنْفَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُزَكِّي حَتَّى يَبِيعَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا سَوَاءٌ أَنْفَقَ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ بَعْدَ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عِنْدَهُ قَطُّ نِصَابٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَأَنْفَقَ خَمْسَةً وَبَقِيَتْ بِيَدِهِ خَمْسَةٌ اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا لَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى السِّلْعَةَ قَبْلَ الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ قِيمَتَهَا كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَكَمُلَ بِقِيمَتِهَا وَبِالْخَمْسَةِ دَنَانِيرَ النِّصَابُ بِيَدِهِ حِينَ. ابْتَاعَ السِّلْعَةَ فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَوَجْهُ قَوْلِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَالٍ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَبْلَ الْإِنْفَاقِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ السِّلْعَةَ لَمَّا اُشْتُرِيَتْ بِخَمْسَةٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُدِيرًا كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْخَمْسَةِ حَتَّى تُبَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ لَهَا بِمَا بِيعَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَقْتٌ قَدْ أَنْفَقَ فِيهِ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بِيَدِهِ فَلَا يَعْتَدُّ بِهَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الْبَيْعِ هُوَ وَقْتُ الْحَوْلِ لِغَيْرِ الْمُدِيرِ فَلَا يُزَكِّي إلَّا مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ نَمَاءً فَإِنْ كَانَتْ فَائِدَةً فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَى الْأَصْلِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ الْفَائِدَةَ تُضَافُ إلَى النِّصَابِ فَتُزَكَّى لِحَوْلِهِ وَلَا تُضَافُ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ فَائِدَةُ عَيْنٍ لَيْسَتْ مِنْ نَمَاءِ الْأَصْلِ فَلَمْ يَكُنْ حَوْلُهَا حَوْلَهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زُكِّيَتْ يُرِيدُ أَنَّ الرِّبْحَ وَالْأَصْلَ قَدْ ثَبَتَ حَوْلُهُمَا يَوْمَ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُمَا فَصَارَا شَيْئًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا جَرَى فِيهِمَا الْحَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ وَإِنْ تَأَخَّرَ مِلْكُ النَّمَاءِ عَنْ مِلْكِ الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِيهِ فَبِأَنْ يَجْرِي فِيهِمَا الْحَوْلُ الثَّانِي عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي الْمِلْكِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

مَكَانَهُ وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زُكِّيَتْ) . (ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي إجَارَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَاجِهِمْ وَكِرَاءِ الْمَسَاكِينِ وَكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إنَّ مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ وَمَنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَصُهُمْ جَمِيعًا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ نَصِيبًا مِنْ بَعْضٍ أُخِذَ مِنْ مَالِ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ إذَا كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ النِّصَابَ فَإِنَّ لِلْحَوْلِ تَأْثِيرًا فِيهِ فَإِذَا كَمُلَ الْحَوْلُ وَهُوَ يَنْقُصُ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ شَرْطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ النِّصَابُ فَإِذَا اتَّجَرَ فِيهَا فَبَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَدَّى الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَيْ الزَّكَاةِ قَدْ وُجِدَا وَهُوَ النِّصَابُ وَالْحَوْلُ وَيَكُونُ أَوَّلُ الْحَوْلِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ كَمُلَ النِّصَابُ وَوَجَبَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْأَمْرَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَوَائِدِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ وَقَعَ بِعَدَمِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ مَالِكٌ فَغَلَّةُ الْعَبِيدِ وَكِرَاءُ الْمَسَاكِينِ وَكِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ كُلُّهَا فَوَائِدُ فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهَا رَبُّهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الشُّرَكَاءَ وَغَيْرَهُمْ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ سَوَاءٌ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ مُخْتَلِطَةً بِمَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ غَيْرِهِ بِمَالِهِ لَا يُدْخِلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ الْجُمْلَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ مَالِهِ مِنْهَا، وَإِذَا انْفَرَدَ مَالُهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَكَذَلِكَ إذَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ فَإِذَا كَانَ الْمَالُ لِجَمَاعَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ نِصَابٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ وَمَنْ قَصُرَ مَالُهُ عَنْ النِّصَابِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ مِنْ شُرَكَائِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ وَاخْتَلَفَتْ سِهَامُهُمْ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْهَا لَوْ انْفَرَدَ وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي الْحَرْثِ وَذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ النِّصَابَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَيْنَ لَا عَفْوَ فِيهِ بَعْدَ النِّصَابِ فَمَنْ مَلَكَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصَابِ أَخْرَجَ عَنْ النِّصَابِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ عَمَّا زَادَ بِحِسَابِ ذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ الْعَيْنِ فِي الزَّكَاةِ بِالْخُلْطَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْعَيْنِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْعِشْرِينَ حَتَّى تَبْلُغَ بِالزِّيَادَةِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَيَكُونَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ فِي الزِّيَادَةِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بَعْدَ نِصَابِ الْوَرِقِ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَبْلُغَ النِّصَابُ بِالزِّيَادَةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيُزَكِّي حِينَئِذٍ عَنْ الزِّيَادَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَالٌ يَجِبُ عَلَى مُتْلِفِهِ مِثْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَفْوٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَالْحُبُوبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» اسْتِدْلَالٌ مِنْهُ بِعُمُومِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشُّرَكَاءِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَحَمَلَهُ لِذَلِكَ عَلَى اجْتِمَاعِهَا فِي الْمِلْكِ دُونَ اجْتِمَاعِ الْوَرِقِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ

[الزكاة في المعادن]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ مُفْتَرِقَةٌ بِأَيْدِي أُنَاسٍ شَتَّى فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْصِيَهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُخْرِجُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهَا كُلِّهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَفَادَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا) . الزَّكَاةُ فِي الْمَعَادِنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ» وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَى الْيَوْمِ إلَّا الزَّكَاةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مِلْكِ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ فِيهِ الْخِلَافَ مَرْوِيًّا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَشْيَخَةِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَمَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي عِشْرِينَ دِينَارًا بِدِينَارٍ وَاحِدٍ لَمْ يَحْتَمِلْ مَالُهُ الْمُوَاسَاةَ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُشَارِكْ بِهِ أَحَدًا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ذَهَبٌ مُتَفَرِّقَةٌ بِأَيْدِي أُنَاسٍ شَتَّى عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ تَنْمِيَتِهَا وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَصْرِيفُهَا فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمُجْتَمِعِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاجْتِمَاعِهَا فِي مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ دُونَ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ دُونَ مِلْكِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَفَادَ فَائِدَةً فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ سَوَاءٌ كَانَتْ جَمِيعَ مَالِهِ أَوْ انْضَافَتْ إلَى نِصَابٍ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَفَادَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي رَجَبٍ، ثُمَّ أَفَادَ عَشَرَةً أُخْرَى فِي الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا جَمِيعًا لِحَوْلِ الْآخِرَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُولَى عِشْرِينَ دِينَارًا وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْأُولَى لِحَوْلِهَا ثُمَّ يُزَكِّي الثَّانِيَةَ لِحَوْلِهَا وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَرْجِعَا إلَى أَقَلِّ مِنْ النِّصَابِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهَا أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَتَسْقُطَ الزَّكَاةُ فِيهِمَا. فَإِنْ بَلَغَتْ إحْدَاهُمَا بِتَمَامِهَا مَا يُبْلِغُهُمَا جَمِيعًا النِّصَابَ بَعْدَ أَنْ زَكَّيْت كُلَّ ذَهَبٍ مِنْهُمَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ حَوْلَ الثَّانِيَةَ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ حَوْلَ الثَّانِيَةِ أَوْ الْأُولَى بَعْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ زُكِّيَتْ الْأُولَى مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْ النِّصَابَ سَوَاءٌ كَانَ النَّمَاءُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَزُكِّيَتْ الثَّانِيَةُ لِحَوْلِهَا وَكَانَتَا عَلَى حَوْلِهِمَا مِنْ حِينِ زُكِّيَتَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُدْرِكَ حَوْلَ الْأُولَى مِنْهُمَا حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَقَدْ صَارَ حَوْلُهُمَا وَاحِدًا مِنْ يَوْمِ بَلَغَا النِّصَابَ وَزُكِّيَتَا عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الزَّكَاةُ فِي الْمَعَادِنِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ» ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنَّ الْقَبَلِيَّةَ لَمْ تَكُنْ خُطَّةً لِأَحَدٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فَلَاةً وَالْمَعَادِنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ مِنْهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْبَرَارِيِّ وَالْمَوَاتِ وَأَرْضِ الْعَنْوَةِ وَضَرْبٌ مِنْهَا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ وَضَرْبٌ مِنْهَا طُهْرٌ فِي مِلْكِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا مَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَهَا مَنْ شَاءَ وَمَعْنَى إقْطَاعِهَا إيَّاهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةً مَحْدُودَةً أَوْ غَيْرَ مَحْدُودَةٍ وَلَا يُمَلِّكُهُ رَقَبَتَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلِلْإِمَامِ حَبْسُهَا لِمَنَافِعِهِمْ وَلَا يَبِيعُهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُمَلِّكُهَا بَعْضَهُمْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُقْطِعُهَا الْإِمَامُ مَنْ ذَكَرَ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا حَقَّ لِلْإِمَامِ فِيهَا وَهِيَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُمْ إنَّمَا صَالَحُوا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِلْكُهُمْ لَهُ وَهَذِهِ مَعَادِنُ مَوْدُوعَةٌ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَا وَلَا تَقَدَّمَ مِلْكُهُمْ عَلَيْهَا وَلَا تَنَاوَلَهَا الصُّلْحُ فَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَهَا مَنْ شَاءَ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ

[الباب الأول في أن المعدن لا يسمى ركازا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ غَايَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلِ الْأَرْضِ كَسَائِرِ أَرَاضِيهمْ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ يُوَافِقُهُ فِي مَعَادِنِ الصُّلْحِ فَإِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا صَالَحُوا عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِمَا اعْتَقَدُوهُ وَعَاقَدُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ صَالَحُوا وَبِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَحُقُوقِ جَمَاعَتِهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ وَأُقِرَّ بِأَيْدِيهِمْ وَفَاءً لَهُمْ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَبِيَدِهِ مَعْدِنٌ أُخْرِجَ عَنْ يَدِهِ وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ كَانَتْ فِي أَرْضِهِ كَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهُ وَلَهُ مَنْعُهُ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَقْطَعَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُورَثُ عَنْهُ وَلَا يَبِيعُهَا وَلَعَلَّهُ أَنْ يُرِيدَ إنْ تَرَكَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِيَدِ وَرَثَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْطَاعِ لَهُمْ وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْمِيرَاثِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُورِثَهُمْ لَمْ يَمْلِكْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَى الْيَوْمِ إلَّا الزَّكَاةُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ يَجِبُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ زَكَاةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَفِي هَذَا بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُسَمَّى رِكَازًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا الزَّكَاةُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُسَمَّى رِكَازًا] 1 فَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَلَا يُسَمَّى رِكَازًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَعْدِنُ يُسَمَّى رِكَازًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنْ قَالَ الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لَقَالَ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الرِّكَازَ مِنْ أَرَكَزْت الشَّيْءَ إذَا دَفَنَتْهُ وَالْمَعْدِنُ نَبَاتٌ أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ بِوَضْعِ آدَمِيٍّ فَسُمِّيَ رِكَازًا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ رَكَزْت الشَّيْءَ رِكْزًا غَرَزْته. [الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا الزَّكَاةُ] 1 وَأَمَّا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ دُونَ الْخُمُسِ فَإِنَّ الْمَعْدِنَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُتَكَلَّفُ بِهِ مُؤْنَةُ عَمَلٍ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَضَرْبٌ لَا يَتَكَلَّفُ فِيهِ مُؤْنَةَ عَمَلٍ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ نُدْرَةً فَهَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ الْخُمُسُ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَعْدِنٍ إلَّا الزَّكَاةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَعْدِنٍ الْخُمُسُ وَالشَّافِعِيُّ مِثْلُ الثَّلَاثَةِ الْأَقْوَالِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ حَدِيثُ رَبِيعَةَ فِي مَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا إلَى الْيَوْمِ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكُ غَيْرِهِ وَاسْتَفَادَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِتَكَلُّفِ عَمَلٍ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ دُونَ الْخُمُسِ كَالزَّرْعِ وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ احْتِزَازٌ مِنْ الرِّكَازِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالنُّدْرَةُ الَّتِي لَا يُتَكَلَّفُ فِيهَا عَمَلٌ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا الْخُمُسُ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا الزَّكَاةُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَالرِّكَازُ الْمَوْضُوعُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْقِطَعُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْأَرْضِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ مُؤْنَةٌ وَلَا عَمَلٌ فَأَشْبَهَ الْمَوْضُوعَ فِي الْأَرْضِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ دُونَ الْخُمُسِ كَاَلَّذِي يُسْتَفَادُ بِالْعَمَلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرِّكَازُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُتَكَلَّفُ فِيهِ عَمَلٌ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَالرِّكَازُ عِنْدَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَعَادِنِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أُخِذَ بِحِسَابِ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ فَإِذَا انْقَطَعَ عِرْقُهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ تُبْتَدَأُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا اُبْتُدِئَتْ فِي الْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ نَافِعٍ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ الْعَمَلَ الْمُعْتَبَرَ فِي تَمْيِيزِ النُّدْرَةِ مِنْ غَيْرِهَا هُوَ التَّصْفِيَةُ لِلذَّهَبِ وَالتَّخْلِيصُ لَهَا دُونَ الْحَفْرِ وَالطَّلَبِ فَإِذَا كَانَتْ الْقِطْعَةُ خَالِصَةً لَا تَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصٍ فَهِيَ النُّدْرَةُ الْمُشَبَّهَةُ بِالرِّكَازِ وَفِيهَا الْخُمُسُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُمَازِجَةً التُّرَابَ وَتَحْتَاجُ إلَى تَخْلِيصٍ فَهِيَ الْمَعْدِنُ وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعَادِنِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ بِوُجُوبِ الْخُمُسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ إذَا أُخِذَ بِمَعْنَى الرِّكَازِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ نِصَابٌ عَلَى أَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُ فِي الْحَبِّ إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِيهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَالنِّصَابُ عِنْدَهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فَأَمَّا النُّدْرَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخُمُسُ وَهِيَ عِنْدَهُ مِنْ جُمْلَةِ الرِّكَازِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِيهِ النِّصَابُ وَلَا أَذْكُرُ فِيهِ نَصَّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ يَضُمُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَزَكَّاهُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَضُمُّ مَا خَرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ إلَى مَا خَرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ إذَا كَانَا إقْطَاعًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَبَيَّنَ أَنْ يُضَمَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ الْوَرِقِ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي زَكَاةِ مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَعْدِنٌ وَاحِدٌ يَخْرُجُ مِنْهُ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَمِلَ شِرْكًا جَمَاعَةٌ فِي الْمَعْدِنِ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَمَا أَصَابَ جَمِيعُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصَابِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّصَابِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَطَعَ الْمَعْدِنَ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِعَدَدِ الْعَامِلِينَ إذْ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ عَلَى مِلْكِ وَاحِدٍ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِالْعَامِلِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ وَالْمُغِيرَةُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِفَةِ مَنْ يُخْرِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ مَا يَعْتَبِرُ فِي صِفَةِ مَالِكِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ يُرِيدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عِنْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ وَاجْتِمَاعِهِ عِنْدَ الْعَامِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عِنْدَ تَصْفِيَتِهِ وَاقْتِسَامِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ كَالثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِبُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا كَانَ فِي الْمَعْدِنِ نَيْلٌ فَإِنْ انْقَطَعَ عِرْقُهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ نَيْلٌ آخَرُ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ يَبْتَدِئُ فِيهِ الزَّكَاةَ كَمَا لَوْ اُبْتُدِئَتْ فِي الْأَوَّلِ يُرِيدُ أَنَّ النَّيْلَ الْأَوَّلَ لَا يُضَافُ إلَى الثَّانِي فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ بَلَغَ الْأَوَّلُ نِصَابًا وَقَصَرَ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزَّرْعِ فَكَمَا لَا يُضِيفُ زَرْعَ عَامٍ إلَى زَرْعِ عَامٍ آخَرَ فِي الزَّكَاةِ كَذَلِكَ لَا يُضِيفُ نَيْلًا إلَى نَيْلٍ فَانْقِطَاعُ النَّيْلِ بِمَنْزِلَةِ انْقِرَاضِ الْعَامِ وَاسْتِئْنَافُ النَّيْلِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْنَافِ حَصَادِ عَامٍ آخَرَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أُقْطِعَ مَعَادِنَ فَأَصَابَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَفِيمَا أَصَابَ مِنْ جَمِيعِهَا أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ وَلِكُلِّ

[زكاة الركاز]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّرْعِ إذَا حُصِدَ الْعُشْرُ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) . زَكَاةُ الرِّكَازِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْدِنٍ حُكْمُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ كَزَرْعِ فَدَادِينَ زُرِعَتْ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ النِّيلَيْنِ فِي مَعْدِنٍ وَاحِدٍ لَا يُضَمُّ بَعْضُهُمَا إلَى بَعْضٍ مَعَ قُرْبِ الْمُدَّةِ فَبِأَنْ لَا يُضَمُّ نَيْلٌ إلَى نَيْلٍ فِي مَعْدِنَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْمَعْدِنُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّرْعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ الْحَوْلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّرْعِ إذَا حُصِدَ الْعُشْرُ وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ حَوْلٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ وَلَمَّا كَانَ الزَّرْعُ يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ عِنْدَ حَصَادِهِ، ثُمَّ لَا تَتَأَتَّى فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ تِلْكَ التَّنْمِيَةُ، وَإِنْ تَأَتَّتْ فِيهِ غَيْرُهَا بِالتِّجَارَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلٌ، ثُمَّ وَجَدْنَا الْمَعْدِنَ يَتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَرْضِ عِنْدَ إخْرَاجِهِ، ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مِثْلُ تِلْكَ التَّنْمِيَةِ، وَإِنْ تَتَأَتَّى فِيهِ التَّنْمِيَةُ بِوَجْهٍ آخَرَ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ ظُهُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ الْحَوْلَ كَالزَّرْعِ. [زَكَاةُ الرِّكَازِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» نَصٌّ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى الرِّكَازِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمَعْنَى مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّكَازَ مَا وُجِدَ فِي الْأَرْضِ مِنْ قِطَعِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مُخَلَّصًا لَا يَحْتَاجُ فِي تَصْفِيَتِهِ إلَى عَمَلٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا دُفِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ مِمَّا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ مُخَلَّصًا كَالنَّبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَعْنَى مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّ الرِّكَازَ مَا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ النُّدْرَةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَإِنَّهُ مَعْدِنٌ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الرِّكَازُ إنَّمَا هُوَ مَا دُفِنَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّكَازُ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلِمَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُونِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ أَنَّ الرِّكَازَ يُقَالُ لِمَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ قِطَعِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَأَمَّا تُرَابُ الْمَعْدِنِ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْمَاهُ رِكَازًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ الْخُمُسُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخُمُسِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى مَنْ لَهُ ذَلِكَ الْخُمُسُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ دَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا يُخْرِجُ الْوَاجِدُ لَهُ خُمُسَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَعْبَثُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ وَلَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ بَيْتَ مَالٍ إنَّمَا هُوَ بَيْتُ ظُلْمٍ، وَكَذَلِكَ الْعُشْرُ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: صِفَةُ دَافِنِهِ. وَالثَّانِي: صِفَةُ مَوْضِعِهِ. وَالثَّالِثُ: صِفَتُهُ فِي نَفْسِهِ. وَالرَّابِعُ: حُكْمُ الْوَاجِدِ لَهُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ دَافِنِ الرِّكَازِ] 1 فَأَمَّا صِفَةُ دَافِنِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُوجَدَ عَلَيْهِ سِيَّمَا أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُوجَدَ عَلَيْهِ سِيمَا الْجَاهِلِيَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُجْهَلَ أَمْرُهُ وَيُشْكِلُ فَأَمَّا مَا وُجِدَ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَيُسَمَّى كَنْزًا وَهُوَ لُقَطَةٌ يُعَرَّفُ كَمَا تُعَرَّفُ اللُّقَطَةُ، ثُمَّ حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَا وُجِدَ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ

[الباب الثاني في صفة موضعه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفْرِ فَهُوَ الرِّكَازُ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَأَمَّا مَا جُهِلَ أَمْرُهُ وَأُشْكِلَ حَالُهُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَوْضِعِهِ] 1 وَأَمَّا صِفَةُ مَوْضِعِهِ فَمَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ مِنْ دَفْنِ الْكُفْرِ فَعَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا أُصِيبَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ. وَالثَّانِي: مَا أُصِيبَ فِي بِلَادِ الصُّلْحِ. وَالثَّالِثُ: مَا أُصِيبَ فِي فَيَافِي الْمُسْلِمِينَ. وَالرَّابِعُ: مَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ. وَالْخَامِسُ: أَنْ يُجْهَلَ أَمْرُهَا. فَأَمَّا مَا أُصِيبَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَيْءِ وَيُصْرَفُ خُمُسُهُ إلَى وَجْهِ الْخُمُسِ وَيُفَرَّقُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ عَلَى مُفْتَتِحِي الْأَرْضِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِمْ بَعْدَهُمْ وَرُوِيَ أَنَّهُ بَلَّغَهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ نَافِعٍ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ وَجَدَهُ وَيَخْرُجُ خُمُسُهُ فِي وَجْهِ الْخُمُسِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ عُرِفَ أَنَّهُ لِأَهْلِ الْعَنْوَةِ فَهُوَ لِمَنْ افْتَتَحَ الْبِلَادَ إنْ عُرِفُوا وَإِلَّا فَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخُمُسُهُ فِي وَجْهِ الْخُمُسِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَالٌ لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ الْجَيْشِ وَهُمْ الَّذِينَ ظَهَرُوا عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَعَلَى مَا فِيهِ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ فِيهَا لَهُمْ كَالظَّاهِرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ التَّوَصُّلَ إنَّمَا كَانَ إلَيْهِ بِالْوُجُودِ لَهُ وَذَلِكَ مِمَّا انْفَرَدَ الْوَاجِدُ لَهُ وَأَمَّا الْغَانِمُونَ لِلْأَرْضِ وَالْمُتَغَلَّبُونَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّوَصُّلِ إلَيْهِ فَكَانَ لِمَنْ وَجَدَهُ دُونَهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ مَا أُصِيبَ فِي بِلَادِ الصُّلْحِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةُ هُوَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ دُونَ غَيْرِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ وَفِيهِ الْخُمُسُ، وَهَذَا إذَا كَانَ وَاجِدُهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ فَإِنْ كَانَ وَاجِدُهُ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ لِجُمْلَةِ أَهْلِ الصُّلْحِ. وَقَالَ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَصْبَغُ مَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الصُّلْحِ كَانَ لَهُمْ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ يُعَرَّفُ فَمَنْ ادَّعَاهَا مِنْهُمْ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ فِي كَنِيسَتِهِ وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ اللُّقَطَةُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ وَرِثُوهُ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ يُخْرِجُ خُمُسَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَالَحُوا عَلَى بِلَادِهِمْ فَهُمْ أَحَقُّ بِمَا فِيهَا مِنْ غَالِبِ مَا فِي بَطْنِهَا كَمَا هُمْ أَحَقُّ بِمَا عَلَى ظَهْرِهَا وَعَلَى ذَلِكَ أَدَّوْا الْجِزْيَةَ وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَّرِفٍ أَنَّهُمْ إنَّمَا وَقَعَ صُلْحُهُمْ عَلَى مَا ظَهَرَ إلَيْهِمْ وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفُوهُ وَمَا كَانَ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ صُلْحُهُمْ كَمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ ابْتِيَاعُهُمْ لَهَا لَوْ ابْتَاعُوهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَانَتْ لُقَطَةً لَهُمْ ضَاعَتْ لَهُمْ فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ دُفِعَتْ إلَى مَنْ اعْتَرَفَهَا كَدَفْنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَهِيَ لُقَطَةٌ تُتَبَيَّنُ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا وَيُخَمِّسُهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَهَا مِنْ جِهَةِ التَّخْمِيسِ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِ قَوْمٍ قَبْلَهُمْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا وَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الزَّمَانِ لِلرُّومِ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْقِبْطُ فَصُولِحُوا عَلَيْهَا أَوْ وُجِدَ الرِّكَازُ وَعَلَيْهِ سِيمَا الرُّومِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَنْ وَجَدَهُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا وُجِدَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُصَالِحُوا عَلَيْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي فَيَافِي الْعَرَبِ وَالصَّحَارِيِ الَّتِي تُفْتَحُ عَنْوَةً وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ وَيُخْرِجُ خُمُسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ افْتَتَحَهُ وَلَمْ يُصَالِحْ عَلَيْهَا أَهْلَهَا فَيَكُونُ لِأَهْلِ الصُّلْحِ فَيَكُونُ لِمَنْ وَجَدَهُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِلْجَيْشِ الَّذِي وَصَلَ الْوَاجِدُ لَهُ إلَيْهِ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَغُلِبَ عَلَيْهِ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ الْفَيْءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ جُهِلَتْ الْأَرْضُ

[الباب الثالث في صفته في نفسه]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَهُ أَنَّ الرِّكَازَ إنَّمَا هُوَ دَفْنٌ يُوجَدُ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَةٌ وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ وَلَا مُؤْنَةٌ فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ فَأُصِيبَ مَرَّةً وَأُخْطِئَ مَرَّةً فَلَيْسَ بِرِكَازٍ) . مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْعَنْبَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ عَنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يُدْرَ حُكْمُهَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ يُرِيدُ وَيُخَمِّسُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْلَمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ مُتَقَدِّمٌ لِأَحَدٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ وَجَدَهُ كَاَلَّذِي يُوجَدُ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَصَحَارِي الْعَرَبِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَتِهِ فِي نَفْسِهِ] 1 أَمَّا صِفَتُهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ حُكْمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النُّحَاسِ وَالْخُرْثِيِّ وَاللُّؤْلُؤِ وَالطِّيبِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً لَا خُمُسَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ مَرَّةً فِيهِ الْخُمُسُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ وَجَّهَ فِي الْخُمُسِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الرِّكَازَ إنَّمَا هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمَّا سَائِرُ الْعُرُوضِ فَلَيْسَتْ بِرِكَازٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ اسْمَ الرِّكَازِ عَامٌّ لِكُلِّ مَا وُضِعَ فِي الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ اقْتَضَى الْخِلَافَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْوَاجِدِ لَهُ] 1 ُ أَمَّا صِفَةُ الْوَاجِدِ لَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ هُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ وَيُخَمِّسُ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَالٌ لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِ بِالْغَلَبَةِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِأَهْلِ الْغَلَبَةِ وَالْحَرْبِ كَاللُّقَطَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَوْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ مِنْ الرِّكَازِ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ قَالَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الرِّكَازِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَقَاسَهُ عَلَى الْأَجِيرِ يَحْفِرُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَيَجِدُ كَنْزًا فَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْأَجِيرِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ غَيْرُ الْوَاجِدِ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ وَوَجْهُهُ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا عَرَفَ أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِمُورِثِهِ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرِّكَازَ بِابْتِيَاعِ الدَّارِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَهُ أَنَّ الرِّكَازَ إنَّمَا هُوَ دَفْنٌ يُوجَدُ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَةٌ وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ وَلَا مُؤْنَةٌ فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ فَأُصِيبَ مَرَّةً وَأُخْطِئَ مَرَّةً فَلَيْسَ بِرِكَازٍ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ دَفْنَ الْجَاهِلِيَّةِ هُوَ الَّذِي لَا يُطْلَبُ بِمَالٍ وَلَا يُتَكَلَّفُ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا سِيمَةَ عَلَيْهِ فَيُطْلَبُ فِي الْغَالِبِ وَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتُكُلِّفَ فِيهِ عَمَلٌ كَالْمَعْدِنِ الَّذِي لَهُ سِيمَةٌ وَعَلَامَةٌ يُطْلَبُ لَهَا وَيُنْفَقُ فِي طَلَبِهِ الْأَمْوَالُ وَيُتَكَلَّفُ فِيهِ كَبِيرُ الْعَمَلِ مِنْ التَّصْفِيَةِ وَطَلَبِ النَّيْلِ وَغَيْرِهِمَا وَرُبَّمَا صِيبَ وَرُبَّمَا خُطِئَ لَيْسَ بِرِكَازٍ وَنَحْوِهِ رَأَيْت لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْقَوْلِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْعَنْبَرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَلِي النَّظَرَ لَهُنَّ وَأَخُوهَا الَّذِي كَانَتْ تَلِي بَنَاتِهِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ شَقِيقَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ شَقِيقُهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ وِلَايَتُهَا بِإِيصَالِهِ بِهِنَّ إلَيْهَا أَوْ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَكُونُ لَهَا الْوِلَايَةُ بِالْأُخُوَّةِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ هَذَا فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيه الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ أَوْ حُلِيٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِلُّبْسِ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَامٍ يُوزَنُ فَيُؤْخَذُ رُبْعُ عُشْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ وَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ تَعَالَى وَالْيَتِيمُ هُوَ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ وَاحْتَاجَ إلَى الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَالْحَجْرُ هُوَ الْمَنْعُ يُقَالُ فُلَانٌ فِي حَجْرِ فُلَانٍ إذَا كَانَ قَدْ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَهُنَّ الْحُلِيُّ يَقْتَضِي مِلْكَهُنَّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْنَ فِيهِ لِكَوْنِهِنَّ مَحْجُورَاتٍ فَقَدْ يَمْلِكُ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالسَّفِيهُ وَيَتَصَرَّفُ مَنْ لَا يَمْلِكُ وَهُوَ الْمُوَصَّى وَالْأَبُ وَالْإِمَامُ وَقَوْلُهُ فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تُخْرِجُ زَكَاةَ الْحُلِيِّ وَلَا تَتْرُكُ مِثْلُ عَائِشَةَ إخْرَاجَهَا إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَنَّهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ الْحُلِيِّ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْحُلِيَّ مُبْتَذَلٌ فِي اسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَالثِّيَابِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيه الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيهِ الذَّهَبَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ أَنْ يُحَلَّى النِّسَاءُ الذَّهَبَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيه الذَّهَبَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُمَلِّكُهُنَّ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُزَيِّنُهُنَّ بِهِ وَيَبْقَى ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فِي حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحُلِيَّ الْمُتَّخَذَ لِلُّبْسِ الْمُبَاحِ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهَا أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّ أُخْتَهُ حَفْصَةُ كَانَتْ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُ حُلِيِّهَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى عَنْهَا حُكْمُهُ فِيهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ تِبْرٌ أَوْ حُلِيٌّ لَا يُرِيدُهُ لِلُّبْسِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُعَدَّةِ لِلتَّنْمِيَةِ وَلِذَلِكَ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْعَمَلِ وَهُوَ الصِّيَاغَةُ وَنِيَّةُ اللُّبْسِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ اللُّبْسُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلتَّنْمِيَةِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ مَعَ الصِّيَاغَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الذَّهَبِ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا الْأَمْرَانِ الصِّيَاغَةُ الْمُبَاحَةُ وَنِيَّةُ اللُّبْسِ الْمُبَاحِ. (فَرْعٌ) : وَسَوَّى مَالِكٌ بَيْنَ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ وَمَنْ نَوَى بِهِ الْقُنْيَةَ فَهُوَ عَلَى الْقُنْيَةِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ إنَّ الصِّيَاغَةَ وَالنِّيَّةَ قَدْ وُجِدَتَا فِيهِ فَأَمَّا الْعُرُوض فَيُعْتَبَرُ فِي شِرَائِهَا النِّيَّةُ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا مَا مُلِكَ مِنْهَا بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ يَنْوِي بِذَلِكَ قُنْيَةً أَوْ تِجَارَةً، وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَبْلُغُ النِّصَابَ فَفِيهَا الزَّكَاةُ مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ نَوَى بِهَا الْقُنْيَةَ أَوْ التِّجَارَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الصِّيَاغَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الصِّيَاغَةُ الْمُبَاحَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلنِّسَاءِ وَهُوَ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا لِلتَّجَمُّلِ وَالزِّينَةِ وَفِي الْجَسَدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَا يَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ لِشُعُورِهِنَّ وَأَزْرَارِ جُيُوبِهِنَّ وَأَقْفَالِ ثِيَابِهِنَّ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى اللِّبَاسِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ يُرِيدُ بِأَقْفَالِ ثِيَابِهِنَّ مَا يُتَّخَذُ فِي الثِّيَابِ الْمُفَرَّجَةِ كَالْأَزْرَارِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَا يُتَّخَذُ لِلْمَرَايَا وَأَقْفَالِ الصَّنَادِيقِ وَتَحْلِيَةِ الْمُذَابِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يُبَاحُ مِنْ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ فَفِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ السَّيْفُ وَالْخَاتَمُ وَالْمُصْحَفُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» وَأَمَّا السَّيْفُ فَإِنَّ فِيهِ إعْزَازَ الدِّينِ وَإِرْهَابًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَإِنَّ فِيهِ إعْزَازَ الْقُرْآنِ وَجَمَالًا لِلْمُصْحَفِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ كَالرُّمْحِ وَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالْمِنْطَقَةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِنْطَقَةِ الْمُفَضَّضَةِ وَالْأَسْلِحَةِ كُلِّهَا وَمَنَعَ ذَلِكَ فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالْمَهَامِيزِ وَالسَّكَاكِينِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِتَفْضِيضِ جَمِيعِ مَا يَكُونُ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَحَلَّى بِهِ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: مَا يُحَلِّي بِهِ الْأَذْكَارَ وَهُوَ الْمُصْحَفُ. وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِ وَهُوَ السَّيْفُ. وَالثَّالِثُ: مَا يَخْتَصُّ بِاللِّبَاسِ وَهُوَ الْخَاتَمُ وَلَمَّا كَانَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ مِنْ بَابِ الذِّكْرِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُصْحَفُ وَمَا يَسْتَعْمِلُ مِنْهُ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْخَاتَمُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ فِي بَابِ الْحَرْبِ وَاحِدًا وَهُوَ السَّيْفُ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ السَّيْفَ يُبَاحُ فِيهِ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ يُمْتَنَعَ سِوَاهُ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ آلَةَ الْحَرْبِ مِمَّا فِيهِ إرْهَابٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَمَّا السَّرْجُ وَاللِّجَامُ وَالْمَهَامِيزُ فَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِ بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَرْبِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا لَا يَخْلُو الْحَرْبُ مِنْهُ فَفِيهِ إرْهَابٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَجَازَ تَفْضِيضُهُ كَالسَّيْفِ. (فَرْعٌ) فَهَذَا مَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ مِنْ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا لِلضَّرُورَةِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ اتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ مُبَاحٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَحَدَ الصَّحَابَةِ اتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَكَايِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحَلَّى بِهِ الْجَسَدُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجُلَّابِ اقْتِنَاؤُهُ حَرَامٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَمَسَائِلُ أَصْحَابِنَا تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ اتِّخَاذُهَا لَوَجَبَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِيهَا وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا بِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يَكْسِرُ الْأَوَانِيَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَامٍ يُرِيدُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ فِيهِ كَتَكْرِيرِهَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَالزَّكَاةُ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَنِصَابُهُ كَنِصَابِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ " وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُمْسِكُهُ لِغَيْرِ اللُّبْسِ " يُرِيدُ إذَا اتَّخَذَهُ لِغَيْرِ لُبْسٍ مِنْ الْمُتَّخِذِ لَهُ وَلَا لِلُبْسِ غَيْرِهِ بِسَبَبِهِ، وَإِنَّمَا اتَّخَذَهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ اتَّخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ عُدَّةً لِلدَّهْرِ إنْ احْتَاجَتْ بَاعَتْهُ فَفِيهِ عَلَيْهَا الزَّكَاةُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ عِنْدَهُ حُلِيٌّ لِلِبَاسٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُتَّخَذْ لِلُبْسِ الْمُتَّخِذِ وَلَا لِلُبْسٍ آخَرَ بِسَبَبِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اتِّخَاذُهُ لِلُّبْسِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلْبَسَهُ الْمُتَّخِذُ لَهُ أَوْ يَلْبَسَهُ غَيْرُهُ بِسَبَبِهِ فَأَمَّا مَا اتَّخَذَهُ لِلُبْسِهِ فَهُوَ مِثْلُ مَا يَتَّخِذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْحُلِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَ إبَاحَتِهِ وَتَتَّخِذُهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ لَهَا فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي نَفْيِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ لِلْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ لِلُبْسٍ مُبَاحٍ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ الْقُرْبَةِ بِالْعَارِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا اُتُّخِذَ الْحُلِيُّ لِلْكِرَاءِ فَإِنْ اتَّخَذَتْ الْمَرْأَةُ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهَا مِنْ حُلِيِّهَا أَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ مِنْ حُلِيِّهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ، وَإِنَّمَا اتَّخَذَهُ لِيُكْرِيَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَا أَظُنُّ فِيهِ زَكَاةً. وَأَمَّا إنْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِلْكِرَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِيهِ الزَّكَاةُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا مُطْلَقًا فِيمَنْ اتَّخَذَهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَلَا فِي الْمِسْكِ وَلَا فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكْرِيه: فِيهِ الزَّكَاةُ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مُتَّخَذٌ لِلُّبْسِ بِسَبَبِ الْمُتَّخِذِ فَأَشْبَهَ الْعَارِيَّةَ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ وَرِقٌ أَوْ ذَهَبٌ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْمُتَّخَذِ لِلتِّجَارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اتِّخَاذُ الرَّجُلِ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِيَلْبَسَهُ أَهْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَنْ اتَّخَذَهُ لَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ لِامْرَأَةٍ يُسْتَقْبَلُ نِكَاحُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَسْتَأْنِفُ شِرَاءَهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: فِيهِ الزَّكَاةُ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ بِأَنَّ الْمُتَّخِذَ لَهُ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا صَارَ إلَى مَا أَمَلَ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا عِنْدَهُ حِينَ اتِّخَاذِهِ أَهْلٌ لِلتَّحَلِّي بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مُتَّخَذٌ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ حُلِيَّ سَيْفٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ خَاتَمٍ يَرْصُدُهُ لِوَلَدٍ أَوْ لِعَارِيَّةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ، وَكَذَلِكَ مَا اتَّخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ لَا لِتَلْبَسَهُ وَلَكِنْ لِابْنَةٍ عَسَى أَنْ تَكُونَ لَهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلُهُ إصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرِيدُ إصْلَاحَهُ لِلُّبْسِ الْمُبَاحِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَدَامُ فِيهِ شَرْطُ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ إصْلَاحَهُ لِلُبْسِهَا أَوْ لِلُبْسِ أَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ بِسَبَبِهَا وَأَمَّا إصْلَاحُ الرَّجُلِ مَا لِلنِّسَاءِ لِيَرْصُدَ بِهِ امْرَأَةً يَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُزَكِّيه. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُزَكِّيه وَأَنْكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ إصْلَاحَهُ بِمُعَاوَضَةٍ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ نَوَى إصْلَاحَهُ لِلْبَيْعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَا أَصْدَقَهُ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ مِنْ الْحُلِيِّ مُقْتَضَاهُ لِجَمَالِهَا بِهِ لَهُ وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِبْدَادُ بِتَصْرِيفِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهَا فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ أَبْقَاهُ فِي مِلْكِهِ وَحَلَّى بِهِ نِسَاءَهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ اللُّؤْلُؤَ وَالْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ وَسَائِرَ الْعُرُوضِ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَعْيُنِهَا فَتُزَكَّى لِأَنْفُسِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ إلَّا فِي عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَمَّى، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا الْقُنْيَةُ وَالِابْتِيَاعُ وَلَيْسَا مِمَّا يُتَّجَرُ بِهِ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَإِذَا أَرَادَ بِهَا التِّجَارَةَ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا النِّيَّةُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَمَّا كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلتَّنْمِيَةِ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الْقُنْيَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَإِذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ وَهُوَ الصِّيَاغَةُ خَرَجَتْ عَنْ التَّنْمِيَةِ إلَى بَابِ الْقُنْيَةِ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى التِّجَارَةِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ حَتَّى يَنْضَافَ إلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ الْمُخَالِفُ لِمَوْضُوعِ الْقُنْيَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَيَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وَيَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَوْضُوعِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا ابْتَعْت مِنْ السِّلَعِ لِلْقُنْيَةِ لَمْ يَنْصَرِفْ بِالنِّيَّةِ إلَى التِّجَارَةِ وَمَا ابْتَعْت مِنْهَا أَوْ مِنْ الْحَيَوَانِ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ صَرَفْته إلَى الْقُنْيَةِ، ثُمَّ بِعْته فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَكِّي ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لِلْقُنْيَةِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ فِي التِّجَارَةِ وَيُزَكِّي ثَمَنَهُ وَلَا تُغَيِّرُهُ نِيَّةُ الْقُنْيَةِ فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَهَا قِيَمٌ وَبِهَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ فَلَا يَنْتَقِلُ عَمَّا اُشْتُرِيَتْ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ اشْتَرَيْت لِلتِّجَارَةِ فَلِقِيمَتِهَا أَصْلٌ فِي التِّجَارَةِ، وَإِنْ اُشْتُرِيَتْ لِلْقُنْيَةِ فَلِقِيمَتِهَا أَصْلٌ فِي الْقُنْيَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَمَّا اُشْتُرِيَتْ بِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها]

زَكَاةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتِّجَارَةُ لَهُمْ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [زَكَاةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالتِّجَارَةُ لَهُمْ فِيهَا] (ش) : قَوْلُهُ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى إذْنٌ مِنْهُ فِي إدَارَتِهَا وَتَنْمِيَتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ لِلْيَتِيمِ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ لَهُ فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَهُ وَيُثْمِرَهُ لَهُ وَلَا يُثْمِرُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ لِلْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ وَإِلَّا فَلْيَدْفَعْهُ إلَى ثِقَةٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْيَتِيمِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ بِجُزْءٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَسَائِرُهُ لِلْيَتِيمِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَلَوْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَقُولُ لَا تَأْكُلُهَا الْخُمُسُ لِمَا لَمْ يَكُنْ لِلْخُمُسِ مَدْخَلٌ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الزَّكَاةُ هَاهُنَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُفْنِي جَمِيعَ الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّفَقَةُ الَّتِي تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْمَالِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى النَّفَقَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» وَهَذَا الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَنْطَلِقُ عَلَى النَّفَقَةِ شَرْعًا وَلَا لُغَةً وَلَيْسَ إذَا انْطَلَقَ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ مِمَّا يَقْتَضِي أَنْ يَنْطَلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُؤْخَذُ قِيَاسًا وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَنَى دَارِهِ لَمْ يَقُلْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا وَصَفَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْجَرُ بِهِ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْتَغْرِقُ الْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَسْتَغْرِقْهُ فَإِنَّمَا تَذْهَبُ بِأَكْثَرِهِ وَلَا يَبْقَى مِنْهُ إلَّا أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ وَهَذَا فِي حُكْمِ إتْلَافِ جَمِيعِهِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ لِرَجُلٍ مَالًا جَسِيمًا وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُ إلَّا عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ ثَلَاثِينَ دِينَارًا لَصَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَكَلْت مَالِي فَلَا مَعْنَى لِاعْتِرَاضِهِمْ، وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُمْ إلَى هَذَا التَّعْنِيفِ فِي التَّأْوِيلِ قَوْلُهُمْ إنَّ أَمْوَالَ الْيَتَامَى لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، دَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ زَكَاةٍ تَلْزَمُ الْكَبِيرَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الصَّغِيرَ كَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْفِطْرِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَعْصِي بِتَرْكِ إخْرَاجِهَا وَأَمَّا الطِّفْلُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ يُتْلِفُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَلَا يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ إذَا وَجَبَ أَمْرُهُ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ وَيُحَاسَبُ بِهِ دُونَ الصَّغِيرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّهَا كَانَتْ تَلِيهِ هُوَ وَأَخًا لَهُ لَعَلَّهُ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخَا الْقَاسِمِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهَا وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ وَأَمَرَهُمْ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْحُكْمِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَالْمُتَّفَقِ عَلَى إجَازَتِهِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُعْطِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى الَّذِينَ فِي حِجْرِهَا مَنْ يَتَّجِرُ لَهُمْ فِيهَا» ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُعْطِي أَمْوَالَ الْيَتَامَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهَا يُرِيدُ أَنَّهَا مِمَّا كَانَتْ تَرَاهُ نَظَرًا لَهُمْ لِئَلَّا تُفْنِيَهَا الزَّكَاةُ وَالنَّفَقَةُ مِنْهَا عَلَى الْأَيْتَامِ فَكَانَتْ تُعْطِيهَا لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهَا وَهَذَا جَائِزٌ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى لِبَنِي أَخِيهِ يَتَامَى فِي حِجْرِهِ مَالًا فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بَعْدُ بِمَالٍ كَثِيرٍ) . (ش) : يُحْتَمَلُ أَنْ

[زكاة الميراث]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالتِّجَارَةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَأْمُونًا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا) . زَكَاةُ الْمِيرَاثِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا هَلَكَ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ أَنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَا يُجَاوَزُ بِهَا الثُّلُثَ وَتُبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا وَأَرَاهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ رَأَيْت أَنْ تُبْدَأَ عَلَى الْوَصَايَا قَالَ وَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُهُ فَذَلِكَ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَهْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ اشْتَرَاهُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَعْنَى النَّظَرِ لَهُمْ لِيَفْضُلَ لَهُمْ مِنْهُ مَا يَقُومُ بِهِمْ وَتَبْقَى الْعَيْنُ وَيَزِيدَ بِالْعِمَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ وَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ مَا يُفْعَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ وَأَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ تَقُومُ بِهِمْ وَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ تَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ الْإِنْفَاقِ أَوْ لِوُجُودِ غِبْطَةٍ نُبَيِّنُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِالتِّجَارَةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَهُمْ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَأْمُونًا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِلْوَلِيِّ وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيُنَمِّيَهَا لَهُمْ وَأَمَّا أَنْ يَتَسَلَّفَهَا وَيَتَّجِرَ فِيهَا لِنَفْسِهِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنْفُسِهِمْ دُونَ الْأَيْتَامِ إلَّا أَنْ يَدْعُوَ إلَى يَسِيرٍ مِنْ ضَرُورَةٍ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ يُسْرِعَ بِرَدِّهِ وَتَنْمِيَتِهِ لِلْأَيْتَامِ فَأَمَّا أَنْ تُصْرَفَ مَنَافِعُهُ عَلَى الْأَيْتَامِ وَتَحْصُلَ التِّجَارَةُ فِيهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْأَوْصِيَاءِ فَذَلِكَ إثْمٌ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْتَامَ يَمْلِكُونَ رَقَبَةَ الْإِمْلَاكِ وَيَمْلِكُونَ الِانْتِفَاعَ بِهَا فَكَمَا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ اسْتِهْلَاكُ الرَّقَبَةِ وَالِاسْتِبْدَادُ بِهَا كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ الْمَنْفَعَةِ وَالِانْفِرَادُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُ هَذَا الْمُودِعَ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ قَدْ تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَجَازَ لِلْمُودِعِ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ حَائِطِهِ وَضَوْءِ سِرَاجِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْيَتِيمُ فَإِنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ مَالَهُ إلَى الْوَصِيِّ لِيُثْمِرَهُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ إلَى نَفْسِهِ كَالْمُبَضِّعِ مَعَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَفِّعَ بِالْمَالِ دُونَ رَبِّهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَأْمُونًا وَتَجَرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَخَسِرَ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَإِنَّمَا عَمِلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ. [زَكَاةُ الْمِيرَاثِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَوْصَى بِزَكَاةِ مَالِهِ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَيُبْدَأَ ذَلِكَ عَلَى الْوَصَايَا وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُوصَى بِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ مِثْلَ أَنْ يَرَى عَلَيْهِ مَالًا قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا فَهَذَا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا فِي مَرَضِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِخْرَاجِهَا نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُؤْمَرُ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُونَ وَهَذَا حُكْمُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَهُ وَأَشْهَبُ يَقُولُ هِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهَا لَعَلَّهُ قَدْ أَخْرَجَهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُ زَكَاةٍ لَا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَهَا عَلَى غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ إذَا أَمْسَكَ عَنْهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِهَا أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهَا فَكَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهَا كَزَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ زَكَاةً فَرَّطَ فِيهَا فَإِنَّهُ إنْ أَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يُفَرِّطَ فِي زَكَاةِ مَالِهِ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَا يُخْرِجَهَا وَيُحْصِيَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُوصِيَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَرُبَّمَا اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَالِهِ وَرُبَّمَا لَمْ يَفِ بِهِ مَالُهُ فَيُؤَدِّي هَذَا إلَى إبْطَالِ الزَّكَاةِ وَالْمِيرَاثِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَوَجْهُ التَّفْرِيطِ فِي الْعَيْنِ أَنْ يُمَكِّنَ مِنْ أَدَائِهِ فَلَا يُؤَدِّيهِ وَفِي الْحَبِّ وَالتَّمْرِ أَنْ يُؤْوِيَهُ إلَى بَيْتِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي

[الزكاة في الدين]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى وَارِثٍ زَكَاةٌ فِي مَالٍ وَرِثَهُ فِي دَيْنٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا دَارٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِ مَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اقْتَضَى الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ أَوْ قَبَضَهُ) . الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْمُوعَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا آوَاهُ إلَى بَيْتِهِ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ قَبْلَ نَقْلِهِ إلَى بَيْتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ بِمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَوْلِ فِي الْإِجْزَاءِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَوْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى أَهْلِهَا. (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالٍ وَرِثَهُ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَوْلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْرُوثَ مِنْ الْمَالِ فَائِدَةٌ وَالْفَائِدَةُ يُسْتَقْبَلُ بِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهَا مُسْتَفِيدُهَا وَالْأَمْوَالُ الْمَوْرُوثَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَضَرْبٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ فَأَمَّا مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ لَيْسَ فِيهِ عَمَلُ قِنْيَةٍ وَقِسْمٌ فِيهِ عَمَلُ قِنْيَةٍ فَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ فَسَوَاءٌ نَوَى بِهِ تِجَارَةً أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّ زَكَاتَهُ تُؤَدَّى إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ الْوَارِثُ وَمَا كَانَ فِيهِ عَمَلُ قِنْيَةٍ وَهِيَ الصِّيَاغَةُ فَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ زَكَّاهُ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ يَرِثُهُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْقِنْيَةَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَتَعَلُّقِهَا بِهِ وَمَا كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ فَسَوَاءٌ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ بَعْدَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى ثَمَنِ مَا بِيعَ مِنْهُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ الْوَارِثُ، وَإِنْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ وَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَحِينَ يَحُولُ الْحَوْلُ عَلَى الْعَرْضِ الَّذِي قَبَضَهُ عَلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ وَالْإِدَارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلُ عَلَى حَسَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْ تَنْمِيَةِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا تَنْمُو إلَّا بِالْعَمَلِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهَا هُوَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ وَلَوْ أَقَامَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَعْوَامًا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَنْمُو بِأَنْفُسِهَا كَالْمَاشِيَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِيهَا إذَا حَلَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِيهَا مِنْ يَوْمِ وَرِثَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ تَنْمُو بِأَنْفُسِهَا فَلَمَّا لَمْ تَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ تَنْمِيَتُهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ عَدَمِ قَبْضِهَا لَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَنْمِيَتِهَا وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَإِنَّهَا لَا تَنْمُو إلَّا بِيَدِهِ وَتَصْرِيفِهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ قَبْضُهُ لَهَا تَعَذَّرَ وَجْهُ تَنْمِيَتِهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ هَذَا وَرِثَ مَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى وَارِثٍ فِي مَالٍ وَرِثَهُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَنْمِيَتِهِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يُرِيدُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ أَوْ قَبَضَهُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ فَيُقِيمُ بِيَدِهِ مُدَّةَ التَّنْمِيَةِ وَهِيَ الْحَوْلُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ فَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ تَنْمِيَتُهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ حَتَّى تَمْضِيَ لَهُ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلتَّنْمِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ هَذَا لِمَنْ عَرَفَ فِي الْحَوْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَكْثَرِهِمْ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ فِيهِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَيْنَ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَاشِيَةَ، وَاَلَّذِي يَجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِيهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ بَعْثِ السُّعَاةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَيُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا يَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ فَقَالَ لَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ يُرِيدُ أَوْ الْعَيْنُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا تُؤْخَذُ زَكَاتُهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ يَفِي بِدَيْنِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُؤَدِّي مَالًا لَوْلَا بَقَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَمْ يَتْرُكْهُ فَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ رِفْقًا بِهِمْ وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ فَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْهَا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا بِبَيْعِهَا وَأَدَاءِ دَيْنِهِمْ لِئَلَّا تُؤْخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَاتُهَا وَهِيَ مَا يُبَاعُ بَعْدَ الصَّدَقَةِ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا يَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ إلَى أَهْلِهِ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا) ش قَوْلُهُ أَوَّلًا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ لَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً عِنْدَهُ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لِسَائِرِ الْأَعْوَامِ، ثُمَّ نَظَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَأَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ تَنْمِيَتِهِ وَلَا تَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَهَذَا مَالٌ قَدْ زَالَ عَنْ يَدِهِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ وَمُنِعَ هَذَا عَنْ تَنْمِيَتِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا حُكْمُ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ الَّذِي كَانَ مِمَّا يَرْجُو رَدَّهُ إلَيْهِ تَطَوُّعًا أَوْ بِحُكْمٍ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ إلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ قَدْ نَضَّ فِي يَدِهِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ وَلَوْ كَانَتْ أَحْوَالًا فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْهَا حَوْلٌ وَاحِدٌ نَضَّ فِي طَرَفَيْهِ الْمَالُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا بَيْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ يَوْمًا، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَتَجِبَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحُصُولِ الْمَالِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ طَرَفَيْ الْحَوْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اللُّقَطَةُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يُزَكِّيهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ إلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُزَكِّيهَا لِكُلِّ عَامٍ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ غَيْرِ مَالِكِهِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَنْمِيَةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِ وَكِيلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ دَفَنَ مَالًا فَنَسِيَ مَوْضِعَهُ فَوَجَدَهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُزَكِّيهِ لِكُلِّ سَنَةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّقَطَةِ أَنَّ اللُّقْطَةَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْمَالُ الْمَدْفُونُ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ دَفَنَهُ فِي صَحْرَاءَ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ دَفَنَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يُحَاطُ بِهِ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ لِكُلِّ عَامٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ بِحَفْرِ جَمِيعِ الْمَوْضِعِ وَهَذَا لَمَّا يَتَهَيَّأُ فِي الصَّحْرَاءِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ إنَّ مَنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا لِحَوْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ أَحْوَالًا كَثِيرَةً كَالْمَغْصُوبِ وَالْمُلْتَقَطِ وَالدَّيْنِ وَالْقَرْضِ وَالْمَالِ الَّذِي جَحَدَهُ الْمُودِعُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَالٌ مُنِعَ مِنْ تَنْمِيَتِهِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَاَلَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَالُ الْمَحْبُوسِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَنْمِيَتِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ مِنْ عَرْضٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِثْلُ هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الزَّكَاةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَالٌ يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَالِكِ دَيْنٌ كَانَ الدَّيْنُ أَحَقَّ بِالْمَالِ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَهُمَا مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي الدَّيْنِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ سِنِينَ ذَوَاتَ عَدَدٍ، ثُمَّ قَبَضَهُ صَاحِبُهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَى الَّذِي قَبَضَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَعَ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ ذَلِكَ قَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَاضٌّ غَيْرُ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَكِنْ يَحْفَظُ عَدَدَ مَا اقْتَضَى فَإِنْ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ مَعَ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَثِّرُ فِي قُوَّةِ الذِّمَّةِ وَضَعْفِهَا فَلِذَلِكَ اُخْتُصَّ الدَّيْنُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ وَأُسْقِطَ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ الدَّيْنِ كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا وَذَلِكَ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَإِنَّ الْمَاشِيَةَ وَالثِّمَارَ وَالْحُبُوبَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ مُتَعَيِّنَةٌ تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهَا فَقُدِّمَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا عَلَى الدَّيْنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مِنْ مَالٍ لَا يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ وَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الدَّيْنَ رُبَّمَا تَوِيَ وَلَا يَدْرِي صَاحِبُهُ هَلْ يَقْتَضِيه أَمْ لَا؟ فَلَا يُكَلَّفُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَرُبَّمَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ عَمَّا لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ قَالَ أَصَبْغُ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الزَّكَاةِ فِيهِ بِأَنْ يَأْخُذَ بِهِ عَرْضًا أَوْ يَهَبَهُ لِمَنْ هُوَ عِنْدَهُ وَمِمَّا يُبَيِّنُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ عَنْهُ فِي بَلَدٍ نَازِحٍ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْهُ مِمَّا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَصِلُ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ وَكِيلٍ أَوْ مُبَضِّعٍ مَعَهُ وَيَدُهُ كَيَدِهِ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ فَبِأَنْ لَا يُكَلَّفَ أَنْ يُخْرِجَ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَالٍ هُوَ بِيَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي ضَمَانِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا يُزَكِّيهِ وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ سِنِينَ ذَوَاتَ عَدَدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ صَاحِبُهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا كَمَا قَالَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالِاعْتِبَارُ أَنْ يَنِضَّ بِيَدِهِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ إذَا لَمْ يَنِضَّ الْمَالُ فِي يَدِهِ إلَّا فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا بِمَنْزِلَةِ حَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَامٍ وَهُوَ بِيَدِ غَيْرِهِ نَمَاؤُهُ لَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَسْتَهْلِكَهُ الزَّكَاةُ وَلِهَذَا الْوَجْهِ أَبْطَلْنَا الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِ الْقِنْيَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الزَّكَاةَ لَاسْتَهْلَكَتْهَا وَالزَّكَاةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تُمَكِّنُ مِنْ تَنْمِيَتِهَا فَلَا تُفِيتُهَا الزَّكَاةُ فِي الْأَغْلَبِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَنَانِيرَ فَإِنَّمَا يُزَكِّي مَا قَبَضَ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعَيْنِ إنَّمَا تَجْرِي فِي الْمَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يَوْمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ يَوْمَ قَبْضِهِ فَإِذَا كَانَ ذَهَبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ وَرِقًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَرِقِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ عِوَضًا لَمْ يُزَكِّهِ إلَّا عَلَى حُكْمِ الْعِوَضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَى الَّذِي قَبَضَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ قَبَضَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْبِضَ مِنْ دَيْنِهِ غَيْرَهُ فَنَكُونُ قَدْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ غَيْرُهُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَزَكَّاهُ أَوْ لَمْ يُزَكِّهِ بِأَنْ قَدْ بَلَغَ النِّصَابَ أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ فَبَلَغَا النِّصَابَ زَكَّى مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ الْحَوْلِ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى مَالٍ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَبَلَغَ النِّصَابَ أَوْ بَلَغَ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّيْنِ النِّصَابَ فَيَكُونُ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ فَائِدَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ قَبَضَ الدَّيْنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَلَوْ كَانَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ لَا يَبْلُغُ مَعَ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ النِّصَابَ لَمْ يُزَكِّ شَيْئًا مِنْهُمَا حَتَّى يَقْبِضَ مِنْ دَيْنِهِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْضُهُ لَهُ وَإِلَى مَا يَكُونُ بِيَدِهِ مِمَّا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَلَغَ النِّصَابَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَ مَا اقْتَضَى وَلَا أَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْ قَالَ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مَعَ مَا اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ فَإِذَا بَلَغَ مَا اقْتَضَى عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ مَا اقْتَضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعَ ذَلِكَ يَوْمَ قَبَضَ ذَلِكَ الَّذِي بَلَغَ النِّصَابَ، ثُمَّ يُزَكِّي بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلَ مَا يَقْبِضُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَكَثِيرَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا قَدْ زَكَّى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّي مَا قَبَضَهُ مِنْ دَيْنِهِ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَ مِنْ دَيْنِهِ لَوْ كَانَ فَائِدَةً لَمْ يُزَكِّهِ عِنْدَ حُلُولِهِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ النِّصَابَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَبْلُغُ النِّصَابَ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ أَنْفَقَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ الَّتِي هِيَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اخْتَلَفَا فِيمَنْ أَفَادَ عَشَرَةً بَعْدَ عَشَرَةٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنْفَقَ الْعَشَرَةَ الْأُولَى بَعْدَ حَوْلِهَا، ثُمَّ حَالَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ فَقَالَ أَشْهَبُ يُزَكِّي عَنْ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا أَخَّرْنَا زَكَاةَ الْمَالِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ الثَّانِيَ يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمَّا تَيَقَّنَّا ذَلِكَ الْآنَ عَلِمْنَا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ زَكَّى الْأُولَى أَوْ لَمْ يُزَكِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ زَكَّى دَيْنَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا بِقَبْضِهِ فَإِذَا أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ بِالْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ وُجُوبَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْلَمُ بِالْقَبْضِ فَهَذَا إذَا أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَمْ يُخْرِجْهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَقُولُ إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الثَّمَرَةِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ الْجِدَادِ وَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْجِدَادِ وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ اسْتِهْلَاكَهُ لَمَّا كَانَ قَبَضَهُ مِنْ دَيْنِهِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةَ إذَا قَبَضَ مِنْهُ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَإِنَّمَا أَجَزْت الزَّكَاةَ فِيمَا كَانَ قَبَضَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يَقْبِضُ سَائِرَهُ فَتُوجَبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَلَمَّا قَبَضَ سَائِرَهُ عَلِمْنَا وُجُوبَهَا فِيمَا قَبَضَهُ أَوَّلًا وَآخِرًا، ثُمَّ إذَا قَبَضَ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النِّصَابِ فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ اقْتَضَى عَشَرَةً مِنْ دَيْنِهِ فَتَلِفَتْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَبَضَ أُخْرَى فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ وَثَمَنِ الْعَرْضِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ يُزَكِّهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَجْهُ قَوْلِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ قَبْلَ وُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا اقْتَضَى الْعَشَرَةَ فَحُكْمُهَا مُرَاعَاتُهَا فَإِنْ قَبَضَ كَمَالَ النِّصَابِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ غَيْرَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الِانْفِرَادِ وَيَكُونُ حَوْلُ مَا يَقْبِضُهُ مِنْ دَيْنِهِ حِينَ يَتِمُّ النِّصَابُ يَوْمَ قَبْضِهِ النِّصَابَ، ثُمَّ مَا قَبَضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَوْلُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ قَبْضِ مَا يَتِمُّ فِيهِ النِّصَابُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَأَوَّلُ حَوْلِ الْمَالِ الَّذِي جَرَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ يَوْمَ يَجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ فَإِنْ كَثُرَتْ أَحْوَالُ مَا قَبَضَ مِنْهُ بَعْدَ النِّصَابِ وَاخْتَلَطَتْ فَإِنَّهُ يُضِيفُ الْأُخْرَى إلَى الْأُولَى فِي الدَّيْنِ وَفِيمَا بِيعَ مِنْ الْعُرُوضِ وَاخْتَلَطَتْ أَحْوَالُهُ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا كَثُرَ مِنْ الْفَوَائِدِ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالُهَا فَعِنْدَ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ يُضِيفُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُضِيفُ الْأُخْرَى إلَى الْأُولَى وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مَالٌ لَمْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَغِيبُ أَعْوَامًا، ثُمَّ يُقْضَى فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْعُرُوضَ تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ الرَّجُلِ أَعْوَامًا ثُمَّ يَبِيعُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي أَثْمَانِهَا إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَرْضِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا يُخْرِجُ زَكَاةَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ النَّاضِّ سِوَى ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بِيَدِهِ مِنْ نَاضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) . زَكَاةُ الْعُرُوضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحُلْ فِيهِ الْحَوْلُ فَإِذَا أَضَفْت الْأُخْرَى إلَى الْأُولَى كُنْت مُزَكِّيًا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَإِذَا أَضَفْت الْأُولَى إلَى الْأُخْرَى كُنْت مُزَكِّيًا بَعْدَ الْحَوْلِ وَلِهَذَا فَارَقَ الدُّيُونَ وَالْأَمْوَالَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِيهَا الْأَحْوَالُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ قَدْ جَرَى فِي جَمِيعِهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذِهِ أَحْوَالٌ الْتَبَسَتْ فَكَانَ حُكْمُهَا أَنْ يَضُمَّ الْأُخْرَى إلَى الْأُولَى كَأَحْوَالِ الدُّيُونِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ اقْتَضَى دِينَارًا عَنْ دَيْنٍ لَهُ أَحْوَالٌ فَتَجَرَ فِيهِ فَصَارَ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ اقْتَضَى دِينَارًا آخَرَ فَتَجَرَ فِيهِ فَصَارَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُزَكِّي أَحَدًا وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الدِّينَارِ وَالثَّانِي يَوْمَ قَبْضِهِ. وَمَا ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُزَكِّي الرِّبْحَ لِحَوْلٍ مِنْ يَوْمِ يَرْبَحُهُ لَيْسَ بِقَوْلِهِ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبَ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَدْ ذَكَرَهَا سَحْنُونٌ فَأَنْكَرَ مِنْهَا مَا أَنْكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ الدِّينَارَ الثَّانِيَ وَقَدْ زَكَّى الدِّينَارَ الْأَوَّلَ وَرِبْحَهُ كَانَ الدِّينَارُ الثَّانِي مُضَافًا إلَيْهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِقَبْضِهِ وَذَلِكَ حَوْلُهُ فَإِذَا تَجَرَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَبِحَ فَإِنَّمَا حَوْلُ الرِّبْحِ مِنْهُ حَوْلُ الدِّينَارِ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَغِيبُ أَعْوَامًا، ثُمَّ يُقْضَى فَلَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ الْعُرُوضَ تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَ الرَّجُلِ أَعْوَامًا ثُمَّ يَبِيعُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي أَثْمَانِهَا إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ الْعَرْضِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا يُخْرِجُ زَكَاةَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهَا إلَّا بَعْدَ بَيْعِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ أَنْ لَا يُزَكِّيَ حَتَّى يَقْبِضَ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ لَا بِالذِّمَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ أَتْلَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَوَافَقَنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنْ أَتْلَفَ هُوَ الْمَالَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي ضَمِنَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَمَرَّةً قَالَ تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالذِّمَّةِ وَمَرَّةً قَالَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ طَرَأَ عَلَى الْمَالِ فَلَمْ يُنْقَلْ إلَى الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنٍ لَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْعَرْضِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَقْطَعَ لِلْمَسَاكِينِ بِجُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ فِي ذِمَمِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ عَيْنًا مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ أَوْ الْحَرْثِ أَوْ الْمَاشِيَةِ، وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِي أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبُ الْعَرْضِ عَنْ زَكَاةِ عَرْضِهِ فَكَمَا لِصَاحِبِ الْعَرْضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الزَّكَاةَ حَتَّى يَبِيعَ عَرْضَهُ فَيُزَكِّيَ ذَلِكَ الْمَالَ لِعَامٍ وَاحِدٍ كَذَلِكَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الزَّكَاةَ حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ فَيُزَكِّيَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ فِي يَدِ مَالِكِهِ وَنَمَاؤُهُ لَهُ وَضَمَانُهُ مِنْهُ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِيَدِ مَالِكِهِ وَلَا نَمَاؤُهُ لَهُ وَلَا ضَمَانُهُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ عَرْضِهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا فَبِأَنْ لَا يَلْزَمَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ دَيْنِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مِنْ الْعَيْنِ عَنْ مِقْدَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِرَبِّهِ مِنْ الْعَرْضِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ بِالدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الْعَرْضِ وَيُزَكِّي جَمِيعَ الْعَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الدَّيْنَ فِي الْعَيْنِ وَيُسْقِطُ الزَّكَاةَ

[الباب الأول في صفة المال الذي تسقط زكاته بالدين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حُرٌّ مُسْلِمٌ مَالِكٌ لِنِصَابٍ لَا يَبْخَسُ حَقَّ الْغَيْرِ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الْعَيْنِ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ دَيْنَهُ وَيَبْقَى لَهُ نِصَابٌ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ. الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي صِفَةِ الْمَالِ الَّذِي تَسْقُطُ زَكَاتُهُ بِالدَّيْنِ. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الَّذِي يُسْقِطُ الزَّكَاةَ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي مَعْنَى الْعَرْضِ الَّذِي يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الدَّيْنِ. وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الَّذِي يُحْتَسَبُ فِيهِ بِالْعَرْضِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْمَالِ الَّذِي تَسْقُطُ زَكَاتُهُ بِالدَّيْنِ] 1 فَأَمَّا صِفَةُ الْمَالِ الَّذِي تَسْقُطُ زَكَاتُهُ بِالدَّيْنِ فَهُوَ عُرُوضُ التِّجَارَةِ وَأَنْوَاعُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِمَّا يُعْتَبَرُ زَكَاتُهُ بِالْحَوْلِ دُونَ مَا يُخْرَجُ مِنْ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بِالْحَوْلِ وَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُ بِالدَّيْنِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الرِّكَازُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَمَاءٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ لَمْ تَسْقُطْ بِالدَّيْنِ كَالزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ عِنْدَهُ عَبْدٌ وَعَلَيْهِ عَبْدٌ مِثْلُهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُوجَبُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةُ فِطْرٍ وَأَشْهَبُ يُوجِبُهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عِنْدَهُ زَكَاةً مَصْرُوفَةً إلَى أَمَانَتِهِ كَزَكَاةِ الْعَيْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهَا زَكَاةٌ تَجِبُ بِسَبَبِ حَيَوَانٍ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالدَّيْنِ كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَالَتْ ذَلِكَ عِنْدَ أَخْذِهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَقَالُوا فِي الْعَيْنِ وَكَانَ عُثْمَانُ يَتَأَدَّى بِهِ عِنْدَ الْحَوْلِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الَّذِي يُسْقِطُ الزَّكَاةَ] 1 وَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الَّذِي يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مَنْ لَهُ مِائَةُ دِينَارٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعَلَيْهِ مِائَةٌ مِثْلُهَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ يُسْتَحَقُّ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا يُسْتَحَقُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الدَّيْنِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَدَانَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَوُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَمْ يُسْقِطْ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الدَّيْنُ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا فِي إسْقَاطِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ مَهْرِ امْرَأَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِمَهْرِ الزَّوْجَةِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِكُلِّ دَيْنٍ إلَّا مُهُورَ النِّسَاءِ إذْ لَيْسَ شَأْنُهُنَّ الْقِيَامَ بِهِ إلَّا فِي مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ، وَإِذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقُوَّةِ كَغَيْرِهِ قَالَ، وَقَالَهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ دَيْنٌ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَيُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ إذَا حَلَّتْ تُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ ذَلِكَ لَهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّا بِهِ مِنْ أَنَّ نَفَقَتَهُ قَدْ تَقَرَّرَ وُجُوبُهَا عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِبَاحَتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهَا عَلَيْهِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُسْقِطُهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءٍ وَعَنْ أَشْهَبَ مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ يُثْبِتُهَا فِي ذِمَّةِ الِابْنِ فَتَسْقُطُ بِهَا الزَّكَاةُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا نَفَقَةُ أَبٍ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ كَاَلَّتِي لَمْ يُقْضَ بِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا يَسْقُطُ حُكْمُهَا عِنْدَ الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ، وَنَفَقَةُ الْأَبِ وَإِنْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِالْإِعْسَارِ وَلَا يُثْبِتُ لِلْأَبِ خِيَارًا وَلَا غَيْرَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الِابْنِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ جَعَلَهَا كَنَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ لَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهَا حَاكِمٌ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي

[الباب الثالث في معنى العرض الذي يحتسب به في الدين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَفَرَّقَ أَشْهَبُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَبَوَيْنِ بِأَنْ قَالَ إنَّ الِابْنَ لَمْ تَزَلْ نَفَقَتُهُ ثَابِتَةً وَنَفَقَةُ الْأَبِ قَدْ كَانَتْ سَاقِطَةً عَنْ ابْنِهِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ زَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَرَّطَ فِي زَكَاتِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَاتَّجَرَ فِيهَا فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ نِصْفَ دِينَارٍ وَيُزَكِّي لِلْحَوْلِ الثَّانِي تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْعِشْرِينَ دَيْنٌ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهَا فَلَمَّا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهَبَ إيَّاهَا الْغَرِيمَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَكِّيه حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ وَهَبَهُ لَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ حِينَ وُهِبَتْ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ لَمْ تُوهَبْ لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِغَيْرِهِ أَوْ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهَا مِنْهُ كَمَالِ الْعَبْدِ فَلَمَّا وُهِبَتْ لَهُ صَارَتْ فَائِدَةً مَلَكَهَا السَّاعَةَ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا كَمَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ كَمَالِ الْعَبْدِ يَتَقَرَّرُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَلَمَّا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَبَاعَهَا بِعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَبِالْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ فَلَمَّا وُهِبَتْ لَهُ اقْتَضَى الدَّيْنُ بِذِمَّتِهِ فَلَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ لِمِلْكِهِ لَهُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَلَوْ أَدَّاهَا فِي دَيْنِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا أُدِّيَ مِنْهَا اخْتَصَّ بِهَا وَتَعَيَّنَ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ وَهَبَهَا لِأَجْنَبِيٍّ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَا عَلَى الْوَاهِبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَمَّا الْوَاهِبُ فَلْيُزَكِّهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْقَابِضِ لَهَا كَيَدِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَقْبِضْهَا لِلْوَاهِبِ، وَإِنَّمَا قَبَضَهَا لِنَفْسِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ كَمَا لَوْ وَهَبَهَا لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْعَرْضِ الَّذِي يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الدَّيْنِ] وَأَمَّا الْعَرْضُ الَّذِي يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الدَّيْنِ لِيُزَكِّيَ الْعَيْنَ فَأَصْلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ زَكَاةَ الْعَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ يَفِي بِدَيْنِهِ اُحْتُسِبَ بِدَيْنِهِ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَرْضٌ يَفِي بِدَيْنِهِ فِيهِ وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ يَفِي بِبَعْضِ دَيْنِهِ اُحْتُسِبَ بِهِ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَبَاقِي دَيْنِهِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنْ قَدْرِهِ مِنْ الْمَالِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَرْضُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ حَوْلٌ فَإِنْ أَفَادَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُزَكِّي حَتَّى يَكُونَ الْعَرْضُ عِنْدَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ أَفَادَ مِائَةَ دِينَارٍ عِنْدَ الْحَوْلِ جُعِلَ دَيْنُهُ فِيهَا وَزَكَّى مَا بِيَدِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُزَكِّي سَوَاءٌ أَفَادَ الْعَرْضَ عِنْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ، وَإِنْ أَفَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ زَكَّى حِينَئِذٍ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ أَقُولُ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَالَ تَجِبُ بِمِلْكِهِ الزَّكَاةُ فَاعْتَبَرَ فِيهِ الْحَوْلُ كَمَالَ الزَّكَاةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مُعَرَّضٌ لِلتَّنْمِيَةِ مُدَّةَ الْحَوْلِ فَإِذَا وُجِدَ الْحَوْلُ عِنْد مَا يُؤَدِّي مِنْهُ دَيْنَهُ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ أَفَادَ عَيْنًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ عَرْضٌ لَا يَفِي بِدَيْنِهِ، ثُمَّ صَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ يَفِي بِالدَّيْنِ فَإِنَّمَا يَنِضُّ إلَى قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ الْحَوْلِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذِهِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرُدُّ مَا قَالَ فِيمَنْ أَفَادَ الْعَرْضَ عِنْدَ الْحَوْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا الَّذِي تُحْتَسَبُ مِنْ عُرُوضِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ كُلَّ مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي فَلَسِهِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فِيهِ دَيْنُهُ قَالَ وَذَلِكَ سَرْجُهُ وَسِلَاحُهُ وَدَارُهُ وَخَادِمُهُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ " وَدَابَّتُهُ " قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ " وَخَاتَمُهُ " وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحْتَسَبُ بِخَاتَمِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يَسْتَغْنِي عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَعَ ضِيقِ الْحَالِ وَأَمَّا ثِيَابُ جَسَدِهِ وَثَوْبَا جُمُعَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تِلْكَ الْقِيمَةُ فَلَا يُحْتَسَبُ بِهَا فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا قِيمَةٌ اُحْتُسِبَ بِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَبِسَهَا سَرَفًا لَمْ يُحْتَسَبْ بِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ دَيْنٌ

[الباب الرابع في معنى الدين الذي يحتسب فيه بعرض]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُهُ جَعَلَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ الَّذِي لَهُ وَزَكَّى مَا بِيَدِهِ مِنْ النَّاضِّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يُرْجَى قَضَاؤُهُ يُحْتَسَبُ بِعَدَدِهِ قَالَ سَحْنُونٌ بَلْ يَجْعَلُ قِيمَةَ دَيْنِهِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ دَيْنُهُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ اُحْتُسِبَ بِقِيمَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ اُحْتُسِبَ بِقَدْرِهِ وَهَذَا إنْ كَانَ حَالًّا فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَسَبَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُلِّسَ لَأَتْبَعَ بِقِيمَتِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَى هَذَا يُجْرَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ فَقِيمَتُهُ عَدَدٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ فَإِنَّمَا يَحْتَسِبُهَا بِمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ وَهُوَ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ لَا يُمْكِنُ اقْتِضَاؤُهُ الْآنَ عَلَى عَدَدِهِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْتَضِيَ قِيمَتَهُ وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِعَدَدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مُدَبَّرُهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ يُحْتَسَبُ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُحْتَسَبُ بِقِيمَتِهِ وَلَا بِخِدْمَتِهِ إذْ لَا يُبَاعُ يُرِيدُ فِي حَيَاةِ الْمُدَبَّرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْعَلُ دَيْنُهُ فِي خِدْمَةِ مُدَبَّرِهِ وَبِهِ أَقُولُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُسْتَرَقٌّ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ انْعَقَدَ فِيهِ عِتْقٌ لَازِمٌ لَا يَسْقُطُ جَمِيعُهُ بِوَجْهٍ فَلَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ فِي الدَّيْنِ الْمُسْقِطِ لِلزَّكَاةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مُكَاتَبُهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُحْتَسَبُ بِقِيمَةِ كِتَابَتِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ بَلْ قِيمَتُهُ عَبْدًا وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ كِتَابَتَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُحْتَسَبَ بِقِيمَتِهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ مِلْكُهُ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَكَانَتْ لَهُ قِيمَتُهُ فَاحْتُسِبَ بِذَلِكَ فِي الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُحْتَسَبُ بِقِيمَتِهِ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْعَيْبِ فِيهِ فَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ سَلِيمًا وَهُوَ مَعِيبٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ لَلَزِمَتْ قِيمَتُهُ عَبْدًا فَكَذَلِكَ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الدَّيْنِ فَأَمَّا الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ فَيُحْتَسَبُ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ عَلَى غَرَرِهَا، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ عَقْدَ عِتْقِهِ لَازِمٌ فَلَا يُحْتَسَبُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ خِدْمَتَهُ إلَى أَجَلٍ فَبِذَلِكَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إنْ أَخْدَمَ عَبْدَهُ سِنِينَ أَوْ عُمُرَهُ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ رَقَبَتُهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَوْ أَخْدَمَ هُوَ عَبْدًا قُوِّمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْخِدْمَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ يُزَكِّيهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجْعَلُ الْمَاشِيَةَ فِي دَيْنِهِ وَيُزَكِّي عَيْنَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ يَصِحُّ أَدَاءُ دَيْنِهِ مِنْهَا وَالزَّكَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا لَا تَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُحْتَسَبَ بِهَا فِي دَيْنِهِ وَهِيَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ زَكَاةِ الْعَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِينَارٍ حَلَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنًا فَفِي) الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُزَكِّيهَا وَيَحْتَسِبُ بِالْمِائَةِ الَّتِي لَمْ يَحُلْ حَوْلُهَا فِي دَيْنِهِ وَلَا يُزَكِّي الثَّانِيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ لَا يُزَكِّي الثَّانِيَةَ عِنْدَ حَوْلِهَا؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ فِيهَا وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ يُزَكِّي كُلَّ مِائَةٍ لِحَوْلِهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي الْأُخْرَى وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَوْلُهُمَا وَاحِدًا لَجَعَلَ دَيْنَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَزَكَّى الْأَخِيرَيْنِ فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ حَوْلِهَا لَا يَمْنَعُ الِاحْتِسَابَ بِهَا فِي الدَّيْنِ عِنْدَ حَوْلِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَصِحُّ قَبْلَ تَعْيِينِهِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ الَّذِي يُحْتَسَبُ فِيهِ بِعَرْضٍ] 1 وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي يُحْتَسَبُ فِيهِ بِعَرْضٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ يُحْتَسَبُ فِيهِ بِالْعَرْضِ وَيُزَكِّي مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ الْعَيْنِ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ دِينَارًا مِنْ زَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَلَا يَحْتَسِبُ بِهِ فِي دَيْنِهِ بِخِلَافِ دُيُونِ النَّاسِ وَلَا يَحْتَسِبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ نِصَابُ زَكَاةٍ وَإِلَّا لَمْ يُزَكِّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَرْضٌ زَكَّى الْجَمِيعَ وَهَذَا قَوْلُ

[زكاة العروض]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَاكْتُبْ لَهُمْ مِمَّا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ أَضْعَفُ مِنْ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ دُيُونِ النَّاسِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ الْعَرْضُ فِي إسْقَاطِ حُكْمِهَا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ دَيْنٌ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فَاحْتُسِبَ بِهِ فِي الْعَرْضُ كَدُيُونِ النَّاسِ. [زَكَاةُ الْعُرُوضِ] (ش) : هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى زُرَيْقٌ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ قَبْلَ الرَّاءِ وَالصَّوَابُ رُزَيْقٌ بِالرَّاءِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ قَبْلَ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ وَرُزَيْقٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ حَيَّانَ الْفَزَارِيّ قَوْلُهُ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَصْرِيحٌ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِيهَا وَأَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ إلَّا بِمَا ظَهَرَ وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَخْفَى فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا مِمَّنْ كَانَ مُؤْتَمَنًا فِيهَا وَقَوْلُهُ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ يَسْتَغْرِقُ الْعُرُوضَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ فِي الْعَرْضِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ إنَّمَا تُدَارُ بِهَا وَالرِّبْحُ وَالنَّمَاءُ إنَّمَا يُقْصَدُ فِيهَا وَبِإِدَارَتِهَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْإِدَارَةُ مِنْ غَيْرِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْعُرُوض فَهِيَ الَّتِي يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُقْتَنَى مِنْهَا فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَبَيْنَ مَا يُدَارُ مِنْهَا فِي التِّجَارَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ زَكَاةَ الْعُرُوضِ وَهَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ إلَى عُمَّالِهِ وَأَصْحَابِ جَوَائِزِهِ وَأَخَذَ رُزَيْقٌ بِهِ النَّاسَ فِي زَمَانِهِ وَهَذَا مِمَّا يُحَدَّثُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ تَظَلَّمَ مِنْهُ بِسَبَبِهِ وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ بَقَايَا الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَخَالَفَ دَاوُد فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ بِوَجْهٍ كَانَ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُك» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةُ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ مُرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَجَازَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعَيْنِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَالٌ أَصْلُهُ التِّجَارَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ وَمَالٌ أَصْلُهُ الْقِنْيَةُ كَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْأَطْعِمَةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ فَمَا كَانَ أَصْلُهُ التِّجَارَةَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْقِنْيَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ وَمَا كَانَ أَصْلُهُ الْقِنْيَةَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى التِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الِابْتِيَاعُ فَمَنْ اشْتَرَى عَرْضًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ تِجَارَةً فَهُوَ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ. وَمَنْ وَرِثَ عَرْضًا يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ فَهُوَ عَلَى الْقِنْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ عَمَلٌ يَنْقُلُهُ إلَى التِّجَارَةِ فَإِذَا ابْتَاعَهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْعَمَلُ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتِّجَارَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا مَا ابْتَاعَهُ لِلْغَلَّةِ مِنْ الدُّورِ، ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُزَكِّي الثَّمَنَ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ نَافِعٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ حَوْلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْغَلَّةَ نَوْعٌ مِنْ النَّمَاءِ فَالْإِرْصَادُ لَهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ كَرِبْحِ التِّجَارَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَالٌ لَمْ يُرْصَدْ لِلتِّجَارَةِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِلْقِنْيَةِ. (فَرْعٌ) فَأَمَّا إذَا ابْتَاعَهُ لِأَمْرَيْنِ وَجْهٌ مِنْ الْقِنْيَةِ وَوَجْهٌ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِوَطْءٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَإِذَا وَجَدَ بِهَا رِبْحًا بَاعَهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ ثَمَنُهَا فَائِدَةٌ وَرَوَى أَشْهَبُ يُزَكِّي ثَمَنَهَا فَعَلَى هَذَا لِشِرَاءِ السِّلْعَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ الْمَحْضَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلْقِنْيَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ فَهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ إذَا اشْتَرَاهَا لِلْغَلَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ صَرَفَهُ إلَى الْقِنْيَةِ، ثُمَّ بَاعَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ حُكْمُهُ الْقِنْيَةُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ حُكْمُهُ التِّجَارَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَصْلَهُ الْقِنْيَةُ فَأَثَّرَ فِي رَدِّهِ إلَى أَصْلِهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ النِّيَّةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْعُرُوضِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ نَوَى بِهَا الْقِنْيَةَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَثَبَتَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ صَارَ أَصْلًا لَهَا فَرَجَعَتْ إلَيْهِ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ مَا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي قِيمَتِهَا دُونَ عَيْنِهَا وَلَوْ وَجَبَتْ فِي عَيْنِ الْعَرْضِ لَقَالَ رُبُعُ قِيمَةِ الْمَالِ فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ إلَى الْعَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَرْضِ، وَالزَّكَاةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: زَكَاةُ عَيْنٍ وَهِيَ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَزَكَاةُ قِيمَةٍ وَهِيَ زَكَاةُ الْعُرُوضِ الْمُدَارَةِ فِي التِّجَارَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي عَيْنِ الْعَرْضِ وَلَكِنْ يُخْرَجُ قِيمَةُ ذَلِكَ الْعَرْضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَالٍ اُعْتُبِرَ النِّصَابُ فِيهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ كَالْمَاشِيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ الْمُدَارَةَ لِلتِّجَارَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَضَرْبٌ تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَهِيَ الْعُرُوض الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَتَجِبُ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَأَمَّا مَا وُرِّثَ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اُشْتُرِيَتْ لِلْقِنْيَةِ وَنُوِيَ بِهَا التِّجَارَةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَالْمَاشِيَةِ فَإِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَتَا كَانَتَا أَوْلَاهُمَا زَكَاةَ الْعَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَزَكَاةَ الْقِنْيَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَكَانَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ أَوْلَى. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا بَلَغَتْ الْمَاشِيَةُ نِصَابًا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابَ الْمَاشِيَةِ وَبَلَغَتْ نِصَابَ الْقِنْيَةِ ثَبَتَتْ زَكَاةُ الْقِنْيَةِ لِعَدَمِ زَكَاةِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَبَيَانُ أَنَّ النِّصَابَ هُوَ الْعِشْرُونَ دِينَارًا وَقَوْلُهُ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّقْصَ عَنْ النِّصَابِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَذَكَرَ الثُّلُثَ الدِّينَارِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَقَصَتْ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَلَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَعَلَّقَ قَوْمٌ، وَقَالُوا إنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهَا إذَا نَقَصَتْ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَمَا قَالُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُظَنَّ هَذَا بِهِ وَلَوْ أَرَادَ هَذَا لَقَالَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا غَيْرَ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ غَيْرَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُدَارُ مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَدَّقَ مَالَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا بَزًّا أَوْ رَقِيقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ صَدَّقَهُ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَبِعْ ذَلِكَ الْعَرْضَ سِنِينَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَرْضِ زَكَاةٌ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ فَإِذَا بَاعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا وَقَوْلُهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إذَا نَقَصَتْ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا لَا مِثْلَ الْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - " لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ مَا اعْتَقَدَ فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى ذَلِكَ اجْتِهَادًا لِكَسَادِ أَسْوَاقِ الْجِهَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيمَا كَانُوا يَحْمِلُونَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالزَّيْتِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ لِيُكْثِرَ بِذَلِكَ طَعَامَهُمْ وَزَيْتَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَصَدَ بِذَلِكَ الطَّعَامَ وَحْدَهُ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اجْتِهَادًا مِنْهُ وَأَنَّهُ رَأَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ وَمِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسَافِرِ فِي سَفَرِهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا يَحْمِلُونَهُ لِلتِّجَارَةِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُمْ انْتَفَعُوا بِالتِّجَارَةِ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ إذَا انْتَفَعُوا بِالتِّجَارَةِ بِهِ فِي غَيْرِ أُفْقِهِمْ الَّذِي يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَقَامِ وَالتِّجَارَةِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ بَرَاءَةً لَهُمْ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَمَنْعًا مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ إلَى انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَأْتُونَ تُجَّارًا إلَى غَيْرِ أُفُقِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُنْ لَهُمْ بَرَاءَاتٌ إلَى الْحَوْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي يُدَارُ مِنْ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَاتِ عَلَى وَجْهِ الِادِّخَارِ وَانْتِظَارِ الْأَسْوَاقِ إذَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ أَنْ زَكَّى مَالَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْمَالَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَوْلِ، وَإِنْ بَقِيَ عِنْدَهُ أَعْوَامًا فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ زَكَاةً حَتَّى يَبِيعَ فَإِنْ بَاعَ أَدَّى زَكَاةً وَاحِدَةً وَالْإِدَارَةُ فِي كَلَامِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِالْإِدَارَةِ التَّقْلِيبَ فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ هَاهُنَا فَهَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَعْوَامًا حَتَّى يَبِيعَ فَيُزَكِّي لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي: الْبَيْعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ سُوقٍ كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ فَهَذَا يُزَكِّي فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى شُرُوطٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُومُ التَّاجِرُ فِي كُلِّ عَامٍ وَيُزَكِّي مُدِيرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُدِيرٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ أَنْ يُزَكِّيَ أَثْمَانَهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ فَإِذَا نَقَصَتْ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مَالٌ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فِي كُلِّ عَامٍ كَالْعَرْضِ الْمُقْتَنَى وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ أَعْيَانَ الْعُرُوضِ لَا صَدَقَةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» فَإِذَا اشْتَرَى الْعَرْضَ بِذَهَبٍ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ صَرَفَ مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ إلَى مَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ فَمَا دَامَ عَرْضًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ مُفْرَدَةٌ لَا تُؤَثِّرُ وَلَوْ أَثَّرَتْ دُونَ عَمَلٍ لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلْقِنْيَةِ فَنَوَى بِذَلِكَ التِّجَارَةَ وَقَدْ أَجْمَعَنَا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ.

حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ يَبِيعَهَا أَنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةَ حِينَ يَبِيعُهَا إذَا بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ الْحَصَادِ يَحْصُدُهُ الرَّجُلُ مِنْ أَرْضِهِ وَلَا مِثْلَ الْجِدَادِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَا كَانَ مِنْ مَالٍ عِنْدَ رَجُلٍ يُدِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ لَهُ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يُقَوِّمُ فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ وَيُحْصِي فِيهِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَيْنٍ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ زَكَاةَ الْأَثْمَانِ وَلَا يُزَكِّيهِ زَكَاةَ الْحُبُوبِ؛ لِأَنَّ الْحُبُوبَ إنَّمَا تُزَكَّى زَكَاتُهَا عِنْدَ تَنْمِيَتِهَا عَلَى وَجْهِ الْحَرْثِ وَهُوَ الزِّرَاعَةُ وَالتَّنْمِيَةُ بِالتِّجَارَةِ إنَّمَا هِيَ تَنْمِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ جِهَةُ التَّنْمِيَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الزِّرَاعَةِ رُوعِيَ نِصَابُ الْحَبِّ وَكَانَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، وَإِذَا كَانَتْ التَّنْمِيَةُ بِالتِّجَارَةِ رُوعِيَ نِصَابُ الثَّمَنِ وَكَانَتْ الزَّكَاةُ فِي قِيمَةِ الْحَبِّ دُونَ عَيْنِهِ وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ تَنْمِيَتَهَا مِنْ جِهَةِ النَّسْلِ وَالْوِلَادَةِ بَائِنَةٌ فِيهَا مُتَمَكَّنٌ مِنْهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ التِّجَارَةُ فِيهَا بِخِلَافِ الْحَبِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَنْمِيَةُ الزِّرَاعَةِ مَعَ تَنْمِيَةِ التِّجَارَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِلتِّجَارَةِ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ أَوْ التَّمْرَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْعُرُوضِ هَذَا حُكْمُهَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي بَيْعِهَا أَنْ يَنِضَّ فِي يَدَيْهِ ثَمَنُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لِلتِّجَارَةِ يُدِيرُهُ وَلَا يَجْتَمِعُ بِيَدِهِ مِنْهُ عَيْنًا مَا لَهُ مِقْدَارٌ يُقْصَدُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ فِي غَالِبِ حَالِهِ بِالْيَسِيرِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قَدْرِ مَا يَطْلُبُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِهِ تَوْفِيَةً وَلَا يَنْتَظِرُ سُوقَ نَفَاقٍ يَبِيعُ فِيهِ وَلَا سُوقَ كَسَادٍ يَشْتَرِي فِيهِ فَهَذَا الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُدِيرِ وَحُكْمُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ شَهْرًا يَكُونُ حَوْلَهُ فَيُقَوِّمَ فِيهِ مَا بِيَدِهِ مِنْ السِّلَعِ فَيُزَكِّيَ قِيمَتَهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ لَا يُزَكِّيَ أَصْلًا وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَوْ إلَى أَنْ نُكَلِّفَهُ مِنْ ضَبْطِ الْأَحْوَالِ وَحِفْظِهَا مَا لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ وَلَمْ تَلْزَمْ هَذِهِ الْمَشَقَّةُ فَلَا بُدَّ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّقْوِيمِ عِنْدَ الْحَوْلِ وَمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ التَّنْمِيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الشَّهْرُ الَّذِي جَعَلَهُ حَوْلَهُ هُوَ رَأْسُ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ كَانَ زَكَّى الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَهُ أَوْ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ، وَإِنْ كَانَ حَوْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدًا فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُ فَعَلَى حَسَبِهَا اخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا فِي ضَمِّ أَحْوَالِ الْفَائِدَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَجْعَلُ لَهُ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يُقَوِّمُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَى اخْتِيَارِهِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ يُقَوِّمُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَيُحْصِي مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَيْنٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِكَلَامِهِ مَنْ حَالَ حَوْلُهُ وَعِنْدَهُ عَيْنٌ وَعَرْضٌ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ فِي أَكْثَرِ عَامِهِ بِالْعَيْنِ فَأَمَّا إنْ كَانَ يَبِيعُ فِي عَامِهِ كُلِّهِ بِالْعَرْضِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ مُدِيرٌ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي لِمَا يَنِضُّ لَهُ مِنْ الْعَيْنِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ لَيْسَ بِمُدِيرٍ، وَإِنَّمَا الْمُدِيرُ مَنْ يَبِيعُ بِالْعَيْنِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْإِدَارَةَ إنَّمَا هِيَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْتِبَاسِهَا لِتَدَاخُلِهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَنْ يَبِيعُ بِالْعَرْضِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَبِعْ بِعَيْنٍ فِي أَمَدِ حَوْلِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبِيعَ بِهِ كَالْمُدَّخِرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُدَّخِرِ وَالْمُدِيرِ إلَّا أَنَّ الْمُدِيرَ يَبِيعُ بِالْعَيْنِ وَغَيْرِهِ وَالْمُدَّخِرَ يَبْقَى مَالُهُ عَرْضًا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ فَإِذَا بَاعَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَكَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا يَبِيعُ إلَّا بِالْعَرْضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ مَالٌ يُدِيرُهُ وَمَالٌ يَدَّخِرُهُ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ زَكَّى كُلَّ مَالٍ عَلَى حُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَكْثَرِ وَالْأَقَلُّ تَبَعٌ لَهُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ أَدَارَ أَكْثَرَ مَالِهِ زَكَّى جَمِيعَهُ عَلَى الْإِدَارَةِ، وَإِنْ أَدَارَ أَقَلَّهُ زَكَّى كُلَّ مَالٍ عَلَى حُكْمِهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْأُصُولَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَالَانِ فِي الزَّكَاةِ كَانَ أَقَلُّهُمَا تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَارُ أَكْثَرَ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْحَوْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَضَّ لَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ مِنْ جُمْلَةِ مَالٍ كَثِيرٍ لَغَلَبَ حُكْمُ الْحَوْلِ وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَدَارَ تِجَارَتَهُ بَعْضَ الْحَوْلِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُدِيرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا أَدَارَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يُدِيرَ فَلَا يُقَوِّمُ عَرْضَهُ وَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَلَا يُزَكِّي دَيْنَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ أَنْ لَا تُزَكَّى حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّقْوِيمُ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ لِلضَّرُورَةِ وَيَرْجِعُ الْفَرْعُ إلَى الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالْقِنْيَةِ فِيمَا يَرُدُّ إلَيْهَا مِنْ التِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا بَارَ عَرْضُ الْمُدِيرِ أَعْوَامًا فَقَالَ مَالِكٌ يُقَوِّمُ عَرْضَهُ الْبَائِرَ وَدَيْنَهُ الْمُحْتَبَسَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُقَوَّمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْإِدَارَةِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مَالٌ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِدَارَةِ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَلَيْسَ بَوَارُ الْعَرْضِ مِنْ نِيَّةِ الِادِّخَارِ وَلَا مِنْ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ يَعْرِضُهُ لِلْبَيْعِ وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ سُوقَ نَفَاقٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ مَعَ تَعْبِيرِهِ بِالتِّجَارَةِ فَإِذَا بَقِيَ وَلَمْ يَنْتَقِلْ بِالتِّجَارَةِ رَجَعَ إلَى حُكْمِ الِادِّخَارِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٍ فَحُكْمُ الْمُدَّةِ الَّتِي تَبُورُ فِيهَا حَتَّى يَسْقُطَ فِيهِ حُكْمُ الْإِدَارَةِ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ حَدًّا، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ بَارَ عَامَيْنِ بَطَلَ فِيهِ حُكْمُ الْإِدَارَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَامَ الْوَاحِدَ مُدَّةٌ لِلتَّنْمِيَةِ وَالتَّحْرِيكِ فَإِذَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ عَامٌ آخَرُ ثَبَتَ بَوَارُهُ وَحُكِمَ بِبُطْلَانِ حُكْمِ التِّجَارَةِ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُدِيرَ يُقَوِّمُ عَرْضَهُ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَهَلْ تُقَوَّمُ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ تُقَوَّمُ رَوَاهُ عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَتَّى يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ انْفَرَدَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنْمِيَةَ تَحْصُلُ لَهُ بِالتِّجَارَةِ بِالْعَرْضِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِالْعَيْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تُزَكَّى، وَإِنَّمَا تُزَكَّى الْعَيْنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ لِيَكُونَ لَهُ أَصْلًا فِي الزَّكَاةِ فَتَكُونَ قِيمَةُ عُرُوضِهِ تَبَعًا لِذَلِكَ الدِّرْهَمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمُ فَحُكْمُ مِقْدَارِ مَا يَنِضُّ لَهُ حَتَّى يُقَوَّمَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقَوَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَلَا أَعْرِفُ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مُدِيرٌ وَيُرَاعَى أَنَّهُ يَنِضُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ أَقْوَالُهُمْ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ بِمُدِيرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ بِبَيْعِهِ الْعَرْضَ عَنْ حُكْمِ الْإِدَارَةِ وَهُوَ رَأْيُ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ فَبِذَلِكَ يَقَعُ الْخِلَافُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَتَى مَا نَضَّ لَهُ هَذَا الدِّرْهَمُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا يُرَاعَى حُصُولُ الْعَيْنِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ أَحْوَالِ الزَّكَاةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قَبْلَ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَضَّ مِنْ الْعَيْنِ أَقَلُّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ عَيْنٌ أَصْلًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَرْضًا وَيُؤَدِّيَ ثَمَنَهُ فِي زَكَاتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ عَرْضًا بِقِيمَتِهِ مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ عُرُوضِهِ شَاءَ فَيَدْفَعَهُ إلَى أَهْلِ الزَّكَاةِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ

[ما جاء في الكنز]

(ص) : (وَقَال مَالِكٌ وَمَنْ تَجَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ لَمْ يَتَّجِرْ سَوَاءٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ عَامٍ تَجَرُوا فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَّجِرُوا) . مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ فَقَالَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُخْرِجَ إلَّا الْعَيْنَ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ بِالنِّصَابِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَيْنٌ أَدَّى مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَيْنٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيْعُ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ مَنْ يَبِيعُهُ فَتَكُونَ الْأُجْرَةُ زِيَادَةً عَلَى زَكَاتِهِ، أَوْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ فَيَلْزَمُهُ زِيَادَةُ عَمَلٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِزَكَاةِ الْعَيْنِ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ ذَلِكَ الْعَرْضَ بِقِيمَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ مِنْ مَالِهِ أَوْ يُخْرِجُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَرْضَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْهَا وَجَبَ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُدِيرُ يُقَوِّمُ عَرْضَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ بِمَا تُسَاوِي حِينَ تَقْوِيمِهِ لَا يَنْظُرُ إلَى شِرَائِهِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمُرَاعَى فِي الْأَمْوَالِ وَالنُّصُبِ حِينَ الزَّكَاةِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُزَكِّي دُيُونَهُ الدُّيُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ التِّجَارَةَ كَالْعُرُوضِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُزَكَّى وَمِنْهَا مَا أَصْلُهُ التِّجَارَةُ فَهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ يُزَكِّيهِ الْمَدِينُ إذَا كَانَ يَرْتَجِيهِ وَمَا لَا يَرْتَجِيه فَلَا يُزَكِّيهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يُزَكِّي الْمَدِينُ دَيْنَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَدِينَ لَمَّا كَانَ يُزَكِّي عَرْضَهُ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ دَيْنُهُ وَيَجْرِي ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ عَلَى صِفَةٍ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ فَجَازَ أَنْ يُزَكِّيَهُ الْمَدِينُ كَالْعُرُوضِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ كَالْقَرْضِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْمَدِينَ يُزَكِّي دَيْنَهُ فَإِنَّ الدَّيْنَ مُعَجَّلٌ وَمُؤَجَّلٌ فَأَمَّا الْمُعَجَّلُ فَإِنَّهُ يَحْسُبُهُ بِعَدَدِهِ إنْ كَانَ عَيْنًا؛ لِأَنَّ لَهُ قَبْضَهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ أَيَّامًا فَتَأَخَّرَ الْعُرُوض رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقَوِّمُهُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَحُلَّ وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ مَالٌ لَوْ احْتَاجَ إلَى أَدَاءِ دُيُونِهِ مِنْهُ لَاسْتَطَاعَ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُزَكِّيَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ كَالْمَالِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُزَكِّي الْمَدِينُ كِتَابَةَ مُكَاتَبِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهَا فَائِدَةٌ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهَا التِّجَارَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ حَوْلٍ بِهَا بَعْدَ قَبْضِهَا كَالْمِيرَاثِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَمْوَالِ التَّنْمِيَةِ وَمِنْهَا الْعَيْنُ سَوَاءٌ صَرَفَهَا أَهْلُهَا بِتَنْمِيَةٍ أَوْ لَمْ يَصْرِفُوا؛ لِأَنَّ التَّنْمِيَةَ مُمْكِنَةٌ فِيهَا، وَإِنْ تَجَرُوا بِهَا وَنَمَّوْهَا مِرَارًا فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَدْ قَدَّرَهَا الشَّرْعُ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ وَرُبَّمَا أَمْكَنَ تَنْمِيَتُهَا فِي بَعْضِ الْعَامِ وَرُبَّمَا تَعَذَّرَ فِي بَعْضِهِ فَقَدَّرَ الشَّرْعُ هَذِهِ الْمُدَّةَ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ مَنْ تَجَرَ فِي مَالِهِ مِرَارًا وَمَنْ لَمْ يَتَّجِرْ بِهِ أَصْلًا كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ إنَّمَا هِيَ مَرَّةٌ فِي الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَاشِيَةِ مَا يَنْمُو مَرَّتَيْنِ بِالْوِلَادَةِ وَمِنْهَا مَا لَا يَجِبُ جُمْلَةً فَالزَّكَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنْ التَّعْدِيلِ فِي الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الْكَنْزِ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا اسْمٌ مُخْتَصٌّ فِي الشَّرْعِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْكَنْزِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْجَمْعُ وَكُلُّ مَالٍ جُمِعَ فَهُوَ كَنْزٌ لَكِنَّ الشَّرْعَ قَرَّرَ هَذَا الِاسْمَ عِنْدَهُ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ مَنْعِ الْحَقِّ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]

[صدقة الماشية]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُك) . صَدَقَةُ الْمَاشِيَةِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ فَوَجَدْت فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الصَّدَقَةِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَدُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى تِسْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الصَّدَقَةِ تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ إلَّا مَا شَاءَ الْمُصَّدِّقُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَفِي الرِّقَةِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ رُبُعُ الْعُشْرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَوَعَّدَهُمْ تَعَالَى عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى جَمْعِ مَالٍ قَدْ أُدِّيَتْ حُقُوقُهُ وَزَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَمْعُ مَعَ مَنْعُ الزَّكَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَهُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ الزَّكَاةُ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرَةً لِلْأَمْوَالِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَرَرْت عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ قُلْت مَا أَنْزَلَك بِهَذِهِ الْأَرْضِ قَالَ كُنَّا بِالشَّامِ فَقَرَأْت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] قَالَ مُعَاوِيَةُ مَا هَذِهِ فِينَا مَا هَذِهِ إلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ قُلْت إنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَرْبَعَةٌ فَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ فَإِنْ زَادَتْ فَهِيَ كَنْزٌ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ أَوْ لَمْ تُؤَدَّ فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُنِعَ مِنْ ادِّخَارِ كَثِيرِ الْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ خَاصَّةٌ فِيمَنْ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ أَدَّى زَكَاتَهُ وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرَاهَا مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَالْكَنْزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كُلُّ شَيْءٍ جَمَعْت بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُك) . (ش) : قَوْلُهُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ فَيُمَثَّلُ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ الشُّجَاعُ الْحَيَّةُ وَالْأَقْرَعُ ضَرْبٌ مِنْهَا يُقَالُ إنَّهُ أَقْبَحُهَا مَنْظَرًا وَقَوْلُهُ زَبِيبَتَانِ الزَّبِيبَتَانِ زُبْدَتَانِ فِي شِدْقَيْ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ شِدَّةِ كَلَامِهِ وَأَكْثَرُ مَا يَعْتَرِي ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمَ عِنْدَ الضَّجَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوصَفَ الشُّجَاعُ بِذَلِكَ لِتَغَيُّظِهِ عَلَى الْمُفَرِّطِ فِي الزَّكَاةِ وَكَثْرَةُ قَوْلِهِ أَنَا كَنْزُك أَنَا كَنْزُك. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ يَطْلُبُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَّبِعُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يُرِيدُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ أَذِيَّتِهِ وَيَقُولُ لَهُ أَنَا كَنْزُك عَلَى وَجْهِ التَّوْبِيخِ لَهُ وَالتَّقْرِيعِ وَإِظْهَارِ سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِيمَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْهُ مِنْ مَنْعِ الزَّكَاةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَنْزَ هُوَ مَا مُنِعَ مِنْهُ الْحَقُّ. [صَدَقَةُ الْمَاشِيَةِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدُونَهَا الْغَنَمُ يَقْتَضِي أَنَّ الْغَنَمَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْبَعُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ وَقَصًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمَرَّةً قَالَ إنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَمَرَّةً قَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا تَلْزَمُ بِهِ تِلْكَ الصَّدَقَةُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ وَقَصٌ إلَى أَنْ يَتَغَيَّرَ السِّنُّ لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَدُونَهَا الْغَنَمُ وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ. وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِمِقْدَارٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْوُجُوبِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَأَرْشِ الْمُوضِحَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ نِصَابٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ عَفْوٌ كَالْخُمُسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَدَدُ مَا فِيهَا مِنْ الْخَمْسِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الْغَنَمَ هِيَ الْوَاجِبَةُ فِيهَا فَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَاحِدًا مِنْهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَهِيَ شَاةٌ وَالشَّاةُ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ تُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ غَنَمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى غَنَمِهِمْ الضَّأْنَ أَخَذَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى غَنَمِهِمْ الْمَعْزَ أَخَذَ مِنْهَا لَا يَنْظُرُ إلَى مَا فِي مِلْكِهِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَدَّى مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَاعِزٍ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْمِعْزَى وَغَالِبُ غَنَمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الضَّأْنُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُعْطِي مِنْ الْمِعْزَى. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الضَّأْنِ فَمِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْزِ فَمِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّنْفَيْنِ خُيِّرَ السَّاعِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَفِي كُلِّ عَدَدٍ بَعْدَهَا إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ حَدِيثُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ انْتَهَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَدْلٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهَا بِالسِّنِّ وَأَدْنَى مِنْهَا بِالذُّكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ فِي الْأَنْعَامِ فَضِيلَةٌ مِنْ أَجْلِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ ابْنِ لَبُونٍ مَعَ وُجُودِ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَبَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ شُيُوخُنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يُجْمَعُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ لِلْجِنْسِ فَإِنَّ إخْرَاجَ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ كَالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ. وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّيْسُ مِنْ ذَوَاتِ الْعَوَارِ وَهُوَ أَدْوَنُ مِنْ الْفَحْلِ، وَإِنْ رَأَى الْمُصَّدِّقُ أَخَذَهُ وَأَخَذَ ذَوَاتَ الْعَوَارِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ فَعَلَ قَالَ أَشْهَبُ وَرُبَّمَا كَانَتْ ذَوَاتُ الْعَوَارِ أَوْ الْعَيْبُ الْكَبِيرُ أَثْمَنَ وَأَسْمَنَ فَلَا يَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يَرُدَّهَا إنْ أُعْطِيَهَا فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي إخْرَاجِ ابْنِ لَبُونٍ مَعَ وُجُودِ ابْنَةِ مَخَاضٍ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَاشِيَةِ إخْرَاجُهُ وَلَا لِلسَّاعِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْذُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي يَكُونُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْبَدَلِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْمَاشِيَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْزِي عَنْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ السَّاعِي أَنْ يَأْخُذَهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ أَخْرَجَ ابْنَةَ مَخَاضٍ مَكَانَ بِنْتِ لَبُونٍ وَزَادَ ثَمَنًا أَوْ أَخْرَجَ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَأَخَذَ ثَمَنًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عِنْدِي يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ يُجْزِيهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ أَعْطَى بِنْتَ لَبُونٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَعْطَى بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ الثَّمَنِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَلَا يُجْزِئُهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَقَوْلُ أَصْبَغَ ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ الْبَدَلُ فَإِذَا رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ كَانَ قَدْ أَعْطَى أَفْضَلَ مِنْ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَوْ أَعْطَى بِنْتَ مَخَاضٍ مَكَانَ بِنْتِ لَبُونٍ كَانَ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى ثَمَنًا فِي بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا يُمْكِنُهُ إصْلَاحُ ذَلِكَ بِاسْتِرْجَاعِ مَا أَعْطَى مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى أَنْ أَعْطَى فِي الزَّكَاةِ دُونَ الثَّمَنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ الضَّأْنَ عَنْ الْمَاعِزِ وَمَنَعَ إخْرَاجَ الْمَاعِزِ عَنْ الضَّأْنِ قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ بِفَرَاهِيَتِهِ مِثْلَ مَا لَزِمَهُ فِي الضَّأْنِ يُرِيدُ الْقِيمَةَ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَالِكٍ مُوَافَقَتَهُ وَيَحْتَمِلُ مُخَالَفَتَهُ وَيُجِيزُهُ أَشْهَبُ فِي بَعْضِ الْجِنْسِ، وَإِنْ مَنَعَهُ فِي بَعْضِ السِّنِّ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَيُجِيزُهُ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ وَالْجِنْسُ الْوَاحِدُ فِي نَقْصِ الصِّفَاتِ كَذَوَاتِ الْعَوَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ لَا يَكُونُ إلَّا ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْبَيَانَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْهُ لَفْظُ ابْنٍ كَابْنِ عِشْرِينَ وَابْنِ آوَى وَابْنِ فَتْرَةٍ فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ ذَكَرٌ لِئَلَّا يُلْحِقَهُ السَّامِعُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّأْكِيدِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ لَفْظَةُ إلَى لِلْغَايَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ كُلَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الْمَقْصُودُ إلَى بَيَانِهِ وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ فَعَلَى هَذَا الْخَمْسُ وَالْأَرْبَعُونَ لَا يُعْقَلُ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظَيْنِ حُكْمُهَا بِحُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَلَكِنَّهَا تُلْحَقُ بِذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ أَخِيرًا عُلِمَ أَنَّ حُكْمَ الْخَمْسِ وَالْأَرْبَعِينَ حُكْمُ مَا دُونَهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَقَصُ وَاحِدًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ اقْتَضَتْ الْوَقَصَ بَيْنَ الْخَمْسِ وَالثَّلَاثِينَ وَبَيْنَ الْخَمْسِ وَالْأَرْبَعِينَ وَقَصًا ثَانِيًا بَعْدَهُ الْإِجْمَاعُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا وَقَصَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ كَمَا بَعْدَ الْمِائَتَيْ شَاةٍ إلَى الثَّلَاثِمِائَةِ فَإِنَّهُ وَقَصٌ، ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ وَقَصٌ آخَرُ إلَى الْأَرْبَعِمِائَةِ شَاةٍ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ حُكْمَ الْأَعْدَادِ فِي الْغَايَاتِ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي التَّخَاطُبِ فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغُلَامِهِ أَبَحْت لَك مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إلَى الْعَشَرَةِ لَفُهِمَ مِنْهُ إبَاحَتُهُ الْعَشَرَةَ فَمَا دُونَهَا وَلَوْ قَالَ لَهُ أَبَحْت لَك مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَى هَذِهِ الْأُخْرَى تَجْلِسُ فِيهِ لَفُهِمَ مِنْهُ جُلُوسُهُ مَا بَيْنَ الدَّارَيْنِ وَلَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْجُلُوسُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ابْنَةُ الْمَخَاضِ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِابْنَةِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا حَامِلٌ قَدْ مَخَضَ بَطْنُهَا يَعْنِي تَحَرَّكَ وَأَوَّلُ مَا تَلِدُهُ النَّاقَةُ هُوَ حُوَارٌ فَإِذَا كَمَّلَ السَّنَةَ وَفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَصِيلٌ وَهُوَ ابْنُ مَخَاضٍ فَإِذَا أَكْمَلَ السَّنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ فَهُوَ ابْنُ لَبُونٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ لَبُونٍ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ قَدْ وَلَدَتْ وَهِيَ تُرْضِعُ غَيْرَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ الْحِقَّةُ هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا وَطَرُوقَةُ الْفَحْلِ يُرِيدُ أَنَّ الْفَحْلَ يَضُرُّ بِهَا وَهِيَ تُلَقَّحُ وَهَذِهِ الَّتِي قَدْ أَكْمَلَتْ الثَّلَاثَ سِنِينَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ وَلَا يُلَقِّحُ الذَّكَرُ حَتَّى يَكُونَ ثَنِيًّا وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةً الْجَذَعَةُ هِيَ الَّتِي أَكْمَلَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى تِسْعِينَ ابْنَتَا لَبُونٍ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ لِاخْتِلَافِهِمَا بَعْدَ الْخَمْسِ وَعِشْرِينَ إلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ وَالْعَمَلُ فِيهِ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ يَقْتَضِي أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ فَإِنَّ زَكَاتَهُ بِالْإِبِلِ، وَإِنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الْجُمْلَةِ وَعَلَى هَذَا بَنَى أَمْرَ فُرُوضِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَتْ إلَى فَرْضٍ بَطَلَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْحُكْمِ وَرَجَعَ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَلَا مَدْخَلَ لِلْغَنَمِ وَلَا غَيْرِهَا فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ رَجَعَتْ فَرِيضَةُ الْغَنَمِ فَيَكُونُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ وَهَكَذَا فِي كُلِّ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي خَمْسٍ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ حِقَقٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَشَاةٌ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عُمَرَ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الزَّكَاةِ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَعَثَ بِهِ فِي الْآفَاقِ وَأَخَذَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى عَمَّهُمْ عِلْمُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِيهِ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ خَمْسُونَ وَاحِدَةً وَأَرْبَعُونَ مُضَاعَفَةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ فَإِنْ قَالُوا إنَّ قَوْلَهُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا قِيلَ فِيمَا بَعْدَ الْخَمْسِ وَثَلَاثِينَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْخَمْسِ وَالثَّلَاثِينَ مَعَ مَا وَجَبَ فِيمَا قَبْلَهَا وَعَلَى أَنَّهُمْ قَدْ نَاقَضُوا فِي هَذَا فَجَعَلُوا فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَجْعَلُوا فِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ. فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الزِّيَادَةُ دُونَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمَ الْمَزِيدِ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَبْعِينَ حَتَّى يَكُونَ مِائَةً وَسَبْعِينَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِي الزِّيَادَةِ خَمْسُونَ فِيهَا حِقَّةٌ وَأَرْبَعُونَ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَلَمْ يَدُلَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ خَاصَّةً لَمْ يَدُلَّ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا هِيَ مَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَجْعَلُوا فِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَ لَبُونٍ وَفِي سَبْعِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثَ حِقَاقٍ وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ لَا فِي الزِّيَادَةِ مُنْفَرِدَةً وَلَا فِيهَا مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالُوا فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَرْطٌ وَقَوْلُهُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ جَوَابٌ لَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِهِ دُونَ مَا لَيْسَ بِجَوَابٍ لَهُ وَهُوَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْجَوَابُ خَاصًّا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَوَابُ عَامًّا وَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ لِاسْتِنَادِ الشَّرْطِ إلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَلَمْ يُحْمَلْ هَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَوَابُ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ بِنْتَ مَخَاضٍ سِنٌّ لَا يَعُودُ بَعْدَ الِانْتِقَالِ عَنْهُ فَرْضًا بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْمِائَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَعُودَ بَعْدَ الْمِائَةِ فَرْضًا بِنَفْسِهِ كَسِنِّ الْجَذَعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغَنَمَ لَا تَعُودُ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَرْضَ يَتَغَيَّرُ إلَى تَخْيِيرِ السَّاعِي بَيْنَ حِقَّتَيْنِ وَثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ الْفَرْضُ إلَّا بِزِيَادَةِ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْفَرْضَ يَنْتَقِلُ إلَى ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا إلَى التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَعُلِّقَ بِتَخْيِيرِ الْأَسْنَانِ بِالْعَشَرَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ بِالتَّخْيِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُوَافِقًا لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ وَقَصَيْنِ لَا يَتَخَلَّلُهُمَا فَرْضٌ وَهَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَعَلَّقَ انْتِقَالَ الْفَرْضِ عَلَى الْعَشَرَاتِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْهَا وَهَذَا كَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ فَمَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ» فَعَلَّقَ انْتِقَالَ الْفَرْضِ بِالْمِائَةِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا وَاجْتَمَعَ بِذَلِكَ وَقَصَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا فَرْضٌ وَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا قِيَاسٌ فَنَقُولُ إنَّ هَذِهِ مَاشِيَةٌ تُزَكَّى بِالْغَنَمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَقَصَانِ مُتَّصِلَانِ كَالْغَنَمِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ الِانْتِقَالَ يَقَعُ إلَى ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ قَوْلُهُ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَعَلَّقَ الِانْتِقَالَ إلَى هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ الزِّيَادَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْوَاحِدَةُ زِيَادَةٌ فَيَجِبُ الِانْتِقَالُ بِهَا وَيُؤْخَذُ فِي هَذِهِ الْإِبِلِ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَيَجِبُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ السَّائِمَةُ هِيَ الرَّاعِيَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَصَدَ إلَى ذِكْرِ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ عَامَّةُ الْغَنَمِ وَلَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ فِيهَا غَيْرُ سَائِمَةٍ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ السَّائِمَةَ فِي الْغَنَمِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ لِيَنُصَّ عَلَى السَّائِمَةِ وَيُكَلِّفَ الْمُجْتَهِدَ الِاجْتِهَادَ فِي إلْحَاقِ الْمَعْلُوفَةِ بِهَا فَيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَقَالَ فِيهَا إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَفِيهَا شَاةٌ فَنِصَابُ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ وَوَقَصُهَا إلَى تَمَامِ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ يُرِيدُ أَنَّ فِي مِائَتَيْ شَاةٍ شَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ تَغَيَّرَ الْفَرْضُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَفِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ يُرِيدُ أَنَّ فِي مِائَتَيْ شَاةٍ وَشَاةٍ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَكَذَلِكَ فِي الثَّلَاثِمِائَةِ ثُمَّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ فِي الْمِائَتَيْ شَاةٍ وَشَاةٍ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَكَذَلِكَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعٍ وَتِسْعِينَ حَتَّى تَكُونَ أَرْبَعَمِائَةِ شَاةٍ فَيَكُونَ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ انْتِقَالِ الْفَرْضِ عَلَى الْمُبَيَّنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ التَّيْسُ هُوَ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْفُحُولَةِ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِضِرَابٍ وَلَا لِدَرٍّ وَلَا نَسْلٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلنَّسْلِ وَالْهَرِمَةُ الَّتِي قَدْ أَضَرَّ بِهَا الْكِبَرُ وَبَلَغَتْ فِيهِ حَدًّا لَا تَكُونُ فِيهِ ذَاتَ دَرٍّ وَلَا نَسْلٍ وَذَاتُ الْعَوَارِ

[ما جاء في صدقة البقر]

مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْئًا حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQهِيَ ذَاتُ الْعَيْبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَوَارُ بِالْفَتْحِ الْعَيْبُ وَهُوَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ وَأَمَّا بِرَفْعِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْعَوَرِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَرِيضًا أَوْ جَرِبًا أَوْ أَعْوَرَ. فَلَيْسَ عَلَى الْمُصَدِّقِ أَخْذُهُ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ غِبْطَةٌ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ وَأَنَّهَا مَعَ عَيْبِهَا أَغْبَطُ وَأَفْضَلُ مِمَّا يُجْزِي عَنْهُ مِنْ الصَّحِيحِ فَإِنَّ لَهُ أَخْذَهَا وَيُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمَعْنَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا تُيُوسًا أَوْ هَرِمَةً أَوْ ذَاتَ عَوَارٍ فَإِنَّ عَلَى رَبِّ الْغَنَمِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا يُجْزِئُ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُصَدِّقَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَأْخُذُ مِنْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يُخْرَجُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ السَّلَامَةُ كَالضَّحَايَا وَهَذَا الْقِيَاسُ إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ إنَّ ذَا الْعَيْبِ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّالِمَةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا تُجْزِئُ إذَا كَانَتْ أَفْضَلَ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ السَّلِيمَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَقَوْلُهُ وَفِي الرِّقَةِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ رُبُعُ الْعُشْرِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الرِّقَّةُ اسْمُ الْوَرِقِ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْمُ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّ فِي الْمَالَيْنِ رُبُعَ الْعُشْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. [مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ] (ش) : قَوْلُهُ أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا التَّبِيعُ هُوَ الْعِجْلُ الَّذِي فُطِمَ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ تَبِيعٌ وَيَقْوَى عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَكَذَا إذَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّبِيعُ هُوَ الْجَذَعُ مِنْ الْبَقَرِ وَهُوَ الَّذِي أَوْفَى سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى سِنِّهِ فَأَمَّا صِفَتُهُ فِي نَفْسِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَاشِيَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهَا الَّتِي دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ هِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ وَلَا تُؤْخَذُ إلَّا أُنْثَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَقَرُهُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا كُلُّهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إذَا كَانَتْ الْبَقَرُ كُلُّهَا ذُكُورًا أُخِذَ مِنْهَا مُسِنٌّ ذَكَرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَلَمْ يُعْرَفْ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نِصَابٌ وَجَبَتْ فِيهِ مُسِنَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أُنْثَى كَمَا لَوْ كَانَتْ بَقَرُهُ إنَاثًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ بَقَرُهُ إنَاثًا جَازَ فِيهَا مُسِنٌّ ذَكَرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا فَرْضٌ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالْأُنْثَى عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الذَّكَرُ كَبَنَاتِ لَبُونٍ فِي الْإِبِلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأُتِيَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا انْقِيَادًا مِنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَاعَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُقُوفًا عِنْدَ حَدِّهِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا شَيْئًا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِيمَنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ عَلَى رَاعِيَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ أَوْ عَلَى رِعَاءٍ مُفْتَرِقِينَ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى أَنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيُؤَدِّي صَدَقَتَهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الذَّهَبُ أَوْ الْوَرِقُ مُتَفَرِّقَةً فِي أَيْدِي نَاسٍ شَتَّى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا فَيُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ زَكَاتِهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ إنَّهَا تُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ صُدِّقَتْ، وَقَالَ إنَّمَا هِيَ غَنَمٌ كُلُّهَا وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ الضَّأْنُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعْزِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ أَخَذَ الْمُصَّدِّقُ تِلْكَ الشَّاةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ الضَّأْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْزُ أَكْثَرَ أَخَذَ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ أَخَذَ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى أَلْقَاهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ أَمْرًا وَلَا شَيْئًا وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّ الثَّلَاثِينَ نِصَابٌ فِي الْبَقَرِ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ حُكْمٌ فِي هَذَا مَعَ الِاجْتِهَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الِاجْتِهَادَ لِمَا كَانَ يَرْجُوهُ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ النَّصِّ بَعْدَ وَقْتٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ النِّصَابُ فِي الْبَقَرِ إمَّا لِخَبَرٍ مَرْوِيٍّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مُعَاذٍ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ وَإِمَّا بِاجْتِهَادٍ مِنْهَا لِمَا عَدِمْت النَّصَّ فَثَبَتَ النِّصَابُ بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ مُفْتَرِقَةٌ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى فَإِنَّ جَمِيعَهَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ وَيُحْتَسَبُ بِهَا جُمْلَةً فِي زَكَاةِ غَنَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ مِلْكُهُ وَهَذَا مِثْلُ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الذَّهَبُ فِي أَيْدِي نَاسٍ شَتَّى فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ وَيُؤَدِّي عَنْهُ الزَّكَاةَ كَمَا يُؤَدِّي فِيمَا اجْتَمَعَ بِيَدِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يُرَاعَى افْتِرَاقُهُ فِي أَيْدِي نَاسٍ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى اجْتِمَاعُهُ فِي مِلْكِهِ وَجَرَيَانُ الْحَوْلِ فِي جَمِيعِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ يُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا بَلَغَ الصِّنْفَانِ نِصَابَ الْغَنَمِ زَكَّاهَا وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِمَا فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ بَعْضُهَا مَاعِزٌ وَبَعْضُهَا ضَأْنٌ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْغَنَمُ يَقَعُ عَلَى الصِّنْفَيْنِ جَمِيعًا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنْ يُجْمَعَ فِيهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ مَا تَقَارَبَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجِنْسِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَلَسِ وَالزَّبِيبِ وَالسِّمْسِمِ وَالْعِرَابِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبُخْتِ وَالْمَنْفَعَةُ فِي الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ وَاحِدَةٌ فَلِذَلِكَ جُمِعَا فِي الزَّكَاةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُهَا مِنْ أَكْثَرِ جِنْسِ غَنَمِهِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهَا تَبَعٌ لِلْكَثِيرِ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ كَانَ أَخْذُهُ مِنْ الصِّنْفِ الْأَكْثَرِ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَوَى الصِّنْفَانِ كَانَ الْمُصَّدِّقُ بِالْخِيَارِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّ الصِّنْفَيْنِ شَاءَ وَهَكَذَا سُنَّةُ الزَّكَاةِ أَنَّهُ مَتَى اسْتَوَى السِّنَّانِ فِي الْوُجُوبِ وَالْوُجُودِ خُيِّرَ الْمُصَّدِّقُ كَالْخَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَالْأَرْبَعِ حِقَاقٍ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَجَبَتْ شَاتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرْت فَإِنْ تَسَاوَتْ الضَّأْنُ وَالْمَاعِزُ أُخِذَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ شَاةٌ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَتْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ، ثُمَّ نَظَرْت إلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ النِّصَابِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ الشَّاةُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْجِنْسِ الثَّانِي وَكَانَ الْجِنْسُ الثَّانِي مُقَصِّرًا عَنْ النِّصَابِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ضَائِنَةً وَثَلَاثُونَ مِعْزَى فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاتَيْنِ تُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ. فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ الثَّانِي نِصَابًا وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ بَعْدَ النِّصَابِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبْعُونَ ضَائِنَةً وَسَبْعُونَ مِعْزَى فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ شَاةٌ مِنْ الضَّأْنِ وَشَاةٌ مِنْ الْمَعْزِ فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ الثَّانِي أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُقَصِّرٌ عَنْ النِّصَابِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَعِشْرُونَ مِنْ الْبَقَرِ فَعَلَيْهِ تَبِيعٌ مِنْ الْجَوَامِيسِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْعِرَابُ وَالْبُخْتُ يُجْمَعَانِ عَلَى رَبِّهِمَا فِي الصَّدَقَةِ، وَقَالَ إنَّمَا هِيَ إبِلٌ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْعِرَابُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْبُخْتِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى رَبِّهَا إلَّا بَعِيرٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ الْعِرَابِ صَدَقَتَهَا فَإِنْ كَانَتْ الْبُخْتُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ تُجْمَعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى رَبِّهَا، وَقَالَ إنَّمَا هِيَ بَقَرٌ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَتْ الْبَقَرُ أَكْثَرَ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَلَا تَجِبُ عَلَى رَبِّهَا إلَّا بَقَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلْيَأْخُذْ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَتَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْجَوَامِيسُ أَكْثَرَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَتْ فَلْيَأْخُذْ مِنْ أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ جَمِيعًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَبْلَهَا نِصَابُ مَاشِيَةٍ وَالنِّصَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ إمَّا خَمْسُ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ وَإِمَّا ثَلَاثُونَ بَقَرَةً وَإِمَّا أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ خَمْسُ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً، ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهَا إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَى مَاشِيَةٍ قَدْ صُدِّقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُ مَاشِيَتَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَبِيعٌ مِنْ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّبِيعُ الثَّانِي الْبَقَرُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَوَامِيسِ. فَإِنْ كَانَ الْجِنْسُ الثَّانِي نِصَابًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ بَعْدَ النِّصَابِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الضَّأْنِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْمَعْزِ فَهَلْ تُؤْخَذُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَعْزِ أَوْ الضَّأْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُؤْخَذُ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْمَعْزِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ تُؤْخَذُ الشَّاتَانِ مِنْ الضَّأْنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمِعْزَى نِصَابٌ فَلَا يَجِبُ إخْلَاؤُهَا مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَجَبَتْ فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَبَقِيَ مِنْ الضَّأْنِ سِتُّونَ وَمِنْ الْمَعْزِ أَرْبَعُونَ فَكَانَ الْإِخْرَاجُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْجَوَامِيسِ مَعَ عِشْرِينَ مِنْ الْبَقَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْبُخْتَ وَالْعِرَابَ مِنْ الْإِبِلِ تُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا فَرِيضَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بُخْتًا أَوْ بَعْضُهَا بُخْتًا وَبَعْضُهَا عِرَابًا فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ إبِلٍ أَرْبَعٌ مِنْ الْغَنَمِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا مُقَارِبَةٌ مَعَ تَشَابُهِهَا فِي الصُّورَةِ كَالضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فَيُؤْخَذُ الْبَعِيرُ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ أَكْثَرِ النَّوْعَيْنِ كَمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ خُيِّرَ السَّاعِي فَيَأْخُذُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السِّنُّ مَوْجُودًا عِنْدَهُ إلَّا مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ أَخَذَ مِنْهُ مَا وَجَدَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ الْجِنْسَ مِنْ الْجِنْسِ الْآخَرِ فَإِنْ عَدِمَا عِنْدَهُ فَالسَّاعِي مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُكَلِّفَهُ ذَلِكَ السِّنَّ مِنْ أَيِّ الْجِنْسَيْنِ شَاءَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ يُجْمَعَانِ فِي الزَّكَاةِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْجِنْسِ وَالْمَنْفَعَةِ وَحُكْمُهَا إذَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا غَيْرُ تَبِيعٍ أَوْ مُسِنَّةٍ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَجَبَتْ فِي ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ الصِّنْفَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ فِيهَا وَاحِدَةٌ أُخْرِجَتْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَكَانَ ذَلِكَ صَدَقَةً عَنْ الصِّنْفَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْ وَجَبَتْ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ الصَّدَقَةُ صُدِّقَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَفَادَ مَاشِيَةً بِأَيِّ نَوْعٍ أَفَادَهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا يُضَافُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ أَوْ لَا يَكُونَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْوَرِقِ يُزَكِّيهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَرْضًا وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الصَّدَقَةَ فَيُخْرِجُ الرَّجُلُ الْآخَرُ صَدَقَتَهَا فَيَكُونُ الْأَوَّلُ قَدْ صَدَّقَهَا هَذَا الْيَوْمَ وَيَكُونُ الْآخَرُ قَدْ صَدَّقَهَا مِنْ الْغَدِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَاشْتَرَى إلَيْهَا غَنَمًا كَثِيرَةً تَجِبُ فِي دُونِهَا الصَّدَقَةُ أَوْ وَرِثَهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْغَنَمِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنْ مَاشِيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَيْسَ يُعَدُّ ذَلِكَ نِصَابَ مَالٍ حَتَّى يَكُونَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَذَلِكَ النِّصَابُ الَّذِي يُصَدَّقُ مَعَهُ مَا أَفَادَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ نِصَابٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِصَابُ مَاشِيَةٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا أَفَادَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَكُونُ فِي مَالٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ وَأَصْلُ النِّصَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْأَصْلُ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي أَوَّلِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ مَقَادِيرِ الْأَمْوَالِ كَأَنَّهُ أَصْلُ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ فِي الْإِبِلِ خَمْسُ ذَوْدٍ وَفِي الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً وَفِي الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ شَاةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمُفِيدِ لِلْمَاشِيَةِ نِصَابُ مَاشِيَةٍ مِنْ جِنْسِهَا كَانَ حُكْمُ مَا أَفَادَ حُكْمَ النِّصَابِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ وَلَوْ أَفَادَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ السَّاعِيَ لَا يُخْرِجُ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْفَوَائِدُ تَحْدُثُ فِي جَمِيعِ الْعَامِ فَلَوْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْمَوَاشِي فِي عَامِ إفَادَتِهَا شَيْءٌ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ الْمَاشِيَةِ فِي عَامَيْنِ غَيْرُ زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهَا الزَّكَاةَ فِي الْعَامِ الَّذِي اسْتَفَادَهَا رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ بَعْدَ اشْتِرَائِهَا بِيَوْمٍ فَجَرَّ إلَى أَمْرٍ يَكُونُ سَدَادًا أَوْ عَدْلًا بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِينِ فِي الْفَوَائِدِ وَذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ أُضِيفَ إلَيْهِ فَائِدَتُهُ فَزَكَّاهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ لَمْ يُزَكِّهَا إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصَابِ لَهُ أَصْلٌ فِي الزَّكَاةِ فَكَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَجْعَلَ مَا أَفَادَ تَبَعًا لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَى مَاشِيَتِهِ قَدْ صُدِّقَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرِثَهَا فَإِنَّهُ يُصَدِّقُهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ " يُرِيدُ أَنَّ الْمُصَّدِّقَ قَدْ أَخَذَ صَدَقَةَ هَذِهِ الْمَاشِيَةِ عِنْدَ رَبِّهَا الْبَائِعِ لَهَا أَوْ الْمَوْرُوثَةِ مِنْهُ، ثُمَّ صَارَتْ بِالْبَيْعِ أَوْ الْمِيرَاثِ أَوْ الْهِبَةِ بَعْدَ يَوْمٍ إلَى رَجُلٍ آخَرَ عِنْدَهُ نِصَابًا فَيَأْتِيهِ الْمُصَّدِّقُ بَعْدَ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يَحْسُبُهَا عَلَيْهِ مَعَ مَاشِيَتِهِ وَيَأْخُذُ صَدَقَتَهَا مِنْهُ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيهَا عَلَى الرَّجُلَيْنِ بِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَهَذَا عَدْلٌ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ وَالْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَبِيعُ الْمَاشِيَةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمُصَّدِّقُ بِيَوْمٍ فَيَشْتَرِيَهَا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا الْمُصَّدِّقُ فِي هَذَا الْعَامِ شَيْئًا فَإِنَّمَا زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْدِيلِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُ بِالسَّاعِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّ رَبَّهُ يُخْرِجُهُ مَتَى حَالَ حَوْلُهُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْوَرِقِ يُزَكِّيهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَرْضًا وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي عَرْضِهِ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الصَّدَقَةَ فَيُخْرِجُ الرَّجُلُ الْآخَرُ صَدَقَتَهَا فَيَكُونُ الْأَوَّلُ قَدْ صَدَّقَهَا هَذَا الْيَوْمَ وَيَكُونُ الْآخَرُ قَدْ صَدَّقَهَا مِنْ الْغَدِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَعَلَى مَا انْفَصَلَ بِهِ مِمَّنْ أَنْكَرَ فِي الْمَاشِيَةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ مِنْ مَالِكَيْنِ فَانْفَصَلَ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي عَيْنِهِ، ثُمَّ يُزَكِّيه الْيَوْمَ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْغَدَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ الْحَوْلُ لِلتِّجَارَةِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْعَيْنَ الَّذِي زَكَّاهُ بِالْأَمْسِ فَيُزَكِّيه هَذَا الْبَائِعُ الْيَوْمَ فَإِذَا جَازَ هَذَا فِي الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ فَبِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْمَاشِيَةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ضَرُورَةِ السَّاعِي أَوْلَى وَأَحْرَى فَلَا اعْتِبَارَ بِالْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَالَ قَدْ يُقَوَّمُ أَعْوَامًا عِنْدَ مَالِكٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَتَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَالِكِ عَلَى شُرُوطٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ إبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ يَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً صَدَّقَهَا مَعَ مَاشِيَتِهِ حِينَ يُصَدِّقُهَا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْفَرِيضَةِ تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَخَذَ مَكَانَهَا ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا، وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَبْتَاعَهَا لَهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَاشِيَةِ دُونَ النِّصَابِ فَأَفَادَ إلَيْهِ مَاشِيَةً مِنْ جِنْسِ مَا يَضُمُّ إلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ هِيَ فِي نَفْسِهَا نِصَابٌ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّيهَا لِحَوْلِ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَإِنَّمَا يُزَكِّي مَا كَانَ عِنْدَهُ وَمَا أَفَادَ لِحَوْلِ الْفَائِدَةِ أَفَادَهَا وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْفَائِدَةُ لَيْسَتْ بِنِصَابٍ فِي نَفْسِهَا وَلَكِنَّهَا مَبْلَغُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاشِيَةِ النِّصَابُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ فَأَفَادَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِمَّا يُضَافُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْفَائِدَةَ وَالنِّصَابَ لِحَوْلِ النِّصَابِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْدِيلِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمُسْتَحَقِّينَ لِلزَّكَاةِ لِضَرُورَةِ السَّاعِي وَالْحَوْلِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ زَكَاةَ الْفَائِدَةِ لِحَوْلِ النِّصَابِ الَّذِي تَقَدَّمَ مَالِكٌ وَفِي الْمَاشِيَةِ لَهُ أَصَحُّ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَأَحَبُّ إلَيَّ النَّاظِرُ فِيهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ هَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي هَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُحِبُّ هَذَا الْقَوْلَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ زَيْدٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَيْتُ حَسَّانَ أَتَهْجُوهُ وَلَسْت لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ فَقَالَ فَشَرُّكُمَا وَلَا شَرَّ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ سَائِرَ الْأَقْوَالِ لَهَا عِنْدَهُ وَجْهٌ وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ يَقْتَضِي مَحَبَّتَهُ لَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ إلَّا أَنَّ دَلِيلَ هَذَا الْقَوْلِ أَبْيَنُ وَأَرْجَحُ فَتَكُونُ أَفْعَلُ عَلَى بَابِهَا فِي الْمُشَارَكَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ وَوُجِدَ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُجْزِي عِنْدَهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَحَادِيثُ الصَّدَقَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ وَابْنُ لَبُونٍ فِي هَذَا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ لَا عَلَى الْقِيمَةِ بِدَلِيلِ أَنْ يُجْزِيَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ ابْنِ اللَّبُونِ الَّذِي يُؤْخَذُ بَدَلًا مِنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عُدِمَتْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَابْنُ لَبُونٍ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا ابْنَةُ مَخَاضٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ هَذِهِ حَالَةٌ اسْتَوَى فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَابْنُ لَبُونٍ وَكَانَ الْفَرْضُ بِنْتَ مَخَاضٍ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا فُقِدَتَا عِنْدَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَبْتَاعَهَا يَأْتِي بِهَا يُرِيدُ أَنَّهَا إنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حِقَّةٌ أَوْ جَذَعَةٌ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ وَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ قِيمَتُهَا مِنْ الْإِبِلِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَذْهَبٍ أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ «عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبِّ وَالشَّاةَ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَعِيرَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرَ مِنْ الْبَقَرِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يُخْرَجُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ الْقِيمَةُ كَالرَّقَبَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْهُ فِي زَكَاتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ عَدْلًا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَا يُجْزِيهِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَا أَخَذُوهُ فِي الْعُشُورِ وَالْمُكُوسِ بَعْدَ مَحَلِّهَا كَرْهًا وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ

[صدقة الخلطاء]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْإِبِلِ النَّوَاضِحِ وَالْبَقَرِ السَّوَانِي وَبَقَرِ الْحَرْثِ إنِّي أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا وَجَبَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ) . صَدَقَةُ الْخُلَطَاءِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْخَلِيطَيْنِ إذَا كَانَ الرَّاعِي وَاحِدًا وَالْفَحْلُ وَاحِدًا وَالْمُرَاحُ وَاحِدًا وَالدَّلْوُ وَاحِدًا فَالرَّجُلَانِ خَلِيطَانِ، وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ قَالَ، وَاَلَّذِي لَا يَعْرِفُ مَالَهُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِخَلِيطٍ إنَّمَا هُوَ شَرِيكٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالُ دَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ وَكَانَ الَّذِي عِنْدَهُ الدَّيْنُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهُ لَهُ وَيَحْتَسِبَ بِهِ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ يُجْزِئُهُ إذَا أَعْطَاهُ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الصَّغِيرِ تَاوٍ لَا قِيمَةَ لَهُ وَمَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِسَابُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْفَقِيرَ يَحْصُلُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَا أُسْقِطَ لَهُ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِهِ فَأَدَّاهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِبِلَ النَّوَاضِحَ وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ الْآبَارِ لِسَقْيِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَالْبَقَرُ وَالسَّوَانِي وَهِيَ الَّتِي تُسْقَى بِالسَّانِيَةِ لِسَقْيِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَبَقَرُ الْحَرْثِ وَتَجْمَعُ هَذِهِ كُلُّهَا الْعَوَامِلَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهَا كَالسَّائِمَةِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُتَقَدِّمُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ فَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا أَنْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كَثْرَةَ النَّفَقَاتِ وَقِلَّتَهَا إذَا أَثَّرَتْ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِهَا وَتَثْقِيلِهَا وَلَا تُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِهَا وَلَا إثْبَاتِهَا كَالْخُلْطَةِ وَالتَّفْرِقَةِ وَالسَّقْيِ بِالنَّضْحِ وَالسَّيْحِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ إلَّا فِي تَخْفِيفِ النَّفَقَةِ وَتَثْقِيلِهَا وَأَمَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَعَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ لَا يَمْنَعُ عَلَفُهَا مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ. [صَدَقَةُ الْخُلَطَاءِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُلَطَاءَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ وَاقِعٌ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيَجْمَعُونَهَا لِلرِّفْقِ فِي الرَّاعِي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَاشِيَةُ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَيُجْزِي مِنْهَا لِمَاشِيَةِ جَمِيعِهِمْ مَا يُجْزِي مَاشِيَةَ أَحَدِهِمْ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ الْخُلَطَاءُ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الْخَلِيطَ الشَّرِيكُ وَذَكَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَلِيطَ غَيْرُ الشَّرِيكِ وَأَنَّ الْخَلِيطَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ مَاشِيَتَهُ وَأَنَّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَاشِيَتَهُ هُوَ الشَّرِيكُ وَحُكْمُ الْخَلِيطَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ تُصَدَّقَ مَاشِيَتُهُمَا كَأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ لِثَلَاثَةِ رِجَالٍ أَرْبَعُونَ أَرْبَعُونَ وَهُمْ خُلَطَاءُ أُخِذَ مِنْهُمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أُخِذَتْ مِنْ غَنَمِهِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثُلُثِ شَاةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا خُلَطَاءَ لَأُخِذَ مِنْهُمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُرَاعِي الْخُلْطَةَ وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الزَّكَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ لَهُ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزَّكَاةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ. فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا فِي الْخَلِيطَيْنِ تُؤْخَذُ صَدَقَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ مَاشِيَةِ أَحَدِهِمَا فَيَرْجِعُ الَّذِي أُخِذَتْ صَدَقَةُ الْمَاشِيَةِ مِنْ غَنَمِهِ عَلَى صَاحِبِهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ لَمَا تُصُوِّرَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ التَّرَاجُعَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْخُلْطَةُ تَصِحُّ فِي الْمَاشِيَتَيْنِ إذَا كَانَتَا مِمَّا تُضَمُّ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِصَابُ ضَأْنٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلْآخَرِ نِصَابُ مَعْزٍ أَوْ لِأَحَدِهِمَا نِصَابُ إبِلٍ عِرَابٍ وَلِلْآخَرِ نِصَابُ بُخْتٍ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَتَانِ مِمَّا لَا يُضَمُّ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى كَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَلَا خُلْطَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ لَا يَقَعُ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ مُؤْنَتِهِمَا وَالْأَغْرَاضُ فِيهِمَا كَالْمَاشِيَةِ وَالْحَبِّ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَعَانِي الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْخُلْطَةِ خَمْسَةٌ الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالْمُرَاحُ وَالدَّلْوُ وَالْمَبِيتُ فَالرَّاعِي هُوَ الَّذِي يَرْعَاهَا فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ يَرْعَى جَمِيعَ الْغَنَمِ فَقَدْ حَصَلَتْ الْخُلْطَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ رَاعٍ يَأْخُذُ أُجْرَتَهَا مِنْ مَالِكِهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَخْلُو أَنْ يَتَعَاوَنُوا بِالنَّهَارِ عَلَى جَمِيعِهَا أَوْ لَا يَتَعَاوَنُوا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا يَتَعَاوَنُونَ بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا فَهِيَ خُلْطَةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ رُعَاةٌ لِجَمِيعِ الْمَاشِيَةِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَوْ يَفْعَلُونَهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فَلَيْسَتْ بِخُلْطَةٍ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَذِنَ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى حِفْظِهَا؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَلَّةِ بِحَيْثُ يَقُومُ رَاعِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَاشِيَتِهِ دُونَ عَوْنِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى حِفْظِهَا مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْفَحْلُ فَهُوَ الْفَحْلُ الَّذِي يَضْرِبُ الْمَاشِيَةَ فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ فَحْلُهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُجْمَعَ لِضَرْبِ الْمَوَاشِي كُلِّهَا أَوْ لَا يُجْمَعُ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ فَحْلَهُ عَلَى مَاشِيَتِهِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَنْهَا إلَى مَاشِيَةِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانُوا جَمَعُوا الْمَاشِيَةَ لِضِرَابِ الْفُحُولَةِ كُلِّهَا فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ لِارْتِفَاقِهِمْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُحُولِ، وَإِنْ قَصَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحْلَهُ عَلَى مَاشِيَتِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُرَاحُ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَرُوحُ إلَيْهِ الْمَاشِيَةُ وَتَجْتَمِعُ فِيهِ لِلِانْصِرَافِ إلَى الْمَبِيتِ وَقِيلَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُقِيلُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَاحُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ بِكِرَاءٍ أَوْ مِلْكٍ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجُزْءُ يَقُومُ بِمَاشِيَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ دُونَ مَضَرَّةٍ وَلَا ضِيقٍ أَوْ لَا يَقُومُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِمَاشِيَةِ صَاحِبِهِ فَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ لَمْ يُوجَدْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُومُ بِهَا فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ قَدْ حَصَلَ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّلْوُ فَهُوَ الدَّلْوُ الَّذِي تُسْقَى بِهِ الْمَاشِيَةُ فَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْخُلَطَاءُ لِتَخِفَّ مُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الدَّلْوِ. وَقَدْ خَرَّجَ أَصْحَابُنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى الْمِيَاهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِهِمْ مِيَاهٌ يَسْقُونَ بِهَا وَيَمْنَعُونَ مِنْهَا غَيْرَهُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ أَوْ يَكُونَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ مَوْجُودًا بَيْنَ الْأَعْرَابِ فَيَجْتَمِعُ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي فَيَتَعَاوَنُونَ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ يَمْلِكُهُ أَرْبَابُ الْمَاشِيَةِ فَيَكُونُ لَهُمْ السَّقْيُ مِنْهُ وَيَمْنَعُونَ غَيْرَهُمْ مَاءَهُ حَتَّى تُرْوَى مَوَاشِيهِمْ فَيَرْتَفِقُونَ بِالْجَمْعِ فِي حَفْرِهِ وَحِمَايَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْخُلْطَةِ وَلَعَلَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْهُ تَارَةً بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِالدَّلْوِ وَأَمَّا الْمَبِيتُ فَحَيْثُ تَبِيتُ الْمَاشِيَةُ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمُرَاحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الصِّفَاتُ الَّتِي تُخَفِّفُ الْمُؤْنَةَ وَيَحْصُلُ الِارْتِفَاقُ بِالِاخْتِلَاطِ بِهَا فِي تَخْفِيفِ الزَّكَاةِ وَتَثْقِيلِهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا يُخَفَّفُ بِهِ النَّفَقَةُ وَيُثْقَلُ كَالنَّضْحِ وَالسَّيْحِ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا تَحْصُلُ الْخُلْطَةُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا حُصُولُ جَمِيعِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ شَرْطِ الْخُلْطَةِ اجْتِمَاعُ جَمِيعِ صِفَاتِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الْخُلْطَةِ إنَّمَا هُوَ الِارْتِفَاقُ بِاجْتِمَاعِهَا عَلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي قَلِيلِ الْمَاشِيَةِ وَكَثِيرِهَا وَالِارْتِفَاقُ يَحْصُلُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِمَاذَا تَحْصُلُ بِهِ الْخُلْطَةُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الرَّاعِي وَحْدَهُ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْخَلِيطَيْنِ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً فَصَاعِدًا وَلِلْآخَرِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الَّذِي لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي لِابْنِ حَبِيبٍ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَجْمَعْهَا إلَّا فِي الرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَتَفَرَّقَتْ فِي الْبُيُوتِ وَالْمُرَاحِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ صَارَ الْفَحْلُ وَاحِدًا فَضَرَبَ هَذِهِ فَحْلَ هَذِهِ وَهَذِهِ فَحْلَ هَذِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَاعٍ وَاحِدٌ لَمْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ الرَّعْيَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ رَاعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلِمَعْنَى غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِصِنْفَيْنِ أَيَّ صِنْفَيْنِ كَانَ. فَوَجْهُ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مَا يُعْتَبَرُ حَدُّ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ كَانَ الْمُعْتَبَرَ بِاَلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاجْتِمَاعُ وَيَكُونُ الْمُجْتَمِعُ تَبَعًا لَهُ كَالْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ بِالصِّنْفَيْنِ فَمَا زَادَ يَقَعُ الِارْتِفَاقُ الْمُؤَثِّرُ وَمَا قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ فَشَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يَقَعُ بِهِ الِارْتِفَاقُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْخُلْطَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ بِعُرْفِ الشَّرْعِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ وَصْفُنَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ مَاشِيَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ أَوْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ وَلِلْآخَرِ دُونَهُ أَوْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي مَاشِيَتِهِمَا نِصَابٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إذَا بَلَغَتْ مَاشِيَتُهُمَا النِّصَابَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إذَا خَالَطَ غَيْرَهُ أَصْلُهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ خَالَطَ رَجُلًا بِبَعْضِ مَاشِيَتِهِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَتْ غَنَمًا خَالَطَ مِنْهَا بِأَرْبَعِينَ صَاحِبَ أَرْبَعِينَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ بِغَيْرِ خُلْطَةٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يَكُونُ خَلِيطَهُ بِالثَّمَانِينَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ عَلَيْهِ ثُلُثَاهَا وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ لَا يَكُونُ خَلِيطَهُ إلَّا بِمَا خَالَطَهُ بِهِ يُزَكِّي الْمُخْتَلِطَةَ عَلَى حُكْمِ الْخُلْطَةِ فَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ نِصْفُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ إلَّا بِهَا وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثُلُثَا شَاةٍ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَالِكَ لِلثَّمَانِينَ لَمَّا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ وَمُخَالَطَتِهِ بِالْتِمَاسٍ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْأَرْبَعِينَ وَهَذَا الْجَوَابُ الَّذِي جَاوَبَ بِهِ مَالِكٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ فِي الْأَوْقَاصِ الزَّكَاةَ وَعَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ شَيْءٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يُخَالِطْ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الثَّمَانِينَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ فَلَا تَأْثِيرَ لِغَيْرِهَا فِي حُكْمِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَنَّ صَاحِبَ الثَّمَانِينَ لَمْ يُخَالِطْ صَاحِبَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ مَاشِيَتِهِ إلَّا بِأَرْبَعِينَ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا تُؤَثِّرَ خُلْطَتُهُ لَهُ فِي غَيْرِهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِنَّ سَحْنُونًا قَالَ لَوْ لَمْ يُخَالِطْهُ صَاحِبُ الثَّمَانِينَ مِنْ غَنَمِهِ لَثَبَتَ حُكْمُ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ خَالَطَ بِبَعْضِ غَنَمِهِ رَجُلًا وَخَالَطَ بِبَعْضِهَا رَجُلًا آخَرَ وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا نِصَابٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ لَهُ ثَمَانُونَ خَالَطَ بِأَرْبَعِينَ مِنْهَا رَجُلًا وَبِأَرْبَعِينَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ خَلِيطٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثَمَانِينَ فَعَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ شَاةٌ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ ثُلُثُ شَاةٍ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ خَلِيطَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ وَلِلْآخَرِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ كَانَ مَاشِيَةُ الَّذِي لَهُ نِصَابٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ دُونَ مَاشِيَةِ الَّذِي لَا نِصَابَ لَهُ وَحُكْمُهُ فِي زَكَاتِهِ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ وَعَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ مَاشِيَتِهِ خَاصَّةً فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ مَاشِيَةِ الَّذِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ جَمَعَا فِي الصَّدَقَةِ وَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ شَاةٍ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ شَاةً أَوْ أَكْثَرُ فَهُمَا خَلِيطَانِ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى قَدْرِ عَدَدِ أَمْوَالِهِمَا عَلَى الْأَلْفِ بِحِصَّتِهَا وَعَلَى الْأَرْبَعِينَ بِحِصَّتِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا نِصَابَ لَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُدْخِلَ بِمَاشِيَتِهِ مَضَرَّةً عَلَى صَاحِبِ النِّصَابِ أَوْ لَا يُدْخِلَ عَلَيْهِ مَضَرَّةً فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِ مَضَرَّةً فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ يَرْجِعُ بِالشَّاةِ عَلَى الَّذِي لَهُ النِّصَابُ وَالشَّاةُ عَلَيْهِ دُونَ الَّذِي لَا نِصَابَ لَهُ سَوَاءٌ أُخِذَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّاعِيَ إذَا أَعْلَمَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الشَّاةَ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَاصَّا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ بِقَوْلِ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يُرَدُّ حُكْمُهُ وَلَا يُنْقَضُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَا نِصَابَ لَهُ أَدْخَلَ عَلَى صَاحِبِ النِّصَابِ مَضَرَّةً مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ مِائَةُ شَاةٍ وَيَكُونَ لِآخَرَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَأَخَذَ الْمُصَّدِّقُ مِنْهَا ثَمَانِينَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَاخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنْ يَتَرَاجَعَا فِي الثَّمَانِينَ عَلَى قَدْرِ مَاشِيَتِهِمَا. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَكُونُ الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ عَلَى رَبِّ الْمِائَةِ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الشَّاةِ الثَّانِيَةِ بِجَمِيعِ مَوَاشِيهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ حَكَمَ بِهِ هَذَا السَّاعِي وَجَعَلَ الشَّاتَيْنِ فِي الْمَالَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يُنَفَّذَ الْحُكْمُ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ وَجَبَتْ عَلَى رَبِّ النِّصَابِ وَالشَّاةُ الثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ أَخَذَهَا آخِذٌ بِتَأْوِيلٍ فَيَجِبُ أَنْ يَتَرَاجَعَا فِيهِمَا. (ش) : وَهَذَا قَالَ إنَّهُ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ عَلَى سَنَةِ الْخُلْطَةِ فَحُسِبَتْ مَاشِيَتُهُمَا كَأَنَّهَا مَاشِيَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأَخَذَ مِنْهَا مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْثِيرُ الْخُلْطَةِ فَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ أَلْفُ شَاةٍ وَلِآخَرَ أَرْبَعُونَ شَاةً أَخَذَ مِنْهَا عَشْرَ شِيَاهٍ، ثُمَّ يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا تِسْعُمِائَةِ شَاةٍ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ أَخَذَ مِنْهَا تِسْعَ شِيَاهٍ كَمَا كَانَ يُؤْخَذُ لَوْ كَانَا لِرَجُلٍ ثُمَّ يَتَرَاجَعَانِ عَلَى السَّوِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا ضَأْنًا وَمَاشِيَةُ الْآخَرِ مَعْزًا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَأَخَذَ الْمُصَّدِّقُ مِنْ أَكْثَرِهِمَا الشَّاةَ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَالِكٍ وَاحِدٍ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْمِعْزَى رَجَعَ صَاحِبُ الْمِعْزَى عَلَى صَاحِبِ الضَّأْنِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِعْزَى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَأْخُذُ السَّاعِي مِنْ مَاشِيَةِ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ فَاَلَّذِي يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ فَالْوَاجِبُ بِهِ الْقِيمَةُ خَاصَّةً دُونَ الْعَيْنِ، وَاَلَّذِي يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ أَنَّهُ بِمَعْنَى السَّلَفِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ فَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا مَاعِزَةٌ وَكَانَتْ فِي غَنَمِ أَحَدِهِمَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَمِ مِنْ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ بِهِ الْقِيمَةُ دُونَ الْعَيْنِ كَالِاسْتِهْلَاكِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الشَّاةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِمَّنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ فَصَارَ ذَلِكَ سَلَفًا عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إخْرَاجَ شَاةٍ عَمَّا وَجَبَ عَلَى خَلِيطِهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَجِبُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَ إخْرَاجَ الْغَنَمِ فِي الزَّكَاةِ إنَّمَا يُوجِبُ الْعَيْنَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُمَا يَجِبُ أَنْ يَتَسَاوَيَا، وَإِذَا أُخِذَ مِنْ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ وَمِنْ الْآخَرِ قِيمَةٌ لَمْ يَتَسَاوَيَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَا إنَّمَا أَخْرَجَا عَنْ الْمَاشِيَتَيْنِ شَاةً وَاحِدَةً يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِ الشَّاةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ أَيْضًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نِصْفِ الشَّاةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهُوَ لِمَرَدِّ مَذْهَبِهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِنِصْفِ شَاةٍ لَكِنَّهُ لَوْ أَحْضَرَ الشَّاةَ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْهَا بِالْبَيْعِ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الثَّمَنِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْخَلِيطَانِ فِي الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ يَجْتَمِعَانِ فِي الصَّدَقَةِ جَمِيعًا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً قَدْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَنَمِهِ الصَّدَقَةُ فَإِذَا أَظَلَّهُمْ الْمُصَّدِّقُ جَمَعُوهَا لِئَلَّا تَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَّدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت فِي ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْقِيمَةُ فَلَمَّا كَانَ مَرْجِعُهُ إلَى الْقِيمَةِ لَمْ يُكَلَّفْ الْمُسْتَسْلِفُ غَيْرَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أُحْضِرَ غَيْرَ حِصَّتِك مِنْ الشَّاةِ وَأَمَّا حِصَّتِي فَلَا يَلْزَمُنِي إحْضَارُهَا فَلِذَلِكَ رَجَعَ الْأَمْرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى عَنْهُ شَاةً فَقَالَ أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ شَاةٍ إلَيْهِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الشَّاةِ. (فَرْعٌ) وَمَتَى تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي نِصْفِ الشَّاةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ أَخَذَهَا الْمُصَّدِّقُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَثَرِ قَوْلِ أَشْهَبَ وَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ عَلَى هَذَا إلَّا قِيمَةُ نِصْفِ الشَّاةِ يَوْمَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْخُلْطَةَ حُكْمُهَا فِي الْإِبِلِ كَحُكْمِهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْغَنَمِ مِنْ النِّصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ وَمِنْهَا الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ كَالضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَاشِيَةِ مِنْ ذَلِكَ نِصَابٌ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَطَتُهُ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْخُلْطَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَنَمِ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَذْهَبَ إلَى ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ فِي النِّصَابِ الْكَامِلِ وَيَنْفِيَهَا فِيهَا دُونَ النِّصَابِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِبِلِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَثَبَتَ الْحُكْمَانِ بِالدَّلِيلَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ نَفْيَ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ عَلَى حَسَبِ نَفْيِهَا فِي الْإِبِلِ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَفِي الشَّرْطِ الثَّانِي إنَّمَا قَالَ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ إلَّا لِمَنْ يَرَى التَّعَلُّقَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الشَّرْطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْوَارِدِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ لَمَّا كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ تَارَةً بِتَخْفِيفٍ وَتَارَةً بِتَثْقِيلٍ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ وَمُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا لَازِمًا لِلْخُلْطَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ التَّخْفِيفُ دُونَ التَّثْقِيلِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِمُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ التَّثْقِيلُ دُونَ التَّخْفِيفِ فَكَمَا لَيْسَ لِلسَّاعِي إذَا كَانَتْ التَّفْرِقَةُ أَفْضَلَ لِلزَّكَاةِ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَاشِيَةَ الْمُجْتَمِعَةَ، وَإِذَا كَانَ الْجَمْعُ أَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْمَاشِيَةَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَنْ يَفْعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ لَهُمْ وَالْأَخَفُّ عَلَيْهِمْ وَلْيَتْرُكُوا الْمَاشِيَةَ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَوَانِ الصَّدَقَةِ يَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَخْفِيفٍ أَوْ تَثْقِيلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَعَدَّى أَرْبَابُ الْمَاشِيَةِ فَجَمَعُوا الْمُتَفَرِّقَةَ أَوْ فَرَّقُوا الْمَاشِيَةَ الْمُجْتَمِعَةَ لَمْ يُنَفَّذْ لَهُمْ ذَلِكَ وَأُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَوْ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدْ وَجَبَ فِيهَا وَلَزِمَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَغْيِيرُ حُكْمِهَا وَإِسْقَاطُ مَا وَجَبَ فِيهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي كَتَبَ فَرِيضَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ وَفِيهِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَحَدِيثُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَلَكِنْ خَافَ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَ سَتَرَ عَنْهُ بَعْضَ مَاشِيَتِهِ لِيُنْقِصَ عَنْ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمُصَّدِّقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ نَهْيُهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ خَشْيَةِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ إلَّا بِأَمَارَةٍ تَقْوَى بِهَا التُّهْمَةُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ وَالصِّدْقِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِحْلَافُهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ يَنْفِي التُّهْمَةَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ مُرَاعَاةِ الدَّيْنِ وَمَحَبَّةِ تَوْفِيرِ الْمَالِ مِنْ وَجْهِهِ وَغَيْرِ وَجْهِهِ وَتَرْكِ الْإِنْصَافِ فِي مُعَامَلَةِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوَصُّلًا إلَى اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْخُلْطَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ عَلَى ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَرْضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ وَفِيهِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ مِنْ بَعْضِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِ الزَّكَاةِ وَتَكْثِيرِهَا فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي تَأْثِيرِهِ وُجُودٌ فِي جَمِيعِ الْعَامِ كَالسَّقْيِ بِالنَّضْحِ وَالسَّيْحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكَمْ أَقَلُّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ أَوْ الِافْتِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَامٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا لَمْ يَقْرَبْ جِدًّا أَوْ يَهْرُبْ بِذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُكْمِ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يَكُونَ حَوْلُهُمَا وَاحِدًا فَإِنْ حَالَ حَوْلُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ حَوْلُ الْآخَرِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُزَكَّى غَنَمُ الَّذِي لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَيُزَكَّى غَيْرُهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِنِصَابِ الْآخَرِ فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ حَوْلُهُ بِحَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ لَزُكِّيَتْ مَاشِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعِ الْمَاشِيَةِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَفِرَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِالتَّفْرِيقِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَلَا يَصِحُّ الْفِرَارُ عَنْهَا بَعْدَ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا أَصْلُ ذَلِكَ الْفِرَارُ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بَاعَهَا لِلْفِرَارِ فَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ جُهِلَ وَكَانَ فِي بَلَدٍ لَا سُعَاةَ فِيهِ زَكَّى زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي رِقَابِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فِيهِ سُعَاةٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلِ مَجِيءُ السَّاعِي فَإِنْ بَاعَهَا بِجِنْسِهَا مِمَّا يَجْمَعُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِحَوْلِ الْمَاشِيَةِ الْأُولَى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا بَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ بَدَّلَ مَاشِيَتَهُ بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا لِحَوْلِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَبْدَلَ مَاشِيَتَهُ بِجِنْسِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَوَافَقَنَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِحَوْلِ الْأُولَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحُولَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ

[ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة]

مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ ابْن لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ جَدِّهِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَّدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ فَقَالُوا أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذُهَا وَلَا تَأْخُذُ الْأَكُولَةَ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُشْرِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ الْمُرْصَدَةِ لِلنَّمَاءِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَنْمِيَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي تَصَرُّفِهِ بِشِرَاءِ الْعُرُوضِ فَبِأَنْ تَجِبَ فِي تَصَرُّفِهِ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ أَوْلَى وَأَحْرَى وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مَالٌ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا أَبْدَلَ بِمِثْلِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَصْلُ ذَلِكَ الْعَيْنُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا مِمَّا لَا يَجْمَعُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِحَوْلِ الْأُولَى وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُزَكِّيهَا لِحَوْلِ الثَّانِيَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَاتَيْنِ مَاشِيَتَانِ يَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ فَإِذَا أَبْدَلَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لَمْ يَبْطُلْ حَوْلُ الْأُولَى وَزُكِّيَتْ هَذِهِ لِحَوْلِهَا كَالضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَيْنِ مَالَانِ لَا يُجْمَعَانِ فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا أَبْدَلَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ بَطَلَ حَوْلُ الْأُولَى أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَبْدَلَ الدَّرَاهِمَ بِالْمَاشِيَةِ أَوْ الْمَاشِيَةَ بِالْحَبِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ بِالدَّنَانِيرِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ مَاشِيَةً يُزَكِّي الْبَدَلَ لِحَوْلِ الْأُولَى وَهَلْ يُبْطِلُ ذَلِكَ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟ رَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تُزَكَّى لِحَوْلِ الْأُولَى. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَسْتَأْنِفُ بِالثَّانِيَةِ حَوْلَ الْأُولَى. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مَنْ أَبْدَلَ مَاشِيَتَهُ بِغَيْرِهَا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ لِحَوْلِ الْأُولَى بِمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَقُدِّرَ بِهِ مِنْ الْفِرَارِ عَنْ الزَّكَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِك. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَيْنَ الْأُولَى قَدْ اسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ إلَى صِفَةٍ لَا تُضَافُ إلَى الْمَاشِيَةِ الْأُولَى وَصَارَ بِيَدِهِ الثَّمَنُ تُجْرَى فِيهِ زَكَاةُ الْأَثْمَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ حُكْمَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ. [مَا جَاءَ فِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ السَّخْلِ فِي الصَّدَقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا لِأَمْرِ عُمَرَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ وُجُوبَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ لَهُ أَتَعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخْلِ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَالَهُ لَهُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَهُ لَهُ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ فَعَلَهُ بِأَمْرِ عُمَرَ لِيُعَرِّفَهُ بِمَا اعْتَرَضَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمْرِهِ لِيَرَى عُمَرُ فِي اعْتِرَاضِهِمْ رَأْيَهُ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَاعْتِقَادِهِ وُجُوبَهُ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عُمَرَ بِهِ لِيُعْلِمَهُ بِاعْتِرَاضِ النَّاسِ فِيمَا رَآهُ فَأَمْضَى عُمَرُ فِي ذَلِكَ مَا اعْتَقَدَهُ هُوَ أَوْ رَأَى فِيهِ رَأْيَ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْهُ فَوَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فَعَلَهُ سُفْيَانُ أَوَّلًا فَلَزِمَ ذَلِكَ النَّاسَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْعَامَّةَ الَّتِي هِيَ مَصْرُوفَةٌ إلَى الْأَئِمَّةِ لَا يُمْضَى فِيهَا إلَّا مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَيُؤَدِّيه إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ دُونَ رَأْيِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَيُجْزِي ذَلِكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَخَفَّ مِمَّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الِانْقِيَادُ لَهُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ احْتَجَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا صَوَّبَهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهِ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَمُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ وَالنِّصَابُ لَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ مِنْ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فَلَوْ كُلِّفَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَفْضَلِهَا لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ وَلَوْ أُخِذَ مِنْهُ مِنْ أَرْدَئِهَا لَمْ يَنْتَفِعْ مُسْتَحَقُّو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةِ بِمَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ شَاةٍ بَعْضُهَا فَعَدَلَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ وَسَطِ الْمَاشِيَةِ وَلِذَلِكَ بَيَّنَ عُمَرُ مَا تَرَكَ لَهُمْ مِنْ جَيِّدِ الْمَاشِيَةِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَالْأَكُولَةِ وَالرُّبَّى وَالْمَاخِضِ وَمَحَلُّ الْغَنَمِ فِي جَنْبِ الرَّدِيءِ الَّذِي لَا يَأْخُذُ مِنْهُ مِنْ السَّخْلَةِ وَذَاتِ الْعَوَارِ فَكَمَا يَحْسِبُ الْجَيِّدَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَذَلِكَ يَحْسِبُ الرَّدِيءَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إذَا كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا إلَّا مَا يُرْوَى عَمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ إذْ لَا يَحْسُبُ السِّخَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَخَذَ بِهِ صَدَقَةَ النَّاسِ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَ بِخِلَافِهِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ الَّذِي أَنْكَرَ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِعْلَهُ قَدْ خَالَفَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعْهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ أَنْ يَعُدَّ السِّخَالَ. وَإِنَّمَا أَنْكَرَ أَنْ تُعَدَّ وَلَا يُؤْخَذَ مِنْهَا فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اعْتِرَاضًا فِي عَدِّ السِّخَالِ خَاصَّةً وَلَوْ سَلَّمْنَا لَكُمْ الْآخَرَ عَلَى مَا قُلْتُمْ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا احْتَجَّ بِمَا أَبْرَزَهُ مِنْ الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ لَمْ يُرَاجِعْهُ أَحَدٌ فِي دَلِيلِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى صِحَّةِ الدَّلِيلِ وَلَمَّا ثَبَتَ صِحَّةُ الدَّلِيلِ ثَبَتَ صِحَّةُ الْحُكْمِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ مِنْ أَصْلِ مَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ الَّتِي تُجْزِي فِي أَصْلِهِ كَنَمَاءِ الْعَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) ، وَإِذَا قَصَرَتْ الْمَاشِيَةُ عَنْ النِّصَابِ وَكَمَلَتْ نِصَابًا بِالسِّخَالِ عُدَّتْ السِّخَالُ وَأُخِذَتْ الزَّكَاةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَأْنِفُ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ كَمُلَ النِّصَابُ، وَإِنَّمَا يُحْتَسَبُ بِالسِّخَالِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ إذَا كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ نَعَمْ تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ عَيْنِ مَالٍ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَجَازَ أَنْ يَكْمُلَ بِهِ النِّصَابُ أَصْلُ ذَلِكَ نَمَاءُ الْعَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ فُصْلَانًا كُلُّهَا أَوْ بَقَرُهُ عَجَاجِيلَ أَوْ غَنَمُهُ سِخَالًا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَتْ كِبَارًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُخْرِجُ مِنْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ فَرِيضَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصِّغَارِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْكِبَارِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ سِتُّونَ مِنْ الْإِبِلِ فَوَجَبَ فِيهَا حِقَّةٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ بُزُلًا كُلُّهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ الْمَاشِيَةِ الْإِنَاثُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَلَا يُؤْخَذَ الذُّكْرَانُ إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ الْمُصَّدِّقُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤْخَذُ الذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ جَذَعًا كَانَ أَوْ ثَنِيًّا وَلَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ تَيْسٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْجَذَعِ وَالثَّنِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْغَنَمِ لَا يَصْلُحُ لِلدَّرِّ وَلَا لِلنَّسْلِ فَلَمْ يُؤْخَذْ فِي زَكَاتِهَا كَمَا دُونَ الْجَذَعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ إنْ أَجَازَهُ السَّاعِي. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَصْلًا. فَأَمَّا مَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ السَّاعِي فَهُوَ مَا يَبْلُغُ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ فِي الزَّكَاةِ وَيَكُونُ بِهِ عَيْبُ مَرَضٍ أَوْ عَوَرٍ أَوْ جَرَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى السَّاعِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ السَّالِمِ وَأَسْمَنُ أَخَذَهُ، وَإِنْ رَأَى فِيهِ نَقْصًا عَنْ حَقِّهِ تَرَكَهُ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا قَصَرَ عَنْ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَجَازَهُ السَّاعِي إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى إخْرَاجَ الْغَنَمُ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ الْمَقْصُودَيْنِ فِي الْمَاشِيَةِ مَعْدُومَانِ فِيهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَالسِّنُّ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْغَنَمِ الثَّنِيُّ وَالْجَذَعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُؤْخَذُ مَا فَوْقَ الثَّنِيِّ وَلَا مَا دُونَ الْجَذَعِ إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِالْأَفْضَلِ وَالسِّنَّانِ سَوَاءٌ فِي الصَّدَقَةِ جَائِزَانِ فِي الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَكَذَلِكَ مَا يُؤَدَّى مِنْهُمَا مِنْ الْإِبِلِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالسَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ حِينَ تُنْتَجُ وَالرُّبَّى الَّتِي قَدْ وَضَعَتْ فَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا وَالْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ وَالْأَكُولَةُ هِيَ الشَّاةُ اللَّحْمُ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُؤْكَلَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ لَا تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ فَتَتَوَالَدُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْمُصَّدِّقُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ فَتَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِوِلَادَتِهَا قَالَ مَالِكٌ إذَا بَلَغَتْ الْغَنَمُ بِأَوْلَادِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ وَذَلِكَ أَنَّ وِلَادَةَ الْغَنَمِ مِنْهَا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أُفِيدَ مِنْهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَرْضُ لَا يَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ (ثُمَّ يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ أَيْ فَيَبْلُغُ بِرِبْحِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ) فَيُصَدِّقُ رِبْحَهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً أَوْ مِيرَاثًا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ أَوْ وَرِثَهُ قَالَ مَالِكٌ فَغِذَاءُ الْغَنَمِ مِنْهَا كَمَا أَنَّ رِبْحَ الْمَالِ مِنْهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهِ مَالًا تَرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَفَادَ فَلَمْ يُزَكِّهِ مَعَ مَالِهِ الْأَوَّلِ حِينَ يُزَكِّيه حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا وَلَوْ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ كَالضَّحَايَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ غِذَاءُ الْغَنَمِ صِغَارُهَا وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَأْخُذَ السَّاعِي خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَدِيئَهُ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْوَسَطَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَأَمَّا الْفَحْلُ فَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ الَّذِي يَضْرِ بِهَا وَغِذَاءُ الْغَنَمِ هُوَ دُونَهَا فَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا مَوَاخِضَ أَوْ رُبَّى أَوْ أَكُولَةً أَوْ فُحُولًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا وَكَانَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِالسِّنِّ الْوَسَطِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْدِيلِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْفُقَرَاءِ عَلَى مَا قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْغَنَمَ إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَإِذَا بَلَغَتْ بِوِلَادَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْمُصَّدِّقُ النِّصَابَ أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ الْمُصَّدِّقُ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ يُكْمِلُ نِصَابَهَا وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ النَّمَاءَ يُكْمِلُ النِّصَابَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِمَجِيءِ السَّاعِي بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِالْوِلَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهَا الْمُصَّدِّقُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا، ثُمَّ بَلَغَتْ النِّصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَمَاءُ حَوْلٍ آخَرَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَجَعَلَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا جَازَ لَهُ إخْرَاجُهَا وَهُوَ إذَا صَدَّقَهَا السَّاعِي وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى لَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَهُ لَمْ يَضْمَنْ الزَّكَاةَ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ كَالْحَوْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ غَابَ عَنْهَا السَّاعِي حَوْلَيْنِ كَانَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا مُرَاعًى فَإِنْ وَجَدَهَا السَّاعِي بِيَدِهِ أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِلْحَوْلَيْنِ وَصَحَّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا بِيَدِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ قَدْ عَدِمَ وَهَذَا إذَا كَانَ بِبَلَدٍ فِيهِ السُّعَاةُ فَإِذَا كَانَ بِبَلَدٍ لَا سَاعِيَ فِيهِ فَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَوْلٍ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَاشِيَةِ سَاعِي نَفْسِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ الْغَنَمَ إذَا بَلَغَتْ بِوِلَادَتِهَا النِّصَابَ فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَذَلِكَ أَنَّ وِلَادَةَ الْغَنَمِ مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأُمَّهَاتِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْفَائِدَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْفَائِدَةَ لَا يَكْمُلُ بِهَا النِّصَابُ وَيَكْمُلُ بِالنَّسْلِ وَقَاسَهُ مَالِكٌ عَلَى نَمَاءِ الْعَيْنِ مِنْهُ فَإِذَا بَلَغَ الرِّبْحُ مَعَ الْأَصْلِ النِّصَابَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ إلَّا بِفَائِدَةٍ لَمْ يُزَكِّ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ أَنَّ نِصَابَ الْحَوْلَيْنِ يَتِمُّ بِرِبْحِهِ، وَإِنَّمَا سَلَّمَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ سِلْعَةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ بَاعَهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَنْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ يَصِحُّ قِيَاسُنَا عَلَيْهِ.

[العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا]

لِرَجُلٍ غَنَمٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ إبِلٌ تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً صَدَّقَهَا مَعَ صِنْفِ مَا أَفَادَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ يُصَدِّقُهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَفَادَ نِصَابَ مَاشِيَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذَا كُلِّهِ) . الْعَمَلُ فِي صَدَقَةِ عَامَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَإِبِلُهُ مِائَةُ بَعِيرٍ فَلَا يَأْتِيهِ السَّاعِي حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أُخْرَى فَيَأْتِيهِ الْمُصَّدِّقُ وَقَدْ هَلَكَتْ إبِلُهُ إلَّا خَمْسَ ذَوْدٍ قَالَ مَالِكٌ يَأْخُذُ الْمُصَّدِّقُ مِنْ الْخَمْسِ ذَوْدٍ الصَّدَقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَبَتَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ شَاتَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ شَاةً؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ نَمَتْ فَإِنَّمَا يُصَدِّقُ الْمُصَّدِّقُ مَا يَجِدُ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ، وَإِنْ تَظَاهَرَتْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ صَدَقَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ إلَّا مَا وَجَدَ الْمُصَّدِّقُ عِنْدَهُ فَإِنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَاتٌ فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا أَوْ صَارَتْ إلَى مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ فِيمَا هَلَكَ وَمَضَى مِنْ السِّنِينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ حُكْمَ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ الْوَجْهُ الَّذِي قَاسَ فِيهِ الْمَاشِيَةَ عَلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا أَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا وَعِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْفَائِدَةِ فِي الْحَوْلِ حُكْمُ أَصْلِ النِّصَابِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَفِي الْعَيْنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ يُزَكِّي الْفَائِدَةَ لِحَوْلِهَا وَالنِّصَابَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ لِحَوْلِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ إذَا قِيسَ عَلَى الْأَصْلِ لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ فَارَقَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِي أَحْكَامٍ غَيْرِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ فَرْعٍ إلَّا وَهُوَ بِخِلَافِ الْأَصْلِ الَّذِي قِيسَ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ أَحْكَامٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَاسَ إتْمَامَ نِصَابِ الْمَاشِيَةِ بِتَمَامِهَا عَلَى تَمَامِ نِصَابِ الْعَيْنِ بِتَمَامِهِ لِعِلَّةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُكْمِلَ بِهَا نِصَابَهَا كَالْعَيْنِ وَهَذِهِ عِلَّةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّمَاءِ دُونَ الْفَوَائِدِ فَاخْتِلَافُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ لَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهَا فِي الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْفَوَائِدِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَصْلِ وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالسَّاعِي فَإِذَا لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا لِزَكَاةِ الْأَصْلِ لَمْ يُمْكِنْ تَكَرُّرُ السَّاعِي وَنِعْمَتْ الْمَعْدِلَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ زُكِّيَتْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى النِّصَابِ زُكِّيَتْ لِحَوْلِ النِّصَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ حُلُولِ حَوْلِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اعْتِبَارِهِ لِحَوْلِ النِّصَابِ فَتَعَجَّلَ قَبْلَ حُلُولِهِ وَلَا أَنْ يُضَافَ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَيُزَكَّى إلَى أَكْثَرَ مِنْ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْعَمَلُ فِي صَدَقَةِ عَامَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ السَّاعِي وَتَلِفَتْ مَاشِيَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَاشِيَتَهُ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ إلَى الْإِمَامِ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَسَوَاءٌ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ أَوْ أَتْلَفَهَا هُوَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَتْلَفَهَا هُوَ ضَمِنَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً مَجِيءُ السَّاعِي شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقَالَ مَرَّةً هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا: هَلْ الزَّكَاةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ أَوْ بِالْعَيْنِ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَجِيءَ السَّاعِي شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بِمَجِيءِ السَّاعِي فَإِذَا أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَاشِيَتَهُ أَوْ بَاعَ مَا قَصَرَتْ بِهِ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ بِيَدِهِ يَوْمَ غَابَ عَنْهُ السَّاعِي أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ أَوْ نِصَابٌ فَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ، ثُمَّ جَاءَهُ السَّاعِي بَعْدَ أَعْوَامٍ فَوَجَدَ عِنْدَهُ نِصَابًا بِالْوِلَادَةِ أَوْ بِالْمُبَادَلَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُزَكِّي لِلْأَعْوَامِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا نِصَابًا دُونَ سَائِرِ الْأَعْوَامِ وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُزَكِّي لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ مِنْ يَوْمِ كَمَالِ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْلِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا تَعَلُّقَ لِلزَّكَاةِ بِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْأَحْوَالِ كَمَا لَوْ أَتَاهُ السَّاعِي فِي كُلِّ عَامٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّا إذَا كُنَّا نُرَاعِي مَا وَجَدَ السَّاعِي بِيَدِهِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَالتَّقْصِيرِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ فِي تَمَامِهِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَمُلَ النِّصَابُ بِفَائِدَةٍ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا مِنْ يَوْمِ كَمَالِ النِّصَابِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَائِدَةَ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى النِّصَابِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ غَابَ عَنْهُ السَّاعِي وَبِيَدِهِ نِصَابٌ، ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ نِصَابٌ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ أَوْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ عَنْ النِّصَابِ فَإِنْ كَانَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ نِصَابًا فَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ إنَّهُ يُزَكِّي مَا يَجِدُ بِيَدِهِ لِلسِّنِينَ كُلِّهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ يَوْمَ مَجِيءِ السَّاعِي فَإِنْ غَابَ عَنْهُ وَبِيَدِهِ أَرْبَعُونَ شَاةً، ثُمَّ جَاءَهُ وَبِيَدِهِ أَلْفُ شَاةٍ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ أَلْفًا فِي الْأَعْوَامِ كُلِّهَا، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا وَهِيَ أَلْفٌ فَوَجَدَهَا بَعْدَ أَعْوَامٍ وَهِيَ مِائَةٌ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا مِائَةً. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ غَابَ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَوَجَدَهَا أَلْفًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ إنَّهَا صَارَتْ أَلْفًا فِي هَذَا الْعَامِ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا بِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ صَاحِبُهَا أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَيُزَكِّيهَا لِهَذَا الْعَامِ عَلَى مَا يَجِدُهَا عَلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّنَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهَا إذَا زَالَتْ عَنْ يَدِهِ بِإِتْلَافِهِ أَوْ بِغَيْرِ إتْلَافِهِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْدِلَةِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَكَمَا قُلْنَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَلْفُ شَاةٍ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ مَتَى غَابَ عَنْهَا السَّاعِي وَهِيَ أَرْبَعُونَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَهِيَ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ أَلْفًا. وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُزَكِّ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ مَا اسْتَهْلَكُوهُ مِمَّا جَرَتْ فِيهِ الْأَحْوَالُ وَكَمُلَ فِيهِ النِّصَابُ فَبِأَنْ لَا يَلْزَمُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَاشِيَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا غَابَ عَنْهَا السَّاعِي وَهِيَ نِصَابٌ ثُمَّ نَقَصَتْ عَنْ النِّصَابِ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى النِّصَابِ فَوَجَدَهَا السَّاعِي عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهَا وَبُلُوغُهَا النِّصَابَ بِوِلَادَةٍ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ الْبَدَلِ أَوْ بِفَائِدَةٍ فَإِنْ كَانَتْ بِوِلَادَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ لِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَإِنْ كَانَتْ بِفَائِدَةٍ لَمْ يُزَكِّهَا إلَّا يَوْمَ بَلَغَتْ النِّصَابَ إلَى وَقْتِ مَجِيءِ السَّاعِي. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ عَلَى رَبِّ الْغَنَمِ صَدَقَاتٌ غَيْرُ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ إلَّا مَا وَجَدَ الْمُصَّدِّقُ عِنْدَهُ " يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَضَى لَهُ أَعْوَامٌ كَثِيرَةٌ وَمَاشِيَتُهُ فِي جَمِيعِهَا عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ لَوْ جَاءَ الْمُصَّدِّقُ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَّدِّقُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدِّقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا وَجَدَ مِمَّا يَحْتَمِلُ تِلْكَ الصَّدَقَاتِ فَإِنْ نَقَصَ بَعْضُهَا عَنْ الصَّدَقَاتِ كَانَ فِيمَا بَعْدَ الَّذِي يُنْقِصُهَا الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَقِيَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ شَاةً قَدْ غَابَ عَنْهَا عَشَرَةَ أَعْوَامٍ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا إلَّا شَاةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ أَخْذَ السَّاعِي مِنْهَا الشَّاةَ لِعَامٍ يَمْنَعُ أَخْذَ زَكَاةٍ أُخْرَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ قَصَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ النِّصَابِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ لِعَدَمِ شَرْطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ النِّصَابُ قَالَ فَإِنْ وَجَدَ عِنْدَهُ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ شَاةً زَكَّاهَا لِحَوْلَيْنِ شَاتَيْنِ وَسَقَطَ عَنْهُ سَائِرَ الْأَعْوَامِ فَإِنْ وَجَدَ عِنْدَهُ خَمْسِينَ شَاةً زَكَّاهَا لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَإِنْ وَجَدَهَا أَلْفًا زَكَّاهَا عَشَرَةً لِعَامٍ وَتِسْعَةَ أَعْوَامٍ تِسْعَةً وَهَذَا حُكْمُهَا إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ الْمُزَكَّى وَكَانَ الْمَالُ مِمَّا لَا يُزَكَّى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِجِنْسِهِ سَوَاءٌ أَخَذَهَا مِنْهَا أَوْ أَتَاهُ بِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ غَنَمُهُ كُلُّهَا مِمَّا لَا تَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ عَنْهُ حُكْمَ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهَا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْهَا إذَا قَصَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ النِّصَابِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ غَابَ السَّاعِي عَنْ إبِلٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُزَكَّى بِجِنْسِهَا أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ تُزَكَّى بِجِنْسِهَا مِثْلُ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فَتَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا لِأَوَّلِ عَامٍ بِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا وَأَخَذَهَا مِنْهَا زَكَّاهَا لِسَائِرِ الْأَعْوَامِ بِالْغَنَمِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا زَكَّاهَا لِسَائِرِ الْأَعْوَامِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ أَنَّ الْغَنَمَ لَا تُزَكَّى إلَّا بِجِنْسِهَا وَالْإِبِلُ تَارَةً تُزَكَّى بِجِنْسِهَا وَتَارَةً بِغَيْرِ جِنْسِهَا فَإِذَا أُخِذَ مِنْ أَعْيَانِهَا نَقَصَ بِذَلِكَ النِّصَابُ، وَإِذَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْقُصْ بِذَلِكَ النِّصَابُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُزَكِّي بِالْغَنَمِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْغَنَمُ لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ وَلَا يَنْقُصُ فِي ذَلِكَ النِّصَابُ وَلَوْ بِيعَ فِيهَا الْكَثِيرُ مِنْ الْإِبِلِ وَمَا يَنْقُصُ مِنْ الْفَرْضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى هَلَكَتْ الْمَاشِيَةُ كُلُّهَا أَوْ صَارَتْ إلَى مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ يُرِيدُ لِنُقْصَانِهَا مِنْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الزَّكَوَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَجِبُ فِيهَا لَوْ جَاءَهُ الْمُصَّدِّقُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِضَامِنٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَاشِيَةِ لَا تَجِبُ إلَّا لِمَجِيءِ السَّاعِي وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَارًّا بِمَاشِيَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَرَّ بِمَاشِيَتِهِ فَوَجَدَهُ السَّاعِي بَعْدَ أَعْوَامٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا زَادَتْ الْغَنَمُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ زَكَّاهَا لِكُلِّ عَامٍ عَلَى مَا وَجَدَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْغَنَمُ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ زَكَّاهَا لِكُلِّ عَامٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلزَّكَاةِ لِتَعَدِّيهِ بِالْفِرَارِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مِنْ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى حَسَبِ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَكَمَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إنْ نَقَصَتْ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ لِلزِّيَادَةِ إذَا زَادَتْ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ الَّذِي تَغَيَّبَ عَنْهُ السَّاعِي مِنْ غَيْرِ فِرَارِهِ فَإِنَّهُ إذَا زَادَتْ عِنْدَهُ الْمَاشِيَةُ زُكِّيَتْ لِسَائِرِ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَكَانَ أَخْذُهَا مِنْ الْفَارِّ الْمُتَعَدِّي أَوْلَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَخْذِ مِنْ غَنَمِ الْهَارِبِ عَنْ آخِرِ الْأَعْوَامِ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ بِالْأَخْذِ مِنْ أَوَّلِ عَامٍ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَغِيبَ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ بِثَلَاثِمِائَةِ شَاةٍ، ثُمَّ يَجِدُهُ السَّاعِي فِي الْعَامِ الرَّابِعِ بِيَدِهِ شَاةٌ فَعَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَنْ هَذَا الْعَامِ عَشْرُ شِيَاهٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَعْوَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ تِسْعُ شِيَاهٍ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْعَامِ الرَّابِعِ تِسْعُ شِيَاهٍ؛ لِأَنَّ نِصَابَ الْأَلْفِ قَدْ نَقَصَ بِأَخْذِ زَكَاةِ الْأَعْوَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ مِنْ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِتَعَدِّيهِ بِالْفِرَارِ بِزَكَاةِ كُلِّ عَامٍ ضَمَانًا يُوجِبُ تَعَلُّقَهَا بِذِمَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا فَإِذَا ثَبَتَ تَعَلُّقُهَا بِذِمَّتِهِ لَمْ يَنْقُصْ نِصَابُ الْأَلْفِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ لِآخِرِ عَامٍ أَلْفَ شَاةٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا بِالتَّعَدِّي بِمَعْنَى أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا فَأَمَّا مَعَ وُجُودِهَا فَحُكْمُ الزَّكَاةِ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا كَالْغَاصِبِ إذَا غَصَبَ عَيْنًا مِنْ غَنَمٍ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا كَانَ حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِهَا دُونَ ذِمَّةِ الْغَاصِبِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ غَابَ بِأَرْبَعِينَ فَوُجِدَتْ بِيَدِهِ أَلْفًا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَقَالَ إنَّهَا لَمْ تَزَلْ أَرْبَعِينَ إلَى هَذَا الْعَامِ فَهَلْ يُصَدِّقُ أَمْ لَا؟ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَةُ سَائِرِ الْأَعْوَامِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ يُصَدِّقُ فِي ذَلِكَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا قَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُ وَتَبَيَّنَ

[النهي عن التضييق على الناس في الصدقة]

النَّهْيُ عَنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ فَقَالَ عُمَرُ مَا هَذِهِ الشَّاةُ فَقَالُوا شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ نَكِّبُوا عَنْ الطَّعَامِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِرَارُهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِقَوْلِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِسْقُهُ بِاَلَّذِي يُمْضِي عَلَيْهِ الدَّعَاوَى دُونَ بَيِّنَةٍ كَاَلَّذِي عُرِفَ بِجَحْدِ أَمْوَالِ النَّاسِ. [النَّهْيُ عَنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إبَّانِ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمَاشِيَةِ] (ش) : قَوْلُهَا مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِغَنَمٍ مِنْ الصَّدَقَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنْقَلُ بَعْضُ مَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا إذَا اسْتَغْنَى أَهْلُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْحَاضِرَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ تَكُونُ الْحَاجَةُ وَذَلِكَ أَنَّ أَحَقَّ الْمَوَاضِعِ بِالزَّكَاةِ مَوْضِعٌ تُؤْخَذُ فِيهِ وَفِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: فِي إبَّانِ أَخْذِهَا مِنْهَا. وَالثَّانِي: فِي مَوْضِعٍ تُؤْخَذُ فِيهِ الصَّدَقَةُ. وَالثَّالِثُ: فِي مَوْضِعٍ تُفَرَّقُ فِيهِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إبَّانِ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمَاشِيَةِ) . فَأَمَّا إبَّانَ الْخُرُوجِ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ فَهُوَ وَقْتُ طُلُوعِ الثُّرَيَّا مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ إبَّانَ تَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاشِيَةُ عَلَى الْمِيَاهِ لِعَدَمِ الْمِيَاهِ فِي الْجِبَالِ وَالْقِفَارِ مِنْ بَقَايَا الْأَمْطَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهْوَنُ عَلَى الْمُصَدِّقِينَ وَأَمْكَنُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ دُونَ مَضَرَّةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُمْ فِي تَرْكِهِمْ لِلْكَلَأِ وَالرَّعْيِ وَالسَّرْحِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصَّدَقَةِ، وَلِأَنَّ الْمَاشِيَةَ حِينَئِذٍ لَا مَضَرَّةَ لِلِانْتِقَالِ بِهَا لِقُوَّةِ نَسْلِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ وَقْتَ خُرُوجِ السَّاعِي وَجَمِيعِ النَّاسِ هُوَ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مَتَى كَانَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ الْبِلَادِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ لِخُرُوجِ السُّعَاةِ إلَيْهِ لِبُعْدِهِ عَلَيْهِمْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّ حَوْلَ هَذِهِ الْمَاشِيَةِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ يُخْرِجُ زَكَاتَهَا كَزَكَاةِ الْعَيْنِ. وَقَالَ فِي الْأَسِيرِ يَكْتَسِبُ الْمَاشِيَةَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ السَّاعِي فَإِذَا خَلَصَ بِهَا زَكَّاهَا لِمَاضِي السِّنِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِخُرُوجِ السُّعَاةِ إلَيْهِ يُخْرِجُ زَكَاةَ مَاشِيَتِهِ كَمَا يُخْرِجُ زَكَاةَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَسِيرَ مُعْتَقِدٌ لِلْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعِ السَّاعِي مَتَى أَمْكَنَهُ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَأْتِيه السَّاعِي لِبُعْدِ مَكَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الْخُرُوجَ إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَمَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِخُرُوجِ السُّعَاةِ إلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يُخْرِجُونَ فِي سَنَةِ الْخِصْبِ وَأَمَّا سَنَةُ الْجَدْبِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَبْعَثُونَ فِي سَنَةِ الْجَدْبِ. وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يُؤَخِّرُ السُّعَاةُ فِي سَنَةِ الْجَدْبِ، وَإِنْ عَجَفَتْ الْغَنَمُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ السَّاعِي فِي عَامِ جَدْبٍ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَا لَا يَجِبُ فَإِنْ بِيعَ فَلَا ثَمَنَ لَهُ وَذَلِكَ يُجْحِفُ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَنْفَعُ الْمَسَاكِينَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَعْنًى لِسَبَبِ عَجَفِ الْمَاشِيَةِ فَلَا يَمْنَعُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ كَمَرَضِ الْمَاشِيَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَخْرُجُ السُّعَاةُ فِي الْجَدْبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْعِجَافِ عِجَافًا قَالَ مُحَمَّدٌ يَشْتَرِي لَهُ مَا يُعْطِيه. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ صِفَةَ الْغَنَمِ فِي الْعَجَفِ لَا تَنْقُلُ الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ عَيْنِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ سِمَانًا. وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَجَفَ عَيْبٌ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ ذَاتَ عَوَارٍ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُؤْخَذُ فِيهِ الصَّدَقَةُ] 1

[الباب الثالث في الموضع الذي تفرق فيه الزكاة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُؤْخَذُ فِيهِ الصَّدَقَةُ. أَمَّا مَوْضِعُ أَخْذِ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ فَفِي مَوْضِعِ الْمَاشِيَةِ وَلَيْسَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ نَقْلُهَا وَحَمْلُهَا إلَى الْمُصَّدِّقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَهُ مُصَّدِّقِينَ إلَى الْجِهَاتِ وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِجَلْبِ مَوَاشِيهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَيَتَوَلَّى هُوَ تَصْدِيقَهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الضَّرُورَةَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فِي جَلْبِهَا وَجَمْعِهَا لِلصَّدَقَةِ أَشَدُّ مِنْ الضَّرُورَةِ عَلَى الْمُصَّدِّقِينَ فِي طَوَافِهِمْ عَلَى الْمَوَاشِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْحَبِّ يُخْرَجُ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ النَّاسِ حَيْثُ حَصَدُوهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَإِذَا كَانَتْ تُدْفَعُ إلَى فُقَرَاءِ الْجِهَةِ الَّتِي أُخِذَتْ بِهَا فَلَا مَعْنَى لِنَقْلِهَا ثُمَّ تُرَدُّ إلَى مَوْضِعِهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ حَمْلَهُ زِيَادَةً عَلَيْهِمْ فِي الزَّكَاةِ وَرُبَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَلَا مَالٌ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ نِصْفُ مَا حَصَدُوهُ أَوْ أَكْثَرُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُفَرَّقُ فِيهِ الزَّكَاةُ] أَمَّا مَوْضِعُ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَابِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا فُقَرَاءَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ بِالْمَوْضِعِ فُقَرَاءُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَشَدَّ حَاجَةً مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ حَاجَتُهُمْ كَحَاجَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ تَكُونَ حَاجَةُ غَيْرِهِمْ أَشَدَّ فَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُمْ أَشَدَّ أَوْ مُسَاوِيَةً لِحَاجَةِ غَيْرِهِمْ فَأَهْلُ مَوْضِعِ الصَّدَقَةِ أَوْلَى بِصَدَقَتِهِمْ حَتَّى يَغْنَوْا أَوْ لَا يُنْقَلَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ غَيْرِهِمْ أَشَدَّ فُرِّقَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِمَوْضِعِهَا بِمِقْدَارِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَيُنْقَلُ سَائِرُهَا إلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ زَكَاتِهِ إلَى الْعِرَاقِ، ثُمَّ إنْ هَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ فَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ كَثِيرَةً بِمَوْضِعِهِ أَحْبَبْت أَنْ لَا تُبْعَثَ وَهَذَا إبَاحَةٌ لِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَاتِ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي نَقْلَهَا مِنْ عَدَنٍ إلَى الْيَمَنِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ أَهْلَ الْيَمَنِ وَعَدَنَ مِنْ الْيَمَنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُخَاطِبُ بِذَلِكَ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ رَدَّ زَكَاةِ أَغْنِيَائِهِ عَلَى فُقَرَائِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نَقَلَ صَدَقَتَهُ إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْرِقَتُهَا مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ بِبَلَدِ الصَّدَقَةِ أَصْلُهُ إذَا تَوَلَّى قَسْمَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةُ وَلَمْ يَخُصَّ بَلَدًا دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ لَزِمَ إخْرَاجُهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ فُقَرَاءُ بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ آخَرَ كَكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ إخْرَاجِهَا بِمَوْضِعِ الْمَالِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً بِأَرْبَعَةِ أَقَالِيمَ عَشْرَةٌ بِالْأَنْدَلُسِ وَعَشْرَةٌ بِأَفْرِيقِيَّةَ وَعَشْرَةٌ بِمِصْرَ وَعَشْرَةٌ بِالْعِرَاقِ وَكَانَ الْوُلَاةُ عُدُولًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ وَيَدْفَعَ إلَى كُلِّ أَمِيرٍ رُبُعَ شَاةٍ فِي شَاةٍ يُشَارِكُهُ فِيهَا، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ رُبُعَ قِيمَةِ شَاةٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ الْوُلَاةُ غَيْرَ عُدُولٍ فَلْيُخْرِجْ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى مَا أَعْلَمْتُك، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوَاقٍ فِي بِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلْيُعْطِ كُلَّ أَمِيرٍ زَكَاةَ مَالِهِ بِبَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا أَخْرَجَ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ يُرِيدُ فِي كُلِّ بَلَدٍ زَكَاةُ مَالِهِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إلَّا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُلَ زَكَاتَهُ إلَى مَا يَقْرُبُ وَيَكُونَ فِي حُكْمِ مَوْضِعِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَخُصَّ بِذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ مِنْ أَشْجَعَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَأْتِيهِمْ مُصَّدِّقًا فَيَقُولُ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْرِجْ إلَيَّ صَدَقَةَ مَالِكِ فَلَا يَقُودُ إلَيْهِ شَاةً فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ إلَّا قَبِلَهَا) . (ص) : (قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلَ مَحَلَّتِهِ وَلَا جِيرَانَهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَكَذَلِكَ مَا قَرُبَ مِنْهَا وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ إنْ يَكُنْ عَلَى أَمْيَالٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى ضُعَفَاءَ عِنْدَهُ بِالْحَاضِرَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارٍ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَأَمَّا مَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فَلَا تُنْقَلُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَقَلَهُ وَقُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَا تُجْزِئُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ فَإِنْ تَلِفَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ ابْتِدَاءً أَوْ لِلْحَاجَةِ فَمَتَى يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يُرْسِلُ بِهَا قَبْلَ مَحَلِّهَا بِمِقْدَارِ مَا يُمْكِنُ حَوْلُهَا عِنْدَ وُصُولِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرْسَلَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا فَقَدْ أَمْسَكَهَا وَأَخَّرَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ التَّعَدِّي الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الضَّمَانُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ إرْسَالُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بَعْدُ وَقَدْ تَنْقُصُ عَنْ النِّصَابِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ لِأَوَّلِ مَنْ يَلْقَاهُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ وَلَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ يَكْمُلُ الْحَوْلُ وُجُوبًا يَكُونُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ ذَلِكَ سَاعَةً وَاحِدَةً مُتَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِتَأْخِيرِهِ مُدَّةً يَظْهَرُ بِهَا حُكْمُ التَّعَدِّي وَالْإِغْفَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى نَقْلِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَمِنْ أَيْنَ تَكُونُ مُؤْنَةُ مَا يَنْقُلُ مِنْهَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَتَكَارَى عَلَيْهَا مِنْ الْفَيْءِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَتَكَارَى عَلَيْهَا مِنْ الْفَيْءِ وَلَكِنْ يَبِيعُهَا فِي هَذَا الْبَلَدِ وَيَبْتَاعُ عِوَضَهَا فِي بَلَدِ تَفْرِيقِهَا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْفَيْءَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ بِهِ هَذِهِ الزَّكَاةُ وَلَا تُبَاعَ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى عَنْهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِي مَوْضِعِ الْغِنَى عَنْهَا وَابْتِيَاعَهَا فِي مَوْضِعِ نَفَاقِهَا يَذْهَبُ بِأَكْثَرِهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَلِمَنْ سُمِّيَ مَعَهُمْ خَاصَّةً فَلَا يَجِبُ أَنْ يُتَمَّمَ بِالْفَيْءِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ مِقْدَارُ مَا يَخْلُصُ إلَيْهِمْ مِنْهَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ وَهَذَا أَحْوَطُ مِنْ التَّغْرِيرِ بِهَا فِي الطُّرُقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا الْحَافِلُ الَّتِي اجْتَمَعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا فَعَظُمَ ضَرْعُهَا لِذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَقَالَ عُمَرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الصَّدَقَةِ مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ يُرِيدُ أَنَّ أَهْلَهَا كَرِهُوا إعْطَاءَهَا لِمَا رَأَى مِنْ كَرَمِهَا وَكَثْرَةِ لَبَنِهَا وَأَنَّ نَفْسَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ غَيْرُ طَيِّبَةٍ بِإِعْطَائِهَا فِي الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ " لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ " الْفِتْنَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الِاخْتِبَارُ إلَّا أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَصْرِفُ النَّاسَ مِنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ. (فَصْلٌ وَقَوْلُهُ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ الْحَزَرَاتُ وَاحِدَتُهَا حَزْرَةٌ وَقَوْلُهُ نَكِّبُوا عَنْ الطَّعَامِ أَيْ اعْدِلُوا بِأَخْذِكُمْ عَمَّا يَكُونُ مِنْهُ الطَّعَامُ لِأَرْبَابِ الْمَوَاشِي فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ لَا تَطِيبُ بِهَا فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَفِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ» وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَدَّ تِلْكَ الشَّاةَ الْحَافِلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ طَابَتْ بِهَا نَفْسُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَأْتِيهِمْ مُصَّدِّقًا، الْمُصَّدِّقُ الْآخِذُ لِلصَّدَقَةِ الْعَامِلُ عَلَيْهَا فَيَقُولُ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْرِجْ إلَيَّ صَدَقَةَ مَالِكِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ وَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ مَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ شَاةً سَلِيمَةً يَجُوزُ مِثْلُ سِنِّهَا فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ دُونَ الْمُصَّدِّقِ.

[آخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها]

مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُضَيَّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي زَكَاتِهِمْ وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا دَفَعُوا مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ) . آخِذُ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» ) . (ص) : (مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي وَعَسَى أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَيُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ حَيْثُمَا كَانَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ تَجِبُ مُسَامَحَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي الزَّكَاةِ وَأَخْذُ عَفْوِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمِمَّنْ خَرَجَ مُصَّدِّقًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ أَيَقْسِمُ الْمُصَّدِّقُ الْمَاشِيَةَ وَيَقُولُ لِصَاحِبِهَا آخُذُ مِنْ أَيُّهَا شِئْت فَقَالَ لَا وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْيِينَ لِصَاحِبِ الْمَاشِيَةِ كَسَائِرِ الزَّكَاةِ. [آخِذُ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا] (ش) : وَقَوْلُهُ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ» يُرِيدُ صَدَقَةَ الْأَمْوَالِ الْوَاجِبَةَ فِيهَا لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَمْ يُرِدْ الصَّدَقَةَ الْمُبْتَدِلَةَ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ فَإِنَّ تِلْكَ بِمَنْزِلَةِ الْهَدِيَّةِ تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِخَمْسَةٍ، ثُمَّ فَسَّرَ فَقَالَ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَكَرَهُمْ فَبَيَّنَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ مَعَ كَوْنِهِمْ أَغْنِيَاءَ، وَإِنْ كَانَ وَجْهُ إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ تَخْتَلِفُ فَأَمَّا الْغَازِي فَمُبَاحَةٌ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعُونَةِ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَرُبَّمَا كَانَ غِنَاؤُهُ يَبْلُغُ بِهِ الْعَدَدَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مِنْهُ مَا يَقْوَى بِهِ فِي نِهَايَةِ فَرَاهَةِ فَرَسِهِ وَجَوْدَةِ سِلَاحِهِ وَآلَتِهِ وَلَيْسَ كُلُّ غِنًى يَبْلُغُ بِهِ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْغِنَى مَا يُبَلِّغُهُ النِّهَايَةَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَضُرُّ بِحَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ إبْقَاءً لِمَالِهِ وَالْمُسْلِمُونَ مَحَاوِيجُ إلَى غَزْوِهِ وَنُصْرَتِهِ وَأُبِيحَ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ لِيَبْلُغَ مِنْ غَزْوِهِ بِهَا مَا لَا يَبْلُغُهُ بِمَالِهِ وَأَمَّا الْعَامِلُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ مِنْ عَمَلِهِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الْإِجَارَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ هَاشِمِيٍّ أَوْ ذِمِّيٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى حِرَاسَتِهَا وَسَوْقِهَا لَمَّا كَانَتْ تِلْكَ إجَارَةً مَحْضَةً وَأَمَّا الْغَارِمُ فَإِنَّمَا تُدْفَعُ إلَيْهِ مَعُونَةً عَلَى غَرَامَتِهِ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَسَيَأْتِي وَصْفُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ وَذِكْرُ أَحْكَامِهِمْ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا مَنْ ذَكَرْنَا فَمَنْ أَعْطَاهَا غَنِيًّا عَالِمًا بِغِنَاهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَمَنْ أَعْطَاهَا جَاهِلًا بِغِنَاهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ فِيهِ الْفَقْرَ فَهَلْ تُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَضْمَنُ إنْ دَفَعَهَا لِغَنِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ. وَقَالَ فِي الْأَسَدِيَّةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَجْهُ إثْبَاتِ الضَّمَانِ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَالْمَاشِي فِي الطَّرِيقِ يَطَأُ ثَوْبَ غَيْرِهِ فَيَخْرِقُهُ. وَوَجْهُ نَفْيِ الضَّمَانِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ فَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ كَالْوَكِيلِ عَلَى دَفْعِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا الصَّدَقَةُ قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا بِدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ، ثُمَّ ابْتَاعَهَا الْغَنِيَّ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْفَقِيرُ فَإِنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِ بِوَجْهِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا وَكَمُلَ فِيهَا أَدَاءُ فَرْضِ الزَّكَاةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ قَسْمَ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي وَذَلِكَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ يَجُوزُ وَضْعُ الصَّدَقَاتِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] فَأَتَى بِلَفْظِ الْحَصْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ إعْطَاءِ الصَّدَقَاتِ لِغَيْرِهِمْ فَأَمَّا الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِمَا فَقَالَ مَالِكٌ إنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ الْبُلْغَةُ مِنْ الْعَيْشِ لَا تَقُومُ بِهِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ فَالْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: الْفَقِيرُ الْمُتَعَفِّفُ عَنْ السُّؤَالِ مَعَ حَاجَتِهِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالطُّرُقِ وَهُوَ السَّائِلُ وَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ فَجَعَلَ لِلْفَقِيرِ بُلْغَةً مِنْ الْعَيْشِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّكُونِ وَالْفَقِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَسْرِ الْفَقَارِ، وَاَلَّذِي سَكَنَ فَلَا يَتَحَرَّكُ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْ الْمَكْسُورِ الْفَقَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَحَرِّكٌ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الْفَقِيرُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقُرْت لَهُ فُقْرَةً مِنْ مَالٍ أَيْ أَعْطَيْته فَالْفَقِيرُ عَلَى هَذَا الَّذِي لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ مَالٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ صِفَةَ الْفَقِيرِ الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُعْطَاهَا مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا وَرَأْسٌ وَرَأْسَانِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْعِيَالِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ قَدْرُ حَاجَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ دُونَ النِّصَابِ وَرَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ يَفْضُلُ لَهُ مِنْ ثَمَنِ دَارِهِ عِشْرُونَ دِينَارًا لَمْ يُعْطَ مِنْ الزَّكَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ النِّصَابِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْغِنَى يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَهُ الْمَالُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالسُّؤَالِ فَلَا يَكْفِيه مَا يَكْفِي مَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالِابْتِدَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ الْعِيَالُ الْكَثِيرُ وَالْوَلَدُ مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِاقْتِيَاتِ دُونَهُ فَلَا يَكْفِيهِ مَا يَكْفِي الْمُفْرَدَ وَذَا الْعِيَالِ الْيَسِيرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غِنَى الْمُفْرَدِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ غَيْرَ غِنَى الْمُعِيلِ الَّذِي كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَجِّ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُمْ غَيْرُ الَّذِي يُدْفَعُ إلَيْهِمْ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَلَهُ عِيَالٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا غِنًى يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِهَا كَالنِّصَابِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ الضَّعْفُ عَنْ التَّكَسُّبِ وَالْعَمَلِ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْطَى الْقَوِيُّ عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةُ وَهَذَا عَامٌّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ صِفَاتِ الْفَقِيرِ الْمُسْتَحِقِّ لِلزَّكَاةِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ قَدْ تَقَعُ فِيهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ دُونَ الْفَرْضِ وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ الْأَبْهَرَيَّ يَقُولُ قَدْ حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَاتُ كُلُّهَا فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ وَقَدْ جَعَلَ تَمْرَةً مِنْ الصَّدَقَةِ فِي فِيهِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ» . (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ نَافِعٍ وَأَصْبَغَ أَنَّ جَمِيعَ الزَّكَوَاتِ الْوَاجِبَةِ كُلُّهَا وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ تَجُوزُ لَهُمْ دُونَ الْفَرْضِ هُوَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ، ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَثْنِي بَنِي أَبِي لَهَبٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ هُمْ عَشِيرَتُهُ الْأَقْرَبُونَ نَادَاهُمْ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] وَهُمْ آلُ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ وَآلُ هَاشِمٍ وَآلُ عَبْدِ مَنَافٍ وَآلُ قُصَيٍّ وَبَنُو غَالِبٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْآلُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَقَارِبِ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَيْنَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ أَعْطَاهَا بَنِي هَاشِمٍ لَمْ تُجْزِهِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَوَالِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَدْخُلُونَ فِيهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ نَافِعٍ وَأَصْبَغَ مَوَالِيهمْ مِثْلُهُمْ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ قَالَ أَصْبَغُ احْتَجَجْت عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْحَدِيثِ مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ فَقَالَ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» فَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْمَوَالِي، وَإِنَّمَا تَفْسِيرُ مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ فِي الْحُرْمَةِ وَالْبِرِّ مِنْهُمْ بِهِمْ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» يُرِيدُ فِي الْبَرِّ وَالطَّوَاعِيَةِ لَا فِي الْقَضَاءِ وَاللُّزُومِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا فَهُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُعْطَوْنَ بِقَدْرِ الْمَسْعَى فِي قُرْبِهِ وَبُعْدِهِ وَبِقَدْرِ غِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ عَمَلِهِ إلَّا أَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا عَمِلَ فِيهِ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَسَاءَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَاسْتَرْجَعَ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا حَكَى ذَلِكَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَ. وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ قَوْمٌ ذُو وَعْدٍ وَسَعَةٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى الْأَدَاءِ أَجَابُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ نُفُوسِهِمْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ شُيُوخُنَا وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ تَمَكَّنَ مِنْ نُفُوسِهِمْ غَيْرَ أَنَّ الطَّاعَةَ لِأَحْكَامِهِ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَأْلِفُهُمْ بِالْعَطَاءِ وَيُحَبِّبُ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ وَيَكُفُّ بِهِ أَذِيَّتَهُمْ وَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا الصِّنْفُ لَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرِّقَابُ فَهِيَ أَنْ يُشْتَرَى مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ رِقَابٌ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُ الْعِتْقُ مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا مَنْ يُجْزِئُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ يُرِيدُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَامَةِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ زَكَاتِهِ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجَ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ إنَّمَا الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] فِكَاكُهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَفِي الرِّقَابِ قَالَ الْمُكَاتَبِينَ. وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ زَكَاتِهِ الْمُكَاتَبَ مَا يُتِمُّ بِهِ عِتْقَهُ أَوْ فِي قُطَاعَةِ مُدَبَّرٍ مَا يُعْتَقُ بِهِ وَهُمَا لَا يُعْتَقَانِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عِتْقٌ يَنْفُذُ عَلَى وَجْهٍ إذَا وَجَبَ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ كَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ فِي الْكَفَّارَةِ اُعْتُبِرَ فِي عِتْقِ الزَّكَاةِ كَالْإِسْلَامِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ أُعْتِقَ مِنْ الزَّكَاةِ يَعْتِقُونَ عَنْ جَمِيعِ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدٌ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ رِقَابًا وَأَعْتَقَهَا لِيَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ زَكَاتِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمْسَكَ بِهِ حِينَ أَبْقَى الْوَلَاءَ لَهُ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَتَهُ أَوْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ فَأَنْفَذَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ الْآمِرَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْغَارِمُونَ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ ادَّانَ فِي غَيْرِ سَفَهٍ وَلَا فَسَادٍ وَيَكُونُ مَعَهُمْ أَمْوَالٌ هِيَ بِإِزَاءِ دُيُونِهِمْ فَيُعْطَوْنَ مَا يَقْضُونَ بِهِ دُيُونَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَفَاءٌ فَهُمْ فُقَرَاءُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَارِمُونَ فَأُعْطُوا بِالْوَصْفَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْغَارِمِ فَمَرَّةً قَالَ يُعْطَى إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَمَرَّةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ لِلْغَارِمِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَا أُعْطِيَ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَفَافُ دَيْنِهِ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَلَا يُفْصِحُ. وَجْهُ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] فَذَكَرَ الْغَارِمِينَ مَعَ الْفُقَرَاءِ وَعَطَفَهُمْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ. (فَرْعٌ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغَارِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّنْ تُنْجَزُ حَالُهُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَيَتَغَيَّرُ بِتَرْكِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَهُ أُصُولٌ يَسْتَغِلُّهَا وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فَيَرْكَبُهُ دَيْنٌ يُلْجِئُهُ إلَى بَيْعِهَا وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا خَرَجَ عَنْ حَالِهِ فَهَذَا يُؤَدَّى دَيْنُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ مِنْ الِابْتِذَالِ وَالسَّعْيِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمْوَالَ النَّاسِ لِيَكُونَ مِنْهَا دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ غَارِمًا مَا يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ عَنْ هَذَا لَا يُغَيِّرُ وَلَا يَضْطَرُّهُ مَنْعُهُ مِنْ الِابْتِذَالِ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ عَادَتِهِ وَلِلْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ تَأْثِيرٌ فِي إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] فَهُوَ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ قَالَهُ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الْحَجُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْغَزْوُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 190] وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِلْغَازِي، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يُغْنِيهِ وَهُوَ غِنَى يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعْطَى لِلْغَازِي الْغَنِيِّ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَقَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ» فَبَدَأَ بِالْغَازِي وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُهَا مَعَ الْغَنِيِّ كَالْعَامِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَهُوَ الْمُسَافِرُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ دَابَّةً وَلَا مَا يُكْرِيهَا بِهِ، وَقَالَ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ ابْنُ السَّبِيلِ يَكُونُ مُبْتَدِئًا لِسَفَرِهِ وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَدِيمًا لَهُ فَأَمَّا الْمُبْتَدِئُ لِسَفَرِهِ فَهُوَ الْغَرِيبُ يَكُونُ بِالْبَلَدِ لَهُ فِيهِ مُدَّةٌ، ثُمَّ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ فَهَذَا مُبْتَدِئٌ لِسَفَرِهِ وَأَمَّا الْمُسْتَدِيمُ لَهُ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُسْتَدِيمِ السَّفَرِ وَأَمَّا مُبْتَدِئُهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ هَذَا مُرِيدٌ لِلسَّفَرِ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ كَالْمُسْتَدِيمِ وَتَبْيِينُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَدِيمَ لِلسَّفَرِ إنَّمَا يَأْخُذُهُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا الْمَاضِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يُغْنِيهِ وَكَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُغْنِيه وَكَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] وَهَذَا عَامٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صِنْفٌ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لِمَعْنَى سَفَرِهِ فَجَازَ صَرْفُهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيه كَالْغَازِي. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسَافِرَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ابْنَ السَّبِيلِ أَنْ يَتَسَلَّفَ إذَا كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْغِلَ ذِمَّتَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْرَائِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ الِاجْتِهَادُ لِلْخَلِيفَةِ بَلْ جَعَلَ فِيهِ حَظًّا لِمَنْ يَلِيه وَهَذَا؛ لِأَنَّ وَالِيَ كُلِّ بَلَدٍ أَعْلَمُ بِوُجُوهِ مَصَالِحِهِ الْخَاصَّةِ فَلِذَلِكَ كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاجْتِهَادُ فِيهِ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي يُرِيدُ بِالْحَاجَةِ أَنْ يَكُونُوا أَشَدَّ فَقْرًا مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَكْثَرَ عَدَدًا وَأَقَلَّ مَرَافِقَ وَالْإِيثَارُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْطَى صِنْفُ الْحَاجَةِ الْأَكْثَرَ وَيُعْطَى غَيْرُهُمْ الْأَقَلَّ. وَالثَّانِي: أَنْ يُعْطَى صِنْفُ الْحَاجَةِ الْجَمِيعَ وَلَا يُعْطَى غَيْرُهُمْ شَيْئًا وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِي مَعَ وُجُودِ الْأَصْنَافِ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ إلَى جَمِيعِهِمْ فَإِنْ عَدِمُوا جَازَ أَنْ يَدْفَعَ الْجَمِيعُ إلَى مَنْ وُجِدَ إلَّا الْعَامِلَ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْجَمِيعِ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْفَقِيرِ فَجَازَ أَنْ يُخَصُّوا بِهَا كَالْكَفَّارَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَسَى أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ إلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ يُرِيدُ الْعَطَاءَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الشِّدَّةَ وَالْحَاجَةَ لَا تَبْقَى عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ وَيَكُونُ الْعَطَاءُ لِكُلِّ إنْسَانٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقِلَّةِ سُؤَالِهِ وَمَا يُعْرَفُ مِنْ صَلَاحِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا كَثْرَةُ الْعِيَالِ فَإِنَّ حَاجَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَكْثَرُ وَغَنَاءُ مَا يَدْفَعُ إلَيْهِ عَنْهُ أَقَلُّ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عِيَالِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَإِذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ وُجُوبٌ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ وَأَمَّا قِلَّةُ التَّصَرُّفِ فَإِنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ أَقْدَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَتَنْمِيَةِ مَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ غَيْرِهِ الَّذِي لَا تَصَرُّفَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ بِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فَهَذَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الضَّيَاعُ وَيَتَعَجَّلُ إتْلَافَ مَا بِيَدِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالزِّيَادَةِ وَأَمَّا قِلَّةُ السُّؤَالِ فَإِنَّ فِي السُّؤَالِ نَوْعًا مِنْ الِاكْتِسَابِ فَالسَّائِلُ يَسْتَعِينُ بِسُؤَالِهِ، وَاَلَّذِي لَا يَسْأَلُ يَشْتَدُّ أَمْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ مِنْ الْعَطَاءِ وَالسُّؤَالُ مَكْرُوهٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُعَانَ هَذَا الَّذِي لَا يَسْأَلُ عَلَى مَا الْتَزَمَ مِنْ تَرْكِ السُّؤَالِ وَأَمَّا صَلَاحُ الْحَالِ فَرَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ يُؤْثَرُ الْفَقِيرُ الصَّالِحُ لِحُسْنِ حَالِهِ وَلَا يُمْنَعُ لِسُوءِ حَالِهِ وَيُعْطَى الْقَوِيُّ الْبَدَنِ وَلَا يُمْنَعُ لِقُوَّةِ بَدَنِهِ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَذْكُورَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273] . (مَسْأَلَةٌ) : وَكَمْ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اجْتِهَادِ الْمُتَوَلِّي قِيلَ فَيُعْطِي الْفَقِيرَ قُوتَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَزِيدُهُ فَقَالَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْقَاسِمُ وَقَدْ يَقِلُّ الْمَسَاكِينُ وَتَكْثُرُ الصَّدَقَةُ. وَرُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ يُعْطَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ وَلَا يَبْلُغُهُ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّفَاتِ فَيُعْطَى كُلُّ إنْسَانٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا كَقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ مَنْ يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ وَبَيْنَ مَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ وَقَرَّرَتْ أَخْذَهَا مِنْ الْغَنِيِّ الَّذِي لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَأَنَّ الصَّدَقَةَ تُعْطَى لِلْفَقِيرِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْطَى لِمَنْ مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَدٌّ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ إعْطَاءِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُتَصَدِّقُ مِنْ يَدِهِ وَلَا يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ وَيُفَرِّقُهَا عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قَالَهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ وَالْفُقَرَاءُ أَجَانِبُ لِلْمُتَصَدِّقِ وَأَقَارِبُ فَأَمَّا الْأَجَانِبُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الْأَقَارِبُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَلْزَمُ رَبُّ الْمَالِ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَضَرْبٌ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَهُمْ فَأَمَّا مَنْ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ بِأَصْلٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا مَنْ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ أَوْ لَا يَكُونُونَ فَإِنْ

[ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ إلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) . مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدَتْهُمْ عَلَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانُوا فِي عِيَالِهِ فَقَدْ رَوَى مُطَّرِفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَقْطَعْ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ قَطَعَ بِذَلِكَ الْإِنْفَاقَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ انْتَفَعَ بِزَكَاةِ مَالِهِ حَيْثُ قَطَعَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَةَ مَنْ قَدْ كَانَ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَالْقِيَامَ بِهِ وَأَظْهَرَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ وَاسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِزَكَاةِ مَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا وَلَّى غَيْرَهُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إذَا تَوَلَّى هُوَ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ فَرَوَى عَنْهُ مُطَّرِفٌ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُعْطِي قَرَابَتَهُ مِنْ زَكَاتِهِ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْهُ أَنَّ أَفْضَلَ مَنْ وَضَعْت فِيهِمْ زَكَاتَك أَهْلُ رَحِمِك الَّذِينَ لَا تَعُولُ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ تَتَوَجَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ صِلَةَ أَقَارِبِهِ وَصَرْفَ مَذَمَّتِهِمْ عَنْهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَمِيلَ بِهِ حُبُّ أَقَارِبِهِ إلَى إيثَارِهِمْ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَّرِفٍ وَالْوَاقِدِيِّ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى صَرْفِهَا إلَى مَنْ يَخْتَصُّ بِمَنْ يُخْرِجُهَا مَا لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا الْفَقِيرَ مِنْ صَدَقَةِ مَالِهَا فَهَلْ تُجْزِئُهَا أَمْ لَا؟ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ صُرِفَ ذَلِكَ فِي مَنَافِعِهَا لَمْ يُجْزِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصْرَفْ ذَلِكَ فِي مَنَافِعِهَا وَكَانَ مُحْتَاجًا أَجْزَأَهَا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى بَنِيهِ فَجَازَ لَهَا صَرْفُ زَكَاتِهَا إلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ صَدَقَتَهَا غَرِيمَهَا لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِمَا يُعْطَى الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ حَدٌّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِهِ فَيَجْتَهِدُ فِي أَمْرِهِ عَلَى بُعْدِ سَعْيِهِ وَقُرْبِهِ وَمَشَقَّتِهِ وَيَسَارَتِهِ وَقِلَّتِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي ذَلِكَ لِنَفَقَتِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ نَفَقَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَصَرَ مِنْ عَطَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعْطِهِ نَفَقَةً زَادَ فِي عَطَائِهِ. [مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ الْعِقَالُ الْقُلُوصُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعِقَالُ وَاحِدُ الْعُقُلِ الَّتِي يُعْقَلُ بِهَا الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْطِي الْبَعِيرَ فِي الزَّكَاةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ مَعَهُ عِقَالَهُ فَيَقُولُ لَوْ أَعْطُونِي الْبَعِيرَ وَمَنَعُونِي عِقَالَهُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ لَجَاهَدَتْهُمْ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ مَعَ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا وَرَوَاءَ الْخَيْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَتَبُّعِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ إلَّا جَمِيعَ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي الشَّاةِ، وَاَللَّهِ لَا تَرَكْتُ مِنْهَا شَعْرَةً وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الشَّعْرَةَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَتَبُّعُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَوْ مَنَعُونِي مَا يُسَاوِي عِقَالًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَا يُعْطِيه يُقَصِّرُ عَنْ حَقِّهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ بِقِيمَةِ الْعِقَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا التَّجَارُزُ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعِقَالُ صَدَقَةُ عَامٍ. وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ سَاعِيًا عَلَى كُلَيْبٍ فَأَسَاءَ فِيهِمْ السِّيرَةَ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ لَأَصْبَحَ الْقَوْمُ أَوْبَادًا وَلَمْ يَجِدُوا ... عِنْدَ التَّحَمُّلِ لِلْهَيْجَا جِمَالَيْنِ

[زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْته فِي سِقَاءٍ فَهُوَ هَذَا فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَنَعَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْمُسْلِمُونَ أَخْذَهَا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهَا مِنْهُ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ زَكَاةَ مَالِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ دَعْهُ وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَأَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ زَكَاةَ مَالِهِ فَكَتَبَ عَامِلُ عُمَرَ إلَيْهِ يَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ خُذْهَا مِنْهُ) . زَكَاةُ مَا يُخْرَصُ مِنْ ثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ يُرِيدُ اسْتَطَابَهُ فَسَأَلَ مَنْ سَقَاهُ إيَّاهُ فَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَدْخَلَ عُمَرُ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّبَنَ كَانَ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَلَعَلَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّبَنُ أُعْطِيَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا فَلِذَلِكَ اسْتَقَاءَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا اسْتَقَاءَهُ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَدِيمُ لَذَّتَهُ وَلَا يُسَوِّغُ نَفْسَهُ لَذَّةً أَصْلُهَا مَحْظُورٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا قَصْدًا وَهَذَا نِهَايَةٌ فِي الْوَرَعِ وَالتَّوَقِّي، وَإِنْ كَانَ الَّذِي سَقَاهُ إيَّاهُ عَبْدُهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَخْرَجَ قِيمَتَهُ مَعَ ذَلِكَ وَأَوْصَلَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي حَلَبَ لَهُ هَذَا اللَّبَنَ مُسْتَحِقًّا لِلصَّدَقَةِ لَمَا حَرُمَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَصْدُ إلَى شُرْبِهِ وَلَجَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا جَازَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلُ اللَّحْمِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ بِالشُّرْبِ وَلَا فَائِدَةَ فِي أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِهِ تَوَرُّعًا. وَقَدْ سَأَلَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ عِيسَى بْنَ دِينَارٍ فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ مِثْلُ هَذَا أَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ عِيسَى نَعَمْ مَا أَحْسَنَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّنَاهِي فِي الْوَرَعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اللَّازِمُ لَهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ دَفْعِهِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِهَادُهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْهُ وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ لَمَّا مَنَعُوا الزَّكَاةَ جَاهَدَهُمْ عَلَيْهَا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَوَابِ فِعْلِهِ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ هَاهُنَا بِالْفَرِيضَةِ الزَّكَاةَ خَاصَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ سَائِرَ الْحُقُوقِ الَّتِي يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا مَنَعَ الزَّكَاةَ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ لِلْعَامِلِ وَالْوَالِي مِنْ مُطَالَعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ وَأَخْذِ رَأْيِهِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَعْهُ وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ تَلَطُّفٌ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إغْرَاءِ الرَّجُلِ الْمَانِعِ لِلزَّكَاةِ بِأَدَائِهَا وَتَوْبِيخًا لَهُ وَتَبْيِينًا لِقُبْحِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فِعْلُهُ فَلَمَّا عَلِمَ مِنْ حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِمَّنْ يُمَيِّزُ مِثْلَ هَذَا وَلَا يُزْجَرُ بِهِ وَلَا يَرْضَى بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَصَرَّ هَذَا الْمَانِعُ لِلزَّكَاةِ عَلَى الْمَنْعِ وَتَمَادَى لَمَّا أَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَقَهَرَهُ عَلَى دَفْعِهَا وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ حُسْنِ نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتَلَطُّفِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّوْبِيخِ قَبْلَ الْجِهَادِ وَالْقَتْلِ وَمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَعِظَهُ الْوَالِي وَيُوَبِّخَهُ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْمَنْعِ أَجْبَرَهُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ وَهَذَا فِيمَا إلَى الْإِمَامِ قَبْضُهُ مِنْ الْحَبِّ. [زَكَاةُ مَا يُخْرَصُ مِنْ ثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُؤْخَذُ فِي صَدَقَةِ النَّخْلِ الْجُعْرُورُ وَلَا مُصْرَانُ الْفَأْرَةِ وَلَا عَذْقُ بْنُ حُبَيْقٍ قَالَ وَهُوَ يُعَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ الْغَنَمُ تُعَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا بِسِخَالِهَا وَالسَّخْلُ لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ ثِمَارٌ لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْبُرْدِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا تُؤْخَذُ مِنْ أَدْنَاهُ كَمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ خِيَارِهِ قَالَ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَالِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ» مَا سَقَتْ السَّمَاءُ هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَقْيٌ إلَّا بِالْمَطَرِ وَمَا سَقَتْ الْعُيُونُ فَهُوَ مَا سُقِيَ بِالْعُيُونِ الْجَارِيَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَتَكَلَّفُ فِي رَفْعِ مَائِهَا آلَةً وَلَا عَمَلًا وَهُوَ السَّيْحُ وَأَمَّا الْبَعْلُ فَقَالَ أَبُو دَاوُد الْبَعْلُ مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَنْشَدَ مِنْ الْوَارِدَاتِ الْمَاءَ بِالْقَاعِ تُسْتَقَى ... بِأَعْجَازِهَا قَبْلَ اسْتِقَاءِ الْحَنَاجِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أُصُولَهَا تَصِلُ إلَى الْمِيَاهِ تَحْتَ الْأَرْضِ فَيَقُومُ لَهَا مَقَامَ السَّقْيِ وَلَا تَحْتَاجُ أَنْ تُسْقَى بِمَا يَنْزِلُ إلَى عُرُوقِهَا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْبَعْلُ مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا غَيْرِهَا وَالسَّيْحُ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَهَذَا شَيْءٌ لَا أَرَاهُ يَكُونُ إلَّا بِمَطَرٍ إلَّا أَنَّهَا عَلَى كُلٍّ يَأْخُذُهَا سَقْيُ النِّيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا فِيهِ الْعُشْرُ لِقِلِّهِ مُؤْنَةِ سَقْيِهِ وَأَمَّا النَّضْحُ فَهُوَ الرَّشُّ وَالصَّبُّ فَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ هُوَ مَا يُسْقَى بِمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْآبَارِ بِالْغَرْبِ أَوْ بِالسَّانِيَةِ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْ الْأَنْهَارِ بِآلَةٍ فَفِي هَذَا نِصْفُ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ مُؤْنَتِهِ وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ لِشِدَّةِ النَّفَقَةِ وَخِفَّتِهَا تَأْثِيرًا فِي الزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ سَقَى حَبَّهُ أَوْ ثَمَرَتَهُ فِي جَمِيعِ عَامِهِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَمْرُهُ فَكَانَ مَرَّةً يُسْقَى بِالنَّضْحِ وَمَرَّةً بِمَاءِ السَّمَاءِ فَإِنَّنَا نَنْظُرُ فَإِنْ تَسَاوَى الْأَمْرُ فِيهِمَا كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَكْثَرَ كَانَ حُكْمُ الْأَقَلِّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ التَّتَبُّعَ لَهُ يَشُقُّ وَالتَّقْدِيرُ يَتَعَذَّرُ وَالزَّكَاةُ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ الْمَشَقَّةِ فِي مُرَاعَاتِهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَمُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا حَيَا بِهِ الزَّرْعُ وَتَمَّ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ قَالَ وَوَجْهُهُ بِالسَّقْيِ كَمَالُ الزَّرْعِ وَانْتِهَاؤُهُ إلَى حَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ إلَّا فِيمَا يَحْيَا الزَّرْعُ بِهِ أَوْ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ قَالَ وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ بِمَا قُلْنَاهُ يُدَايِنُ غُرَمَاءَهُ فِي سَقْيِ زَرْعِهِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُفْلِسُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِآخِرِهِمْ نَفَقَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَحْيَا الزَّرْعَ بِنَفَقَتِهِ وَسَقْيِهِ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يُؤْخَذُ فِي صَدَقَةِ النَّخْلِ الْجُعْرُورُ وَلَا مُصْرَانُ الْفَأْرَةِ وَلَا عَذْقُ ابْنِ حُبَيْقٍ هَذِهِ أَنْوَاعٌ مِنْ رَدِيءِ التَّمْرِ فَنَهَى أَنْ تُخْرَجَ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّمْرَ الْمُزَكَّى لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَوْنًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَوْنًا وَاحِدًا وَكَانَ مِنْ وَسَطِ التَّمْرِ أَدَّى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَدِيءِ التَّمْرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَسَطَ مِنْ التَّمْرِ فَيُؤَدِّيَ عَنْ زَكَاةِ هَذَا الرَّدِيءِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُؤَدِّي مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَاشِيَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ نَافِعٍ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مَالٌ يَقْتَضِي زَكَاتَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ فِي زَكَاتِهِ الرَّدِيءَ مِنْهُ كَالْمَاشِيَةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَالٌ يُزَكَّى بِالْجُزْءِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهُ مِنْهُ رَدِيئًا كَانَ أَوْ جَيِّدًا كَالْعَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاشِيَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تُجْلَبُ إلَى مَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ وَتُنْقَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ وَالْمَاشِيَةُ لَا مُؤْنَةَ فِي حِمْلِ الْوَسَطِ مِنْهَا فَلَوْ أُجِيزَ فِيهَا الْمَرِيضُ وَالْأَعْرَجُ لَمَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ التَّمْرُ جَيِّدًا كُلُّهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْوَسَطِ وَيُجْزِئُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَيِّدُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْجَيِّدِ وَالْقَوْلَانِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ مِنْ الثِّمَارِ إلَّا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ يُؤْكَلُ رُطَبًا وَعِنَبًا فَيُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ وَلِئَلَّا يَكُونَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ ضِيقٌ فَيُخْرَصُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا وَيُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَا خُرِصَ عَلَيْهِمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَبْنِيَّانِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ أَنْوَاعُ التَّمْرِ كَثِيرَةً فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ أَوْسَطِهِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ يُؤَدِّي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِقَدْرِهِ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَنْوَاعَ إذَا كَثُرَتْ لَحِقَتْ الْمَشَقَّةُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا وَشَقَّ حِسَابُ ذَلِكَ وَتَمْيِيزُهُ فَكَانَ الْأَعْدَلُ الرُّجُوعَ إلَى وَسَطِ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِثْلَهُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَالٌ يُخْرَجُ زَكَاتُهُ بِالْجُزْءِ مِنْهُ وَلَا مَضَرَّةَ فِي قِسْمَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُخْرَجَ زَكَاةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ جُزْءًا وَاحِدًا أَوْ جُزْأَيْنِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَنْوَاعُ مُتَسَاوِيَةً فَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ هُوَ الْأَكْثَرَ وَسَائِرُهَا الْأَقَلَّ فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْأَقَلِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ يُعَدُّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الصَّدَقَةِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ فِي الصَّدَقَةِ وَيُكَلَّفُ صَاحِبُهُ الْوَسَطَ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَصَرَّحَ مَالِكٌ بِقِيَاسِ ذَلِكَ عَلَى الْغَنَمِ فَقَالَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْغَنَمِ تُعَدُّ عَلَى أَصْحَابِهَا بِسِخَالِهَا وَلَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى تَمْرٍ فِيهِ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ وَالْوَسَطُ فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِنْ وَسَطِهِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَا مِنْ الرَّدِيءِ، وَإِنْ كَانَ يُعَدُّ عَلَى أَرْبَابِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ جَيِّدٌ كُلُّهُ أَوْ رَدِيءٌ كُلُّهُ أُخِذَ مِنْهُ وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَسَطِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ فِي الصَّدَقَةِ فِي التَّمْرِ فِي الْجُمْلَةِ لِمَنْ كَانَ تَمْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ تَمْرُهُ كُلُّهُ جَيِّدًا وَرَدِيئًا فَيَأْتِي بِالْوَسَطِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْجَيِّدِ أَوْ الرَّدِيءِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِمَا قَاسَهُ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ وَيَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ ثِمَارٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهَا عَنْهَا الْبَرْنِيُّ وَهَذَا مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ التَّمْرِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ رَدِيئِهِ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ جَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا الصَّدَقَةُ مِنْ أَوْسَطِ الْمَالِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْعَجْوَةُ مِنْ وَسَطِ التَّمْرِ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ النَّخِيلَ وَالْكُرُومَ تُخْرَصُ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ سَائِرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّمَارِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى «أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِي الْقُرَى إذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ أَخَرِصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا رَجَعَ إلَى وَادِي الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ كَمْ جَاءَتْ حَدِيقَتُك قَالَتْ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخِيلُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي هَذِهِ الثِّمَارِ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهَا مِنْهَا رُطَبًا وَعِنَبًا وَيَبِيعُونَ وَيُعْطُونَ وَيَتَصَرَّفُونَ فَإِنْ أَبَحْنَا ذَلِكَ لَهُمْ دُونَ خَرْصٍ أَتَى عَلَى التَّمْرَةِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمَسَاكِينِ مَا يُزَكَّى إلَّا الْيَسِيرُ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ مَنَعْنَا أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ التَّصَرُّفَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ فَكَانَ وَجْهُ الْعَدْلِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُخْرَصَ الْأَمْوَالُ ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَابِهَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا وَيَأْخُذُونَ مِنْ الزَّكَاةِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ بَعْدَ حَصَادِهِ مِنْ الْحُبُوبِ كُلِّهَا فَإِنَّهَا لَا تُخْرَصُ، وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا إذَا حَصَدُوهَا وَدَقُّوهَا وَطَيَّبُوهَا وَخَلَصَتْ حَبًّا فَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الْأَمَانَةُ يُؤَدُّونَ زَكَاتَهَا إذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا تَقَرَّرَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ فَيَصِلُونَ هُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى عَادَتِهِمْ وَيَصِلُ الْمَسَاكِينُ إلَى حَقِّهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ يُخْرَصُ حِينَ يَبْدُو صَلَاحُهُ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَذَلِكَ أَنَّ النَّخِيلَ وَالْعِنَبَ يُؤْكَلُ رَطْبًا فَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ وَقْتَ الْخَرْصِ هُوَ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الثَّمَرَةِ وَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَوْ وُجِدَ جَمِيعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُ تَنَاهِي عِظَمِهَا وَتَمَكُّنِ خَرْصِهَا وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَتَأَتَّى خَرْصُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَعْنَى الْخَرْصِ أَنْ يُحْزَرَ مَا يَكُونُ فِي هَذِهِ النَّخْلَةِ مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ عِنْدَ الْجَدَادِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ التَّمْرِ وَجِنْسِهِ وَمَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِثْمَارِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ تَمْرًا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يُخْرَجَ فِيهَا الثَّمَرُ أَوْ الرُّطَبُ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْخَرْصِ فِي هَذَا النَّوْعِ إلَّا فِي مَعْرِفَةِ النِّصَابِ خَاصَّةً. (فَرْعٌ) وَمَتَى يُقَوَّمُ هَذَا النَّوْعُ عَلَيْهِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ فَإِنْ أَكَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي قِيمَتَهُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَدِمَ عَلَيْهِ عِنْدَ إزْهَائِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ ثَمَنٍ أَوْ نَقْصِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَهُ يَتَأَتَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَحْتَاجُ مِنْ التَّحَرُّزِ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ وَإِبَاحَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ مِثْلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّخْلُ الَّذِي يُثْمِرُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الْخَرْصِ أَنْ يَخْرُصَ الْحَائِطَ نَخْلَةً نَخْلَةً فَإِذَا كَمَّلَ خَرْصَهُ أَضَافَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْإِصَابَةِ وَأَمْكَنُ لِلْحَزْرِ فَإِذَا كَثُرَ النَّخْلُ مَعَ اخْتِلَافِهَا شَقَّ الْحَزْرُ وَكَثُرَ الْوَهْمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُخَفَّفُ فِي الْخَرْصِ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُلْغَى لَهُ شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَيُوَسَّعُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ لِلْمَالِ الْمُزَكَّى فَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ تَخْفِيفٌ كَعَدِّ الْمَاشِيَةِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا الثُّلُثَيْنِ وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّخْفِيفَ فِي الْأَمْوَالِ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ الْمِسْكِينُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيُهْدِيَ إلَيْهِ وَلَا يَكَادُ أَنْ يَسْلَمَ حَائِطٌ مِنْ أَكْلِ طَائِرٍ وَأَخْذِ إنْسَانٍ مَارٍّ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ لِهَذَا الْمَعْنَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يُرْسَلَ فِيهَا الْخَارِصُ الْوَاحِدُ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ» الْحَدِيثُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْخَارِصَ حَاكِمٌ لِجِنْسِ الْعَيْنِ الْمَحْكُومِ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَأَمَّا الْمُحَكِّمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُمَا يَخْرُجَانِ عَنْ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَأَشْبَهَا الْمُقَوِّمِينَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيُخْرَصُ عَلَيْهِمْ وَيُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ كَيْفَ شَاءُوا يُرِيدُ أَنَّ الْخَارِصَ قَدْ قَدَّرَ مَا يَجِبُ فِي ثِمَارِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ فَسَلَّمَ إلَيْهِمْ الِانْتِفَاعَ بِهَا وَيَأْخُذُونَ مِنْ الزَّكَاةِ بِمَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِمْ الْخَارِصُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَعَ السَّلَامَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ النَّخْلَ يُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهِ وَثَمَرُهُ فِي رُءُوسِهِ إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهُ ثَمَرًا عِنْدَ الْجَدَادِ فَإِنْ أَصَابَتْ التَّمْرَ جَائِحَةٌ بَعْدَ أَنْ يُخْرَصَ عَلَى أَهْلِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُجَدَّ فَأَحَاطَتْ الْجَائِحَةُ بِالتَّمْرِ كُلِّهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ التَّمْرِ شَيْءٌ يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُخِذَ مِنْهُمْ زَكَاتُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ زَكَاةٌ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الْكَرْمِ أَيْضًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَطْبًا، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ يَابِسًا بَعْدَ حَصَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرَصُ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ انْتِفَاعِ أَهْلِهَا بِهَا رَطْبًا وَهَذِهِ لَا تُؤْكَلُ رَطْبَةً فَتَحْتَاجُ إلَى الْخَرْصِ، وَلِأَنَّ النَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ ثِمَارُهَا بَارِزَةٌ ظَاهِرَةٌ عَنْ أَكْمَامِهَا فَيَتَهَيَّأُ فِيهَا الْخَرْصُ وَهَذِهِ ثَمَرَتُهَا وَحُبُوبُهَا مُتَوَارِيَةٌ فِي أَوْرَاقِهَا فَلَا يَتَهَيَّأُ فِيهَا الْخَرْصُ. (فَصْلٌ) : وَقُلْنَا إنَّمَا هِيَ عَلَى أَهْلِهَا إذَا حَصَدُوهَا وَدَقُّوهَا وَطَيَّبُوهَا وَخَلَصَتْ حَبًّا يُرِيدُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَعَلَيْهِمْ تَنْقِيَتُهَا وَتَصْفِيَتُهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَخْلِيصُهَا إلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالِاقْتِيَاتِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ مِنْ زَكَاتِهَا شَيْءٌ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا رَوَاهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا عَلَيْهَا وَعَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ كَانُوا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التِّينَ وَالْعَذْقَ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَجِبُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ تَمْيِيزُ الثَّمَرَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهَا وَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي زَيْتِهِ مِنْ الْحُبُوبِ فَإِنَّ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ تَخْلِيصَهُ زَيْتًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ حَالُ ادِّخَارِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِأَنَّ ثُفْلَهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَمْيِيزُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ " وَإِنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الْأَمَانَةُ يُؤَدُّونَ زَكَاتَهَا إذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِي مَبْلَغِهَا وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا فَإِذَا قَالُوا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ ائْتَمَنُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ الزَّكَاةُ، وَإِنْ قَالُوا قَدْ بَلَغَتْ النِّصَابَ وَمَبْلَغُهَا كَذَا ائْتَمَنُوا فِي ذَلِكَ وَأُخِذَتْ مِنْهُمْ الزَّكَاةُ عَلَى حَسَبِ مَا أَقَرُّوا بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَى رَبِّ الزَّيْتُونِ وَالْحُبُوبِ أَنْ يَحْتَسِبَ فِي ذَلِكَ بِمَا اسْتَأْجَرَ بِهِ مِنْهُ وَبِمَا عَلَفَ وَأَكَلَ فَرِيكًا مِنْ الْحَبِّ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهَا بِمَالِهِ فَمَا اسْتَأْجَرَ بِهِ عَلَى تَخْلِيصِهَا مِنْهُ فَهُوَ مِنْ حِصَّتِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ النَّخِيلَ تُخْرَصُ عَلَى أَهْلِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَحَلَّ بَيْعُهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ يُرِيدُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ صَدَقَتُهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجَدَادِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ فَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَشْتَرِيَ عِنْدَ الْخَرْصِ مِنْ غَيْرِهَا وَيَأْتِيَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْجَائِحَةَ قَدْ تَأْتِي عَلَى الثَّمَرَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَالنَّخِيلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُثْمِرُ وَضَرْبٌ لَا يُثْمِرُ فَأَمَّا مَا يُثْمِرُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِزَكَاتِهِ تَمْرًا سَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ قِيلَ يُخْرِجُ مِنْ ثَمَنِهِ وَقِيلَ مِنْ مِثْلِهِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ ثَمَنِهِ عَلَى رِوَايَةٍ فِي إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِأَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِهَا قَدْ فَاتَ بَيْعُهَا وَالثَّمَنُ بَدَلٌ مِنْهَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ عَيْنًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَا تُجْزِئُهُ فِي فِطْرَةٍ وَلَا كَفَّارَةِ يَمِينٍ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْحَبِّ وَالْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَضَعُهَا مَوْضِعَهَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا لَمْ يُجْزِهِ أَخْذُ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَ أَصْبَغُ وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافٍ يُجْزِي مَا أَخَذَ كَرْهًا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا جَازَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَسْلِيمُ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ إلَى الْإِمَامِ إذَا طَلَبُوا، وَإِنْ وَضَعَهَا غَيْرَ مَوَاضِعِهَا بِحُكْمِ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ قِيمَتَهَا وَوُجُوبُ تَسْلِيمِهَا يَتَضَمَّنُ إجْزَاءَهَا. 1 - (فَرْعٌ) وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ قِطَعُ أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ إشْرَاكٌ فِي أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يَبْلُغُ مَالُ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْهُمْ أَوْ قِطْعَتُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَكَانَ إذَا جَمَعَ بَعْضَ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْرَجَ عَنْ الْحَبِّ عَيْنًا أَوْ عَنْ الْعَيْنِ حَبًّا أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ وَمَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي تَجْوِيزِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ تَكَرَّرَ الْقَوْلُ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهَذَا إذَا عَلِمَ مَبْلَغَهَا فَإِذَا بَاعَهَا وَجَهِلَ مَبْلَغَهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَرِّي فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُخْرِجُ مِنْ ثَمَنِهَا وَأَمَّا إذَا أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا وَيَتَحَرَّى مَا أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ مِنْ ثَمَنٍ وَلَا غَيْرِهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَرَّى الْقِيمَةَ بَعْدَ تَحَرِّي الْكَيْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ النَّخْلُ لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبُ لَا يَتَزَبَّبُ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ وَجَدَ الزَّبِيبَ بِالْبَلَدِ أَخْرَجَ عَنْهُ الزَّبِيبَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ أَخْرَجَ عَنْهُ عِنَبًا مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُخْرِجُ عُشْرَ ثَمَنِهِ أَوْ نِصْفَ عُشْرِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا عِنَبٌ فَكَانَتْ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَالْمُتَزَبِّبِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ زَكَاةَ التَّمْرِ وَالْحَبِّ عِنْدَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ تُخْرَجَ مِنْهُ جَيِّدَةً كَانَتْ أَوْ رَدِيئَةً فَإِذَا كَانَ لَا يَتَزَبَّبُ فَلَا يَلْزَمُ إخْرَاجُ غَيْرِهِ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعِنَبَ لَا يُخْرَجُ فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الزَّبِيبِ عَنْ الْحَدِيقَةِ لِتَعَذُّرِهِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبِ صَاحِبِهَا وَجَبَ بَدَلُهَا وَهُوَ الثَّمَنُ أَوْ الْقِيمَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ الْخَرْصِ وَقَبْلَ الْجَدَادِ وَأَحَاطَتْ بِالثَّمَرَةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا أَصَابَ مِنْ الْجَوَائِحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: قَبْلَ الْخَرْصِ. وَالثَّانِي: بَيْنَ الْخَرْصِ وَالْجَدَادِ. وَالثَّالِثُ: بَعْدَ الْجَدَادِ. فَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْخَرْصِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَ الْخَرْصِ وَالْجَدَادِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حُكْمَ الْخَرْصِ وَتَسْقُطُ الزَّكَاةُ بَعْدَ تَقْدِيرِهَا بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْخَرْصِ بِشَرْطِ وُصُولِ الثَّمَرَةِ إلَى أَرْبَابِهَا فَإِذَا أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ قَصُرَتْ بِهَا عَنْ النِّصَابِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى صَاحِبِهَا مِنْهَا نِصَابٌ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُخْرِجَ الْحَائِطُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَقَصَ الثَّمَرُ عَنْ الْخَرْصِ مِنْ غَيْرِ جَائِحَةٍ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَا خُرِصَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ إذَا كَانَ الَّذِي خَرَصَ عَلَيْهِ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ أَخْرَجَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِنْ رَأْيِهِ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ وَلَهُ النَّقْصُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْخَرْصَ حُكْمٌ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَمُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ فَلَا يُنْقَضُ بِقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ وَدَعْوَاهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّزُومِ وَلَوْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ رَبِّ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ لِلْخَرْصِ مَعْنًى. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الْحَائِطَ غَيْرَ مَا خَرَصَ بِهِ الْخَارِصُ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُنْقَضَ حُكْمُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا مَا أَصَابَتْ الثَّمَرَةَ مِنْ الْجَائِحَةِ بَعْدَ الْجَدَادِ فَإِنْ كَانَ قَدْ ضَمِنَهَا رَبُّ الْحَائِطِ بِتَعَدِّيهِ لَزِمَهُ غُرْمُهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا. وَجْهُ التَّعَدِّي فِيهَا أَنْ يُدْخِلَ التَّمْرَ بَيْتَهُ فَهَذَا قَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ بِنَقْلِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ تَخْتَصُّ بِالثَّمَرَةِ فَأَمَّا إذَا جَمَعَهُ فِي جَرِينِهِ فَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَتَرَكَهَا فِي الْجَرِينِ وَلَمْ يَأْتِ مِنْهُ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٌ فَضَاعَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ السَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا فِي الْجَرِينِ وَجَمْعَهَا فِيهِ يَعُودُ بِمَنْفَعَةِ التَّمْرِ فِي تَيْبِيسِهِ وَكَمَالِهِ وَهُوَ مِمَّا يَلْزَمُ بِهَا الْحَائِطَ فِعْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ ضَمَانُ وَقِسْمَةُ التَّمْرِ وَإِخْرَاجُ زَكَاتِهِ مِمَّا لَهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُخَزِّنَ حِصَّتَهُ وَيَشْرَعَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَالِاقْتِيَاتِ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا بِتَأْخِيرِ السَّاعِي فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ مُبَاحَةً لَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَبْرَزَ زَكَاةَ مَاشِيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ السَّاعِي فَهَلَكَتْ لَأَخَذَ مِنْهُ السَّاعِي الزَّكَاةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْخَرْصَ فِي التَّمْرِ قَدْ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُ وَكَلَّفَهُ بِتَبْلِيغِهِ حَدَّ الِاقْتِيَاتِ وَلَا يَصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِحِصَّتِهِ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِالْقِسْمَةِ.

[زكاة الحبوب والزيتون]

فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا وَيُؤَدِّي زَكَاتَهَا) . زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الزَّيْتُونِ فَقَالَ فِيهِ الْعُشْرُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ قِطَعُ أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لَا يَبْلُغُ مَا يُقَوَّمُ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِذَا جُمِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِهَا كَانَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهَا وَاحِدٌ كَالْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ إشْرَاكٌ فِي أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يَبْلُغُ مَالُ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا كَانَ فِي جَمِيعِ حِصَّتِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى دُونَ إشْرَاكِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَلْزَمُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) وَإِنَّمَا يُجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا كَانَ فِي إبَّانٍ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُضَمُّ بِكْرُهُ إلَى مُؤَخَّرِهِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَرَضُونَ كَثِيرَةٌ وَزَرَعَ بَعْضَهَا فِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ وَبَعْضَهَا فِي آخِرِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الزِّرَاعَةِ الَّتِي يُضَافُ إلَى الشِّتَاءِ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الصَّيْفِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يُزْرَعُ فِيهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَزَرَعَ فِي الصَّيْفِ صِنْفًا فَحَصَدَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَزَرَعَ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ فِي الشِّتَاءِ فَحَصَدَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا حَصَدَهُ فِي الصَّيْفِ كَانَ نِصَابًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِرَاعَتَانِ لَا تُضَافُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَتْ الزِّرَاعَتَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي الصَّيْفِ وَالْأُخْرَى فِي الشِّتَاءِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تُجْمَعُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْمَعُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى قَالَ سَحْنُونٌ يُجْمَعَانِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزِّرَاعَةَ الثَّانِيَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَذْرِ الْأُولَى فَلَا تُضَافُ إلَيْهَا وَلِذَلِكَ لَا يُضَافُ زَرْعُ عَامٍ إلَى عَامٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَيْنِ حَصَادَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. [زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا يَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، وَالْحَقُّ هَاهُنَا هُوَ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ وَاجِبٌ غَيْرُهُ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَهَذَا عَامٌّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُقْتَاتٌ بِزَيْتِهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسِّمْسِمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي نِصَابِهِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَيْلِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا فِي الْحَبِّ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَقَدْ كَمُلَ النِّصَابُ وَإِذَا قَصَرَ عَنْ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ فَقَدْ قَصَرَ النِّصَابُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِإِخْرَاجِهِ زَيْتًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دَفْعُهُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ كَالتَّمْرِ وَالْحَبِّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا السِّمْسِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِسَبَبِ زَيْتِهَا فَإِنْ عَصَرَهَا فَلَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالزَّيْتُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّخِيلِ مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنْ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْحُبُوبِ الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ وَيَأْكُلُونَهَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَالْعُيُونُ وَمَا كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ وَمَا يُسْقَى بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ زَيْتِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْصِرْهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً قَالَ: عَلَيْهِ الْعَصْرُ وَمَرَّةً قَالَ: يُخْرِجُ مِنْ الْحَبِّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَبٌّ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ لِزَيْتِهِ فَلَمْ يُجْزِ رَبَّ الْمَالِ إلَّا إخْرَاجُ الزَّيْتِ كَالزَّيْتُونِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا حَبٌّ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ غَالِبًا وَيُنْتَفَعُ بِهِ كَذَلِكَ فِي الزِّرَاعَةِ وَالْبَيْعِ، وَأَمَّا الزَّيْتُونُ فَإِنَّمَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ غَالِبًا وَلَا يُزْرَعُ فَكَانَ السِّمْسِمُ أَشْبَهَ بِالْحَبِّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالزَّيْتُونُ بِمَنْزِلَةِ النَّخِيلِ مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنْ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ حُكْمَ الزَّيْتُونِ فِي الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ حُكْمُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ وَسَائِرِ الْحُبُوبِ فَمَا كَانَ بَعْلًا أَوْ سَقَتْهُ الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَوْلُ مَالِكٍ مَا كَانَ مِنْهُ سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَعْلَ عِنْدَهُ غَيْرُ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُخْرَصُ شَيْءٌ مِنْ الزَّيْتُونِ فِي شَجَرِهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا مَنْفَعَةَ فِي ذَلِكَ لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِي لَا تُسْرِعُ إلَيْهِ بِالْأَكْلِ إلَّا بَعْدَ عَمَلٍ وَتَغْيِيرٍ؛ لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ مَسْتُورَةٌ فِي الْوَرَقِ لَا يَكَادُ يَتَهَيَّأُ فِيهَا الْخَرْصُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْحُبُوبَ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ يُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِهَا مِنْ حُكْمِ السَّقْيِ وَالْبَعْلِ وَالنَّضْحِ مَا يُعْتَبَرُ فِي النَّخْلِ فَمَا كَانَ بَعْلًا أَوْ حُكْمُهُ حُكْمَ الْبَعْلِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ يُسْقَى بِالنَّضْحِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ يُعْتَبَرُ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَ الْحَبُّ ذَلِكَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ فِيهِ بَعْدَ النِّصَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأُرْزُ وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْجُلَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَامًا فَالزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِنْهَا كُلِّهَا بَعْدَ أَنْ تُحْصَدَ وَتَصِيرَ حَبًّا قَالَ: وَالنَّاسُ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا دَفَعُوا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْحُبُوبَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِاقْتِيَاتِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا قُوِّمَتْ فِي أَنْفَسِهَا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَذَكَرَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْهَا عَشْرَةَ أَصْنَافٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الزَّكَاةُ فِي التُّرْمُسِ وَزَادَ فِي الْمُخْتَصَرِ التُّرْمُسَ وَالْفُولَ وَالْحِمَّصَ وَالْبَسِيلَةَ وَزَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ الْكِرْسِنَّةَ وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْأَشْقَالِيَةَ وَهِيَ الْعَلَسُ فَزَادُوا عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ سِتَّةَ أَصْنَافٍ وَهِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَامًا وَهَذِهِ الْحُبُوبُ كُلُّهَا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْهَا مَا اعْتَادَ النَّاسُ اقْتِيَاتَهُ وَمِنْهَا مَا لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ وَهُوَ الْكِرْسِنَّةُ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَدِ النَّاسُ أَكْلَهَا فِيمَا عَلِمْنَاهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُذْهِبَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَرَارَةِ بِالْعُصَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التُّرْمُسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّوَابِلِ زَكَاةٌ وَلَا الْفُسْتُقِ وَلَا الْقُطْنِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ وَمَا عَلِمْت أَنَّ فِي حَبِّ الْقُرْطُمِ وَبِزْرِ الْكَتَّانِ زَكَاةٌ قِيلَ: إنَّهُ يُعْصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ كَثِيرٌ قَالَ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَثُرَ هَكَذَا. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي بِزْرِ الْكَتَّانِ الزَّكَاةُ وَهُوَ أَعَمُّ نَفْعًا مِنْ زَيْتِ الْقُرْطُمِ وَقَالَ

(ص) (وَسُئِلَ مَالِكٌ مَتَى يُخْرَجُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ أَقَبْلَ النَّفَقَةِ أَمْ بَعْدَهَا فَقَالَ: لَا يُنْظَرُ إلَى النَّفَقَةِ وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ وَيُصَدَّقُونَ بِمَا قَالُوا فِيهِ فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَمَنْ لَمْ يُرْفَعْ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي زَيْتِهِ الزَّكَاةُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ زَرْعَهُ وَقَدْ صَلَحَ وَيَبِسَ فِي أَكْمَامِهِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ زَكَاتُهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ بَيْعُ الزَّرْعِ حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ) . (ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] إنَّ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ لَا زَكَاةَ فِي بِزْرِ الْكَتَّانِ وَلَا زَيْتِهِ إذْ لَيْسَ بِعَيْشٍ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَسَحْنُون. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالنَّاسُ مُصَدَّقُونَ فِي ذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ قَوْلَهُمْ فِي مَبْلَغِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُخْرَصُ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يَغِيبُوا عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَعَ كُلِّ إنْسَانٍ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. (ص) (وَسُئِلَ مَالِكٌ مَتَى يُخْرَجُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ أَقَبْلَ النَّفَقَةِ أَمْ بَعْدَهَا فَقَالَ: لَا يُنْظَرُ إلَى النَّفَقَةِ وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ وَيُصَدَّقُونَ بِمَا قَالُوا فِيهِ فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا أُخِذَ مِنْ زَيْتِهِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَمَنْ لَمْ يُرْفَعْ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِي زَيْتِهِ الزَّكَاةُ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُنْظَرُ إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ تَبْلِيغَ الزَّكَاةِ إلَى الْحَدِّ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِادِّخَارِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ أُخِذَتْ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَا خُرِصَ عَلَيْهِمْ نَخِيلُهُمْ وَعِنَبُهُمْ وَلَقُوسِمُوا فِيهَا وَلَكِنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلَّا عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ فَعَلَيْهِمْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى يَخْلُصَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ كَمَا يُسْأَلُ أَهْلُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ؛ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُمْ: كَمْ خَلَصَ مِنْ زَيْتِ هَذَا الزَّيْتُونِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُهُ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ عَلَى حَسْبِ سَقْيِهِ وَيُصَدَّقُونَ فِيمَا قَالُوا عَنْ مَبْلَغِهِ وَقَوْلُهُ فَمَنْ رُفِعَ مِنْ زَيْتُونِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْهُ فِي زَكَاةِ الزَّيْتُونِ سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ لِصَاحِبِهِ كَمْ مَبْلَغُ زَيْتُونِك؟ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَصَرَ عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ: بَلَغَ النِّصَابَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ سُئِلَ سُؤَالًا ثَانِيًا كَمْ أُخْرِجَ لَهُ مِنْ الزَّيْتِ إنْ كَانَ عَصَرَهُ؟ فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ سُئِلَ كَمْ يُخْرِجُ مِثْلُهُ مِنْ الزَّيْتِ؟ أَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ؟ . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ بَاعَ زَرْعَهُ بَعْدَ يُبْسِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِهِ حِينَ صَارَ فِيهِ الْحَبُّ فَهُوَ حِينَ بَاعَ الزَّرْعَ بَاعَ حَظَّهُ وَحَظَّ الْمَسَاكِينِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِ حَظِّ الْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوُجُوبِ بِالْمَالِ عِنْدَهُ فَإِنْ أَعْدَمَ الْبَائِعُ وَقَدْ أَتْلَفَ حَظَّ الْمَسَاكِينِ فَلَا يَخْلُو: أَنْ يُوجَدَ الطَّعَامُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ أَمْ لَا، فَإِنْ وُجِدَ بِيَدِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُرْجَعُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُتْبَعُ الْبَائِعُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا أُجِيزَ لَهُ الْبَيْعُ لِضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ فَإِذَا لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ تَعَلَّقَتْ حُقُوقُهُمْ بِعَيْنِ الْمَالِ حَيْثُ وُجِدَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ مُبَاحٌ لَهُ الْبَيْعُ كَأَبِي الصَّبِيِّ يَبِيعُ مَالَهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ فَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ فِيهِ وَإِنْ وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا بَاعَ رَبُّ الزَّرْعِ زَرْعَهُ قَائِمًا فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَعْرِفُ مَبْلَغَهُ لِيُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَسْأَلُ الْمُبْتَاعَ وَيَأْتَمِنُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُزَكِّي عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصَحُّ الطُّرُقِ الَّتِي يَجِدُهَا إلَى مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيهِ بِأَنْ يُؤْثِمَ نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ غَيْرَ مُسْلِمٍ تَوَخَّى بِقَدْرِ الزَّرْعِ وَلَا يَأْخُذُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ غَيْرِ الْمُسْلِمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَيْعُهُ حَتَّى يَيْبَسَ فِي أَكْمَامِهِ وَهِيَ غُلُفُ حَبِّهِ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ غِنًى لَوْ سُقِيَ بِالْمَاءِ لَمْ يَنْفَعْهُ وَهَذَا انْتِهَاءُ يُبْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ حَقٌّ وَاجِبٌ يَوْمَ الْحَصَادِ غَيْرَ الزَّكَاةِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِخْرَاجِ هَذَا الْحَقِّ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ الْمَأْمُورَ بِهِ يَوْمَ

[ما لا زكاة فيه من الثمار]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ أَوْ أَرْضَهُ وَفِي ذَلِكَ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَزَكَاةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ فَزَكَاةُ ذَلِكَ (الثَّمَر أَوْ الزَّرْع) عَلَى الْبَائِعِ لَا أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُبْتَاعِ) . مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ مَا يَجِدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَمَا يَقْطُفُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الزَّبِيبِ وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمَا يَحْصُدُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ إنَّهُ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ، وَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ حَتَّى يَكُونَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ فِي الزَّبِيبِ أَوْ فِي الْحِنْطَةِ أَوْ فِي الْقُطْنِيَّةِ مَا يَبْلُغُ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مَا يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْحِنْطَةُ كُلُّهَا السَّمْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كُلُّ ذَلِكَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا حَصَدَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ جُمِعَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَصَادِ هُوَ الزَّكَاةُ وَقَدْ أَيَّدَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِأَنْ قَالَ: إنَّهُ قَوْلٌ قَدْ قِيلَ وَسَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَنْقُلُ مِثْلَ مَالِكٍ قَوْلُهُ: وَلَا يُرَجِّحُ بِهِ مَذْهَبَهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] يَقُولُ أَيُّهَا الزَّارِعُ أَدِّ حَقَّ مَا رَفَعْت وَيَا أَيُّهَا الْوَالِي لَا تَأْخُذْ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّك فَتَكُونَ مِنْ الْمُسْرِفِينَ. (ش) : هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ بَاعَ أَصْلَ حَائِطِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ كَانَتْ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا بِيعَتْ بِثَمَرِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِهَا إلَّا وَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُبْتَاعِ، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إلَّا مَعَ الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ رَاعَى فِيهِ بَيْعَ الْأَرْضِ مَعَ الزَّرْعِ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ الْحَبُّ بِمِلْكِ الزَّرْعِ يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا لَكَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الزَّارِعِ دُونَ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الزَّرْعِ الَّذِي نَمَاؤُهُ الْحَبُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعُشْرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ دُونَ الزَّارِعِ. [مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ مِنْ تَمْرٍ وَمِثْلِهِ مِنْ زَبِيبٍ وَمِثْلِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَمِثْلِهِ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِيَكْمُلَ نِصَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَنَافِعِ مُتَبَايِنَةُ الْأَغْرَاضِ وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» وَمَنْ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ فَلَيْسَ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَإِنَّمَا عِنْدَهُ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالْقُطْنِيَّةُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَجُدَّ الرَّجُلُ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ وَأَلْوَانُهُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ ثُمَّ تُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْخَلْطَةَ بِالتَّمْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ سَوَاءٌ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا أَوْ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً وَيَجْتَمِعُ مِنْ جِنْسِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ فِيهَا وَالْمَنَافِعَ وَالْمَقَاصِدَ مُتَّفِقَةٌ وَمُتَقَارِبَةٌ، وَإِنَّمَا بَيَّنَهَا كَمَا بَيَّنَ الذَّهَبَ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ وَالضَّأْنَ وَالْمَاعِزَ وَالْبُخْتَ وَالْعِرَابَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْحِنْطَةَ تَجْمَعُ أَنْوَاعَهَا كُلَّهَا كَمَا تَجْمَعُ أَنْوَاعَ التَّمْرِ فَتُجْمَعُ الْمَحْمُولَةُ وَهِيَ الْبَيْضَاءُ إلَى السَّمْرَاءِ فَإِذَا بَلَغَتْ النِّصَابَ فَفِيهَا الزَّكَاةُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يُجْمَعُ إلَى الْحِنْطَةِ الشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ لَا يَخْتَلِفُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَا إنَّ الشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسٌ مُنْفَرِدٌ غَيْرُ الْحِنْطَةِ لَا تُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُتَّجَهُ بَيْنَنَا فِي هَذَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافٌ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ فِي التَّسْمِيَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعِي النِّصَابَ فِي الْحُبُوبِ فَهُوَ يُزَكِّي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَنَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهَا وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي أَشْيَاءَ وَلَيْسَتْ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ. وَقَدْ صَرَّحَ مَالِكٌ أَنَّ الْقَطَانِيَّ فِي الْبُيُوعِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ عِنْدَهُ فِي الزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ عَوَّلَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى فَصْلَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَعْنِي الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ لَا يَنْفَكُّ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي الْمَنْبَتِ وَالْمِحْصَدِ فَكَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْحِنْطَةِ وَالْعَلَسِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ. وَالصِّنْفُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ مَنَافِعَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ مُتَقَارِبَةٌ وَمَقَاصِدَهَا مُتَسَاوِيَةٌ فَحُكِمَ لَهَا بِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ كَالسَّمْرَاءِ وَالْمَحْمُولَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ تَشَابُهُ الْحِنْطَةِ وَالسُّلْتِ فِي الصُّورَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهُمَا أَقْرَبُ تَشَابُهًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْعَلَسِ وَقَدْ سَلَّمَ لَنَا الْمُخَالِفُ الْعَلَسَ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ السُّلْتِ وَإِذَا سَلَّمَ السُّلْتَ لَحِقَ بِهِ الشَّعِيرُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَقَائِلٌ يَقُولُ: إنَّهَا ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ فَمَنْ قَالَ إنَّ السُّلْتَ وَالْحِنْطَةَ صِنْفٌ وَالشَّعِيرَ صِنْفٌ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الصِّنْفِ لِتَحْتَمِلَ الْأَمْوَالُ الْمُوَاسَاةَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ جِنْسٌ مِنْ الْمَالِ يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ أَدَّى زَكَاتَهُ، وَإِذَا قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ لِضِيقِ الْمَالِ عَنْ احْتِمَالِ الْمُوَاسَاةِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمْوَالُ الَّتِي عِنْدَهُ مَنْفَعَتُهَا وَاحِدَةً وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهَا سَوَاءً احْتَمَلَتْ الْمُوَاسَاةَ مِنْ جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَضِقْ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الزَّكَاةِ انْتِفَاعُهُ بِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ وَلَا ضَاقَ عَلَيْهِ جِنْسُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِمُوَاسَاتِهِ مِنْهَا بَلْ يَبْقَى عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا يَعُودُ إلَى انْتِفَاعِهِ وَاسْتِضْرَارِهِ بِمَا يُخْرَجُ مِنْ الزَّكَاةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ فِي أَشْخَاصٍ مُتَّفِقَةَ الصُّورَةِ وَالْأَسْمَاءِ أَوْ مُخْتَلِفَتَهَا وَلَوْ كَانَتْ الْأَسْمَاءُ مُتَّفِقَةً وَالْمَنَافِعُ مُخْتَلِفَةً لِاسْتِضْرَارِ انْتِفَاعِهِ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ نَوْعٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَحْتَمِلُ مَا عِنْدَهُ مِنْ نَوْعِهَا الْمُوَاسَاةَ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهَا مَعَ قِلَّتِهَا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ مِنْهَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَنْفَعُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ أَنْوَاعُ مَنَافِعَ أُخَرَ تُوَافِقُ هَذِهِ فِي الْأَسْمَاءِ دُونَ الْمَنَافِعِ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ التِّجَارَةَ وَالتَّصَرُّفَ لِلتَّنْمِيَةِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَالصُّوَرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَلَسُ فَهُوَ الْأَشْقَالِيَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ فِي الزَّكَاةِ، وَتَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ سَأَلْت ابْنَ كِنَانَةَ عَنْ الْأَشْقَالِيَةِ وَفَسَّرْنَا لَهُ أَمْرَهَا وَمَنْفَعَتَهَا هَلْ تُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ مَعَ الْقَمْحِ وَأَرَيْنَاهُ إيَّاهَا فَقَالَ: هَذَا صِنْفٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يُقَالُ لَهُ الْعَلَسُ يَكُونُ بِالْيَمَنِ وَهُوَ يُجْمَعُ فِي الْحِنْطَةِ مَعَ الزَّكَاةِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ مَنْفَعَتَهُ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْقَمْحِ وَلَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ إنَّهُ لَا يُصْحَبُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ فِي الْوُجُودِ فَيُوجَدُ حَيْثُ يُعْدَمُ وَيُعْدَمُ حَيْثُ يُوجَدُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأُرْزُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ لَا يُضَافُ إلَى شَيْءٍ وَلَا يُضَافُ إلَيْهِ شَيْءٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ وَالذُّرَةَ وَالْأُرْزَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ كُلُّهُ أَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ فَإِذَا قَطَفَ الرَّجُلُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْقُطْنِيَّةُ هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا وَأَلْوَانُهَا وَالْقُطْنِيَّةُ الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْبَانُ وَكُلُّ مَا ثَبَتَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ قُطْنِيَّةٌ فَإِذَا حَصَّلَ الرَّجُلُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْنَافِ الْقُطْنِيَّةِ كُلِّهَا لَيْسَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ ذَلِكَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ فَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ الْقُطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ فِيمَا أَخَذَ مِنْ النَّبَطِ وَرَأَى أَنَّ الْقُطْنِيَّةَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فَأَخَذَ مِنْهَا الْعُشْرَ وَأَخَذَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تُجْمَعُ الْقُطْنِيَّةُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ حَتَّى تَكُونَ صَدَقَتُهَا وَاحِدَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدُّخْنَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّفَاضُلُ وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ صِنْفًا وَاحِدًا فِي الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ مَا يُصَحِّحُ هَذَا الْبِنَاءَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الزَّبِيبَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَسْوَدَهُ وَأَحْمَرَهُ يُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ وَاحِدَةٌ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ سَوَاءٌ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِ مَقَاصِدُ وَأَغْرَاضٌ لَيْسَتْ فِي سَائِرِهِ إلَّا أَنَّ مُعْظَمَ الْمَقَاصِدِ مُتَّفِقٌ وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الزَّكَاةُ وَالْجَمْعُ فِيهَا وَاعْتِبَارُ أَجْنَاسِهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْحُبُوبِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَاَلَّذِي يُقْتَاتُ مِنْ ذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْبَاقِلَاءُ وَالْحِمَّصُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْبَانُ وَالْعَدَسُ وَالتُّرْمُسُ وَالْبَسِيلَةُ وَالسِّمْسِمُ وَحَبُّ الْفُجْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْحُبُوبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا هُوَ صِنْفٌ لِنَفْسِهِ لَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمِنْهَا مَا يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ كَمَا تُضَمُّ أَنْوَاعُ التَّمْرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَذَلِكَ كَالْقَطَانِيِّ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَهِيَ الْفُولُ وَاللُّوبِيَا وَالْحِمَّصُ وَالتُّرْمُسُ وَالْجُلْبَانُ وَالْعَدَسُ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا لِتَقَارُبِ مَنَافِعِهَا وَاتِّفَاقِ مُعْظَمِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا وَأَمَّا الْبَسِيلَةُ وَهِيَ الْكِرْسِنَّةُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مِنْ الْقُطْنِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بَلْ هِيَ صِنْفٌ عَلَى حِدَتِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَطَانِيِّ فِي الْبُيُوعِ فَمَرَّةً قَالَ إنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَمَرَّةً قَالَ هِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الزَّكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ فِي الزَّكَاةِ صِنْفٌ وَاحِدٌ دُونَ خِلَافٍ وَهِيَ فِي الْبُيُوعِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمُوَطَّأِ لِمَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا صِنْفًا مُنْفَرِدًا لَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ وَالْبُيُوعِ؛ لِأَنَّنَا إنْ عَلَّلْنَا الْجِنْسَ بِانْفِصَالِ الْحُبُوبِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ اطَّرَدَ ذَلِكَ فِيهَا وَانْعَكَسَ وَصَحَّ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ وَالْمَنَافِعِ صَحَّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. (ش) : اسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقُطْنِيَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَفَّفَ عَنْ النَّبَطِ فِيمَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ مِنْ الْحِنْطَةِ لَمَّا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا آكَدَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَاتِ وَالْقَطَانِيِّ الَّتِي هِيَ لِلْأُدْمِ وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْقَطَانِيِّ الْعُشْرَ كَامِلًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ اخْتِلَافُهَا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَقَاصِدِ وَلَوْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا سَوَاءً وَالْمَنَافِعُ بِهَا مُتَّفِقَةً لَكَانَتْ الرَّغْبَةُ فِي كَثْرَةِ جَلْبِهَا إلَى الْمَدِينَةِ سَوَاءً، وَلَا يُدْخَلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الزَّيْتُ وَالْحِنْطَةُ فَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمَا جَمِيعًا نِصْفَ الْعُشْرِ لِتَأَكُّدِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْجِنْسَيْنِ حَاجَةً مُتَسَاوِيَةً مَعَ اخْتِلَافِ مَنَافِعِهِمَا إلَّا أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الَّذِي تَتَّفِقُ مَنَافِعُهُ وَتَتَسَاوَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَصَّ الْحَاجَةُ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ فَلِذَلِكَ عَلَّقَ الْحُكْمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْحِنْطَةِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسَاوِي الْحَاجَةِ فِي الْحِنْطَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تُجْمَعُ الْقُطْنِيَّةُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ حَتَّى تَكُونَ صَدَقَتُهَا وَاحِدَةً وَالرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُجْمَعَانِ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ يُؤْخَذُ بِالدِّينَارِ أَضْعَافُهُ فِي الْعَدَدِ مِنْ الْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ) .

وَالرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُجْمَعَانِ فِي الصَّدَقَةِ وَقَدْ يُؤْخَذُ بِالدِّينَارِ أَضْعَافُهُ فِي الْعَدَدِ مِنْ الْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي النَّخِيلِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَجُدَّانِ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهِمَا مِنْهَا، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِنْهَا مَا يَجُدُّ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلِلْآخَرِ مَا يَجُدُّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي جَدَّ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا صَدَقَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ فِي كُلِّ زَرْعٍ مِنْ الْحُبُوبِ كُلِّهَا يُحْصَدُ وَالنَّخْلُ يُجَدُّ أَوْ الْكَرْمُ يُقْطَفُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَجُدُّ مِنْ التَّمْرِ أَوْ يَقْطِفُ مِنْ الزَّبِيبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ يَحْصُدُ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَنْ كَانَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَ جَدَادُهُ أَوْ قِطَافُهُ أَوْ حَصَادُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا، ثُمَّ أَمْسَكَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ أَنْ أَدَّى صَدَقَتَهُ سِنِينَ، ثُمَّ بَاعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ إذَا كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ وَالْعُرُوضِ يُفِيدُهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يُمْسِكُهَا سِنِينَ، ثُمَّ يَبِيعُهَا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا، فَإِنْ كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْعُرُوضِ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى يَبِيعَهَا إذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا سَنَةً مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْمَالَ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ الْقَطَانِيَّ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ أَصْنَافٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَرِقَ يُجْمَعُ إلَى الذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ فِي الْبُيُوعِ صِنْفَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي الزَّكَاةِ مَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ فِي الزَّكَاةِ. وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْجِنْسِ لِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ عِنْدَ الْمَنَافِعِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْجِنْسِ لِلْجَمْعِ فِي الزَّكَاةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الزَّكَوَاتِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ مَا مَلَكَهُ النِّصَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَمَنْ قَصَرَ مِلْكُهُ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْجُمْلَةِ إذَا افْتَرَقَتْ فِي الْمِلْكِ كَمَا لَا يُنْظَرُ إلَى افْتِرَاقِهَا إذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمِلْكِ فَإِذَا جَدَّ رَجُلَانِ ثَمَانِيَةَ أَوْسُقٍ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُدَّ أَحَدُهُمَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَهِيَ النِّصَابُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةٌ لَكَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ أَوْسُقِ عَنْ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ يَجُدُّهَا فِي بِلَادٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ لَجُمِعَتْ عَلَيْهِ وَأَدَّى الزَّكَاةَ عَنْهَا؛ فَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالْمِلْكِ دُونَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَا أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، ثُمَّ بَاعَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ سِنِينَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ بَاعَهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ وَأَقَامَ الْمَالُ غَائِبًا عَنْهُ أَعْوَامًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَا يَسْتَأْنِفُ بِهِ حَوْلًا وَإِنَّمَا أَطْلَقَ

مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْقَضْبِ وَالْبُقُولِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظَ عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُفَارِقٌ لِلْقَبْضِ. (فَصْلٌ) : ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ مِنْ فَائِدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحُبُوبَ وَالثِّمَارَ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ لِلْقِنْيَةِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ لِلْقِنْيَةِ فَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ وَأَرَادَهُ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مِنْ فَائِدَةٍ، يُرِيدُ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ أَوْ غَلَّةِ حَائِطِهِ وَزَرْعِ أَرْضِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَأَمَّا الثِّمَارُ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهَا إلَّا أَنْ تُشْتَرَى بِأَعْيَانِهَا لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهَا فَهَذِهِ قَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا عَلَى بَائِعِهَا وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَهِيَ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْأَرْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحُبُوبُ فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ زُكِّيَتْ زَكَاةَ الزَّرْعِ، ثُمَّ زُكِّيَ ثَمَنُ مَا بِيعَ مِنْهُ بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ الْحَصَادِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي كَوْنِهَا لِلتِّجَارَةِ بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: الْحِنْطَةُ الْمَزْرُوعَةُ، وَالْأَرْضُ الْمَزْرُوعُ فِيهَا وَالزِّرَاعَةُ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ حُكْمَ الْحَبِّ حُكْمُ التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ التِّجَارَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْقِنْيَةِ وَاشْتَرَى الْبَذْرَ لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَ يُرِيدُ التِّجَارَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ فَزَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّي ثَمَنَ الْحِنْطَةِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي حُكْمُ الْأَرْضِ إذَا اُشْتُرِيَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا اُشْتُرِيَتْ لِلتِّجَارَةِ فَالتِّجَارَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهَا دُونَ مَنَافِعِهَا وَإِذَا اُكْتُرِيَتْ لِلتِّجَارَةِ فَالتِّجَارَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَنَافِعِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ لِلْقِنْيَةِ، وَالْأَرْضُ وَالزِّرَاعَةُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَغَارِبَةِ فِيمَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً لِلْقِنْيَةِ وَالْأَرْضَ وَالزَّرْعَ لِلتِّجَارَةِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ حَتَّى يَنِضَّ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِلْقِنْيَةِ مِنْ الْعُرُوضِ لَا يَجْرِي فِيهَا حُكْمُ التِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَإِنْ كَانَ لِلْقِنْيَةِ يَعُودُ إلَى التِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فِيمَا مَلَكَهُ بِالْبَيْعِ وَمَا مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: جَرَيَانُ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ عَمَلٌ. وَالثَّانِي: لَا تَجْرِي فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَيْسَتْ بِعَمَلٍ لِلتِّجَارَةِ وَإِنَّمَا هِيَ عَمَلٌ لِزَكَاةِ الْحَبِّ دُونَ زَكَاةِ الثَّمَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِلتِّجَارَةِ وَالْحِنْطَةُ لِلتِّجَارَةِ وَزَرْعُهَا لِلْقِنْيَةِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي ثَمَنِهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَا يَجْرِي أَمْرُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ مَتَى يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهَا لِلْقِنْيَةِ مَنَعَ جَرَيَانَ زَكَاةِ الْعَيْنِ فِي الْحِنْطَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ لَمْ يُبَعْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَكَانَ مُدَّخَرًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُدِيرًا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ حِنْطَةً إذَا كَمُلَ لَهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الزَّرْعَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ زَكَاةَ الزَّرْعِ أَمْلَكُ بِالْحِنْطَةِ عِنْدَ الْحَصَادِ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَالْمَاشِيَةِ فَيَجِبُ عِنْدَ الْحَصَادِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الزَّرْعِ مِنْهُ وَزَكَاةُ الزَّرْعِ لَا تَتَكَرَّرُ وَلَمَّا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فِي هَذَا الْحَبِّ تَأْثِيرٌ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْمَعَ زَكَاتَانِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ أُولَاهُمَا لِلْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ لِلْقِيمَةِ لَزِمَ أَنْ يُسْتَأْنَفَ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ الْحَصَادِ فَإِذَا كَمُلَ قُوِّمَ مَعَ سَائِرِ مَالِهِ وَأَدَّى زَكَاتَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول]

مِنْ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ الرُّمَّانِ وَالْفِرْسِكِ وَالتِّينِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُشْبِهْهُ إذَا كَانَ مِنْ الْفَوَاكِهِ قَالَ وَلَا فِي الْقَضْبِ وَلَا فِي الْبُقُولِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ صَدَقَةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَيْعِهَا وَيَقْبِضُ صَاحِبُهَا ثَمَنَهَا وَهُوَ نِصَابٌ) . مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ وَالْعَسَلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْقَضْبِ وَالْبُقُولِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا اخْتِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَوَاكِهِ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَمْ نُسَمِّهِ وَأَضَافَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التِّينَ إلَى جُمْلَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَعْنَى التَّفَكُّهِ لَا عَلَى مَعْنَى الْقُوتِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ لِشَجَرَةٍ ذَاتِ سَاقٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ كَالْجَوْزِ وَالْفُسْتُقِ أَوْ لَا يُدَّخَرُ كَالرُّمَّانِ وَالْفِرْسِكِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ فَلَمْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْحَشِيشِ فَأَمَّا التِّينُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا بِالْأَنْدَلُسِ قُوتٌ وَقَدْ أَلْحَقَهُ مَالِكٌ بِمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَصْلُهُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِيمَا كَانَ يُقْتَاتُ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ التِّينُ يُقْتَاتُ بِهَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُ الزَّكَاةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ لِمَا كَانَا مُقْتَاتَيْنِ بِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ الزَّكَاةِ مُتَعَلِّقٌ بِالتِّينِ قِيَاسًا عَلَى الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التِّينُ مُقْتَاتًا بِالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَلْحَقَ الْعُلَمَاءُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ فَكَانَ الْأُرْزُ بِالْعِرَاقِ أَكْثَرَ مِنْ الْبُرِّ وَالذُّرَةُ بِالْيَمَنِ أَكْثَرُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْقَضْبِ وَلَا فِي الْبُقُولِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي جَمِيعِ الْبُقُولِ الزَّكَاةُ إلَّا الْقَضْبَ وَالْحَشِيشَ وَالْحَطَبَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْخُضَرَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَيْثُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا أَنَّ أَحَدًا أَخَذَ مِنْهَا زَكَاةً وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ زَكَاةُ سَائِرِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نَبْتٌ لَا يُقْتَاتُ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْحَشِيشِ وَالْقَضْبِ. [مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ وَالْعَسَلِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ صَدَقَةٍ فِي هَذَا الْجِنْسِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِقَابِ الْعَبِيدِ صَدَقَةٌ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي رِقَابِ الْخَيْلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُزَكَّى إنَاثُ الْخَيْلِ إذَا انْفَرَدَتْ وَلَا تُزَكَّى ذُكُورُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَهَذَا نَفْيٌ وَالنَّفْيُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ لَا تَجِبُ فِي ذُكُورِهِ الزَّكَاةُ إذَا انْفَرَدَتْ فَلَا تَجِبُ فِيهَا مَعَ الْإِنَاثِ كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عَكْسُهُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَالُوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: خُذْ مِنْ خَيْلِنَا وَرَقِيقِنَا صَدَقَةً فَأَبَى ثُمَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَبَى عُمَرُ، ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ إنْ أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ يَقُولُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) . (ش) : قَوْلُهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَيْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُدَّةَ صُحْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَهُ أَخَذَ مِنْ الْخَيْلِ وَلَا مِنْ الرَّقِيقِ شَيْئًا؛ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ

[جزية أهل الكتاب]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي وَهُوَ بِمِنًى أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الْعَسَلِ وَلَا مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ فَقَالَ وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ) . جِزْيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَخَذَهَا مِنْ الْبَرْبَرِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاشِي وَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا لَمَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَمِثْلُهُ مِمَّنْ كَانَ يُلَازِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَخْذُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَاشِيَةِ، ثُمَّ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هَذَا وَعُمَرُ مِمَّنْ كَانَ يُخْرِجُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ لَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِهِ كَمَا أَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاشِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا يُرِيدُ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ أَلَحُّوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَكَلَّمُوهُ بَعْدَ أَنْ أَبَى عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ أَنْ أَبَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بِمُعَاوَدَتِهِمْ الْقَوْلَ فَكَتَبَ عُمَرُ إلَيْهِ خُذْ مِنْهُمْ إنْ أَحَبُّوا يُرِيدُ أَنَّ هَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُمْ وَمَنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ يُرِيدُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَقَوْلُهُ: وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُجْرِيَ لِرَقِيقِهِمْ رِزْقًا لِكَوْنِهِمْ فِي ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي الْحَرْبِ وَلَيْسَ لَهُمْ سَهْمٌ فَيُرْتَفَقُونَ بِالرِّزْقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُكَافَأَةً لَهُمْ عَلَى تَطَوُّعِهِمْ بِالصَّدَقَةِ مِنْ رَقِيقِهِمْ. (ش) : قَوْلُهُ أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الْعَسَلِ صَدَقَةً يَقْتَضِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَفَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ صَدَقَةٌ وَهَذَا اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الزَّكَاةَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ نَهَاهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْعَسَلِ صَدَقَةً وَلَيْسَ فِي الْعَسَلِ صَدَقَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهَا بِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَخْذَهَا غَيْرُ الزَّكَاةِ فَإِذَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهَا كَانَ ذَلِكَ مَقْصُورًا عَلَى الزَّكَاةِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا طَعَامٌ يَخْرُجُ مِنْ حَيَوَانٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَاللَّبَنِ. (ش) : جَوَابُ سَعِيدٍ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ وَاقِعٌ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِرَابِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ بِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ الصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا السُّؤَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِمَا سَأَلَ عَنْهُ. [جِزْيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ» عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا» ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَهْلُ كِتَابٍ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَغَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ وَهُمْ الْمَجُوسُ وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إقْرَارِهِمْ عَلَى الْجِزْيَةِ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْمَجُوسُ فَإِنَّهُ يُسَنُّ بِهِمْ سُنَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسُوا عِنْدَهُ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ قَالَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفَائِدَةُ الْقَوْلَيْنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّنَا إذَا قُلْنَا إنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ لَمْ تَحِلَّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ حَلَّتْ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالُوا: إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا تَجُوزَ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ بِوَجْهٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 156] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ الْمَجُوسَ فِرْقَةٌ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْكِتَابِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلِ كِتَابٍ فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى الْجِزْيَةِ هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَالَ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُقَرُّونَ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا قُرَيْشًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْجِزْيَةِ بِوَجْهٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقَرُّ مِنْهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا الْعَجَمُ دُونَ الْعَرَبِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى ابْنُ بَرِيرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ وَصَّاهُ وَقَالَ لَهُ إذَا أَنْتَ لَقِيت عَدُوًّا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك إلَيْهَا اقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَلَا فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ دِينٍ يَجُوزُ اسْتِبْقَاؤُهُمْ بِالِاسْتِرْقَاقِ فَجَازَ اسْتِبْقَاؤُهُمْ بِالْجِزْيَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ لَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ يُرِيدُ مِنْ إقْرَارِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ أَوْ دُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَوْهُ قُوتِلُوا عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَهَذَا مِنْ فِقْهِ عُمَرَ وَوَرَعِهِ وَتَوَقِّيهِ فَإِنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ شَاوَرَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ لِيَقْوَى فِي نَفْسِهِ مَا ظَهَرَ إلَيْهِ بِنَصٍّ يُنْقَلُ إلَيْهِ أَوْ مُوَافَقَةٍ مِنْهُمْ لِرَأْيِهِ وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» فَقَوِيَ لَهُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَأَسْنَدَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَسْكُنَ إلَيْهِ نَفْسُ الْمُسْتَفْتِي وَلَا يُقَالُ بِاجْتِهَادٍ وَلَا رَأْيٍ وَلَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ رَأْيِهِ لَكَانَ لِعُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنْ يُقَابِلَهُ بِرَأْيِهِ أَوْ يُعَارِضَهُ بِاجْتِهَادِهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ أَضَافَ الْكِتَابَ إلَى غَيْرِهِمْ وَأَمَرَ أَنْ يُسَنَّ بِهِمْ سُنَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لَقَالَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَقُلْ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . (ش) : وَقَوْلُهُ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاحْتِمَالِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ قَدْرَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعُونَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ فَقَالَ عُمَرُ ادْفَعْهَا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَالَ فَقُلْت: وَهِيَ عَمْيَاءُ فَقَالَ عُمَرُ يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ قَالَ فَقُلْت: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ؟ ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ هِيَ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ فَقُلْت بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ عُمَرُ أَرَدْتُمْ وَاَللَّهِ أَكْلَهَا قَالَ فَقُلْت إنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَنُحِرَتْ وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ فَلَا تَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلَا طَرِيفَةٌ إلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ يَبْعَثُ بِهَا إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ قَالَ فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَبَعَثَ بِهِ إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQدِرْهَمًا لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَضْعُفُ خُفِّفَ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُنْقَصُ مِنْ فَرْضِ عُمَرَ لِعُسْرٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِغِنًى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهَا قَالَ وَقِيلَ أَقَلُّهَا دِينَارٌ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقَلُّهَا دِينَارٌ وَلَا يَتَقَرَّرُ أَكْثَرُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَذَلَ الْغَنِيُّ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْجِزْيَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَقَلُّهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ وَالثَّانِي عَلَى أَوْسَطِ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارَانِ، وَالثَّالِثُ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَحُكْمُهُ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَفَضَائِلُهُ تُسْمَعُ وَتُشْهَرُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ وَلَا أَنْكَرَ فِعْلَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَعَ أَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَقْوَاتَ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَدْرِ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ الِاقْتِيَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا رَوَى أَسْلَمُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ إلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي، وَجِزْيَتُهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ مِنْهُمْ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِمْ مِنْ أَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ مُدَّيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَثَلَاثَةَ أَقْسَاطِ زَيْتٍ كُلَّ شَهْرٍ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَالْكِسْوَةُ الَّتِي يَكْسُوهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ النَّاسَ ضَرِيبَةٌ وَيُضَيِّفُونَ مَنْ نَزَلَ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَعَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِكُلِّ إنْسَانٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَوَدَكٌ لَا أَدْرِي كَمْ هُوَ؟ وَلَا تُضْرَبُ الْجِزْيَةُ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَيُخْتَمُ فِي أَعْنَاقِ رِجَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُرِيدُ ضِيَافَةَ الْمَارِّ الْمُسَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَقْصَى أَمَدِ ضِيَافَتِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا فَرْقٌ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ؛ وَلِذَلِكَ مَنْ عَزَمَ عَلَى مُقَامِ يَوْمٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا أُمِرَ بِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَتَلَوَّمُ لِطَالِبِ رُفْقَةٍ أَوْ تَعَذُّرِ حَاجَةٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ أَرَادَ مُقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُقِيمٌ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي مُدَّةِ الضِّيَافَةِ مَا سَهُلَ عَلَيْهِمْ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ. وَقَدْ رَوَى أَسْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ اشْتَكَوْا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ الْجَابِيَةُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَلَّفَهُمْ ذَبْحَ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ لَا تَزِيدُوهُمْ عَلَيْهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: وَيُوضَعُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوفِ لَهُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَازِمَةٌ مَعَ الْوَفَاءِ بِمَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الظَّهْرِ نَاقَةٌ عَمْيَاءُ عَلَى مَعْنَى اطِّلَاعِ الْإِمَامِ عَلَى مَا غَابَ عَنْهُ مِنْ النَّعَمِ لِيَرَى فِيهَا رَأْيَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا فَرَاجَعَهُ أَسْلَمُ بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِظَهْرِهَا لِكَوْنِهَا عَمْيَاءَ وَإِنَّ أَمْرَهَا مِمَّا يَئُولُ إلَى نَحْرِهِمْ

(ص) : (مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ تُؤْخَذَ النَّعَمُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ إلَّا فِي جِزْيَتِهِمْ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإيَّاهَا فَقَالَ عُمَرُ تُقْطَرُ بِالْإِبِلِ فَتَمْشِي مَعَ جُمْلَتِهَا وَتَهْتَدِي بِهَا فَقَالَ أَسْلَمُ فَكَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ؟ يُرِيدُ أَنَّهَا لَا تَبْقَى إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبْصِرُ مَرَاعِيَ الْإِبِلِ وَلَا تَعْلَمُ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَى أَمْرٌ حَدَثَ بِهَا حِينَئِذٍ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مُرَاجَعَةَ أَسْلَمَ لَهُ بِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ اقْتِنَاؤُهَا وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهَا إلَّا لِلْأَكْلِ سَأَلَ أَمِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ هِيَ لِيَعْلَمَ اخْتِصَاصَهَا بِالْمَسَاكِينِ أَوْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَيَعْلَمَ أَنَّ أَكْلَهَا جَائِزٌ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ فَلَمَّا قَالَ هِيَ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ عَلِمَ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُ إيَّاهُ بِأَنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا كَانَ يَدْعُوهُمْ لِأَكْلِ أَمْثَالِهَا مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ فَاعْتَقَدَ فِي أَسْلَمَ رَغْبَةً فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَرَدْتُمْ - وَاَللَّهِ - أَكْلَهَا فَاسْتَظْهَرَ أَسْلَمَ بِوَسْمِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مُقْتَضَى مُخَالَفَةِ وَسْمِ الْجِزْيَةِ لِوَسْمِ الصَّدَقَةِ احْتِيَاطًا مِنْ عُمَرَ لِيَصْرِفَ كُلَّ مَالٍ فِي وَجْهِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَرَ عُمَرُ بِهَا فَنُحِرَتْ وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ فَاكِهَةٌ وَلَا طَرِيفَةٌ إلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ تَكُونُ عِنْدَهُ الطَّرَائِفُ وَالْفَوَاكِهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الْجِزْيَةِ وَالْأَحْبَاسِ وَخَرَاجِ الْأَرْضِينَ وَسَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ لِلْأَغْنِيَاءِ فَكَأَنَّهُ أَعَدَّ هَذِهِ الصِّحَافَ عَلَى عِدَّةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتَعَاهَدَهُنَّ بِالْفَوَاكِهِ وَالطَّرَائِفِ، وَمُرَاقَبَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِفْظًا لَهُ فِي أَهْلِهِ بَعْدَهُ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِاخْتِصَاصِ حَفْصَةَ بِهِ يَجْعَلُ لَهَا مِنْ آخِرِ مَنْ يَجْعَلُ لَهَا مِنْهُنَّ، وَإِنْ نَقَصَ بَعْضُ السِّهَامِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ جَعَلَ النَّقْصَ فِي حَظِّهَا طَلَبَ مَرْضَاتِ غَيْرِهَا وَعِلْمًا بِأَنَّهَا سَتَرْضَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَأْسَفُ مِنْ إيثَارِهِ عَلَيْهَا إذْ كَانَ أَبَاهَا، وَيَجُوزُ لَهُ التَّبَسُّطُ عَلَيْهَا وَتَتَيَقَّنُ مَحَبَّتَهُ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ فَصُنِعَ فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يُرِيدُ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إلَى أَكْلِهِ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ وَإِينَاسًا وَتَوَاسِيَا فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ لِلْأَكْلِ عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ جَعَلَ لِعُثْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِالْكُوفَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ شَاةٍ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجَعَلَ لِصَاحِبَيْهِ رُبُعَ شَاةٍ رُبُعَ شَاةٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّعَمَ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ صَدَقَةً كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ النَّعَمُ فِي جِزْيَتِهِمْ بِقِيمَتِهَا. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ فَقَالَ وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَعَمِ الْإِبِلِ فَيَأْخُذُهَا فِي الْجِزْيَةِ قَالَ وَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ تَكُونُ جِزْيَتُهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَتُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ بِكَذَا وَكَذَا، وَابْنَةُ لَبُونٍ بِكَذَا وَكَذَا فَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ لِإِقَامَتِهِمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ وَالْحِمَايَةِ لَهُمْ، وَالْعَيْنُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَكَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ يُسْلِمُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَضْعَهَا عَنْهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَضْعَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا فَلَا يُطْلَبُونَ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْمَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِمَا إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى عَامِلِ عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ فَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ يُبْطِلُ فَائِدَتَهُ وَحَمْلُهُ عَلَى إبْطَالِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِزْيَةِ يَقْتَضِي فَائِدَتَهُ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَاجَ عُمَرُ إلَى أَنْ يُكَاتِبَ بِهِ وَيَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى رَأْيِهِ فِيهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَيُؤَدِّيهَا فِي حَالِ إسْلَامِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا عَلَى صِبْيَانِهِمْ وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْحُلُمَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَلَى الْمَجُوسِ فِي نَخِيلِهِمْ وَلَا كُرُومِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ وَلَا مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَوُضِعَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ صِغَارًا لَهُمْ فَهُمْ مَا كَانُوا بِبَلَدِهِمْ الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سِوَى الْجِزْيَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَلِفُوا فِيهَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فِيمَا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَصَالَحُوا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يُقَرُّوا بِبِلَادِهِمْ وَيُقَاتَلَ عَنْهُمْ عَدُوُّهُمْ فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مِنْ بِلَادِهِ إلَى غَيْرِهَا يَتَّجِرُ فِيهَا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مَنْ يَتَّجِرُ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الشَّامِ وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى الْعِرَاقِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ الْيَمَنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْبِلَادِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ تَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَتَجِبُ بِالْكُفْرِ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى الَّذِي سَقَطَتْ بِمَوْتِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ كَالْحُدُودِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ النِّسَاءِ جُمْلَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . فَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا تَوَجَّهَ أَخْذُهَا عَلَى مَنْ وَجَبَتْ مُقَاتَلَتُهُ، وَالنِّسَاءُ لَا يُقَاتِلْنَ وَلَا يُقْتَلْنَ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِنَّ بِالْمُحَارَبَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَى الرِّجَالِ لِرَفْعِ السَّيْفِ عَنْهُمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُقْتَلُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ بِالْمُحَارَبَةِ فَإِنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ كَالنِّسَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ نَوْعٌ مِنْ الْمَالِ كَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ فَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُعْتِقُهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ فَقَدْ تَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي وُجُوبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ الْمُقَامُ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ جِزْيَةٌ بِالْعِتْقِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الرُّهْبَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالرَّاهِبُ إنَّمَا تُرِكَ لَهُ مِنْ الْمَالِ الْيَسِيرِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْفِدَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّاهِبَ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ مَحْقُونُ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَالْمَرْأَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَتَى تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ حِينَ تُعْقَدُ لَهُمْ الذِّمَّةُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ حَوْلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُؤْخَذُ مِنْ آخِرِ الْحَوْلِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَقَاصِدِهِمْ أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِالْحَوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى الذِّمِّيِّ جِزْيَةُ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَتَدَاخَلْ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَتَتَدَاخَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجِبُ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَرَّ مِنْهَا أُخِذَ مِنْهُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعَجْزٍ لَمْ تَتَدَاخَلْ وَلَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ السِّنِينَ وَرَأَيْت هَذَا لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَجُوسًا كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّدَقَةُ وَهِيَ الْعَيْنُ وَالْحَرْثُ وَالْمَاشِيَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ طُهْرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُ الْكُفْرِ لَيْسُوا مِمَّنْ يُطَّهَرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَهَذَا سُنَّةُ الزَّكَاةِ وَلَوْ أُخِذَتْ مِنْ أَغْنِيَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ

(ص) : (وَلَا صَدَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمَجُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَلَا ثِمَارِهِمْ وَلَا زُرُوعِهِمْ مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَيُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِرَارًا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لِلزَّكَاةِ وَلَيْسَتْ الْجِزْيَةُ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَلَيْسَ فِيهَا تَطْهِيرُ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هِيَ إذْلَالٌ وَصَغَارٌ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُرَدَّ عَلَى فُقَرَاءِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ بَلْ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُدْفَعَ إلَى مَنْ أُصْغِرَ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ فَلَمَّا فَارَقَتْ الزَّكَاةُ هَذِهِ الْأَوْصَافَ كُلَّهَا فَارَقَتْهَا فِي مَحَلِّ وُجُوبِهَا وَكَانَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُمْ بِهَا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَأَهْلَيْهِمْ مَا كَانُوا فِي بَلَدِ عَقْدِ ذِمَّتِهِمْ وَمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ التَّقَلُّبِ فِي التِّجَارَاتِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْمَكَاسِبِ بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَةِ وَالسَّائِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعْقَدْ لَهُمْ الذِّمَّةُ إلَّا عَلَى التَّصَرُّفِ وَالتَّكَسُّبِ وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ وَلَا غَيْرَهُ مَا كَانُوا فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي أُقِرُّوا عَلَى الْمُقَامِ فِيهَا وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْبِلَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَاهَدُوا إلَّا عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُرَاعَاةُ فِي ذَلِكَ بِالْآفَاقِ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَتَصَرَّفَ فِي مُدُنِ الشَّامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَصَرَّفَ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْآفَاقِ كَالْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ إذَا خَرَجَ عَنْهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ صَرَفَ دَرَاهِمَ بِذَهَبٍ أَوْ ذَهَبٍ بِدَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَمُوَافَقَتِهِمْ وَلَمْ يُخَالِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ إنَّمَا يُوجِبُ لَهُمْ التَّصَرُّفَ وَالتَّكَسُّبَ فِي بِلَادِ إقَامَتِهِمْ وَلَمْ يُوجِبْ لَهُمْ تَنْمِيَةَ أَمْوَالِهِمْ فِي سَائِرِ آفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا حَقٌّ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُمْ فِيهَا بَعْدَ الذِّمَّةِ تَصَرُّفٌ مَخْصُوصٌ فَإِذَا نَمَّوْا أَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ بَلَدِ ذِمَّتِهِمْ أُخِذَ مِنْهُمْ الْعُشْرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّنْ وَرَدَ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ بِبَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ مَا وَصَلُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبِيعُوا وَلَمْ يَشْتَرُوا. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَبِيعُوا وَلَمْ يَشْتَرُوا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْأَمَانِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّصَرُّفَ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ آفَاقِهِمْ بِالسَّفَرِ وَطَلَبِ النَّمَاءِ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ أَخْذَ عُشْرِ مَا وَصَلُوا بِهِ كَمَا لَوْ بَاعُوا فَخَسِرُوا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْأَمَانُ فِي آفَاقِهِمْ، فَأَمَّا طَلَبُ الرِّبْحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهَا فَلَا إلَّا بِأَدَاءِ الْعُشْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَكْرَى شَيْئًا مِنْ إبِلِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَرَاجِعًا إلَى الشَّامِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ مَا أَكْرَى بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشَّامِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا أَكْرَى بِهِ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا وَجْهٌ مِنْ التَّنْمِيَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ حَصَلَتْ لَهُ بِغَيْرِ أُفُقِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ عُشْرُهُ كَالْمُعَاوَضَةِ بِالْبَيْعِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا وَقَعَ بِالشَّامِ وَإِنَّمَا دَخَلَ لِلْمَدِينَةِ لِإِيفَاءِ حَقِّهِ وَاسْتِيفَائِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا غَلَّةٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ عُشْرُهَا كَمَا لَوْ أَكْرَى نَفْسَهُ فِي الْخِدْمَةِ. 1 - (فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْمَغَارِبَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا بَاعُوا وَاشْتَرَوْا بِغَيْرِ بِلَادِهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ مَا صَارَ إلَيْهِمْ يَنْقَسِمُ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْقَسِمُ أُخِذَ مِنْهُمْ ثَمَنُ عُشْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ:. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعُشْرَ إذَا انْقَسَمَ أُخِذَ مِنْ الْعَيْنِ كَعُشْرِ الزَّرْعِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْأَسْوَاقَ تَحُولَ وَتَخْتَلِفُ فَيَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ مَا لَا تُحِيلُهُ الْأَسْوَاقُ؛ وَلِأَنَّهُ عُشْرٌ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْخَذَ فِيهِ الْقِيمَةُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا لَا يَنْقَسِمُ.

[عشر أهل الذمة]

مِمَّا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَلَا مِمَّا شُرِطَ لَهُمْ وَهَذَا الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . عُشْرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَأْخُذُ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ) . اشْتِرَاءُ الصَّدَقَةِ وَالْعَوْدُ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ وَيَكُونُونَ مِنْ دِينِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِمْ وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ فِي الْمَحَافِلِ وَالْأَسْوُقِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مِرَارًا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا الْعُشْرُ يُرِيدُ أَنَّ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ وَصَلُوا بِمَالٍ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عُشْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْغَرَضَ قَدْ حَصَلَ فِي السَّفْرَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا حَصَلَ فِي الْأُولَى فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْأُولَى فَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ. [عُشْرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ وَهُمْ كُفَّارُ أَهْلِ الشَّامِ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ إلَى الْمَدِينَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَاتِ أَهْلِ الشَّامِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُخَفِّفُ عَنْهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ فِيهَا نِصْفَ الْعُشْرِ فَيَكْثُرُ حَمْلُهُمْ لَهُمَا إلَى الْمَدِينَةِ فَتَرْخُصُ بِذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالزَّيْتُ بِالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْقُوتِ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ غَلَاءَ الْقَطَانِيِّ لَا يَكَادُ يَضُرُّ بِالنَّاسِ كَثِيرَ ضَرَرٍ. ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كُنْت غُلَامًا عَامِلًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكُنَّا نَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ) ش هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى غُلَامًا يُرِيدُ بِذَلِكَ شَابًّا وَرَوَاهُ مُطَّرِفٌ وَأَبُو مُصْعَبٍ كُنْت عَامِلًا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا عَلَى أَخْذِ الْعُشْرِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْقَادِمِينَ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ فَأَخْبَرَ عَمَّا كَانَ يَأْخُذُ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ النَّبَطِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ يُفْعَلُ فِيهِ كَانَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِمَشُورَتِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِلَافٌ وَلَا ظَهَرَ فَهُوَ إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَالْعَمَلُ بِهَا. ص (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْخُذُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ) . ش قَوْلُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَأْخُذُ عُمَرُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ سُؤَالٌ عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ وَحُجَّتِهِ وَدَلِيلِ جَوَازِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْبِضُهُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالسَّبَبِ وَلَيْسَ هَذَا إخْبَارًا عَنْ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا عُوهِدُوا عَلَى التِّجَارَةِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ بِآفَاقِهِمْ الَّتِي اسْتَوْطَنُوهَا فَإِذَا طَلَبُوا تَنْمِيَةَ أَمْوَالِهِمْ بِالتِّجَارَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آفَاقِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ حَقٌّ غَيْرُ الْجِزْيَةِ الَّتِي صُولِحُوا عَلَيْهَا فَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ الْوَجْهُ الَّذِي لَهُ فَعَلَ هَذَا عُمَرُ لَكِنَّهُ إذَا فَعَلَهُ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ ثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَجْهُهُ وَكَمَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحُكْمِ كَذَلِكَ اجْتَمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ تَقْرِيرِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِالْعُشْرِ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[اشتراء الصدقة والعود فيها]

فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [اشْتِرَاءُ الصَّدَقَةِ وَالْعَوْدُ فِيهَا] (ش) : قَوْلُهُ حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ وَاحِدُ الْعَتَاقِ مِنْ الْخَيْلِ وَهِيَ الْكِرَامُ السَّابِقَةُ مِنْهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ مَنْ فِيهِ النَّجْدَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ فَيَهَبَهُ لَهُ وَيُمَلِّكَهُ إيَّاهُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نَجْدَتِهِ وَنِكَايَتِهِ لِلْعَدُوِّ فَهَذَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ إلَى مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ مُوَاظَبَةَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّحْبِيسِ لَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ مَعَ السَّلَامَةِ وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْأَوْقَافِ وَالْحَبْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَاعَهُ مِنْ الْإِضَاعَةِ بِأَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَيَبْعُدُ مِثْلُ هَذَا فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُوجِبَ هَذَا عُذْرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ صَيَّرَهُ ضَائِعًا مِنْ الْهَزْلِ لِفَرْطِ مُبَاشَرَةِ الْجِهَادِ بِهِ وَلِإِتْعَابِهِ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهُ إيَّاهُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَأَنْ يَسْتَرْخِصَهُ لِضَيَاعِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حَبْسًا فَظَنَّ أَنَّ شِرَاءَهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ لَهُ مُبَاحٌ حَتَّى مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ الضَّيَاعِ مَبْلَغًا يَعْدَمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي حَبَسَهُ فِيهِ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ شِرَاءَهُ. (فَرْعٌ) وَضَيَاعُ الْخَيْلِ الْمُوقَفَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرْجَى صَلَاحُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ كَالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنْ يُسْتَبَاحَ لَهُ بَيْعُهُ الثَّانِي الْكَلَبُ وَالْهَرَمُ وَالْمَرَضُ الَّذِي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عَدِمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَوَضْعُ ثَمَنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهِ نُقِلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ مِنْهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ مُخْرَجٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَبْسِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْقُبْحِ وَالْكَرَاهِيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَائِدِ فِي أَكْلِ مَا قَدْ قَاءَ بَعْدَ أَنْ قَبُحَ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ إلَى حَالِ الْقَيْءِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ قَدْ أَخْرَجَ فِي صَدَقَتِهِ أَوْسَاخَ مَالِهِ وَمَا يُدَنِّسُهُ فَلَا يَرْتَجِعُهُ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَ بِصَدَقَتِهِ وَيُغَيِّرُهَا فِي مَالِهِ لِمَعْنَى الْفَسَادِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْكَلْبِ وَأَخْلَاقِهِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا وَيُكْرَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي وَجْهِ الْعَطِيَّةِ. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْعَطِيَّةِ فِي نَفْسِهَا. وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي صِفَةِ الْمُعْطَى. وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي صِفَةِ الِارْتِجَاعِ. وَالْبَابُ الْخَامِسُ: فِي حُكْمِ الِارْتِجَاعِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وَجْهِ الْعَطِيَّةِ] 1 أَمَّا وَجْهُ الْعَطِيَّةِ فَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ التَّطَوُّعِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِرْجَاعُ صَدَقَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عَطِيَّةً عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الْفَرَسِ لَا لِلسَّبِيلِ وَلَا لِلْمَسْكَنَةِ لَا بَأْسَ

[الباب الثاني في صفة العطية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَشْتَرِيَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُرْبَةَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا يَجُوزُ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَ لِغَيْرِ الْقُرْبَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مِلْكِ مَا وَهَبَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى ارْتِجَاعِ مَا وَهَبَ الْأَجْنَبِيَّ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَطِيَّةِ] 1 أَمَّا صِفَةُ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ عَيْنًا بَتَلَهَا مِثْلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَرَسٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ أَصْلٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَتْ خَلْخَالَهَا فِي السَّبِيلِ إنْ شَفَاهَا اللَّهُ فَلَمَّا بَرَأَتْ أَرَادَتْ أَنْ تُخْرِجَ قِيمَتَهَا وَتَحْبِسَهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَعْطَى غَلَّةً أَوْ مَنْفَعَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِغَلَّةِ الْأَصْلِ سِنِينَ أَوْ حَيَاةَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ أَبَاهُ وَاحْتَجَّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ وَأَجَازَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عُمَرَ أَنْ يَعُودَ فِي صَدَقَتِهِ وَأَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِخَرْصِهَا وَهِيَ صَدَقَةٌ. (فَرْعٌ) : وَمَنْ أَسْكَنْتَهُ أَوْ أَخْدَمْتَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ إنْ رَضِيَهُ مَا لَمْ تَفْسُدْ عَطِيَّتُهُ وَمَنْ أَعْطَى فَرَسَهُ فِي السَّبِيلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُعْطَى] أَمَّا صِفَةُ الْمُعْطَى فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَرْجِعُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فَلَا يَرْكَبُهُ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا. وَقَدْ رَكِبَ ابْنُ عُمَرَ نَاقَةً وُهِبَهَا فَصُرِعَ عَنْهَا فَقَالَ: مَا كُنْت لِأَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا كَأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عُوقِبَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُرْكَبَ الْفَرَسُ الَّذِي جُعِلَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ الْيَسِيرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ قَدْرُهُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِالِارْتِجَاعِ؛ وَلِذَلِكَ عُفِيَ عَنْ الْيَسِيرِ فِي تَرْكِ حِيَازَتِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ إذَا حِيزَ الْأَكْثَرُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى ابْنًا فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ بِجَارِيَةٍ فَتَتْبَعُهَا نَفْسُهُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَجْنَبِيٍّ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا أُرَخِّصُ فِيهَا لِمَكَانِ الِابْنِ مِنْ الْأَبِ وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِغَنَمٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِحَائِطٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُكْتَسَى مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ وَلَا يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَمَلُّكُهَا كَصَدَقَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْأُمَّ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الِابْنِ الصَّغِيرِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ دُونَ الصَّغِيرِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ لِلتَّصَرُّفِ تَأْثِيرًا فِي الْإِبَاحَةِ؛ وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لِلْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِذْنُ وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الِارْتِجَاعِ] 1 وَأَمَّا صِفَةُ الِارْتِجَاعِ فَإِنَّ عُمْدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ ارْتِجَاعٍ يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ كَالِابْتِيَاعِ لِمَا رُوِيَ

[الباب الخامس في حكم الارتجاع]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْمَمْنُوعِ، فَأَمَّا مَا يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَصِحُّ النَّهْيُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَلَا تَقْبَلْهُ وَلَا تَرْتَجِعْهُ بِهِبَةٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا عَارِيَّةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا بَأْسَ لِمَنْ عَادَتْ إلَيْهِ صَدَقَتُهُ بِالْمِيرَاثِ أَنْ يَسْتَدِيمَ مِلْكَهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِرَاجِعٍ فِي صَدَقَتِهِ وَلَا مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ قَضَى لَهُ وَعَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبْضِهَا لَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَصَدَّقَ غَازٍ عَلَى رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ تَرَافَقَا فَأَخْرَجَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ نَفَقَةً مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَبْقَى. وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَحْمِ بَرِيرَةَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَرَافِقَيْنِ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْ نَفَقَتِهِ بِنَفَقَةِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا تَشَارَكَا عَلَى أَنْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِصَّتِهِ ثُمَّ يُمَيِّزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ يَأْكُلُهُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا حُكْمَ بَرِيرَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ اللَّحْمُ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، ثُمَّ لَمَّا أَبَاحَتْهُ هِيَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ذَلِكَ هَدِيَّةً مِنْهَا إلَيْهِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الِارْتِجَاعِ] 1 أَمَّا حُكْمُ الِارْتِجَاعِ إذَا وَقَعَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ شِرَاءَ الرَّجُلِ صَدَقَتَهُ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنْ نَزَلَ عِنْدَنَا لَمْ نَفْسَخْهُ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُفْسَخُ الشِّرَاءُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَالْقَوْلَانِ يَتَخَرَّجَانِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمُدِيرِ أَوْ غَيْرِ الْمُدِيرِ يُخْرِجُ فِي زَكَاتِهِ عَرَضًا لَا يُجْزِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ إذَا لَمْ يُحَابِ عَنْ نَفْسِهِ، بِئْسَ مَا صَنَعَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُعَارَضَةُ الْمُزَكِّي بِزَكَاتِهِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْمِلْكِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ وَرِقًا عَنْ ذَهَبٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ إذَا كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ اقْتَضَى فَسَادَهُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك سَمَّى الِابْتِيَاعَ عَوْدًا إمَّا لِأَنَّهُ يُحْبَسُ فَرَأَى أَنَّ ابْتِيَاعَهُ نَقْضٌ لِتَحْبِيسِهِ فَهُوَ عَوْدُهُ فِيهِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَسَمَّى الِابْتِيَاعَ عَوْدًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى مِلْكِهِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ. ص (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا مَعَ غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ تُبَاعُ أَيَشْتَرِيهَا فَقَالَ تَرْكُهَا أَحَبُّ إلَيَّ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ وَجَدَهَا بِيَدِ غَيْرِهِ فَابْتِيَاعُهُ إيَّاهَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُضَارِعٌ لِلرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ عَلَى آخَرَ، ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَا يَشْتَرِيهَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا يَدُسُّ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ رُبَّمَا سَامَحَهُ فِي بَعْضِ الثَّمَنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَدَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يُتَوَقَّعُ ذَلِكَ مِنْهُ غَالِبًا وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمَا كَانَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا

[من تجب عليه زكاة الفطر]

مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ بِوَادِي الْقُرَى وَبِخَيْبَرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهَا فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَيَقْبَلَهَا مِمَّنْ أَهْدَاهَا إلَيْهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ كَسْرًا لِسُؤَالٍ قِيلَ لَهُ وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ فَقَالَ أَلَا تَرَى إلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هُوَ صَدَقَةٌ عَلَى بَرِيرَةَ وَهُوَ لَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ» وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمُتَصَدِّقِ فَلِذَلِكَ اُخْتُصَّ الْمَنْعُ بِهِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِرَاجِعٍ فِيهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا. [مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ غِلْمَانِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ عَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِ، وَنَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ عَنْهُمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةً عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» الْحَدِيثَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِجَمَاعَةٍ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهِ وَاجِبَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ عَبْدَانِ مُشْتَرَكَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُشْتَرَكِ وَغَيْرِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ وَمَنْ هُوَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْفِطْرَةِ وَاجِدٌ لَهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ زَكَاةُ فِطْرِهِ وَاجِبَةً أَصْلُهُ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ. (فَرْعٌ) وَكَيْفَ يُخْرِجُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَالِكَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ فِطْرَةً كَامِلَةً. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ فَلَمَّا كَانَتْ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعَبْدَ مَحْبُوسٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِسَبَبِهِ فِي أَحْكَامِ الرِّقِّ إذَا انْفَرَدَ مِلْكُهُ لِحَقِّهِ مِنْهُ فَكَانَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ مَلَكَ جَمِيعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ابْتَاعَ الْعَامِلُ الْعَبِيدَ بِمَالِ الْقِرَاضِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُمْ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُخْرِجُهَا مِنْ مَالِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ يُزَكِّي عَنْهُمْ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ هُوَ رَأْسَ الْمَالِ، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُمَا ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُمْ تُخْرَجُ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ ثُمَّ تَكُونُ مُرَاعَاةً فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ كَانَ لِلْعَامِلِ مِنْهَا قَدْرُ حِصَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: زَكَاةُ الْفِطْرِ كَالنَّفَقَةِ مِنْ الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَنَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا بِيَدِهِ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْقِرَاضِ لَهُ فَكَانَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَمْلِكُ الْعَامِلُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ وَنَفَقَاتِهَا إنَّمَا حُكْمُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْهَا فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ تَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ فَوَاجِبٌ أَنْ تُخْرَجَ مِمَّا بِيَدِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا أَخْرَجَهَا فَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْقِرَاضِ بَعْدَ الْعَمَلِ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَالِ فَإِذَا كَانَ لِلْعَامِلِ فِيهِ حِصَّةٌ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالظُّهُورِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ

(ص) : (مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْت فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَالرَّجُلُ يُؤَدِّي عَنْ مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ غَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصْفُ الْعَبْدِ حُرًّا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ عَلَى مَالِكِ النِّصْفِ نِصْفَ الْفِطْرَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْبَاقِي وَرَوَى عَنْهُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْفِطْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ الرِّقِّ جَمِيعَ الْفِطْرَةِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفِطْرَةَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ فَعَلَى مَنْ مَلَكَ مِنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَتَسْقُطُ عَنْ حِصَّةِ الْحُرِّ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِمَا ذَكَرَهُ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ فَلَمَّا قُسِّطَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالْمِلْكِ فَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَّرِفٍ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ بِأَحْكَامِ الرِّقِّ كُلِّهَا وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الصَّاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى وَبِخَيْبَرِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ عَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ مَغِيبَهُمْ عَنْهُ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَفَقَةٌ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ وَنَفَقَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْعَقْدِ. فَأَمَّا النَّفَقَةُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ فَمَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَزِمَتْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حُكْمَ النَّفَقَةِ لِيَتَبَيَّنَ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ الْمُعْسِرِ وَنَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ وَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ فَأَمَّا الْأَوْلَادُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَفِطْرَتُهُ فِي مَالِ أَبِيهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ عَنْهُ كَالْكَبِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ أَبِيهِ وَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ زَمِنًا فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ زَمِنًا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الزَّمَانَةُ طَرَأَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَالِكَ الْفِطْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَلَغَ زَمِنًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَكَذَالِكَ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَةَ تَمْنَعُ الِاكْتِسَابَ كَالصِّغَرِ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَنْ وَلَدِهِ الْبَالِغِ زَمِنًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ يَجِبُ فِيهِ عَنْ الصَّغِيرِ مِنْ وَلَدِهِ فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهُ عَنْ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ كَالنَّفَقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ عَلَى الْعَمَلِ وَهَذَا إذَا كَانَا زَوْجَيْنِ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ زَوْجٌ غَيْرُ الْأُمِّ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ عَلَى الِابْنِ الْغَنِيِّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَعَلَى زَوْجِهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ أُمِّهِ. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَةِ أَبِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أُمَّهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُنْفِقُ مِنْ نِسَاءِ أَبِيهِ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْ خَدَمِهَا إلَّا عَلَى خَادِمٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُ أَبِيهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُمْسِكَهَا إلَّا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ لَزِمَ الِابْنُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ بِذَلِكَ إلَّا الْإِضْرَارُ بِهَا وَالْعَضْلُ لَهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ يُمَوِّنُهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفِطْرَةِ مِمَّنْ يَجِدُهَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْهُ كَالِابْنِ الصَّغِيرِ الْمُعْسِرِ مَعَ الْأَبِ الْغَنِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهَا وَذَلِكَ فِي مَالِهَا وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ يُمَوِّنُهَا بِالشَّرْعِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفِطْرَةِ وَاجِدٌ لَهَا فَلَزِمَهُ إخْرَاجُهَا عَنْهَا أَصْلُهُ الْأَمَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا أَوْ مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهَا، وَكَذَالِكَ فِطْرَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَنْ يُكْرِيَ لَهَا مَنْ يَخْدُمُهَا أَوْ يَشْتَرِيَ لَهَا خَادِمَهَا يُشْغِلُهَا بِخِدْمَتِهَا أَوْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمِهَا وَقِيلَ: إنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاء: ثَلَاثَةٌ تَقَدَّمَتْ وَالرَّابِعُ أَنْ يَخْدُمَهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ اخْتَارَ النَّفَقَةَ عَلَى خَادِمِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ بِالشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُخْدَمُ بِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ تَامًّا وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ مَاضِيًا نَافِذًا أَوْ يَكُونَ قَدْ عَقَدَ فِيهِمْ عَقْدًا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِمْ عَقْدٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا فِيهِ بِمَا يُغْنِي، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِمْ عَقْدٌ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَأَحْكَامُهُمْ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْعُقُودُ، وَالْعُقُودُ فِي ذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالْعِتْقُ إلَى أَجَلٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِخْدَامُ فَأَمَّا الرَّهْنُ فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهِ عَلَى مَالِكِهِ الرَّاهِنِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَكَذَالِكَ الْإِجَارَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالْعِتْقُ إلَى أَجَلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَزُولُ يَدُهُ بِالْكِتَابَةِ وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ السَّيِّدِ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ كَالْعِتْقِ الْبَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْإِخْدَامُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ الْخِدْمَةِ إلَى مِلْكٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ إلَى حُرِّيَّةٍ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهَا إلَى رِقٍّ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: النَّفَقَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَرَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ: النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ وَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ تَطُولُ فَالنَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَصِيرَةً كَالْوَجَائِبِ وَالْإِجَارَةِ فَالنَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ طَالَتْ مُدَّةُ الْخِدْمَةِ أَوْ قَصُرَتْ النَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ عَلَى مَنْ لَهُ مَرْجِعُ الرَّقَبَةِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ خَالِصَةٌ لِلَّذِي لَهُ الْخِدْمَةُ؛ فَلِذَلِكَ كَانَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَحَقَّقُ رُجُوعَهَا إلَى غَيْرِهِ وَالزَّكَاةُ مَانِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ بِسَبَبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّقَبَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ زَكَاةَ الْفِطْرِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَاشْتَرَطَ النَّفَقَةَ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْخِدْمَةَ الْيَسِيرَةَ الْغَالِبُ مِنْهَا السَّلَامَةُ وَرُجُوعُهَا إلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ وَالْفِطْرَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ طَوِيلَةَ الْأَعْوَامِ الْكَثِيرَةِ فَإِنَّهَا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهَا وَرُجُوعُهَا إلَيْهِ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ يَتَعَجَّلُ مَنْفَعَتَهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّقَبَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ وَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ رَقَبَةً كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَمَنْ ابْتَاعَ مَنْفَعَتَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ، وَالزَّكَاةُ تَبَعٌ لَهَا فَإِنْ يَئِسَ مِنْ رُجُوعِهَا فَلْيُزِلْ مِلْكَهُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ لِتَسْقُطَ عَنْهُ النَّفَقَةُ وَالزَّكَاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَرْجِعُ إلَى حُرِّيَّةٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ نَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ عَلَى

[مكيلة زكاة الفطر]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ إنَّ سَيِّدَهُ إنْ عَلِمَ مَكَانَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَهُوَ يَرْجُو حَيَاتَهُ وَرَجْعَتَهُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ إبَاقُهُ قَدْ طَالَ وَيَئِسَ مِنْهُ فَلَا أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ) . مَكِيلَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِي الرِّقِّ بِسَبَبِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الَّذِي يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَزِمَهُ فِي قِيمَتِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ ثَابِتَةٌ فِي رَقَبَتِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، يُرِيدُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِهِ أَوْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مُؤْمِنٍ فَإِنَّهُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْ عَبِيدِهِ الْكُفَّارِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ فَلَمْ يَجِبْ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ، أَصْلُهُ الْأَبُ الذِّمِّيُّ الْكَافِرُ الْفَقِيرُ فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَدَّى عَنْهُ الْفِطْرُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ تُرْجَى أَوْبَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا تُرْجَى فَمَنْ رُجِيَتْ أَوْبَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ، وَمَنْ يَئِسَ مِنْ أَوْبَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي عِلْمِهِ بِحَيَاتِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَزِمَتْهُ عَنْهُ الْفِطْرَةُ دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا قَدْ يَئِسَ مِنْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَاَلَّذِي صَارَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْقُرَى وُجُوبًا سَوَاءً لِمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَهَا عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ حَاضِرَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَهَذَا نَصٌّ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِهِ بِصِحَّةِ الْعُمُومِ وَاعْتِقَادِهِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ دَاخِلَةٌ فِيهَا وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصِحُّ بِتَأَوُّلِهِ لَهَا وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذِهِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. [مَكِيلَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى النَّاسِ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى فَرَضَ أَلْزَمَ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْوَاجِبُ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي عِبَارَةٍ وَمَعَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ خَالَفَ أَصْلَهُ فَجَعَلَ زَكَاةَ الْخَيْلِ وَزَكَاةَ التِّجَارَةِ فَرِيضَةً، وَالْخِلَافُ فِيهَا أَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَاللُّزُومَ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَدَّرَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ فَرَضَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا أَوْجَبَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَقْتَضِي الْإِيجَابَ وَاللُّزُومَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى عَنْ؛ لِأَنَّ الْمُوجَبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُوجَبِ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ قَدَّرَ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَكَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] أَنَّهَا زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ قِيلَ لَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَقَالَ هِيَ مِمَّا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَضَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْفَرْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الْغَنِيِّ فَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ دُونَ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ نِصَابُ مَالٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى النَّاسِ» وَهَذَا عَامٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ فِي الْمَالِ لَا يَزْدَادُ بِزِيَادَةٍ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِصَابٍ كَالْكَفَّارَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ رَمَضَانَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ ابْتِدَاءَ الْفِطْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ زَمَنٍ مِنْ شَوَّالٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْفِطْرُ يَوْمَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفُ حُكْمَ الصَّوْمِ فِيهِ وَأَمَّا الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفِطْرٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيَ صَوْمَ مَا بَعْدَهُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ذِكْرٌ لِمَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَأَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُخْرَجَ مِنْهُ هُوَ صَاعٌ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ رِطْلٌ وَثُلُثٌ فَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُدُّ رَطْلَانِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ نَقْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَّصِلُ رَوَاهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ وَوَرِثَهُ أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّ هَذَا الْمُدَّ هُوَ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا احْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَبِي يُوسُفَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ، وَاسْتَدْعَى أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُلٌّ أَتَى بِمُدٍّ زَعَمَ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ أَوْ عَنْ جَارِهِ مَعَ إشَارَةِ الْجُمْهُورِ إلَيْهِ وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ بَلَدًا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مُدِّهِمْ الَّذِي يَتَعَامَلُونَ بِهِ الْيَوْمَ وَاَلَّذِي تَعَامَلُوا بِهِ مُنْذُ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ وَأَشَارَ إلَيْهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَوَقَعَ إلَيْهِمْ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي يُوسُفَ؛ وَلِذَلِكَ رَجَعَ عَنْ مُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ إلَى مُوَافَقَةِ مَالِكٍ لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّقْسِيمِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ لَاقْتَضَى أَنْ يُخْرِجَ الشَّعِيرَ مَنْ قُوتُهُ غَيْرَهُ مِنْ التَّمْرِ مَعَ وُجُودِهِ وَلَا يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَتَقْدِيرُهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ عَلَى هَاهُنَا بِمَعْنَى عَنْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَالْعَبْدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ عِنْدَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْ عَبْدِهِ وَإِنَّمَا يُخْرِجُهَا الْعَبْدُ نَفْسُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَعْنَاهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَكِنْ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ السَّيِّدُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُطْلَقَ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ الْغُرْمُ يَلْزَمُ السَّيِّدَ دُونَ الْعَبْدِ؛ وَلِذَلِكَ يُقَالُ يَلْزَمُك عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّك دِرْهَمٌ وَعَلَى كُلِّ نَاقَةٍ مِنْ إبِلِك بِحَارِسِهَا دِرْهَمٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يُطْلِقْهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ ذَلِكَ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إشْغَالِهَا بِالشَّرْعِ وَعَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُسْلِمِينَ وَانْتِفَائِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى مَا يُخْرَجُ زَكَاةً وَالزَّكَاةُ إنَّمَا هِيَ تَطْهِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُطَهِّرُهُمْ وَلَا تُزَكِّيهِمْ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا حَصَلَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَا فِيمَنْ تَجِبُ عَنْهُ؛ وَلِذَلِكَ تَكُونُ طُهْرَةً وَزَكَاةً فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْيِيدَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ فَيَجِبُ أَنْ تُصْرَفَ إلَى جَمِيعِهِمْ وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لَكَانَ انْصِرَافُ ذَلِكَ إلَى مَنْ تَجِبُ عَنْهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ إلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِلَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ: إنَّ الصِّفَاتِ وَالتَّقْيِيدَ وَالِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ، وَطَائِفَةٌ تَقُولُ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا أَحَدَ يَقُولُ: إنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ دُونَ أَقْرَبِهِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ لَنَا إذَا اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيمَنْ يُخْرِجُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَلْحَقُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمُسْنَدِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَخْبَرَ بِفِعْلٍ مِنْ الشَّرْعِ وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ» فَذَكَرَهُ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ الْمُضَافُ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَتَبَيَّنُ وَلَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ، وَإِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَكْثُرُ الْمُخْرِجُونَ لَهَا وَالْآخِذُونَ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُمْكِنَ أَنْ يَخْفَى أَمْرُهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَثَبَتَ أَنَّ الْخَبَرَ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ مُسْنَدٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَالطَّعَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُتَطَعَّمُ، وَلَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَاقِعٌ عَلَى قُوتِ النَّاسِ مِنْ الْبُرِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إخْرَاجَ الْبُرِّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ جَائِزٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْبُرِّ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا خِلَافٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَكَذَا «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَالطَّعَامُ إذَا أُطْلِقَ تَوَجَّهَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إلَى الْبُرِّ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ اذْهَبْ بِنَا إلَى سُوقِ الطَّعَامِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ سُوقُ الْجَزَّارِينَ وَلَا سُوقُ الزَّيْتِ وَلَا سُوقُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا الْبُرَّ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّعِيرِ عَلَى حَسْبِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبُرِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَى سُوقِ الشَّعِيرِ إذَا انْفَرَدَ وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى سُوقِ الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلْقَمْحِ، وَأَمَّا سُوقُ الشَّعِيرِ إذَا انْفَرَدَ فَإِنَّ هَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْمَ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ قَالَ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ فَصَرَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ غَيْرُ الشَّعِيرِ كَمَا بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّعِيرِ غَيْرُ مَا بَعْدَهُ لَمَّا أَوْرَدَ بَيْنَهُمَا لَفْظَ التَّقْسِيمِ أَوْ التَّخْيِيرِ وَلَا يُقْسَمُ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ كَمَا لَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَقَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ قُوتَهُمْ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تُخْرَجُ مِنْ الْقُوتِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُؤَدِّيهَا مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قُوتِهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تُؤَدَّى مِنْ تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ وَالتَّمْرِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَلَسَ فَجَعَلَهَا عَشْرَةً وَقَالَ: إنْ أَخْرَجَ الدَّقِيقَ بِرِيعِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَالِكَ الْخُبْزُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُجْزِئُ إلَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ إلَّا أَنَّ الشَّعِيرَ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَمْحُ وَالسُّلْتُ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهَذِهِ مَعَانٍ تُبَيِّنَ الْقَوْلُ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ صِفَةَ إخْرَاجِهَا فَأَمَّا الْقَمْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَالشَّعِيرُ ثَابِتٌ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَدْ انْفَرَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ» وَلَيْسَ السُّلْتُ بِمَحْفُوظٍ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهِ أَنَّهُ حَبٌّ مِنْ جِنْسِ الْقَمْحِ تُجْزِئُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالشَّعِيرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَمْحَ وَالسُّلْتَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَفْضَلُهُ الْقَمْحُ وَأَوْسَطُهُ السُّلْتُ وَأَدْوَنُهُ الشَّعِيرُ فَإِذَا كَانَ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الشَّعِيرِ وَهُوَ الْأَدْوَنُ فَبِأَنْ يُجْزِئَ إخْرَاجُ الْقَمْحِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالسُّلْتِ وَهُوَ الْأَوْسَطُ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَلَسُ فَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي إلْحَاقِهِ بِالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ، وَالْكَلَامُ فِي إخْرَاجِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ أُلْحِقَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أُلْحِقَ بِهِ بِالْقِيَاسِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّمْرُ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ مُجْزِئًا وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ تُجْزِئُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا وَعِنْدَ كَمَالِ نَمَائِهَا تُقْتَاتُ غَالِبًا فَجَازَ إخْرَاجُهَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَقِطُ فَإِنَّ إخْرَاجَهُ جَائِزٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِنَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَوْ صَاعٌ مِنْ أَقِطٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَعْنَى يُجْزِئُ فِيهِ الصَّاعُ يُقْتَاتُ غَالِبًا يُسْتَفَادُ مِنْ أَصْلٍ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْحُبُوبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عِنْدَ أَشْهَبَ وَيُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَبٌّ يُقْتَاتُ غَالِبًا تُجْزِئُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ يَوْمَ تَمَامِهِ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي الزَّكَاةِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا كَاللَّحْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَطَانِيُّ الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ فَهَلْ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ مِنْهَا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُخْرِجُ مِنْ الْقَطَانِيِّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ كَانَ قُوتَهُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا حَبٌّ يُقْتَاتُ غَالِبًا تُجْزِئُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ حُبُوبٌ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى التَّأَدُّمِ وَإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْأَبْزَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّقِيقُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِلرِّيعِ فَإِذَا أَخْرَجَ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيعُ الْقَمْحُ أَجْزَأَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُقَدَّرَةٌ وَمِقْدَارُ الرِّيعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا إخْرَاجَ الدَّقِيقِ بِالرِّيعِ لَأَخْرَجْنَاهَا عَنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي فَرَضَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْجَبَهُ إلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الَّذِي يُنَافِي الزَّكَاةَ وَلَكَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُخْرِجُ اسْمَ صَاعٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلَّقَ حُكْمَهَا بِهَذَا الِاسْمِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَكُونَ الصَّاعُ قَدْ جَرَى فِي الْحِنْطَةِ، ثُمَّ يُطْحَنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ التَّقْدِيرِ إلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التِّينُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الزَّكَاةَ لَا تُجْزِئُ فِيهِ وَإِنَّ الرِّبَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِنْ الْأَقْوَاتِ لِمَا لَمْ يَكُنْ بَلَدٌ يُقْتَاتُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَأَنْ تُجْزِئَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالرِّبَا وَيُخْرِجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَنْ يَتَقَوَّتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَقْوَاتُ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ فَعَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ غَالِبِ قُوتِهِمْ وَأَكْثَرِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي جِهَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَقْتَاتُ بِغَيْرِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ بَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ اقْتَاتَ أَفْضَلَ مِنْ قُوتِهِمْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى قُوتِ النَّاسِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالتَّفَكُّهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ دُونَ قُوتِ النَّاسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عُسْرٍ أَوْ بُخْلٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ عُسْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ قُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، فَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِبُخْلٍ لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ قُوتِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَتَقْصِيرُهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَمَنْ أَكَلَ الْحِنْطَةَ وَأَخْرَجَ الشَّعِيرَ أَوْ السُّلْتَ أَجْزَأَهُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِنَوْعٍ لَمْ يَجُزْ أَدْوَنُ مِنْهُ، أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ حِنْطَةٍ لَا يُجْزِيهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا حِنْطَةً رَدِيئَةً. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ لَا يُجِيزُ التَّخْيِيرَ مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا يُجِيزُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْقَمْحِ وَالسُّلْتِ وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْحَدِيثِ وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالزَّبِيبُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ مَعَ الشَّعِيرِ فَلَا نَرَى فِيهَا التَّخْيِيرَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ فَلْيُخْرِجْ مِنْ بَدَلِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قُوتَهُ وَقُوتَ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْمَدِينَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَرَى أَنْ لَا يُجْزِيَهُ غَيْرَ التَّمْرِ وَكَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُهُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الشَّعِيرِ وَيَقُوتُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الشَّعِيرُ يُجْزِيهِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُخْرَجَ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَقْوَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقْتَاتُ فِيهَا إلَّا التَّمْرُ أَوْ الشَّعِيرُ وَأَمَّا اقْتِيَاتُ الْقَمْحِ فَنَادِرٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ ابْنُ عُمَرَ الشَّعِيرَ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا أَعْوَزَهُ التَّمْرُ، وَكَذَالِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْطِي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ

[وقت إرسال زكاة الفطر]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْعُشُورِ كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الظِّهَارَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ الْمُدُّ الْأَعْظَمُ) . وَقْتُ إرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمْرُ عَامًا فَأَعْطَى شَعِيرًا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا غَيْرُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إنَّمَا تُخْرَجُ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا مُدٌّ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَإِمَّا مُدَّانِ عَلَى حَسْبِ مَا أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ وَقَوْلُهُ: وَزَكَاةُ الْعُشُورِ إنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ اعْتِبَارَ النُّصُبِ إنَّمَا هُوَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَالِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ الِاعْتِبَارُ بِمَا يُخْرَجُ إنَّمَا هُوَ بِالْمُدِّ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الظِّهَارُ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهِ بِمُدِّ هِشَامٍ يُرِيدُ هِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مِقْدَارِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُدَّانِ إلَّا ثُلُثًا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُدَّانِ بِهِ وَإِنَّمَا قَدَّرَ مَالِكٌ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ بِهِ لِمَا رَأَى أَنَّهُ مِقْدَارٌ يُجْزِي إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِمُدِّ هِشَامٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ كَانَ قَبْلَ هِشَامٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [وَقْتُ إرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهَا فَيُخْرِجُهَا عَنْهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ نَصَّبَ لَهَا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ كَانَ إلَيْهِ الْأَمْرُ رَجُلًا يُرْسِلُ إلَيْهِ بِهَا فَتَجْتَمِعُ عِنْدَهُ حَتَّى يَضَعَهَا فِي وَقْتِهَا حَيْثُ رَأَى قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَإِرْسَالُهَا إلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ الْإِمَامَ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بَيْتُ الْمَالِ بِيَدَيْهِ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَدَفْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ إلَيْهِ أَوْلَى لِيَضَعَهَا فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعْتَرِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهِمْ وَمَوَاضِعِ حَاجَتِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخْرَجَهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يُرْسِلَهَا أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يُبْعَثُ إلَى الْإِمَامِ فِيهَا وَإِنَّمَا هِيَ إلَى أَمَانَةِ مَنْ يُخْرِجُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُرْسِلُ الْإِمَامُ فِيهَا مَنْ يَطْلُبُ النَّاسَ بِهَا كَمَا يَفْعَلُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَإِنَّمَا يُنَصِّبُ لِذَلِكَ مَنْ يَثِقُهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ فِطْرَتَهُ قَبَضَهَا وَمَنْ وَلِيَ إخْرَاجَهَا لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَلِيَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. ص (قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوا إلَى الْمُصَلَّى قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءُوا أَنْ يُؤَدُّوا قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَهُ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرَجَ زَكَاةُ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» . وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْمَسَاكِينِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبَبٌ إلَى انْتِفَاعِهِمْ بِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِطْرِهِمْ بِهَا وَبِذَلِكَ يَسْتَغْنُونَ عَنْ التَّطَوُّفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى النَّاسِ فِي الْمُصَلَّى وَمَنْعًا لَهُمْ مِنْ النَّظَرِ عَلَيْهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْفِطْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَّرِفٌ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهَا تَجِبُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ

[من لا تجب عليه زكاة الفطر]

مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ (ص) : (مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ وَلَا فِي أَجِيرِهِ وَلَا فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ زَكَاةٌ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُمْ يَخْدُمُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ مَا لَمْ يُسْلِمْ لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ رَأَيْت كَلَامَهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِأَصْحَابِنَا بِمَسَائِلَ تَقْتَضِي غَيْرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا. وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ قَوْلُهُ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» فَأَضَافَهَا إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَحَقِيقَتُهُ أَوَّلُ فِطْرٍ يَقَعُ فِي زَمَانِ شَوَّالٍ وَهُوَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ وُجُوبِهَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ رَمَضَانَ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْفِطْرِ الَّذِي يُخَالِفُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَيُنَافِيهِ وَذَلِكَ فِطْرُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ وَأَمَّا الْفِطْرُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ بِمُنَافٍ لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلُ وَقْتِ وُجُوبِهَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ اسْتِحْبَابِ خُرُوجِهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ أَوْ اشْتَرَى مَمْلُوكًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ أَوَبَاعَ عَبْدَهُ قَالَ أَشْهَبُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ احْتَلَمَ وَلَدُهُ الذَّكَرُ أَوْ بُنِيَ بِابْنَتِهِ الْبِكْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ سَقَطَتْ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَكَذَالِكَ الْأَمْرُ فِيمَنْ قَالَ إنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَكَذَالِكَ يَجْرِي حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ أَدْرَكَ صِيَامَ يَوْمٍ لَزِمَتْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا شَاذٌّ وَلَوْ وَجَبَتْ بِالصَّوْمِ لَسَقَطَتْ عَنْ الْمَوْلُودِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ وَاسِعٌ أَنْ يُؤَدُّوا قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَهُ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُفِيتُ الْإِخْرَاجُ وَالْأَدَاءُ بِالْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَاسِعٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْوُجُوبِ قَدْ انْقَضَى. [مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ؛ لِأَنَّ عَبِيدَ عَبِيدِهِ لَيْسُوا فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُونَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ أَنْ يَنْتَزِعَهُمْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ لَمْ يُعْتَقُوا بِعِتْقِهِمْ وَلَكَانُوا مِلْكًا لَهُمْ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُمْ وَلِيَنْتَزِعَهُمْ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِمْ. 1 - وَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ فِي أَجِيرِهِ وَإِنْ الْتَزَمَ نَفَقَتَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَجِيرِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا هِيَ إجَارَةٌ تُشْتَرَطُ فِي الْعَقْدِ كَمَا تُشْتَرَطُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَجِنْسِهَا. 1 - وَقَوْلُهُ وَلَا فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي رَقِيقِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزَّكَاةُ مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ فَتَجِبُ فِيهِمْ عَلَيْهِ إذَا كَانُوا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ لِمَنْ أُخْرِجَتْ عَنْهُ فَسَوَاءٌ كَانُوا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا لَمْ يُخْرِجْ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمْ إذَا كَانُوا لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا فِي زَكَاةِ الْقِيمَةِ، فَإِنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ زُكِّيَتْ قِيمَتُهُمْ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ هُنَاكَ إسْلَامٌ وَلَا حُرِّيَّةٌ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ هَذِهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالرِّقَابِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُخْرَجُ عَنْ غَيْرِ بَنَى آدَمَ وَتُخْرَجُ عَنْ الْأَحْرَارِ فَلَيْسَتْ مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَعْنَى طَهَارَةِ بَنِي آدَمَ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لَزِمَتْهُ وَلَزِمَتْ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ لَمْ تَلْزَمْ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ تَمَّ كِتَابُ الزَّكَاةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

[كتاب الحج]

كِتَابُ الْحَجِّ الْغُسْلُ لِلْإِهْلَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتُهِلَّ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْحَجِّ] [الْغُسْلُ لِلْإِهْلَالِ] (ش) : الْبَيْدَاءُ مَوْضِعٌ مُتَّصِلٌ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَأَلَهُ مُسْتَفْتِيًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ إنْ كَانَ النِّفَاسُ وَدَمُهُ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحَجِّ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ النِّفَاسَ لَا يُنَافِي الْحَجَّ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ بَلْ يَصِحُّ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ مَعَ النِّفَاسِ إلَّا مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ مِنْ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَةٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ يَمْنَعَانِ صِحَّتَهُ وَيُنَافِيَانِهِ لَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَدَاءُ الْحَجِّ لِكُلِّ مَنْ يَحِيضُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْقَضِي إلَّا فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِهِ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَرَادَتْ الْحَجَّ يُمْكِنُهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَوَّلِ طُهْرِهَا فَكَانَتْ لَا تَأْتِي عَلَى إكْمَالِ الْحَجِّ حَتَّى يَطْرَأَ عَلَيْهَا فَيُبْطِلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَجِّهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ عَنْ اغْتِسَالِهَا لِلْإِحْرَامِ إنْ عَلِمَ أَنَّ إحْرَامَهَا بِالْحَجِّ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ لِلْمُحْرِمِ مَشْرُوعٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: أَحَدُهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ النِّفَاسُ يَمْنَعُ الِاغْتِسَالَ الَّذِي يُوجِبُ حُكْمَ الطُّهْرِ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَيْسَ لِرَفْعِ حَدَثٍ فَلَا يُنَافِيه حَيْضٌ وَلَا غَيْرُهُ وَإِنَّمَا هُوَ غُسْلٌ مَشْرُوعٌ لِلْإِحْرَامِ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْإِحْرَامَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ لَمْ يَمْنَعْ الْغُسْلَ. ص (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ بِالْبَيْدَاءِ لَيْسَا بِمُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْدَاءَ مُتَّصِلَةٌ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُ أَسْمَاءَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمَبِيتُهُمَا بِهَا فَنَسَبَ الرَّاوِي ذَلِكَ إلَى الْحُلَيْفَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ الْمَقْصُودَةَ بِالْمَنْزُولِ فِيهَا، وَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ النُّزُولَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا لِلِانْفِرَادِ مِنْ النَّاسِ لَا سِيَّمَا لِحَاجَةِ أَهْلِهِ إلَى الْوِلَادَةِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ نَفِسَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَقَارُبِ الْمَوْضِعَيْنِ وَلِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ، ثُمَّ تُهِلَّ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَفْتَى لَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْمُرَهَا تَغْتَسِلَ، ثُمَّ تُهِلَّ فَامْتَثَلَ أَبُو بَكْرٍ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَكُلٌّ رَوَى وَنَقَلَ مَا حَفِظَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِدُخُولِهِ مَكَّةَ وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ) ش قَوْلُهُ: يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ عَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلْإِحْرَامِ وَيُقَدَّمُ لَهُ وَقَوْلُهُ لِدُخُولِهِ مَكَّةَ أَضَافَ الْغُسْلَ إلَى دُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ لِيَتَّصِلَ الدُّخُولُ بِالطَّوَافِ، وَالْغُسْلُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ دُونَ الدُّخُولِ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ وَلَا النُّفَسَاءُ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِتَعَذُّرِ الطَّوَافِ عَلَيْهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ حَقِيقَةَ الْغُسْلِ لِلْوُقُوفِ؛ وَلِذَلِكَ تَغْتَسِلُ الْحَائِضُ

[غسل المحرم]

غُسْلُ الْمُحْرِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ قَالَ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْت أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إلَيْك عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُك كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اُصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنُّفَسَاءُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اتِّصَالُ الْوُقُوفِ بِالصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا شُرِعَ لَهَا الِاغْتِسَالُ فَيَجْمَعُ فِي غُسْلِهِ الْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ كَمَا يَفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَقِيقَةَ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْعِشَاءُ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ زَمَانِ الْوُقُوفِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [غُسْلُ الْمُحْرِمِ] (ش) : اخْتِلَافُهُمَا بِالْأَبْوَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُذَاكَرَةِ بِالْعِلْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ إرْسَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ صِفَةِ غُسْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلِمَ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمَا أَرْسَلَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ هَلْ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ فَوَجَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَبَا أَيُّوبَ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ يُرْكَزَانِ أَوْ الرِّجْلَانِ يُبْنَيَانِ عَلَى الْبِئْرِ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمَا وَأَبُو أَيُّوبَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يَحْتَاجُ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ إلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مَعَهُ مِنْ السِّتْرِ لَا سِيَّمَا حَيْثُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ وَيُنْظَرَ إلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ احْتَاجَ إلَى مُخَاطَبَتِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا الْحَالُ الَّتِي أُرْسِلَ إلَى سُؤَالِهِ عَنْهَا فَاسْتَفْتَحَ لِكَلَامِهِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ تُجْتَنَبُ مُكَالَمَتُهُ وَيَغُضُّ الْبَصَرَ عَنْهُ وَيُنْصَرَفُ عَنْ جِهَتِهِ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلِمَا يَجِبُ إفْرَادُهُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ لِسُرْعَةِ تَمَامِهِ، وَلِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِ سَهْوٌ فِي عَمَلِهِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَنَّهُ أُرْسِلَ يَسْأَلُهُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَذَا خِلَافٌ لِظَاهِرِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا هَلْ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ أَوْ لَا يَغْسِلُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي صِفَةِ غُسْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْغُسْلِ وَلَا يُمْكِنُ الْمِسْوَرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خِلَافُهُمَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ مِنْ الْغُسْلِ وَفِي إمْرَارِ الْيَدِ جُمْلَةً مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْفَرْضَ إفَاضَةُ الْمَاءِ فَقَطْ لِتَأْوِيلٍ تَأَوَّلَهُ أَوْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي غُسْلٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَطَأْطَأَ أَبُو أَيُّوبَ الثَّوْبَ حَتَّى بَدَا رَأْسُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ اُصْبُبْ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. وَلَوْ اقْتَصَرَ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى فِعْلِهِ لَكَانَ مُسْنَدًا؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُنَيْنٍ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِعْلًا يُرِيهِ إيَّاهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فَكَيْفَ وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنْ قَالَ بَعْدَ غُسْلِ رَأْسِهِ وَتَحْرِيكِهِ بِيَدَيْهِ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ، وَلَعَلَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ خَشْيَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ فِي الرَّأْسِ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ عَلَى حَسْبِ مَا تَوَقَّعَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الصَّبِّ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ فِي إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الرَّأْسِ قَتْلٌ لَهَا وَلَا إزَالَتُهَا عَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ يَصُبُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً وَهُوَ يَغْتَسِلُ اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي إنْ أَمَرْتنِي صَبَبْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اُصْبُبْ فَلَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إلَّا شَعَثًا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بَاتَ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَدْخُلَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَلَا يَدْخُلُ إذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي طُوًى وَيَأْمُرُ مَنْ مَعَهُ فَيَغْتَسِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعِهَا إلَّا مِثْلُ مَا فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ خَاصَّةً؛ وَلِذَلِكَ كَانَا مُبَاحَيْنِ فَأَمَّا الِانْغِمَاسُ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَالَ الْقَمْلُ بِكَثْرَةِ الْمَاءِ عَنْ الشَّعْرِ فَيَأْتِي مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ بِمَا حُظِرَ عَلَيْهِ وَمُنِعَ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إجَازَةَ انْغِمَاسِ الْمُحْرِمِ فِي الْمَاءِ وَأَمَّا اغْتِسَالُ أَبِي أَيُّوبَ فَلَا يُعْلَمُ هَلْ كَانَ غُسْلًا وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا صِفَةَ الْعَمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ يَصُبُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَاءً وَهُوَ يَغْتَسِلُ اُصْبُبْ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي إنْ أَمَرْتنِي صَبَبْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اُصْبُبْ فَلَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إلَّا شَعَثًا) . (ش) : صَبُّ يَعْلَى عَلَى رَأْسِ عُمَرَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَغْتَسِلَ عُمَرُ تَبَرُّدًا وَعَلَيْهِ إزَارٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلتَّبَرُّدِ جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَزِيدُ الْمَاءُ الْبَارِدُ الشَّعْرَ إلَّا شَعَثًا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ غَسْلُ الرَّأْسِ بِمَا يُزِيلُ الشَّعَثَ أَوْ يُسَبِّبُ قَتْلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ كَالْخَطْمِيِّ وَنَحْوِهِ فَمَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِهِ افْتَدَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَعْنِي أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَهَا بِي حَذِرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَبُّ الْمَاءِ يُلْحِقُ بِهِ أَمْرًا مِنْ فِدْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَيَّ إذْ وَلَّيْتنِي الصَّبَّ إنْ أَمَرْتنِي صَبَبْت يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا أَفْعَلُ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ فَكَرَاهِيَتُهُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُصْبُبْ فَلَنْ يَزِيدَهُ الْمَاءُ إلَّا شَعَثًا. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى وَهُوَ رَبَضٌ مِنْ أَرْبَاضِ مَكَّةَ حُكْمُهُ حُكْمُهَا حَتَّى يُصْبِحَ فَيُصَلِّي الصُّبْحَ، ثُمَّ يَدْخُلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاظَبَ عَلَى هَذَا لِمَا رَأَى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي آخِرِ النَّهَارِ فِيهِ مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ مَا بَقِيَ مِنْ آخِرِهِ عَنْ قَضَاءِ مَا يَلْزَمُ الْوَارِدَ فِي قُدُومِهِ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحْوَالِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ بِمَا يَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُقْدِمُ عَلَيْهِ مَنْ قَصَدَ بِهِ الْبَيْتَ وَالطَّوَافَ وَالرُّكُوعَ وَالسَّعْيَ وَرُبَّمَا تَرَكَ رَاحِلَتَهُ وَرَحْلَهُ وَرُبَّمَا تَرَكَ ذَلِكَ لِغَيْرِ حَافِظٍ، وَالْأَمْرُ فِي اللَّيْلِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي النَّهَارِ فَآثَرَ الْمَبِيتَ بِذِي طُوًى لِمَنْ يَقْدُمُ آخِرَ النَّهَارِ وَقَدِمَ لَيْلًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَرَكَ رَاحِلَتَهُ بَيْنَ الْوَارِدِ وَالصَّادِرِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهَا مَنْ يُرِيدُ اغْتِيَالَهُ فِيهَا وَلَمْ يَنْفَسِخْ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَهِيَ كَدَاءَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَاَلَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَدَاءٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْخُلُ مِنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ إذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا حَتَّى يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إذَا دَنَا مِنْ مَكَّةَ بِذِي طُوًى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاغْتِسَالَ لِدُخُولِ مَكَّةَ مَشْرُوعٌ فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ جِهَةِ ذِي طُوًى اغْتَسَلَ بِهَا وَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ اغْتَسَلَ بِقُرْبِهَا وَفِي أَوَّلِ أَرْبَاضِهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ بِذِي طُوًى يُرِيدُ مَنْ جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا قِيلَ: لَهُ فَمَرُّ الظَّهْرَانِ قَالَ الَّذِي سَمِعْت بِقُرْبِ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْوَارِدِ أَنْ يَتَّصِلَ طَوَافُهُ بِدُخُولِهِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ غُسْلَهُ لِئَلَّا يَفْصِلَ بَيْنَ الدُّخُولِ وَالطَّوَافِ بِطَلَبِ الْمَاءِ وَالِاغْتِسَالِ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ فَوَاسِعٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ وَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِمُرَاعَاتِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ مَعَ شُغْلِ الْوَارِدِ وَمُؤْنَةِ السَّفَرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ) .

[ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام]

لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ) . (ص) : (مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ وَحَلْقُ الشَّعْرِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ) . مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ الْوَرْسُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَقَوْلُهُ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ غُسْلَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَانَ يَخْتَصُّ بِجَسَدِهِ دُونَ رَأْسِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا اغْتَسَلَ الْمُحْرِمُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَإِنَّمَا يَغْسِلُ جَسَدَهُ دُونَ رَأْسِهِ فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَمَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ فَلَا حَرَجَ مَا لَمْ يَغْمِسْ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ يَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ، فَذَهَبَ إلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إلَّا بِالْمَاءِ وَحْدَهُ يَصُبُّ صَبًّا وَلَا يُغَيِّبُ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُدَلِّكُهُ بِيَدَيْهِ وَظَاهِرُ لَفْظِ مَالِكٍ يَقْتَضِي جَوَازَ الْغُسْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَبَرْت ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَرَأَيْت كُلَّ مَوْضِعٍ أَبَاحَ فِيهِ الْغُسْلَ لِلْمُحْرِمِ لِغَيْرِ جَنَابَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِيهِ إمْرَارَ الْيَدِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ فِيهِ صَبَّ الْمَاءِ وَإِذَا ذَكَرَ غُسْلَ الْجِنَايَةِ ذَكَرَ إمْرَارَ الْيَدِ وَلَعَلَّهُ اجْتَنَبَ الْخِلَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى وَهُوَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ مَوَانِعَ الْإِحْرَامِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: رَفَثٌ وَإِلْقَاءُ تَفَثٍ فَالرَّفَثُ هُوَ الْجِمَاعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنِّسَاءِ وَمَا يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ مِنْ الطِّيبِ وَالْعُقُودِ الَّتِي مَقْصُودُهَا الْجِمَاعُ كَالنِّكَاحِ وأَمَّا إلْقَاءُ التَّفَثِ فَهُوَ حَلْقُ الشَّعْرِ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ وَالزِّينَةُ وَقَتْلُ الْقَمْلِ وَخَلْعُ ثِيَابِ الْإِحْرَامِ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَأَمَّا إلْقَاءُ التَّفَثِ مُبَاحٌ بِأَوَّلِ التَّحَلُّلَيْنِ وَأَمَّا الرَّفَثُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِآخِرِ التَّحَلُّلَيْنِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَتَنْقِيَةِ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ وَقَتْلِ الْقَمْلِ وَهَذَا كُلُّهُ يُسْتَبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. [مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ] (ش) : اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ عَلَى لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَيُّوبُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ عَوْفٍ، وَكَذَالِكَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ فَوَهَمَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَسَرَاوِيلَ» وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ قَالَ نَافِعٌ وَيَقْطَعُ الْخُفَّ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ» مُسْتَوْعَبًا فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ الْمَخِيطَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ غَالِبًا إلَّا بِالْخِيَاطَةِ وَهِيَ الْقَمِيصُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُبَّةِ وَالْفَرْوِ وَالسَّرَاوِيلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبُرْنُسِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْغِفَارَةِ وَمَا يُوضَعُ فِي الرَّأْسِ مِنْ قَلَنْسُوَةٍ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا تَحْصُلُ التَّفْرِقَةُ بِلُبْسِ الثِّيَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَقْصُودِ بِتِلْكَ الْخِيَاطَةِ

(ص) :. (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا ذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ) .. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّرَفُّهِ؛ وَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ وَإِلْقَاء التَّفَثِ وَإِزَالَةِ الْقَمْلِ عَنْ جَسَدِهِ وَأُمِرَ بِالتَّشَعُّثِ وَأَمَّا مَا كَانَ مَخِيطًا وَهُوَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يَحْصُلُ عَلَيْهَا بِالنَّسْجِ الْمُعْتَادِ دُونَ الْخِيَاطَةِ كَالْمِئْزَرِ الْمَرْقُوعِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّهَ لَا يَحْصُلُ بِتِلْكَ الْخِيَاطَةِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهَا إلَّا لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ دَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ الْجَسَدِ، وَالْمُحْرِمُ مَأْمُورٌ بِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مَا يَخْتَصُّ بِهِمَا مِنْ اللِّبَاسِ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ أَوْ الْبُرْنُسَ أَوْ السَّرَاوِيلَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُلْبَسُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ لَمَا كَانَ بِذَلِكَ بَأْسٌ مِثْلُ أَنْ يُلْقِيَ الْقَمِيصَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيَأْخُذَ كُمَّيْهِ أَمَامَهُ، وَكَذَالِكَ الْبُرْنُسُ وَالْقَبَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَحْصُلُ لَهُ دُونَ الْخِيَاطَةِ الَّتِي يَحْصُلُ الْمَنْعُ بِلُبْسِهَا. وَقَدْ رَوَى إبَاحَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ الِارْتِدَاءَ بِالسَّرَاوِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي قُبْحُ الزِّيِّ كَمَا كُرِهَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ مَعَ الرِّدَاءِ دُونَ الْقَمِيصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ دَاخِلَ الْقَبَاءِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ افْتَدَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ هَذَا لَبِسَ مَخِيطًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِقْدَارُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُحْرِمَهُ، ثُمَّ يُزِيلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَالِكَ الْخُفَّانِ وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ دَفْعَ مَضَرَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي مُدَّةٍ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، وَالثَّانِي أَنْ يَطُولَ لُبْسُهُ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ دَفْعَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ التَّرَفُّهَ بِنَفْسِهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُوا الْعَمَائِمَ فَإِنَّ لُبْسَ الْعَمَائِمِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْقَلَانِسِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَأْمُورٌ بِالشَّعَثِ، وَالْعِمَّةُ تَمْنَعُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ إحْرَامَ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ فَلَزِمَهُ كَشْفُهُ مُحْرِمًا وَلَا يَحِلُّ لَهُ سَتْرُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ مَعَ الْفِدْيَةِ لِاخْتِصَاصِ الْإِحْرَامِ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ مُنِعَ مِنْ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ صِيَانَةِ الرِّجْلِ وَتَرَفُّهِهِ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِمَا ضَرُورَةٌ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَيَلْبَسُهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» فَشَرَطَ فِي جَوَازِ لُبْسِهِمَا عِنْدَ عَدَمِ النَّعْلَيْنِ قَطْعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَقَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ التَّامِّينَ وَلَمْ يَقْطَعْهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَحَدًا لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ حَالَةُ إحْرَامٍ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا لُبْسُ الْخُفِّ التَّامِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَطْعِ أَصْلِ ذَلِكَ إذَا وَجَدَ النَّعْلَيْنِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ هَذَا قَادِرٌ عَلَى قَطْعِ الْخُفِّ وَمُقَارَنَةِ النَّعْلَيْنِ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ التَّامَّ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّعْلَيْنِ، أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مَنْ نَصَّ قَوْلَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي يَأْتِي مُسْنَدًا بَعْدَ هَذَا وَهُوَ «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ» وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَفِظَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ وَنَقَلَهُ وَلَمْ يَنْقُلْ صِفَةَ لُبْسِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ نَقَلَ صِفَةَ لُبْسِهِ فَكَانَ أَوْلَى (ص) :. (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا ذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي السَّرَاوِيلِ وَعَلَى مَا رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا عَلَى حَسْبِ مَا تُلْبَسُ عَلَيْهِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ

[لبس الثياب المصبغة في الإحرام]

لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ فِي الْإِحْرَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ» وَقَالَ «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُفَّيْنِ غَيْرَ مَقْطُوعَيْنِ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّرَاوِيلَ إذَا قُطِعَتْ لَمْ يَقَعْ السِّتْرُ بِهَا فَإِذَا لُبِسَتْ عَلَى وَجْهِهَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ غَيْرَ مَقْطُوعَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَلْبَسُهَا سَرَاوِيلَ عَلَى وَجْهِهَا وَلْيَصْرِفْهَا عَنْ جِهَتِهَا إلَى مَا يُسْتَبَاحُ لُبْسُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يَلْبَسُهَا دُونَ فِدْيَةٍ كَمَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِهِ عَلَى مَا يُرِيدُ الْمُخَالِفُ مِنْ أَنَّهُ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ دُونَ فِدْيَةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي السَّرَاوِيلِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى صُورَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْفِدْيَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا أَنَّهُ مَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْجُبَّةِ فَكَذَلِكَ السَّرَاوِيلُ. [لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ فِي الْإِحْرَامِ] (ش) : قَوْلُهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ» دُونَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الصِّبَاغِ، وَأَفْضَلُ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ الْبَيَاضُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ يَلْبَسُهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَيُكَفَّنُ فِيهَا مَوْتَاكُمْ» فَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا فَيَجْتَنِبُ الْمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ أَوْ الْوَرْسِ يَجْتَنِبُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ الطِّيبِ وَالصِّبْغِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ غَالِبًا لِلتَّجَمُّلِ، وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ يُنَافِيَانِ الْإِحْرَامَ وَمَنْ لَبِسَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْمُعَصْفَرِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: مُفْدَمٌ وَمُوَرَّدٌ فَأَمَّا الْمُفْدَمُ فَمَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي صَبْغِهِ لَا تَتَحَقَّقُ غَالِبًا إلَّا لِلتَّجَمُّلِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْجَسَدِ مَا يُشْبِهُ رَدْغَهَا فَكُرِهَ لِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُوَرَّدُ بِالْعُصْفُرِ وَالْمَصْبُوغُ بِالْمُغَرَّى أَوْ الْمِشْقِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْأَصْفَرُ بِغَيْرِ زَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لُبْسُهُ لِلْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ وَلَا يُفْعَلُ غَالِبًا إلَّا إبْقَاءً عَلَى الثَّوْبِ فَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ الْمُقْتَدَى بِهِ لُبْسُهُ لِئَلَّا يُلْبَسَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ فَيَقْتَدِي بِهِ فِي لُبْسِ الْمَصْبُوغِ الْمَمْنُوعِ لُبْسُهُ أَوْ يَنْقُلُهُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَقْتَدِي بِهِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَشْهَبَ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا هُوَ مَدَرٌ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمَصْبُوغَةَ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ) . (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِطَلْحَةَ فِي الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ مَا هَذَا يَقْتَضِي إنْكَارَهُ عَلَيْهِ ثَوْبًا مَصْبُوغًا فِي حَالِ إحْرَامِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِمَدَرٍ فَكَرِهَهُ لَهُ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إمَامٌ يَقْتَدِي بِهِ النَّاسُ فِي لُبْسِ الْمَصْبُوغِ وَيَحْكُونَ عَنْهُ مِثْلَ هَذَا وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَمْنُوعِ وَهَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ الْمُقْتَدَى بِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْ بَعْضِ الْمُبَاحِ الْمُشَابِهِ لِلْمَحْظُورِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا

[لبس المحرم المنطقة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ) .. (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟ فَقَالَ نَعَمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ) . لُبْسُ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَأَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ الْكَفَّ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ قَالَ بِهَذَا وَلَمْ يُرَاجِعْهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَمْ يَعْرِفْ صِبَاغَهُ مِنْ مَدَرٍ هُوَ أَوْ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَأْتِي الْمَحْظُورَ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صِبَاغُ مَدَرٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِ التَّشْبِيهَ بِالْمَحْظُورِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ) . ش قَوْلُهُ كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا لَهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْدَمِ الَّذِي لَا يَنْتَفِضُ عَلَى الْجَسَدِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ لَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَهُ الْمُحْرِمَةُ مَا لَمْ يَنْتَفِضْ مِنْهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَفِضْ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ ذَهَبَتْ بَهْجَتُهُ وَمُشَابَهَتُهُ الْمَصْبُوغَةَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلَا يَلْبَسُ الْمُفْدَمَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِضْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَانَتْ أَسْمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَمَا لَبِسَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَصْبُوغَ بِالْمَدَرِ وَلَوْ تَرَكَتْ لُبْسَهُ كَانَ أَفْضَلَ فَإِنَّهَا كَانَتْ قُدْوَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَعَلَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ لَوْ رَآهَا تَلْبَسُهُ لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهَا مِثْلُ مَا أَنْكَرَ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لِبَاسَ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَرِهَ لِبَاسَ الْمُعَصْفَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِضُ لِمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّهُ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُبَاحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَبْغٌ لَهُ رَدْغٌ عَلَى الْجَسَدِ يَحْصُلُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهُ بِالزِّينَةِ وَالرَّائِحَةِ فَكَانَ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعًا مِنْ لُبْسِهِ كَالْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَبِسَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُوجِبُ بِهِ الْفِدْيَةَ وَيَجْعَلُهُ مُقَارِنًا لِلطِّيبِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ. وَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْنٌ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ مِنْهُ مَا يَنْتَفِضُ عَلَى جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَ زِينَةً وَيَسْتَمْتِعُ بِرَائِحَتِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَالزَّعْفَرَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِشِبْهِهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَلْوَانِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ رِيحَ الطِّيبِ إذَا ذَهَبَ مِنْ الثَّوْبِ وَبَقِيَ أَثَرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الطِّيبِ الْمُحْرِمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِإِتْلَافِهِ وَبِهِ تَتَعَلَّقُ الْفِدْيَةُ فَمَنْ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَمَّ رِيحَهُ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِدْيَةٌ إذَا مَرَّ بِالْعَطَّارِينَ فَشَمَّ رَائِحَةَ الطِّيبِ، لَكِنَّ شَمَّ رَائِحَةِ الطِّيبِ مَكْرُوهَةٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ فَلَوْ أَحْرَمَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رِيحُ طِيبٍ فَقَدْ أَتَى مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ فَإِذَا زَالَ مِنْ الثَّوْبِ رِيحُ الطِّيبِ وَلَمْ تَكُنْ فِي لَوْنِهِ زِينَةٌ كَلَوْنِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ أَوْ كَانَ مِمَّا فِي لَوْنِهِ زِينَةٌ فَزَالَ اللَّوْنُ بِالْغُسْلِ فَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْرَامِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [لُبْسُ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لُبْسَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمِنْطَقَةَ مِمَّا تُسْتَعْمَلُ، وَتُشَدُّ عَلَى الْجَسَدِ لِيَتَرَفَّهَ بِلُبْسِهَا فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنْ لَبِسَهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا كَحَمْلِ نَفَقَتِهِ وَلَمْ يَتَرَفَّهْ

[تخمير المحرم وجهه]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا جَعَلَ طَرَفَيْهَا جَمِيعًا سُيُورًا يَعْقِدُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . تَخْمِيرُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي لُبْسِهَا بِشَدِّ إزَارِهِ وَإِنَّمَا شَدَّهَا تَحْتَ إزَارِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَلَا بَدَلَ لَهَا مِنْ الْمَلْبُوسِ الْمُعْتَادِ كَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُمَا بَدَلٌ مِنْ الْمَلْبُوسِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ شَدَّ الْمِنْطَقَةَ لِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْ شَدَّهَا لِذَلِكَ فَوْقَ إزَارِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا جَعَلَ طَرَفَيْهَا جَمِيعًا سُيُورًا يَعْقِدُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ إذَا لَبِسَهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَمْلِ نَفَقَتِهِ فِيهَا، وَخَصَّ ذَلِكَ بِأَنْ يَلْبَسَهَا تَحْتَ ثِيَابِهِ لِئَلَّا يَلْبَسَهَا فَوْقَ ثِيَابِهِ فَيَتَرَفَّهَ بِشَدِّهَا ثِيَابَهُ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُهُ إذَا جَعَلَ فِي طَرَفَيْهَا سُيُورًا يَعْقِدُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهَا سَيْرًا فَيَعْقِدُ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ شَدِّهَا وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا سُيُورٌ وَفِي الْآخَرِ ثُقْبٌ يَدْخُلُ فِيهَا السَّيْرُ وَيُشَدُّ لَمَا كَانَ بِهِ بَأْسٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَسَوَاءٌ كَانَ النِّطَاقُ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ جِلْدَةٍ إذَا شَدَّهُ تَحْتَ إزَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَخْمِيرُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ] (ش) : قَوْلُهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ مُبَاحًا وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ تَغْطِيَتُهُ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِعْلَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ طَرِيقٌ إلَى الِاجْتِهَادِ بِظُهُورِ الْخِلَافِ إلَيْهِ وَوُقُوفِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّمَا ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِمُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: الْكَرَاهِيَةُ وَالتَّحْرِيمُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتَعَلَّقُ الْإِحْرَامُ بِالْوَجْهِ كَتَعَلُّقِهِ بِالرَّأْسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْوَجْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثِيَابِهِ وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا شَخْصٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَهُ كَشْفُ وَجْهِهِ مَعَ السَّلَامَةِ كَالْمَرْأَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ غَطَّى الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ فَهَلْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرٌ وَقَالَ فِي غَيْرِهَا مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَالَ: وَتَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّنَا إنْ قُلْنَا بِتَحْرِيمِ التَّغْطِيَةِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهِيَتِهَا دُونَ التَّحْرِيمِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ) . (ش) : قَوْلُهُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ بَيَانٌ لِعِلَّةِ تَخْمِيرِهِ وَهُوَ مَا قَالَهُ إنَّ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ وَهُوَ عَظْمُ الرَّأْسِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا لَهُ حُكْمُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَهَكَذَا كُلُّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ فَإِنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَاتَ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ مُحْرِمًا وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ لَطَيَّبْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ انْقَضَى الْعَمَلُ) . (ش) : (فِعْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ تَخْمِيرِ وَجْهِ ابْنِهِ وَقَدْ مَاتَ مُحْرِمًا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَرَأَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا سَوَاءٌ يُفْعَلُ بِالْمُحْرِمِ مِنْ تَخْمِيرِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ مَا يُفْعَلُ بِغَيْرِهِ، وَكَذَالِكَ الْحَنُوطُ وَالطِّيبُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يُطَيِّبَهُ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ هُوَ لَا لِأَجْلِ إحْرَامِ الْمَيِّتِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ لَطَيَّبْنَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ لَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَا يُطَيَّبُ وَيُسْتَدَامُ لَهُ حَالُ إحْرَامِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الْكَفَنَ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُ الْمَيِّتِ الْحَلَالِ فَجَازَ أَنْ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ وَأَصْلُ ذَلِكَ التُّرَابُ أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مَنْ نَصَّ قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي» وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ تَخْمِيرِ رَأْسِهِ، وَمَنَعَهُ مِنْ الطِّيبِ بِمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ وَإِذَا عَلَّلَ بِمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَلَا طَرِيقَ لَنَا نَحْنُ إلَى مَنْ يَمُوتُ الْيَوْمَ مِنْ الْمُحْرِمِينَ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا فَثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ نُكَلَّفْهَا إذْ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ عِلَّتِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) . (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ مَا دَامَ حَيًّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَقَدْ انْقَضَى عَمَلُهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إحْرَامٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يُبْطِلُ غُسْلَ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ اسْتِدَامَةُ صِفَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَاجْتِنَابِ الطِّيبِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا هُوَ تَنْظِيفٌ لِظَاهِرِ الْجَسَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ مَعَ مَا يَصْحَبُ الْمَرِيضَ مِنْ تَغَيُّرِ الرِّيحِ بِطُولِ الْمَرَضِ وَقِلَّةِ الِاغْتِسَالِ فَشُرِعَ غُسْلُهُ وَحَنُوطُهُ لِتَنْظِيفِهِ وَسَتْرِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ وَإِظْهَارًا لِمَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَرَ مِنْ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ طَاهِرًا وَلِذَلِكَ شُرِعَ تَكْفِينُهُ وَسَتْرُ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ لِئَلَّا يَظْهَرَ مِنْهُ إلَّا ظَاهِرُ جَمَالِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْعُ الْمَيِّتِ مِنْ الطِّيبِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْتَاجُ الْمَيِّتُ إلَيْهِ بَلْ هُوَ ضِدُّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ سِتْرٍ وَتَطْيِيبِ رَائِحَتِهِ فَافْتَرَقَا، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ الْإِحْرَامِ بِالطَّهَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّهَارَةَ يُبْتَدَأُ فِعْلُهَا بِالْمَيِّتِ وَالْإِحْرَامُ لَا يُبْتَدَأُ فِعْلُهُ بِالْمَيِّتِ فَلَا يُسْتَدَامُ فِعْلُهُ بِالْمَيِّتِ. (ش) : قَوْلُهُ لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْإِحْرَامِ فِي اللِّبَاسِ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ؛ وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهَا سِتْرُ جَمِيعِ جَسَدِهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَا تَعَلُّقَ لِلْإِحْرَامِ بِالْعَوْرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَلْبَسَ مَوَاضِعَ الْإِحْرَامِ مِنْهَا مَخِيطًا يَخْتَصُّ بِهِ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ مِنْ الْمَخِيطِ النِّقَابُ وَالْبُرْقُعُ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِالْكَفَّيْنِ الْقُفَّازَانِ فَوَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُعَرِّيهِمَا مِنْ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تُعَرِّيهِمَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللِّبَاسِ فَإِنْ أَدْخَلَتْ يَدَيْهَا فِي قَمِيصِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ص (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا قَالَتْ كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) . (ش) : قَوْلُهَا كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ تُرِيدُ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَسْتُرْنَ وُجُوهَهُنَّ بِغَيْرِ النِّقَابِ عَلَى مَعْنَى التَّسَتُّرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ النِّقَابَ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِضَافَةُ ذَلِكَ إلَى كَوْنِهِنَّ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَأَنَّهَا لَا تُقِرُّهُنَّ إلَّا عَلَى مَا تَرَاهُ جَائِزًا عِنْدَهَا فَفِي ذَلِكَ إخْبَارٌ بِجَوَازِهِ عِنْدَهَا وَهِيَ مِمَّنْ يَجِبُ لَهُنَّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُخَمِّرْنَ وُجُوهَهُنَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِأَنْ تُسْدِلَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهَا تُرِيدُ السِّتْرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْدِلَهُ لِحَرٍّ وَلَا لِبَرْدٍ فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ.

[ما جاء في الطيب في الحج]

مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ] (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ تُطَيِّبُهُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ طِيبٍ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الطِّيبِ الَّذِي لَا تَبْقَى رَائِحَتُهُ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا أَنَّهَا «قَالَتْ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْلَالِهِ وَطَيَّبْتُهُ لِإِحْرَامِهِ طِيبًا لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا» يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ لَيْسَ لِرَائِحَتِهِ بَقَاءٌ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَانَ يَتَطَيَّبُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فَيَغْتَسِلُ فَيَذْهَبُ رِيحُهُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ فَلَا يَبْقَى مِنْ رَائِحَتِهِ شَيْءٌ. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا» . وَرُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ: فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ يَنْضَخُ طِيبًا ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا - قَيِّمًا} [الكهف: 1 - 2] تَقْدِيرُهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَطَيَّبُ لِطَوَافِهِ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ لَيْلَةً ثُمَّ يُصْبِحُ فَيَغْتَسِلُ وَيُحْرِمُ وَلَا يَكَادُ أَنْ يَبْقَى مَعَ هَذَا رِيحُ الطِّيبِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَمَعْنَى تَأْوِيلِنَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجِيزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ طِيبٌ تَبْقَى لَهُ رَائِحَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَدَّهِنُ بِدُهْنٍ فِيهِ رِيحٌ تَبْقَى وَلَنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ. وَالثَّانِي: تَسْلِيمُهَا وَإِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي مَنْعِ ذَلِكَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لِأَحَدٍ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعُ ذَلِكَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ. وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ لَابِسٌ جُبَّةً مُضَمَّخًا بِطِيبٍ اغْسِلْ عَنْك الطِّيبَ وَانْزِعْ الْجُبَّةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِك مَا كُنْت تَصْنَعُ فِي حَجَّتِك» فَأَمَرَ السَّائِلَ بِغُسْلِ طِيبٍ تَطَيَّبَ بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَخَلْعِ مَخِيطِ لُبْسِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَا طُيِّبَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَا تَبْقَى لَهُ رَائِحَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا تَطَيَّبَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ إحْرَامِهِ مِمَّا تَبْقَى رِيحُهُ فَيَكُونَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا لِحُكْمِهَا حِينَ أَمَرَ الْوَاجِدَ مِنْهَا بِغُسْلِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ هُوَ فِي حَقِّهِ وَلِذَلِكَ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ وَنَحْنُ غَيْرُ مَعْصُومِينَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ تَطَيَّبَ لِإِحْرَامِهِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِتْلَافِ الطِّيبِ فِي وَقْتٍ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلَافِهِ وَهَذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الرَّائِحَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِتْلَافٍ فَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَرَأَيْت لِبَعْضِ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ مَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا تَبْقَى رَائِحَتُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَطَيَّبَ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَاءِ التَّطَيُّبِ بِهِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي الْحَالَتَيْنِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ «أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِحُنَيْنٍ وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ قَمِيصٌ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْزِعْ قَمِيصَك وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ عَنْك وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِك مَا تَفْعَلُ فِي حَجَّتِك» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبَ الْفِدْيَةِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِتْلَافِ الطِّيبِ أَوْ بِلَمْسِهِ وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِرِيحِهِ فَلَا تَجِبُ بِهِ فِدْيَةٌ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا؛ وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ عَلَى مَنْ مَرَّ بِالْعَطَّارِينَ فَشَمَّ رِيحَ الطِّيبِ وَالْتَذَّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ «أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِحُنَيْنٍ وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ قَمِيصٌ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْزِعْ قَمِيصَك وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ عَنْك وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِك مَا تَفْعَلُ فِي حَجَّتِك» ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُنَيْنٍ يُرِيدُ مُنْصَرِفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ بِالْجِعْرَانَةِ وَهُمَا مَوْضِعَانِ مُتَقَارِبَانِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ قَمِيصٌ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ الصُّفْرَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ طِيبٍ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ سَائِرِ الْأَصْبِغَةِ الصُّفْرِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَلَكِنَّ الصُّفْرَةَ فِيمَا رُوِيَ كَانَتْ طِيبًا كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فَقَالَ: وَهُوَ مُضَمَّخٌ بِطِيبٍ وَهَذَا الْأَعْرَابِيُّ أَحْرَمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْمَنْعِ جُمْلَةً أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ عَلِمَ بِمَنْعِهِ فِي الْحَجِّ فَلَمَّا حَاكَ فِي نَفْسِهِ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ؟ هَذَا السُّؤَالُ مُجْمَلٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ وَاسْتِدَامَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أَحْرَمَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَقَدْ بَيَّنَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ عَلَى هَيْئَتِهِ تِلْكَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْرَمْت بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْزِعْ قَمِيصَك وَاغْسِلْ عَنْك هَذِهِ الصُّفْرَةَ أَمْرٌ لَهُ بِإِزَالَةِ مَا يُنَافِي الْإِحْرَامَ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَلَبَّسَ بِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهَا كَمَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ اسْتِعْمَالِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِك مَا تَفْعَلُ فِي حَجَّتِك يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِ السَّائِلِ أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا يَفْعَلُ فِي ذَلِكَ الْحَجِّ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَفْعَلُهُ فِي ذَلِكَ الْحَجِّ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَمْتَثِلَهُ الْمُعْتَمِرُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ مِنْ إزَالَةِ الْقَمِيصِ وَغَسْلِ الصُّفْرَةِ؛ لِأَنَّ نَزْعَ الْقَمِيصِ وَغَسْلَ الصُّفْرَةِ قَدْ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِمَا فَلَا مَعْنَى أَنْ يَنْصَرِفَ قَوْلُهُ وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِك مَا تَفْعَلُ فِي حَجَّتِك إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِمَا أَبْيَنُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الثَّانِي. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ قَدْ عَطَفَ هَذَا اللَّفْظَ الثَّانِيَ عَلَى النُّزُوعِ وَالْغَسْلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا غَيْرُهُمَا وَلَا شَيْءَ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ إلَّا الْفِدْيَةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إثْبَاتَ الْفِدْيَةِ وَلَا نَفْيَهَا وَإِنَّمَا أَحَالَهُ عَلَى مَنْ قَدْ عَلِمَ مِنْ حَالِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَتْلَفَ الطِّيبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْفِدْيَةَ عَلَيْهِ لِمَا لَبِسَ مِنْ الْقَمِيصِ إنْ كَانَ اسْتَدَامَ مُدَّةً تَجِبُ بِهَا الْفِدْيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ مِنْك لَعَمْرُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ عَزَمْت عَلَيْك لَتَرْجِعَنَّ فَلَتَغْسِلَنَّهُ) ش قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي رَكْبِ مُحْرِمِينَ وَالشَّجَرَةُ مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَأَنْكَرَ رِيحَ الطِّيبِ فِيهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِمَّا يُنْكَرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَّا لِمَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَقَالَ عُمَرُ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّدْت رَأْسِي وَأَرَدْت أَنْ أَحْلِقَ فَقَالَ عُمَرُ فَاذْهَبْ إلَى شَرَبَةٍ فَادْلُكْ رَأْسَك حَتَّى تُنْقِيَهُ فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَقَالَ مَالِكٌ الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ يَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ عَنْ التَّطَيُّبِ فَنَهَاهُ سَالِمٌ وَأَرْخَصَ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَ الرَّجُلُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتَدَأَهُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِنْك لَعَمْرُ اللَّهِ، عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي لِيُعْلِمَهُ أَنَّ التَّطَيُّبَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَلِعِلْمِهِ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ مَعَ عِلْمِهَا وَمَعْرِفَتِهَا بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالِهِ لِمَحَلِّهَا مِنْهُ قَدْ وَافَقَتْهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ فَقَالَ لَهُ عَزَمْت عَلَيْك لَتَرْجِعَنَّ فَلَتَغْسِلَنَّهُ فَمَنَعَهُ بِذَلِكَ مِنْ اسْتِدَامَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَ فِيهِ رَأْيَهُ وَلَا رَأْيَ أُمِّ حَبِيبَةَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ تَوْقِيفٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عِلْمٌ مِنْ أَيْنَ قَالَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ فَلَمْ يَرْضَ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَهَا وَلَا صَحَّ عِنْدَهُ وَجْهُ اسْتِدْلَالِهَا وَلَعَلَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِمِثْلِ «خَبَرِ عَائِشَةَ كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» فَمَنَعَ مُعَاوِيَةَ مِنْ التَّعَلُّقِ بِفِعْلِهَا وَالْأَخْذِ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ وَلَمْ يُنْقَلْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يَرُدُّ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْإِمَامَ الَّذِي يَخْتَارُ لِلنَّاسِ وَيُلْزِمُهُمْ الرُّجُوعَ إلَى اجْتِهَادِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسَ بِمَا يَرَاهُ الصَّوَابَ فِيمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَقَالَ عُمَرُ مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّدْت رَأْسِي وَأَرَدْت أَنْ أَحْلِقَ فَقَالَ عُمَرُ فَاذْهَبْ إلَى شَرَبَةٍ فَادْلُكْ رَأْسَك حَتَّى تُنْقِيَهُ فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَقَالَ مَالِكٌ الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ يَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ) . (ش) : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَرَى لِعُمَرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَكَثِيرٍ فِي سَفَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّجَرَةَ مَوْضِعٌ يَقْرُبُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَمَنْ جَوَّزَ التَّطَيُّبَ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ صَحِبَهُ رِيحُ الطِّيبِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِفَرْطِ تَفَقُّدِهِ لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَاهْتِبَالِهِ بِأَدْيَانِهِمْ وَمُرَاعَاتِهِ لَهَا كَانَ يَتَفَقَّدُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ لِعِلْمِهِ بِمُخَالَفَةِ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ وَيُوَاظِبُ عَلَى حَمْلِهِمْ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُ وَالْأَصْوَبُ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ كَثِيرٍ لَبَّدْت رَأْسِي وَأَرَدْت أَنْ أَحْلِقَ، التَّلْبِيدُ: أَنْ يُضَفِّرَ رَأْسَهُ بِصَمْغٍ وَغَاسُولٍ يَلْصَقُ فَيَقْتُلُ قَمْلَهُ وَلَا يَتَشَعَّثُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ كَثِيرٌ جَعَلَ فِيمَا لَبَّدَ بِهِ رَأْسَهُ طِيبًا وَكَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُهُ كَذَلِكَ مَنْ لَا يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَكَانَ كَثِيرٌ لَمَّا أَرَادَ الْحِلَاقَ لَبَّدَ بِمَا فِيهِ طِيبٌ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيدَ يَلْزَمُ الْحِلَاقَ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى شَرَبَةٍ وَهِيَ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ فَيَغْسِلُ بِهَا رَأْسَهُ حَتَّى يُزِيلَ عَنْهُ الطِّيبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ بِغُسْلِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِإِتْلَافِ الطِّيبِ حَالَ الْإِحْرَامِ وَهَذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ بَقِيَ مِنْهُ مَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِإِتْلَافِهِ أَوْ لَمْسِهِ فَتَجِبُ بِذَلِكَ الْفِدْيَةُ. (ش) : سُؤَالُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ التَّطَيُّبِ بَعْدَ الْحِلَاقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي التَّطَيُّبِ لِلْإِحْرَامِ فَلَمَّا سَأَلَ وَجَدَ الْخِلَافَ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ قَالَ: وَمَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ فَإِذَا أَفَاضَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ أَحَدُ التَّحَلُّلَيْنِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ مَحَلٌّ اُخْتُلِفَ فِي اسْتِبَاحَةِ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ فِدْيَةٌ أَصْلُ ذَلِكَ التَّطَيُّبُ لِلْإِحْرَامِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لَهُ أَنْ يَدَّهِنَ قَبْلَ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ: أَمَّا مَا مَسَّتْهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْرَامِهِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيِّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَغُسْلِ رَأْسِهِ بِالْغَاسُولِ أَوْ نَحْوِهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ قَبْلَ إحْرَامِهِ لِبَقَاءِ رَائِحَةِ طِيبِهِ، وَلِادِّهَانِ الْمُحْرِمِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّانِي: بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الِادِّهَانِ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَأَمَّا الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطِّيبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ فَبَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ التَّحَلُّلِ فَإِنَّ الْإِدْهَانَ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ بِدُهْنٍ مُطَيِّبٍ وَغَيْرِ مُطَيِّبٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ اللَّيْثِ إبَاحَةَ ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ الْأَدْهَانِ وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُنَافِي الشَّعَثَ فَمُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ كَالتَّطَيُّبِ وَالتَّنَظُّفِ فِي الْحَمَّامِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُنَافِي الشَّعَثَ وَيُزِيلُهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِاسْتِعْمَالِهِ الْفِدْيَةُ كَغُسْلِ رَأْسِهِ بِالْغَاسُولِ وَدُخُولِهِ الْحَمَّامَ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إسْقَاطُ الْفِدْيَةِ لِظُهُورِ الْخِلَافِ فِي إبَاحَتِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ إذَا خُلِطَ بِمَأْكُولٍ وَأُنْضِجَ بِالنَّارِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ الْخَبِيصَ والخشكنان وَمَا طَبَخَتْهُ النَّارُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ غَيَّرَتْ فِعْلَ الطِّيبِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَجَازَ لَهُ أَكْلُهَا. وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ شَيْئًا فِيهِ طِيبٌ قَدْ اُسْتُهْلِكَ حَتَّى لَا يُرَى فِيهِ أَثَرٌ وَلَا رَائِحَةٌ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ لَهُ أَثَرُ صَبْغٍ أَوْ رَائِحَةٍ فَتَلْزَمُهُ بِهِ الْفِدْيَةُ،. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي شُرْبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَتُكْرَهُ الدَّقَّةُ الصَّفْرَاءُ وَالْأُشْنَانُ الْأَصْفَرُ وَالشَّرَابُ الَّذِي فِيهِ الْكَافُورُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: لِأَنَّ التَّطَيُّبَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُسْتَهْلَكٌ وَلَا هِيَ مَعْمُولَةٌ بِالنَّارِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ بِتَنَاوُلِهَا الْفِدْيَةُ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْبُوخَ بِالنَّارِ لَا يُعْتَبَرُ بِأَنْ يَكُونَ الزَّعْفَرَانُ غَلَبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِيمَا خُلِطَ بِغَيْرِهِ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَا كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فِيهِ طِيبٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ كَالْخَبِيصِ والخشكنان فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ بِالطَّبْخِ قَدْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ طِيبًا وَلَحِقَ بِالطَّعَامِ وَلِأَنَّهُ فِي وَقْتِ أَكْلِهِ مُتْلَفٌ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَغَلَبَةِ الطَّعَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُحَرِّرْ الْقَوْلَ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الطَّبْخُ وَالثَّانِي غَلَبَةُ مَا مَازَجَهُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَلَبَةَ الْمُمَازَجِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالِاسْتِهْلَاكُ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي إبَاحَةِ مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْعَيْنِ جُمْلَةً وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الِاسْتِهْلَاكِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِيمَا مَسَّتْهُ النَّارُ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي تَنَاوُلِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ. وَالثَّانِيَةُ: نَفْيُهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا مَسَّتْهُ النَّارُ حَتَّى لَا يَلْصَقَ بِالْيَدِ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْخَبِيصِ والخشكنان فَأَمَّا الْفَالُوذُ وَالدَّقَّةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يَلْصَقُ زَعْفَرَانُهُ بِالْيَدِ وَالشَّفَةِ فَيَصْبُغُهَا فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْفَالُوذُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يَلْصَقُ زَعْفَرَانُهُ بِيَدٍ وَلَا شَفَةٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا طُبِخَ مِنْ الْأَمْرَاقِ كَالسِّكْبَاجِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ لِلنَّارِ تَأْثِيرًا فِي الْإِبَاحَةِ فَعَلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَعْلَقُ بِالْيَدِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اسْتِهْلَاكِ الطِّيبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَا جَمِيعًا

[مواقيت الإهلال]

مَوَاقِيتُ الْإِهْلَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثُ الصِّفَاتِ عَلَى حَسْبِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْمِيَاهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا انْفَرَدَ بِذِكْرِهِ دُونَ مَا ذَكَرَهُ الْآخَرُ فَيَكُونُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الطِّيبَ مَقْصُودُهُ الرَّائِحَةُ دُونَ الطَّعْمِ وَيَكُونُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ إلَى حُكْمِ الطَّعَامِ اُعْتُبِرَ فِيهِ الطَّعَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَوَاقِيتُ الْإِهْلَالِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» تَوْقِيتٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ وَجِهَةٍ - مَوْضِعَ إحْرَامِهِمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِمُرِيدِ النُّسُكِ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ النُّسُكَ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ مَكَّةَ يَتَكَرَّرُ كَالْأَكْرِيَاءِ وَالْحَطَّابِينَ فَهَؤُلَاءِ لَا بَأْسَ بِدُخُولِهِمْ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُهُمْ بِتَكَرُّرِ الْإِحْرَامِ وَالْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ النُّسُكِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَنْدُرَ دُخُولُهُ مَكَّةَ فَهَذَا قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا قَاصِدٌ إلَى مَكَّةَ لَا يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ إلَيْهَا فَلَزِمَهُ الْإِحْرَامُ كَالْقَاصِدِ لِلنُّسُكِ. وَاسْتَدَلَّ الزُّهْرِيُّ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» قَالَ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى التَّوَقِّي فِي الْحَرْبِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا دَخَلَهَا عَنْوَةً وَلَوْ سُلِّمَ لَهُ ذَلِكَ لَكَانَ أَمْرًا يَخْتَصُّ بِهِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ» . (فَرْعٌ) فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ حَلَالًا فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَسَاءَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مَحَلِّ الْفَرْضِ لَا يُوجِبُ الدُّخُولَ فِي الْفَرْضِ كَدُخُولِ مِنًى وَعَرَفَةَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَلْيَرْجِعْ إلَى الْمِيقَاتِ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَإِنْ أَحْرَمَ فَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الدَّمُ بِإِحْرَامِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا رَجَعَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الْقَوْلُ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمِيقَاتِ فَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَصِّلْ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ مَنْزِلِهِ إذَا كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ وَقَدْ نَجِدُ مَنْ لَا يُهِلُّ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ نَدْبًا وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِضِدِّهِ عَلَى حَسْبِ مَا هُوَ أَمَرَ بِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمِيقَاتَيْنِ فَكُرِهَ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ كَمِيقَاتِ الزَّمَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَخْصِيصَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِأَهْلِ كُلِّ جِهَةٍ يُفِيدُ اخْتِصَاصَهُمْ بِهَا وَيَخْتَصُّ أَيْضًا بِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» غَايَةٌ فِي التَّحَرِّي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلَ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعَتْهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُخْبِرْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ مِنْ الْجِعْرَانَةِ بِعُمْرَةٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّوَقِّي وَالتَّمْيِيزِ لِمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَافَهَةً مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ وَبَلَغَهُ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ» وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَّتَ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَهُ لَهُمْ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلَ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعَتْهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُخْبِرْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» أَمْرٌ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَقَدْ يُصْرَفُ إلَى النَّدْبِ بِدَلِيلٍ إنْ وُجِدَ فِي الشَّرْعِ وَهَذَا يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ وَتَأْخِيرَهُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ غَيْرُ مُخْتَارٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّهْيُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جَمِيعِ أَضْدَادِهِ فَالْأَمْرُ بِإِيقَاعِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ يَقْتَضِي مَنْعَ إيقَاعِهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ وَالتَّأْخِيرِ عَنْهُ كَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ تَوْقِيتُ الْإِحْرَامِ بِالزَّمَانِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ الْفَرْعِ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ الْفَرْعِ وَإِنْ كَانَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرُ بِالْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَ وَرَأَى تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ ظَاهِرَهُ لِرَأْيٍ رَآهُ أَوْ تَأْوِيلٍ تَأَوَّلَهُ، وَهَكَذَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ «عَائِشَةَ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ فَأَعْتَقَتْهَا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَأَخَذْنَا بِذَلِكَ مِنْ خَبَرِهِ وَإِنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ كَانَ خُرُوجُ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْفَرْعِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا نَفَى بِذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَقْصِدَهَا لِلْإِحْرَامِ مِنْهَا. ص (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إيلْيَاءَ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إيلْيَاءَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهَذَا تَقْدِيمٌ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ وَكَرَاهِيَتَهُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ: كَرَاهِيَتَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ بِالْمِيقَاتِ، وَتَوْقِيتُهُ الْإِحْرَامَ بِهِ يَمْنَعُ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ وَتَأْخِيرَهُ عَنْهُ كَمِيقَاتِ الزَّمَانِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْعِ مُجَاوَزَتِهِ بِالْإِحْرَامِ لَا لِمَنْعِ التَّقْدِيمِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِهْلَالَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مُبَاحٌ وَيُمْنَعُ اسْتِصْحَابُهُ بَعْدَ الْمِيقَاتِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ فَدَخَلَ عَلَى هَذَا مِيقَاتُ الزَّمَانِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِقُرْبِ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ إلَّا مُخَالَفَةَ التَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِمْ إحْرَامًا وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ عَلَى الْبُعْدِ مِنْهُ فَإِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا إنَّ مَنْ كَانَ فِي شَعْبَانَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ صِيَامَ رَمَضَانَ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَمَنْ اسْتَدَامَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِ شَعْبَانَ جَازَ لَهُ اسْتِدَامَةُ ذَلِكَ حَتَّى يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ. (ش) : اعْتِمَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجِعْرَانَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالْجِعْرَانَةُ وَحُنَيْنٌ مُتَقَارِبَانِ فَاعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَجْمَعَ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ بِالْجِعْرَانَةِ وَأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى يَلْقَى عَدُوًّا أَوْ يُحْدِثَ سَفَرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ مِنْ حُنَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْدُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ إلَّا مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ عَلَى مَا قَالَهُ شُيُوخُنَا وَذَلِكَ أَنَّ سَحْنُونًا قَالَ فِيمَنْ دَخَلَ مُعْتَمِرًا فَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ إلَى

[العمل في الإهلال]

الْعَمَلُ فِي الْإِهْلَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلِ جَدَّةَ أَوْ الطَّائِفِ وَهُوَ يَنْوِي الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ لِيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بِإِحْرَامٍ مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى مَكَّةَ بِالْحَطَبِ وَالْفَاكِهَةِ وَإِنْ كَانَ حِينَ خَرَجَ إلَى سَفَرِهِ لَمْ يَنْوِ الْعَوْدَةَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَعَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ وَخَرَجَ مِنْهَا يَنْوِي الْعَوْدَةَ إلَيْهَا فَقَدْ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهَا الَّذِينَ تَعْرِضُ لَهُمْ الْحَوَائِجُ خَارِجَهَا فَيَخْرُجُونَ إلَيْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إحْرَامٌ لِدُخُولِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا إلَى مَكَّةَ وَهُوَ لَا يَنْوِي أَنْ يَبْلُغَهَا فَلَمَّا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ نَوَى دُخُولَ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ حَيْثُ نَوَى ذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْرَمَ. [الْعَمَلُ فِي الْإِهْلَالِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ الَّتِي كَانَ يُلَبِّي بِهَا وَيُوَاظِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُوَاظِبُ عَلَى تَلْبِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَمَا اخْتَصَّتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَمُوَاظَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ لَهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ؛ وَلِذَلِكَ زَادَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِأَيِّ لَفْظٍ لَبَّى الْمُلَبِّي أَجْزَأَهُ وَلَبَّيْكَ إجَابَةُ الدَّاعِي مَأْخُوذٌ مِنْ أَلَبَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا مُقِيمٌ عِنْدَك وَثَنَّى عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا إجَابَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ هَذَا الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالتَّلْبِيَةُ مَسْنُونَةٌ فِي الْحَجِّ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ؛ وَلِذَلِكَ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فَإِنَّهُ يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَقَالَ قَوْمٌ إنَّ كَسْرَ الْهَمْزَةِ أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّ كَسْرَ الْهَمْزَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِخْبَارَ بِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَفَتْحُ الْهَمْزَةِ يَقْتَضِي التَّلْبِيَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَهُ وَلَيْسَ فِي أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مَزِيَّةُ مَدْحٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْخَيْرِ بِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَكَانَ الْمُلَبِّي يُلَبِّي رَبَّهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ جَمِيعَ الْخَيْرِ بِيَدَيْهِ وَالرَّغْبَاءُ لَك إذَا فَتَحَ الرَّاءَ مَدَّ وَإِذَا ضَمَّهَا قَصَرَ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمَرْغُوبَ إلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ هَذَا اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ النَّافِلَةَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ صَلَّى فُلَانٌ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ كَانَتْ صَلَاةَ الْفَجْرِ. وَقَدْ اخْتَارَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِإِثْرِ نَافِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ بِإِثْرِ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِإِثْرِ صَلَاةِ نَافِلَةٍ وَأَحْرَمَ بِإِثْرِ فَرِيضَةٍ أَجْزَأَهُ فَإِنْ وَرَدَ الْمِيقَاتَ فِي وَقْتٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ وَلَيْسَ بِوَقْتِ فَرِيضَةٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ وَقْتَ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتًا أَوْ عُذْرًا فَإِنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ يُرِيدُ أَنْ تَسْتَوِيَ قَائِمَةً وَهَذَا هُوَ الِاسْتِوَاءُ وَالِانْبِعَاثُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّذِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِد ذِي الْحَلِيفَة) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُك تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك يَصْنَعُهَا؟ قَالَ وَمَا هُنَّ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ رَأَيْتُك لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَرَأَيْتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُك تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُك إذَا كُنْت بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْهَا إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ» وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا» فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا «وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا» فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْذُهَا فِي الْقِيَامِ وَاسْتِوَاؤُهَا كَمَالَ الْقِيَامِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عَلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُهِلُّ عَقِيبَ الصَّلَاةِ إذَا سَلَّمَ مِنْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُهِلُّ إذَا أَخَذَتْ نَاقَتُهُ فِي الْمَشْيِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى مُسْلِمُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّذِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِد ذِي الْحَلِيفَة) . (ش) : قَوْلُهُ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا يَعْنِي - وَاللَّه أَعْلَم - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْإِحْرَامَ وَالْإِهْلَالَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَنَحْنُ مَعَهُ الظُّهْرَ أَرْبَعًا بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ فِيهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ» فَأَنْكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَوَصَفَهَا بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا لَيْسَ بِهِ، قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُخْبِرُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ غَيْرُ هَذَا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَهَلَّ بِإِثْرِ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ فَحُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ، ثُمَّ وَرَدَ قَوْمٌ فَوَجَدُوهُ يُهِلُّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَحَفِظُوا ذَلِكَ عَنْهُ، وَقَالَ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، وَأَصَحُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا وَافَقَ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنْكَرَ مَالِكٌ الْإِحْرَامَ مِنْ الْبَيْدَاءِ وَقَالَ مَا الْبَيْدَاءُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَوِّغُ لَنَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَيَلْزَمُنَا الْجَوَابُ عَنْهُ إذَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فَنَقُولُ: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ النَّاسِ لِلْمَنَاسِكِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَغِيرٌ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اخْتَلَفَتْ رِوَايَتُهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَلَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مَوَاضِعِ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّبَرُّكِ بِمَوْضِعِ إحْرَامِهِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ عِظَمِ الرِّفَاقِ وَكَثْرَةِ الْبَشَرِ وَتَزَاحُمِ النَّاسِ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْجُحْفَةِ أَيُحْرِمُ الْمَرْءُ مِنْ أَوَّلِ الْوَادِي أَوْ أَوْسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ فَقَالَ: هُوَ مُهَلٌّ كُلُّهُ قَالَ وَسَائِرُ الْمَوَاقِيتِ كَذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْوَادِي حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْمَوَاقِيتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِيقَاتٌ أَحْرَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ وَمِيقَاتٌ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَأَفْضَلُهُ مَوْضِعُ إحْرَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ رَأَيْتُك تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك يَصْنَعُهَا سُؤَالُهُ عَنْ وَجْهِ تَعَلُّقِهِ بِهَا وَهَلْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ تَوْقِيفٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ كَثِيرَ الْحِفْظِ لِأَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَدِيدَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِيهَا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَشْهُورًا فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَأَرَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا خَالَفَ فِيهِ أَصْحَابُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِسُنَّةٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِرَأْيٍ مِنْهُ، وَأَعْلَمَهُ بِخِلَافِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَهُ ذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْعَثَ لَهُ عَلَى قُوَّةِ الِاجْتِهَادِ وَشِدَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ، ثُمَّ فَسَّرَهَا ابْنُ جُرَيْجٍ حِينَ سَأَلَهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَأَيْتُك لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ فَأَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنْهَا غَيْرَ الْيَمَانِيَّيْنِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ كَافِيَةٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ أَشْوَاطًا وَأَسَابِيعَ وَلَمْ يَرَهُ ابْنُ عُمَرَ مَعَ ذَلِكَ يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرَ الْيَمَانِيَّيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ تَرْكَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيهِمَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا اخْتِيَارُ مَالِكٍ أَنْ لَا يُسْتَلَمَ مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرُ الْيَمَانِيَّيْنِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرَأَيْتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَهِيَ نِعَالٌ تُدْبَغُ بِالْقَرْظِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لَا شَعْرَ فِيهَا. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ كَانَتْ سَوْدَاءَ لَا شَعْرَ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فَقُلْت لَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النِّعَالُ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرْظِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانَ يَلْبَسُهَا غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ إلَّا أَهْلُ السَّعَةِ مِنْهُمْ قَالَ سَحْنُونٌ قَدْ أَعْلَمْتُك مَا قَالَ فِي ابْنِ وَهْبٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ لَا يَعْتَرِضُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ تَكُونَ السِّبْتِيَّةُ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ وَتَكُونُ لَا شَعْرَ فِيهَا وَأَنَّ الْعَرَبَ كَانَ يَلْبَسُ أَكْثَرُهُمْ النِّعَالَ غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ وَأَنَّ السِّبْتِيَّةَ كَانَ لَا يَلْبَسُهَا إلَّا أَهْلُ الشَّرَفِ وَالسَّعَةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ يَحْذِي نِعَالَ السَّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ السِّبْتِيَّةُ مَدْبُوغَةً بِالْقَرْظِ وَعَلَيْهَا شَعَرٌ وَيَحْتَجُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِلُبْسِهَا بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَا شَعْرَ عَلَيْهَا» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرَأَيْتُك تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ يَحْتَمِلُ يُرِيدُ الْخِضَابَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الثِّيَابَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ لَا لِحْيَتَهُ قَالَ: وَهَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَلَا يَثْبُتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِصُفْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا أَدْرَكَ ذَلِكَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ ثِيَابَهُ وَكَانَ أَوْ رَأَيْته أَحَبَّ الطِّيبِ إلَيْهِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ «ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيَابُهُ بِالصُّفْرَةِ فَقِيلَ لَهُ لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ؟ فَقَالَ إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ» وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ مِنْ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ فَيَقْتَدِي بِهِ فِي ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَيَسْتَحِبُّهَا مِنْ أَجْلِهِ فَيَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ وَلِحْيَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَتَحَلَّلَ فَأَرْدَفَ هُوَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ مَرَّةً لَمَّا خَافَ أَنْ يُصَدَّ عَنْ الْبَيْتِ لِيَتَحَلَّلَ دُونَهُ إنْ حُصِرَ وَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ.

[رفع الصوت بالإهلال]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ) .. رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالْإِهْلَالِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرَأَيْتُك إذَا كُنْت بِمَكَّةَ لَمْ تُهِلَّ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ مِنًى وَهُوَ ثَامِنُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَ الصَّحَابَةُ يُهِلُّونَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَخِّرُ إهْلَالَهُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلَّ وَوَصَلَ خُرُوجَهُ إلَى مِنًى بِإِهْلَالِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» يُرِيدُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ الْإِهْلَالَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَتَرْكَ تَقْدِيمِهِ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ لِمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ قَاطِنٍ أَوْ قَادِمٍ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ مِنْهَا إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ مُتَوَجِّهًا وَأَخَذَ فِي فِعْلِ الْحَجِّ فَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ إهْلَالَهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حِينَ تَنْبَعِثُ بِهِ رَاحِلَتُهُ مُتَوَجِّهًا إلَى مِنًى أَشْبَهُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْرَبُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ مِنْ الْإِهْلَالِ فِي أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُقَامِ بِمَكَّةَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَعَمْرِي إنَّهُ لَوَجْهٌ حَسَنٌ لِمَنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ثُمَّ يُقِيمَ بِأَرْضٍ يُهِلُّ بِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِهْلَالَ إنَّمَا هُوَ إجَابَةٌ لِمَنْ دَعَا إلَى الْحَجِّ وَتَلْبِيَتُهُ لِلدَّاعِي، وَلَيْسَ الْمُقَامُ مِنْ جِنْسِ التَّلْبِيَةِ وَلَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُقْرَنَ بِهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُقْرَنَ بِهَا الْمُسَارَعَةُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يُشَاكِلُهَا وَهَذَا كُلُّهُ لِمَنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَقَدْ اخْتَارَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ الْإِهْلَالَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْمُحْرِمُ الْإِحْرَامَ وَيَأْخُذَ بِحَظٍّ مِنْ الشَّعَثِ عَلَى حَسَبِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَمَّا فَاتَ أَهْلَ مَكَّةَ الشَّعَثُ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ عُوِّضُوا مِنْ ذَلِكَ مَسَافَةً مِنْ الزَّمَانِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَوَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَعْنَاهُ تَنْبَعِثَ مِنْ الْأَرْضِ لِلْقِيَامِ وَخَالَفَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِوَاءِ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَرْكَبُ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَوَاحِلَهُمْ كَانَتْ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بِبَابِهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ وَبِقُرْبٍ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِهْلَالَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الرَّاحِلَةِ قَائِمَةً لِمَنْ يَرْكَبُهَا مُنَاخَةً. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ فَقَالَ فِيهِ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمًا أَحْرَمَ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يَرْكَبُ قَائِمًا عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ الْحَاجِّ الْيَوْمَ لَكَانَ إهْلَالُهُ إذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا رَاكِبًا. ص (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَأَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِعْلُهُ مَشْهُورٌ وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا عَنْ مُشَاوَرَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِعْلُهُ بِذَلِكَ اشْتِهَارَ فِعْلِ الْخُلَفَاءِ بِحَضْرَةِ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ وَعُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ. [رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِهْلَالِ] (ش) : قَوْلُهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ إخْبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مِمَّا أَتَاهُ بِهِ جِبْرِيلُ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِيهِ عَلَى مَا أَدَّاهُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، لِتُسْمِعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَعَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ) . إفْرَادُ الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَقَوْلُهُ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِي الشَّكُّ مِنْ الرَّاوِي وَمَنْ مَعَهُ هُمْ أَصْحَابُهُ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: فُلَانٌ لَهُ صُحْبَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ لِلصُّحْبَةِ مَزِيَّةً عَلَى الرُّؤْيَةِ وَأَنَّ اسْمَ الصَّحَابِيِّ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مَعَهُ وَجَمِيعُ مَنْ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ صَحِبَهُ فِي طَرِيقِهِ وَحَجِّهِ وَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الْآثَارِ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَمِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْحَاجِّ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا فِي جَمِيعِ نُسُكِهِ وَمَتَى تَرَكَهُ فِي جَمِيعِهِ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا فِي الْحَجِّ فَلَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ سَلَّمُوا وُجُوبَ التَّلْبِيَةِ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ لَمَّا كَانَتْ التَّلْبِيَةُ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ كَانَ مِنْ سُنَّتِهَا الْإِعْلَانُ بِهِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا كَالْأَذَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى يَشُقَّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ وَبِحَسْبِ مَا لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِهِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، لِتُسْمِعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ شَأْنُهُنَّ الْجَهْرَ؛ لِأَنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ الْجَهْرِ إلَّا بِقَدْرِ مَا تُسْمِعُ نَفْسَهَا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إسْمَاعِ غَيْرِهَا فَلَيْسَ مِنْ حُكْمِهَا وَالْجَهْرُ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ. ص (قَالَ مَالِكٌ لَا يَرْفَعُ الْمُحْرِمُ صَوْتَهُ بِالْإِهْلَالِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ لِيُسْمِعْ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إلَّا فِي مَسْجِدِ مِنًى وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا) ش وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْإِهْلَالِ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ مِنًى وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَالِكٍ وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ نَافِعٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَهُ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ مَبْنِيَّةٌ لِلصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ مَقْصُودِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِشَيْءٍ مِنْهَا بِالْحَجِّ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْخَيْفِ فَلِلْحَجِّ اخْتِصَاصٌ بِهِمَا مِنْ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ أَيَّامَ مِنًى وَلِسَبَبِ الْحَجِّ بُنِيَا فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِمَا بِالتَّلْبِيَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ التَّلْبِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعٌ بِإِثْرِ الصَّلَوَاتِ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ وَمَا هُوَ شِعَارُهُ وَهُوَ التَّلْبِيَةُ وَهَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَالنَّافِلَةِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ يُرِيدُ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَفِي بَطْنِ كُلِّ وَادٍ وَعِنْدَ لُقَى النَّاسِ وَعِنْدَ انْضِمَامِ الرِّفَاقِ وَعِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْأَحْوَالُ الَّتِي تُقْصَدُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُ الْحَاجِّ فَشُرِعَ الْإِتْيَانُ بِهَا عِنْدَ التَّنَقُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[إفراد الحج]

أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يُحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بَعْدَهُ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [إفْرَادُ الْحَجِّ] (ش) : قَوْلُهَا خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ عَامُ عَشْرَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ غَيْرَ هَذِهِ الْحَجَّةِ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ عَامَ تِسْعَةٍ وَحَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ عَامَ عَشْرَةٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَظَهُمْ فِيهَا وَوَدَّعَهُمْ فَسُمِّيَتْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ تُرِيدُ أَنَّ مَنْ نَسَكَ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَضْرُبِ وَلَا يَصِحُّ نُسُكٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ كُلُّهَا مَشْرُوعَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ عَلَيْهَا وَفِي قَوْلِهَا بَعْدَ هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ لَا أَنَّهَا قَدْ نَفَتْ عَنْهُ الصِّفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَجَعَلَتْهُ مِمَّنْ كَانَ نُسُكُهُ الْحَجَّ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَجِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: إنَّهُ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَتَمَتَّعَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفُوا عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَعَائِشَةُ أَقْعَدُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَصَّتْ أَصْنَافَ النُّسُكِ وَقَسَّمَتْهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ قَرَنَ الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ وَقِسْمٌ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إفْرَادَهُ لَهَا وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قِسْمُ الْقِرَانِ وَقِسْمٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إفْرَادَهُ لَهُ وَإِلَّا دَخَلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَجَعَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إفْرَادَهُ لَهُ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ صِفَاتِ الْحَجِّ فَهُوَ الْأَفْضَلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ تُرِيدُ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَسَعَى بِمَكَّةَ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يُحِلَّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ وَقْتُ كَمَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ تَحَلُّلِ الْحَاجِّ يَوْمُ النَّحْرِ وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ تَمَامُ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فِي جَوَازِ تَحَلُّلِهِ مِنْ عُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَرَنَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَّا بِتَحَلُّلِهِ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ النُّسُكِ الْوَاحِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» ) . (ش) : قَوْلُهَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ يَقْتَضِي إفْرَادَهُ مِنْ كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ وَهِيَ الْعُمْرَةُ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْرَدَ الْحَجَّ مِنْ مُقَارَنَةِ الْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ يَقْتَضِي أَنَّ إفْرَادَهُ الْحَجَّ هُوَ مَا لَمْ تُقَارِنْهُ عُمْرَةٌ وَإِلَّا كَانَ مُتَمَتِّعًا فَإِذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ إفْرَادُ الْحَجِّ فُهِمَ مِنْهُ تَرْكُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالُوا إنَّ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرْدِفَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ إرْدَافَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ يَقْتَضِي أَنْ يُسْتَفَادَ بِالثَّانِي فَائِدَةٌ وَحُكْمٌ لَا يُوجَدُ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْإِرْدَافِ، وَكَذَالِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرْدِفَ حَجًّا عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةً عَلَى عُمْرَةٍ وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ

[القران في الحج]

الْقِرَانُ فِي الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ يَنْجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ دَقِيقًا وَخَبَطًا فَقَالَ هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى يَدَيْهِ أَثَرُ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ فَمَا أَنْسَى أَثَرَ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: أَنْتَ تَنْهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ ذَلِكَ رَأْيِي فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ وَيَحِلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ كَانَ مُحْرِمًا بِوَاحِدَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ وَلَا دَمٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ تَلْزَمَانِ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيَكُونُ مُحْرِمًا بِهِمَا حَتَّى يَتَوَجَّهَ فِي السَّفَرِ فَتَرْتَفِضُ إحْدَاهُمَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا أَرْدَفَ مِنْ قَابِلٍ وَالدَّمُ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَاتَيْنِ عِبَادَتَانِ لَا يَصِحُّ الْمُضِيُّ فِيهِمَا بِوَجْهٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ الدُّخُولُ فِيهِمَا وَلَا إرْدَافُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَصْلُهُ إذَا نَوَى فِي رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَهُ عَنْهُ وَعَنْ نَذْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقِرَانُ فِي الْحَجِّ] (ش) : السُّقْيَا مَوْضِعٌ وَقَوْلُهُ يَنْجَعُ وَيُنْجِعُ لُغَتَانِ مَعْنَاهُ يُلَقِّمُ الْخَبَطَ بَكَرَاتٍ لَهُ يَعْنِي نُوقًا فَتِيَّةً فَقَالَ الْمِقْدَادُ هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إنْكَارًا لِنَهْيِ عُثْمَانَ عَنْ الْقِرَانِ وَلَعَلَّ عُثْمَانَ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ الْمُتْعَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْحَضِّ عَلَى الْإِفْرَادِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فَحَمَلَ ذَلِكَ الْمِقْدَادُ عَلَى الْمَنْعِ التَّامِّ أَوْ خَافَ أَنْ يُحْمَلَ مِنْهُ عَلَى الْمَنْعِ التَّامِّ فَيَتْرُكُ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهِ جُمْلَةً حَتَّى يَذْهَبَ حُكْمُهُ وَيَنْقَطِعَ عَمَلُهُ فَقَالَ عُثْمَانُ ذَلِكَ رَأْيِي يُرِيدُ تَفْضِيلَ الْإِفْرَادِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا يُرِيدُ كَارِهًا لِقَوْلِ عُثْمَانَ وَنَهْيِهِ عَنْ الْقِرَانِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِيُحْيِيَ حُكْمَ هَذِهِ السُّنَّةِ وَيُعْلِيَ بِأَمْرِهَا وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُرِيدٌ لِلْخَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَإِنَّمَا أَعْلَنَ عَلِيٌّ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إظْهَارَ الْقِرَانِ وَلَوْ اجْتَزَأَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فِي نُسُكِهِ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَأَجْزَأَهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النُّطْقِ بِنَفْسِ النُّسُكِ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَرْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ أَلَيْسَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَمِّي. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عَنْهُ هُنَاكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى إجْزَاءِ النِّيَّةِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُلْزَمَ بِالدُّخُولِ فِيهَا دُونَ تَسْمِيَتِهِ لَهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَلِيٍّ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا قَدَّمَ الْعُمْرَةَ فِي اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُرْدَفُ عَلَيْهَا بِالْحَجِّ وَلَا تُرْدَفُ هِيَ عَلَى الْحَجِّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَمَّا صَحَّ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَصِحَّ إرْدَافُهَا عَلَى الْحَجِّ اُخْتِيرَ تَقْدِيمُهَا فِي النِّيَّةِ لِصِحَّةِ وُرُودِ الْحَجِّ عَلَى الْإِحْرَامِ بِهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا سَمِعَ مِنْ عُثْمَانَ مَا سَمِعَ أَرْدَفَ عَلَيْهَا حَجَّةً، وَتَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي اللَّفْظِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِهِ يُجْزِئُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ نَوَاهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَهَا فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ قَالَ إنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْت كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْعُمْرَةَ مَعَ الْحَجِّ قَالَ. وَقَدْ «أَهَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ جَمِيعِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَهَذَا مَعْنَى قِرَانِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَيَكُونُ إحْرَامُهُ وَفِعْلُهُ لَهُمَا لَا يَنْفَصِلُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَحَيَّزُ لِأَحَدٍ نُسُكُهُ وَلَوْ انْفَصَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لَمَا كَانَ قِرَانًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى لَا يَصِحُّ إذَا نَوَاهُمَا أَنْ يُتِمَّ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَوْعَبَ مِنْ الْأُخْرَى وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّ التَّحَلُّلَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِ حَجِّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ وَيَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ يُرِيدُ أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهَا وَتَحَلُّلُهُ بِالْحِلَاقِ بِمِنًى إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَإِنَّ تَحَلُّلَهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمُقَامِ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِجِمَاعٍ بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ عُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ مُفْتَرِقَيْنِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُمْرَةُ لِتَمَامِ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَمَلِ يُحَصِّلُ النُّسُكَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْأُخْرَى. ص (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحْلِلْ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ» ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَجُّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إلَى الْإِخْبَارِ عَلَى مَعْنَى سَفَرِهِ فَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ مَعَ الْحَجِّ لَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَقْصُودِ سَفَرِهِ كَمَا ذَكَرَ الْحَجَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ بَاقِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا. ش قَوْلُهُ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ مَعَهَا فَذَلِكَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَكُونُ قَارِنًا لَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِإِرْدَافِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِدْخَالِهِ لَهُ عَلَيْهَا فَائِدَةَ عَمَلٍ لَا يَكُونُ فِي الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْحَجُّ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ إلَيْهِ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِيهِ فَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُكْمِلْهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ فَإِذَا طَافَ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا وَلَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الطَّوَافِ فَإِذَا شَرَعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ مِنْ الْعُمْرَةِ فَصَحَّ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُكْمِلْ أَصْلُهُ الطَّوَافُ. وَوَجْهُ اخْتِيَارِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ طَوَافَ الْوُرُودِ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالسَّعْيِ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِذَا شَرَعَ فِي السَّعْيِ فَقَدْ فَاتَهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ السَّعْيُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ افْتَتَحَهُ لِلْعُمْرَةِ وَمَضَى جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ لِغَيْرِ الْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ افْتِتَاحُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجِّ حِينَئِذٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّرُ بِهِمَا وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان، وَإِنَّمَا يُرَادُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَلَهُ الْإِرْدَافُ مَا لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الطَّوَافُ فَإِذَا تَلَبَّسَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِرْدَافُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَعَ فِيهِ لِلْعُمْرَةِ خَالِصًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ لِلْحَجِّ مَبْنِيًّا عَلَى طَوَافٍ لِغَيْرِهِ مِنْ النُّسُكِ فَفَاتَ بِذَلِكَ إرْدَافُ الْحَجِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَدْ صَنَعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إنَّمَا أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَكَّةَ بِقُرْبِ إحْرَامِهِ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يُصَدَّ عَنْ الْبَيْتِ لِأَجْلِ الْفِتْنَةِ الَّتِي بَلَغَتْهُ وَقَالَ ذَلِكَ بِمَعْنَى إنْ صُدَّ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فَحَلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَّ حَيْثُ حُبِسَ فَلِذَلِكَ أَقْدَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مَعَ تَخَوُّفِهِ أَنْ يُصَدَّ عَنْ الْبَيْتِ، ثُمَّ نَظَرَ فَرَأَى أَنَّ حُكْمَ الْعُمْرَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْحَجِّ فَالْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا عِنْدِي إلَّا وَاحِدٌ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْقِيَاسِ وَإِلْحَاقِ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ وَجْهِ النَّظَرِ دُونَ نَصٍّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ فَأَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى إشْهَادِهِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَيَقْتَدِي بِهِ مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ أَوْ يُنَبِّهَ عَلَى النَّظَرِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ أَهَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُسْنَدًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ» إعْلَامٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَوَازِ إرْدَافِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَفِيهِ أَمْرٌ بِالْقِرَانِ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى الْقِرَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّمَتُّعِ أَوْ إبَاحَةٌ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا خَصَّ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لِمَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ مِنْ الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ لِلْهَدْيِ بَدَلٌ مِنْ الصَّوْمِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ فِي السَّفَرِ وَكَثْرَةِ الشُّغْلِ وَهَذَا لِمَنْ كَانَ مَعَهُ حَيَوَانٌ يَصْلُحُ لِلْهَدْيِ لَمْ يُوجِبْهُ بَعْدُ وَلَمْ يُقَلِّدْهُ أَوْ ثَمَنُ هَدْيٍ فَيُقَالُ لَهُ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ وَيَسُوقَ الْهَدْيَ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَدْ سَاقَهُ وَقَلَّدَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَسُوقَهُ عَنْ تَطَوُّعٍ أَوْ وَاجِبٍ فَإِنْ كَانَ سَاقَهُ عَنْ تَطَوُّعٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَهُ عَنْ قِرَانِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ إنْ فَعَلَ وَكَانَ الْأَقْيَسُ أَنْ لَا يُجْزِئَ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ هَذَا مُجْزِئٌ عَنْ دَمِ الْقِرَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي إجْزَائِهِ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُهُ لِمُتْعَتِهِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ الَّذِي مَعَهُ بِأَنْ كَانَ لِشَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَصْرِفَهُ لِقِرَانِهِ، أَوْ مُتْعَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَحِلَّ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ بَعْدَ أَنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ يُنَافِي الْإِحْرَامَ فَلَوْ اسْتَحَالَ إحْلَالُهُ بِالْعُمْرَةِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ كَانَ جَمِيعُ الْإِحْرَامِ

[قطع التلبية]

قَطْعُ التَّلْبِيَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ «سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ؟ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَجِّ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ حَتَّى يَطُوفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشْتَرَكًا لَهُمَا وَلَوْلَا أَنَّ مُقْتَضَى الْقِرَانِ اشْتِرَاكُ النُّسُكَيْنِ لَمَا أَجْزَأَ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لَهُمَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بَعْضُ طَوَافٍ وَلَا بَعْضُ سَعْيٍ لِمَنْ أَفْرَدَ حَجَّهُ وَلَا لِمَنْ أَرْدَفَ عُمْرَتَهُ. [قَطْعُ التَّلْبِيَةِ] (ش) : قَوْلُهُ لِأَنَسٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَمُرَّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ فَإِنْ مَرَّ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَإِنَّمَا اخْتَارَ أَنْ يَسْلُكَ عَلَى سَبِيلِ الِاقْتِدَاءِ وَالتَّبَرُّكِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ» يُرِيدُ مِنْ التَّلْبِيَةِ وَالذِّكْرِ إنْ كَانَ أَنَسٌ قَدْ شَهِدَ ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ «كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْأَمْرَيْنِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ غَدَا مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَلَهُ أَنْ يُلَبِّيَ وَقَالَ «قَدْ كَانَ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ وَيُكَبِّرُونَ» . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَجِّ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَهُ اسْتِحْبَابًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا يَسْتَحِبُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَرَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَ إلَى الْمُصَلَّى وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ أَوَّلَ جَمْرَةٍ مِنْ جَمَرَاتِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ إجَابَةُ الدَّاعِي بِالْحَجِّ فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي دُعِيَ إلَيْهِ فَقَدْ أَكْمَلَ التَّلْبِيَةَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِدَامَتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ إجَابَةُ مَنْ دَعَا إلَى الْحَجِّ فَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِجَابَةَ إلَى أَوَّلِ الْعَمَلِ لَانْقَطَعَتْ بِالْإِحْرَامِ أَوْ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ أَوْ بِآخِرِ الْعَمَلِ وَهُوَ أَوَّلُ التَّحَلُّلِ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِجَابَةَ إلَى أَوَّلِ مَوَاضِعِ الْحَجِّ عَمَلًا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْصُرَ عَلَى مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ أَوْ مَكَّةَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ آخِرَ مَوَاضِعِ الْحَجِّ عَمَلًا فَهُوَ مِنًى، وَأَمَّا عَرَفَةُ فَلَيْسَتْ أَوَّلَ ذَلِكَ وَلَا آخِرَهُ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَطْعِ التَّلْبِيَةِ بِهَا، وَأَكْثَرُ مَا رَأَيْت قَطْعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَقْوَى فِي النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: بِأَثَرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي التَّلْبِيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ فَيُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَنْ هَذَا حُكْمُهُ وَلَعَلَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَ الرَّاوِي أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ إذَا رَاحَتْ إلَى الْمَوْقِفِ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُكُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إذَا أَخَذَتْ فِي الرَّوَاحِ إلَى الْمَوْقِفِ وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ عَلَى هَذَا وَعَائِشَةُ مِنْ أَعْلَمْ النَّاسِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَجَّتْ مَعَهُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ فَإِذَا غَدَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ وَكَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ مِنْ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرَاكِ قَالَتْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُهِلُّ مَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهَا وَمَنْ كَانَ مَعَهَا فَإِذَا رَكِبَتْ فَتَوَجَّهَتْ إلَى الْمَوْقِفِ تَرَكَتْ الْإِهْلَالَ قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَعْتَمِرُ بَعْدَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ تَرَكَتْ قَالَتْ فَكَانَتْ تَخْرُجُ قَبْلَ هِلَالِ الْمُحَرَّمِ حَتَّى تَأْتِيَ الْجُحْفَةَ فَتُقِيمَ بِهَا حَتَّى تَرَى الْهِلَالَ فَإِذَا رَأَتْ الْهِلَالَ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ وَكَانَ يَتْرُكُهَا فِي الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى، فَأَمَّا الْحَاجُّ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي أَوَّلِ الْحَرَمِ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ يَقْطَعُهَا إذَا دَخَلَ مَكَّةَ وَرَوَى أَشْهَبُ لَا يَقْطَعُهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَلَكِنْ يَقْطَعُهَا فِي الطَّوَافِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ مُرَاعَاةُ طُولِ مُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ فَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ إلَى الْحَرَمِ مِنْ أَوَّلِ عَمَلِ مَنَاسِكِهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ اسْتَدَامَ التَّلْبِيَةَ لِيَدُومَ أَمْرُ تَلْبِيَتِهِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى يَقْطَعُهَا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَالِاغْتِسَالِ لَهُ فَتَرْكُ التَّلْبِيَةِ لَهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَسَافَةَ كُلَّهَا مَسَافَةُ تَلْبِيَةٍ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِتَرْكِهَا فِي الطَّوَافِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ، وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِيمُ التَّرْكَ لِلتَّلْبِيَةِ حَتَّى يُتِمَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِ مُعَاوَدَةِ التَّلْبِيَةِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ يُعَاوِدُهَا بَعْدَ السَّعْيِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُعَاوِدُهَا بَعْدَ الطَّوَافِ. وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ فِيهَا تَرْكُ التَّلْبِيَةِ وَأَمَّا السَّعْيُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَشُرِعَ فِيهِ تَرْكُ التَّلْبِيَةِ كَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ فَإِذَا غَدَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَ تَجْوِيزِهِ التَّلْبِيَةِ بَعْدَ الْغَدْوِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي شُرِعَ تَرْكُهَا فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ شَاءَ كَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ لَبَّى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ أَصْحَابِنَا فِي تَرْكِ التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ دُخُولِ الْحَرَمِ لِمَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْعُمْرَةِ وَذَلِكَ لِقِصَرِ مُدَّةِ الْعُمْرَةِ، وَإِنَّهَا أَقَلُّ عَمَلًا مِنْ الْحَجِّ. ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يُلَبِّي وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ الطَّوَافِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُعَاوِدُهَا فِي الْحَجِّ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا. (ش) : قَوْلُهَا كَانَتْ تَنْزِلُ مِنْ عَرَفَةَ بِنَمِرَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرَاكِ يَقْتَضِي أَنَّ نَمِرَةَ مِنْ عَرَفَةَ وَأَنَّ الْأَرَاكَ مَوْضِعٌ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ نَمِرَةَ وَالْأَرَاكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا نَمِرَةُ مَوْضِعُ الْأَرَاكِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا قَالُوهُ مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ نَمِرَةَ، ثُمَّ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَوْضِعِهَا ذَلِكَ إلَى مَنْبَتِ الْأَرَاكِ بِنَمِرَةَ وَهَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَرْفَقُ فِي النُّزُولِ وَالتَّصَرُّفِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ أَنْ يَنْزِلَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَرَفَةَ حَيْثُ شَاءَ وَجَرَى الْعَمَلُ بِنُزُولِ الْإِمَامِ بِنَمِرَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَكَانَتْ تُهِلُّ مَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِهَا تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تُلَبِّي إلَى أَنْ تَرْكَبَ مُتَوَجِّهَةً إلَى

(ص) : ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْقِفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ إلَى الصَّلَاةِ وَوَصَفَتْهُ بِأَنَّهُ رَوَاحٌ إلَى الْمَوْقِفِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ الرَّوَاحُ إلَى الْمَوْقِفِ، وَالْمُصَلَّى بِقُرْبِ الْمَوْقِفِ، وَالرَّوَاحُ إلَيْهِمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا الرَّوَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْقِفِ إلَى الْمُصَلَّى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَعْتَمِرُ بَعْدَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ تُرِيدُ أَنَّ إهْلَالَهَا بِالْعُمْرَةِ كَانَ بَعْدَ كَمَالِ حَجِّهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَبَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ مِنًى. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَائِشَةَ مَنْعَ الْعُمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِمَنْ حَجَّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ لِمَنْ حَجَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِهَا سَوَاءٌ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ تَأَخَّرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ مَنْ حَجَّ فَلَا يَعْتَمِرْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ وَمَنْ رَمَى فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ تَأَخَّرَ دُونَ مَنْ تَعَجَّلَ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا أَيَّامٌ مُخْتَصَّةٌ بِعَمَلِ الْحَجِّ فَيُكْرَهُ لِمَنْ تَعَجَّلَ أَنْ يَتْرُكَ التَّمَادِي عَلَى تَمَامِ عَمَلِ حَجِّهِ وَيَتَعَجَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ لِيَشْرَعَ فِي عَمَلِ نُسُكٍ آخَرَ مُخْتَصٍّ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ. 1 - (فَرْعٌ) فَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُحْرِمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الرَّمْيِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَلَا شَيْءَ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُحْرِمُ بِهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَمْ تَلْزَمْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ تَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ إنْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ الرَّمْيِ وَيَمْضِي فِيهَا حَتَّى يُتِمَّهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْمَامُهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُنَافَاةَ الْيَوْمِ لِعَمَلِ الْعُمْرَةِ دُونَ الْإِحْرَامِ بِهَا وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ التَّحْصِيبَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِهَا قَبْلَ إتْمَامِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَمْ تَلْزَمْهُ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى التَّحْصِيبَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ قَبْلَ هَذَا فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. (فَرْعٌ) وَهَلْ ذَلِكَ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الْمُحَرَّمِ أَمْ لَا، فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الْمُحَرَّمِ عُمْرَةً أُخْرَى فَتَكُونُ الْعُمْرَتَانِ فِي سَنَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ وَقَالَ لَا يُعْجِبُنِي لَكِنْ مَنْ حَجَّ وَهُوَ يُرِيدُ عُمْرَةَ الْمُحَرَّمِ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُمَا عُمْرَتَانِ فِي سَنَتَيْنِ فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ تَقَارُبُ مَا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ فِي الزَّمَانِ، وَالتَّبَاعُدُ مَشْرُوعٌ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي الْعَامِ مَرَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ إلَّا وَاحِدَةً عُمْرَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوْ عُمْرَةً فِي الْمُحَرَّمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْعُمْرَةُ فِي الْمُحَرَّمِ أَحَبُّ إلَيَّ وَذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ الْإِتْيَانِ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لَيْسَتْ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ سَوَاءٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا: إنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَإِبْعَادِ مَا بَيْنَهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَهْلُ الْآفَاقِ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْعُمْرَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَيْسُوا كَحَاجِّ أَهْلِ مِنًى وَلَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ النَّحْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخُصَّهُ بِالْمَنْعِ لَمَّا كَانَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فِي ذَلِكَ حُكْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ إحْلَالُهُ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَيَّامِ مِنًى أَوْ بَعْدَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَوْمَ لَا يُنَافِي عَمَلَ الْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ عَمَلُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِعَمَلِ الْحَجِّ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ ذَلِكَ إلَى نُسُكٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم]

مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ مِنًى فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَالِيًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ يَصِيحُونَ فِي النَّاسِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا التَّلْبِيَةُ) . إهْلَالُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أَهِلُّوا إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ وَهُوَ يُهِلُّ بِالْحَجِّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : إِنَّمَا مَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ إفْرَادِ التَّكْبِيرِ وَقَطْعِ التَّلْبِيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافٍ لِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَسٌ أَنَّ الْمُكَبِّرَ كَانَ يُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُلَبِّيَ كَانَ يُلَبِّي فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ كَانَتْ ظَاهِرَةً بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَنْكَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَرْكَهَا وَقَطْعَهَا جُمْلَةً فِي وَقْتٍ هِيَ فِيهِ مَشْرُوعَةٌ فَخَافَ إطْرَاحَهَا وَدُرُوسَهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ حُكْمُهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّهَا التَّلْبِيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الذِّكْرَ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ بِهِ لَهُ هُوَ التَّلْبِيَةُ وَأَنَّ التَّكْبِيرَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْوَقْتِ بَلْ يَظْهَرُ فِيهِ التَّكْبِيرُ كَمَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ جُمْلَةِ أَذْكَارِ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ وَالتَّرْكُ لَهُ إلَى غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ. [إهْلَالُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ] ش قَوْلُهُ مَا بَالُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدْهِنُونَ إنْكَارٌ لِلْإِدْهَانِ وَعَدَمِ الشُّعْثِ عَلَى الْحَجِّ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ أَنْ يَكُونَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَأَنْكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَفُوتَهُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ بِتَأْخِيرِهِمْ الْإِهْلَالِ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمُوا الْإِهْلَالَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ لِيَبْعُدَ عَهْدُهُمْ بِالتَّرَجُّلِ وَالِادِّهَانِ وَيَأْخُذُوا مِنْ الشُّعْثِ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَخْتَارُ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُهِلَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُحْرِمِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِي مَوْضِعٍ يُنْشِئُ فِيهِ إحْرَامَهُ وَإِنَّمَا يُحْرِمُ وَيُلَبِّي عِنْدَ أَخْذِهِ فِي التَّوَجُّهِ إلَى حَيْثُ يَقْتَضِي إحْرَامُهُ التَّوَجُّهَ إلَيْهِ فَكَرِهَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ يُقِيمَ بِهَا بَعْدَ إحْرَامِهِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَمُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، ثُمَّ يُقِيمَ بِأَرْضٍ يُهِلَّ بِهَا حَتَّى يَخْرُجَ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مَا كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَنْ يَأْتُوا عَرَفَةَ مُدَّهِنِينَ. (ش) : تَعَلَّقَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ بِفِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مُدَّةَ تِسْعَةِ أَعْوَامٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ الْأَمِيرُ الَّذِي يُشْهَرُ فِعْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَمْرُهُ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يُثَابِرُ مَعَ دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ إلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَخُوهُ عُرْوَةُ مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَعَلَى هَذَا كَانَ أَمْرُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لِابْنِ عُمَرَ رَأَيْتُك تَفْعَلُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك يَفْعَلُهَا. ص (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُهِلُّ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ بِالْحَجِّ إذَا كَانُوا بِهَا وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِنْ جَوْفِ مَكَّةِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُهِلُّ مِنْ غَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِيقَاتٌ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ بِهِ دُونَ مَا يُحْرِمُونَ مِنْهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُهِلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْبَيْتِ بِإِحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ لِئَلَّا يُرَدَّ إلَّا مُحْرِمًا فَمَنْ كَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ وَفِي الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُقْصَدُ بِالْإِحْرَامِ قَدْ صَارَ فِيهِ، وَنُسُكُهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَلْيُؤَخِّرْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَكَذَلِكَ صَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ كَيْفَ يَصْنَعُ فِي الطَّوَافِ؟ قَالَ أَمَّا الطَّوَافُ الْوَاجِبُ فَلْيُؤَخِّرْهُ وَهُوَ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيَطُفْ مَا بَدَا لَهُ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ كُلَّمَا طَافَ سَبْعًا وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَأَخَّرُوا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَانَ يُهِلُّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَيُؤَخِّرُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَا مَعْنَى لِلْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ أَهَلَّ مِنْهُمْ مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْحَرَمِ وَهَذَا زَادَ وَلَمْ يُنْقِصْ وَهَذَا عِنْدِي فِيمَنْ عَادَ إلَى الْحَرَمِ ظَاهِرٌ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْحِلِّ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَةَ دُونَ دُخُولِ الْحَرَمِ أَوْ أَهَلَّ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا حَلَالًا مُرِيدًا لِلْحَجِّ فَإِنَّهُ نَقَصَ وَلَمْ يَزِدْ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الدَّمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ فِي حُكْمِ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ إنَّمَا وُقِّتَتْ لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ إلَى الْبَيْتِ إلَّا بِإِحْرَامٍ فَمَنْ كَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ فَلَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يُحْرِمُ، وَالْمَوَاقِيتُ يَسْتَوِي فِي الْإِحْرَامِ مِنْهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ؟ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُحْرِمُ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ. وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ مَخْصُوصٌ بِالْإِهْلَالِ وَمُتَعَلِّقٌ بِأَرْكَانِ الْحَجِّ فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يُشْرَعْ الْإِهْلَالُ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يُرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتُ بِالْإِهْلَالِ دُونَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ إنَّمَا يَكُونُ حِينَ الْأَخْذِ فِي التَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ مَسْجِدِ الْمِيقَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ يَقْتَضِي أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ جَمِيعِ الْحَرَمِ مُبَاحٌ وَإِنْ اُخْتِيرَ الْإِحْرَامُ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطُحِ» . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَلْيُؤَخِّرْ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَكَذَلِكَ صَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَأَمَّا طَوَافُ الْوُرُودِ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوُرُودُ عَلَى الْبَيْتِ بِالنُّسُكِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا أَوْكَدُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحْتَاجُ إلَى وَدَاعٍ وَالْبَيْتَ قَدْ شُرِعَ فِيهِ الْوَدَاعُ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وُرُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مِنْ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يُؤْتَى بِهِمَا بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَإِذَا رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَدْ وُجِدَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَأَخَّرُ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَى أَنْ يَعُودَ مِنْ مِنًى لِلْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّعْيِ أَنْ يَعْقُبَ طَوَافًا وَاجِبًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ مِنْ مَكَّةَ طَوَافٌ إلَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَمَنْ قَدَّمَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ فَبِالْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلْيُعِدْ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُمَا حَتَّى خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَذَلِكَ أَيْسَرُ شَأْنِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ وَاجِبٍ لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَهُ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ إلَى بَلَدِهِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ لِمَا أَدْخَلَ فِيهِ مِنْ النَّقْصِ بِالْإِتْيَانِ لَهُ بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ وَاجِبٍ. (ش) : وَهَذَا

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَلْ يُهِلُّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ قَالَ بَلْ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ فَيُحْرِمُ مِنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَبَقِيَ بَعْدَ إهْلَالِهِ بِهَا أَيَّامًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ تَطَوُّعًا مَا شَاءَ وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الطَّوَافُ الْوَاجِبُ فَلْيُؤَخِّرْهُ وَهُوَ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَلَامٌ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْوُرُودِ سَقَطَ جُمْلَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُفْعَلُ وَلَوْ كَانَ مُؤَخَّرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْآتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا سُمِّيَ طَوَافُ الْوُرُودِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْوَارِدِ وَلَيْسَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْحَجِّ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَمَا سَقَطَ عَمَّنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَلَا عَلَى الْمُرَاهِقِ فَإِنْ أَخَّرَهُ الْوَارِدُ الْمُدْرِكُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَجِّهِ فَإِذَا تَرَكَهُ حَتَّى فَاتَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ أَصْلُ ذَلِكَ رَمْيُ الْجِمَارِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الدَّمُ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ أَصْلُ ذَلِكَ طَوَافُ الْوَدَاعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلْيَطُفْ مَا بَدَا لَهُ يُرِيدُ مِنْ التَّطَوُّعِ فَإِنَّ الطَّوَافَ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ التَّنَفُّلُ بِهِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَوَافٌ وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ كُلَّمَا طَافَ سَبْعًا فِيهِ مَسَائِلُ، غَيْرَ أَنَّنَا نَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَعَلَّقَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَنُؤَخِّرُ سَائِرَهَا إلَى مَوَاضِعِهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الطَّوَافِ أَنْ تَتَعَقَّبَهُ رَكْعَتَانِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ» . (فَرْعٌ) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهَا سُنَّةٌ وَيَجِبُ بِفَوَاتِهَا الدَّمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَيَجِبُ بِالدُّخُولِ فِي التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَأَخَّرُوا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى رَجَعُوا مِنْ مِنًى يُرِيدُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَطُوفُوا بِحَجِّهِمْ حَتَّى رَجَعُوا مِنْ مِنًى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَانَ يُهِلُّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ مَكَّةَ فَذَكَرَ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُهِلُّ إلَّا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي اخْتِلَافَ فِعْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَإِنَّمَا يُحْرِمُ بِهَا مِنْ الْحِلِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «عَائِشَةَ قَالَتْ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ اُخْرُجْ بِأُخْتِك مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ النُّسُكَ مِنْ شَرْطِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْحَرَمِ لَمَا جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَمِرُ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَيَدْخُلَ مِنْهُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ سُنَّةَ الْعُمْرَةِ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا مِنْ الْحِلِّ وَيَكُونَ انْتِهَاؤُهُ فِي الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] فَإِذَا ابْتَدَأَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَقَدْ ابْتَدَأَهَا مِنْ غَيْرِ الْمِيقَاتِ الْوَاجِبِ لَهَا فَلَزِمَتْ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَوَجَبَ اسْتِدْرَاكُ مَا يَجِبُ مِنْ شُرُوطِهَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَهَلْ يُهِلُّ مِنْ الْحَرَمِ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُهِلُّ مِنْ الْحَرَمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَهُ أَنْ يُهِلَّ مِنْ الْحَرَمِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُهِلٌّ بِعُمْرَةٍ فَوَجَبَ

[ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي]

مَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ مِنْ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ «زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَقَدْ بَعَثْت بِهَدْيٍ فَاكْتُبِي إلَيَّ بِأَمْرِكَ أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ قَالَتْ عَمْرَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ إهْلَالُهُ مِنْ الْحِلِّ كَالْمُفْرِدِ. وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ النُّسُكَيْنِ مَتَى اجْتَمَعَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لِلْحَجِّ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْأَفْعَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ مِنْ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ] (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ هَدْيًا لِيَبْعَثَ بِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ مِنْ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَجِمَاعِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَانِعِ الْإِحْرَامِ وَذَهَبَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاحْتَجَّتْ فِي ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ وَمَا رَوَتْهُ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسْأَلُ عَنْهُ وَيُلْجَأُ إلَيْهَا فِي مَعْرِفَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَدْ بَعَثْت بِهَدْيٍ فَاكْتُبِي إلَيَّ بِأَمْرِك أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ لُزُومِهِ اجْتِنَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يَرُدُّ بِهِ قَوْلَهُ وَلَا كَانَ مِمَّنْ يَرُدُّ بِنَظَرِهِ نَظَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَرَادَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى مَا عِنْدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَإِظْهَارٌ لِمُخَالَفَتِهِ وَاحْتَجَّتْ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمَتْهُ أَنَّهَا الْمُبَاشِرَةُ لَهُ، وَذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَعْرِفَتَهَا بِهِ وَاسْتِيقَانَهَا لِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ إذَا بَاشَرَ الْقَضِيَّةَ رَجَحَتْ رِوَايَتُهُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ» يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ بِذَلِكَ تَبْيِينَ حِفْظِهَا لِلْأَمْرِ وَمَعْرِفَتَهَا مِنْ تَنَاوُلِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى اهْتِبَالِهَا بِهَذَا الْأَمْرِ وَمَعْرِفَتِهَا بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاوَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَعَلِمَ وَقْتَ التَّقْلِيدِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ اسْتَبَاحَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ تَقْلِيدِ هَدْيِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ هُوَ بِذَلِكَ فَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بِتَقْلِيدِ هَدْيِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي تُرِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ لِتُبَيِّنَ بِذَلِكَ عِلْمَهَا بِجَمِيعِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ آخِرِ هَدْيٍ بَعَثَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْعَامَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ بِصِغَرِ سِنِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ مِنْ أَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَوَاخِرَهَا وَذَهَبَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى رَفْعِ الْإِشْكَالِ وَإِزَالَةِ اللَّبْسِ عَلَيْهِ وَتَمَّمَتْ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الَّذِي يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ وَيُقِيمُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَا يَحْرُمُ إلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ خَرَجَ بِهَدْيٍ لِنَفْسِهِ فَأَشْعَرَهُ وَقَلَّدَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَمْ يُحْرِمْ هُوَ حَتَّى جَاءَ الْجُحْفَةَ فَقَالَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ فَعَلَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْهَدْيَ وَلَا يُشْعِرَهُ إلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ إلَّا رَجُلٌ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَيَبْعَثُ بِهِ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَخْرُجُ بِالْهَدْيِ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ فَقَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتُرِيدُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيَهُ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ بِبَعْثِهِ الْهَدْيَ إلَى أَنْ نُحِرَ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ الَّتِي يَدَّعِي فِيهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا بَعْدَ نَحْرِ الْهَدْيِ فَلَا خِلَافَ فِي الْإِبَاحَةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الَّذِي يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ وَيُقِيمُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَا يَحْرُمُ إلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى) . ش قَوْلُهَا لَا يَحْرُمُ إلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى جَوَابٌ مُقَابِلٌ لِلَّفْظِ يَحْيَى؛ لِأَنَّ يَحْيَى إنَّمَا سَأَلَ هَلْ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا فَجَوَابُهُ الْمُقَابِلُ لَهُ لَا أَوْ نَعَمْ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَنْ أَهَلَّ وَلَبَّى وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِعِلْمِهَا بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ شَيْءٌ مِمَّا سَأَلَهَا عَنْهُ إلَّا عَلَى مُحْرِمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَلَا يَحْرُمُ شَيْءٌ عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ فَسَأَلَ النَّاسَ عَنْهُ فَقَالُوا: إنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ قَالَ رَبِيعَةُ فَلَقِيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) ش قَوْلُهُ رَأَى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ، يُرِيدُ أَنَّهُ رَآهُ مُتَجَرِّدًا عَنْ الْمَخِيطِ إلَّا أَنَّهُ لَابِسٌ ثِيَابَ الْإِحْرَامِ، وَذَلِكَ بِبَلَدٍ يَلْبَسُ جَمِيعُهُمْ الْمَخِيطَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَةَ عَادَةِ النَّاسِ فَلَمَّا سَأَلَ عَنْهُ أُخْبِرَ أَنَّهُ إنَّمَا تَجَرَّدَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ فَلَمَّا لَقِيَ رَبِيعَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بِدْعَةً وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدْ عَلِمَ مَا عِنْدَ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فَعَوَّلَ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِأَنَّ مَا خَالَفَهُ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ كَانَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ مَسَائِلَ حِينَ أُعْلِمَ بِمَا فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَتَجْوِيزِ الذَّهَبَيْنِ وَالْفِضَّتَيْنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ تَكُونُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ «فِي ذِكْرِ زَمَنِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْهَدْيَ تَبَعٌ لِلنُّسُكِ، وَمِنْ سُنَّتِهِ وَفَضَائِلِهِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَحُكْمُهُ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ النُّسُكِ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ لِمَعْنًى يُوجِبُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَتَعَقَّبَ السَّعْيَ إلَى مَا أَحْرَمَ وَلِذَلِكَ يُهِلُّ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَيُهِلُّ الْمَاشِي إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ مَاشِيًا فَلَوْ أَخَّرَ تَقْلِيدَ هَدْيِهِ وَإِشْعَارِهِ لَحَالَ ذَلِكَ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَسَعْيِهِ فَقَدْ وَصَلَ بِهِ؛ لِأَنَّنَا قَدْ نَجِدُ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يَكُونُ لِلْإِحْرَامِ وَالنُّسُكِ وَيَتَقَدَّمُ الْإِحْرَامُ مُتَّصِلًا بِهِ كَلُبْسِ الثِّيَابِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَمَّا إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ فَقَدْ أَفْرَدَ الْهَدْيَ وَجَعَلَ لَهُ حُكْمَ نَفْسِهِ وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِنُسُكِهِ فَقَدْ أَتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ سُنَّتِهِ وَهَذَا لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيِهِ وَيُقِيمَ حَلَالًا فِي أَهْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا هَدْيٌ قَدْ بَنَى فِيهِ عَلَى الْإِفْرَادِ لَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَ بِهَدْيِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْهَدْيِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِهَذَا عَنْ جَوَازِ خُرُوجِهِ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ حَلَالًا إلَى مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُرْسِلَ بِهِ صَاحِبُهُ إلَى مَكَّةَ مَعَ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِدُخُولِهَا.

[ما تفعل الحائض في الحج]

قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِهَدْيِهِ، ثُمَّ أَقَامَ فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ هَدْيَهُ» ) . مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ فِي الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ الَّتِي تُهِلُّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّهَا تُهِلُّ بِحَجِّهَا أَوْ عُمْرَتِهَا إذَا أَرَادَتْ وَلَكِنْ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهِيَ تَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ النَّاسِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَقْرَبُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ) . الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ ثَلَاثًا: عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعَامَ الْقَضِيَّةِ وَعَامَ الْجِعْرَانَةِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ عَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ يُرِيدُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَمَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ يُرِيدُ أَنَّ الْإِحْرَامَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ خَاصَّةً لَا لِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَمَا أَرَى ابْنَ عَبَّاسٍ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ مُحْرِمٍ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِاجْتِنَابِهِ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ إنَّمَا سُمِّيَ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي عِبَادَةٍ يَحْرُمُ بِهَا عَلَيْهِ مَعَانٍ مُبَاحَةٌ إذَا دَخَلَ فِيهَا، وَهَذَا إنَّمَا يُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مَحْظُورَاتُ الْحَجِّ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ مَحْظُورَاتُ الصَّلَاةِ بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فَأَخَذَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَا رَوَتْهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ. [مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ فِي الْحَجِّ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ أَنَّهَا تُهِلُّ بِحَجِّهَا أَوْ عُمْرَتِهَا إذَا أَرَادَتْ، يُرِيدُ أَنَّ حَيْضَهَا لَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَا يُنَافِي الْحَيْضَ وَلَا النِّفَاسَ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُفْسِدَانِ شَيْئًا مِنْهُمَا إذَا طَرَءَا عَلَيْهِمَا، وَيُفْسِدَانِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ لِمَا كَانَا مُنَافِيَيْنِ لَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْحَائِضَ إنْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا الْحَيْضُ بَعْدَ إحْرَامِهَا فَإِنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ يُنَافِيهِ وَلِذَلِكَ يُفْسِدُهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَتَمَامُهُ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْحَائِضَ تَمْتَنِعُ مِنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا تَمْتَنِعُ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَثَرِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الْحَائِضَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لَمْ يُمْكِنْهَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْتِ وَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَيْضُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ لَصَحَّ سَعْيُهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَفْعَلُ جَمِيعَ الْمَنَاسِكِ غَيْرَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا فَتَقِفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَتَرْمِي الْجِمَارَ وَتَبِيتُ بِمِنًى؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَقْرَبُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ يُرِيدُ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَا غَيْرَهُ وَلَا تَبِيتُ بِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الطَّوَافُ حِينَئِذٍ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْحَائِضُ لَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَيْضَ حَدَثٌ يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ وَالطَّوَافَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالطَّهَارَةِ. [الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ] (ش) : قَوْلُهُ «اعْتَمَرَ ثَلَاثًا» هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ الْحَجَّ يَقُولُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٌ وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَنَسٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ. 1 -

[قطع التلبية في العمرة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا ثَلَاثًا إحْدَاهُنَّ فِي شَوَّالٍ وَاثْنَتَانِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ أَحُجَّ فَقَالَ سَعِيدٌ نَعَمْ قَدْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ فَاعْتَمَرَ، ثُمَّ قَفَلَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَحُجَّ) . قَطْعُ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَرَى الْبَيْتَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتَمِرُ مِنْ بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ» فَعَدَّهَا عُمْرَةً يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُ تَامَّةٌ، وَإِنْ كَانَ صُدَّ عَنْ الْبَيْتِ وَمُنِعَ مِنْهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ صُدَّ عَنْ الْبَيْتِ بِعَدُوٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَلَوْ كَانَتْ عُمْرَةً غَيْرَ تَامَّةٍ وَكَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ قَضَاءً لَهَا لَمَا عُدَّتْ وَلَوْ كَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ قَضَاءً لَهَا لَمَا عُدَّتْ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ إلَّا أَنْ تُعَدَّ مَعَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ عُمْرَةً وَاحِدَةً. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَعَامُ الْقَضِيَّةِ» يُرِيدُ الَّتِي قَاضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفَّارَ قُرَيْشٍ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَلِذَلِكَ جَعَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرْجَمَةَ الْبَابِ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ «وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ» يُرِيدُ الَّتِي اعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفُهُ مِنْ حُنَيْنٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا ثَلَاثًا إحْدَاهُنَّ فِي شَوَّالٍ وَاثْنَتَانِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ» ) . (ش) : قَوْلُهَا لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا ثَلَاثًا إنْكَارٌ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ أَنَسٍ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ أَضَافَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ عُمْرَةً فِي رَجَبٍ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ وَقَالَتْ «لَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ فِي رَجَبٍ» وَأَمَّا أَنَسٌ فَإِنَّهُ أَضَافَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ عُمْرَةً زَعَمَ أَنَّهُ قَرَنَهَا بِحَجَّةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «إحْدَاهُنَّ فِي شَوَّالٍ وَاثْنَتَانِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ» تَنْبِيهٌ عَلَى أَوْقَاتِ عُمَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَائِزَةٌ وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ حَتَّى بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَهُ. (ش) : سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ تَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِمَا عَلِمَ بِكَوْنِ الْحَجِّ مُقَدَّمًا فِي الرُّتْبَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَمَّا كَانَتْ تَدْخُلُ فِي عَمَلِ الْحَجِّ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ وَمُؤَخَّرَةٌ فِي الرُّتْبَةِ فَأَخْبَرَهُ سَعِيدٌ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَجَّ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ فَرْضُ الْحَجِّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَقَدْ اعْتَمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ الثَّلَاثَ الْعُمَرَ الْمَذْكُورَةَ. (ش) : اسْتِئْذَانُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي عُمْرَةٍ فِي شَوَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى السُّؤَالِ وَالِاسْتِفْتَاءِ، وَإِذْنُ عُمَرَ لَهُ بِمَعْنَى الْفُتْيَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ بِتَقْدِيمِ عُمَرَ فَلَا يُمْكِنُهُ الْإِخْلَالُ بِهِ وَلَا التَّرْكُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ عُمَرَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ قَفَلَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَحُجَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حَجَّ فِي عَامِهِ بَعْدَ الْعَوْدَةِ إلَى أَهْلِهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ دَمُ الْمُتْعَةِ. [قَطْعُ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ قَطْعِهِ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إنَّمَا يَقْصِدُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَم، وَإِلَيْهِ دُعِيَ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْبُعْدِ قَدْ انْقَطَعَتْ تَلْبِيَتُهُ وَكَمُلَ مَقْصِدُهُ فَأَمَّا الْحَاجُّ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنِهَايَةِ مَقْصِدِهِ وَإِنَّمَا نِهَايَةُ مَقْصِدِهِ عَرَفَةُ.

[ما جاء في التمتع]

أَمَّا الْمُهِلُّ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا انْتَهَى إلَى الْحَرَمِ قَالَ وَبَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ «سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أَخِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيمُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّنْعِيمِ إلَى الْحَرَمِ كَبِيرُ مَسَافَةٍ فَلَوْ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِدُخُولِ الْحَرَمِ لَمَا لَبَّى إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ الَّتِي هِيَ شِعَارُ الْمُعْتَمِرِ وَاسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِدَامَةُ التَّلْبِيَةِ إلَى نِهَايَةِ الْمَقْصُودِ لِتَطُولَ مُدَّتُهَا وَلَا يُعَرَّى مُعْظَمُ النُّسُكِ مِنْهَا وَأَمَّا الَّذِي يُهِلُّ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَقَدْ اسْتَدَامَ التَّلْبِيَةَ أَيَّامًا وَكَثُرَ شِعَارُهُ لَهَا وَاقْتَرَنَ أَكْثَرُ نُسُكِهِ بِهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ قَطْعُهَا عِنْدَ دُخُولِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ مَقْصُودُهُ، وَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ النُّسُكِ أَنْ يُعَرَّى بَعْضُهُ مِنْ التَّلْبِيَةِ كَالْحَجِّ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُولِ مُدَّةِ التَّلْبِيَةِ وَقِصَرِهَا وَإِنَّهُ يُرَاعَى أَنْ يَقْرِنَ التَّلْبِيَةَ بِمُعْظَمِ مُدَّةِ الْعِبَادَةِ وَيُعَرَّى مِنْهَا بَعْضُهَا وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعُمْرَةِ الْحَرَمُ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَرَمِ الْبَيْتُ فَهَذِهِ مَقَاصِدُ صَحِيحَةٌ وَوُجُوهُ اسْتِحْبَابٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ لِذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُ كَثِيرًا مِنْ إرْسَالِهِ الْخَبَرَ مَعَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ أَوْثَقِ النَّاسِ وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ التَّابِعُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ] (ش) : قَوْلُ الضَّحَّاكِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ لِلْمُتْعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنَّك تُخَالِفُ أَبَاك فَقَالَ إنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ الَّذِي تَقُولُونَ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَفْرِدُوا الْحَجَّ مِنْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ أَتَمُّ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي شُهُورِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ وَأَرَادَ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ» وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ رَأَى الْإِفْرَادَ أَفْضَلَ مِنْهَا وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ النَّهْيَ عَنْهَا وَأَنَّهُ قَالَ أَنَا أَفْعَلُهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَلِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَانَ عُمَرُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَيَأْمُرُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ اعْتِقَادَ تَفْضِيلِ الْمُتْعَةِ خَطَأٌ فَكَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ لَا عَلَى إبَاحَةِ الْمُتْعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلصَّبِيِّ مَعْبَدٍ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ سَعْدٍ بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أَخِي لَمَّا سَمِعَ إنْكَارَ الضَّحَّاكِ لِلْمُتْعَةِ، وَحَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الْمَنْعِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إذَا أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَنْكَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْمِلْ أَمْرَهَا عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْهَا تَعَلُّقٌ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ وَمُنْتَهَى عِلْمِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ عَنْ نَصٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ نَظَرٍ أَدَّاهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ لَهُ لَمَّا رَأَى مِنْ نَهْيِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَعْنَى مَنْعِهِ الْمُتْعَةَ وَلَا حَمْلِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنْ يَكُونَ سَعْدٌ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ فَبَيَّنَ وَجْهَ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِ السَّامِعِ أَنَّ عُمَرَ لَا يُشَرِّعُ شَرِيعَةً وَلَا يُخَالِفُ مَا شَرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يُرِدْ النَّهْيَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْوَجْهُ إلَّا بِأَنْ يَعْتَقِدَ سَعْدٌ فِي عُمَرَ أَنَّهُ مِنْ عِلْمِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مَا عَلِمَ. وَالثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ سَعْدٌ فِي نَهْيِ عُمَرَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ جُمْلَةً، أَوْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمَ بِهِ النَّاسَ لِيَعْلَمُوا بِهِ وَلِيَتْرُكُوا نَهْيَ عُمَرَ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَمَرَ بِهَا أَوْ أَبَاحَهَا كَمَا يُقَالُ: نَادَى الْأَمِيرُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يُنَادِي وَقَتَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَقْتُلُهُ فَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا الَّذِي يَحْتَمِلُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَوْلُ سَعْدٍ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُتَمَتِّعًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُفْرِدًا، وَيُخْبِرُ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَيُضِيفُ ذَلِكَ إلَى جُمْلَةِ جَمَاعَةٍ وَهُوَ مِنْهُمْ. (ش) : قَوْلُهُ لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ يُرِيدُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يُهْدِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْهِ وَأَفْضَلُ عِنْدَهُ مِنْ أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ تَرْكَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ وَأَنَّ النَّقْصَ يَدْخُلُ عَلَى الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ إنْ فَعَلَهَا قَبْلَ الْحَجِّ جَبَرَ ذَلِكَ بِدَمِ الْمُتْعَةِ فَكَانَ فِعْلُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الْحَجِّ أَفْضَلَ عِنْدَهُ لِلْجُبْرَانِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ جَمِيعَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ، ثُمَّ خَصَّ قَبْلَ الْحَجِّ دُونَ مَا بَعْدَهُ بِحُكْمِ التَّمَتُّعِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الشَّهْرِ حُكْمُهُ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَالثَّانِيَ: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَا قَبْلَ الْحَجِّ مِنْ أَشْهُرِهِ دُونَ مَا بَعْدَهُ فَقَالَ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ وَأَرَادَ بِهِ بَيَانَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ دُونَ مَا بَعْدَهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ عِنْدَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَتْ لَيْلَتُهُ مِنْهَا وَالدَّلِيلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَأَتَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَاهُنَا شَهْرَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ثَلَاثَةً، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَمَمْنُوعٌ يَوْمَ النَّحْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ جَمِيعَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ تَأْخِيرَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إلَى آخِرِهِ لَا يَلْزَمُ بِهِ الدَّمُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا اخْتَارَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ يَوْمُ النَّحْرِ يَحْصُلُ بِانْقِضَائِهِ التَّحَلُّلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ حَلَّ لَهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مَا لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ رَمَى وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِمَا كَانَ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا وَلِلتَّمَتُّعِ سِتَّةُ شُرُوطٍ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا بِاجْتِمَاعِهَا فَمَتَى انْخَرَمَ مِنْهَا شَرْطٌ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا: أَحَدُهَا: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَالثَّالِثُ - أَنْ يَفْعَلَ الْعُمْرَةَ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَالرَّابِعُ - أَنْ يُقَدِّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ. وَالْخَامِسُ - أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. وَالسَّادِسُ - أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَكِّيٍّ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ) . فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَمَتَّعُ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ تَرَكَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نُسُكٍ مِنْهُمَا كَانَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِسَفَرِهِ فَتَرَخَّصَ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ لَمَّا جَمَعَهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَصْفُ السَّفَرِ الْمُخْرِجِ عَنْ حُكْمِ الْمُتْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (الْبَابُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَمْعُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ) . وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ إلَى عَامٍ ثَانٍ فَحَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ حَجِّهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. (فَرْعٌ) فَإِنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يُرِيدُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَلَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَلَوْ أَكْمَلَ حَجَّهُ لَكَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ عُمْرَتِهِ. (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي فِعْلِ الْعُمْرَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) . وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ - وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ أَحَقُّ بِالْحَجِّ لِمَنْ أَرَادَهُ وَسَائِرُ الْأَشْهُرِ أَحَقُّ بِالْعُمْرَةِ وَهَذَا مَعْنَى اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ بِهَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَطُولُ بِهِ مُدَّةُ الْإِحْرَامِ وَلَا تَشُقُّ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْغَالِبِ، وَلَكِنَّهُ يُكْمِلُ سَعْيَهُ فَإِذَا لَمْ يُرِدْ الْحَجَّ فَالْعُمْرَةُ فِيهَا مُطْلَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ لَا تَخْتَصُّ بِالْحَجِّ اخْتِصَاصَ مَنْعٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِهَا اخْتِصَاصَ كَمَالٍ وَفَضِيلَةٍ فَمَنْ أَرَادَ التَّرَفُّهَ وَالِاسْتِمْتَاعَ بِمَكَّةَ كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَبْقَى حَلَالًا إلَى الْحَجِّ. (فَرْعٌ) وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي رَمَضَانَ أَوْ شَعْبَانَ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ وَأَتَى بِبَعْضِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ بِشَوْطٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّعْيِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَجَمَاعَةُ النَّاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ السَّعْيَ وَالطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ فَإِذَا أَتَى بِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَالْإِحْرَامِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ غَيْرُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحِلَاقِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّ الْحِلَاقَ تَحَلُّلٌ مِنْ النُّسُكِ، وَلَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ ابْنُ حَبِيبٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ أَوْ مَسَّ الطِّيبَ أَوْ النِّسَاءَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ) . وَأَمَّا الشَّرْطُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُتَأَخِّرًا عَمَّا قَبْلَهَا إذَا كَانَ غَايَةً لَهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّمَتُّعَ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ فَيَدْخُلُ فِي أَوَّلِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَأْتِي بِالْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِتْيَانُ بِالْحَجِّ أَوْلَى لِيَتَرَفَّهَ بِالْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَرِدَ زَمَنُ الْحَجِّ فَيُحْرِمَ بِهِ، وَهُوَ إذَا قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَقَدْ عَرِيَ عَنْ هَذَا الْعُمُومِ وَأَتَى بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَشْهُرِهِ فَلَمْ يَتَمَتَّعْ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ وَلَا تَرَخَّصَ بِتَحَلُّلٍ مِنْ نُسُكٍ فِي شُهُورِهِ وَهَذَا إذَا قُلْنَا: إنَّ جَمِيعَ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّ قُلْنَا: إنَّ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةَ مِنْهُ لَيْسَتْ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْإِهْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ) . وَأَمَّا الشَّرْطُ الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَيَفُوتَ حُكْمُ الْإِرْدَافِ فَلَا يَكُونُ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ لَهُ ذَلِكَ كَانَ قَارِنًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا. (الْبَابُ السَّادِسُ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مَكِّيٍّ) . وَأَمَّا الشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَكِّيًّا فَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَخَصَّ بِهِ غَيْرَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يَلْزَمُهُ سَفَرٌ لِحَجٍّ وَلَا لِعُمْرَةٍ فَيَتَرَخَّصُ لِتَرْكِ أَحَدِهِمَا، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمَكِّيِّ قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى أُفُقِهِ أَوْ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَهَذَا حُكْمُ الْمَكِّيِّ بِمَوْضِعِهِ. (فَرْعٌ) وَحَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنَّ مَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ أَكْثَرُ شُيُوخِنَا لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ ثَانٍ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُمْ دُونَ الْمِيقَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] يَقْتَضِي مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مُقِيمًا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَوْجُودًا عِنْدَهُ وَهَذَا الْقِسْمُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مِنْ حَاضِرِي مَوْضِعِ كَذَا وَمِنْ حَاضِرَةِ فُلَانَةَ وَلَا يُقَالُ لِمَنْ كَانَ دُونَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَحْضُرُ أَهْلُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. (فَرْعٌ) وَحُكْمُ أَهْلِ ذِي طُوًى فِي ذَلِكَ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ اتِّصَالُ الْبُيُوتِ الْمُجَاوِرَةِ وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ حَجِّهِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَكِّيًّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا حُكْمُ الْحُرِّ، فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لَا يُهْدِي إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَلْيَصُمْ وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ الْمِلْكِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِهَدْيٍ يَمْلِكُ أَنْ يُهْدِيَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الْهَدْيُ عَمَّا دَخَلَ الْعِبَادَةَ مِنْ النَّقْصِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ نَحْرُهُ مُنْذُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَجَازَ الْحِلَاقُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَوْلِ بِهِ إذَا عُلِّقَ بِالْغَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرُ شُيُوخِنَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ حَفْصَةَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهَا «يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ عُمْرَتِهِمْ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك؟ فَقَالَ: إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ النَّحْرُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْحِلَاقِ وَلَوْ كَانَ النَّحْرُ مُبَاحًا لَهُ لَعَلَّلَ امْتِنَاعَ الْإِحْلَالِ بِغَيْرِ تَأْخِيرِ النَّحْرِ وَلَمَا صَحَّ اعْتِلَالُهُ بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا هَدْيٌ يَجِبُ إرَاقَةُ دَمِهِ فِي الْحَجِّ فَلَمْ يَجُزْ نَحْرُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا نَذَرَ هَدْيًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا فِدْيَةُ الْأَذَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَدْيٍ فَإِنْ أَهْدَاهَا كَانَ هَذَا حُكْمُهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُصَامَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَلَا يُصَامَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا لِلثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا عَقِيبَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ صِيَامِهَا فِي الْحَجِّ وَمَا لَمْ يُحْرِمْ فَلَيْسَ صِيَامُهُ فِيهِ وَاسْتِدْلَالٌ آخَرُ مِنْ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ بِالْحَجِّ وَاسْتِدْلَالٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَعَلَّقَ جَوَازَ الصِّيَامِ بَعْدَ الْهَدْيِ وَلَا نَعْلَمُ عَدَمَهُ قَبْلَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُيَسَّرُ عِنْدَ وُجُوبِ الْهَدْيِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا صَوْمٌ وَاجِبٌ فَلَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلُ ذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ. (فَرْعٌ) وَوَقْتُ هَذَا الصَّوْمِ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالِاخْتِيَارُ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْإِحْرَامِ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ إلَى حِينِ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الِاخْتِيَارَ تَقْدِيمُهُ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: تَعْجِيلُ إبْرَاءِ الذِّمَّةِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ وَقْتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ فِيهِ. فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ مُخْتَلَفٍ فِي إجْزَائِهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ فَاتَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى فَإِنْ لَمْ يَصُمْ أَيَّامَ مِنًى صَامَ بَعْدَهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصُومُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَسْتَقِرُّ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا قَدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ مَا اُسْتُدِيمَ الْعَجْزُ عَنْ الْحَيَوَانِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ كَالصَّوْمِ لِلظِّهَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَصَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ اسْتَحْسَنَّا لَهُ أَنْ يُهْدِيَ وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَادَى عَلَى صَوْمِهِ أَجْزَأَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْطُلُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْهَدْيِ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَإِنْ حَلَّ وَانْقَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ لَمْ يُنْتَقَضْ صَوْمُهُ بِوُجُودِ الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ فِي السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ تَلَبَّسَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْهَدْيِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِوُجُودِهِ كَتَلَبُّسِهِ بِصَوْمِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى جَازَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ الْأَيَّامَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَصُومُهَا حَتَّى يَرْجِعَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] . وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْحَجَّ فَقَالَ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ مِنْ مِنًى وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا ذِكْرُ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ مِنْهُ كَمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ انْقَطَعَ إلَى غَيْرِهَا وَسَكَنَ سِوَاهَا، ثُمَّ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالصِّيَامُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِثْلَ أَهْلِ مَكَّةَ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُنْشِئَ الْحَجَّ أَمُتَمَتِّعٌ هُوَ فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا الْهَدْيُ أَوْ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ وَلَا يَدْرِي مَا يَبْدُو لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ: انْصَرَفَ فُلَانٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَرَجَعَ مِنْ عَمَلِهِ يُرِيدُ فَرَغَ مِنْهُ وَانْقَضَى تَلَبُّسُهُ بِهِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الرُّجُوعَ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعَسُّفِ التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ لِأَهْلِهِ وَلَا لِبَلَدِهِ ذَكَرُوا إذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِأَوَّلِهِمَا وُجُودًا كَمَا قُلْنَا فِي الشَّفَقِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِمَا وُجُودًا وَهُوَ مَغِيبُ الْحُمْرَةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مُتَمَتِّعٌ عَدِمَ الْهَدْيَ وَفَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَجَازَ لَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ أَصْلُهُ إذَا اسْتَوْطَنَ مَكَّةَ أَوْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِهَا إلَى عَامٍ آخَرَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الصَّوْمِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَأَدِّيَ الْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا وَسَكَنَهَا مُسْتَوْطِنًا فَقَدْ انْتَقَلَ حُكْمُهُ إلَى حُكْمِ سَائِرِ أَهْلِ الْآفَاقِ وَكَمُلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتْعَةِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الْهَدْيُ أَوْ الصِّيَامُ إنْ لَمْ يَجِدْهُ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الِاسْتِيطَانُ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا حِينَ الْإِحْرَامِ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَدَخَلَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِهَا وَالِاسْتِيطَانَ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ حُكْمُ أَهْلِ الْآفَاقِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدُ، فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ أَفْعَالِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ قَبْلَ الِاسْتِيطَانِ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ كَمُلَ اسْتِيطَانُهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِثْلَ أَنْ يَدْخُلَ مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَانَ فَيَحِلُّ فِي رَمَضَانَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْتَوْطِنُ مَكَّةَ، ثُمَّ يَعْتَمِرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَحُجُّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا قَالَهُ أَشْهَبُ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يُرِيدُ الِاسْتِيطَانَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ حُكْمَ التَّمَتُّعِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا مِنْ الْآفَاقِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مِنْ مُشَبَّهَاتِ الْأُمُورِ وَأَحَبُّ إلَيَّ الِاحْتِيَاطُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَأَنَّهُ رَأَى أَنْ يُهْرِقَ دَمًا لِمُتْعَتِهِ وَذَلِكَ رَأْيِي، وَفِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرَى عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَشَأْنُهُ يَسِيرٌ وَالِاحْتِيَاطُ أَوْلَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ إنَّمَا يَأْتِي أَهْلَهُ الَّذِينَ بِمَكَّةَ مُنْتَابًا فَالْهَدْيُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَوْطِنُ مَكَّةَ وَإِنَّمَا يَأْتِي أَهْلَهُ بِالْآفَاقِ مُنْتَابًا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَالَهُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً تَقْتَضِيَ إسْقَاطَ الْهَدْيِ لِاسْتِيطَانِهِ بِمَكَّةَ وَشُبْهَةً تَقْتَضِي إيجَابَهُ لِاسْتِيطَانِهِ غَيْرَ مَكَّةَ فَيُؤْثِرُ الِاحْتِيَاطَ بِإِخْرَاجِ الْهَدْيِ وَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ إخْرَاجُ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْبَيَانِ وَيَلْزَمُهُ مَا قَالَ مَالِكٌ إذَا اسْتَوَى اسْتِيطَانُهُ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَأْتِ إحْدَاهُمَا إلَّا كَمَا يَأْتِي الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : هَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ يُرِيدُ قَبْلَ الْحَجِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي

[ما لا يجب فيه التمتع]

مَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّمَتُّعُ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ إنَّمَا الْهَدْيُ عَلَى مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْمَكِّيِّ وَلِذَلِكَ قَالَ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ يُرِيدُ فَحَجَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ أَنَّهَا شَاةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ إلَّا الشَّاةُ بِعَيْنِهَا لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ قِيمَتِهَا وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ غَيْرُهَا قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالْهَدْيُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْعَيْنِ وَالْعُرُوضِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] فَنَقَلَ عِنْدَ عَدَمِ تِلْكَ الْعَيْنِ إلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يُخْرَجُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يُجْزِ عَنْهُ الْقِيمَةُ كَالْأُضْحِيَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ عَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَعْدَمَ عَيْنُهُ جُمْلَةً وَهَذَا لَا يَكَادُ يَقَعُ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ وَهَذَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي النَّاسِ وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَدِمَ ثَمَنَهُ فَقَدْ عَدِمَ مِلْكَ عَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّمَتُّعُ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَمْ يَتَرَخَّصْ بِتَرْكِ سَفَرِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَقَدْ أَنْشَأَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرًا كَامِلًا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا هَدْيُ التَّمَتُّعِ عَلَى مَا قَالَ عَلَى مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ وَجَمَعَهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ سَالِمٌ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُتْعَةَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَمَعْنَى تَمَتُّعِهِ بِهَا أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ فِعْلِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِهَا إلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُعْتَمِرِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتٍ شَرَعَ لَهُ فِيهِ الْإِهْلَالَ بِالْحَجِّ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي يَعُودُ إلَى وَطَنِهِ فَمَا يَتَمَتَّعُ بِالْعُمْرَةِ، وَإِنَّمَا يَتَمَتَّعُ بِرُجُوعِهِ إلَى بَلَدِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ اعْتَمَرَ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَنْ يَسْتَبِيحَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعَ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يُكْرَهُ الرُّجُوعُ إلَى أُفُقِهِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَتِهِ أَنَّ عُمَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُهَا كَانَتْ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ يَحُجَّ مَعَ شَيْءٍ مِنْهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ سَفَرِهِ قَدْ كَمُلَ لَهُ بِتَمَامِ نُسُكِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الِانْصِرَافِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِنُسُكِ الْحَجِّ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ الْحَجَّ وَلَمْ يُرِدْهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أُفُقِهِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ فِي الْبُعْدِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ نُسُكٍ بِسَفَرِهِ وَلَمْ يَتَمَتَّعْ بِتَرْكِ سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أُفُقِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ خَرَجَ إلَى أُفُقٍ أَقْرَبَ مِنْ أُفُقِهِ مِثْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمِصْرِيُّ أَوْ الشَّامِيُّ أَوْ الْعِرَاقِيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَخُّصُ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ أَوْ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُحْفَةِ أَوْ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ التَّرَخُّصُ وَالتَّرَفُّهُ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَأَنَّ مَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ السَّفَرَيْنِ مِنْ بَلَدِهِ أَكْثَرُ مِمَّا أَتَى بِهِ فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ حُكْمُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَسَكَنَهَا، ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا كَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ خَرَجَ إلَى الرِّبَاطِ أَوْ إلَى سَفَرٍ مِنْ الْأَسْفَارِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بِهَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِمَكَّةَ أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ بِهَا فَدَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَجَّ وَكَانَتْ عُمْرَتُهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دُونِهِ أَمُتَمَتِّعٌ مَنْ كَانَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مِنْ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَلَا مَعْنَاهُ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَوْضِعٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَإِنْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ التَّمَتُّعِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ حَائِلًا بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى الشَّامِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَجَعَ الشَّامِيُّ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ وَهَذَا الشَّامِيُّ وَالْمِصْرِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ إلَيْهَا أَوْ إلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ التَّمَتُّعِ، فَتَقَرَّرَ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ الرُّجُوعُ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِمَا مِمَّا تَلْحَقُ فِيهِ مَشَقَّةٌ تُقَارِبُ مَشَقَّةَ سَفَرِ بَلَدِهِ وَعَنْ ابْنِ كِنَانَةَ الرُّجُوعُ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ إلَى سَفَرٍ تَلْحَقُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ بِالْبُعْدِ إنْ كَانَ بَلَدُهُ بَعِيدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ حَجَّ يُرِيدُ أَنَّهُ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَقَامَ حَتَّى الْحَجِّ، ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ فَلَمْ يُخِلَّ بِسَفَرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَجٌّ فَيُخِلُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَسَكَنَهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا تَكْمُلُ فِيهِ شُرُوطُ التَّمَتُّعِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صِيَامَ؛ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَمْ يَتَرَخَّصْ بِتَرْكِ سَفَرٍ لِأَحَدِ نُسُكَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أُفُقِهِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ فَكَذَلِكَ الْمَكِّيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ التَّحَلُّلُ وَالْمُقَامُ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ وَكَذَلِكَ الْمَكِّيُّ إذَا انْقَطَعَ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ وَاسْتَوْطَنَهَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ الْآفَاقِ وَتَكْمُلُ لَهُ شُرُوطُ الْمُتْعَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ وَقْتُ فِعْلِهِ النُّسُكَيْنِ وَابْتِدَائِهِ بِهِمَا فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتَيْنِ مُسْتَوْطِنًا مَكَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا سَائِرَ الْآفَاقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْآفَاقِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى غَيْرِهَا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ إلَيْهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَلَوْ خَرَجَ عَنْهَا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ عَنْهَا وَالِاسْتِيطَانِ بِغَيْرِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا مُسَافِرًا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا مَرَّ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ يَكُونُ حَضَرِيًّا بِدُخُولِهِ إيَّاهُ نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَإِذَا مَرَّ بِوَطَنٍ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُقَامَ بِهِ لَمْ يَكُنْ حَضَرِيًّا وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسَافِرِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا مِثْلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا سَاوَى مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيطَانِ يَثْبُتُ لِمَنْ اسْتَوْطَنَ مَوْضِعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ فَإِذَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِيطَانِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ لِسَفَرٍ مِنْ الْأَسْفَارِ إلَى رِبَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ أَهْلٌ وَقَدْ ثَبَتَ لَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ اسْتِيطَانِهِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَاوَى مَالِكٌ أَنْ تَكُونَ عُمْرَتُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ

[جامع ما جاء في العمرة]

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي كُنْت تَجَهَّزْت لِلْحَجِّ فَاعْتَرَضَ لِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ كَحَجَّةٍ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَاعْتَمَرَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا شُرُوطُهُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] احْتِجَاجٌ بِالْآيَةِ عَلَى إسْقَاطِ الْهَدْيِ عَنْ هَذَا الْمَكِّيِّ الْقَادِمِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ حُكْمَ الْمُتَمَتِّعِ وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَخَصَّهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِالْحَضَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَاسْتِصْحَابِ حَالِ الْعَقْلِ وَطَرِيقِ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ وَمِقْدَارِ مَا شَغَلَ الشَّرْعُ مِنْهَا ذِمَّةَ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَقِيَ سَائِرُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَصْلِ وَلَعَلَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْوَجْهِ وَذَهَبَ إلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَحَلَّ مُحْتَمَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إلَى هَاهُنَا بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] وَيَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ الْعُمْرَةُ مَعَ الْعُمْرَةِ تَكْفِيرٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَيَقْتَضِي مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ تَكْفِيرَ جَمِيعِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ» عَلَى مِثَالِ مَفْعُولٍ مِنْ الْبِرِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ صَاحِبَهُ أَوْقَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِغَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِمَبْرُورِ وَصْفَ الْمَصْدَرِ فَيَتَعَدَّى حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَعَدَّى مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الْمَصْدَرِ فَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَعَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ وَأَنَّ مَا دُونَ الْجَنَّةِ لَيْسَ بِجَزَائِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ جَزَاؤُهَا تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ وَحَطُّ الْخَطَايَا لِمَا يَقْتَصِرُ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى تَكْفِيرِ بَعْضِ ذُنُوبِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ إدْخَالَهُ الْجَنَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهَا «إنِّي كُنْت تَجَهَّزْت لِلْحَجِّ» تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ أَعَدَّتْ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَفَرِهَا «فَاعْتَرَضَ لَهَا» يَعْنِي أَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ مُرَادِهَا مَانِعٌ وَلَعَلَّهُ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجَمَلَ الَّذِي أَرَادَتْ أَنْ تَحُجَّ عَلَيْهِ اُضْطُرَّ أَهْلُهَا إلَى السَّقْيِ بِهِ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ وَأَخْبَرَهَا أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِبَرَكَةِ رَمَضَانَ وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ فِيهِ حَتَّى يُوَازِيَ ثَوَابُ الْعُمْرَةِ فِيهِ ثَوَابَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِهِ وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ. (ش) : قَوْلُهُ افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ فَتُفْرَدُ أَشْهُرُ الْحَجِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاسْتَدَامَ إلَى أَشْهُرِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إذَا اعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجِّ فَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ نَهْيُهُ عَنْ الْمُتْعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ لَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ إمَّا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَفْضِيلِهَا عَلَى الْإِفْرَادِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَوْ لِلِاجْتِزَاءِ بِالدُّونِ وَإِيثَارِ التَّمَتُّعِ بِالنِّسَاءِ إلَى وَقْتِ الْوُقُوفِ وَأَمَّا عَلَى التَّحْرِيمِ لِمَنْ أَرَادَ فَسْخَ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيَتَمَتَّعَ بِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا وَلَوْ أَرَادَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمَا قَالَ: إنَّهُ أَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ بَلْ كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ إذَا اعْتَمَرَ رُبَّمَا لَمْ يَحْطُطْ عَنْ رَاحِلَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إسْرَاعًا إلَى الْمَدِينَةِ لِحُبِّهِ إيَّاهَا بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي قَدْ قُرِنَ النَّظَرُ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَعَ الصَّحَابَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَكْرَهُ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لِمَا مُنِعَهُ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَاسْتِيطَانِهَا، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ مُقَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ لَا يَكُونُ الْمُقِيمُ بِهَا مُقِيمًا وَلِمَا رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِلْمُهَاجِرِ ثَلَاثٌ بَعْدَ الصَّدْرِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ «وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ عَشْرًا» وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «أَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ وَبِنِيَّةِ الرَّحِيلِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَطْرَأُ مَا يَمْنَعُهُ وَهَذَا مَقَامٌ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمُقَامِ وَلِذَلِكَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنَّمَا الْمَقَامُ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْمُقَامِ أَنْ يَنْوِيَ مُقَامَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَمَا زَادَ؛ وَلِذَلِكَ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَكَنَ مَكَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ غَيْرَ رَأْيِ عُثْمَانَ وَتَأَوَّلُوا فِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَنْعِ أَنَّهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّ مَكَّةَ بَعْدَهُ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ يَكُونُ لِلْمُهَاجِرِ اسْتِيطَانُهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْطَنُوا الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْبِلَادِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ كَالْحَجِّ، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى السُّنَّةِ مَا رُسِمَ لِيُحْتَذَى فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فَرْضًا وَيَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ أَصْحَابِنَا فِي تَسْمِيَةِ مُتَأَكِّدِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ إذَا حَصَلَ عَلَى صِفَتِهَا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ هِيَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذَا نُسُكٌ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ النَّفْلِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِ الْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ تَمَامَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ مَنْ شَرَعَ فِيهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَصَوْمُ النَّافِلَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَرْخَصَ فِي تَرْكِهَا يُرِيدُ أَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُفَضِّلُ تَرْكَهَا وَلَا يُرَخِّصُ فِيهِ بَلْ يَأْمُرُ بِفِعْلِهَا وَيُفْتِي بِتَأْكِيدِ حَالِهَا كَمَا يُفْتِي بِالْمُسَارَعَةِ إلَى مُتَأَكِّدِ السُّنَنِ لَا سِيَّمَا مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ كَالْوِتْرِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مِنْ سُنَّةِ الْعُمْرَةِ أَنْ تَكُونَ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَأَنَّ الِاعْتِمَارَ مَرَّتَيْنِ إخْرَاجٌ لَهَا عَنْ سُنَّتِهَا وَمَوْضُوعِهَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ نَحْوَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا اعْتَمَرَ مَرَّةً فِي الْعَامِ» ، وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَمِرِ يَقَعُ بِأَهْلِهِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيَ وَعُمْرَةً أُخْرَى يَبْتَدِئُهَا بَعْدَ إتْمَامِهِ الَّذِي أَفْسَدَهَا وَيُحْرِم مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَان أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا مِنْ مِيقَاتِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّدْبِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ لَهُ إحْرَامٌ وَتَحَلُّلٌ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً فِي السَّنَةِ كَالْحَجِّ،. وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فَلَمْ يُكْرَهْ تَكَرُّرُهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ كَصَوْمِ النَّفْلِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا وَقَعَ بِأَهْلِهِ فَقَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَيُنَافِيهِمَا وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ هَذَيْنِ النُّسُكَيْنِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا وَالْهَدْيُ فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ النُّسُكُ الَّذِي أَفْسَدَهُ حَجًّا مُفْرَدًا أَوْ حَجًّا قُرِنَ بِعُمْرَةٍ أَوْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً فَإِنْ كَانَ حَجًّا مُفْرَدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي عَامٍ قَابِلٍ يَقْضِي مِثْلَ مَا أَفْسَدَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرِنَ الْحَجَّ الَّذِي أَفْسَدَ بِعُمْرَةٍ لَمْ يُجْزِهِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ النَّقْصِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَفْسَدَهُ أَوْ بِأَفْضَلَ فَإِذَا أَدْخَلَ فِي الْقَضَاءِ نَقْصَ الْقِرَانِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ حَجَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ مَكَانَهَا عُمْرَةً. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَارِنَ قَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَا تَمْنَعُ صِحَّةُ الْقَضَاءِ إضَافَةَ الْعُمْرَةِ إلَيْهِ وَإِنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ دَمًا كَمَا لَوْ قَضَى مُتَمَتِّعًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ تَصِحَّ تِلْكَ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَفْسَدَ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءِ عُمْرَةٍ مُبْتَدَأَةٍ يَسْلَمُ إحْرَامُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَلَا تُرْتَدَفُ لَهُ عُمْرَةٌ أُخْرَى عَلَى هَذِهِ الَّتِي أَفْسَدَ وَلَوْ أَرْدَفَ عَلَيْهَا حَجًّا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُرْتَدَفُ الْحَجَّةُ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُرْتَدَفُ الْحَجُّ عَلَيْهَا وَيَصِيرُ قَارِنًا. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ هَذَا إحْرَامٌ قَدْ أُفْسِدَ بِالْوَطْءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهِ إحْرَامًا صَحِيحًا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُتِمَّهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ يَمْنَعُ مَنْ أَنْ يَطْرَأَ إحْرَامٌ صَحِيحٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذِهِ عُمْرَةٌ فَجَازَ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى يَبْتَدِئُهَا بَعْدَ إتْمَامِهِ الَّتِي أَفْسَدَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى عُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ حَتَّى يُكْمِلَهَا وَيَحِلَّ مِنْهَا كَمَا يُكْمِلُ الَّتِي لَا فَسَادَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجَ مِنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا بِالْفَسَادِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا يَمْضِيَ فِي صَحِيحِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ خُرُوجُهُ مِنْهُمَا إلَّا بِالْإِكْمَالِ وَالتَّحَلُّلِ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِمَا وَيَصِحُّ رَفْضُهُمَا مَتَى شَاءَ الْمُكَلَّفُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ وَالْإِحْرَامِ لَهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ إفْسَادَ الْحَجِّ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْفَوَاتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّةً فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ حَجَّةً عَلَى إحْرَامِهِ الْفَاسِدِ إلَى عَامٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يُحِلَّ مِنْ حَجِّهِ أَوْ يَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ إنْ كَانَ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاضِيًا لِحَجِّهِ الْفَاسِدِ إلَّا بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ هَذَا وَابْتِدَاءِ إحْرَامٍ لِلْقَضَاءِ وَفِعْلُ ذَلِكَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ الْفَاسِدُ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ إلَى عَامٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ الْفَاسِدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُحْرِمُ بِهَا مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ وَيُحْرِمَ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَحْرَمَ بِالنُّسُكِ الَّذِي أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مِثْلَ مَا كَانَ أَفْسَدَ، وَذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ وَقَعَ بِأَهْلِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَالَ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَعْتَمِرُ عُمْرَةً أُخْرَى وَيُهْدِي وَعَلَى الْمَرْأَةِ إذَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الْعُمْرَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ (لَا يَتَعَيَّنُ) وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ (إلَى أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ) ثُمَّ يُحْرِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُهِلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ التَّنْعِيمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدِهَا: أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ. وَالثَّانِي - أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَالثَّالِثِ - أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ. فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ طَائِعًا أَوْ عَاصِيًا فَإِنْ كَانَ طَائِعًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ أَوْ مُجَاوِزَ الْمِيقَاتِ لَا يُرِيدُ نُسُكًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَحْرَمَ بِالنُّسُكِ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا أَفْسَدَ عُمْرَةً أَنْ يَقْضِيَ حَجَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ بِالنُّسُكِ الَّذِي أَفْسَدَهُ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ يُرِيدُ لِلْإِحْرَامِ، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالنُّسُكِ الْأَوَّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِتَجَاوُزِهِ الْمِيقَاتِ بِالنُّسُكِ الْأَوَّلِ كَانَ عَاصِيًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَرِّرَ الْعِصْيَانَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجًّا تَرَكَ فِيهِ الْمَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَبِيتَ بِهَا فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ أَفْسَدَ حَجًّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ بِتَطَيُّبٍ أَوْ لُبْسِ ثِيَابٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ إهْلَالُهُ بِالنُّسُكِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَفْسَدَ عُمْرَةً جَازَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنْ الْحِلِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي الْعُمْرَةِ الْمَقْضِيَّةِ ابْتِدَاءً بِالشَّرْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي قَضَائِهَا كَاجْتِنَابِ الطِّيبِ وَالْحِلَاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنْ أَبْعَدَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ أَبْعَدَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي ابْتِدَاءِ نُسُكِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَحْرَمَ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَتَرْكِ الِاسْتِظْلَالِ حَالَ النُّزُولِ وَكَالْمَشْيِ إذَا مَشَى فِي عُمْرَةٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ طَافَ وَسَعَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنَّ طَوَافَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ شَرْطِ صِحَّتِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ فَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ أَنْ طَافَ كَذَلِكَ وَسَعَى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَامَعَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى فَاسِدِ عُمْرَتِهِ فَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيُحِلَّ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْضِيَ عُمْرَةً وَيُهْدِيَ هَدْيًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ إذَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَتَمَادَى فِي حَجِّهَا الْفَاسِدِ، ثُمَّ تَقْضِيَ عُمْرَةً وَتُهْدِيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهَا مِنْ إفْسَادِ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ مَا وُجِدَ مِنْ الرَّجُلِ فَكَانَ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ كَحُكْمِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ؛ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ النُّسُكِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي الْعُمْرَةِ، وَلَكِنَّ الْفَضْلَ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمِيقَاتِ الَّذِي وَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ فَقَالَ لَهَا انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ اُخْرُجِي مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ

[نكاح المحرم]

نِكَاحُ الْمُحْرِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ إنِّي أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ وَنَصَبِكِ» . [نِكَاحُ الْمُحْرِمِ] (ش) : قَوْلُهُ «بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا» آخَرَ ظَاهِرُهُ بِاتِّصَالِ قَوْلِهِ «فَزَوَّجَاهُ» جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْوَكَالَةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» يَقْتَضِي كَوْنَهُ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمَ إلَّا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي نِكَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ هَلْ كَانَ فِي حَالَ إحْرَامِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَا تَقَدَّمَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَاَلَّذِي رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بَاشَرَ الْقَضِيَّةَ وَهُوَ بِهَا أَعْلَمُ مِمَّنْ لَمْ يُبَاشِرْهَا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ «مَيْمُونَةَ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرَفٍ» وَهِيَ أَعْلَمُ بِحَالِهَا وَحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرَتْ مَوْضِعَ الْعَقْدِ وَقَدْ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخَذَ فِي ذَلِكَ بِمَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ صَارَ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ فَلَعَلَّهُ عَلِمَ بِنِكَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ قَلَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَقَالَ «تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا» لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْمُحْرِمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَإِنَّهُ يُقَالُ: لِمَنْ دَخْل فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَوْ الْأَرْضِ الْحُرُمِ مُحْرِمٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ. (ش) : إرْسَالُ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنْ يَحْضُرَ نِكَاحَ ابْنِهِ بِمَعْنَى إشْهَارِ النِّكَاحِ وَإِحْضَارِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَحْضُرَهُ لِعِلْمِهِ بِمَا يُصَحِّحُ الْعَقْدَ مِمَّا يُفْسِدُهُ فَأَنْكَرَ أَبَانُ نِكَاحَهُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَمَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ حُضُورِهِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ عَقْدِ النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ وَيَقْتَضِي مَنْعَ الْمُحْرِمِ مِنْ عَقْدِهِ لِغَيْرِهِ وَإِذَا اقْتَضَى النَّهْيُ الْمَنْعَ مِنْ عَقْدِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ اقْتَضَى فَسَادَهُ إنْ عَقَدَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْقِدُ الْمُحْرِمُ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَعْنًى تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا عَلَى الْمُحْرِمِ كَوَطْءِ الْأَمَةِ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ وَالطِّيبَ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ. 1 -

[حجامة المحرم]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ إنَّهُ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ إنْ شَاءَ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ) . حِجَامَةُ الْمُحْرِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوْقَ رَأْسِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِلَحْيَيْ جَمَلٍ مَكَانٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْطُبُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ السِّفَارَةَ فِي النِّكَاحِ وَالسَّعْيَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إيرَادَ الْخُطْبَةِ حَالَ النِّكَاحِ، فَأَمَّا السَّعْيُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فَإِنْ سَعَى فِيهِ وَتَنَاوَلَ الْعَقْدَ لِسِوَاهُ أَوْ سَعَى فِيهِ لِنَفْسِهِ وَأَكْمَلَ الْعَقْدَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَعِنْدِي أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ وَالنِّكَاحُ لَا يُفْسَخُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا خَطَبَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَتَنَاوَلَ الْعَقْدَ غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ فَقَدْ أَسَاءَ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ نِكَاحَ طَرِيفٍ لَمَّا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ تَرْجِيحٌ لِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ، وَقُلْنَا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَنْكِحُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْأَئِمَّةِ وَحُكْمَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةٍ وَنَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَاجْتِهَادٍ وَمُرَاجَعَةٍ مِنْ الْمُخَالِفِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ قَائِلٍ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَلَا رُوجِعَ فِيهِ قَائِلُهُ وَلَا شَاوَرَ فِيهِ غَيْرَهُ، وَرَدُّهُ لِنِكَاحِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِفَسْخٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِطَلَاقٍ، وَالْفَسْخُ بِاسْمِ الرَّدِّ أَلْيَقُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إبْطَالِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ مَرَّةً هُوَ فَسْخٌ وَقَالَ مَرَّةً هُوَ طَلَاقٌ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ حَتَّى يَحِلَّ بِالْإِفَاضَةِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ فُسِخَ نِكَاحُهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ» وَمَا لَمْ يَتَحَلَّلْ التَّحَلُّلَ التَّامَّ فَاسْمُ الْإِحْرَامِ يَتَنَاوَلُهُ، وَحَقِيقَتُهُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ إحْرَامِهِ بَاقٍ فِي بَابِ الِاسْتِمْتَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا أَصْلُهُ قَبْلَ الرَّمْيِ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ) ش قَوْلُهُ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِهِ النِّكَاحِ حَالَ الْإِحْرَامِ، وَقَوْلُهُ لَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ تَنَاوُلِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَخْطُبَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ إلَّا أَنَّ هَذَا أَزَالَ وُجُوهَ الِاحْتِمَالِ وَمَنَعَ التَّخْصِيصَ. ص (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سَأَلُوا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ) . (ش) : أَكْثَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ إدْخَالِ الْآثَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ فَأَظْهَرَ قُوَّةَ الْخِلَافِ عَلَيْهِ وَكَثْرَتَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالْحُكْمُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَهَمَّمَ بِهَا النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَأَلُوا عَنْهَا وَخَاضُوا كَثِيرًا فِيهَا، وَأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فِي حَالِ إحْرَامِهِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا مَا كَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا بِبَقَاءِ عِدَّتِهَا خِلَافًا لِمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ مِنْ مَنْعِهِ الرَّجْعَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَإِنَّمَا هِيَ إصْلَاحُ مَا انْثَلَمَ مِنْ النِّكَاحِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حِجَامَةُ الْمُحْرِمِ] (ش) : قَوْلُهُ «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوْقَ رَأْسِهِ» بَيَانٌ لِمَوْضِعِ الْحِجَامَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَوْضِعهَا وَهِيَ فِي الرَّأْسِ أَشَدُّ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَلْقِ شَعْرِ مَوْضِعِهَا وَرُبَّمَا قَتَلَ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُبَاحٌ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَوْ شَيْئًا

(ص) (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ) . مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ «كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُ عَلَى قَدَمِهِ وَالْحِجَامَةُ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا يُحْلَقُ لَهُ شَعْرٌ إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ أَوْ مَوْضِعٍ فِيهِ شَعْرٌ، وَضَرْبٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَلْقِ شَعْرٍ بِأَنْ يَكُونَ فِي ظَهْرِ قَدَمٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِمَوْضِعٍ فِيهِ شَعْرٌ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «احْتَجَمَ فَوْقَ رَأْسِهِ» وَهُوَ نَصٌّ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْحِجَامَةُ فِي غَيْرِ رَأْسٍ فَاحْتَاجَ إلَى حَلْقِ شَعْرِهَا أَوْ نَتْفِ شَعْرٍ مِنْ جَسَدِهِ لِغَيْرِ حِجَامَةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَدِّلِ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ سَوَاءٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مُحْرِمٌ تَرَفَّهَ بِحَلْقِ شَعْرٍ مِنْ جَسَدِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَاطَ أَذًى، وَكُلُّ مَا فِيهِ إمَاطَةُ أَذًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَإِنْ قَلَّ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ إمَاطَةِ أَذًى وَلَا مَنْفَعَةَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ فِي الشَّعْرَةِ وَالشَّعَرَاتِ قَبْضَةُ طَعَامٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّرَفُّهِ وَالِانْتِفَاعِ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ بِحَلْقِ يَسِيرِ الشَّعْرِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ بِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ الْكَثِيرِ وَبِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى وَإِذَا كَانَ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ إلَّا بِحَلْقِ الشَّعْرِ الْكَثِيرِ أَوْ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ أَكْثَرِهِ فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّرَفُّهِ فَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَأَمَّا إذَا حَلَقَ شَعْرَةً أَوْ شَعَرَاتٍ يَسِيرَةً لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ انْتِفَاعٌ وَلَا تَرَفُّهٌ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ لِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ص) (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ الِاحْتِجَامِ وَالْفَصَادَةِ لِغَيْرِ مَرَضٍ يُدْفَعُ وَلَا لِعِلَّةٍ تُزَالُ وَإِنَّمَا هُوَ لِاسْتِصْحَابِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا إذَا خَافَ تَجَدُّدَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ دَوَامَهُ وَرَجَا فِي الْحِجَامَةِ دَفْعَ مَا يَخَافُ فَإِنَّ الْحِجَامَةَ لَهُ مُبَاحَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَانْتِفَائِهَا. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ مَنْ أَرَادَ مَا لَمْ يَحْلِقْ شَعْرًا وَلَا يَحْتَجِمَ فِي رَأْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ لِمَا يَخَافُ مِنْ قَتْلِ الْقَمْلِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ. وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ حَالَ الْحَلَالِ إلَّا فِيمَا يَعُودُ إلَى حَلْقِ الشَّعْرِ وَقَتْلِ الْقَمْلِ فَإِذَا احْتَجَمَ وَسَلِمَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَفَعَلَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَكْرَهُ الْحِجَامَةَ لِلْمُحْرِمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْلِقْ لَهَا شَعْرًا وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنْ احْتَجَمَ لِضَرُورَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ احْتَجَمَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ بِصِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَوَجَبَتْ لِلضَّرُورَةِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ وَلَمَّا لَمْ تَجِبْ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ تَجِبْ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ كَالْمَشْيِ فِي سُوقِ الْعَطَّارِينَ.

[ما يجوز للمحرم أكله من الصيد]

سَوْطَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ] (ش) : قَوْلُهُ «كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ» إخْبَارٌ عَنْ سَفَرِهِمْ وَقَصْدِهِمْ مَكَّةَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَتَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَإِنَّمَا جَازَ لِأَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْرِمٍ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَنْوِ الْوُصُولَ إلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَصْحَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ لِيُكْثِرَ أَصْحَابَهُ وَجَمَاعَتَهُ إلَى مَوْضِعِ مَاءٍ لَكِنَّهُ لَمَّا أَتَى وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُهُ لِيَعُودَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَا يَنْزِلُ بَعْضُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ وَبَعْضُ الْجَيْشِ لِلرَّاحَةِ أَوْ لِمَعْنًى يَخُصُّهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا غَيْرَ طَرِيقِهِ لِسَبَبِ الْعَدُوِّ الَّذِي ذُكِرَ لَهُمْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الطَّرِيقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ» يُرِيدُ أَنَّهُ رَآهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَرَاهُ إيَّاهُ وَلَا أَشَارَ لَهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ «فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إلَى بَعْضٍ» وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى الصَّيْدِ وَلَا إشَارَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا هِيَ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا الْمُشِيرُ وَالدَّالُ إلَى أَنْ يَرَى الْمَدْلُولُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ الصَّيْدَ «وَضَحِكَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ» لَمْ يُقْصَدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ لَمَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ وَلَا أُعْلِمَ بِجِنْسِهِ وَلَا نُبِّهَ عَلَى مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى رُؤْيَتِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ضَحِكَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ لَيْسَ بِدَلَالَةٍ عَلَى الصَّيْدِ وَلَا إشَارَةٍ إلَيْهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ لَهُ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مِمَّا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» فَنَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا أَوْ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا مَمْنُوعٌ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ضَحِكَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الصَّيْدِ سَبَبٌ لِقَتْلِهِ وَتَطَرُّقٌ إلَى إتْلَافِهِ وَذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُحْرِمِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ دُلَّ الْمُحْرِمُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ حَرُمَ أَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَلْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ أَوْ لَا؟ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ دُلَّ الْمُحْرِمُ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ فَإِنْ دُلَّ حَلَالًا فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إنْ نَاوَلَهُ سَوْطًا وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرَى فِي ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الدَّالِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الدَّالِّ الْمُحْرِمِ جَزَاءٌ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْمَدْلُولِ إنْ كَانَ حَرَامًا جَزَاءٌ آخَرُ، الدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذِهِ نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ الدَّالُّ عَلَيْهَا غُرْمُ أَصْلِهِ إذَا دَلَّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا أَبَوْا أَنْ يُنَاوِلُوهُ رُمْحَهُ أَوْ سَوْطَهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً عَلَى قَتْلِهِ وَمَنْ مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ فَقَدْ مُنِعَ الْعَوْنَ عَلَى قَتْلِهِ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ أَعَانَ عَلَيْهِ بِمُنَاوَلَةِ رُمْحٍ أَوْ سَوْطٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ فِي ذَلِكَ إلَى مَعْنًى مَا دُونَ نَصٍّ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِنَصٍّ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَاحْتَجَّ بِهِ لَصَارَ الْكُلُّ إلَى مَا احْتَجَّ بِهِ، ثُمَّ أُعْلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُعَنِّفْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ مَالِكٌ وَالصَّفِيفُ الْقَدِيدُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ إلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا قَالَ لِلْآكِلِينَ لِمَ قَدِمْتُمْ عَلَى الْأَكْلِ دُونَ نَصٍّ وَلَا قَالَ لِلْمُمْتَنِعِينَ لِمَ امْتَنَعْتُمْ دُونَ نَصٍّ؟ وَلَا قَالَ إنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ كَانَ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ رِزْقٌ يَسَّرَهُ اللَّهُ إلَيْكُمْ وَبَعَثَهُ لَكُمْ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالتَّحْلِيلِ لَا مِنْ طَرِيقِ أَنَّ الرِّزْقَ لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا بَلْ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا وَيَكُونُ حَلَالًا وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يُورِدْ هَذَا اللَّفْظَ لَمَا كَانَ مُبِيحًا بِقَوْلِهِ «كُلُوا مِمَّا بَقِيَ مِنْهَا» وَقَالَ فِي حَدِيثِ حَسَّانَ «كُلُوهُ حَلَالًا» . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ الظِّبَاءِ يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ أَكْلِ لَحْمِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ لِمَنْ أُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ ابْتَاعَهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَلَمْ يَكُنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِمَّنْ مَنَعَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُوا حَلَالًا» وَفِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْقَوْمِ: كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ» وَهَذَا نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَفِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَ الْوَحْشَ بَيْنَ الرِّفَاقِ، وَالرِّفَاقُ مُحْرِمُونَ» ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُحْرِمًا وَمُحَالٌ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ إحْرَامِهِ وَإِنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ» إذَا كَانُوا قَدْ حَكَوْا لَهُ أَمْرَهُ يَقْتَضِي السُّؤَالَ عَنْ بَقِيَّتِهِ عِنْدَهُمْ لِيَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِأَمْرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ، وَأَبَاحَهُ لَهُمْ وَقَدْ يَكُونُ سُؤَالُهُ عَنْ بَقِيَّتِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إبَاحَتِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَهَا» . ص (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ الْبَهْزِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ إذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقِيرٌ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ وَهُوَ صَاحِبُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى كَانَ بالأثاية بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالْعَرْجِ إذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ وَفِيهِ سَهْمٌ فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا يَقِفُ عِنْدَهُ لَا يُرِيبُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ» ) ش قَوْلُهُ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ يُرِيدُ أَنَّهُ فِي سَفَرِهِ كَانَ مُحْرِمًا حِينَ اجْتِيَازِهِمْ بِالْحِمَارِ الْعَقِيرِ إلَّا أَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَفَائِدَةُ وَصْفِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي الصَّيْدِ بِمَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْإِحْرَامُ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَعَهُ كَانُوا مُحْرِمِينَ وَقَدْ أَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَ الصَّيْدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «حَتَّى إذَا كَانُوا بِالرَّوْحَاءِ» وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ «إذَا حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقِيرٌ» وَهَذَا الْحِمَارُ الْعَقِيرُ قَدْ كَانَتْ كَمُلَتْ فِيهِ الذَّكَاةُ إمَّا بِالسَّهْمِ الَّذِي رُمِيَ بِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «عَقِيرٌ فَأَتَى بَعْدَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّبَذَةِ وَجَدَ رَكْبًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مُحْرِمِينَ فَسَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّبَذَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةُ، ثُمَّ إنِّي شَكَكْتُ فِيمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ مَاذَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ فَقَالَ أَمَرْتُهُمْ بِأَكْلِهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ أَمَرْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ بِك يَتَوَعَّدُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدُوهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَذَكَرُوهُ لَهُ» وَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ وَصَفُوا لَهُ مِنْ صِفَةِ السَّهْمِ أَوْ الذَّكَاةِ لَهُ مَا دَلَّهُ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ» نَهَاهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ لِاسْتِحْقَاقِ صَائِدِهِ لَهُ. وَقَدْ رَأَى أَنَّ الَّذِي صَادَهُ وَبَلَغَ بِهِ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ سَيَقْرُبُ مَجِيئُهُ إلَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ ظَهَرَ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفُوهُ لَهُ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا مِنْ دِمَائِهِ قُرْبَ صَاحِبِهِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ إذَا رَأَى الْجَيْشَ قَدْ قَرُبَ مِنْهُ سَيَأْتِي لِيَمْنَعَهُ أَوْ يُبِيحَهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ لَمَنَعَهُمْ مِنْهُ جُمْلَةً، وَلَقَالَ كُفُّوا عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَجَاءَ الْبَهْزِيُّ» وَهُوَ زَيْدُ بْنُ كَعْبٍ الْبَهْزِيُّ السُّلَمِيُّ قَالَ «وَهُوَ صَاحِبُهُ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ صَادَهُ «فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَأْنَكُمْ بِهِ» هِبَةً مِنْهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ» وَالرِّفَاقُ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَأْكَلِ وَالنُّزُولِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْعَمَلِ وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِخْبَارِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَهْزِيَّ صَادَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَصِدْهُ لِغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَهُ يَمُرُّونَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُحِلِّينَ وَلَا مُحْرِمِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ثُمَّ مَضَى حَتَّى إذَا كَانَ بالأثاية بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالْعَرْجِ» هَذِهِ الْمَوَاضِعُ كُلُّهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ «إذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ» الْحَاقِفُ هُوَ الْوَاقِفُ فِي ظِلِّ الْمَغَارَةِ يَلْتَمِسُ ظِلَّهَا وَقَوْلُهُ «وَفِيهِ سَهْمٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أُصِيبَ بِسَهْمٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِيهِ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ فَزَعَمَ يُرِيدُ أَنَّ الرَّاوِيَ زَعَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا يَقِفُ عِنْدَهُ يُرِيدُ حِرَاسَتَهُ مِنْ النَّاسِ لَا يُرِيبُهُ أَحَدٌ» يُرِيدُ لَا يَعْرِضُ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَمْرُهُ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّ صَاحِبَهُ الَّذِي أَصَابَهُ بِالسَّهْمِ قَدْ مَلَكَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَالثَّانِيَ: أَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا بَعْدُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُذَكِّيَهُ وَلَا أَنْ يُذَكِّيَ مِنْ أَجْلِهِ. وَبِهَذَا فَارَقَ حُكْمُ هَذَا الظَّبْيِ حُكْمَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ الصَّغِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ كَانَتْ تَمْتَدُّ الذَّكَاةُ فِيهِ فَإِنَّمَا أَهْدَى الْمُهْدِي إلَيْهِمْ لَحْمًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَقِفْ عِنْدَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَبْتَاعَهُ أَحَدٌ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ يَسْتَوْهِبَهُ إيَّاهُ، وَالظَّبْيُ الْحَاقِفُ كَانَ حَيًّا بَعْدُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْ الْعِرَاقِ إلَّا أَنَّهُمَا مِمَّا يَلِي الْيَمَنَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّبَذَةِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَنَجْدٍ لَقِيَ رَكْبًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُمْ أَوْ أَدْرَكُوهُ هُنَاكَ أَوْ الْتَقَى طَرِيقَاهُمَا بِالرَّبَذَةِ وَوَصَفَ الرَّكْبَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُحْرِمِينَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا قَبْلَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الرَّبَذَةَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ صَيْدٍ وَجَدُوهُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّبَذَةِ وَظَاهِرُ هَذَا الصَّيْدِ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمُحْرِمُونَ وَلَا صِيدَ مِنْ أَجْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّبَذَةَ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْمُحْرِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُحْرِمُونَ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ الْمِيقَاتِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهَا إلَى مَكَّةَ فَأَفْتَاهُمْ أَبُو هُرَيْرَةُ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِمْ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلَهُ إذَا مَلَكَهُ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ رَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ لَحْمُ صَيْدٍ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَيْدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّيْدِ كَمَا يُوصَفُ الثَّوْبُ بِأَنَّهُ كَتَّانٌ أَوْ صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: ثُمَّ شَكَكْت فِيمَا أَفْتَيْتُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَتْوَى وَالْعَمَلِ بِهَا وَأَمَّا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا أُنَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ قَالَ فَقُلْتُ: أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حِينِ فَتْوَاهُ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ شَاكًّا وَلَوْ شَكَّ قَبْلَ الْعَمَلِ بِفَتْوَاهُ لَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّقْلِيدِ لَهُ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ أَرَادَ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا أَفْتَاهُمْ بِهِ وَيَعْلَمَ صِحَّتَهُ فَسَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ قَدِمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِسُؤَالِهِمْ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَجَابَ بِهِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَعْلَمَ مَا أَجَابَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَفْتَاهُمْ بِغَيْرِ مَا يَجِبُ فَيَتَكَلَّفُ الْمَشَقَّةَ فِي إعْلَامِهِمْ أَنَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةُ بِأَنَّهُ أَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ بِكَ يَتَوَعَّدُهُ وَذَلِكَ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - احْتِيَاطٌ لِلدِّينِ وَاهْتِمَامٌ بِأَمْرِهِ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَنْهَمِلَ النَّاسُ فِي الْفَتْوَى وَلَا يُفْتُوا النَّاسَ وَمَنْ سَأَلَهُمْ إلَّا بَعْدَ التَّثَبُّتِ وَالتَّيَقُّنِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَكَّ بَعْدَ أَنْ أَفْتَاهُمْ فَأَشْفَقَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَفْتَاهُمْ قَبْلَ إمْعَانِ النَّظَرِ فَبَعَثَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِمَا تَوَعَّدَهُ عَلَى التَّحَرُّزِ بَعْدَ هَذَا فِي فَتْوَاهُ وَالْإِمْسَاكِ عَمَّا يَرْتَابُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَبِينَ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا أُنَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ قَالَ فَقُلْتُ: أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) . (ش) : الْكَلَامُ عَلَى مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ لَأَوْجَعْتُكَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا تَوَعَّدَهُ بِهِ وَإِعْلَامٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ نَوَى تَأْدِيبَ مَنْ يَتَسَامَحُ فِي فَتْوَاهُ وَيُفْتِي قَبْلَ أَنْ يَتَحَقَّقَ؛ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ فِي تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَعَلَّ عُمَرَ قَدْ شَاهَدَ فِي ذَلِكَ فِعْلًا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْرِي مَجْرَى النَّصِّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ كَأَمْرِهِ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقْسِمُ حِمَارَ الْوَحْشِ عَلَى الرِّفَاقِ أَوْ إبَاحَتَهُ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا بَقِيَ مِنْ صَيْدِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَكْلَهُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ الِاجْتِهَادُ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَعَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَهُ بَعْضُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَلَا حُكْمُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَأَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ فِيهِ ص (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فِي رَكْبٍ مُحْرِمِينَ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ قَالَ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا كَعْبٌ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا ثُمَّ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّتْ بِهِمْ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَيَأْكُلُوهُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهَذَا؟ قَالَ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ قَالَ: وَمَا يَدْرِيكَ؟ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنْ هِيَ إلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فِي رَكْبٍ مُحْرِمِينَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا مِنْ الشَّامِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا أَقْبَلُوا مِنْ الشَّامِ وَأَحْرَمُوا بَعْدَ انْفِصَالِهِمْ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَوْ قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا وَمِيقَاتُهُمْ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَظَاهِرُ الْحَالِ خِلَافُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا صَيْدًا قَدْ اصْطَادَهُ حَلَالٌ وَذَكَّاهُ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ لَا حُكْمُ الصَّيْدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ ذَكَرُوا لَهُ مَا أُفْتُوا بِهِ مِنْ إبَاحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَهْتَبِلُ بِأَمْرِ النَّاسِ وَأَمْرِ دِينِهِمْ، وَيَسْأَلُ عَمَّا جَرَى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي طَرِيقِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَلَمَّا كَانَ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ يُبْدَأُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَا جَرَى مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ بِفَتْوَى بَعْضِهِمْ سَأَلَهُمْ مَنْ الْمُفْتِي لَهُمْ بِذَلِكَ لِيَعْرِفَ لَهُ فَضْلَهُ وَمَكَانَهُ

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ عَلَى الطَّرِيقِ هَلْ يَبْتَاعُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ بِهِ الْحَاجُّ وَمِنْ أَجْلِهِمْ صِيدَ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ وَأَنْهَى عَنْهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُحْرِمِينَ فَوَجَدَهُ مُحْرِمٌ فَابْتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْعِلْمِ فَلَمَّا أَخْبَرُوا بِأَنَّهُ كَعْبٌ قَالَ قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا تَنْوِيهًا بِهِ لِإِصَابَتِهِ فِي الْفَتْوَى وَتَقْدِيمًا لَهُ، وَهَذَا التَّأْمِيرُ يَقْتَضِي صَلَاتَهُ بِهِمْ وَحُكْمَهُ عَلَيْهِمْ وَرُجُوعَهُمْ إلَى رَأْيِهِ وَتَصَرُّفَهُمْ بِأَمْرِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّ بِهِمْ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ وَهُوَ الْقَطِيعُ مِنْهُ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ وَيَأْكُلُوهُ وَرَأَى لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادَهُ لِمَا اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ مِنْ حَجِّهِمْ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عُمَرُ وَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا أَفْتَيْتَهُمْ بِهِ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ بِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَصْحِيحِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيَكَ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ؟ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَلَا نَصٌّ يَصِحُّ لَهُ طَرِيقُهُ إلَى نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَجَأَ إلَى أَنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ كُلَّ عَامٍ وَأَرَاهُ أَسْنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا وُجِدَ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ وَلَا نَتَعَلَّقُ بِهِ فِي حُكْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ التَّحْرِيفُ وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَا يُنْقَلُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكُتُبِ هُوَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَلَزِمَنَا الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَرَادَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ طِينَةِ آدَمَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ آدَمَ إلَّا الْجَرَادُ بَقِيَ مِنْ طِينِهِ شَيْءٌ فَخَلَقَ مِنْهُ الْجَرَادَ وَهَذَا أَيْضًا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِخَبَرِ نَبِيٍّ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خَبَرًا يَثْبُتُ فَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُ الْجَرَادِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَإِنَّمَا يُعْلَمُ صَيْدُ الْبَرِّ مِنْ غَيْرِهِ بِمَا يَأْوِي إلَيْهِ وَيَعِيشُ فِيهِ وَالْجَرَادُ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَرِّ وَفِيهِ حَيَاتُهُ وَمَكَانُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ. (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا أَقَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَلَى قَسْمِهِ بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ إمَّا لِرَأْيٍ رَآهُ أَوْجَبَ تَوَقُّفَهُ عَنْ زَجْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَدْ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْفُتْيَا وَحَكَمَ مَعَ عُمَرَ عَلَى مُحْرِمٍ أَصَابَ جَرَادَةً بِسَوْطٍ فَحَكَمَ فِيهَا كَعْبٌ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنَّكَ لَكَثِيرُ الدَّرَاهِمِ لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ فَتَجَاوَزَ حَدَّ الْمَنْعَ لِاصْطِيَادِهِ إلَى أَنْ حَكَمَ فِي جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ إذَا وَجَدَهُ الْمُحْرِمُ يُبْتَاعُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُصَادَ مِنْ أَجْلِ مُحْرِمٍ أَوْ مِنْ أَجْلِ مُحَلٍّ فَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِ مُحَلٍّ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ كُلِّهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِ مُحْرِمٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُصَادَ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ صِيدَ وَتَمَّتْ ذَكَاتُهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّ أَشْهَبَ وَابْنَ الْقَاسِمِ رَوَيَا عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلُوهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ إنَّمَا صِيدَ لَهُ وَهُوَ حَلَالٌ، وَالصَّيْدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَادَهُ هُوَ وَذَبَحَهُ لِيَأْكُلَهُ حَالَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ لَجَازَ لَهُ أَكْلُهُ فَلَا يَكُونُ صَيْدُ غَيْرِهِ لَهُ بِأَشَدَّ مِنْ صَيْدِهِ هُوَ وَمُبَاشَرَتِهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ، وَالصَّائِدُ يَقْصِدُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُهُ إلَّا مُحْرِمًا فَكَأَنَّهُ صَادَهُ لِمُحْرِمٍ وَاَلَّذِي يَصِيدُ لِنَفْسِهِ يَصِيدُ لِيَأْكُلَهُ حَلَالًا، وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ صِيدَ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ مِنْ أَجْلِهِمْ وَكَانُوا مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صِيدَ لِلْمُحْرِمِينَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهَذَا قَالَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ قَدْ اصْطَادَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِمَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الْآيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُمْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ، ثُمَّ أَضَافَهُ إلَى الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَرُّ هُوَ الصَّيْدُ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ وَهُوَ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ أَوْ صَيْدُ وَحْشِ الْبَرِّ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ يُغْنِي عَنْ هَذَا الْإِضْمَارِ وَلَا يَجُوزُ ادِّعَاؤُهُ مَعَ اسْتِغْنَاءِ الْكَلَامِ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلِ وُجُوبٍ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] إلَى قَوْله تَعَالَى {حُرُمًا} [المائدة: 96] فَاحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ صَيْدِ الْبَرِّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَيْنُ الصَّيْدِ وَلَوْ تَأَوَّلَ فِيهَا الْمَنْعَ مِنْ الِاصْطِيَادِ لَمَا احْتَجَّ بِهَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ مَعَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فَسَّرَ الْآيَةَ بِهِ هُوَ مَعْنَاهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ مَلَكَ صَيْدًا قَبْلَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ يَكُونَ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَيْسَ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي أَهْلِهِ يُرِيدُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ يُرِيدُ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَعَهُ فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِنَا. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الِاصْطِيَادِ فَلَمْ تَمْنَعْ اسْتِدَامَتَهُ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ نَفَرَ لَمَا جَازَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَلَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ فِي إحْرَامِهِ وَهَذَا أَصْلٌ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَهَلْ يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ أَمْ لَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ بِإِحْرَامِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ بِالْوَحْشِ وَلَحِقَ بِهَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الْقَوْلُ فَائِدَتُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ حَتَّى يَلْحَقَ بِالْوَحْشِ وَيَمْتَنِعَ بِمِثْلِ امْتِنَاعِهَا وَمَنْ صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أُخْرِجَ عَنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ الْمُحْرِمُ فَجَاءَ مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَرَوَى أَشْهَبُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ ضَمَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إذَا قُلْنَا: إنَّ مِلْكَ الْمُحْرِمِ يَزُولُ عَنْهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ لَا ضَمَانَ عَلَى مُرْسِلِهِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْآخَرِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مُرْسِلِهِ مِنْ يَدِهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ إرْسَالُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ صَادَهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَجَاءَ مَنْ أَرْسَلَهُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ مِلْكَ الْمُحْرِمِ بَاقٍ عَلَى الصَّيْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ فَعَادَ إلَى بَيْتِهِ لَكَانَ عَلَى مِلْكِهِ، وَيَدُهُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ مِنْ يَدِهِ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ وَأَزَالَ يَدَهُ عَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَعَرَّضَ الصَّيْدَ لِلْهَلَاكِ وَاصْطِيَادِ الْحَلَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ فَأَمْسَكَهُ حَتَّى حَلَّ فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ إذَا حَلَّ وَهُوَ عِنْدَهُ فَإِنَّ لَهُ إمْسَاكَهُ وَاَلَّذِي رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ

[ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي صَيْدِ الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ) . مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَادِنَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُ قَوْلِنَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ حَالَ الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَيُنَافِيهِ فَلَمْ يُرْسِلْ مِنْ يَدِهِ مَا يَمْلِكُهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ صَيْدَ الْحِيتَانِ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ مَوَاضِعِهَا فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَالْعَذْبِ وَالْأَنْهَارِ وَالْغُدْرَانِ وَالْبِرَكِ وَالْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وَاسْمُ الْبَحْرِ وَاقِعٌ عَلَى الْعَذْبِ وَالْمِلْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] . (مَسْأَلَةٌ) : وَدَوَابُّ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ وَغَيْرِهَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالسُّلَحْفَاةُ عِنْدِي مِمَّا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهَا تُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَهِيَ تُرْسُ الْمَاءِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ فِيمَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّلَحْفَاةَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِيهِ وَأَمَّا سُلَحْفَاةُ الْبَرِّ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِيدُ الْمُحْرِمُ سُلَحْفَاةَ الْبَرِّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْبَرَارِيِ دُونَ الْمِيَاهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْمِيَاهِ، وَلَكِنَّهَا تَخْرُجُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَتَكُونُ فِي الْبَرِّ كَمَا تَصْنَعُ الضَّفَادِعُ وَغَيْرُهَا مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ لَوْ كَانَ مِنْهَا نَوْعٌ يَنْفَرِدُ بِالْحَيَاةِ فِيهِ وَهَذَا مَعْدُومٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضُّفْدُعُ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ إنْ قَتَلَهُ قَالَ أَشْهَبُ وَقِيلَ يُطْعِمُ شَيْئًا وَلَعَلَّ أَشْهَبَ قَدْ رَاعَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ كَغَيْرِهِ مِنْ الطَّيْرِ. [مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ «أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا» هَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِيهِ وَأَحْفَظُهُمْ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ لَهُ: وَإِمَّا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِهِ إلَّا الْإِضْرَارُ بِمَنْ كَانَ لَهُ وَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنَّ مَنْ أُهْدِيَ لَهُ صَيْدٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ الَّذِي أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحِمَارَ كَانَ حَيًّا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أُهْدِيَ لَهُ صَيْدٌ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَقِبَلَهُ لَمْ يَكُنْ رَدُّهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْقَبُولِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَوْ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى وَاهِبِهِ إنْ كَانَ حَلَالًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُحْرِمٍ ابْتَاعَ صَيْدًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ مِنْهُ إنْ كَانَ حَلَالًا، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ» يُرِيدُ مِنْ التَّغَيُّرِ وَالْإِشْفَاقِ لِرَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّتَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا فَقَالُوا: أَوَّلًا تَأْكُلُ أَنْتَ فَقَالَ: إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا ابْنَ أَخِي إنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ فَإِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ تَعْنِي أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يُصَادُ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ فَيُصْنَعُ لَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ الصَّيْدِ كُلَّهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَأْكُلُهَا فَخَافَ الصَّعْبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي وَجْهِهِ أَعْلَمُهُ وَجْهَ رَدِّهِ لَهَا لِيُزِيلَ مَا فِي نَفْسِهِ وَلِيُعْلِمَ أُمَّتَهُ هَذَا الْحُكْمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْإِحْرَامِ فِي حَالِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ الصَّيْدِ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إحْرَامَ الرَّجُلِ مُتَعَلِّقٌ بِوَجْهِهِ فَلَا يُخَمِّرُهُ وَفِعْلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَنْعَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا إحْرَامٌ فَكُرِهَ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ يُرِيدُ شَدِيدَ الْحَرِّ وَقَوْلُهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ الْقَطِيفَةُ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ وَالْأُرْجُوَانُ صُوفٌ أَحْمَرُ لَا يُنْتَقَضُ شَيْءٌ مِنْ صَبْغِهِ فَلَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ إلَّا لَمَّا أَنْكَرَهُ عُمَرُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ وَقَالَ إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمْ النَّاسُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي ذَهَبَ إلَى أَنَّ الصَّيْدَ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَلَى مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ وَإِنْ كَانَ صِيدَ مِنْ أَجْلِ عُثْمَانَ وَلَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَأْخُذُ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حِينَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي صِحَّةَ ذَكَاتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ وَذَبَحَهُ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ لِحَلَالٍ وَلَا لِحَرَامٍ أَكْلُهُ، وَالِاصْطِيَادُ وَالذَّبْحُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِينَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا كَانَتْ ذَكَاتُهُ هَذَا الصَّيْدَ مَمْنُوعَةً لِحَقِّ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا تَقَعَ بِهَا ذَكَاةٌ وَلَا اسْتِبَاحَةُ أَكْلٍ كَمَا لَوْ بَاشَرَ ذَلِكَ الْمُحْرِمُ أَوْ أَمَرَ بِهِ. (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَا ابْنَ أَخِي إنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ تُشِيرُ إلَى قِصَرِ مُدَّةِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْوَحْشِ فِي مَوْتِهِ لَا يَلْحَقُ بِهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَسِيرٌ يُسْتَسْهَلُ لِمَا يَخْتَلِجُ فِي النَّفْسِ مِنْ أَمْرِ الصَّيْدِ فَمَا كَانَ يَشُكُّ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لَحْمِ الصَّيْدِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ وَيَتْرُكَ أَصْلَهُ إلَّا مَا تَيَقَّنَ إبَاحَتَهُ وَوَضَحَ لَدَيْهِ حُكْمُهُ وَلَمْ يَخْتَلِجْهُ شَكٌّ فِي إبَاحَتِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ كَمَا يَأْكُلَ لَحْمَ الْأَنْعَامِ، وَلَمْ يُفَسِّرْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ كَلَامَهُمَا فِي لَحْمِ الصَّيْدِ وَلَكِنْ أَوْرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا حَفِظَهُ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَا فَهِمَ مِنْ مَقْصِدِهِ وَتَيَقَّنَ مِنْ مَعْنَاهُ وَهَذَا دَلِيلُ فَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَثِقَةِ نَقْلِهِ وَاقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي حِفْظِهِ وَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ عُمُومَ لَفْظِ الْحَدِيثِ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي إنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلَائِلُ فَمَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ فَدَعْهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ وَصُنِعَ مِنْ أَجْلِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ عَالِمًا بِذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ بِأَثَرِهِ وَقَدْ قِيلَ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَيْتَةً إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَيَذْبَحَهُ عَلَى

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيَصِيدُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُهُ أَمْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ فَقَالَ: بَلْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ وَلَا فِي أَخْذِهِ عَلَى حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَقَدْ أَرْخَصَ فِي الْمَيْتَةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَوْ يَأْمُرَهُمْ بِصَيْدِهِ فَهَذَا عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْجَزَاءِ. وَالثَّانِي: نَفْيُهُ. وَجْهُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاصْطِيَادَ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِينَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الِاصْطِيَادَ، وَلَا أَمَرَ بِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ وَلَا وُجِدَ مِنْهُ مَقْصُودُ الِاصْطِيَادِ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ وَاَلَّذِي يَدْعُو الصَّائِدَ إلَى الِاصْطِيَادِ فَإِذَا أَكَلَهُ فَقَدْ أَتَى بِمَقْصُودِ الِاصْطِيَادِ لَهُ فَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ فِعْلِهِ فِيهِ يَنْضَافُ إلَى الِاصْطِيَادِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْلِهِ فَيَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلْأَكْلِ تَأْثِيرًا فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا صَادَ صَيْدًا فَأَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ غَيْرُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآكِلِ جَزَاءٌ فَبِأَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ إذَا أَكَلَ مِنْهُ أَوْلَى، وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْأَكْلِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ أَكَلَ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ مُحْرِمٌ غَيْرُهُ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا جَزَاءَ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَأْثِيرِ الْأَكْلِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ. (فَرْعٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ كُلَّهُ لَفْظٌ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا هُوَ كَفَّارَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ مِنْ الصَّيْدِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ بَدَلٌ مِنْ الصَّيْدِ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى وَجْهِ الْكَفَّارَةِ فَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ صَيْدًا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ يَتَوَزَّعُونَهُ بَيْنَهُمْ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمُحْرِمَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ فَوَجَدَهَا وَوَجَدَ صَيْدًا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يَعْرِضْ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] الْآيَةَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ ضَرُورَةً وَلَا غَيْرَهَا وَقَالَ فِي الْمَيْتَةِ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْمَنْعُ بِحَالِ الضَّرُورَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّيْدِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّعَرُّضُ إلَى الصَّيْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُحْرِمِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ وَلَا فِي أَخْذِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَصَّ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي ذَلِكَ مَا دَامَ وَاجِدًا لِلْمَيْتَةِ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ لِلصَّيْدِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَكْلَهُ لِلصَّيْدِ بَعْدَ تَصَيُّدِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيْتَةِ، وَتَصَيُّدُهُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَكَانَ فِيهِ مَنْعَانِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْعُ الصَّيْدِ أَشَدَّ تَغْلِيظًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى التَّصَيُّدِ الْمَمْنُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا صِيدَ مِنْ الصَّيْدِ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ وَكَانَتْ عِنْدَهُ مَيْتَةٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيُؤَدِّي جَزَاءَهُ أَحَبُّ إلَيْنَا. فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهِ مَيْتَةً غَيْرَ ذَكِيٍّ، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ ذَكِيٌّ أَئِمَّةٌ مَشْهُورُونَ فَكَانَ أَكْلُهُ أَوْلَى مِنْ أَكْلِ مَا اُتُّفِقَ عَلَى كَوْنِهِ مَيْتَةً وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْجَزَاءُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِيمَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ عَالِمٌ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّرُورَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُحْرِمًا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا فَاصْطَادَ صَيْدًا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا مَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ أَوْ ذَبَحَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ وَلَا لِمُحْرِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ كَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَأَكْلُهُ لَا يَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِحَلَالٍ وَلَا لِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ لَا تَصِحُّ لِلصَّيْدِ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ غَيْرَ الْقَاتِلِ يَأْكُلُ مِنْهُ، الدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ ذَكَاةٌ لَا يُسْتَبَاحُ بِهَا الْمُذَكَّى لِحَقِّ اللَّهِ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهَا غَيْرَهُ كَالذَّكَاةِ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ صِيدَ الصَّيْدُ وَذُبِحَ لِأَجْلِ مُحْرِمٍ أَوْ أَشَارَ مُحْرِمٌ عَلَى حَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ أَنْ يَصِيدَهُ وَيَذْبَحَهُ لِلْمُشِيرِ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ لِيَذْبَحَهُ لَهُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ قَالَ. وَقَدْ وَجَدْتُهُ مَنْصُوصًا أَنَّ هَذَا مَا ذُبِحَ لِلْمُحْرِمِينَ فَلَا يَأْكُلُهُ مُحْرِمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَبْحَهُ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَإِنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ وَقَدْ يَصِيدُ الْمُحْرِمُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَصِيدُ أَسَدًا وَقَدْ يَذْبَحُ الصَّيْدَ الدَّاجِنَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ يَظُنُّهُ شَاةً وَقَدْ يَذْبَحُ وَيَصِيدُ وَيَنْسَى إحْرَامَهُ وَلَا يُسْتَبَاحُ ذَلِكَ كُلُّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَدْ سَمِعْت هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ مَا ذَكَرَهُ وَاخْتَارَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَهُ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إجْمَاعٌ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِلْمَقَالَةِ، وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مَيْتَةٌ لَا يَأْكُلُهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ، ثُمَّ يَأْكُلُهُ إنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَا تَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا تَنَاوَلَهُ الْمُحْرِمُ مِنْهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ لِقَتْلِهِ إيَّاهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ غَيْرَ الْجَزَاءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي وَجَبَ بِالْقَتْلِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي قَتْلِهِ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَفِي أَكْلِهِ ضَمَانُ مَا أَكَلَ وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ ذَبَحَ صَيْدًا، ثُمَّ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ بَعْدَ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ الْجَزَاءُ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ ضَمَانٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ثُمَّ أَحْرَقَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ نَظِيرُهُ وَإِنْ أَكَلَهُ حَلَالٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَكَلَ مَيْتَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ أَكَلَ مَيْتَةً لَمْ يَصِدْهَا وَلَا صِيدَتْ مِنْ أَجْلِهِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ أَكْلِهِ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ كَمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ صَيْدِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِأَكْلِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الْمُحْرِمِينَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْأَكْلُ وَالْقَتْلُ إلَّا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا عَادَ الْمُحْرِمُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ كُلَّمَا عَادَ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ قَتْلُ الصَّيْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِلَيْهِ رَجَعَ عَطَاءٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَإِنْ عَاوَدَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِجَزَاءٍ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَنَهَى عَنْ قَتْلِ جِنْسِ الصَّيْدِ، وَالصَّيْدُ اسْمٌ لِمَا يُصْطَادُ، ثُمَّ قَالَ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: 95] عَائِدٌ إلَى الصَّيْدِ الْمَمْنُوعِ مِنْ قَتْلِهِ وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا ثَانِيًا فَهُوَ قَاتِلٌ لِلصَّيْدِ وَدَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِهِ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] الْآيَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] فَتَوَلَّى تَعَالَى الِانْتِقَامَ مِنْهُ وَجَعَلَ

[أمر الصيد في الحرم]

أَمْرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ صِيدَ فِي الْحَرَمِ أَوْ أُرْسِلَ عَلَيْهِ كَلْبٌ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءُ ذَلِكَ الصَّيْدِ فَأَمَّا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَصِيدَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَنْبَهُ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ بِالْجَزَاءِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَطَاءً قَدْ قَالَ: إنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: 95] يَعْنِي مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] يَعْنِي فِي الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: مَعْنَاهُ مَنْ عَادَ بَعْدَ الَّذِي سَلَفَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَعَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ يُرِيدُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَلِهَذَا التَّأْوِيلِ وَجْهٌ صَحِيحٌ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: 95] ظَاهِرُهُ مَا سَلَفَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى سَلَفَ الْمَرَّةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ بِسَالِفَةٍ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدُ وَهِيَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مِمَّنْ مَضَى وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ الْجَمِيعُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَبْلَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِقَامُ مِنْهُ بِأَشْيَاءَ تُصِيبُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي وَجْهِ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] مَا يَنْفِي وُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَيْفَ، وَالْآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مِنْ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ عَلَيْهِ مَعَ الْجَزَاءِ لِصَاحِبِهِ الْقِيمَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِصَاحِبِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] . [أَمْرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ مَمْنُوعٌ فِي الْحَرَمِ لِلْحَلَالِ وَالْحُرُمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ الِاصْطِيَادَ كَمَا يَمْنَعُهُ الْحَرَمُ فَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ وَالِاصْطِيَادُ فِيهِ مُبَاحٌ إذَا سَلِمَ مِنْ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّ كُلَّ مَا يَسْكُنُ بِسُكُونٍ مَا فِي الْحَرَمِ وَيَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَرَمَ مَحْدُودٌ وَفَائِدَةُ تَحْدِيدِهِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ حُكْمِ الْحَرَمِ. (فَصْلٌ) : وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَحْدِيدَهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى غَايَتِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرُمِ شَيْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ إلَّا الْحَظُّ الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قَرُبَ لِيَتَيَقَّنَ اسْتِيفَاءَ حُرْمَةِ الْحَرَمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَصَيُّدُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ تَصَيُّدُهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَلَالًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُرُمُ جَمَاعَةُ حَرَامٍ يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَحَرَامٌ إذَا أَتَى الْحَرَمَ وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... فَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ فِي حُرُمِ الْمَدِينَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا ادَّعَى ذَلِكَ لَهُ أَحَدٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقَعُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَعَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْحُرُمِ حَرَامٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّسُكُ وَيُمْنَعُ التَّصَيُّدُ فَأَوْجَبَ أَنْ يُجْزَى بِقَتْلِ الصَّيْدِ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ صَادَ الْحَلَالُ فِي الْحِلِّ فَإِنَّ لَهُ ذَبْحَهُ فِي الْحَرَمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَنَّ الْحَرَمَ مَوْضِعُ اسْتِيطَانٍ وَإِقَامَةٍ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ ذَبْحُ الصَّيْدِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ مُتَأَبِّدَةٌ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ وَهَذَا الدَّلِيلُ فِيهِ نَظَرٌ، وَتَرْكُ ذَبْحِ مَا صِيدَ فِيهِ عِنْدِي أَحْوَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَرَأَيْت لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا وَيُنَفَّرَ صَيْدُهَا» . (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الِاصْطِيَادِ فِيهِ فَهَلْ يَجِبُ الْجَزَاءُ، الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي وَهْبٍ وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ وَالْفِدْيَةُ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ صَيْدِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأُرْسِلَ عَلَيْهِ كَلْبٌ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءُ ذَلِكَ الصَّيْدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ فِي الْحِلِّ، وَالصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ. فَأَمَّا إنْ كَانَا فِي الْحَرَمِ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ كَانَ مُتَحَرِّمًا بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ فَإِذَا صَادَهُ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَأَخَذَهُ فِي الْحِلِّ فَقَدْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَأَخَذَ صَيْدًا مُتَحَرِّمًا بِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ فِي الْحِلِّ، وَالصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ لَكَانَ هَذَا حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحِلِّ وَالصَّائِدُ فِي الْحَرَمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهُ ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَلَمْ يُغَيِّرْ حَالَ الصَّيْدِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ الِاصْطِيَادَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ الصَّائِدِ دُونَ حَالِ الصَّيْدِ كَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحَرَمَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الصَّائِدِ وَإِنَّمَا تَأْثِيرُهُ وَحُرْمَتُهُ لِلصَّيْدِ فَإِذَا لَمْ يَتَحَرَّمْ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ جَازَ اصْطِيَادُهُ وَأَمَّا الصَّائِدُ فَلَمْ يَتَلَبَّسْ بِعِبَادَةٍ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ صَيْدًا وَلَا غَيْرَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَصِيدَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ وَالصَّائِدُ فِي الْحِلِّ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا بِقُرْبِ الْحَرَمِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْحَرَمِ فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَدْخَلَهُ الْكَلْبُ فِي الْحُرُمِ وَقَتَلَهُ فِيهِ أَوْ قَتَلَهُ فِي الْحِلِّ بَعْدَ إدْخَالِهِ الْحَرَمَ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَرَّمَ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ فَحَرُمَ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَى الصَّائِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكْ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَلَا غَرَرَ بِإِرْسَالِهِ بِقُرْبِهِ. (فَرْعٌ) وَالْبُعْدُ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَلْبَ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ وَأَنَّهُ سَيُدْرِكُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَرْجِعُ عَنْهُ

[الحكم في الصيد]

الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إلَى قَوْلِهِ {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّ الْبُعْدَ مِنْ الْحَرَمِ بِمِقْدَارِ مَا لَا يَسْكُنُ الصَّيْدُ فِيهِ بِسُكُونِ مَنْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ فِي الْحَرَمِ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْإِرْسَالَ بِقُرْبِ الْحَرَمِ مَمْنُوعٌ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْحَرَمِ. وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِإِرْسَالِ جَارِحٍ عَلَى صَيْدٍ قُرْبَ الْحَرَمِ فَلَا يُدْرِكُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَأَنَّ الرَّاتِعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ لَا تُؤْمَنُ مَعَهُ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ بَعْدَ إدْخَالِهِ الْحَرَمَ فَإِنْ أَخَذَهُ فِيهِ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِأَخْذِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَدْرَكَهُ بِقُرْبِ الْحَرَمِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ مِمَّا غَرَّرَ بِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْحَرَمِ بِقُرْبِهِ مِنْهُ فَلَا يُؤْكَلُ وَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ إدْخَالِهِ فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَرَمِ فَقَدْ سَلِمَ وَيَأْكُلُهُ. [الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ] (ش) : تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى حُرُمٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُحْرِمُونَ إمَّا بِالْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ وَإِمَّا بِالْكَوْنِ فِي الْحَرَمِ فَنَهَى تَعَالَى عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا الْجَزَاءَ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ النَّاسِيَ لِإِحْرَامِهِ الْمُتَعَمِّدَ لِقَتْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَامِدِينَ وَمَا ذَكَرُوا وَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ تَعَالَى مُتَعَمِّدَ الْقَتْلِ وَلَمْ يَخُصَّ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ وَلَا ذَاكِرًا لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ دَاوُد يَقُولُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ نَسِيَ الْإِحْرَامَ وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ وَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ بِالْعُمُومِ وَأَمَّا الْمُخْطِئُ بِالْقَتْلِ فَلَمْ يَجْرِ لَهُ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْجَزَاءِ فِيهِ، وَلَا نَفْيِهِ إلَّا لِمَنْ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَلَا دَاوُد وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَجِبُ عَلَى الْعَامِدِ الْجَزَاءُ بِالْآيَةِ وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِالسُّنَّةِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْمُخْطِئِ فِي الْآيَةِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: ثَبَتَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَعَمَّ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إخْرَاجُ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَالنَّعَامَةُ لَهَا مِثْلٌ وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ لَهُ مِثْلٌ وَهِيَ الْبَقَرُ الْإِنْسِيَّةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُضْمَنُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ يُشْتَرَى بِتِلْكَ الْقِيمَةِ هَدْيًا أَوْ طَعَامًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مِثْلَ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ هُوَ الْجَزَاءُ وَالْقِيمَةُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا مِثْلٌ لِلْمَقْتُولِ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَإِنَّمَا الْمِثْلُ مَا يُشْبِهُهُ، وَأَشْبَهُ النَّعَمِ بِالنَّعَامَةِ الْبَدَنَةُ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَحْكُمُ وَهُوَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ بِهِ هَدْيًا وَهَذَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ هَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ شُيُوخُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ إنَّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] أَنَّ الْمِثْلَ هَاهُنَا صِفَةٌ لِلْمَقْتُولِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَجَزَاءٌ مِثْلُ هَذَا الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ بِمَعْنَى قَصْرِ جَزَاءِ مِثْلِ هَذَا الْمَقْتُولِ عَلَى النَّعَمِ عَلَى وَجْهِ الْهَدْيِ وَلَوْ كَانَ الْمِثْلُ مُتَعَلِّقًا بِالنَّعَمِ لَقَالَ فَجَزَاؤُهُ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ أَوْ مِثْلُ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ فَهَذَا الظَّاهِرُ لِلَّفْظِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ مِمَّا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ الظَّاهِرِ وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مِنْ النَّعَمِ وَالْمُثْلَى عَائِدًا إلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ كَانَ نَصًّا فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ النَّعَمِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَى الْمِثْلِ الْقِيمَةُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ سَائِغًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَصَرَ الْجَزَاءَ عَلَى النَّعَمِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ إلَى قِيمَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا إلَى النَّعَمِ خَاصَّةً وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ: هِيَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهَا كَبْشًا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ فِيهَا الْقِيمَةَ، وَدَلِيلُنَا أَيْضًا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءُ وَالْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ قَضَوْا بِذَلِكَ فِي آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانٍ مُفْتَرِقَةٍ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْقِيَمُ مَعَ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ أَنَّ قِيمَةَ الْبَدَنَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ النَّعَامَةِ وَشَاعَتْ قَضَايَاهُمْ بِذَلِكَ فِي الْآفَاقِ وَالْأَمْصَارِ فَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ وَلَا مُنْكِرٌ لِحُكْمِهِمْ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ التَّكْفِيرِ فَلَمْ يَخْرُجْ بِالْقِيمَةِ كَالرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُ الصَّيْدِ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي الْفِيلِ بَدَنَةٌ وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَهُ مِنْ الصَّغِيرِ هَدْيٌ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الضَّبِّ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَاةٌ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ قِيمَتُهُ طَعَامٌ أَوْ صِيَامٌ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ مِثْلَ الثَّعْلَبِ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ شَاةٌ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَقْتَضِي إلَّا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَأَنَّ فِيهِ الْإِطْعَامَ وَأَمَّا الْأَرْنَبُ وَالْيَرْبُوعُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْزٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُحْكَمُ فِيهِمَا بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُمَا فِي الْخِلْقَةِ يُرِيدُ مِنْ النَّعَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الصَّيْدِ كُلِّهِ إلَّا حَمَامَ مَكَّةَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِ شَاةٌ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا قِيمَتُهَا وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حَكَمَ بِهِ عُمَرُ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَوَاسِمِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَلَا خَالَفَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّاةَ فِي الْحَمَامَةِ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ لِحُرْمَةِ مَكَّةَ فَأُلْحِقَتْ بِمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الْهَدْيِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ شَاةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حَمَامُ الْحِلِّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الطَّيْرِ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَمَامِ الْحِلِّ شَاةٌ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَلَا لَهُ حُرْمَةُ الِاخْتِصَاصِ بِالْبَيْتِ أَوْ بِالْحَرَمِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ شَاةٌ كَالْعُصْفُورِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حَمَامِ الْحَرَمِ فَقَالَ مَالِكٌ فِيهِ شَاةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ حُكُومَةٌ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا حَمَامٌ مُتَحَرِّمٌ بِالْحَرَمِ فَكَانَتْ فِيهِ شَاةٌ كَحَمَامِ مَكَّةَ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا حَمَامٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْتِ كَحَمَامِ الْحِلِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَارِي الْحَرَمِ وَيَمَامُهُ عِنْدَ أَصْبَغَ بِمَنْزِلَةِ حَمَامِ الْحَرَمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِالْحَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ. وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ هَذِهِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَمَامِ فَكَانَ فِيهَا شَاةٌ كَالْحَمَامِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِصَاصَ بِالْبَيْتِ وَالتَّحْرِيمَ بِهِ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ الْحَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِذَلِكَ مَضَى حُكْمُ السَّلَفِ لِتَخَصُّصِهَا بِذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) يَجِبُ فِي صِغَارِ الصَّيْدِ مَا يَجِبُ فِي كِبَارِهِ وَفِي مَعِيبِهِ مَا يَجِبُ فِي سَلِيمِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقِيمَةُ عَلَى أَصْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ فِي فَرْخِ النَّعَامَةِ فَصِيلٌ وَفِي وَلَدِ بَقَرَةِ الْوَحْشِ عِجْلٌ وَفِي وَلَدِ الظَّبْيِ سَخْلَةٌ وَفِي الْمَعِيبِ مِنْ الْوَحْشِ مَعِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ الدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا دُونَ مَا لَا يُجْزَى فِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مُخْرَجٌ عَلَى وَجْهِ الْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ سِنِّ الْمُتْلِفِ أَصْلُ ذَلِكَ الرَّقَبَةُ. (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْجَزَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حُكْمِ ذَوِي الْعَدْلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَ الْجَزَاءَ بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ فَكَانَ شَرْطًا فِيهِ كَتَقْيِيدِ الصِّفَاتِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدٌ الْجَزَاءَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ بِالْحُكْمِ إلَّا حَمَامَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَكَمَيْنِ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ جَزَاءِ حَمَامِ مَكَّةَ لَيْسَ بِمِثْلٍ لَهَا مِنْ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَلَوْ اجْتَهَدَ حَكَمَانِ فِي ذَلِكَ لَمَا جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُمَا اجْتِهَادُهُمَا فِي الْحُكْمِ إلَّا إلَى الشَّاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا الْحَكَمَانِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ فِيهِ إلَى حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ بِتَحْقِيقِ مِثْلِ ذَلِكَ الصَّيْدِ وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِانْحِتَامِ جِنْسِ الْجَزَاءِ أَمْ لَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهُ إذَا حَكَمَ الْحَكَمَانِ انْحَتَمَ عَلَيْهِ مَا حَكَمَا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي زَاهِيهِ لَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يُنْفِذَا عَلَيْهِ الْحُكْمَ فَإِذَا أَنْفَذَاهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُمَا إنْ حَكَمَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ بِالْهَدْيِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ بِحُكْمِهِمَا أَوْ بِحُكْمِ غَيْرِهِمَا، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْحَتِمَ مَا حَكَمَا بِهِ مِنْ الْإِصَابَةِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُمَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِقْدَارِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ مِثْلِ الصَّيْدِ أَوْ قَدْرِ الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ فَإِذَا قَدَّرَ الصَّيْدَ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمِثْلُ الَّذِي حَكَمَا بِهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ فَحُكْمُ حَكَمَيْنِ فِي تَقْدِيرِهِ بِالِاخْتِيَارِ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ كَالِاخْتِيَارِ لَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْعَدَدَ كَمَا شَرَطَ الْعَدَالَةَ وَكَمَا شَرَطَ الْعَدَدَ فِي الشُّهُودِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] ، وَالْحَاكِمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَحْكُمُ بِهِ عَدْلٌ مِنْكُمْ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْكُمُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ قَبِلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقِلُّ مِنْ وَلَا يَتَقَدَّرُ مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ عَدْلٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ، وَالْقَاتِلُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: اُحْكُمْ عَلَى نَفْسِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْكَ الْحَاكِمُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ مُخَاطَبَةَ الْبَارِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُكَّامِ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] الْآيَةَ وَالْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الشَّهِيدَيْنِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْكُمُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ الْقَهْرُ لَهُ وَالْغَلَبَةُ وَالرَّدُّ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ وَهَذَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَأْمُرَهَا وَيَنْهَاهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْحَكَمَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاسِ: اُحْكُمْ عَلَى نَفْسِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْكَ الْحَاكِمُ فَمِنْ كَلَامِ السُّوقَةِ وَمَنْ لَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ قَدْ نَطَقَتْ بِهِ الْعَرَبُ لَكَانَ مَعْنَاهُ اُخْرُجْ عَنْ الْحَقِّ وَأَدِّهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْحُكْمِ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ عَلَيْكَ وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمٌ وَإِنْ كُنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْهَى نَفْسَهُ وَلَا يَأْمُرُهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ فِي اللُّغَةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ اخْتَلَفَ الْحَكَمَانِ فِي الْحُكْمِ اسْتَأْنَفَ الْحُكْمَ غَيْرُهُمَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] فَإِذَا أَخَذَ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِهِ حَكَمٌ وَاحِدٌ. (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّعَمِ جَزَاءً عَنْ الصَّيْدِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُهْدَى وَهُوَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ مَا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُ فِي لَحْمِهِ شِبَعُ مَنْ يَشْبَعُ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْقِيمَةِ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى وَجْهِ الْمِثْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ النَّعَمِ يَكُونُ هَدْيًا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيمَا دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِصِفَةِ الْهَدْيِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ مَا قَصَرَ سِنُّهُ عَنْ سِنِّ الْهَدْيِ أَصْلُ ذَلِكَ هَدْيُ التَّمَتُّعِ. 1 - (فَصْلٌ) وقَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظِ أَوْ فَهُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقَاتِلُ الصَّيْدِ خُيِّرَ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فَأَيُّهُمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ يَحْكُمُ بِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَصْحَابُهُ يُنْكِرُونَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ لَفْظُ الْآيَةِ فَإِنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ أَوْ وَظَاهِرُهَا التَّخْيِيرُ مَعَ أَنَّ أَوْ لَا تَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ غَيْرَ التَّخْيِيرِ مِنْ الْمَعَانِي وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ فِي الْحَجِّ لِلطَّعَامِ فِيهَا مَدْخَلٌ وَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ أَوْ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ نَفْسُهُ بِالطَّعَامِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّنَا إذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الصَّيْدِ وَمِثْلِهِ فَاعْتِبَارُ الصَّيْدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلَفُ وَبِسَبَبِهِ وَجَبَ الْجَزَاءُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي الطَّعَامِ مَعْنًى يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ بِسَبَبِ الصَّيْدِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِالصَّيْدِ كَالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ. 1 - (فَرْعٌ) وَتَقْوِيمُ الصَّيْدِ نَفْسِهِ بِالطَّعَامِ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْمَأْخُوذُ، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمَأْخُوذَةُ فَإِنْ قُوِّمَ الصَّيْدُ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ بِالطَّعَامِ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ لَا سِيَّمَا، وَالتَّقْوِيمُ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ لَكِنْ فِي ذَلِكَ تَطْوِيلٌ وَتَكْرَارُ اجْتِهَادٍ وَتَقْوِيمٌ يَكْثُرُ مَعَهُ السَّهْوُ وَتَقْلِيلُ مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ أَوْلَى وَأَبْعَدُ مِنْ السَّهْوِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ تَقْوِيمِ الْمِثْلِ بِالطَّعَامِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ جُمْلَةٌ لِتَكَرُّرِ مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ وَتَطْوِيلِ طُرُقِ النَّظَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ أُصُولُ الْأَثْمَانِ، وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَقَدْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ بِالطَّعَامِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَا تُعْرَفُ

[وفي تقويم الصيد ثلاثة أبواب الأول في صفة التقويم]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَصِيدُ الصَّيْدَ وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَبْتَاعُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتُهُ بِالطَّعَامِ وَلَا جَرَتْ عَادَةٌ بِشِرَاءِ مِثْلِهِ بِالطَّعَامِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ فَيُتَوَصَّلُ بِمَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمِثْلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ لِلتَّقْوِيمِ وَلَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَحْقِيقِهِ فَإِذَا كَثُرَتْ بِهِ مَوَاضِعُ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ الْخَطَأِ فِيهِ، وَالْعُدُولُ عَنْ وَجْهِ الصَّوَابِ فِي تَقْوِيمِ مَا يُرَادُ تَقْوِيمُهُ بِهِ مَعَ أَنَّ تَقْوِيمَ الصَّيْدِ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ تَقْوِيمُ الدَّرَاهِمِ بِالطَّعَامِ لَا يُخَالِفُ تَقْوِيمَ الصَّيْدِ بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَقْوِيمُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَشُكُّ أَنَّ قِيمَةَ الْفِدْيَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ النَّعَامَةِ بِكَثِيرٍ فَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَقَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ النَّعَامَةِ بِكَثِيرٍ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا. [وَفِي تَقْوِيمِ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّقْوِيمِ] وَفِي تَقْوِيمِ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّقْوِيمِ) . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَحْيَى يَنْظُرُ كَمْ يُشْبِعُ الصَّيْدُ مِنْ نَفْسٍ، ثُمَّ يُخْرِجُ قَدْرَ شِبَعِهِمْ طَعَامًا وَبِمِثْلِ هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَالِمٌ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَنْظُرُ إلَى مَا يُسَاوِي مِنْ الطَّعَامِ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَجْهُ قَوْلِ يَحْيَى أَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِمِقْدَارِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْدَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَوْ رَاعَيْنَا الْقِيمَةَ لَأَعْدَمْنَا دَمَ كَثِيرٍ مِنْ الْحَيَوَانِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحَيَوَانَ كُلَّهُ تُرَاعَى قِيمَتُهُ عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ حِينَ إتْلَافِهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِالشِّبَعِ مِنْهُ لَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ قِيمَةِ جِلْدِهِ وَلَا اعْتَبَرْنَا فِي قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حِينَ إتْلَافِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ حَيًّا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَتْلَفَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ يَحْيَى فِي مُرَاعَاةِ الشِّبَعِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَوَّمَ حَيًّا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِقْدَارُ لَحْمِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ وَكَمْ عَدَدُ مَنْ شَبِعَ مِنْ لَحْمِهِ. (فَرْعٌ) وَلَا تُعْتَبَرُ فَرَاهِيَةُ الصَّيْدِ وَلَا جَمَالُهُ وَالْفَارِهُ وَغَيْرُ الْفَارِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْمِثْلَ مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ يُخْرِجَ عَنْ صَغِيرِ النَّعَمِ بَقَرَةً أَوْ شَاةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى مِقْدَارِهَا مِنْ الْبَدَنَةِ وَالْفَصِيلِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ وَالْخَلَفِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَوْضِعِ التَّقْوِيمِ] 1 الَّذِي قَالَهُ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تُرَاعَى قِيمَتُهُ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ إنْ كَانَ لَهُ هُنَاكَ قِيمَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ هُنَاكَ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ وَلَا مَقَامٍ وَلِأَنَّهُ أَنِيسٌ اُنْتُقِلَ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ مِمَّا يُمْكِنُ التَّقْوِيمُ فِيهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قِيمَتَهُ إنَّمَا هُوَ تَرْتِيبٌ عَلَيْهِ هُنَاكَ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى أَيْضًا ذَلِكَ الْوَقْتُ وَذَلِكَ الْإِبَّانُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَهَذَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ يَحْيَى فَلَا يُرَاعَى شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا يُرَاعَى الشِّبَعُ خَاصَّةً مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الصَّيْدِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ إخْرَاجِ الْجَزَاءِ] 1 وَذَلِكَ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْ يَقْبَلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يَقْبَلُهُ فَفِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ يَكُونُ فِيهِ مَنْ يَقْبَلُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْقِيمَةَ إذَا رُوعِيَ فِيهَا سِعْرُ الْبَلَدِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ بِهِ وَإِلَّا كَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ بَعْضِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ غَلَاءِ السِّعْرِ فَيُخْرِجُهُ فِي مَوْضِعِ رُخْصِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ وَيُطْعِمُ بِمِصْرَ إنْكَارًا لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ يُجْزِئُهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ وَغَيْرُهُمَا يُجْزِئُهُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَبْنِيٌّ عِنْدِي عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ نَفْسَهُ يُقَوَّمُ بِالطَّعَامِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ بِالطَّعَامِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ الَّذِي أَصَابَ فَيُنْظَرَ كَمْ ثَمَنُهُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُطْعِمُ كُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافًا رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ الطَّعَامِ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ فَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا حَيْثُ يُرِيدُ إخْرَاجَهُ سَوَاءٌ كَانَ أَرْخَصَ طَعَامًا مِنْ بَلَدٍ أَصَابَهُ أَوْ أَغْلَى وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ أَخْرَجَ الْجَزَاءَ عَلَى سِعْرِهِ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ حَيْثُ كَانَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ أَصَابَ الصَّيْدَ بِمِصْرَ فَأَخْرَجَ الطَّعَامَ بِالْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ سِعْرَهَا أَغْلَى وَإِنْ أَصَابَ الصَّيْدَ بِالْمَدِينَةِ وَأَخْرَجَ الطَّعَامَ بِمِصْرَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ سِعْرَاهُمَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ الطَّعَامُ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَرْخَصَ اشْتَرَى بِثَمَنِ الطَّعَامِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِبَلَدِ الصَّيْدِ طَعَامًا فَأَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَغْلَى أَخْرَجَ الْمَكِيلَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْرُبُ ظَاهِرُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْوَطُ الْأَقْوَالِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ إخْرَاجَهُ بِغَيْرِ بَلَدِ إصَابَةِ الصَّيْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَيُفَرِّقُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ الْإِطْعَامُ فِيهَا مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَهَذَا يُنْتَقَضُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّ مُدَّ هِشَامٍ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُطْعِمُ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيَتَحَرَّرُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إطْعَامٌ فِي كَفَّارَةٍ لَا يَجِبُ فِيهَا تَرْتِيبٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِعَدَمِهِ أَذًى فَأَشْبَهَ الْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا أَوْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ كَسْرُ مُدٍّ فَإِنَّهُ يُعْطِي لِمِسْكِينٍ وَلَا يَلْزَمُ جَبْرُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِطْعَامَ إنَّمَا كَانَ بِالْقِيمَةِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ الْقِيمَةُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَوْ قِيلَ فِيهِ: يَلْزَمُهُ جَبْرُهُ لَمْ يَبْعُدْ عِنْدِي؛ لِأَنَّ مَا يُدْفَعُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِقْدَارٌ لَا يَتَبَعَّضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينَيْنِ مُدًّا بَيْنَهُمَا لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَجْبُرَ مَا يُعْطِي أَحَدَهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اخْتَارَ الصَّوْمَ صَامَ عَنْ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سُنَّةِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ اعْتِبَارَ الصَّوْمِ بِالْإِطْعَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِفَةِ الِاعْتِبَارِ وَمِقْدَارِ مَا يُقَابِلُ الْيَوْمَ مِنْ الْإِطْعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الصَّيْدِ مِنْ الطَّعَامِ كَسْرُ مُدٍّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُصَامُ يَوْمٌ كَامِلٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ إسْقَاطُ كَسْرِ الْمُدِّ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ إلْقَاؤُهُ وَتَبْعِيضُ الْيَوْمِ لَا يُمْكِنُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَبْرُهُ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَتَبَعَّضُ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْ بَعْضِ الْكَفَّارَةِ وَيَصُومَ عَنْ بَعْضٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْ جَمِيعِهَا أَوْ يَصُومُ عَنْ جَمِيعِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا كَفَّارَةُ شَرْعٍ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا التَّبْعِيضُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الَّذِي يَصِيدُ الصَّيْدَ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ يَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَبْتَاعُهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَيَقْتُلُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُحْرِمُ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ صَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَنَهَى عَنْ قَتْلِهِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِدَامَةِ إمْسَاكِهِ فَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْعِ الْقَتْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ فَقَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ الَّتِي تَنَاوَلَهَا النَّهْيُ عَلَى مَا وَرَدَتْ فِيهِ الْآيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيَنْظُرُ كَمْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ مِسْكِينًا صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا عَدَدَهُمْ مَا كَانُوا وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ حُكِمَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ شَرْطٌ فِي إخْرَاجِ الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ وَصَفَ مَا أَلْزَمَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِذَلِكَ فَقَالَ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَجَعَلَ لِذَلِكَ شُرُوطًا مِنْهَا: أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ النَّعَمِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ بِصِفَةِ الْهَدْيِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَبْلُغَ الْكَعْبَةَ فَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ إلَّا فِي صِفَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الطَّعَامُ وَلَا الصِّيَامُ مِنْ النَّعَمِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُهْدِيَ وَلَا يُسَاقَ إلَى الْكَعْبَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْحُكْمِ فَكَانَ الْحُكْمُ شَرْطًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَصِفَةُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ فِيمَا مِثْلُهُ الْهَدْيُ مِنْ النَّعَمِ حُكْمًا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا لَزِمَهُ وَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَنْهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ وَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ بِحُكْمٍ مُسْتَأْنَفٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ الَّذِي أَصَابَ فَيَنْظُرُ كَمْ ثَمَنُهُ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى مَا يُقَوَّمُ مِنْ أَنَّ الصَّيْدَ يُقَوَّمُ بِالطَّعَامِ فَيَنْظُرُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فَيُطْعِمُ مِنْهُ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْإِطْعَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا أَوْ يَصُومَ مَكَانَهُ يَوْمًا دُونَ حُكْمٍ وَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ فِي إخْرَاجِ الْمِثْلِ أَوْ إخْرَاجِ الطَّعَامِ فَأَمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالتَّكْفِيرِ بَدَلًا مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى حُكْمٍ وَلِذَلِكَ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِالطَّعَامِ تَقْدِيرًا بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] فَأَمَّا إطْعَامُ الْمِثْلِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ وَاعْتِبَارٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَحَتَّمُ بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَمَّا حَكَمَا بِهِ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدِي أَنْ يُخْبِرَاهُ بِمَا يَحْكُمَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْهَدْيِ وَمِنْ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، ثُمَّ يُخَيِّرَانِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدَ ذَلِكَ حَكَمَا بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحُكْمِهِمَا وَإِنَّ لَهُ الِانْتِقَالَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُخَيِّرَاهُ فَإِنْ اخْتَارَ أَحَدٌ مَا يُكَفِّرُ بِهِ حَكَمَا عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا يَرَيَانِهِ مِنْ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا حُكْمُهُمَا لَازِمٌ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَا عَلَيْهِ بِمَا حَكَمَا فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ وَلَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَازِمٌ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ إنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ لَزِمَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ فِي الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ إلَى هَدْيٍ وَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ مِنْ إطْعَامٍ إلَى صِيَامٍ فَعَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُوَطَّأِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ حُكْمٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الصِّيَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ مِنْ الطَّعَامِ فَقَدْ تَقَرَّرَ بِالشَّرْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي اسْتِئْنَافُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: إنَّهُ يُصَامُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمٌ فَيَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ وَحُكْمٍ يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَلَعَلَّ اللَّفْظَ أُطْلِقَ وَالْمُرَادُ إعَادَةُ الْحُكْمِ فِي الصِّيَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِالْمِثْلِ نَظَرَا إلَى مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيَحْكُمُ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ قَدَّرَ مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بِالصِّيَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّعَامِ إنْ أَرَادَ التَّكْفِيرَ بِهِ وَبِذَلِكَ يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ عَدْلُ الطَّعَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الطَّعَامِ لِيَصِحَّ أَنْ يُعَادَلَ بِالصَّوْمِ. 1 -

[ما يقتل المحرم من الدواب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ سَمِعْت أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ بِمِثْلِ مَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) . مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا يُرِيدُ أَنَّ الْإِطْعَامَ وَالصِّيَامَ جَزَاءُ الصَّيْدِ كَمَا يَتَقَدَّرُ بِعَدَدٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَمَا تَتَقَرَّرُ سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ كَانَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ كَفَّارَةً فَهُوَ مُعَلَّقٌ بِقَدْرِ الصَّيْدِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ بَالِغًا مَا بَلَغَ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْقَاتِلِ الْمُحْرِمِ وَالْقَاتِلِ الْحَلَالِ سَوَاءٌ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُحْرِمِ لِسَبَبِ إحْرَامِهِ وَهُوَ أَيْضًا مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنَّمَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْمُحْرِمُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِإِصَابَةِ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِذَا تَدَاخَلَتْ الْحُرْمَتَانِ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي زِيَادَةِ الْجَزَاءِ كَإِحْرَامِ الْقَارِنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. [مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ» اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ إلَّا أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ عَلَى أَصْلِهَا مَعَ الْقَرَائِنِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ بِهَا وَقَدْ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُوقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الدَّوَابِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ» يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْجُنَاحَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الْإِثْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا إثْمَ فِي قَتْلِهِنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ فَإِذَا أُبِيحَ قَتْلُهَا فَلَا مَعْنَى لِلْكَفَّارَةِ وَالْجَزَاءِ بِقَتْلِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُبَاحِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُنَا الْمَالِكِيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَا يَبْتَدِئُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا فَإِنَّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْخَمْسُ الدَّوَابُّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعِ ذَلِكَ وَهِيَ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَهُوَ كُلُّ مَا يَعْدُو وَيَفْتَرِسُ وَيُخِيفُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّيْرِ مِنْهَا وَبَيْنَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ ابْتِدَاءً الذِّئْبَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ فَهْدًا أَوْ أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ غَيْرَ مَا سَمَّيْنَاهُ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ عَدَتْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهَا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَهَذَا الِاسْمُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَكُلِّ مَا يَعْقِرُ الْإِنْسَانَ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّكَلُّبِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وَالْعَقُورُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُقْرِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ فِي الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ أَبْيَنُ وَأَثْبُتُ مِنْهُ فِي الذِّئْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُ قَالَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ هُوَ الْأَسَدُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يَلْحَقُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَتِهِ بِالْعُدْوَانِ وَالِافْتِرَاسِ غَالِبًا فَجَازَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالْقَتْلِ كَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ. (فَصْلٌ) : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ حَيَوَانٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ إلَّا السَّبُعَ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ وَأَمَّا الصَّيْدُ الَّذِي يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ فَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَالصَّيْدُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مُتَوَحِّشٍ يُصْطَادُ سَوَاءٌ كَانَ

(ص) (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلِذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اصْطَادَ فُلَانٌ سَبُعًا كَمَا يُقَالَ: اصْطَادَ ظَبْيًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: اصْطَادَ شَاةً وَلَا إنْسَانًا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَحْشِيٌّ لَا يَبْتَدِئُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا فَوَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُحْرِمًا كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي يَخْتَصُّ بَعْضُهَا بِمَعَانٍ مِنْ الضَّرَرِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا فَأَمَّا الْغُرَابُ وَالْحَدَأَةُ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُمَا لَيْسَتْ بِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَا أَحَدًا فِي الْغَالِبِ وَلَكِنَّهُمَا يَكْثُرَانِ فِي الْغَالِبِ وَيَغْتَفِلَانِ النَّاسَ فَيَأْخُذَانِ الْأَزْوَادَ وَاللَّحْمَانِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا لِكَثْرَتِهِمَا وَدُنُوِّهِمَا مِنْ النَّاسِ، وَالْفَأْرَةُ تَخْتَصُّ بِقَرْضِ الثِّيَابِ وَالْمَزَاوِدِ وَإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا وَالْعَقْرَبُ تُؤْذِي بِاللَّدْغِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالِاضْطِجَاعِ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ يُؤْذِي بِالْعَقْرِ وَالْفَرْسِ وَالْإِجَاحَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا عَدَا لَمْ يَكُنْ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ فَأُبِيحَ لِلْمُحْرِمِ دَفْعُ ذَلِكَ بِاغْتِفَالِهِ وَطَلَبِ غُرَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَحَرِّزًا فَقَصَدَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ فِي الْغَالِبِ دَفْعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُمَا فِي بَابِهِمَا وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِنْسِهِمَا مَا يَبْلُغُ ضَرَرَهُمَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ ضَرَرِهِمَا لَيْسَ لِشِدَّةٍ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ لِكَثْرَتِهِمَا وَدُنُوِّهِمَا مِنْ النَّاسِ وَطَلَبِهِمَا الْغَفْلَةَ حَتَّى لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا وَلَا الِانْفِصَالُ عَنْهُمَا بِقَتْلِهِمَا وَصَيْدِهِمَا وَأَمَّا الرَّخَمُ وَالْعِقْبَانُ فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ نَافِرَةٌ عَنْ النَّاسِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يَعْدُو فَهُوَ نَادِرٌ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْفَأْرَةُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى الْفَأْرَةِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي جِنْسِهَا وَأَبْسَطُ حِيلَةً وَهَذَا أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَيْسَتْ تُؤْذِي بِقُوَّةٍ وَلَا بِمُغَالَبَةٍ وَإِنَّمَا تُؤْذِي بِاخْتِلَاسٍ وَمُدَاوَمَةٍ وَانْفِرَادٍ بِالْمَتَاعِ وَالزَّادِ وَلَا نَعْلَمُ مَا يُسَاوِيهَا فِي جِنْسِ إذَايَتِهَا فَكَيْفَ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْعَقْرَبِ وَيُتَّجَهُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْكَلْبُ الْعَقُورُ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي بَابِهِ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ قَالَ: إنَّ اسْمَ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكَلْبَ؛ فَلِذَا نَصَّ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَجْلِ إذَايَتِهِ وَلَمَّا كَانَ الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهُ كَانَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ مِثْلِهِمَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَقَعُ عَلَى الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُمَا إبَاحَةُ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ لَا مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ. (ص) (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ لَفْظَةُ «مُحْرِمٍ» أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْحَرَمِ حَلَالًا؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . (ص) (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُ فَوَاسِقَ» الْفِسْقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخُرُوجُ يُقَالُ فَسَقَتْ الثَّمَرَةُ إذَا خَرَجَتْ عَنْ قِشْرَتِهَا وَفَسَقَ الرَّجُلُ إذَا خَرَجَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَقَوِيمِ الطَّرِيقَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا سَمَّاهَا فَوَاسِقَ لِخُرُوجِهَا عَمَّا عَلَيْهِ سَائِرُ الْحَيَوَانِ بِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَاوَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي أُمِرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ إنَّ كُلَّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافَهُمْ مِثْلُ النَّمِرِ وَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ فَهُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ لَا يَعْدُو مِثْلُ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَالْهِرِّ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يَقْتُلْهُنَّ الْمُحْرِمُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاحْتِرَازُ مِنْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَكَادُ أَنْ تُعَرَّى هِيَ عَنْهُ. (ش) : أَمَرَ عُمَرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فِي الْحَرَمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَذَاهُنَّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا بِابْتِدَائِهَا بِالْقَتْلِ وَلَوْ تُرِكَتْ إلَى أَنْ تَبْتَدِئَ هِيَ لَابْتَدَأَتْ بِهِ فِي وَقْتِ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا يُمْكِنُ مُدَافَعَتُهَا مَعَ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الْأَذَى وَلَا تَنْصَرِفُ أَنْ لَا تَعْدُو وَهِيَ شَائِعَةٌ فِي جِنْسِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي غَارِ مِنًى بِقَتْلِ حَيَّةٍ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْوَزَغُ فَهَلْ يَقْتُلُهَا الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَوْ تُرِكَتْ لَكَثُرَتْ وَغَلَبَتْ فَجَعَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَذَاهَا فِي كَثْرَتِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَذًى بِإِفْسَادِ مَا تَدْخُلُ فِيهِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا فَاسِقَةً غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِلْمُحْرِمِ بِنُسُكٍ أَنْ يَقْتُلَهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا فِي الْبُيُوتِ وَحَيْثُ يَقْتُلُهُ وَيَدْفَعُ مَضَرَّتَهُ الْحَلَالُ وَمُدَّةُ الْإِحْرَامِ يَسِيرَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَأْرِ أَنَّ الْفَأْرَ أَكْثَرُ أَذًى وَتَسْلِيطًا وَأَسْرَعُ فِي الْفِرَارِ وَالْعَوْدَةِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُوَيْسِقًا وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ» فَلَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِمَّنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَهُ بِقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ تَوَقَّفَ عَنْ قَتْلِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى حَالِ الْإِحْلَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِثْلَ شَحْمَةِ الْأَرْضِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ الضَّرَرِ ابْتِدَاءً وَيَضْعُفُ عَنْ التَّحَرُّزِ وَالْفِرَارِ وَلَا يَكْثُرُ فِي مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ بَلْ لَا يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِمَّا يَحْمِلُ فِي مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْهَوَامِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ كُلَّ مَا عَدَا عَلَى النَّاسِ مِنْ هَذِهِ السِّبَاعِ وَأَخَافَهُمْ وَجَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ وَعُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِذَلِكَ فَإِنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَتَنَاوَلُهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَإِذَا كَانَ الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَذَلِكَ الْكَلْبُ وَالذِّئْبُ وَاسْتُبِيحَ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالذِّئْبِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ ذَلِكَ فَبِأَنْ يَسْتَبِيحَ قَتْلَ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ أَوْلَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الذِّئْبِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَمَنْعَهُ. وَجْهُ إبَاحَةِ قَتْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَاسِ وَتَكَرُّرِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى كَالْعَقْرَبِ وَالْحِدَأَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَتَنَاوَلُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ غَالِبًا بِالْعَقْرِ وَالتَّفَرُّسِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّادِرِ أَوْ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِصِغَارِ الْمَوَاشِي فَأَشْبَهَ الضَّبُعَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَتْلُ صِغَارِ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفُهُودِ وَمَا يَجُوزُ قَتْلُ كِبَارِهَا فَهَلْ يُقْتَلُ ابْتِدَاءً أَمْ لَا رَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ جَوَازَ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَنْعَ ذَلِكَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصِفُهُ بِالْعُقْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَقَرَ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِذَلِكَ بِجِنْسِهِ وَهُوَ صِفَةُ صِغَارِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الضَّرَرِ فَلَمْ يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ كَالْهِرِّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَتَلَهَا فَهَلْ يَفْدِيهَا أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا نَصَّ وَأُبِيحَ قَتْلُهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَتْلِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا مَا ضَرَّ مِنْ الطَّيْرِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَقْتُلُهُ إلَّا مَا سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ فَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ سِوَاهُمَا فَدَاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِصِغَرِهِ وَعَدَمِ أَذَاهُ فَإِذَا صِيدَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ أَذَاهُ وَضَرَرَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا كَبِرَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ فِيمَا قُتِلَ مِنْهُ كَالْمَرِيضِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ فِدْيَةٌ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَنْعٌ مِنْ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ الْآنَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالضَّرَرِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَالضَّبُعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْهِرُّ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَوْحِشِ الَّذِي لَا يَبْدَأُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا بَلْ يَفِرُّ مِنْ الْإِنْسَانِ إذَا رَآهُ وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: إنَّ الْهِرَّ الْوَحْشِيَّ سَبُعٌ عَادٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْدَأَهُ بِالْقَتْلِ وَمَا قُلْنَا أَبْيَنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ قِرْدًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَقْتُلُ خِنْزِيرًا وَحْشِيًّا وَلَا إنْسِيًّا وَلَا خِنْزِيرَ الْمَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ الذِّئْبَ وَشِبْهَهُ مِنْ السِّبَاعِ الَّتِي لَا تُؤْذِي يُرِيدُ تَبْدَأُ بِالضَّرَرِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ وَدَاهُ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ السِّبَاعِ الَّتِي لَا تَبْدَأُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْدُو عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا وَحْشِيًّا أَوْ إنْسِيًّا أَوْ خِنْزِيرَ الْمَاءِ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ قَتَلَ الذِّئْبَ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ إلَّا السَّبُعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَقْتُلُ ابْتِدَاءً مِنْ الطَّيْرِ إلَّا الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَامٌّ فِي الطَّيْرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، ثُمَّ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجُمْلَةِ الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ فَبَقِيَ بَاقِي الطَّيْرِ عَلَى الْحَظْرِ وَأَيْضًا فَإِنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَضَرَّتَهُمَا الَّتِي أَبَاحَتْ قَتْلَهُمَا لَا يُشَارِكُهُمَا فِي إبَاحَةِ الْقَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إبَاحَةِ قَتْلِهِمَا ابْتِدَاءً فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا أَثْبَتَهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ مَنْعَ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا مِنْ الْفَوَاسِقِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ قَتْلِهَا كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُمَا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَمْ تَبْدَأْ بِالْقَتْلِ كَالْعِقْبَانِ وَالنُّسُورِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِغَارُ الْغِرْبَانِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُودِيهَا إنْ قَتَلَهَا إذَا كَانَتْ صِغَارًا لَا حَرَكَةَ فِيهَا وَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَنَا لِأَصْحَابِنَا وَأَمَّا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى الْفِدْيَةَ بِقَتْلِ كِبَارِهَا فَبَيِّنٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ بِقَتْلِ كِبَارِهَا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْقَوْلَيْنِ إنْ قُلْنَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ بِقَتْلِ صِغَارِهَا وَتَعْلِيلُنَا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُخَافُ الْآنَ مِنْهَا الضَّرَرُ فَلِذَلِكَ مُنِعَ قَتْلُهَا وَأَنَّهُ مِمَّا يُخَافُ ضَرَرُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِهَا فَلَا فِدْيَةَ عَلَى هَذَا فِي صِغَارِ الْغِرْبَانِ وَالْحِدَإِ وَإِنْ عَلَّلْنَا لِذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى ابْتِدَاءُ ضَرَرِهِ الْيَوْمَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِقَتْلِ صِغَارِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ لَا فِدْيَةَ فِي قَتْلِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا فِدْيَةَ فِي قَتْلِ صِغَارِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ غَيْرَهُمَا وَدَاهُ يُرِيدُ إنْ قَتَلَ غَيْرَ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرِ سِبَاعِهَا وَدَاهُ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهَا ابْتِدَاءً وَمَنْ قَتَلَهَا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِالضَّرَرِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى قَاتِلِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ عَدَتْ عَلَيْهِ سِبَاعُ الطَّيْرِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْوَحْشِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ فِي الطَّيْرِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِالضَّرَرِ وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ عَدَا عَلَيْهِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَقَتَلَهُ وَدَاهُ بِشَاةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا مِنْ أَصْبَغَ غَلَطَ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ

[ما يجوز للمحرم أن يفعله]

مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيرًا لَهُ فِي طِينٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ مَالِكٌ وَأَنَا أَكْرَهُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الصَّيْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ الْإِنْسَانُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ] (ش) : قَوْلُهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيرًا لَهُ فِي طِينٍ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُزِيلُ عَنْهُ الْقُرَادَ وَيُلْقِيهَا فِي الطِّينِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَأَجَازَهُ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَنْعُ قَتْلِ الْقَمْلِ وَإِلْقَائِهَا عَنْ الْجَسَدِ فَنَقُولُ إنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يَتَوَلَّدُ فِي جَسَدِهِ حَيَوَانٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحْرِمِ طَرْحُهُ عَمَّا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَجْسَامِ كَالْقَمْلِ مِنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْهَوَامِّ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ إلَّا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَيَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَتْلِ الذُّبَابِ وَالنَّمْلِ وَالذَّرِّ وَالعظايا وَالْخَنَافِسِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالدُّودِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ، ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ إزَالَتَهُ عَلَى أَنْ يَفْتَدِيَ» فَدَلَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إزَالَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاسْمُ مِنْ غَيْرِ أَذًى. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْهَوَامَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٍ مِنْهُ يَخْتَصُّ بِالْأَجْسَامِ وَيَتَوَلَّدُ فِيهَا وَيَعِيشُ مِنْهَا مَعَ السَّلَامَةِ كَالْقُرَادِ فِي أَجْسَامِ الدَّوَابِّ وَالْقَمْلِ فِي أَجْسَامِ بَنِي آدَمَ وَضَرْبٍ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَالنَّمْلِ وَالذَّرِّ وَالدُّودِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَالْبَقِّ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ دَوَابِّ الْجَسَدِ فَلَا يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُزِيلُهُ عَنْ الْجَسَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إلَّا لِكَثْرَةِ أَذًى يَظْهَرُ فَيُمِيطُهُ عَنْهُ وَهَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَوْ إطْعَامٌ قَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ فِدْيَةُ أَذًى إذَا أَصَابَ الْكَثِيرَ مِنْهُ وَإِنْ أَصَابَ الْيَسِيرَ فَإِطْعَامُ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ الْإِطْعَامُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَانْسُكْ بِشَاةٍ أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ اطْعَمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ يَصِلُ إلَى إزَالَةِ الْهَوَامِّ بِالْغُسْلِ وَالْمُشْطِ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْهَوَامِّ هُوَ الْوَاجِبُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَتَلَ الْقَمْلَ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ فِدْيَةٌ غَيْرُ يَسِيرِ الطَّعَامِ أَصْلُ ذَلِكَ قَتْلُ الْيَسِيرِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الصَّيْدِ أَوْ مَجْرَى إلْقَاءِ التَّفَثِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: أَمَّا مُشَابَهَتُهُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ فِي غَيْرِ الْجِسْمِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً فِي الْأَرْضِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ شَعْرًا سَاقِطًا فِي الْأَرْضِ لِمَا كَانَ مَحْضُ إلْقَاءِ التَّفَثِ فَلَوْ كَانَ قَتْلُ الْقَمْلِ مِنْ بَابِ إلْقَاءِ التَّفَثِ خَاصَّةً لَجَازَ أَنْ يَقْتُلَهُ عَلَى غَيْرِ جِسْمِهِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ قَتْلِ الصَّيْدِ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَنْ جِسْمِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ الذَّرَّ عَنْ جِسْمِهِ وَالْقُرَادَ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْحُكْمَانِ فَلَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهُ مِنْ الْجَسَدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ التَّفَثِ، وَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاصْطِيَادِ وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ. وَالْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ طَرْحِهِ عَنْ جِسْمِهِ لِضَعْفِ هَذَا الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ إذَا أُزِيلَ عَنْ مَوْضِعِ تَوَلُّدِهِ وَمَكَانِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ كَانَ سَبَبَ هَلَاكِهِ الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى قَتْلِهِ. وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّهُ مَنْ أَزَالَ فَرْخَ صَيْدٍ عَنْ مَوْضِعِهِ وَمَكَانِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهُ لِلْهَلَاكِ وَلِذَلِكَ مَنَعْنَاهُ مِنْ تَقْرِيدِ بَعِيرِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْقُرَادِ عَنْ مَوْضِعِ حَيَاتِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَعِيرُ لَا يُرَى فِيهِ إلْقَاءُ تَفَثِهِ كَمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ إزَالَةِ شَعْرِهِ إلَّا أَنَّنَا إذَا قُلْنَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُ عَنْ الْمُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ فَقَالَتْ: نَعَمْ فَلْيَحْكُكْهُ (وَلْيَشْدُدْ قَالَتْ عَائِشَةُ) وَلَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ وَلَمْ أَجِدْ إلَّا رِجْلِي لَحَكَكْت) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لِشَكْوٍ كَانَ بِعَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَابِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ وُجُوبَ الْفِدْيَةِ بِقَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ كَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ بِتَقْرِيدِ الْبَعِيرِ وَقَتْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْهَوَامِّ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْإِطْعَامُ. قَالَ مُحَمَّدٌ تُجْزِئُهُ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَدَلٌ مِنْ الصَّوْمِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ بَابِ إلْقَاءِ التَّفَثِ تَعَلَّقَتْ الْفِدْيَةُ بِكَثِيرِهِ دُونَ يَسِيرِهِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ فَمَنْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ شَعَرَاتٍ يَسِيرَةً فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إطْعَامٌ وَمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ كَثِيرًا مِنْ شَعْرِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَلَمُ وَالْقُرَادُ وَالْحَمْنَانِ فَهِيَ مِنْ دَوَابِّ جِسْمِ الْبَعِيرِ فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُلْقِيَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هَلَاكِهِ إلَّا أَنْ يَرَى مِنْ الْبَعِيرِ إضْرَارًا مِنْ كَثْرَةِ ذَلِكَ وَاسْتِضْرَارِهِ بِهَا فَيُزِيلُهَا عَنْهُ وَيُطْعِمُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ الْقَمْلَ عَنْ جِسْمِهِ إذَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ دَوَابِّ الْجِسْمِ كَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَعُوضِ وَالْبَقِّ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ وَالذُّبَابِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ طَرْحُهُ عَنْ جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَوَابِّ جَسَدِهِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْرَحَ عَنْ جَسَدِهِ الْقُرَادَ وَالْحَلَمَ وَالْحَمْنَانَ إلَّا الْقَمْلَ خَاصَّةً وَيَطْرَحُ عَنْ بَعِيرِهِ الْعَلَقَ وَسَائِرَ الْحَيَوَانِ إلَّا الْقُرَادَ وَمَا كَانَ مِنْ دَوَابِّ جَسَدِهِ وَلَا يَقْتُلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَتَلَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُطْعِمُ وَقَالَ مَرَّةً أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطْعِمَ وَإِنْ ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِالضَّرَرِ فَقَتَلَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مُحْرِمٍ لَدَغَتْهُ ذَرَّةٌ فَقَتَلَهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَرَى أَنْ يُطْعِمَ شَيْئًا وَكَذَلِكَ النَّمْلَةُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ضَرَرَهَا يَسِيرٌ فَطَرْحُهَا يَقُومُ مَقَامَ قَتْلِهَا فِي دَفْعِ أَذَاهَا. (ش) : قَوْلُهَا فَلْيَحْكُكْهُ وَلْيَشْدُدْ تُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَّقِي مِنْ قَتْلِ شَيْءٍ مِنْ الْقَمْلِ وَلَا نَتْفَ شَيْءٍ مِنْ الشَّعْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِقَتْلِ الْقَمْلِ بِمِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنْ الْجَسَدِ إلَى غَيْرِهِ لِشِدَّةِ الْحَكِّ فِي ظَاهِرِ جَسَدِهِ وَمَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ عَلَى الْمُحْرِمِ إتْيَانُ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورِ عَلَيْهِ فَهُوَ مُبَاحٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ الْمُحْرِمُ مَا يَرَى مِنْ جَسَدِهِ وَقُرُوحِهِ وَإِنْ أَدْمَى جِلْدَهُ فَنَصَّ عَلَى إبَاحَةِ مَا يَرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا لَا يَرَى مَمْنُوعًا عِنْدَهُ لِجَوَازِ أَنْ يُزِيلَ مِنْهُ بِحَكِّهِ قَمْلًا يُسْقِطُهُ إلَى الْأَرْضِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْهُ يَحُكُّ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ حَكًّا رَفِيقًا لَا يُقْتَلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَتَوَقَّى شَيْئًا آخَرَ وَهُوَ مَا يُنْتَفُ شَعْرًا. وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الْمُحْرِمَ يَحُكُّ جَسَدَهُ مَا بَدَا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جِلْدِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ إنْ كَانَ يَرَى فِي ظَاهِرِهِ قَمْلًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ مَوْضِعَهَا وَلَا يَتَعَمَّدَ طَرْحَهَا وَلَا قَتْلَهَا فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ أَنَّ مَا فِي الْجَسَدِ مِنْ الْقَمْلِ يَبْدُو لَهُ وَيَظْهَرُ إلَيْهِ وَمَا فِي الرَّأْسِ يَخَافُ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الصَّغِيرِ يَحُكُّ الْمُحْرِمُ مَا يَرَى مِنْ جَسَدِهِ وَإِنْ أَدْمَى فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ رَأْسِهِ وَمَا لَا يَرَى مِنْ جَسَدِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا لَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ وَلَمْ أَجِدْ إلَّا رِجْلَيَّ لَحَكَكْت تُرِيدُ اسْتِبَاحَةَ قُوَّةِ ذَلِكَ فِي نَفْسِهَا حَتَّى أَنَّهَا لَوْ مُنِعَتْ حَكَّ جَسَدِهَا بِيَدَيْهَا وَأَمْكَنَهَا أَنْ تَحُكَّ ذَلِكَ بِرِجْلَيْهَا لَفَعَلَتْ مَعَ عَدَمِ الرِّفْقِ بِالْحَكِّ بِالرِّجْلِ وَأَنَّ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ بِرِجْلِهِ لَا يَكَادُ أَنْ يَعْلَمَ مَا يَأْتِيَ مِنْ إزَالَةِ حَيَوَانٍ عَنْ مَوْضِعِهِ أَوْ نَتْفِ شَعْرٍ مِنْ جَسَدِهِ. (ش) : قَوْلُهُ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لِشَكْوٍ كَانَ بِعَيْنَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ اسْتَبَاحَ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَنَّ سَبَبَ نَظَرِهِ فِيهَا كَانَ لِشَكْوِ عَيْنَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ مَا يُمْنَعُ مِنْ أَجْلِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْإِنْسَانِ إلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ مُبَاحٌ لَهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً أَوْ قُرَادَةً عَنْ بَعِيرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ ظُفْرٍ لَهُ انْكَسَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ سَعِيدٌ اقْطَعْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ كَرِهَ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَنْظُرَ وَجْهَهَا فِي الْمِرْآةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ تَرَى شُعْثًا فَتُصْلِحَهُ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُحْرِمِ تَسْوِيَةُ الشَّعْرِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا يَخَافُ عَلَيْهِ إزَالَةَ شَيْءٍ مِنْ الشَّعْرِ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِتَعَرُّضِهِ لِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِشَكْوٍ كَانَ بِعَيْنَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّ نَظَرَهُ فِي الْمِرْآةِ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّسَبُّبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُحْرِمِ النَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ فِي الْمِرْآةِ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا لِإِصْلَاحِ الْوَجْهِ وَتَزْيِينِهِ وَإِزَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ شُعْثٍ وَذَلِكَ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا نَظَرَ فِيهِ لِوَجَعٍ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَصَدَ بِهِ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً أَوْ قُرَادَةً عَنْ بَعِيرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ وَفِي إزَالَتِهِ عَنْ جِسْمِ الْبَعِيرِ تَعَرُّضٌ لِهَلَاكِهِ وَاخْتَارَ مَالِكٌ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ أَبِيهِ لِلدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّهُ عَلَى صِحَّتِهِ وَأَدْخَلَ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِتَعَرُّضِهِمَا لِلْمُجْتَهِدِ مِنْ بَعْدِهِ وَهَذَا غَايَةُ النُّصْحِ وَالْإِنْصَافِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَأَرْضَاهُ. (ش) : سُؤَالُهُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ ظُفْرٍ لَهُ انْكَسَرَ وَأَمْرُ سَعِيدٍ لَهُ بِقَطْعِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا يَتَأَذَّى بِهِ فَأَمَرَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بِقَطْعِهِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ انْكَسَرَ ظُفْرِي وَأَنَا مُحْرِمٌ فَتَعَلَّقَ فَآذَانِي قَالَ فَذَهَبْت إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ اقْطَعْهُ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ فَفَعَلْت وَذَلِكَ أَنَّ قَطْعَ الظُّفْرِ مَمْنُوعٌ لِلْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ الْمُعْتَادِ بِطُولِ السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنْ قَطَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَقْطَعَهُ لِضَرُورَةٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ قَطَعَهُ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَقْطَعَهُ لِضَرُورَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالظُّفْرِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَهُ لِضَرُورَةٍ غَيْرِ مُخْتَصَّةٍ بِالظُّفْرِ. فَأَمَّا الضَّرُورَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالظُّفْرِ فَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يَنْكَسِرَ الظُّفْرُ فَيَبْقَى مُتَعَلِّقًا يَتَأَذَّى بِهِ فَهَذَا يَقْطَعُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ مَا اقْتَصَرَ عَلَى قَطْعِ مَا يَتَأَذَّى بِهِ فَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ افْتَدَى رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى إزَالَةِ الضَّرَرِ مُتَعَدٍّ فَتَلْزَمُهُ بِذَلِكَ الْفِدْيَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ الظُّفْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِأَصَابِعِهِ قُرُوحٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُدَاوَاتِهَا إلَّا بِتَقْلِيمِ أَظْفَارِهِ فَإِنَّهُ يُقَلِّمُهَا وَيَفْتَدِي قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَهُ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الضَّرَرُ مِنْ جِهَةِ الظُّفْرِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَهَا غَيْرَ مُسْتَضِرٍّ بِهَا وَلَا خَارِجَةً عَنْ هَيْئَتِهَا وَأَصْلِ خِلْقَتِهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ مُرْتَكِبٌ لِلْمَحْظُورِ تَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْفِدْيَةُ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى الْمُعْتَادِ وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُحْرِمِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ يَدَيْهِ افْتَدَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ عِنْدِي مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَ رِجْلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ قَلَّمَ ظُفْرَ يَدٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَصَّ ظُفْرَيْنِ، وَإِنْ قَصَّ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ يَدٍ افْتَدَى قَالَهُ أَشْهَبُ وَإِنْ قَلَّمَ ظُفْرًا وَاحِدًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَمَاطَ بِهِ عَنْهُ الْأَذَى فَلْيَفْتَدِ وَإِلَّا فَلْيُطْعِمْ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ وَمَعْنَى إمَاطَةِ الْأَذَى

[الحج عمن يحج عنه]

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَكِي أُذُنَهُ أَيَقْطُرُ فِي أُذُنِهِ مِنْ الْأَلْبَانِ الَّتِي لَمْ تَطِبْ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبُطَّ الْمُحْرِمُ خُرَّاجَهُ وَيَفْقَأَ دُمَّلَهُ وَيَقْطَعَ عِرْقَهُ إذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ) . الْحَجُّ عَمَّنْ يُحَجُّ عَنْهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلَ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَتَنْظُرُ إلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِتَقْلِيمِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمُعْتَادَةَ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ خُشُونَةَ طُولِ أَظْفَارِهِ أَوْ أَكْثَرَهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْلَقَ مِنْ طُولِ ظُفْرٍ فَيُقَلِّمَهُ فَهَذَا أَمَاطَ عَنْهُ بِهِ أَذًى مُعْتَادًا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُرِيدَ مُدَاوَاةَ قُرُوحٍ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِبَعْضِهَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِقَصِّ أَظْفَارِهِ فَهَذَا قَدْ أَمَاطَ بِهِ أَذًى لَا يَخْتَصُّ بِأَظْفَارِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَيِّبٍ يَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي بَاطِنِ جَسَدِهِ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ كَتَقْطِيرِهِ فِي الْأُذُنِ وَالِاسْتِسْعَاطِ بِهِ وَالْمَضْمَضَةِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَكْلِهِ إيَّاهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي ظَاهِرِ جَسَدِهِ غَيْرِ بَاطِنِ يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ فَهَذَا مَمْنُوعٌ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ رَوَى إبَاحَةَ ذَلِكَ وَبِهِ أَخَذَ اللَّيْثُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إزَالَةُ شُعْثٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُفْعَلُ لِلْجَمَالِ وَالتَّنَظُّفِ كَالتَّنَظُّفِ فِي الْحَمَّامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ دَهَنَ بِهِ عُضْوًا مِنْ جَسَدِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ إذَا كَانَ الَّذِي دَهَنَهُ مِنْ جَسَدِهِ مَوْضِعًا لَهُ بَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا لَا بَالَ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّجَمُّلَ وَالتَّنَظُّفَ وَإِزَالَةَ الشُّعْثِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ دَهَنَ بُطُونَ قَدَمَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ لِشُقُوقٍ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا ظَاهِرَانِ ظُهُورَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِدُهْنِهِمَا دَفْعَ مَضَرَّةٍ فَلَا غَرَضَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ تَحْسِينِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَإِزَالَةِ الشُّعْثِ فَوَجَبَتْ بِذَلِكَ الْجِزْيَةُ وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ الْمَضَرَّةِ أَوْ الْقُوَّةِ عَلَى الْعَمَلِ فَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ ظَهَرَا فَإِنَّهُمَا بَاطِنَانِ مِنْ ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَيَخْتَصَّانِ بِالْعَمَلِ وَبِذَلِكَ فَارَقَا سَائِرَ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْجَسَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ جِلْدِ جَسَدِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِغَيْرِ حُرْمَةِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مُبَاحٌ لِلضَّرُورَةِ كَالْحِجَامَةِ. وَقَدْ «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيَيْ جَمَلٍ» وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى بَطُّ جِرَاحِهِ وَفَقْءُ دُمَّلِهِ وَقَطْعُ عِرْقِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ شَرَطَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ. [الْحَجُّ عَمَّنْ يُحَجُّ عَنْهُ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ النَّحْرِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَ أُسَامَةَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَدْ سَدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا ثَوْبًا فَإِنَّ الْمُحْرِمَةَ يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ لِمَعْنَى السَّتْرِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَبْدُو مِنْ وَجْهِهَا مَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الْفَضْلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ» يُرِيدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ مَنْعَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا لَمَّا رَأَى مِنْ قَصْدِهِ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَضْلِ وَلَا صَرَفَ وَجْهَهَا إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ النَّظَرِ إلَى الرَّجُلِ بِمَعْنَى تَأَمُّلِ مَحَاسِنِهِ وَالنَّظَرِ إلَى جَمَالِهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] وَقَالَ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا احْتَمَلَ نَظَرُهَا إلَى جِهَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِسُؤَالِهَا عَنْ مَسْأَلَتِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِهَةٍ يَتَضَمَّنُهَا نَظَرُهَا فَكَانَ نَظَرُهَا إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مَقْصِدًا جَائِزًا فَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا لِذَلِكَ وَالْفَضْلُ وَلَمْ يَكُنْ لِنَظَرِهِ إلَى جِهَتِهَا مَقْصِدٌ جَائِزٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ تَأَمُّلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَزَأَ بِصَرْفِ وَجْهِ الْفَضْلِ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى شَيْءٍ مِنْ وَجْهِ الْفَضْلِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْعًا لِلْفَضْلِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَزَأَ بِمَنْعِ الْفَضْلِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا لَمَّا رَأَى أَنَّهَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ مَنْعَ نَظَرِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ وَلَعَلَّهَا لَمَّا صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ فَهِمَتْ ذَلِكَ فَصَرَفَتْ وَجْهَهَا أَوْ بَصَرَهَا عَنْ النَّظَرِ إلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ مِنْ الْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَالْحَجُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ: حَجَّ يَحُجُّ حَجًّا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْحِجُّ بِكَسْرِهَا هُوَ الِاسْمُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِتَخْصِيصِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي قَصْدٍ مَخْصُوصٍ إلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى شَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الْمَغَارِبَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى التَّرَاخِي. وَالثَّانِي: أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا. فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى التَّرَاخِي فَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ لَيْسَتْ بِمُقْتَضِيَةٍ لِلزَّمَانِ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي زَمَانٍ وَذَلِكَ لِاقْتِضَائِهَا لِلْحَالِ وَالْمَكَانِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي أَيِّ زَمَانٍ شَاءَ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا رُوِيَ «أَنَّ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ حِينَ وَرَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ نَعَمْ» وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، ثُمَّ أَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَنَةِ عَشْرٍ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَيْهِ قَاضِيًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَيْهِ عَاصِيًا كَالتَّأْخِيرِ إلَى الثَّامِنِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى ظَنِّهِ إذَا غَلَبَ لِلْفَوَاتِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ عَصَى، وَإِنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَجْأَةً قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِصْيَانَ قَدْ وَقَعَ بِتَأْخِيرِهِ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ عَامٍ فَهُوَ قَاضٍ لَا مُؤَدٍّ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَكُونُ قَاضِيًا مَا دَامَ حَيًّا وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ حَجَّ عَنْهُ أَحَدٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى أَنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْحَجِّ أَوْ فِي الْحَجِّ وَلَهُ شُرُوطُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبٍ وَشُرُوطُ أَدَاءً: فَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِهِ فَهِيَ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَأَمَّا شُرُوطُ الْأَدَاءِ فَهِيَ: الِاسْتِطَاعَةُ وَلِإِجْزَائِهِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ، فَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَ تَمَامِ أَحَدِهِمَا وَلَا يَصِحُّ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ نَفْلُهُ مَعَ عَدَمِهَا وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَلَا يَصِحُّ نَفْلُهُ وَلَا فَرْضُهُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ يَجِبُ مَعَهُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ عَدَمِهِ نَفْلُهُ وَلَا فَرْضُهُ. (فَصْلٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هِيَ الِاسْتِطَاعَةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ عَادَةٍ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّفَرَ مَاشِيًا وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى الْحَجِّ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَاحِلَةً وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ سُؤَالَ النَّاسِ وَتَكَفُّفَهُمْ وَأَمْكَنَهُ التَّوَصُّلُ بِهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الرُّكُوبَ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى الْحَجِّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ دُونَ غَيْرِهِمَا وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي مَجْمُوعَتِهِ عَنْ سَحْنُونٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلَمْ يَخُصَّ زَادًا وَلَا رَاحِلَةً فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ غَيْرُ مُفَسَّرَةٍ فَتَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ فَرُبَّمَا دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْحَدِيثِ صَحِيحًا لَكَانَ بَعْضَ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْآيَةُ وَأَنْ يَكُونَ بَعْضَ مَا يُسْتَطَاعُ بِهِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ كَالصِّحَّةِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَإِنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ الْخَثْعَمِيَّةُ إنَّ أَبَاهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَجَعَلَتْ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ الشَّبَابَ وَالْقُوَّةَ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَثَبَتَ أَنَّ لِلِاسْتِطَاعَةِ مَعَانِيَ غَيْرَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّنِّ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مَعَهُ الثُّبُوتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمَانِ الطَّرِيقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُخَالِفُ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ وَأَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حُكْمِهِمْ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُسْتَطِيعٌ لِلْحَجِّ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ عَادَةٍ فَلَزِمَهُ الْحَجُّ كَالْوَاجِدِ لِلزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. (فَصْلٌ) : وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ) لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ أَوْ لِأَمْرٍ ثَابِتٍ فَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ يَرْجُو بُرْأَهُ وَزَوَالَهُ كَالْأَمْرَاضِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ هَذَا يَنْتَظِرُ الْبُرْءَ وَيُؤَدِّي الْحَجَّ فَأَمَّا إنْ كَانَ لِأَمْرٍ ثَابِتٍ عَنْهُ كَالْهَرَمِ وَالزَّمَانَةِ فَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ الْمَعْضُوبَ وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَنَا الْحَجُّ وَإِنْ وَجَدَ الْمَالَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، هُوَ مُسْتَطِيعٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ غَيْرَهُ يُؤَدِّي عَنْهُ الْحَجَّ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ وَجَدَ مَنْ يَبْذُلُ لَهُ الطَّاعَةَ مِنْ وَلَدٍ أَوْ أَخٍ أَوْ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِبَذْلِ هَذِهِ الطَّاعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَالْآيَةُ وَرَدَتْ مُقَيِّدَةً لِمَنْ يَسْتَطِيعُ السَّبِيلَ إلَى الْبَيْتِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ السَّبِيلَ إلَيْهِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْآيَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ صِفَةٌ مَوْجُودَةٌ بِالْمُسْتَطِيعِ كَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بِهِ اسْتِطَاعَةٌ فَلَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَجٌّ. وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُكَلَّفٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ غَيْرُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَصْلُ ذَلِكَ الصَّحِيحُ أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مِنْ نَصِّ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِ الْخَثْعَمِيَّةِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا أَخْبَرَتْ أَنَّ الْحَجَّ اُفْتُرِضَ عَلَى أَبِيهَا فِي حَالِ كِبَرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ تَعَلَّقَ بِأَبِيهَا وَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِينَ نَزَلَ وَأَبُوهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ تَوَجُّهُ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى النَّاسِ وَقَدْ شَرَطَ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةَ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ فَلَمْ يَتَوَجَّهْ فَرْضُهُ إلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّهَا قَالَتْ هَلْ يُقْضَى عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ قَالُوا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ لَهَا نَعَمْ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُقْضَى عَنْهُ حَجُّهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَجٌّ لَمَا قَضَتْ عَنْهُ شَيْئًا كَمَا لَا تَقْضِي عَنْهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ مَا وَجَبَ مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُلْحِقُهُ ذَلِكَ بِحَالَةِ مَنْ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فَأَدَّاهُ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ أَكْمَلُ مِنْ حَالَةِ مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، وَلِذَلِكَ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» أَنْ يُقْضَى وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الِابْنَ إذَا أَرَادَ إلْحَاقَ أَبِيهِ بِحَالِ مَنْ أَدَّى دَيْنَهُ كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُفْسَخْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ دُونَ الْمَعْضُوبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ جَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَنْهَضُ وَلَمْ يَحُجَّ وَعَنْ الْمَيِّتِ أَنَّهُ جَائِزٌ لِابْنِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ وَيُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الْأَعْمَى الَّذِي يَجِدُ مَنْ يَهْدِيهِ السَّبِيلَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ غَيْرُهُ عَنْهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَالْمَعْضُوبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَهَذَا قَدْ اسْتَطَاعَ السَّبِيلَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ غَيْرَهُ كَالْبَصِيرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْحَجُّ فِي الْبَحْرِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ لَا سَبِيلَ لَهُ غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنْ كَانَ بَحْرًا مَأْمُونًا يَكْثُرُ سُلُوكُهُ لِلتِّجَارَاتِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ بَحْرًا مَخُوفًا تَنْدُرُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلَا يَكْثُرُ رُكُوبُ النَّاسِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ فَرْضَ الْحَجِّ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَجَّ فِي الْبَحْرِ إلَّا لِمِثْلِ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ لَهُ طَرِيقًا غَيْرَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَحْرَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي غَيْرِ الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَلْحَقُ النَّاسَ فِيهِ مِنْ الْعَجْزِ مَا يَعْجِزُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ فِي الْبَحْرِ لَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ. وَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14] فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي التِّجَارَاتِ فَبِأَنْ يَجُوزَ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَقَدْ أُبِيحَ لَنَا السَّفَرُ فِي الْبَرِّ وَمَوَاضِعَ يُعْدَمُ فِيهَا الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ الَّتِي مَقْصُودُهَا الصَّلَاةُ.

[ما جاء فيمن أحصر بعدو]

مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ حُبِسَ بِعَدُوٍّ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا أَفَأَحُجُّ عَنْهُ سُؤَالٌ مِنْهَا عَنْ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَالْعِبَادَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا وَعِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالْجَسَدِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَعِبَادَةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَرَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِئْجَارِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ وَإِنَّمَا لِلْمَيِّتِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ نَفَقَتُهُ إنْ أَوْصَى أَنْ يُسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ تَطَوَّعَ عَنْهُ بِذَلِكَ أَحَدٌ فَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ وَفَضْلُهُ وَهَذَا وَجْهُ انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالْحَجِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ أَظُنُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَنْفُذُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَأْجَرُ إلَّا مَنْ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَيْضًا لَا يَحُجُّ عَنْهُ صَرُورَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُعْتَقٌ بَعْضُهُ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوصِي لَمَا اُعْتُبِرَتْ صِفَةُ الْمُبَاشِرِ لِلْحَجِّ، وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بِمَنْعِ النِّيَابَةِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَالَ: أَمَّا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ عَنْهُ فَلَا نَرَى ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ يُهْدِي عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ عَنْهُ أَوْ يُعْتِقُ عَنْهُ فَفَاضَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفَقَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهَا بِالْإِجَارَةِ كَالزَّكَاةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَكُونُ النِّيَابَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَسْنَا نَعْنِي بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِحَجَّةِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا نُرِيدُ بِذَلِكَ التَّطَوُّعَ فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهِ دُونَ فَرْضِهِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُسْتَأْجَرُ لِلْحَجِّ عَبْدٌ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَالنَّفَلُ يَصِحُّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِنَابَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ. فَوَجْهُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِنَابَةَ مَكْرُوهَةٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهَا تُوُفِّيَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ مَنْ حُبِسَ بِعَدُوٍّ عَنْ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْحَجِّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَيَقَّنَ بَقَاءَهُ وَاسْتِيطَانَهُ لِقُوَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَالْيَأْسِ مِنْ إزَالَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَبْسًا وَيَحِلُّ حَيْثُ حُبِسَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ وَقْتِ الْحَجِّ مِقْدَارُ مَا يَهِمُ أَنَّهُ لَوْ زَالَ الْعَدُوُّ لَأَدْرَكَ الْحَجَّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ مَحْصُورًا حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ مِقْدَارُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ زَالَ الْعَدُوُّ لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ فَيَحِلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحِلُّ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْحَجِّ بِعَدُوٍّ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرُوحَ النَّاسُ إلَى عَرَفَةَ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا وَقْتُ يَأْسٍ مِنْ إكْمَالِ حَجِّهِ بِعَدُوٍّ غَالِبٍ فَجَازَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ فِيهِ أَصْلُ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ الْإِحْرَامِ بِمَا يُمْكِنُهُ وَالْتِزَامُهُ لَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ الْوَقْتُ الَّذِي يَجُوزُ لِلْحَاجِّ التَّحَلُّلُ بِمَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فِي الْعُمْرَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقِيمُ وَيَتَرَبَّصُ رَاجِيًا زَوَالَ الْعَدُوِّ مَا لَمْ يَضُرَّ الِانْتِظَارُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَ الْعَدُوِّ إلَّا فِي مُدَّةٍ يَلْحَقُهُ بِمِثْلِهَا الضَّرُّ رَحَلَ وَهُوَ مِثْلُ الْحَجِّ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هَذَا فِي الْعَدُوِّ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ، وَأَمَّا الْعَدُوُّ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمُسْتَوْطِنِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ تُرْجَى إبَاحَتُهُ لِلطَّرِيقِ فَإِنَّ التَّوَقُّفَ فِي ذَلِكَ وَمُحَاوَلَتَهُ يَجْرِي عِنْدِي مَجْرَى رَجَاءِ زَوَالِهِ وَمُحَاوَلَتِهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَهُ وَلَا إبَاحَتَهُ لِلطَّرِيقِ جَازَ الْإِحْلَالُ بِنَفْسِ ظُهُورِهِ وَتَغَلُّبِهِ وَمَنْعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْإِحْصَارُ لَا يَكُونُ إلَّا عَمَّا لَا يَتِمُّ النُّسُكُ إلَّا بِهِ وَهُوَ فِي الْعُمْرَةِ الْبَيْتُ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْحَجِّ مَعَ ذَلِكَ عَرَفَةُ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَيَنْتَظِرُ أَيَّامًا فَإِنْ زَالَ الْعَدُوُّ وَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ طَافَ وَإِلَّا حَلَّ وَانْصَرَفَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ نُسُكِهِ بِمَا يُمْكِنُهُ وَمَا حُصِرَ عَنْهُ تَحَلَّلَ وَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ جَمِيعِ النُّسُكِ فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأُحْصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ دُونَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى وَيُؤَخِّرَ الْحِلَاقَ فَإِنْ يَئِسَ مِنْ زَوَالِ الْعَدُوِّ أَوْ طَالَ انْتِظَارُهُ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُهُ بِهِ الضَّرَرُ حَلَقَ وَحَلَّ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَهُ مَتَى مَا حُصِرَ فَتَرْكُ مَا مُنِعَ مِنْهُ جَائِزٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ النُّسُكِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بِالْإِحْرَامِ لَهُ وَلَهُ إذَا تَحَلَّلَ حُكْمُ الْحَاجِّ لَا حُكْمُ الْمُعْتَمِرِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ وَكَذَلِكَ فَعَلَ سَائِرُ أَصْحَابِهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ وَحَلَقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَلَقَ فَأَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ النُّسُكِ بِمَا أَمْكَنَهُ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَفُتْهُ وَإِنَّمَا عَمِلَ عَمَلَهُ لِلْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا عَمَلُهُ لِلْحَجِّ وَقَدْ كَانَ يَحْكُمُ لَهُ بِتَمَامِ حَجِّهِ دُونَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَقَدْ طَافَ وَسَعَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَحَالَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ فَلْيَحُلَّ وَيَنْصَرِفْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ وَلَا سَعْيٌ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْوُرُودِ سَاقِطٌ عَنْهُ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا مُنِعَ مِنْهُ بِالْحَصْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَى قُرْبِ مَكَّةَ وَمَمْنُوعٌ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ فَلَهُ عِنْدِي أَنْ يَحِلَّ بِمَوْضِعِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ مَنَعَ الطَّرِيقَ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ طَرِيقًا أُخْرَى فَيَسْلُكَ حَيْثُ لَا تَسْلُكُ وَيَمُرَّ بِالْأَثْقَالِ حَيْثُ لَا يَمُرُّ بِهَا وَلَا يَرْكَبَ الْمَخَاوِفَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هَذَا فَهُوَ مَحْصُورٌ وَإِنْ كَانَ وَجَدَ سَبِيلًا آمِنَةً مَسْلُوكَةً وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ فَلَيْسَ بِمَحْصُورٍ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَصِلُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الطَّرِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ عَلِمَ بِالْحَصْرِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا يُحْرِمُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَحْصُورِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْمَنْعِ، وَأَحْرَمَ فَقَدْ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ لِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِيهِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ فَتَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ» وَعِلَّةُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِيَدٍ ظَالِمَةٍ غَالِبَةٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ بِمَحْصُورٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَقَدْ كُنْت عِنْدَ مَالِكٍ فِي نَفَرٍ مُحْرِمِينَ اُتُّهِمُوا فِي دَمٍ فِيمَا بَيْنَ الْأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ فَرُدُّوا إلَى الْمَدِينَةِ وَحُبِسُوا فَسَأَلَ مَالِكٌ عَنْهُمْ وَأُخْبِرَ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُحِلُّهُمْ إلَّا الْبَيْتُ فَأَمَّا الْحَبْسُ فِي الدَّيْنِ وَالتُّهْمَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ لَا يَسْتَدِيمُ الْمَنْعُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ اقْتِضَاءَ حَقٍّ يُتَرَقَّبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَدَاؤُهُ وَالتَّخَلُّصُ مِنْهُ، وَأَهْلُ التُّهَمِ مُتَرَقَّبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ظُهُورُ بَرَاءَتِهِمْ مِنْهَا أَوْ إقْرَارُهُمْ بِالْحَقِّ فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ مَعَ أَنَّ الْحَابِسَ بِيَدِ حَقٍّ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ تُحْرِمُ فِي تَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ أَنْ يُحِلَّهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِوَجْهِ حَقٍّ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ وَأَمَّا الْمَسْجُونُ فِي دَيْنٍ أَوْ تُهْمَةٍ فَإِنَّ الْحَابِسَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْعُهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ عِلَّةُ جَوَازِ الْمُحْصَرِ غَيْرَ عِلَّةِ جَوَازِ تَحَلُّلِ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ تَجْمَعُهُمْ عِلَّةٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَمْنُوعٌ بِيَدٍ غَالِبَةٍ تَقْصِدُ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ فَكَانَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ الْمَنْعَ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ عَامٍّ فَلَهُ حُكْمُ الْمُحْصَرِ وَإِذَا كَانَ بِسَبَبٍ خَاصٍّ كَالْمَسْجُونِ فِي حَقٍّ أَوْ الَّذِي مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ أَخْطَأَ الْعَدَدَ فَهَذَا سَبَبُهُ خَاصٌّ فَلَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ سَبَبِ الْحَصْرِ فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ وَمَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ التَّحَلُّلَ كَالْمَرَضِ وَمَا أَشْبَهَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ قَدْ سَاقَهُ وَأَمَّا تَحَلُّلُهُ لِلْحَصْرِ فَلَا يُوجِبُ هَدْيًا عِنْدَ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَحَلُّلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ عَارٍ مِنْ التَّفْرِيطِ وَإِدْخَالِ النَّقْصِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ هَدْيٌ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَكْمَلَ حَجَّهُ، وَدَلِيلٌ ثَانٍ يَخْتَصُّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحَرُّمٌ وَتَحَلُّلٌ فَإِذَا سَقَطَ قَضَاؤُهَا بِالْفَوَاتِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ جُبْرَانُهَا كَالصَّلَاةِ إذَا سَقَطَ قَضَاؤُهَا لِفَوَاتِ الْإِتْيَانِ بِهَا بِالْحَيْضِ وَالْإِغْمَاءِ سَقَطَ جُبْرَانُ الْفَوَائِتِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ وَمَنْ تَابَعَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] قَالَ وَهَذَا مِمَّنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ، وَقَدْ خَالَفَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَشْهَبَ فِي هَذَا، وَقَالُوا الْإِحْصَارُ إنَّمَا هُوَ إحْصَارُ الْمَرَضِ وَأَمَّا الْعَدُوُّ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ: حُصِرَ حَصْرًا فَهُوَ مَحْصُورٌ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الْفَرَّاءُ إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ أَحَصَرَهُ الْمَرَضُ وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُقَالُ: حَصَرَهُ إلَّا فِي الْعَدُوِّ وَحْدَهُ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْإِحْصَارِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَيْهِمَا فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ حَكَى عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: أُحْصِرَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَمَا كَانَ مِنْ سِجْنٍ أَوْ حَبْسٍ قِيلَ: فِيهِ أُحْصِرَ فَهُوَ مَحْصُورٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: أُحْصِرَ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ فِيهِ حُصِرَ فَهُوَ مَحْصُورٌ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ قُبِرَ الرَّجُلُ إذَا دُفِنَ وَأَقْبَرَ الرَّجُلَ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا وَمَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْعَدُوِّ: أُحْصِرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاللِّسَانِ مَعَ التَّقَدُّمِ وَالْعِلْمِ، وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَرَضُ دُونَ الْعَدُوِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَالْمَحْصُورُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَنَحَرُوا الْهَدْيَ وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ الْهَدْيُ» ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لِشَيْءٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] مَعْنَاهُ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. وَإِذَا كَانَ هَذَا وَارِدًا فِي الْمَرَضِ فَلَا خِلَافَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ فِيمَنْ وَرَدَ فِيهِ وَسَطُهَا وَآخِرُهَا لِاتِّسَاقِ الْكَلَامِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَانْتِظَامِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَرُجُوعِ الْإِضْمَارِ فِي أَجْزَاءِ الْآيَةِ إلَى مَنْ خُوطِبَ فِي أَوَّلِهَا، فَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْعُدُولِ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ يُرِيدُ حَيْثُ انْتَهَى سَفَرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْحَرُ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ وَإِذَا كَانَ تَحَلُّلُهُ وَحَلْقُ رَأْسِهِ فِي الْحِلِّ فَكَذَلِكَ نَحْرُ هَدْيِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي الرُّتْبَةِ عَلَى الْحِلَاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ عُمْرَتَهُ أَوْ حَجَّتَهُ الَّتِي تَحَلَّلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ تَحَلُّلَهُ مِنْهُمَا إذَا حُصِرَ عَنْ بُلُوغِ الْغَايَةِ مِنْهُمَا مُسْقِطٌ لِمَا وَجَبَ مِنْهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ إتْمَامِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَتَجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ أَرَادَهَا بِهَا وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ بِيَدٍ غَالِبَةٍ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَصْلُهُ الْعَبْدُ يُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ تُحْرِمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ» يُرِيدُ أَنَّهُ تَحَلَّلَ بِذَلِكَ مِنْ عُمْرَتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا فَنَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ، ثُمَّ حَلَقَ بِهَا رَأْسَهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَفَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْقُوا مِنْ الْإِحْرَامِ شَيْئًا عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى إمَاطَةِ الْأَذَى وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ وَيَثْبُتُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ حَلُّوا الْحِلَّ كُلَّهُ وَخَرَجُوا عَنْ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ إلَى حُكْمِ التَّحَلُّلِ الْمُطْلَقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ يُرِيدُ أَنَّ إحْلَالَهُمْ كَانَ قَبْلَ وُصُولِ الْهَدْيِ مَحِلَّهُ وَهُوَ مَوْضِعُ نَحْرِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ النُّسُكِ مِنْ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْيِينَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَأَنَّ تَحَلُّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ فَيَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الصَّدَّ إنَّمَا كَانَ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَوْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ لَمَا كَانَ مَحْصُورًا وَلَكَانَ نُسُكُهُ قَدْ كَمُلَ عَلَى وَجْهِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لِشَيْءٍ يُرِيدُ مَالِكٌ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَصَابَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِثْلَ هَذَا فِي مَحْفِلٍ عَظِيمٍ وَعَدَدٍ كَثِيرٍ وَمَشْهَدٍ مَشْهُورٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إلَّا بِإِيجَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُحَالٌ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَلَا يَبْلُغُنَا مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَتَوَاتُرِ جَمْعِهِمْ وَتَحَدُّثِهِمْ بِمَا جَرَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى» قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْأَحْوَالِ لِشُهْرَةِ الْمَشْهَدِ وَسُؤَالِ التَّابِعِينَ لَهُمْ عَنْهُ وَقَدْ أَوْرَدُوا مِنْ حَالِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ مَا لَا تَبْلُغُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مَبْلَغَهَا إلَى هَذَا صِفَةِ مَسِيرِهِمْ وَلِقَاءِ مَنْ لَقُوهُ وَمَا لَقِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صِفَةِ الْمَنْعِ وَأَسْمَاءِ الْوَارِدِينَ عَنْ قُرَيْشٍ وَنَصِّ أَلْفَاظِهِمْ وَمُرَاجَعَتِهِمْ وَجَوَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ فِيهِ وَعِدَّةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ فَكَيْفَ بِهَذَا الْحُكْمِ، مَعَ عَظِيمِ شَأْنِهِ وَشُمُولِ الْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ حُكْمِهِ وَامْتِثَالِهِ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا فَهَذَا كَانَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ فَإِذَا لَمْ يُنْقَلْ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ اهْتِبَالِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَقْلِ أَحْكَامِهِ وَاهْتِمَامِ التَّابِعِينَ بِسُؤَالِهِمْ عَنْهَا وَنَقْلِهِمْ لَهَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَاءٍ وَإِذَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ صَحَّ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ. وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ الْعَدَدَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَوْ لَزِمَ الْقَضَاءُ لَلَزِمَ جَمِيعَهُمْ وَلَوَجَبَ أَنْ يُلْقِيَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جَمِيعِهِمْ إلْقَاءً شَائِعًا يَعُمُّهُمْ عِلْمُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ فِي مُسْتَقَرِّ الْعَادَةِ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْنَا إمَّا بِطَرِيقِ تَوَاتُرٍ أَوْ طَرِيقِ آحَادٍ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْنَا هَذَا مِنْ أَمْرِهِ مَعَ مَا يَلْزَمُ مِنْ شُمُولِهِ وَعُمُومِهِ لَجَازَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْنَا أَكْثَرُ غَزَوَاتِهِ وَمَشَاهِدِهِ وَمَقَامَاتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي أَكْثَرِهَا لَمْ يَبْلُغُوا هَذَا الْعَدَدَ الَّذِي لَزِمَهُمْ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَوَامِرِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا لَعَلَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا نَاقِلُهُ خَاصَّةً أَوْ سَمِعَهُ مَعَهُ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ إلَيْنَا مَا شَمِلَ جَمِيعَهُمْ عِلْمُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ،. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي حَالِ الْفِتْنَةِ يُرِيدُ فِتْنَةَ الْحَجَّاجِ وَنُزُولِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنَّهُ يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ وَيَرْجِعُ وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ نُسُكُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا لَمَا دَخَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِفَوَاتِ النُّسُكِ وَإِبْطَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَتَيَقَّنْ نُزُولَ الْجَيْشِ بِابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ أَحْرَمَ، وَإِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ يَتَّقِيهِ وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ وَإِنْ كَانَ تَيَقَّنَ نُزُولَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ صَدَّهُمْ لَهُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِزَالِ الطَّوَائِفِ وَتَرْكِ التَّلَبُّسِ بِالْفِتْنَةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ تَيَقَّنَ الْعَدُوَّ الْمَانِعَ لَمَا جَازَ أَنْ يُحْرِمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ فَيَكُونُ كَالْقَاصِدِ لِغَيْرِ الْبَيْتِ بِنُسُكِهِ أَوْ مُلْتَزِمًا لِتَمَامِ النُّسُكِ وَمُطَّرِحًا لِلْإِحْلَالِ بِالْحَصْرِ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إتْمَامُ نُسُكِهِ وَلَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنْ يُصَدَّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِمْ مُحَارِبًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْعُمْرَةَ وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْشٌ تَمْنَعُ مِنْ قَصْدِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَهَلَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ امْتَثَلَ نُسُكَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْتِيَ مِنْ التَّحَلُّلِ دُونَ الْبَيْتِ إنْ صُدَّ عَنْهُ بِمَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ وَلَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ لَمَّا خَافَ أَنْ يَكُونَ آكَدَ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي ذَلِكَ وَأَلَّا يَكُونَ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ مِنْ الرُّخْصَةِ بِالتَّحَلُّلِ مَا لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ

[ما جاء فيمن أحصر بغير عدو]

مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ شَيْءٍ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا أَوْ الدَّوَاءِ صَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَدَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنَّهُ تَأَمَّلَ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَمَا كَانَ يُرِيدُهُ مِنْ الْحَجِّ وَيُسْرِ حَالِهِمَا فَرَأَى أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا نُسُكَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِالْبَيْتِ فَإِذَا كَانَ التَّرَخُّصُ بِالتَّحَلُّلِ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ فِي الْآخَرِ مِثْلُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ التَّحَلُّلُ فِي الْعُمْرَةِ وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَبِأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ أَوْلَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنَّ أَمْرَهُمَا وَاحِدٌ وَهَذَا حُكْمٌ بِالْقِيَاسِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أَعْلَمَهُمْ بِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ لِيُنَبِّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْقَضِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَنْ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُهُ وَيُنَبِّهَ عَلَى مَوَاضِعِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ فَأَرْدَفَ عَبْدُ اللَّهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَنَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى الطَّوَافَ الْوَاحِدَ أَجْزَأَ عَنْ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إذْ كَانَ قَدْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَقُولُ لَا تُجْزِئُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَكَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ مِثْلُ حُكْمِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا جَازَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أُحْصِرَ فِي الْعَدُوِّ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَلَمْ تُغَيِّرْهَا الرُّوَاةُ فَإِنَّهَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ إنَّ لَفْظَةَ أُحْصِرَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ وَحُصِرَ لَا يُقَالُ: إلَّا فِي الْعَدُوِّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْفَرَّاءِ فِي ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ وَأَمَّا مَنْ مَلَكَهُ غَيْرُهُ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُمَا يُحِلَّانِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إذَا مَنَعَهُمَا مَنْ لَهُ الْمَنْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لِتَمَامِهِ اسْتِدَامَةُ الْمَنْعِ وَالْإِذْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ التَّحَلُّلُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا تَلَبُّسٌ بِالْحَجِّ لَمْ يُصَدَّ عَنْهُ بِيَدٍ غَالِبَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ دُونَ الْبَيْتِ كَمُخْطِئِ الْوَقْتِ أَوْ مُخْطِئِ الطَّرِيقِ وَالِاسْتِدْلَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا وُضِعَ لِلتَّخَلُّصِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّحَلُّلِ كَالْعَدُوِّ الْمَانِعِ فَشُرِعَ التَّحَلُّلُ لِلسَّلَامَةِ مِنْهُ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ وَالْمَرِيضُ لَا يَتَخَلَّصُ بِتَحَلُّلِهِ مِنْ مَرَضِهِ فَلَمْ يَشْرَعْ لَهُ التَّحَلُّلُ كَالْمَسْجُونِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ شَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ التَّحَلُّلَ لِلْمَرَضِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ إلَّا أَنْ يَبْدُو لِي، وَتَعَلَّقَ مَنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الِاشْتِرَاطِ بِمَا رَوَاهُ أَنَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: الْمُحْرِمُ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت إلَى مَكَّةَ حَتَّى إذَا كُنْت بِبَعْضِ الطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي فَأَرْسَلْت إلَى مَكَّةَ وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالنَّاسُ فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ أَنْ أُحِلَّ فَأَقَمْت عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى أَحْلَلْت بِعُمْرَةٍ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مَعْبَدَ بْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَوَجَدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرَ لَهُمْ الَّذِي عَرَضَ لَهُ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَيُهْدِي مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ «أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ فَكَيْفَ أَقُولُ؟ فَقَالَ قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ» فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا وَمَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي الْمَوْتَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ عَلَيْهِ إتْمَامُ نُسُكِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ حَيْثُ تَحْبِسُنِي بِعَدُوٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا مَحِلِّي أَيْ مَكَانَ مَقَامِي حَيْثُ تَحْبِسُنِي عَنْ التَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِذَا زَالَ الْمَرَضُ تَوَجَّهْت إلَيْهِ وَأَكْمَلْت نُسُكِي وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهَا وَمَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي فَهَذَا ظَاهِرُهُ الْمَكَانُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ الدُّعَاءَ بِالْعَوْنِ وَالِاعْتِرَافَ بِالْعَجْزِ مَعَ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي بُلُوغِ الْغَرَضِ مِنْ إتْمَامِ الْعِبَادَةِ لِمَا يُخَافُ مِنْ عَوَائِقِ الْمَرَضِ تُرِيدُ إنِّي يَا رَبِّ خَارِجَةٌ رَجَاءَ عَوْنِك عَلَى الْبُلُوغِ إلَى قَضَاءِ نُسُكِي فَإِنْ حَبَسْتنِي دُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي إنَّمَا أُمْسِكُ عَنْ التَّمَادِي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَسَلَبْتَنِي الْقُوَّةَ عَلَى السَّعْيِ إلَى قَضَاءِ نُسُكِي وَهَذَا غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ صِفَةِ الْبَانِي عَلَى إحْرَامِهِ إذَا أُحْصِرَ بِمَرَضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ اسْتِدَامَةَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَمْ يَفُتْهُ فِيهِ الْحَجُّ كَانَ طَوَافُهُ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِحَجَّةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَكَانَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ يَطُوفُ بِهَا وَيَسْعَى، ثُمَّ يَتَحَلَّلُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ فَمَتَى وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ طَافَ لَهَا وَسَعَى وَتَحَلَّلَ مِنْهَا. (فَرْعٌ) وَلَوْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ بَعْدَ مَا طَافَ لِحَجِّهِ وَسَعَى فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ يَطُوفُ وَيَسْعَى لِلْعُمْرَةِ الَّتِي يُحِلُّ بِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ إلَّا بِنُسُكٍ كَامِلٍ، وَأَقَلُّ النُّسُكَيْنِ الْعُمْرَةُ، وَلَمَّا كَانَتْ لَا تَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَدْخُلْهَا الْفَوَاتُ كَانَ تَحَلُّلُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِهَا لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ لَازِمًا لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَّا بِتَمَامِ نُسُكٍ، وَكَانَ الْحَجُّ يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ لَمْ يَصِحَّ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِعُمْرَةٍ وَلَمَّا كَانَ طَوَافُ هَذَا الْمُحْصَرِ وَسَعْيُهُ لِحَجِّهِ الَّذِي فَاتَهُ لَزِمَهُ اسْتِقْبَالُ طَوَافٍ وَسَعْيٍ لِلْعُمْرَةِ الَّتِي تَحَلَّلَ بِهَا وَلَمْ يَنُبْ طَوَافُ الْحَجِّ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مَعْبَدَ بْنَ حُزَابَةَ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِينَ لَهُ، ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ يَقْتَضِي أَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي سُؤَالِهِ وَعَرَفُوا ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ وَلَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَجٍّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفُوا صِفَةَ إحْرَامِهِ لَمَا أَفْتَوْهُ حَتَّى سَأَلُوهُ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْتَضَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي أَمْرِهِ مِنْ الْحَالِّينَ عَلَى الْمَاءِ إنْ كَانَ يَحْضُرُ مَوْضِعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَوَجَدَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْوَانَ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُسْتَفْتَى وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ جَازَ أَنْ يُفْتِيَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ التَّدَاوِي لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَرَضِهِ) ذَلِكَ وَلِكَسْرِهِ مِنْ طَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَفْتَدِي إنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ وَكَذَلِكَ إنْ احْتَاجَ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ خِرْقَةً فَإِنَّهُ يَرْبِطُهَا وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ يُحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَرَضُهُ يَدُومُ بِهِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ فَإِذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ لِفَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَفَوَاتِ كَثِيرٍ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةِ وَالْوُقُوفُ بِهَا وَالْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الْجِمَارِ بِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِنُسُكٍ يَتَحَلَّلُ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْعُمْرَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعِهِ أَوْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَإِنْ أَرَادَ الْمَقَامُ بِمَوْضِعِهِ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَقَدُّمِهِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ مَعْنًى يُوجِبُ عَلَيْهِ التَّعَجُّلَ فَكَانَ لَهُ الِارْتِفَاقُ بِمَقَامِهِ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ إنْ كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُ فَيُقِيمَ عِنْدَهُمْ حَرَامًا حَتَّى يَقْوَى عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِذَا كَانُوا بَعِيدًا فَلْيَقُمْ بِمَوْضِعِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ طَرِيقَهُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ حَوَائِجِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْأَسْفَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَبَى الْمَقَامُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَحُجُّ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِمَشَقَّةِ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَإِنْ أَبَى وَسَهُلَ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ اسْتِصْحَابُ الْإِحْرَامِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأَتَمَّ حَجَّهُ هَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ يُهْدِي احْتِيَاطًا. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّحَلُّلِ الَّذِي قَبْلَ إكْمَالِ النُّسُكِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَتَحَلَّلْ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُتِمَّهُ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنْ يَكُونَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّبْرِ لِأَدَاءِ الْإِحْرَامِ عَامًا كَامِلًا لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْهَدْيَ فَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا أَهْدَى خَالِصًا لِإِتْمَامِ الْعِبَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ تَدْخُلْ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ لِلْبَقَاءِ إلَى هَذَا الْعَامِ وَإِنَّمَا أَحْرَمَ لَهُ لِلْعَامِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا فَاتَهُ كَانَ التَّحَلُّلُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي وَإِذَا دَخَلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِدُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِهَا فَلَمَّا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَيْهَا كَانَ مُلْتَزِمًا لِلْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِهِ الْآنَ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْعَامِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَحَلُّلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْإِحْرَامِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يُحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا يَسْتَدِيمَ فِيهَا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ إذْ الْإِحْرَامُ بِهِ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَإِذَا اسْتَدَامَ الْإِحْرَامَ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مُدَّةِ كَرَاهِيَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَدَخَلَ فِي مُدَّةٍ تَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مَعَ قُرْبِ وَقْتِ الْحَجِّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ الْحَجِّ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ التَّحَلُّلَ لِمَشَقَّةِ اسْتِصْحَابِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَقَدْ زَالَتْ الْمَشَقَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يُشْرَعُ وَقْتًا لِلْإِحْرَامِ. (مَسْأَلَةٌ) :

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ قَالَ مَالِكٌ. وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ وَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يُحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا ثُمَّ يَحُجَّانِ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَانِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنْ الْحَجِّ بَعْدَمَا يُحْرِمُ إمَّا بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ بِخَطَأٍ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ كَسْرٌ أَوْ بَطْنٌ مَخُوفٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَطْلُقُ قَالَ فَمَنْ أَصَابَهُ هَذَا مِنْهُمْ فَهُوَ مُحْصَرٌ يَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا هُمْ أُحْصِرُوا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ بَقِيَ حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فَإِنْ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً: فَسْخُهُ بَاطِلٌ، وَقَالَ مَرَّةً إنْ جَهِلَ فَفَعَلَ صَحَّ تَحَلُّلُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّحَلُّلِ فَلَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ لَوْ تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ، وَأَصْلُهُ مَنْ أَحْرَمَ فِي هَذَا الْعَامِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَصَحَّ تَحَلُّلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا تَحَلَّلَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ تَحَلُّلِهِ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ عُمْرَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ تَرَخَّصَ فِيهِمَا بِتَرْكِ السَّفَرَيْنِ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً وَإِنَّمَا تَحَلَّلَ بِهَا مِنْ حَجَّةٍ فَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ حُكْمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعُمْرَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْصُودَةٍ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ أَرَادَ التَّقَدُّمَ إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَزِمَهُ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَرَاهِيَةِ اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَحُجَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ حَلَّ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ قَضَاءً عَنْ حَجَّتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا وَمُنِعَ مِنْ إتْمَامِهَا وَيُجْزِئُ ذَلِكَ مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى مَا دَخَلَ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنُوبَ عَمَّا كَانَ أَحْرَمَ بِهِ. (ش) : احْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِيَارُهُ هُوَ فِي الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا أَيُّوبَ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِين فَاتَهُمَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ قَدْ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَكَانَ هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَدْ أَخْطَأَ الْعِدَّةَ فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ يَرَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَمَرَهُمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَقْضِيَا الْحَجَّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَا فَرَأَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حُكْمَ الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ حُكْمُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ عَنْ إتْمَامِ نُسُكٍ دُونَ يَدٍ غَالِبَةٍ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ حُبِسَ عَنْ تَمَامِ حَجِّهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِهِ، وَكَانَ حَبْسُهُ ذَلِكَ بِمَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُرِيدُ مِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرَضِ فِي الْأَعْذَارِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الطَّرِيقَ وَلَا هِيَ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِكِينَ وَأَمَّا الَّذِي يُخْطِئُ الْعَدَدَ، مِثْلُ أَنْ يَظُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَخْفَى عَلَيْهِ الْهِلَالُ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ فِي خَطَأِ الْعَدَدِ فَإِنَّ خَطَأَ الْعَدَدِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ خَفَاءِ الْهِلَالِ مِثْلُ أَنْ يُخْطِئَ فَيَظُنَّ يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ الْحَجُّ فَإِنَّ هَذَا مُحْصَرٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ يُرِيدُ مِنْ التَّمَادِي إلَى الْبَيْتِ وَأَنَّهُ لَا يُحِلُّ دُونَهُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْهَدْيَ وَالْمُحْصَرُ عِنْده هُوَ الَّذِي لَمْ يُمْنَعْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ سَبَبُ الْمَنْعِ وَأَمَّا الْمَمْنُوعُ فَهُوَ مَحْصُورٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَهَلَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ سَبَبٌ مَانِعٌ مِثْلُ أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَدِمَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى إذَا قَضَى عُمْرَتَهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ كُسِرَ أَوْ أَصَابَهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يُقِيمَ حَتَّى إذَا بَرَأَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُحِلُّ ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ مَرِضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَحْضُرَ مَعَ النَّاسِ الْمَوْقِفَ قَالَ مَالِكٌ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنْ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نَوَاهُ لِلْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ يَعْمَلُ بِهَذَا وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْمُحْرِمُ يُصِيبُهُ كَسْرٌ أَوْ انْطِلَاقُ بَطْنٍ أَوْ تَكُونَ امْرَأَةٌ حَامِلٌ تُطْلِقُ يُرِيدُ يُصِيبُهَا وَجَعُ النِّفَاسِ فَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ مَعَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَرَفَةَ فَإِنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَكِّيِّ الَّذِي أَصَابَهُ هَذَا حُكْمُ أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا أُحْصِرُوا عَنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا إحْصَارَ عَلَى الْمَكِّيِّ وَإِنْ نَعَشَ نَعْشًا قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى النَّعْشِ إلَى عَرَفَةَ وَغَيْرِهَا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ هَذَا عَاجِزٌ عَنْ إتْمَامِ نُسُكِهِ وَفِعْلِ مَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ بِمَرَضٍ فَكَانَ مُحْصَرًا، أَصْلُ ذَلِكَ غَيْرُ الْمَكِّيِّ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَالتَّمَكُّنُ فِي غَالِبِ الْحَالِ عِنْدَهُ مِنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَبُلُوغِ الْمَنَاسِكِ وَإِنْ تَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ الْمُؤَنَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْعَادَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ هَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَكُونُ عَلَيْهِ مَا عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ إذَا أُحْصِرُوا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ الْقَضَاءِ وَالْهَدْيِ. وَقَدْ رَوَى دَاوُد بْنُ سَعِيدٍ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فَقِيلَ لِمَالِكٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَطَرَحَ عَنْهُمْ هَدْيَ التَّمَتُّعِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فَإِنْ {أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فَالْمَكِّيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَحَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ عَزَمَ عَلَى التَّمَتُّعِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ أُحْصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ يُرِيدُ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِهَا بِكَسْرٍ أَوْ أَمْرٍ يَمْنَعُهُ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَرَى أَنْ يُقِيمَ يُرِيدُ عَلَى إحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا قَوِيَ وَاسْتَطَاعَ الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ خَرَجَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ فَاتَهُ وَلَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ وَمِنْ شَرْطِهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَهُوَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ الْحَرَمِ وَجَمَعَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِيَأْتِيَ بِشَرْطِ الْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ لِلْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ عُمْرَتِهِ الَّتِي يَتَحَلَّلُ بِهَا وَهِيَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ الْإِحْرَامِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ قَضَاءً عَنْ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَهَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِإِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِيهَا أَمْ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ لَمْ يَتِمَّ. (ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وُرُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ وَلَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِمَا شَاءَ مِنْ الطَّوَافِ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَكُنْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَتَنَفَّلُ بِهِ بِإِثْرِ طَوَافِ تَنَفُّلٍ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَكُونَ بِإِثْرِ طَوَافٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا طَوَافَ فِي الْحَجِّ إلَّا طَوَافُ الْوُرُودِ أَوْ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْحَاجِّ مِنْ مَكَّةَ طَوَافُ الْوُرُودِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَيَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ السَّعْيِ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَلَّ بِعُمْرَةٍ وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافًا آخَرَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ وَسَعْيَهُ إنَّمَا كَانَ نَوَاهُ لِلْحَجِّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ) . مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ يَشْتَمِلُ عَلَى طَوَافٍ وَسَعْيٍ فَكَانَ حُكْمُهُ الْإِتْيَانَ بِهِمَا بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْعُمْرَةِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَقَدَّمَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فَقَدْ أَتَى بِالسَّعْيِ بِإِثْرِ طَوَافٍ لَمْ يُشْرَعْ لِلْحَجِّ بَلْ هُوَ طَوَافٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا فَعَلَهُ لِلْحَجِّ فَلَمْ يَأْتِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُعِدْ السَّعْيَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ عَقِيبَ طَوَافٍ فَوُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْإِجْزَاءِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِلنَّقْصِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ بِإِتْيَانِهِ عَقِيبَ طَوَافٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ لِلْحَجِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ يُرِيدُ إنْ تَمَادَى بِهِ عُذْرُهُ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَطَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ وَلَمْ تَخْتَرِمْهُ مَنِيَّةٌ قَبْلَ الِاسْتِطَاعَةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَقَدْ حَلَّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ تَنْبِيهًا عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ بِالْحَجِّ وَيَنْوِي أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ، فَلِذَلِكَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي نُسُكِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ لِحَجِّهِ مِنْ الْحِلِّ لَمَا احْتَاجَ الْآنَ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ يَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ الَّذِي أَتَى بِهِمَا لِلْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُحْصَرَ لَا يُجْزِئَانِهِ لِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ، وَالْهَدْيُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَضَاءِ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ وَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِفَوَاتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ يُرِيدُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوُرُودِ فَيَطُوفُ لَهُ وَيَسْعَى بِإِثْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يَخْلُو أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ مِنْ الْحِلِّ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحَرَمِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فِي تَأْخِيرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْحَرَمِ فَيَكُونُ لَهُ طَوَافُ الْوُرُودِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ فَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْحَرَمِ مِنْ الْحِلِّ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْوُرُودِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِلنُّسُكِ الَّذِي دَخَلَ بِهِ فَيَتَعَقَّبُ السَّعْيَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرِ التَّعْلِيل وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَدِمَ إلَى مَكَّةَ دُونَ مَنْ كَانَ بِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَدِمَ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ أَنَّ عَلَيْهِ طَوَافَ الْوُرُودِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ مَكَّةَ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِمْ دُونَ أَهْلِ الْحَرَمِ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِمْ لِلْقِرَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا كَرَّرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْفَصْلَ أَنَّ مَنْ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ أَنْ طَافَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ وَسَعَى فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِعُمْرَتِهِ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا طَافَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ وَسَعَى طَوَافًا وَسَعْيًا غَيْرَ مَشْرُوعَيْنِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ مَشْرُوعَانِ فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِلْعُمْرَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِهِمَا جَمِيعًا لِعُمْرَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ أَتَى بِهِمَا لِحَجَّتِهِ فَلَا يُجْزِئَانِهِ لِعُمْرَتِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -.

[ما جاء في بناء الكعبة]

عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ قَالَتْ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْت» قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أُرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَا أُبَالِي أَصَلَّيْت فِي الْحِجْرِ أَمْ فِي الْبَيْتِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ بَنَوْا الْبَيْتَ عَلَى بَعْضِ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَهِيَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ الَّذِي أَسَّسَهُ بِهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَمْ تَسْتَوْعِبْ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَوْا الْبَيْتَ الْبُنْيَانَ الَّذِي كَانَ بِهَا حِينَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ شَهِدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَ الْحِجَارَةَ فِيهِ وَوَضَعَتْ قُرَيْشٌ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي حَائِطِهِ بِحُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَذَلِكَ الْبُنْيَانُ الَّذِي اقْتَصَرَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَنْ بَعْضِ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَتَرَكَتْ شَيْئًا مِنْهَا خَارِجًا عَنْ بُنْيَانِهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهَا مِنْ اسْتِيعَابِ الْقَوَاعِدِ بِالْبِنَاءِ قُصُورُ النَّفَقَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ تُرِيدُ أَنْ يَنْقُضَ الْبُنْيَانَ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْقَوَاعِدُ وَيَبْنِيهَا بُنْيَانًا يَسْتَوْعِبُ الْقَوَاعِدَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِك بِالْكُفْرِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قُرْبَ الْعَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا أَنْكَرَتْ نُفُوسُهُمْ خَرَابَ الْكَعْبَةِ فَيُوَسْوِسُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ بِذَلِكَ مَا يَقْتَضِي إدْخَالَ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرِيدُ اسْتِئْلَافَهُمْ وَيَرُومُ تَثْبِيتَهُمْ عَلَى أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ يَخَافُ أَنْ تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ بِتَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ وَرَأَى أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَأَمْرُ النَّاسِ بِاسْتِيعَابِ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ أَقْرَبُ إلَى سَلَامَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِصْلَاحِ أَدْيَانِهِمْ مَعَ أَنَّ اسْتِيعَابَهُ بِالْبُنْيَانِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْفُرُوضِ وَلَا مِنْ أَرْكَانِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالطَّوَافِ خَاصَّةً وَهَذَا يُمْكِنُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَدْ سَلِمَ مِنْ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أُرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْدَ تَرْكِهِمَا وَإِلَّا فَلَا يُسَمَّى تَارِكًا لِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ مَنْ أَرَادَ الشَّيْءَ فَمَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ فَعَلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِتَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ عِلَّةَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ لِلْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ بَلْ أُخْرِجَ مِنْهُ بَعْضُ الْحَجَرِ فَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ رُكْنَيْ الْبَيْتِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَالرُّكْنَانِ اللَّذَانِ هُمَا الْيَوْمَ لِلْبَيْتِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ لِلْبَيْتِ الَّذِي أَسَّسَ قَوَاعِدَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا هُمَا مِنْ وَسَطِ الْجِدَارِ فَلَمْ يُشْرَعْ اسْتِلَامُهُمَا كَمَا لَمْ يُشْرَعْ اسْتِلَامُ سَائِرِ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالْأَرْكَانِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا وَيَقُولُ: لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ شَيْءٌ مَهْجُورٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «مَا أُرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ» . (ش) : قَوْلُهَا مَا أُبَالِي

[الرمل في الطواف]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ سَمِعْت بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: مَا حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إلَّا إرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ كُلِّهِ) . الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ» قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصَلَّيْت فِي الْحِجْرِ أَمْ فِي الْبَيْتِ تُرِيدُ الْبَيْتَ الْمَبْنِيَّ الْآنَ فَقَالَتْ لَا أُبَالِي أَصَلَّيْت فِيهِ أَمْ فِي الْحِجْرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ الَّذِي أَسَّسَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَالصَّلَاةُ فِي الْحِجْرِ صَلَاةٌ فِي الْبَيْتِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ تَقَرَّرَ مِنْ رَأْيِهَا مَنْعَ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ فَنَقُولُ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْمَنْعِ إمَّا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَإِمَّا عَلَى وَجْهِ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي الْبَيْتِ لَمَا خَصَّتْ الْحِجْرَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ قَالَتْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ إبَاحَةِ الْأَمْرَيْنِ جَوَابًا لِمُنْكِرِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَالَتْ إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحِجْرِ وَالْبَيْتِ عِنْدِي سَوَاءٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ صَلَّى فِي الْبَيْتِ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ أَعَادَ أَبَدًا. وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْقِبْلَةَ تَمُرُّ عَلَى جَمِيعِ الْبَيْتِ وَيَسْتَقْبِلُ الْمُسْتَقْبِلُ لَهَا جَانِبَيْنِ مِنْ الْبَيْتِ وَمَنْ صَلَّى فِيهِ فَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَلٍّ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مَوْضِعٌ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى فِيهِ النَّافِلَةُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَجَازَ أَنْ تُصَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةُ كَخَارِجِ الْبَيْتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّفَلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحِجْرِ وَالْبَيْتِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تُصَلَّى النَّافِلَةُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَهُوَ كَمُصَلٍّ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيُصَلَّى دَاخِلُ الْبَيْتِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ صَلَّاهَا فَوْقَ الْبَيْتِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ فَبِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ أَوْلَى وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ مَا حُجِرَ الْحِجْرُ يُرِيدُ مَا حُجِرَ بِالْجِدَارِ الَّذِي حُجِرَ بِهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ مَنَعَ بِهِ مِنْ الْمَشْيِ فِيهِ إلَّا لِمَنْ قَصَدَهُ مِنْ بَابِهِ فَإِنَّمَا أُرِيدَ تَحْجِيرُ الْحِجْرِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ إذَا كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا وَالْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ فَالطَّوَافُ بِهِ لَازِمٌ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَلَوْ لَمْ يُحْجَرْ لَأَوْشَكَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ طَائِفٌ فَلَا يَسْتَوْعِبُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَإِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى تَحْجِيرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِيعَابَ الطَّوَافِ لِجَمِيعِ الْبَيْتِ لَازِمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ بِبَعْضِ الْبَيْتِ مُجْزِئًا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى تَحْجِيرِ الْبَيْتِ لِيَسْتَوْعِبَ الطَّوَافُ جَمِيعَهُ وَمَنْ طَافَ بِبَعْضِ الْبَيْتِ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ طَافَ بِالْحِجْرِ طَوَافًا وَاجِبًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ طَوَافَهُ وَإِنْ تَبَاعَدَ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَ ذَلِكَ بِالدَّمِ وَأَجْزَأَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَهَذَا يَقْتَضِي الطَّوَافَ بِجَمِيعِهِ وَمَنْ طَافَ بِالْحِجْرِ فَإِنَّمَا يَطُوفُ بِبَعْضِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. [الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ] (ش) : قَوْلُهُ رَمَلَ مِنْ الْحِجْرِ الْأَسْوَدِ يُرِيدُ ابْتَدَأَ رَمَلَهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ افْتِتَاحُ الطَّوَافِ، ثُمَّ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ وَطَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ مَرَّةً فَيَكُونُ مَعَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَكِّسَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَطُوفَ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِنْ فَعَلَهُ حَاجٌّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مُعْتَمِرٌ أَعَادَ مَا كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَهُ بِدَمٍ وَأَجْزَأَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ، وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . (فَصْلٌ) : وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ هُوَ الْإِسْرَاعُ فِيهِ بِالْخَبَبِ لَا يَحْسُرُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ وَلَا يُحَرِّكُهُمَا وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ الرَّمَلُ أَنْ يَثِبَ فِي مَشْيِهِ وَثْبًا خَفِيفًا يَهُزُّ مَنْكِبَيْهِ وَلَيْسَ بِالْوَثْبِ الشَّدِيدِ فَإِنْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَدْرَ وَثْبِهِ بِتَحَرُّكِ جَسَدِهِ وَلَا يَقْصِدُ إلَى إفْرَادِهِمَا بِالتَّحْرِيكِ فَهُوَ حَسَنٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَذَلِكَ مِنْ حُكْمِ طَوَافِ الْوُرُودِ، الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا كَانَ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَتْرُكَ الرَّمَلَ ثُمَّ اسْتَدَامَهُ فَقَالَ: مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ إنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ شَيْءٌ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَتْحِ وَبَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْإِسْلَامُ بِمَكَّةَ وَزَالَتْ عَنْهُ الْمُرَاءَاةُ بِذَلِكَ لِلْمُشْرِكِينَ» رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِحَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ ثَلَاثًا وَمَشَوْا أَرْبَعًا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّوَافَ كَانَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ» وَتَأَوَّلَ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُرَاءُونَ الْمُشْرِكِينَ بِالْجَلَدِ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى قُعَيْقِعَانَ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا ظَهَرُوا لَهُمْ رَمَلُوا لِيَرَوْهُمْ الْجَلَدَ وَالْقُوَّةَ وَإِذَا اسْتَتَرُوا بِالْبَيْتِ فَكَانُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ مَشَوْا إبْقَاءً لِقُوَّتِهِمْ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ أَنْ يَرْمُلَ الطَّائِفُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمُ وَإِنَّمَا حَكَى فِعْلَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ آخِرُ مَا فَعَلَ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِعْلَهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَالْآخِرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَايَنَ مَا حَكَاهُ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَاهْتَبَلَ ذَلِكَ اهْتِبَالًا أَوْرَدَ جَمِيعَ فِعْلِهِ مُنْذُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ عَادَ إلَيْهَا وَتَحَفَّظَ ذَلِكَ وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا رَوَى عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ عَامَ الْقَضِيَّةِ لِصِغَرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الرَّمَلَ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِبْقَاءِ عَلَى أَصْحَابِهِ فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ لَزِمَ اسْتِدَامَةَ الرَّمَلِ الْمَشْرُوعِ. (ش) : قَوْلُهُ يَرْمُلُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْوُرُودِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً يُرِيدُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي رَمَلَ فِيهَا لِيُكْمِلَ بِذَلِكَ أُسْبُوعَهُ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَسْتَوْعِبُ الطَّوَافَ بِالرَّمَلِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إذَا طَافَ سَعَى الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَا وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَمَا أَمَتَّا يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ التَّنْعِيمِ قَالَ، ثُمَّ رَأَيْته سَعَى حَوْلَ الْبَيْتِ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ. ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ قُلْت لِنَافِعٍ أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ قَالَ كَانَ يَمْشِي لِيَكُونَ أَيْسَرَ لِاسْتِلَامِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلرَّمَلِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ رِفْقٌ فِيهِ عِنْدَ ازْدِحَامِ النَّاسِ عَلَى الْحَجَرِ لِيَكُونَ أَيْسَرَ لِاسْتِلَامِهِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَاهُ يُرِيدُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ سَعَى الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ يُرِيدُ الْأُولَى مِنْ الطَّوَافِ وَسَمَّاهَا أَشْوَاطًا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ. وَقَدْ كَرِهَ مُجَاهِدٌ أَنْ يُقَالَ: شَوْطٌ وَدَوْرٌ وَيُقَالَ طَوْفٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ فِي الطَّوَافِ غَيْرُ هَذَا الِاسْمِ لِيَغْلِبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] كَأَنَّهُ رَآهُ اسْمًا شَرْعِيًّا فَكَرِهَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ غَيْرُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَا وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَمَا أَمَتَّا كَانَ يَقُولُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَخَيَّرُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ لَا عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَخْصُوصٌ بِالطَّوَافِ وَمَسْنُونٌ فِيهِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ عُرْوَةَ هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِكْرٍ مُعَيَّنٍ لِلطَّوَافِ حَتَّى لَا يُجْزِئَ غَيْرُهُ وَحَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ سَبَبِهِ بَلْ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِهَذَا الذِّكْرِ وَيَتْرُكَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ عَلَى حَسَبِ مَا يُؤْثِرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَخْفِضُ بِهَا صَوْتَهُ هَذَا حُكْمُ الذِّكْرِ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مُجْمِعٍ يَنْفَرِدُ كُلُّ أَحَدٍ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَلَوْ رَفَعَ كُلُّ إنْسَانٍ صَوْتَهُ لَآذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ فَإِنَّهَا شِعَارُ الْحَجِّ فَلِذَلِكَ شُرِعَ فِيهَا الْإِعْلَانُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ سَعَى فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ الْأَوَّلَ وَأَمْكَنَ تَعْرِيفُهَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْرُوفَةُ بِالرَّمَلِ وَإِنَّمَا رَمَلَ فِي طَوَافِهِ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْ التَّنْعِيمِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ إنَّمَا شُرِعَ فِي طَوَافِ مَنْ قَدِمَ مِنْ الْحِلِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَقَّبُ طَوَافَهُ السَّعْيُ وَلَمَّا كَانَ الْمُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ مِنْ التَّنْعِيمِ قَادِمًا مِنْ الْحِلِّ كَانَ حُكْمُهُ الرَّمَلَ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يَرْمُلُ الْمُعْتَمِرُ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ دَاخِلٌ مِنْ الْحِلِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَقَّبُ طَوَافَهُ السَّعْيُ. (فَرْعٌ) وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمُلَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَلْ هِيَ مِنْ الْهَيْئَاتِ الَّتِي يَسُوغُ فِعْلُهَا وَتَرْكُهَا كَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ أَوْ هِيَ مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ الَّتِي تَلْزَمُ الطَّوَافَ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. وَالْأَصْلُ الثَّانِي: هَلْ يَصِحُّ رَفْضُ الطَّوَافِ أَوْ لَا يَصِحُّ؟ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مِنْ الْهَيْئَاتِ الْحَسَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ رَفْضُ الطَّوَافِ عِنْدَهُ فَلَا يُعِيدُ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ مَوْضِعُ الرَّمَلِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَوَافِهِ لَا يَصِحُّ رَفْضُهُ. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الطَّوَافِ نَفْلًا وَلَمْ يُشْرَعْ فِيهِ رَمَلٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْهَيْئَاتِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ الطَّوَافَ كَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ بَلْ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ آكَدُ مِنْهُ وَأَلْزَمُ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى بِهِ فِي كُلِّ طَوَافٍ وَهُوَ عِبَارَةٌ تَنْفَرِدُ بِنَفْسِهَا وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَيَصِحُّ رَفْضُ الطَّوَافِ قَالَ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَوَجْهُ إعَادَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْتِ بِالطَّوَافِ عَلَى أَكْمَلِ صِفَاتِهِ رَفَضَهُ وَأَتَى بِطَوَافٍ آخَرَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَيَصِحُّ مَنْعُ هَذَا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُتَمِّمُ فَضِيلَةَ ذَلِكَ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يَرْفُضْهُ كَمَا يُتِمُّ فَضِيلَةَ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ بِإِعَادَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَهَذَا أَبْيَنُ عَلَى قَوْلِ مَنْ

[الاستلام في الطواف]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى وَكَانَ لَا يَرْمُلُ إذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ) . الِاسْتِلَامُ فِي الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: إنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُعِيدَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ ذَلِكَ النُّسُكِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّةِ الرَّفْضِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُعِيدَ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ نُسُكِهِ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّوَافِ اللَّازِمَةِ كَلُزُومِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَلَمْ يَرَ صِحَّةَ رَفْضِ الطَّوَافِ قَالَ لَا يُعِيدُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ قَالَ يَلْزَمُ الرَّمَلُ وَرَأَى صِحَّةَ الرَّفْضِ أَوْ إتْمَامَ الْفَرِيضَةِ قَالَ لَا يُعِيدُ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إلَّا عَقِيبَ طَوَافٍ وَاجِبٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَنَّ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَنْ وَرَدَ مِنْ الْحِلِّ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْحَرَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَصْلًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُؤَخِّرُ طَوَافَهُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى مُنْصَرَفَهُ مِنْ عَرَفَةَ فَيَطُوفُ لِلْإِفَاضَةِ فَيَسْعَى عَقِيبَ طَوَافِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَوَافٌ وَاجِبٌ لِوَارِدٍ مِنْ حِلٍّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ لَا يَرْمُلُ إذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ طَوَافَ التَّطَوُّعِ الَّذِي كَانَ يَطُوفُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ وَأَمَّا طَوَافُ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَقَّبُ قُدُومَهُ مِنْ الْحِلِّ فَسُنَّتُهُ الرَّمَلُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ نَافِعٍ مَكِّيًّا كَانَ إذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ وَقَدْ تَأَوَّلَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرْمُلُ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ قَالَ وَالرَّمَلُ أَحَبُّ إلَيْنَا فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ فَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا وَفِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ حَتَّى صَدَرَ فَلْيَرْمُلْ وَمَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الرَّمَلِ لِمَنْ وَرَدَ مِنْ عَرَفَةَ لَازِمٌ وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ تَرَكَهُ فِي طَوَافِ الْوُرُودِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ هَذَا الطَّوَافِ أَخَفَّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا مِنْ الْحِلِّ فَإِنَّهُ طَوَافُ تَحَلُّلٍ لَا طَوَافُ تَلَبُّسٍ بِالْعِبَادَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الرَّمَلُ وَإِنَّمَا شُرِعَ فِيهِ الرَّمَلُ إذَا كَانَ بَعْدَهُ سَعْيٌ. [الِاسْتِلَامُ فِي الطَّوَافِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ وَرَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ يُرِيدُ الطَّوَافَ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ السَّعْيُ فَإِنَّهُ كَانَ إذَا أَكْمَلَهُ وَأَكْمَلَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ وَصَلَ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَكَانَ إذَا أَرَادَ فِرَاقَ الْبَيْتِ عَادَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا فَإِنَّ طَرِيقَهُ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُ فِي خُرُوجِهِ ذَلِكَ إلَى الصَّفَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُرِعَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ تَوَابِعِ الطَّوَافِ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُمَا بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ كَالطَّوَافِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اسْتِلَامُ الرُّكْنِ ابْتِدَاءً فِي غَيْرِ طَوَافٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ وَمَا بِذَلِكَ مِنْ بَأْسٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَكِنْ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ اسْتِلَامِهِ طَوَافٌ وَلَا رُكُوعٌ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُفْرِدَ ذَلِكَ كَالدُّعَاءِ الَّذِي قَدْ يُفْعَلُ فِي جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يُفْرِدَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ سُنَّةِ

[تقبيل الركن الأسود في الطواف]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ صَنَعْت يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اسْتَلَمْت وَتَرَكْت فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَبْت» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا قَالَ: وَكَانَ لَا يَدَعُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ إلَّا أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْهِ) . تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك ثُمَّ قَبَّلَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ إذَا رَفَعَ الَّذِي يَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَدَهُ عَنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى فِيهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِلَامِ الرُّكْنِ الطَّهَارَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ إلَّا طَاهِرًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الطَّوَافِ وَالطَّوَافُ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَيْفَ صَنَعْت يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنِ؟» اخْتِبَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ مِقْدَارَ عِلْمِهِمْ وَحَمْلِهِمْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى وَجْهِهَا وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَكَّلَ الْأَمْرَ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِهِمْ لَمَّا كَانَ يَجُوزُ لَهُمْ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اسْتَلَمْت وَتَرَكْت يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَلَمَ مَرَّةً وَتَرَكَ الِاسْتِلَامَ أُخْرَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ فِي الِاسْتِلَامِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ النُّسُكِ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ الْفَضَائِلِ الَّتِي يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهَا وَلَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهَا مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا مِنْ الْقُرَبِ، وَأَنَّهُ يُجْزِي فِعْلُهَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَبْت تَصْوِيبٌ لِفِعْلِهِ وَلِمَا رَآهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ مَنْ تَرَكَ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَنَّ اسْتِلَامَهُ أَفْضَلُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا وَيَقُولُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ: لَا يَدَعُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ إلَّا أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَاعَاتَهُ لَهُ كَانَتْ أَكْثَرَ وَمُحَافَظَتَهُ عَلَى اسْتِلَامِهِ كَانَتْ أَشَدَّ فَكَانَ لَا يَدَعُ اسْتِلَامًا إلَّا أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ اسْتِلَامَ غَيْرِهِ مِنْ دُونِ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لَمَّا عَلِمَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى اسْتِلَامِهِ وَمُخَالَفَةِ النَّاسِ لَهُ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ إنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ ظَنَّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ تَعْظِيمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ وَأُمَّتَهُ إنَّمَا كَانَ عَلَى حَسَبِ تَعْظِيمِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأَوْثَانَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا آلِهَةٌ وَأَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّ تَعْظِيمَهُ لِلْحَجَرِ إنَّمَا كَانَ لِتَعْظِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاعَةً لِلَّهِ وَإِفْرَادًا لَهُ بِالْعِبَادَةِ عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَنَا بِتَعْظِيمِ الْبَيْتِ وَعَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ عِبَادَةً لِلَّهِ لَا عَلَى أَنَّ آدَمَ مَعْبُودٌ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ فَقَالَ: إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ يُرِيدُ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْحِجَارَةِ الَّتِي لَا تُقَبَّلُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْلَا: أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك تَبْيِينٌ بِأَنَّ تَقْبِيلَهُ وَتَعْظِيمَهُ لَيْسَ لِذَاتِهِ وَلَا لِمَعْنًى فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَعَ ذَلِكَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلَهُ لِمَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَوَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْبِيلِهِ إيَّاهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقْبِيلَهُ لِزِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ إذَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ يُرِيدُ مَسْحَهُ لِلِاسْتِلَامِ بِيَدِهِ

[ركعتا الطواف]

رَكْعَتَا الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السَّبْعَيْنِ لَا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سَبْعٍ رَكْعَتَيْنِ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ رَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ» وَظَاهِرُ الْمَسْحِ بِالْيَدِ الْوَضْعُ عَلَى الْمَمْسُوحِ وَكَانَ مَالِكٌ وَمَنْ رَوَى عَنْهُ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِلَامِ عَائِدٌ إلَى الْفَمِ فَلَمَّا رَوَى الْمَسْحَ فِي الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَرْوِ التَّقْبِيلَ إلَّا فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ اُسْتُحِبَّ فِي الْيَمَانِيِّ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ بَعْدَ الْمَسْحِ. وَرُوِيَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَقْبِيلَ الْيَدِ بَعْدَ مَسْحِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ لَمْ يَرَ مَالِكٌ تَقْبِيلَ الْيَدِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَسْوَدِ فَإِنْ قُلْنَا: بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْيَدَ بَدَلٌ مِنْ الرُّكْنِ إذَا امْتَنَعَ تَقْبِيلُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ تَقْبِيلُهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ مِنْ التَّقْبِيلِ وَإِنَّمَا يُوضَعُ عَلَى الْفَمِ لَمَّا كَانَتْ بَدَلًا مِنْهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ قَالَ أَوَّلًا التَّقْبِيلَ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ. [رَكْعَتَا الطَّوَافِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السَّبْعَيْنِ لَا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعَرِّي كُلَّ سَبْعٍ مِنْ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ سَبْعَيْنِ، ثُمَّ يُؤَخِّرُ الرُّكُوعَ لَهُمَا فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْ السَّبْعَيْنِ بَعْدَهُمَا وَلَكِنْ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سَبْعٍ رَكْعَتَيْهِ الْمَشْرُوعَتَيْنِ لَهُ اللَّتَيْنِ هُمَا مِنْ تَمَامِهِ وَلَا يَجُوزُ إعْرَاؤُهُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَهُمَا وَاجِبَتَانِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ سَبْعًا رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وَهَذَا أَمْرٌ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَهُ تَابِعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَابِعُهُ وَاجِبًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ الَّذِي يَتْبَعُهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَرَكَ حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ الرَّكْعَتَيْنِ أَعَادَ الطَّوَافَ، ثُمَّ أَتَى بِهِمَا عَقِيبَ الطَّوَافِ وَسَعَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْكَعُهُمَا وَلَا يُعِيدُ الطَّوَافَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَفِي غَيْرِهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ طَافَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَلَا يُعِيدُ الطَّوَافَ وَلَا السَّعْيَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ لِاتِّصَالِ الرَّكْعَتَيْنِ بِهِ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ رَكَعَهُمَا وَأَهْدَى، وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُمَا وَسُنَّتَهُمَا أَنْ يَكُونَا عَقِيبَ الطَّوَافِ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ تَمَامِ فَضِيلَةِ الطَّوَافِ فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ أَتَى بِهِمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّقَانِ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَكَانَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ لِنَقْصِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنَّ إبْرَاهِيمَ قَامَ هَذَا الْمَقَامَ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ أَثَرُ مَقَامِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى الْجِبَالِ أَنْ تَفَرَّجِي عَنْهُ حَتَّى يَرَى الْمَنَاسِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَ الْمَقَامِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ فِي الْمَسْجِدِ مُجْزِئَتَيْنِ وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الطَّوَافِ إنْ كَانَ أَخَفَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ فَيَقْرِنَ بَيْنَ الْأُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يَرْكَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ رُكُوعِ تِلْكَ السُّبُوعِ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يُتْبِعَ كُلَّ سَبْعٍ رَكْعَتَيْنِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ فِي الطَّوَافِ فَيَسْهُو حَتَّى يَطُوفَ ثَمَانِيَةَ أَوْ تِسْعَةَ أَطْوَافٍ قَالَ: يَقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَعْتَدُّ بِاَلَّذِي كَانَ زَادَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى التِّسْعَةِ حَتَّى يَصِلَ سَبْعَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّوَافِ أَنْ يُتْبِعَ كُلَّ سَبْعٍ رَكْعَتَيْنِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ بَعْدَمَا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَلْيُعِدْ لِيُتِمَّ طَوَافَهُ عَلَى الْيَقِينِ، ثُمَّ لِيُعِدْ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِطَوَافٍ إلَّا بَعْدَ إكْمَالِ السَّبْعِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ وَقَدْ طَافَ بَعْضَ الطَّوَافِ أَوْ كُلَّهُ وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَأْنِفُ الطَّوَافَ قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ انْتِقَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ خَلْفَ الْمَقَامِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَأَ عِنْدَ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْآيَةِ وَهَذَا أَمْرٌ وَلَيْسَ فِي الصَّلَوَاتِ مَا يَخْتَصُّ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ السُّنَّةَ لِلطَّائِفِ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِيبَ كُلِّ سَبْعٍ مِنْ الطَّوَافِ رَكْعَتَيْهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ سَبْعَيْنِ لَا يَرْكَعُ بَيْنَهُمَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَإِنْ فَعَلَ الْأُسْبُوعَيْنِ وَلَمْ يَرْكَعْ بَيْنَهُمَا فَغَيْرُ جَائِزٍ وَجَوَّزَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَيْنِ نُسُكَانِ لَا يَتَدَاخَلَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْرَعَ فِي أَفْعَالِ ثَانٍ مِنْهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْأَوَّلِ كَالْعُمْرَتَيْنِ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ هَذَيْنِ طَوَافَانِ فَلَمْ يَشْرَعْ فِي ثَانٍ مِنْهُمَا قَبْلَ تَمَامِ رُكُوعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ كَانَا فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَعَى فِي طَوَافِهِ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةَ أَطْوَافٍ أَوْ تِسْعَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ وَلَمْ يَكُنْ قَصَدَ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ كُلِّ سَبْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ لِلسَّبْعِ الْكَوَامِلِ وَيُلْغِي مَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا آخَرَ وَلِيَبْتَدِئَهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَيَطُوفَ سَبْعًا، ثُمَّ يَرْكَعَ، وَهَذَا حُكْمُ الْعَامِدِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَكْمَلَ السُّبُوعَيْنِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا صَلَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ الثَّانِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَمَرْنَاهُ بِالرُّكُوعِ مُرَاعَاةً لِلِاخْتِلَافِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَدِينَةِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَاخْتَارَ عِيسَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ كُلِّ أُسْبُوعٍ أَنْ يَعْقُبَهُ رَكْعَتَاهُ وَحَالَ بَيْنَ الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ وَرَكْعَتَيْهِ الْأُسْبُوعُ الثَّانِي بَطَلَ حُكْمُهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلْأُسْبُوعِ الثَّانِي. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ شَكَّ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ لِطَوَافِهِ فِي إتْمَامِهِ طَوَافَهُ فَلَا يَعْلَمُ إنْ كَانَ أَكْمَلَ السَّبْعَ أَوْ إنَّمَا طَافَ سِتًّا أَوْ خَمْسًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الطَّوَافُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةِ أَطْوَافٍ مُتَيَقِّنَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَبْنِيَ عَلَى مَا تَيَقَّنَ مِنْ طَوَافِهِ لِقُرْبِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِإِثْرِ سَلَامِهِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ تَيَقَّنَ خَمْسَةً طَافَ شَوْطَيْنِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ سِتَّةً طَافَ وَاحِدًا، ثُمَّ يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا أَنْ يُصَلَّيَا بَعْدَ تَمَامِ الْأُسْبُوعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُجْزِئُ أَكْثَرُ الطَّوَافِ عَنْ جَمِيعِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ عَدَدِهِ وَيَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ جَبَرَهُ بِالدَّمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَالْأَخْذُ عَنْهُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَا يُجْبَرُ أَكْثَرُهَا بِالدَّمِ فَلَمْ يُجْبَرْ أَقَلُّهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

[الباب الأول في الطهارة للطواف]

وُضُوئِهِ وَلَا يَدْخُلُ السَّعْيَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ بِوُضُوءٍ) . [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ] الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الْقَارِيّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا قَضَى عُمَرُ طَوَافَهُ فَلَمْ يَرَ الشَّمْسَ طَلَعَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فِي طَوَافِهِ لَزِمَهُ قَطْعُ طَوَافِهِ وَأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَسْتَأْنِفَ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ شَرْطِ الطَّوَافِ الطَّهَارَةَ. وَالثَّانِي أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّصَالَ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ) . اعْلَمْ أَنَّ الطَّوَافَ عِنْدَنَا مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ لَهُ وَلَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ» وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَنَا عَلَى الْوُجُوبِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهَا الطَّهَارَةُ كَالصَّلَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةَ فَإِنَّهُ إنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ وَيُعِيدُ أَبَدًا وَيَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَأَمَّا طَوَافُ الْوُرُودِ فَقَدْ يَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ وَرُبَّمَا نَابَ عَنْهُ الدَّمُ بَعْدَ الْفَوَاتِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي اتِّصَالِ الطَّوَافِ] 1 مِنْ شَرْطِ الطَّوَافِ الِاتِّصَالُ فَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَكَانَتْ الْمُوَالَاةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ بِالْحَدَثِ أَوْ بِالْعَمَلِ فَأَمَّا الْحَدَثُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَيَمْنَعُ الرُّكُوعَ بَعْدَ الطَّوَافِ لِمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ تَمَامِهِ وَيَلْزَمُهُ فِي الْوَاجِبِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَهُوَ فِي النَّفْلِ بِالْخِيَارِ إذَا غَلَبَهُ الْحَدَثُ بَيْنَ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَتْرُكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فَإِنَّ كَثِيرَهُ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ كَالْخُرُوجِ لِنَفَقَةٍ ذَكَرَهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ كَالْوُقُوفِ الْيَسِيرِ لِلْحَدِيثِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ لِمَنْ يَغْلِبُهُ الْعَطَشُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِلْمَكْتُوبَةِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ إذَا كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ طَوَافِهِ لِغَيْرِ صَلَاةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَخَافُ فَوَاتَهَا فَكَانَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً طَوَافُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ لِطَلَبِ نَفَقَةٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ طَوَافِهِ لِصَلَاةٍ يَخَافُ فَوَاتَ فَضْلِهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَأَمَّا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ السَّعْيِ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْتِ كَالْجِمَارِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَدَثَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ فَمَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ سَعْيِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيَتَطَهَّرَ لِحَدَثِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَبْنِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَلَوْ تَمَادَى مُحْدِثًا لَأَجْزَأَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ السَّعْيَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ بِوُضُوءٍ يُرِيدُ أَنَّ الْوُضُوءَ مَشْرُوعٌ فِيهِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الطَّهَارَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ فَأَمَّا الْحَائِضُ الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ حَدَثِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا.

[الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف]

فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الطَّوَافِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي الطَّوَافِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا قَضَى طَوَافَهُ بَعْدَ الصُّبْحِ نَظَرَ الشَّمْسَ فَلَمَّا لَمْ يَرَهَا طَلَعَتْ رَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَّا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَاسْتِجَازَتُهُ تَأْخِيرَ الرُّكُوعِ لِذَلِكَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بِذِي طُوًى فَصَلَّاهُمَا وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّكُوعَ لَهُ فِي ذَيْنِك الْوَقْتَيْنِ مَمْنُوعٌ. وَالثَّالِثُ - أَنَّ مِنْ حُكْمِ الرَّكْعَتَيْنِ الِاتِّصَالَ بِالطَّوَافِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ) . جَوَازُ الطَّوَافِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيُؤَخِّرُ الرُّكُوعَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ أُبِيحَ فِيهَا النُّطْقُ فَجَازَ أَدَاؤُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَصْلُ ذَلِكَ الطَّهَارَةُ، وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَيْسَ لِأَدَاءِ فَرْضِهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ نَفْلُهَا لِوَقْتٍ أَصْلُ ذَلِكَ الطَّهَارَةُ عَكْسُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَهَذَا حُكْمُ الْجَوَازِ، وَأَمَّا النَّفَلُ فَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا لِيَتَّصِلَ الرُّكُوعُ بِالطَّوَافِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَنْعِ نَفْلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ] 1 تَقَدَّمَ أَنَّ الرُّكُوعَ لِلطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَمْنُوعٌ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا فِي بَابِ مَنْعِ النَّوَافِلِ الَّتِي لَهَا أَسْبَابٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي اتِّصَالِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِهِ] 1 أَمَّا اتِّصَالُ الطَّوَافِ بِرَكْعَتَيْهِ فَهُوَ مِنْ سُنَنِهِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُضَافُ إلَى عِبَادَةٍ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَتَّصِلَ بِهَا وَتُضَافَ إلَيْهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ اتِّصَالَهُمَا بِهِ أَنْ يُؤْتَى بِهِمَا عَقِبَهُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُمَا عَنْهُ إلَّا لِعُذْرِ الْوَقْتِ أَوْ لِعُذْرِ النِّسْيَانِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِهِمَا أَنْ يُؤْتَى بِهِمَا بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ اتِّصَالِهِمَا وَكَانَتْ الطَّهَارَةُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَا بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ فِي الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَكَانَ طَوَافَ تَطَوُّعٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوًى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ طَوَافِهِ اللَّتَيْنِ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حِينَ لَمْ يَرَ الشَّمْسَ طَلَعَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَيْرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِالْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لِرُكُوعِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ» وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَوْضِعٍ يُصَلَّى فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَنَعَهُ الْوَقْتُ مِنْ صَلَاتِهِمَا فَحَانَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِمَنْزِلِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِاتِّصَالِهِ بِالطَّوَافِ وَلِكَوْنِهِمَا مِنْ تَوَابِعِ الطَّوَافِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ص. (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَطُوفُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَدْخُلُ حُجْرَتَهُ فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَطُوفُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ، ثُمَّ

[الباب الأول في أن الطواف بعد العصر والصبح غير ممنوع]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ] (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْت الْبَيْتَ يَخْلُو بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا يَطُوفُ بِهِ أَحَدٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْضَ أُسْبُوعِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ أَوْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا طَافَ حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعًا، ثُمَّ لَا يُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبَ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ أَخَّرَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعٍ وَاحِدٍ وَيُؤَخِّرُ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيُؤَخِّرُهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ صَلَّاهُمَا إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . وَدَاعُ الْبَيْتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا يَصْدُرَنْ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ إنَّ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وَقَالَ ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَمَحِلُّ الشَّعَائِرِ كُلِّهَا وَانْقِضَاؤُهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلُ حُجْرَتَهُ فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ يُرِيدُ؛ أَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ كَانَ يَرْكَعُ لِطَوَافِهِ بَعْدَ دُخُولِ حُجْرَتِهِ أَمْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَرَكَعَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُعْتَادَ لِمَنْ وَصَلَ رُكُوعَهُ بِطَوَافِهِ أَنْ يَرْكَعَ فِي الْمَسْجِدِ، وَانْصِرَافُ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَنْزِلِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ ظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَمْتَنِعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الرُّكُوعِ لِلطَّوَافِ إلَّا مَنْ رَأَى الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لِنَافِلَةٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا سَبَبٌ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الْبَيْتَ كَانَ يَخْلُو فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لَا يَطُوفُ بِهِ أَحَدٌ يَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ مِنْ الطَّوَافِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنَّمَا يَطُوفُ أُسْبُوعًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَمْتَنِعُ مِنْ الطَّوَافِ لِامْتِنَاعِ رُكُوعِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ كُلِّ طَوَافٍ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُكُوعِهِ طَوَافٌ آخَرُ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَخْلُو الْبَيْتُ مِنْ الطَّائِفِينَ فِي ذَيْنِك الْوَقْتَيْنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ تُمْنَعُ النَّافِلَةُ بَعْدَهَا وَهِيَ الصُّبْحُ أَوْ الْعَصْرُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ طَوَافَهُ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِئَلَّا تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَوْ لِئَلَّا يُخَالِفَ الْإِمَامَ فَإِذَا أَكْمَلَ صَلَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِعُذْرٍ يَقْطَعُ الطَّوَافَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فَإِذَا أَتَمَّ أُسْبُوعَهُ أَخَّرَ الرُّكُوعَ لِامْتِنَاعِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ انْتَظَرَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ، ثُمَّ يَرْكَعَ لِطَوَافِهِ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَّرَ الرُّكُوعَ عَنْ طَوَافِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يَرْكَعُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» . (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ انْتَظَرَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ فَيَرْكَعَ لِطَوَافِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يَرْكَعَ لِطَوَافِهِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ تَقْدِيمَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَفْضَلُ لِاخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ. [وَدَاعُ الْبَيْتِ] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصْدُرَنْ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يُرِيدُ طَوَافَ الْوَدَاعِ لِلْبَيْتِ، وَذَلِكَ مَشْرُوعٌ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّهُ آخِرُ النُّسُكِ وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى ثُمَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ لِلْوَدَاعِ مَشْرُوعٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ حَجَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ قَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ اُخْرُجُوا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَافَ أَنْ لَا تَكُونَ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ وَأَنْ يَحْبِسَهُمْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَلَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ اُخْرُجُوا وَلَمْ يَحْبِسْهُمْ لِعُذْرِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى صَفِيَّةَ كَمَا خَافَ أَنْ يَحْبِسَهُمْ لِعُذْرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حُكْمُ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْخُرُوجِ. وَالثَّانِيَةُ: حُكْمُ مَنْ يَلْزَمُهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ. (مَسْأَلَةٌ) : حُكْمُ طَوَافِ الْوَدَاعِ اتِّصَالُهُ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَدَاعِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِفِرَاقِ مَنْ يُوَدِّعُ وَلَيْسَ شِرَاؤُهُ أَوْ بَيْعُهُ جِهَازًا أَوْ طَعَامًا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَاصِلًا بَيْنَ وَدَاعِهِ وَسَفَرِهِ وَإِنَّمَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا مَقَامُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِمَكَّةَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُجْزِئُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْخُرُوجُ إلَى طُوًى وَالْأَبْطُحِ فَمَنْ وَدَّعَ وَخَرَجَ إلَيْهَا وَأَقَامَ بِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْفَصَلَ مِنْ مَكَانِ سُكْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا مَنْ يَلْزَمُهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالْعَبِيدَ وَالْأَحْرَارَ وَكُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ مُسَافِرًا أَوْ عَائِدًا إلَى وَطَنِهِ وَإِنْ قَرُبَ كَأَهْلِ مَرِّ الظَّهْرَانِ وَأَهْلِ عَرَفَةَ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعُمْرَةِ فَإِنْ كَانَ خَارِجًا إلَى الْحِلِّ كَالتَّنْعِيمِ وَالْجِعْرَانَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَكَانَ مَعَ قُرْبِهِ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِلْعَوْدَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ إلَى الْمَوَاقِيتِ كَالْجُحْفَةِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ كَالسَّفَرِ إلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ عَلَيْهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا سَفَرٌ يَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَشُرِعَ فِيهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ كَالسَّفَرِ إلَى الْمَدِينَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ خُرُوجَهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْعَوْدَةِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ كَخُرُوجِ الْحَاجِّ إلَى عَرَفَةَ. (فَرْعٌ) وَيُجْزِئُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ إذَا خَرَجَ بِإِثْرِهِ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّ طَوَافَهُ لِفَرْضِهِ قَرُبَ مِنْ طَوَافِ الْبَيْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ طَوَافٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ آخِرَ النُّسُكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ آخِرُ النُّسُكِ الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الطَّوَافَ آخِرُ نُسُكٍ يُعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ نُسُكٍ وَعِنْدَ فِرَاقِ الْبَيْتِ وَإِلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ تَتَوَجَّهُ أَقْوَالُ أَشْهَبَ وَأَمَّا أَقْوَالُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ أَفَاضَ، ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى لِلرَّمْيِ، ثُمَّ صَدَرَ فَلْيُوَدِّعْ بِالطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ هَذَا الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ آخِرُ النُّسُكِ ثُمَّ أَقَامَ أَيَّامًا، ثُمَّ أَرَادَ الْخُرُوجَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَدِّعَ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَجَعَلَ الطَّوَافَ مِنْ جُمْلَةِ حَجِّهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَدَاعٌ لِلنُّسُكِ وَلَيْسَ لِمُفَارَقَةِ الْبَيْتِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اعْتَمَرَ إنْ خَرَجَ عَنْ مَكَانِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وَدَاعٍ وَإِنْ أَقَامَ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ فَجَعَلَ طَوَافَ الْوَدَاعِ نُسُكًا كَامِلًا لِمُفَارَقَةِ الْبَيْتِ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسْقِطُهُ عَنْ الْمَكِّيِّ الْمُقِيمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] إلَى قَوْلِهِ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَذَهَبَ مُجَاهِدٌ إلَى أَنَّ الشَّعَائِرَ هِيَ الْبُدْنُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْبُدْنَ مِنْ الشَّعَائِرِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا جَمِيعَ الشَّعَائِرِ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ لَمْ يَكُنْ وَدَّعَ الْبَيْتَ حَتَّى وَدَّعَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَفَاضَ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَإِنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ أَوْ عَرَضَ لَهُ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَهِلَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ حَتَّى صَدَرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فَيَرْجِعَ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يَنْصَرِفَ إذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 33] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَجَلًا مُؤَقَّتًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: الشَّعَائِرُ سِتٌّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَالْجِمَارُ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَعَرَفَةُ وَالرُّكْنُ وَالْحُرُمَاتُ خَمْسٌ الْكَعْبَةُ الْحَرَامُ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ وَالْمُحْرِمُ حَتَّى يُحِلَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وقَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] فَإِذَا طَافَ الْحَاجُّ بَعْدَ هَذِهِ الْمَشَاعِرِ فَقَدْ حَلَّ بِالْبَيْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ حَلَّ مِنْ الْإِحْلَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَلَّ مِنْ الْوُصُولِ، وَظَاهِرُ اللَّفْظَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّعَائِرَ تَنْتَهِي إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ بِهِ آخِرَ الشَّعَائِرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ بِهِ نِهَايَتَهَا وَتَمَامَهَا. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ رَجُلًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ حَتَّى وَدَّعَ الْبَيْتَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ وَدَّعَهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ وَلَا خَافَ فَوَاتَ رُفْقَةٍ وَلَا رِفَاقِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ نَسِيَ الْوَدَاعَ حَتَّى بَلَغَ مَرَّ الظَّهْرَانِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَأَرَى إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ وَلَا مَنَعَهُ كَرِيهٌ فَلْيَرْجِعْ وَإِلَّا مَضَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ بِالرُّجُوعِ مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا وَإِنَّمَا هُوَ بِمِقْدَارِ الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَعَلَّ الَّذِي رَدَّهُ عُمَرُ مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ قَدْ رَأَى بِهِ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَتَمَكُّنِهِ لَهُ مَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ فَنَدَبَهُ إلَى ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُ بِمَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ فَرَجَعَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا لَهُ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَفَاضَ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ كَمُلَتْ فَرَائِضُهُ وَحَلَّ لَهُ جَمِيعُ مَا يَحِلُّ لِلْحَلَالِ وَإِنْ كَانَتْ إفَاضَتُهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا سُنَنُ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَإِنْ كَانَتْ إفَاضَتُهُ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَجِّ وَلَا شَيْءَ مِمَّا لَوْ تَرَكَهُ لَلَزِمَهُ دَمٌ وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ تَمَامِ نُسُكِهِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ لَهُ وَمُسْتَحَبٌّ فِي حُكْمِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ دُونَ الْوَاجِبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ عِنْدَهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَنْ تَرَكَهُ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا مُسْتَوْعَبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَبَسَهُ شَيْءٌ أَوْ عَرَضَ لَهُ فَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ مَنَعَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ مَانِعٌ فَقَدْ كَمُلَ حَجُّهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِسَبَبِهِ فَلْيَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ جَهِلَ أَنْ يَطُوفَ حَتَّى صَدَرَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ وَهُوَ قَرِيبٌ فَيَرْجِعَ فَيَطُوفَ، ثُمَّ يَنْصَرِفَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعُدَ صَارَ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالرُّجُوعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ رُجُوعٍ وَلَا دَمٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ دَمٌ إذَا فَاتَهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَالدَّلِيلُ لِمَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا إنْ لَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَاخْرُجْنَ» . فَوَجْهُ

[جامع الطواف]

جَامِعُ الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «شَكَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ قَالَتْ فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِدَمٍ وَلَا أَمَرَهَا بِالْمَقَامِ لَهُ وَهَذَا وَقْتُ تَعْلِيمٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنًى لَمْ يَجِبْ الدَّمُ بِفَوَاتِهِ عَلَى الْحَائِضِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهَا أَصْلُ ذَلِكَ التَّحْصِيبُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ أَفَاضَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُفِضْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ. وَالثَّانِيَ: أَنْ يُرِيدَ إذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ. وَأَمَّا مَنْ أَفَاضَ بَعْدَ النَّحْرِ وَاتَّصَلَ خُرُوجُهُ بِإِفَاضَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وَدَاعٍ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يُجْزِئُ عَنْهُ وَيَكُونُ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ، وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ لِمَنْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ لِمَنْ أَقَامَ بَعْدَ النَّحْرِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَا يَكُونُ آخِرَ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ إلَّا بِطَوَافِ الْوَدَاعِ. [جَامِعُ الطَّوَافِ] (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «شَكَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي» يُرِيدُ أَنَّهَا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهَا لَا تُطِيقُ الطَّوَافَ مَاشِيَةً لِضَعْفِهَا مِنْ تِلْكَ الشَّكْوَى الَّتِي كَانَتْ بِهَا فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ رَاكِبَةً وَفِي هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: وُجُوبُ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ. وَالثَّانِيَةُ: جَوَازُ الطَّوَافِ مَحْمُولًا لِلْعُذْرِ. وَالثَّالِثَةُ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَالرَّابِعَةُ: طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا وُجُوبُ الْمَشْيِ فَسَيَأْتِي وَأَمَّا جَوَازُ الطَّوَافِ لِلرَّاكِبِ وَالْمَحْمُولِ لِلْعُذْرِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ نَصٌّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، فَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبَ بَعِيرٍ مِنْ غَيْرِ الْجَلَّالَةِ لِطَهَارَةِ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْدُوبًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَحْمُولًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الطَّائِفُ بِهِ لَا طَوَافَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَلَا يُصَلِّي عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ لَا: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُعِيدُ طَوَافَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَبْعَثْ بِهَدْيٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ وَاجِبًا فَكَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْبَعِيرِ فَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ لَكِنْ مَنْ طَافَ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى بَعِيرٍ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إنْ خَافَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ زِحَامٌ وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا فَلْيَقْرُبْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَطُوفَ وَرَاءَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ كَالصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَوَافُ أُمِّ سَلَمَةَ طَوَافًا وَاجِبًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَوَافَ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُتْرَكُ فَضِيلَةٌ إلَّا لِمَشَقَّةٍ أَوْ فَوَاتِ أَصْحَابٍ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : «قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ أَبَا مَاعِزٍ الْأَسْلَمِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَفْتِيهِ فَقَالَتْ: إنِّي أَقْبَلْت أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إذَا كُنْت عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقَتْ الدِّمَاءُ فَرَجَعْت حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ أَقْبَلْت حَتَّى إذَا كُنْت عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقَتْ الدِّمَاءُ فَرَجَعْت حَتَّى ذَهَبَ عَنِّي، ثُمَّ أَقْبَلْت حَتَّى إذَا كُنْت عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقَتْ الدِّمَاءُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنَّمَا ذَلِكَ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ ثُمَّ طُوفِي) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُرَاهِقًا خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَطُوفَ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكِتَابٍ مَسْطُورٍ» رُوِيَ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِك وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ» . (ش) : قَوْلُهَا: إنِّي أَقْبَلْت أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إذَا كُنْت عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقَتْ الدِّمَاءُ فَرَجَعْت يَقْتَضِي مَنْعَ الْحَيْضِ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمِنْ الطَّوَافِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ صَفِيَّةَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا حِينَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَلَمَّا أُعْلِمَ بِأَنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ أَمْرَهَا بِأَنْ تَنْفِرَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَرَجَعْت حَتَّى إذَا كُنْت عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ هَرَقَتْ الدِّمَاءُ إلَى آخِرِ قَوْلِهَا إخْبَارٌ عَنْ تَكْرَارِ ذَلِكَ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ ذَلِكَ عَنْهَا وَعَوْدَتُهُ إلَيْهَا مِرَارًا كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ أَمْرٍ قَرِيبٍ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ تُلَفِّقُ فِيهِ أَيَّامَ الدَّمِ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَتُلْغِي مَا بَيْنَهَا مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ تُقِيمُ مُدَّةَ الْحُيَّضِ ثُمَّ تَرَى الطُّهْرَ وَقْتًا أَوْ أَوْقَاتًا فَتُقْبِلُ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْهُ رَأَتْ الْحَيْضَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: إنَّمَا ذَلِكَ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهَا كَانَتْ رَأَتْ الدَّمَ فِي مُدَّةٍ يَكُونُ جَمِيعُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِحَاضَةِ لَكِنَّهُ نَسَبَهُ إلَى الشَّيْطَانِ وَذَلِكَ بِالْمَنْعِ مِنْ الطَّوَافِ وَعَدَمِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّوَافَ. وَالثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ أَوْ أَمَدٍ لَمْ يَبْلُغْ الدَّمُ فِي آخِرِهَا إلَى أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ أَمَدِ الْحَيْضِ لَكِنَّهُ أَمَدٌ مُخَالِفٌ لِحَيْضِهَا الْمُعْتَادِ فَكَأَنَّهُ اخْتَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ الطَّوَافِ، وَلِذَلِكَ نَسَبَهُ إلَى الشَّيْطَانِ وَلَوْ كَانَ عَلَى عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ لَمَا أَضَافَهُ إلَى الشَّيْطَانِ وَلَكَانَ أَمْرًا اتَّفَقَ لَهَا لَمْ يُخَالِفْ عَادَتَهَا. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَاغْتَسِلِي يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْحَيْضِ عَلَى حَسَبِ مَا تَفْعَلُهُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَسْلَ مَا بِهَا مِنْ الدَّمِ إنْ كَانَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حُكْمَ الْحَيْضِ، وَقَوْلُهُ، ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ يُرِيدُ أَنْ تَتَوَقَّى بِهِ مِمَّا يَجْرِي مِنْهُ ثُمَّ تَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ أَمِنَتْ الدَّمَ أَنْ يُصِيبَ الْمَسْجِدَ أَوْ يُصِيبَ ظَاهِرَ جَسَدِهَا فَتَكُونُ حَامِلَةً نَجَاسَةً. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُرَاهِقًا خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْوُرُودِ، وَذَلِكَ أَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَارِدَ لِلْحَجِّ يَلْزَمُهُ طَوَافُ الْوُرُودِ فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِسَعَةِ الْوَقْتِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الطَّوَافَ لِلْوُرُودِ وَاجِبٌ لِلْحَجِّ فَلَزِمَ بِتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ الْهَدْيُ كَتَرْكِ الْحِلَاقِ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ طَوَافَ الْوُرُودِ تَحِيَّةٌ لِلْبَيْتِ فَتَرْكُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُرَاهِقُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُهُ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَمَا لَا بُدَّ

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَقِفُ الرَّجُلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَتَحَدَّثُ مَعَ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَيَرَى أَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِذَلِكَ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَلَهُ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمُرَاهِقِ تَعْجِيلَ الطَّوَافِ وَتَأْخِيرَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ يَتَكَرَّرُ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الرُّكْنِ مَعَ سِعَةِ الْوَقْتِ لِسَائِرِ الطَّوَافِ لَزِمَ الدَّمُ وَإِذَا تَرَكَهُ لِعُذْرِ ضِيقِ الْوَقْتِ فَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ رُكْنٌ وَيَتَكَرَّرُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِذَا اقْتَصَرَ مِنْهُ عَلَى اللَّيْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُقُوفِ بِالنَّهَارِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُمَا (مَسْأَلَةٌ) : وَمَتَى يَكُونُ الْحَاجُّ مُرَاهِقًا قَالَ أَشْهَبُ إنْ قَدِمَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَحْبَبْت تَأْخِيرَ طَوَافِهِ، وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَحْبَبْت تَعْجِيلَهُ وَلَهُ فِي التَّأْخِيرِ سِعَةٌ رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدٌ وَفِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ إنْ قَدِمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلْيُؤَخِّرْ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ طَافَ وَسَعَى وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ فَلْيُؤَخِّرْ إنْ شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُهُ فَلْيَطُفْ وَلْيَسْعَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مُخْتَصٌّ بِهَا فَالِاشْتِغَالُ بِهِ دُونَ مَا قَدْ فَاتَ وَقْتُهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ الَّتِي يَنُوبُ عَنْهَا غَيْرُهَا أَوْلَى، وَأَمَّا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَمَنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ كَانَ فِي شُغْلٍ مِمَّا لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ بِالْأَهْلِ مِنْهُ وَإِنْ كُلِّفَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ مَعَهُ وَالْخُرُوجَ مِنْ يَوْمِهِ إلَى مِنًى لَمْ يَتَّسِعْ لَهُ وَقْتُهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ تَضْيِيعُ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَوَسِعَ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ، وَأَمَّا الْمُفْرِدُ فَحَالُهُ أَخَفُّ وَاشْتِغَالُهُ أَقَلُّ فَإِنْ كَانَ ذَا أَثْقَالٍ وَحَاشِيَةٍ وَاسْتَضَرَّ بِذَلِكَ فَلَهُ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ سِعَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى إلَّا أَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا كَانَ يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُرَاهِقِ مِنْ طَوَافِ الْوُرُودِ فَاقْتَصَرَ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الَّذِي يُفْعَلُ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى وَلَا بُدَّ لَهُ لِمَنْ طَافَ طَوَافَ الْوُرُودِ وَلِمَنْ لَمْ يَطُفْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ مَنْ طَافَ طَوَافَ الْوُرُودِ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَسْعَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَمَنْ لَمْ يَطُفْ لِلْوُرُودِ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْوُرُودِ لِلْمُرَاهِقِ وَاسِعٌ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّفْظَ لِلتَّخْيِيرِ وَهُوَ فِيهِ أَظْهَرُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ فِي حَالِ طَوَافِهِ يُحَدِّثُ غَيْرَهُ وَلَا سِيَّمَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ فَكَرَاهِيَتُهُ فِي الْوَاجِبِ أَشَدُّ وَفِي هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: أَنَّ الْكَلَامَ لَا يُبْطِلُ الطَّوَافَ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْكَلَامَ بِغَيْرِ عِبَادَةٍ مَكْرُوهٌ فِي الطَّوَافِ. وَالثَّالِثَةُ: إذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْوُقُوفُ فَالْمَنْعُ فِيهِ أَشَدُّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ الْكَلَامَ لَا يُبْطِلُ الطَّوَافَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ فِيهِ فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَأَكْرَهُهُ فِي الْوَاجِبِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الطَّوَافَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ، ثُمَّ مَنَعَ الْحَدِيثَ فِيهِ فَقَصَدَ إلَى ذِكْرِ أَكْثَرَ مِنْهُ لِيُبَيِّنَ وَجْهَ الْكَرَاهِيَةِ، وَلِذَلِكَ خَصَّ بِهِ الْوَاجِبَ لِيُبَيِّنَ شِدَّةَ الْكَرَاهِيَةِ وَيَقْصُرَ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ وَإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ أَبَاحَ الْكَلِمَةَ وَالْكَلِمَتَيْنِ وَكَرِهَ مَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ حَتَّى يَصِيرَ حَدِيثًا يَشْتَغِلَ بِهِ عَنْ الْإِقْبَالِ عَلَى الطَّوَافِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُوَسَّعُ فِي الْأَمْرِ الْخَفِيفِ مِنْ الْحَدِيثِ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالتَّأْوِيلِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ فِي الطَّوَافِ لِغَيْرِ ذِكْرٍ وَلَا حَاجَةٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَلْيُقِلَّ الْكَلَامَ فِي الطَّوَافِ وَتَرْكُهُ فِي الْوَاجِبِ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ

[البدء بالصفا في السعي]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَطُوفُ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) . الْبَدْءُ بِالصَّفَا فِي السَّعْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا وَهُوَ يَقُولُ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ حَبِيبٍ: الْكَلَامُ فِي السَّعْيِ بِغَيْرِ مَا أَنْتَ فِيهِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الطَّوَافِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا مَعَ قِصَرِ مُدَّتِهَا أَوْ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِالْبَيْتِ فَكَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَمَكْرُوهًا لَا سِيَّمَا إذَا أَقْبَلَ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا أَوْ عَلَى مَا لَا يَعْنِي وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِهَا إذَا أَخْفَاهَا وَلَا يُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ يَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ فَكَيْفَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَفْعَلَ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ وَإِنَّمَا هِيَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَفْعَلَ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمْ تُسَنَّ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا لَمْ تُسَنَّ لِلصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَإِنَّمَا سُنَّتْ لِلصَّلَاةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةُ النَّاسِ أَوْ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُظَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ فَأَمَّا مَنْ أَخْفَاهَا وَلَمْ يَقْرَأْ لِلطَّوَافِ وَلَمْ يُكْثِرْ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهَا عَلَى مَا حَكَاهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا كَالدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ الْوُقُوفَ لِلْحَدِيثِ أَشَدُّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْوُقُوفُ لِلْحَدِيثِ أَشَدُّ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ أَشَدُّ مِنْهُ بِغَيْرِ وُقُوفٍ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ أَشَدُّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُقُوفَ فِيهِ مَمْنُوعٌ وَالْحَدِيثَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَاجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ مَمْنُوعَانِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَصْلًا بَيْنَ أَبْعَاضِ الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعِ اتِّصَالُهَا وَتَفْرِيقًا لِأَجْزَائِهَا بِالْإِقْبَالِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَكَّدَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَكَذَلِكَ لَا يَمَسُّ الرُّكْنَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الطَّوَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ كُلِّهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ أَفْضَلُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالطَّوَافِ الَّذِي مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الطَّهَارَةُ. وَلَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ بَعْدَ الطَّوَافِ أَوْ الرُّكُوعِ لَكَانَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِسَعْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَعَى مُحْدِثًا صَحَّ سَعْيُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ وَرَكَعَتْ لَطَافَتْ عَلَى حَالِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَأَجْزَأَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. [الْبَدْءُ بِالصَّفَا فِي السَّعْيِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ الصَّفَا» وَالْخُرُوجُ إلَى الصَّفَا يَكُونُ بِإِثْرِ الطَّوَافِ مُتَّصِلًا بِالرُّكُوعِ لَهُ وَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: فِي لُزُومِ اتِّصَالِهِ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. وَالثَّانِيَةُ: فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا لُزُومُ تَرْتِيبِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَلُزُومِ اتِّصَالِهِ بِهِمَا فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوَّلُ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. (فَرْعٌ) وَمَنْ طَافَ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَسْعَى إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ يَخَافُ فَوَاتَهَا أَوْ يَتَعَذَّرُ التَّصَبُّرُ لَهَا وَيُرْجَى بِالْخُرُوجِ ذَهَابُهَا كَالْحَقْنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخَوْفِ عَلَى النُّزُولِ وَكُرِهَ الْخُرُوجُ لِلْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِالْخُرُوجِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَبْتَدِئُ طَوَافَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَبْدَأْهُ حَتَّى يَرْجِعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، ثُمَّ يَسْتَلِمَ الْحِجْرَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ مَارٌّ بِالْحِجْرِ يُرِيدُ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الطَّوَافِ. (فَرْعٌ) وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الصَّفَا بَابًا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ الْخُرُوجُ عَلَى بَابِ الصَّفَا غَيْرَ أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْوُقُوفِ وَيُبْتَدَأُ السَّعْيُ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] وَهَذَا حُكْمُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَبَدَأَ بِالصَّفَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّفَا أَقْرَبُ إلَى الْبَيْتِ فَيَخْرُجُ إلَيْهَا الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ مِنْ السَّعْيِ بِخُطُوَاتٍ يَسِيرَةٍ، ثُمَّ يَرْقَى إلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ مِنْهَا إلَى الْمَرْوَةِ سَاعِيًا فِي نُسُكِهِ وَلَوْ بَدَأَ أَوَّلًا بِالْمَرْوَةِ لَخَرَجَ إلَيْهَا مِنْ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِأَكْثَرِ الْمَسْعَى وَهُوَ غَيْرُ سَاعٍ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ إلَى أَنْ يَطُوفَ بِأَكْثَرِ الْبَيْتِ قَبْلَ طَوَافِهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ الْبَدْءُ بِالصَّفَا أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا بَنَى عَلَى سَعْيِهِ شَوْطًا ثَامِنًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ بِهِ سَبْعًا أَوَّلُهَا الْوُقُوفُ بِالصَّفَا وَآخِرُهَا الْوُقُوفُ بِالْمَرْوَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَعْيِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَقِيبَ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَاعْتَدَّ مِنْ سَعْيِهِ بِمَا تَعَقَّبَ وُقُوفَهُ عَلَى الصَّفَا فَأَكْمَلَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ سَعْيِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَبَدَأَ بِالصَّفَا» يُرِيدُ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا أَوْ افْتَتَحَ بِذَلِكَ سَعْيَهُ وَوُقُوفَهُ عَلَى الصَّفَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَعَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلُهَا وَبِذَلِكَ يُتِمُّ سَعْيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَيْنَهُمَا. (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا» الْوُقُوفُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكُونُ بِأَعْلَاهُمَا مِنْ حَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا يَقْتَضِي الْإِشْرَافَ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ بِأَعْلَاهَا أَمْكَنَهُ رُؤْيَةُ الْبَيْتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الرَّجُلِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَمَنْ سَعَتْ مِنْهُنَّ فِي سِعَةِ وَقْتِ خَلْوَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَقِفُ عَلَى أَعْلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَنْ سَعَتْ بَيْنَ الرِّجَالِ فَلْتَقِفْ فِي أَصْلِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَرْقَى إلَى أَعْلَاهُ؛ لِأَنَّ التَّأَخُّرَ عَنْ الرِّجَالِ وَالِاعْتِزَالَ لِمَوْضِعِهِمْ مَشْرُوعٌ لَهُنَّ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِنَّ، أَصْلُ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ وَلْيَقِفْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا السَّقِيمُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُقُوفَ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ فَالْوُقُوفُ فِيهِ أَفْضَلُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرُ مَرَضٍ أُبِيحَ لَهُ الْقُعُودُ» ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ حُكْمَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَبِأَنْ يَسْقُطَ هَاهُنَا أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو» عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ مَا تَكَلَّمَ وَكَانَ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا» ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَهُ قُرْبٌ وَرَحْمَةٌ فَكَانَ يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا تَارَةً لِلْإِفْهَامِ وَالتَّعْلِيمِ وَتَارَةً

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتنِي لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاسْتِكْثَارِ مِنْ الذِّكْرِ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا تُكَرَّرُ بِهِ الْأَذْكَارُ مَعَ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَدٍّ فِي تَكْرَارِ هَذَا الذِّكْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَكْرَارِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ فِيمَا يَشْرَعُهُ مُعْلِنًا بِحَظٍّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَحَظٍّ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا لِقُوَّةٍ أَوْ رَغْبَةٍ فِي الْخَيْرِ فَحَسَنٌ وَمَنْ قَصَرَ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا الذِّكْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَذْكَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ مَا قَالَهُ هُوَ وَالنَّبِيُّونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الْإِتْيَانِ بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا اسْتَطَاعَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيُهَلِّلُ مَرَّةً كَمَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ يَدْعُو ثُمَّ يُعِيدُ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيَكُونُ إحْدَى وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وَسَبْعَ تَهْلِيلَاتٍ وَالدُّعَاءُ بَيْنَ ذَلِكَ وَلَا يَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ مَرْوِيٌّ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ أَوْ دَعَا بِمَا أَمْكَنَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي غَيْرَ الصِّفَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا ابْنُ حَبِيبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ إنَّمَا يَقْتَضِي تَكْبِيرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَهْلِيلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَكْبِيرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَهْلِيلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَكْبِيرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَهْلِيلَ مَرَّةٍ ثُمَّ الدُّعَاءَ بَعْدُ، وَكَيْفَمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَدْعُو قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ جَابِرٌ عَلَى دُعَاءٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاقِفِهِ أَدْعِيَةً مُخْتَلِفَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَقِّتْ فِي ذَلِكَ دُعَاءً فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ ضَعِيفًا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الدُّعَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مَعَ اسْتِقْصَائِهِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فِي الْحَجِّ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَقَلَ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤَالٍ وَرَغْبَةٍ، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا مَشْرُوعٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَكَيْفَ صِفَةُ رَفْعِهِمَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ دُعَاءَ التَّضَرُّعِ وَالطَّلَبِ إنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبُطُونُهُمَا إلَى السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عِنْدَ الذِّكْرِ وَالتَّعْظِيمِ وَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي ضَعَّفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» يُرِيدُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ عَلَى الصَّفَا وَيَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّمَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا وَكُلَّمَا وَقَفَ عَلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الصَّفَا أَرْبَعًا وَعَلَى الْمَرْوَةِ أَرْبَعًا. (ش) : دُعَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِهَذَا الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَإِنَّمَا يَدْعُو كُلُّ إنْسَانٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَعِنُّ لَهُ وَيَبْدُو مِنْ حَاجَتِهِ وَأَوْكَدُ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ وَأَنَّ مِنْ أَوْكَدِ الْأَشْيَاءِ الدُّعَاءُ لِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَنْ يُتَوَفَّى الْمَرْءُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا بَدَأَ بِهِ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ إعْلَانٌ

[جامع السعي]

جَامِعُ السَّعْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «قُلْت لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلًّا لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قَدِيدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] » ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِيمَانِهِ وَتَيَقُّنِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْعِدَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُفُ الْمِيعَادَ وَإِخْبَارُهُ عَنْ امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي الدُّعَاءِ وَانْتِظَارِهِ مَا وَعَدَ بِهِ تَعَالَى مِنْ الْإِجَابَةِ. [جَامِعُ السَّعْيِ] (ش) : قَوْلُ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فَقِهَ وَلَا عَلِمَ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَتَأَوَّلُ بِهِ نَصَّ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَمَا عَلَى الرَّجُلِ شَيْءٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا فَتَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا تَقْتَضِي أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ دُونَ الْوَاجِبَةِ وَلَكِنْ كَانَ لِهَذَا سَبَبٌ، وَذَلِكَ إنَّمَا خَاطَبَ بِهِ مَنْ كَانَ يَرَى الْحَرَجَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَنْ كَانَ لَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَلِذَلِكَ خُوطِبَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا اعْتَقَدَ أَنَّ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ مَحْظُورٌ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ لَهُ لَا إثْمَ عَلَيْك فِي قَضَائِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَ قَضَائِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] يَقْتَضِي نَفْيَ الْحَرَجِ عَنْ التَّطَوُّفِ بِهِمَا، وَكَوْنُ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَهُ كَلًّا لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ لَقَالَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا اسْتَفْتَحَتْ كَلَامَهَا بِكَلَّا عَلَى مَعْنَى التَّحْقِيقِ وَالتَّأْكِيدِ وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ لَقَالَ تَعَالَى فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا فَيَنْفِي الْحَرَجَ عَنْ تَارِكِ الطَّوَافِ بِهِمَا وَهُوَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَنَفَى الْحَرَجَ عَنْ الْمُطَّوِّفِ بِهِمَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ تَرَكَ الطَّوَافَ بِهِمَا وَيُوجِبُ السَّعْيَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالُوا: إنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَنُوبُ عَنْهُ دَمٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ وَلَكِنَّ الدَّمَ يَنُوبُ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُحِلُّوا ثُمَّ يَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا» وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ سَعْيٌ ذُو عَدَدٍ سَبْعٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ كَالطَّوَافِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قَدِيدٍ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يَتَحَرَّجُ عَنْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَصَدَ بِهَا إلَى نَفْيِ مَا اعْتَقَدُوهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَكُنْ جَوَابٌ لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ السَّعْيِ أَمَشْرُوعٌ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَتْ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فَخَرَجَتْ تَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَاشِيَةً وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَقِيلَةً فَجَاءَتْ حِينَ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ الْعِشَاءِ فَلَمْ تَقْضِ طَوَافَهَا حَتَّى نُودِيَ بِالْأُولَى مِنْ الصُّبْحِ فَقَضَتْ طَوَافَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَكَانَ عُرْوَةُ إذَا رَآهُمْ يَطُوفُونَ عَلَى الدَّوَابِّ يَنْهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ فَيَعْتَلُّونَ لَهُ بِالْمَرَضِ حَيَاءً مِنْهُ فَيَقُولُ لَنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ: " لَقَدْ خَابَ هَؤُلَاءِ وَخَسِرُوا ") . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؟ . وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّهُ سَمِعَ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كُنَّا نَطُوفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ لَا نَطُوفَ بِهِمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِيمَنْ طَافَ وَفِيمَنْ لَمْ يَطُفْ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ خَافَ أَنْ يَخْرُجَ إذَا طَافَ بَيْنَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] بَيَّنَ بِذَلِكَ مَا أَنْزَلَ لِلسَّائِلِينَ مِنْ حُكْمِ سُؤَالِهِمْ وَقَوْلُهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] بَيَانٌ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا الْإِبَاحَةَ وَإِنَّمَا هُوَ إنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ إثْمًا وَحَرَجًا وَبِمَنْزِلَةِ أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ هَلْ فِيهِ إثْمٌ فَيُقَالُ: هُوَ فَرْضٌ فَلَا يَأْثَمُ أَحَدٌ بِهِ وقَوْله تَعَالَى فِي حُكْمِ مَنْ سَأَلَ هَلْ يَأْثَمُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِهِمَا أَنَّهُمَا مِمَّا أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِ فِي قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا مِنْ الشَّعَائِرِ الَّتِي شُرِعَ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا وَمَنْ كَانَ هَذَا حُكْمُهُ فَلَا جُنَاحَ فِيهِ بَلْ فِيهِ الْأَجْرُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ سَوْدَةُ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فَخَرَجَتْ تَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَقِيلَةً لَا تُكْمِلُ طَوَافَهَا لِثِقَلِهَا إلَّا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَبَيْنَ الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ لِثِقَلِ جِسْمِهَا إلَّا أَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ كَانَتْ تَطُوفُ بَيْنَهُمَا مَاشِيَةً وَلَا تَتَرَخَّصُ بِالرُّكُوبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ أَيْ أُمَّتَاهُ مَا مَنَعَك مِنْ الْعُمْرَةِ عَامَ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْتَظَرْنَاكِ فَقَالَتْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْشِيَ بَيْنَهُمَا وَأَكْرَهَ أَنْ أَرْكَبَ بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ لَا يُرْكَبُ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْعَى الرَّجُلُ رَاكِبًا مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ يَرْكَبُ بَيْنَهُمَا مَنْ شَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سَعَى مَاشِيًا» وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ سَعْيٌ ذُو عَدَدٍ سَبْعٍ فَكَانَ حُكْمُهُ الْمَشْيَ مَعَ الْقُوَّةِ، أَصْلُ ذَلِكَ الطَّوَافُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعِيدُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا مِنْ السَّعْيِ مَا لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ فَإِذَا فَاتَ بِانْفِصَالِهِ مِنْ الطَّوَافِ لَمْ يَبْقَ إلَّا جَبْرُهُ بِالدَّمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَقْضِ طَوَافَهَا حَتَّى نُودِيَ بِالْأُولَى مِنْ الصُّبْحِ. وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَرِيحُ فِي أَثْنَاءِ سَعْيِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْجُلُوسَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ لِعُذْرٍ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْقَطْعِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ مَعُونَةً عَلَى الْعِبَادَةِ وَتَسَبُّبًا إلَى إتْمَامِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجُلُوسُ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَمَمْنُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا الِاتِّصَالُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَإِنْ طَالَ الْجُلُوسُ حَتَّى يَكُونَ تَارِكًا لِلسَّعْيِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَلَا يَبْنِي. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ حُكْمُهَا الِاتِّصَالُ فَإِذَا شُغِلَ فِيهَا بِعَمَلٍ يَسِيرٍ لَيْسَ مِنْهَا لَمْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَسْتَبْعِدَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْعَى وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَلْقَاهُ الرَّجُلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَيَقِفُ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْطَعْهَا كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ التَّارِكِ لَهَا لِطُولِ جُلُوسِهِ فَقَدْ عَدِمَ مَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِنْ الِاتِّصَالِ فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ وَأَتَمَّ سَعْيَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ،. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اتِّصَالَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَفَضَائِلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُرْوَةَ لَقَدْ خَابَ هَؤُلَاءِ وَخَسِرُوا يُرِيدُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْمَشْرُوعَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَفَعَلُوا الْمَكْرُوهَ مَعَ تَعَبِهِمْ وَتَكَلُّفِهِمْ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْمَشَقَّةَ الْبَعِيدَةِ وَتَمَوُّنَ النَّفَقَةِ الْكَثِيرَةِ فَقَدْ خَابُوا مِنْ أَجْرِ مَنْ أَتَى بِالْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَخَسِرُوا مَا غَنِمَ مَنْ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَرْكَانِ نُسُكِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَالْمُكَلَّفُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَحَلُّلِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ بَعْدُ نُسُكَهُ حِينَ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ النُّسُكَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالتَّحَلُّلِ دُونَ التَّمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَإِذَا كَانَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِهِ وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِهِ فَلَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَهُ بَاقِيًا عَلَى إحْرَامِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى إحْرَامِهِ فَسَادًا رَجَعَ فَأَتَمَّ نُسُكَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ فَسَادًا رَجَعَ فَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ الَّتِي أَفْسَدَ، ثُمَّ قَضَاهَا وَأَهْدَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَسْتَبْعِدَ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْعَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ أَنْ يَقْدُمَ مِنْ الطَّوَافِ مَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ السَّعْيُ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ السَّعْيِ اتِّصَالَهُ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَقَّبَ مَالَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِذَا كَانَ مِنْ سُنَّتِهِ اتِّصَالُهُ بِالطَّوَافِ لَزِمَ إعَادَةُ الطَّوَافِ لِيَتَعَقَّبَهُ السَّعْيُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَخَّرَ سَعْيَهُ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَاعَدَ عَنْهَا أَهْدَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعَقُّبَهُ لِلطَّوَافِ وَاتِّصَالَهُ بِهِ مِنْ سُنَّتِهِ وَوَاجِبَاتِ أَحْكَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْمَشَقَّةُ بِالْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَ ذَلِكَ بِالدَّمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي ذَكَرَ السَّعْيَ بَعْدَ أَنْ أَصَابَ النِّسَاءَ يَرْجِعُ فَيَتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ إذَا أَصَابَ النِّسَاءَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ، ثُمَّ يَقْضِيَهَا وَيُهْدِيَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ لِإِفْسَادِهِ الْعُمْرَةَ وَلِلتَّفْرِقَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا قَالَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ حَمْلَانِ مَا لَا يُطِيقُ حَمْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ هَدْيٌ، ثُمَّ يَعْجِزُ فَيَرْكَبُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِلْأَمْرَيْنِ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: نَرَى عَلَيْهِ هَدْيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِلتَّفْرِقَةِ. وَالثَّانِي: لِلْإِفْسَادِ وَلَيْسَ هَدْيُ التَّفْرِقَةِ عِنْدَهُ بِوَاجِبٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ إنَّ مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ اتِّصَالَهَا وَيَلْزَمُ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا وَالِاشْتِغَالُ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْوُقُوفِ فَإِذَا اشْتَغَلَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ وَأَخَذَ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْقَطْعِ لَهَا مِنْ الْوُقُوفِ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى الْمَشْرُوعِ مِنْ أَحْكَامِهَا وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْ هَيْئَاتِهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْوُقُوفُ لِلْحَدِيثِ فِي السَّعْيِ أَشَدُّ مِنْهُ بِغَيْرِ وُقُوفٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَهُوَ يَسْعَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ نَسِيَ مِنْ طَوَافِهِ شَيْئًا أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ سَعْيَهُ، ثُمَّ يُتِمُّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ سَعْيَهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَفِيفًا أَتَمَّ سَعْيَهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا ابْتَدَأَ فَأَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْوُقُوفِ لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا يَلْزَمُ الْخُرُوجُ لَهَا وَغَيْرُهُ يَقُومُ بِفَرْضِهَا فَإِذَا خَرَجَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَارٌ لِقَطْعِ سَعْيِهِ بِغَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْرُجُ عَنْ سَعْيِهِ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ بِخِلَافِ الطَّائِفِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّمَادِي عَلَى طَوَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَالِفِ عَلَى الْإِمَامِ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَقَامَهَا وَأَمَّا السَّعْيُ فَهُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ عَلَى الْإِمَامِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ وَهُوَ يَسْعَى أَوْ أَحْدَثَ فَإِنَّ الْحَاقِنَ يَخْرُجُ فَيَبُولُ وَيَتَوَضَّأُ وَكَذَا الْمُحْدِثُ وَيَبْنِيَانِ عَلَى سَعْيِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ كَانَ لِضَرُورَةٍ وَالِاشْتِغَالُ بِالْوُضُوءِ كَانَ لِإِتْمَامِ فَضِيلَةِ السَّعْيِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ الطَّهَارَةِ كَالرَّاعِفِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ نَسِيَ مِنْ طَوَافِهِ شَيْئًا وَلَوْ شَوْطًا وَاحِدًا فَذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ سَعْيِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ طَوَافَهُ ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْعَى وَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ سَعْيَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ تَمَامِ سَعْيِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُتِمُّ طَوَافَهُ، ثُمَّ يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْعَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْعَى إلَّا بَعْدَ تَمَامِ طَوَافِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَطَاوَلَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ اسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ كُلَّهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّعْيَ يَتَعَقَّبُ الطَّوَافَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى بِالطَّوَافِ قَبْلَ السَّعْيِ» ، وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ: يَرْجِعُ لِتَمَامِ طَوَافِهِ فَإِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ شَوْطٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بَنَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ شَوْطٍ فَهَلْ يُتِمُّ ذَلِكَ الشَّوْطَ أَوْ يَبْتَدِئُهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ يَبْتَدِئُ الشَّوْطَ مِنْ أَوَّلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ شَكَّ فِي شَوْطٍ مِنْ طَوَافِهِ وَهُوَ يَسْعَى فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيُتِمُّ طَوَافَهُ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يُعِيدُ الرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالطَّوَافِ عَلَى يَقِينٍ لِيَتَحَقَّقَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ الطَّوَافَ عَلَى الْيَقِينِ ثُمَّ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِمَا هُوَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَأَمَّا إنْ شَكَّ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَيَسْعَى بَعْدَهُ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَلَوْ لَمْ يُعِدْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ رَجَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ مُتَيَقَّنٍ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ إنَّ شَكَّهُ بَعْدَ تَمَامِ عِبَادَتِهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَهُوَ عَلَى مَا أَتَمَّهَا عَلَيْهِ مِنْ يَقِينِ التَّمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ فَأَخْبَرَهُ مَنْ يَطُوفُ مَعَهُ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ طَوَافَهُ قَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ السَّعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ مَالِكٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى يَقِينِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ نَظَرٌ وَلِقَوْلِ مَالِكٍ وَجْهٌ صَحِيحٌ مِنْ النَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَرْجِعُ فِي الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ لَهَا الْجَمَاعَةُ وَأَمَّا الْعِبَادَةُ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَوَّلُ الشَّوْطِ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّائِفَ يَبْتَدِئُ فَيَسْتَلِمُ، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآخِرُهُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّ اسْتِيعَابَ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ لَازِمٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ فَإِنْ بَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي مَا بَدَأَ بِهِ قَبْلَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا فَرَغَ تَمَادَى إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ تَمَّ طَوَافُهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَتَمَّ طَوَافَهُ عَلَى ذَلِكَ وَرَكَعَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قَرِيبًا مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ أَوْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَعَادَ طَوَافَهُ فَإِنْ تَبَاعَدَا وَانْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا نَزَلَ مِنْ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ» ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ جَهِلَ فَبَدَأَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَالَ لِيَرْجِعْ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لِيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَيَسْتَبْعِدَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإعَادَةٌ وَيُهْدِي وَيُجْزِئُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَتَبَاعَدَ فَلْيُهِلَّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اسْتِفْتَاحَ الطَّوَافِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ سُنَنِهِ الْوَاجِبَةِ، وَلِذَلِكَ يُجْبَرُ بِالدَّمِ. (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَزَلَ مِنْ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ» هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ إنْ مَشَيْتهَا فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي وَإِنْ سَعَيْت فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «طُفْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَانَ فِي النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُ فَسَعَوْا فَلَا أَرَاهُمْ سَعَوْا إلَّا بِسَعْيِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَالسَّعْيُ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَقَدْ أَعْلَمَتْ الْخَلَفُ ذَيْنَك الْمَوْضِعَيْنِ حَتَّى صَارَ إجْمَاعًا، وَصِفَةُ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهَا بَيْنَ سَعْيَيْنِ وَهُوَ الْخَبَبُ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَرَكَ السَّعْيَ بِبَطْنِ الْمَسِيلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْ كَانَ مَرَّةً يَقُولُ: عَلَيْهِ الدَّمُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ جَهِلَ فَبَدَأَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَسْعَ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّعْيِ كَالرُّكُوعِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السُّجُودِ فَمَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ عَلَى الطَّوَافِ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِسَعْيٍ آخَرَ يَصِلَهُ بِطَوَافِهِ قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِيَرْجِعْ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لِيَرْجِعْ يُرِيدُ لِيَرْجِعْ مِنْ مَكَانِهِ إلَى الْبَيْتِ فَلْيَطُفْ بِهِ، ثُمَّ لِيَسْعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَبَعْدَ أَنْ طَالَ الْأَمْرُ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِلَ سَعْيُهُ بِهِ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ لِيَتَّصِلَ بِهِ السَّعْيُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ نَحْوَ هَذَا فِي شَرْحِهِ، وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِإِثْرِ طَوَافِهِ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَيُعِيدُ السَّعْيَ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ لِإِصَابَتِهِ النِّسَاءِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لَهَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَعْيِهِ وَطَوَافِهِ غَيْرُ مُجْزِئٍ فَكَانَ كَمَنْ وَطِئَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ كَانَ، وَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَى إحْرَامِهِ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ ثُمَّ يَحْلِقُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ لِعُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ قَضَاءً لِلْأُولَى الَّتِي أَفْسَدَ فَيَعْتَمِرُ وَيُهْدِي هَدْيًا لِإِفْسَادِ عُمْرَتِهِ الْأُولَى وَلَيْسَ هَاهُنَا تَفْرِيقٌ لِطَوَافٍ وَلَا سَعْيٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ.

[صيام يوم عرفة]

صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ] (ش) : تَمَارِيهِمْ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمِ عَرَفَةَ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا ظَنَّ أَمْرًا فَنَزَعَ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُرَغَّبٌ فِيهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مَمْنُوعٌ مَا يُخَافُ أَنْ يُضْعِفَهُ عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَخْصُوصِ بِعِبَادَتِهِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَيْسَ يَخْتَصُّ بِعِبَادَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ كُلِّ مَا يُضْعِفُهُ عَنْ عِبَادَتِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لَهُ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرْجَى فِي صِيَامِهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مَا لَا يُرْجَى فِي صِيَامِ غَيْرِهِ، وَفِطْرُهُ لِلْحَاجِّ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ عَنْ الدُّعَاءِ وَقَدْ أَفْطَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلْت إلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ تُرِيدُ أَنْ تَخْتَبِرَ بِذَلِكَ صَوْمَهُ وَتَعْلَمَ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي صَوْمِهِ وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ فِي مَعْرِفَةِ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَهُ فَيُعْلَمَ بِذَلِكَ فِطْرُهُ لِعِلْمِهَا بِصِحَّتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ إلَّا اخْتِيَارُ الْفِطْرِ وَأَمَّا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صَوْمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِشِبَعٍ وَرِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَوِّي التَّجْوِيزَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِي رَدِّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صَوْمِهِ أَوْ يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى سُؤَالِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ أَمَّا وُقُوفُهُ بِعَرَفَةَ فَالْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ صَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا رَيْثَمَا يَدْفَعُ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا أَرَادَتْ أُمُّ الْفَضْلِ أَنْ تَعْلَمَ بِذَلِكَ أَمُفْطِرٌ هُوَ أَمْ صَائِمٌ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا فِي وَقْتِ صَوْمٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْأَفْضَلُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْحَجِّ تَعَلُّقًا بِالْمَالِ، وَالْإِنْفَاقُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَفِي الْحَجِّ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَوْنٌ عَلَى مُوَاصَلَةِ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ عَلَى قَدَمَيْهِ يَضْعُفُ عَنْ مُوَاصَلَةِ ذَلِكَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَلِهَذَا الْمَعْنَى اُسْتُحِبَّ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَشَرِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ لِيُبَيِّنَّ لِلنَّاسِ فِطْرَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ عَلِمَ بِتَمَارِي أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَرَادَ تَبْيِينَ الشَّرْعِ وَإِيضَاحَ الْحَقِّ وَرَفْعَ اللَّبْسِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ الْقَاسِمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَدْفَعُ الْإِمَامُ، ثُمَّ تَقِفُ حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ) ش قَوْلُهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَقْتَضِي صِيَامَهَا إيَّاهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ جِهَةِ الْمَقْصِدِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ صِيَامِهَا إيَّاهُ فِي الْحَجِّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَلَعَلَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ حَمَلَتْ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى النَّاسِ وَأَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي صِيَامِهِ فِي الْحَجِّ لِمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ إدَامَةِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فَأَخَذَتْ فِي ذَلِكَ بِمَا رَأَتْهُ الْأَفْضَلَ مَعَ مَا عَلِمَتْ مِنْ قُوَّتِهَا مَعَهُ عَلَى إدَامَةِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَدْفَعُ الْإِمَامُ، ثُمَّ تَقِفُ حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ بَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ صَوْمَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ فِي الْحَجِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ دَفْعِ الْإِمَامِ وَوَقْتُ الْفِطْرِ وَوُقُوفُهَا هُنَاكَ لِيَخْلُوَ لَهَا الْمَوْضِعُ لِكَشْفِ وَجْهِهَا لِلْفِطْرِ وَتَمَكُّنِهَا مِمَّا تُرِيدُ مِنْهُ دُونَ أَنْ

[ما جاء في صيام أيام منى]

مَا جَاءَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ مِنَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ مِنَى» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمَهَا حِجَابٌ وَلَا سَتْرٌ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْأَرْضِ أَيْ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ سَوَادِ النَّاسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ تَدْعُو بِشَرَابٍ فَتُفْطِرُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْلَهَا ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ لِصَوْمٍ فَكَوْنُهُ فِطْرًا وَبِعَرَفَةَ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِصَوْمِهَا فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مَا تَنَاوَلَهُ مِنْ الطَّعَامِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِطْرًا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَقْتِ أَكْلٍ لِغَيْرِ الصَّائِمِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَصُومُ إنَّمَا يَشْتَغِلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالدُّعَاءِ وَبِالنَّفْرِ وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ وَالِاهْتِبَالِ بِذَلِكَ وَالتَّأَهُّبِ لَهُ وَلَا يَشْتَغِلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِتَنَاوُلِ طَعَامٍ إلَّا صَائِمٌ يَقْصِدُ الْبِرَّ بِتَعْجِيلِ فِطْرِهِ أَوْ يَسْتَرْجِعُ بِهِ قُوَّتَهُ لِيَسْتَعِينَ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ. [مَا جَاءَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ مِنَى] (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ مِنَى يَقْتَضِي مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ النَّهْيَ الْعَامَّ عَنْ صِيَامِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ غَيْرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ وَتَأَوَّلُوا نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا الْمُتَطَوِّعُ وَمَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ مِنَى مُتَطَوِّعًا فَلْيُفْطِرْ مَتَى مَا ذَكَرَ مِنْ نَهَارِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِطْرِهِ فَمَتَى مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَفْطُرَ وَيَرْجِعَ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِيَامُهَا عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي صِيَامِهِمَا عَنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ مُتَتَابِعٍ فِي كَفَّارَةٍ. وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ عَنْ نَذْرِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَعْيِينَهُ بِالنَّذْرِ، وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يُصَامَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ الْمُتَتَابِعِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا صِيَامُ الْمُتَمَتِّعِ أَيَّامَ مِنًى فَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ أَيَّامَ مِنًى، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَلَيْسَ هَاهُنَا أَيَّامٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهَا غَيْرَ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَوْ شَارَكَهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَيَّامِ فِي هَذَا الصَّوْمِ لَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَعَلَى هَذَا حَمَلَ مَالِكٌ الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا وَصَفَ هَذِهِ الْأَيَّامَ بِأَنَّهَا أَيَّامُ مِنًى؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْمَقَامِ بِمِنًى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يُطْلَبُ صِيَامُهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا تُصَامَ أَيَّامُ مِنًى فِي الْفِدْيَةِ وَمَا سَمِعْت ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُتَمَتِّعِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ ظَاهِرٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ يَقُولُ: إنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» ) . (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّهُ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ يَقُولُ: إنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ» الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِهِ إلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ وَاهْتِبَالِهِ بِتَعْلِيمِ النَّاسِ هَذَا مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِيهَا مُسْتَحَبٌّ تَخْصِيصُهَا بِهِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَيَّامِ الْعِبَادَاتِ كَمَا شُرِعَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا كَصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِيُخْبِرَ أَنَّ صَوْمَهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَأَنَّهَا

[ما يجوز من الهدي]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى» ) . مَا يَجُوزُ مِنْ الْهَدْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى جَمَلًا» نَصٌّ فِي أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ يَكُونُ فِي ذُكُورِ الْإِبِلِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُهْدِي إلَّا الْإِنَاثَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْهَدْيَ جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ الْقُرُبِ فَلَمْ تَخْتَصَّ بِإِنَاثِ الْحَيَوَانِ دُونَ ذُكُورِهِ كَالضَّحَايَا وَالزَّكَاةِ وَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَاتِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ: ارْكَبْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّهَا بَدَنَةٌ فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ الْعِيدِ الَّتِي شُرِعَ الْفِطْرُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَنْعُ مِنْ الصَّوْمِ فِيهَا مَنْعَهُ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ بِوَجْهٍ. (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَقَدْ وَرَدَ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ صَحِيحَةٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ وَأَيَّامُ الْعِيدِ مَخْصُوصَةٌ بِالْفِطْرِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الصَّوْمِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ قَالَ فَدَعَانِي قَالَ فَقُلْت لَهُ: إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ هَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهِنَّ وَأَمَرَنَا بِفِطْرِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ «إنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ فَدَعَاهُ» يُرِيدُ أَنَّهُ دَعَاهُ عَلَى مَعْنَى اسْتِعْمَالِ حُسْنِ الْأَدَبِ مَعَ الْوَلَدِ وَبَذْلِ الطَّعَامِ وَالسَّخَاوَةِ وَالْمُشَارَكَةِ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَمَدَّحُ بِهِ وَتَفْخَرُ بِالْإِيثَارِ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ الشَّرْعُ قَالَ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ آثَرَ ضَيْفَهُ بِطَعَامِهِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ أَنْ تُطْعِمَ الطَّعَامَ وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنِّي صَائِمٌ عَلَى إظْهَارِ عُذْرِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ طَاعَةِ أَبِيهِ وَبِمَا دَعَاهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ بِمَا دَعَاهُ إلَيْهِ لَيْسَتْ بِمَعْصِيَةٍ بَلْ هِيَ مَشْرُوعَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا وَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَدْعُهُ إلَى طَعَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِصَوْمِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَ فِيهَا هِيَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهَا وَأَمَرَ بِفِطْرِهَا وَأَنَّ مَا ابْتَدَاهُ عَبْدُ اللَّهِ فِيهَا مِنْ الصَّوْمِ مَمْنُوعٌ يَلْزَمُهُ قَطْعُهُ قَالَ مَالِكٌ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ يُرِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُهَا وَلَا تَعْيِينُهَا غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فِي الْأَيَّامِ أَيَّامٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهَا بِالْمَنْعِ مِنْ الصَّوْمِ فِيهَا غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ إنَّمَا هُوَ يَوْمٌ وَكَذَلِكَ يَوْمُ النَّحْرِ لِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا مُتَّصِلَةٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَقَدَ أَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ ذَلِكَ لِخَبَرٍ بَلَغَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَا يَجُوزُ مِنْ الْهَدْيِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا» لَيْسَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُهْدِي فِي الْحَجِّ بَدَنَتَيْنِ بَدَنَتَيْنِ وَفِي الْعُمْرَةِ بَدَنَةً بَدَنَةً قَالَ رَأَيْتُهُ فِي الْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بَدَنَةً وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ وَكَانَ فِيهَا مَنْزِلُهُ قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ طَعَنَ فِي لَبَّةِ بَدَنَةٍ حَتَّى خَرَجَتْ الْحَرْبَةُ مِنْ تَحْتِ كَتِفِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ ذِكْرٌ لِحَالِ الرَّجُلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ اُضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا وَكَانَ مَعَ كَثْرَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثْرَةِ هَدْيِهِمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَأَى جَمَاعَةً يَسُوقُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَوْ أَمَرَ جَمِيعَهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَكَانَ رُكُوبُ الْبُدْنِ مَشْرُوعًا كَثِيرًا مَشْهُورًا وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا الْأَحْمَالَ وَتَصَرَّفَ فِي الْعَمَلِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَالْكِرَاءِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّ الْبُدْنَ مَا أُخْرِجَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا وَإِنَّمَا تُرْكَبُ الْبُدْنُ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ الرُّكُوبِ الْخَفِيفِ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ الرَّجُلُ بَدَنَتَهُ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ وَلَا يَرْكَبُهَا بِالْحَمْلِ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا زَادَهُ وَلَا شَيْءَ يُتْعِبُهَا بِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ رَكِبَهَا مُحْتَاجًا إلَى رُكُوبِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَ إذَا اسْتَرَاحَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَبَاحَ رُكُوبَهَا بِمَا حَدَثَ مِنْ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَكَانَ لَهُ رُكُوبُهَا بَعْدَ دَفْعِ تِلْكَ الْحَاجَةِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْمُضْطَرِّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا يَأْكُلُهَا حَتَّى يُضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا، ثُمَّ تَدُومُ تِلْكَ الضَّرُورَةُ بِالشِّبَعِ مِنْهَا فَيَسْتَدِيمُ اسْتِبَاحَةَ أَكْلِهَا حَتَّى يَجِدَ مَا يُغْنِيَهُ عَنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ: إنَّهَا بَدَنَةٌ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ رُكُوبَهَا لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا غَيْرُ بَدَنَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْبُدْنِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى مَا قَدْ وَجَبَ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ هَدْيُهُ لِبَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُشْعِرَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ مُقَلَّدَةً مُشْعِرَةً فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا بَدَنَةٌ وَقَوْلُ الرَّجُلِ: إنَّهَا بَدَنَةٌ مَعَ ذَلِكَ نِهَايَةُ التَّحَرُّزِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ وَالْإِعْلَامِ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ رُكُوبَهَا لِكَوْنِهَا بَدَنَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ حَالِهَا مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ إيجَابِهَا أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إيجَابِهَا فَقَدْ أَغْفَلَ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ فَلَا عَلَامَةَ بِأَنَّهَا بَدَنَةٌ، وَجْهٌ وَاضِحٌ بَيِّنٌ غَيْرَ أَنَّ رُكُوبَهَا مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَ لَهُ رُكُوبَهَا أَوْ أَمَرَهُ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا بَدَنَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُهَا وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ رُكُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ نَوَى إيجَابَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَوَجْهُ رُكُوبِهَا أَبْيَنُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ تَعْيِينِهَا بِالنِّيَّةِ وَقَبْلَ الْإِيجَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ ارْكَبْهَا ابْتِدَاءً فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ زَجْرًا عَنْ مُرَاجَعَتِهِ عَنْ أَمْرٍ قَدْ كَانَ لَهُ فِي التَّعَلُّقِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَحَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْأَحْوَالِ سِعَةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الثَّانِيَةَ مِنْ جَوَابِهِ لَهُ عَنْ قَوْلِهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ زَجْرًا لَهُ عَنْ تَكْرِيرِ سُؤَالِهِ عَنْ أَمْرٍ قَدْ بَيَّنَهُ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ أَمْرَهُ بِرُكُوبِهَا بِحَالِ الْكَلَالِ دُونَ حَالِ الْإِرَاحَةِ وَلَا قَالَ لَهُ فَإِذَا أَسْقَطْت الْمَشْيَ فَانْزِلْ فَاقْتَضَى ذَلِكَ اسْتِدَامَتَهُ رُكُوبَهَا وَإِنْ زَالَ تَعَبُ مَشْيِهِ بِرُكُوبِهَا. (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عُمَرَ يُهْدِي فِي الْحَجِّ بَدَنَتَيْنِ بَدَنَتَيْنِ وَفِي الْعُمْرَةِ بَدَنَةً بَدَنَةً عَلَى مَعْنَى تَعْظِيمِ الْحَجِّ وَالتَّقَرُّبِ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَتَقَرَّبُ فِي الْعُمْرَةِ؛ وَلِأَنَّهُ كَمَا كَانَ الْحَجُّ أَكْثَرَ عَمَلًا كَانَ يَخُصُّهُ بِزِيَادَةٍ فِي إخْرَاجِ الْمَالِ لَمَّا كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَمَلِ وَالْمَالِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يَتَكَرَّرُ فِعْلُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرَأَيْتُهُ فِي الْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بَدَنَةً وَهِيَ قَائِمَةٌ يَقْتَضِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَهْدَى جَمَلًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَهْدَى بَدَنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بُخْتِيَّةٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إذَا نَتَجَتْ النَّاقَةُ: فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَحْمَلٌ حُمِلَ عَلَى أُمِّهِ حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِيَةُ أَنْ يَنْحَرَ الْبُدْنَ قِيَامًا. فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ «وَنَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ سَبْعِينَ بَدَنَةً قِيَامًا» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَحْرِهَا قِيَامًا فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ غَيْرِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِ تُنْحَرُ بَارِكَةً، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَحَرَ سَبْعِينَ بَدَنَةً قِيَامًا» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِمَنْ يَنْحَرُهَا؛ لِأَنَّهُ يَطْعَنُ فِي لَبَتِّهَا وَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الَّتِي سُنَّتُهَا الذَّبْحُ فَإِنَّ إضْجَاعَهَا أَمْكَنُ لِتَنَاوُلِ ذَبْحِهَا فَالسُّنَّةُ إضْجَاعُهَا. (فَرْعٌ) وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّأْنَ أَنْ تُنْحَرَ الْبُدْنُ قَائِمَةً قَدْ صُفَّتْ يَدَاهَا بِالْقَيْدِ. وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا لَا يَعْقِلُهَا إلَّا مَنْ خَافَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ وَكَانَ فِيهَا مَنْزِلُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُخْرِجُ هَدْيَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مَنْحَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ فِيهِ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِ مَنْحَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمْ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْحَرَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَطْعَنُ فِي لَبَّةِ بَدَنَتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ الْحَرْبَةُ مِنْ تَحْتِ كَتِفِهَا إخْبَارٌ مِنْهُ بِمَا شَاهَدَ مِنْ فِعْلِهِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا تَعَمُّدٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ النَّحْرِ عَلَى وَجْهِ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمُبَالَغَةُ بِالطَّعْنِ فِي لَبَّةِ الْبَدَنَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْإِبِلِ مَأْمُورًا بِهَا لِيُتِمَّ الذَّكَاةَ وَلَا يُقَصِّرَ بِذَلِكَ تَقْصِيرًا لَمْ تَتِمَّ بِذَلِكَ الذَّكَاةُ كَإِمْرَارِ الشَّفْرَةِ عَلَى الْحَلْقِ فِي الذَّبْحِ فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي ذَلِكَ مَشْرُوعَةٌ لِتَيَقُّنِ تَمَامِ الذَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعُ الرَّأْسِ مَشْرُوعًا. (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبُدْنَ تَكُونُ مِنْ ذُكُورِ الْإِبِلِ وَإِنَاثِهَا وَإِنْ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ الِاخْتِيَارِ دُونَ الضَّرُورَةِ وَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ حَالِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَوْنُهَا مِنْ إنَاثِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ مَعَ أَنَّ أَثْمَانَهَا إنَّمَا كَانَتْ فِي الْأَغْلَبِ أَقَلَّ مِنْ أَثْمَانِ الذُّكُورِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ لِذَلِكَ وَاخْتِيَارِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ أَفْضَلُ أَوْ لِيُحْيِيَ سُنَّةَ الْجَوَازِ. (ش) : هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ نَجَابِيَّةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَنْوَاعَ الْإِبِلِ كُلَّهَا تُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا الْبُخْتُ، وَالنَّجْبُ وَالْعِرَابُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِبِلِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبَقَرِ مِنْ الْجَوَامِيسِ وَالْبَقَرِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْغَنَمِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ فِي الْأَسْنَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : حَمْلُ مَا تُنْتِجُهُ النَّاقَةُ يَكُونُ إنْ كَانَتْ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الْمَشْيِ فِي قُرْبِ الْمَكَانِ لِسَوْقِهِ مَعَهَا وَمُرَاعَاتِهِ لَهُ بِمَا يُرَاعِيهَا بِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَلْيَحْمِلْهُ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الظَّهْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَحْمَلًا حَمَلَهُ عَلَى أُمِّهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حَمْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ عَلَى أُمِّهِ كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ هُوَ إلَى رُكُوبِهَا وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أُمُّهُ عَلَى حَمْلِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُكَلَّفُ هُوَ حَمْلُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حَمْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَهَلَكَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَخْلُو الْبَدَنَةُ أَنْ تُنْتِجَ قَبْلَ إيجَابِهَا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ نَتَجَتْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ نَوَى بِهَا الْهَدْيَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْحَرَ وَلَدَهَا مَعَهَا إنْ كَانَ قَدْ نَوَى بِهَا الْهَدْيَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَدْ نَوَى بِهَا

[العمل في الهدي حين يساق]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ إذَا اُضْطُرِرْت إلَى بَدَنَتِك فَارْكَبْهَا رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ وَإِذَا اُضْطُرِرْت إلَى لَبَنِهَا فَاشْرَبْ بَعْدَ مَا يُرْوَى فَصِيلُهَا فَإِذَا نَحَرْتهَا فَانْحَرْ فَصِيلَهَا مَعَهَا) . الْعَمَلُ فِي الْهَدْيِ حِينَ يُسَاقُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ يُقَلِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ، وَذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إذَا دَفَعُوا فَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَكَانَ هُوَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا وَيُوَجِّهُهُنَّ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهَدْيَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِيهِ عَنْ نِيَّتِهِ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ فِي أُمِّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَتَجَتْ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَجَبَ إهْدَاؤُهُ مَعَ أُمِّهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا قَدْ لَزِمَ إخْرَاجُهُ عَلَى وَجْهِ الْهَدْيِ كَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْبَدَنَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَجَزَ فَلَمْ يَحْمِلْهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يُوَصِّلَهُ لِأَقْرَبِ مَحَلٍّ لَهُ دُونَ الْبَيْتِ فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا تُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ إذَا لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ هَدْيُ فِدْيَةٍ فَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا أَنَّ الْإِيجَابَ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْأُمَّ وَهَذَا مِنْ أَبْعَاضِهَا وَإِنَّمَا صَارَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا الَّذِي لَا يُهْدَى مُنْفَرِدًا وَيُهْدَى مَعَ الْجُمْلَةِ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا اُضْطُرِرْت إلَى بَدَنَتِك فَارْكَبْهَا رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَى بَدَنَتِهِ لَهُ رُكُوبُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَفْدَحُهَا وَلَا يُضَيِّعُهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا اُضْطُرِرْت إلَى لَبَنِهَا فَاشْرَبْ بَعْدَمَا يُرْوَى فَصِيلُهَا إبَاحَةٌ لِلشُّرْبِ إلَى لَبَنِهَا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ وَيُدْخِلَ عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ لَبَنِهِ مَا يُضْعِفُهُ بِشُرْبِ ذَلِكَ وَمَعْنَى بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا عِنْدِي بَعْدَ أَنْ يَتْرُكَ لِلْفَصِيلِ مَا لَا يَشُكُّ أَنْ يَكْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الْفَصِيلَ إذَا رُوِيَ الْآنَ احْتَاجَ بَعْدَ سَاعَةٍ إلَى الشُّرْبِ وَالْمُعَاوَدَةِ فَلَا يَكُونُ مَعْنَى بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا أَنْ يَشْرَبَ بِإِثْرِ رِيِّ الْفَصِيلِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مِقْدَارَ رِيِّهِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرُّكُوبِ مَخَافَةَ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى الْفَصِيلِ أَوْ عَلَى أُمِّهِ ضَرَرًا لِشُرْبِهِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا تَكُونَ ضَرُورَةٌ فَيَعُودَ إلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَا تُنْقِصُ الْخِلْقَةَ كَالرُّكُوبِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ جَازَ لَهُ شُرْبُهُ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا نَحَرْتَهَا فَانْحَرْ فَصِيلَهَا مَعَهَا يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُهَا لَا سِيَّمَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ إيجَابِهَا كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ تَلِدُهُ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي الْهَدْيِ حِينَ يُسَاقُ] (ش) : قَوْلُهُ إذَا أَهْدَى هَدْيًا مِنْ الْمَدِينَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ يُسَاقُ مِنْ بَعِيدِ الشُّقَّةِ وَطُولِ الْمَسَافَةِ إذَا كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ، وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ أَضْعَفُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تُهْدَى إلَّا مِنْ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَسْلَمُ فِيهَا مِثْلُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيُّ عَنْ مَالِكٍ لَا تُسَاقُ الْغَنَمُ إلَّا مِنْ عَرَفَةَ وَمَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْ قَطْعِ طَوِيلِ الْمَسَافَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَصْحِبُهُ فِي الْمَدِينَةِ فَإِذَا كَانَ بِ ذِي الْحُلَيْفَةِ مَوْضِعِ إحْرَامِهِ أَوْجَبَهُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَكُونَ إيجَابُهُ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ إلَّا عِنْدَ إحْرَامِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ بِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُؤَخِّرَ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَفِعْلُ ذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقَلِّدُ هَدْيَهُ ثُمَّ يُشْعِرُهُ، ثُمَّ يُجَلِّلُهُ إنْ شَاءَ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يُحْرِمُ فَالسُّنَّةُ اتِّصَالُ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْهَدْيِ مِنْ أَحْكَامِ النُّسُكِ فَمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَكُونَ إيجَابُهُ نُسُكَهُ فِي الْهَدْيِ عِنْدَ الْتِزَامِ نُسُكِهِ بِالْإِحْرَامِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا كَانُوا بِ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ يَقْتَضِي مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاشَرَةٌ لِتَقْرِيبِ الْهَدْيِ كَذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَلِّدَ الْمَرْأَةُ بَدَنَتَهَا وَلَا تُشْعِرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ وَلَا يُشْعِرُ إلَّا مَنْ يَنْحَرُ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ مَنْ يَلِي ذَلِكَ لَهَا كَالذَّبْحِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَلِي ذَلِكَ إلَّا جَارِيَتُهَا فَلْتَفْعَلْ وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِنَقْصِ الْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُوِّزَ لَهَا أَنْ تَسْتَنِيبَ مَنْ هِيَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِذَالِهَا وَإِظْهَارِ مَا يَلْزَمُهَا سَتْرَهُ مِنْ جَسَدِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُقَلِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ، وَذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّقْلِيدِ، ثُمَّ يَلِيَهُ الْإِشْعَارُ بِغَيْرِ فَصْلٍ وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ أَخَفُّ وَفِيهِ بَعْضُ التَّدْلِيلِ وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهِ، وَالتَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ إيجَابٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ يُرِيدُ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُوَجَّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ يُرِيدُ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَكُونَ وَالْهَدْيُ مُوَجَّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُبَاشِرِ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَعَانٍ مِنْ النُّسُكِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَشُرِعَ فِيهَا اسْتِقْبَالُهُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ هَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّدَهُ بِنَعْلَيْنِ فِي رَقَبَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَإِنْ قَلَّدَهَا نَعْلًا وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تُجْزِئُهُ النَّعْلُ الْوَاحِدَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاجْعَلْ حَبْلَ الْقَلَائِدِ مِمَّا شِئْت وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعِهْنِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقَلِّدُهُ بِالْأَوْتَارِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْأَوْتَارُ مِمَّا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْأَوْتَارِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْقَعْبِ أَوْ الْجِلْدِ وَإِنْ كَانَ الْعِهْنُ أَحَبَّ إلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ نَبَاتَ الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَحَمَلَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَوَازِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْتِلَ فَتْلًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَتَلْت قَلَائِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ أَبْقَى لَهَا عَلَى طُولِ السَّفَرِ وَالْمُدَّةِ مَعَ تَصَرُّفِ الْهَدَايَا فِي الرَّعْيِ وَغَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتُقَلَّدُ الْإِبِلُ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَهُ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّقْلِيدَ شِعَارُ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا تُقَلَّدُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُقَلَّدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْغَنَمَ تَضْعُفُ عَنْ التَّقْلِيدِ وَيَشُقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ إذَا كَانَتْ مُقَلَّدَةً. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى غَنَمًا مُقَلَّدَةً» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، الْإِشْعَارُ مِنْ سُنَّةِ الْهَدْيِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّدَ هَدْيَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ وَهُوَ يُشْعِرُهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إشْعَارُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ فَهُوَ مِنْ سُنَّتِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُبَاشِرُ ذَلِكَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَتَأَتَّى مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَلِيَهُ مِنْهُ إلَّا الشِّقَّ الْأَيْسَرَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْعَرَ بَدَنَتَهُ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ» وَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِيُرِيَ الْجَوَازَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَتْ بَدَنُهُ ذَلُولًا أَشْعَرَهَا مِنْ قِبَلِ شِقِّهَا الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَتْ صَعُوبَا فَرَّقَ بَدَنَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ بَيْنَهُمَا فَأَشْعَرَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأَيْمَنِ وَالْأُخْرَى مِنْ الْأَيْسَرِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمْ يُشْعِرْهُمَا ابْنُ عُمَرَ فِي الشِّقَّيْنِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ لَكِنْ لِيُذَلِّلَهَا وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ فِي الصِّعَابِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلُهُ يُشْعِرُهَا مِنْ الشِّقَّيْنِ أَيِّ الشِّقِّ أَمْكَنَهُ. (فَرْعٌ) وَالْإِشْعَارُ طُولًا فِي شِقِّ الْبَعِيرِ وَهُوَ فِي عَرْضِ السَّنَامِ بِطُولِ الْبَعِيرِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْإِعْلَانُ بِأَمْرِ الْهَدْيِ وَإِذَا كَانَ الْإِشْعَارُ بِالطُّولِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ مَجْرَى الدَّمِ عَرِيضًا فَيَتَبَيَّنُ الْإِشْعَارُ وَإِذَا كَانَ بِطُولِ السَّنَامِ مَعَ عَرْضِ ظَهْرِ الْبَعِيرِ كَانَ مَجْرَى الدَّمِ يَسِيرًا فَلَا يَقَعُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ لِلْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أَسْنِمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَإِنَّهَا تُقَلَّدُ وَلَا تُشْعَرُ رَوَاهُ الْعُتْبِيُّ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ تُشْعَرَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَسْنِمَةٌ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُخْتَصٌّ بِالسَّنَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِذَا عَدِمَ فَقَدْ عَدِمَ مَحَلُّ الْإِشْعَارِ كَالْغَنَمِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا هَدْيٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يُشْعَرَ كَاَلَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهَا لَا تُشْعَرُ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْإِشْعَارَ مُضِرٌّ بِهَا لِصِغَرِ أَجْسَامِهَا وَضَعْفِهَا عَنْهُ فَفِي إشْعَارِهَا تَعْرِيضًا لِلْهَلَاكِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ هَدْيَهُ وَيَحْضُرُ مَعَهُ وُصُولَهُ إلَى مَكَّةَ وَخُرُوجَهُ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ حِينَ وُقُوفِ النَّاسِ فَأَمَّا الْوُقُوفُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَيَّامِ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إذَا دَفَعُوا يُرِيدُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ يُرِيدُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْحِلَاقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَذَلِكَ مَحَلُّ النَّحْرِ وَلَا يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ لَيْلًا وَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ حَارِثٍ أَنَّهُ يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ أَوْ ذَبْحُهُ لَيْلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهِيَ السُّنَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا وَيُوَجِّهُهُنَّ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ نَحْرَهُنَّ قِيَامًا مَصْفُوفَةً أَيْدِيَهُنَّ هُوَ الشَّأْنُ وَالسُّنَّةُ وَيُوَجِّهُهُنَّ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ نُسُكٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْتِ يُمْكِنُ التَّوَجُّهُ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مِنْ الْهَدَايَا وَيُمَيِّزُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ يُرِيدُ أَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْإِشْعَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ الطَّعْنِ فِي سَنَامِ الْبَعِيرِ يَشُقُّ الْجِلْدَ ثُمَّ يُمِرُّ السِّكِّينَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَ يَقُولُ إذَا شَرَعَ فِي ذَلِكَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَعْنَى التَّسْمِيَةِ عَلَى ابْتِدَاءِ النُّسُكِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ لِلْإِيجَابِ كَمَا يُسَمِّي لِلذَّبْحِ وَهَذَا مِمَّا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى إشْعَارَ هَدْيِهِ قَالَ بِسْمِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بَدَنَهُ الْقَبَاطِيَّ وَالْأَنْمَاطَ وَالْحُلَلَ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إيَّاهَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَشُقُّ جَلَالَ بَدَنِهِ وَلَا يُجَلِّلُهَا حَتَّى يَغْدُو مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. (ش) : قَوْلُهُ الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ حُكْمِهِ وَسُنَّتِهِ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ وَإِنَّ مِنْ حُكْمِ مَا يُنْحَرُ مِنْهُ بِمِنًى أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهَدْيَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَا يُجْزِئُ مَنْ اشْتَرَاهُ بِالْحَرَمِ أَنْ يَنْحَرَهُ بِالْحَرَمِ دُونَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ وَنَحَرَهُ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ فِي هَدْيِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَاقَهُ إلَى الْبَيْتِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْعُمْرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَسَاقَهُ مِنْ الْحِلِّ أَنْ يَنْهَضَ بِهِ مَعَهُ وَيَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا سَاقَ مَعَهُ مِنْ الْهَدْيِ فِي حَجِّهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ هَاهُنَا الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ الْكَامِلَ الصِّفَاتِ وَالْفَضَائِلِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُجَلِّلُ بَدَنَهُ الْقَبَاطِيَّ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَكْسُوهَا إيَّاهَا إذَا أَهْدَاهَا وَالْقَبَاطِيُّ ثِيَابٌ بِيضٌ وَالْأَنْمَاطَ ثِيَابُ دِيبَاجٍ وَالْحُلَلَ ثِيَابٌ مُزْدَوِجَةٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تُجَلَّلَ الْأَبْيَضَ وَالْمُلَوَّنَ وَالْخَزَّ وَالْكَتَّانَ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تُجَلَّلُ بِالْمُخَلَّقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْوَانِ خَفِيفٌ وَالْبَيَاضُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَلُوقَ طِيبٌ فَكَرِهَ الْمُخَلَّقَ لِمَا فِيهِ مِنْ الطِّيبِ وَأَبَاحَ سَائِرَ الْأَلْوَانِ وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَحَبَّ ذَلِكَ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إيَّاهَا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ هَذَا أَحَقُّ مَا صُرِفَتْ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْبُدْنُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ وَكَانَتْ تُجَلَّلُ وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ مِمَّا يَشْرَعُ كِسْوَتُهَا فَكَانَ مَا يَلِيقُ بِهَا مَصْرُوفًا إلَيْهَا. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجَلَالِ بَدَنِهِ حِينَ كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةُ فَقَالَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ جَلَالَ الْبُدْنِ كَانَتْ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ وَكَانَتْ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ رَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ بِهَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ مَصْرِفَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَمُسْتَحِقِّي الصَّدَقَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ يَكْسُو جَلَالَ بَدَنِهِ الْكَعْبَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْسِمُ جَلَالَ بَدَنِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَخَذَ بِهِ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ جَلَالَ الْبُدْنِ تُشَقُّ عَلَى أَسْنِمَتِهَا لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَبْدُوَ الْإِشْعَارُ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ لَهَا عَلَى ظُهُورِ الْبُدْنِ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا تَرَكَ ذَلِكَ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ الْحُلَلَ وَالْأَنْمَاطَ الْمُرْتَفِعَةَ فَكَانَ يَتْرُكُ ذَلِكَ اسْتِبْقَاءً لِلثِّيَابِ وَلَمْ يَكُنْ يُجَلِّلُ إلَّا حِينَ يَغْدُو مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ لِتَبْقَى الثِّيَابُ بِحَالِهَا وَلَا تَتَغَيَّرُ بِطُولِ اللُّبْسِ لَهَا. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَلِّلُهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَإِذَا مَشَى لَيْلَهُ نَزَعَ الْجَلَالَ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ الْحَرَمِ جَلَّلَهَا وَإِذَا خَرَجَ إلَى مِنًى جَلَّلَهَا فَإِذَا كَانَ حِينَ النَّحْرِ نَزَعَهَا فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةً رِوَايَةَ مَالِكٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ إنَّمَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِ فِيهَا وَاسْتَوْفَى ابْنُ الْمُبَارَكِ الْإِخْبَارَ عَنْ جَمِيعِ أَحْوَالِهَا. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَعْقِدُ أَطْرَافَ الْجَلَالِ عَلَى أَذْنَابِهَا مِنْ الْبَوْلِ، ثُمَّ يَنْزِعُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الدَّمُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ

[العمل في الهدي إذا عطب أوضل]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ لَا يَهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مِنْ الْبُدْنِ شَيْئًا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنْ اُخْتِيرَ لَهُ) . الْعَمَلُ فِي الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ أوضل (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَتْ الْجَلَالُ مُرْتَفِعَةً أَنْ يَتْرُكَ شَقَّهَا وَلَا يُجَلِّلَهَا حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ وَنَحْوِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُشَقَّ وَيُجَلِّلَهَا مِنْ حِينِ يُحْرِمُ فَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ لَا يَشُقُّ جَلَالَ بَدَنِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً وَأَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِغُدُوِّهِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ هُوَ التَّجْلِيلُ خَاصَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْإِبِلِ وَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَلَا تُجَلَّلُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّجْلِيلَ زِيَادَةٌ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ كَمَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحْسِينِهِ وَتَمَامِهِ، وَالْهَدْيُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ نَاقِصٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ إنَّمَا يَخْرُجُ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَجْزَاءِ وَالضَّرُورَةِ إلَيْهِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا مَعْنَى لِتَجْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَدْوَنِ مِنْهُ يُنَافِي التَّجْلِيلَ الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَفْضَلِ وَلَأَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَ الْجَلَالِ فِي فَضْلِ جِنْسِ الْهَدْيِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَجْعَلَهُ فِيمَا تَبِعَ الْهَدْيَ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ الْوَعْظُ لَهُمْ وَالنَّهْيُ عَنْ أَنْ يُهْدِيَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْهَدْيِ مَا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِمَنْ يُكْرَمُ عَلَيْهِ وَذَكَّرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنْ اُسْتُحْيِيَ مِنْهُ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ الْحَقِيرَ وَأَوْلَى مَنْ اُخْتِيرَ لَهُ الرَّفِيعُ، وَالتَّوَقِّي فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّوَقِّي مِمَّا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَالْآخَرِ مِمَّا يَمْنَعُ الْفَضِيلَةَ فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَالْفَضَائِلَ فَهُوَ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الضَّحَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ مَعَانٍ نَذْكُرُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الضَّأْنُ، ثُمَّ الْمَعْزُ بِخِلَافِ الضَّحَايَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْهَدْيِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَالْقَصْدَ فِي الْأُضْحِيَّةِ طِيبُ اللَّحْمِ، وَلَحْمُ الضَّأْنِ أَفْضَلُ اللُّحُومِ الَّتِي تُجْزَى فِي الضَّحَايَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَتُرَاعَى صِحَّتُهَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ حِينَ تَقْلِيدِهَا وَإِشْعَارِهَا فَإِذَا كَانَتْ مَعِيبَةً عِنْدَ التَّقْلِيدِ بِعَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ عَنْهَا قَبْلَ النَّحْرِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مَعِيبَةً نَاقِصَةً عَنْ الْإِجْزَاءِ كَمَا لَوْ قَلَّدَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْإِجْزَاءِ، ثُمَّ بَلَغَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَتْ سَلِيمَةً حِينَ التَّقْلِيدِ ثُمَّ أَصَابَهَا قَبْلَ النَّحْرِ مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: فِي هَذَا شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُجْزِئَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَتَنَاهَ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ مُرَاعًى، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ عَطِبَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهَا لَمْ تُجْزِهِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهَا فَكَذَلِكَ يَجِبُ إذَا حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَنْ لَا تُجْزِئَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ إيجَابَهَا بِالتَّقْلِيدِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ضَمَانَ جُمْلَتِهَا لَمْ يَمْنَعْ ضَمَانَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ أوضل] (ش) : صَاحِبُ الْهَدْيِ هُوَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبَ الْأَسْلَمِيُّ وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ اسْمُهُ ذَكْوَانُ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاجِيَةً إذْ نَجَا مِنْ قُرَيْشٍ وَقَوْلُهُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ جَمِيعِ جِنْسِ الْهَدْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ هَدْيٍ مَعْهُودٍ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْهَدْيُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَسُؤَالُهُ عَمَّا يَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ: أَحَدُهُمَا: الْعَطَبُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ غَيْرَ أَنَّ جَوَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْنَعُ هَذَا. وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَطِبَتْ بِمَعْنَى بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يُمْكِنُ تَوْصِيلُهَا مَعَهُ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنَعَ إيصَالَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ مِنْ إعْيَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ إيصَالُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ فَنَحَرَهَا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا غَرِمَهَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ» يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى بِمَعْنَى الْعَهْدِ، وَالثَّانِيَةُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْهَدْيِ فَيُخْبِرُهُ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الْهَدَايَا لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ وَلِيُعَلِّمَهُمْ حُكْمَ جَمِيعِ الْهَدْيِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَانْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا» يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ تَفُتْ الذَّكَاةُ وَإِنَّمَا مَنَعَ بُلُوغَهَا مَحَلَّهَا فَأَمَرَهُ بِنَحْرِهَا وَهَذَا حُكْمُ مَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ مِنْ التَّعَدِّي فِيهِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُلْقِيَ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، وَالْقَلَائِدُ هِيَ الَّتِي يُقَلَّدُ بِهَا عِنْدَ الْإِشْعَارِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ لَا يَسْتَبْقِيَ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا يَتَشَبَّثَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا وَلَا الْقَلَائِدِ عَلَى بِزَازَتِهَا وَقِلَّتِهَا وَأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَبْقِي الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهَا مِنْهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا مَا يَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقَلَائِدُ لَا يَبْقَى فِيهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَلَا هِيَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَقْلِيدَهَا لِهَدْيٍ آخَرَ؛ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِإِلْقَائِهَا فِي دَمِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْهَدْيِ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَهُوَ تَطَوُّعٌ فَقَالَ: لِيَنْحَرْهُ مَكَانَهُ وَيُلْقِي قَلَائِدَهَا فِي دَمِهِ مِنْ سُنَّتِهِ وَحُكْمِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ أَنَّهُ عَلَمٌ لِلْإِذْنِ لِلنَّاسِ فِي أَكْلِهَا، وَلِذَلِكَ كُلُّهُ وَجْهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إبْقَاءَ عَلَامَةِ الْهَدْيِ فِيهَا لِئَلَّا يَتَعَدَّى أَحَدٌ فَيَصْرِفَهَا عَنْ وَجْهِهَا بِبَيْعٍ أَوْ مَنْعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ آخِرَ عَمَلِهِ فِيهَا نَحْرُهَا وَإِلْقَاءُ قَلَائِدِهَا فِي دَمِهَا وَأَنَّهُ لَا يَلِي تَفْرِيقَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا، وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمُتَوَلِّي مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَأْكُلُونَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جَمِيعِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أُرْسِلَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَمَرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ، ثُمَّ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَتَصَدَّقَ هَذَا بِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَرَاهُ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ أَحَدٌ عَنْ إذْنِهِ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِهِ غَيْرُهُ كَرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ بِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْهَدْيِ أَمَرَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ مَعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ يُرِيدُ امْتَنَعَتْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَحِلِّهَا وَمَحِلُّهَا مَوْضِعٌ يَجُوزُ فِيهَا نَحْرُهَا، وَذَلِكَ مَكَّةُ أَوْ مِنًى عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَنْ بَلَغَ بِهَدْيِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا وَهُوَ يُرِيدُ عَرَفَةَ قَالَ يُجْزِئُهُ قِيلَ: فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ كُلُّ هَدْيٍ بَلَغَ بِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ أَوْ نُحِرَ بِهَا مِمَّا جَاءَ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ مُجْزِئٌ إلَّا هَدْيَ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا عَطِبَ بِهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْحِلُّ وَالْحَرَمُ. وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ حَتَّى بَلَغَ مَحِلَّهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَكَّةَ مَحِلٌّ لِنَحْرِ الْهَدْيِ وَأَمَّا هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْدَأُ أَمْرُهُ لِلْمُتَمَتِّعِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَ تَقْلِيدَهُ مِنْ مَكَّةَ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ مُقَلِّدًا وَإِنْ كَانَ قَلَّدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَشْعَرَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ وَسَهَّلَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ عَطِبَ الْهَدْيُ بِمِنًى وَقَدْ مَرَّ بِمَكَّةَ أَوْ عَطِبَ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى؛ لِأَنَّ مِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ كَغَيْرِهَا لَا يُجْزِئُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً جَزَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ هَدْيَ تَمَتُّعٍ فَأُصِيبَ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً، ثُمَّ ضَلَّتْ أَوْ مَاتَتْ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّحْرُ فِيهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَطِبَ بِمَوْضِعٍ يَجُوزُ فِيهِ نَحْرُهُ بَلَغَ مَحِلَّهُ وَإِذَا عَطِبَ بِمَحِلٍّ لَا يَجُوزُ فِيهِ نَحْرُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا عَطِبَ قَبْلَ الْوُصُولِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْهَدْيِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ لِتَطَوُّعِهِ وَتَعْيِينِهِ لَهَا فَإِذَا عَطِبَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ صَاحِبَ هَدْيِهِ لَمَّا عَطِبَ مِنْهُ أَنْ يَنْحَرَهَا وَيُلْقِيَ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا وَيُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا مُنِعَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يُسْرِعَ إلَى إعْطَائِهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَبْدَلَهَا عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ فِيهِ تِلْكَ الْقُوَّةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمَّا قَلَّدَهُ هَدْيًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُبَلِّغَهُ مَحِلَّهُ فَقَدْ يَضْمَنُ ذَلِكَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى وَجْهِ إتْلَافِ عَيْنِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الرَّأْيُ أَنْ يَغْرَمَ مَا أَكَلَ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِتَضْمِينِهِ كُلِّهِ وَمَا قَالَهُ سُفْيَانُ يَطَّرِدُ عَلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ بَدَلُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ مَا أَكَلَ هَدْيًا، وَالْهَدْيُ لَا يَتَبَعَّضُ فَمَنْ لَزِمَهُ بَعْضُهُ لَزِمَهُ جَمِيعُهُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ هَدْيًا. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً جَزَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ هَدْيَ تَمَتُّعٍ فَأُصِيبَتْ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدَنَةَ قَدْ تُهْدَى عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ التَّطَوُّعُ، فَأَمَّا مَا أُهْدِيَ مِنْهُ عَنْ وَاجِبٍ ابْتَدَأَ بِنَذْرِهِ أَوْ عَنْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَصَابَهُ أَوْ لِجَبْرِ عِبَادَةٍ كَالْمُتَمَتِّعِ فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ وَمَعْنَى هَذَا النَّذْرِ أَنْ يَنْذِرَ بَدَنَةً فِي ذِمَّتِهِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَدَلُهَا؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا بِالنَّذْرِ كَإِيجَابِهَا بِالتَّقْلِيدِ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْيٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهِ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّصَالُهُ إلَى مَحِلِّهِ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ أُصِيبَ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً، ثُمَّ ضَلَّتْ فَإِنْ كَانَتْ نَذْرًا يُرِيدُ نَذْرًا مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ هَدْيٍ مُتَعَلِّقٍ بِالذِّمَّةِ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَنْ يُبَدَّلَ إنْ ضَلَّ فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ضَلَّ قَبْلَ الْإِيجَابِ فَأَبْدَلَهُ فَلَا يَلْزَمُ نَحْرُهُ إذَا وَجَدَهُ وَلْيَتَصَرَّفْ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ ضَلَّ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَوَجَدَهُ بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ وَاَلَّذِي نَأْخُذُ بِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمَكَّةَ إنْ كَانَ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ، وَإِلَّا أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْحَرَمِ فَنَحَرَهُ بِمَكَّةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ هَدْيٌ أَوْجَبَهُ لِقِرَانِهِ وَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ دُونَ نَقْصٍ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ أَصْلُهُ إذَا وَجَدَهُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَهُ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالنَّحْرِ لَزِمَهُ هَذَا الْحُكْمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ضَلَّ هَدْيُ النَّذْرِ فَأَبْدَلَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ لَزِمَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ ضَلَّ هَدْيُهُ الْوَاجِبُ اشْتَرَى غَيْرَهُ فَقَلَّدَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ فَهُمَا هَدْيَانِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْ الْأَوَّلِ يُرِيدُ أَنَّ الْأَوَّلَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ الْجَزَاءِ وَالنُّسُكِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ أَقَرَّهُ عَلَى أَصْلِهِ لَمَّا كَانَ نَذْرًا وَأَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ الْأَوَّلَ تَحَقَّقَ لِلثَّانِي حُكْمُ التَّطَوُّعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ تَقْلِيدَهُ تِلْكَ الْعَيْنَ فَإِذَا ضَلَّتْ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِذِمَّتِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَبْدَلَهُ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ نَحَرَهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَطَوَّعَ بِإِيجَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ أَنْ يُبَدِّلَ الْأَوَّلَ فَلَمَّا أَبْدَلَهُ كَانَ تَطَوُّعُهُ بِالثَّانِي كَتَطَوُّعِهِ بِالْأَوَّلِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ ضَلَّتْ بَدَنَتُهُ بَعْدَمَا أَوْقَفَهَا بِعَرَفَةَ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ فَعَرَفَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ فَنَحَرَهَا قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي أَنْحَرُهَا عَنْ صَاحِبِهَا، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة تُجْزِئُهُ وَلَا أَرَى عَلَى الَّذِي نَحَرَهَا ضَمَانًا. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ وَجَدَ بِمِنًى بَدَنَةً يُرِيدُ مُقَلَّدَةً يُعَرِّفُهَا إلَى يَوْمِ ثَالِثِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهَا وَتُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ لِلنَّحْرِ بِمِنًى وَهُوَ أَفْضَلُ النَّحْرِ وَلَوْ عَرَّفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَحْرُهَا إلَّا بِمَكَّةَ فَتَفُوتُهُ فَضِيلَةُ النَّحْرِ بِمِنًى، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَمْ يَجِدْ بَدَنَتَهُ أَوْ بَدَنَةَ غَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْحَرُهُ إلَّا بِمَكَّةَ لِفَوَاتِ وَقْتِ النَّحْرِ بِمِنًى. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَأْكُلُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مِنْ الْجَزَاءِ وَالنُّسُكِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَيُرِيدُ بِالْجَزَاءِ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالنُّسُكُ فِدْيَةُ الْأَذَى وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ هَدْيٍ بَلَغَ مَحِلَّهُ إلَّا ثَلَاثَةً جَزَاءَ الصَّيْدِ وَفِدْيَةَ الْأَذَى وَمَا نُذِرَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي الْمُزَنِيَّة وَمِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْ الْفِدْيَةِ أَوْ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَهُوَ جَاهِلٌ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: يُؤْكَلُ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْكَلُ مِنْ هَدْيِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَمَنَعَ الْأَكْلَ مِمَّا وَجَبَ بِحُكْمِ الْإِحْرَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] إلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ هَذَا هَدْيٌ وَجَبَ لِحَقِّ الْإِحْرَامِ فَلَمْ يُخَيَّرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ فَجَازَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ أَصْلُ ذَلِكَ هَدْيُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى وَمَا نَذَرَهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] . وَقَالَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 196] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَنَّهُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَقَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَك» فَلَمَّا كَانَ بَدَلُهُ الَّذِي هُوَ الْإِطْعَامُ مُنْصَرِفًا إلَى الْمَسَاكِينِ فَكَذَلِكَ الْهَدْيُ مِنْهُ وَأَمَّا نَذْرُهُ لِلْمَسَاكِينِ فَقَدْ تَعَيَّنَ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَذَرَ بَدَنَةً وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِالْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا نَذَرَهَا بَدَنَةً فَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا بِالنَّذْرِ كَإِيجَابِهَا بِالتَّقْلِيدِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ فِي التَّعْيِينِ إنْ كَانَتْ بَدَنَةُ النَّذْرِ غَيْرَ مُعَيَّنَةً، وَذَلِكَ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهَا بِالْمَسَاكِينِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَكَلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى بَعْدَ أَنْ بَلَغَا مَحِلَّهُمَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَ الْهَدْيِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرُ مَا أَكَلَ مِنْهُ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ يَأْكُلُ مِنْهُ. وَوَجْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْهَدْيَ قَدْ بَلَغَهُ وَاسْتَوْفَى مَعْنَى الْهَدْيِ فِيهِ وَإِنَّمَا اسْتَهْلَكَ مِنْهُ جَزَاءً يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَا اسْتَهْلَكَ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا نَذْرُ الْمَسَاكِينِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَكَلَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا أَكَلَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ هَدْيًا لِلْمَسَاكِينِ فَقَدْ نَذَرَ عِبَادَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لِلْهَدْيِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمَسَاكِينِ. فَإِذَا أَهْدَى الْهَدْيَ فَقَدْ أَكْمَلَ إحْدَى الْعِبَادَتَيْنِ فَلَا يُفْسِدُهَا مَا أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي عِبَادَةٍ أُخْرَى وَهَذَا قَدْ سَلِمَ لَهُ الْهَدْيُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ النَّقْصُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَلَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ الْهَدْيُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَدْرُ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْمَسَاكِينِ يَتَبَعَّضُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَصِحُّ وُجُودُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ فَلَا تَفْرِيعَ فِيهِ وَإِذَا قُلْنَا عَلَيْهِ قَدْرُ مَا أَكَلَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ ذَلِكَ رَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُرِيدُ لَحْمًا، وَاَلَّذِي قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَا أَكَلَ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ.

[هدي المحرم إذا أصاب أهله]

هَدْيُ الْمُحْرِمِ إذَا أَصَابَ أَهْلَهُ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سَأَلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [هَدْيُ الْمُحْرِمِ إذَا أَصَابَ أَهْلَهُ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ يُرِيدُ جَامَعَهَا فِي حَالِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ يَنْفُذَانِ يُرِيدُونَ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْمُضِيَّ فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ حَتَّى يُتِمَّا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَا يُتِمَّانِ الْحَجَّ الصَّحِيحَ وَلِذَلِكَ قَالُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَإِنَّمَا أَشَارُوا إلَى الْحَجِّ الْمَعْهُودِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ يُرِيدُونَ قَضَاءَ الْحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَاهُ وَمِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ بِالْقَضَاءِ قَالَ مَالِكٌ يُحْرِمُ بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَحْرَمَ بِالْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْأَوَّلِ مِنْ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ فَيَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا أَحَدُ الْمِيقَاتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مَا كَانَ الْتَزَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ زَائِدًا عَلَى مِيقَاتِهِ أَصْلُ ذَلِكَ مِيقَاتُ الزَّمَانِ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَالْأَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْأَهْلِ الزَّوْجَةُ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ طَاوَعَتْهُ أَوْ أَكْرَهَهَا فَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْضِيَ الْحَجَّ وَهَدْيَ لِأَنَّ حَالَهُمَا فِي ذَلِكَ كَحَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) :

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَبَعَثَ إلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَى عَامٍ قَابِلٍ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَا فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا لِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَا وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُحِجَّهَا مِنْ مَالِهِ وَيَهْدِي عَنْهَا لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْهَدْيِ مِمَّا أَتْلَفَهُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ عَنْهَا وَأَمَّا مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْأَبَدَانِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا وَتَلْزَمُهَا فَلَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْهَا كَمَا لَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهَا لَكَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّهَا وَيَهْدِي عَنْهَا سَوَاءٌ أَكْرَهَهَا أَمْ لَا وَوَطْؤُهُ لَهَا إذْنٌ فِي حَجِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَا يَصُومُ عَنْهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا لَا تَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ وَهُوَ يَمْلِكُ تَصَرُّفَهَا فَإِذَا رَضِيَ بِوَطْئِهَا فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ سَعْيِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَصَرُّفَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ وَالْهَدْيُ الْهَدْيُ يَحْتَاجُ إلَى صِفَةٍ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ بَدَنَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُهُ شَاةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ هُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ وَطِئَ عَمْدًا فِي إحْرَامٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَدْيُهُ بَدَنَةً أَصْلُ ذَلِكَ إذَا وُطِئَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَلَا يَفْسُدُ عَلَيْهِ حَجُّهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: هَذَا عِنْدِي يَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ هَذَا عَنْ أَصْلِهِ قَالَ: وَهَذَا لَنَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ شَاةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ أَجْزَأَهُ عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْهُ فَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِحْبَابِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَفَرَّقَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْهُمَا مِنْ التَّسَرُّعِ إلَى الْفَسَادِ فِي الْعِبَادَةِ بِالْوَطْءِ مَا يُخَافُ عَلَيْهِمَا مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ تَسْلِيمُهُ مِنْ الْوَطْءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَفْتَرِقَانِ فِي حَجِّ الْقَضَاءِ مِنْ يَوْمِ يُحْرِمَانِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ حَيْثُ أَفْسَدَا حَجَّهُمَا الْأَوَّلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مَرَّةٌ مِنْ الْإِحْرَامِ تَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فَيَلْزَمُهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا فِيهَا أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ الْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَاوَبَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عُمُومِهَا وَإِطْلَاقِهَا وَلَمْ يَسْأَلُوا السَّائِلَ هَلْ كَانَ الْوَطْءُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي الْفَسَادِ وَالْهَدْيِ وَهَذَا مَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: الْوَطْءُ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَ كَالْعَمْدِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئًا فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَبَعَثَ إلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَى عَامٍ قَابِلٍ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَا فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ وَيُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا لِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَا وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً بَدَنَةً) . (ش) : سُؤَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِأَصْحَابِهِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ يَقْصِدُ بِذَلِكَ اخْتِبَارَ أَصْحَابِهِ وَتَدْرِيبَهُمْ وَتَنْبِيهَهُمْ عَلَى الْمَسَائِلِ، وَسُكُوتُ الْقَوْمِ عَنْهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِذَلِكَ أَوْ لِأَنَّهُمْ آثَرُوا تَعْظِيمَهُ وَالْمُبَالَغَةَ فِي بِرِّهِ وَصَرْفِ الْأَمْرِ إلَيْهِ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي الْحَجِّ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَرْمِي الْجَمْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجٌّ قَابِلٌ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ إصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَهْدِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَى عَامٍ قَابِلٍ حَكَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ لَهُ وَلِذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ افْتِرَاقَهُمَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ بِالْحَجِّ وَلَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّا مِنْ الْحَجَّةِ الَّتِي أَفْسَدَا لِأَنَّ وَطْأَهُمَا فِي هَذَا الْعَامِ لَا يُفْسِدُ عَلَيْهِمَا حَجًّا وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِمَا هَدْيًا وَلَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِحْلَالِ مِنْهُ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِحَجِّ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَكُونَانِ حَلَالَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْإِبَاحَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا إلَى مَنَازِلِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْوُجُوبَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَا إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِيهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا عَامٌ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمَا يَسْتَأْنِفَانِ الْإِحْرَامَ وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَيُتِمَّ حَجَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي أَفْسَدَ حَجَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ قَضَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ فَاسِدٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَفَاتَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقِيمَ إلَى قَابِلٍ عَلَى إحْرَامٍ فَاسِدٍ وَيَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ قَابِلًا وَهَذَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ الْفَاسِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُمَا عَامٌ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْهَدْيُ يَقْتَضِي أَنَّ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَجَّلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ عَجَّلَ هَدْيَ الْفَسَادِ قَبْلَ الْقَضَاءِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ مَعَ حَجِّهِ الْقَضَاءُ وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ فِي هَدْيِ الْفَوَاتِ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ يُهِلَّانِ مِنْ حَيْثُ أَهَلَّا بِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَا وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتَسَايَرَانِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَنْزِلٍ وَلَا بِجُحْفَةٍ وَلَا بِمَكَّةَ وَلَا بِمِنًى وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّوَقِّي الْوَاجِبِ الْقَضَاءِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَيَسُّرِ عَمَلِهِمَا إلَى مَا أَفْسَدَا بِهِ حَجَّهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَيُهْدِيَانِ جَمِيعًا بَدَنَةً وَذَلِكَ أَنَّ هَدْيَ فَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ بَدَنَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَمَّا أَفْسَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَجَّ وَلَزِمَهُ بِذَلِكَ الْقَضَاءُ لَزِمَهُ الْهَدْيُ الَّذِي هُوَ الْبَدَنَةُ. (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي الْحَجِّ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَرْمِي الْجَمْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجٌّ قَابِلٌ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ إصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَهْدِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُصِيبَ لِأَهْلِهِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَصَابَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَا خِلَافَ فِي فَسَادِ حَجِّهِمَا وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْهَدْيُ وَحَجٌّ قَابِلٌ عَلَى مَا قَالَ: قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ، وَقَوْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجٌّ قَابِلٌ نَصَّ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَنَصَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ. وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَبِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَبِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَلَا يَلْزَمُنَا عَلَى هَذَا إذَا وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ عِنْدَنَا يَقَعُ بِالرَّمْيِ فِي وَقْتِهِ أَوْ بِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ وَفَوَاتِهِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ قَالَ وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ الدَّافِقُ إذَا كَانَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ فَأَمَّا رَجُلٌ ذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ مَعْنًى يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَالْفَوَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ وَطْؤُهُ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ رَوَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ وَطِئَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيُفِيضَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَهَدْيٌ لِوَطْئِهِ وَهَدْيٌ آخَرُ لِمَا أَخَّرَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ قَدْ حَصَلَ بِانْقِضَاءِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَخُرُوجِهِ. (فَصْلٌ) قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ إصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْوَطْءُ بَعْدَ الرَّمْيِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: يَفْسُدُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ وَطِئَ بَعْدَ أَنْ حَلَّ لَهُ اللِّبَاسُ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ فَلَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ حَجُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الطَّوَافِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي حَالِ الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ لِأَجْلِ الْحَجِّ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ حَجُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الْوُقُوفِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ وَهَدْيٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي نُسُكٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ نَقْصُ الْوَطْءِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَكُونُ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَدْ قُلْنَا أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ الْعُمْرَةُ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَصْبَغُ: لَا يَفْسُدُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْهَدْيُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ: يَفْسُدُ حَجُّهُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ أَحَدُ التَّحَلُّلَيْنِ فَلَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الرَّمْيُ وَوَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ فَفَسَدَ حَجُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الطَّوَافِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْهَدْيِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ مِنْ عَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ عَلَى وَجْهِ النِّسْيَانِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَوْلُهُ الَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ حَتَّى يَجِبُ بِذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَّ الْإِفْسَادَ وُجِدَ فِي أَحَدِهِمَا فَيَجِبُ بِذَلِكَ الْهَدْيُ وَالْقَضَاءُ فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْإِفْسَادِ عَنْ ذِكْرِ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ عَمَّا أَفْسَدَهُ مِنْهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً التَّمَادِي فِيمَا أَفْسَدَ مِنْهُمَا حَتَّى يُتَمِّمُهُ عَلَى مَا كَانَ الْتَزَمَهُ وَدَخَلَ فِيهِ ثُمَّ يَقْضِيهِ وَيُهْدِي فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ دَاوُد: يَخْرُجُ عَنْ الْحَجِّ بِالْفَسَادِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ الْإِحْرَامِ كَالْفَوَاتِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ يُرِيدُ أَنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ يُفْسِدُ الْحَجَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ إفْسَادِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ دَافِقٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْقُبْلَةِ إلَّا الْهَدْيُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِرَارًا فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَهِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُطَاوِعَةٌ إلَّا الْهَدْيُ وَحَجٌّ قَابِلٌ إنْ أَصَابَهَا فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُفْسِدَتْ وَالْهَدْيُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمَاءُ الدَّافِقُ إذَا كَانَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْحَجَّ يَفْسُدُ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ دُونَ الْفَرْجِ. (وَقَالَ) أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَفْسُدُ الْحَجَّ شَيْءٌ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَالرَّفَثُ إتْيَانُ النِّسَاءِ وَمُبَاشَرَتُهُنَّ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَنَهَى عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ فِعْلٌ مَحْظُورٌ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ يُفْضِي إلَى الْإِنْزَالِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَ الْحَجَّ أَصْلُ ذَلِكَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ. 1 - (فَصْلٌ) قَوْلُهُ وَأَمَّا رَجُلٌ ذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ اسْتِدَامَةُ التَّذَكُّرِ وَتَرْدِيدُهُ عَلَى قَلْبِهِ حَتَّى يُنْزِلَ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظِ الْغَايَةِ فَقَالَ: إنَّهُ إنْ ذَكَرَ شَيْئًا حَتَّى أَنْزَلَ وَذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُسْتَدَامُ وَيُكَرَّرُ وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ كَرَّرَ التَّذَكُّرَ حَتَّى أَنْزَلَ رِوَايَتَيْنِ وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الْحَجَّ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْهَدْيُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَصَدَ مَعْنًى يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْإِنْزَالِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدَ حَجَّهُ إذَا أَنْزَلَ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ الْمُبَاشَرَةُ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مَعْنَى لَوْ أَنْزَلَ بِهِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَهُ كَالِاحْتِلَامِ لِمَنْ نَامَ فَقَصَدَ الِاحْتِلَامَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مَنْ تَذَكَّرَ شَيْئًا فَأَنْزَلَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ: وَيُهْدِي وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَجْرَى عَلَى قَلْبِهِ ذِكْرًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْقُبْلَةَ مَمْنُوعَةٌ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فَإِذَا لَمْ تُفْضِ إلَى الْإِنْزَالِ لَمْ يَجِبْ بِهَا إلَّا الْهَدْيُ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِهَا الْهَدْيُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نُسُكِهِ نَقْصًا بِمَا أَتَاهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَزِمَهُ الْهَدْيُ لِيُجْبَرَ بِذَلِكَ مَا أَدْخَلَ عَلَى نُسُكِهِ مِنْ النَّقْصِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَدْيَهُ بَدَنَةٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ هَدْيٌ يَجِبُ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَكَانَ بَدَنَةً كَهَدْيِ الْوَطْءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَكُلُّ مَا فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ فَمَا كَانَ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ فَفِيهِ الْهَدْيُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلَّذَّةِ وَلِغَيْرِ لَذَّةٍ مِثْلُ لَمْسِ كَفِّهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا فَمَا أَتَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ فَمَمْنُوعٌ وَمَا كَانَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ فَمُبَاحٌ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِرَارًا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِأَوَّلِ وَطْءٍ. وَأَمَّا الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ هَدْيٌ وَلَا حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْوَطْءِ الثَّانِي أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى وَطِئَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ الْوَطْءِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ لِلْوَطْءِ الثَّانِي وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِنَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الْوَطْءَ الثَّانِي وَطْءٌ قَبْلَ التَّحَلُّلِ لَمْ يُفْسِدْ نُسُكًا فَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً أَصْلُهُ إذَا وَطِئَ ثَانِيَةً قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأُولَى. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَهِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُطَاوِعَةٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّ الْمُكْرَهَةَ لَا هَدْيَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَزِمَهَا الْقَضَاءُ غَيْرَ أَنَّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهَا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهَا مَا يَلْزَمُهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ وَأَمَّا حُقُوقُ

[هدي من فاته الحج]

هَدْيُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجْسَامِ فَإِنَّهُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ وَلَا التَّجَمُّلُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لَيْسَ عَلَيْهَا إذَا طَاوَعَتْهُ إلَّا الْهَدْيُ وَحَجٌّ قَابِلٌ يُرِيدُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَالْهَدْيَ يَلْزَمُهُمَا وَإِنَّمَا خُصَّ بِذَلِكَ حَجٌّ قَابِلٌ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَقْتٍ يُمْكِنُهَا فِيهِ جَبْرُ مَا أَفْسَدَا مِنْ حَجِّهِمَا وَلَا يَخْتَصُّ الْقَضَاءُ بِالْعَامِ الْمُقْبِلِ اخْتِصَاصًا يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْوَامِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْجِيلِ الْقَضَاءِ وَلِذَلِكَ لَا نَقُولُ فِي الْعُمْرَةِ يُفْسِدُهَا الْوَطْءُ يَقْضِيهَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَلْ يَحِلُّ مِنْ الْعُمْرَةِ الَّتِي أَفْسَدَ وَيَشْرَعُ فِي الْقَضَاءِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُفْسِدَتْ وَالْهَدْيُ ذَكَرَ حُكْمَ الْعُمْرَةِ فِي هَذَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُكْمَ الْحَجِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ فَسَادُهَا لِلْعُمْرَةِ إذَا كَانَ الْوَطْءُ قَبْلَ إكْمَالِ السَّعْيِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي فِيهَا ثُمَّ الْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ إكْمَالِ السَّعْيِ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَفْسُدُ. [هَدْيُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ لَمَّا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ يَقْتَضِي مَا بَعْدَهُ مِنْ ذِكْرِ فَوَاتِ الْحَجِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَبَبَ فَوَاتِ الْحَجِّ إمَّا لِأَنَّهُ شُغِلَ بِطَلَبِهَا وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُدْرِكَ الْحَجَّ فَتَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا قُدِّرَ فِيهِ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْحَجَّ فِيهِ فَأَخْلَفَهُ تَقْدِيرُهُ وَلَمْ تُدْرِكْهُ وَأَمَّا لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْحَجِّ بِعَدَمِ رَوَاحِلِهِ الَّتِي كَانَ يَتَوَصَّلُ بِهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ بِمِنًى وَلَمْ يَصِلْ إلَى عَرَفَةَ فِي وَقْتٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ فَذِكْرُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ إضْلَالِ رَوَاحِلِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ فَوَاتِ حَجِّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ خَاصَّةً لِأَنَّ حُكْمَهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ سَبَبِهِ لِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِخَطَأِ عَدَدٍ أَوْ بِمَرَضٍ أَوْ بِخَفَاءِ هِلَالٍ أَوْ لِشُغْلٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ غَيْرَ الْعَدُوِّ الْمَانِعِ فَحُكْمُهُ وَاحِدٌ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ وَيَحُجُّ قَابِلًا وَيُهْدِي أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُتِمَّ عَمَلَهُ عُمْرَةً يَتَحَلَّلُ بِهَا وَيُهْدِي وَبَيْنَ أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ إلَى قَابِلٍ وَالتَّحَلُّلُ أَفْضَلُ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ كَامِلَةٍ بِطَوَافِهَا وَسَعْيًا بِنِيَّتِهَا يَتَحَلَّلُ بِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ يَسْتَأْنِفُ لَهَا طَوَافًا وَسَعْيًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ فَيَصِيرُ عُمْرَةً وَيَكُونُ بِطَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَحِلَاقِهِ مُتَحَلِّلًا مِنْ الْعُمْرَةِ لَا مِنْ الْحَجِّ الْفَائِتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ لَوْ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً لَكَانَ قَدْ انْفَسَخَ عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ وَالْفَسْخُ مَفْسُوخٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ بِنُسُكٍ لَمْ يَنْقَلِبْ إلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ. (فَصْلٌ) فَإِنْ أَدْرَكَك الْحَجُّ قَابِلًا فَاحْجُجْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَانْحَرْ وَاهْدِيَا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهَدْيِ يَقْتَضِي أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا يَنْحَرُهُ فِي عَامٍ قَابِلٍ وَلَا يَنْحَرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْدُمَ حَتَّى يَحُجَّ قَابِلًا فَيُهْدِيهِ وَلَا يُقَدِّمُهُ قَبْلَ حَجَّةِ الْقَضَاءِ وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَحَرَهُ فِي عُمْرَتِهِ رَجَوْت أَنْ يَجْزِيَهُ كَمَا يَجْزِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُهْدِيَ عَنْهُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ بَدَلٌ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ وَالْهَدْيَ جَبْرٌ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَبِمَعْنَى الْقَضَاءِ لِبَعْضِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَنْحَرُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَفَعَلَ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إنْ فَعَلَ لَمْ يَجْزِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَجْزِيهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَانْحَرْ وَاهْدِيَا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ يُرِيدُ جَاءَ مِنًى وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا يَنْحَرُ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا بِمِنًى فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا الْعِدَّةَ فَظَنُّوا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمُ عَرَفَةَ فَفَاتَهُمْ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لِفَوَاتِ يَوْمِهِ لِأَنَّهُمْ وَرَدُوا مِنًى مُتَوَجِّهِينَ إلَى عَرَفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَمَّا وَجَدُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَمِيعَ الْحَاجِّ بِمِنًى عَلِمُوا أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا الْعِدَّةَ وَفَاتَهُمْ الْوُقُوفُ وَلَوْ أَخْطَأَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ فَكَانَ وُقُوفُهُمْ بِعَرَفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ وَيَنْحَرُونَ هَدْيَهُمْ مِنْ الْغَدِ وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ يَوْمًا وَيَجْزِيهِمْ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ أَتَى عَرَفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ وُقُوفَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَلَوْ أَخْطَأَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ فَوَقَفُوا بِعَرَفَةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعِيدُونَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُ سَحْنُونٍ فِيهِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ الْوُقُوفُ وَلَا زَمَنُهُ فَكَانَ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اذْهَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ كَانَ مِنْ الْحِلِّ وَلَا يَخْلُو الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَفَاتَهُ الْحَجُّ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ ثُمَّ يَدْخُلُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ وَيَحِلُّ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِي النُّسُكِ فَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لِيَتِمَّ حُكْمُ نُسُكِهِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعِيدَهُمَا لِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ مَنْ قَدْ فَاتَهُمَا لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ: وَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك أَمَرَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالطَّوَافِ وَلَا بُدَّ مِنْ السَّعْيِ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ ثُمَّ قَالَ: وَانْحَرْ وَاهْدِيَا إنْ كَانَ مَعَكُمْ يُرِيدُ إنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلْيَنْحَرْهُ عَلَى مَا سَاقَهُ عَلَيْهِ مِنْ تَطَوُّعٍ أَوْ وَاجِبٍ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَدْيِ الْفَوَاتِ بِسَبِيلٍ إنَّمَا هُوَ هَدْيٌ قَلَّدُوهُ وَأَشْعَرُوهُ حِينَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَرَاجِعُوا يُرِيدُ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَلَا يَكُونُ إلَّا

[هدي من أصاب أهله قبل أن يفيض]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا وَيَقْرِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيُهْدِيَ هَدْيَيْنِ هَدْيًا لِقِرَانِهِ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَهَدْيًا لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَجِّ) . هَدْيُ مَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَلَاقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمْ وَاخْتَارَهُ وَإِنْ كَانَ الْحِلَاقُ أَفْضَلَ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ ارْجِعُوا لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الْإِلْزَامِ وَالْوُجُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ إبَاحَةِ الرُّجُوعِ وَالْأَمْرِ بِالْفَضْلِ أَوْ عَلَى مَا عَلِمَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا الرُّجُوعُ إلَى أَهَالِيِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَوْ أُمِرُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَأَعْلَمَهُمْ مَا عَلِمَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمُبَاحِ لَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا كَانَ عَامًا قَابِلًا فَحُجُّوا وَاهْدُوا يُرِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَافِلَةً وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْهَدْيُ لِأَجْلِ الْفَوَاتِ وَالتَّحَلُّلِ بِغَيْرِ مَا أَحْرَمُوا بِهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمَّا هَدْيُ الْجَزَاءِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى فَلَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَفَاتَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا قَضَاءً عَنْ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ وَعَلَى صِفَتِهِ مِنْ الْقِرَانِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ فِي الْقَضَاءِ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي تَحَلَّلَ بِهَا لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجِّهِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا يَصِحُّ التَّحَلُّلُ مِنْهَا وَلَا الْإِتْمَامُ لَهَا إلَّا مَعَ تَمَامِ الْحَجِّ وَالتَّحَلُّلِ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ مَا قَرَنَهَا بِهِ وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ إنَّمَا هِيَ عُمْرَةُ التَّحَلُّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ فَاتَهُ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ عُمْرَةَ التَّحَلُّلِ غَيْرُ الْعُمْرَةِ الَّتِي قَرَنَهَا بِحَجِّهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُهْدِي هَدْيَيْنِ لِقِرَانِهِ وَهَدْيًا لِفَوَاتِ الْحَجِّ يُرِيدُ أَنَّهُ يُهْدِي فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ هَدْيَيْنِ هَدْيًا لِلْقِرَانِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَهَدْيًا لِلْفَوَاتِ فِي الْعَامِ الْحَالِي وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي هَدْيِ الْقِرَانِ عَنْ الْعَامِ الْمَاضِي الَّذِي فَاتَهُ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ إنْ كَانَ يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِيهِ أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْفَوَاتِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ يَسْقُطُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّحَلُّلُ بِالْعُمْرَةِ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ الْقِرَانِ كَاَلَّذِي أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَارِنًا فَلَزِمَهُ حُكْمُ الْقِرَانِ فِي الدَّمِ كَمَا لَوْ أَتَمَّ قِرَانَهُ. [هَدْيُ مَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي وَقَعَ بِأَهْلِهِ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَنْحَرُ بَدَنَةً يَقْتَضِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الرَّمْيِ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَأَمَّا إنْ أَصَابَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ مَعَ الْعُمْرَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ يَنْحَرُ بَدَنَةً الْبَدَنَةُ أَرْفَعُ الْهَدْيِ لِأَنَّ الْهَدْيَ قَدْ يَكُونُ بَقَرَةً وَيَكُونُ شَاةً وَأَرْفَعُ ذَلِكَ الْبَدَنَةُ وَخَصَّهُ هَاهُنَا بِالْبَدَنَةِ لِعِظَمِ مَا أَتَى بِهِ. ص (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا أَظُنُّهُ إلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَحْتَمِلُ مَا قُلْنَاهُ قَبْلَ هَذَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَوْلُهُ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْإِفَاضَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَرَجَعَ إلَى بِلَادِهِ فَقَالَ: أَرَى إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيُفِضْ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيُفِضْ ثُمَّ لِيَعْتَمِرْ وَلْيُهْدِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيَهُ مِنْ مَكَّةَ وَيَنْحَرَهُ بِهَا وَلَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَهُ مَعَهُ مِنْ حَيْثُ اعْتَمَرَ فَلْيَشْتَرِهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ لِيُخْرِجْهُ إلَى الْحِلِّ فَلْيَسُقْهُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ يَنْحَرهُ بِهَا) . مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ. مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ النَّقْصَ عَلَى طَوَافِهِ لِلْإِفَاضَةِ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْوَطْءِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ بِطَوَافٍ سَالِمٍ إحْرَامُهُ مِنْ ذَلِكَ النَّقْصِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ فِي إحْرَامٍ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ نَسِيَ الطَّوَافَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ النِّسَاءَ أَوْ بَعْدَمَا أَصَابَ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبْ النِّسَاءَ فَلَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ لِتَمَامِ الْحَجِّ بِالطَّوَافِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الدَّمُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ قَدْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّحَلُّلُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِلِبَاسٍ وَلَا تَطَيُّبٍ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ صَيْدًا. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَهَذَا وَطِئَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَبَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْدُمَ مَكَّةَ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ثُمَّ يَقْضِيه فِي عُمْرَةٍ لِمَا أَدْخَلَ عَلَى إحْرَامِهِ مِنْ النَّقْصِ بِالْوَطْءِ وَيُهْدِي وَلَوْ كَانَ وَطْؤُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَرَكَعَ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَيُهْدِي وَإِنْ كَانَ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَلْيَرْكَعْ الرَّكْعَتَيْنِ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ يُهْدِي وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيَهُ بِمَكَّةَ وَيَنْحَرَهُ بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الْهَدْيُ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي الْحِلِّ فَيُسَاقُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ يَشْتَرِي فِي الْحَرَمِ فَيَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَوْضِعِ النَّحْرِ فِي الْحَرَمِ فَيَنْحَرُ فِيهِ وَكَذَلِكَ هَذَا لَوْ اشْتَرَى الْهَدْيَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَكَّةَ فَنَحَرَهُ بِهَا أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَكَّةَ ثُمَّ يَنْحَرَهُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَهُ مَعَهُ مِنْ حَيْثُ اعْتَمَرَ يُرِيدُ أَنَّ عُمْرَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ الْحِلِّ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ بِهَا مِنْ الْحِلِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النُّسُكِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَمَّا كَانَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ جَمِيعُهُ فِي الْحَرَمِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِهْلَالُ بِهَا مِنْ الْحِلِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ مُعْظَمَهُ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فِي الْحِلِّ فَجَازَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنْ الْحَرَمِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَلْيَشْتَرِهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ لِيُخْرِجْهُ إلَى الْحِلِّ فَلْيَسُقْهُ إلَى مَكَّةَ فَيَنْحَرهُ بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ سَاقَهُ مِنْ الْحِلِّ فَلْيَشْتَرِهِ بِمَكَّةَ أَوْ حَيْثُ أَمْكَنَهُ مِنْ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ شِرَائِهِ الِاخْتِصَاصُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَلْيُخْرِجْهُ إلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِأَنَّ الْمَنْحَرَ فِي الْحَرَمِ فَإِذَا اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يُرَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْمَنْحَرِ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ اشْتَرَى فِي الْحِلِّ لَأَجْزَأَ إدْخَالُهُ إلَى الْمَنْحَرِ فِي الْحَرَمِ وَخَصَّ مَكَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَا أُهْدِيَ فِي الْعُمْرَةِ لَا يُنْحَرُ بِمِنًى وَلَا يُنْحَرُ إلَّا بِمَكَّةَ.

[ما استيسر من الهدي]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] إلَى قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فِيمَا يُحْكَمُ بِهِ فِي الْهَدْيِ شَاةٌ وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ هَدْيًا وَذَلِكَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَكَيْفَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَاةٍ وَمَا لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِشَاةٍ فَهُوَ كَفَّارَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ إطْعَامُ مَسَاكِينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ] (ش) : قَوْلُهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَمَعْنَاهُ وَمُقْتَضَاهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَعُلِمَ ذَلِكَ بِالتَّوْفِيقِ أَوْ بِالدَّلِيلِ دُونَ أَنْ يَخْتَصَّ هَذَا الِاسْمُ بِالشَّاةِ فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَمُسْتَعْمَلِ الْخِطَابِ. فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ بِعُرْفِ التَّخَاطُبِ جَازَ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ وَاقِعٌ عَلَى الشَّاةِ وَأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ هَدْيٍ وَإِنْ عَلِمْنَا ذَلِكَ بِدَلَالَةٍ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ أَوْ الدَّلِيلِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تَخْتَصُّ فِي اللُّغَةِ بِالشَّاةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] لِأَنَّ اسْمَ الْمُسْتَيْسَرِ مِنْ الْهَدْيِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ لَا يُطْلِقُ عَلَى الشَّاةِ اسْمَ الْهَدْيِ وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا فَلَا يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَلَفْظُ الْبُدْنِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَتَنَاوَلهُ مِنْ بُدْنٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ وَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ كُلٌّ بِقَدْرِ يَسَارَتِهِ فَاقْتَضَى بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فِي حَقِّ الْغِنَى الْبَدَنَةُ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ الْبَقَرَةُ وَفِي حَقِّ الْفَقِيرِ الشَّاةُ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشِيرَ بِهِ إلَى أَقَلِّ أَجْنَاسِ الْهَدْيِ وَالثَّانِي إلَى أَقَلِّ صِفَاتِهِ فَأَمَّا أَقَلُّ أَجْنَاسِ الْهَدْيِ فَهُوَ الشَّاةُ وَأَمَّا أَقَلُّ صِفَاتِ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْبَدَنَةُ دُونَ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ فَهَذَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا مَكَانُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَمْنَعُ الْوَاجِدَ لِلْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَنْ يُهْدِيَ الشَّاةَ إمَّا مَنْعُ تَحْرِيمٍ أَوْ مَنْعُ كَرَاهِيَةٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ يُطْلِقُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يُهْدِيَ الشَّاةَ مَعَ وُجُودِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَلَفْظُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ يَقْتَضِي الْمُسْتَيْسَرَ مِنْهُ عَلَى الْمُخْرِجِ لَهُ لِأَنَّ الْمُسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى حَالِ الْمُخْرِجِ إنْ تَيَسَّرَ لَهُ إخْرَاجُهُ. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى الْغِنَى وَيَنْصَرِفُ إلَى التَّمَكُّنِ وَسُهُولَةِ التَّنَاوُلِ وَأَمَّا الْأَدْوَنُ وَالْأَقَلُّ فَلَفْظُ الْمُسْتَيْسَرِ فِيهِ أَظْهَرُ وَالْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ يَتَنَاوَلُهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْمُ الْهَدْيِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْهَدْيِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ الشَّاةِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة: 196] يَقْتَضِي مَا تَيَسَّرَ عَلَى الْمُخْرِجِ وَسَهُلَ عَلَيْهِ وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّخْفِيفِ وَالتَّجَوُّزِ عَنْ الْيَسِيرِ وَلَوْ قُلْت لِإِنْسَانٍ: افْعَلْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك لَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُجَوِّزُ عَنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفِعْلِ وَتَعْلِيقُ هَذَا بِاخْتِيَارِهِ وَمَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَقَالَ فَمَا وُجِدَ مِنْ الْهَدْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الشَّاةَ هَدْيًا وَكَيْفَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَبْلُغُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِبَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَاةٍ وَمَا لَا يَبْلُغُ الشَّاةَ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِهَدْيٍ يَقْتَضِي الدَّلَالَةَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ أَنْ يُحْكَمَ فِي الصَّيْدِ بِشَاةٍ جَازَ إخْرَاجُهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَتَنَاوَلُهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّيْدَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِشَاةٍ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِهَدْيٍ وَهَذَا

[جامع الهدي]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ) . جَامِعُ الْهَدْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ جُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَدْ ضَفَّرَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي قَدِمْت بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْت مَعَك أَوْ سَأَلْتَنِي لَأَمَرْتُك أَنْ تَقْرُنَ فَقَالَ الْيَمَانِيُّ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خُذْ مَا تَطَايَرَ مِنْ رَأْسِك وَاهْدِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا هَدْيُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: هَدْيُهُ قَالَتْ: مَا هَدْيُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا أَنْ أَذْبَحَ شَاةً لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا هُوَ دُونَهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّاةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ) . (ش) : قَوْلُهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مُخْتَصٌّ بِالْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَإِنَّ الشَّاةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ بِالْآيَةِ إمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ وَاقِعٌ عَلَى الشَّاةِ وَجَبَ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا الْوَصْفُ وَأَنْ تَسْتَحِقَّهُ وَأَنْ تَتَنَاوَلَهَا الْآيَةُ بِحَقِّ الْعُمُومِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ مَوْلَاةً لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقَالُ لَهَا رُقَيَّةُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى مَكَّةَ قَالَتْ: فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَأَنَا مَعَهَا فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ دَخَلَتْ صُفَّةَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ: أَمَعَك مِقَصَّانِ؟ فَقُلْت: لَا فَقَالَتْ: فَالْتَمِسِيهِ لِي فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى جِئْت بِهِ فَأَخَذَتْ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ ذَبَحَتْ شَاةً) . (ش) : قَوْلُهَا أَنَّهَا دَخَلَتْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَطَافَتْ وَسَعَتْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ فَطَافَتْ لِلْوُرُودِ وَسَعَتْ لِلْحَجِّ عَلَى مَا يَفْعَلُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُتَمَتِّعَةً أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ وَطَافَتْ وَسَعَتْ لِعُمْرَتِهَا ثُمَّ قَصَّرَتْ لِتَحَلُّلِهَا ثُمَّ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَخَرَجَتْ إلَى مِنًى وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِتَقْصِيرِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَذَبْحِهَا يَوْمَ النَّحْرِ شَاةً عَنْ مُتْعَتِهَا وَإِدْخَالُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَاحْتَجَّ بِاجْتِزَائِهَا بِالشَّاةِ عَنْ تَمَتُّعِهَا عَلَى أَنَّ الشَّاةَ مُرَادَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فِدْيَةٌ لِإِمَاطَتِهَا الْأَذَى إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَاجَةً إلَى ذَلِكَ وَلَا مَرَضًا يَقْتَضِي إمَاطَةَ أَذًى وَلَا يُوصَفُ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ مِنْ الْقُرُونِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [جَامِعُ الْهَدْيِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ وَقَدْ ضَفَّرَ رَأْسَهُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّلْبِيدِ فَقَالَ: إنِّي قَدِمْت بِعُمْرَةٍ فَكَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِقَ وَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ الْحِلَاقُ فِي الْحَجِّ، فَقَالَ: لَوْ كُنْت مَعَك لَأَمَرْتُك أَنْ تَقْرُنَ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَيَحْلِقُ لَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي الْعُمْرَةِ وَلَا يَجِدُ شَعْرًا يَحْلِقُهُ فِي حَجِّهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ قَدِمَ مُعْتَمِرًا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لَا يَحْلِقُ وَيُقَصِّرُ وَلْيُرْدِفْ الْحَجَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَبْقَى لَهُ مِنْ الشَّعْرِ مَا يَحْلِقُهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلِذَلِكَ رَأَى التَّقْصِيرَ أَفْضَلَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ الْيَمَانِيِّ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَ أَمْرُ الْقِرَانِ بِفَوَاتِ مَحِلِّ الْإِرْدَافِ لِتَمَامِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِشَيْءٍ غَيْرِ التَّقْصِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ طَوَافًا وَلَا سَعْيًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ فَهِمَ مِنْ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَكْمَلَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِ بِأَفْضَلَ مَا يَرَاهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي قَدْ فَاتَ فِيهَا الْقِرَانُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: احْلِقْ مَا تَطَايَرَ مِنْ رَأْسِك يُرِيدُ مَا عَلَا مِنْ الشَّعْرِ عَنْ التَّضْفِيرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ فِي التَّقْصِيرِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْأَخْذُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ بَلْ لَا يُجْزِئُ مِنْ ضَفْرٍ التَّقْصِيرُ وَلَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ إذَا حَلَّتْ لَمْ تَمْتَشِطْ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْزِئُهُ إلَّا الْحِلَاقُ وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ أَمَرَهُ بِنَقْصِ مَا ضَفَّرَ مِنْهُ ثُمَّ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ مَا زَادَ مِنْ شَعْرِهِ عَلَى الْمِشْطِ أَوْ عَلَى مَا يُبْقِيهِ التَّقْصِيرُ وَأَمَّا إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ التَّقْصِيرُ بِأَخْذِ بَعْضِ الشَّعْرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَبَيَانُ حُكْمِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ: وَاهْدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هَدْيَ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَزِمَهُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ بِأَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا عَنْهُ ثُمَّ أَمَرَهُ مَعَ ذَلِكَ بِالْهَدْيِ لِمَا أَخَّرَهُ مِنْ الْحِلَاقِ أَوْ التَّقْصِيرِ الْمُجْزِئِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِذَلِكَ مَعَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ عِرَاقِيَّةٌ: مَا هَدْيُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهَا أَحَدَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ هَدْيِ مَنْ أَتَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ هَدْيِ ذَلِكَ الرَّجُلِ خَاصَّةً فِي مِثْلِ يَسَارِهِ وَحَالِهِ فَتَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ لِاخْتِيَارِهِ لِذِي الْيَسَارِ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ. وَلَعَلَّهُ قَدْ رَأَى مِنْ حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّ يَدَهُ لَا تَتَّسِعُ لِذَلِكَ فَكَرِهَ أَنْ يُفْتِيَ بِالشَّاةِ فَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا كَرَّرَتْ عَلَيْهِ السُّؤَالَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ إمَّا لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مِمَّنْ يَجِبُ تَعْلِيمُهَا مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ أَوْ لَعَلَّهَا قَدْ لَزِمَهَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهَا أَوْ لِأَنَّهُ خَافَ فَوَاتَ الْيَمَانِيِّ وَمَغِيبَهُ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْلَمَ مَا حُكْمُهُ. فَقَالَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا أَنْ أَذْبَحَ شَاةً لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ فَصَرَّحَ بِجَوَازِ ذَبْحِ الشَّاةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَأَحَبُّ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ فَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّشَدُّدَ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْمَنْعَ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَقَلُّ الْهَدْيِ لِذِي الْيَسَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِلَاقِ وَلَا التَّقْصِيرِ مِنْ وَجَعٍ بِهِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ الْهَدْيِ وَأَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَنَةِ إذَا وُجِدَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ وَذَلِكَ أَدْنَى الْهَدْيِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الِاسْتِحْبَابُ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ الْبَدَنَةِ وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ إذَا حَلَّتْ لَمْ تَمْتَشِطْ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إذَا حَلَّتْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إذَا بَلَغَتْ مِنْ نُسُكِهَا مَوْضِعَ الْإِحْلَالِ لِلتَّقْصِيرِ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَالثَّانِي: إذَا حَلَّتْ بِرَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْإِحْلَالِ وَهَذَا إحْلَالٌ مُخْتَصٌّ بِالْحَجِّ فَنَهَاهَا عَنْ أَنْ تَمْتَشِطَ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا وَمَعْنَاهُ أَنْ تُقَصِّرَ فَتَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ شَعْرِ رَأْسِهَا. وَأَمَّا مَنْعُهَا مِنْ الِامْتِشَاطِ قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مُعْتَمِرَةً أَوْ حَاجَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَمِرَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ الْمُعْتَمِرِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَهُ أَوْ يَقْتُلَ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ يَلْبَسَ قَمِيصًا بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ. وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمِنْ الشَّأْنِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ وَالْخِطْمِيِّ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِقَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَوَّرَ وَيَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَيَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ وَلِحْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِلْمُعْتَمِرِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ أَوْ الْحِلَاقَ بِهِمَا يَتَحَلَّلُ لِإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَبِهِ يُبْتَدَأُ فِيهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ ذَلِكَ بِالتَّقْصِيرِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّقْصِيرِ مِنْ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً بَدَنَةً) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ فِي حَجٍّ وَهُوَ مُهِلٌّ بِعُمْرَةٍ هَلْ يَنْحَرُهُ إذَا حَلَّ أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيَحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَقَالَ: بَلْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيَحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَاَلَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَدْيَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَأَمَّا مَا عَدَلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا يُرِيدُ أَنَّ النَّحْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحِلَاقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . (ش) : قَوْلُهُ لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَلَا مَشْرُوعٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ امْرَأَتَهُ فِي الْأُضْحِيَّةَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ أَجْنَبِيَّةً فَلَمَّا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُشْرِكَ امْرَأَتَهُ فِي الْهَدْيِ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَ ذَلِكَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْلَى مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لِيَهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً بَدَنَةً يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ وَأَنَّ هَدْيَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ كَامِلَةٌ سَالِمَةً مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْهَدْيِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ الِاشْتِرَاكَ ثُمَّ أَبَاحَ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدَةً كَامِلَةً اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَقَلُّ الْهَدْيِ وَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الِانْفِرَادَ بِالْهَدْيِ حُكْمُ الْبُدْنِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبُدْنِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْغَنَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ هَدْيٌ لِيَنْحَرَهُ فِي حَجٍّ يَقْتَضِي أَنَّ لِبَعْثِهِ فِي الْحَجِّ تَأْثِيرًا يَمْنَعُ مِنْ نَحْرِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَبْعَثُ الرَّجُلُ بِهَدْيِهِ مَعَ حَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ فَإِنْ بَعَثَ بِهِ مَعَ غَيْرِ مُعْتَمِرٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْهَدْيِ بِنُسُكِ الْحَامِلِ لَهُ وَإِنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَذْبَحَهُ عَلَيْهِ فَمَنْ بُعِثَ مَعَهُ هَدْيٌ لِيَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّمَا بُعِثَ بِهِ مَعَهُ لِئَلَّا يَنْحَرَهُ قَبْلَ أَيَّامِ مِنًى فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ فِعْلَهُ وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِحَجِّ الَّذِي أُرْسِلَ مَعَهُ أَوْ بِحَجِّ النَّاسِ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِحَجِّ النَّاسِ فَعَلَى الْحَامِلِ لِلْهَدْيِ أَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَيَنْحَرَهُ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى حَجَّ هُوَ أَوْ لَمْ يَحُجَّ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِحَجِّهِ قَالَ: وَيَحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ دَخَلَ بِعُمْرَةٍ لَكِنَّ الْهَدْيَ الَّذِي أُرْسِلَ مَعَهُ إنَّمَا أُرْسِلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ بَاعِثَ الْهَدْيِ لِيَنْحَرَ لَهُ فِي حَجٍّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَأَدْرَكَهُ أَخَّرَ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَلَّدُوا وَجَبَ عَلَى النَّحْرِ فِي الْحَجِّ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فِيهِ إدْرَاكُهُ لَهُ كَمَا لَوْ قَلَّدَهُ عَلَى أَنْ يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَدَخَلَ مُتَمَتِّعًا لَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ لَا يَنْحَرَ فِي عُمْرَتِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي حَجِّهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ بَدَلَ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ هَدْيٌ أَوْ إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ فَأَمَّا الْهَدْيُ فَإِنَّهُ لَا يُنْحَرُ إلَّا بِمَكَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمِنًى أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ قَوْلِهِ هَاهُنَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَكَّةَ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْهَدْيِ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْهَدَايَا إنْ سَاقَهُ وَهُوَ مُعْتَمِرٌ أَوْ حَلَالٌ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ وَلَوْ سَاقَهُ فِي حَجٍّ فَوَقَفَ بِهِ فِي عَرَفَةَ لَمْ يَجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَهُ إلَّا بِمِنًى فِي أَيَّامِ مِنًى قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ هَدْيٌ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ مَعَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوْتَ خَرَجَ وَبَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَأْسِهِ فَحَلَقَ ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَ حُسَيْنٌ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَفَ بِهِ فِي عَرَفَةَ فَوَجَبَ أَنْ يَنْحَرَ فِي أَيَّامِ مِنًى كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَحَرَهُ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ مَسَاكِينَ الْحِلِّ بِأَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ جَازَ ذَلِكَ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا هَدْيُ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَجَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَى فُقَرَاءِ الْحِلِّ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ فِي الْحَرَمِ وَأَيْضًا فَقَدْ صَارَ بِالنَّحْرِ طَعَامًا فَبَطَلَ اخْتِصَاصُهُ بِأَهْلِ الْحَرَمِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَأَمَّا مَا عَدَلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ يَقْتَضِي هَذَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْبِلَادِ وَالْمَوَاضِعِ وَالْأَزْمَانِ فِيهِ وَلِذَلِكَ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ وَفِي الصَّيْفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ وَفِي كُلِّ بَلَدٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْرِفُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ: إنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ شَاءَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ مَكَّةَ. وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ الطَّعَامَ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ بَدَلٌ عَنْ نُسُكٍ فَجَازَ إخْرَاجُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ كَفِدْيَةِ الْأَذَى. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُطْعِمُ الطَّعَامَ إلَّا بِمَوْضِعٍ أَصَابَ الصَّيْدَ فِيهِ وَمَا قَارَبَهُ حَيْثُ يَجِدُ الْمَسَاكِينَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ بِسِعْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ بِبَلَدٍ بِسِعْرِ بَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَوْ أَرْخَصَ اشْتَرَى بِثَمَنِ الطَّعَامِ حَيْثُ يُصَابُ الصَّيْدُ فَأَخْرَجَ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَغْلَى أَخْرَجَ تِلْكَ الْمَكِيلَةَ وَنَحْوَهُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ الطَّعَامِ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ فَلْيَشْتَرِ بِهِ طَعَامًا كَانَ السِّعْرُ بِبَلَدِ الشِّرَاءِ أَرْخَصَ أَوْ أَغْلَى وَنَحْوُهُ رُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَقَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَقْوَى عَلَى التَّوَجُّهِ مَعَهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَيِس أَنْ يُدْرِكَ مَعَهُ الْحَجَّ وَخَافَ الْفَوَاتَ أَرْسَلَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ يُعْلِمُهُمَا بِحَالِهِ وَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رَجَا مِنْ صِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى إكْمَالِ نُسُكِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُسَيْنٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يَحِلَّ لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتَ أَوْ لِأَنَّهُ رَجَا الْقُوَّةَ عَلَى الْوُصُولِ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ كَالْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ يَتَحَلَّلُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا تَحَلُّلٌ لَا يُسْتَفَادُ بِهِ التَّخَلُّصُ مِنْ أَذًى فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَصْلُهُ إذَا ضَلَّ فِي طَرِيقِهِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ شَرَطَ فِي إحْرَامِهِ أَنْ يَحِلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ الْمَرَضُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ شُرِطَ ذَلِكَ حَلَّ بِالْمَرَضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ.

[الوقوف بعرفة والمزدلفة]

الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْطٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ بِالشَّرْطِ أَصْلُ ذَلِكَ الْكَسَلُ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحْلِلْ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْحَرُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] إلَى قَوْلِهِ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَهَذَا يَقْتَضِي بُلُوغَهُ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] . (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ تَأَذَّى بِشَعْرِهِ أَوْ بِهَوَامٍّ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَأْسِهِ فَحَلَقَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلِّ مَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْتَدِيَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِتَفْسِيرِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ نُسُكٌ عَنْهُ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مَوْضِعٌ غَلَبَ عَلَيْهِ بِهِ وَأَقَامَ فِيهِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى جَائِزٌ أَنْ يَنْحَرَهَا بِكُلِّ مَوْضِعٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَدْيٍ فَيَكُونُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ وَإِنَّمَا هُوَ نُسُكٌ لَا يُقَلِّدُ وَلَا يُشْعِرُ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَلَهُ نَحْرُهُ حَيْثُ شَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا دَمٌ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِلَفْظِ النُّسُكِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْحَرَمِ كَالْعَقِيقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْبَعِيرَ الَّذِي نَحَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلتَّحَلُّلِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ الَّذِي يُبِيحُ التَّحَلُّلَ فِي مَوْضِعِ الْمَرَضِ لَا يَرَى أَنْ يُنْحَرَ الْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ وَالشَّافِعِيُّ الَّذِي يُجِيزُ التَّحَلُّلَ بِالشَّرْطِ وَيَرَى أَنَّ مَنْ نَحَرَ الْهَدْيَ حَيْثُ يَحِلُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ التَّحَلُّلَ وَلَا عَلِمْنَا أَحَدًا عَمِلَ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالشَّرْطِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ لَهُ هَذَا فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مَا نَحَرَ عَنْهُ حَيْثُ نَحَرَهُ رَوَى ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَلَمْ يُقَلِّدْهُ وَلَا أَشْعَرَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَدْيًا سَاقَهُ وَإِنَّمَا كَانَ دَمَ فِدْيَةِ الْأَذَى وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ إخْرَاجَ الْأَفْضَلِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ الشَّاةُ وَمَنْ أَخْرَجَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَجْزَأَتْهُ بَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَكَانَ حُسَيْنٌ قَدْ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ خَرَجَ مَعَهُ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْحَجِّ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَرِضَ حُسَيْنٌ بِالْعَرَجِ فَتَحَامَلَ فَلَمَّا بَلَغَ السُّقْيَا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَمَضَى عُثْمَانُ وَبَقِيَ هُوَ بِالسُّقْيَا. [الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» يُرِيدُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بَعْضُهَا بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهَا فَقَدْ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِئَلَّا يَتَضَايَقَ النَّاسُ بِمَوْضِعِ وُقُوفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ فَإِنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ فَهَذَا فِي الْجَوَازِ وَإِنْ كُنَّا نَسْتَحِبُّ الْوُقُوفَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمَا يَقْرَبُ مِنْهُ تَبَرُّكًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ إذَا وَقَفَ مَعَ النَّاسِ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ النَّاسِ فَوَقَفَ دُونَهُمْ أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا ارْتَفَعَ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] قَالَ: فَالرَّفَثُ إصَابَةُ النِّسَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] قَالَ: وَالْفُسُوقُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ {فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] قَالَ: وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقُزَحٍ وَكَانَتْ الْعَرَبُ وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ فَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 67] فَهَذَا الْجِدَالُ فِي الْحَجِّ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عُرَنَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ عَرَفَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِمَّا عَمَّمَهُ بِقَوْلِهِ «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» فَكَأَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ هَذَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَمْ يَمُدَّ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ عُرَنَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْقِفُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الِاسْمُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا كَمَا لَمْ يَسْتَثْنِ مَا لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عُرَنَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ وَلَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُهَا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» عَلَى مَعْنَى قَصْرِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى عَرَفَةَ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ مَعَ قُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: بَطْنُ عُرَنَةَ هُوَ وَادٍ فِي عَرَفَةَ يُقَالُ إنَّ حَائِطَ مَسْجِدِ عَرَفَةَ الْقِبْلِيَّ عَلَى حَدِّهِ لَوْ سَقَطَ مَا سَقَطَ إلَّا فِيهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ عَرَفَةَ فِي الْحِلِّ وَعُرَنَةُ فِي الْحَرَمِ وَبَطْنُ عُرَنَةَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِارْتِفَاعِ عَنْهُ هُوَ بَطْنُ الْوَادِي الَّذِي فِيهِ مَسْجِدُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ وَقَفَ بِالْمَسْجِدِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَلَكِنَّ الْفَضْلَ بِقُرْبِ الْإِمَامِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ الْوُقُوفُ لَهُ بِحَسَنٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِبَطْنِ عُرَنَةَ قِيلَ: فَإِنْ فَعَلَ حَتَّى دَفَعَ قَالَ: لَا أَدْرَى وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا حَجَّ لَهُ وَرَآهُ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» . وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: كَانَ النَّاسُ يَسْتَحِبُّونَ الْوُقُوفَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقِفُ الْإِمَامُ حَيْثُ الْمَنَارَةُ الَّتِي عَلَى قُزَحٍ وَالْمَشْعَرِ مَا بَيْنَ جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَةِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا جَمْعٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ مَوْقِفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: مَا صُبَّ مِنْ مُحَسِّرٍ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَهُوَ مِنْهَا وَمَا صُبَّ مِنْهُ فِي مِنًى فَهُوَ مِنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا لَا يَقِفُ بِالْمَشْعَرِ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ مَنْ بَاتَ بِهَا أَوْ وَقَفَ مَعَهُ وَأَمَّا مَنْ أَتَى بَعْدَ الْفَجْرِ فَلْيَقِفْ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) . (ش) : قَوْلُهُ اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ فِي تَعْلِيمِ هَذَا الْحُكْمِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَبْيِينِهِ وَقَوْلُهُ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ أَظْهَرُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عُرَنَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَمُحَسِّرٌ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَبَاحَ بِهِ الْوُقُوفَ لَهُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَتَكُونُ عُرَنَةُ مِنْ غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُحَسِّرٌ لَيْسَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَمَعْنَاهُ إلَّا أَنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ عَلَى قُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ بِهِ تَحْدِيدًا لِمَكَانِ الْوُقُوفِ وَتَحْذِيرًا مِنْ أَنْ يَجْرِيَ أَحَدٌ مَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ مَجْرَى عَرَفَةَ.

[وقوف الرجل وهو غير طاهر ووقوفه على دابته]

سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) . وُقُوفُ الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَوُقُوفُهُ عَلَى دَابَّتِهِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يَقِفُ أَحَدٌ بِعَرَفَةَ أَوْ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ فَقَالَ: كُلُّ أَمْرٍ تَصْنَعُهُ الْحَائِضُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَالرَّجُلُ يَصْنَعُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَكِنَّ الْفَضْلَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ طَاهِرًا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا الرَّفَثُ فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إصَابَةُ النِّسَاءِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجِمَاعَ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِآيَةِ الصَّوْمِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرَّفَثَ فِي آيَةِ الصَّوْمِ إصَابَةُ النِّسَاءِ وَأَمَّا فِي آيَةِ الْحَجِّ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ الْجِمَاعُ. وَقَالَ عَطَاءٌ هُوَ الْجِمَاعُ وَمَا دُونَهُ مِنْ قَوْلِ الْفُحْشِ وَرَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّفَثَ فِي آيَةِ الْحَجِّ الْإِغْرَاءُ بِهِ وَهُوَ التَّعْرِيضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْفُسُوقُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] . وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْفُسُوقُ السِّبَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ: الْفُسُوقُ قَوْلُ الزُّورِ وَإِنَّمَا قَصَدَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ لَفْظُ الْفُسُوقِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَالْحَجُّ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ الذَّبْحُ وَإِرَاقَةُ الدِّمَاء فَخُصَّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْ الْمَعَاصِي جُمْلَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْفُسُوقُ فِي الْآيَةِ كُلَّ مَا يَفْسُقُ بِهِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْجِدَالُ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ الْجِدَالُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْجِدَالُ الْمِرَاءُ زَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تُمَارِي صَاحِبَك حَتَّى تُغْضِبَهُ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْحَجُّ الْيَوْمَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْحَجُّ غَدًا وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى تَخْصِيصِ الِاخْتِلَافِ بِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْجِدَالِ لِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْجِدَالِ فِي أَمْرِ الْحَجِّ خَاصَّةً وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَيَكُونُ الرَّفَثُ الْجِمَاعَ وَكُلَّ قَبِيحٍ مِنْ الْكَلَامِ وَالْفُسُوقُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ وَالْجِدَالُ كُلَّ مِرَاءٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا فِي غَيْرِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ أَمْرُهُ فِي الْحَجِّ. [وُقُوفُ الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَوُقُوفُهُ عَلَى دَابَّتِهِ] (ش) : قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَالرَّجُلُ يَفْعَلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ كَلَامٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْحَائِضَ مُحْدِثَةٌ حَدَثًا أَكْبَرَ فَإِذَا جَازَ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ وَالْجُنُبَ يَفْعَلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِي صِحَّتِهِ لَا تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ مِنْ الطَّوَافِ وَأَمَّا مَا لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ أَوْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِعْلُ الْحَائِضِ لَهُ وَإِجْزَاؤُهُ عَنْهَا مَعَ حَدَثِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ وَالْجُنُبَ يَصِحُّ مِنْهُمَا فِعْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَالرَّجُلُ يَفْعَلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقَعُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَيَقَعُ عَلَى الْجُنُبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَهُمَا أَوْ يُرِيدَ أَحَدَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا قَضَاءَ وَلَا جُبْرَانَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مِنْ حَفَزَهُ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ فِي السَّعْيِ فَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ وَيَتَوَضَّأ ثُمَّ يُتِمَّ سَعْيَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ أَحْدَثَ فِي سَعْيِهِ فَتَمَادَى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ وَتَمَّمَ سَعْيَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ الرُّكُوعِ سَعَتْ وَأَجْزَأَهَا وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ يَفْعَلُهَا غَيْرُ الطَّاهِرِ مَا خَلَا الطَّوَافَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَى الرَّسُولِ

[وقوف من فاته الحج بعرفة]

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِلرَّاكِبِ أَيَنْزِلُ أَمْ يَقِفُ رَاكِبًا؟ فَقَالَ: بَلْ يَقِفُ رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَاَللَّهُ أَعْذَرُ بِالْعُذْرِ) . وُقُوفُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَرَفَةَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْفَضْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ طَاهِرًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مِمَّا شُرِّعَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ اسْتِحْبَابًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّطْهِيرَ لِلسَّعْيِ وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ وَلِوُقُوفِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْغُسْلُ إنَّمَا هُوَ غُسْلٌ لِلتَّنْظِيفِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ وَلَكِنَّهُ يَقْوَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مَشْرُوعَةٌ لِهَذِهِ الْمَنَاسِكِ مَعَ نَظَافَةِ الْأَعْضَاءِ فَلِهَذَا قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ أَيْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوُقُوفَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. (ش) : قَوْلُهُ بَلْ يَقِفُ رَاكِبًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لِلْوُقُوفِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا «رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى بَعِيرِهِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: طَلَبُ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِظْهَارِ عَلَى الدُّعَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِنْفَاقَ مَشْرُوعٌ فِي الْحَجِّ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ وَقَطْعُ السَّفَرِ كَالْجِهَادِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَاَللَّهُ أَعْذَرُ بِالْعُذْرِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ لِصَاحِبِ الرَّاحِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوُقُوفِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ عَاقَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِهِ الْمُسْتَحَبِّ وَاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَدْوَنِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ وَقَفَ غَيْرَ رَاكِبٍ فَلْيَكُنْ وُقُوفُهُ لِلدُّعَاءِ قَائِمًا فَإِذَا عَيِيَ فَلْيَجْلِسْ قَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَاشِي يَقِفُ قَائِمًا أَوْ جَالِسًا كُلٌّ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ وَالرَّغْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَأَمَّا الرَّاكِبُ فَتِلْكَ الْحَالُ أَبْلَغُ حَالَاتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِذَا ذَهَبْت دَعَوْت فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّعْظِيمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ لِنَفْسِك وَلِوَالِدَيْك وَالِاسْتِغْفَارِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَرَاهُ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» . [وُقُوفُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَرَفَةَ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا يُدْرِكُ بِهِ الْوُقُوفَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الْوُقُوفُ قَبْلَهُ وَيُجْتَزَأُ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ تَبْيِينَ زَمَانِ الْوُقُوفِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَقِفْ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ بِعَرَفَةَ فَلَا وُقُوفَ لَهُ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِزَمَانٍ لِفَرْضِ الْوُقُوفِ وَإِنْ كَانَ زَمَانًا لِنَافِلَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ لِتَعْلِيقِهِ الْحُكْمَ عَلَى اللَّيْلَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْوُقُوفَ لَا يُجْزِئُ بِالنَّهَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ بِاللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ أَنْ يَقِفَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الِاعْتِمَادُ عَلَى الْوُقُوفِ بِالنَّهَارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَالْوُقُوفُ بِاللَّيْلِ تَبَعٌ فَمَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَتَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهَارِ أَجْزَأَهُ وَمَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ مَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَمَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ» وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا فِي الْحَجِّ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَنْ يَصِحُّ صَوْمُهُ فَلَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِفَرْضِ الْوُقُوفِ أَصْلُ ذَلِكَ أَوَّلُ النَّهَارِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ مِنْ الْوُقُوفِ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَثَرِ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ يَتَّصِلَ بِذَلِكَ الرَّوَاحُ إلَى الْمَوْقِفِ فَيَتَّصِلُ وُقُوفُهُ بِهِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَإِنَّ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عَرَفَةَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا وَتَرَكَ الْوُقُوفَ نَهَارًا مُخْتَارًا فَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم عَلَيْهِ الدَّمُ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِانْفِرَادِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنَّ حَجَّهُ قَدْ وَقَعَ نَفْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصِحُّ مِنْهُ حَجُّ الْفَرْضِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ حَجُّهُ عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفْلِ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّ حَجَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ فَرْضِهِ لِأَنَّ حَجَّهُ انْعَقَدَ نَفْلًا فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْفَرْضِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ انْعَقَدَتْ نَفْلًا فَإِنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ حَلَالًا حَتَّى أُعْتِقَ فَأَدْرَكَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَإِنَّ حَجَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَهُوَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ وَيَلْزَمُهُ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَإِنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ نَفْلًا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ إذَا لَزِمَهُ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَقُ بِعَرَفَةَ فَمَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَالَ مَالِكٌ: يُلَبِّي حِينَ إحْرَامِهِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُحْرِمْ بَعْدَ عِتْقِهِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يُحْرِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يُحْرِمُ فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هَذَا بِقَوْلِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ وَهُوَ الصَّوَابُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهِ إذَا طَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانَ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى عَرَفَةَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَجٍّ مُتَيَقَّنٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَتَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ أَوْ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لَا يَقْضِيهَا عَنْهُ وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[تقديم النساء والصبيان]

تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ أَهْلَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمِنًى وَيَرْمُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَمَنْ رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُقَدِّمُ أَهْلَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى السُّنَّةُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْوُقُوفُ بِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ وَتَفْسِيرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) وَالْفَرْضُ مِنْ الْمَبِيتِ بِمِنًى النُّزُولُ فِيهَا وَالْمَقَامُ مِقْدَارَ مَا يَرَى أَنَّهُ مَقَامٌ فَمَنْ مَنَعَهُ مِنْ النُّزُولِ بِهَا مَانِعٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: عَلَيْهِ الدَّمُ وَهُوَ بَدَنَةٌ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَإِنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ ارْتَحَلَ عَنْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوَّلًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُجْزِئُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا لِمَنْ جَاءَهَا لَيْلًا فَأَمَّا مَنْ جَاءَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَعَفَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ جَاءَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَنَزَلَ بِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقْتًا لِلنُّزُولِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِنْ كَانَ النُّزُولُ عَرَى عَنْ الْمَبِيتِ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ:. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَلَمْ يَجِبْ بِتَرْكِهِ إلَّا الدَّمُ لَمْ يَقْوَ قُوَّةَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَيَجِبُ بِتَرْكِ تَوَابِعِهِ الدَّمُ وَمَنْ أَتَى بَعْدَ الْفَجْرِ فَنَزَلَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَبِيتِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ وَتَرَكَ الْأَفْضَلَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ كَانَ يُقَدِّمُ أَهْلَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِمِنًى يَقْتَضِي أَنَّ التَّقَدُّمَ كَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِمِقْدَارِ مَا يَأْتُونَ مِنًى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَجِبُ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَهُمْ بِهَا وَإِنَّمَا خَصَّ بِذَلِكَ نِسَاءَهُ وَصِبْيَانَهُ لِلضَّعْفِ عَنْ زَحْمَةِ النَّاسِ فَأَرَادَ بِذَلِكَ الرِّفْقَ بِهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لَمَّا كَانَ التَّعْرِيسُ الَّذِي هُوَ فَرْضُ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فَضِيلَةُ الْوُقُوفِ مَعَ الْإِمَامِ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِضَعْفِهِمْ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَيَرْمُوا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ النَّاسُ. ص (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ مَوْلَاةً لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ جِئْتُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ مِنًى بِغَلَسٍ قَالَتْ: فَقُلْت لَهَا: لَقَدْ جِئْت مِنًى بِغَلَسٍ فَقَالَتْ: قَدْ كُنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك» ) . (ش) : قَوْلُهَا جِئْتُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ مِنًى بِغَلَسٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ» وَإِنْكَارُ الْأَمَةِ عَلَيْهَا إتْيَانَهَا مِنًى بِغَلَسٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّ السُّنَّةَ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ إلَى الْأَسْفَارِ فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهَا مُخَالَفَتَهَا جَمَاعَةَ الْحَاجِّ فِي ذَلِكَ فَأَعْلَمَتْهَا أَسْمَاءُ مَا عِنْدَهَا فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ النِّسَاءَ وَالضَّعَفَةَ قَدْ أُرْخِصَ لَهُمْ فِي التَّقَدُّمِ رِفْقًا بِهِنَّ فَقَالَتْ: كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ مُسْنَدًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخُلَفَاءِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ص (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يُقَدِّمُ نِسَاءَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى) ش قَوْلُهُ كَانَ يُقَدِّمُ نِسَاءَهُ وَصِبْيَانَهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَ التَّقْدِيمِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَهُمْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيُصَلُّوا بِمِنًى عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ إلَّا أَنَّ الرِّفْقَ بِهِمْ أَبْلَغُ فِي تَقْدِيمِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ أَخْلَى لَهُمْ وَأَمْكَنُ مِنْ أَنْ يُصَلُّوا مِنًى وَيَرْمُوا وَيَنْزِلُوا قَبْلَ تَضَايُقِ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ سَمِعَ

[السير في الدفعة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا وَلِأَصْحَابِهَا الصُّبْحَ يُصَلِّي لَهُمْ الصُّبْحَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ ثُمَّ تَرْكَبُ فَتَسِيرُ إلَى مِنًى وَتَقِفُ) . السَّيْرُ فِي الدَّفْعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ هَذِهِ كَرَاهَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ وَنَفْيِ الْإِجْزَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ وَلِذَلِكَ وُصِفَتْ الْأَيَّامُ بِالرَّمْيِ دُونَ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] فَوُصِفَتْ الْأَيَّامُ بِأَنَّهَا مَعْدُودَاتٌ لِلْجِمَارِ الْمَعْدُودَاتِ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِاللَّيْلِ فَمَنْ رَمَى لَيْلًا أَعَادَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ مَنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ «عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ يَرْمِيهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ وَيَقُولُ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَالنِّصْفِ الْأَوَّلِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجُوزُ فِيهِ الذَّبْحُ فَجَازَ فِيهِ الرَّمْيُ كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. (فَصْلٌ) قَوْلُهُ وَمَنْ رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الرَّمْيِ عَلَى النَّحْرِ وَأَنَّ النَّحْرَ إنَّمَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ النَّحْرُ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحُلُولَ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ قَدْ حَلَّ وَقْتُ ذَبْحِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ إبَاحَةً عَارِيَّةً مِنْ الْكَرَاهِيَةِ سَالِمَةً مِنْ التَّقْدِيمِ عَلَى مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الذَّبْحِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا» . (ش) : قَوْلُهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا وَلِأَصْحَابِهَا الصُّبْحَ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ اتَّخَذَتْ إمَامًا يُصَلِّي بِهَا إذْ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَؤُمَّ مِنْ أَحَدٍ رِجَالًا وَلَا نِسَاءً وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهَا النُّهُوضُ إلَى الْمَوْقِفِ إمَّا لِضَعْفِهَا أَوْ لِمَا كَانَ أَصَابَهَا مِنْ الْعَمَى فَاِتَّخَذَتْ مِمَّنْ كَانَ يَكُونُ مَعَهَا مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ فَتُدْرِكُ بِذَلِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهُمْ الصُّبْحَ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تُقَدِّمُ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذِهِ السُّنَّةُ لِمَنْ وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ وَلَا يَضِيقُ وَقْتُ الْوُقُوفِ عَمَّا يُرِيدُونَهُ مِنْ طُولِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تُقَدِّمُ الصَّلَاةَ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُمْكِنَهَا التَّقَدُّمُ إلَى مِنًى وَيُمْكِنُهَا الرَّمْيُ فِي خَلْوَةٍ قَبْلَ التَّضَايُقِ وَالتَّزَاحُمِ الَّذِي تَكْرَهُهُ وَلِمَا كَانَ يَمْنَعُ مَا تُرِيدُ مِنْ التَّسَتُّرِ فَكَانَتْ تُقَدِّمُ بِذَلِكَ الدَّفْعَ إلَى مِنًى وَتَرْكَ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ إذَا كَانَ قَدْ بَاتَ بِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [السَّيْرُ فِي الدَّفْعَةِ] (ش) : سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ سَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَفَعَ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الدَّفْعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَّا أَنَّ اخْتِصَاصَ أُسَامَةَ بِوَقْتِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ هُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ.

[الباب الأول في بيان وقت الوقوف]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفَعَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ شَاهَدَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ عَنْ الْأَمْرَيْنِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ الْإِخْبَارُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ خَاصَّةً وَأَخْبَرَ فِي غَيْرِهِ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَسُؤَالُ السَّائِلِ وَحِفْظُ أُسَامَةَ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى اهْتِبَالِ النَّاسِ بِأَمْرِ الْحَجِّ وَحِفْظِ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ حَتَّى بَلَغُوا إلَى حِفْظِ صِفَةِ مَشْيِهِ وَإِسْرَاعِهِ حَيْثُ أَسْرَعَ وَأَيْضًا عَنْهُ حَيْثُ أَوْضَعَ وَمَنَازِلَهُ وَمَنَاقِلَ أَحْوَالِهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ» يُرِيدُ ضَرْبًا مِنْ السَّيْرِ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَحَرُّزًا مِنْ أَذَاهُمْ وَلِيَقْتَدُوا بِهِ فِي رِفْقِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَحْتَرِزُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَذَى بَعْضٍ وَهَذَا مَا كَانَ فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ وَزِحَامِهِمْ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً وَهِيَ الْفُرْجَةُ مِنْ الْأَرْضِ يُرِيدُ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ نَصَّ يُرِيدُ أَنَّهُ أَسْرَعَ فِي السَّيْرِ لِأَنَّ النَّصَّ أَرْفَعُ مِنْ السَّيْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ سُنَّةَ الْمَشْيِ فِي الدَّفْعِ الْإِسْرَاعُ وَإِنَّمَا يَمْسِكُ عَنْ بَعْضِهِ لِمَانِعٍ مِنْ زِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ» رَوَى ذَلِكَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةَ جَمَعَ النَّاسَ حِينَ دَفَعُوا: عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَهُوَ كَافٍ نَاقَتَهُ» وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ حَدِّ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ بِالزَّجْرِ وَالْإِيضَاعِ فَأَمَّا الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ الَّذِي لَا يُخْرِجُ عَنْ حَدِّ الْوَقَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ وَفِي هَذَا بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي تَبْيِينِ وَقْتِ الْوُقُوفِ. وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ وَقْتِ الدَّفْعِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوفِ] 1 فَأَمَّا بَيَانُ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَإِنَّ الْبَائِتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يُصَلِّي الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: هُمَا صَلَاتَانِ يُحَوِّلَانِ عَنْ وَقْتَيْهِمَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَمَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُعَجِّلُ صَلَاةَ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ بِهَا فِي الْقَوَاعِدِ الَّتِي يَحُولُ الْبِنَاءُ بَيْنَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الْمُرْتَقِبِ لَهُ حَتَّى يَرْتَفِعَ وَالثَّانِي لِمَا يُرَادُ مِنْ تَعْجِيلِ الْوُقُوفِ. (مَسْأَلَةٌ) وَآخِرُ وَقْتِ الْوُقُوفِ إذَا أَسْفَرَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ صَلَّى بِجَمْعٍ ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ: أَشْرَفَ ثَبِيرُ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» . [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ وَقْتِ الدَّفْعِ] 1 وَأَمَّا وَقْتُ الدَّفْعِ فَهُوَ عِنْدَ الْإِسْفَارِ الْمَذْكُورِ مُتَّصِلًا بِالْوُقُوفِ وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ دَفَعَ قَبْلَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَأَخَّرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنِّي لَأُرَاهُ يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَدَفَعَ ابْنُ عُمَرَ وَدَفَعَ النَّاسُ مَعَهُ. (فَصْلٌ) وَلَا يَدْفَعُ أَحَدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَهُ مَالِكٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُقُوفَ بَعْدَ النَّحْرِ مَسْنُونٌ فَلَا يَدْفَعُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَالْإِمَامُ مُقْتَدَى بِهِ فَلَا يَدْفَعُ قَبْلَهُ وَهَذَا مَعَ سَلَامَةِ الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةٌ تَدْعُو إلَى تَرْكِ الْوُقُوفِ دَفَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ هُوَ بَطْنُ وَادٍ قُرْبَ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَرِّكُ نَاقَتَهُ فِيهِ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ وَهُوَ قَدْرُ بَطْنِ الْوَادِي. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرْكُضُ

[ما جاء في النحر في الحج]

مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِمِنًى: هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ هَذَا الْمَنْحَرُ يَعْنِي الْمَرْوَةَ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاجُّ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَسْعَى الْمَاشِي فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ كَنَحْوِ مَا يُحَرِّكُ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ. [مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِمِنًى هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مَنْحَرٌ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ نَحْرِهِ فَخَصَّهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْحَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ فَضِيلَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْحَرُ فِيهِ وَيَقْصِدُهُ وَيُسَابِقُ إلَيْهِ وَمَنْحَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَخْصُوصًا بِالْفَضِيلَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَحْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا فَإِنَّ جَمِيعَ مِنًى مَنْحَرٌ أَيْضًا لِيُجْزِئَ النَّحْرُ بِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ النَّحْرِ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ بِمِنًى مُخْتَصٌّ بِالنَّحْرِ عَلَى ثَلَاثِ صِفَاتٍ إنْ عُدِمَتْ مِنْهَا صِفَةٌ لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ بِمِنًى إحْدَاهُمَا أَنْ يُوقَفَ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي حَجٍّ فَمَتَى اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ بِغَيْرِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: لَوْ نَحَرَ الْهَدْيَ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ وُقُوفُهُ بِعَرَفَةَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِلْهَدْيِ مَحِلًّا وَقَدْ «نَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ فِي الْحَجِّ بِمِنًى وَلَمْ يَنْحَرْ بِغَيْرِهَا» فَثَبَتَ أَنَّهَا الْمَنْحَرُ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ أَنَّ مَكَّةَ الْأَصْلُ فِي النَّحْرِ غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هَدْيِ الْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ بِمِنًى لِأَنَّهُ إذَا نَحَرَهُ حَلَقَ رَأْسَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ بِمَكَّةَ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ إلَّا مَا خَلْفَ الْعَقَبَةِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مِنًى إنَّمَا هُوَ مَا دُونَ الْعَقَبَةِ الَّذِي هُوَ مُنْتَهَى مِنًى وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَبِيتُ بِمِنًى دُونَ الْعَقَبَةِ لَيَالِي التَّشْرِيقِ فَكُلُّ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِمِنًى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا دُونَ الْعَقَبَةِ كَالْمَبِيتِ وَالنَّحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ: هَذَا الْمَنْحَرُ يَعْنِي الْمَرْوَةَ» خَصَّ الْمَرْوَةَ بِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا وَلَا لِهَدْيِهَا بِمِنًى فَأَشَارَ إلَى الْمَرْوَةِ. وَقَالَ: «هَذَا الْمَنْحَرُ» عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ: «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ» يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَةَ وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضِيلَةِ ذَلِكَ فَإِنَّ سَائِرَ طُرُقِهَا وَمَوَاضِعِهَا يَجْزِي النَّحْرُ فِيهَا فَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ نَحْرُهُ بِمِنًى لِعَدَمِ صِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْحَرُ إلَّا بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ لَا مَنْحَرَ لِلْهَدْيِ غَيْرَ مِنًى وَمَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «الْمَنْحَرُ بِمَكَّةَ» مَكَّةُ نَفْسُهَا وَمَا يَلِي بُيُوتَهَا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ قَالَهُ مَالِكٌ وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْمَنْحَرِ فِي فِجَاجِ مَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى فَقَالَ: مَنْ نَحَرَ فِي فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ: وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَنْحَرَهُ عِنْدَ ثَنِيَّةِ الْمَدَنِيِّينَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ بِذِي طُوًى وَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَكَّةَ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا لَهُ حُكْمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ مَنْحَرٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَدِينَةِ فَلَيْسَ بِمَنْحَرٍ وَحَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ» عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْفِجَاجِ مَا دَاخِلَ الْقَرْيَةِ وَأَنَّ اسْمَ مَكَّةَ دَاخِلٌ مُخْتَصٌّ بِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِذِي طُوًى حُكْمُهَا مَعَ كَوْنِهَا رَبَضًا مُتَّصِلًا بِالْمَدِينَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ بِهَا مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ «عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نُرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت: مَا هَذَا فَقَالُوا: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْك وَاَللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْإِهْلَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ إحْرَامَ مَنْ أَحْرَمَ مِنْهُمْ بِالْعُمْرَةِ لَا يَحِلُّ مِنْهُ حَتَّى يُرْدِفَ الْحَجَّ فَيَكُونُ الْعَمَلُ لَهُمَا جَمِيعًا وَالْإِحْلَالُ مِنْهُمَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ جَمِيعُهُمْ بِالْحَجِّ فَقَدْ رَوَى عَنْهَا عُرْوَةُ أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَّةٍ» فَذَكَرْت أَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ خَاصَّةٍ ثُمَّ قَالَتْ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ وَأَمَّا الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلَّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ وَسَعَى أَنْ يَحِلَّ» مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَيُؤْمَرُ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَإِنَّمَا خَصَّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَدْ قَلَّدَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ لِيَنْحَرَهُ فِي حَجِّهِ بِمِنًى فَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى عُمْرَتِهِ لِئَلَّا يَحْلِقَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْإِحْلَالَ لِحَجِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ وَأَتَمُّ لِحَجِّهِ لِأَنَّهُ يُفْرِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النُّسُكَيْنِ بِعَمَلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ هُوَ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ حَتَّى أَتَمَّهُ يُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهَا «فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» . 1 - (فَصْلٌ) قَوْلُهُ «قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت مَا هَذَا فَقَالُوا: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ» يَقْتَضِي أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْحَرُ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنْ يَنْحَرَ الرَّجُلُ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةَ لَمْ يُوقَفْ وَلَمْ يُقَلِّدْ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِالنَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّ أَهْلَ مِنًى لَا أَضَاحِي عَلَيْهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرُهُ عَنْهُمْ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَنْحَرَهُ عَنْهُمْ وَيَجْرِي إيجَابُهُ بِالتَّقْلِيدِ مَجْرَى تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْإِيجَابِ إلَّا أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّعْيِينِ فَهَذَا يَكُونُ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قَالُوا: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ الْبَقَرَ» وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا نَحَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الِاشْتِرَاكُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[العمل في النحر]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك فَقَالَ: إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» ) . الْعَمَلُ فِي النَّحْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ غَيْرُهُ بَعْضَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إلَّا بَقَرَةً وَاحِدَةً» . وَأَمَّا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ الِاشْتِرَاكُ فَفِيمَنْ مَلَكَ الْهَدْيَ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا السَّبِيلِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهَا «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ الْبَقَرَ» وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا نَحَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِنَّ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَسَأَلَتْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ الَّذِي دُخِلَ بِهِ عَلَيْهِنَّ مِنْ لَحْمِ مَا نَحَرَ عَنْهُنَّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَيْضًا النَّحْرَ لِلْبَقَرِ. وَقَدْ اخْتَارَ مَالِكٌ فِيهَا الذَّبْحَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا النَّحْرُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ بِلَفْظِ النَّحْرِ وَوَرَدَ بِلَفْظِ الذَّبْحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى ذَلِكَ عِنْدَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ عَبَّرَ عَنْ الذَّكَاةِ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ أَمْكَنَهُ فَعَبَّرَ عَنْهَا مَرَّةً بِالذَّبْحِ وَمَرَّةً بِالنَّحْرِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ الْقَاسِمِ أَتَتْك وَاَللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ تَصْدِيقًا لِعَمْرَةَ وَإِخْبَارًا عَنْ حِفْظِهِمَا لِلْحَدِيثِ وَضَبْطِهَا لَهُ وَأَنَّهَا لَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْهُ بِتَأْوِيلٍ وَلَا تَجَوُّزٍ وَلَا غَيْرِهِ. (ش) : «قَوْلُ حَفْصَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك» يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ الْحَجَّ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا جَمِيعًا الْقَصْدُ يُقَالُ: حَجَّ الرَّجُلُ الْبَيْتَ إذَا قَصَدَهُ وَاعْتَمَرَهُ إذَا قَصَدَهُ فَلَمَّا كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا عَبَّرَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاقِعًا فِي الشَّرْعِ عَلَى نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْقَصْدِ وَالنُّسُكِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ حَفْصَةَ اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمِرًا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَقَدَتْ فَأَعْلَمَهَا بِقَوْلِهِ «إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» أَنَّهُ مُحْرِمٌ إحْرَامًا لَا يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَارِيًّا مِنْ حَجٍّ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي» مَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْمُفْرَدَةِ لِأَنَّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَقَلَّدَ هَدْيَهُ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ عِنْدَ إكْمَالِهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ التَّلْبِيدِ وَالتَّقْلِيدِ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهَا حَجَّةً وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهَا أَنَّهُ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَقَلَّدَ هَدْيَهُ لِلْحَجِّ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَيَنْحَرَهُ بِمِنًى بَعْدَ كَمَالِ حَجَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ وَأَكْمَلَ عَمَلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِقَ وَيَتَحَلَّلَ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إرْدَافِهِ الْحَجَّ عَلَى عُمْرَةٍ قَدْ كَمُلَ عَمَلُهَا غَيْرُ تَأْخِيرِ الْحِلَاقِ وَذَلِكَ نَقْصٌ فِي النُّسُكِ يَجِبُ جُبْرَانُهُ بِالدَّمِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُرِهَ الْحِلَاقُ لِقُرْبِ الْحَجِّ عَلَى مَا كَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَحْلِقَ إذَا قَرُبَ الْمَوْسِمُ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ الْحِلَاقُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنَّهُ يُقَصِّرُ بَدَلًا مِنْ الْحِلَاقِ وَيُوَفِّرُ شَعْرَهُ لِحِلَاقِ الْحَجِّ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَحَفْصَةُ لَمْ تَسْأَلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَرْكِ الْحِلَاقِ وَإِنَّمَا سَأَلَتْهُ عَنْ تَرْكِ التَّحَلُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِي النَّحْرِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ» يَقْتَضِي مُبَاشَرَتَهُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ نَحَرَ بُدْنَهُ إذَا أَمَرَ مَنْ يَنْحَرُهَا إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ اللَّفْظِ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «وَنَحَرَ غَيْرُهُ بَعْضَهُ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِمَا أَضَافَ إلَيْهِ نَحَرَهُ الْمُبَاشَرَةَ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُبَاشِرْهُ بِاللَّفْظِ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ غَيْرَهُ نَحَرَ مَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَجَمَعَ الْكُلَّ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ مُبَاشَرَةُ مَنْ أَهْدَى نَحَرَ هَدْيَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَاضُعِ وَالْإِتْيَانِ بِتَمَامِ النُّسُكِ وَلِأَنَّهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا نَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهَا ثُمَّ يَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَيْسَ لَهَا مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَنْحَرُ بَدَنَةً قِيَامًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْقُرَبِ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ وَبِالْبُدْنِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ كَالْحَجِّ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَنَحَرَ غَيْرُهُ بَعْضَهُ» يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَبْيِينَ جَوَازِ اسْتِنَابَةِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَأَعْلَمَنَا بِفَضِيلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِمُبَاشَرَتِهِ وَأَعْلَمَنَا بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ بِمَا وَلَّى مِنْ ذَلِكَ غَيْرَهُ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْبَدَنَةِ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى الْهَدْيِ وَفِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْبَدَنَةَ مِنْ الْإِبِلِ مَا أُهْدَى وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَحُكْمُهُ أَنْ يُقَلِّدَهَا وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ لِمَا افْتَرَقَا فِي الْمَعْنَى وَصَارَ عِنْدَهُ اسْمُ الْبَدَنَةِ مُخْتَصًّا بِالْهَدْيِ وَاسْمُ الْجَزُورِ مُخْتَصًّا بِمَا لَيْسَ بِهَدْيٍ وَالنَّذْرُ لِلْإِبِلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْذُرَهَا بِاسْمِ الْبَدَنَةِ أَوْ يَنْذُرَهَا بِاسْمِ الْجَزُورِ فَإِنْ نَذَرَهَا بِاسْمِ الْبَدَنَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَنْوِي هَدْيًا وَلَا غَيْرَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ الْهَدْيَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْهَدْيِ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَدَنَةِ نِيَّةً وَلَا غَيْرَهَا وَلِأَنَّ لَفْظَ الْبَدَنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْهَدْيِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى الْهَدْيَ فَهُوَ أَبْيَنُ فِي وُجُوبِ حُكْمِ الْهَدْيِ فَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى إلَّا أَنَّهُ إنْ نَذَرَ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَكَّةَ وَكَانَ بِمَوْضِعِ نَذْرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَتَكَلَّفُ إلَيْهِ سَوْقُ الْبَدَنَةِ نَحَرَهَا بِمَوْضِعِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُسَاقَ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدِي فِي الْمُعَيَّنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ فَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِمَوْضِعِ نَذْرِ نَحْرِهَا وَيَنْحَرُهَا هُنَاكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اخْتِصَاصِ صَدَقَتِهِ بِمَوْضِعٍ يَخُصُّهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ سِوَى الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ نَذَرَهُ بِاسْمِ الْجَزُورِ وَهُوَ لَفْظٌ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْهَدْيِ وَلَا يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ عُرْفِ الشَّرْعِ عَلَى الْهَدْيِ فَمَنْ نَذَرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ عَمَلٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا هُوَ فِي إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ لَحْمَهَا أَمَّا إرَاقَةُ الدَّمِ فَيَجِبُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِهِ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدِّمَاءِ لَا تَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لِفِدْيَةِ الْأَذَى فَلَا يُسَاقُ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ لِاخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةَ وَلَوْ أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَحْرَ الْجَزُورِ بِغَيْرِ مَكَّةَ يَشْتَرِيهَا مَنْحُورَةً فَتَصَدَّقَ بِهَا لَأَجْزَأَ عِنْدِي لِأَنَّ إرَاقَةَ دَمِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّذْرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرَبِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا ابْنُ عُمَرَ بِاسْمِ الْجَزُورِ وَلَمْ يَقُلْ هَدْيًا وَلَا دَمًا. (فَصْلٌ) وَلَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْغَنَمِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ تَنُوبُ عَنْ الْبَدَنَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَلَمْ يَجِدْهَا: فَلْيَنْحَرْ بَقَرَةً وَأَنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِي عَنْ الْبَدَنَةِ وَيَجِبُ أَنْ لَا تَجْزِي عَلَى ذَلِكَ عَنْ الْبَقَرَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَذَرَ جَزُورًا فَإِنَّ إطْلَاقَ هَذَا النَّذْرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَنَذْرُ الْهَدْيِ يَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ نَذَرَ سَوْقَ جَزُورٍ مُعَيَّنٍ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَإِنَّ نَذْرَ سَوْقِهِ بَاطِلٌ وَيَنْحَرُهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَتَكَلَّفُ سَوْقُهُ إلَيْهَا لِقُرْبِهَا. (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَنَّ السُّنَّةَ نَحْرُهَا قِيَامًا مَصْفُوفَةَ الْأَيْدِي إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْهَا نِفَارًا فَتُنْحَرُ.

[الحلاق]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْحَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ الذَّبْحُ وَلِبْسُ الثِّيَابِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) . الْحِلَاقُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ: ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمَكِّنُ ذَلِكَ مِنْهَا مَعْقُولَةً أَوْ كَيْفَ أَمْكَنَ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّةَ الذَّبْحِ أَنْ يُفْعَلَ قَبْلَ الْحِلَاقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَكَذَلِكَ فَعَلَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ فِي نَحْرِ هَدْيِهِ ثُمَّ حَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ» فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدَّمَ الْحِلَاقَ قَبْلَ النَّحْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَدِّمَ الْحِلَاقَ خَطَأً وَجَهْلًا وَعَمْدًا أَوْ قَصْدًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً وَجَهْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ» . وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اسْمَ الْحَرَجِ يُطْلَقُ عَلَى الْإِثْمِ دُونَ الْهَدْيِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ لِمَا يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ لَأَمَرَهُ بِهِ وَلَنُقِلَ إلَيْنَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ وَلَمْ يُرْوَ شَيْءٌ مِنْهَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمَلِ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى النَّحْرِ قَالَ: وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ وَالتَّرْتِيبُ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ وَأَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجِّهِ الِاسْتِحْبَابُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْحَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ. وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ نُسُكٍ وَنَحْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ بِالنَّهَارِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي النَّحْرُ بِاللَّيْلِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ الذَّبْحُ وَلِبْسُ الثِّيَابِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُسُكٌ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فَلَا يَتَكَرَّرُ مِثْلُهُ قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِعْلُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَصْلُ ذَلِكَ إلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّ مِثْلَهُ يَتَكَرَّرُ وَهُوَ طَوَافُ الْوُرُودِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمَ النَّحْرِ. [الْحِلَاقُ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ مَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ» وَتَخْصِيصُهُ لَهُمْ بِالدُّعَاءِ تَفْضِيلٌ لِلْحِلَاقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ بِهَذَا الْبَابِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حِلَاقٌ وَتَقْصِيرٌ وَفِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ أَوَّلُهَا فِيمَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ. وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ. وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي وَقْتِهِمَا. وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْبَابُ السَّادِسُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ

[الباب الثاني في صفة الحلاق والتقصير]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الْأَوَّلُ مَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ) الْأَفْضَلُ لِلرِّجَالِ الْحِلَاقُ وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلَا يَخْلُو فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الْمُحَلِّقِينَ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِفَضِيلَةِ الْحِلَاقِ فَمَنْ قَصَّرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِلَاقِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] . (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْحِلَاقُ لَهُ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ أَيَّامُ الْحَجِّ وَيُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ فَلْيُقَصِّرْ لِمَكَانِ حِلَاقِهِ فِي الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ:. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ مِنْ تَخْصِيصِ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ النُّسُكَيْنِ بِالْحِلَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ النِّسَاءِ حِلَاقٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْأَةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَالَ: هِيَ مُثْلَةٌ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حِلَاقَ الْمَرْأَةِ مُثْلَةٌ لِأَنَّهُ حِلَاقٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ كَحِلَاقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ وَشَارِبَهُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ] 1 أَمَّا صِفَةُ الْحِلَاقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَاجِّ أَنَّ مِنْ الشَّأْنِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَالْغَاسُولِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِقَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَوَّرَ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَلِحْيَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُعْتَمِرِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَهُ أَوْ يَقْتُلَ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ يَلْبَسَ قَمِيصًا بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْحِلَاقِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا تَكَلَّمَ فِي حُكْمِ الْحَجِّ وَابْنَ الْقَاسِمِ تَكَلَّمَ فِي حُكْمِ الْعُمْرَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَاجَّ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْحِلَاقِ تَحَلَّلَ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمُعْتَمِرُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ قَبْلَ الْخِلَافِ تَحَلُّلٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَبْدَأُ بِالْحِلَاقِ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَيَبْلُغُ بِهِ إلَى الْعَظْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الصُّدْغَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى اللِّحْيَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْزِئُ حَلْقُ الرَّأْسِ دُونَ اسْتِيعَابِهِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَأَمَّا التَّقْصِيرُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُقَصِّرُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ تَقْصِيرُ الرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ وَلَكِنْ يَجُزُّ ذَلِكَ جَزًّا وَلَيْسَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ وَأَخَذَ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَيُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْيَسِيرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ وَاَلَّذِي تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ لَمْ يُجِزْهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ: يُجْزِئُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْحَدَّ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ وَهَذَا الَّذِي يُوصَفُ بِالْجَزِّ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ أَخَذَتْ مِنْ قُرُونِهَا لِتُقَصِّرَ فَإِذَا حَلَّتْ قَصَّرَتْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنْ تَيَسَّرَ فِي مَوَاضِعِ التَّقْصِيرِ لِيَتَمَكَّنَ الْأَخْذُ مِنْ جَمِيعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَكَمْ مِقْدَارُ مَا تُقَصِّرُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مِقْدَارُ أُنْمُلَةٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ أَوْ دُونَهُ بِقَلِيلٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ يَجُزُّهَا قَدْرَ التَّطْرِيفِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْلُومٌ وَمَا أَخَذَتْ مِنْهُ أَجْزَأَهَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَعُمَّ بِالتَّقْصِيرِ الشَّعْرَ كُلَّهُ طَوِيلَهُ وَقَصِيرَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ فَكَانَ حُكْمُهَا فِيهِ الِاسْتِيعَابَ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ] 1

[الباب الرابع في وقت الحلاق والتقصير]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ. مَوْضِعُ الْحِلَاقِ فِي الْحَجِّ مِنًى وَفِي الْعُمْرَةِ مَكَّةُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ بِهَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَشْرُوعُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَذْكُرُ الْحِلَاقَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْإِفَاضَةِ: لَا يَطُوفُ وَلْيَرْجِعْ إلَى مِنًى فَيَحْلِقُ ثُمَّ يُفِيضُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَلَقَ بِمَكَّةَ أَجْزَأَ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ أَيَّامَ مِنًى لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا إذَا حَلَقَ فِي أَيَّامِ مِنًى. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي وَقْتِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ] أَمَّا الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ فَلَهُ وَقْتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوَقَّتَ بِالزَّمَانِ. وَالثَّانِي: أَنْ يُوَقَّتَ بِفِعْلِ مَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الرُّتْبَةِ. فَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ فَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ إنْ ذَكَرَ فِي أَيَّامِ مِنًى فَحَلَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَهَا حَلَقَ وَأَهْدَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا تَبَاعَدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَهْدَى وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَلْيَرْجِعْ حَتَّى يَحْلِقَ ثُمَّ يُفِيضَ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَالَ الرَّمْيِ فَإِذَا رَمَى نَحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ ثُمَّ يَحْلِقُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ وَمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ جَهِلَ مَحْلِقَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ الْأَذَى. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ تَحَلُّلٌ وَالْحَلْقُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَحْظُورٌ لِحَقِّ إحْرَامٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَحَلُّلٌ فَلَزِمَهُ لِذَلِكَ فِدْيَةُ الْأَذَى وَهَذَا فِيمَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ أَوْ أَخَّرَهُ كَالْمُرَافِقِ الْوَارِدِ أَوْ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَمَّا الْقَارِنُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُفْرِدِ وَذَهَبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ إلَى أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَحْلِقُ بَعْدَ الرَّمْيِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ أَفَاضَ قَبْلَ الْحِلَاقِ فَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يَرْجِعُ فَيَحْلِفُ ثُمَّ يُفِيضُ فَإِنْ لَمْ يُفِضْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَنْحَرُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ] 1 أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُحْرِمُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَإِذَا حَلَقَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ إلْقَاءِ التَّفَثِ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَدْهُنُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ وَيَلْبَسُ الْمِخْيَطَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَدْ حَلَّ لَهُ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الْحِلَاقِ وَأَنَّهُ إذَا حَلَقَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ حَتَّى يُفِيضَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي الطِّيبِ اخْتِلَافٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْهَدْيُ كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ رَمَى وَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَلَزِمَهُ الْهَدْيُ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ التَّحَلُّلِ وَهُوَ الْحِلَاقُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ مَسَّ الطِّيبَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي الْحَجِّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ تَحَلُّلٌ وَهَذِهِ حَالَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فِي إبَاحَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَإِذَا كَمَّلَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ فَلَا يَلْبَسُ ثِيَابًا وَلَا يَمَسُّ طِيبًا حَتَّى يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَمَّلَ عُمْرَتَهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ التَّحَلُّلِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ قَالَ مَرَّةً: عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى. وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْهَدْيُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَحَلُّلٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَإِذَا وَطِئَ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا وَطِئَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الرَّمْيِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ وَقْتٌ لَوْ مَسَّ فِيهِ الطِّيبَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ فَإِذَا وَطِئَ لَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لِمَا وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَبَعْدَ تَمَامِ فِعْلِ الْعُمْرَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ.

[الباب السادس الحلاق والتقصير هل هو نسك أو تحلل]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ لَيْلًا وَهُوَ مُعْتَمِرٌ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُؤَخِّرُ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ قَالَ: وَلَكِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفُ بِهِ حَتَّى يَحْلِقَ رَأْسَهُ قَالَ: وَرُبَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُ الْبَيْتَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: إلْقَاءُ التَّفَثِ حِلَاقُ الشَّعْرِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْحِلَاقَ بِمِنًى فِي الْحَجِّ: هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَحْلِقَ بِمَكَّةَ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ وَالْحِلَاقُ بِمِنًى أَحَبُّ إلَيَّ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ وَقْتٌ لَوْ مَسَّ فِيهِ الطِّيبَ وَلَبِسَ الْمِخْيَطَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ فَإِذَا وَطِئَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْعُمْرَةِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ الْحِلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ السَّادِسُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ] 1 (الْبَابُ السَّادِسُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ) لَنَا أَنَّهُ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مُبَاحٌ بَعْدَ الْحَظْرِ يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ فَإِذَا زَالَ الْإِحْرَامُ زَالَ تَحْرِيمُهُ لِلْحِلَاقِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ صَاحِبُهُ عَلَى فِعْلِهِ قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: 27] الْآيَةُ فَوَصَفَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِيمَا وَعَدَهُمْ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا مَقْصُودًا لَمَا وَصَفَ دُخُولَهُمْ بِهِ كَمَا لَمْ يَصِفْ دُخُولَهُمْ بِلِبْسِهِمْ الثِّيَابَ وَالتَّطَيُّبَ. وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ النُّسُكِ لَمَا كَنَّى بِهِ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا يُثَابُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ لَمَا دَعَا لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَظْهَرَ تَفْضِيلَ الْحِلَاقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَهُ فَضِيلَةٌ مَنْ عَلَيْهِ ثَوَابٌ لَمَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لُبْسُ نَوْعٍ مِنْ الثِّيَابِ أَفْضَلَ مِنْ لُبْسِ غَيْر ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أَوْ طَافَ وَسَعَى لَيْلًا أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ وَوَصَفَ ذَلِكَ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَعْجِيلُهُ وَاتِّصَالُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ سَلَامَةِ النُّسُكِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنْ نَقْصِ وَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَازَ التَّأْخِيرُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ مِنْ تَعَذُّرِ الْحِلَاقِ فِي الْأَغْلَبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحِلَاقَ إلَى الصُّبْحِ قَالَ: وَتَعْجِيلُ ذَلِكَ أَفْضَلُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْبَيْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحِلَاقِ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُعْتَمِرِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُتَنَفِّلًا حَتَّى يُكْمِلَ عُمْرَتَهُ وَيَتَحَلَّلَ مِنْهَا بِالْحِلَاقِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ لَيْلًا فَأَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ: لَا يَتَنَفَّلُ بِطَوَافٍ وَلَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ وَلَا يَقْرَبُهُ حَتَّى يَحْلِقَ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ حَتَّى يَحْلِقَ فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ وَاسِعٌ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحِلَاقَ بِمِنًى عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ النَّحْرَ بِهَا وَالْحِلَاقَ مُتَّصِلٌ وَقَدْ شُرِعَ تَعْجِيلُهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِمِنًى» بِأَثَرِ نَحْرِ هَدْيِهِ وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ فَمَنْ نَسِيَ حَلْقَ رَأْسِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى حَلَقَ بِهَا. (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِقُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَنْحَرَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحِلَاقَ بَعْدَ النَّحْرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَلَاغِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ النَّحْرُ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَمَعْنَاهُ مَنْحُورٌ بِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ.

[التقصير]

التَّقْصِيرُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ رَأْسِهِ وَلَا مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا حَتَّى يَحُجَّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي ثُمَّ عَدَلْت إلَى شِعْبٍ فَدَنَوْت لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُقَصِّرْ مِنْ شَعْرِي بَعْدُ فَأَخَذْت مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بِهَا فَضَحِكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ: أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَحَلَّلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَرْمِي الْجَمْرَةَ وَلَا يَحْلِقُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُفِيضُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ نَحْوُ ذَلِكَ. [التَّقْصِيرُ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَأْخُذُ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ شَيْئًا إذَا نَوَى الْحَجَّ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ تَوْفِيرَ مَا يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَجِّهِ عِنْدَ الْحِلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ لَا يَحْلِقَ إذَا كَانَ بِقُرْبِ الْحَجِّ لِيُوَفِّرَ شَعْرَهُ لِلْحِلَاقِ فِي الْحَجِّ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتْرُكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ عِنْدَ الْفِطْرِ لِلتَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوَقِّتْ تَرْكَ الْأَخْذِ مِنْهُ بِمَا قَبْلَ الْعِيدِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ الْتِزَامُ مِثْلِ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يُؤَيِّدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ التَّشَعُّثِ وَتَقْدِيمِ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّعْرِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ مِنْهُمَا مَعَ حَلْقِ رَأْسِهِ وَقَدْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُغَيِّرُ الْخِلْقَةَ مِنْ الْجَمَالِ وَالِاسْتِئْصَالُ لَهُمَا مُثْلَةٌ كَحَلْقِ رَأْسِ الْمَرْأَةِ فَمَنَعَ مِنْ اسْتِئْصَالِهَا أَوْ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمَا مَا يُغَيِّرُ الْخِلْقَةَ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُثْلَةِ وَأَمَّا مَا تَزَايَدَ مِنْهَا وَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْجَمَالِ إلَى حَدِّ التَّشَعُّثِ وَبَقَاؤُهُ مُثْلَةٌ فَإِنَّ أَخْذَهُ مَشْرُوعٌ فَلَمَّا كَانَتْ مِنْ الشُّعُورِ الَّتِي يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ النُّسُكِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ. (ش) : قَوْلُهُ إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَوَجَّهَ لِلْإِفَاضَةِ وَعَدَلَ إلَى الشُّعَبِ فِي تَوَجُّهِهِ إلَى الْإِفَاضَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ " أَفَضْت " طُفْت طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّهُ عَدَلَ إلَى الشُّعَبِ لِانْصِرَافِهِ مِنْ الْإِفَاضَةِ إلَى مِنًى وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ أَفَضْت وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِفَاضَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَذَهَبْت لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَ: إنِّي لَمْ أُقَصِّرْ بَعْدُ مَنَعَتْهُ الدُّنُوَّ مِنْهَا وَمَعْنَاهُ الْجِمَاعُ لِمَا لَمْ تَكُنْ قَصَّرَتْ بَعْدُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَلَمْ يَحْلِقْ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ أَهْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّحَلُّلِ لِأَنَّ الْحِلَاقَ مِنْ التَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَأَخَذْت مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ تَقْصِيرًا يُبِيحُ مِنْهَا مَا يَمْنَعُهُ عَدَمُ التَّقْصِيرِ وَضَحِكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْجِمَاعِ وَالتَّسَبُّبِ لَهُ وَإِقَامَتِهِ الْقَصَّ بِأَسْنَانِهِ لِشَيْءٍ مِنْ شَعْرِهَا مَقَامَ التَّقْصِيرِ اللَّازِمِ لَهَا حِرْصًا عَلَى بُلُوغِ مَا أَرَادَهُ مِنْهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُجَبَّرُ قَدْ أَفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْبَيْتِ فَيُفِيضَ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ دَعَا بِالْجَلَمَيْنِ فَقَصَّ شَارِبَهُ وَأَخَذَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَخْذَهُ مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ شَعْرِهَا بِالتَّقْصِيرِ وَكَانَ يَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الِاسْتِيعَابُ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يُقَصِّرَ بِالْجَلَمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ بِالْأَسْنَانِ وَلَا بِغَيْرِهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ الَّذِي اُعْتِيدَ التَّقْصِيرُ بِهِ وَأَمَّا التَّقْصِيرُ بِالْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَصِّ بِالْجَلَمَيْنِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَ النِّسَاءَ قَبْلَ تَمَامِ تَحَلُّلِهِ بِالْحِلَاقِ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَأَيْضًا فَإِنَّ طَوَافَهُ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْحِلَاقِ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعَادَتِهِ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ بِهِ فَكَيْفَ إذَا تَحَلَّلَهَا الْوَطْءُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا احْتِجَاجُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْعَمْدَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَوْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا فِي نِسْيَانِهِ مَعَ عُذْرِ النِّسْيَانِ فَبِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ أَوْلَى وَلَمَّا احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْحِلَاقُ عِنْدَهُ نُسُكًا وَإِلَّا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الدَّلِيلُ وَفِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْهَدْيِ لِأَنَّ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا كَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْهَدْيُ لَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَاشْتَمَلَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ تَعَلَّقَ بِهِ النَّدْبُ لِأَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ إيجَابَهُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ فَيَكُونُ الْهَدْيُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : الرَّجُلُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُجَبَّرُ هُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَكَانَ الْمُجَبَّرُ قَدْ أَفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُهُ فَأَمَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَوْضِعِ الْحِلَاقِ بِمِنًى وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ إلَى مِنًى لَقَالَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ ثُمَّ يُفِيضَ وَلَمَّا قَالَ: أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَحْلِقَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْبَيْتِ فَيُفِيضَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَقِيَهُ بِغَيْرِ مِنًى وَلَعَلَّهُ لَقِيَهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مُنْصَرِفًا إلَى مِنًى فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَمَادَى إلَى مِنًى فَيَحْلِقَ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْبَيْتِ فَيُعِيدَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَفِي الْمُخْتَصَرِ يَرْجِعُ فَيَحْلِقُ ثُمَّ يُفِيضُ وَقِيلَ: يَنْحَرُ وَيَحْلِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ. فَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا تَحَلُّلَانِ مُرَتَّبَانِ فَإِذَا قَدَّمَ الْآخَرَ مِنْهُمَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ مَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُهُ كَالْحِلَاقِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ سُنَّا بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَقَبْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ فَتَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ كَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا: يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ ذَكَرَ فِي أَيَّامِ مِنًى حَلَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مِنًى حَلَقَ وَأَهْدَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَهْدَى وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ، هَذَا الْجَوَابُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِتَأْخِيرِ الْحِلَاقِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْإِفَاضَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

[التلبيد]

لِحْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَبْلَ أَنْ يُهِلَّ مُحْرِمًا) . التَّلْبِيدُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ عَقَصَ رَأْسَهُ أَوْ ضَفَّرَ أَوْ لَبَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِلَاقُ) . الصَّلَاةُ فِي الْبَيْتِ وَقَصْرُ الصَّلَاةِ وَتَعْجِيلُ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَأَلْت بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَفِّرُ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَأَى فِي ذَلِكَ خِلَافَ رَأْيِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَالِمٌ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ وَحُكْمُهُمَا عِنْدَهُمَا مُخْتَلِفٌ وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَلَمْ يَخْتَلِفَا فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَتَنَوَّرَ عِنْدَمَا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ وَأَمَّا شَعْرُ رَأْسِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْفَى وَيُوَفَّرَ لِلشَّعَثِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْفَرْقُ عِنْدِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ أَنَّ الشَّارِبَ يَلْحَقُهُ الْأَذَى بِطُولِهِ وَلَا يَلْحَقُ ذَلِكَ بِطُولِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالثَّانِي أَنَّ تَوْفِيرَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ تَشْعِيثٌ لَهُمَا وَلَا يَتَشَعَّثُ الشَّارِبُ بِأَنْ لَا يُقَصِّرَ شَعْرَهُ فَلَا يُفِيدُ تَوْفِيرُهُ شَعَثًا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ: إنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَبْلَ أَنْ يُهِلَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ جُمْلَةِ التَّنْظِيفِ وَتَوَابِعِ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ فَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِأَثَرِ الْغُسْلِ فَإِذَا أَكْمَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ. [التَّلْبِيدُ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ ضَفَّرَ التَّضْفِيرُ أَنْ يُضَفِّرَ شَعْرَ رَأْسِهِ إذَا كَانَ ذَا جَمَّةٍ لِيَمْنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَثِ وَالْعَقَصُ أَنْ يَعْقِصَ شَعْرَهُ فِي قَفَاهُ إذَا كَانَ ذَا جَمَّةٍ لِئَلَّا يَتَشَعَّثَ وَالْعَقَدُ كَذَلِكَ وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَجْعَلَ الصَّمْغَ فِي الْغَاسُولِ ثُمَّ يُلَطِّخُ بِهِ رَأْسَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِيَمْنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَثِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَأَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَمْنَعُ الشَّعَثَ أَنْ يَحْلِقَ وَلَمْ يُبِحْ لَهُ التَّقْصِيرَ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَدَلُ مَا تَمَتَّعُوا بِهِ مِنْ مُبَاعَدَةِ الشَّعَثِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكَادُ مَعَ التَّلْبِيدِ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى التَّقْصِيرِ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ لَبَّدَ أَوْ عَقَّصَ أَوْ ضَفَّرَ أَوْ رَبَطَ شَعْرَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَلْقِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ لَبَّدَتْ الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْحِلَاقِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحِلَاقَ لِلْمُلَبِّدِ إنَّمَا هُوَ بَدَلُ مَا فَاتَهُ مِنْ الشَّعَثِ وَمَا مَنَعَ مِنْهُ التَّلْبِيدُ وَلَوْ كَانَ امْتِنَاعُ التَّقْصِيرِ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ لَكَانَ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا فِي التَّقْصِيرِ مِنْ جَمْعِ شَعْرِهَا وَلَا تَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ عِنْدِي إلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْتَشِطَ وَيَذْهَبَ التَّلْبِيدُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَيْ لَا تَشَبَّهُوا بِهِ فَإِنَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُلَبِّدِ مِنْ الْحِلَاقِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. [الصَّلَاةُ فِي الْبَيْتِ وَقَصْرُ الصَّلَاةِ وَتَعْجِيلُ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ] ش قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ أَنْ لَا يُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ مَالَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ الرَّوَاحُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَقَالَ أَهَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً ثُمَّ أَخْرُجُ فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْت لَهُ: إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَنْظُرُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْ مَا يَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: صَدَقَ سَالِمٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَيْتَ» سُنَّةٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ وَإِغْلَاقُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ الِانْفِرَادُ فِيهِ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَلِمَنْ حَضَرَتْهُ نِيَّةٌ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَقَفَلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الطَّوَافُ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي خَارِجِهِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الصَّلَاةُ فِيهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِذَلِكَ فِيهَا فِي وَقْتِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ «عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْت بِلَالًا حِينَ خَرَجَ» دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَاقْتِفَائِهِ لِآثَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحَفُّظِهِ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْهَا وَسُؤَالِهِ عَمَّا غَابَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَى الصَّلَاةَ الْمَعْهُودَةَ دُونَ الدُّعَاءِ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ جَرَى فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ فَقَالَ: «أَتَى ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْت وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ النَّاسِ فَسَأَلْته فَقُلْت صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِك إذَا دَخَلْت ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْقِبْلَةِ رَكْعَتَيْنِ» . ش قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِلْحَجَّاجِ لَا تُخَالِفْ ابْنَ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْحَجِّ إقْرَارٌ بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ وَأَنَّهُ الْقُدْوَةُ فِي زَمَانِهِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ أَهْلُ وَقْتِهِ وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ إلَى الْحَجَّاجِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَمَعُونَةً عَلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَى إثْبَاتِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَنَشْرِهِ وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ وَتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ هُوَ السُّنَّةُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَقَدْ ذَكَرَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ «حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقُصْوَى فَرَحَلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَالسُّنَّةُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيَتَعَجَّلَ الْوُقُوفَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ بِيَسِيرِ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ مِنْ الْخُطْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا نَظَرٌ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ: إذَا خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ وَلْيُعِدْ بِالْخُطْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ يُرِيدُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَتُجْزِئُهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ فِيهِ إلَى مَا أَنْكَرَهُ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ إنَّمَا يُرِيدُ أَشْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَهِيَ نَافِلَةٌ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهَا وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَشْهَبَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَرَى أَنْ يُؤْتَى بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَشْهَبَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَرَى إعَادَتَهَا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ تَعْلِيمٌ لِلْحَاجِّ وَلِذَلِكَ لَمْ يُغَيَّرْ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الْجَهْرِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ الْأَذَانُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا وَقْتَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا مِنْ حُكْمِهَا ذَلِكَ لِمَا شُرِعَ مِنْ اتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إنَّمَا صَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِهِ لِيَكُونَ أَسْرَعَ لِخُرُوجِهِ مِنْ إدْخَالِ الْإِذْنِ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ لِمَا أَرَادَ مِنْ الْإِسْرَاعِ وَتَعْجِيلِ الْوُقُوفِ وَخُرُوجُ الْحَجَّاجِ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُفَدَّمَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمَصْبُوغُ كُلُّهُ مَكْرُوهًا لِلْأَئِمَّةِ لَكِنْ لَيْسَ الْحَجَّاجُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ فَيَغْتَرُّ بِذَلِكَ مَنْ رَآهُ يَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ الرَّوَاحُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّ السُّنَّةَ التَّعْجِيلُ وَقَوْلُ الْحَجَّاجِ أَهَذِهِ السَّاعَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى أَعْلَمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ السُّنَّةَ التَّعْجِيلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: اُنْظُرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً وَكَانَ الْغُسْلُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَشْرُوعًا لَا سِيَّمَا لِمَنْ يَؤُمُّ بِالنَّاسِ انْتَظَرَهُ رِفْقًا بِهِ وَعَوْنًا عَلَى الطَّاعَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ سَالِمٍ وَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى رَوَاحِلِهِمْ لِأَنَّ السُّنَّةَ الرُّكُوبُ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ لِمَنْ كَانَتْ لَهُ رَاحِلَةٌ وَحَجَّ رَاكِبًا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَوْلُ سَالِمٍ لَهُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ الْيَوْمَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِتَصْدِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَهُ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ يُطْلِقُونَ أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الصَّلَاةِ فَيَنْقُلُهَا إلَى الْقَصْرِ وَالْجَهْرِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَخْطُبُ الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَكَذَلِكَ يَقُولُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا الْمَغَارِبَةِ وَالْمَدَنِيُّونَ يَقُولُونَ: يَخْطُبُ الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ لِلْخُطْبَةِ حُكْمَ الْخُطْبَةِ لِلصَّلَاةِ فِيمَا نَذْكُرُهُ وَإِنَّمَا يَجْعَلُونَ لَهَا حُكْمَ التَّعْلِيمِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا قَالَ: يَخْطُبُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَتْ لِلصَّلَاةِ لَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْوَقْتِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ صَلَاةٍ يُخْطَبُ لَهَا فَإِنَّهُ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقِيلَ لَهُ: فَعَرَفَةُ يُخْطَبُ فِيهَا وَلَا يُجْهَرُ لَهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: إنَّمَا تِلْكَ لِلتَّعْلِيمِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَا يُؤَذِّنُ إلَّا بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ لِلصَّلَاةِ لَوَجَبَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ كَالْجُمُعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ حُكْمِ هَذِهِ السُّنَّةِ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَخُطَبُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ أَوَّلُهُنَّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقِيلَ: قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُنَا وَهِيَ لَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا يُعَلِّمُ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ إلَى مِنًى وَصَلَاتَهُمْ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَغُدُوَّهُمْ مِنْهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ بِعَرَفَةَ يَجْلِسُ بَيْنَهَا وَهِيَ تَعْلِيمُ النَّاسِ مَا بَقِيَ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِعَرَفَةَ وَوُقُوفِهِمْ بِهَا وَدَفْعِهِمْ وَمَبِيتِهِمْ بِمُزْدَلِفَةَ وَصَلَاتِهِمْ بِهَا وَوُقُوفِهِمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالدَّفْعِ مِنْهُ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ وَالْإِفَاضَةِ وَالْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ بِيَوْمٍ وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهِيَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَجْلِسُ فِيهَا وَهِيَ بَعْدَ الظُّهْرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ الرَّمْيَ وَأَوْقَاتَهُ وَكَيْفَ هُوَ وَيَوْمَ نَفْرِهِمْ وَمَا لَهُمْ مِنْ التَّعْجِيلِ فِي يَوْمَيْنِ وَتَعْجِيلَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيَ فِي تَأْخِيرِهَا وَالْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى لَيَالِي مِنًى وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخُطَبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَتُفْتَحُ هَذِهِ الْخُطَبُ الثَّلَاثُ بِالتَّكْبِيرِ كَالْأَعْيَادِ وَيُكَبِّرُ فِي خِلَالِ

[الصلاة بمنى يوم التروية والجمعة بمنى وعرفة]

الصَّلَاةُ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى ثُمَّ يَغْدُو إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إلَى عَرَفَةَ) . ص (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فِي الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَّهُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَّ الصَّلَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ إنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ وَإِنْ وَافَقَتْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّمَا هِيَ ظُهْرٌ وَلَكِنَّهَا قُصِرَتْ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ قَالَ مَالِكٌ فِي إمَامِ الْحَاجِّ إذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلِّ خُطْبَةٍ وَيَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَتَى يُؤَذَّنُ لِلظُّهْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤَذَّنُ لِلظُّهْرِ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُؤَذَّنُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ قَامَ فَنَزَلَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. (فَرْعٌ) وَيُؤَذَّنُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَيُقَامُ لَهَا وَأَمَّا صَلَاةُ الْعَصْرِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ لَهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ وَيُقَامُ لَهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا صَلَاتَا فَرْضٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ كَالصَّلَاتَيْنِ يُجْمَعَانِ فِي السَّفَرِ أَوْ الْمَطَرِ. [الصَّلَاةُ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ] ش قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ يَوْمُ مِنًى وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ الْعَشْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَطُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَارْكَعْ وَاخْرُجْ إلَى مِنًى فَإِنْ خَرَجْت قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَدْرَ مَا يُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ فَإِذَا وَصَلَ إلَى مِنًى صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا إلَى أَنْ يُصْبِحَ فَيُصَلِّي الصُّبْحَ وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ فِي الْقُرْبِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ فَهِيَ عَلَى النَّدْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكَرِهَ مَالِكٌ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حَتَّى يُمْسِيَ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ مَكِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ فِي بَابٍ آخَرَ: فَمَنْ أَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْبَغُ: فَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ شَاءَ خَرَجَ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَأَخَّرَ إلَى أَنْ يُصَلِّي لِفَضِيلَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحَبُّ إلَيَّ خُرُوجُهُ إلَى مِنًى لِيُدْرِكَ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَخَذَهُ الْوَقْتُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَغْدُو إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إلَى عَرَفَةَ هُوَ السُّنَّةُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَغْدُو الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ إلَى عَرَفَةَ إلَّا مَنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْدُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْ غَدَا مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يُجَاوِزُ بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ بَطْنِ مُحَسِّرٍ فِي حُكْمِ مِنًى فَلَا يَكُونُ غَادِيًا إلَى عَرَفَةَ إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْ مِنًى إلَى بَطْنِ مُحَسِّرٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. ش قَوْلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فِي الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهَا ظُهْرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا وَافَقَ فَإِنَّهَا ظُهْرٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا تُقْصَرُ لِلسَّفَرِ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةِ جُمُعَةٍ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ تَجْمِيعٍ لِأَنَّ التَّجْمِيعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ وَإِقَامَةٍ وَعَرَفَةُ لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ وَلَا بِدَارِ اسْتِيطَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا تُجْمَعُ فِيهَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَرْيَةٌ وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ. 1 -

[صلاة المزدلفة]

صَلَاةُ الْمُزْدَلِفَةِ ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَإِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْضَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَمْ يَجْمَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا فِي عَرَفَةَ فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا مِنًى فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً مَبْنِيَّةً فَلَيْسَتْ بِدَارِ اسْتِيطَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا لَهَا أَهْلٌ يَسْتَوْطِنُونَهَا وَإِنَّمَا يَسْكُنُهَا النَّاسُ أَيَّامَ مِنًى خَاصَّةً وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِيهَا وَلَوْ سُكِنَتْ وَاسْتُوْطِنَتْ لَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ سَائِرِ الْبِلَادِ فِي التَّجْمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [صَلَاةُ الْمُزْدَلِفَةِ] ش قَوْلُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا» يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِنْ كَانَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى سُنَّةِ الْجَمْعِ. ص (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ فَتَوَضَّأَ فَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» ) ش قَوْلُهُ «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ» قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ دَفْعَهُ كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِذَا دَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ عَرَفَةَ فَارْفَعْ يَدَيْك إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَادْفَعْ وَعَلَيْك السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَإِنْ كُنْت رَاجِلًا فَامْشِ الْهُوَيْنَا وَلَا تَنْسَلَّ وَإِنْ كُنْت رَاكِبًا فَاعْنَقْ وَلَا تُهَرْوِلْ وَلَا بَأْسَ إذَا وَجَدْت فَجْوَةَ أَنْ تُحَرِّكَ شَيْئًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» . (مَسْأَلَةٌ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: فَإِنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إخْلَالُ النُّسُكِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ» لَيْسَ النُّزُولُ بِالشِّعْبِ بِسُنَّةٍ وَلَا مَشْرُوعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَنْزِلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَجَمَعَ إلَّا لِيُهْرِيقَ الْمَاءَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الشِّعْبُ الَّتِي كَانَتْ الْأُمَرَاءُ تَنْزِلُهُ اتَّخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبَالًا وَاِتَّخَذْتُمُوهُ مُصَلَّى. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ تَوَضَّأَ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْبَوْلِ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ لَمْ يَتَوَضَّأْ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَلِذَلِكَ «قَالَ أُسَامَةُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» تَذْكِرَةً لَهَا لِمَا رَأَى مِنْ تَرْكِهِ الِاسْتِعْدَادَ لَهَا بِالْوُضُوءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ مُبَالَغَتَهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ وُضُوءُ ذَلِكَ وُضُوءًا آخَرَ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ أَمَامَك» يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلصَّلَاةِ أَوْ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَدْ اتَّفَقَا هُنَالِكَ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَا يَخْلُو أَنْ يَقِفَ بِهَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بِأَثَرِ دَفْعِ الْإِمَامِ فَمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَدَفَعَ بِدَفْعِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ أَمَامَك» . 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : فَمَنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ دُونَ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ مَتَى عَلِمَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ أَمَامَك» وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: بِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا أَبَدًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ هَاتَيْنِ صَلَاتَانِ سُنَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَسْرَعَ فَأَتَى الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَجَّلَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَا لِإِمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ أَمَامَك» ثُمَّ صَلَّاهَا بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ وَقْتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا وَقْتٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَمَا أُخِّرَتْ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا مَنْ أَتَى عَرَفَةَ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ مِمَّنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ وَقَفَ بَعْدَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُصَلِّي إذَا غَابَ الشَّفَقُ الصَّلَاتَيْنِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَقْتَضِي مُرَاعَاتَهُ لِلْوَقْتِ دُونَ الْمَكَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الْإِمَامِ: إنْ رَجَا أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ ثُلُثَ اللَّيْلِ فَلْيُؤَخِّرْ الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ وَإِلَّا صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا فَجَعَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ لِمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَاعْتَبَرَ مَالِكٌ بِالْوَقْتِ دُونَ الْمَكَانِ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلصَّلَاةِ وَالْمَكَانِ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ بَطَلَ اعْتِبَارُ الْمَكَانِ وَكَانَ مُرَاعَاةُ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوْلَى. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ» إنْ كَانَ وُضُوءُهُ الْأَوَّلُ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْوُضُوءَ هَاهُنَا وُضُوءَ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ وُضُوءُهُ بِالشِّعْبِ وُضُوءَ الْحَدَثِ غَيْرَ أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى أَقَلِّ الْوَاجِبِ فَإِنَّ إسْبَاغَهُ هَاهُنَا الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى يُرِيدُ أَنَّهُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا لِأَنَّ حُلُولَهَا إنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّفَقِ وَمَغِيبُ الشَّفَقِ مَعَ الْوُصُولِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُمَا. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ أَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ أَمْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَحُطَّ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ: أَمَّا الرَّحْلُ الْخَفِيفُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَحَامِلُ وَالزَّوَامِلُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاتَيْنِ ثُمَّ يَحُطُّ رَاحِلَتَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ: لَوْ حَطَّ رَحْلَهُ وَحَطَّهُ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ أَحَبُّ إلَيَّ مَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ لِمَا بِدَابَّتِهِ مِنْ الثِّقَلِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَيْسَ بِفَاصِلٍ بَيْنَ الْوُصُولِ وَالصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ وَقَدْ «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُزْدَلِفَةِ» . (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَعْجِيلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْوُصُولِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُعِدَّ كُلُّ إنْسَانٍ مَكَانَ نُزُولِهِ فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْعِشَاءِ فَذَهَبَ كُلُّ إنْسَانٍ إلَى تَعْيِينِ مَكَانِ نُزُولِهِ وَإِنَاخَةِ بَعِيرِهِ بِهِ وَتَعَشَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِيُتَمِّمَ كُلُّ إنْسَانٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ إنَاخَةِ بَعِيرِهِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْ رَاحِلَتِهِ قَالَ أَشْهَبُ: يَحُطُّ عَنْ رَاحِلَتِهِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا ثِقَلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مَشْرُوعٍ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ مُوَسَّعٌ فِيهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا» يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ

[صلاة منى]

ص (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا) . صَلَاةُ مِنًى ص (قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ: إنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إلَى مَكَّةَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصَّلَاةَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّاهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ شَطْرَ إمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدُ» ) ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ «صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ» وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَتَعَشَّى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَإِنْ خَفَّفَ وَلْيُصَلِّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَتَعَشَّى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إنْ كَانَ عِشَاؤُهُ خَفِيفًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ طُولٌ فَلْيُؤَخِّرْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ أَحَبُّ إلَيَّ وَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ هُنَاكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إلَى بَعْدِ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ الْيَسِيرُ لَيْسَ بِفَاصِلٍ وَلَا مَانِعٍ مِنْ حُكْمِ الْجَمْعِ عَلَى مَا قَالَ أَشْهَبُ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَجَمَعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَافِلَةً وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى أَثَرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْصِدَ الْوَقْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ص (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا» وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا) ش هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى حُكْمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَوْلَى لِاحْتِمَالِهِ لَهُمَا وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْهَى إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [صَلَاةُ مِنًى] ش قَوْلُهُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ إنَّهُمْ يُصَلُّونَ إذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ إذَا حَجُّوا اقْتَضَى ذَلِكَ بُلُوغًا إلَى عَرَفَةَ وَرُجُوعًا إلَى مَكَّةَ وَلَوْ كَانَ مُنْتَهَى سَفَرِهِمْ عَرَفَةَ لَمَّا قَصَرُوا الصَّلَاةَ وَاحْتُسِبَ فِي هَذَا السَّفَرِ بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ بِحُكْمِ الْإِحْرَامِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُتِمَّ عَمَلَهُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ إلَّا بِالرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَسْفَارِ فَإِنْ نَوَى فِيهِ الْمَسِيرَ وَالْمَجِيءَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِ أَوْ يَمْضِي مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ سِوَاهُ فَأَخْبَرَ مَالِكٌ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ إذَا خَرَجُوا لِلْحَجِّ أَنْ يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إلَى مَكَّةَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُصَلُّوا بِهَا رَكْعَتَيْنِ فِي الْبَدْأَةِ وَالْعَوْدَةِ وَيُصَلُّونَ كَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ» مِمَّا احْتَجَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْمُصَلِّي بِمِنًى التَّقْصِيرُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعُثْمَانُ بَعْضَ خِلَافَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى إتْمَامِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ اتَّخَذَ أَهْلًا بِمَكَّةَ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ مَكِّيٌّ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَكَّةَ بِالْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ دُونَ الْعَوْدَةِ إلَى مَكَّةَ وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُهَاجِرَيْنِ اسْتِيطَانُ مَكَّةَ وَقِيلَ: إنَّهُ رَأَى الْإِتْمَامَ أَفْضَلَ وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْإِتْمَامَ فَضِيلَةٌ وَالتَّقْصِيرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَصَرَ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ وَلِيَتَيَسَّرَ جَوَازُ التَّقْصِيرِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ التَّقْصِيرَ أَوْلَى. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ» . ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى. وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا)

[صلاة المقيم بمكة ومنى]

وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا) . صَلَاةُ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمِنًى ص (قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى فَيَقْصُرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى مَقَامِ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ) . تَكْبِيرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ص (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ حِينَ ارْتَفَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQش قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدِمَ أَيَّامَ إمَامَتِهِ فَصَلَّى لَهُمْ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْإِمَامُ إذَا وَرَدَ بَلَدًا مِنْ عَمَلِهِ أَقَامَ بِهِمْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ الْمُقَامِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ السَّفَرِ قَصَرَهَا وَظَاهِرُ مَسَاقِ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَرَدَ حَاجًّا وَإِنْ كَانَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَرَدَ مَكَّةَ بِالْغَدِ مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ يَوْمٌ يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مُدَّةً تَتِمُّ لَهَا الصَّلَاةُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ جَرَى ذِكْرُهُمْ وَأَمَّا أَهْلُ مِنًى فَلَمْ يَجْرِ لَهُمْ ذِكْرٌ وَلَا لَهَا أَهْلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ اسْتِيطَانٍ وَإِقَامَةٍ وَإِنَّ نُسِبَ إلَيْهَا أَحَدٌ فَإِنَّمَا يُنْسَبُ مَنْ يُقِيمُ حَوَالِيهَا مِنْ الْأَعْرَابِ الْمُنْتَقِلِينَ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِتْمَامِ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمْ التَّقْصِيرَ الَّذِي هُوَ حُكْمُهُ وَأَمَرَهُمْ بِمَكَّةَ بِالْإِتْمَامِ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُ الْإِتْمَامَ الَّذِي يُخَالِفُ حُكْمَهُ فِي الْقَصْرِ فَنَبَّأَهُمْ عَلَى تَرْكِ اتِّبَاعِهِ فِي الْقَصْرِ. ص (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَيْفَ صَلَاتُهُمْ بِعَرَفَةَ أَرَكْعَتَانِ أَمْ أَرْبَعٌ وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَكَيْفَ صَلَاةُ أَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى فِي إقَامَتِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى مَا أَقَامُوا بِهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ قَالَ مَالِكٌ: وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَأَيَّامِ مِنًى قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِمِنًى مُقِيمًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِعَرَفَةَ مُقِيمًا بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِهَا أَيْضًا) ش قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ وَمُخَالَفَةَ هَذَا السَّفَرِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ، وَحُكْمُ الْأَمِيرِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ التَّمَادِي وَالرُّجُوعِ مَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا بِمِنًى مُقِيمًا بِهَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ اسْتِيطَانٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُقِيمَ بِهَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ كُلِّ مُسَافِرٍ يُصَلِّي فِي بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ التَّمَادِي إلَى غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ أَتَمَّ أَهْلُ مِنًى بِمِنًى وَأَهْلُ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ. [صَلَاةُ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمِنًى] ش وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ بِمَكَّةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى إنَّمَا هُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَهَذِهِ مُدَّةٌ يُتِمُّ الصَّلَاةَ مَنْ نَوَى إقَامَتَهَا فِي مَوْضِعٍ وَكَذَلِكَ لَوْ وَرَدَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَانَ حُكْمُهُ إتْمَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى مِنًى فَيَقْصُرُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْحَاجِّ بِمِنًى يَوْمُ النَّحْرِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَكْمِلُ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَوَّلِ سَفَرِهِ وَآخِرِهِ فَلَمْ يَزَلْ الْمُقِيمُ بِهَا أَيَّامَ مِنًى يُتِمُّ صَلَاتَهُ.

[تكبير أيام التشريق]

النَّهَارُ شَيْئًا فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ ثُمَّ خَرَجَ الثَّالِثَةَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِ حَتَّى يَتَّصِلَ التَّكْبِيرُ وَيَبْلُغَ الْبَيْتَ فَيُعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ قَدْ خَرَجَ يَرْمِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَكْبِيرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ] ش خُرُوجُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِلتَّكْبِيرِ عَلَى مَعْنَى تَذْكِيرِ النَّاسِ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى» وَخَافَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ التَّشَاغُلُ وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ يَخْرُجُ وَيُعْلِنُ بِالتَّكْبِيرِ مُذَكِّرًا لِلنَّاسِ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إذَا كَبَّرَ بِمِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ حَسَرَ النَّاسُ الْأَمْتِعَةَ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ يَقْصِدُ ذَلِكَ لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِرَمْيِ الْجِمَارِ إذْ كَانَ رَمْيُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الْأَذَانِ لَهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي الْإِعْلَانِ بِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ حَتَّى يَتَّصِلَ التَّكْبِيرُ إلَى مَكَّةَ فَيَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ عُمَرَ قَدْ خَرَجَ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فَيَتَذَكَّرُونَ حِينَئِذٍ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَغْتَنِمُونَ الدُّعَاءَ حِينَ دَعَا النَّاسُ بِمِنًى رَجَاءَ أَنْ تَنَالَهُمْ بَرَكَتُهُ. (فَصْلٌ) : وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي لِأَهْلِ مِنًى وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُكَبِّرُوا أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ إذَا ارْتَفَعَ ثُمَّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ بِالْعَشِيِّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ وَأَمَّا أَهْلُ الْآفَاقِ وَغَيْرُهُمْ فَفِي خُرُوجِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَيُكَبِّرُونَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَلَا يَجْهَرُونَ وَالْحُجَّاجُ يَجْهَرُونَ بِهِ فِي كُلِّ السَّاعَاتِ إلَى الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَرْمُونَ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ حَتَّى يُصَلُّوا الظُّهْرَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ التَّكْبِيرُ. ص (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ وَأَوَّلَ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ مَعَهُ دُبُرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرَ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ دُبُرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ قَالَ مَالِكٌ: وَالتَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ بِمِنًى أَوْ بِالْآفَاقِ كُلِّهَا وَاجِبٌ وَإِنَّمَا يَأْتَمُّ النَّاسُ فِي ذَلِكَ بِإِمَامِ الْحَاجِّ وَبِالنَّاسِ بِمِنًى لِأَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا وَانْقَضَى الْإِحْرَامُ ائْتَمُّوا بِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الْحِلِّ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمُّ بِهِمْ إلَّا فِي تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) ش قَوْلُهُ التَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُرِيدُ مُتَّصِلًا بِالسَّلَامِ فَإِنْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا يُكَبِّرُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ بَعْدَ السَّلَامِ وَتَمَامِ الْقَضَاءِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شُرِعَ بَعْدَ تَمَامِ التَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ أَوْ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَجُبْرَانِهَا فَلَا يَكُونُ التَّكْبِيرُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ يُرِيدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ دُونَ النَّوَافِلِ خِلَافًا لِبَعْضِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ فِي تَخْصِيصِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهَا وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَاجِبٌ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَأَوَّلُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ فِي عَقِبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ تَكْبِيرُهُ عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ صَلَاةِ النَّاسِ بِمِنًى لِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إنَّمَا تُصَلَّى بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَاةَ الظُّهْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا تُصَلَّى بِمِنًى وَإِنَّمَا يَرْمِي الْجِمَارَ الْحَاجُّ ثُمَّ يَنْفِرُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْمُحَصَّبِ أَوْ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ طَرِيقِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً أَوَّلُهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِيمَنْ قَضَى صَلَاةً مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَهَا فَلَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لِهَذَا التَّكْبِيرِ

[صلاة المعرس والمحصب]

ص (قَالَ مَالِكٌ: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) . صَلَاةُ الْمُعَرَّسِ وَالْمُحَصَّبِ ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا» قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إذَا قَفَلَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيَقُمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّسَ بِهِ» وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِصَاصًا بِهَذِهِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] . (مَسْأَلَةٌ) فَمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ بِأَثَرِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْقُرْبُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى الصَّلَاةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا قَعَدَ فَكَبَّرَ وَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يُكَبِّرْ وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ فَلْيُكَبِّرُوا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مُرَاعَاةُ الْحَالِ الَّتِي يَتَحَلَّلُ عَلَيْهَا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا فَارَقَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكَبِّرُ النَّاسُ وَالْمُسَافِرُونَ وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَأَهْلُ الْبَوَادِي وَالْعَبِيدُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَا يُكَبِّرُ النِّسَاءُ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مِمَّنْ يَلْزَمُهَا حُكْمُ الْإِحْرَامِ كَالرَّجُلِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَعْنًى مِنْ حُكْمِهِ الْإِعْلَانُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ ابْتِدَاءً كَالْأَذَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ: التَّكْبِيرُ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ سِتُّ كَلِمَاتٍ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ أَجْزَأَهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَنَحْنُ نَسْتَحْسِنُ فِي التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَا حَرَجَ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ ثَلَاثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ش الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ الرَّمْيِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَّصِلَةٍ تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ قِيلَ: سُمِّيَتْ التَّشْرِيقَ لِأَنَّ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ تَشْرَقُ فِيهَا وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ الَّتِي وَصَفْنَاهَا بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا وَمَنْ تَأَخَّرَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَهَا وَالتَّعْجِيلُ فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا أَنْ يُقِيمَ بِمِنًى مِنْهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ أَوَّلُهَا ثُمَّ يَوْمُ النَّفْرِ وَهُوَ الثَّانِي مِنْهَا فَيَأْتِي فِي الْيَوْمَيْنِ بِمَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الرَّمْيِ ثُمَّ يَنْفِرُ فِيهِ فَيَكُونُ قَدْ تَعَجَّلَ قَبْلَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالتَّأْخِيرُ أَنْ يُقِيمَ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ يَوْمُ الصَّدْرِ فَيَأْتِيَ بِمَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الرَّمْيِ ثُمَّ يَصْدُرُ. [صَلَاةُ الْمُعَرَّسِ وَالْمُحَصَّبِ] ش الْمُعَرَّسُ هُوَ الْبَطْحَاءُ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَعْنَى الْمُعَرَّسِ مَوْضِعُ النُّزُولِ يُقَالُ عَرَّسَ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ إذَا نَزَلَ بِهِ وَحَطَّ فِيهِ رَحْلَهُ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ الْمُعَرَّسَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ فِيهِ وَلَمَّا صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُسْتُحِبَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ تَبَرُّكًا بِمَوْضِعِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نُودِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسِ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي قِيلَ لَهُ: إنَّك بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إذَا فَعَلَ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ وَخَصَّ ذَلِكَ بِالْقُفُولِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنَاخَ فِي قُفُولِهِ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ فِي طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ لِمَكَّةَ يُصَلِّي بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يُصْبِحَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ فَلْيُقِمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَدَا لَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ مِمَّا رُجِيَ بَرَكَتُهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَنَّهُ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ بِالصَّلَاةِ رَجَاءَ بَرَكَةِ ذَلِكَ فِيهَا وَلَيْسَ لِمَا يُصَلَّى فِيهِ حَدٌّ يُرِيدُ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مَا شُرِعَ مِنْ النَّافِلَةِ وَهُوَ رَكْعَتَانِ فَهَذَا حَدٌّ فِي الْقِلَّةِ وَأَمَّا الْكَثْرَةُ فَلَا حَدَّ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ قَافِلًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَفَلَ فَمَرَّ بِقَرْيَتِهِ جَاهِلًا فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُعَرَّسَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ إلَى أَهْلِهِ فِي صَدْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ش الْمُحَصَّبُ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ خَارِجٌ مِنْهَا مُتَّصِلٌ بِالْجَبَّانَةِ الَّتِي بِطَرِيقِ مِنًى وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِالْمُحَصَّبِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ عِنْدَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ وَرَقَدَ رَقْدَةً. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ الْمُحَصَّبُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ» وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ «عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ بِالْأَبْطَحِ وَلَكِنِّي أَتَيْتُهَا فَضَرَبْت فِيهَا قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ» . وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحِبُّ النُّزُولَ بِالْمُحَصَّبِ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَصَدَرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ. وَقَدْ «قَالَ ابْنُ عُمَرَ: النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ سُنَّةٌ أَنَاخَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْخَلَفُ» وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أَسْتَحِبُّ لِلْأَئِمَّةِ وَلِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ حَتَّى يَنْزِلُوا بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلَفُ فَتَعَيَّنَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إحْيَاءُ سُنَّتِهِ وَالْقِيَامُ بِهَا لِئَلَّا يُتْرَكَ هَذَا الْفِعْلُ جُمْلَةً وَيَكُونَ لِلنُّزُولِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ حُكْمُ النُّزُولِ بِسَائِرِ الْمَوَاضِعِ لَا فَضِيلَةَ لِلنُّزُولِ بِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ النُّزُولُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ. (فَصْلٌ) فَإِذَا قُلْنَا: يُسْتَحَبُّ النُّزُولُ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ فَأَمَّا مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا أَعْلَمُ التَّحْصِيبَ يَكُونُ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: لَا حَصْبَةَ لِمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ اسْتَوْفَى الْعِبَادَةَ وَأَتَى بِهَا عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَتِهَا فَأَمَّا مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا دُونَ الْفَضِيلَةِ وَتَعَجَّلَ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ التَّحْصِيبِ فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ لَا يَتَلَوَّمَ عَلَى التَّحْصِيبِ الَّذِي لَا يَقْوَى قُوَّةَ التَّأْخِيرِ فِي الْقُرْبِ وَكَذَلِكَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ النَّفْرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِالْمُحَصَّبِ لِكَيْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ. (فَصْلٌ) وَمَنْ لَمْ يُقِمْ بِالْمُحَصَّبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالْمُحَصَّبِ وَيَسْتَحِبُّهُ وَإِنْ شَاءَ مَضَى إذَا صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ وَيَدَعَ الْمُقَامَ بِهِ حَتَّى يُمْسِيَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ التَّعْرِيسَ بِهِ وَأَمَّا مَنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ فَلَمْ يَنْزِلْ بِهِ وَمَضَى كَمَا هُوَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَوْ

[البيتوتة بمكة ليالي منى]

الْبَيْتُوتَةُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالَهُ يُدْخِلُونَ النَّاسَ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّاهُمَا بِطَرِيقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ فَالْأَخْذُ بِهِ أَحْوَطُ وَأَفْضَلُ وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ أَدْرَكَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأَبْطَحَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ فَإِذَا أَتَى الْأَبْطَحَ نَزَلَ بِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ وَالنُّزُولَ بِالْأَبْطَحِ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ إنْ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَيَدْخُلُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرِيدُ الرَّحِيلَ وَقَدْ طَافَ لِإِفَاضَتِهِ فَيَدْخُلُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ فَقَدْ حَلَّ وَإِنْ شَاءَ طَافَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَيْتُوتَةُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى] ش قَوْلُهُ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُدْخِلُونَ النَّاسَ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ يُرِيدُ لَيَالِيَ مِنًى لِأَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى مَشْرُوعٌ كَالْمُقَامِ بِهَا وَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِمِنًى فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَ الْعَقَبَةِ إلَيْهَا كَالنَّحْرِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ ثُمَّ أَتَى إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيتَ لَيْلَةً كَامِلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً أَوْ جُلَّ لَيْلَةٍ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَإِنْ بَاتَ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَرَخَّصَ الْعَبَّاسَ فِي الْمَبِيتِ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ السِّقَايَةِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَإِلَّا فَكَانَ يَجُوزُ لِلْعَبَّاسِ ذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ دُونَ إرْخَاصٍ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بِمَنْعِ عُمَرَ الْمَبِيتَ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ لِعَدَمِ الْخِلَافِ. (مَسْأَلَةٌ) وَالْعَقَبَةُ الَّتِي مَنَعَ عُمَرُ أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ وَرَاءَهَا إلَى مَكَّةَ هِيَ الْعَقَبَةُ الَّتِي عِنْدَ الْجَمْرَةِ الَّتِي يَرْمِيهَا النَّاسُ يَوْمَ النَّحْرِ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاتَ وَرَاءَهَا لَيَالِيَ مِنًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاتَ بِغَيْرِ مِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَهُوَ مَبِيتٌ مَشْرُوعٌ فِي الْحَجِّ فَلَزِمَ الدَّمُ بِتَرْكِهِ كَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَعْنَى الْفِدْيَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْهَدْيُ قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ هَدْيٌ يُسَاقُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ فِي مَنْ زَارَ الْبَيْتَ فَمَرِضَ بِمَكَّةَ وَبَاتَ بِهَا عَلَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ مَعَ الضَّرُورَةِ. ص (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إلَّا بِمِنًى) ش قَوْلُهُ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إلَّا بِمِنًى إنَّمَا خَصَّ السَّائِلُ مَكَّةَ بِالْمَبِيتِ بِهَا لَمَّا رَأَى أَنَّ الْعَبَّاسَ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ كَانَا يَبِيتَانِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى أَرْخَصَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةُ ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى وَيَظَلَّ بِهَا إذَا رَمَى الْجِمَارَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ رُخْصَةٌ لَهُ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ سَائِرَ النَّاسِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ فَخَشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إنْ بَاتَ بِمِنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ بِمَكَّةَ فَعَلَّقَ إبَاحَةَ ذَلِكَ بِالْعُذْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ يَخُصُّهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ عَلَى حَسَبِ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِيمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ فَبَاتَ بِمَكَّةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ.

[رمي الجمار]

رَمْيُ الْجِمَارِ ص (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا حَتَّى يَمَلَّ الْقِيَامَ) . ص (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: الْحَصَى الَّذِي يَرْمِي بِهِ الْجِمَارَ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَعْجَبُ إلَيَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [رَمْيُ الْجِمَارِ] قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يُرِيدُ الْأُولَتَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا يُرِيد أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الرَّمْيِ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وُقُوفًا طَوِيلًا حَتَّى يَمَلَّ الْقِيَامَ بِقِيَامِهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَالْقِيَامُ عِنْدَ تَيْنِكَ الْجَمْرَتَيْنِ بِأَثَرِ رَمْيِهِمَا مَشْرُوعٌ وَيُسْتَحَبُّ طُولُ الْقِيَامِ عِنْدَهُمَا لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وُقُوفًا طَوِيلًا يُكَبِّرُ اللَّهَ وَيُسَبِّحُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُو اللَّهَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) قَوْلُهُ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ هُمَا اللَّتَانِ يَلِيَانِ مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتَا الْأُولَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْدَأُ بِالرَّمْيِ مِنْ الْجَمْرَةِ الْأُولَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى وَهِيَ الَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ بِالْقُصْوَى وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْعَقَبَةَ فَشُرِعَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَلَمْ يُشْرَعْ عِنْدَ الْآخِرَةِ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَمَوْضِعُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ أَمَامَهَا ثُمَّ يَقِفُ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا كَذَلِكَ يَفْعَلُ أَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِي فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَوْضِعَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِيهِ سَعَةٌ لِلْقِيَامِ لِلدُّعَاءِ وَلِمَنْ يَرْمِي وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَمَوْضِعُهَا ضَيِّقٌ لِلْوُقُوفِ عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ لَا لِامْتِنَاعِ الرَّمْيِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الرَّمْيَ وَلِذَلِكَ الَّذِي يَرْمِيهَا لَا يَنْصَرِفُ عَلَى طَرِيقِهِ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ مِنْ أَعْلَى الْجَمْرَةِ وَلَوْ انْصَرَفَ مِنْ طَرِيقِهِ ذَلِكَ لَمَنَعَ مَنْ يَأْتِي الرَّمْيَ. (فَصْلٌ) وَبَيَّنَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ وُقُوفَهُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالدُّعَاءِ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ فِيهِ التَّطْوِيلُ وَذَلِكَ قَدْرُ قُوَّةِ النَّاسِ وَطَاقَتِهِمْ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ) ش قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّكْبِيرُ مَشْرُوعًا عِنْدَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ عِنْدَ كُلِّ رَمْيَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ عِبَادَةٍ شُرِعَ فِيهَا التَّكْبِيرُ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ مَحِلِّهِ كَالِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ فِي الصَّلَاةِ وَشِعَارُ الْحَجِّ مَوَاضِعُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ وَتَكْبِيرٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ» . (مَسْأَلَةٌ) وَخَصَّ التَّكْبِيرَ بِهَذَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَلْفَاظِ الذِّكْرِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا خُصَّتْ الصَّلَاةُ فَإِنْ سَبَّحَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا وَالسُّنَّةُ التَّكْبِيرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ رَمَى وَلَمْ يُكَبِّرْ هُوَ مُجْزِئٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ. ش قَوْلُهُ الْحَصَى الَّذِي يَرْمِي بِهِ الْجِمَارَ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ يُرِيدُ أَنَّ الْحَصَى الْمَشْرُوعَ رَمْيُهُ مِثْلُ حَصَى

ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ بِمِنًى فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ الْغَدِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَذْفِ وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْيِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ مَا يَرْمِي بِهَا فِيهَا وَالْجِمَارُ الْحِجَارَةُ قَدْرُ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْهَا مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ حَصَى مَائِلٌ إلَى الصِّغَرِ فَتَرْمِي بِهِ الْعَرَبُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهُ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى ثُمَّ تَقْذِفُهُ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى. وَقَدْ «رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْهُ» . (فَصْلٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَحَبُّ إلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ نُسِبَ الْقَوْلُ إلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ لَمَا نَسَبَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَاسْتَحَبَّ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَلَغَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَمَى بِذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ وَأَخْذًا بِالْأَيْسَرِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يُقَصَّرَ عَنْ مِثْلِ مَا رَمَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ كُرِهَ أَنْ يُقَصِّرَ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَرْمِي بِمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ وَمَنْ تَحَرَّى مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ أَخَذَ مَرَّةً أَكْبَرَ مِنْهُ وَمَرَّةً مِثْلَهُ وَمَرَّةً أَصْغَرَ مِنْهُ فَيُخِلُّ بِبَعْضِ التَّقْدِيرِ الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَصَى الْخَذْفِ لِيَتَيَقَّنَ أَنَّهُ رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقَصِّرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِأَيْسَرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْرُ حَصَى الْخَذْفِ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَكَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ وَالْأَخْذُ بِمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَأَحَقُّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِمِنًى أَوْ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ الْحَصَى الَّذِي قَدْ رُمِيَ بِهِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَخْذُهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ عِنْدِي غَيْرَ الِاسْتِعْدَادِ بِالْجِمَارِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ إلَى مِنًى يَقْصِدُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا وَلَا يُقَدِّمُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّ رَمْيَهُ يَتَّصِلُ بِوُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُطَّ رَحْلَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جِمَارُهُ مُعَدَّةً لِيُمْكِنَهُ أَنْ يَصِلَ رَمْيُهُ بِالْوُصُولِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً فَصَلَ بَيْنَ وُصُولِهِ وَرَمْيِهِ بِطَلَبِ الْجِمَارِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْجِمَارِ فَإِنَّمَا يَرْمِيهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَتَّسِعُ لَهُ الْوَقْتُ لِطَلَبِ الْجِمَارِ وَإِعْدَادِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَرْمِي مِنْ الْجِمَارِ بِمَا قَدْ رُمِيَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سَقَطَتْ مِنْهُ حَصَاةٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَوْضِعِهِ حَصَاةً مَكَانَهَا فَيَرْمِي بِهَا مَكَانَ الَّتِي سَقَطَتْ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا الْحَصَاةُ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَلْيَأْخُذْهَا وَأَنَّهُ لَيَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْجِمَارِ الَّتِي قَدْ رُمِيَ بِهَا وَإِنِّي لَأَتَّقِيهِ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا حَصَاةً وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهَا الَّتِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ فَقَدَ حَصَاةً مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَرَمَى بِهَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ رَمَى الْجِمَارَ لَا يُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا وَلَا يُحْدِثُ فِيهَا مَعْنًى لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ رَمْيِهَا كَتَقْلِيبِهَا فِي يَدِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ أُدِّيَتْ بِهَا الْعِبَادَةُ فَلَا يَجْزِي تَكْرَارُهَا بِهَا كَالْهَدْيِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَبْنَى الْقَوْلِ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَكْرَارِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ. ش قَوْلُهُ مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُرِيدُ يَوْمَ يَنْفِرُ الْمُتَعَجِّلُ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ جَلَسَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا لَهُ التَّعْجِيلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَغِيبَ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ بِمِنًى فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا وَالْمُقَامُ مِنْ الْغَدِ إلَى

ص (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا إذَا رَمَوْا الْجِمَارَ مَشَوْا ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي وَقْتِ التَّعْجِيلِ وَهُوَ مَا بَيْنَ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَبَيْنَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا حُكْمُ التَّعْجِيلِ فَإِنَّ الْحَاجَّ إمَامٌ أَوْ مُؤْتَمٌّ بِهِ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ وَالتَّأْخِيرُ لَهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ إتْمَامٌ لِلْمَنَاسِكِ وَاسْتِيعَابٌ لَهَا وَالْإِتْيَانُ بِالْعِبَادَةِ وَالنُّسُكِ عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَاتِهَا فَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ عَلَى أَتَمِّ هَيْئَاتِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عُذْرٌ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ كَانَ قَالَ لِي قَبْلَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ كَأَهْلِ الْآفَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ قَوْلِهِ إلَيَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَهَذَا عَامٌّ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَهْلِ مَكَّةَ فِي سُرْعَةِ النَّفْرِ وَالتَّعَجُّلِ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ الرُّجُوعُ مَعَ الرُّفْقَةِ وَالْجِيرَانِ لِمَا يَخَافُ مِنْ فَوَاتِ ذَلِكَ لِمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ وَلَا طُولُ السَّفَرِ وَبُعْدُ الْمَسَافَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الْآفَاقِ فَتَدْعُوهُمْ إلَى ذَلِكَ الدَّوَاعِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا أَهْلُ الْآفَاقِ فَلَهُمْ التَّعْجِيلُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامُوا بِمَكَّةَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيتُوا بِمَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعْمٍ الدِّيلِيِّ «شَهِدْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامَ مِنًى يَتْلُو {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] ثُمَّ أَرْدَفَ رَجُلًا فَجَعَلَ يُنَادِي بِهَا فِي النَّاسِ» وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ وَقَدْ انْتَهَى سَفَرُهُ وَغَيْرَ الْمَكِّيِّ مُقَامُهُ بِمِنًى كَمُقَامِهِ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّعَجُّلُ إذَا احْتَاجَ إلَى سُرْعَةِ السَّفَرِ فَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَمَنْ تَعَجَّلَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَبَاتَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مِنًى فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ الدَّمُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْمِ وَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ دَمًا لِتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَدَمًا لِتَرْكِ الرَّمْيِ مِنْ الْغَدِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ الْغَدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ لَزِمَهُ رَمْيُ الْجِمَارِ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْمَبِيتَ مِنْ أَجْلِهَا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمُقَامَ بِالنَّهَارِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ مَشْرُوعٌ لَا يَزُولُ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى أَيَّامَ التَّشْرِيقِ إلَّا لِعُذْرٍ وَلَا يُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِطَوَافٍ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فِي أَيَّامِ مِنًى فَإِنْ فَعَلَ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رَجَعَ إلَى مِنًى وَلَا يَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ مِنْ طَوَافٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ رُجُوعَهُ إلَى مِنًى أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. ش قَوْلُهُ كَانُوا إذَا رَمَوْا الْجِمَارَ يُرِيدُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَشَوْا ذَاهِبِينَ إلَيْهَا وَرَاجِعِينَ عَنْهَا إلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَأْتِي عَلَى رَاحِلَتِهِ فَيَرْمِيهَا رَاكِبًا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: الشَّأْنُ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا كَمَا يَأْتِي النَّاسُ عَلَى دَوَابِّهِمْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ يَقُولُ: يَرْمِي مَاشِيًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مُتَّصِلَةً بِوُرُودِهِ وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ الْمَشْيَ إلَيْهَا تَوَاضُعٌ وَيَحْتَاجُ إلَى الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فَلَوْ رَكِبَ النَّاسُ لَضَاقَ بِهِمْ الْمَكَانُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَمِمَّنْ يُقِيمُ لِلنَّاسِ أَمْرَ

ص (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ مِنْ أَيْنَ كَانَ الْقَاسِمُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ) . ص (سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يُرْمَى عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرِيضِ فَقَالَ: نَعَمْ وَيَتَحَرَّى الْمَرِيضُ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ فَيُكَبِّرُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَيُهْرِيقُ دَمًا فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ رُمِيَ الَّذِي رَمَى عَنْهُ وَأَهْدَى وُجُوبًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجِّ وَلَعَلَّ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا رَكِبَ لِعُذْرٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ رَكِبَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ مَشَى يَوْمَ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ش قَوْلُهُ وَمِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَهُوَ الْيُسْرُ فِيهَا لِأَنَّ رَمْيَهَا مِنْ أَعْلَاهَا فِيهِ مَشَقَّةٌ لِحُرُوجَةِ الْمَوْضِعِ وَضِيقِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَهَذَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ أَعْلَاهُ أَجْزَأَهُ اهـ مِنْ الْمَبْسُوطِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلْيَجْعَلْ مِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. ش وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْهُمَا الْمَشْيَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَاشِرَ الرَّمْيَ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَفْهَمُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَكَانَ مَعَ الْمَرِيضِ ذِهْنُهُ. وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِهِ إنْ رَجَا الْمَرِيضُ أَنْ يَصِحَّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلْيُؤَخِّرْ الرَّمْيَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ رُمِيَ عَنْهُ وَأَهْدَى وَيَحْتَمِلُ هَذَا عِنْدِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا وَذَلِكَ أَنَّهُ نَصَّ أَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيُطِيقُ ذَلِكَ مَضَى وَعَجَّلَ الرَّمْيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ وَرَجَا أَنْ يُطِيقَ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَخَّرَ الرَّمْيَ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ رُمِيَ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إنْ رَجَا أَنْ يُفِيقَ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ أَخَّرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْمِ عَنْهُ أَحَدٌ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ أَمَرَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِيمَا يَرْجُوهُ مِنْ حَالِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِيمَا يُطِيقُهُ وَقْتَ الرَّمْيِ وَيَوْمُهُ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ عَلَى الرَّمْيِ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَرْمِيَ فِي بَقِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الرَّمْيَ لَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ أَدَاءً وَوَقْتُ قَضَاءٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ رَجَا أَنْ يَرْمِيَ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا مَعْنَى لِرَمْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَرْجُو أَنْ يَرْمِيَ بِنَفْسِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ هُوَ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ فَإِذَا يَئِسَ مِنْ أَنْ يَرْمِيَ بِنَفْسِهِ عَنْ يَوْمِهِ اسْتَنَابَ فِي ذَلِكَ لِمَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَهَذَا كَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ مَنْ يَئِسَ مِنْ إدْرَاكِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يُؤَخِّرْ التَّيَمُّمَ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَظُنُّ بِنَفْسِهِ وَحَالِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَهُوَ كَالْعَادِمِ لِلْمَاءِ إنَّمَا يَرْجِعُ فِي عَدَمِهِ وَوُجُودِهِ إلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الْمَرِيضُ السَّيْرَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ الرَّمْيَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَرَمَى عَنْهُ ثُمَّ صَحَّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَرْمِي لِمَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ وَيَهْدِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ شُيُوخِنَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْمَرِيضِ يَصِحُّ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيَرْمِي مَا رُمِيَ عَنْهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ وَهُوَ لَوْ تَحَامَلَ لَاسْتَطَاعَهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى عَلَى الَّذِي يَرْمِي الْجِمَارَ أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ إعَادَةً وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِحَالَةٍ لَا يَشُكُّ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْعُذْرَ لِأَنَّهُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ سَوَاءٌ تَيَقَّنَ عُذْرَهُ أَوْ لَمْ يَتَيَقَّنْ كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَهَذَا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهَا وَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْأَرْكَانِ كَطَوَافِ الْوُرُودِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ وَلَا يَجِبُ بِذَلِكَ دَمٌ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الرَّمْيَ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ رَمْيُ غَيْرِهِ عَنْهُ وَفِي الْبَدَلِ نَقْصٌ عَنْ الْمُبْدَلِ مِنْهُ يُجْبَرُ بِالدَّمِ فَإِذَا أَدْرَكَ الرَّمْيَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَبَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ جَبَرَ نَقْصَ الرَّمْيِ فَسَقَطَ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَرْمِي عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرِيضِ إلَّا مَنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِالرَّمْيِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجِمَارِ الثَّلَاثِ ثُمَّ يَبْدَأُ بِالرَّمْيِ عَنْ الْمَرِيضِ مِنْ أَوَّلِ الْجِمَارِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّوَالِيَ مَشْرُوعٌ فِي الرَّمْيِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُوَالِيَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يُوَالِيَ عَنْ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ رَمَى عَنْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ؟ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُهُ فَقَالَ: لَا يَقِفُ وَقَالَ: يَقِفُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِلدُّعَاءِ وَلَا يُسْتَنَابُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْوُقُوفَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فَجَازَ أَنْ يُسْتَنَابَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَنَبْ فِي مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَبَعًا كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ سَعَى أَوْ رَمَى الْجِمَارَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ قُرَبٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْتِ فَلَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَإِنَّمَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْقُرَبِ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهَا نَفِسَتْ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَأَبَاحَ لَهَا فِعْلَ كُلِّ قُرْبَةٍ مِنْ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْتِ وَفِي ذَلِكَ السَّعْيُ وَالرَّمْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ لِفِعْلِ هَذِهِ الْقُرَبِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ قُرَبَ الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِهَا إمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا وَلِذَلِكَ شُرِعَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبًا بَلْ يَصِحُّ فِعْلُ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ فَمَا كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ فَالْغُسْلُ لَهُ مَشْرُوعٌ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَرْكَانِ فَمِنْ حُكْمِهَا أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ لَهَا. (ش) : قَوْلُهُ لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ. وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ عَنْهُ: فَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَلْيُعِدْ الرَّمْيَ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَرْمِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» . (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ رَمَى الْجِمَارَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَإِنَّمَا مَحِلُّ الرَّمْيِ لِلْجِمَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ وَمِنْ جِهَةِ الرُّتْبَةِ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ بِأَثَرِ الزَّوَالِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَشُرِعَ التَّأْخِيرُ لَهَا وَلِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ مَشْرُوعٌ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَكَانَتْ الْمُبَادَرَةُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِهِ وَتَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا مَشْرُوعٌ

[الرخصة في رمي الجمار]

الرُّخْصَةُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ «أَنَّهُ أَرْخَصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ» يَقُولُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِي «أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ الْجِمَارِ» فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ رَمَوْا مِنْ الْغَدِ وَذَلِكَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ فَيَرْمُونَ الْيَوْمَ الَّذِي مَضَى ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَا لَهُمْ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا وَإِنْ أَقَامُوا إلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الْآخَرِ وَنَفَرُوا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنْ تُؤَخَّرَ لِمَعْنًى يَقْتَضِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَوَّلَ أَدَاءِ الرَّمْيِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ زَوَالُ الشَّمْسِ مِنْهُ وَآخِرُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِهِ إلَى بَقِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ سَوَاءٌ فِي الْقَضَاءِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي رَمْيِ رِعَاءِ الْإِبِلِ الْجِمَارَ أَنَّهُمْ لَا يَرْمُونَ الْيَوْمَ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى شَيْءٌ حَتَّى يَجِبَ فَإِذَا وَجَبَ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الرُّخْصَةُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى» يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ مَنْعًا خُصَّ هَذَا مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ الرُّخْصَةِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُخَصُّ مِنْ الْمَحْظُورِ لِلْعُذْرِ وَذَلِكَ أَنَّ لِلرِّعَاءِ عُذْرًا فِي الْكَوْنِ مَعَ الظَّهْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَالرَّعْيُ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى الظُّهْرِ فِي الِانْصِرَافِ إلَى بَعِيدِ الْبِلَادِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ} [النحل: 7] فَأُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ يُرِيدُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ يَغِيبُونَ عَنْ مِنًى عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ أَوَّلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَتَعَجَّلُ فِيهِ النَّفْرُ مَنْ يُرِيدُ التَّعْجِيلَ أَوْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ رَمَوْا عَنْ الْيَوْمَيْنِ بَدَءُوا بِرَمْيِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَوْهُ وَإِنَّمَا رَمَوْا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَرْمُوا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْهُمَا لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ وَإِنَّمَا يَقْضِي بَعْدَ وُجُوبِهِ وَخُرُوجِ وَقْتِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الثَّالِثِ فَلَوْ رَمَى فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ خَاصَّةً دُونَ الْيَوْمِ الثَّانِي وَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَرْمِي عَنْهُ فَتَلْحَقُهُ مَشَقَّةُ التَّكَرُّرِ وَيُضَيِّعُ الظُّهْرَ فَأُبِيحَ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَضَاءً وَرَمْيُ الْيَوْمِ الثَّانِي أَدَاءً. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ أَخْبَرَ أَنَّ رَمْيَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ وَلَا يُغَيِّرُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَا إضَافَةَ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَرْمِي لِلْيَوْمَيْنِ فَقَالَ: يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ فَذَكَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي يُرْمَى لَهَا وَهِيَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَهُمَا أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَثَانِيهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الرَّمْيِ وَإِنَّمَا يَرْمِي لَهُمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ فَقَالَ: لِيَوْمَيْنِ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ مَالِكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نَفِسَتْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصْفِيَّةُ حَتَّى أَتَيَا مِنًى بَعْدَ أَنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَيَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ لِيَوْمَيْنِ يَرْمُونَ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَهُوَ يَوْمُ رَمْيِهِمْ لِأَنَّهُ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ تَفْسِيرًا لِأَحَدِ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرْمَى لَهُمَا وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ يَرْمُونَ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ بَيَّنَ الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ يَوْمُ النَّفْرِ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ وَيَكُونُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِ النَّفْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ لِلْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى يُكْمِلَ رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يَرْمُونَ الْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَ بِهَذَا كَلَامَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ التَّعْجِيلَ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَى هَذَا فَسَّرَ مَالِكٌ الْحَدِيثَ وَمَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ فَإِنَّهُ إذَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَعَجَّلَ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «أَرْخَصَ لِلرِّعَاءِ فِي الرَّمْيِ بِاللَّيْلِ» إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِمْ وَأَحْوَطُ فِيمَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ رَعْيِ الْإِبِلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتٌ لَا تُرْعَى فِيهِ الْإِبِلُ وَلَا تَنْتَشِرُ فَيَرْمُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ رَعَوْا بِالنَّهَارِ وَرَمَوْا بِاللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَرْمُوا عَلَى هَذَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ حِفْظِ الْإِبِلِ عَلَى وَجْهِ الرَّعْيِ وَيَحْتَمِلُ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةٌ أَنْ يَكُونَ رَمْيُهُمْ بِاللَّيْلِ عَلَى حُكْمِ رَمْيِهِمْ بِالنَّهَارِ مِنْ الْجَمْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي إطْلَاقُهُ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَوَّلُ زَمَانِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُرْسَلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَوَّلَ زَمَنٍ أَدْرَكَهُ عَطَاءٌ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا مُتَّصِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ صَفِيَّةَ وَبِنْتَ أَخِيهَا تَخَلَّفَتْ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ نِفَاسِ بِنْتِ أَخِيهَا فَأَتَيَا مِنًى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَ أَنْ فَاتَهُمَا الرَّمْيُ وَفِي هَذَا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ مُقَامَ صَفِيَّةَ مَعَ ابْنَةِ أَخِيهَا كَانَ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَاَلَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ مَجِيئِهَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حُكْمِهِمَا فَلَمْ يُنْكِرْ الْمُقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ مَعَ ابْنَةِ أَخِيهَا وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ مُخْتَصًّا بِابْنَةِ أَخِيهَا دُونَهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا مُبَاحًا لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَالْهَلَاكُ فِي الِانْفِرَادِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِانْفِرَادِهِ وَتُرْجَى نَجَاتُهُ وَصَلَاحُ حَالِهِ بِالْمُقَامِ مَعَهُ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ وَخَافَ عَلَى غَيْرِهِ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ وَيُعْطِيه إيَّاهُ فَيُحْيِيه بِهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَيَا يُرِيدُ أَنَّهُمَا قَدْ أَدْرَكَتَا وَقْتَ قَضَاءِ الرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكَا وَقْتَ أَدَاءِ الرَّمْيِ فَأَمَرَهُمَا بِقَضَاءِ الرَّمْيِ وَأَوَّلُ وَقْتِ أَدَاءِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ وَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْقَضَاءِ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَوْلُهُ أَنْ يَرْمِيَا حِينَ أَتَيَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرَّمْيِ بِاللَّيْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ سَوَاءٌ فِي قَضَاءِ الرَّمْيِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَجَازَ فِعْلُهُ بِاللَّيْلِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا دَمًا وَلَا غَيْرَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: وَأَمَّا أَنَا فَأَرَى عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ صَفِيَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَرْمِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ الدَّمَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْأَدَاءُ لَزِمَهُ الرَّمْيُ وَالْهَدْيُ كَاَلَّذِي يَمْرَضُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ وَيَرْمِي آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَذَكَرَهَا

[الباب الأول في من نسي رمي حصاة من الجمار]

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ نَسِيَ رَمْيَ جَمْرَةٍ مِنْ الْجِمَارِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ مِنًى حَتَّى يُمْسِيَ قَالَ: لِيَرْمِ أَيَّ سَاعَةٍ ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ كَمَا يُصَلِّي الصَّلَاةَ إذَا نَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَدَرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَاجِبٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَمَاهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَمَاهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مَتَى كَانَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ لَيَالِيهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَهُ مَالِكٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِذَا فَاتَهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ أَدْرَكَ وَقْتَ الْقَضَاءِ قَضَى وَإِنْ فَاتَهُ لَمْ يَقْضِ وَلَزِمَهُ الدَّمُ فِي الْوَجْهَيْنِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا لَمْ يَرْمِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَهَلْ يَفْسُدُ حَجُّهُ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْهَدْيِ وَقَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: يَبْطُلُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ قَابِلًا وَالْهَدْيُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ عَرَفَةَ فَلَمْ يَفُتْ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ فِي وَقْتِهِ كَسَائِرِ الرَّمْيِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ مَنْ أَمِنَ فَوَاتَ الْحَجِّ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ رَمَى وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَبْطُلُ الْحَجُّ بِتَأْخِيرِهِ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ مَعْنَى لَوْ جَامَعَ قَبْلَهُ فَسَدَ حَجُّهُ فَإِذَا فَاتَهُ وَجَبَ أَنْ يَفُوتَهُ حَجُّهُ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالتَّحَلُّلُ عِنْدَ ابْن الْمَاجِشُونِ إنَّمَا يَقَعُ بِالْفِعْلِ لَا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ رَمَى تِلْكَ الْحَصَاةَ وَحْدَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ رَمْيَ غَيْرِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رَمَى جَمِيعَهَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْمُوَالَاةُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا فِيهَا وَمُسْتَحَبًّا إلَّا إنْ رَمَى مَا قَدْ رَمَى مِنْهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ ذَكَرَ الْحَصَاةَ الْمَنْسِيَّةَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ مَعَهَا. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَرَكَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ أَنَّهُ يَرْمِي مَا تَرَكَهُ وَلَا يُعِيدُ مَا رَمَى وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ذَكَرَ حَصَاةً مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْغَدِ أَنَّهُ يُعِيدُ الرَّمْيَ ثَانِيَةً وَيُهْرِيقُ دَمًا وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ هَذَا قَدْ ذَكَرَ نَقْصَ الْجَمْرَةِ فِي وَقْتٍ تُرْمَى فِيهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمِيَ مَا ذَكَرَ دُونَ مَا رَمَى أَصْلُ ذَلِكَ إذَا ذَكَرَهَا فِي يَوْمٍ وَيَحْتَمِلُ هَذَا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَكِنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا رَمَى مِنْهُ لِلْمُوَالَاةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ فِي وَقْتِ أَدَاءِ وَلَا وَقْتِ قَضَاءٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الرَّمْيَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَدَاءٌ وَالرَّمْيَ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءٌ لَهُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ بَيْنَ الْأَدَاءِ الْمُفْرَدِ وَالْقَضَاءِ الْمُفْرَدِ بِالْآخَرِ وَإِنْ لَفَّقَ الْأَدَاءَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ نَسِيَ رَمْيَ جَمْرَةٍ مِنْ الْجِمَارِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى يَفُوتَهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ تِلْكَ الْجَمْرَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَا دَامَ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْوَقْتِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: فِيمَنْ نَسِيَ رَمْيَ حَصَاةٍ مِنْ الْجِمَارِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ نَسِيَ جَمْرَةً كَامِلَةً وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ نَسِيَ رَمْيَ جِمَارِ يَوْمٍ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَنْ نَسِيَ الرَّمْيَ كُلَّهُ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ الرَّمْيِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَنْ نَسِيَ رَمْيَ حَصَاةٍ مِنْ الْجِمَارِ] وَمَنْ نَسِيَ رَمْيَ حَصَاةٍ مِنْ جِمَارِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَأَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ رَمَى غَيْرَهَا مِنْ الْجِمَارِ وَقَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرْمِي تِلْكَ الْحَصَاةَ وَحْدَهَا ثُمَّ يَرْمِي مَا رَمَى بَعْدَهَا مِنْ الْجِمَارِ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْجِمَارِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةٍ حَتَّى يُكْمِلَ رَمْيَ جَمْرَةٍ أُخْرَى كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَنْتَقِلُ لِرَكْعَةٍ حَتَّى يُكْمِلَ عَمَلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُوَالَاةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الرَّمْيِ وَإِذَا كَانَ الرَّمْيُ كُلُّهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ أَجْزَأَ وَيَقْتَضِي قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة قَوْلًا ثَانِيًا يَسْتَأْنِفُ رَمْيَ الْجَمْرَةِ الَّتِي نَسِيَ الْحَصَاةَ مِنْهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَالْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا فَيَحْصُلُ الْخِلَافُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُوَالَاةِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الرَّمْيِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْغَدِ فَإِنَّهُ يَرْمِيهَا ثُمَّ يُعِيدُ رَمْيَ مَا رَمَى بَعْدَهَا مِنْ يَوْمِهَا ثُمَّ يَرْمِي لِلْيَوْمِ الَّذِي ذَكَرَهَا فِيهِ إنْ كَانَ قَدْ رَمَاهَا وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِي وَقْتٌ لِقَضَاءِ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ رَمْيِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَاجِبٌ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ أَدَاءِ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ الثَّانِي. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَرْمِي الْحَصَاةَ الَّتِي نَسِيَهَا مِنْ الْجَمْرَةِ خَاصَّةً أَوْ يَبْتَدِئُ رَمْيَ تِلْكَ الْجَمْرَةِ بِسَبْعٍ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ يَسْتَأْنِفُ رَمْيَهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَفِي غَيْرِ الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْمِي الْحَصَاةَ الَّتِي نَسِيَ خَاصَّةً وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ذَكَرَهَا مِنْ يَوْمِهِ رَمَى تِلْكَ الْحَصَاةَ خَاصَّةً وَمَا بَعْدَهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا مِنْ الْغَدِ اسْتَأْنَفَ رَمْيَ تِلْكَ الْجَمْرَةِ بِسَبْعٍ وَرَمَاهَا بَعْدَهَا وَوَجْهُ قَوْلِهِ بِإِفْرَادِ الْحَصَاةِ أَنَّهُ ذَاكِرٌ لَهَا بَعْدَ أَنْ انْفَصَلَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا رَمْيُهَا وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ لِلنِّسْيَانِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَلَا فَضِيلَتَهَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ فَضِيلَتِهَا فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا يُسْتَدْرَكُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ لِأَنَّ مَا فَاتَ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَعْظَمُ وَوَجْهُ قَوْلِنَا يَرْمِي الْجَمْرَةَ كُلَّهَا أَنَّ هَذَا قَضَاءٌ لِهَذِهِ الْحَصَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْجَمْرَةِ يَشْمَلُهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ذَكَرَهَا مِنْ يَوْمِهِ فَإِنَّهُ يُفْرِدُهَا بِالرَّمْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدَاءٌ لِجَمِيعِهَا وَلَوْ رَمَى الْحَصَاةَ خَاصَّةً مِنْ الْغَدِ لَكَانَ مُؤَدِّيًا لِبَعْضِ الْجَمْرَةِ قَاضِيًا لِبَعْضِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُهَا. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ أَنْ غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَرْمِي تِلْكَ الْحَصَاةَ أَوْ يَرْمِي الْجَمْرَةَ كُلَّهَا بِسَبْعٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ يَرْمِي مَا رَمَى بَعْدَهَا مِنْ يَوْمِهَا وَلَا يُعِيدُ رَمْيَ الْجِمَارِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ إنْ كَانَ قَدْ رَمَاهَا وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ قَضَاءَ يَوْمٍ لَا يَتَبَعَّضُ وَأَنَّهُ إذَا وَجَبَ قَضَاءُ بَعْضِهِ وَجَبَ قَضَاءُ جَمِيعِهِ وَالثَّانِي أَنَّ وَقْتَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ مَا وَجَبَ قَضَاءً وَبَيْنَ مَا رَمَى بَعْدَهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِ أَدَاءِ الرَّمْيِ الَّذِي بَعْدَهُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْيَوْمِ الثَّالِثِ إذَا بَقِيَ وَقْتَ أَدَائِهِ وَإِنْ فَاتَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْيَوْمِ الثَّانِي فَحَصَلَ لِلرَّمْيِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ أَحَدُهَا وَقْتُ أَدَاءِ الرَّمْيِ وَهُوَ مِنْ وَقْتِ رَمْيِ تِلْكَ الْجَمْرَةِ إلَى انْقِضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالثَّانِي وَقْتُ قَضَائِهِ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَى انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْوَقْتُ الثَّالِثُ وَقْتُ اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ وَقْتُ أَدَاءِ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ الَّذِي يُعَادُ لِلتَّرْتِيبِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ ذَكَرَ الْحَصَاةَ بَعْدَ أَنْ غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَا لَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فِيهِ وَلَكِنَّهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَذْكُرَ الْحَصَاةَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْقَضَاءِ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِهَذَا الْقَوْلِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ هَدْيٌ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْهُ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ رَمَاهَا بِسَبْعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا وَقَالَ بِأَثَرِ ذَلِكَ إنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَانِيًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الرَّمْيُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَلَزِمَهُ الدَّمُ لِنَقْصِ الْقَضَاءِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ كَمَا لَوْ رَمَاهَا فِي وَقْتِ.

[الباب الثاني في من نسي جمرة كاملة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَدَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا ذَكَرَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الرَّمْيُ فَعَلَيْهِ الدَّمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَنْ نَسِيَ جَمْرَةً كَامِلَةً] 1 ً مَنْ نَسِيَ جَمْرَةً كَامِلَةً فَذَكَرَهَا فِي يَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ رَمَى غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَرْمِيهَا وَيُعِيدُ مَا بَعْدَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَرْمِيهَا وَيَرْمِي مَا بَعْدَهَا مِمَّا يُدْرِكُ وَقْتَ أَدَائِهِ وَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْقَضَاءِ فَلَا رَمْيَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الدَّمُ ذَلِكَ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ أَدَاءِ الْجَمْرَةِ الْمَنْسِيَّةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْقَضَاءِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ قَضَائِهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَنْ نَسِيَ رَمْيَ جِمَارِ يَوْمٍ] 1 ٍ مَنْ نَسِيَ رَمْيَ يَوْمٍ كَامِلٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَذَكَرَهُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يَرْمِيهِ عَلَى رُتْبَتِهِ وَسُنَّتِهِ فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ رَمَاهُ عَلَى رُتْبَتِهِ ثُمَّ أَعَادَ رَمْيَ مَا كَانَ رَمَى قَبْلَهُ فِي الْأَيَّامِ وَبَعْدَهُ مِمَّا أَدْرَكَ وَقْتَ أَدَائِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَنْ نَسِيَ الْجِمَارَ كُلَّهَا] وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ الْجِمَارَ كُلَّهَا فِي أَيَّامِ مِنًى فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يَرْمِي لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى سُنَّتِهِ ثُمَّ يَرْمِي لِلْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى السُّنَّةِ ثُمَّ يَرْمِي لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ عَلَى سُنَّتِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي حَالِ الْأَدَاءِ فَكَذَلِكَ فِي حَالِ الْقَضَاءِ كَالصَّلَاةِ مَا لَزِمَ فِيهَا مِنْ التَّرْتِيبِ فِي حَالِ الْأَدَاءِ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي حَالِ الْقَضَاءِ وَسَوَاءٌ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَفَرَ مِنْ مِنًى أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى بِمَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا فَقَدْ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَهَلْ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ أَيَّامِ مِنًى وَرَمَى فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَمَرَّةً قَالَ: عَلَيْهِ الدَّمُ وَمَرَّةً قَالَ: لَا دَمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ رَمَى قَبْلَ الصَّدْرِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ النَّفْرِ فَعَادَ فَرَمَى فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ تَعَمَّدَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ نَسِيَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَفُوتَهُ الرَّمْيُ وَوَجْهُ قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إدْخَالِهِ النَّقْصَ عَلَى الرَّمْيِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ الْأَدَاءِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِنَفْيِ ذَلِكَ جُمْلَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ قَدْ رَمَى فِي وَقْتِ الرَّمْيِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا لَوْ رَمَى فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ النَّفْرِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ مَنْ نَفَرَ عَنْ مِنًى فَقَدْ نَوَى اطِّرَاحَ الرَّمْيِ وَجَمِيعَ مَنَاسِكِ مِنًى إمَّا مُتَعَمِّدًا وَإِمَّا نَاسِيًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمِنًى لَمْ يَنْفِرْ بَعْدُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ أَدَائِهَا أَوْ قَضَائِهَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ إذَا اسْتَدْرَكَ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ آثِمٌ بِتَعَمُّدِهِ تَرْكَ نُسُكٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالنَّاسِي مَعْذُورٌ وَالْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ لِمَالِكٍ أَجْرَى عَلَى طَرِيقِ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ الرَّمْيِ] 1 ِ أَمَّا الرَّمْيُ فَصِفَتُهُ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ أَعْلَاهُمَا وَيَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ أَسْفَلِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَلَا يَرْمِيهَا مُجْتَمِعَةً بَلْ يَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ مُتَفَرِّقَةً فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجْزِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْمِيَ بِسِتِّ حَصَيَاتٍ وَيَعْتَدُّ مِمَّا رَمَى مِنْ السَّبْعِ الْأُوَلِ بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَدَدِ الرَّمْيِ وَبِعَدَدِ الْحَصَى فَإِذَا أَخَلَّ بِعَدَدِ الرَّمْيِ لَمْ يَعْتَدَّ مِنْ الْحَصَى إلَّا بِقَدْرِ عَدَدِ الرَّمْيِ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ

[الإفاضة]

الْإِفَاضَةُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: إذَا جِئْتُمْ مِنًى فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ لَا يَمَسُّ أَحَدٌ نِسَاءً وَلَا طِيبًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَضَعَ الْحَصَى وَضْعًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ لَا يَطْرَحُهُ طَرْحًا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَكِنْ يَرْمِيهِ رَمْيًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ بِالرَّمْيِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَرْمِيهَا فِي سَبْعِ مَرَّاتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَالِيَ ذَلِكَ وَلَا يَنْتَظِرُ بَيْنَ كُلِّ حَصَاتَيْنِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ مَشْرُوعَةٌ فِيهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لِيَرْمِ أَيَّ سَاعَةٍ ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ رَمْيَهَا عَنْ وَقْتِ ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةُ فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ فَإِذَا فَاتَ وَقْتُ أَدَائِهَا لَزِمَ تَعْجِيلُ قَضَائِهِ كَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلِذَلِكَ احْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى تَعْجِيلِ قَضَائِهَا أَيَّ وَقْتٍ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ بِمَا يَلْزَمُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ مَتَى ذَكَرَهَا مَنْ نَسِيَهَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَدَرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ يُرِيدُ بَعْدَ مَا صَدَرَ مِنْ مِنًى وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَفُوتَ وَقْتُ الرَّمْيِ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالثَّانِي مِثْلُ أَنْ يَفُوتَ وَقْتُ الرَّمْيِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ فَاتَ وَقْتُ الرَّمْيِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ الرَّمْيِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْمِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمْيِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ لِأَنَّهُ رَمَى بَعْدَ النَّفْرِ وَقَوْلُ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بَيَانَ وُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ نَفَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ سَوَاءٌ رَجَعَ لَهُ فِيمَا تَرَكَ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْفَوَاتَ وَلَا الرُّجُوعَ وَالْإِدْرَاكَ وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَدَرَ وَفَاتَهُ الرَّمْيُ لِفَوَاتِ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَفُتْهُ ذَلِكَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ. [الْإِفَاضَةُ] (ش) : قَوْلُهُ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ يُرِيدُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَخُطْبَتُهُ لَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ لِتَعْلِيمِ الْحَاجِّ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَجَمْعِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِهَا وَالْوُقُوفِ بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا إلَى مِنًى وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ الْحِلَاقِ ثُمَّ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَنْ أَرَادَ تَعْجِيلَهُ أَوْ تَأْخِيرَهُ ثُمَّ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَحُكْمِ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَالنَّفْرِ وَالتَّحْصِيبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا جِئْتُمْ مِنًى فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ يُرِيدُ أَنَّ أَوَّلَ التَّحَلُّلِ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَمَنْ رَمَاهَا اسْتَحَلَّ بِهَا إلْقَاءَ التَّفَثِ وَلُبْسَ الثِّيَابِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا خِلَافَ فِي بَقَاءِ تَحْرِيمِهِنَّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الطِّيبُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إبَاحَتِهِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ مَنْعُهُ فَمَنْ تَطَيَّبَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ بَعْضُ التَّحَلُّلِ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلِأَنَّهُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إبَاحَتِهِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ إصَابَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمِنًى تَحْرِيمَ الصَّيْدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقِيمَ بِهَا مُقِيمٌ بِالْحَرَمِ وَالصَّيْدُ مَمْنُوعٌ فِيهِ لِلْحَلَالِ فَلَا يَسْتَبِيحُهُ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ

[دخول الحائض مكة]

ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) .. دُخُولُ الْحَائِضِ مَكَّةَ ص (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ: فَقَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ قَالَتْ: فَفَعَلْت فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْت فَقَالَ: هَذَا مَكَانَ عُمْرَتِك فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَقُوا مِنْهَا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ دَفَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ خَاصَّةً دُونَ حُرْمَةِ الْحَرَمِ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّيْدَ مَمْنُوعٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الْحِلِّ وَلَوْ أَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لَكَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَدْ قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ. ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) . (ش) : قَوْلُهُ مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ يُرِيدُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ وَقَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ قَدَّمَ الْحِلَاقَ فِي اللَّفْظِ عَلَى النَّحْرِ وَالنَّحْرُ مُقَدَّمٌ فِي الرُّتْبَةِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي رُتْبَةً فَأَعْلَمَنَا أَنَّ إضَافَةَ النَّحْرِ وَالْحِلَاقِ إلَى الرَّمْيِ لَا يُبِيحُ النِّسَاءَ وَلَا الطِّيبَ وَإِنَّمَا يُبِيحُ ذَلِكَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ. [دُخُولُ الْحَائِضِ مَكَّةَ] (ش) : قَوْلُهَا فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ مَنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ طَائِفَةً أَشَارَتْ إلَيْهِمْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُرِيدَ جَمَاعَةَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا قَدْ ذَكَرَتْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِهْلَالِ بِالْإِحْرَامِ وَالدُّخُولِ فِيهِ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَقْرُنَ إنْ شَاءَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ جَوَازَ الْقِرَانِ وَيَكُونُ مَعْنَى مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَحَدَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ كَانَ مَعَهُ الْآنَ هُوَ يُرِيدُ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ فَلْيُقَلِّدْهُ وَيُشْعِرْهُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ الْوَجْهُ الثَّانِي مَنْ وَجَدَ ثَمَنَهُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُهْدِيَهُ وَيَكُونَ فَائِدَةُ ذَلِكَ الْحَضَّ عَلَى الْحَجِّ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ وَلَعَلَّهُ عَلَّمَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ الْعَزْمَ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى فِعْلِ الْعُمْرَةِ لِأَجْلِ الْهَدْيِ فَخَصَّ مَنْ نَحَرَ الْهَدْيَ عَلَى أَنْ يَقْرُنَ فَيَحُجَّ فِي عَامِهِ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ جَوَازِ الْقِرَانِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَبَعْدَ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَإِشْعَارِهِ عَلَى أَنْ يَنْحَرَ بِمِنًى فِي حَجَّتِهِمْ وَأَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ يَبْقَى حَلَالًا وَهَدْيُهُ مُقَلَّدًا مُشْعَرًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ يَنْحَرَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَدْيَهُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْدِفُوا الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَيَعُودُوا قَارِنِينَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْمَنْعُ لَهُمْ مِنْ التَّحَلُّلِ مَعَ بَقَاءِ الْهَدْيِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ الْمُتَقَدِّمِ «إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُبِيحُ التَّحَلُّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَمَنَعَ مِنْ الْحِلَاقِ لِلْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلِ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى يَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّحَلُّلِ لِيُسْتَفَادَ بِذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ التَّحَلُّلِ مَعَ بَقَاءِ الْهَدْيِ عَلَى تَقْلِيدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِيُعَلِّمَهُمْ مَعْنَى الْقِرَانِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْعُمْرَةِ وَإِنْ أَتَى الْقَارِنُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَخُصُّهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَّا مَا يَخُصُّ الْحَجَّ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْقِرَانِ وَإِنَّ مَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْرَامِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْعُمْرَةِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الْحَجِّ حَتَّى يَكْمُلَ الْحَجُّ فَيَكُونَ التَّحَلُّلُ مِنْهُمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَقَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وَذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ مَمْنُوعٌ فِي حَقِّ الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُرَتَّبٌ عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَهُ فَمَنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ كَانَ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ طَاهِرًا فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ وَصَلَّتْ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ حَاضَتْ لَجَازَ لَهَا أَنْ تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ سَعَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ سَاقَتْ هَدْيًا وَلَا كَانَتْ مِمَّنْ أَمِنَ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ مِمَّنْ يُسَوَّغُ لَهُ التَّمَادِي عَلَى التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا إذَا دَخَلَتْ مَكَّةَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَتَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهَا ثُمَّ تَسْتَأْنِفَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يُمْكِنْهَا إتْمَامُ عُمْرَتِهَا لِتَعَذُّرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ حَيْضَتِهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْقُضِي شَعْرَك وَامْتَشِطِي» يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا فِي ذَلِكَ لِأَذًى أَدْرَكَهَا مِنْ طُولِ إحْرَامِهَا وَتَمَادِي الشُّعْثِ عَلَيْهَا وَكَثْرَةِ هَوَامِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا بِهِ الِامْتِشَاطَ وَنَقْضَ رَأْسِهَا لَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى عَنْهَا لِأَنَّ الْحِلَاقَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهَا وَهَذَا كَمَا أَمَرَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ بِالْحِلَاقِ إذَا أَذَاهُ هَوَامُّهُ لِأَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ مِمَّنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالتَّقْصِيرِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ لَيْسَ فِيهِ إمَاطَةُ أَذًى وَالْحِلَاقُ فِيهِ إمَاطَةُ أَذًى وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِالِامْتِشَاطِ وَنَقْضِ شَعْرِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى عُمْرَتِهَا الَّتِي قَدْ أَحْرَمَتْ بِهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعِي الْعُمْرَةَ دَعِي الْعَمَلَ بِهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إحْرَامُهَا بِهَا مِنْ إفْرَادِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ دَعِي الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَلِلْعُمْرَةِ إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ حَتَّى تَطُوفَ وَتَسْعَى لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ سَعْيًا وَاحِدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَلَمَّا قَضَيْت الْحَجَّ ذَكَرْت قَضَاءَ الْحَجِّ لِأَنَّهُ أَتَمُّ مَا يُفْعَلُ مِنْ النُّسُكَيْنِ نُسُكِ الْحَجِّ لِأَنَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا «قَالَتْ: قَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّوَافَ وَالسَّعْيَ يَشْتَرِك فِيهِمَا النُّسُكَانِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَهُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْحَجِّ وَهُوَ آخِرُ مَا يُفْعَلُ مِنْ النُّسُكِ لِمَنْ عَجَّلَ الْإِفَاضَةَ فَلِذَلِكَ نَصَّتْ عَلَى قَضَاءِ الْحَجِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا «أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْت» يَقْتَضِي أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّ النُّسُكَ يَقْتَضِي الْجَمْعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَعَمَلُ الْعُمْرَةِ كُلُّهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ الْحِلِّ وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ الْحِلِّ إلَى الْبَيْتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَانُ عُمْرَتِك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا عُمْرَةٌ مُفْرِدَةٌ بِالْعَمَلِ مَكَانَ عُمْرَتِك الْأُولَى الَّتِي أَرَادَتْ أَنْ تُفْرِدَهَا بِالْعَمَلِ فَلَمْ تُكْمِلْهَا عَلَى ذَلِكَ وَدَخَلَتْ فِي عَمَلِ حَجٍّ لِلْعُذْرِ الْمَانِعِ مِنْ إتْمَامِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَحْرَمَتْ بِهَا عَلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا تُرِيدُ أَنَّهُمْ طَافُوا عِنْدَ وُرُودِهِمْ لِلْعُمْرَةِ وَسَعَوْا لَهَا ثُمَّ حَلُّوا لَمَّا كَمُلَ عَلَى عُمْرَتِهِمْ ثُمَّ قَالَتْ: ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ دَفَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَتَأَخَّرَ طَوَافُهُمْ وَسَعْيُهُمْ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهَذَا حُكْمُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَتَأَخَّرَ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ لِحَجِّهِ حَتَّى يَعُودَ مِنْ مِنًى لِأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَأَمَّا طَوَافُ الْوُرُودِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُرُودٌ سَقَطَ وَبَقِيَ الطَّوَافُ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَأَمَّا الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدَ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَطُوفُوا غَيْرَ طَوَافٍ وَاحِدٍ لِلْوُرُودِ وَطَوَافٍ وَاحِدٍ لِلْإِفَاضَةِ إنْ كَانُوا قَرَنُوا قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانُوا أَرْدَفُوا فَلَمْ يَطُوفُوا غَيْرَ طَوَافٍ وَاحِدٍ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ سَعَوْا لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا وَالسَّعْيُ يُسَمَّى طَوَافًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ طَوَافَهُمْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ الْقَارِنُ فِيهِ عَلَى طَوَافِ الْمُفْرِدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَارِنَ لَمْ يُفْرِدْ الْعُمْرَةَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ بَلْ طَافَ لَهُمَا كَمَا طَافَ الْمُفْرِدُ لِلْحَجِّ وَهَذَا نَصٌّ فِي صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ حُكْمَ الْقَارِنِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُفْرِدِ وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ فِعْلُ جَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ وَقَدْ عَلِمَتْهُ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّفِقَ جَمِيعُهُمْ وَتَعْلِيمَهُ وَتَبْيِينَهُ فِي أَنْ لَا يَعْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هَذَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي إنَّمَا خَرَجَ إلَيْهِ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَتَبْيِينِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . (فَصْلٌ) : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا أَهَلُّوا بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ أَرْدَفُوا الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ إذْ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ أَهَلَّ بِهِمَا فَقَدْ طَافُوا لَهُمَا طَوَافَ الْوُرُودِ وَسَعَوْا بِأَثَرِهِ ثُمَّ طَافُوا لَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَلَمْ يَسْعَوْا بَعْدَهُ وَأَمَّا مَنْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَإِنْ كَانَ أَرْدَفَهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ أَهَلَّ بِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَمَّا مَنْ أَرْدَفَ بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَقَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وُرُودٍ فَهَذَا الْمُرْدِفُ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ لَا تَأْثِيرَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي الْوُرُودِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ غَيْرَ وُجُوبِ الدَّمِ لِلْقِرَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَقَالَ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى تَطْهُرِي» ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تُهِلُّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ تَدْخُلُ مَكَّةَ مُوَافِيَةً لِلْحَجِّ وَهِيَ حَائِضٌ لَا تَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ أَنَّهَا إذَا خَشِيَتْ الْفَوَاتَ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وَأَهْدَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَأَجْزَأَ عَنْهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ إذَا كَانَتْ قَدْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَصَلَّتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَإِنَّهَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَتَقِفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَتَرْمِي الْجِمَارَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُفِيضُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهَا قَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تُرِيدُ أَنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ مَنَعَ مِنْهُ حَيْضَتُهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَتَفْعَلَ أَفْعَالَ الْحَاجِّ كُلَّهَا مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْوُقُوفِ بِهَا وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالنَّحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا يَصِحُّ لَهَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَهُ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَذَكَرَ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنْ الطَّوَافِ وَلَمْ يَذْكُرْ امْتِنَاعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا عَلِمَتْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَعْلَمَهَا مِنْ حُكْمِ الطَّوَافِ بِمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا عِلْمُهُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّتِي تَدْخُلُ مَكَّةَ مُعْتَمِرَةً وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَطُوفَ مِنْ أَجْلِ حَيْضَتِهَا أَنَّهَا إذَا خَشِيَتْ الْفَوَاتَ يُرِيدُ فَوَاتَ الْحَجِّ وَذَلِكَ أَنَّهَا تُرِيدُ الْحَجَّ فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرَأَتْ حَيْضَهَا تَدُومُ إمَّا لِأَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَقْتٍ مِنْهُ تَعْلَمُ مِنْ عَادَتِهَا تَمَادِي حَيْضَتِهَا الَّتِي تَخَافُ فَوَاتَ الْحَجِّ إنْ تَمَادَتْ عَلَى أَفْرَادِ عُمْرَتِهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَادَى حَيْضُهَا حَتَّى يَفُوتَهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ تُحْرِمْ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهَا فَاتَهَا الْحَجُّ فَهَذِهِ الَّتِي تُؤْمَرُ أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَتُرْدِفَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ فَتَصِيرَ قَارِنَةً فَتُدْرِكَ بِذَلِكَ مَا تُرِيدُهُ مِنْ الْحَجِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّهَا إذَا خَشِيَتْ الْفَوَاتَ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ وَأَهْدَتْ يُرِيدُ لِقِرَانِهَا قَالَ: وَكَانَتْ مِثْلَ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ تُرِيدُ أَنَّهَا فِي أَحْكَامِهَا مِثْلُ الَّتِي قَرَنَتْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلَّا أَنَّ الَّتِي أَحْرَمَتْ بِهِمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا يَلْزَمُهَا طَوَافُ الْوُرُودِ وَهَذِهِ الَّتِي أَرْدَفَتْ الْحَجَّ بِمَكَّةَ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَلْزَمُهَا لِلْحَجِّ طَوَافُ الْوُرُودِ وَالْمُعْتَمِرُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَطُوفُ عِنْدَ وُرُودِ طَوَافِ عُمْرَتِهِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَأَجْزَأَ عَنْهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُجْزِئُهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ لِحَجِّهَا وَعُمْرَتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُجْزِئُهَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا طَوَافُ وُرُودٍ وَإِنْ كَانَتْ وَرَدَتْ مُحْرِمَةً إلَّا أَنَّهَا دَخَلَتْ مُحْرِمَةً بِعُمْرَةٍ فَلَا يَلْزَمُهَا طَوَافُ وُرُودٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَلَوْ دَخَلَتْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ مُفْرَدٍ أَوْ قَارِنَةً لَلَزِمَهَا طَوَافَانِ طَوَافٌ لِلْوُرُودِ وَطَوَافٌ لِلْإِفَاضَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ إذَا كَانَتْ قَدْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَصَلَّتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَإِنَّهَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ هُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالرُّكُوعُ فَإِذَا أَتَتْ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ كَانَ لَهَا أَنْ تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ فَتَتَمَادَى عَلَى عُمْرَتِهَا وَتَحِلُّ مِنْهَا ثُمَّ تُحْرِمُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجِّهَا إنْ فَاتَهَا ذَلِكَ فَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِمَّا أَرَادَتْهُ مِنْ إفْرَادِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ لِحَيْضَتِهَا بَعْدَ الطَّوَافِ وَالرُّكُوعِ وَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْعَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَتَقِفُ بِعَرَفَةَ وَتَرْمِي الْجِمَارَ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ حَدَثُ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِحَدَثِ الْحَيْضِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَلَا إزَالَتُهُ صَحَّ الْإِتْيَانُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُفِيضُ يُرِيدُ أَنَّهَا لَا تَأْتِي بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ حَتَّى تَطْهُرَ.

[إفاضة الحائض]

إفَاضَةُ الْحَائِضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ صَفِيَّةَ ابْنَةَ حُيَيِّ حَاضَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقِيلَ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَقَالَ: فَلَا إذًا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا «قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ قُلْنَ: بَلَى قَالَ: فَاخْرُجْنَ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ إذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفَضْنَ فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ تَنْتَظِرُهُنَّ تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ إذَا كُنَّ قَدْ أَفَضْنَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [إفَاضَةُ الْحَائِضِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ وَهِيَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاضَتْ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِالْحَجِّ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَوْ تَخَوَّفَتْ أَنْ تَكُونَ حَيْضَتُهَا تَمْنَعُهَا بَعْضَ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ جَمِيعَهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْلَمَ عِلْمَ ذَلِكَ وَكَانَتْ كَثِيرَةَ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَمَّا لَا تَعْلَمُهُ وَلَعَلَّهُ أَجْرَى ذِكْرَ صَفِيَّةَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ أَوْ لَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ حَالِهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِحَيْضَتِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَابِسَتُنَا هِيَ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ بَعْضَ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيُوجِبُ الْبَقَاءَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَيُمْكِنُهَا فِعْلُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الْوَقْتِ تَعْيِينُ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ قَدْ عَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَلِمَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ الطَّوَافَ خَاصَّةً وَلِذَلِكَ قَالَتْ لَهُ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَقَالَ: فَلَا إذًا يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَدْ أَفَاضَتْ فَإِنَّهَا لَا تَبْقَى وَلَا تَحْبِسُ مَنْ يَكُونُ مَعَهَا فَاقْتَضَى أَنَّ الْحَيْضَ يَحْبِسُ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ أَفَاضَتْ وَيُحْبَسُ مَنْ مَعَهَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهَا وَلِذَلِكَ يُحْبَسُ الْكَرِيُّ مَعَهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي يُحْبَسُ عَلَيْهَا الْكَرِيُّ وَذُو الْمَحْرَمِ وَالرُّفْقَةِ فَأَمَّا الْكَرِيُّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مَا يَحْبِسُ النِّسَاءَ الدَّمُ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا ذُو الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ عَلَيْهَا حَتَّى يُمْكِنَهَا السَّفَرُ وَأَمَّا الرُّفْقَةُ وَالْأَصْحَابُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مَقَامُهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُحْبَسُ كَرِيُّهَا وَمَنْ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحْبَسْ إلَّا كَرِيُّهَا وَحْدَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّفْقَةَ تَلْحَقُهُمْ الْمَشَقَّةُ بِطُولِ الْحَبْسِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا عَقْدٌ وَلَا لَهَا عَلَيْهِمْ حَقٌّ يُحْبَسُونَ بِهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا لَا تَلْحَقُهُمْ بِهِ مَضَرَّةٌ لِمَعْنَى الْمُرَافَقَةِ وَالِاصْطِحَابِ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَجِدُ الْعِوَضَ مِنْهُمْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنَّ الطَّرِيقَ الْمَأْمُونَةَ لَا تَنْقَطِعُ وَأَمَّا الْكَرِيُّ فَلَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَذْهَبَ بِحَقِّهَا وَهُوَ حَقٌّ مُعْتَادٌ قَدْ عَرَفَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ مِنْ الْمَقَامِ مَا لَا يَلْزَمُ الرُّفْقَةَ وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقَّهَا قَدْ تَعَيَّنَ عِنْدَهُ وَتَعَلَّقَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَرَادَتْ الْمَقَامَ لَكَانَ لِلْكَرِيِّ أَنْ يَطْلُبَهَا بِحَقِّهِ عِنْدَهَا مِنْ السَّيْرِ مَعَهُ وَهُوَ الْكِرَاءُ وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تُقِيمَ لَمْ يَكُنْ لِلرُّفْقَةِ قِبَلَهَا فِي ذَلِكَ حَقٌّ بِوَجْهٍ. (ش) : وَقَوْلُهَا أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ إذَا حَجَّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ الْخَوْفُ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَحِضْنَ فَإِنْ كُنَّ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَحِيضَ أَوْ مِنْ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ فَلَا يُخَافُ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَرُبَ وَقْتُ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضَتِهَا وَعَادَتُهَا تَمَادِي طُهْرِهَا مُدَّةً يَنْقَضِي إحْرَامُهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ صَفِيَّةَ ابْنَةَ حُيَيِّ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَلَّهَا حَابِسَتُنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ طَافَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا إذًا» قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشَامٌ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ فَلَمْ يُقَدِّمْ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُنَّ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَ لَأَصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ كُلِّهِنَّ قَدْ أَفَضْنَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ ابْنَةَ مِلْحَانَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ حَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَتْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ انْقِضَائِهَا فَأَمَّا مَنْ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا الْحَيْضُ جُمْلَةً فَلَا تُقَدِّمُ الطَّوَافَ مَخَافَةَ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا تُقَدِّمُهُ إنْ قَدَّمَتْهُ لِفَضِيلَةِ الْمُبَادَرَةِ بِتَسْلِيمِ الْإِحْرَامِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ نَقْصٍ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ فَسَادٌ وَأَمَّا مَنْ تَحِيضُ وَعَادَتُهَا أَنَّ زَمَانَ طُهْرِهَا مُدَّةً تَنْقَضِي أَيَّامُ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا فَالْأَحْوَطُ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ لِجَوَازِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ حَيْضَتِهَا مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَأْمَنُ تُقَدِّمُ حَيْضَتَهَا وَهِيَ تَرْتَقِبُ وُرُودَهُ أَوْ كَانَ أَمَدُ طُهْرِهَا لَا يَلْزَمُ الْعَادَةَ فَهَذِهِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا مِمَّنْ كَانَتْ تُقَدِّمُهَا عَائِشَةُ لِلطَّوَافِ يَوْمَ النَّحْرِ مَخَافَةَ الْحَيْضِ عَلَيْهَا فَكَانَتْ تُقَدِّمُهَا لِلطَّوَافِ لِيَكْمُلَ إحْرَامُهَا وَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ مَا يَمْنَعُ الْحَيْضَ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَيْهَا الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْحَيْضَ وَهَلْ لِلْكَرِيِّ أَنْ يَأْخُذَهَا بِتَقْدِيمِ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ تَنْتَظِرُهُنَّ تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ يُرِيدُ كَانَ جَمِيعُ مَا يَبْقَى مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ يَفْعَلْنَهُ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ فَإِذَا أَكْمَلْنَ ذَلِكَ نَفَرَتْ بِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا أَنْ يُخْبَرَ بِأَنَّهَا حَاضَتْ وَلَعَلَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ حَالِهَا إذْ خَفَى عَنْهُ أَمْرُهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَمْ يُقَدِّمْ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إنْ كَانَ لَا يَنْفَعُهُنَّ إنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ تَقَدُّمَ الْإِفَاضَةِ لَا يَنْفَعُهُنَّ فَإِنَّهُنَّ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَيْنَ عَلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ: وَلَوْ لَمْ يُسْتَحَبَّ الرُّجُوعُ إلَى بِلَادِهِنَّ بِتَقْدِيمِ الطَّوَافِ لَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَقْدِيمِ النِّسَاءِ مِنْ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَكَانُوا يَقْتَصِرُونَ عَلَى تَأْخِيرِ الطَّوَافِ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ طَوَافِهِنَّ يَوْمَ النَّحْرِ تَكَلُّفًا وَمَشَقَّةً مَعَ مَا يَلْزَمُ مِنْ سَتْرِهِنَّ وَيَثْقُلُ مِنْ حَمْلِهِنَّ لَكِنْ لَمَّا عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ مَنْ حَاضَتْ مِنْهُنَّ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَلَدِهَا وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى طَوَافِ الصَّدْرِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ تَكَلَّفُوا تِلْكَ الْمَشَقَّةَ وَكَانَتْ أَخَفَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَقَاءِ مَعَهُنَّ إذَا حِضْنَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَقُولُونَ لَأَصْبَحَ بِمِنًى أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ آلَافِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَكْثُرُ عَلَى النِّسَاءِ فَلَوْ لَمْ يَنْفَعْهُنَّ تَقْدِيمُ الْإِفَاضَةِ لَكَثُرَ مَنْ يُقِيمُ مِنْ النِّسَاءِ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ عَلَى طَوَافِ الصَّدْرِ وَلَوْ لَمْ يَنْفَعْهُنَّ مَا قَدَّمْنَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَمَا عُدِمَ ذَلِكَ مَعَ اهْتِبَالِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَمْرِ الدِّينِ وَكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ اتِّفَاقٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا مَقَامٌ عَلَى طَوَافِ الصَّدْرِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَقَامُ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَفِي ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ جَوَّزَتْ الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَإِظْهَارَ وَجْهِ الصَّوَابِ فِيهَا بِالرَّأْيِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَفِظَتْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ أَنَّ الْإِفَاضَةَ قَبْلَ الْحَيْضِ تُبِيحُ الِانْصِرَافَ لَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ أَضَافَتْ إلَى ذَلِكَ بَيَانَ الْمَعْنَى بَعْدَ الْأَثَرِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ قَدْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ

[فدية ما أصيب من الطير والوحش]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ بِمِنًى تُقِيمُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ أَفَاضَتْ فَحَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَلْتَنْصَرِفْ إلَى بَلَدِهَا فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَائِضِ قَالَ: «وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ فَإِنَّ كَرِيَّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَحْبِسُ النِّسَاءَ الدَّمُ» ) . فِدْيَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاسْتَفْتَتْهُ فِيمَا يَجُوزُ لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ أَوْ يَلْزَمُهَا مِنْ الْمَقَامِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَتْ لَمَّا كَانَتْ قَدْ أَفَاضَتْ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ وَمَا أَذِنَ بِهِ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَسُمِّيَ ذَلِكَ رُخْصَةً عَلَى عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا أُبِيحَ لِضَرُورَةٍ مِنْ جُمْلَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَلَمَّا وَرَدَ الْأَمْرُ فِي الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحَائِضَ سُمِّيَ رُخْصَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ فَإِنَّ كَرِيَّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا يُحْكَمُ لِلْمَرْأَةِ بِأَنَّهَا حَائِضٌ فَإِذَا حُكِمَ لَهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ وَرَجَعَتْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: تُقِيمُ الْحَائِضُ أَكْثَرَ مَا يَحْبِسُ النِّسَاءَ الْحَيْضُ وَتُقِيمُ النُّفَسَاءُ أَكْثَرَ مَا يَحْبِسُ النِّسَاءَ دَمُهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ كَرِيَّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِحَمْلِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُخَيِّرَهُ بِذَلِكَ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكَرِيَّ يُحْبَسُ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَا أَدْرَى هَلْ تُعِينُهُ النُّفَسَاءُ فِي الْعَلَفِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قِيلَ أَنَّهَا إنَّمَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا كَرِيُّهَا إذَا كَانَ الْأَمْنُ وَأَمَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ حَيْثُ لَا يَأْمَنُ فِي طَرِيقِهِ فَهِيَ ضَرُورَةٌ وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ وَقْتَ الْأَمْنِ يَجِدُ الرِّفَاقَ وَيُمْكِنُهُ إذَا طَهُرَتْ أَنْ يَدْخُلَ الطَّرِيقَ وَيُسَافِرَ وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَيَحْتَاجُ أَنْ يَنْتَظِرَ الْقَوَافِلَ وَالصُّحْبَةَ فَتَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمِثْلُ هَذَا عِنْدِي فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَحْرَمَ لَهَا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ الْمَأْمُونَةِ وَالرُّفْقَةِ الَّتِي فِيهَا النِّسَاءُ فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَتَحْتَاجُ إلَى الِانْتِظَارِ وَأَمَّا ذَاتُ الْمَحْرَمِ مَعَ الطَّرِيقِ الْمَأْمُونِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحْبِسُهَا شَيْءٌ غَيْرُ حَيْضَتِهَا. [فِدْيَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَدْلٌ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَأَشْبَهَ النَّعَمِ بِهِ قَدْرًا أَوْ قَضَى فِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا لِأَنَّ الْعَنْزَ أَشْبَهُ النَّعَمِ بِالْغَزَالِ وَأَقْرَبُهَا قَدْرًا إلَيْهِ وَالْكَبْشُ وَالْعَنْزُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُهْدَى فَجَازَ أَنْ يَكُونَا عِوَضًا عَنْ الضَّبُعِ وَالْغَزَالِ يُهْدِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً عَنْ إصَابَةِ نَظِيرِهِ مِنْ الصَّيْدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ الْعَنَاقُ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ إذَا رَعَى وَقَوِيَ وَالْجَفْرَةُ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ وَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَ الْأَرْنَبِ وَالْيَرْبُوعِ فَجَعَلَ فِي الْأَرْنَبِ عَنَاقًا وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةً وَهِيَ دُونَ الْعَنَاقِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى فِي الضَّبِّ بِهَدْيٍ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ كُلَّ مَا صَغُرَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ مِنْ النَّعَمِ يُهْدَى فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا.

ص. (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ قَالَ: فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا: فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصِيَامٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُحْكَمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِجَفْرَةٍ وَلَا عَنَاقٍ وَلَا يُحْكَمُ بِدُونِ الْمُسِنِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَقُيِّدَ ذَلِكَ بِالْهَدْيِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَخْرُجَ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَزَاءِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ لَا يَكُونُ بَدَلُهُ هَدْيًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلٌ مِنْ النَّعَمِ أَصْلُ ذَلِكَ صِغَارُ الطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَرْنَبِ وَفِي الْيَرْبُوعِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْزٌ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الظَّبْيِ إلَّا الطَّعَامُ أَوْ الصِّيَامُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى الْمِثْلُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْيَرْبُوعِ الْمِثْلُ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُطْلَبَ أَقْرَبُ الْمِثْلِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي صِغَارِ الْوَحْشِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ لَمْ يُرَاعَ الْقَدْرُ فَحَكَمْنَا فِي صَغِيرِ النَّعَامِ بِمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِكَبِيرِهِ وَهِيَ الْبَدَنَةُ مَعَ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْقَدْرِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الصِّفَةَ وَالْقَدْرَ يَجِبُ أَنْ يُرَاعَا فِي الْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ الشَّبَهُ يَقْرُبُ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ وَالشَّبَهُ يَقْرُبُ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ فِي الْجِنْسِ حَكَمْنَا فِيهِ بِالْمِثْلِ وَإِذَا تَفَاوَتَ فِي الْقَدْرِ فِي جُمْلَةِ الْجِنْسِ وَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ فِيهِ بِمِثْلٍ كَمَا لَا يُحْكَمُ فِي صِغَارِ الطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا صِغَارُ مَا لَهُ مِثْلٌ لِأَنَّ الشَّبَهَ مِنْ جِهَةِ الضَّرُورَةِ وَالْقَدْرِ قَدْ وُجِدَ فِي الْجِنْسِ ص. (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ قَالَ: فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا: فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) . (ش) : قَوْلُهُ أَجْرَيْنَا فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْتِيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَلَبَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَاسْتِدْعَاءُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الرَّجُلَ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ أَنْ يَحْكُمَ مَعَهُ امْتِثَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ يُرِيدُ أَنَّهُ اخْتَارَ الْمِثْلَ وَلِذَلِكَ حَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ يُهْدِيهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَنْعَامِ شَبَهًا وَقَدْرًا بِالظِّبَاءِ فَظَنَّ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدْعَى مَنْ يَحْكُمُ مَعَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّتِهِ مُفْرِدًا حَتَّى يُعِينَهُ عَلَيْهَا الرَّجُلُ الَّذِي اسْتَدْعَاهُ لِلْحُكْمِ مَعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ خَصَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا لِمَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَسَأَلَهُ هَلْ تَعْرِفُ الرَّجُلَ الَّذِي مَعَهُ لِمَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ وَإِنَّ كُلَّ مَنْ عُرِفَ عَيْنُهُ عُرِفَ عَدَالَتُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا إعْلَامًا لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ لَمَّا لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا شَأْنُ هَذِهِ الْحُكُومَةِ. وَقَالَ لَهُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُوجِعُهُ ضَرْبًا لِمَا أَظْهَرَ مِنْ مُخَالَفَتِهِ التَّنْزِيلَ إنْ كَانَ فَهِمَ

ص. (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَقَرَةِ مِنْ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الشَّاةِ مِنْ الظِّبَاءِ شَاةٌ) .. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إذَا قُتِلَ شَاةٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ وَفِي بَيْتِهِ فِرَاخٌ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ فَيُغْلِقُ عَلَيْهَا فَتَمُوتَ فَقَالَ: أَرَى بِأَنْ يَفْدِيَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ فَرْخٍ بِشَاةٍ) . ش وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْفِرَاخُ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ اقْتَضَى ذَلِكَ غَلْقَ بَابِ بَيْتِهِ وَالتَّغَيُّبَ مِنْهُ مُدَّةً تَهْلَكُ الْفِرَاخُ فِي مِثْلِهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْأَبَوَيْنِ بِالشِّبَعِ إلَيْهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ كُلِّ فَرْخٍ مِنْهَا شَاةٌ لِأَنَّ فِي صِغَارِ كُلِّ حَيَوَانٍ مِنْ الْجَزَاءِ مِثْلَ مَا فِي كَفَّارَتِهِ وَهَذَا حُكْمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَتْلَ الْحَمَامِ فِي الْحَرَمِ مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ وَإِنَّمَا خُصَّ الْمُحْرِمُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ مَالِكٍ لِأَنَّ إحْرَامَهُ كَانَ سَبَبَ مَغِيبِهِ وَلَوْ سَافَرَ عَنْ بَيْتِهِ فِي غَيْرِ إحْرَامٍ وَأَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابَهُ فَهَلَكَتْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةً قَالَ مَالِكٌ: أَرَى فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ عُشْرَ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ كَمَا يَكُونُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ قَالَ مَالِكٌ: وَقِيمَةُ الْغُرَّةِ خَمْسُونَ دِينَارًا وَذَلِكَ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمَ أَوْ لِإِعْرَاضِهِ عَنْ تَفَهُّمِ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ أَعْرَضَ عَنْ النَّظَرِ فِي الْآيَةِ وَالتَّفَهُّمِ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ مَعْنَاهَا مَعَ الِاهْتِبَالِ بِهِ وَقَدْ يُعْذَرُ الْجَاهِلُ عِنْدَ مُوَاقَعَةِ مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَمْ يَسْتَبِنْ حُكْمُهُ وَلَا يَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الصَّلَوَاتِ وَالطِّهَارَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إعْلَامًا لَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ مُشَارَكَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ أَمْرُهُ تَعَالَى بِأَنْ يَحْكُمَ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّ الَّذِي حَكَمَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ قَدْ سَمِعَ بِذِكْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ بِذِكْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي أَيْسَرِ وَقْتٍ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِعَدَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَاشْتِهَارِ عِلْمِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ: وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَنَصَّ عَلَى اسْمِهِ الَّذِي يُمْكِنُ السَّائِلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَعُلُوِّ ذِكْرِهِ أَوْ يَسْأَلُ عَنْهُ وَلَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَالَتِهِ فَقَطْ لَقَالَ: وَهَذَا عَدْلٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَوْجَبَ عُمَرُ عَلَيْهِمَا الْجَزَاءَ وَإِنْ كَانَا لَمْ يُبَاشِرَا قَتْلَ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا قَتَلَتْهُ خَيْلُهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ خَيْلُهُمَا مَحْمُولَةً بِاخْتِيَارِهِمَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَيَا سَهْمًا أَوْ حَجَرًا فَقَتَلَاهُ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَادَ دَابَّةً أَوْ سَاقَهَا أَوْ رَكِبَهَا أَنَّهَا مَا أَصَابَتْ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهَا فَضَرَبَتْ صَيْدًا فَقَتَلَتْهُ وَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا مِنْ غَيْرِ قِيَادٍ وَلَا سِيَاقٍ وَلَا رُكُوبٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ص. (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَقَرَةِ مِنْ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الشَّاةِ مِنْ الظِّبَاءِ شَاةٌ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي الْبَقَرَةِ مِنْ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الشَّاةِ مِنْ الظِّبَاءِ شَاةٌ يُرِيدُ بَقَرَةً وَشَاةً مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَأَخْبَرَا أَنَّ الْبَقَرَةَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مِثْلُ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَإِنَّ الشَّاةَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مِثْلُ الشَّاةِ مِنْ الظِّبَاءِ وَهُوَ تَمْثِيلٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا أَشْبَهُ الْأَنْعَامِ بِهِمَا صُورَةً وَقَدْرًا وَلَكِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ إعَادَةِ الْحُكْمِ فِيهِمَا إذَا أَصَابَ أَحَدَهُمَا مُحْرِمٌ. (ش) : قَوْلُهُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إذَا قُتِلَ شَاةٌ يُرِيدُ أَنَّ حَمَامَ مَكَّةَ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِ حُرْمَتِهِ وَهَذَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَرْبُوعِ شَاةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ حَمَامَةٍ شَاةٌ إذَا اُعْتُبِرَ الْقَدْرُ لِأَنَّ الْحَمَامَ أَكْبَرُ مِنْ الْيَرْبُوعِ وَأَعْظَمُ خِلْقَةً وَأَكْثَرُ لَحْمًا وَإِذَا وَدَى فِي الْيَرْبُوعِ شَاةً فَبِأَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَمَامٍ أَوْلَى وَلَا يَجِبُ فِي سَائِرِ الْحَمَامِ غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ غَيْرُ الْإِطْعَام أَوْ الصِّيَامِ وَلَمْ يَجِبْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ فَبِأَنْ لَا يَجِبَ فِي الْيَرْبُوعِ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ شَائِعٌ قَدِيمٌ تَكَرَّرَ حُكْمُ الْأَئِمَّةِ وَفَتْوَى الْعُلَمَاءِ بِهِ وَقَوْلِهِمْ لِذَلِكَ

[فدية من أصاب شيئا من الجراد وهو محرم]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ النُّسُورِ أَوْ الْعُقْبَانِ أَوْ الْبُزَاةِ أَوْ الرُّخْمِ فَإِنَّهُ صَيْدٌ يُودَى كَمَا يُودَى الصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ فُدِيَ فَفِي صِغَارِهِ مِثْلُ مَا يَكُونُ فِي كِبَارِهِ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَهُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ) . فِدْيَةُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْجَرَادِ وَهُوَ مُحْرِمٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أَصَبْت جَرَادَاتٍ بِسَوْطِي وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَطْعِمْ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ فَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكَرُّرَ إشَاعَةٍ وَإِذَاعَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا وَتَكْرِيرِ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ عُشْرُ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ فِيهَا جَزَاءٌ مِنْ النَّعَمِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ عُشْرِ الْبَدَنَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ عَنْزٍ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا فِي النَّعَمِ وَإِنَّمَا جَزَاؤُهَا عُشْرُ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ جَزَاءُ النَّعَامَةِ وَبَيَّنَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى دِيَةِ الْجَنِينِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ هِيَ عُشْرُ دِيَةِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ دِيَتَهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ النُّسُورِ أَوْ الْعُقْبَانِ أَوْ الرُّخْمِ أَوْ الْبُزَاةِ فَإِنَّهُ صَيْدٌ يُرِيدُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْحِدَأَةِ وَالْغِرْبَانِ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمُحْرِمِ قَتْلَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا يَتَأَنَّسُ وَيُصَادُ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْإِنْسِيِّ وَلَا يَجْرِي إلَّا مَجْرَى الْوَحْشِيِّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ خُيِّرَ بَيْنَ مِثْلِهِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ. (ش) : قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ فُدِيَ فَفِي صِغَارِهِ مِثْلُ مَا فِي كِبَارِهِ تَقْرِيرٌ لِهَذَا الْحُكْمِ وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ كُلَّ مَا يَفْدِيهِ الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي صِغَارِهِ مِثْلُ مَا يَجِبُ فِي كِبَارِهِ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ كَقَتْلِ الْخَطَأِ يَجِبُ مِنْ الْكَفَّارَةِ بِقَتْلِ الصَّغِيرِ مِثْلُ مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْكَبِيرِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ سَوَاءٌ فَمَثَّلَ ذَلِكَ بِالْفِدْيَةِ وَتَمْثِيلُهُ بِالْكَفَّارَةِ أَوْلَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يُخْرِجُ فِي فَرْخِ النَّعَامَةِ فَصِيلًا وَفِي صَغِيرِ وَلَدِ الضَّبُعِ صَغِيرًا مِنْ وَلَدِ النَّعَمِ وَفِي جَحْشِ حِمَارِ الْوَحْشِ عِجْلًا وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقِيمَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] إلَى قَوْلِهِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يُخْرِجُ عَلَى وَجْهِ الْكَفَّارَةِ فَنَقُولُ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ فَخَرَجَ بِاسْمِ التَّكْفِيرِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلَفِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ كَالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. [فِدْيَةُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْجَرَادِ وَهُوَ مُحْرِمٌ] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ أَطْعِمْ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ يُرِيدُ أَنَّهَا أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهِيَ تُجْزِئُ عَنْ الْجَرَادِ وَكَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ مَنْ أَصَابَ جَرَادَةً فَعَلَيْهِ قَبْضَةُ طَعَامٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ شَاءَ الصِّيَامَ لَحَكَمَ بِصِيَامِ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إجْمَاعٌ وَإِنَّمَا سَارَعَ الْفُقَهَاءُ إلَى إيجَابِ قَبْضَةٍ مِنْ الطَّعَامِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى مَنْ أَصَابَ الْجَرَادَةَ مِنْ صِيَامِ يَوْمٍ فَاسْتَغْنَى فِي ذَلِكَ عَنْ الْإِعْلَانِ بِالتَّخْيِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الذُّبَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَشَرَاتِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَدَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْخَنَافِسِ وَالْجُعْلَانِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْعَصَا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ قَتْلُهُ مُبَاحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ قَتَلَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ مَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهَا وَأَصَابَهَا خَطَأً وَهُوَ بِمَكَّةَ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْهُ عُمَرُ هَلْ أَصَابَ الْجَرَادَةَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا

[فدية من حلق قبل أن ينحر]

فِدْيَةُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ «كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا فَأَذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَقَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إنْسَانٍ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَ عَنْكَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا كَانَ فِي سُؤَالِهِ بَيَانُ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِي الْحُكْمِ عِنْدَ عُمَرَ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ يَطَأُ بِبَعِيرِهِ الْجَرَادَ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا. وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الذُّبَابِ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ فِيهَا الْمُحْرِمُ يَمْشِي عَلَى بَعْضِهِ فَيَقْتُلَهُ يُطْعِمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الضَّرُورَةَ إذَا كَانَتْ عَامَّةً وَلَمْ يُمْكِنْ احْتِرَازٌ مِنْهَا لِغَلَبَتِهَا وَكَثْرَتِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُ الْمَنْعِ بِهَا وَيُبِيحُ الْقَتْلَ وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ مُبَاحًا عَلَى الْعُمُومِ سَقَطَ الْفِدَاءُ بِهِ كَقَتْلِ عَادِيَةِ السِّبَاعِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ خَطَأً. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَتَى وَجَبَ بِذَلِكَ الْإِطْعَامُ فَهَلْ يَجُوزُ دُونَ حُكُومَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 95] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِكَعْبٍ تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ فَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ دُونَ حُكْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ الْجَزَاءُ فَلَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُهُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِكَعْبٍ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْجَرَادَةِ بِدِرْهَمٍ إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ إنْكَارًا عَلَيْهِ لِتَسَامُحِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِيجَابِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فِعْلُ مَنْ كَثُرَتْ دَرَاهِمُهُ وَهَانَتْ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَجْتَهِدَ فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ وَيَتْرُكَ التَّسَامُحَ وَالْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ كَمَا يَتْرُكَ الْحُكْمَ بِأَقَلَّ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ يُرِيدُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا وَأَنْفَعُ لِآكِلِهَا مِنْ الْجَرَادَةِ وَأَكْثَرُ ثَمَنًا لِمَنْ أَرَادَ بَيْعَهَا وَفِي هَذَا أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا لَمْ يَلْزَمْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَأْنَفَ الْحُكْمُ وَلَعَلَّ كَعْبًا قَدْ رَجَعَ إلَى مُوَافَقَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّ التَّمْرَةَ خَيْرٌ مِنْ الْجَرَادَةِ ثُمَّ حَكَمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ إنَّهَا خَيْرٌ مِنْهَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ بِالتَّمْرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِكَعْبِ أَوْ لَعَلَّ عُمَرَ قَدْ اسْتَدْعَى غَيْرَ كَعْبٍ لِلْحُكْمِ مَعَهُ وَاسْتِدْعَاءُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَعْبًا لِلْحُكْمِ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَالَتِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا لَمَا جَازَ أَنْ يُحَكِّمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . [فِدْيَةُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ مُحْرِمًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَالْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ وَلَا تَكُونُ الْإِبَاحَةُ أَمْرًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَهُ إلَى ذَلِكَ وَرَآهُ الْأَفْضَلَ لَهُ فَقَدْ نُهِيَ الْإِنْسَانُ عَنْ أَذَى نَفْسِهِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا يُطِيقُهَا الْإِنْسَانُ غَالِبًا فِي الْعِبَادَاتِ وَلِذَلِكَ كُرِهَ مِنْ الْحَوْلَاءِ بِنْتِ تُوَيْتٍ أَنْ لَا تَنَامَ اللَّيْلَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ» عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ لَهُ فِي أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَّ ذَلِكَ شِئْت فَعَلْت» . (مَسْأَلَةٌ) : وَالنُّسُكُ هَاهُنَا

ص. (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ «كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَعَلَّكَ أَذَاكَ هَوَامُّكَ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلِقْ رَأْسَك وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ أَنْ يَنْسُكَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً وَقَدْ نَصَّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الشَّاةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ وَلَا يُقَلَّدُ النُّسُكُ وَلَا يُشْعَرُ وَلَا يُسَاقُ مِنْ حِلٍّ إلَى حَرَمٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَجْعَلَهُ هَدْيًا فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْهَدْيِ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْإِطْعَامُ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَلَا يَقْصُرُ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا عَلَيْهِ مُدَّانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنْ عَيْشِ الْبَلَدِ شَعِيرٍ أَوْ بُرٍّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُجْزِئُهُ الشَّعِيرُ إنْ كَانَ طَعَامُهُ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ طَعَامُهُ ذُرَةً نَظَرَ إلَى مَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْقَمْحِ فَزِيدَ فِي الذُّرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ بِذَلِكَ إجْزَاءَ الْحِنْطَةِ فِي الشِّبَعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّعِيرَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِ الْقَمْحِ فَمَا كَانَ قُوتُهُ أَخْرَجَ مِنْهُ كَمَا يُخْرِجُ عَنْ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ الْأَغْلَبَ مِنْهَا لَمَّا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُخْرِجُ عَنْ أَحَدِهِمَا بَقَرًا وَلَا غَيْرَهَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِنْسِ ص. (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ «كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَعَلَّكَ أَذَاكَ هَوَامُّكَ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلِقْ رَأْسَك وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَلَّكَ أَذَاكَ هَوَامُّكَ» يُرِيدُ الْقَمْلَ فَهُوَ هَوَامُّ الْإِنْسَانِ الْمُخْتَصُّ بِجَسَدِهِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثْرَتَهَا سَأَلَهُ عَنْ تَأَذِّيهِ بِهَا فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: احْلِقْ رَأْسَك يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ وَهِيَ الْفِدْيَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ الْقَمْلِ عَنْ رَأْسِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ وَمِمَّا يَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ يَأْمُرُهُ بِمَشْطِ رَأْسِهِ وَاسْتِعْمَالِ مَا يَقْتُلُهَا وَيُزِيلُهَا مَعَ بَقَاءِ شَعْرِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الضَّرُورَةُ تُبِيحُ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ بِإِزَالَتِهَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَقْرَبُ تَنَاوُلًا فِيمَا يُرِيدُ وَأَعَمُّ مَنْفَعَةً وَرَاحَةً أَمَرَهُ بِالْحِلَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ إزَالَةِ الْقَمْلِ عَنْ الْجَسَدِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ أَخْذَ الْقَمْلَةِ مِنْ الْجَسَدِ مُبَاحٌ وَلَا شَيْءَ فِيهِ وَفِي أَخْذِهَا مِنْ الرَّأْسِ الْفِدْيَةُ بِشَيْءٍ لَا لِأَجْلِ الْقَمْلَةِ وَلَكِنْ لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِأَخْذِ الْهَوَامِّ مِنْ رَأْسِهِ وَأَزَالَ الْأَذَى وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَزَالَ قَمْلَةً مِنْ حَبْسِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا لِمَنْ قَصَدَ إزَالَةَ الشَّعْرِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْصِدْ إزَالَتَهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى فِعْلٍ آخَرَ فَكَانَ سَبَبُهَا تَسَاقُطَ شَعْرٍ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ فِيمَنْ سَقَطَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ شَيْءٌ لِحَمْلِ مَتَاعِهِ أَوْ جَرِّ يَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ فَتَسَاقَطَ مِنْهَا الشَّعْرَةُ أَوْ الشَّعْرَتَانِ أَوْ اغْتَسَلَ تَبَرُّدًا فَتَسَاقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ كَثِيرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إزَالَتَهُ وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ كُلِّ مَا يَجُرُّ ذَلِكَ وَيُسَبِّبُهُ لَامْتَنَعَ مِنْ أَكْثَرِ التَّصَرُّفِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالرُّكُوبِ وَمَسْحِ الْوَجْهِ فَإِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهَا وَكَانَ الْمُعْتَادُ تَسَاقُطَ الشَّعْرِ بِهَا اسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ شَيْءٌ بِذَلِكَ ص. (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِسُوقِ الْبُرَمِ بِالْكُوفَةِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ لِأَصْحَابِي وَقَدْ امْتَلَأَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي قَمْلًا فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي ثُمَّ قَالَ احْلِقْ هَذَا الشَّعْرَ وَصُمْ ثَلَاثَةً أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرَّ بِهِ فِي طَرِيقِهِ لِأَمْرٍ مَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَهُ عَلَى مَا يَفْعَلُ الْمُتَوَاضِعُ مِنْ زِيَارَةِ أَصْحَابِهِ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَلَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَهُ مَا بَلَغَ بِهِ مِنْ الْهَوَامِّ فَقَصَدَهُ لِذَلِكَ لِيُحَقِّقَ حَالَ ضَرُورَتِهِ وَيَأْمُرَهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَتَنَاوَلَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ النَّفْخَ تَحْتَ الْقِدْرِ لِأَصْحَابِهِ مُسَارَعَةً إلَى خِدْمَتِهِمْ فَإِنَّ الْأَجْرَ فِي خِدْمَةِ الرُّفَقَاءِ جَزِيلٌ وَلَا يَمْتَنِعُ الْمُحْرِمُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَلْحَقَ لَهَبُ النَّارِ شَعْرَهُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ

ص. (قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ نُسُكٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا وَلَا يَحْلِقَهُ وَلَا يُقَصِّرَهُ حَتَّى يَحِلَّ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَلَا يَقْتُلَ قَمْلَةً وَلَا يَطْرَحَهَا مِنْ رَأْسِهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا مِنْ جِلْدِهِ وَلَا مِنْ ثَوْبِهِ فَإِنْ طَرَحَهَا الْمُحْرِمُ مِنْ جِلْدِهِ أَوْ مِنْ ثَوْبِهِ فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ نَفَخَ تَحْتَ قِدْرٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّنُّورِ فَأَحْرَقَ شَعْرَهُ لَهَبُ النَّارِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي وَقَالَ: احْلِقْ هَذَا الشَّعْرَ يُرِيدُ مَا عَلَى جَبْهَتِهِ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَأَخْذُهُ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ رَفْعَ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: احْلِقْ شَعْرَ رَأْسِكَ لَجَوَّزَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ غَيْرُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: احْلِقْ شَعْرَ رَأْسِكَ لَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الرَّأْسِ مَقْصُورًا عَلَى جَارِحَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الرَّأْسِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ كَالْوَجْهِ وَغَيْرِهِ فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ بِأَنْ أَشَارَ لَهُ إلَى مَا يُبَاحُ لَهُ حَلْقُهُ وَهُوَ شَعْرُ رَأْسِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّسُكَ قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالنُّسُكِ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى النُّسُكِ بِالشَّاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ وَمُجَاهِدًا رَوَيَا حُكْمَ مَنْ حَلَقَ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ تَعْيِينِ أَحَدٍ وَحَكَى عَطَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا أَمَرَ بِهِ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كَعْبٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ لِي حُكْمَ النُّسُكِ لِيُبَيِّنَ بِذَلِكَ حُكْمَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ ص. (قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ نُسُكٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا هِيَ عَنْ إمَاطَةِ الْأَذَى فَلَمَّا لَمْ يُمِطْهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَلَا وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ كَمَا لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْهَدْيِ قَبْلَ تَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ وَلَا بِالْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَلَا قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَلَا الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ قَبْلَ إفْسَادِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَقَاسَ فِدْيَةَ الْأَذَى عَلَيْهَا فِي الْمَنْعِ وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ أَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى كَفَّارَةٌ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ وَأَنَّ الْفِدْيَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا حَتَّى تَجِبَ فَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ إخْرَاجِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ إجَازَةِ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْفِدْيَةِ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهَا وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ قَدْ وُجِدَ سَبَبُهَا وَهُوَ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَةُ لِحِلِّ الْيَمِينِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَوَازَنَ فِدْيَةَ الْأَذَى مِنْ الْيَمِينِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَجْعَلُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ النُّسُكُ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ إخْرَاجَ أَيِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ فَأَمَّا النُّسُكُ فَإِنَّ الْغَرَضَ فِيهِ إرَاقَةُ دَمِهِ وَإِيصَالُ لَحْمِهِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَقْتٍ وَلَا مَكَان وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَذْبَحَ لَيْلًا وَنَهَارًا كَشَاةِ الزَّكَاةِ لَا يَتَعَلَّقُ إخْرَاجُهَا بِوَقْتٍ وَلَا مَكَان وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةَ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَقْتٍ وَالْهَدْيُ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ وَمَكَانٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا وَلَا يُقَصِّرَ لِأَنَّهُ إزَالَةٌ لِأَذَى الشَّعْرِ وَإِمَاطَةٌ لَهُ وَذَلِكَ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْحَرَامُ كَالْحِلَاقِ. وَقَدْ قَالَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ نَتَفَ شَعْرًا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ إبِطِهِ أَوْ طَلَى جَسَدَهُ بِنَوْرَةٍ أَوْ يَحْلِقُ عَنْ شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ أَوْ يَحْلِقُ قَفَاهُ لِمَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْفِدْيَةُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذِهِ حَالُهُ فِي جَمِيعِ الْإِحْرَامِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ حَجِّهِ فَإِذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ حَجِّهِ حَلَّ لَهُ الْحِلَاقُ وَنَتْفُ الشَّعْرِ وَقَصُّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ يُرِيدُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إلْقَاءِ التَّفَثِ وَإِزَالَةِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَتِهِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَصِّهِ مِنْ الرَّأْسِ وَالشَّارِبِ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ قَمْلَةً وَلَا يَطْرَحُهَا مِنْ رَأْسِهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا مِنْ جِلْدِهِ وَلَا مِنْ ثَوْبِهِ فَإِنْ طَرَحَهَا فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَمْنُوعٌ مِنْ طَرْحِ الْقَمْلِ عَنْ جَسَدِهِ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَسَدِ فَلَا يَطْرَحُهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ رَأْسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا عَنْ ثَوْبٍ يَكُونُ عَلَى جَسَدِهِ مِمَّا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ قَتْلِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إجَازَةِ طَرْحِهَا عَنْ جَسَدِهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دَوَابِّ جَسَدِهِ كَالنَّمْلِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ طَرْحَهُ عَنْ جَسَدِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ لِقِلَّةِ مَا طَرَحَ مِنْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ إمَاطَةِ الْأَذَى وَلَوْ جَهِلَ فَنَقَّى رَأْسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ لَكَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ قَمْلَةً أَوْ قَمَلَاتٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ حَفْنَةً أَوْ حَفَنَاتٍ مِنْ طَعَامٍ وَمَا أَطْعَمَ أَجْزَأَهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ الْقَمْلَ الْكَثِيرَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِإِزَالَتِهِ وَيُنَقِّي جِسْمَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمَّا رَأَى عَلَيْهِ الْهَوَامَّ فَقَالَ: أَتُؤْذِيك هَوَامُّك فَأَبَاحَ لَهُ الْحِلَاقَ وَأَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ أَذَى الْهَوَامِّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَزُلْ مِنْهُ إلَّا الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ لِعِلَّةٍ وَلَا يَنْتَفِعُ بِإِزَالَتِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا إطْعَامُ شَيْءٍ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ أَذَاهُ. (ش) : قَوْلُهُ وَمَنْ نَتَفَ شَعْرًا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ إبِطِهِ يُرِيدُ أَنَّ يَسِيرَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ إذَا قَصَدَ إلَيْهِ سَوَاءٌ تَجِبُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى وَمِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَتِهِ وَإِزَالَةِ مِثْلِهِ وَأَمَّا مَا لَا يُقْصَدُ إلَى نَتْفِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُرِيدَ نَزْعَ مُخَاطٍ يَابِسٍ مِنْ أَنْفِهِ فَتَنْقَلِعُ مَعَهُ شَعَرَاتٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَوْ طَلَى جَسَدَهُ بِالنُّورَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إزَالَتِهِ الشَّعْرَ عَنْ جَسَدِهِ بِنَتْفٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ طِلَاءِ نَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَاصِدًا إلَى إزَالَتِهِ وَمَنْ طَلَى جَسَدَهُ بِنَوْرَةٍ فَقَدْ قَصَدَ إزَالَةَ الشَّعْرِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ مَوَاضِعَ مَحَاجِمِهِ يُرِيدُ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ إنْ حَلَقَ لَهَا شَعْرًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ إمَاطَةَ الْأَذَى لَا تَخْتَلِفُ بِالضَّرُورَةِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُهَا مَا لَمْ يَحْلِقْ شَعْرًا. وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ يَحْلِقْ شَعْرًا لَهَا، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَحَاجِمَ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ شَعْرٍ فَإِنَّهُ بِالْحَجْمِ يَنْقَطِعُ كَثِيرٌ مِنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قَطْعِهِ وَقَدْ أَمِنَ مِنْ قَتْلِ الْهَوَامِّ فَلَوْ كَانَتْ الْمَحَاجِمُ فِي الرَّأْسِ وَلَمْ يَحْلِقْ لَهَا شَعْرًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحِجَامَةِ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ لِمَا يُخَافُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْ الدَّوَابِّ. 1 -

[ما يفعل من نسي من نسكه شيئا]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ جَهِلَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ افْتَدَى) . مَا يَفْعَلُ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي أَقَالَ: تَرَكَ أَوْ نَسِيَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْيًا فَلَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكًا فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ فِيمَا يَعُودُ إلَى إمَاطَةِ الْأَذَى وَإِلَى مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كُلِّهَا سَوَاءٌ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِقَ ذَلِكَ لِلِاحْتِجَامِ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ إمَاطَةَ الْأَذَى لَا تُفْعَلُ وَإِنْ فَدَى إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالثَّانِي أَنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ فِي الْجُمْلَةِ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ سَائِرِ شَعْرِ الْجَسَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ جَهِلَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ وَأَوَّلُ التَّحَلُّلِ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَإِذَا رَمَاهَا فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ تَحَلُّلٌ مِنْ إحْرَامِهِ وَإِذَا لَمْ يَرْمِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَحَلُّلٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ نَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَلَقَ» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. [مَا يَفْعَلُ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا يُرِيدُ مِمَّا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي نُسُكِهِ وَذَلِكَ أَنَّ النُّسُكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فِي الْعُمْرَةِ، وَفِي الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَزَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَهَذَا مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ نُسُكُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ دَمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَضَرْبٌ ثَانٍ وَهُوَ مُوجِبَاتُ الْحَجِّ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ مَرَّ بِهِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَطَوَافِ الْوُرُودِ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلْحَاجِّ وَرَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِي مِنًى فَهَذِهِ الَّتِي أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ تَأَوَّلَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ لَيْسَتْ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ كَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِهَا وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْمَبِيتِ بِهَا ثُمَّ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْمُقَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يُصْبِحَ وَتَقْدِيمِ الرَّمْيِ عَلَى الذَّبْحِ وَتَقْدِيمِ الذَّبْحِ عَلَى الْحِلَاقِ وَرَمْيِ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ أَعْلَاهُمَا وَالْوُقُوفِ عِنْدَهُمَا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَهَذِهِ كُلُّهَا مَشْرُوعٌ الْإِتْيَانُ بِهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا فَمَنْ تَرَكَهَا أَوْ نَسِيَهَا فَقَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دَمٌ وَلَا غَيْرُهُ. (ش) : قَوْلُهُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْيًا يُرِيدُ أَنَّ مَا يَلْزَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْهَدْيِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا فَلَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ لِأَنَّ الْهَدَايَا لَا تَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا إلَّا بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكًا فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ هَاهُنَا النُّسُكُ فِدْيَةُ الْأَذَى

[جامع الفدية]

جَامِعُ الْفِدْيَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ يُقَصِّرَ شَعْرَهُ أَوْ يَمَسَّ طِيبًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُرَخِّصُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْفِدْيَةِ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ النُّسُكِ أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ وَمَا النُّسُكُ وَكَمْ الطَّعَامُ وَبِأَيِّ مُدٍّ هُوَ وَكَمْ الصِّيَامُ وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا أَوْ كَذَا فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَ قَالَ: وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ وَمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ الَّذِي لِصَاحِبِهِ أَنْ يَذْبَحَهُ حَيْثُ شَاءَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْهَدْيِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَاسْمُ النُّسُكِ يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى وَعَلَى الْهَدْيِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَقَعُ عَلَى جُمْلَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إرَاقَةُ الدَّمِ عَلَى وَجْهِ الْفِدْيَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ النُّسُكِ اسْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ وَإِنْ كَانَ اسْمُ النُّسُكِ يَعُمُّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَمَا يُهْدِي اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ الْهَدْيُ وَلِمَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْفِدْيَةِ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ وَلِسَائِرِ الْأَفْعَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهَا مِنْ رَمْيِ جِمَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنُّسُكِ هَاهُنَا دَمَ الْفِدْيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَيْثُ شَاءَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَرَادَ بِهِ تَرْكَ شَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَوْ تَرْكَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْفِدْيَةُ وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فَأَخَلَّ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ إحْرَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [جَامِعُ الْفِدْيَةِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَفْتَدِي وَاسْتَسْهَلَ الْفِدْيَةَ لِقِلَّتِهَا أَوْ لِكَثْرَةِ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ آثِمٌ حَرِجٌ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِ الضَّرُورَةِ وَالْأَذَى الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِبَاحَةِ ذَلِكَ الضَّرُورَةَ وَالْأَذَى وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا أُرَخِّصُ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. وَقَدْ رَأَى كَثْرَةَ مَا بِهِ مِنْ الْقَمْلِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَأَذَّى بِهِ فَسَأَلَهُ أَيُؤْذِيك هَوَامُّك؟ فَلَمَّا قَالَ: نَعَمْ قَالَ لَهُ: احْلِقْ رَأْسَك وَأَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ» فَعَلَّقَ إبَاحَةَ ذَلِكَ بِالتَّأَذِّي بِالْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْأَذَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَلْقُ وَاللِّبَاسُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ الْمَعَانِي الْمَحْظُورَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَخْرُجُ بِالْحَظْرِ وَالْإِثْمِ عَنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ بِيَمِينِ الْغَمُوسِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَكَذَلِكَ قَاتِلُ الْعَمْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْفِدْيَةَ لِيَظْهَرَ تَغْلِيظُ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ بِشَرْطِ الضَّرُورَةِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْفِدْيَةَ فَكَيْفَ بِمَنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. (ش) : قَوْلُهُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ فِدْيَةِ الْأَذَى أَصَاحِبُهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالدَّمِ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكَفَّارَاتِ كَذَا أَوْ كَذَا فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إذَا رَمَى الْمُحْرِمُ شَيْئًا فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ وَلَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ وَكَذَلِكَ الْحَلَالُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ جَوَابٌ لِلسَّائِلِ عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ لِأَنَّ السَّائِلَ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ فِدْيَةِ الْأَذَى فَقَطْ فَأَجَابَ عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَذَلِكَ سَائِغٌ لِلْمَسْئُولِ أَنْ يَخُصَّ مَسْأَلَةَ السَّائِلِ بِالْجَوَابِ أَوْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ فَهْمِ الْمَسَائِلِ وَحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَمِمَّنْ يَحْرِصُ عَلَى الْعِلْمِ أُجِيبَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَوْنٌ لَهُ عَلَى مَا يَطْلُبُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَإِرْشَادٌ لَهُ إلَى مَا لَا يَهْتَدِي إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ وَجَمْعٌ لَهُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ وَلَعَلَّ فِيهِ تَقْرِيبًا لِمَا تَعَلَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ فَقَدْ زَادَهُ عِلْمًا مَعَ جَوَابِهِ وَعَمَّا سَأَلَ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْكَفَّارَاتِ بِأَوَانِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ احْتِرَازًا مِمَّا وَرَدَ لِغَيْرِ التَّخْيِيرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَإِنَّ أَوْ هَاهُنَا لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُسَاوَاةِ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ أَيْضًا وَإِنَّمَا هِيَ لِلْإِبْهَامِ وَأَمَّا فِي الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَكَذَلِكَ وَرَدَتْ فِي كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ يُرِيدُ أَنَّهَا الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَجْزَأَهُ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مُدَّانِ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِأَنَّهُ الْمُدُّ الشَّرْعِيُّ وَمَتَى أُطْلِقَ الْمُدُّ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَى ذَلِكَ مُدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مُدُّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمُدُّ وَقْتِ إثْبَاتِ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ الْمُدُّ الْأَوَّلُ يُرِيدُ أَنَّهُ مُدُّ الْمَدِينَةِ قَبْلَ مُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَجْرِي فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : قَوْلُهُ فَمَنْ أَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ حُكْمٌ صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ صَيْدًا خَطَأً وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا تَسَبَّبَ مِنْ فِعْلِ الْمُحْرِمِ مِمَّا لَا تَدْعُوا الْمُحْرِمَ الضَّرُورَةُ الْعَامَّةُ إلَيْهِ فَهَلَكَ فِيهِ صَيْدٌ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِثْلُ أَنْ يَنْصِبَ شِرْكًا لِلصَّيْدِ أَوْ يَحْفِرَ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهِ سَبُعٌ فَوَقَعَ فِي ذَلِكَ صَيْدٌ فَعَطِبَ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ نَصَبَهُ لِلصَّيْدِ فَكَانَ ضَامِنًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَفَرَ فِي مَنْزِلِهِ بِئْرًا لِلسَّارِقِ فَوَقَعَ فِيهِ غَيْرُ السَّارِقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَهُ وَلَوْ حَفَرَ لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَفَرَ مُحْرِمًا بِئْرًا فَعَطِبَ فِيهِ الصَّيْدُ: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ الْحَلَالُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ وَإِنَّ عَمْدَهُ وَخَطَأَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَلَى ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يَتَسَبَّبُ مِنْ فِعْلِ الْمُحْرِمِ إذَا تَسَبَّبَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ. وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحَرَمِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا مِنْ جِهَةِ التَّغْرِيرِ فَإِذَا سَلِمَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ فَهُوَ مُبَاحٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ إنَّ هَذَا مَوْضِعٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَرَمِ لِأَنَّ مَا فِيهِ يَسْكُنُ بِسُكُونِ مَا فِي الْحَرَمِ وَيَنْفِرُ بِحَرَكَتِهِ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُصِيبُونَ الصَّيْدَ جَمِيعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَالَ: أَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ جَزَاءَهُ إنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَدْيِ فَعَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ الصِّيَامُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَوْمُ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ خَطَأً فَتَكُونُ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِتْقَ رَقَبَةٍ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا أَوْ صَادَهُ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ وَحِلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ) وَمَنْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَأَصَابَهُ فِي الْحِلِّ فَتَحَامَلَ الصَّيْدُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَمَاتَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ السَّهْمُ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ أُكِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَوَجْهُ سُقُوطِ الْفِدْيَةِ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ سَلِمَ مِنْ إصَابَةِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَتْ ذَكَاتُهُ قَدْ كَمُلَتْ فِي الْحِلِّ بِإِنْفَاذِهِ مَقَاتِلَهُ أُكِلَ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ فِي الْحِلِّ لَمْ يُؤْكَلْ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحَرَمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَرَمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ أَوْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ سَهْمَهُ فَأَنْفَذَ إلَى الْحَرَمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: لَا يَأْكُلُهُ وَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يَأْكُلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ هَذَا صَيْدٌ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فَلَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ فَوَجَبَ بِهِ الْجَزَاءُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ فِي الْحِلِّ فَكَانَ اصْطِيَادُهُ مُبَاحًا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّائِدُ فِي الْحِلِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَاتَّبَعَهُ فَأَدْرَكَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ أَرْسَلَهُ بِقُرْبِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ بِبُعْدٍ مِنْ الْحَرَمِ بِحَيْثُ لَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى غَرَّرَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُغَرِّرْ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أُصِيبَ الصَّيْدُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحَرَمِ فَلَا يُؤْكَلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَأَدْخَلَهُ الْكَلْبُ الْحَرَمَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ فَالصَّيْدُ لَا يُؤْكَلُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَيُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قُرْبِ الْحَرَمِ وَبُعْدِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ: مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَا يُؤْكَلُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَهُ أَنْ يُرْسِلَ كَلْبَهُ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ إذَا كَانَ الصَّيْدُ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَسْكُنُ لِسُكُونِهِ لِأَنَّ الْحَرَمَ لَا يُحَرِّمُ الصَّائِدَ وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ الصَّيْدَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَرَمَ يَمْنَعُ الصَّائِدَ كَمَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَصَابُوا الصَّيْدَ جَمِيعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ أَوْ فِي الْحَرَمِ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ يَجِبُ الْجَزَاءُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ جَزَاءً كَامِلًا كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ كَالْكَفَّارَةِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَتَبَعَّضُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا لِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَدْيِ فَعَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ وَاخْتَارُوا الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ بِالْمِثْلِ فَعَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَنْ يُهْدِيَ ذَلِكَ فِي الْمِثْلِ وَلَوْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْهَدْيَ وَبَعْضُهُمْ الْإِطْعَامَ وَبَعْضُهُمْ الصِّيَامَ يُحْكَمُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِمَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ صِيَامٌ يُرِيدُ إنْ اخْتَارُوا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصِّيَامَ أَيْضًا لَا يَتَبَعَّضُ فِي حَقِّهِمْ وَيُحْكَمُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ الصِّيَامِ بِمَا كَانَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ. وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْقَوْمِ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ خَطَأً أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ.

رَأْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفِضْ إنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَمَنْ لَمْ يُفِضْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مَسُّ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا حَكَمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَجْهَلُ أَوْ يَنْسَى صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَوْ يَمْرَضُ فِيهَا فَلَا يَصُومُهَا حَتَّى يَقْدُمَ بَلَدَهُ قَالَ: لِيُهْدِ إنْ وَجَدَ هَدْيًا وَإِلَّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَهْلِهِ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ لَمْ يُفِضْ فَلَمْ يَكْمُلْ تَحَلُّلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاصْطِيَادُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِاصْطِيَادُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَهَذَا لَمْ يَكْمُلْ تَحَلُّلُهُ بَعْدُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاصْطِيَادُ لِحُرْمَةِ إحْرَامِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ دَوَاعِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَاللِّبَاسِ الَّذِي لَا يَجِبُ بِهِ هَدْيٌ وَإِنَّمَا خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الطِّيبَ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بَعْدُ فِي حَقِّهِ. (ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ ذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ فَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَتَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ تَبْيِينُ الشَّجَرِ الْمَمْنُوعِ قَطْعُهُ وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ الْجَزَاءُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى لَوْ أَتْلَفَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ أَصْلُهُ ذَبْحُ الدَّوَابِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَنْعِ مَنْ قَطَعَ شَجَرَ الْحَرَمِ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَبْيِينُ مَا يُسْتَبَاحُ قَطْعُهُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ مِمَّا لَا يُمْلَكُ غَالِبًا وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَنْبُتَ مِنْ غَيْرِ عَمَلِ آدَمِيٍّ كَالطَّلْحِ وَالسَّمُرِ وَالسَّعْدَانِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْحَشِيشِ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا الْإِذْخِرَ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالسَّنَا عِنْدِي مِثْلُهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ عَامَّةٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُؤْخَذُ وَيُنْقَلُ إلَى الْبِلَادِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَصَحَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَهَذَا فِيمَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ وَأَمَّا مَا غُرِسَ مِنْهُ وَاُتُّخِذَ بِالْعَمَلِ وَمَلَكَهُ الْعَامِلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: فَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَأْنَسُ مِنْ الْوَحْشِ فَإِنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُمْلَكُ وَيُغْرَسُ وَيُعْمَلُ كَالنَّخْلِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَالْخَوْخِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ قَطْعُهُ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ يُتَّخَذُ مِنْ الْبُقُولِ وَسَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِصُنْعِ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْحَيَوَانِ مَا كَانَ أَصْلُهُ التَّأْنِيسَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ اصْطِيَادِهِ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ تَوَحَّشَ. (ش) : نَصَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حُكْمِ مَنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَوْ جَهِلَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ جَهِلَ الْحُكْمَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى جَهِلَ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ مَعْنَى جَهِلَ هُنَا تَعَمَّدَ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى جَهِلَ تَعَمَّدَ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ حُكْمَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي وَإِنْ قُلْنَا: مَعْنَى جَهِلَ لَمْ يَعْلَمْ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْعَامِدِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ إعْظَامًا لِفِعْلِهِ وَتَغْلِيظًا لِحُكْمِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُجْعَلَ لَفْظَةُ جَهِلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهَا لَهُمَا

[جامع الحج]

جَامِعُ الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاسِ بِمِنًى وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمْرَضُ فِيهِمَا نَصَّ عَلَى الْمَرَضِ لِيَسْتَوْعِبَ أَقْسَامَ التَّارِكِينَ بِذِكْرِ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْعَمْدُ لِلْعُذْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّهُ إذَا قَدِمَ بَلَدَهُ بِهَدْيٍ إنْ وَجَدَ هَدْيًا وَإِنْ عَدِمَهُ صَامَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْأَدَاءِ فَإِذَا كَانَ حَالُ الْأَدَاءِ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ حِينَ الْوُجُوبِ مُعْسِرًا وَإِنْ كَانَ حِينَ الْأَدَاءِ عَادِمًا لِلْهَدْيِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْهَدْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ الْأَمْرُ بِهِ إلَيْهِ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً بَعْدَ الرُّجُوعِ فَمَنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى يَقْدُمَ بَلَدَهُ عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْفَصْلُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَالتَّقْدِيمُ لَهَا عَلَيْهَا فِي الرُّتْبَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ إنَّ اللَّيْلَ فَاصِلٌ فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الرُّتْبَةُ فِي النِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ سَقَطَ وُجُوبُهُ وَقَوْلُهُ هَاهُنَا وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَبَقِيَ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ فَإِنَّ كُلَّ مَا يُرَاعَى فِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صِيَامُهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَدَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ الْفَصْلُ أَوْ التَّرْتِيبُ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا يَجِبُ صِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ فِي التَّشْرِيقِ وَالْعَاشِرُ عَنْ الْمَشْيِ وَصِيَامُ فِدْيَةِ الْأَذَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. [جَامِعُ الْحَجِّ] (ش) : قَوْلُهُ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاسِ بِمِنًى يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ وَيُجِيبَهُمْ عَنْ مَسَائِلِهِمْ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ وَقْتُ سُؤَالٍ يَسْأَلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ السَّائِلُ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ حَجِّهِ وَعَمَّا أَدْرَكَ وَعَمَّا قَدَّمَ وَأَخَّرَ وَيَسْأَلُهُ قَوْمٌ عَنْ الْمُسْتَقْبِلِ بِمِنًى وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَسِيتُ فَقَدَّمْتُ الْحِلَاقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَهُ «أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي كُنْت أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْحَرْ وَلَا حَرَجَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا إثْمَ عَلَيْك لِأَنَّ الْحَرَجَ الْإِثْمُ وَمُعْظَمُ سُؤَالِ السَّائِلِ إنَّمَا كَانَ عَنْ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَثِمَ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُخَالَفَةَ وَإِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَلَا قَصْدٍ مَعَ خِفَّةِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَرْتِيبٌ مُسْتَحَبٌّ لَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِمُخَالِفَتِهِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا نَقْصًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَهْلًا وَقَدْ بَيَّنَ التَّرْتِيبَ فِي الْحَجِّ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَفَلَ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُرِيدُ يَرْجِعُ إلَى الْمَدِينَةِ مَوْضِعَ اسْتِيطَانِهِ وَمَقَامِهِ وَالْقُفُولُ هُوَ الْإِيَابُ وَلَا يُسَمَّى الْمُتَوَجِّهُ مِنْ بَلَدِهِ قَافِلًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الرَّاجِعُ إلَيْهِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ السِّفَارَةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَانَ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَمُوَاظَبَةً عَلَى ذِكْرِهِ وَإِظْهَارًا لِكَلِمَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ الشَّرَفَ لِأَنَّ مِنْهُ يَرَى مِنْ الْأَرْضِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرُهُ فَكَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا يَرَى مِنْ الْأَرْضِ مِمَّا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ فِيهِ الْإِعْلَانُ مِنْ الذِّكْرِ فَالْأَحَقُّ بِهِ مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ كَالْآذَانِ وَالتَّلْبِيَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارًا لِلذِّكْرِ وَفِي تَخْصِيصِ الْمُطْمَئِنِّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ ضَرْبٌ مِنْ التَّسَتُّرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» إظْهَارٌ لِلتَّوْحِيدِ وَإِعْلَامٌ بِهِ وَاسْتِدَامَةٌ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَقَوْلُهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْمُلْكِ وَالْحَمْدِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجِنْسِ فَجُعِلَ جِنْسُ الْمُلْكِ وَهُوَ جَمِيعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لِأَحَدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا لَهُ وَجَعَلَ جَمِيعَ الْحَمْدِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ عَلَى الْحَقِيقَةِ سِوَاهُ وَإِنَّمَا يُحْمَدُ غَيْرُهُ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُحْمَدَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» إعْلَامٌ أَنَّهُ هُوَ الْقَدِيرُ عَلَى مَا كَانَ يَعِدُهُمْ بِهِ مِنْ نَصْرِ عَبْدِهِ وَإِظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَإِذْكَارٍ لَهُمْ بِمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَإِنَّهُ لَا يُغْلَبُ مَنْ نَصَرَهُ وَلَا يُنْصَرُ مَنْ حَارَبَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «آيِبُونَ تَائِبُونَ يُرِيدُ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ آيِبُونَ مِنْ سَفَرِهِمْ تَائِبُونَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ عَابِدُونَ لَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ سَاجِدُونَ لَهُ حَامِدُونَ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْحِفْظِ فِي السَّفَرِ وَالْعَوْنِ عَلَيْهِ وَالتَّوْفِيقِ لِلصَّوَابِ فِي جَمِيعِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ» يُرِيدُ اللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ الصَّادِقُ فِي وَعْدِهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَصْرِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَعِصْمَتِهِ مِنْ النَّاسِ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَعَالَى الْمُنْفَرِدُ بِإِعْزَازِ دِينِهِ وَإِهْلَاكِ عَدُوِّهِ وَغَلَبَةِ الْأَحْزَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْ بِضَبْعَيْ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْرُوعُ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ رَفْعَ الْحَرَجِ فِي تَقْدِيمِ شَيْءٍ وَلَا تَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي عَنْ أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِهِمَا سُئِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَجَوَابُهُ إنَّمَا كَانَ عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُ كَمَا لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ انْحَرْ وَلَا حَرَجَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَمْ يَجِبْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا ذَكَرَ إنَّ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقَدْ كَانَتْ فِيمَنْ آمَنَ بِهِ وَلَمْ تَرَهُ وَلَمْ تَعْرِفْ عَيْنَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِذَلِكَ أُخْبِرَتْ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فِي الصَّبِيِّ أَلِهَذَا حَجٌّ سُؤَالٌ عَنْ حُكْمِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ مِمَّنْ تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الْعِبَادَةُ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ بِهِ الْحَجَّ الْمَشْرُوعَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي عَوْنِهِ عَلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالصِّبْيَانُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَفْهَمُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَضَرْبٌ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَفْهَمُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يَنْتَهِي عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَحُجُّ بِالرَّضِيعِ وَأَمَّا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَخَمْسٍ فَنَعَمْ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ وَأَلْزَمَ الْإِحْرَامُ لَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا لَا يَفْهَمُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ صِغَرِهِ لَمْ يُلَبَّ عَنْهُ وَلَكِنْ يُجَرَّدُ فَإِذَا جُرِّدَ وَنُودِيَ بِتَجْرِيدِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الرَّضِيعَ لَا يَفْهَمُ وَلَا يَمْتَثِلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُزْدَجَرُ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ فَكَانَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالْإِحْرَامِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ بَاشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ لِضَعْفِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُهُ طَافَ بِهِ مَنْ حَجَّ بِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا جَوَّزْنَا إحْرَامَهُ وَأَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ كَانَ مِنْ مُقْتَضَاهُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَكَانَ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَطُوفَ بِهِ غَيْرُهُ وَفِي ذَلِكَ مَسَائِلُ وَذَلِكَ أَنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ أَفْعَالٌ وَسَعْيٌ فَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَتَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا يَنْقَسِمُ السَّعْيُ إلَى قِسْمَيْنِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَفْعَالِ فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ وَيَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةٍ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَلَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْ كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا يَفْعَلُهُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّنَا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ إنَّمَا هُوَ حَجُّ الْمُبَاشَرَةِ لَهُ فَإِنَّمَا لِلْمُسْتَأْجَرِ عَنْهُ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إنَّمَا يَرْكَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ نِيَابَةً عَنْ أَحَدٍ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْحَجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُنَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْحَجِّ لَمَّا دَخَلَ فِيهِ لَزِمَهُ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بِهَا وَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الصَّيْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي مَنْسَكٍ وَاحِدٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ يَفْعَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْمُفْرَدَةِ يَفْعَلُهَا عَنْ غَيْرِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مَنْ هُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مَنْ هُوَ مُحْرِمٌ عَنْ نَفْسِهِ بِالْحَجِّ فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْأَفْعَالِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةٍ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ كَرَمْيِ الْجِمَارِ فَهَذَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ لِلضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهُ النَّائِبُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمُسْتَنِيبِ فِعْلًا وَاحِدًا وَلَكِنْ يَفْعَلُهُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَفْعَلُهُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ثَانِيَةً وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَنُوبُ فِيهِ فِعْلٌ وَاحِدٌ عَنْ عِبَادَةِ رَجُلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِعْلُ النَّائِبِ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنُوبُ فِعْلٌ وَاحِدٌ عَنْ نُسُكِ رَجُلَيْنِ أَنَّ النَّائِبَ قَدْ لَزِمَهُ هَذَا الْفِعْلُ عَنْ نَفْسِهِ كَامِلًا عَلَى وَجْهِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنُوبَ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ حِينَئِذٍ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى مَا قَدْ لَزِمَهُ وَوَجْهٌ ثَانٍ إنَّ فِعْلَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَرْضٌ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بِإِحْرَامِهِ وَفِعْلَهُ عَنْ غَيْرِهِ تَطَوُّعٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقْضِي بِهِ الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّعْيُ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ كَالطَّوَافِ فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْهُ لِصِغَرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيهِ جُمْلَةً لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْبَيْتِ وَيَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ رَاكِبًا لِلْعُذْرِ فَالْحَمْلُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي طَوَافٍ وَاحِدٍ لِتَعَلُّقِهِ بِالْبَيْتِ وَافْتِقَارِهِ إلَى الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ فَرْضُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَرْضًا وَيَتَطَوَّعُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ السَّعْيِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إلَّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَا إنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادٍ بْن أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُقْتُلُوهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ كَالْحَمْلِ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الصَّغَارَ وَالْخِزْيَ وَالذُّلَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَضَاؤُلَهُ وَصِغَرَ جِسْمِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُصِيبُهُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَإِغْضَابِ نُزُولِهَا لَهُ وَقَوْلُهُ وَلَا أَحْقَرُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَصْغَرُ وَقَوْلُهُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْ الْغَيْظِ الَّذِي يُصِيبُهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُنَزَّلُ الرَّحْمَةِ الَّتِي يَرَاهَا أَنَّهُ يَرَى الْمَلَائِكَةَ يَنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ عَرَفَةَ قَدْ عَرَفَ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ لَا يَنْزِلُونَ إلَّا عِنْدَ الرَّحْمَةِ لِمَنْ يَنْزِلُونَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْمَلَائِكَةَ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ أَمَّا عَلَى وَجْهِ الذِّكْرِ بَيْنَهُمْ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِغَاظَةِ لِلشَّيْطَانِ لَعَنَهُ اللَّهُ وَيَخْلُقُ اللَّهُ لِلشَّيْطَانِ إدْرَاكًا يُدْرِكُ بِهِ نُزُولَهُمْ وَيُدْرِكُ بِهِ ذِكْرَهُمْ لِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ يَسْمَعُ مِنْهُمْ إخْبَارَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزَ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ عَنْ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ وَعَمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ مِنْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخْبَرَ بِهِ عَنْهُ بِخَبَرٍ يَفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى نَفْسِ الْمَعْصِيَةِ سَتْرًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى الشَّيْطَانُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ» يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَمْنَعُهَا مِمَّا أَمَرَ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَلَائِكَةٌ نَزَلَتْ بِالرَّحْمَةِ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ مَعَ النَّصْرِ الَّذِي نَصَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَكَانَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكَهُ الصَّغَارُ وَالْغَيْظُ يَوْمَ بَدْرٍ لِمَا رَأَى مِنْ الرَّحْمَةِ مَعَ النَّصْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَصَابَهُ لِمَا رَأَى مِنْ النَّصْرِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعْنَى الرَّحْمَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ فَأَدْرَكَهُ الصَّغَارُ وَالْغَيْظُ لِمَا رَأَى مِنْ ظُهُورِ الْإِيمَانِ وَغَلَبَةِ الْحَقِّ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا لِلدَّاعِي وَأَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ فَإِنَّ الْفَضْلَ لِلدَّاعِي إنَّمَا هُوَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَكَثْرَةِ الْإِجَابَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مَا دَعَا إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ ذَلِكَ فِي تَفْضِيلِ الْأَذْكَارِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا الدُّعَاءَ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَا دَعَا بِهِ هُوَ وَالنَّبِيُّونَ قَبْلَهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَدْعُونَ بِأَفْضَلِ الدُّعَاءِ وَيَهْدُونَ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ أَفْضَلُ دُعَائِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِقَدِيدٍ جَاءَهُ خَبَرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «عَدَلَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا فَقَالَ: هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: لَا مَا أَنْزَلَنِي إلَّا ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذَا كُنْتَ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى وَنَفَخَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ السِّرَرُ بِهِ سَرْحَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَلِذَلِكَ غَطَّى رَأْسَهُ بِالْمِغْفَرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ» فَعَلَى أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ إحْرَامٍ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَطَّى رَأْسَهُ لِأَذًى اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ وَافْتَدَى لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا وَدُخُولُ مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَنْ يُرِيدَ دُخُولَهَا لِلنُّسُكِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَدْخُلَهَا غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا لِحَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابِ الْفَوَاكِهِ فَهَؤُلَاءِ يَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُهَا غَيْرَ مُحْرِمِينَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ كَانَتْ تَلْحَقُهُمْ بِالْإِحْرَامِ مَتَى احْتَاجُوا إلَى دُخُولِهَا لِتَكَرُّرِ ذَلِكَ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ يَدْخُلَهَا لِحَاجَتِهِ وَهِيَ مِمَّا لَا تَتَكَرَّرُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ وَإِنْ دَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ فَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» ابْنُ خَطَلٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَهُ حِينَئِذٍ لَمَّا أَزَالَ الْمِغْفَرَ عَنْ رَأْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَافَقَ نَزْعُهُ الْمِغْفَرَ مَجِيءَ الرَّجُلِ وَإِخْبَارَهُ وَكَانَ تَعَلُّقُ ابْنِ خَطَلٍ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ اسْتِجَارَةً بِهَا فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَ كُلَّ مَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ وَدَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَنْفَعْهُ اسْتِجَارَتُهُ بِالْبَيْتِ وَالْحَرَمِ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ سَفْكِ دَمِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سَفْكُ دَمِهِ لِقِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ لِأَنَّ قَدِيدًا مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ بِقَدِيدٍ خَبَرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى رُجُوعَهُ إلَى مَكَّةَ لِامْتِنَاعِ وُصُولِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى رُجُوعَهُ إلَى مَكَّةَ لِيَخْرُجَ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ خَرَجَ عَلَيْهَا أَوْ لِيَسْتَصْحِبَ مَا لَمْ يَكُنْ اسْتَصْحَبَهُ أَوْ لِيُقَدِّمَ مَا لَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّاخِلِ إلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ابْتِدَاءً وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَمَا يَجُوزُ مِنْهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الرَّاجِعِ إلَى مَكَّةَ لِحَاجَةٍ نَسِيَهَا أَوْ لِقِصَّةٍ ذَكَرَهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ نُسُكًا وَلَا مَقَامًا بِهَا وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَخْذَ مَا نَسِيَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهَا فَإِنَّ هَذَا عِنْدِي مِثْلُ مَنْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ ثُمَّ رَجَعَ. (ش) : قَوْلُهُ غَدَا إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ السَّرْحَةُ الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ وَإِنَّمَا عَدَلَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ لِيَخْتَبِرَ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَنْزَلَهُ أَوْ أَنْزَلَهُ الظِّلُّ فَيُعْلِمُهُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ اغْتِنَامًا لِلْأَجْرِ وَحِرْصًا عَلَى تَعْلِيمِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ فَجَلَسَتْ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: إنَّ الَّذِي كَانَ نَهَاك قَدْ مَاتَ فَاخْرُجِي فَقَالَتْ: مَا كُنْت لَأُطِيعُهُ حَيًّا وَأَعْصِيهِ مَيِّتًا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَأَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ: أَرَدْت الْحَجَّ فَقَالَ: هَلْ نَزَعَكَ غَيْرُهُ فَقَالَ: لَا قَالَ: فَائْتَنِفْ الْعَمَلَ قَالَ الرَّجُلُ: فَخَرَجْتُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إذَا أَنَا بِالنَّاسِ مُنْقَصِفِينَ عَلَى رَجُلٍ فَضَاغَطَتْ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي وَجَدْتُ بِالرَّبَذَةِ يَعْنِي أَبَا ذَرٍّ قَالَ: فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي فَقَالَ: هُوَ الَّذِي حَدَّثْتُك) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ التَّبَرُّكَ بِالْوُصُولِ إلَيْهَا وَذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَهَا لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ فَضْلِهَا إنْ كَانَتْ السَّرْحَةُ مُعَيَّنَةً عِنْدَهُ أَوْ لِظَنِّهِ أَنَّهَا تِلْكَ لِعَدَمِ مِثْلِهَا فِي تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عِلْمٌ بِعَيْنِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ؟ اخْتِبَارًا لِمَا عِنْدَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا قَالَ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا اسْتَفْهَمَهُ إنْ كَانَ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ غَرَضٌ آخَرُ مِنْ تَبَرُّكٍ بِهَا أَوْ مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِمَّا يُرْجَى عِنْدَهَا فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْأَمْرَانِ لِمَنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَنَوَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كُنْت بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى الْأَخْشَبَانِ الْجَبَلَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ عِمْرَانَ إلَى مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَكَّةَ كَانَ عَلَى مِنًى إمَّا لِأَنَّهُ كَانَ وَارِدًا مِنْ الْيَمَنِ أَوْ السَّرَاةِ أَوْ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَنَفَخَ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَشَارَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ بِهِ حِينَ أَشَارَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: السِّرَرُ بِهِ سَرْحَةٌ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَادِي يُسَمَّى السِّرَرَ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَعْلَمَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَظْهَرُ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِفَضْلِ الذِّكْرِ عِنْدَهَا لِمَنْ مَرَّ بِهَا وَرَجَاءِ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ عِنْدَهَا. (ش) : قَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ الْمَجْذُومَةِ الطَّائِفَةِ بِالْبَيْتِ: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ بِهَا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ عَرَضَ عَلَيْهَا بِالرِّفْقِ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهَا فَأَطَاعَتْهُ وَقَوْلُهَا: مَا كُنْت لَأُطِيعُهُ حَيًّا وَأَعْصِيهِ مَيِّتًا تُرِيدُ أَنَّهَا أَطَاعَتْهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْحَقِّ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهَا امْتِثَالَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ يُرِيدُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَفِيهِ الْحَجَرُ وَبَيْنَ الْبَابِ يُرِيدُ بَابَ الْمُلْتَزَمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْتِزَامُ الْبَيْتِ وَالتَّعَوُّذُ بِهِ وَمَوْضِعُ الدُّعَاءِ وَالْوُقُوفِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ لِأَنَّهُ كَانَ نَزَلَهَا زَمَنَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِلرَّجُلِ: أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ: أَرَدْتُ الْحَجَّ فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: هَلْ نَزَعَك غَيْرُهُ أَيْ هَلْ حَمَلَك عَلَى سَفَرِك هَذَا غَيْرُهُ مِنْ قَصْدِ حَاجَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَا قَالَ: فَائْتَنِفْ الْعَمَلَ وَلِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْعَمَلِ قَدْ كَفَّرَ سَائِرَ ذُنُوبِهِ فَصَارَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ قَالَ ثُمَّ إذَا أَنَا بِالنَّاسِ مُنْقَصِفِينَ عَلَى رَجُلٍ يُرِيدُ مُتَزَاحِمِينَ عَلَيْهِ يَقْصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ شِدَّةِ تَزَاحُمِهِمْ فَضَاغَطَتْ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ ضَايَقَ النَّاسُ حَتَّى وَصَلَ إلَى النَّظَرِ إلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي وَجَدْتُهُ بِالرَّبَذَةِ يُرِيدُ أَبَا ذَرٍّ إذْ قَالَ لَهُ: ائْتَنِفْ الْعَمَلَ

[حج المرأة بغير ذي محرم]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ: أَوَيَصْنَعُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يَحْتَشُّ الرَّجُلُ لِدَابَّتِهِ مِنْ الْحَرَمِ شَيْئًا فَقَالَ: لَا) . حَجُّ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّرُورَةِ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي لَمْ تَحُجَّ قَطُّ: إنَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ يَخْرُجُ مَعَهَا أَوْ كَانَ لَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ وَلْتَخْرُجْ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا رَآهُ أَبُو ذَرٍّ عَرَفَهُ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا كَانَ أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَأْتَنِفُ الْعَمَلَ مَنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ لَا يُخْرِجُهُ غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي ذَرٍّ هُوَ الَّذِي حَدَّثْتُك تَذْكِيرٌ لَهُ بِمَا جَرَى وَثَبَاتٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ عِنْدَهُ وَتَغْبِيطٌ لَهُ بِتَكَرُّرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْحَجِّ إنْ كَانَ ذَاكَ بِمَكَّةَ. (ش) : قَوْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْحَجِّ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَتَحَلَّلَ حَيْثُ أَصَابَهُ مَانِعٌ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنْ لَا يَحْتَشَّ أَحَدٌ فِي الْحَرَمِ لِدَابَّتِهِ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الْإِذْخِرَ الَّذِي أَبَاحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاحْتِشَاشُ جَمْعُ الْحَشِيشِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ: «لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَالْخَلَى مَا يَبِسَ مِنْ النَّبْتِ وَالْحَشِيشِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» وَقَدْ قِيسَ عَلَيْهِ السَّنَا لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَيْهِ كَالْإِذْخِرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ احْتَشَّ فِي الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْقِيمَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْعَى الْإِبِلَ فِي الْحَرَمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاحْتِشَاشِ أَنَّ الِاحْتِشَاشَ تَنَاوُلُ قِطَعِ الْحَشِيشِ وَإِرْسَالِ الْبَهَائِمِ لِلرَّعْيِ لَيْسَ بِتَنَاوُلٍ لِذَلِكَ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَامْتَنَعَ السَّفَرُ فِي الْحَرَمِ وَالْمَقَامُ فِيهِ لِتَعَذُّرِ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالتَّحَرُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [حَجُّ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الْحَجِّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهَا إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ بِعَدَمِ ذِي مَحْرَمٍ يَخْرُج مَعَهَا وَإِذَا وَجَدَتْ جَمَاعَةَ نِسَاءٍ يَخْرُجْنَ خَرَجَتْ مَعَهُنَّ وَلَزِمَهَا ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَخْرُجُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَهَذَا عَامٌّ فِي الَّتِي تَجِدُ ذَا مَحْرَمٍ وَفِي الَّتِي تَعْدَمُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ يَجِبُ قَطْعُهَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ قَطْعِهَا وُجُودُ ذِي رَحِمٍ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَأَمَّا حَجَّةُ التَّطَوُّعِ مِنْهُ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَخْرُجُ فِيهِ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ خِلَافُ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ وَالْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَهَذَا سَفَرٌ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَمْ تَخْرُجْ إلَيْهِ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْمَنُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا ابْنُ زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي مَا ثَبَتَ لِلرَّبَائِبِ مِنْ الْعَدَاوَاتِ وَقِلَّةِ الْمُرَاعَاةِ فِي الْأَغْلَبِ فَلَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ الْإِشْفَاقُ وَالسَّتْرُ وَالْحِرْصُ عَلَى طِيبِ الذِّكْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَأَمَّا الْقَوَافِلُ الْعَظِيمَةُ وَالطُّرُقُ الْمُشْتَرَكَةُ الْعَامِرَةُ الْمَأْمُونَةُ فَإِنَّهَا عِنْدِي مِثْلُ الْبِلَادِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْأَسْوَاقُ وَالتُّجَّارُ فَإِنَّ الْأَمْنَ يَحْصُلُ لَهَا دُونَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ.

[صيام المتمتع]

صِيَامُ الْمُتَمَتِّعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) . (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الضَّحَايَا مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الضَّحَايَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: أَرْبَعًا وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحِلَّهَا وَالثَّانِي فِي بَيَانِ مَا لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَحِلَّهَا وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَلْزَمُهَا إذَا حَلَّلَهَا. [صِيَامُ الْمُتَمَتِّعِ] (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ لِمَنْ يَجِدْ هَدْيًا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَقَدْ لَزِمَهُ الْهَدْيُ فَإِنْ عَدِمَهُ جَازَ لَهُ الصِّيَامُ وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ هَدْيٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَ التَّمَتُّعِ حِينَئِذٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ صَامَ أَيَّامَ مِنًى وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الصَّوْمِ مِنْ وَقْتِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ الْمُتَمَتِّعُ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّ ذَلِكَ مَبْدَأُ إمَّا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ مِنًى وَقْتَ الْقَضَاءِ وَإِمَّا لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الصِّيَامِ قَبْلَ النَّحْرِ إبْرَاءً لِلذِّمَّةِ وَذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ وَإِمَّا أَنَّ صِيَامَ مَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ مُبَاحٌ لِمَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَصِيَامُ أَيَّامِ مِنًى مَمْنُوعٌ فَإِنَّمَا يُبَاحُ الصَّوْمُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ صَوْمُهُ فِي حَجِّهِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَمَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى فَلَيْسَ مَحَلًّا لِهَذَا الصَّوْمِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَاءِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى لَا يَكُونُ الصَّوْمُ فِيهَا فِي الْحَجِّ. وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ صِيَامَ أَيَّامِ مِنًى إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ قَبْلَهَا أَفْضَلَ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ الَّذِي فِيهِ سَعَةٌ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُ أَفْضَلَ مِنْ آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْهَدْيَ لِضَرُورَةِ أَنْ يَقَعَ صَوْمُهُ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ مَنْ نَذَرَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الْحَاجُّ الْمَقَامَ فِيهِ بِمِنًى وَيَتْرُكُ الرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ وَأَمَّا الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ فَتَحَقَّقَانِ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ لِمَنْ حَجَّ أَنْ يَتْرُكَ لَهُمَا الْمَبِيتَ وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الرَّمْيَ وَالْمَقَامَ فِيهِمَا بِمِنًى فَلِذَلِكَ افْتَرَقَ حُكْمُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَمَّ كِتَابُ الْحَجِّ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ. [كِتَابُ الضَّحَايَا] [مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ الضَّحَايَا] (ش) : قَوْلُهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاذَا يُتَّقَى مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّحَايَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلضَّحَايَا عِنْدَهُ صِفَاتٍ يُتَّقَى بَعْضُهَا وَلَا يُتَّقَى بَعْضُهَا وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يُتَّقَى مِنْهَا شَيْءٌ لَسَأَلَهُ هَلْ يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا شَيْءٌ أَمْ لَا وَاَلَّذِي يُتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَضَرْبٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَرَاهَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِفَاتٍ جَامِعَةً لِلْمَعَانِي الَّتِي تُتَّقَى مِنْ جِهَةِ النَّصِّ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ وَجَمَعَ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ صِفَاتٍ لِيَسْهُلَ عَلَى السَّائِلِ حِفْظُ جَوَابِ مَا سَأَلَ عَنْهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ وَمَنْعٌ مِنْ النِّسْيَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَرَجَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَضَرْبٌ لَا يَمْنَعُهُ فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَعْرِيفِهِ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا: هِيَ الشَّدِيدَةُ الْعَرَجِ الَّتِي لَا تَلْحَقُ الْغَنَمَ فَهَذِهِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَرْجَاءَ تَمْشِي وَأَمَّا الَّتِي لَا تَمْشِي فَلَا يُقَالُ فِيهَا عَرْجَاءَ لِأَنَّ الْعَرَجَ مِنْ صِفَاتِ الْمَشْيِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهَا مَرِيضَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُجْزِئَ أَصْلُهُ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَأَمَّا الْعَرَجُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَهُوَ الْعَرَجُ الْخَفِيفُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَخَفَّهَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهَا أَنْ تَسِيرَ سَيْرَ الْغَنَمِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ لِأَنَّ عَرَجَ هَذِهِ لَيْسَ يَبِينُ وَإِنَّمَا يَكُونُ حِينَئِذٍ عَرَجًا خَفِيفًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُ إحْدَى عَيْنَيْهَا يُقَالُ: عَارَتْ الْعَيْنُ تَعَارُّ وَعَوِرَتْ إذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا وَيُقَالُ: عَيْنٌ عَوْرَاءُ وَلَا يُقَالُ عَمْيَاءُ وَالشَّاةُ إذَا عَوِرَتْ إحْدَى عَيْنَيْهَا مَعَ بَقَائِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ لَحْمِهَا وَإِنَّمَا نَقَصَ بَعْضُ خَلْقِهَا عَنْ حِلِّ السَّلَامَةِ وَالتَّمَامِ بِمَعْنَى طَارِئٍ عَلَيْهَا فِي الْغَالِبِ لَا يَعُودُ ذَلِكَ بِمَنْفَعَةٍ فِي لَحْمِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّقَى فِي الضَّحَايَا مَا كَانَ بِمَعْنَى ذَلِكَ وَنُقْصَانُ الْخِلْقَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يُنْقِصُ مَنَافِعَهَا وَجِسْمَهَا فَإِذَا لَمْ يَعُدْ بِمَنْفَعَةٍ فِي لَحْمِهَا مَنَعَ الْإِجْزَاءَ كَعَدَمِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَضَرْبٌ يُنْقِصُ الْمَنَافِعَ دُونَ الْجِسْمِ كَذَهَابِ بَصَرِ الْعَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ ذَهَابِ الْمَيْزِ فَمَا كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ بَيِّنٌ كَالْعَوَرِ وَالْعَمَى وَالْجُنُونِ فَهُوَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَلَمْ أَجِدْ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا فِي الْجُنُونِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ فَهُوَ نُقْصَانُ الْجِسْمِ دُونَ الْمَنَافِعِ كَذَهَابِ الْقَرْنِ وَالصُّوفِ وَطَرَفِ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ فَمَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَرَضِ أَوْ مِمَّا يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ أَوْ يُنْقِصُ جُزْءًا مِنْ لَحْمِهَا وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْإِجْزَاءَ. (فَرْعٌ) وَإِذَا كَانَ بِعَيْنِ الْأُضْحِيَّةِ بَيَاضٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى النَّاظِرِ وَكَانَ يَسِيرًا لَا يَمْنَعُهَا أَنْ تُبْصِرَ أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ النَّاظِرِ لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا إنْ مَنَعَهَا الرُّؤْيَةَ لِكَوْنِهِ كَثِيرًا عَلَى النَّاظِرِ فَهِيَ الْعَوْرَاءُ وَكَذَلِكَ عِنْدِي لَوْ ذَهَبَ أَكْثَرُ بَصَرِ عَيْنِهَا. 1 - (فَرْعٌ) وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْجَدْعَ يَمْنَعُ وَأَمَّا الْعَصْبُ فِي الْأُذُنِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ الْأُذُنَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَأَمَّا الشَّرْقَاءُ وَالْخَرْقَاءُ وَالْمُقَابَلَةُ وَالْمُدَابَرَةُ وَالشَّرْقَاءُ هِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنُ وَالْخَرْقَاءُ هِيَ الَّتِي يُخْرَقُ أُذُنُهَا لِلسُّمْنَةِ وَالْمُقَابَلَةُ هِيَ الَّتِي يُقْطَعُ طَرَفُ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ هِيَ الَّتِي يُقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِهَا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَن: وَهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا عِنْدِي لَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَإِنَّمَا تَمْنَعُ الِاسْتِحْبَابَ وَهَذَا قَدْ قَالَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْقَطْعِ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَالْيَسِيرُ لَا يَمْنَعُهُ وَأَمَّا شَقُّ الْأُذُنِ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُوَسِّعُ فِي الْيَسِيرِ مِنْهُ كَالسَّمِنَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الشَّقَّ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْ الْأُذُنِ الْمَبْلَغَ الَّذِي يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ حَدًّا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِهِ: وَالنِّصْفُ عِنْدِي كَثِيرٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ طَرِيقَهُ الِاجْتِهَادُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ وَالْأَلْيَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَّقِي مِنْ الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ الَّتِي لَمْ تَسُنَّ وَاَلَّتِي نَقَصَ مِنْ خَلْقِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ وَهُوَ نَحْوُ مِمَّا أَوْرَدَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَهُ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْأُذُنِ إلَّا أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الذَّنَبِ وَالْأُذُنِ وَالْأَلْيَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّ ذَهَابَ ثُلُثِ الْأُذُنِ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَذَهَابَ ثُلُثِ الذَّنَبِ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ لِأَنَّ الذَّنَبَ ذُو لَحْمٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ وَالْأُذُنَ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ طَرَفِ جِلْدٍ لَا يَكَادُ يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِ وَلَا يَسْتَضِرُّ بِهِ لَكِنَّهُ يَنْقُصُ الْجِمَالَ كَثِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّكَّاءُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا الصَّغِيرَةُ الْأُذُنَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهِيَ: الصَّمْعَاءُ فَهِيَ تُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَمَّا الَّتِي خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنَيْنِ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا يُضَحَّى بِالسَّكَّاءِ وَهِيَ الَّتِي خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأُذُنُ مِنْ الصِّغَرِ بِحَيْثُ تَقْبُحُ الْخِلْقَةُ مَعَهُ وَيَقَعُ بِهِ التَّشْوِيهُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الثَّرْمَاءُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهِيَ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنْ كِبَرٍ أَوْ كُسِرَ فَلَا تُجْزِئُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنْ إثْغَارٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ حَفِيَتْ فَلَا بَأْسَ بِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُضَحَّى بِهَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لِأَنَّهُ نَقْصٌ مِنْ خَلْقِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْفَتِيَّةَ إنَّمَا تَسْقُطُ أَسْنَانُهَا مِنْ دَاءٍ نَزَلَ بِهَا فَصَارَ عَيْبًا بِهَا وَالْهَرِمَةَ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنْ كِبَرٍ وَهُوَ أَمْرٌ مُعْتَادٌ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْهَرَمَ مَعْنًى يُضْعِفُ الْحَيَوَانَ فَإِذَا أَسْقَطَ الْأَسْنَانَ مَنَعَ الْأُضْحِيَّةَ كَالْمَرَضِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ ذَهَابَ الْأَسْنَانِ يَمْنَعُ الْأُضْحِيَّةَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ ذَهَابَ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا سَقَطَ لَهَا سِنٌّ أَوْ أَسْنَانٌ فَهُوَ عَيْبٌ وَلَا يُضَحَّى بِهَا فَإِنَّهُ نُقْصَانٌ مِنْ خَلْقِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا» قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ذَلِكَ لَمَعَانٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمَرَضَ نَهَكَ بَدَنَهَا فَيَنْقُصُ لَحْمُهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْسِدُهُ حَتَّى تَعَافُهُ النَّفْسُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَنْقُصُ ثَمَنُهَا وَهَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى مَا ذُكِرَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ غَرَضٍ يَحْدُثُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ يَمْنَعُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا وَالْخَمِرَةُ وَهِيَ الْبَشِمَةُ لَا تُجْزِئُ وَكَذَلِكَ الْجَرْبَاءُ فَمَا بَلَغَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَدَّ الْمَرَضِ الْبَيِّنِ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْإِجْزَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ الدَّبْرُ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الدَّبْرَةِ الْكَبِيرَةِ فَأَرَى الْمَجْرُوحَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إنْ كَانَ جُرْمًا كَبِيرًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ الْمَرَضِ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَالْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ تُدْمِي وَإِذَا كَانَ الْجُرْحُ صَغِيرًا لَا يَضُرُّ بِالْأُضْحِيَّةِ أَوْ بِالْهَدْيِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَرَضِ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْإِجْزَاءَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي النَّقْيُ الشَّحْمُ» يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهَا شَحْمٌ فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا الْحَدَّ مِنْ الْهُزَالِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْحَدِّ الْمُعْتَادِ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي لَحْمِهَا وَلَا طَيِّبَ كَالْمَرِيضَةِ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَتَّقِي مِنْ الْبُدْنِ وَالضَّحَايَا الْبُدْنُ مَا أُهْدِيَ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَاهَا فِي الْحَجِّ وَاتِّقَاؤُهُ فِيهَا مَا لَمْ تَسُنَّ يُرِيدُ مَا لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ وَهَذَا لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الْهَرَمِ وَمَا قَارَبَهُ فَيُقَالُ: أَسَنَّ فُلَانٌ إذَا بَلَغَ سِنَّ الشَّيْخِ وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الثَّنِيَّةَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّحَايَا تُجْزِئُ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ تَمَامِ السِّنِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَوَّلُ الْإِثْغَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ أَوْ تَكُونَ مُسِنَّةً مِنْ الْبَقَرِ وَأَكْثَرُ مَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالسِّنِينَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَقَدَّمَ يَسِيرًا أَوْ يَتَأَخَّرَ يَسِيرًا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْخِلْقَةِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَادَ مُتَقَارِبٌ فَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ قَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ مِنْ

[النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام]

النَّهْيُ عَنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: لَا أَجِدُ إلَّا جَذَعًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ ابْنُ سَنَةٍ وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: فِي الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ هُوَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ جَذَعٌ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ ابْنُ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ هُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ: وَقِيلَ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَأَمَّا الثَّنِيُّ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْأُنْثَى ثَنِيَّةٌ وَأَمَّا الْإِبِلُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ وَالثَّنِيُّ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إذَا أَتَتْ عَلَيْهِ الْخَامِسَةُ فَهُوَ جَذَعٌ فَإِذَا أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فِي السَّادِسَةِ فَهُوَ ثَنِيٌّ وَأَمَّا الْبَقَرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْجَذَعُ مِنْ الْبَقَرِ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَالثَّنِيُّ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ أَوَّلُ سَنَةٍ تَبِيعٌ وَالْأُنْثَى تَبِيعَةٌ ثُمَّ جَذَعٌ ثُمَّ ثَنِيٌّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَقَدْ دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ أَشْبَهَ بِقَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّهْيُ عَنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَبَا بُرْدَةَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَبْحُهُ الَّذِي يُجْزِيهِ بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ وَيَلْزَمُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَ وَقْتَ ذَبْحِ الْإِمَامِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ ذَبْحُ النَّاسِ فَأَمَّا وَقْتُ ذَبْحِ الْإِمَامِ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ يَوْمَ الْأَضْحَى فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا ذَهَبَ مِنْ الْوَقْتِ بِمِقْدَارِ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَتِهِمَا وَتَمَامِهَا لِلْعِيدِ فَقَدْ جَازَ الذَّبْحُ فَمَنْ ذَبَحَ حِينَئِذٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ: أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: ذَبَحْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ فَقَالَ: اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تُجْزِئَ أَوْ تُوفِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» وَهَذَا بَيِّنٌ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لَا بِمِقْدَارِ فِعْلِهَا أَصْلُ ذَلِكَ السَّعْيُ لِمَا رَتَّبْنَاهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِفِعْلِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا بِمِقْدَارِ فِعْلِهَا مِنْ الْوَقْتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الذَّبْحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَذْبَحُ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْبَحُ النَّاسُ بَعْدَهُ فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَمْ يُجْزِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ بِأُضْحِيَّةٍ أُخْرَى» وَدَلِيلُنَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَسَبَقَهُمْ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ وَلَا يَنْحَرُ حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . 1 - (فَرْعٌ) الْمُضَحُّونَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ فَلَا يَخْلُو إمَامُهُ مِنْ أَنْ يُظْهِرَ نَحْرَ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ لَا يُظْهِرُ ذَلِكَ فَإِنْ أَظْهَرَ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ بِإِثْرِ الصَّلَاةِ فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ «عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ ذَبَحَ ضَحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا مَنْ لَمْ يُظْهِرْ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ ذَبَحَ رَجُلٌ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَهُ فِي وَقْتٍ لَوْ ذَبَحَ الْإِمَامُ بِالْمُصَلَّى لَكَانَ هَذَا قَدْ ذَبَحَ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ الذَّبْحَ بِالْمُصَلَّى فَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَيْسَ بِهِ إمَامٌ مِثْلُ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ عِيدٍ بِخُطْبَةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَتَحَرَّوْنَ صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ وَذَبْحَهُ فَمَنْ تَحَرَّى ذَلِكَ فَأَخْطَأَ فَذَبَحَ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِيهِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: قَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافَهُ وَنَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ فَقَالَ: وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجْزِيهِمْ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَدْ قِيلَ: إنَّ رِوَايَةَ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا هِيَ فِيمَنْ ذَبَحَ عَلَى عِلْمِ أَنَّهُ قَدْ ذَبَحَ الْإِمَامُ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَحَرَّى أَنْ يَذْبَحَ بَعْدَهُ فَأَخْطَأَ فَذَبَحَ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فَرْضَهُمْ الِاجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي فِي أَمْرٍ غَائِبٍ عَنْهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ تَيَقُّنُهُ فَكَانَ الْخَطَأُ مَوْضُوعًا عَنْهُمْ كَالْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فِي إعْلَامِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْذُورِينَ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى التَّأْخِيرِ الَّذِي لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ إلَيْهِ لَجَازَ لِأَهْلِ بَلَدِهِ الذَّبْحُ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يُسَوَّغُ فِيهِ التَّحَرِّي كَالْوَقْتِ فِي الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي بُرْدَةَ لَا أَجِدُ إلَّا جَذَعًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْجَذَعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْمَنْعِ إمَّا لِأَنَّ غَيْرَهُ يُجْزِي دُونَهُ أَوْ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّهَا كَانَتْ جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ» وَلِلْإِنْسَانِ تَعَلُّقٌ بِالْإِجْزَاءِ وَتَأْثِيرٌ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ السَّخْلَةُ وَلَا الْفَصِيلُ وَاَلَّذِي يُجْزِي عَنْ الْإِنْسَانِ فِي الضَّحَايَا مِنْ الضَّأْنِ الْجَذَعُ فَمَا فَوْقَهُ وَمِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى إجْزَاءِ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الْمَعْزِ لَا يُجْزِي مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ «قَالَ: إنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تُجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَنْ تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الضَّأْنِ وَغَيْرِهَا قِيلَ لَهُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا نَصُّ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَلَا فَرْقَ أَصَحُّ مِنْهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ «قَالَ: إنَّ الْمَعْزَ وَالْبَقَرَ وَالْإِبِلَ لَا تُضْرَبُ فُحُولَتُهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ تُثْنِيَ وَالضَّأْنُ تُضْرَبُ فُحُولَتُهَا إذَا أَجْذَعَتْ» . (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ مِنْ الْجَذَعِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَذْبَحُوا الْمُسِنَّةَ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَاذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» وَمِنْ وُجْهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ الْمَرْوِيِّ وَفِي الثَّنِيِّ أَيْضًا مِنْ تَمَامِ الْجِسْمِ وَكَمَالِهِ مَا يُفَضَّلُ بِهِ الْجَذَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُوَيْمِرًا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ يَوْمَ الْأَضْحَى يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ تَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى لِأَنَّهُ هُوَ الْغُدُوُّ الْمُعْتَادُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ مِنْ الْغُدُوِّ لَبَيَّنَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ غُدُوًّا وَهُوَ بَعُدَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ الْغُدُوُّ فَلَمَّا أُخْبِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَخْبَرَهُ لَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الذَّبْحِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَا تَقَدَّمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى بِمَعْنَى أَنَّ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ ضَحِيَّةً مُجْزِيَةً.

[ما يستحب من الضحايا]

مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الضَّحَايَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ قَالَ نَافِعٌ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيَلًا أَقْرَنَ ثُمَّ أَذْبَحُهُ يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ: فَفَعَلْت ثُمَّ حُمِلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الضَّحَايَا] (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَقَعَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا حَكَاهُ لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ مِنْ الذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ يُضَحِّي بِالْمَدِينَةِ وَفِي أَسْفَارِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى فِي سُفْرَةٍ شَاةً مِنْ رَاعٍ وَأَمَرَهُ بِذَبْحِهَا عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْمُسَافِرِ كَلُزُومِهَا لِلْمُقِيمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا شِرَاءَ الضَّحَايَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّى فِيهِ لِأَنَّهَا قُرْبَانٌ فَمَنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ أَسْوَاقٌ لَهَا فَلَا يَشْتَرِي مِنْهَا مَا يُجْلَبُ إلَى الْأَسْوَاقِ حَتَّى يَرِدَ السُّوقَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّلَقِّي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ضَحَّى بِمَا اشْتَرَى فِي التَّلَقِّي قَالَ عِيسَى: عَلَيْهِ الْبَدَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا يُبَاعُ لَحْمُ الْأُولَى وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُضْحِيَّتَهُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ تُجْزِهِ أَوْ لَمْ تَتِمَّ فَضِيلَتُهَا لِفَسَادِ مِلْكِهِ لَهَا فَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا لِيُدْرِكَ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ لِيُدْرِكَ تَمَامَ فَضِيلَتِهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُ لَحْمِهَا لِأَنَّهُ قَدْ قَصَدَ بِذَبْحِهَا الْقُرْبَةَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيَلًا أَقْرَنَ فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ أَجْنَاسِ الضَّحَايَا وَالثَّالِثَةُ أَنَّ ذُكُورَهَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْفَحْلَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ الْأَقْرَنَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَمِّ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَلَوْ ضَرَبَتْ فُحُولُ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ إنَاثَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُضَحِّي بِهَا وَاخْتَلَفُوا إذَا ضَرَبَتْ فُحُولُ الْوَحْشِيَّةِ إنَاثَ الْإِنْسِيَّةِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ إجَازَةُ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ نَتَجَ لِأُمِّهِ فِي الْجِنْسِ وَالْحُكْمِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي وَلَدِ آدَمَ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَنْعِ مِنْ أَصْحَابِنَا إذَا كَانَتْ الْفُحُولُ وَحْشِيَّةً لِيَغْلِبَ الْحَظْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ. (مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَضَاحِيّ الضَّأْنُ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِبِلُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ الْبَقَرَ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الْإِبِلُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ تَفْضِيلِ الضَّأْنِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُوَاظَبُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَاظِبُ فِي خَاصَّتِهِ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُضَحَّى بِجَذَعٍ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنَّ ذَكَرَ كُلِّ جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ طَيِّبُ اللَّحْمِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَحْمَ الْكَبْشِ أَفْضَلُ مِنْ لَحْمِ النَّعْجَةِ فَكَانَ إخْرَاجُهُ أَفْضَلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي ذُكُورِ الْجِنْسِ وَإِنَاثِهِ وَأَمَّا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فَإِنَّ إنَاثَ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ الْمَعْزِ وَإِنَاثَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْزِ أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَضَاحِيّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فَإِنَّ الْفَحْلَ مِنْ الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَنَّ الْأَقْرَنَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَمِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَتَمُّ خِلْقَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ اذْبَحْهُ يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ أَمَرَ نَافِعًا مَوْلَاهُ بِذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِنَابَةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْهَدَايَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ شُرِعَ ذَبْحُهُ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ فَصَحَّتْ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ كَالْهَدَايَا وَإِنَّمَا اسْتَنَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِمَرَضِهِ وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» . 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِنَابَةُ فَإِنْ اسْتَنَابَ مُسْلِمًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ اسْتَنَابَ كِتَابِيًّا فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُعِيدُهَا وَلَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ مُسْلِمًا أَجْزَأَهُ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ وَإِنْ صَحَّتْ مِنْهُ نِيَّةُ الِاسْتِنَابَةِ وَالْأُضْحِيَّةُ قُرْبَةٌ فَإِذَا ذَبَحَهَا الْكِتَابِيُّ لَمْ تَكُنْ أُضْحِيَّةً وَكَانَتْ ذَبِيحَةً مُبَاحَةً وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنْ صَحَّ ذَبْحُهُ لِغَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ صَحَّ ذَبْحُهُ لِلْأُضْحِيَّةِ كَالْمُسْلِمِ. 1 - (فَرْعٌ) وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهَا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ الْعَادَةِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِذَبْحِهَا عَنْهُ أُضْحِيَّةً فَيَنْوِيَ النَّائِبُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ مَا كَانَ يَنْوِيهِ الْمُضَحِّي لَوْ بَاشَرَ ذَبْحَهَا وَأَمَّا الْعَادَةُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتِي بِغَيْرِ إذْنِي إنْ كَانَ مِثْلَ الْوَلِيِّ فِي عِيَالِهِ فَذَبَحَهَا لِيَكْفِيَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ بَعْضُ مَنْ فِي عِيَالِهِ مِمَّنْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَنْهُ زَادَ أَبُو زَيْدٍ أَوْ لِصَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا إنْ وَثِقَ بِهِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ أَنَّهُ ذَبَحَهَا عَنْهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ وَلَدُهُ فِي عِيَالِهِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ أَوْ بَعْضُ عِيَالِهِ مِمَّنْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ يُدْخِلُهُ رَبُّ الدَّارِ فِي أُضْحِيَّتِهِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ مِمَّنْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَلَدَ الَّذِي قَدْ فُوِّضَ إلَيْهِ الْقِيَامُ فَأَمْرُهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْوَلَدُ فِي عِيَالِهِ فَيَذْبَحُهَا لِيَكْفِيَهُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ صَدِيقِهِ إنْ وَثِقَ بِهِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ أَنَّهُ ذَبَحَهَا عَنْهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ صَدِيقَهُ الَّذِي يَقُومُ بِأُمُورِهِ وَقَدْ فُوِّضَ إلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْهَا عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا ذَبَحَهَا عَنْ غَيْرِهِ فَلِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَبَحَهَا عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الصَّدَاقَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَوْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَهُ ضَمَّنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا رِوَايَةً فِي الْمُتَعَدِّي بِذَبْحِهَا عَنْ صَاحِبِهَا إنْ لَمْ يُرِدْ صَاحِبُهَا تَضْمِينَهُ تُجْزِئُهُ فَلَهُ وَجْهٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ مَنْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا قَائِمٍ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ غَلَطًا لَمْ يَجُزْ الْمَذْبُوحُ عَنْهُ وَإِنْ فَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأُضْحِيَّةِ صَاحِبِهِ ضَمِنَهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ عَلَى أُضْحِيَّةِ الْآخَرِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي الْمَالِ سَوَاءٌ وَإِذَا ضَمِنَهَا الذَّابِحُ لَمْ تُجْزِ الْمُتَعَدِّي لِأَنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ ضَمِنَهَا إنْ ضَمِنَهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ إيَّاهَا وَرَضِيَ بِهَا مَذْبُوحَةً لَمْ تُجْزِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ مِلْكُهُ لَهَا لَمَّا كَانَ لَهُ مِنْ تَضْمِينِ الْمُتَعَدِّي عَلَيْهَا وَإِنَّمَا عَادَتْ إلَى حَالِهَا مِنْ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ التَّامِّ لِيَرَى التَّضْمِينَ وَذَلِكَ بَعْدَ الذَّبْحِ وَلَوْ كَانَ هَدْيًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تُجْزِي مَنْ قَلَّدَهُ لَا مَنْ نَحَرَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْزِئُهُمَا وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ بِالتَّقْلِيدِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَبْحِهِ إلَى نِيَّةٍ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَلَّدَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ضَلَّ الْهَدْيُ فَوَجَدَهُ رَجُلٌ فَنَحَرَهُ عَمَّنْ قَلَّدَهُ لَأَجْزَأَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ صَاحِبٌ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمْ تُجْزِ صَاحِبَهَا وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْهَدْيَ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَجَبَ بِالتَّقْلِيدِ فَإِنَّ الْفَسَادَ وَعَدَمَ الْإِجْزَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يُجْزِهِ فَكَذَلِكَ إذَا ذَبَحَ ذَبْحًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ الذَّابِحُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا رَضِيَهَا أَوْ لَمْ يَرْضَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا لَمْ يَضْمَنْ الذَّابِحُ قِيمَتَهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ الذَّابِحَ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَإِنْ ضَمَّنَهُ إيَّاهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْزِئُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَقَالَ أَشْهَبُ: تُجْزِئُ الذَّابِحَ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الذَّبْحِ وَكَذَلِكَ أَمَةٌ أَوْلَدَهَا رَجُلٌ ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَخَذَ قِيمَتَهَا فَإِنَّهَا بِذَلِكَ أُمُّ وَلَدٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ عُرِفَ ذَلِكَ بَعْدَ فَوَاتِ اللَّحْمِ أَجْزَأَتْ عَنْ ذَابِحِهَا غَلَطًا وَأَدَّى الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ اللَّحْمُ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فَإِنْ أَخَذَ اللَّحْمَ فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ أَخَذَ قِيمَةَ الشَّاةِ لَمْ تُجْزِ عَنْ ذَابِحِهَا وَلَا لَهُ بَيْعُ لَحْمِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَرَفَ ذَلِكَ بَعْدَ فَوَاتِ اللَّحْمِ فَقَدْ عَيَّنَ مِلْكَهُ لِلشَّاةِ وَلَا خِيَارَ لِصَاحِبِهَا فِيهَا فَلِذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ قَبْلَ فَوَاتِ اللَّحْمِ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهَا أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهَا وَهَذَا يُنَافِي مِلْكَ الذَّابِحِ لَهَا وَيَمْنَعُ إجْزَاءَهَا عَنْهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ نَافِعًا بِذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِأَنْ يَذْبَحَهَا فِي مُصَلَّى النَّاسِ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِنْ الْقُرَبِ الْعَامَّةِ الْمَسْنُونَةِ فَالْأَفْضَلُ إظْهَارُهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءَ سُنَّتِهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِهِ: يُسْتَحَبُّ الْإِعْلَانُ بِالْأُضْحِيَّةِ لِكَيْ تَعْرِفَ وَيَعْرِفَ الْجَاهِلُ سُنَّتَهَا وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ أُضْحِيَّتَهُ يَأْمُرُ غُلَامَهُ بِحَمْلِهَا فِي السُّوقِ وَيَقُولُ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عُمَرَ إرَادَةَ أَنْ يُعْلِنَ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ نَافِعٍ فَفَعَلْتُهَا يَعْنِي اشْتَرَى لَهُ الْكَبْشَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا ثُمَّ ذَبَحَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى بِالْمُصَلَّى وَلَيْسَ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِيُضَحِّيَ بِهَا مُوجِبًا لِكَوْنِهَا أُضْحِيَّةً وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بِابْتِدَاءِ الذَّبْحِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: وَقَبْلَ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ النِّيَّةُ وَالْفِعْلُ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا: تَتَعَيَّنُ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَتَجِبُ بِذَلِكَ كَمَا تَجِبُ بِالذَّبْحِ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِيهَا كَالْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْهَدْيِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ حُمِلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ يُرِيد أَنَّ الْكَبْشَ حُمِلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ وَلَعَلَّهُ كَانَ امْتَنَعَ مِنْ حَلْقِ رَأْسِهِ وَشَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ إذَا رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لَا يَقُصَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ قَالَا: وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَلْخِيّ ثِقَةٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَضَارِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ حِمْصِيٌّ أَخْبَرَنَا الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عُمَرُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عُمَرُ وَهُوَ مَدَنِيٌّ فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ إنَّ هَذَا نَهْيٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّهْيُ إذَا لَمْ يَقْتَضِ التَّحْرِيمَ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَدَلِيلُنَا عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ «أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ ثُمَّ بَعَثَ بِهِ مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ» وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى فِي ذَلِكَ الْعَامِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ يَقْتَضِي أَنَّ مَرَضَهُ مَنَعَهُ صَلَاةَ الْعِيدِ مَعَ النَّاسِ وَالْبُرُوزَ لَهَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِمَّا شُرِعَ مِنْ ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ وَإِظْهَارِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضُهُ مِنْ إنْفَاذِ الضَّحِيَّةِ فِي مَالِهِ وَهِيَ قُرْبَةٌ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ لَمَّا كَانَ مَالُهُ يَتَّسِعُ لِذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا حُكْمُ مَالِهِ تُورَثُ عَنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلِغُرَمَائِهِ أَخْذُهَا إنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَالِهِ تُورَثُ عَنْهُ وَتُبَاعُ لِغُرَمَائِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُسْتَحَبُّ لِوَرَثَتِهِ ذَبْحُهَا وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يُضَحَّى بِهَا عَنْهُ وَهِيَ مِيرَاثٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَالٌ أَخْرَجَهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَاسْتُحِبَّ لِوَرَثَتِهِ إنْفَاذُ ذَلِكَ كَمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ إخْرَاجُهَا بِعَيْنِهَا وَكُرِهَ لَهُ بَدَلُهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ وَإِنَّمَا أَعَدَّهَا لِيُوجِبَهَا فِي وَقْتٍ وَهُوَ لَمْ يَأْنِ فَهِيَ كَسَائِرِ مَالِهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ عَنْ هَدْيِهِ بَعْدَ أَنْ قَلَّدَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلْغُرَمَاءِ بَيْعُهُ كَمَا لَهُمْ بَيْعُ مَا أَعْتَقَ وَرَدُّ عِتْقِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الْإِيجَابِ بِالْقَوْلِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ: هِيَ لِوَرَثَتِهِ وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ وَرَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا فَاتَتْ بِالذَّبْحِ وَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ كَمَا لَوْ أَكَلَهَا. (فَرْعٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَبْحِهَا وَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ أَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يُضْمَنُ لَهُ الْهَدْيُ وَالذَّبْحُ تُضْمَنُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ فَكَانَ ذَلِكَ فَوْتًا فِيهَا. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تُورَثُ عَنْهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ أَكْلَهَا وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ: يُنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ لَحْمِهَا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا نَعْلَمُهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِلْكًا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ لِلْمُضَحِّي وَإِمَّا قِسْمَتُهَا فَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْقِسْمَةِ هَلْ هِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ أَوْ بَيْعٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى وَجْهٍ كَانَتْ بَيْعًا فَلَمْ تُجْزِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهٍ كَانَتْ تَمَيُّزَ حَقٍّ فَجَازَ ذَلِكَ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ بِالْمِيرَاثِ فَأَمَّا مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ عَنْ أَصْبَغَ لِلْمُعْطَى بَيْعُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ نِهَايَةَ الْقُرْبَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الصَّدَقَةُ بِهَا فَإِذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا كَانَ لِمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَالزَّكَاةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ إيجَابَ النُّسُكِ عَلَى وَجْهِ الْأُضْحِيَّةِ يَمْنَعُ الْبَيْعَ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ وَأَمَّا مَا أُخْرِجَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ إلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِخْرَاجِ فَلِذَلِكَ كَانَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُضَحِّيَ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ أُضْحِيَّتِهِ وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا كَالْهَدْيِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهَا كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجَلَالَهَا فِي الْمَسَاكِينِ وَلَا يُعْطِ فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا» زَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ وَلَا يُبَاعُ جِلْدُ أُضْحِيَّةٍ بِجِلْدٍ وَلَا غَيْرِهِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ بَاعَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ شَيْئًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ جَهْلًا فَلَا يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا إنْ أُدْرِكَ فُسِخَ وَإِلَّا جُعِلَ ثَمَنُ الْجِلْدِ فِي مَاعُونٍ أَوْ طَعَامٍ وَيُجْعَلُ ثَمَنُ اللَّحْمِ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلْيَصْنَعْ بِثَمَنِهِ مَا شَاءَ مِنْ إمْسَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بَعْدَ فَوَاتِهِ وَأَمَّا بَيْعُهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ فَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ الِانْتِفَاعَ بِالثَّمَنِ وَجَوَّزَ سَحْنُونٌ تَصْرِيفَ ثَمَنِهِ فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ دُونَ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُصْرَفُ فِي التِّجَارَاتِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْأَثْمَانِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَجْوِيزِهِ بَيْعَ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بِمَا سِوَى الدِّرْهَمِ مِمَّا يُعَانُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَنَعَ الْبَيْعَ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ هَذَا حُكْمَ الثَّمَنِ عِنْدَهُ إذَا فَاتَ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَاجِرَ جِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا مُنِعَ بَيْعُهُ لَمْ تُمْنَعْ إجَارَتُهُ لِمَنْفَعَتِهِ الْمُبَاحَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ مُنِعَ بَيْعُهُ وَلَمْ تُمْنَعْ إجَارَتُهُ لِمَنْفَعَتِهِ الْمُبَاحَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَلِفَ لَهُ شَيْءٌ عِنْدَ صَانِعٍ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ أَوْ غَاصِبٍ أَوْ مُتَعَدٍّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ سُرِقَتْ رُءُوسُ أُضْحِيَّتِهِ فِي الْفُرْنِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ شَيْئًا وَكَأَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ وَيَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ وَكَذَلِكَ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَضِيعُ أَوْ يُسْتَهْلَكُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ خَلِقَ ثَوْبُهُ فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ أَنَّ لَهُ أَخْذَ قِيمَتِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ الْمُسْتَهْلَكِ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صُوفُ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ جُزَّ قَبْلَ ذَبْحِهَا فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجُزَّهَا قَبْلَ الذَّبْحِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا تُجَزُّ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ تَعْيِينَهَا لِلْأُضْحِيَّةِ قَدْ أَثَّرَ الْمَنْعُ فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا كَاللَّحْمِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مَعْنًى تَجُوزُ إزَالَتُهُ مِنْهَا قَبْلَ الذَّبْحِ دُونَ مَضَرَّةٍ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهَا قَبْلَ إيجَابِهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ جَزَّهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَدْ أَسَاءَ وَتُجْزِيهِ أُضْحِيَّتُهُ وَيَنْتَفِعُ بِالصُّوفِ وَلَا يَبِيعُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا أَرَى بِبَيْعِهِ بَأْسًا وَيَأْكُلُ ثَمَنَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَهُ بَيْعُهُ وَيَصْنَعُ بِثَمَنِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ جَزِّهِ حَتَّى يَتَقَرَّبَ بِذَبْحِهَا عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَنْعِ مُتَعَلِّقٌ بِبَيْعِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ جَزُّهُ وَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ إلَّا أَنَّ جَزَّهُ فِي حُكْمِ تَفْرِيقِ أَبْعَاضِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْعٌ كَالْوِلَادَةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلذَّكَاةِ تَأْثِيرٌ فِي الصُّوفِ جَازَ التَّفْرِيقُ لَا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ كَمَا لَا يُبَاعُ الْوَلَدُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الصُّوفَ لَمَّا كَانَ لَا يُؤْكَلُ جَازَ بَيْعُهُ وَأَكْلُ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يُتَوَصَّلُ إلَى أَكْلِ أَجْزَاءِ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا. (فَرْعٌ) فَأَمَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَهُ جَزُّ صُوفِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَنْتَجَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ وَلَدِهَا وَقَالَ مَالِكٌ إنْ ذَبَحَهُ مَعَ أُمِّهِ فَحَسَنٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ سِنَّ الْأُضْحِيَّةِ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي السَّخْلَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِصِفَتِهَا دُونَ صِفَتِهِ كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا لَبَنُ الْأُضْحِيَّةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَهُ شُرْبُ لَبَنِ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ لَبَنِ الْهَدْيِ وَلَا مَا فَضَلَ عَنْ فَصِيلِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَالْبَدَنَةُ قَدْ وَجَبَتْ بِالتَّقْلِيدِ مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ نَافِعٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى. وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ. وَقَدْ فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ

[ادخار لحوم الأضاحي]

ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ فَعَلَهُ لِحَاجَتِهِ أَوْ فَعَلَهُ اسْتِحْبَابًا. [ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ يُرِيدُ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ذَابِحُهَا وَالْمُضَحِّي بِهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبَاحَ الذَّبْحَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَبَاحَ الْأَكْلَ فِيهَا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَقَصَرَ إبَاحَةَ الْأَكْلِ عَلَيْهَا لِيَتَمَكَّنَ الْمُضَحِّي بِأَنْ يُؤَخِّرَ الذَّبْحَ إلَى آخِرِهَا وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ مِنْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ إبَاحَةَ الْأَكْلِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ وَإِنْ ضَحَّى فِي آخِرِ أَيَّامِ الذَّبْحِ فَأُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا يَأْكُلُ فِيهِ مِنْهَا لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ مِنْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ أَوْ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ تَضْيِيقًا عَلَيْهِ وَفِي أَكْلِهِ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُنْتَفَعٌ وَسَعَةٌ وَنَهَى عَنْ أَكْلِهَا بَعْدُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ وَتَزَوُّدِهِ وَادِّخَارِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْت عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا ذَاكَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالُوا: نَهَيْت عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا» يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ) . (ش) : قَوْلُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَقَدْ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ بِدَلِيلِ إنْ وُجِدَ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ فَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى التَّحْرِيمِ وَإِنَّ النَّسْخَ بِإِبَاحَتِهِ طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهِيَةُ مَنْسُوخَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَنْعِ ثَبَتَ لِعِلَّةٍ وَارْتَفَعَ لِعَدَمِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَنْعَ وَإِنْ وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ مَحْمُولًا عَلَى الْخُصُوصِ بِدَلِيلِ فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَتَعَلَّقَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» وَإِذَا وَرَدَتْ الْإِبَاحَةُ بَعْدَ الْحَظْرِ فَهُوَ حَقِيقَةُ النَّسْخِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا «قَالَتْ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نَصْلُحُ مِنْهُ فَنَقْدُمُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِدَامَةِ حُكْمِ الْمَنْعِ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْأَضْحَى لِيَعْلَمُوا بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ عِنْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الِامْتِنَاعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا مَنَعَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا فَقَالَ: اُنْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ وَأَنَّ عِلَّةَ الْحَاجَةِ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ وَأَنَّ الْحَاجَةَ لَوْ نَزَلَتْ الْيَوْمَ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ لَلَزِمَ النَّاسَ مُوَاسَاتُهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا لَك أَنَّهُ حُكْمٌ مَنْسُوخٌ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الدَّافَّةِ خَاصَّةً وَمَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ بِالْمَجَاعَةِ لَمَا اخْتَصَّ ذَلِكَ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَلْ كَانَ يَلْزَمُ النَّاسَ مُوَاسَاتُهُمْ بِهَا وَبِغَيْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ» رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ عَنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَقَالَ: الدَّافَّةُ الْقَوْمُ الْقَادِمُونَ عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدَّخِرُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيّ فَيَمْنَعُوهَا الَّذِينَ قَدِمُوا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَّخِرُوا وَسَعَوْا بِذَلِكَ عَلَى إخْوَانِهِمْ الْقَادِمِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ: وَالدَّافَّةُ الْجَمَاعَةُ تَسِيرُ سَيْرًا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ يُقَالُ هُمْ يَدِفُّونَ دَفِيفًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا يَقْضِي» أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُ يَوْمَ الْأَضْحَى مَا يَكْفِي لِثَلَاثٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الِانْتِفَاعُ لِلدَّافَّةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى وَفِيمَا بَعْدَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ اتِّخَاذِ الْأَسْقِيَةِ مِنْ جُلُودِهَا لِأَجْلِ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا تَنَاوَلَ أَكْلَ اللَّحْمِ. وَقَدْ رُوِيَ لَفْظٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ شَيْءٌ مِنْهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِأَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا» لَفْظَةُ كُلُوا قَدْ رُوِيَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَاهَا الْإِبَاحَةُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ عَلَى الرَّجُلِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ بَدَنَتِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ تَصَدَّقَ بِلَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ كُلِّهِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ. وَرُوِيَ مَا يَدُلُّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلنَّدَبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ لَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ كُلِّهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ مُخْطِئًا وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يُخْرَجُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْأَكْلِ مِنْهُ، أَصْلُ ذَلِكَ مَا نَذَرَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يُذْبَحُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَكَانَ الْأَكْلُ مِنْهُ مَشْرُوعًا مَنْدُوبًا إلَيْهِ كَالْهَدْيِ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَكْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ بَعِيدٌ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ «فَتَصَدَّقُوا» فَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ الْيَوْمَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ وَتَصَدَّقُوا وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ فَإِذَا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِأُضْحِيَّتِهِ كُلِّهَا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا لَكَانَ مُخْطِئًا كَمَا لَوْ أَكَلَهَا وَلَمْ يَطْعَمْ مِنْهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِبَعْضِ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا جَازَ لَهُ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِطْعَامَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ مَشْرُوعٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ يَجِدْ مَا يَطْعَمُ مِنْهَا وَلَا مَا يَأْكُلُ وَمَا فَعَلَ مِمَّا قَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ يُجْزِئُ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْكُلَ الْأَقَلَّ وَيَقْسِمَ مَا بَقِيَ وَلَوْ قِيلَ: يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَقْسِمُ الثُّلُثَيْنِ كَانَ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الشركة في الضحايا وعن كم تذبح البقرة والبدنة]

فَقَالُوا: هُوَ مِنْهَا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا فَقَالُوا: إنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا بَعْدَك أَمْرٌ فَخَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا أَوْ تَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا قُدِّمَ إلَيْهِ اللَّحْمُ اُنْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ عَلَى وَجْهِ التَّحَرُّزِ وَالِاحْتِيَاطِ لِدِينِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ فِي انْصِرَافِهِ مِنْ مِنًى إلَّا الزَّيْتَ خَوْفًا مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ الَّتِي كَانَ يَعْتَقِدُ اسْتِدَامَةَ الْمَنْعِ فِيهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ لِلْمُتَحَفِّظِ بِدِينِهِ أَنْ يَسْأَلَ وَيَبْحَثَ إنْ كَثُرَ الْمَحْظُورُ فَإِذَا كَانَ شَاذًّا جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَغْلَبِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهَا مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا إنْكَارٌ لِتَقْدِيمِهَا إلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ مِمَّا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِوَجْهِ الْأَمْرِ وَهُوَ مَا حَدَثَ مِنْ نَسْخِ مَا عَلِمَ مِنْ الْحَظْرِ بِالْإِبَاحَةِ وَقَوْلُهُمْ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا فَسَّرُوا لَهُ مَعْنَى الْأَمْرِ فَأَرَادَ أَنْ يَحْتَاطَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ وَأَفْهَمُ وَأَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ قِيلَ لَهُ قَدْ حَدَثَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ أَمْرٌ وَلَمْ يُفَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ أُخْبِرَ بِأَنَّهُ مَعْنًى يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ فَخَرَجَ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَتَفْسِيرِهِ فَأُخْبِرَ بِهِ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا» يُرِيدُ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَهُمْ الْأَكْلَ بَعْدَ الثَّلَاثِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» يَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» يَعْنِي لَا تَقُولُوا سُوءًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ: الْهُجْرُ الْفُحْشُ وَالْهَجْرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ الْهَذَيَانُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لَا تَقُولُوا هُجْرًا لَا تَدْعُوا بِالْوَيْلِ وَالْحَرْبِ وَالْعَوِيلِ أَوْ تَقُولُوا مَا يُسْخِطُ اللَّهَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ: لَا تَقُولُوا هُجْرًا لَا تَقُولُوا سُوءًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُنَا يَقْرَؤُهَا لَا تُعْرُوا هُجْرًا. [الشَّرِكَةُ فِي الضَّحَايَا وَعَنْ كَمْ تُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ] 1 ُ قَوْلُهُ وَعَنْ كَمْ تُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ يُرِيدُ وَتُنْحَرُ الْبَدَنَةُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَلَكِنَّهُ عَطَفَ تَذْكِيَةَ الْبَدَنَةِ عَلَى تَذْكِيَةِ الْبَقَرَةِ بِلَفْظِ الذَّبْحِ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا فِي التَّذْكِيَةِ. ص (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْبُدْنَ وَالْبَقَرَ تُنْحَرُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ ذَبْحِ الْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا الْوَاجِبَةِ وَلَا فِي الضَّحَايَا أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي ثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ الْبَدَنَةِ فَيَشْتَرُونَهَا بِالثَّمَنِ الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ يَذْبَحُونَهَا أَوْ يَنْحَرُونَهَا فَأَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَذْبَحَهَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ سَبْعَةٌ فِي ثَمَنِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يَذْبَحُونَهَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَصَدَ الْقُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ وَإِنْ كَانَتْ وُجُوهُهَا مُخْتَلِفَةً مِثْلُ أَنْ يَلْزَمَ أَحَدَهُمْ جَزَاءُ صَيْدٍ وَيَلْزَمُ الْآخَرَ فِدْيَةُ أَذًى وَيُرِيدُ هَدْيَ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْصِدُ الْقُرْبَةَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ اللَّحْمَ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُ حَتَّى تَكُونَ وُجُوهُ الْقُرْبَةِ وَاحِدَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الرَّقَبَةِ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ تُنْحَرَ الْبَدَنَةُ الْوَاحِدَةُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ إخْرَاجَ مِثْلِهِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَمَنْ أَخْرَجَ سُبْعَ بَدَنَةٍ فَلَمْ يُخْرِجْ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا هَدْيٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِكًا أَصْلُهُ الشَّاةُ أَمَّا هُمْ فَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَنْصُوصِ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْحَسَنِ قَدْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي الزُّبَيْرِ وَهْمٌ لِذِكْرِهِ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَجَوَابُهُ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ بِجَوَابٍ ثَانٍ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي نَحَرَ عَنْهُمْ وَكَانَ الْهَدْيُ جَمِيعُهُ لَهُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَمْنَعُ الِاشْتِرَاكَ فِي رَقَبَةِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ قَالَا: وَهَذَا كَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى وَقَالَ: هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: فَكَانَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا يَذْبَحُ الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ أَهْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَبٌ لَهُمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ قَالَ: وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي رَوَى مِنْ اشْتِرَاكِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْبُدْنِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَهَا وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ فِيهَا وَلَمْ يُخْرِجْ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا مِنْ ثَمَنِهَا وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُدْخِلَ غَيْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ فِي أُضْحِيَّتِهِ وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِجَوَابٍ آخَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا يَتَمَنَّعُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ سَاقُوا ذَلِكَ وَقَلَّدُوهُ تَطَوُّعًا وَاَلَّذِي أَدَّى الثَّمَنَ وَاحِدٌ وَقَدْ أَشْرَكَ مَعَهُ قَوْمًا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ ثَمَنًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ الْمَحْضِ جَائِزٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَمَّا أَنْ يَزِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مِنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ تَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالسُّنَّةِ فَلَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَوَابُ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِيَشْتَرِكَ النَّفَرُ مِنْكُمْ فِي الْهَدْيِ يُوشِكُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عِيَالُهُ فَيُخْرِجُ عَنْهُمْ أَوْ يَدْفَعُ إلَى كُلِّ نَفَرٍ مِنْهُمْ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ بِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ أَنْ تُذْبَحَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ عَنْ عَدَدٍ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي ذُبِحَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعُونَ بَدَنَةً وَلَا يَتَّفِقُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ إمَّا عَلَى تَجْوِيزِ الِاشْتِرَاكِ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَلَا يُرَاعَى ذَلِكَ وَيَسْقُطُ هَذَا السُّؤَالُ جُمْلَةً وَأَمَّا عَلَى مَنْعِنَا ذَلِكَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْحَرَ عَنْ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ فِي أُضْحِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يُشْرِكَ بَعْضًا وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ بَقَرَةً وَاحِدَةً» رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً» . وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَهْلُ بَيْتٍ مِنْ

[الباب الأول فيما يستحب من عدد الضحايا]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ قَالَ: كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَقَدْ صَارَتْ مُبَاهَاةً) . [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ عَدَدِ الضَّحَايَا] ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبْعَةٍ وَقَوْمٌ لَيْسُوا أَهْلَ بَيْتٍ فَنَحَرَ الْهَدْيَ عَنْ سَبْعَةٍ وَعَنْ خَمْسَةٍ وَعَنْ وَاحِدٍ وَقَصَدَ الرَّاوِي إلَى الْأَخْبَارِ عَنْ أَكْثَرِ عَدَدٍ نُحِرَتْ عَنْهُمْ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ آحَادِ النَّاسِ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ عَنْ نَفْسِهِ بَدَنَةً وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ وَهَذَا كَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ» وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَنْحَرْ بَقَرَةً عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ فَيَصِحُّ لَكُمْ هَذَا التَّعَلُّقُ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَكُمْ أَنْ لَا تُنْحَرَ بَدَنَةٌ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَلَا عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُنْحَرَ عَنْ سَبْعَةٍ أَوْ أَقَلَّ؟ فَالْجَوَابُ عِنْدِي إنَّمَا لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي هَدْيٍ قُلِّدَ وَأُشْعِرَ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ قُلِّدَ وَأُشْعِرَ عَنْ جَمَاعَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمْ فِي رَقَبَتِهِ وَأَمَّا مَا لَمْ يَسْبِقْ بِهِ إيجَابٌ بِتَقْلِيدٍ وَلَا إشْعَارٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالنَّحْرِ أَوْ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةِ أَوْ يَكُونُ مُضَافًا مِلْكُهُ لِوَاحِدٍ وَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَجْرِ وَرَقَبَةُ الْهَدْيِ بَاقِيَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُقَلِّدِ لَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ مِنْ عِيَالِهِ أَوْ مِمَّنْ يَصِحُّ أَوْ يُرِيدُهُ بِأُضْحِيَّتِهِ فَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَدَنَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ السَّبْعَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الْأُضْحِيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَذْبَحَهَا عَنْ جَمِيعِهِمْ فَيَسْقُطَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَلَكِنَّ لَحْمَ الشَّاةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يُعْطِيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَا يُرِيدُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَجُوزُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْهَدْيَ يَجِبُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ فَثَبَتَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ قَبْلَ إنْفَاذِ ذَبْحِهِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُوجِبُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا أَهْلَ بَيْتِهِ جَازَ ذَلِكَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهَذَا مَا لَمْ يُجِبْ الْأُضْحِيَّةَ بِالْقَوْلِ فَإِنْ أَوْجَبَهَا بِالْقَوْلِ فَحُكْمُهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمَ الْهَدْيِ الَّذِي قَدْ وَجَبَ بِالتَّقْلِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُرِيدُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَتَنَاوَلُ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِهِ وَلِذَلِكَ أَضَافَ ذَبْحَهَا إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُشْرِكُ أَهْلَ بَيْتِهِ فِي ثَوَابِهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ مَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّ قَوْلَ أَبِي أَيُّوبَ كُنَّا نَفْعَلُ إنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى بِلَفْظٍ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَمِثْلُ هَذَا مَعَ تَكْرَارِهِ لَا يَخْفَى فِي الْأَغْلَبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِهِ وَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ عَدَدِ الضَّحَايَا وَالثَّانِي فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْإِنْسَانُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالثَّالِثُ فِيمَنْ يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ عَدَدِ الضَّحَايَا) لَا خِلَافَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ يُجْزِي الْإِنْسَانَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: أَسْتَحِبُّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ بِشَاةٍ لِمَنْ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَأَبْعَدُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي هُنَا فِي الضَّحَايَا. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ] 1

[الباب الثالث في ذكر من يلزمه أن يضحي عنه]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ النَّفَرُ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ أَوْ الشَّاةَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا فِي النُّسُكِ وَالضَّحَايَا فَيُخْرِجُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ حِصَّةً مِنْ ثَمَنِهَا وَتَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ لَحْمِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْت الْحَدِيثَ أَنَّهُ «لَا يُشْتَرَكُ فِي النُّسُكِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ) يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَعْنِي بِأَهْلِ بَيْتِهِ أَهْلَ نَفَقَتِهِ قَلِيلًا كَانُوا أَوْ كَثِيرًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَلَدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إذَا كَانَ فِي نَفَقَتِهِ وَبَيْتِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ ضُمَّ إلَى نَفَقَتِهِ مِنْ أَخٍ أَوْ ابْنِ أَخٍ قَرِيبٍ فَأَبَاحَ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: أَحَدُهَا: الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْمُسَاكَنَةُ لَهُ وَالثَّالِثُ الْقَرَابَةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: لَهُ أَنْ يُدْخِلَ زَوْجَتَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ وَالْإِنْفَاقَ مَوْجُودَانِ وَالزَّوْجِيَّةَ آكَدُ مِنْ الْقَرَابَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ شَاءَ أَنْ يُدْخِلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ أَجْزَأَ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَسَبَبُهُ مَوْجُودٌ فِيمَنْ لَهُ عَلَيْهِ رِقٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُدْخِلُ يَتِيمَهُ فِي أُضْحِيَّتِهِ وَلَا يُشْرِكُ بَيْنَ يَتِيمَيْنِ فِي أُضْحِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَجَانِبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا شَرِيكَ وَلَا رَفِيقَ مِنْ الْأَجَانِبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا عُدِمَ مِنْ بَعْضِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدَانِ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لَيْسَا فِي نَفَقَتِهِ وَلَوْ كَانَا عَلَى ذَلِكَ لَجَازَ عِنْدِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَقَارِبِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَلْزَمُ الرَّجُلَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ مَا لَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَا رَقِيقِ أُمِّهِ وَلَا مَنْ لَهُ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْمُبَاهَاةُ بِمَا كَانَ لِلَّهِ أَفْضَلُ يُرِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي ذَلِكَ إذَا خَلَصَتْ لِلَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ التَّقَلُّلِ وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ أَفْضَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ ثَمَنًا مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُتَعَارَفِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ: كَرِهَ مَالِكٌ تَغَالِي النَّاسِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيَشْتَرِي كَشِرَاءِ النَّاسِ فَأَمَّا أَنْ يَجِدَهُ بِعَشَرَةٍ وَيَشْتَرِيَهُ بِمِائَةٍ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ وَيَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمُتَعَارَفِ مِنْ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَيَشُقُّ عَلَى مَنْ أَرَادَ مُنَافَسَتَهُ قَاصِدًا لِلْخَيْرِ فَتَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْكَرَاهِيَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَصْدُ الْمُبَاهَاةِ وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْخُرُوجُ عَنْ الْعَادَةِ وَالشُّذُوذِ فِي الْمُغَالَاةِ وَكَذَلِكَ فِي الْعَدَدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَرَاهِيَةُ مِنْ وَجْهِ الْمُبَاهَاةِ وَهُوَ فِي الْمُعْتَادِ مِنْ إخْرَاجِ ضَحِيَّةٍ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ وَتَقَيُّدُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَالْمُقَارَنَةُ لَهُ وَالثَّانِي الشُّذُوذُ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعَادَةِ فَإِذَا سَلِمَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ مَذْمُومٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَاهَاةِ إذَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَمَّ أَبُو أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ التَّفَاخُرَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُبَاهَاةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُفَاخَرَةِ وَمَنْ يَقْصِدُ هَذَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ فِي الضَّحَايَا وَالنُّسُكِ وَأَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهَا لِوَاحِدٍ بَدَنَةً كَانَتْ أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَيَذْبَحُهَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.

[الضحية عما في بطن المرأة وذكر أيام الأضحى]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً» قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) . الضَّحِيَّةُ عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذِكْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُضْحِيَّةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ بَيْتِهِ بِذَلِكَ وَلِذَلِكَ يُدْخِلُ فِيهَا مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِ مَنْ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَأَمَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِجُزْءٍ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ النُّسُكَ لَا يَتَبَعَّضُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ بَدَلَهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَتَبَعَّضَ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ فِي مُبَدِّلِهِ الَّذِي لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَبَعَّضَ أَوْلَى. (ش) : قَوْلُهُ «مَا نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إلَّا بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً» يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَجَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدَةٍ لِلرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي عَامٍ مَا لِعَدَمِ الضَّحَايَا أَوْ الْهَدَايَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهَا لِيُبَيِّنَ جَوَازَ ذَلِكَ. [الضَّحِيَّةُ عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَذِكْرِ أَيَّامِ الْأَضْحَى] (ش) : قَوْلُهُ الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى يُرِيدُ أَنَّ يَوْمَ الْأَضْحَى أَوَّلًا يَوْمُ الذَّبْحِ ثُمَّ الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَإِنَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ بِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةٌ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] قَالَ: وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَوْمُ النَّحْرِ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ وَالْيَوْمَانِ بَعْدَهُ مَعْلُومَانِ مَعْدُودَانِ وَالرَّابِعُ مَعْدُودٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفَائِدَةُ وَصْفِنَا لَهُ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ وَفَائِدَةُ وَصْفِنَا لَهُ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ أَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَعْدَ ثَلَاثٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ أَبَاحَ الْأَكْلَ مِنْهَا فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ فَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْهَا لَكَانَ قَدْ حَرُمَ عَلَى مَنْ ذَبَحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَوْمٌ مَشْرُوعٌ النَّفْرُ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ كَالْخَامِسِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَيَّامَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةٌ فَإِنَّ أَفْضَلَهَا أَوَّلُهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - الْمُسَارَعَةُ إلَى الطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ اللَّيْلُ مِنْ زَمَنِ الذَّبْحِ فِي أُضْحِيَّةٍ وَلَا هَدْيٍ وَلَا عَقِيقَةٍ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: تُذْبَحُ الْأُضْحِيَّةُ لَيْلًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: أَرَادَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَخَصَّ بِذَلِكَ الْأَيَّامَ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا دُونَ اللَّيَالِي عَلَى مَا نَعْتَقِدُهُ مِنْ الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ التَّعَلُّقَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالذَّبْحِ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ وَطَرِيقُ تَعَلُّقِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ بِالْأَوْقَاتِ الشَّرْعُ لَا طَرِيقَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِذَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَعَلُّقِهِ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] «وَبِنَحْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَبْحِهِ أُضْحِيَّتَهُ نَهَارًا» عَلِمْنَا جَوَازَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُعَدِّيَهُ إلَى اللَّيْلِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ طَلَبْنَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الضَّحِيَّةُ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَوِيَ عَلَى ثَمَنِهَا أَنْ يَتْرُكَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّرْعِ فَلَمْ تَجِدْ دَلِيلًا وَلَوْ كَانَ لَوَجَدْنَاهُ مَعَ الْبَحْثِ وَالطَّلَبِ فَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ. 1 - (فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ أُضْحِيَّتَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَحِلُّ السُّبْحَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ قَدْرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ فَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَخَّرَ إلَى تَمَكُّنِ طُلُوعِهَا لِئَلَّا يَكُونَ الذَّبْحُ عِنْدَ طُلُوعِهَا كَالْقَصْدِ لَهَا بِذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَيِّ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيِّ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُضَحِّيَ الرَّجُلُ عَنْ أَبَوَيْهِ الْمَيِّتَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ أُضْحِيَّةٌ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِمْ لَا أُمِّ وَلَدٍ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ أَوْ يُدْخِلَهُمْ فِي أُضْحِيَّتِهِ أَوْ يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَمْوَالِهِمْ فَحَسَنٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي الْقُرْبَةَ وَالْمَالَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقُرْبَةُ عَائِدَةً إلَى مَنْفَعَةِ الْمُتَقَرِّبِ بِهَا صَحَّتْ مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَدْ ضَحَّى أَوْ لَمْ يُضَحِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ لُزُومِ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ وَقْتُ أَدَائِهَا وَهُوَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فِي ذَلِكَ أَوْ أَسْلَمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ. (ش) : وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يَسْتَعْمِلُهَا أَصْحَابُنَا فِيمَا تَأَكَّدَ اسْتِحْبَابُهُ وَبَلَغَ صِفَةً مَا مِنْ تَأْكِيدِهِ الِاسْتِحْبَابَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَرَكَهَا أَثِمَ وَهَذَا مَعْنَى الْوُجُوبِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ: هِيَ سُنَّةٌ مُوجَبَةٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ مِنْ وَاجِبَاتِ السُّنَنِ وَتَرْكُهَا خَطِيئَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَيْهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ مِنْ الْأَقْوَالِ غَيْرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ اللَّذَيْنِ يُؤَثِّمَانِ تَارِكَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ إلَّا الْوُجُوبَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ أَهْلِ الْإِقَامَةِ دُونَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ النِّصَابَ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بَعْدَ الْمَنْزِلِ وَالْخَادِمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ الْمُكَلَّفِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إرَادَتِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ذَبِيحَةٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُقِيمِ كَالْعَقِيقَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَلَاةُ عِيدٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ وَجَمِيعِ النَّاسِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الْأَحْرَارُ مِنْ أَهْلِ مِنًى وَغَيْرِهَا وَالْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا الْحَاجَّ خَاصَّةً فِي ذَلِكَ بِمِنًى فَإِنَّهُمْ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي الْمَالِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَكَانَتْ عَامَّةً عَلَى مَنْ وَجَدَهَا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَأَمَّا الْحَاجُّ بِمِنًى فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَضَاحٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَبِيحَةُ الْحَاجِّ هَدْيٌ وَلَيْسَتْ بِأُضْحِيَّةٍ وَلَيْسَ وُجُوبُهُ كَوُجُوبِ الضَّحَايَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاجَّ لَمَّا كَانَ نُسُكُهُ شِعَارًا وَهُوَ التَّلْبِيَةُ كَانَ نُسُكُهُ بِالذَّبْحِ شِعَارًا وَهُوَ التَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّدَ وَأَشْعَرَ مَا سَاقَهُ فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَجَعَلَهُ هَدْيًا وَلَمْ يُضَحِّ بِشَيْءٍ مِنْهُ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَلْزَمُ وَصِيُّ الْيَتِيمِ أَنْ

[كتاب العقيقة]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الْعَقِيقَةِ (ص) : (مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ) (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنَى ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ الِاسْمَ وَقَالَ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُضَحِّيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ ثَلَاثِينَ دِينَارًا بِشَاةٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ مَنْ مَالُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْمَالِ يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْعَقِيقَةِ] [مَا جَاءَ فِي الْعَقِيقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ ظَاهِرُهُ كَرَاهِيَةُ الِاسْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ لَفْظِ الْعُقُوقِ وَآثَرَ أَنْ يُسَمَّى نُسُكًا كَمَا قَالَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ وَرَدَ عَلَيْهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو «وَسَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» وَكَرِهَ لِحَزَنٍ أَنْ يُسَمَّى حَزَنًا قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ لِيَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْ شَأْنِ الْعَقِيقَةِ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَعْمِدُونَ مَاءً يَجْعَلُونَهُمْ فِيهِ وَيَقُولُونَ قَدْ أَدْخَلْنَاهُمْ فِي الدِّينِ بِمَا يَعْمَلُونَهُ بِصِبْيَانِهِمْ وَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ الذَّبْحَ فِي الْعَقِيقَةِ وَقَدْ عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ فَيَقَعُ فِي قَلْبِي فِي الذَّبْحِ عَنْ الصَّبِيِّ أَنَّهَا شَرِيعَةٌ لِلْإِسْلَامِ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ سَمِعْت غَيْرِي يَذْكُرُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَقِيقَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِ أَبِي الْمَوْلُودِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: مَنْ لَمْ يَذْبَحْ وَلَمْ يُطْعِمْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا: هِيَ وَاجِبَةٌ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ نُسُكًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا» وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ فَإِذَا اجْتَمَعْنَا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ النَّدْبُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْأَبِ عَنْ ابْنِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ لَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الْعَقِيقَةُ فِي مَالِ الْأَبِ عَنْ ابْنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ ابْنِهِ» فَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي جِهَةِ الْآبَاءِ عَنْ الِابْنِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: يُعَقُّ عَنْ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَقَارِبِ غَيْرَ الْأَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ وَقْتَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ ضُحًى سَاعَةَ تُذْبَحُ الْأُضْحِيَّةُ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُذْبَحُ الْعَقِيقَةُ لَيْلًا وَلَا بِالسَّحَرِ وَلَا بِالْعَشِيِّ إلَّا مِنْ الضُّحَى إلَى الزَّوَالِ زَادَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: وَمَنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ الْأَوَانِ الَّذِي تُذْبَحُ الضَّحِيَّةُ فِيهِ لَمْ أَرَهَا مُجْزِيَةً وَلْيَذْبَحْ عَقِيقَةً أُخْرَى ضُحًى يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُسُكٌ يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ فَكَانَتْ سُنَّةً ذَبْحُهُ ضُحًى كَالْأُضْحِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ وَذَلِكَ أَنْ يَمْضِيَ لِلْمَوْلُودِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَسَبْعُ لَيَالٍ رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهْنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى» فَإِنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ فَهَلْ يُعَقُّ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَرَكَ أَنْ يَعُقَّ عَنْ ابْنِهِ فِي يَوْمِ سَابِعِهِ فَإِنَّهُ يُعَقُّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الثَّانِي فَإِنْ تَرَكَ

[العمل في العقيقة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً وَحَدَّثَنِي عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً) . الْعَمَلُ فِي الْعَقِيقَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهَا وَكَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ فَفِي الثَّالِثِ فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْعَقِيقَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجَاوِزُ بِالْعَقِيقَةِ الْيَوْمَ السَّابِعَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَقْيَسُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ فَلَمْ يَكُنْ وَقْتُ ذَبْحِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ أَقْرَبَ إلَى السَّابِعِ مِمَّا بَعْدَهُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَا يُذْبَحُ فِيهِ فَبِأَنْ لَا يُذْبَحُ فِيمَا بَعْدَهُ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْعَقِيقَةِ قَبْلَ السَّابِعِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ السَّابِعِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَذْبَحُوا عَنْهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا هُوَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ فَإِنْ أَدْرَكَ الصَّبِيُّ ذَلِكَ الْوَقْتَ ثَبَتَ حُكْمُهَا وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حُكْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : فِعْلُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَذَا حَسَنٌ لِمَنْ فَعَلَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ: لَيْسَ عَلَى النَّاسِ التَّصَدُّقُ بِوَزْنِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا مَنْ فَعَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَا ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَمَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا بِأَمْرٍ مَشْرُوعٍ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ لَازِمًا فَلَا نَكِيرَ فِيهِ بَلْ هُوَ فِعْلُ بِرٍّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْلَقَ شَعْرُ الصَّبِيِّ يَوْمَ سَابِعِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: هُوَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» . [الْعَمَلُ فِي الْعَقِيقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ مَشْرُوعَةٌ وَهِيَ مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ وَكَانَ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ الْمَعُونَةَ عَلَى الْبِرِّ إلَّا أَعَانَهُ عَلَيْهِ وَأَجَابَهُ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ شَاتَانِ عَنْ الْغُلَامِ وَشَاةٌ عَنْ الْجَارِيَةِ وَذَلِكَ حَسَنٌ لِمَنْ أَحْدَثَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» وَلَا يَفْعَلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْأَفْضَلَ وَلَمَّا وَاظَبَ عَلَى هَذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِمُجْزِيَةٍ عَنْ الْغُلَامِ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ هَذَا ذَبْحٌ مُتَقَرَّبٌ بِهِ فَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ ص. (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَسْتَحِبُّ الْعَقِيقَةَ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ) . (ش) : قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ يُرِيدُ أَنْ يُجْزِيَ الْعُصْفُورُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَحْقِيقَ اسْتِحْبَابِ الْعَقِيقَةِ وَأَنْ لَا تُتْرَكَ وَإِنْ لَمْ تَعْظُمْ فِيهَا النَّفَقَةُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَعُقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا الْوَحْشِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَقِيقَةَ نُسُكٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُعَقُّ إلَّا بِالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالضَّأْنُ أَفْضَلُهَا.

(ص) :. (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّهُ عَقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ) . (ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ أَنَّهُ مَنْ عَقَّ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ عَنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَلَيْسَتْ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا وَهِيَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ وَالضَّحَايَا لَا يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ وَلَا عَجْفَاءُ وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ وَلَا مَرِيضَةٌ وَلَا يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلَا جِلْدِهَا وَتُكْسَرُ عِظَامُهَا وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ الْمَعْزُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يُعَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا الْبَقَرِ وَإِنَّمَا الْعَقِيقَةُ بِالضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا نُسُكٌ فَكَانَ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِشَاةٍ شَاةٍ» وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ إمَّا فِي وُجُوبِ الْفِعْلِ وَإِمَّا فِي تَعَلُّقِهِ بِجِنْسِ الْعَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُسِنُّ الَّذِي يُجْزِي فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَنْعَامِ هُوَ الْمُسِنُّ الَّذِي يُجْزِي فِي الضَّحَايَا رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا فِي شَاةِ النُّسُكِ وَأَمَّا مَا يَكْثُرُ بِهِ الطَّعَامُ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ جِنْسٌ وَلَا سِنٌّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: ذَبَحْت عَنْ وَلَدِي عَقِيقَةً فَذَبَحْت مِنْ اللَّيْلِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ إلَيْهِ إخْوَانِي وَغَيْرَهُمْ فَلَمَّا كَانَ ضُحًى ذَبَحْت شَاةَ الْعَقِيقَةِ فَأَهْدَيْت مِنْهَا لِلْجِيرَانِ وَأَكَلَ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ (ص) :. (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّهُ عَقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ السُّنَّةُ الَّتِي يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَالِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَإِذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ ثَبَتَ جَوَازُهُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ بِشَاةٍ شَاةٍ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي ذَلِكَ وَيَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِيهَا وَلَا يُضَحِّي عَنْ ابْنَيْنِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا بِشَاتَيْنِ يُشْرِكُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُسُكٌ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ تَوْأَمَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاةٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْهُمْ بِشَاةٍ شَاةٍ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الْعَقِيقَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَوْلُهُ فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ مِنْ الضَّحَايَا لَا تُجْزِي فِيهَا عَوْرَاءُ وَلَا عَجْفَاءُ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهَا فِي سَلَامَتِهَا مِنْ الْعُيُوبِ حُكْمُ الضَّحَايَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُسُكٌ مُتَقَرَّبٌ بِهِ فَشُرِعَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ كَالضَّحَايَا. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ وَجَدَهَا بَعْدَ أَنْ ذَبَحَهَا مَعِيبَةً عَيْبًا يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: فَعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُ بَدَلُهَا مَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُهَا وَإِنْ فَاتَ وَقْتُهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ وَحُكْمُ لَحْمِهَا حُكْمُ لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ ذَبَحَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا مَا يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا جِلْدِهَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَبْقَى فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمِلْكِ أَكْثَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَالتَّصَدُّقِ فَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَسَكَ بِهَا أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتُكْسَرُ عِظَامُهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا قَالَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إذَا عَقُّوا عَنْ الْمَوْلُودِ لَمْ يَكْسِرُوا الْعِظَامَ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَقِيقَةُ تُفْصَلُ مِنْ مَفْصِلٍ إلَى مَفْصِلٍ فَأَتَى الْإِسْلَامُ بِالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ إنْ أَحَبَّ أَهْلُهَا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا وَافَقَهُمْ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ كَسْرَ عِظَامِهَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ تَحَرِّي الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالْعَقِيقَةُ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الذَّبَائِحِ وَرُبَّمَا كَانَ لَهَا مَزِيَّةُ الْمُخَالَفَةِ لِفِعْلِ.

[كتاب الذبائح]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الذَّبَائِحِ مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ وَلَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهَا ثُمَّ كُلُوا» قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا أَمَّا أَكْلُ النَّاسِكِ بِهَا مِنْ لَحْمِهَا فَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ مَشْرُوعَةٌ كَمُشْتَرَكِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَذَلِكَ وَجْهُ التَّصَدُّقِ مِنْهَا. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَالْإِطْعَامِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَصِفَةُ الْإِطْعَامِ مِنْهَا فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ الشَّأْنُ عِنْدَنَا دُعَاءَ النَّاسِ إلَى طَعَامِهَا وَلَكِنْ يَأْكُلُ أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْجِيرَانُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَغْرِفُ مِنْهُ الْجِيرَانُ قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا أَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ الرِّجَالَ فَإِنِّي أَكْرَهُ الْفَخْرَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: عَقَقْت عَنْ وَلَدِي وَذَبَحْت مَا أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ إلَيْهِ إخْوَانِي وَغَيْرَهُمْ وَهَيَّأْت طَعَامَهُمْ ثُمَّ ذَبَحْت ضُحًى شَاةَ الْعَقِيقَةِ فَأَهْدَيْت مِنْهَا لِلْجِيرَانِ وَأَكَلَ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَكَسَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ عِظَامِهَا فَطَبَخْت فَدَعَوْنَا إلَيْهَا الْجِيرَانَ فَأَكَلُوا وَأَكَلْنَا قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَذْبَحْ عَقِيقَةً ثُمَّ لِيَأْكُلَ وَلِيُطْعِمَ مِنْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عَلَّلَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ بِالْفَخْرِ وَمَا قَالَهُ يَقْتَضِي أَنَّ سُنَّةَ الْعَقِيقَةِ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ النَّاسَ فِي مَوَاضِعِهِمْ لِأَنَّهَا نُسُكٌ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ وَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ مَنْ يَخُصُّهُ مِنْ جَارٍ أَوْ صَدِيقٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَالْأُضْحِيَّةِ وَأَمَّا طَعَامُ الصَّنِيعِ وَهُوَ الْأَعْذَارُ فَلَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الضَّحَايَا وَلَا الْعَقِيقَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ سُنَّةِ الْعَقِيقَةِ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَقِيقَةِ فَلْيُجْرِهَا عَلَى سُنَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْعَقِيقَةِ أَكَلَهَا لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِسُنَّةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28] الْآيَةُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْضِبُونَ بَطْنَهُ يَوْمَ الْعَقِيقَةِ فَإِذَا حَلَقُوا الصَّبِيَّ وَضَعُوهَا عَلَى رَأْسِهِ فَوَرَدَ الشَّرْعُ أَنْ يَجْعَلُوا مَكَانَ الدَّمِ خَلُوقًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلَّقَ بِالْخَلُوقِ رَأْسُ الصَّبِيِّ بَدَلًا مِنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا بَأْسَ بِالْخَلُوقِ بَدَلًا مِنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ وَذَلِكَ مُبَاحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ] (ش) : قَوْلُهُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نَاسًا يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ وَلَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا» وَإِقْرَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ هَذَا السُّؤَالَ وَمُجَاوَبَتُهُ إيَّاهُمْ بِمَا جَاوَبَهُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ فِي الذَّبْحِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّسْمِيَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ لَقَالَ لَهُمْ وَمَا عَلَيْكُمْ مِنْ التَّسْمِيَةِ سَمَّوْا أَوْ لَمْ يُسَمَّوْا سَوَاءٌ كَمَا أَنَّ الْعَجْنَ وَالطَّبْخَ وَالزِّرَاعَةَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّسْمِيَةِ تَأْثِيرٌ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلسُّؤَالِ عَمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ تَرَكَهُ وَجْهٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْثِيرِ التَّسْمِيَةِ فِي الذَّبِيحَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ لِمَنْ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ فَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَتْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ: تُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مُسْتَخِفًّا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْجَهْمِ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ: سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ الْغُلَامُ: قَدْ سَمَّيْت فَقَالَ لَهُ: سَمِّ اللَّهَ وَيْحَك فَقَالَ لَهُ: قَدْ سَمَّيْت اللَّهَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ: وَاَللَّهُ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ تَرَكَهَا عَامِدًا كُرِهَ أَكْلُ تِلْكَ الذَّبِيحَةِ وَلَا تَحْرُمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تُؤْكَلْ وَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الذَّبِيحَةِ مَعَ الذِّكْرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنًى وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ فِسْقٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْفُسُوقِ مِنْ قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يُسْتَعْمَلُ مِنْ التَّسْمِيَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ تَسْمِيَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ مَا مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَفْضَلُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ زَادَ ذَابِحُ أُضْحِيَّتِهِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَكُرِهَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك وَعَابَهُ وَشَدَّدَ الْكَرَاهِيَةَ فِيهِ وَقَالَ: لَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ كُلُوا» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ عَلَى ذَبْحٍ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمْ فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ سَمُّوا اللَّهَ أَنْتُمْ الْآنَ فَتَسْتَبِيحُونَ بِهِ أَكْلَ مَا لَمْ تَعْرِفُوا أَذُكِرَ اسْمِي عَلَيْهِ أَمْ لَا إذَا كَانَ الذَّابِحُ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَبِيحَتُهُ إنْ سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الذَّابِحِينَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ مَا يَصِحُّ أَنْ لَا يَعْلَمُوا مِثْلَ هَذَا وَلَمْ يَبْلُغْ بَعْدُ إلَيْهِمْ شَرْعُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِمَّنْ يَكْثُرُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ لِمِثْلِ هَذَا أَوْ الْغَفْلَةُ عَنْهُ لَمَّا لَمْ تَجْرِ لَهُمْ بِهِ عَادَةٌ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ حَتَّى لَا يَكَادُ ذَابِحٌ يَتْرُكُ ذَلِكَ وَلَا نَجِدُ أَحَدًا إلَّا يَعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ الذَّبْحِ. (ش) : قَوْلُهُ لِلْغُلَامِ سَمِّ اللَّهَ إذَا كَانَ لَمَّا خَافَ أَنْ يَغْفُلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْسَاهُ وَلَمْ يَقْنَعْ بِإِخْبَارِ الْغُلَامِ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى اللَّهَ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا لَمْ يُسْمِعْهُ الْغُلَامُ التَّسْمِيَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى إخْبَارِهِ بِذَلِكَ وَفَاتَ مَوْضِعُ التَّسْمِيَةِ بِإِكْمَالِ الذَّبْحِ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَأْكُلَ الذَّبِيحَةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ إذَا أُخْبِرَ الذَّابِحُ أَنَّهُ قَدْ سَمَّى وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَهُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُ ابْنِ عَيَّاشٍ عَلَى وَجْهِ التَّنَاهِي فِي الْوَرَعِ وَالْأَخْذِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِالْأَحْوَطِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَبَاحَ لِغَيْرِهِ أَكْلَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَعْطَاهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَأَمَّا أَنْ يَحْرُمَ أَكْلُهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إطْرَاحُهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضَاعَةً لِلْمَالِ وَإِفْسَادًا لِلطَّعَامِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَحَسِبْت أَنَّهُ اتَّهَمَ الْغُلَامَ حِينَ لَمْ يُسْمِعْهُ التَّسْمِيَةَ قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ وَرَعَ كَمَا وَرَعَ ابْنُ عَيَّاشٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ مِثْلُ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ: إنَّ نَاسًا يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا» وَهَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خِلَافٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ مَنْ اتَّهَمَ غَيْرَهُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَكَانَ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَرْضَى بِذَلِكَ وَيَقْصِدُهُ مَعَ الْأَذْكَارِ لَهُ بِهِ فَإِنَّ الْأَحْوَطَ إطْرَاحُ ذَبِيحَتِهِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ أَكْلِهَا وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما يجوز من الذكاة على حال الضرورة]

مَا يَجُوزُ مِنْ الذَّكَاةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً لَهُ بِأُحُدٍ فَأَصَابَهَا الْمَوْتُ فَذَكَّاهَا بِشَظَاظٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ فَكُلُوهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَجُوزُ مِنْ الذَّكَاةِ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ] [وَفِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْمُذَكِّي] (ش) : قَوْلُهُ فَأَصَابَ الْمَوْتُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَصَابَهَا مِنْ الْمَرَضِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَوْتَ مُتَّصِلٌ بِهِ فَذَكَّاهَا بِشَظَاظٍ وَهِيَ فِلْقَةُ عُودٍ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مُحَدَّدًا عَلَى صِفَةِ سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ السِّكِّينِ الَّذِي يُمْكِنُ الطَّعْنُ بِمِثْلِهِ فَيَفْرِي بِحِدَّتِهِ وَفِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْمُذَكِّي وَالثَّانِي فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ وَالثَّالِثُ فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ. (فَأَمَّا الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي صِفَةِ الْمُذَكِّي فَسَيَرِدُ بَعْدَ هَذَا مُسْتَوْعَبًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ) أَمَّا مَا يُذَكَّى بِهِ فَإِنَّهُ كُلُّ مُحَدَّدٍ يُمْكِنُ بِهِ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ بِالطَّعْنِ فِي لَبَّةِ مَا يُنْحَرُ وَالْفَرْيُ فِي أَوْدَاجِ مَا يُذْبَحُ مِمَّا لَا يَخْتَصُّ بِطَائِفَةٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي قَتْلِ الْحَيَوَانِ بِهِ لِأَكْلٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّكَاةَ بِالْحِجَارَةِ وَالشَّظَاظِ وَقَالَ: يُرِيدُ الْمَرْوَةَ وَشُقَّةَ الْعَصَا وَالْقَصَبَ وَكُلَّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مِمَّا يُذَكَّى بِهِ الضِّرَارُ جَمْعُ ضَرَرٍ وَهِيَ فِلْقَةُ الْحَجَرِ وَاللِّيطَةُ وَهِيَ فِلْقَةُ الْقَصَبِ وَالشَّطِيرُ فِلْقَةُ الْعَصَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ قَرْنٍ أَوْ شَيْءٍ يَفْرِي فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ بِفِلْقَةِ الْعَظْمِ ذَكِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ ذَكِيٍّ إذَا بَضَعَ اللَّحْمَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَبَيْنَ مَا أَوْرَدْنَاهُ بَعْدَ هَذَا فِي الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ وَالظُّفْرِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الذَّكَاةُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ شُيُوخِنَا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمُبَاحٌ بِالْعَظْمِ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ السِّنَّ إذَا كَانَ عَرِيضًا مُحَدَّدًا وَالظُّفْرَ كَذَلِكَ حَتَّى يُمْكِنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ تَصِحُّ الذَّكَاةُ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِظَامِ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِذَلِكَ مِثْلُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَا مُتَّصِلَيْنِ لَمْ تَصِحَّ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَا مُنْفَصِلَيْنِ صَحَّتْ الذَّكَاةُ بِهِمَا وَالرِّوَايَةُ الَّتِي نَسَبَهَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ السِّنُّ وَالظُّفْرُ مَنْزُوعَيْنِ وَعَظُمَا حَتَّى يُمْكِنَ الذَّبْحُ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. فَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَسَأُخْبِرُك عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الذَّابِحِ وَاعْتِبَارِ صِفَةِ الْآلَةِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ صِفَةِ الذَّابِحِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الذَّبْحِ فَكَذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ صِفَةِ الْآلَةِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى وَرَدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِ صِفَتِهِ فِي الذَّبْحِ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ أَصْلُهُ الذَّابِحُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالذَّكَاةُ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَبَحَ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْكَلَ ذَبِيحَتُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ إنَّ هَذَا مَعْنًى يَفْرِي الْأَوْدَاجَ فَجَازَ الذَّبْحُ بِهِ كَالْحَدِيدِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ الْمُتَّصِلَيْنِ وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الظُّفْرِ وَالسِّنِّ

[الباب الثالث في صفة الذكاة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَصِحُّ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ بِهِمَا فَعَلَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِسِنٍّ وَلَا ظُفْرٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْفَصِلٍ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِمَا مُنْفَصِلَيْنِ وَمُتَّصِلَيْنِ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِمَا مُنْفَصِلَيْنِ وَلَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِمَا مُتَّصِلَيْنِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّهَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَرَأَيْت الْقَاضِيَ أَبَا الْحَسَنِ قَدْ شَرَطَ فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ أَنْ يَفْرِيَ الْأَوْدَاجَ وَالْحُلْقُومَ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَفْرِي الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَ إلَّا فِي دَفَعَاتٍ فَلَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ قَالَ: وَلَوْ وُجِدَ هَذَا مِنْ السِّكِّينِ لَمَنَعْنَا مِنْهُ وَرَأَيْت ابْنَ حَبِيبٍ قَدْ قَالَ فِي الْمِنْجَلِ الْمُضَرَّسِ: لَا خَيْرَ فِي الذَّكَاةِ بِهِ لِأَنَّهُ يَبْرُدُ وَلَا أَخَالُهُ يَقْطَعُ كَمَا تَقْطَعُ الشَّفْرَةُ إذَا رَعَدَتْ بِهِ الْيَدُ لِلْإِجْهَازِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَوْلُهُ وَلَا مُرَدَّدٍ يَعْنِي أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَرُدَّهَا وَلَكِنْ يُجْهِزُ أَوَّلَ مَا يَضَعُ يَدَهُ وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْحَسَنِ قَدْ أَرَادَ هَذَا فَأَمَّا تَرْدِيدُ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ فَلَا بُدَّ لِلذَّابِحِ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِهِ: السُّنَّةُ أَخْذُ الشَّاةِ بِرِفْقٍ وَتُضْجَعُ عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ وَرَأْسُهَا مُشَرِّقٌ وَتَأْخُذُ بِيَدِك الْيُسْرَى جِلْدَةَ حَلْقِهَا مِنْ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ بِالصُّوفِ فَتَمُدُّهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْبَشَرَةُ وَمَوْضِعُ السِّكِّينِ فِي الْمَذْبَحِ حَيْثُ تَكُونَ الْجَوْزَةُ ثُمَّ تُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَتَمُدُّ السِّكِّينَ مَدًّا مُجْهِزًا مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ ثُمَّ تَرْفَعُ وَلَا تَنْخَعُ وَلَا تُرَدِّدْ وَقَدْ حَدَدْت شَفْرَتَك قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا تَضْرِبْ بِهَا الْأَرْضَ وَلَا تَجْعَلْ رِجْلَك عَلَى عُنُقِهَا وَلَا تَجُرَّهَا بِرِجْلِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّفْقَ بِهَا مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ لِمَا رَوَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَرَكَ التَّوْجِيهَ إلَى الْقِبْلَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَامِدًا لَمْ تُؤْكَلْ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ تَرَكَ صِفَةً مَنْدُوبًا إلَيْهَا مِنْ صِفَةِ الذَّبْحِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الذَّبِيحَةِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا بِيُسْرَاهُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَا سُنَّ فِي الذَّكَاةِ مِنْ الْقُرْبَةِ عَامِدًا فَأَشْبَهَ تَرْكَ تَعَمُّدِ التَّسْمِيَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ يَقْتَضِي الْعَمْدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُجْهِزَ عَلَى ذَبِيحَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَأَجْهَزَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ رَجَعَ فِي فَوْرِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ وَيَذْبَحَ الذَّبِيحَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ تَبَاعَدَ وَلَمْ تُؤْكَلْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ رَجَعَ مَكَانَهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ سَحْنُونٍ إنْ رَفَعَ يَدَهُ كَالْمُخْتَبِرِ أَوْ لِيَرْجِعَ فَيُتِمَّ الذَّكَاةَ ثُمَّ رَجَعَ فِي فَوْرِهِ فَأَتَمَّهَا فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ رَفَعَ يَدَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الذَّكَاةَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَمَّهَا لَمْ تُؤْكَلْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَقُلْت لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِذَا رَفَعَ يَدَهُ لِيَخْتَبِرَ لَمْ تُؤْكَلْ وَإِذَا رَفَعَ يَدَهُ عَلَى أَنَّهُ أَتَمَّ الذَّكَاةَ أُكِلَتْ وَصَوَّبَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ) الْحَيَوَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَخْتَصُّ بِالنَّحْرِ وَضَرْبٌ يَخْتَصُّ بِالذَّبْحِ وَضَرْبٌ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ، فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِالنَّحْرِ فَالْإِبِلُ خَاصَّةً عَلَى أَنْوَاعِهَا بُخْتُهَا وَعِرَابُهَا وَنُجُبُهَا وَمَحِلُّ النَّحْرِ اللَّبَّةُ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ذِكْرَ مُرَاعَاةِ مَعْنًى فِي النَّحْرِ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِالذَّبْحِ فَهُوَ جَمِيعُ الْحَيَوَانِ الْمُذَكَّى غَيْرَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ فَهُوَ الْبَقَرُ عَلَى أَنْوَاعِهَا مِنْ الْجَوَامِيسِ وَحُكْمُ الْخَيْلِ حُكْمُ الْبَقَرِ فِي الذَّكَاةِ لِمَنْ اسْتَبَاحَ أَكْلَهَا. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ: وَقَدْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيلَ إنَّ عُنُقَ الْبَقَرَةِ لَمَّا كَانَ فَوْقَ عُنُقِ الشَّاةِ وَدُونَ عُنُقِ الْبَعِيرِ جَازَ فِيهَا الْأَمْرَانِ جَمِيعًا الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ لِقُرْبِ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ جَوْفِهَا بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرُ فِيهِ أَخَفُّ وَلَمْ يَجُزْ الذَّبْحُ فِي الْبَعِيرِ لِبُعْدِ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ جَوْفِهَا بِالذَّبْحِ زَادَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبُهُ وَزِيَادَةٌ فِي أَلَمِهِ وَالنَّحْرُ فِيهِ أَخَفُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْفِيلِ إذَا نُحِرَ: لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ فَخَصَّهُ بِالنَّحْرِ مَعَ قِصَرِ عُنُقِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا عُنُقَ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ لِغِلَظِ مَوْضِعِ حَلْقِهِ وَاتِّصَالِهِ بِجِسْمِهِ أَنْ يُذْبَحَ وَكَانَ لَهُ مَنْحَرٌ فَكَانَتْ ذَكَاتُهُ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ فِي الشَّاةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ النَّحْرِ فِيهَا إذْ لَا لَبَّةَ لَهَا زَادَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَلِقُرْبِ مَوْضِعِ النَّحْرِ مِنْ خَاصِرَتِهَا فَلَا يُمْكِنُ مِنْ نَحْرِهَا إلَّا بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهَا فَيَكُونُ كَالطَّعْنِ فِي جَوْفِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالذَّبْحُ عِنْدَ مَالِكٍ أَفْضَلُ فِي الْبَقَرِ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ نَحَرَ الْبَقَرَ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فَأَمَرَ بِالذَّبْحِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ النَّدْبُ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ النَّسْخُ فِي الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنْ نُحِرَتْ تُؤْكَلُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ يَتَهَيَّآنِ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الذَّبْحَ فِي الْحَلْقِ وَهُوَ مَا دُونَ الْجَوْزَةِ تَكُونُ الْجَوْزَةُ إلَى الرَّأْسِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ: إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْحُلْقُومَ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الْجِلْدَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِلَحْيِ الذَّبِيحَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَ الْجَوْزَةَ إلَى الْجَسَدِ فَاَلَّذِي حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا ابْنُ وَهْبٍ فَرَوَى عَنْهُ الْعُتْبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا تُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَمُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: لَمْ يُحْفَظْ لِمَالِكٍ فِيهَا شَيْءٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا إلَّا فِي أَيَّامِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَنَزَلَتْ بِهِ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مَا احْتَجَّ بِهِ شُيُوخُنَا وَابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الذَّابِحَ فَوْقَ الْجَوْزَةِ لَا يَذْبَحُ فِي الْحُلْقُومِ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلذَّكَاةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ هَذَا ذَبْحٌ مِنْ الْحَلْقِ فِي مَوْضِعٍ تَتَعَجَّلُ بِهِ الذَّكَاةُ وَيَسْهُلُ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَصَحَّتْ فِيهِ الذَّكَاةُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْجَوْزَةُ فِي حَيِّزِ الرَّأْسِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَإِنْ صَارَ بَعْضُ الْجَوْزَةِ وَهِيَ الْغَلْصَمَةُ فِي الْجَسَدِ وَبَعْضُهَا فِي الرَّأْسِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنَّ قِيَاسَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ بَقِيَ فِي الرَّأْسِ مِنْهَا قَدْرُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ أَنَّهَا تُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَبْقَى فِي الرَّأْسِ مِنْهَا مَا لَا يَسْتَدِيرُ فَلَا تُؤْكَلُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الذَّكَاةَ عَلَى حَالَيْنِ: حَالِ اخْتِيَارٍ وَحَالِ ضَرُورَةٍ، فَأَمَّا حَالُ الِاخْتِيَارِ فَمَحِلُّ النَّحْرِ اللَّبَّةُ وَمَحِلُّ الذَّبْحِ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ فَمَنْ نَقَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَحَلِّهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلذَّكَاةِ فِي غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَنْحَرَ مَا يَجِبُ ذَبْحُهُ أَوْ يَذْبَحَ مَا يَجِبُ نَحْرُهُ أَوْ يَنْقُلَهُ إلَى مَا لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلذَّكَاةِ فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلذَّكَاةِ فِي غَيْرِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُؤْكَلُ سَاهِيًا فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ عَامِدًا وَقَالَ أَشْهَبُ: تُؤْكَلُ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا طَعَنَ فِي خَاصِرَتِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَبَحَ الْبَعِيرَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ صَارَتْ ذَبِيحَتُهُ لَهُ ضَرُورَةً وَذَهَبَ مَوْضِعُ الْحَرَجِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا يُطْرَحُ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ إذَا نُحِرَتْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: إنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ الْمَنْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ كَرَاهِيَةً وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ تَحَرِّيًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَزَادَ فِي ذَلِكَ ابْنُ بُكَيْر وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: يُؤْكَلُ

[الباب الثاني في صفة ما يذكى به]

[الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَا يُذَكَّى بِهِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَعِيرُ إذَا ذُبِحَ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ إذَا نُحِرَتْ قَالَ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَعِيرَ لَهُ مَوْضِعُ ذَبْحٍ وَمَوْضِعُ نَحْرٍ وَإِنَّمَا عُدِلَ إلَى النَّحْرِ لَمَّا كَانَ أَقَلَّ لِتَعْذِيبِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ لَبَّتِهَا يَقْرَبُ مِنْ خَاصِرَتِهَا فَيَكُونُ كَالطَّاعِنِ لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ نَقَلَ الذَّكَاةَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّ الذَّكَاةِ بِوَجْهٍ مِثْلُ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْعُنُقِ وَالْقَفَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا أَوْ فِي الصَّفْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ فِي الْقَفَا وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ فِي الْحُلْقُومِ فَأَخْطَأَ فَانْحَرَفَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ فِي الْقَفَا أَنَّ الذَّكَاةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يُنْفَذُ مِنْ مَقَاتِلِهَا قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِ الذَّبِيحَةِ وَمَنْ ذَبَحَ فِي الْقَفَا فَقَدْ بَدَأَ بِقَطْعِ الْعُنُقِ وَفِيهِ النُّخَاعُ وَهُوَ مِنْ الْمَقَاتِلِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِ الذَّبِيحَةِ دُونَ فَرْيِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَشْهَبَ فِي أَنَّ مَنْ أَخْطَأَ فَانْحَرَفَ فَإِنَّ ذَبِيحَتَهُ تُؤْكَلُ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اسْتَوْعَبَ قَطْعَ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ قَبْلَ قَطْعِ النُّخَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُبِيحٌ لِلذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِشُرُوطِ الذَّكَاةِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا زَادَ مِنْ شَقِّ الْجِلْدِ بِانْحِرَافِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ ذَلِكَ جُمْلَةً أَوْ اسْتَوْعَبَهُ بَعْدَ قَطْعِ النُّخَاعِ بِقَطْعِ الْعُنُقِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ عِنْدِي لَا تَصِحُّ وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ ذَبَحَ فِي الصَّفْحَةِ الْوَاحِدَةِ لَمْ تُؤْكَلْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حَالَ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرُورَةٌ تَمْنَعُ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ كَالْبَعِيرِ يَشْرُدُ فَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ إلَّا بِرَمْيِهِ أَوْ طَعْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا قُتِلَ بِذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: إنَّ هَذِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا تُؤْكَلُ إلَّا بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ إذْ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي التَّوَحُّشِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ وَأَمَّا الْبَقَرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ: عِنْدِي أَنَّ لَهَا أَصْلًا مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ فَإِذَا اسْتَوْحَشَتْ حَلَّتْ عِنْدِي بِالصَّيْدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بَقَرَ الْوَحْشِ لَيْسَتْ بِأَصْلِ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ وَلَا تُشْبِهُهَا فِي خَلْقٍ وَلَا صُورَةٍ وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ كَمَا أَنَّ حُمُرَ الْوَحْشِ لَيْسَتْ بِأَصْلٍ لِلْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَلَا الْمَاعِزَ الْبَرِّيَّ أَصْلًا لِلْغَنَمِ الْإِنْسِيَّةِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُحَرَّمِ، وَمَا أَصْلُهُ التَّوَحُّشُ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْأَرَانِبِ وَالْأَيَايِيلِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ تَتَأَنَّسُ ثُمَّ تَسْتَوْحِشُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِالصَّيْدِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْهَوَامِّ وَالْيَعَاقِيبِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَكَذَلِكَ حَمَامُ الْبُيُوتِ وَالْبِرَكِ وَالْإِوَزُّ الْإِنْسِيَّةُ إذَا اسْتَوْحَشَتْ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُذْبَحَ الْحَمَامُ الرُّومِيُّ الْمُتَّخَذُ لِلْفِرَاخِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُذْبَحَ الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ: قَالَ: وَلَيْسَ أَصْلُ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ مِمَّا يَطِيرُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْإِوَزِّ لَهُ أَصْلٌ وَحْشِيٌّ كَالْحَمَامِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي بَلَدِهِ أَصْلٌ مُسْتَوْحِشٌ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ أَصْلُهُ التَّأْنِيسَ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذَهُ إلَّا بِالْعَقْرِ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذَهَا إلَّا بِالْعَقْرِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْعَقْرُ مِنْهَا الْمَقَاتِلَ مِثْلُ الْعَرْقَبَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَهِيَ مَأْمُونَةٌ ثُمَّ تُذْبَحُ قَالَ: فَهَذَا الَّذِي أَخَذَ بِهِ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَطْلُبُ الْبَقَرَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا بِأَنْ يُعَرْقِبَهَا ثُمَّ يَذْبَحَهَا فَقَالَ: لَا آكُلُهَا وَلَا أُحَرِّمُهَا وَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ بَيْنَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْعَقْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْمُحَاوَلَةِ لِذَلِكَ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَالْغَازِي فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ رُبَّمَا سَارَعَ إلَى ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَ الْمُحَاوَلَةِ لَهُ وَقَدْ يَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ غَالِبًا كَقَطْعِ الْفَخِذِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الصَّيْدِ يُرْمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ ثُمَّ يُذْبَحُ فَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَأْكُلُهُ لَعَلَّ السَّهْمَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَأَخَافُ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ «أَنَّ جَارِيَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤَوَّلِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا نَدْرِي لَعَلَّ عَرْقَبَتَهُ أَثَّرَتْ فِي قَتْلِهِ قَبْلَ فَرْيِ أَوْدَاجِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الصَّيْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الصَّيْدِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّرْدِيَةُ وَالنَّطِيحَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِمَّا يَحْسِبُهُ وَلَا يَسْرُعُ بِإِفَاضَةِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي رَمَى بَعِيرًا نَدَّ فَحَبَسَهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ مِنْهَا فَافْعَلُوا بِهِ كَذَا» . وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِالنَّبْلِ أَوْ الْمَزَارِيقِ وَالرِّمَاحِ لَا يُؤْكَلُ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَالطَّعْنِ بِالرِّمَاحِ أَثَّرَ فِيهَا مِثْلَ الْعَرْقَبَةِ فَهُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَا تُؤْكَلُ بِمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَلَغَ بِذَلِكَ إنْفَاذَ مَقَاتِلِهَا فَقَوْلُهُ لَا تُؤْكَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرُورَةُ الَّتِي تَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ الذَّكَاةِ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا وَلَا تَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ نَحْرِهَا وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ ذَكَاةٍ جُمْلَةً فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَمِثْلُ أَنْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَنْحَرِ الْبَعِيرِ وَلَا تَمْنَعُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَذْبَحِهِ أَوْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَذْبَحِ الشَّاةِ وَلَا تَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى مَنْحَرِهَا فَهَذَا قَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: إنَّ الشَّاةَ تُؤْكَلُ حِينَئِذٍ بِالنَّحْرِ وَالْبَعِيرُ يُؤْكَلُ بِالذَّبْحِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ ذَكَاةٌ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ذَكَاةٍ بِجُمْلَةٍ وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى طَعْنٍ فِي جَنْبِهَا أَوْ فَخِذِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْحَرٍ وَلَا مَذْبَحٍ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ قَالَهُ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَمْ يَسْتَبِحْ أَكْلَهُ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَكُلُّ دَابَّةٍ إمَّا لَحْمٌ وَدَمٌ سَائِلٌ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحِرْبَاءِ وَالْعَظَاءَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَكَاتُهَا فِي الْحَلْقِ كَسَائِرِ الذَّبَائِحِ وَكَالصَّيْدِ بِالرَّمْيِ وَالسَّهْمِ وَالطَّعْنِ بِالرُّمْحِ وَشِبْهِ ذَلِكَ إنْ صِيدَتْ مَعَ التَّسْمِيَةِ فِي التَّذْكِيَةِ وَالتَّصَيُّدِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالذَّبْحِ أَوْ بِالنَّحْرِ كَالْأَنْعَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالْجَرَادِ وَالْحَلَزُونِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْقَرْنَبَا وَالزُّنْبُورِ وَالْيَعْسُوبِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ وَالسُّوسِ وَالْحِلْمِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالتَّدَاوِي بِهِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِذَكَاةٍ وَاَلَّذِي يُجْزِي مِنْ الذَّكَاةِ فِي الْجَرَادِ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا مَا لَا تَعِيشُ مَعَهُ وَيَتَعَجَّلُ مَوْتَهَا بِهِ كَقَطْعِ رُءُوسِهَا وَأَرْجُلِهَا مِنْ أَفْخَاذِهَا أَوْ إلْقَائِهَا فِي مَاءٍ حَارٍّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي الْجَرَادِ وَالْحَلَزُونِ أَوْ تُبْقَرُ بِالشَّوْكِ وَالْإِبَرِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُلْقَى الْجَرَادُ أَوْ يُشْوَى فَأَمَّا قَطْعُ أَجْنِحَتِهَا أَوْ أَرْجُلِهَا فَقَطْ فَقَالَ مَالِكٌ: تُؤْكَلُ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ أُلْقِيَتْ فِي مَاءٍ بَارِدٍ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ أُلْقِيَتْ فِي مَاءٍ حَارٍّ أُكِلَتْ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَقَوْلُ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا صُنِعَ مِمَّا لَا تَعِيشُ مَعَهُ أَنَّهُ ذَكَاةٌ فِيهَا وَقَوْلُ أَشْهَبَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ بِمَا يُتَعَجَّلُ بِهِ مَوْتُهَا وَمَا يُتَأَخَّرُ بِهِ مَوْتُهَا وَتُعَذَّبُ بِهِ فَلَيْسَ بِذَكَاةٍ لَهَا وَأَمَّا أَخْذُهُ فَهَلْ يَكُونُ ذَكَاةً أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَكَاةً لَهُ خِلَافًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ أَخْذِهِ ذَكَاةً أَصْلُهُ الطَّيْرُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَحُكْمُ الْحَلَزُونِ حُكْمُ الْجَرَادِ قَالَ مَالِكٌ: ذَكَاتُهُ بِالسَّلْقِ أَوْ يُغْرَزُ بِالشَّوْكِ وَالْإِبَرِ حَتَّى يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ وَيُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا يُسَمَّى عِنْدَ قَطْفِ رُءُوسِ الْجَرَادِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: الْعَقْرَبُ وَالْخُنْفُسَاءُ مَنْ احْتَاجَ إلَى التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَقْطِفْ رُءُوسِهَا ثُمَّ يَتَدَاوَى بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَكْثَرُ مَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَلِذَلِكَ أَضَافَهَا إلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إضَافَةً ظَاهِرُهَا الْمِلْكُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ تَرْعَى غَنَمًا لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِسَلْعِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْمَدِينَةِ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِهَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَكَّتْهَا الْجَارِيَةُ بِحَجَرٍ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: صِفَةُ مَا يُذَكَّى بِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الذَّابِحِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الذَّكَاةِ وَهُوَ الدِّينُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الرِّقُّ فَلَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الذَّكَاةِ فَتَجُوزُ ذَكَاةُ الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالْأُنْثَى فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: تُكْرَهُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَجُوزُ ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا بَأْسَ بِذَكَاةِ الصَّبِيِّ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَرُوِيَ أَكْثَرُهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَخْتُونًا كَانَ الصَّبِيُّ أَوْ غَيْرَ مَخْتُونٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُعْتَبَرُ فِيهِ الدِّينُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْأُنُوثَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْأَمَانَةُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّقُّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْأُنُوثَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّبْخِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِكَرَاهِيَةِ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ فَهَلْ تُكْرَهُ ذَبِيحَةُ الْخَصِيِّ؟ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهِيَتَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا أُحِبُّ ذَبِيحَةَ الْخَصِيِّ فَإِنْ فَعَلَ أُكِلَتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ نَحْوُ الْأُنُوثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ ذَبِيحَةُ السَّكْرَانِ وَلَا الْمَجْنُونِ إذَا لَمْ يَعْقِلَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ زَادَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَا ذَبِيحَةَ أَعْجَمِيٍّ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَابَةُ فِي الذَّكَاةِ وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ ارْتَدَّ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ يَدَّعِ الصَّلَاةَ وَلَا ذَبِيحَةُ مَنْ يُضَيِّعُهَا وَيُعْرَفُ بِالتَّهَاوُنِ بِهَا وَنَحَا بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ ارْتِدَادٌ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَنْ كَاشَفْتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ فِي جَمِيعِهِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ لَا بَأْسَ بِهَا أَجْرَاهُمْ فِي ذَلِكَ مَجْرَى نَصَارَى الْعَجَمِ فَإِنَّ ذَبَائِحَ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مُبَاحَةٌ لَنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَاعْلَمْ أَنَّ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ مُبَاحَةٌ أَيْضًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] إمَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ أَوْ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً فِي الْعَجَمِ وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ عُمُومَهَا فَأَظْهَرَ التَّعَلُّقَ بِمَا هُوَ خَاصٌّ فِي الْعَرَبِ أَوْ فِيمَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ وَكَانُوا عَرَبًا وَمُقْتَضَى الْآيَةِ أَنَّهُ مَنْ يَتَوَلَّى أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ مِنْ الْعَجَمِ فَحَكَمَ تَعَالَى بِأَنَّهُ مِنْهُمْ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الذَّبَائِحِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا كَانَتْ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْعَجَمِ مُبَاحَةً فَكَذَلِكَ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْأَنْسَابَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْأَدْيَانُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ دِينُهُ النَّصْرَانِيَّةُ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ الْمَيْتَةَ فَلَا تَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِ إلَّا مَا شَاهَدْت ذَبْحَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَبَاحُ مِنْ ذَبِيحَتِهِ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَصَحُّ ذَبِيحَةً وَهَذَا حُكْمُهُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ رُبَّمَا قَتَلَ الْحَيَوَانَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُبِيحُ أَكْلَهُ وَجَبَ الِامْتِنَاعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَكْلِ مَا مَاتَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَكَاتَهُ وُجِدَتْ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لِمَا يَتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْقَتْلِ الْمُنَافِي لِلْإِبَاحَةِ قَالَ مَالِكٌ: سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا. (فَرْعٌ) قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَرِهَ مَالِكٌ مَا ذَبَحُوا لِلْكِتَابِيِّينَ أَوْ لِعِيسَى أَوْ لِجِبْرِيلَ أَوْ لِأَعْيَادِهِمْ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ الصَّلِيبِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ فَيَحْرُمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ تَعْظِيمٌ لِشِرْكِهِمْ قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ فَيُبَاعُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ شِرَاؤُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شَرَائِعِهِمْ وَمُشْتَرِيهِ بِهِ مُسْلِمُ سُوءٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا ذَبَحَهُ الْيَهُودُ مِمَّا لَا يَسْتَبِيحُونَ أَكْلَهُ مِمَّا ذُكِرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هَلْ الْإِبِلُ وَحُمُرُ الْوَحْشِ وَالنَّعَمُ وَالْإِوَزُّ وَمَا لَيْسَ مَشْقُوقَ الْخُفِّ وَلَا مُنْفَرِجَ الْقَائِمَةِ فَهَذَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِذَبْحِهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَاةَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ وَهُمْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يُسْتَبَاحُ بِالذَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ شُحُومِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَسْتَبِيحُونَهُ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ الشُّحُومُ الْمُجْمَلَةُ الْخَالِصَةُ مِثْلُ الثُّرُوبِ وَالْكَشَاءِ وَهُوَ شَحْمُ الْكُلَى وَمَا لَصِقَ بِالْغِطْنَةِ وَشَبَهِهَا مِنْ الشُّحُومِ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِطْ بِعَظْمٍ وَلَا لَحْمٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا مَا يَغْشَى اللَّحْمَ مِنْ الشَّحْمِ عَلَى الظَّهْرِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ وَمَا اخْتَلَطَ مِنْهُ بِلَحْمٍ أَوْ عَظْمٍ وَأَمَّا الْحَوَايَا فَهِيَ الْمَبَاعِرُ وَيُقَالُ لَهَا بَنَاتُ اللَّبَنِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهَا الْمَرَائِمَ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الشَّحْمِ دَاخِلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا كَانَ مِنْ هَذَا مُحَرَّمًا بِنَصِّ التَّنْزِيلِ فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ بِعَيْنِهِ وَلَا أَكْلُ ثَمَنِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فِي التَّنْزِيلِ مِثْلُ الطَّرِيفِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَكْلُهُ وَأَكْلُ ثَمَنِهِ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ شُحُومَ الْيَهُودِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُحَرَّمَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هِيَ مُبَاحَةٌ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَجْهُ رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ أَنَّ هَذِهِ ذَكَاةٌ يَعْتَقِدُ مُبَاشِرُهَا تَحْرِيمَ بَعْضِهَا وَتَحْلِيلَ بَعْضِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِهَا مَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ دُونَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَالْمُسْلِمِ يَعْتَقِدُ اسْتِبَاحَةَ اللَّحْمِ دُونَ الدَّمِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ مَنْعِ التَّحْرِيمِ أَنَّ هَذَا مُذَكًّى يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهِ مَا ذُكِّيَ فَجَازَ أَكْلُ لَحْمِهِ كَالْمُسْلِمِ وَأَمَّا الطَّرِيفُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ أَكْلَهُ ثُمَّ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ فَظَاهِرُ لَفْظِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ جُمْلَةً وَلَوْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَمَا بَعْدُ وَوَجْهُ جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى اسْتِبَاحَةِ أَكْلِهِ لِأَنَّ مَا نَجِدُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَصَحَّ قَصْدُهُ إلَى إبَاحَتِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ هَذِهِ ذَبِيحَةٌ مُنِعَ مِنْهَا الذَّابِحُ بِالشَّرْعِ فَمُنِعَ مِنْهَا غَيْرُهُ كَالْمُحَرَّمِ قَالَ مَالِكٌ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ السَّامِرِيَّةِ صِنْفٌ مِنْ الْيَهُودِ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ. (فَرْعٌ) وَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْ جَزَّارِي الْيَهُودِ وَنُهِيَ الْيَهُودُ عَنْ الْبَيْعِ مِنْهُمْ فَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ وَلَا يُفْسَخُ شِرَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْيَهُودِ مِثْلَ الطَّرِيفِ وَشَبَهِهِ مِمَّا لَا يَأْكُلُونَهُ فَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُ الصَّابِئِينَ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ كَتَحْرِيمِ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَقَدْ حَرَّمَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَبَائِحَهُمْ وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ وَقِيلَ: إنَّهُمْ بَيْنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة. (مَسْأَلَةٌ) : لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَلَوْ وَلَّى مُسْلِمًا ذَبِيحَتَهُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَأَجَازَهَا ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُكْرَهُ أَكْلُهَا إذَا قَالَ لِلْمُسْلِمِ: اذْبَحْهَا لِنَارِنَا أَوْ لِصَنَمِنَا فَأَمَّا لَوْ تَضَيَّفَ بِهِ مُسْلِمٌ فَأَمَرَهُ بِذَبْحِهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ أَعَدَّهَا لِغَيْرِهِ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلُوهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا صِفَةُ الْآلَةِ الَّتِي يُذْبَحُ بِهَا فَيَقُولُ: إنَّ مَا كَانَ مِنْ الْآلَاتِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَجَبَ أَنْ تُسْتَبَاحَ بِهِ الذَّكَاةُ وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا بَلَغَ مِنْ ذَكَاتِهِ إلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ فَإِنَّهُ قَدْ كَمُلَتْ ذَكَاتُهُ وَحَصَلَتْ إبَاحَتُهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَرَكَ ذِكْرَ الْحُلْقُومِ لَمَّا كَانَ الْمَعْلُومُ فِي الْأَغْلَبِ لَا تُفْرَى الْأَوْدَاجُ إلَّا بَعْدَ فَرْيِ الْحُلْقُومِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّ الذَّكَاةَ تَفْرِي الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ فَإِنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ دُونَ الْحُلْقُومِ أَوْ الْحُلْقُومَ دُونَ الْوَدَجَيْنِ لَمْ تَتِمَّ الذَّكَاةُ هَذَا حَقِيقَةُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الذَّكَاةِ تَقْطَعُ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَهُوَ الْبُلْعُومُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْوَدَجَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ» وَإِنْهَارُ الدَّمِ إجْرَاؤُهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ لِأَنَّهَا مَجْرَى الدَّمِ وَأَمَّا الْمَرِيءُ فَلَيْسَ بِمَجْرَى الدَّمِ وَإِنَّمَا هُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الدَّمِ إلَّا الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْهَارُ وَدَلِيلُنَا أَيْضًا مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ بِاعْتِبَارِ الْوَدَجَيْنِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِاعْتِبَارِ الْمَرِيءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الذَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى فَرْيِ مَا كَانَ فَرْيُهُ أَسْرَعَ مَوْتًا لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالْوَدَجَانِ أَسْرَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَرِيءِ لِأَنَّ الْمَرِيءَ مَدْخَلُ الطَّعَامِ وَيُفْضِي إلَى الْفَمِ بِقَطْعِهِ إحْدَاثُ مَدْخَلٍ آخَرَ لَهُ بِقُرْبِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ فِي نَفْسِهِ وَأَمَّا الْوَدَجَانِ فَإِنَّ نِهَايَتَهُمَا مُتَّصِلَةٌ بِالْجِسْمِ وَهُمَا مَجْرَى الدَّمِ لَا يَتَّصِلُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا فَقَطْعُهُمَا مَقْتَلٌ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي الذَّبِيحَةِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهَا دَمًا وَلَا ذِكْرَ لِلْمَرِيءِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى اتِّبَاعًا وَنَظَرًا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحُلْقُومُ فَمَجْرَى النَّفَسِ وَهُوَ مِنْ الْمَذْبَحِ فَإِنْ قَطَعَ جَمِيعَهُ مَعَ الْوَدَجَيْنِ تَمَّتْ الذَّكَاةُ فِيهِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّجَاجَةِ وَالْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ إذَا أُجْهِزَ عَلَى أَوْدَاجِهِ وَحَلْقِهِ أَوْ ثُلُثَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَزَادَ: وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ إلَّا الْيَسِيرُ فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُجْهَزَ عَلَى جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا مَعْنًى تَتَعَلَّقُ بِهِ الذَّكَاةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ الِاسْتِيعَابَ كَالْوَدَجَيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الذَّكَاةَ مَحَلُّهَا الْوَدَجَانِ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحُلْقُومِ عَلَى مَعْنَى التَّبَعِ فَإِذَا قُطِعَ أَكْثَرُهُ مَعَ اسْتِيعَابِ الْوَدَجَيْنِ فَقَدْ كَمُلَتْ الذَّكَاةُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ قُطِعَ الْحُلْقُومُ وَأَحَدُ الْوَدَجَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُؤْكَلُ وَظَاهِرُ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا تُؤْكَلُ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَدَجَيْنِ لَمْ تُؤْكَلْ وَوَجْهُ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الذَّكَاةِ بِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ اسْتِيعَابِهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكُلُوهُ تَبْيِينٌ أَنَّ قَوْلَهُ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْفِعْلَ دُونَ الْآلَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ ذَبْحٍ أَوْ ذَكَاةٍ تَبْلُغُ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ فَإِنَّهُ قَدْ أَبَاحَ أَكْلَ مَا ذُكِّيَ بِهِ وَفِي الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ لِرُجُوعِ ضَمِيرِ الْمَأْكُولِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ نَخَعَ الذَّبِيحَةَ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ نُخَاعَهَا عِنْدَ ذَبْحِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ فَعَلَ أَيْ أَكْمَلَ ذَبْحَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ ذَبَحَهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَهِيَ تُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ نَخَعَهَا فِي ذَبْحِهِ يُرِيدُ لِمَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَدٍ سَبَقَتْ فَهِيَ تُؤْكَلُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا تُؤْكَلُ وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: تُؤْكَلُ فِي الْعَامِدِ وَالْجَاهِلِ وَلَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمَا، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةَ الذَّبْحِ فَهُوَ كَالْعَابِثِ بِذَبِيحَتِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا زَادَ مِنْ النَّخْعِ إنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ الْمُبِيحَةِ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ سَلْخَهَا وَقَطْعَ أَعْضَائِهَا بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ ذَكَاتَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُزْهِقَ نَفْسَهَا.

[ما يكره من الذبيحة في الذكاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُبِحَ بِهِ إذَا بَضَعَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا اُضْطُرِرْت إلَيْهِ) . مَا يُكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ فَتَكَسَّرَتْ فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَذَبَحَهَا فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا تَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ مَا ذُبِحَ بِهِ إذَا بَضَعَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْآلَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى صِفَةٍ تُبْضِعُ وَلَا تَكُونُ مِمَّا تَكْسِرُ أَوْ تُهَشِّمُ الْأَوْدَاجَ بِقُوَّةٍ دُونَ حِدَّةٍ وَلَا تَكُونُ مِمَّا يَبْرُدُ كَالْمِنْجَلِ الْمُضَرَّسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا اُضْطُرِرْت إلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ غَيْرِ الْحَدِيدِ وَأَمَّا الْحَدِيدُ الَّذِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ الَّذِي يُذْبَحُ بِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا شَرْطُ الضَّرُورَةِ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الْحَدِيدِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ الْمُحْكَمَ أَسْرَعُ قَطْعًا وَأَقَلُّ أَلَمًا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ بِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْحَدِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُذْبَحُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ: الشَّفْرَةُ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا وُجِدَتْ فَإِذَا ذُبِحَ مَعَ وُجُودِ الشَّفْرِ جَازَ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ فَتَحَرَّكَ بَعْضُ بَعْضِهَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ تَكُونَ مَكْسُورَةً أَصَابَهَا ذَلِكَ الْكَسْرُ فَعُوجِلَتْ بِالذَّبْحِ فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا، أَوْ يَكُونَ بِهَا مَرَضٌ فَخِيفَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ فَعُوجِلَتْ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ قَدْ صَادَفَهَا وَهِيَ مُسْتَجْمِعَةُ الْحَيَاةِ وَهُوَ الَّذِي يُرَاعَى فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهَا وَإِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَقَالَهُ مَالِكٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَصَابَهَا كَسْرٌ أَوْ نَحْوُهُ فَانْتَهَتْ مِمَّا أَصَابَهَا إلَى حَدِّ الْمَوْتِ وَشَبَهِهِ مِمَّا يَيْأَسُ فِيهِ مِنْ حَيَاتِهَا فَذَبَحَهَا فَطَرَفَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ بِعَيْنِهَا أَوْ اسْتَفَاضَ نَفَسُهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبَهَا أَوْ رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ أَنَّهَا تُؤْكَلُ وَهُوَ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تُؤْكَلُ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ لِأَنَّ مَا أَكَلَ السَّبُعُ جَمِيعَهُ فَقَدْ فَاتَتْ عَيْنُهُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ لِعَدَمِهِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَعْنَى تَحْرِيمُ مَا أَكَلَ السَّبُعُ لِفَوَاتِ الذَّكَاةِ فِيهِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا لَمْ يَأْكُلْهُ السَّبُعُ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2] {إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3] تَقْدِيرُهُ وَلَكِنْ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهَا وَبِهَا بَقِيَّةٌ مِنْ حَيَاتِهَا فَجَازَ أَكْلُهَا كَالْمَرِيضَةِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي نُصْرَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ الَّتِي لَمْ تَمُتْ بَعْدُ وَلَوْ أَرَادَ الَّتِي مَاتَتْ لَأَغْنَى عَنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] إلَّا مَا أَدْرَكْتُمُوهُ بِصِفَةِ مَا يُذَكَّى وَأَمَّا مَا بَلَغَ أَنْ لَا تُرْجَى حَيَاتُهُ فِي الْأَغْلَبِ فَلَا يُذَكَّى وَإِنْ أُدْرِكَ حَيًّا لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ بِحَيَاةٍ وَلَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيِّ وَمِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا لَا تُرْجَى حَيَاتُهُ فَلَمْ تَجُزْ ذَكَاتُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَرِيضَةِ فِيمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ لِنُصْرَةِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُتَرَدِّيَةَ وَالنَّطِيحَةَ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا الْأَغْلَبُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّ الذَّكَاةَ أَفَاتَتْ نَفْسَهَا لِأَنَّا نَخَافُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الَّذِي أَفَاتَ نَفْسَهَا مَا نَزَلَ بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرِيضَةُ فَإِنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَيُظَنُّ بِهَا مِنْ أَجْلِهِ الْمَوْتُ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الذَّكَاةَ أَفَاتَتْ نَفْسَهَا كَالصَّحِيحَةِ وَكَذَلِكَ إذَا أُدْرِكَتْ حَيَاتُهَا ظَاهِرَةً فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُرْجَى بَقَاءُ حَيَاتِهَا أَمْ لَا. (فَصْلٌ) : وَسُؤَالُ السَّائِلِ لِمَالِكٍ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ فَتَكَسَّرَتْ التَّرَدِّي إذَا كَانَ مِنْهُ كَسْرٌ يُؤَدِّي إلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تُنْفَذَ الْمَقَاتِلُ وَهِيَ خَمْسَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا: انْقِطَاعُ النُّخَاعِ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَمَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ الشَّحْمُ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي وَسَطِ فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ وَالثَّانِي انْتِثَارُ الدِّمَاغِ وَالثَّالِثُ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَالرَّابِعُ انْفِتَاقُ الْمُصْرَانِ وَالْخَامِسُ انْتِثَارُ الْحَشْوَةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي انْدِقَاقِ الْعُنُقِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعِ نُخَاعِهِ فَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاتِلِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ انْقِطَاعُ نُخَاعِهِ فَهَذِهِ الْمَعَانِي مَتَى حَصَلَتْ مِنْ تَرَدٍّ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ فَاتَتْ الذَّكَاةُ وَإِنْ ظَهَرَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ اسْتَحَالَ دَوَامُ حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا حَرَكَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ اضْطِرَابِ الْمَيِّتِ وَتَحَرُّكِهِ عِنْدَ فَوَاتِ نَفْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْكَسِرَ مِنْهَا عُضْوٌ وَيُرْجَى بَقَاءُ حَيَاتِهَا سَوَاءٌ رَجَى انْجِبَارَ مَا انْكَسَرَ مِنْهَا أَوْ يَئِسَ مِنْهُ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَيْضًا فِي جَوَازِ ذَكَاتِهَا لِأَنَّهَا لَا تُرْجَى حَيَاتُهَا كَاَلَّتِي لَمْ تَنْكَسِرْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ يُنْفَذُ مَقَاتِلُهَا إلَّا أَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ قَدْ بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ لَا تَبْقَى حَيَاتُهَا أَوْ يُشَكُّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَأَصْحَابِهِ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا الْمَعْنَى اخْتَلَفَ جَوَابُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَعَلَّهُمَا إنَّمَا سَهَّلَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ زَيْدٌ: إنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ يُرِيدُ عِنْدَ مَوْتِهَا فَإِذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ الذَّكَاةَ صَادَفَتْ حَيَاةً كَامِلَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ وَسَنُفْرِدُ لَهُ بَابًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ السَّائِلِ فِي شَاةٍ كُسِرَتْ إنْ ذَبَحَهَا فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَقَالَ مَالِكٌ فِي جَوَابِهِ إنْ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا تَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إذَا أَدْرَكَتْهَا الذَّكَاةُ وَنَفَسُهَا تَجْرِي وَعَيْنُهَا تَطْرِفُ فَقَدْ أَدْرَكَ الذَّكَاةَ لِإِدْرَاكِهِ حَيَاتَهَا سَوَاءٌ سَالَ الدَّمُ أَوْ لَمْ يَسِلْ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَرِيضَةِ إذَا اضْطَرَبَتْ أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ مَبْنِيًّا عَلَى سُؤَالِ السَّائِلِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّتِي سَالَ دَمُهَا إذَا ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا تَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا فَجَاوَبَ عَنْ الذَّبِيحَةِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْأَمْرَانِ سَيَلَانُ دَمِهَا دُونَ الْحَرَكَةِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْيَأْسُ مِنْ حَيَاتِهَا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى إدْرَاكِ الْحَيَاةِ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى إدْرَاكِ الْحَيَاةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُمَا قَالَا: لِلْحَيَاةِ عَلَامَاتٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا وَهِيَ خَمْسُ عَلَامَاتٍ: سَيَلَانُ الدَّمِ وَالطَّرْفُ بِالْعَيْنِ وَجَرَيَانُ النَّفَسِ وَتَحْرِيكُ الذَّنَبِ وَالرَّكْضُ بِالرِّجْلِ فَأَمَّا سَيَلَانُ الدَّمِ فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَذَبَحَهَا فَسَالَ دَمُهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: تُؤْكَلُ وَلَا يُمْكِنُ عِنْدِي فِي الصَّحِيحَةِ أَنْ تَتَحَرَّكَ وَلَا يَسِيلُ دَمُهَا فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَكْسُورَةُ فَإِذَا حَمَلْنَا قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الَّتِي سَالَ دَمُهَا وَنَفَسُهَا يَجْرِي وَعَيْنُهَا تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا فَجَمَعَ بَيْنَ جَرْيِ الدَّمِ وَالْحَرَكَةِ لِأَنَّ جَرَيَانَ النَّفَسِ وَطَرْفَ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ الْحَرَكَةِ وَلَوْ

ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQانْفَرَدَ سَيَلَانُ الدَّمِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا لِأَنَّ مَالِكًا إنْ كَانَ أَرَادَ بِجَوَابِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّائِلِ إضَافَةَ جَوَابِهِ إلَى سُؤَالِ السَّائِلِ فِي سَيَلَانِ الدَّمِ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ أَكْلَهَا إلَّا بِأَنْ يَسِيلَ دَمُهَا وَتَقْتَرِنَ بِذَلِكَ حَرَكَتُهَا بِالنَّفَسِ أَوْ طَرْفِ الْعَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ فِي سَيَلَانِ الدَّمِ وَاسْتَأْنَفَ الْجَوَابَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ بِسَيَلَانِ الدَّمِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ عِنْدَهُ فِيهَا وَرَاعَى الْحَرَكَةَ خَاصَّةً فَلَا تُؤْكَلُ الْمَكْسُورَةُ الَّتِي تَنْفَرِدُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ وَلَوْ انْفَرَدَتْ الْحَرَكَةُ دُونَ سَيَلَانِ الدَّمِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْخِلَافَ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الَّتِي يَئِسَ مِنْ بَقَاءِ حَيَاتِهَا أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهَا أُدْرِكَتْ بِالذَّكَاةِ حَيَاتُهَا فَيُقَالُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهَا كَالْمَرِيضَةِ وَيُقَالُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرِيضَةِ بِمَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا سَالَ دَمُهَا وَتَحَرَّكَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ تُؤْكَلْ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْهَا الْحَيَاةُ بَيِّنَةً بِالنَّفَسِ الْبَيِّنِ أَوْ الْعَيْنِ تَطْرِفُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ سَيَلَانُ الدَّمِ وَلَا الْحَرَكَةُ وَلَكِنْ وَجْهُ دَلِيلِ الْحَيَاةِ بِالنَّفَسِ الْمُتَرَدِّدِ أَوْ الْعَيْنِ تَطْرِفُ فَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْحَرَكَةَ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ تُبِيحُ الْأَكْلَ دُونَ سَيَلَانِ الدَّمِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ: إذَا اضْطَرَبَتْ أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا وَأَمَّا إنْ سَالَ دَمُهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ فَإِنْ كَانَ نَفَسُهَا يَجْرِي وَحَرَكَتُهَا تُعْرَفُ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِحَرَكَةِ الرِّجْلِ وَالذَّنَبِ قَالَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْعَيْنُ تَطْرِفُ أَوْ يَسْتَفِيضُ نَفَسُهَا فِي جَوْفِهَا أَوْ مَنْحَرِهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ مَا كَانَ مِنْهَا عِنْدَ مَرِّ الشَّفْرَةِ بِحَلْقِهَا فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّ الْمَرِيضَةَ مُخَالِفَةً لِلصَّحِيحَةِ وَإِنَّ الصَّحِيحَةَ تُؤْكَلُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ خَاصَّةً وَإِنَّ الْمَرِيضَةَ لَا تُؤْكَلُ بِذَلِكَ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا أَحَدُ هَذِهِ الْأَرْبَعِ وَعَطْفُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ عَلَيْهِ فَفِي هَذَا أَنَّ الْحَرَكَةَ عِنْدَهُ أَقْوَى فِي بَقَاءِ الْحَيَاةِ مِنْ سَيَلَانِ الدَّمِ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ وَأَحْكَامِهَا وَأَمَّا سَيَلَانُ الدَّمِ فَإِنَّهُ انْفِصَالُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ مِنْ بَعْضٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ إنْ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا يَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ مَعْنَى جَرَيَانِ نَفَسِهَا تَرَدُّدُهُ عَلَى حَسَبِ التَّنَفُّسِ فَأَمَّا خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْجَسَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَيْسَ مِنْ جَرَيَانِ النَّفَسِ وَسُؤَالُ السَّائِلِ لِمَالِكٍ عَنْ عَدَمِ الْحَرَكَةِ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَالِكًا أَجَابَهُ إنَّ عَدَمَ الْحَرَكَةِ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا إذَا صَادَفَتْ نَفَسًا يَجْرِي وَعَيْنًا تَطْرِفُ حِينَ الذَّكَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ نَافِعٍ فَلَوْ أَنَّ سَبُعًا حَمَلَ عَلَى شَاةٍ فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُ فَذَبَحْتُهَا وَهِيَ تَطْرِفُ فَلَمَّا فَرَغْت مِنْ ذَبْحِهَا لَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ: إذَا ذَبَحْتَهَا وَنَفَسُهَا تَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا فَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْحَرَكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّفَسِ الَّذِي يَجْرِي وَالْعَيْنِ الَّتِي تَطْرِفُ حَالَ الذَّبْحِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ الْحَيَاةَ تُعْرَفُ بِحَرَكَةِ الرِّجْلِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ الْعَيْنِ تَطْرِفُ أَوْ النَّفَسِ تَسْتَفِيضُ فِي جَوْفِهَا أَوْ مَنْحَرِهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ الْأَرْبَعَ كَانَ مِنْهَا عِنْدَ مَرِّ الشَّفْرَةِ عَلَى حَلْقِهَا يُرِيدُ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمِ فِي الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ.

[ذكاة ما في بطن الذبيحة]

إذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ إذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ) . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَاتُهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَمَّ خَلْقُ الْجَنِينِ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ وَحِينَئِذٍ هُوَ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُؤْكَلَ بِالذَّكَاةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْكَلُ وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِصِحَاحٍ وَلَا تَثْبُتُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ فِي الْأُمِّ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْجَنِينِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا بَعْدَ حَيَاةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْإِشْعَارَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَمَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَلَيْسَ بِحَيٍّ بَعْدُ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِذَكَاةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ كُلَّ مَا لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ إلَّا بِالذَّكَاةِ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْحَيَاةِ أَصْلُهُ الْأُمَّهَاتُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأُمِّ بَعْدَ ذَكَاتِهَا أَوْ فِي حَالِ حَيَاتِهَا فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَكَاتِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا تُرْجَى لَهُ الْحَيَاةُ لَوْ تَرَكَ أَوْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ أَوْ يَيْأَسُ مِنْهُ فَإِنْ وُجِدَتْ لَهُ حَيَاةٌ بَاقِيَةٌ فَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ مَالِكٍ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ فِي حَيَاتِهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَوْلُودِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ تَخُصُّهُ فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ إمَّا لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ أَوْ لِأَنَّ حَيَاتَهُ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَبْحُهُ فَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ وَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ أُكِلَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة وَالْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّة: أَحَبُّ إلَيَّ فِي الَّتِي ذُكِّيَتْ أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا اسْتَخْرَجَ مِنْ بَطْنِهَا حَيًّا إلَّا بِذَكَاةٍ وَنَحْوِهِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا قَدْ كَمُلَتْ ذَكَاتُهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِهَا فَكَانَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَمَّا كَانَ مِمَّا يَنْفَصِلُ عَنْهَا بِالْوِلَادَةِ وَيَنْفَرِدُ بِالْحَيَاةِ اُسْتُحِبَّ مُبَاشَرَتُهُ بِالذَّكَاةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا خَرَجَ يَتَحَرَّكُ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ فَإِنْ سَبَقَهُمْ بِنَفَسِهِ فَأَنَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ فَنَحَا بِهِ إلَى الْكَرَاهِيَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ خَرَجَ فِي حَالِ حَيَاةِ أُمِّهِ أَزْلَقَتْهُ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَحْيَا وَيَعِيشُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا ذُكِّيَ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَمُلَ نَبَاتُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَبَاحَ مِنْ الذَّكَاةِ بِمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ غَيْرُهُ الْكَبِيرُ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَعِيشُ أَوْ يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ ذُكِّيَ وَقَالَهُ فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَوْتَهُ بِالْإِزْلَاقِ وَلَيْسَتْ بِذَكَاةٍ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَأَنَّهُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُذَكَّى لِأَنَّ مَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ لَا تَأْثِيرَ لِلذَّكَاةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ تَمَّ خَلْقُهُ يَعْنِي أَنَّهُ كَمُلَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلْقَةِ وَأَمَّا لَوْ خُلِقَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَتَمَّ خَلْقُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ مَا نَقَصَ مِنْهُ مِنْ ذَكَاتِهِ وَإِبَاحَةِ أَكْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بِذَلِكَ تَتِمُّ ذَكَاتُهُ فَيَحْتَمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِذَبْحِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيَصِيرَ لَهُ حَظٌّ مِنْ مُبَاشَرَةِ الذَّكَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ جَوْفِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا يَحْتَقِنُ فِيهِ لِئَلَّا يَمْنَعَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِهِ وَتَقْطِيعِهِ.

[كتاب الصيد]

كِتَابُ الصَّيْدِ تَرْكُ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: رَمَيْت طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ فَأَصَبْتُهُمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصَّيْدِ] [تَرْكُ أَكْلِ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ] (ش) : قَوْلُهُ رَمَيْت طَائِرَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مُتَصَيِّدًا فَرَمَاهُمَا فِي حَالِ تَصَيُّدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا فِي مَقْعَدِهِ أَوْ مُتَصَرِّفًا فِي بَعْضِ شَأْنِهِ حَتَّى رَآهُمَا مُمَكَّنَيْنِ فَرَمَاهُمَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلتَّصَيُّدِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ بِهِ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَهُ مَكْسَبًا أَوْ قَرَمَ إلَى اللَّحْمِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا أَرَى لِأَحَدٍ صَيْدَ الْبَرِّ إلَّا لِأَهْلِ الْحَاجَةِ الَّذِينَ عَيْشُهُمْ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا إنَّمَا قَصَدَ اللَّحْمَ وَتَحْصِيلُ الصَّيْدِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] إلَى قَوْلِهِ {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَعْنَاهُ مِمَّا صِدْنَ لَكُمْ وَأَمَّا الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الصَّيْدِ تَلَذُّذًا فَلَيْسَ غَرَضُهُ فِي الصَّيْدِ وَإِنَّمَا غَرَضُهُ فِي الِالْتِذَاذِ بِطَلَبِهِ وَالْأَخْذِ لَهُ خَاصَّةً دُونَ الِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ فِي أَكْلٍ أَوْ بَيْعِهِ بِثَمَنٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الصَّيْدَ لِمَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ وَيَقُولُ: هُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا غِنًى بِهِمْ عَنْهُ وَكَرِهَهُ لِأَهْلِ الْحَوَاضِرِ وَرَأَى خُرُوجَهُمْ إلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالْخِفَّةِ وَهَذَا غَيْرُ خَارِجٍ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ مُتَوَجِّهٌ إلَى مَا يَأْخُذُ الْإِنْسَانُ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَالْكَلَامُ الثَّانِي فِي عُذْرِ النَّاسِ لِلتَّصَيُّدِ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّهُ خَرَجَ لَمَّا أَرَادَ إحْرَازَ الصَّيْدِ وَلَمْ يَقْصِدْ اللَّذَّةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مُحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ وَمُعْتَادُونَ لَهُ فَلَا يُغْنِيهِمْ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْحَوَاضِرِ يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِمْ مَعَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ أُدْمِ الْحَوَاضِرِ وَالْمَجَازِرِ فَلَا يُعْذَرُونَ بِمَا يَدَعُونَ مِنْ مَقْصِدِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صَيْدُ الْحِيتَانِ فَفِي الْعُتْبِيَّةُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ عِنْدِي أَخَفُّ لِذَوِي الْمُرُوآتِ وَالْمَالُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَكَأَنِّي رَأَيْتُهُ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رَمَيْت طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَمَى الطَّائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ وَقَصَدَ إلَى إصَابَتِهِمَا بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَمَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَرٍ غَيْرِ الْحَجَرِ الَّذِي رَمَى بِهِ الْآخَرَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ رَمَيْت طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ أَيْ هَذَا الْجِنْسُ مِمَّا يُرْمَى بِهِ وَيُصَادُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَمَى بِهِ أَحَدَهُمَا فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ الْحَجَرَ فَرَمَى بِهِ الطَّيْرَ الثَّانِي فَأَصَابَهُ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: أَحَدُهَا: فِي صِفَةِ السِّلَاحِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ أَوْ يُضْرَبُ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الرَّمْيِ أَوْ الضَّرْبِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْمَضْرُوبِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُنْتَهَى فِعْلِ الرَّمْيَةِ وَالضَّرْبَةِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْآلَةِ) مَا يُصَادُ بِهِ مِنْ السِّلَاحِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا لَهُ حَدٌّ كَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ وَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ مِمَّا لَهُ حَدٌّ تَجُوزُ بِهِ الذَّكَاةُ وَالثَّانِي مَا لَا حَدَّ لَهُ كَالْمِعْرَاضِ وَالْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ لَا تَجُوزُ بِهِ الذَّكَاةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَجَرُ الَّذِي رَمَى بِهِ نَافِعٌ مِمَّا لَهُ حَدٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ طَرْحِهِ الطَّائِرَيْنِ حِينَ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُمَا وَلَوْ كَانَ الْحَجَرُ مِمَّا لَهُ

[الباب الثاني في صفة الرمي أو الضرب في الصيد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدٌّ وَأَصَابَ بِحَدِّهِ وَجَرَحَ لَكَانَتْ تِلْكَ ذَكَاةً تُبِيحُ أَكْلَ الطَّائِرِ وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ ذَكَاتَهُمَا. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَامِي الصَّيْدِ بِالْحَجَرِ الَّذِي مِثْلُهُ يُذْبَحُ فَقَطَعَ رَأْسَ الصَّيْدِ وَهُوَ يَنْوِي اصْطِيَادَهُ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ إذْ لَعَلَّ الْحَجَرَ قَطَعَ رَأْسَ الصَّيْدِ بِعَرْضِهِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ لَجَازَ لَهُ أَكْلُهُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الرَّمْيِ أَوْ الضَّرْبِ فِي الصَّيْدِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الرَّمْيِ أَوْ الضَّرْبِ وَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ نَوْعٌ مِنْ الذَّكَاةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ وَعَلَى صِفَةٍ تَصِحُّ بِهَا الذَّكَاةُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ الرَّامِي أَوْ الضَّارِبُ الِاصْطِيَادَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ فَقَطَعَ رَأْسَهُ وَقَدْ نَوَى اصْطِيَادَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ اصْطِيَادَهُ بِرَمْيَتِهِ فَلَا يَأْكُلُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ صِفَةُ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّتُهُ كَالذَّبْحِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُهُ وَلَوْ أَصَابَهُ وَأَصَابَ غَيْرَهُ بَعْدَهُ أَكَلَهُ دُونَ الَّذِي أَصَابَ بَعْدَهُ لِمَعْنَى النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْمَضْرُوبِ فِي الصَّيْدِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْمَضْرُوبِ وَهَذَا يُرَاعَى فِيهِ صِفَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّوَحُّشُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الِامْتِنَاعِ بِصِفَةٍ مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَكَاتِهِ فَأَمَّا الصِّفَةُ الْأُولَى فَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] الْآيَةُ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ نَالَتْهُ رِمَاحُنَا يَجِبُ أَنْ يَحِلَّ لَنَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَوَحِّشًا عَلَى أَصْلِهِ أَوْ تَأَنَّسَ ثُمَّ اسْتَوْحَشَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُسْتَوْحِشُ الْجِنْسِ مُمْتَنِعٌ فَجَازَ أَنْ يُذَكَّى بِالرَّمْيِ كَاَلَّذِي لَمْ يَتَأَنَّسْ قَطُّ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ فِيهِ فَهِيَ الْعِلَّةُ فِي إبَاحَةِ مَا ذُكِرَ قَالَ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ بِإِثْخَانِ الْجِرَاحِ لَهُ أَوْ بِحِبَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَجُزْ ذَكَاتُهُ إلَّا بِمَا يُذَكَّى بِهِ إلَّا نَسِيَ لِأَنَّ عِلَّةَ الِامْتِنَاعِ قَدْ عُدِمَتْ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُؤَثِّرَتَانِ فِي الْعَمَلِ لَا فِي النِّيَّةِ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَنْفَرِدُ بِهَا دُونَ النِّيَّةِ) . [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُنْتَهَى فِعْلِ الرَّمْيَةِ وَالضَّرْبَةِ فِي الصَّيْدِ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُنْتَهَى فِعْلِ الرَّمْيَةِ وَالضَّرْبَةِ الرَّمْيَةُ أَوْ الضَّرْبَةُ بِهِ لَا تَخْلُو أَنْ تُنْفِذَ الْمَقَاتِلَ أَوْ لَا تُنْفِذَهَا فَإِنْ أَنْفَذَتْهَا فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهَا الذَّكَاةُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِينَ بِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَبِينَ بِهَا شَيْءٌ فَإِنْ بَانَ بِهَا مِنْهُ جُزْءٌ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَطَعَ الصَّيْدَ بِنِصْفَيْنِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ جَمِيعُهُ زَادَ النِّصْفُ الَّذِي مَعَ الرَّأْسِ أَوْ نَقَصَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أُكِلَا جَمِيعًا وَإِنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الْفَخِذَ أُكِلَ الثُّلُثَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ الرَّأْسَ وَلَمْ يُؤْكَلْ الثُّلُثُ الْبَاقِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فَإِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ أُكِلَ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ لَا مَحَالَةَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي قُطِعَ مِنْهُ سِوَى الرَّأْسِ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ مِنْهُ بَعْدَ قَطْعِهِ فَإِنَّ الَّذِي بَانَ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي مِثْلُ أَنْ تَقْطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَإِنَّ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ عَيْشُ الْحَيَوَانِ بَعْدَهَا وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي سَوَاءٌ مَاتَ مِنْ الْعَقْرِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ مَاتَتْ مِنْ الْعَقْرِ الْأَوَّلِ أُكِلَ جَمِيعُهُ وَمَا بَانَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى رَمَاهُ رَمْيَةً أُخْرَى فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا بَانَ مِنْهُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْقِيَاسُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ وَرِكَيْهِ مَعَ فَخِذَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا بَانَ مِنْهُ وَيُؤْكَلُ بَاقِيهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ فَخَذَلَ وَرِكَيْهِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ جَمِيعُهُ وَلَوْ أَبَانَ فَخِذَيْهِ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْجَوْفِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يُؤْكَلُ مَا أَبَانَ مِنْهُ وَيُؤْكَلُ مَا بَقِيَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّك إذَا ضَرَبْتَهُ عَلَى الْعَجُزِ فَصَارَ عَجُزُهُ فِي حَيِّزِ الْأَسْفَلِ وَقَدْ قَطَعْت مِنْ جَوْفِهِ فَكَأَنَّك قَطَعْت وَسَطَهُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَفْسِيرِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْقَطْعِ بِنِصْفَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِلَ الْقَطْعُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْفِ وَعَلَى جَوَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرُ فِي حَيِّزِ الْأَسْفَلِ وَعَلَى تَعْلِيلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهُ مَا لَا تُتَوَهَّمُ حَيَاتُهُ دُونَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ وَبِضَرْبَتِهِ تِلْكَ فَكَانَتْ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ الْيَدُ الْبَائِنَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي يَصِحُّ بَقَاءُ الْحَيَوَانِ دُونَهَا فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَبِينَ الْمَقْطُوعُ مِنْهُ أَوْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْبَائِنِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِلْدِ أَوْ بِيَسِيرٍ مِنْ اللَّحْمِ فَلَا يُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرُّوحُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ يَسِيرَ اللَّحْمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ تَعَلُّقًا يَحْيَا بِحَيَاتِهِ وَيَسْرِي إلَيْهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ يُذَكَّى بِذَكَاتِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِالْجِلْدِ وَالشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا تَسْرِي إلَيْهِ بِهِ الْحَيَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُذَكَّى بِذَكَاتِهِ كَالْمُنْفَصِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَنْفَذَ الْمَقَاتِلَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ جُزْءٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ أَكْلُهُ لِكَمَالِ الذَّكَاةِ فِيهِ بِمَا يُذَكَّى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ مُحَدَّدِ السِّلَاحِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَاتَ بِنَفْسِ الضَّرْبَةِ أَوْ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَهَذَا قَدْ فَاتَتْ فِيهِ الذَّكَاةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِحَجَرٍ لَا حَدَّ لَهُ أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَجَرِ فَلَمْ يَجْرَحْهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَدْ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الَّذِي يَضْرِبُ الصَّيْدَ بِالسَّيْفِ فَيَقْتُلُهُ وَلَا يَجْرَحُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُؤْكَلُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ عَلَى هَذَا إنَّ هَذَا فَاتَ بِالْمَوْتِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ فَاتَتْ فِيهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فَاتَتْ ذَكَاتُهُ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَعْجِيلِهَا أَوْ يَكُونَ فَاتَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّكَاةِ فِيهِ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ فَإِنْ فَاتَ لِلتَّأْخِيرِ وَكَانَ ضَرَبَهُ بِعَرْضِ حَجَرٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَأَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ أَوْ لَمْ يَنْفُذْهَا فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مَوْقُوذَةٌ وَلَوْ ضَرَبَهُ بِحَدِّ الْحَجَرِ فَلَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ وَفَاتَ لِلتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَعْجِيلِ الذَّكَاةِ فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى ذَكَاتِهِ فَلَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاتِهِ كَالْإِنْسِيِّ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَكَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَأْخِيرٍ لَجَازَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَرَبَهُ فَأَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ لَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ أَكْلُهُ لِكَمَالِ الذَّكَاةِ فِيهِ بِمَا يُذَكَّى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ مُحَدَّدِ السِّلَاحِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْآيَةِ أَنَّ مَا تَنَالُهُ أَيْدِينَا هُوَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ الْمُتَمَكَّنُ مِنْ ذَكَاتِهِ وَاَلَّذِي تَنَالُهُ رِمَاحُنَا هُوَ غَيْرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَذَكَاتُهُ مِنْ السِّلَاحِ بِالرِّمَاحِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ الْآيَةِ فِي بَابِ مَا قُتِلَ بِالْمِعْرَاضِ فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فِعْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي أَمْرِ الطَّائِرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ يُرِيدُ بِعَرْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ وَقِيذٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وَالْمَوْقُوذَةُ هِيَ الْمَضْرُوبَةُ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ثُمَّ قَالَ: «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ الْوَقِيذُ» فَالْمِعْرَاضُ عَصًا

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَأَشْبَاهِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] قَالَ: فَكُلُّ شَيْءٍ نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ بِرُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ هُوَ قَتَلَهُ وَأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي الصَّائِدُ بِهَا الصَّيْدَ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ وَجْهُ ذَكَاتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي صِفَةِ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحَدَّدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْبُنْدُقَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ مِثْلُ أَنْ يُرْمَى بِهِمَا جَمِيعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ مَاتَ أَوْ لَا يُعْلَمُ مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ فَهَذَا لَا يُؤْكَلُ سَوَاءٌ أَصَابَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ حَدِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَعَانَتْ فِي ذَكَاتِهِ آلَةٌ لَا يُذَكَّى بِمِثْلِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ الْكَلْبُ وَالْحِبَالَةُ أَوْ كَلْبَانِ أَحَدُهُمَا لَمْ يُرْسَلْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَنْفَرِدَ الْمِعْرَاضُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَنْفَرِدَ الْبُنْدُقَةُ بِالْقَتْلِ فَعَلَى هَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا انْفَرَدَتْ الْبُنْدُقَةُ بِقَتْلِهِ وَيُنْظَرُ إلَى مَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ فَمَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَمَا قُتِلَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَالَ إمْكَانِهَا وَالثَّانِي حَالَ امْتِنَاعِهَا فَأَمَّا فِي حَالِ إمْكَانِهَا فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا فِي حَالِ امْتِنَاعِهَا بِالتَّوَحُّشِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَأَنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ بِالرَّمْيِ وَالطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَرْقَبَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ تُنْفَذْ بِشَيْءٍ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَقَاتِلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّيْدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ لِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِالتَّوَحُّشِ أَصْلُ ذَلِكَ وُجُوبُ الذَّكَاةِ فِيهَا وَإِجْزَاؤُهُ لَهَا فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَتَأَنَّسُ مِنْ الْوَحْشِ ثُمَّ اسْتَوْحَشَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ بِالصَّيْدِ قَالَهُ مَالِكٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْيَمَامِ وَالْيَعَاقِيبِ وَجَمِيعِ الطَّيْرِ الَّذِي أَصْلُهُ التَّوَحُّشُ ص. (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ إذَا خَسَقَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِحَدِّهِ وَطَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ كَطَرَفِ الْعَصَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا بِعُودٍ أَوْ عَصًا فَخَرَقَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ نَفَذَ بِطَرَفِهِ كَطَرَفِ الرُّمْحِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدِي فِيمَا يَكُونُ مُحَدَّدَ الطَّرَفِ فَأَمَّا لَمْ يَكُنْ مُحَدَّدَ الطَّرَفِ فَإِنَّمَا خَزْقُهُ هَشْمٌ وَرَضٌّ وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ رَمَى بِحَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ فَخَرَقَ أَوْ بَضَعَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَزْقٍ وَإِنَّمَا هُوَ رَضٌّ. وَقَدْ رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْهُ» . (ش) : قَوْلُهُ {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] الْآيَةُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا سِوَاهُمْ وَلَا أُضِيفَ إلَّا إلَى أَيْدِيهِمْ وَرِمَاحِهِمْ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِطْلَاقِهِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَفْعَلُهُ الْمُتَصَيِّدُ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِلتَّكَسُّبِ وَالِاسْتِغْنَاءِ بِهِ وَضَرْبٌ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ لَحْمِهِ مِثْلُ الْغِنَى عَنْهُ وَضَرْبٌ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَالرَّاحَةِ فَأَمَّا مَا يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ أَوْ لِأَكْلِ لَحْمِهِ فَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ دُونَ كَرَاهِيَةٍ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا الصَّيْدُ لِلَّهْوِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَنَهَى عَنْهُ وَرَآهُ سَفَهًا وَلَمْ يَجُزْ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ.

لَا يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ) . (ص) : (قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ غَابَ عَنْك مَصْرَعُهُ إذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَرًا مِنْ كَلْبِك أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُك مَا لَمْ يَبِتْ فَإِذَا بَاتَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا أَعَانَ الصَّائِدَ عَلَى صَيْدِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ كَآلَةٍ لِلصَّيْدِ فَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ الصَّائِدِ أَوْ مِنْ فِعْلِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَحْوَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالذَّكَاةِ وَتُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ الْفَاعِلِ وَالْآلَةِ كَالذَّكَاةِ فَإِذَا رَمَى الرَّامِي صَيْدًا عَلَى شَاهِقٍ فَتَرَدَّى فَوَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ سَهْمُهُ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ قَبْلَ تَرَدِّيهِ فَقَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ فَلَا يُحَرِّمُهُ تَرَدِّيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ بِرَمْيَتِهِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَمِنْ رَمْيَتِهِ مَاتَ أَوْ مِنْ تَرَدِّيه قَالَهُ مَالِكٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَسَقَطَ فِي مَاءٍ فَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ إنْ تَيَقَّنَ إنْفَاذَ السَّهْمِ مَقَاتِلَهُ بِرَمْيَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ لَعَلَّ إنَّمَا قَتَلَهُ الْمَاءُ وَلَيْسَ بِآلَةِ الصَّيْدِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَتْ رَمْيَتُك فِي مَاءٍ فَغَرِقَ فَلَا تَأْكُلْ» مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ وَلَمْ تُنْفِذْ الرَّمْيَةُ مَقَاتِلَهَا وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْغَرَقُ لِأَنَّ الْغَرَقَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمَوْتِ وَلَوْ أَنْفَذَ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ لَمْ يُرَاعَ الْمَوْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَا لَوْ أَعَانَ كَلْبُهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ يُرْسِلْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَمَى صَيْدًا بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَأَخَافُ عَلَى مَنْ أَكَلَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ السَّهْمُ فَإِنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فَقَدْ ذَهَبَتْ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ خَوْفُهُ أَنْ يُعِينَ عَلَى قَتْلِهِ السَّهْمُ وَبَقِيَتْ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ مَخَافَتُهُ عَلَى آكِلِهِ فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْكُلَهُ أَنْفَذَ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ أَوْ لَمْ يُنْفِذْهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ السَّمُومِ الَّتِي تُؤْمَنُ وَلَا يُتَّقَى عَلَى أَكْلِ الصَّيْدِ مِنْهَا شَيْءٌ كَالْبَقْلَةِ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْعِلَّتَانِ وَجَازَ أَكْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَصْلِ ابْنِ نَافِعٍ مُرَاعَاتُهُ أَنْ يُنْفِذَ السَّهْمُ الْمَقَاتِلَ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ فِي الْمَاءِ وَإِنْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ أُنْفِذَتْ فِيهِ مَقَاتِلُهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ أَكْلُهُ فَعَلَى هَذَا يَتَحَرَّرُ الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. (ش) : قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ غَابَ عَنْك مَصْرَعُهُ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْسِيمٍ وَتَفْصِيلٍ وَذَلِكَ إنَّ الْكَلْبَ أَوْ السَّهْمَ إذَا أَنْفَذَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ بِمُشَاهَدَةِ الصَّائِدِ ثُمَّ تَحَامَلَ الصَّيْدُ وَغَابَ عَنْهُ فَقَدْ كَمُلَتْ ذَكَاتُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مَغِيبُهُ عَنْهُ وَلَا مَبِيتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يُنْفِذْ السَّهْمُ وَلَا الْكَلْبُ مَقَاتِلَهُ حَتَّى غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إذَا كَانَ مُجِدًّا فِي الطَّلَبِ حَتَّى وَجَدَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَإِنْ تَشَاغَلَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَحَكَى نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا تَوَارَى الصَّيْدُ مَعَ الْكَلْبِ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُ إنْ لَمْ يُرَ بِالْقُرْبِ صَيْدًا يُشَكِّكُهُ إنَّ الَّذِي قَتَلَ غَيْرُ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَإِنْ شَكَّ فَلَا يُؤْكَلُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُمَيِّزَ الصَّيْدَ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ بِالْمَوْضِعِ مِنْ الصَّيْدِ مَا يَشُكُّ بِهِ فِي قَتْلِ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِ وَهَذَا شَكٌّ فِي عَيْنِ الصَّيْدِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا شَكَّ فِي صِفَةِ قَتْلِهِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا زَالَ عَنْ عَيْنِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ حُكْمِ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَذَكَرْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَتَلَ فَكُلْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا وَجَدْت فِيهِ أَثَرًا مِنْ كَلْبِك أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُك يُرِيدُ أَنَّ الظَّاهِرَ إذَا كَانَ بِهِ أَثَرُ كَلْبِهِ أَوْ وَجَدَ فِيهِ سَهْمَهُ أَنَّهُ الصَّيْدُ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ شَكٌّ مِنْ وُجُودِ صَيْدٍ بِقُرْبِهِ يَشُكُّ بِهِ أَنَّ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ كَلْبِهِ أَوْ سَهْمِهِ غَيْرُ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِ فَلَا يَأْكُلُهُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 -

[ما جاء في صيد المعلمات]

مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ: كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك إنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَبِتْ عَنْهُ فَإِذَا بَاتَ عَنْهُ كُرِهَ أَكْلُهُ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ اصْطَادَهُ بِجَارِحٍ أَوْ سَهْمٍ فَإِنْ كَانَ بِالْجَارِحِ فَبَاتَ الصَّيْدُ عَنْهُ وَقَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ بَعْدَ أَنْ غَابَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الصَّيْدِ بِالْكَلْبِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَإِنْ بَاتَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ يَطْلُبُهُ أَوْ لَا يَطْلُبُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ صَاحِبُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَاغَلَ عَنْهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ وَجْهُ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِهِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ لِلْحَيَوَانِ انْتِشَارًا بِاللَّيْلِ فَإِذَا بَاتَ عَنْهُ جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا بِاللَّيْلِ قَتَلَهُ دُونَ كَلْبِهِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا بِالنَّهَارِ إذَا غَابَ عَنْهُ أَكْثَرَ النَّهَارِ إلَّا أَنَّهُ يَنْدُرُ بِالنَّهَارِ وَيَكْثُرُ بِاللَّيْلِ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ مَغِيبَ الصَّيْدِ عَنْ الصَّائِدِ لَا يَمْنَعُ إبَاحَتَهُ أَصْلُهُ مَغِيبُهُ بِالنَّهَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ صَادَ بِسَهْمِهِ فَبَاتَ عَنْهُ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ صَادَ بِكَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ بَاتَ عَنْهُ فَوَجَدَ فِيهِ أَثَرَ سَهْمِهِ وَقَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فَلْيَأْكُلْهُ وَأَمَّا أَثَرُ الْبَازِي وَالْكَلْبِ فَلَا يَأْكُلُ وَإِنْ كَانَ مَقْتَلًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ. فَوَجْهُهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِنْ رَمَيْت الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَثَرُ سَهْمِك فَكُلْ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ أَثَرِ السَّهْمِ وَالْجَارِحِ أَنَّ السَّهْمَ يُوجَدُ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ غَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْجَوَارِحُ فَإِنَّ آثَارَهَا كَآثَارِ غَيْرِهَا مِنْ السِّبَاعِ لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهَا فَصَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مَا فَاتَ سَوَاءٌ صِيدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُؤْكَلُ مَا بَاتَ سَوَاءٌ صِيدَ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَقَوْلُ أَصْبَغَ يُؤْكَلُ مَا بَاتَ مِمَّا صِيدَ بِسَهْمٍ وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا صِيدَ بِجَارِحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمُعَلَّمَاتِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْجَارِحِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك يُرِيدُ الْمُعَلَّمَ لِلصَّيْدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] إلَى قَوْلِهِ {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا أَرْسَلْت الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك» وَفِي هَذَا ثَلَاثُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْجَارِحِ الَّذِي يَصِحُّ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُعَلَّمِ مِنْهُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْإِمْسَاكِ عَلَى الصَّائِدِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْجَارِحِ) فَأَمَّا صِفَةُ الْجَارِحِ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُصَادَ بِهِ فَهُوَ كُلُّ جَارِحٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفْهَمَ التَّعْلِيمَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَمِنْ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالْبَاشِقِ وَالشَّاهِينِ وَالشَّذَانِيقِ وَالْعُقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَحِلُّ إلَّا صَيْدُ الْكَلْبِ وَأَمَّا صَيْدُ سَائِرِ الْجَوَارِحِ مِنْ الطَّيْرِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَحِلُّ صَيْدُهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَجُوزُ صَيْدُ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى وَمَا {عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]

[الباب الثاني في صفة الكلب المعلم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ جَارِحٍ مِنْ الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ مَعْنَى مُكَلِّبِينَ مُسَلِّطِينَ وَأَضَافَهُ إلَى الصَّائِدِ لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ التَّعْلِيمُ وَالتَّسْلِيطُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ: التَّكْلِيبُ تَعْلِيمُ الْكِلَابِ الصَّيْدَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ فَجَازَ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْكَلْبِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ] 1 ِ أَمَّا صِفَةُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ فَهُوَ أَنْ يَفْهَمَ الزَّجْرَ وَالْأَشْلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي تَعَلُّمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قَالُوا: فَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْأَكْلِ فَهُوَ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْنَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ قَتْلَ الْجَارِحِ ذَكَاةٌ يَفْسُدُ الصَّيْدُ بِهَا فَلَا يَفْسُدُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا ذُبِحَ وَتَعَلَّقَ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ قَتَلَ فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ فَالْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ غَيْرَ أَنَّهُ عَامٌّ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الَّذِي أُدْرِكَ مَيِّتًا مِنْ الْجَرْيِ أَوْ الصَّدْمِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَارَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِرْسَالُ وَلَا الْإِمْسَاكُ عَلَيْنَا يُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ أَخْذُهُ الْمُعْتَادِ ذَكَاةً وَمَعْنَى الذَّكَاةِ أَنْ تُبِيحَ أَكْلَ الْمُذَكَّى فَلَا يُفْسِدُهُ مَا وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ الصَّائِدُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْأَكْلِ دُونَ إرْسَالِ الصَّائِدِ لَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ مَقْطُوعًا مِمَّا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ وَوَجْهُ تَأْوِيلِهِ لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ مُخَالَفَتَهُ ابْنَ عُمَرَ فَبَيَّنَّا أَنَّ مَالِكًا مُخَالِفُهُ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ وَقِيَاسٍ جَلِيٍّ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْإِمْسَاكِ] 1 ِ أَمَّا مَعْنَى الْإِمْسَاكِ عَلَيْنَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُمْسِكَ بِإِرْسَالِنَا وَهُوَ عَلَى أُصُولِنَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ مَيْزُ هَذَا وَإِنَّمَا يَتَصَيَّدُ بِالتَّعْلِيمِ وَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ عَلَيْنَا بِأَنْ يُمْسِكَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَتَمَيَّزَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ مَنْ لَهُ نِيَّةٌ وَهُوَ مُرْسِلُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَقَدْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُرْسِلْهُ فَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مِمَّا صِدْنَ لَكُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَلْبَ إذَا لَمْ يُرْسِلْهُ الصَّائِدُ وَصَادَ بِإِرْسَالِهِ فَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» وَفِيهِ «فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كِلَابِك أَوْ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ فَخَشِيت أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا ذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا انْشَلَى الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّيْدِ ثُمَّ أَعَانَهُ الصَّائِدُ بِالْإِشْلَاءِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَوَّلِ انْبِعَاثِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَانْبَعَثَ بِذَلِكَ فَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ لَمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِهِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ ثُمَّ أَغْرَاهُ مُسْلِمٌ مَا أُكِلَ صَيْدُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ بِإِشْلَائِهِ تَمَادَى عَلَى الصَّيْدِ فَوَجَبَ أَنْ يُطْرَحَ مَا كَانَ مِنْ جَرْيِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ قَاصِدٍ أَرْسَلَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَصَادَ غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَالَ سَعْدٌ: كُلْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ إلَّا بَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ لَمْ يُرْسِلْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ أَصْلُهُ إذَا انْبَعَثَ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ يَرَاهَا الصَّائِدُ أَوْ يَرَى بَعْضَهَا أَوْ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْهَا وَتُحْصَرُ بِمَوْضِعٍ لَا تَخْتَلِطُ بِغَيْرِهَا فِي الْأَغْلَبِ كَالْغَارِ فِيهِ الصَّيْدُ يُرْسِلُ جَارِحَهُ وَيَنْوِي جَمِيعَ مَا فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَصِحُّ إرْسَالُهُ إلَّا عَلَى مَا يَرَاهُ حِينَ الْإِرْسَالِ وَأَمَّا مَا لَا يَرَاهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّيْدِ إلَيْهِ كَالْغَيْضَةِ وَالْجَوْبَةِ مِنْ الْأَرْضِ فَقَدْ جَوَّزَ الْإِرْسَالَ عَلَى مَا فِيهَا أَصْبَغُ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَيَتَخَرَّجُ الْقَوْلَانِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ وَأَقْوَالُ أَصْحَابِنَا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِرْسَالُ عَلَى مَا لَا يَرَاهُ إذَا أُمِنَ مِنْ امْتِزَاجِ غَيْرِهِ بِهِ كَالْغَارِ وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ كَالْغِيَاضِ وَمَذْهَبُ أَصْبَغَ يَجُوزُ الْإِرْسَالُ عَلَى مَا فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يَصِلُ إلَيْهَا صَيْدٌ غَيْرُ مَا فِيهَا كَالْغِيَاضِ أَوْ مِمَّا لَا يَصِلُ إلَيْهِ كَالْغَارِ وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ إلَّا عَلَى مَا يَرَاهُ وَأَمَّا الْإِرْسَالُ عَلَى غَيْرِ تَعْيِينٍ مِثْلُ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى كُلِّ صَيْدٍ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ وَنَوَى كُلَّ صَيْدٍ فِي الْعَالَمِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ يُرِيدُونَ قَتْلَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَكَاةٌ إذَا أَخَذَهُ الْأَخْذَ الْمُعْتَادَ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ جُرْحِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ وَأَمَّا إنْ قَتَلَهُ بِالصَّدْمِ أَوْ الضَّغْطِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ: يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَهَذِهِ نَطِيحَةٌ لَمْ تُذَكَّ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ آلَةُ الصَّيْدِ فَإِذَا قَتَلَتْ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَمْ تُؤْكَلْ أَصْلُ ذَلِكَ السَّهْمُ وَالْمِعْرَاضُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ قَتَلَ» وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُجْرَحَ أَوْ لَا يُجْرَحُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ مَاتَ بِفِعْلِ الْجَارِحِ فَجَازَ أَكْلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ جُرْحُهُ فَأَمَّا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْرِكَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْتُلْ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَذَكَّيْتُهُ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ هِيَ الذَّكَاةُ الْمَعْهُودَةُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى قَتَلَهُ الْكَلْبُ سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَاتُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ هُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ قَتْلِهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَتْلَهُ ذَكَاةٌ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَضُرُّ مَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِ كَمَا لَا يَضُرُّ الذَّبِيحَةُ مَا طَرَأَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَمَامِ ذَكَاتِهَا (ش) : ظَاهِرُ السُّؤَالِ عَنْ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ هَلْ يُبِيحُ ذَلِكَ أَكْلَهُ أَوْ لَا يُبِيحُهُ فَأَجَابَهُ سَعْدٌ بِقَوْلِ: كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا بَضْعَةٌ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ ذِكْرُ الْأَكْلِ غَيْرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَهُ الصَّيْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ فَقَدْ كَمُلَتْ ذَكَاتُهُ فَلَا يَضُرُّك بَعْدَ ذَلِكَ مَا حَدَثَ عَلَى الصَّيْدِ فَكُلْ مَا وَجَدْت مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا بَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ بِأَكْلِ الْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ قَدْ كَمُلَتْ.

فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَتْ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إرْسَالِهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ مِنْ فِي الْكَلْبِ ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كُلٌّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي فِي الْكَلْبِ فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوْ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ الْجَوَارِحِ الَّتِي تَفْهَمُ التَّعْلِيمَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ تَدْعُوهُ فَيُجِيبَ وَتُشْلِيَهُ فَيُشْلَى وَتَزْجُرَهُ فَيَزْدَجِرَ وَكَذَلِكَ الْفُهُودُ وَأَمَّا الْبُزَاةُ وَالصَّقْرُ وَالْعِقْبَانُ فَأَنْ تُجِيبَ إذَا دُعِيَتْ وَتُنْشَلِي إذَا أُشْلِيَتْ وَلَا تَزْدَجِرُ إذَا زُجِرَتْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِيهَا قَالَهُ رَبِيعَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي الْبُزَاةِ أَنَّهَا كَالْكِلَابِ تُجِيبُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَتَفْقَهُ الزَّجْرَ وَأَمَّا مَا لَا يَفْقَهُ الزَّجْرَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي النَّمِرِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ كَانَ لَا يَفْقَهُ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَمَا جَرَى مَجْرَى مَا ذُكِرَ مِمَّا يُصَادُ بِهِ فَهُوَ جَارِحٌ وَإِنْ كَانَ سِنَّوْرًا أَوْ ابْنَ عُرْسٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جِنْسَ مَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ إذَا كَانَ مِنْهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا قَتَلَ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ أَكْلُ مَا قَتَلَ النَّمِرُ الَّذِي جِنْسُهُ لَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَرَتْ يُرِيدُ مَا تَنَاوَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ الِاصْطِيَادِ مِمَّنْ يُصَادُ بِهَا إذَا أُشْلِيَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهَا لَوْ أَرْسَلَهَا فَلَمْ يَقْتُلْ عَلَى وَجْهِ الِاصْطِيَادِ وَذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَتْبَعْ الصَّيْدَ بِالْإِشْلَاءِ بَلْ رَجَعَتْ عَنْهُ وَاشْتَغَلَتْ بِغَيْرِهِ أَوْ قَتَلَتْهُ صَدْمًا أَوْ نَطْحًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ وَجْهَ الِاصْطِيَادِ الْمُعْتَادِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إرْسَالِهَا ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاصْطِيَادِ كَمَا هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي الصَّيْدِ عَامِدًا لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ وَيَجْرِي فِي التَّسْمِيَةِ فِي الصَّيْدِ مِنْ الْخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الذَّبِيحَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَالِكَ مِنْ الْكَلَامِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَمِمَّا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] فَأَمَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّصَيُّدِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا سَمَّيْت فَكُلْ وَإِلَّا فَلَا تَأْكُلْ» وَكَذَلِكَ إرْسَالُ السَّهْمِ وَالرَّمْيُ بِالرُّمْحِ وَالضَّرْبُ بِالسَّيْفِ يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ التَّسْمِيَةِ مَا يَلْزَمُ فِي إرْسَالِ الْجَارِحِ لِأَنَّ الذَّكَاةَ انْتَقَلَتْ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَلْزَمُ حِينَ إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي مُوَطَّئِهِ فِي قَوْلِهِ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا قَتَلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَكَاتَهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّيْدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَزِمَتْهُ ذَكَاتُهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَمِّيَ عِنْدَ ذَكَاتِهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا غَيْرَ أَنَّ إرْسَالَ الْكَلْبِ هُوَ ابْتِدَاءُ ذَكَاةِ مَا قُتِلَ لِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّبَ حِينَ الْقَتْلِ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَا تُمْكِنُ التَّسْمِيَةُ حِينَئِذٍ فَشُرِعَتْ التَّسْمِيَةُ حِينَ الْإِرْسَالِ فَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ انْتَقَلَتْ ذَكَاتُهُ إلَى الذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ فَلَزِمَتْ إعَادَةُ التَّسْمِيَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لَزِمَتْ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّائِدِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْكَلْبِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الصَّائِدَ أَنْ يَنْوِيَ دُونَ وَقْتِ قَتْلِ الْكَلْبِ فَإِذَا أَخَذَ وَلَمْ يَقْتُلْ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلٌ آخَرُ وَهُوَ الذَّكَاةُ وَنِيَّةٌ أُخْرَى فَلَزِمَتْ إعَادَةُ التَّسْمِيَةِ كَمَا لَزِمَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِي فَصَادَ أَوْ قَتَلَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ الْمُسْلِمُ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ أَوْ بِنَبْلِهِ فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ وَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِي عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ قَوْسُ الْمُسْلِمِ وَنَبْلُهُ يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْجَارِحَ إذَا أَخَذَ الصَّيْدَ فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ سَالِمًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَكَاتِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الذَّكَاةِ بِأَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ فَيُذَكِّيَهُ أَوْ يُذَكِّيَهُ فِي أَفْوَاهِهَا أَوْ تَحْتِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَانْتَقَلَتْ الذَّكَاةُ إلَى الصَّائِدِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَتَرَكَهَا حَتَّى قَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَكَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ بِقَتْلِ الْجَارِحِ كَالْمُسْتَأْنِسِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شُغِلَ عَنْ ذَكَاتِهِ بِإِخْرَاجِ السِّكِّينِ مِنْ مَتَاعِهِ أَوْ انْتِظَارِهِ غُلَامَهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ الْكِلَابُ عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْكَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَهَذَا مِمَّا أَمْسَكَتْهُ الْجَوَارِحُ عَلَيْنَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا أَرْسَلْت كِلَابَك الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ قَتَلْنَ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُسْتَوْحِشٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَكَاتُهُ بِعَقْرِ الْجَوَارِحِ أَوْ آلَةِ الصَّيْدِ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ صَيْدِ الْجَوَارِحِ فَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ بِسَهْمٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَلَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ وَصَارَ بِمَا نَالَ مِنْهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنَّ الذَّكَاةَ قَدْ انْتَقَلَتْ إلَى أَصْلِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ فَاتَتْ ذَكَاتُهُ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلْبِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلصَّيْدِ كَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا صِفَةُ مَالِكِهِ وَلَا صِفَةُ مُعَلِّمِهِ وَلَا صِفَةُ مُرْسِلِهِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى صِفَةُ الْمُرْسَلِ فِي نَفْسِهِ فَالْكَلْبُ كَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ فَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ وَهُوَ مُعَلَّمٌ فَقَدْ أَرْسَلَ كَلْبًا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَالْمُرْسِلُ لَمَّا كَانَ مُسْلِمًا جَازَ اصْطِيَادُهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي ذَلِكَ مِلْكُ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْسَلٍ وَلَا جَارِحٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ صِفَةُ الْمُرْسَلِ وَالْجَارِحِ خَاصَّةً وَذَلِكَ كَالذَّابِحِ يُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ الذَّبْحِ وَصِفَةُ آلَةِ الذَّبْحِ دُونَ صِفَةِ مَالِكِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمُسْلِمِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا لِأَنَّ الْكَلْبَ وَإِنْ كَمُلَتْ شُرُوطُ الصَّيْدِ فِيهِ فَإِنَّ مُرْسِلَهُ مِمَّنْ تُعْتَبَرُ صِفَاتُهُ فِي الصَّيْدِ وَقَدْ عُدِمَتْ شُرُوطُهُ لِأَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ وَلِلصَّائِدِ صِفَاتٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا وَأَنْ يَكُونَ صَاحِيًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَيْدِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الصَّاحِي فَأَمَّا صَيْدُ الْكِتَابِيِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَإِنْ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ إبَاحَتَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَذَبَائِحِهِمْ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] وَلَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الصَّيْدِ كَمَا ذَكَرَ إبَاحَةَ طَعَامِهِمْ وَهِيَ ذَبَائِحُهُمْ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْمُضَافَ

[ما جاء في صيد البحر]

مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ قَالَ نَافِعٌ ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَأَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] قَالَ نَافِعٌ: فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَابِ الْحَصْرِ فَلَمَّا أَضَافَ الْأَيْدِي وَالرِّمَاحَ إلَى الْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قَصْرِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا ذَكَاةٌ فَصَحَّتْ مِنْ الْكِتَابِيِّ كَالذَّبْحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَإِذَا تَوَلَّدَ صَبِيٌّ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَحُكْمُهُ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمُ أَبِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ مِنْ أَحَدِهِمَا. [مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَهَى عَنْ أَكْلِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَلْفِظَهُ حَيًّا وَالثَّانِي أَنْ يَلْفِظَهُ مَيِّتًا لِمَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ ثُمَّ ظَهَرَ إلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ النَّظَرَ أَوْ يَذْكُرَ الْآيَةَ فَأَعَادَ نَظَرَهُ فِيهَا فَقَرَأَ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ فَحَمْلُ الصَّيْدِ عَلَى مَا اُصْطِيدَ مِنْهُ لِامْتِنَاعِهِ وَالطَّعَامِ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُ دُونَ تَصَيُّدٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الطَّافِي الَّذِي قَدْ مَاتَ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يُعْلَمُ سَبَبُ مَوْتِهِ وَلَا أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ فَلَمَّا اسْتَوَى عِنْدَهُ ذَلِكَ فِي الْإِبَاحَةِ إمَّا لِعُمُومِ الْآيَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ رَجَعَ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ إلَى إبَاحَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ صَيْدِ الْبَحْرِ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَمَّا كَلْبُ الْمَاءِ وَخِنْزِيرُهُ فَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ فَأَجَازَ أَكْلَهُ رَبِيعَةُ وَكَرِهَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يُبِيحُهُ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ظَاهِرُ التَّسْمِيَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُنَا فِيهِ بِشَيْءٍ وَيَقُولُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّعْلِيقَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُرَاعِي فِي الْعُمُومِ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ دُونَ عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِ وَمَنْ رَاعَى عُرْفَ اسْتِعْمَالِهِ دُونَ مَوْضُوعِهِ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ أَوْ حَكَمَ لِمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْكَرَاهِيَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنِّي لَأَتَّقِيهِ وَلَوْ أَكَلَهُ رَجُلٌ لَمْ أَرَهُ حَرَامًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخَرْتِيتُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَنَا أَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ الْمَمْسُوخِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْفَظَ حَيًّا وَالثَّانِي أَنْ يَلْفِظَهُ مَيِّتًا فَأَمَّا لَفْظُهُ حَيًّا فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ جَوَازُ أَكْلِهِ وَكَذَلِكَ مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُؤْكَلُ مَيْتَتُهُ إلَّا مَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِثْلُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيَمُوتَ أَوْ يَمُوتَ مِنْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَقْتُلَهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى أَوْ يَنْضُبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَيَمُوتَ أَوْ يَلْفِظَهُ الْبَحْرُ حَيًّا فَيَمُوتَ فَأَمَّا إنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ لَفَظَهُ الْبَحْرُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ فَإِذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ وَجَبَ أَنْ يُؤْكَلَ أَصْلُهُ إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تَكُونُ بِقَصْدِ قَاصِدٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ

[الباب الأول في بيان ما يجوز أكله بغير ذكاة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعْدِ الْجَارِي مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الْحِيتَانِ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَوْ تَمُوتُ صَرَدًا فَقَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ قَالَ سَعْدٌ: ثُمَّ سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحُوتِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ فِيهِ الذَّكَاةُ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ] 1 (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ مَا فِي الْمَاءِ مِنْ الْحِيتَانِ وَدَوَابِّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ لَا تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ وَضَرْبٌ تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ فَأَمَّا مَا لَا تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ كَالسَّمَكِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحِيتَانِ وَالدَّوَابِّ الَّتِي إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْمَاءِ لَمْ تَبْقَ حَيَاتُهَا وَعَاجَلَهَا الْمَوْتُ وَلَا تَصَرُّفَ لَهَا فِي الْبَرِّ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَلَا سَبَبٍ وَأَمَّا مَا تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالضَّفَادِعِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالسَّرَطَانِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَةُ أَكْلِهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَلَا سَبَبٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا كَانَ مَأْوَاهُ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَإِنْ كَانَ يَرْعَى فِي الْبَرِّ وَكَانَ مَأْوَاهُ وَمُسْتَقَرُّهُ فِي الْبَرِّ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ فِي الْقِسْمَيْنِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ كَالْحُوتِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَيَوَانٌ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ فَلَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ) . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : دَمُ السَّمَكِ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِطَهَارَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ إنَّ هَذَا دَمٌ سَائِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا كَسَائِرِ الدِّمَاءِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ) أَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ فَهُوَ كَالْجَرَادِ وَالْحَلَزُونِ وَمَا يَكُونُ فِي الْبَرِّ مِنْ الْحَشَرَاتِ وَأَنْوَاعِ الْخَشَاشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهِيَ عِنْدِي مِنْ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ أَكْلُ الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِذَكَاةٍ فَإِنْ مَاتَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ بَعْدَ أَنْ اُصْطِيدَتْ حَيَّةً فَقَدْ أَجَازَ أَكْلَهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَا: أَخْذُهَا ذَكَاتُهَا وَلَوْ وُجِدَتْ مَيِّتَةً لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا أَكْلُهَا وَأَجَازَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهَذِهِ مَيْتَةٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ فَلَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ حَيَوَانِ الْبَرِّ وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ إنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الذَّكَاةُ الْمَخْصُوصَةُ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ ذَكَاةٌ أَصْلُهُ الْحُوتُ. (فَرْعٌ) وَحُكْمُ الْحَلَزُونِ حُكْمُ الْجَرَادِ فِي أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُ: مَنْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِ شَيْءٍ مِنْ الْخَشَاشِ لِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا ذُكِّيَ كَمَا يُذَكَّى الْجَرَادُ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَقْرَبِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْعَقْرَبَانِ وَالْجُنْدُبِ وَالزُّنْبُورِ وَالْيَعْسُوبِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ وَالسُّوسِ وَالْحِلْمِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (ش) : مَا قَتَلَ بَعْضُهُ بَعْضًا مِنْ الْحِيتَانِ أَوْ مَاتَ صَرَدًا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مِنْ فِعْلِ الصَّائِدِ بَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَتَى مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ فِعْلِ الصَّائِدِ أَوْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَمَا احْتَاجَ إلَى سَبَبٍ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مِنْ فِعْلِ قَاصِدٍ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي كُلِّ مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إنَّ ذَكَاتَهُ بِأَنْ يَقْصِدَ إلَى إمَاتَتِهِ بِفِعْلٍ مَا وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ صِفَةِ الْفَاعِلِ

[أكل كل ذي ناب من السباع]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِمَا لَفَظَ الْبَحْرُ بَأْسًا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَارِ قَدِمُوا فَسَأَلُوا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ: اذْهَبُوا إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسْأَلُوهُمَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ ائْتُونِي فَأَخْبِرُونِي مَاذَا يَقُولَانِ؟ فَأَتَوْهُمَا فَسَأَلُوهُمَا فَقَالَا: لَا بَأْسَ بِهِ فَأَتَوْا مَرْوَانَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَرْوَانُ: قَدْ قُلْت لَكُمْ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحِيتَانِ يَصِيدُهَا الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا أُكِلَ ذَلِكَ مَيِّتًا فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ صَادَهُ) . تَحْرِيم أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُعْتَبَرُ فِي الذَّكَاةِ أَمْ لَا؟ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ لِلْجَرَادِ إنْ قَتَلَهَا بِفِعْلِهِ إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ حَيَّةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَعَلَى آخِذِهَا التَّسْمِيَةُ عِنْدَ قَطْعِ رُءُوسِهَا أَوْ أَجْنِحَتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتُلُهَا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا ذَكَاةٌ لَهَا. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْجَارِ أَتَوْا مَرْوَانَ فَسَأَلُوهُ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ وَمَعْنَاهُ مِنْ الْحِيتَانِ وَالدَّوَابِّ وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ حِينَئِذٍ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَعْلَمَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَعَلَّ مَنْ كَانَ يُشَارِكُهُمَا فِي الْعِلْمِ غَابَ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَاسْتَظْهَرَ بِمُشَاوَرَتِهِمَا لِمَعْنَيَيْنِ: إمَّا لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مُوَافَقَتَهُمَا لَهُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ قَبْلَ هَذَا وَأَرَادَ أَنْ يُقَوِّيَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِ السَّائِلِينَ بِجَوَابِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَوْلَهُمَا فِي ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَظْهِرَ بِجَوَابِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَعْلَمُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ إلَيْهِ مَا أَجَابَ بِهِ فَلَمَّا وَافَقَاهُ عَلَى ذَلِكَ تَحْقِيقُ قَوْلِهِ وَقَوِيَ فِي نَفْسِهِ مَا أَفْتَاهُمْ بِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ مَرْوَانُ وَلَا زَيْدٌ وَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَحَدًا مِنْ السَّائِلِينَ عَمَّا رَمَاهُ الْبَحْرُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ رَمَاهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِيهِ لَسَأَلُوا عَنْهُ وَكَانَ الْجَوَابُ مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى حَسَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ] (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ بِدَلِيلِ إنْ وُجِدَ فِي الشَّرْعِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِ السِّبَاعِ فَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ عَنْهُ أَنَّهَا كُلُّهَا عِنْدَهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ وَلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا يَفْتَرِسُ مِنْ السِّبَاعِ وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ فَهُوَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَمَا كَانَ سِوَى ذَلِكَ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَمَا يَعِيشُ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَأْتِ فِيهِ نَهْيٌ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَهَذَا فِيمَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ فَأَمَّا الطَّيْرُ فَإِنَّهَا تَفْتَرِسُ وَتَأْكُلُ اللَّحْمَ وَلَيْسَ بِأَكْلِهَا بَأْسٌ وَأَمَّا الْمَدَنِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَدَنِيُّونَ فِي تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ فَأَمَّا غَيْرُ الْعَادِيَةِ كَالذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ وَالْوَحْشِيِّ وَالْإِنْسِيِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا دُونَ تَحْرِيمٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَوْ بَلَغَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرْبَيْنِ: مِنْهُ مَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهُ مَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَأَمَّا الْمَغَارِبَةُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ السَّبُعُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالذِّئْبُ وَالثَّعْلَبُ وَالْهِرُّ مَكْرُوهَةٌ وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ مِثْلُ رِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ اسْتَدَلَّ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] فَلَيْسَتْ لُحُومُ السِّبَاعِ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُحَرَّمًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سَبُعٌ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا كَالضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» وَهَذَا نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْجَهْمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ سُفْيَانَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْحِفْظِ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ مِنْ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ مَالِكًا أَخْرَجَهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ لَهُ وَالْتِزَامِهِ لَهُ لَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلٌ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ لَفْظِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ لَهُ فَلَيْسَ بِاعْتِرَاضٍ صَحِيحٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَقَلَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ وَنَقَلَ أَبُو ثَعْلَبَةَ لَفْظَ النَّهْيِ. وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنْ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةُ عَامٌّ فِي نَفْيِ كُلِّ مُحَرَّمٍ غَيْرَ مَا تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ تَحْرِيمَهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا لَا تَتَضَمَّنُهُ الْآيَةُ كَمَا دَلَّتْ آيَةُ الْخَمْرِ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَإِنَّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَحَدِيثُ لُحُومِ السِّبَاعِ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى كُلِّ أَكْلٍ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا وَيُخَصُّ بِهَا حَدِيثُ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ وَتَحْمِلُهُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّ الْآيَةَ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا وَكَانَ التَّعْلِيقُ بِعُمُومِهَا أَوْلَى مِنْ التَّعَلُّقِ بِعُمُومٍ مَظْنُونٍ وَهُوَ عُمُومُ الْخَبَرِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِ لُحُومِ السِّبَاعِ وَسَائِرُ لُحُومِ الْوَحْشِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِينَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ بِأَنْ يَخُصَّ نَوْعًا مِنْ الْجِنْسِ دُونَ جَمِيعِهِ لِيَجْتَهِدَ فِي إلْحَاقِ الْبَاقِي بِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لَهُ كَمَا يَقُولُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَخَصَّ بِذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ عِنْدَكُمْ حَرَامًا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ خَصَّ لُحُومَ السِّبَاعِ بِالذِّكْرِ لَمَّا كَانَتْ مِمَّا أُبِيحَ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهَا ابْتِدَاءً لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي اسْتِبَاحَةِ لُحُومِهَا لَمَّا كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهَا فِي اسْتِبَاحَةِ قَتْلِهَا وَالْأَصْلُ عِنْدِي فِي هَذَا أَنْ يُخَصَّ الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] . فَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ وَخَاصَّةٌ فِي الْإِمْسَاكِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ خَاصٌّ فِي السِّبَاعِ وَعَامٌّ فِي أَحْوَالِهَا فَنَجْمَعُ بَيْنَهَا وَنَخُصُّ الْحَدِيثَ وَنَحْمِلُهُ عَلَى الْمَيْتَةِ مِنْهَا بِدَلِيلِ خُصُوصِ الْآيَةِ فِيمَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِ الْآيَةِ بِالْحَدِيثِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْآيَةَ مَعْلُومَةٌ وَالْحَدِيثَ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَالثَّانِي أَنَّ عُمُومَ الْآيَةِ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ وَعُمُومُ الْحَدِيثِ قَدْ دَخَلَهُ تَخْصِيصٌ فِي الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ هَذِهِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ أَنَّهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ ذَكَاتِهَا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِهَا فَهَذَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ التَّحْرِيمَ أَظْهَرُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ وَخَاصٌّ فِي السِّبَاعِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ: أَحْسِبُ أَنَّ مَالِكًا حَمَلَ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَكْلِهَا خَاصَّةً لِأَنَّ عُبَيْدَةَ بْنَ سُفْيَانَ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْأَكْلِ وَإِنَّ التَّذْكِيَةَ طُهْرٌ لِغَيْرِ الْآكِلِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِجُلُودِ السِّبَاعِ الْمُذَكَّاةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ

[ما يكره من أكل الدواب]

مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر: 79] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْت أَنَّ الْبَائِسَ وَهُوَ الْفَقِيرُ وَأَنَّ الْمُعْتَرَّ هُوَ الزَّائِرُ قَالَ مَالِكٌ: فَذَكَرَ اللَّهُ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَانِعُ هُوَ الْفَقِيرُ أَيْضًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّبَّ وَالثَّعْلَبَ وَالضَّبُعَ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي السِّبَاعِ الَّتِي لَا تَبْدَأُ بِالْأَذَى غَالِبًا كَالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْأَذَى غَالِبًا فَرُوِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ. وَرُوِيَ عَنْهُ الْكَرَاهِيَةُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ كُلَّ مَا يَفْتَرِسُ وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّحْرِيمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَأَمَّا الْقِرْدُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَحِلُّ لَحْمُ الْقِرْدِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا وَلَا كَرَاهِيَةً فَإِنْ كَانَتْ كَرَاهِيَةٌ فَلِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَكْلُ الضَّبِّ فَمُبَاحٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مَكْرُوهٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تُؤْكَلُ حَيَّةٌ وَلَا عَقْرَبٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَ أَكْلَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَلَا الطَّيْرِ وَلَا السَّمَكِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَعْنَى السِّبَاعِ فَكَرِهَ أَكْلَهَا كَمَا كَرِهَ أَكْلَ لُحُومِ السِّبَاعِ فَأَمَّا تَحْرِيمُهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَقُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ أَكْلَهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ السُّمِّ مَخَافَةً عَلَى آكِلِهَا وَأَمَّا أَكْلُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي إذَا أُمِنَ مِنْ أَذَاهَا وَعَرَفَ وَجْهَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ أُبِيحَ أَكْلُ التِّرْيَاقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْأَفَاعِي لِمَنْ أَمِنَ أَذَاهَا وَعَرَفَ سَلَامَةَ لَحْمِهَا مِنْ سُمِّهَا. (مَسْأَلَةٌ) : حَشَرَاتُ الْأَرْضِ مَكْرُوهَةٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا هـ مُحَرَّمَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةُ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَشَرَاتِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ الْهَوَامِّ فَكُرِهَ أَكْلُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْحَيَّاتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَجَازَ مَالِكٌ أَكْلَ الطَّيْرِ كُلِّهِ مَا كَانَ لَهُ مِخْلَبٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِخْلَبٌ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الصُّرَدِ وَالْهُدْهُدِ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ الطَّيْرِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْخُطَّافِ فَفِي الْمُسْتَخْرَجَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْخَطَاطِيفِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَهَا وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يُؤْكَلُ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] الْآيَةُ وَهَذَا عَامٌّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وقَوْله تَعَالَى فِي الْجَوَارِحِ {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذِي مِخْلَبٍ وَغَيْرِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا طَائِرٌ فَلَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَالدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ أَكْلِ الدَّوَابِّ] (ش) : اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ بِالْآيَةِ وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَامَ كَيْ بِمَعْنَى الْحَصْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ قَصَدَ بِذَلِكَ الِامْتِنَاعَ عَلَيْنَا وَإِظْهَارَ إحْسَانِهِ إلَيْنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُ مَا أَبَاحَهُ لَنَا مِنْهَا وَلَوْ كَانَتْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُهَا لَذَكَرَهَا لِيُبَيِّنَ إنْعَامَهُ عَلَيْنَا أَوْ لِيُظْهِرَ إبَاحَةَ ذَلِكَ إلَيْنَا فَإِنَّ إخْبَارَهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَهَا لِهَذَا الْمَعْنَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُ التَّصَرُّفِ

[ما جاء في جلود الميتة]

مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبَاحِ فِيهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَذَكَرَ الْأَنْعَامَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَهَا لِنَرْكَبَ مِنْهَا وَنَأْكُلَ فَلَمَّا عَدَلَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ عَنْ ذِكْرِ الْأَكْلِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهَا لِذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْخَيْلُ عِنْدَ مَالِكٍ مَكْرُوهَةٌ وَلَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ وَلَا مُبَاحَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ مُبَاحَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْخَيْلُ مُخْتَلَفٌ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِهَا فَلَا يَبْلُغُ بِهَا التَّحْرِيمُ وَالْبَرَاذِينُ مِثْلُهَا فَجَعَلَهَا مُبَاحَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَدَلِيلُنَا عَلَى كَرَاهِيَتِهَا أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ ذُو حَافِرٍ فَلَمْ يَكُنْ أَكْلُهُ مُبَاحًا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَتَعَلَّقَ مَنْ رَأَى إبَاحَةَ ذَلِكَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَرْخَصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَمِيرُ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا فَقِيلَ: إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَقِيلَ: مَكْرُوهَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ رِوَايَةَ الْكَرَاهِيَةِ خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّحْرِيمِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مَرْكُوبٌ ذُو حَوَافِرَ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَالْخَيْلِ وَأَمَّا الْبِغَالُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحُمُرِ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَيْلِ فَإِنْ قُلْنَا أَنَّ الْحُمُرَ مَكْرُوهَةٌ فَالْبِغَالُ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْحُمُرَ مُحَرَّمَةٌ فَالْبِغَالُ مُحَرَّمَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْقَانِعَ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمُعْتَرُّ هُوَ الزَّائِرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ وَيَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِسَ مَنْ وُجِدَ بِهِ الْبُؤْسُ وَالْفَقْرُ مِنْ جُمْلَةِ الْبُؤْسِ وَالْقَانِعُ هُوَ الطَّالِبُ وَالْقَنُوعُ الرَّاضِي بِمَا عِنْدَهُ. [مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلَاةً لِمَيْمُونَةَ» يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ أَعْطَاهَا إيَّاهَا حَيَّةً ثُمَّ مَاتَتْ وَكَانَ أَعْطَاهَا إيَّاهَا عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهَا مُحْتَاجَةً لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمَوْلَاةِ يُفِيدُ أَنَّهَا قَدْ أُعْتِقَتْ وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا عَمَّنْ أَعْتَقَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَفَلَا ذَبَحْتُمُوهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا وَالثَّانِي أَفَلَا سَلَخْتُمُوهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا حَضًّا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْوَالِ وَالتَّمْيِيزِ لَهَا وَمَنْعِهَا مِنْ إفْسَادِهَا قَلِيلِهَا وَيَسِيرِهَا وَمَا فِيهِ مُنْتَفَعٌ مِنْهَا وَالِانْتِفَاعُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا وَصَرْفُ مَا فَضَلَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ إلَى سَبِيلِ اللَّهِ وَمُوَاسَاةِ أَهْلِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ إفْسَادَ الْمَالِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي إطْرَاحِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْعَبَثِ وَالْكِبْرِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا الِانْتِفَاء مَشْرُوطٌ عِنْدَ مَالِكٍ بِتَقْدِيمِ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ لَا يُفْتَرَشُ وَلَا يُطْحَنُ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ حَتَّى يُدْبَغَ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَرْكَ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى يُدْبَغَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: «قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَنْتَفِعُوا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا بِعَصَبٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجِلْدِ شُرِطَ فِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ تَطْهِيرُهُ بِالذَّكَاةِ وَجُعِلَ لِذَلِكَ التَّطْهِيرِ عِنْدَ عَدَمِهِ بَدَلٌ وَهُوَ الدِّبَاغُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ ذَلِكَ دُونَ الْبَدَلِ إذَا عُدِمَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ جُعِلَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَجُعِلَ لِلطَّهَارَةِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ إلَّا بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ الْبَدَلُ فَهَذَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَيُحْتَمَلُ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَكُونُ وَجْهُ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ دِبَاغًا وَلَا غَيْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ أَنَّهَا مَيْتَةٌ إظْهَارٌ لِلْوَجْهِ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ حِينَ عَلِمُوا تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْهَا وَأَنَّهُ قَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا كَمَا حُرِّمَ أَكْلُ لَحْمِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا تَبْيِينٌ لِمَا حُرِّمَ مِنْهَا وَإِعْلَامٌ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَمْ يَفُتْ بِفَوْتِهَا كَمَا لَمْ يَفُتْ الْمُحْدِثَ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ بَلْ قَدْ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ بِالدِّبَاغِ كَمَا يُمْكِنُ لِلْمُحْدِثِ اسْتِدْرَاكُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِطَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» وَإِنَّمَا لِلْحَصْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَدَا الْأَكْلَ مِنْهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ فِيهَا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلطَّهَارَةِ وَلَا لِلنَّجَاسَةِ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا رَاجِعًا إلَيْهِ فِي إبَاحَةِ مَا يَقْتَضِي اللَّفْظُ إبَاحَتَهُ مِنْهُ وَمَنَعَ مَا يَقْتَضِي اللَّفْظُ مَنْعَ مِنْهُ فَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ فَلَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ اللَّفْظِ بِحَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ بَقَاءَ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَإِزَالَتَهُ عَنْهَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فَلَمْ يَرْجِعْ اللَّفْظُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِهِمْ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ لَفْظَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» رَاجِعًا إلَى الشَّاةِ. وَقَدْ يُنْتَفَعُ بِلَحْمِهَا أَيْضًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: يُنْتَفَعُ بِهِ بِأَنْ يُطْعِمَهُ كِلَابَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا شَاءَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِكِلَابِهِ إلَيْهَا وَلَا يَأْتِي بِالْمَيْتَةِ إلَى الْكِلَابِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» تَصْرِيحٌ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَالطَّهَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: طَهَارَةٌ تَرْفَعُ النَّجَاسَةَ جُمْلَةً وَتُعِيدُ الْعَيْنَ طَاهِرَةً كَتَخَلُّلِ الْخَمْرِ وَطَهَارَةٌ تُبِيحُ الِانْتِفَاعَ بِالْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ حُكْمَ النَّجَاسَةِ كَتَطْهِيرِ الدِّبَاغِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْوُضُوءِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَالتَّيَمُّمِ فِي اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فَأَمَّا تَطْهِيرُ الدِّبَاغِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ بِمَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ نَجَاسَتِهِ فَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ نَجِسٌ وَبَعْدَهُ طَاهِرٌ طَهَارَةً مَخْصُوصَةً يَجُوزُ بِهَا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ وَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَأَمَّا تَطْهِيرُهُ إيَّاهُ بِمَعْنَى رَفْعِ نَجَاسَتِهِ جُمْلَةً وَإِعَادَةِ طَهَارَتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الطَّهَارَةُ الَّتِي تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وَرَوَى شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: «قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ احْتِجَاجُنَا بِهِ لِأَنَّا لَا نَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَا فِي الَّذِي لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ بِالْمَوْتِ فَوَجَبَ أَنْ تَتَأَبَّدَ نَجَاسَتُهُ أَصْلُ ذَلِكَ اللَّحْمُ وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ مَنْ أَثْبَتَ الطَّهَارَةَ الَّتِي تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ بِمَعْنَى التَّنْظِيفِ وَإِبَاحَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ حُكْمَ مُوجِبِ الطَّهَارَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ طَهَارَةً وَسُمِّيَ التُّرَابُ طَهُورًا كَمَا يُسَمَّى الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ حُكْمَ مُوجِبِهِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَإِنَّمَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدِّبَاغَ لَا يَدْفَعُ حُكْمَ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَيُصْرَفُ فِي الْجَامِدَاتِ يُغَرْبَلُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي جَامِدٍ وَلَا غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» . (فَرْعٌ) وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَائِعَاتِ فَإِنَّهُ كَرِهَ مَالِكٌ فِي خَاصَّتِهِ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ غَيْرُهُ وَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَائِعَاتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهَا السِّقَاءُ لِلْمَاءِ وَقِرْبَةُ اللَّبَنِ وَزِقُّ الزَّيْتِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَّا بِمَا يُغَيِّرُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْيَسِيرِ مِنْهُ لِلْخِلَافِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَكَانَ يُحْتَاطُ وَيَأْخُذُ بِالْأَفْضَلِ فِي خَاصَّتِهِ وَيُوَسِّعُ عَلَى النَّاسِ فِيهِ لِمَا قَامَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَأَمَّا سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِيَسِيرٍ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهَا فِيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَجِّسُهَا وَيُحَرِّمُهَا وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْعُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا كَانَ نَجِسًا لِعَيْنِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي اللَّبَنِ وَالزَّيْتِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمَائِعَاتِ لَا تُنَجَّسُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ إلَّا بِمَا غَيَّرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّهَارَةِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ طَهَارَةً تَمْنَعُ نَجَاسَتَهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَعَلَيْهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِشَرْطِ أَنْ تَبِينَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَبِمَا يَطْهُرُ مِنْ الدِّبَاغِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ نَافِعٍ فِي الْمُزَنِيَّة: لَا يَكُونُ دِبَاغُهُ بِالْمِلْحِ فَقَطْ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الدِّبَاغُ التَّامُّ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ لِلشُّرْبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: مَا دُبِغَ بِهِ جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ مِلْحٍ أَوْ قَرَظٍ فَهُوَ لَهُ طَهُورٌ وَالدَّلِيلُ لِقَوْلِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» فَعَلَّقَ ذَلِكَ بِالدِّبَاغِ وَالدِّبَاغُ مَعْلُومٌ وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَبْلُغُهُ حُكْمُ الدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْأَسْقِيَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا هُوَ تَجْفِيفٌ لِرُطُوبَاتِهِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِتَجْفِيفِهِ فِي الشَّمْسِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ جِلْدِ مَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ بِالذَّكَاةِ وَالْحَيَوَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: مُبَاحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَالْخِنْزِيرِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ وَإِنْ ذُبِحَ وَدُبِغَ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِذَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالْخِنْزِيرُ لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ وَهِيَ أَقْوَى فِي التَّطْهِيرِ مِنْ الدِّبَاغِ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَالدِّبَاغُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْجِلْدِ خَاصَّةً عَلَى الِاخْتِلَافِ فَإِذَا كَانَتْ الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ فَبِأَنْ لَا يُؤَثِّرَ الدِّبَاغُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِهَا وَلَا تُبَاعَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي تَحْرِيمِهِ كَجُلُودِ السِّبَاعِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَإِنْ لَمْ تُدْبَغْ إذَا غُسِلَتْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ: لَا تُبَاعُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَلَا تُلْبَسُ وَإِنْ ذُكِّيَتْ وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى رِوَايَةِ نَفْيِ التَّحْرِيمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ لَمَّا كَانَ تَحْرِيمًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَأَمَّا السِّبَاعُ الَّتِي لَا تَعْدُو كَالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلِبَاسُهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَطْهُرُ جُلُودُ السِّبَاعِ بِالذَّكَاةِ غَيْرَ الضَّبُعِ وَتَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ غَيْرَ جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَاسْتَثْنَى الْمُذَكَّى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ إنَّ هَذَا جِلْدٌ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَوَجَبَ أَنْ يَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ كَجِلْدِ الضَّبُعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا جِلْدُ الْفَرَسِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُصَلَّى بِهِ وَإِنْ ذُبِحَ وَدُبِغَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ. وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ جِلْدُ حَيَوَانٍ مَكْرُوهٍ لَا مُحَرَّمٍ فَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذَا إنَّ جِلْدَ الْحَيَوَانِ الْمَكْرُوهِ لَحْمُهُ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يُسْتَبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ بِذَكَاةٍ وَلَا دِبَاغٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ ذَكَاتَهَا لِلذَّرِيعَةِ إلَى أَكْلِ لُحُومِهَا فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةَ التَّكَرُّرِ وَالْوُجُودِ لَا لِعَيْنِهَا وَأَمَّا جُلُودُ السِّبَاعِ فَقَدْ أَجَازَ بَيْعَهَا وَالصَّلَاةَ بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَإِنْ لَمْ تُدْبَغْ وَذَلِكَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لُحُومُهَا مَوْجُودَةً فَلَمْ يُخَفْ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُ جُلُودِهَا ذَرِيعَةً إلَى أَكْلِهَا فَتَأَكَّدَتْ عِنْدَهُ كَرَاهِيَةُ لُحُومِ الْخَيْلِ وَجُلُودِهَا لَمَّا خَافَ الذَّرِيعَةَ إلَى أَكْلِهَا وَلَا يَمْتَنِعُ مِثْلُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ مُحَرَّمٌ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَكَالْخَمْرِ ثُمَّ شُرِعَ الْحَدُّ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِمَا خِيفَ التَّسَرُّعُ إلَيْهَا وَلَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلَا أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمَّا لَمْ يُخَفْ التَّسَرُّعُ إلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي جِلْدِ الْفَرَسِ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَحْمُهُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ جِلْدُهُ طَاهِرًا كَجُلُودِ السِّبَاعِ الَّتِي لَا تَعْدُو. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا جِلْدُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُصَلَّى بِجِلْدِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ دُبِغَ وَذُبِحَ وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ ذَكَاتَهَا لِلذَّرِيعَةِ إلَى أَكْلِ لُحُومِهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَيَحْتَمِلُ عَلَى تَوْجِيهِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي جِلْدِ الْفَرَسِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جِلْدُهَا مَمْنُوعًا قَوْلًا وَاحِدًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَظْمَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ مَالِكًا نَهَى عَنْ الِانْتِفَاعِ بِعَظْمِ الْمَيْتَةِ وَالْفِيلِ وَالْأَدْهَانِ فِيهِ وَلَمْ يُطْلِقْ تَحْرِيمَهَا لِأَنَّ رَبِيعَةَ وَابْنَ شِهَابٍ أَجَازَ الِامْتِشَاطَ بِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ فَأَمَّا ابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ فَإِنَّهُمَا رَاعَيَا تَغْلِيَتَهَا بِالْمَاءِ وَجَعَلَا ذَلِكَ كَالدِّبَاغِ فِيهَا يُطَهِّرُهَا كَمَا يُطَهِّرُ الْجِلْدَ الدِّبَاغُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْجُسُ عِنْدَهُمَا بِالْمَوْتِ فَلَمْ أَرَ مَالِكًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ رَاعَى ذَلِكَ فِيهَا وَكَذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ يَحِلُّ الْعَظْمَ أَوْ لَا يَحِلُّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ هُوَ الْأَصْلُ غَيْرُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَأَصْبَغَ فَإِنَّهُمَا جَعَلَاهُ مِمَّا تَحِلُّهُ الرُّوحُ وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ يَحِلُّهُ وَأَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ قَوْله تَعَالَى {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] الْآيَةُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَا يَنْجُسُ لَحْمُهُ بِالْمَوْتِ يَنْجُسُ بِهِ عَظْمُهُ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ جُزْءٌ لَا يَأْلَمُ الْحَيَوَانُ مِنْهُ فَلَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ أَصْلُ ذَلِكَ الشَّعْرُ وَقَالَ الشَّيْخُ: لَمْ يَحْرُمْ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَوْتِهَا وَقَالَ رَبِيعَةُ: إنَّمَا يُنْتَفَعُ مِنْ عَظْمِ الْفِيلِ بِالنَّابِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَسَمَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ كَعُودٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَابِسٍ نَابِتٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ عَظْمٍ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ غَيْرَ الْأَسْنَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْلَ الْعَظْمِ الطَّهَارَةُ وَإِنَّمَا يَنْجُسُ مَا نَبَتَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ مِمَّا خَالَطَهُ مِنْ الدَّسَمِ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ. وَقَدْ قَالَ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ الرِّيشَ الَّذِي لَهُ سَنَخٌ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالْقُرُونِ وَالْأَنْيَابِ وَالْأَظْلَافِ لَا خَيْرَ فِيهِ وَحُكْمُ هَذَا فِيمَا ذَكَرَ رَبِيعَةُ حُكْمُ نَابِ الْفِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ قَوْلَهُ وَاخْتَارَ رَبِيعَةُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا بَيْعُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِي ذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فُسِخَ وَرُدَّ الثَّمَنُ إلَى الْمُبْتَاعِ وَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي عِظَامِ الْفِيلِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ يَجِبُ اجْتِنَابُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعِظَامُ الْفِيلِ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى اللَّحْمِ فَلَا يُمْتَشَطُ بِهَا وَلَا يُتَّجَرُ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ إذَا غُلِيَتْ جَازَ بَيْعُهَا كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا تُبَاعُ وَإِنْ غُلِيَتْ غَيْرَ أَنِّي لَا أَفْسَخُ بَيْعَهَا بَعْدَ أَنْ تُغْلَى إلَّا أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْبَغْ وَلَمْ يَغْلِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَتَحِلُّهَا الرُّوحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ فِي الْعَظْمِ الطَّاهِرِ لَا مَعْنَى لَهُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُرِيدَانِ طُولَ طَهُورِهِ وَيُبْسَ رُطُوبَتِهِ أَوْ عَدَمِهَا يَقُومُ مَقَامَ الدِّبَاغِ لِسَائِرِهَا وَهَذَا حُكْمُ أَنْيَابِ الْفِيلِ الَّذِي لَمْ يُذَكَّ فَأَمَّا إذَا ذُكِّيَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ كَجُلُودِ السِّبَاعِ وَعِظَامِهَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ. (فَرْعٌ) وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُطْبَخَ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ أَوْ يُسَخَّنُ بِهَا مَاءٌ لِوُضُوءٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَهُ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ أَكْلُ الطَّعَامِ وَلَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ فِي الْقِدْرِ مِنْهَا شَيْءٌ فَيُنَجِّسَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الرِّيشُ الَّذِي لَا سَنَخَ لَهُ مِثْلُ الزَّغَبِ وَشَبَهِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى شَعْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا يَحِلُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80] إلَى قَوْلِهِ {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] فَوَجَبَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ مِنْ الْآيَةِ عُمُومُهَا وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهِ مِنْهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ جَزَّ الشَّعْرِ سَبَبٌ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْ الشَّعْرِ فَلَمْ يَنْجُسْ بِهِ كَجَزِّهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: تَجُوزُ الْخِرَازَةُ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَلَا رُوحَ فِيهِ فَيَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ» أَمْرُهُ هَاهُنَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْمَنْعِ مِنْ إتْلَافِ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُتَمَلَّكَ عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَتَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ فَمَنْعُ تَحْرِيمِ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِهِ تَحْرِيمٌ لَهُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ مُحَرَّمٌ وَيَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْإِبَاحَةَ أَمْرٌ فِعْلِيٌّ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إبَاحَةَ الِاسْتِعْمَالِ لَهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ اقْتِضَاءٌ لَهُ وَمَنْعٌ مِنْ تَرْكِهِ عَلَى وَجْهِ مَا هُوَ أَمَرَ بِهِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ لِلْفِعْلِ فَإِنَّهَا تَعْلِيقُ الْفِعْلِ بِمَشِيئَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة]

مَا جَاءَ فِيمَنْ يَضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ حَتَّى لَا يُعَدُّ سَارِقًا فَتُقْطَعُ يَدُهُ رَأَيْت أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرَّ إلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِهَا» يُحْتَمَلُ الِاسْتِعْمَالُ الْمَعْهُودُ مِنْ مِثْلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ اسْتِعْمَالًا عَامًّا وَالْأَظْهَرُ مِنْ لَفْظِ الِاسْتِمْتَاعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمَلُّكٍ مَحْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ انْتِفَاعٌ إلَى وَقْتٍ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا دُبِغَتْ شَرْطٌ فِي إبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَيُمْنَعُ ذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي مَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ يَضْطَرُّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى غَيْرِ الْمُذَكَّى وَإِنْ كَانَ الْمُذَكَّى مَيِّتًا فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَكْلُهَا وَهَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ وَالسَّعَةِ وَأَمَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] إلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] وقَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] الْآيَةُ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ يُرِيدُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِهَا وَاسْتِبَاحَتِهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَرُدُّ رَمَقَهُ مِنْهَا بَلْ يَشْبَعُ مِنْهَا الشِّبَعَ التَّامَّ وَيَتَزَوَّدُ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ فِي حَالِ وُجُودِ الطَّعَامِ لَمَّا كَانَ مُبَاحًا لَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا يَأْكُلُ مِنْهَا مَا يُقِيمُ رَمَقَهُ ثُمَّ لَا يَأْكُلُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ مِنْ الضَّرُورَةِ إلَى حَالِهِ الْأُولَى وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِحِفْظِ النَّفْسِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِيمَا دُونَ الشِّبَعِ فَمَا زَادَ لَا يُتَنَاوَلُ لِحِفْظٍ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَمَنْ تَعَشَّى فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لَيْلَتَهُ تِلْكَ وَالْيَوْمَ بَعْدَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ وَجَدَ بِنَفْسِهِ قُوَّةً مَضَى عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَهُ ضَعْفٌ وَخَافَ الْمَوْتَ أَوْ مَا قَارَبَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ وَيُنْهِضُهُ فِي سَفَرِهِ وَتَعَلَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا نَكُونُ بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا الْمَخْمَصَةُ فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ فَقَالَ: إذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفُوا بَقْلًا شَأْنُكُمْ بِهَا» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي بِالِاصْطِبَاحِ الْغَدَاةَ وَالِاغْتِبَاقِ الْعَشَاءَ وَالِاحْتِفَاءِ جَمْعَ الْبَقْلِ وَأَكْلَهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ مَا وَجَدَ تَعْلِيلًا مِنْ تَبَقُّلٍ أَوْ غَيْرِهِ يُمْسِكُ نَفْسَهُ وَيُؤَمِّنُهُ الْمَوْتَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَوَجَدَهَا وَوَجَدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا قَطْعَ فِيهِ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَالزَّرْعِ الْقَائِمِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَكُونُ مِمَّا فِيهِ الْقَطْعُ إذَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ كَالْمَالِ فِي الْحِرْزِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا قَطْعَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ: إنْ خَفِيَ ذَلِكَ فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ وَأَمَّا إنْ وَجَدَ ثَمَرًا أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا لِقَوْمٍ فَظَنَّ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَلَا يَعُدُّوهُ سَارِقًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَيْتَةِ فَشَرْطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ لِنَفْسِهِ فَرُبَّمَا أُوذِيَ أَوْ ضُرِبَ ضَرْبًا عَنِيفًا إنْ عُلِمَ بِهِ وَلَمْ يُعْذَرْ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَشَرْطٌ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَهُوَ فِي الثَّمَرِ الَّذِي قَدْ آوَاهُ إلَى حِرْزِهِ وَالزَّرْعِ الَّذِي حَصَدَ وَأَوَى إلَى حِرْزِهِ وَالْغَنَمِ الَّتِي فِي حِرْزِهَا وَهِيَ الَّتِي أَرَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ رُبَّمَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَخْفَى لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ التَّسَتُّرِ بِهِ هُوَ الَّذِي يُعَاقَبُ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُعَلَّمًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا يَتَعَرَّضُ إلَى أَخْذِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ يَدِهِ وَاَلَّذِي يَأْخُذُ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَطْعَ يَدٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجِدُهُ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالْغَنَمِ لِغَيْرِهِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَهُ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَحْتَمِلُ مِنْهُ شَيْئًا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَكْلِهِ مِنْ هَذَا وَبَيْنَ أَكْلِهِ مِنْ الْمَيْتَةِ فَفِي الْمَيْتَةِ قَالَ: يَشْبَعُ وَيَتَزَوَّدُ وَقَالَ فِي هَذَا يَأْكُلُ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ وَلَا يَتَزَوَّدُ وَوَجْهُ ذَلِكَ: إنَّ هَذَا مَالٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ مَالِكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَرُدُّ بِهِ رَمَقَهُ وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اُسْتُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ تَجَاوَزَتْ الرُّخْصَةُ فِيهَا مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَجَاوَزُ مَوَاضِعَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ عَلَى رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ يُرِيدُ أَنَّ مَا أَكَلَهُ مِنْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ مُبَاحُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَإِذَا بَلَغَتْ الضَّرُورَةُ مِنْهُ إلَى اسْتِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فَقَدْ لَزِمَ صَاحِبَ هَذَا الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ مَا يَرُدُّ بِهِ رَمَقَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَمَنٌ أَوْ يَبِيعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنٌ فَإِذَا أَخَذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَقَدْ بَلَغَ بِهِ حَقَّهُ وَكَانَ مُبَاحًا لَهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ صَاحِبَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَلَيْسَتْ بِمُبَاحَةٍ فِي نَفْسِهَا فَكَانَ أَكْلُ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ وَأَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ خَافَ أَنْ يَعُدُّوهُ سَارِقًا بِأَخْذِهِ إيَّاهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِتَارِ مِنْ الْحِرْزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَطْعُ فَأَكْلُ الْمَيْتَةِ أَوْلَى وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا يُوجِبُ قَطْعَ يَدِهِ وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِهِ وَفَتْوَاهُ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَصًّا لِغَيْرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ قَوْلٌ اخْتَارَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ أَظْهَرُ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ هَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي الْأَغْلَبِ وَلَوْ شُرِعَ هَذَا لِلنَّاسِ لِتَسَبُّبِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ فَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَظَفِرَ بِهِمْ ادَّعَوْا الضَّرُورَةَ فَوَجَبَ سَدُّ هَذَا الْبَابِ وَوَجَبَ عَلَى هَذَا الْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ فِيهِ وَلَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصُدِّقَ فِيهِ لَتَسَبَّبَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ لَيْسَ بِصَادِقٍ وَلَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ كَمَا لَا يُعْرَفُ صِدْقُ هَذَا الَّذِي ادَّعَى الضَّرُورَةَ إلَى أَكْلِ زُرُوعِ النَّاسِ وَثِمَارِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا خَصَّ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُحْرَزَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالْمَاشِيَةُ دُونَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّ هَذِهِ أَوْ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا يَنْتَفِعُ الْمُضْطَرُّ بِوُجُودِهَا وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ كَالثِّيَابِ وَالْعَيْنِ فَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَكْلُهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا سَوَاءٌ وَجَدَ مَيْتَةً أَوْ لَمْ يَجِدْهَا وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَجِدُ بِهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ الثِّيَابَ أَوْ يَبِيعُهُ طَعَامًا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَمَا جَازَ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَا أَخْذُ مَالِ غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ ضَرُورَتَهُ وَيَسْأَلَ فَإِنْ وُهِبَ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَمَنٌ أَوْ بِيعَ مِنْهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنٌ وَإِلَّا جَازَ لَهُ قِتَالُهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْعِهِ الْمَاءَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَفِي الْمَبْسُوطِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ خَافَ مِنْ السِّبَاعِ فَجَاعَ فَتَضَيَّفَ قَوْمًا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُ فَلَا يَتَضَيَّفُهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَلْيَأْكُلْ الْمَيْتَةَ وَلْيَكُفَّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مَا لَا قَطْعَ فِيهِ يُرِيدُ بِأَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ بِطَعَامٍ وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حَبِيبٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إيرَادًا حَسَنًا فَبَيَّنَهَا وَاخْتَصَرَهَا فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَزَلَتْ بِهِ مَخْمَصَةٌ خَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ بِمَكَانٍ فِي مَالِ مُسْلِمٍ يُمْكِنُهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَمَا كَانَ مِنْ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ لَا قَطْعَ فِيهِ فَلْيَأْكُلْ مِنْهَا مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ ثُمَّ يَكُفُّ وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنْ كَانَتْ الثِّمَارُ قَدْ أُحْرِزَتْ فَلْيَأْكُلْ الْمَيْتَةَ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَمَا كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ مِنْ غَيْرِ الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَهَذَا إذَا وَجَدَ مَيْتَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا وَخَافَ الْمَوْتَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ حَضَرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَحَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ فَإِنْ مَنَعَهُ فَجَائِزٌ لِلَّذِي خَافَ الْمَوْتَ أَنْ يُقَاتِلَهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى أَكْلِ مَا يَرُدُّ بِهِ نَفْسَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَدْعُوهُ أَوَّلًا إلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَيُعَرِّفَهُ بِضَرُورَتِهِ فَإِنْ أَبَى اسْتَطْعَمَهُ فَإِنْ أَبَى أَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ عِوَضٍ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ذِمَّةَ الْإِنْسَانِ بَدَلٌ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِعِوَضٍ فَكَذَلِكَ مَا يُعَاضُ مِنْهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا أَكَلَ الْمُضْطَرُّ إلَى الْمَيْتَةِ مَالَ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَضْمَنُ وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَغَيْرِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ اضْطِرَارَهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهِ دُونَ إسْقَاطِ عِوَضِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَالٌ جَازَ لَهُ إتْلَافُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ أَصْلُ ذَلِكَ الْمُبَاحُ الَّذِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَمْ يُذَكِّ الصَّيْدَ لِأَنَّ بِذَكَاتِهِ يَكُونُ مَيْتَةً وَقَتْلُهُ مُحَرَّمٌ حَالَ إحْرَامِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ نَابَنِي ذَلِكَ لَأَكَلْت الصَّيْدَ وَإِنْ وَجَدْت مَيْتَةً وَخِنْزِيرًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَيَمْتَنِعَ مِنْ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِوَجْهٍ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ لَحْمِ بَنِي آدَمَ وَإِنْ خَافَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِحِفْظِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهِ مَيِّتًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَادِمَ لِلطَّعَامِ الْمُضْطَرِّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَالْقَفْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَأَمَّا فِي الْحَوَاضِرِ وَالْمُدُنِ فَلْيَسْأَلْ فِي ذَلِكَ وَلَا يَخْلُو السَّفَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَفَرًا مُبَاحًا أَوْ سَفَرًا مُحَرَّمًا أَوْ سَفَرًا مَكْرُوهًا فَأَمَّا السَّفَرُ الْمُبَاحُ فَهُوَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِيهِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَأَمَّا السَّفَرُ الْمُحَرَّمُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَرَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْدَلُسِيُّ أَنَّ الْعَاصِيَ فِي سَفَرِهِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَوَّى بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَالِكٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ ضَرُورَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] الْآيَةُ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَكْلِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَمَنْ كَانَ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفُرُوضُ الْوَاجِبَةُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهَا فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْعَوْنِ عَلَى الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إلَيْهَا فَلَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي وَلَهُ سَبِيلٌ إلَى أَنْ لَا يَقْتُلَ نَفْسَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَتُوبَ ثُمَّ يَتَنَاوَلَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] الْآيَةُ فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ أَنْ لَا يَكُونَ بَاغِيًا وَالْمُسَافِرُ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ أَوْ قَطْعِ رَحِمٍ أَوْ طَالِبِ إثْمٍ بَاغٍ وَمُتَعَدٍّ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا؟ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَشْرَبُهَا وَلَنْ تَزِيدَهُ إلَّا عَطَشًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِهِ: لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا لَا تَرْوِي مِنْ عَطَشٍ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ فِيمَا يُقَالُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تُشْبِعُ أَوْ تَرْوِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ وَفِي النَّوَادِرِ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ غَصَّ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسِيغَهَا بِالْخَمْرِ وَقَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَشْرَبُ الْمُضْطَرُّ الدَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْرُبُ ضَوَالَّ الْإِبِلِ وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّدَاوِي فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُدَاوِيَ جِرَاحَهُ بِعِظَامِ الْأَنْعَامِ الْمُذَكَّاةِ وَلَا يُدَاوِيَهُ بِعِظَامِ مَيْتَةٍ أَوْ بِعَظْمِ إنْسَانٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَا بِعَظْمِ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُرْتَكِ يُصْنَعُ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ إنْ جُعِلَ فِي قُرْحَةٍ أَوْ جُرْحٍ فَلَا يُصَلَّى بِهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ صَلَّى بِهِ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لِلنَّارِ الَّتِي أَحْرَقَتْهُ وَقَدْ خَفَّفَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِلضَّرُورَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدَاوِي وَبَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلضَّرُورَةِ مَا قَالَهُ وَذَلِكَ أَنَّ التَّدَاوِي لَا يُتَيَقَّنُ الْبُرْءُ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمَحْظُورُ فِيهِ وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لِلْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَإِنَّهُ يُتَيَقَّنُ الْبُرْءُ بِهِ فَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي التَّدَاوِي بِالْمُرْتَكِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي التَّدَاوِي بِمَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ الْخِلَافُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ جَعَلَ ذَلِكَ طَاهِرًا وَأَمَّا مَا لَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِهِ خَارِجَ الْبَدَنِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَأَمَّا شُرْبُهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ النَّارَ تُطَهِّرُ عِظَامَ الْمَيْتَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَظْمَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَمَا نَجِسَ لِعَيْنِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِوَجْهٍ وَمَا تَنَجَّسَ بِمُجَاوَرَةٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[كتاب الأشربة]

أَنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] [الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ وَفُلَانٌ هَذَا يُقَالُ أَنَّهُ ابْنُهُ فَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَوْسَطُ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ كُلُّهُمْ يُسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَكْبَرُهُمْ يُقَالُ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي هُوَ أَبُو شَحْمَةَ الْمَجْلُودُ فِي الْخَمْرِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ جَدُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَجَدْت رِيحَ شَرَابٍ اسْمُ الشَّرَابِ يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى كُلِّ مَشْرُوبٍ مُسْكِرٍ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الشَّارِبِ رِيحَ شَرَابٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ هَلْ هُوَ رِيحٌ مُسْكِرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ تَمَيَّزَ لَهُ أَنَّهُ رِيحُ شَرَابٍ مُسْكِرٌ لَمَّا احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ إنْ كَانَ مُسْكِرًا أَوْ لَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالرَّائِحَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ فِيهِ رِيحَ الْمُسْكِرِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مَا رُوِيَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَجْلِدُ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ شَرَابٍ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ تَامًّا. فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَكَمَ بِهَذَا وَكَانَ مِمَّنْ تَشْتَهِرُ قَضَايَاهُ وَتَنْتَشِرُ وَيُتَحَدَّثُ بِهَا وَتُنْقَلُ إلَى الْآفَاقِ وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى تُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ مَا شَرِبَهُ الْمُكَلَّفُ وَجِنْسُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا إلَى إثْبَاتِ الْحَدِّ أَصْلُ ذَلِكَ الرُّؤْيَةُ لِمَا شَرِبَهُ بَلْ الرَّائِحَةُ أَقْوَى فِي حَالِ الْمَشْرُوبِ مِنْ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يُعْلَمُ بِهَا الشَّرَابُ أَمُسْكِرٌ هُوَ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِرَائِحَتِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ فِي الْخَمْرِ] 1 الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ مِمَّنْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيهِ الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ إذَا تُيُقِّنَتْ رَائِحَةُ الْمُسْكِرِ أَوْ أُشْكِلَتْ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى الْحَاكِمُ مِنْهُ تَخْلِيطًا فِي قَوْلٍ أَوْ مَشْيٍ شِبْهَ السَّكْرَانِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ أَمَرَ بِاسْتِنْكَاهِهِ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ إلَى الْحُكْمِ فَلَا يَسَعُهُ إلَّا تَحْقِيقُهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ أَقَامَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ لَوْ شَمَّ مِنْهُ رَائِحَةً يُنْكِرُهَا أَوْ أَخْبَرَهُ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُنْكِرُهَا مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: فَعِنْدِي أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ اسْتِنْكَاهُهُ وَتَحْقِيقُ حَالِهِ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ يُنْكَرُ بِهَا حَالُهُ فَيَجِبُ اخْتِبَارُهُ وَتَحَقُّقُ حَالِهِ كَالتَّخْلِيطِ فِي الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يُرِيدُ التَّخْلِيطَ فِي الْقَوْلِ وَالْمَشْيِ لَمْ يَسْتَنْكِهَهُ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: وَلَا يُتَجَسَّسُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ رِيبَةً وَلَا خُرُوجًا عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ الْمُعْتَادَةِ وَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ] 1 ِ فَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ فَأَمَّا صِفَتُهُمْ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ: إنَّ صِفَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الرَّائِحَةِ أَنْ يَكُونَا مِمَّنْ خُبِرَ شُرْبُهَا فِي وَقْتٍ إمَّا فِي حَالِ كُفْرِهِمَا أَوْ شَرِبَاهَا فِي إسْلَامِهِمَا فَجُلِدَا ثُمَّ تَابَا حَتَّى يَكُونَا مِمَّنْ يَعْرِفُ الْخَمْرَ بِرِيحِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مَعْدُومٌ أَوْ قَلِيلٌ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ الرَّائِحَةُ إلَّا بِشَهَادَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهَا فِي الْأَغْلَبِ وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ لَمْ يَشْرَبْ قَطُّ وَلَكِنْ يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا مَعْرِفَةً

[الباب الثالث فيما يجب بشهادة الاستنكاه]

(ص) (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحَةً بِأَنْ يُخْبِرَهُ عَنْهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَنْ قَدْ شَرِبَهَا أَنَّهَا هِيَ رَائِحَةُ الْخَمْرِ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ كَمَا يَعْرِفُهَا الَّذِي قَدْ شَرِبَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ أَمَرَ الشُّهُودَ بِالِاسْتِنْكَاهِ أَوْ فَعَلُوا هُمْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يَأْمُرَ شَاهِدَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ وَأَمَّا إنْ كَانَ الشُّهُودُ فَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يُجْزِي أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشُّرْبِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْحَاكِمِ إلَّا وَاحِدٌ فَلْيَرْفَعْهُ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عِنْدِي عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فَلِذَلِكَ جَازَ عِنْدَهُ عِلْمُ مَنْ اسْتَنَابَ وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْزِئَ ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ فِيهِ شَاهِدَانِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجِبُ بِشَهَادَةِ الِاسْتِنْكَاهِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجِبُ بِشَهَادَةِ الِاسْتِنْكَاهِ) أَمَّا شَهَادَةُ الِاسْتِنْكَاهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُتَيَقِّنِينَ لِلرَّائِحَةِ أَوْ شَاكِّينَ فَإِنْ كَانُوا مُتَيَقِّنِينَ لِلرَّائِحَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ الْمُسْكِرِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ غَيْرِ مُسْكِرٍ أَوْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ رَائِحَةِ مُسْكِرٍ فَلَا نَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا فِي تَرْكِ وُجُوبِ الْحَدِّ فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ رَائِحَةُ مُسْكِرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَتْ بِرَائِحَةِ مُسْكِرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا اجْتَمَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ حُدَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ قَامَتْ وَكَمُلَتْ بِاجْتِمَاعِ شَاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ نَفْيُ مَنْ نَفَى مُقْتَضَاهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ رَأَيْنَاهُ يَشْرَبُ خَمْرًا وَقَالَ شَاهِدَانِ آخَرَانِ لَمْ يَشْرَبْ خَمْرًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَكَّ الشُّهُودُ فِي الرَّائِحَةِ هَلْ هِيَ رَائِحَةُ مُسْكِرٍ أَوْ غَيْرِ مُسْكِرٍ؟ نُظِرَتْ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّفَهِ نُكِّلَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالسَّفَهِ وَالشُّرْبِ وَالتَّخْلِيطِ وَخِيفَ أَنْ يَكُونَ مَا شَكَّ فِيهِ مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُزْجَرَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ بِذَلِكَ إلَى إظْهَارِ مَعْصِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَتَبْعُدُ عَنْهُ الرِّيبَةُ (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدَّ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ مِنْ جَوَازِ الشَّرَابِ الْفَمَ إلَى الْحَلْقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَزَعْمُ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ وَلَا تَحَقَّقَ هَلْ هُوَ رِيحُ مُسْكِرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفْ الطِّلَاءَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ الطِّلَاءَ وَلَمْ يَعْرِفْ صِدْقَهُ فِي كَوْنِهِ طِلَاءً لَا يُسْكِرُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَيَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إمَّا بِاسْتِنْكَاهِهِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى بَقِيَّتِهِ وَشَمِّهِ إنْ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ. . [مَا يُسْكِرُ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الشَّارِبُ حَدَّ السُّكْرِ] (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَا يُسْكِرُ عِنْدَهُمْ يَجِبُ بِهِ عِنْدَهُمْ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الشَّارِبُ حَدَّ السُّكْرِ وَلَوْ بَلَغَ حَدَّ السُّكْرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى السُّؤَالِ عَنْ الشَّارِبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْجِنْسَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمِقْدَارَ وَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ بِالْمِقْدَارِ لَقَالَ: إنَّهُ شَرِبَ يَسِيرًا مِنْ الطِّلَاءِ وَأَنَا سَائِلٌ عَنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَعَلَّقَ حُكْمَ الْحَدِّ عَلَى الْجِنْسِ عُلِمَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَدَّ تَامًّا يُرِيدُ أَنَّهُ جَلَدَهُ جَلْدَ الْخَمْرِ وَلَمْ يُعَزِّرْهُ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُعَاقَبُ وَيُنَكَّلُ إذَا أُشْكِلَ أَمْرُهُ وَتَعَلَّقَتْ التُّهْمَةُ بِهِ. (ص) (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ وَجَوَابُ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَشَارَ فِي قَدْرِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[الباب الأول في صفة الشهادة التي يثبت بها الحد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا بِقَوْلٍ يُعْلَمُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ. وَإِنَّمَا كَانَ يَضْرِبُ مِقْدَارًا قَدَّرَتْهُ الصَّحَابَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ رَجُلٍ أَقَمْت عَلَيْهِ حَدًّا فَمَاتَ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ إنْ مَاتَ فِيهِ وَدَيْتُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَيِّنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّهُ بِقَوْلٍ يَحْصُرُهُ وَيَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنَّقْصَ مِنْهُ فَحَدُّوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ وَرَوَى أَنَسٌ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ» وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَقَاسَهُ عَلَى الْمُفْتَرِي وَاسْتَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ حَدَّ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرْبَعُونَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصٌّ فِي ذَلِكَ عَلَى تَحْدِيدٍ وَكَانَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَصٌّ عَلَى تَحْدِيدٍ وَذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ النَّصِّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ بَاقٍ حُكْمُهُ وَيَذْهَبُ عَلَى الْأُمَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأُمَّةِ ثُمَّ أَجْمَعُوا وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْحَدَّ ثَمَانُونَ وَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْلَمْ لِأَحَدٍ فِيهِ مُخَالَفَةٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَدٌّ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ كَحَدِّ الْفِرْيَةِ وَالزِّنَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَهَا حَدٌّ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ جَلَدَ فِي الزِّنَى مِائَةً وَفِي الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ إنَّمَا جَلَدَ الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ جَوَابُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سُؤَالِ عُمَرَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ فَأَجَابَهُ بِثَمَانِينَ وَقَاسَهُ عَلَى حَدِّ الْفِرْيَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا حَدٌّ كُلُّهَا وَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ ضَرَبَ الثَّمَانِينَ كُلَّهَا حَدًّا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ قُدَامَةَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ وَزَادَهُ ثَلَاثِينَ وَقَالَ لَهُ هَذَا تَأْوِيلٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ] 1 ُّ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الضَّرْبِ وَصِفَةِ مَا يُضْرَبُ بِهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُضَافُ إلَى الْحَدِّ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَكْرَارِ الْحَدِّ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الشَّهَادَةِ) أَمَّا الشَّهَادَةُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ إمَّا بِمُعَايَنَةِ ذَلِكَ أَوْ بِإِقْرَارِهِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِشَمِّ رَائِحَةِ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَاءَ خَمْرًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَقِيئُهَا حَتَّى يَشْرَبَهَا وَقَدْ رَوَى نَحْوَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا جُلِدَ الْحَدَّ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدْ شَهِدَا أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا لِأَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى مُسْكِرٍ وَعِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَعَلَى أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا لِأَنَّ كُلَّ خَمْرٍ مُسْكِرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَقَدْ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى فَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الْأَلْفَاظِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الضَّرْبِ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الضَّرْبِ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ) رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ضَرْبَ الْحَدِّ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ وَلَكِنْ رَجُلٌ وَسَطٌ مِنْ الرِّجَالِ. وَرُوِيَ عَنْ

[الباب الثالث فيما يضاف إلى الحد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ أَنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا بَيْنَ اثْنَيْنِ لَيْسَ بِالْخَفِيفِ وَلَا الْمُوجِعِ وَقَالَ مَالِكٌ: كُنْت أَسْمَعُ أَنَّهُ يَخْتَارُ لَهُ الْعِدْلُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَيَكُونُ الْمَحْدُودُ قَاعِدًا لَا يُرْبَطُ وَلَا يُمَدُّ وَتُحَلُّ لَهُ يَدَاهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ لِلضَّرْبِ وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ جَسَدَهَا وَلَا يَقِيهَا الضَّرْبَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُضْرَبُ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ وَلَا يُقَامُ حَدُّ الْخَمْرِ إلَّا بِالسَّوْطِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ ضُرِبَ بِالدُّرَّةِ عَلَى ظَهْرِهِ أَجْزَأَهُ وَمَا هُوَ بِالْبَيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُقَامُ إلَّا بِالسَّوْطِ أَصْلُ ذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» . [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُضَافُ إلَى الْحَدِّ] 1 ِّ هَلْ يُضَافُ إلَيْهِ حَلْقُ الرَّأْسِ أَمْ لَا؟ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُحْلَقُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ فِي الْخَمْرِ وَلَا الْقَذْفِ لِأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ تَمْثِيلٌ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْحَدِّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَلْزَمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّمْثِيلِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةَ بَعْدَهُ قَدْ حَدُّوا فِي الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْمَحْدُودِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُطَافُ بِشَارِبِ الْخَمْرِ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُطَافُ بِهِ وَلَا يُسْجَنُ إلَّا الْمُدْمِنُ الْمُعْتَادُ الْمَشْهُورُ بِالْفِسْقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيُفْضَحَ وَمِثْلُ ذَلِكَ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ مِنْ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُفْضَحَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَدْعًا لَهُ وَإِذْلَالًا لَهُ فَمَا هُوَ فِيهِ وَإِعْلَامًا لِلنَّاسِ بِحَالِهِ فَلَا يَغْتَرُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالتَّصَاوُنِ فِي نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَمَّا السِّجْنُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمُدْمِنِ الْخَمْرِ الْمَشْهُورِ بِالْفِسْقِ أَنْ يُلْزَمَ السِّجْنَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْحُدُودِ مَا كَانَ فَلْيُخْلَ سَبِيلُهُ وَلَا يُسْجَنُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ فِي إلْزَامِهِ السِّجْنَ مَنْعًا لَهُ مِمَّا لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ بِالْحَدِّ وَكَفًّا لِأَذَاهُ عَنْ النَّاسِ لِأَنَّ فِي إعْلَانِهِ بِالْمَعَاصِي أَذًى لِلنَّاسِ وَأَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحَدَّ فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا فَأَمَّا السِّجْنُ فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِإِدْمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْإِعْلَانِ بِالْفِسْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَكَرُّرِ الْحَدِّ] 1 ِّ فَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْ الرَّجُلِ شُرْبُ الْخَمْرِ لَزِمَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِنْ شَرِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مَنْ زَنَى مِرَارًا فَإِنَّمَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ ثُمَّ إنْ زَنَى بَعْدَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَدَّ زَجْرٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ لِيَمْتَنِعَ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَوَانِعُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَوْقَعَهَا بَعْدَ الْحَدِّ لَزِمَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ثَانِيَةً سَوَاءٌ وَاقَعَ بَعْدَ الْحَدِّ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ مِنْ الزَّجْرِ عَلَى مَا أَتَى مِنْهُ بَعْدَ الْحَدِّ إلَى مِثْلِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْهُ فِيمَا أَتَاهُ قَبْلَ الْحَدِّ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي سَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ كَحَدِّ الْخَمْرِ وَحَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنْ كَانَ الْحَدَّانِ بِسَبَبِهَا مِنْ جِنْسٍ مِثْلِ حَدِّ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ أَوْ حَدِّ الزِّنَى فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْحَدَّيْنِ سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفًا فَإِنْ تَسَاوَيَا كَحَدِّ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَوَاءٌ اجْتَمَعَا أَوْ افْتَرَقَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا حَدَّانِ عَدَدُهُمَا وَجِنْسُهُمَا وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُمَا وَاحِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ عَدَدُهُمَا يَخْتَلِفُ مِثْلُ أَنْ يَزْنِيَ وَيَقْذِفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُ أَكْثَرُهُمَا عَنْ أَقَلِّهِمَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِمَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ

[الباب الخامس فيما يسقط الحد عن شارب الخمر]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَيْنِ حَدَّانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَدَاخَلَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَدَدُهُمَا وَاحِدًا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَيْنِ حَدَّانِ يَخْتَلِفُ عَدَدُهُمَا فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ] (الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ) وَذَلِكَ كَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا ابْنَ وَهْبٍ فَإِنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَدَوِيُّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ الْكِتَابَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ وَيَجْهَلُ مِثْلَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَيُعْذَرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ فَشَا وَلَا أَحَدٌ يَجْهَلُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَأَوَّلَ فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعِلْمِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْكَرَ مِنْهُ وَقَدْ جَالَسَ مَالِكٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ كَانَ يَرَى شُرْبَ النَّبِيذِ مُبَاحًا فَمَا أَقَامَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ الْحَدَّ وَلَا دَعَا إلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِمْ بِشُرْبِهِ وَتَظَاهُرِهِمْ وَمُنَاظَرَتِهِمْ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَرَدَ عَلَيْنَا مَشْرِقِيٌّ مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَمَا إنَّهُ آخِرُ مَا فَارَقَنِي عَلَى أَنْ لَا يُشْرَبَ النَّبِيذُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَكَرَّرَتْ مُنَاظَرَتُهُ لَهُ فِيهِ وَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَاوِدُ شُرْبَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُسْقِطْ عَنْهُ تَوْبَتُهُ الْحَدَّ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَوْبَتَهُ تُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ. [حَدِّ الْعَبْدِ فِي الْخَمْرِ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ يُرِيدُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً لِأَنَّهُ حَدٌّ مُنْتَهَاهُ الثَّمَانُونَ كَحَدِّ الْفِرْيَةِ لِأَنَّ الْحُرَّ يُجْلَدُ فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ وَيُجْلَدُ أَرْبَعِينَ فَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَدْ جَلَدُوا عَبِيدَهُمْ نِصْفَ جَلْدِ الْحُرِّ فِي الْخَمْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا أَقَامَا الْحَدَّ عَلَى عَبِيدِهِمَا فِي إمَارَتِهِمَا فَيَكُونُ لَهُمَا ذَلِكَ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَلَمْ يُقِمْ الْحَدَّ عَلَى عَبِيدِهِ إلَّا بِمِلْكِهِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ] 1 لَهُمْ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي صِفَةِ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ وَالثَّانِي فِي صِفَةِ مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ) يُقِيمُهُ عَلَى الْأَحْرَارِ السُّلْطَانُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لِئَلَّا يَتَعَدَّى فِيهَا وَهَذَا فِي الْحُرِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ الْحَدَّ إذَا كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَكَذَلِكَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ غَيْرُ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ كَانَ السَّيِّدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ ذَكَرًا فَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَمَةً جَازَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدَهُ فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا غَيْرَ عَبْدِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِ قَالَ: وَعَسَى أَنْ يُعْتَقَ وَلَدُهُ مِنْهَا فَيُقْذَفُوا بِأُمِّهِمْ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمَحْدُودِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمَحْدُودِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ ثَمَانُونَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ لِأَنَّ هَذَا حَدٌّ يُجْلَدُ فِيهِ الْحُرُّ أَرْبَعِينَ كَحَدِّ الْقَذْفِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ شَارِبُ الْخَمْرِ سَكْرَانًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُضْرَبُ وَهُوَ سَكْرَانٌ وَإِنْ كَانَ خَشِيَ أَنْ يَأْتِيَهُ فِيهِ شَفَاعَةٌ تُبْطِلُ حَقَّ اللَّهِ فَلْيَضْرِبْهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَالسَّكْرَانُ لَا يَذْكُرُ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ رَدْعٌ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرِبَ شَرَابًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحًا عُجِّلَ جَلْدُهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أُخِّرَ حَتَّى يُفِيقَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي أَنَّهَا حَامِلٌ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهَا حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهَا فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ لَهَا حَمْلٌ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِهَا حَمْلًا أُخِّرَتْ حَتَّى تَضَعَ وَاسْتُؤْجِرَ لِوَلَدِهَا مَنْ يُرْضِعُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ فِي زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ قِصَاصٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ يُرْجَى قُرْبُ زَوَالِهَا وَبُرْؤُهَا مِنْهَا، وَأَمَّا الْكِبَرُ وَالْهَرَمُ أَوْ الضَّعْفُ عَنْ حَمْلِ الْحَدِّ قَالَ مَالِكٌ: يُجْلَدُ وَلَا يُؤَخَّرُ إذْ لَيْسَ لِإِفَاقَتِهِمْ وَقْتٌ يُؤَخَّرُونَ إلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ مَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْحُدُودَ إذَا بَلَغَتْ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ شَرْطِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا السَّتْرُ لَهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ مِنْ الْحُدُودِ مَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهَا الْعَفْوُ عَنْهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا الْإِمَامَ كَحَدِّ الْقَذْفِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ حَدِّ الْقَذْفِ مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُسْكِرَةِ مِنْ عِنَبٍ كَانَتْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عِنَبٍ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ قَلِيلًا شَرِبَ مِنْهُ أَوْ كَثِيرًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا خَرَجَ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ مَا لَمْ يُطْبَخْ وَطَبْخُهُ أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثُهُ وَمَا عَدَا مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَهُوَ حَلَالٌ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ إلَّا أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْهُ مُحَرَّمٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ كَادَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَجْحَدُونَهَا وَلَا يَرَوْنَ الْمُنَاظَرَةَ فِيهَا وَيَقُولُونَ: إنَّ السَّائِلَ عَنْهَا إنَّمَا يَذْهَبُ إلَى التَّشْنِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لِطُولِ الْأَمَدِ وَوُصُولِ الْأَدِلَّةِ إلَيْهِمْ وَتَكَرُّرِهَا عَلَيْهِمْ تَبَيَّنَ لَهُمْ مَا فِيهَا إلَّا أَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُدَوِّنُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ بِأَلْفَاظٍ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ التَّصْرِيحُ وَيَتَأَوَّلُونَهَا عَلَى أَوْجُهٍ تُخَفِّفُ أَمْرَهَا عِنْدَهُمْ وَلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: إثْبَاتُ اسْمِ الْخَمْرِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ وَالثَّانِي إثْبَاتُ تَحْرِيمِ كُلِّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إنَّ اسْمَ الْخَمْرِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ مِنْ عِنَبٍ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّمَا الْخَمْرُ اسْمُ الْمُسْكِرِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ مَا لَمْ يُطْبَخْ الطَّبْخَ الْمَذْكُورَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ الْعِنَبِ وَالثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ يَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَشْيَاءِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَلَوْ انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ لَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فَكَيْفَ وَقَدْ خَطَبَ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى الْخَمْرَ وَأَنَّهَا بِذَلِكَ تُسَمَّى خَمْرًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ مُحَرَّمٌ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] قُلْنَا مِنْ الْآيَةِ أَدِلَّةٌ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إنَّهُ {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُحَرَّمِ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فَأَمَرَ بِاجْتِنَابِ ذَلِكَ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ وَعَدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَلَاحِ وَهُوَ الْبَقَاءُ وَلَوْ كَانَ الْفَلَاحُ وَهُوَ الْبَقَاءُ فِي الْخَمْرِ مِنْ ثَوَابِ مَنْ لَا يَجْتَنِبُهَا لَمَا كَانَ لِهَذَا الْوَعِيدِ وَجْهٌ وَوَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ وَصَفَهَا تَعَالَى بِأَنَّهَا تُوقِعُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَتَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُحَرَّمَاتِ وَوَجْهٌ خَامِسٌ أَنَّهُ تَعَالَى تَوَعَّدَ عَلَى مُوَاقِعِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وَهَذَا غَايَةُ الْوَعِيدِ وَلَا يَتَوَعَّدُ إلَّا عَلَى مَحْظُورٍ مُحَرَّمٍ وَدَلِيلُنَا

[ما ينهى أن ينبذ فيه]

مَا يُنْهَى أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ فَانْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ فَسَأَلْتَ مَاذَا قَالَ: فَقِيلَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى دَاوُد عَنْ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَلِيلُهُ حَرَامًا أَصْلُهُ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا يُنْهَى أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ] (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فِي بَعْضِ الْمَغَازِي» عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إلْقَاءِ الْأَحْكَامِ إلَيْهِمْ وَتَعْلِيمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَغَازِي وَعَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَقَوْلُ «عَبْدِ اللَّهِ فَأَقْبَلْتُ» نَحْوَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ لِيَسْمَعَ مَا يَخْطُبُ بِهِ وَيَتَعَلَّمُ مَا يُعَلِّمُهُ وَمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ كَانَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَفْعَلُ حِرْصًا عَلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ وَمُسَارَعَةً إلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ عَنْ خُطْبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَنْ حَضَرَ خُطْبَتَهُ أَوْ مَنْ عَلِمَ مَا خَطَبَ بِهِ مَاذَا قَالَ لِئَلَّا يَفُوتَهُ عِلْمُ ذَلِكَ حِينَ فَاتَهُ حُضُورُهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» وَلَمْ يَحْتَجْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ لِمَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ عَلَى نَقْلِ الدِّينِ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَالَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ بِمَرَاسِيلِهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَمَّنْ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. (فَصْلٌ) : «وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» الدُّبَّاءُ هُوَ الْقَرْعُ هُوَ مَا طُلِيَ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقَارُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِئَلَّا يُعَجِّلَ تَغْيِيرَ مَا يُنْبَذُ فِيهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَأَخَذَ مَالِكٌ بِكَرَاهِيَةِ نَبِيذِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالتَّخْلِيلُ أَحَبُّ إلَيَّ فِيهَا وَبِهِ أَقُولُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ مَنْعُ الْفِعْلِ وَهُوَ الِانْتِبَاذُ وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أَوْ الْكَرَاهِيَةَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى يُعَجِّلُ شِدَّةَ النَّبِيذِ وَيُغَيِّرُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا كَالْخَلِيطَيْنِ وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مَا زَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ النَّبِيذِ إلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا وَاتَّقُوا كُلَّ مُسْكِرٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ شَرَابٌ لَيْسَتْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ الِانْتِبَاذِ أَصْلُ ذَلِكَ إفْرَادُهُ وَانْتِبَاذُهُ فِي السِّقَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ الِانْتِبَاذِ فِيهَا فَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْرَبَ النَّبِيذَ مَا لَمْ يَسْكَرْ كَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَيْهَا وَخَلَّلَهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شُرْبُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُزَفَّتُ إنَاءً غَيْرَ الزُّقَاقِ وَأَمَّا الزُّقَاقُ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَةَ الِانْتِبَاذِ فِي الزُّقَاقِ الْمُزَفَّتَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزُّقَاقِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي يَجُوزُ الِانْتِبَاذُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَزْفِيتٍ أَنَّهُ إذَا زُفِّتَ الْجَمِيعُ لَيْسَ بِبَيِّنٍ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُمْنَعَ الْمُزَفَّتُ وَذَلِكَ كُلُّهُ زُقَاقًا وَغَيْرَهَا لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَامًّا عَنْ الْمُزَفَّتِ وَلَمْ يَخُصَّ زُقَاقًا مِنْ غَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجِرَارُ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ نَبِيذَ الْجِرَارِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ الْجِرَارَ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْحَنْتَمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

[ما يكره أن ينبذا جميعا]

مَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَا جَمِيعًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي نَبِيذِ الْجِرَارِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَعْنَى نَبِيذٌ لَا يُعَجِّلُ الشِّدَّةَ الْمُطْرِبَةَ فَلَمْ يُمْنَعْ الِانْتِبَاذُ كَالْأَسْقِيَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نَبِيذِ الْجِرَارِ» فَلَعَلَّهُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي طُلِيَ بِالْحَنْتَمِ أَوْ الْمُزَفَّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَنْعَ مِنْهُ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ كَالْمَنْعِ مِنْ الْمُزَفَّتِ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْ إسْرَاعِ الشِّدَّةِ مَا يُحْدِثُهُ الْمُزَفَّتُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إنَّا نَأْتِيك مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَك هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَك إلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبِّ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَرُبَّمَا قَالَ الرَّاوِي النَّقِيرَ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْفَظُوهَا وَأَخْبِرُوا بِهَا مَنْ وَرَاءَكُمْ» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْحَنْتَمُ الْجَرُّ وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ فَخَّارٍ أَبْيَضَ أَوْ أَخْضَرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ فَخَّارٍ حَنْتَمًا وَإِنَّمَا الْحَنْتَمُ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالْحَنْتَمِ الْمَعْمُولِ مِنْ الزُّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ يُعَجِّلُ الشِّدَّةَ فِي الشَّرَابِ وَأَمَّا الْفَخَّارُ الَّذِي لَمْ يُطْلَ فَلَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَجَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّقِيرُ فَهُوَ الْعُودُ الْمَنْقُورُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَهُوَ عِنْدَهُ كَالْمُزَفَّتِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مِنْ التَّعْجِيلِ مَبْلَغَ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ «وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيهَا» وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا ظَرْفٌ يُعَجِّلُ تَغْيِيرَ مَا يُنْبَذُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ الِانْتِبَاذُ فِيهِ كَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا يُكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَا جَمِيعًا] (ش) : قَوْلُهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا» يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا إذَا بَلَغَ حَدَّ الْمُسْكِرِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ فِي تَحْرِيمِهِ وَأَمَّا مَا لَمْ يُسْكِرْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ مَنْعِ مَالِكٍ مِنْهُ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَنْعُ تَحْرِيمٍ وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْعُ كَرَاهِيَةٍ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ «نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا» وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنَى يُعَجِّلُ إحْدَاثَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فِي الشَّرَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ أَصْلُهُ الِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِمَنْعِ التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا شَرَابٌ لَمْ تَحْدُثْ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَلَمْ يَحْرُمْ بِهَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا بِالِانْتِبَاذِ وَأَمَّا الِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ جَارِيَيْنِ فِي كُلِّ مَا يُعَجِّلُ حُدُوثَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبُسْرَ مَا قَدْ أَزْهَى مِنْ الثَّمَرِ وَلَمْ يَبْدُ فِيهِ إرْطَابٌ وَالرُّطَبُ مَا قَدْ جَاوَزَ الْبُسْرَ إلَى الْإِرْطَابِ وَإِذَا مَنَعَ مِنْ جَمْعِهِمَا النَّبْذُ مِنْ الْبُسْرِ فِي حُكْمِ جَمِيعِهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ انْتِبَاذُهُ. 1 -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا» قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُنْبَذَ شَيْئَانِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يُنْبَذَانِ مُفْرَدَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ شُرْبُ الْخَلِيطَيْنِ يُنْبَذَانِ كَذَلِكَ أَوْ يُخْلَطَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِثْلُ عِنَبٍ وَزَبِيبٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مِثْلُ زَبِيبٍ وَتَمْرٍ فَقَدْ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ إلَّا الْفُقَاعَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَحْلِيَتُهُ بِالْعَسَلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُنْبَذُ مُفْرَدًا لِأَنَّ الْفُقَاعَ مِنْ الْقَمْحِ أَوْ الشَّعِيرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يُنْبَذُ مُفْرَدًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ قَدْ اخْتَلَفَ فِي الْعَسَلِ تُطْرَحُ فِيهِ قِطَعُ الْعَجِينِ أَوْ الْحَرِيرَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا خَلِيطَانِ جِنْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ فَلَمْ نُجِزْ ذَلِكَ فِيهِمَا كَمَا لَوْ خَلَطَهُ بِنَبِيذِ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ طَرْحَ قِطَعِ الْعَجِينِ تُطْرَحُ فِي الْعَسَلِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الِانْتِبَاذِ لِأَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ لَا يُنْبَذُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا خَلْطُ الْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَشُرْبُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِانْتِبَاذٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى خَلْطِهِ مَشْرُوبَيْنِ كَشَرَابِ الْوَرْدِ وَشَرَابِ النَّيْلُوفَرِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُفْضِي أَنْ يُسْكِرَ وَقَدْ شَرَطْنَا أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إنَّمَا هُمَا مِمَّا يُفْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْكَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَجُوزُ خَلْطُهُمَا لِغَيْرِ الِانْتِبَاذِ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ التَّخْلِيلِ؟ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ لِلْخَلِّ وَالتَّخْلِيلِ وَالِانْتِبَاذِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْخَلِّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَبِيذِ الْخَلِيطَيْنِ» فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْخَلُّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ نَبِيذًا ثُمَّ يَصِيرُ خَلًّا وَلَمْ يُوَجِّهْ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَوَجْهُهَا عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ النَّبِيذَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ الْخَلَّ وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَبِيذًا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلًّا فَلَا يَضُرُّهُ مَا يُعَجِّلُهُ لِأَنَّ تَعْجِيلَهُ لِلنَّبِيذِ يُعَجِّلُهُ لِلْخَلِّ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ الشُّرْبُ فَإِذَا صَارَ نَبِيذًا فَسَدَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ إرَاقَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ نَبَذَ الْخَلِيطَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ فَإِنْ حَدَثَتْ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ حَرُمَ وَإِنْ لَمْ تَحْدُثْ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا الْوَجْهِ فَاقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الِانْتِبَاذِ أَنَّ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِبَاذِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ شَرِبَ مَا قَدْ نُبِذَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُسْكِرَ مُبَاحٌ قَوْلًا وَاحِدًا. (ش) : قَوْلُهُ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنْ يُجْمَعَ نَبِيذَاهُمَا أَوْ يُجْمَعَا فِي الِانْتِبَاذِ فَتَنَاوَلَ ذَلِكَ مَا كَانَا مُخْتَلِطَيْنِ عِنْدَهُ لِلشُّرْبِ فَإِذَا نُبِذَا مُفْتَرِقَيْنِ ثُمَّ خُلِطَا عِنْدَ الشُّرْبِ فَقَدْ تَنَاوَلَهُمَا النَّهْيُ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ: يُشْرَبُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُشْرَبَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِمَا وَهُوَ بَعْدَ الِانْتِبَاذِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ وَفُلَانٌ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ الطَّحْنِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَفُلَانٌ يَأْكُلُ الْأَنْعَامَ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِيهَا مِنْ الذَّبْحِ وَالطَّبْخِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا جَمَعَ فِي ذَلِكَ فِي النَّهْيِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَهُمَا جِنْسَانِ وَعَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ انْتِبَاذِ شَيْئَيْنِ يُفْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أُفْرِدَ بِالِانْتِبَاذِ إلَى الْإِسْكَارِ وَجَمْعُهُمَا تَعْجِيلٌ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا خُلِطَا لِلِانْتِبَاذِ أَوْ خُلِطَ النَّبِيذَانِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ

[تحريم الخمر]

تَحْرِيمُ الْخَمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بَأْسَ بِالْمَرِيءِ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْ الْعَصِيرِ وَلَا بَأْسَ بِمَا طُبِخَ مِنْ الْعَصِيرِ أَوْ رُبِّبَ بِهِ مِنْ سَفَرْجَلٍ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ يَوْمُ عَمِلَ بِهِ ذَلِكَ حَلَالًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الِانْتِبَاذُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَهِي إلَى الْإِسْكَار إذَا انْتَبَذَ لِأَنَّ الْعَصِيرَ اُسْتُعْمِلَ مَعَ السَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الِانْتِبَاذِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِقَادِ لِمَنْفَعَتِهِ وَرُفِعَ الْفَسَادُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْمَرِيءُ يُعْمَلُ مِنْ الْعَصِيرِ فَإِنَّ تِلْكَ الصِّنَاعَةَ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الِانْتِبَاذِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا وَجْهًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَطَاعِمِ الْمَعْلُومَةِ فَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَصِيرَ لَهُ حُكْمُ النَّبِيذِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ الْوُصُولَ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَالْخَلِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا عِنْدِي عَلَى رِوَايَةِ إبَاحَةِ تَخْلِيلِ الْجِنْسَيْنِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: إنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَخْلِيلِ الْجِنْسَيْنِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ مُبَاحٌ فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْهُ وَفِي الْمَرِيءِ غَرَضٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَحْرِيمُ الْخَمْرِ] (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ» عَلَى حَسَبِ مَا كَانُوا يَسْتَفْهِمُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يَشُكُّونَ مِنْ تَحْرِيمِ حَرَامٍ أَوْ تَحْلِيلِ حَلَالٍ أَوْ وُجُوبِ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْبِتْعِ وَهُوَ شَرَابُ الْعَسَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَعَلِمُوا تَحْرِيمَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَسَأَلُوهُ عَمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اسْمُ الْخَمْرِ يَقَعُ عَلَى الْبِتْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ لَمَا سَأَلَتْ الْعَرَبُ إذَا سَمِعَتْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ عَنْ الْبِتْعِ لِأَنَّ الْبِتْعَ هُوَ الْخَمْرُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ النَّبِيذِ أَوْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِاسْمٍ خَاصٍّ مِثْلُ أَنْ يَبْلُغَهُ تَحْرِيمُ خَمْرِ الْعِنَبِ أَوْ تَحْرِيمُ خَمْرِ التَّمْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ نَوْعٌ مِنْ الْخَمْرِ غَالِبًا عَلَى بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ فَيَكُونُ خَمْرُ التَّمْرِ غَالِبًا عَلَى بَلَدٍ مَا وَخَمْرُ التَّمْرِ غَالِبٌ عَلَى بَلَدٍ آخَرَ وَخَمْرُ الذُّرَةِ أَغْلَبُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيَكُونُ لَفْظُ الْخَمْرِ إذَا أُطْلِقَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ أَظْهَرَ فِيمَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ لِكَثْرَتِهِ وَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الِاسْمِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُمْ فَيُسْأَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ عَنْ غَيْرِ مَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى مَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ وَرَدَ أَوَّلًا عَلَى سَبَبٍ فَظَنَّ هَذَا السَّائِلُ لَمَّا جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى سَبَبِهِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ سَمِعَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فَجُوِّزَ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ فَسَأَلَ عَنْ الْبِتْعِ لِيَعْلَمَ إنْ كَانَ حُكْمُ الْعُمُومِ جَازَ فِيهِ أَمْ لَا. وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بِهَا أَشْرِبَةً يُقَالُ لَهَا الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ قَالَ: وَمَا الْبِتْعُ؟ قُلْت: شَرَابٌ يَكُونُ مِنْ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ يَكُونُ مِنْ الشَّعِيرِ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ جِنْسِ الشَّرَابِ لَا عَنْ مِقْدَارِ مَا حَرُمَ مِنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْ مِقْدَارٍ مِنْهُ فَلَمَّا جَاوَبَ عَنْ السُّؤَالِ اقْتَضَى ذَلِكَ جَوَابَهُ عَنْ الْجِنْسِ وَإِلَّا كَانَ عُدُولًا مِنْهُ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ جَوَابًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّؤَالِ وَكَانَ السُّؤَالُ يَقْتَضِي الْجِنْسَ وَجَبَ أَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهَا وَنَهَى عَنْهَا» قَالَ مَالِكٌ: فَسَأَلْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ مَا الْغُبَيْرَاءُ فَقَالَ: هِيَ السُّكْرَكَةُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْجَوَابُ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَنْ جِنْسِ شَرَابٍ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ حَلَالٌ وَلَوْ سُئِلَ عَنْ أَبْعَاضِهِ وَمَقَادِيرِهِ لَقَالَ مَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ فَلَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَنْ الْبِتْعِ يَقْتَضِي السُّؤَالَ عَنْ جَمِيعِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ سُؤَالٌ عَنْ جِنْسِهِ وَجَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ» يَقْتَضِي الْجَوَابَ عَنْ أَجْنَاسِ الشَّرَابِ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِلسُّؤَالِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ فَكَانَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ أَبْعَاضِهِ وَإِنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهِ حَرَامٌ وَبَعْضَهَا حَلَالٌ لَقَالَ: كُلُّ مِقْدَارٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَقَالَ: كُلُّ مَا أَسْكَرَ مِنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَاسْتَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ لَفْظَ الشَّرَابِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْمَ الشَّرَابِ وَاقِعٌ عَلَى الْجِنْسِ دُونَ بَعْضِ مَقَادِيرِهِ فَإِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْجِنْسِ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْقَدْرِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهَا وَنَهَى عَنْهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ حَالَهَا وَصِفَتَهَا وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَلَى جِنْسِهَا وَأَنَّهُ عَنْ ذَلِكَ أَجَابَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُعْتَادِ إذَا سَأَلُوا عَنْ الْمَاءِ أَحُلْوٌ هُوَ أَمْ مُرٌّ فَإِنَّمَا يَسْأَلُونَ عَنْ طَعْمِ جِنْسِهِ لَا عَنْ طَعْمِ قَطْرَةٍ مِنْهُ لَا يُوجَدُ لَهَا طَعْمٌ وَلَا عَنْ طَعْمِ الْكَثِيرِ مِنْهُ دُونَ الْقَلِيلِ وَكَذَلِكَ إذَا سَأَلُوا عَنْ شَرَابٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَافِعٌ هُوَ فَإِنَّمَا يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْ جِنْسِهِ وَإِذَا أَجَابَ مَنْ سَأَلُوهُ بِأَنَّ كُلَّ شَرَابٍ سَخُنَ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ يَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَنْعُ جِنْسِهِ وَإِذَا أَرَادُوا السُّؤَالَ عَنْ مِقْدَارِ مَا تُخْشَى مَضَرَّتُهُ مِنْهُ قَالُوا: كَمْ الشَّرْبَةُ مِنْهُ؟ أَوْ كَمْ مِقْدَارُ مَا يُتَنَاوَلُ مِنْهُ؟ أَوْ كَمْ مِقْدَارُ مَا يُجْتَنَبُ مِنْهُ؟ وَإِنْ جَهِلَ السَّائِلُ فَسَأَلَ عَنْ جِنْسِهِ فَسَأَلَ عَنْ شَرَابِ الْوَرْدِ فِي جُمْلَتِهِ وَكَانَ قَلِيلُهُ مُخَالِفًا لِكَثِيرِهِ لَزِمَ الْمَسْئُولُ التَّفْصِيلَ وَأَنْ يَقُولَ أَمَّا يَسِيرُهُ فَلَا تَبْقَى مَضَرَّتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُجْتَنَبَ كَثِيرُهُ وَمِقْدَارُهُ كَذَا وَإِنْ أَتَى بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْمِقْدَارَ وَيَحْتَمِلُ الْجِنْسَ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْجِنْسَ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُؤَالِ السَّائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اللُّغَةَ تَمْنَعُ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ قَالَ: وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَثِيرَ دُونَ الْقَلِيلِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُسَمَّى قَلِيلُ الْخَمْرِ خَمْرًا وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ يَسِيرَ الْخَمْرِ يُسَمَّى خَمْرًا وَإِنْ كَانَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكَلَامُ فِي الْجِنْسِ دُونَ الْمِقْدَارِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَمَّا سَأَلَهُ مَالِكٌ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ هِيَ السُّكْرَكَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّكْرَكَةَ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ وَالْغُبَيْرَاءُ الَّتِي هِيَ السُّكْرَكَةُ شَرَابٌ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» بَيَانٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا مُعْرَضَةٌ لِشَارِبِهَا مُمْكِنَةٌ لَهُ مَقْبُولَةٌ مِنْهُ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لَهَا وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا خِيفَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُدْمِنِ عَلَى مَعَاصِيهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ وَيُحْرَمَهَا وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ الْحِرْمَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ لَهُ أَوْ الْعَفْوِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ خَمْرَ الْجَنَّةِ وَيَقْتَضِي أَنَّ فِي الْآخِرَةِ شَرَابًا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: 15] فَيُحْرَمُهُ الْمُصِرُّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ.

[جامع تحريم الخمر]

جَامِعُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا فَقَالَ: لَا فَسَارَّهُ رَجُلٌ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: بِمَ سَارَرْتَهُ؟ فَقَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الرَّجُلُ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ] (ش) : سُؤَالُهُ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْأَلَ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعَصِيرِ مِنْ حِينِ يُعْصَرُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ فِي آخِرِ أَحْوَالِهِ وَذَلِكَ لِلْعَصِيرِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: مِنْ حِينِ يُعْصَرُ وَقَبْلَ أَنْ يُنَشَّ وَالثَّانِيَةُ إذَا نَشَّ وَقَبْلَ أَنْ يُسْكِرَ وَالثَّالِثَةُ إذَا أَسْكَرَ وَالرَّابِعَةُ إذَا صَارَ خَلًّا فَأَمَّا الْأُولَى وَهِيَ حَالُ حَلَاوَتِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُنَشَّ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ الْعَصِيرِ الَّذِي عُصِرَ فِي الْمَعَاصِرِ الَّتِي تَرَدَّدَ الْعَصْرُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ سَاعَةَ عَصْرٍ لِمَا يَبْقَى فِي أَسْفَلِهَا خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ اخْتَمَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَقَايَا ثُفْلِهَا فِي أَسْفَلِهَا تَخْتَمِرُ فَتَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ يُلْقَى عَلَيْهِ عَصِيرُ طَوًى فَيَخْتَلِطُ بِهِ فَيَفْسُدُ جَمِيعُهُ لِأَنَّ قَلِيلَ الْخَمْرِ يُخَالِطُ كَثِيرًا مِنْ عَصِيرٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ طَعَامٍ أَوْ مَا يُشْرَبُ فَيَحْرُمُ كُلُّهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ: وَوَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَعُودُ عَصِيرًا حُلْوًا فَلِذَلِكَ إذَا مَازَجَتْ الْعَصِيرَ نَجَّسَتْهُ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى نَجَاسَتِهَا وَلَوْ خَالَطَ بِيَسِيرِ الْخَمْرِ الْخَلَّ لَمْ يُنَجِّسْهُ لِأَنَّ أَجْزَاءَ ذَلِكَ الْخَمْرِ تَسْتَحِيلُ خَلًّا طَاهِرًا فَلَا تَبْقَى ثُمَّ لَا يَنْجُسُ الْخَلُّ بِمُجَاوَرَتِهِ وَقَدْ قَالَ: لَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ الْخَلُّ حَتَّى تَبْقَى مُدَّةً يَقْدِرُ فِيهَا أَنَّ أَجْزَاءَ ذَلِكَ الْخَمْرِ قَدْ اسْتَحَالَتْ خَلًّا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا نَشَّ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرَاهُ حَرَامًا حَتَّى يُسْكِرَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا نَشَّ فَقَدْ حَرُمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» فَلَنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَصَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَيَانِ مَا حَرُمَ وَتَمْيِيزِهِ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ فَعَلَّقَ اسْمَ التَّحْرِيمِ بِالْإِسْكَارِ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْغَلَيَانِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِسْكَارَ حَدٌّ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ دُونَ الْغَلَيَانِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَّقَ حُكْمَ التَّحْرِيمِ عَلَى الْإِسْكَارِ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ دُونَ الْغَلَيَانِ الَّذِي لَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْغَلَيَانُ عِلَّةً لَهُ فَيُتْرَكُ التَّعْلِيلُ بِهِ وَيُعَلَّلُ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِعِلَّةٍ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَسْكَرَ فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يُسَوَّغُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ عَنْهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ فَهَلْ تَجِبُ إرَاقَتُهَا وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لَا يَخْلُو إذَا عَصَرَهَا أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْمَحْظُورَ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَهَا خَمْرًا أَوْ يَقْصِدَ بِهَا الْمُبَاحَ وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَهَا عَصِيرًا أَوْ يُخَلِّلَهَا أَوْ يَطْبُخَهَا رَبًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ فَإِنْ قَصَدَ بِهَا الْمَحْظُورَ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ نَعْلَمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرَاقَتُهَا فَإِنْ اجْتَرَأَ عَلَيْهَا فَخَلَّلَهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَسَنَذْكُرُهُمَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قَصَدَ بِهَا أَمْرًا مُبَاحًا فَصَارَ خَمْرًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ عَصَرَ عَصِيرًا يُرِيدُ بِهِ الْخَلَّ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَالِجَهُ وَهُوَ عَصِيرٌ يُصَبُّ الْمَاءُ فِيهِ وَيَطْرَحُهُ عَلَى دُرْدِيِّ الْخَلِّ فَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ وَحُثَالَتَهُ وَإِنْ دَاخَلَتْهُ الْخَمْرُ ثُمَّ إنْ عَجَّلَ فَفَتَحَهُ قَبْلَ أَوَانِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ دَخَلَهُ عِرْقُ الْخَلِّ فَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ وَيُعَالِجَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي رَائِحَةٍ وَلَا طَعْمٍ فَهِيَ خَمْرٌ تُهْرَاقُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ حَبْسُهَا وَلَا عِلَاجُهَا لِتَصِيرَ خَلًّا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ: وَفِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ نَظَرٌ وَظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ خِلَافُ هَذَا وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ خَمْرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَصِيرَ خَلًّا بِمُعَالَجَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مُعَالَجَةٍ فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا بِمُعَالَجَةِ آدَمِيٍّ فَإِنَّ الْمُعَالَجَةَ مَمْنُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَنَا وَأَحْسَنُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ «مُهْدِيَ الْمَزَادَتَيْنِ أَرَاقَهُمَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ» وَلَوْ جَازَ تَخْلِيلُهَا لَمَا أَبَاحَ لَهُ إرَاقَتَهَا وَلَنَبَّهَهُ عَلَى تَخْلِيلِهَا كَمَا نَبَّهَ أَهْلَ الْمَيْتَةِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا غَيْرَ أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ خَمْرٌ قَصَدَ بِهَا الْخَمْرَ وَأَمَّا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ خَمْرًا وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَا الْخَلَّ فَحُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ مَا قَصَدَ بِهِ الْخَمْرَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا بِمُعَالَجَةٍ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ عَصَرَ خَمْرًا أَوْ عَصَرَ خَلًّا فَصَارَتْ خَمْرًا فَبَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَصَارَتْ خَلًّا أَوْ خَلَّلَهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَبَيْعِهَا. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إبَاحَةُ أَكْلِهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ التَّحْرِيمُ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي «إرَاقَةِ مَا فِي الْمَزَادَتَيْنِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ» وَلَوْ أَرَادَ تَخْلِيلَهَا لَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَنَبَّهَهُ عَلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ «أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاوِيَةَ خَمْرٍ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ مِنْ السَّائِلِ أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ الْخَمْرِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَصِيرِ أَوْ عَمَّا عُصِرَ لِلْخَمْرِ فَإِنْ كَانَ سَأَلَهُ عَنْ الْخَمْرِ فَقَدْ أَجَابَهُ عَنْ نَفْسِ مَسْأَلَتِهِ وَإِنْ كَانَ سَأَلَهُ عَنْ عَصِيرٍ أُرِيدَ بِهِ الْخَمْرُ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا قَدْ صَارَ خَمْرًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ رَاوِيَةَ خَمْرٍ الرَّاوِيَةُ هِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تَحْمِلُ الْخَمْرَ أَوْ الْمَاءَ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَرْوِي غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ الْخَمْرُ رَاوِيَةً بِمَعْنَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ قَارَبَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَهْدَى إلَيْهِ الرَّاوِيَةَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا» عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ لَهُ إنْ كَانَ عَلِمَ ذَلِكَ ثُمَّ أَهْدَاهَا وَإِنْ كَانَ جَهِلَ مِثْلَ هَذَا مِنْ أَمْرِ الشَّرِيعَةِ مَعَ ظُهُورِهِ وَلَمَّا قَالَ الْمُهْدِي لِلْخَمْرِ: لَا إظْهَارًا لِعُذْرِهِ سَارَّهُ إنْسَانٌ إلَى جَانِبِهِ بِمَا ظَنَّ أَنَّهُ يُرْشِدُهُ بِهِ إلَى مَنْفَعَتِهِ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْ مُسَارَّتِهِ وَلَمْ يَثِقْ بِعِلْمِهِ وَتَوَقَّعَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِمِثْلِ مَا أَظْهَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَمَّا سَارَّهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَثَبَّتَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَذَّرَهُ مِنْهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ وَأَرْشَدَهُ إلَى الصَّوَابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا كَمَا لَا يَحِلُّ شُرْبُهَا» لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِهَا مَنْفَعَةٌ تُمْسَكُ لِسَبَبِهَا فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَهَا مُحَرَّمٌ فَاجْتَرَأَ مُسْلِمٌ فَبَاعَهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا لِلْعَصِيرِ عَلَى أَصْلِنَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالُ عَصِيرٍ وَحَالُ سُكْرٍ وَحَالُ تَخَلُّلٍ فَأَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى وَهِيَ حَالَةُ الْعَصِيرِ فَهِيَ حَالَةُ إبَاحَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَا فَمَنْ أَعَدَّهَا لِوَجْهٍ مُبَاحٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إرَاقَتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَمَنْ اتَّخَذَهَا لِوَجْهٍ مَحْظُورٍ فَهَلْ تَلْزَمُهُ إرَاقَتُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَتَحَهُمَا فَتْحًا يَبْقَى الِانْتِفَاعُ بِهِمَا بِأَنْ حَلَّ أَفْوَاهَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَتَحَهُمَا بِشَقِّ أَوْسَاطِهَا فَأَبْطَلَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعَ بِهِمَا. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ وُجِدَتْ عِنْدَهُ خَمْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كُسِرَتْ عَلَيْهِ وَشُقَّ ظُرُوفُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا تُشَقُّ الظُّرُوفُ إذَا كَانَ لَا يَزُولُ مَا قَدْ فَسَدَ بِهَا مِنْ الْخَمْرِ بِالْغَسْلِ فَإِنْ كَانَ يَزُولُ مَا فِيهَا مِنْ الْغَسْلِ غُسِلَتْ وَلِيَنْتَفِعَ بِهَا وَكَذَلِكَ الْأَوَانِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ قَالَ: فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا قَالَ: فَقُمْت إلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا وَقَالُوا: لَا يُصْلِحُنَا إلَّا هَذَا الشَّرَابُ فَقَالَ عُمَرُ: اشْرَبُوا الْعَسَلَ فَقَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQتُكْسَرُ إنْ كَانَ لَا يَزُولُ مَا فِيهَا قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ إنَّمَا أَرَادَ الظُّرُوفَ تُشَقُّ وَتُكْسَرُ الْأَوَانِي وَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا يَزُولُ بِالْغَسْلِ عُقُوبَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى فِعْلِهِ وَإِمْسَاكِهِ الْخَمْرَ وَبَيْعِهِ لَهَا وَهَذَا الَّذِي أَرَادَهُ مَالِكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ قَالَ: يُفَرَّقُ ثَمَنُ مَا بَاعَ مِنْهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ عُقُوبَةً لِلْمُسْلِمِ الَّذِي بَاعَهَا لِئَلَّا يَعُودَ ثَانِيَةً إلَى بَيْعِهَا. (ش) : قَوْلُهُ كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَمَنْ مَعَهُ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا أَوْ غَيْرَ مُسْكِرٍ لِأَنَّ اسْمَ الشَّرَابِ قَدْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ: فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا كَانَ وَقْتَ تَحْرِيمِهَا وَنَسْخِ إبَاحَتِهَا لِمَكَانِ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعْلَمُوا بِتَحْرِيمِهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُهَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ وَلَمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ الْآتِي: يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا امْتِثَالٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الَّذِي حَرَّمَهَا أَوْ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ أَمْرُ بِلَالٍ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ أَنَّ هَذَا مُسْنَدٌ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْهَى فِي الشَّرِيعَةِ غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَأَمْرُ أَبِي طَلْحَةَ أَنَسًا بِكَسْرِ الْجِرَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَضِيخَ التَّمْرِ عِنْدَهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَمْرِ لَمَا جَازَ أَنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ الْمُبَاحِ عِنْدَهُ لِتَحْرِيمِ غَيْرِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ نَوْعٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُسْكِرُ خَمْرًا كَمَا لَمْ يَأْمُرْ حِينَئِذٍ بِكَسْرِ جِرَارٍ فِيهَا مَاءٌ وَلَا سَمْنٌ وَلَا زَيْتٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَائِعَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَلَمَا أَمَرَ بِكَسْرِ الْجِرَارِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَضِيخِ عِنْدَ نُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ يَتَنَاوَلُ شَرَابَ الْفَضِيخِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَنَسٍ فَقُمْت إلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ الْمِهْرَاسُ حَجَرٌ كَبِيرٌ كَسَرَ أَنَسٌ بِهِ الْجِرَارَ بِأَمْرِ أَبِي طَلْحَةَ وَبِحَضْرَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى إرَاقَةِ مَا فِيهَا وَغَسْلِهَا وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَمَكُّنِ شَرَابِهَا مِنْهَا وَسِرَايَتِهِ فِي أَجْزَائِهَا وَمَسَامِّهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ غَسْلُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ عَنْهَا مَا تَشَبَّثَ مِنْ الْخَمْرِ بِهَا وَلَا يَبْقَى مِنْ الْخَمْرِ فِيهَا بَقِيَّةٌ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجَرَّةِ إذَا طُبِخَ فِيهَا الْمَاءُ وَغُسِلَتْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِكَسْرِهَا لَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهَا وَتَنْظِيفُهَا مِنْ بَقَايَا الْخَمْرِ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَسَرَهَا لَمَّا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَدْ رُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجِرَارِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الَّذِي يُرَاعَى فِي تَطْهِيرِهَا وَنَظَافَتِهَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ غَسْلِهَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّكْوَةِ لِلْخَمْرِ تُغْسَلُ أَخَافُ أَنْ لَا تَخْرُجَ رِيحُهَا مِنْ الرَّكْوَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعَى بَقَاءُ رَائِحَتِهَا فِي الْإِنَاءِ وَتَحْتَمِلُ مُرَاعَاةُ الرَّائِحَةِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَاعَى فِي تَغَيُّرِ الْمَائِعِ بِرَائِحَةِ النَّجِسِ وَكَوْنُ الرَّائِحَةِ فِيهَا بِمُجَاوَرَةٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ بِغَيْرِ الرَّائِحَةِ بِالْمُخَالَطَةِ وَالثَّانِي أَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ فِي الْإِنَاءِ رُبَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالشَّارِبِ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالرَّائِحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ: هَلْ لَك أَنْ نَجْعَلَ لَك مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْءٌ لَا يُسْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ فَأَدْخَلَ فِيهِ أُصْبُعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ فَقَالَ: هَذَا الطِّلَاءُ هَذَا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَحْلَلْتَهَا وَاَللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ: كَلًّا وَاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ قُدُومُهُ الشَّامَ كَانَ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ مِنْ مُرَاعَاةِ أَنْظَارِهِ وَتَطَلُّعِهَا بِنَفْسِهِ وَتَعَاهُدِ أَحْوَالِهَا لَا سِيَّمَا وَهُوَ مَوْضِعُ رِبَاطٍ وَهُوَ أَهَمُّ الْمَوَاضِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَوْلَاهَا بِتَفَقُّدِهِ وَتَعَاهُدِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا يُرِيدُ أَنَّهُمْ شَكَوْا إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحْوَجَهُمْ إلَى شُرْبِ شَرَابٍ يُزِيلُ عَنْهُمْ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَيُبْعِدُ عَنْهُمْ ثِقَلَهَا وَأَمْرَاضَهَا الْمُعْتَادَةَ عِنْدَهُمْ وَقَدْ اعْتَادُوا أَنْ يَغْتَذُوا لَهَا بِشَرَابٍ وَأَخْبَرُوا عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُصْلِحُهُمْ إلَّا ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ أَبْدَانَهُمْ لَا تَأْلَفُ غَيْرَهُ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوا الْعَسَلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ مِنْهُ مِنْ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى الْحَدِّ الْمُحَرَّمِ مِنْ السُّكْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْ الْعَصِيرِ مَا يَبْقَى وَيَسْلَمُ مِنْ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ وَعَلِمَ أَنَّ الْعَسَلَ يَبْقَى الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ فَعَدَلَ بِهِمْ إلَيْهِ لِيَقْتَنُوهُ وَيَتَّخِذُوهُ وَيَدَّخِرُوهُ فَمَتَى أَرَادُوا شُرْبَهُ خَلَطُوهُ بِالْمَاءِ فَقَالُوا: إنَّهُ لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُزِيلُ عَنْهُمْ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَلَا وَخَامَتَهَا وَلَا يَدْفَعُ مَا يَحْدُثُ مِنْ أَمْرَاضِهَا وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُبَحْ لَهُمْ شُرْبُ ذَلِكَ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ لِلتَّدَاوِي وَقَدْ ذَكَرَهُ. (فَصْلٌ) : وَلَمَّا تَوَقَّفَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ إجَابَتِهِمْ إلَى مَا أَرَادُوهُ مِنْ شُرْبِ الْعِنَبِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يُرِيدُ مِمَّنْ نَشَأَ فِيهَا: هَلْ لَك أَنْ نَجْعَلَ لَك مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُدَّخَرَ وَلَا يَتَغَيَّرَ وَيُتَوَصَّلَ إلَى ذَلِكَ بِصَنْعَةٍ عَلِمَهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: نَعَمْ إجَابَةً إلَى اخْتِبَارِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ صِحَّةِ ادِّخَارِهِ الْعَصِيرَ دُونَ أَنْ يُسْكِرَ أَوْ يَتَغَيَّرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْهُ لَمَّا عَلِمَ فِيهِ مِنْ التَّغَيُّرِ وَتَعَذَّرَ عِنْدَهُ مِنْ بَقَائِهِ دُونَ أَنْ يَفْسُدَ فَلَمَّا ادَّعَى هَذَا بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ مِنْهُ مَا يَسْلَمُ مِنْ الْفَسَادِ أَجَابَهُ إلَى أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ لِيَخْتَبِرَ قَوْلَهُ وَيُعَايِنَ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَطَبَخَهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَهَبَتْ مِنْهُ الْمَائِيَّةُ الَّتِي تُحْدِثُ إفْسَادَهُ وَيَسْرُعُ بِهَا تَغَيُّرُهُ وَبَقِيَتْ عَسَلِيَّتُهُ خَالِصَةً وَإِنَّمَا خَصَّ ذَلِكَ بِذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ وَبَقَاءِ الثُّلُثِ لِأَنَّ هَذِهِ كَانَتْ صِفَةَ عَصِيرِ ذَلِكَ الْعِنَبِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي طَبْخٍ لَا أَحَدُّ ذَهَابَ ثُلُثَيْهِ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى السُّكْرِ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ نَقَصَ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَيْسَ ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَلَا مِنْ كُلِّ عَصِيرٍ فَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ تَحَفَّظَ فِي خَاصَّتِهِ فَعَمِلَ الطَّبْخَ فَلَا يَعْمَلُهُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ وَجْهَيْنِ: أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيُوقِنَ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ فَأَمَّا حَدُّ الْوَصْفَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ فَصَحِيحٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى سُؤَالٍ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْكِرْ فَسَوَاءٌ ذَهَبَ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ بَلَدٌ يَذْهَبُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَيَسْلَمُ مِنْ الْفَسَادِ فَيُرَاعَى ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَسْلَمُ فِيهَا مِنْ الْفَسَادِ ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ وَيُحْتَرَزُ بِتَيَقُّنِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْفَسَادِ لِوُجُودِ الْفَسَادِ مَعَ ذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَإِذَا اعْتَبَرَ السَّلَامَةَ مِنْ أَنْ يُسْكِرَ اسْتَغْنَى عَنْ سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَهَابَ الثُّلُثَيْنِ حَدًّا فِي جَوَازِ شُرْبِ مَا يَبْقَى وَإِنْ كَانَ يُسْكَرُ مِنْ كَثِيرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَلِيلُهُ حَرَامًا أَصْلُ ذَلِكَ النِّيءُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَخْبَرَهُ وَأَشْرَفَ عَلَيْهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَقَوْلُهُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَدْخَلَ فِيهِ أُصْبُعَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ اخْتِبَارٌ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ وَإِشْرَافٌ عَلَيْهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَاعْتِنَاءٌ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ لِيَخْتَبِرَ ثَخَانَتَهُ وَهِيَ الَّتِي تَمْنَعُ التَّغَيُّرَ ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الطِّلَاءِ فَتَبِعَهَا الطِّلَاءُ يَتَمَطَّطُ لِثَخَانَتِهِ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا فِي حُكْمِ الشَّرَابِ لَمْ يَتْبَعْ يَدَهُ وَلَا أُصْبُعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَجَعَلَ يَنْقُطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُصْبُعِهِ مِنْهُ إنْ كَانَ تَعَلَّقَ مِنْهُ شَيْءٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا الطِّلَاءُ يُرِيدُ أَنَّهُ سُمِّيَ بِالطِّلَاءِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِهَذَا وَلِذَلِكَ قَالَ: هَذَا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ فِي ثَخَانَتِهِ وَبُعْدِهِ مِنْ التَّغَيُّرِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ وَلَوْ رَاعَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَعُودَ إلَى مِثْلِ هَذَا مِنْ الْقِوَامِ وَالثَّخَانَةِ لَمَا أَبَاحَ لِلنَّاسِ إلَّا شُرْبَ مَا يُؤْمَنُ فَسَادُهُ فَإِنَّ هَذَا فِي قِوَامِ الْعَسَلِ وَلَا يَكُنْ شُرْبُ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يُمْزَجَ بِالْمَاءِ فَلَا يُخَافُ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّغَيُّرُ أَبَدًا وَأَمَّا مِنْ عَصِيرٍ يَذْهَبُ ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى الثُّلُثُ رَقِيقًا يَسْرُعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَيَطْرَأُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لَهُ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الَّذِي قَدْ صَارَ فِي قِوَامِ الْعَسَلِ حُكْمُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ وَلَوْ أَمْسَكَ أَعْوَامًا وَلَوْ كَانَ ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ مِنْهُ يُجْزِئُ عَلَى كُلٍّ لَمَّا احْتَاجَ عُمَرُ أَنْ يَرَاهُ وَيَخْتَبِرَهُ وَيُدْخِلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ وَيَرْفَعَهُ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ ثَخَانَتَهُ وَلَقَالَ لِلَّذِي قَالَ لَهُ: هَلْ لَك أَنْ أَجْعَلَ لَك مِنْ هَذَا الشُّرْبِ مَا لَا يُسْكِرُ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك: اُطْبُخْهُ حَتَّى يَذْهَبَ الثُّلُثَانِ وَلَا يُرَاعَى أَيُسْكِرُ أَمْ لَا وَلَمَّا قَالَ لَهُ: افْعَلْ عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَعْمَلَ مِنْهُ مَا لَا يُسْكِرُ وَأَنَّهُ اخْتَبَرَ صِدْقَهُ وَعَلِمَ صِحَّةَ قَوْلِهِ بِمَا شَاهَدَ مِنْ ثَخَانَتِهِ وَأَنَّهُ فِي قِوَامِ طِلَاءِ الْإِبِلِ ثُمَّ أَظْهَرَ تَصْدِيقَ قَوْلِ الصَّانِعِ وَإِجَابَتَهُ إلَى مَا سَأَلَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي ادَّعَى أَنَّهَا لَا تُسْكِرُ فَمَنْ أَبَاحَ شُرْبَ مَا يُسْكِرُ مِنْ ذَلِكَ بِذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٍ يَقُولُ بِمِثْلِ قَوْلِ عُمَرَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُسْكِرْ لَمَّا عَادَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْقِوَامِ أَنَّهُ مُبَاحٌ عَمَلُهَا وَاِتِّخَاذُهَا وَقَائِلٍ أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبَاحَتَهَا مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ خَوْفًا مِنْ الذَّرِيعَةِ لِإِبَاحَتِهِ إلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ مِنْهَا عَلَى حَسَبِ مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَهُمْ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَرْزُقُ النَّاسُ طِلَاءً يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ نَدَبَهُمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى اسْتِيفَاءِ صِحَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَصَلَاحِ أَحْوَالِهِمْ وَالْمَنْعِ لَهُمْ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إبَاحَتَهُ لَهُمْ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَدْ قَالَ: إنَّ الْإِبَاحَةَ أَمْرٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَحْلَلْتَهَا وَاَللَّهِ يُرِيدُ أَنَّ مَا أَبَاحَهُ لَهُمْ مِنْ هَذِهِ الطِّلَاءِ الَّذِي يُؤْمَنُ مَعَهُ الْفَسَادُ يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى شُرْبِ مَا لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ مِمَّا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إلَّا أَنَّهُمْ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ فَلَا يُبْلِغُوهُ ذَهَابَ الثُّلُثَيْنِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَصْلُحُ فِيهِ ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ وَأَمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ وَيُشْرَبُ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ فِي بَلَدٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ إلَّا بِذَهَابِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ ذَهَابِ الثُّلُثَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْمُخَالِفُ وَقَدْ تَبِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَلَى هَذَا الْإِنْكَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَدْ نَهَى عَنْهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَوْ اقْتَصَرَ النَّاسُ عَلَى مَا أَبَاحَ مِنْهُ لَمْ أَنْهَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي لِمَنْعِ الذَّرَائِعِ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ النَّاسُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ كَلًّا وَاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْته عَلَيْهِمْ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ إنْكَارًا عَلَى عُبَادَةَ بِإِظْهَارِ النِّيَّةِ وَصَحِيحِ مُعْتَقِدِهِ وَتَبْيِينِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَهُوَ مَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَالتَّغَيُّرُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا مِنْهَا وَهُوَ مَا بَلَغَ الْمَبْلَغَ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّجُلُ مِنْ الثَّخَانَةِ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طِلَاءِ الْإِبِلِ فَلَا يَسْرُعُ إلَيْهِ فَسَادٌ وَلَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ إلَّا بِخَلْطِهِ بِالْمَاءِ عَلَى حَسَبِ مَا يَصْنَعُ بِالْعَسَلِ مَنْ أَرَادَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نَبْتَاعُ مِنْ ثَمَرِ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ سَمِعَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إنِّي لَا آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلَا تَبْتَاعُوهَا وَلَا تَعْصِرُوهَا وَلَا تَشْرَبُوهَا وَلَا تَسْقُوهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQشُرْبَهُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ سَأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالُوا: إنَّا نَبْتَاعُ مِنْ ثَمَرِ النَّخِيلِ وَالْعِنَبِ فَنَعْصِرُهُ خَمْرًا فَنَبِيعُهَا تَصْرِيحٌ بِعَصْرِ الْخَمْرِ وَبَيْعُهُ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي مَنْعِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي أَهْدَى إلَيْهِ رَاوِيَةَ خَمْرٍ: إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: إنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتَهُ وَمَنْ سَمِعَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إنِّي لَا آمُرُكُمْ أَنْ تَبِيعُوهَا وَلَا تَبْتَاعُوهَا أَيْ إنِّي لَا أَتْرُكُكُمْ إلَى التِّجَارَةِ فِيهَا وَطَلَبِ الرِّزْقِ بِبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا كَمَا آمُرُكُمْ بِطَلَبِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْأَمْرُ فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنِّي لَا أُبِيحُ لَكُمْ وَهَذَا مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ فَإِنْ بَاعَهَا أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبِيعَهَا مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ مِنْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنْ بَاعَهَا مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ مِنْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْثُرَ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَمْرُ قَائِمَةٌ أَوْ كَانَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُفْسَخُ الشِّرَاءُ وَتُكْسَرُ حَيْثُ وُجِدَتْ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ إلَى الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ دَفَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» فَوَجَبَ كَسْرُهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وَرُدَّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالٍ عِوَضًا مِنْ الْخَمْرِ وَكَانَ الْخَمْرُ إنَّمَا كُسِرَتْ بِيَدِ الْبَائِعِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ قَدْ فَاتَ مَوْضِعُ الْفَسْخِ وَيُؤْخَذُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ وَيُفَرَّقُ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَيُعَاقَبَانِ عُقُوبَةً مُوجِعَةً بِبَيْعِهَا وَابْتِيَاعِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ بَاعَهَا مُسْلِمٌ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْثُرَ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَمْرُ قَلِيلَةٌ بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي النَّصْرَانِيِّ كُسِرَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَرُدَّ الثَّمَنُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. (فَرْعٌ) وَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أُخِذَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ أَوْ مِنْ النَّصْرَانِيِّ إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ لِأَنَّهُ ثَمَنُ حَرَامٍ وَفُرِّقَ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ وَفِيهَا اخْتِلَافٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ بَاعَهَا نَصْرَانِيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْثُرَ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ النَّصْرَانِيِّ قَدْ أَبْرَزَهَا لِلْمُسْلِمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: تُكْسَرُ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ إنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ قَبَضَهَا كُسِرَتْ عَلَى الْمُبْتَاعِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ النَّصْرَانِيُّ قَدْ قَبَضَهُ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ الثَّمَنُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ تُكْسَرُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهَا وَلَا إمْسَاكُهَا وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ الثَّمَنَ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ أَدَبًا لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِقَبْضِ النَّصْرَانِيِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ كُسِرَتْ الْخَمْرُ بِيَدِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يُدْفَعْ الثَّمَنُ إلَى النَّصْرَانِيِّ عُقُوبَةً لَهُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ يُؤْخَذُ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُتَصَدَّقُ بِهِ وَإِلَّا تُدْفَعُ إلَى النَّصْرَانِيِّ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَدْ قَبَضَ الْخَمْرَ فَفَاتَتْ عِنْدَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ بَقِيَ عِنْدَهُ قُبِضَ مِنْهُ وَدُفِعَ إلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَيُعَاقَبَانِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ صَارَ إلَى النَّصْرَانِيِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَعْصِرُوهَا وَلَا تَشْرَبُوهَا وَلَا تَسْقُوهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى مَنْعِ كُلِّ تَصَرُّفٍ مَقْصُودٍ فِيهَا وَعُمِلَ لَهَا ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا رِجْسٌ وَأَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يُرِيدُ

[كتاب الجهاد]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] تَمَّ كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. [كِتَابُ الْجِهَادِ] 1 (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الْجِهَادِ (التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ) مَعْنَى التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ الْإِعْلَامُ بِعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَجَزِيلِ أَجْرِهِ لِيُرَغِّبَ النَّاسَ فِيهِ وَأَكْثَرُ مَا يُوصَفُ بِالرَّغَائِبِ مَا قَصَرَ عَنْ رُتْبَةِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يُوصَفُ بِأَتَمِّ أَحْوَالِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ هَهُنَا لِلْوَصْفِ لَهُ بِوُجُوبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنَّمَا قُصِدَ الْحَضُّ عَلَى فِعْلِهِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ جَزِيلِ ثَوَابِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّغَائِبِ لِمَنْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ مَكَانِهِ مَعَ ظُهُورِ الْمُجَاوِرِينَ لِلْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ وَاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ عَوْنِ مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي مِثْلِ هَذَا: كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ فَرْضًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْآنَ هُوَ مُرَغَّبٌ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الْجِهَادُ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ سَقَطَ فَرْضُهُ عَمَّنْ قَامَ بِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا عَمَّتْ الْحَاجَةُ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَدَهَمَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ مَا لَا يَقُومُ بِهِ بَعْضُهُمْ لَزِمَ الْفَرْضُ جَمِيعَهُمْ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْجِهَادِ فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكُفَّارُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَدْخُلُوا فِي الذِّمَّةِ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَعَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَغَلَبَتِهِمْ لَهُمْ فَأَمَّا إذَا ضَعُفَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِمُهَادَنَتِهِمْ وَمُصَالَحَتِهِمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ وَسَأَلَ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ سَحْنُونًا قَالُوا: أَرَأَيْت لَوْ انْقَطَعَتْ عَنَّا الْجُيُوشُ وَبَعُدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَدُوُّنَا قَرِيبٌ مِنَّا فِي قُوَّةٍ هَلْ لِأَمِيرِ الثُّغُورِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ إذْ لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ قَالَ: نَعَمْ وَلَا يَبْعُدُ فِي الْمُدَّةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مُهَادَنَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ حَتَّى قَوِيَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مُصَالَحَتُهُمْ عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ إيَّاهُ إذَا عَجَزُوا عَنْ حِمَايَةِ زَرْعِهِمْ أَوْ حِمَايَةِ بَيْضَتِهِمْ أَوْ حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهِمْ وَخَافُوا التَّغَلُّبَ وَأَخْذَ الْعَدُوِّ مَنْ فِيهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ فَهُوَ جَائِزٌ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ السَّبِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ هِيَ سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَتْ الْغَزْوَ إلَى الْعَدُوِّ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِمَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَظْهَرُ فِي الْغَزْوِ وَتَمْثِيلُهُ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالصَّائِمِ الْقَائِمِ يُرِيدُ فِي عِظَمِ ثَوَابِهِ وَكَثْرَتِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى جِهَادِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِثْلَ ثَوَابِ الْمُسْتَدِيمِ لِلْقِيَامِ وَالصِّيَامِ لَا يَفْتُرُ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَى ثَوَابِ الصَّائِمِ وَالْقَائِمِ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُ مِقْدَارَهُ لِمَا قَرَّرَ الشَّرْعُ مِنْ كَثْرَتِهِ وَعُرِفَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ هَهُنَا الْمُصَلِّي يُقَالُ فُلَانٌ يَقُومُ بِاللَّيْلِ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ يُرِيدُ أَنَّ حَالَ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَجْرِهِ وَثَوَابِهِ مِثْلُ أَجْرِ هَذَا لِأَنَّ جَمِيعَ تَصَرُّفِ الْمُجَاهِدِ وَأَكْلِهِ وَنَوْمِهِ وَغَفْلَتِهِ يُمَاثِلُ ثَوَابُهُ ثَوَابَ الَّذِي يَقْرِنُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ فَقَالَ: لَا أَجِدُ هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ تُصَلِّي لَا تَفْتُرُ وَتَصُومُ لَا تُفْطِرُ قَالَ: مَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ الْكَفَالَةُ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْكَفَالَةَ إلَى الْبَارِئِ فِي هَذَا الْعَمَلِ لِأَنَّهُ أَوْفَى كَفِيلٍ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الْجِهَادِ وَالتَّصْحِيحِ لِثَوَابِ الْمُجَاهِدِ وَقَوْلُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ فِي جِهَادِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَشُوبُهُ طَلَبُ الْغَنِيمَةِ وَلَا الْعَصَبِيَّةُ لِلْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ وَلَا حُبُّ الظُّهُورِ وَلَا سُمْعَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعَانِي غَيْرَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَإِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ وَعَقْدُهُ الْجِهَادَ فَلَا يُنْقِصُ أَجْرَهُ وَلَا يَنْقُضُ عَقْدَهُ مَا نَالَ مِنْ غَنِيمَةٍ بَلْ هِيَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَجْرُهُ وَافِرٌ كَامِلٌ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ خُرُوجِهِ وَعَقْدِهِ وَمَقْصِدِهِ فِي قِتَالِهِ الْغَنِيمَةَ أَوْ إظْهَارَ النَّجْدَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِهِمَا يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةَ مَنْ كَذَّبَهُمَا وَالْحِرْصَ عَلَى قَتْلِهِ وَالْمُجَاهَدَةِ لَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ إنْ أُصِيبَ بِمَوْتٍ أَوْ قُتِلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَخْتَصُّ بِالْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ بِأَثَرِ قَتْلِهِ وَيَكُونَ هَذَا تَخْصِيصًا لِلشُّهَدَاءِ كَمَا خُصُّوا بِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170] وَالثَّانِي أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْبَعْثِ وَيَكُونَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَفَّارَةً لِجَمِيعِ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَثُرَتْ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَأَنَّهُ لَا مُوَازَنَةَ بَيْنَ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْخَطَايَا وَبَيْنَ ثَوَابِ مَا خَرَجَ لَهُ مِنْ الْجِهَادِ فَلَمْ يَرْجِعْ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فِي «الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْت إنْ قُتِلْتُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ» . 1 - (فَصْلٌ) : «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعَ الَّذِي يَنَالُ مِنْهُمَا فَإِنْ أَصَابَ غَنِيمَةً فَلَهُ أَجْرٌ وَغَنِيمَةٌ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْغَنِيمَةَ فَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَكُونُ» أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِ جَرِيرٍ نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ عَلَى قَدَرٍ ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُوا غَنِيمَةً إلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَمْ أَجْرُهُمْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ رَوَاهُ أَبُو هَانِئِ حُمَيْدٍ بْنُ هَانِئٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ» وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَاهُ أَنْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا أَوْ يَكُونُوا قَدْ خَرَجُوا قَاصِدِينَ لَهَا مَعَ إرَادَةِ الْجِهَادِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ غَازِيًا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ نَافِعٍ الزُّرَقِيِّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ» وَرُوِيَ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ يُرِيدُ أَنَّ اتِّخَاذَهَا وَرَبْطَهَا فِي الْغَالِبِ يَكُونُ لِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثِ الْأَحْوَالِ إمَّا لِمُجَرَّدِ الْأَجْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِمَّا لِلسِّتْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا لِيَكْتَسِبَ عَلَيْهَا وَإِمَّا لِلْوِزْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَارْتِبَاطُ الْخَيْلِ وَرَبْطُهَا هُوَ اقْتِنَاؤُهَا وَأَصْلُهُ مِنْ الرَّبْطِ بِالْحَبْلِ وَالْمِقْوَدِ وَلَمَّا كَانَتْ الْخَيْلُ لَا تُسْتَبَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ كُلُّ مَنْ اقْتَنَى فَرَسًا رَبَطَهُ وَكَثُرَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى سَمَّوْا اقْتِنَاءَهَا وَاِتِّخَاذَهَا رَبْطًا فَمَعْنَى رَبْطِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إعْدَادُهَا لِهَذَا الْوَجْهِ وَاِتِّخَاذُهَا بِسَبَبِهِ وَهُوَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ يُثَابُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فِي حَالِ مَقَامِهِ دُونَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْجِهَادِ وَغَزْوِ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِعْدَادِ لَهُ وَالْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ فَإِذَا غَزَا بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ وَأَجْرُ الِاتِّخَاذِ وَالرِّبَاطِ. 1 - (فَصْلٌ) : الرِّبَاطُ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: رِبَاطُ الْخَيْلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] الْآيَةُ وَرِبَاطُ الْخَيْلِ يَكُونُ اتِّخَاذَهَا فِي مَوْطِنِ الْمُتَّخِذِ لَهَا وَغَيْرِ مَوْطِنِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الثَّغْرِ وَقُرْبِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي مُعْظَمِ الْإِسْلَامِ وَبِالْبُعْدِ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ إعْدَادِ الْقُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِيهِ النَّفِيرُ وَيَحْتَاجُ إلَى الْغَزْوِ وَلَا يَجِدُ مِنْ الْمُهْلَةِ مَا يَتَّخِذُ فِيهِ الْخَيْلَ وَلِأَنَّ الْغَازِيَ بِهَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهَا وَتَأْدِيبِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَتِمُّ لَهُ مُرَادُهُ مِنْهَا إلَّا بِاِتِّخَاذِهَا قَبْلَ الْغَزْوِ بِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الرِّبَاطِ هُوَ رِبَاطُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ الثُّغُورِ وَيُكْثِرُ سَوَادَهَا وَالْإِرْهَابَ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] وَمَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَرِبَاطُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ هُوَ أَنْ يَتْرُكَ وَطَنَهُ وَيَلْزَمَ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ الْمَخُوفَةِ لِمَعْنَى الْحِفْظِ وَتَكْثِيرِ السَّوَادِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ وَطَنُهُ الثَّغْرَ فَلَيْسَتْ إقَامَتُهُ بِهِ رِبَاطًا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ وَيُقِيمَ لِهَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً فَإِنْ أَقَامَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفَاتِهِ فَلَمْ يَرْبِطْ نَفْسَهُ لِمُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ رِبَاطُ الْخَيْلِ فَإِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ يَسْتَغْنِي عَنْ اتِّخَاذِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ اخْتَارَ الْمَقَامَ وَالِاسْتِيطَانَ بِالثَّغْرِ وَمَوْضِعِ الْخَوْفِ لِلرِّبَاطِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَمْكَنَهُ الْمَقَامُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ حُكْمُ الرِّبَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا كَانَ الثَّغْرُ رِبَاطًا لِمَوْضِعِ الْخَوْفِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْمَخَافَةُ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ بَعُدَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ فَإِنَّ حُكْمَ الرِّبَاطِ يَزُولُ عَنْهُمْ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيَجْعَلُهُ فِي جُدَّةٍ قَالَ: لَا قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَا خَوْفٌ قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَرِبَاطُ الْخَيْلِ وَالنَّفْسِ مِنْ عِدَّةِ الْجِهَادِ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ: أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك الرِّبَاطُ أَمْ الْغَارَاتُ فِي الْعَدُوِّ؟ قَالَ أَمَّا الْغَارَاتُ فَلَا أَدْرِي كَأَنَّهُ كَرِهَهَا وَأَمَّا السَّيْرُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى الْإِصَابَةِ يُرِيدُ السُّنَّةَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَ الْغَارَاتِ لَمَّا كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهَا مَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَرُبَّمَا غَلُّوا وَأَمَّا السَّيْرُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُوَ الْغَزْوُ عَلَى الْإِصَابَةِ لِلْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلَا يَغُلَّ وَيُطِيعُ الْأَمِيرَ فِي الْحَقِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى الرِّبَاطِ دُخُولَ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَإِهَانَتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الْجِهَادَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَالرِّبَاطَ لِحَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ حِينَ دَخَلَ فِي الْجِهَادِ مَا دَخَلَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ بِثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ قَدْ اشْتَدَّ حَتَّى خِيفَ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَاسْتُنْفِرُوا لِإِدْرَاكِ ذَلِكَ الثَّغْرِ فَإِنَّ قَصْدَ ذَلِكَ الثَّغْرِ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ حَقْنَ دِمَاءِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ لِلرِّبَاطِ فِيهِ لَا لِعَدُوٍّ يَتَرَقَّبُ نُزُولَهُ وَيَتْرُكُ الْغَزْوَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ لِأَنَّ دُخُولَهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ نِكَايَةٌ فِيهِمْ وَإِهَانَةٌ لَهُمْ وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ حِفْظٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ نِكَايَةَ الْعَدُوِّ تُضْعِفُهُمْ عَنْ غَزْوِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا غَزَا قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إلَّا ذَلُّوا. (فَصْلٌ) : «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَذَكَرَ أَنَّهُ الرَّبْطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ثُمَّ وَصَفَ أَنَّ جَمِيعَ تَصَرُّفِهَا أَجْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَزْوٌ فَإِنْ أَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ لِلرَّعْيِ فَإِنَّ مَا أَصَابَتْ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٍ وَقَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ تَصَرُّفَ هَذِهِ الْخَيْلِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ يَكُونُ حَسَنَاتٍ لَهُ وَلِذَلِكَ وَصَفَ أَوَّلًا مَا كَانَ بِسَبَبِهِ مِنْ الْإِطَالَةِ لَهَا فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَمِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِنْ قَطْعِ الطِّيَلِ وَهُوَ مَا أَطَالَ لَهَا فِيهِ مِنْ الْحَبْلِ، وَاسْتِنَانُ الشَّرَفِ هُوَ الْجَرْيُ إلَى مَا يَعْلُو مِنْ الْأَرْضِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الشَّرَفَ وَالطَّلَقَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهَا عَلَى هَذَا جَرْيُهَا طَلِقًا أَوْ طَلِقَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ فِعْلَهُ مِنْ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرِيدَ سَقْيَهَا وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَسَنَاتٍ لَهُ مِنْ رَبْطِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيَسْتَوْعِبَ أَنْوَاعَ تَصَرُّفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا يُرِيدُ أَنَّهُ رَبَطَهَا لِيَسْتَغْنِيَ بِهَا وَيَعِفَّ عَنْ السُّؤَالِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِهِ فِيهَا لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اتِّخَاذَهَا لِهَذَا الْوَجْهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَإِنْ ضَيَّعَ حُقُوقَ اللَّهِ فِيهَا لَمْ تُوصَفْ بِأَنَّهَا سِتْرٌ لَهُ خَاصَّةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَآثِمِ وَالْوِزْرِ بِسَبَبِهَا وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْثَمْ بِاِتِّخَاذِهَا لِأَنَّهُ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا وَالْحُقُوقُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ لِلَّهِ بِرِقَابِهَا أَنْ تُؤَدَّى مِنْهَا الْحُقُوقُ إذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا بِاخْتِصَاصِهَا بِهَا أَوْ لِضِيقِ ذِمَّتِهِ عَنْهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً؟ رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحْتِيَاجِهِ إلَى أَدَائِهَا مِنْ رِقَابِ هَذِهِ الْخَيْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ ظُهُورِهَا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ بِهَا إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِلْجِهَادِ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِهَا وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حَمْلُ الضَّعِيفِ عَلَيْهَا إذَا خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَكَةَ وَلَمْ يَجِدْ مَحْمَلًا غَيْرَهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَخِرَ بِهَا وَيُرَائِيَ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَمَّا لَوْ افْتَخَرَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ وَرِئَائِهِمْ بِهَا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخَيْرِ الَّذِي يَرْجُو عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَأَمَّا النِّوَاءُ فَهُوَ الْمُقَاوَمَةُ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ نَاوَى فُلَانًا إذَا قَاوَمَهُ عَلَى عَدَاوَةٍ فَمَنْ اقْتَنَى فَرَسًا يَفْتَخِرُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَيُنَاوِيهِمْ بِهَا فَهِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُمُرِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّائِلَ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ إنْ كَانَ حُكْمُ الْحُمُرِ حُكْمَ الْخَيْلِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ أَوْ يَكُونُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْخَيْلِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ غَالِبًا لِجِهَادٍ وَلَا تُرْبَطُ فِيهِ وَهِيَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يناوي بِهَا وَلَا يُفْتَخَرُ بِاقْتِنَائِهَا وَلَا هِيَ مِمَّا يُتَكَسَّبُ بِرُكُوبِهَا وَأَنْ يُكْسَبَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا كَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ التَّقْسِيمِ وَالتَّفْسِيرِ مَا نَزَلَ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَارِكَةٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وَالْحُمُرُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْخَيْلِ فِي الْجِهَادِ فَقَدْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا رَاحِلَتَهُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ اقْتِنَاءَ الْخَيْلِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهَا زَادَهُ وَسِلَاحَهُ وَيَتَكَسَّبُ عَلَيْهَا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَأَمَّا هِيَ فَيَشْتَرِيهَا وَيَسْتَعِينُ بِهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ عَلَى غَزْوِ الْإِسْلَامِ فَيُوزَرُونَ بِهَا فَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ لِأَنَّ اقْتِنَاءَهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ أَوْ مِنْ عَمَلِ الشَّرِّ وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَرَاهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَلَّقَ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَاسْتَفَادَ مِنْهُ حُكْمًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّعَلُّقِ بِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةُ الْجَامِعَةُ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَامَّةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَاذَّةُ يُرِيدُ الْقَلِيلَةَ الْمِثْلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ يُقَالُ كَلِمَةٌ فَاذَّةٌ وَفَذَّةٌ أَيْ شَاذَّةٌ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ لَهُمْ عَلَى الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ وَالتَّفَرُّغِ لِفَهْمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً أَكْثَرَهُمْ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مُوَاظِبٌ عَلَى ذَلِكَ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي الْأَغْلَبِ مِنْ ذَلِكَ رَاكِبًا لَهُ أَوْ قَائِدًا هَذَا مُعْظَمُ أَمْرِهِ وَمَقْصُودُهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فَوَصَفَ بِذَلِكَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ وَنَصَّ عَلَيْهَا وَرَغَّبَ فِيهَا مَنْ قَوِيَ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَضْلِ مَنْ قَصَرَ عَنْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَضَعُفَ عَنْهَا فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ آخِذًا بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِيهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: «أَخْبَرَنِي عِبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ عِبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي النَّاسِ الضَّعِيفُ وَالْكَبِيرُ وَذُو الْعَاهَةِ وَالْفَقِيرُ وَوَصْفُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْمُعْتَزِلِ فِي أَنَّهُ فِي غَنِيمَتِهِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى قِلَّةِ الْمَالِ وَقَدْ يَكُونُ اعْتِزَالُهُ ضَعْفًا عَنْ الْجِهَادِ. وَقَدْ «رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي غُزَاةٍ: إنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إلَّا وَهُمْ مَعَنَا حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجِهَادِ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ مَعَ الْغِنَى عَنْهُ بِالِانْقِبَاضِ وَالِاعْتِزَالِ لَمَّا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِ وَأَوْفَقُ لَهُ فِي دِينِهِ فَهَذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَعَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى فَمَنْزِلَتُهُ بَعْدَ مَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنَازِلِ لِأَدَائِهِ الْفَرَائِضَ وَإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ الْعِبَادَةَ وَبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ إذَا خَفِيَ مَوْضِعُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شُهْرَةً لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا وَلَا يَذْكُرُهُ وَلَا تَبْلُغُ دَرَجَتُهُ دَرَجَةَ الْمُجَاهِدِ لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ يَذُبُّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُجَاهِدُ الْكَافِرِينَ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ فِي الدِّينِ يَتَعَدَّى فَضْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَكْثُرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَذَا الْمُعْتَزِلُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى أَنَّ الِانْقِبَاضَ أَسْلَمُ لِدِينِهِ وَأَعْدَلُ لِحَالِهِ وَرَأَى أَنَّ نَفْسَهُ أَطَوْعُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَظُّ لَهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجِدُ نَفْسَهُ أَطَوْعَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُهَا أَطَوْعَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُهَا أَطَوْعَ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسْبِ مَا يُفْتَحُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَيُقْسَمُ لَهُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلُ الْبَيْعِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُعَاوَضَةُ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ سُمِّيَتْ مُعَاقَدَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاهَدَةُ الْمُسْلِمِينَ مُبَايَعَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ عَاوَضَهُمْ بِمَا ضَمِنَ لَهُمْ مِنْ الثَّوَابِ عِوَضًا عَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] إلَى قَوْلِهِ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ السَّمْعُ هَهُنَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الطَّاعَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ الْإِصْغَاءَ إلَى قَوْلِهِ وَالتَّفَهُّمَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْنَا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي حَالِ الْيُسْرِ وَحَالِ الْعُسْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يُسْرَ الْمَالِ وَعُسْرَهُ وَالتَّمَكُّنَ مِنْ جِيدِ الرَّاحِلَةِ وَوَافِرِ الزَّادِ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْهُمَا وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ يُرِيدُ وَقْتَ النَّشَاطِ إلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَوَقْتَ الْكَرَاهِيَةِ لِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَنْشَطِ وُجُودَ السَّبِيلِ إلَى ذَلِكَ وَالتَّفَرُّغَ لَهُ وَطِيبَ الْوَقْتِ وَضَعْفَ الْعَدُوِّ وَيُرِيدُ بِالْمَكْرَهِ تَعَذُّرَ السَّبِيلِ وَشُغْلَ الْمَانِعِ وَشِدَّةَ الْهَوَاءِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَصُعُوبَةَ السَّفَرِ وَقُوَّةَ الْعَدُوِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ يُرِيدُ الْإِمَارَةَ وَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا عَلَى الْأَنْصَارِ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ لَا يُنَازِعُوا فِيهِ أَهْلَهُ وَهِيَ قُرَيْشٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ لَا يُنَازِعُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ الْأَمْرَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ إذَا كَانَ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرُوا الْحَقَّ بِالْقَوْلِ أَوْ الْقِيَامِ بِهِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ الْمَوَاطِنِ وَالْأَمَاكِنِ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةٌ وَلَا لَوْمَةُ لَائِمٍ.

[النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو]

يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَهْمَا تَنْزِلُ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنْزِلٍ شِدَّةٌ يَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا وَأَنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] . النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَشِيرُ فِيمَا يَفْعَلُهُ لِمَا فَجَأَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جُمُوعِ الرُّومِ وَيُعَلِّمُهُ مَا يَتَّقِي مِنْهُمْ وَيَخَافُ مِنْ ضَعْفِ مُسْلِمِي الثُّغُورِ عَنْهُمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ يُرِيدُ أَنَّ عَاقِبَةَ الْمُؤْمِنِينَ إلَى الْفَرَجِ وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ قِيلَ: إنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِّفَ الْعُسْرُ اقْتَضَى اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فَكَانَ الْعُسْرُ الْأَوَّلُ هُوَ الثَّانِي مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] وَلَمَّا كَانَ الْيُسْرُ مُنْكَرًا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُ غَيْرَ الثَّانِي وَقَدْ أَدْخَلَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَك بِأَثَرِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيُسْرَيْنِ عِنْدَهُ الظَّفَرُ بِالْمُرَادِ وَالْأَجْرُ فَالْعُسْرُ لَا يَغْلِبُ هَذَيْنِ الْيُسْرَيْنِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُؤْمِنِ أَحَدُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدِي وَجْهٌ ظَاهِرٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] وَذَكَّرَهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ وَنَبَّهَهُمْ عَلَيْهَا لَمَّا تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ وَمُدَاوَمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَصَابِرُوا وَالْأَمْرُ بِالرِّبَاطِ هُوَ الْمَقَامُ بِالثَّغْرِ وَسَدُّهُ وَالذَّبُّ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ. [النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ] (ش) : قَوْلُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصُّحُفَ لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ مَكْتُوبًا فِيهَا سَمَّاهُ قُرْآنًا وَلَمْ يُرِدْ مَا كَانَ مِنْهُ مَحْفُوظًا فِي الصَّدْرِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِحَافِظِ الْقُرْآنِ الْغَزْوُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا إهَانَةَ لِلْقُرْآنِ فِي قَتْلِ الْغَازِي وَإِنَّمَا الْإِهَانَةُ لِلْقُرْآنِ بِالْعَبَثِ بِالْمُصْحَفِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ مُفَسَّرًا نَهْيُ أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» . 1 - (فَصْلٌ) : وَالسَّفَرُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: قُلْت لِسَحْنُونٍ أَجَازَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ الْغَزْوَ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْجَيْشِ الْكَبِيرِ كَالطَّائِفَةِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا السَّرِيَّةُ وَنَحْوُهَا فَلَا قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ عَامًّا وَلَمْ يُفَصِّلْ وَقَدْ يَنَالُهُ الْعَدُوُّ مِنْ نَاحِيَةِ الْغَفْلَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ فِيهِ عَلَى الْعَدُوِّ وَلَيْسَ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى حَرْبِهِ وَقَدْ يَنَالُهُ لِشُغْلٍ عَنْهُ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ يَنَالُهُ بِالْغَلَبَةِ أَيْضًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْكُفَّارِ رَغِبَ أَنْ يُرْسَلَ إلَيْهِ بِمُصْحَفٍ يَتَدَبَّرُهُ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ نَجِسٌ جُنُبٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ الْقُرْآنَ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ بِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْتَبَ إلَيْهِمْ بِالْآيَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ كَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَلِكِ الرُّومِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] .

[النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو]

النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ قَالَ: فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: بَرِحَتْ بِنَا امْرَأَةُ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِالصِّيَاحِ فَأَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكُفُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ اسْتَرَحْنَا مِنْهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ يُرِيدُ أَهْلَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا تَمَكَّنُوا مِنْ نَيْلِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ مُنِعَ السَّفَرُ بِهِ إلَى بِلَادِهِمْ. [النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ] (ش) : قَوْلُهُ نَهَى الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ يُرِيدُ حِينَ أَنْفَذَهُمْ لِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَنَهْيُهُ هَذَا عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَصْلٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَرِدُ بَعْدَ هَذَا مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ بَرِحَتْ بِنَا يُرِيدُ أَظْهَرَتْ أَمْرَنَا بِصِيَاحِهَا فَكَانَ يَمْنَعُهُ قَتْلَهَا إذَا رَفَعَ عَلَيْهَا السَّيْفَ مَا يَذْكُرُ مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَوْلَا مَا يَذْكُرُهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيِ لَقَتَلَهَا فَاسْتَرَاحُوا مِنْهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُ أَجْرَى نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُمُومِهِ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ وَلَمْ يَقْصُرْهُ عَلَى الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ دُونَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ إذَا جَرَى مِنْهَا مِثْلُ هَذَا مِنْ الْإِنْذَارِ بِالصِّيَاحِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ فِي الْحِرَاسَةِ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِرَاسَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحِرَاسَةَ عَلَى الْأَسْوَارِ وَالْحُصُونِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُدَافَعَةِ وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ فِعْلُهُ كَالنَّظَرِ وَالْمُرَاعَاةِ وَلَا يُسْتَبَاحُ قَتْلُ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ وَلَكِنْ يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُمْ بِالْقِتَالِ وَالْمُدَافَعَةِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الرِّجَالُ غَالِبًا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْ حَالِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ أَمْرَهَا عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِ النِّسَاءِ فِي بُعْدِهِنَّ عَنْ الْقِتَالِ وَالْمَنَعَةِ. وَقَدْ رَوَى رَبَاحُ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: اُنْظُرْ عَلَى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ فَجَاءَ فَقَالَ: امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدَّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ لِخَالِدٍ: لَا تَقْتُلْ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ وَفِيهِنَّ مَعْنًى آخَرُ أَنَّهُنَّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ وَيُنْتَفَعُ بِهَا دُونَ مَخَافَةٍ مِنْهُنَّ فَأَمَّا إنْ قَاتَلُوا فَإِنَّهُنَّ يُقْتَلْنَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي مَنَعَتْ مِنْ قَتْلِهِنَّ عَدَمُ الْقِتَالِ مِنْهُنَّ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُنَّ وُجِدَتْ عِلَّةُ إبَاحَةِ قَتْلِهِنَّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى دَفْعِ مَضَرَّتِهِنَّ وَإِزَالَةِ مَنْعِهِنَّ الْمَوْجُودِ فِي الرِّجَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا قَاتَلْنَ بِالسِّلَاحِ وَالرُّمْحِ وَشَبَهِهِ وَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ فَهَلْ يُبِيحُ قَتْلَهُنَّ أَمْ لَا؟ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُسْتَبَاحُ بِذَلِكَ قَتْلُهُنَّ وَرَوَاهُ ابْنُ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَضَرَّةَ هَؤُلَاءِ ضَعِيفَةٌ وَغِنَاهُنَّ عَنْ قَوْمِهِنَّ قَلِيلٌ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى قَتْلِهِنَّ وَمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِهِنَّ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَرْمِيهِنَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْحِجَارَةِ وَإِنْ قُتِلْنَ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] . 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ مُقَاتَلُهُنَّ وَلَمْ يُسْتَطَعْ عَلَيْهِنَّ إلَّا بَعْدَ أَسْرِهِنَّ فَهَلْ يُقْتَلْنَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُنَّ يُقْتَلْنَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا يُقْتَلْنَ بَعْدَ الْأَسْرِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُنَّ بِالْقِتَالِ قَدْ اسْتَحْقَقْنَ الْقَتْلَ وَلَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ أَمِيرَ رَبْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَاعِ فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إنَّك سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ فَدَعْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ وَسَتَجِدُ قَوْمًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشَّعْرِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَإِنِّي مُوصِيك بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخْرِبَنَّ عَامِرًا وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُنَّ بِالْأَسْرِ كَمَا لَوْ قَتَلْنَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُنَّ مِمَّنْ يُقَرُّ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُنَّ بِالْأَسْرِ كَمَا لَمْ يُقَاتَلْنَ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ لَهُ وَالتَّشْيِيعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سُنَّةً فِي تَشْيِيعِ الْخَارِجِ إلَى الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَسُبُلِ الْبَرِّ وَأَضَافَ مَشْيَهُ إلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إمَّا لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِمُمَاشَاتِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْمُكَالَمَةِ لَهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ خُرُوجُهُ بِسَبَبِهِ فَقَالَ خَرَجَ مَعَ يَزِيدَ يُشَيِّعُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَصَدَ بِخُرُوجِهِ تَشْيِيعَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مَعًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَزَعَمُوا أَنَّ يَزِيدَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ عَلَى مَعْنَى الْإِكْرَامِ لِأَبِي بَكْرٍ وَالتَّوَاضُعِ لَهُ لِدِينِهِ وَفَضْلِهِ وَخِلَافَتِهِ لِئَلَّا تَكُونَ حَالُهُ فِي الرُّكُوبِ أَرْفَعَ مِنْ حَالِهِ فِي الْمَشْيِ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَنْتَ بِنَازِلٍ وَمَا أَنَا بِرَاكِبٍ إنِّي احْتَسَبْت خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرِيدُ أَنَّ قَصْدَهُ بِالْمَشْيِ فِي تَشْيِيعِهِمْ وَوَصِيَّتِهِمْ حِسْبَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الرِّفْقَ بِهِ وَالتَّقْوِيَةَ لَهُ لِمَا يَلْقَاهُ مِنْ نَصَبِ الْعَدُوِّ وَتَعَبِ السَّفَرِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَمُقَاوَمَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَلْقَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ مِنْ التَّقْوَى وَالتَّرَفُّهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ يَزِيدُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّك سَتَجِدُ أَقْوَامًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ فَدَعْهُمْ وَمَا زَعَمُوا إنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ يُرِيدُ الرُّهْبَانَ الَّذِينَ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَأَقْبَلُوا عَلَى مَا يَدَّعُونَ مِنْ الْعِبَادَةِ وَكَفُّوا عَنْ مُعَاوَنَةِ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ بِرَأْيٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حَرْبٍ أَوْ إخْبَارٍ بِخَبَرٍ فَهَؤُلَاءِ لَا يُقْتَلُونَ سَوَاءٌ كَانُوا فِي صَوَامِعَ أَوْ دِيَارَاتٍ أَوْ غِيرَانٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ اعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ وَعَفُّوا عَنْ مُعَاوَنَةِ أَحَدِهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا رُهْبَانُ الْكَنَائِسِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَزِلُوا أَهْلَ مِلَّتِهِمْ وَهُمْ مُدَاخِلُونَ لَهُمْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعْرَفَ سَلَامَتُهُمْ مِنْ مَعُونَتِهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُسْبَى الرُّهْبَانُ وَلَا يُخْرَجُونَ مِنْ صَوَامِعِهِمْ بَلْ يُتْرَكُونَ عَلَى حَالِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُسْبَوْنَ وَيُسْتَرَقُّونَ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَدَعْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إبْقَاءَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فَإِنْ كَانَ لِلرُّهْبَانِ أَمْوَالٌ فَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّاهِبِ لَهُ الْغَنِيمَةُ وَالزَّرْعُ فِي أَرْضِ الرُّومِ أَنَّهُ لَا يُعْرَضُ لَهُ وَذَلِكَ يَسِيرٌ وَلَا يُعْرَضُ لِبَقَرِهِ وَلَا لِغَنَمِهِ إذَا عُرِفَ أَنَّهَا لَهُ وَلِذَلِكَ وَجْهٌ يُعْرَفُ وَمَا أَدْرِي كَيْفَ يُعْرَفُ هَذَا وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَ قَلِيلًا قَدْرَ عَيْشِهِ وَأَمَّا مَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ لَهُ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّ فِي اسْتِئْصَالِ مَالِهِ قَتْلَهُ أَوْ إنْزَالَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَتَجِدُ أَقْوَامًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ يُرِيدُ حَلَقُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَعْنِي الشَّمَامِسَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَتْلَهُمْ وَلَمْ يُرِدْ ضَرْبَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ خَاصَّةً وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا ضَرْبُ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ بِالسَّيْفِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ الْأَسْرِ لَهُمْ فِي نَفْسِ الْحَرْبِ وَأَمَّا بَعْدَ أَسْرِهِمْ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ بِهِمْ وَلَا يُعْبَثُ فِي قَتْلِهِمْ وَلَكِنْ تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ صَبْرًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ فَيُعْمَلُ بِهِمْ مِثْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . 1 - (فَصْلٌ) : لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ وَالْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: طَائِفَةٌ قَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَطَائِفَةٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تُلْتَمَسُ غِرَّتُهُمْ وَيُقَاتَلُونَ دُونَ تَقْدِيمِ دَعْوَةٍ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُبَيَّتُوا غَزَوْنَاهُمْ نَحْنُ أَوْ أَقْبَلُوا إلَيْنَا غُزَاةً فِي بِلَادِنَا حَتَّى يُدْعَوْا قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا الدَّعْوَةُ سَاقِطَةٌ عَمَّنْ قَارَبَ الدَّارَ لِعِلْمِهِمْ بِمَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ شُكَّ فِي أَمْرِهِ فَخِيفَ أَنْ لَا تَبْلُغَهُ الدَّعْوَةُ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ وَأَنْزَهُ لِلْجِهَادِ يُبَلَّغُ بِك وَبِهِمْ مَا بُلِّغَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ فَحَسَنٌ أَنْ يُدْعَوْا قَبْلَ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ لَمْ يُبْتَدَءُوا بِالْقِتَالِ حَتَّى يُدْعَوْا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونِ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَلْفَ الْخُزْرِ وَالتُّرْكِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَلَا يُقَاتَلُوا حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَبَا نَائِلَةَ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فَبَيَّتُوهُمَا غَارَّيْنِ وَقَتَلُوهُمَا وَلَمْ يُقَدِّمَا دَعْوَةً حِينَ قَتَلَاهُمَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا اُحْتُجَّ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُمْ بِمَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَعَادُوا الدِّينَ وَأَهْلَهُ وَالدَّعْوَةُ لَا تُحْدِثُ لَهُمْ إلَّا تَحْذِيرًا وَإِنْذَارًا وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَطْلُبُونَ الْغِرَّاتِ وَالْعَوْرَاتِ فَيَجِبُ أَنْ يُلْتَمَسَ مِنْهُمْ وَيُؤْخَذُوا بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْفُذْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَرْبٌ لِلْمُشْرِكِينَ فَلَزِمَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِالدَّعْوَةِ كَغَيْرِ الْعَالِمِينَ لِأَنَّ تَجْدِيدَ الدَّعْوَةِ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مِنْ التَّذْكِيرِ بِاَللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الرُّومِ وَأَمَّا الْقِبْطُ فَقَدْ قَرَنَ مَالِكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّومِ فَقَالَ: لَا يُقَاتَلُوا وَلَا يُبَيَّتُوا حَتَّى يُدْعَوْا وَلَا نَرَى الدَّعْوَةَ بَلَغَتْهُمْ وَكَذَلِكَ الْفَرَازِنَةِ قَالَ الْقَاضِي وَهُمْ جِنْسٌ مِنْ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بُلُوغَ الدَّعْوَةِ غِرَّةً فِيهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَعْمَلُوا الْكَفَّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُعَاجِلُوا بِالْمُحَارَبَةِ وَلَا اسْتَعْمَلُوا طَلَبَ الْغِرَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ وَجْهُ مَضَرَّةٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ ظَاهِرِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ لِمَنْ قَدْ بَلَغَتْهُ وَجْهُ مَضَرَّةٍ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ عَلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُمْ بِمَا يَدْعُو النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَقُرْبِ الْمَسَافَةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ عُوجِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَقُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى إلَى الْإِيمَانِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ فِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَلَسْت أَعْرِفُ لِمَالِكٍ فِيهِ نَصًّا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ ثُمَّ قُتِلَ خَطَأً لَمْ تَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ فَالْكَافِرُ مِنْهُمْ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ دِيَةٌ قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّنَا مَمْنُوعُونَ مِنْ قَتْلِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فِيهِ دِيَةً لِكَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَقَتْلِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي مُوصِيك بِعَشْرِ خِلَالٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا عَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَأَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ وَلَمْ يُنْبِتْ فَإِنْ أَنْبَتَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ فَهَلْ يُقْتَلُ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: يُقْتَلُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَجْهُ الْقَوْلِ بِالْقَتْلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ مِنَّا قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ فَكُنْت فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْبَارِّي تَعَالَى وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَنْفُذُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالِاحْتِلَامِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُدْرَى وَيُمْكِنُ كِتْمَانُهُ وَادِّعَاؤُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُعَلَّقَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ يَظْهَرُ وَتُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَهُوَ الْإِنْبَاتُ عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الِاحْتِلَامِ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِكَثِيرِ مُدَّةٍ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ مُقَارِنًا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا يُرِيدُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يُطِيقُ الْقِتَالَ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي رَأْيٍ وَلَا مُدَافَعَةٍ فَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَلِلشَّافِعَيَّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَة وَالثَّانِي يُقْتَلُ هُوَ وَالرَّاهِبُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ وَلَا يُعِينُ الْعَدُوَّ بِمَنْعٍ دَائِمٍ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَالْمَرْأَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَنْ لَا يُخَافُ مِنْهُ مَضَرَّةٌ وَلَا مَعُونَةٌ بِرَأْيٍ وَلَا مَالٍ كَالرَّاهِبِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي فَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُخْشَى مَضَرَّتُهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْمَعُونَةُ بِالْحَرْبِ أَوْ الرَّأْيِ أَوْ الْمَالِ فَهَذَا إذَا أُسِرَ يَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُفَادِيَ بِهِ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِ أَوْ يَسْتَرِقَّهُ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ الذِّمَّةَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَأَمَّا الِاسْتِرْقَاقُ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي جَوَازِهِمَا وَأَمَّا الْقَتْلُ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَالَ: أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَارَى بَدْرٍ يَمُنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ تَوَاتُرُ الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ أَسَارَى بَدْرٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْرِ حَقْنٌ لِلدَّمِ وَإِنَّمَا يُحْقَنُ الدَّمُ بِعَقْدِ الْأَمَانِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمَنُّ أَوْ الْمُفَادَاةُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْمَنُّ وَلَا الْمُفَادَاةُ وَحُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُفَادَى بِمَالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُفَادَاةِ إنَّمَا هُوَ لِسَحْنُونٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الْمَنِّ وَالْمُفَادَاةِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا تَظَافَرَتْ الْأَخْبَارُ بِهِ مِنْ مُفَادَةِ أَهْلِ بَدْرٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ فَجَازَ تَرْكُهُ إلَى بَدَلٍ كَالْقِصَاصِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ بِحَسْبِ الِاجْتِهَادِ فَمَنْ عُلِمَتْ شَجَاعَتُهُ وَإِقْدَامُهُ أَوْ رَأْيُهُ وَتَدْبِيرُهُ فَالْأَوْلَى قَتْلُهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكَانَ صَانِعًا أَوْ عَسِيفًا فَالْأَفْضَلُ اسْتِبْقَاؤُهُ، وَمَنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ غَنَاؤُهُ عَنْهُمْ قَلِيلًا وَأُخِذَ عَنْهُ عِوَضٌ نَافِعٌ مِنْ مَالٍ أَوْ أَسِيرٍ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فُودِيَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخْرِبَنَّ عَامِرًا هَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْبِلَادِ مِمَّا يُرْجَى أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ شَجَرُهُ الْمُثْمِرُ وَلَا يُخْرَبُ عَامِرُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا يُرْجَى مِنْ اسْتِيلَاء الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَمَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى مَقَامُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ لِبُعْدِهِ وَتَوَغُّلِهِ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يُخْرَبُ عَامِرُهُ وَيُقْطَعُ شَجَرُهُ الْمُثْمِرُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْعَافًا لَهُمْ وَتَوْهِينًا وَإِتْلَافًا لِمَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: إنَّمَا نَهَى الصِّدِّيقُ عَنْ إخْرَابِ الشَّامِ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَصِيرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا مَا لَا يُرْجَى ظُهُورُهُمْ عَلَيْهِ فَخَرَابُ ذَلِكَ مِمَّا يَنْبَغِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ الصَّحِيحُ «وَقَدْ حَرَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ» . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَهَذَا أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَيَسْتَطِيعَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَخْرُجُوا بِهَا وَيَتَمَوَّلُوهَا فَلَا تُعْقَرُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْعَقْرِ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ فَيَقُولَ: لَا يُسْرَعُ بِذَبْحِهَا وَنَحْرِ إبِلِهَا إلَّا لِحَاجَتِهِمْ إلَى أَكْلِهَا فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ السَّرَفِ وَالْإِفْسَادِ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّمَوُّلِ وَالْإِخْرَاجِ لِلْبَيْعِ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْعَقْرِ الْحَبْسَ لِمَا شَرَدَ مِنْهَا بِالْعَقْرِ الَّذِي يَحْبِسُ مَا نَدَّ وَشَرَدَ وَلَا تَبْلُغُ مَبْلَغَ الْقَتْلِ فَيَقُولُ مَا شَرَدَ عَلَيْكُمْ فَلَا يُمْكِنُكُمْ رُكُوبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فَلَا تَرْمُوهُ وَلَا تَعْقِرُوهُ وَلْيَكُنْ فِي جُمْلَةِ مَا يُسَاقُ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا تَعْقِرُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا لِحَاجَتِكُمْ إلَى أَكْلِهِ فَاحْبِسُوهُ بِالْعَقْرِ ثُمَّ ذَكُّوهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ بِالنَّحْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مَا يَعْجِزُ الْمُسْلِمُونَ عَنْ إخْرَاجِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُعْقَرُ وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْقَرَ غَنَمُهُمْ وَبَقَرُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ فِي تَرْكِ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِلْعَدُوِّ وَفِي إتْلَافِهِ إضْعَافًا لَهُمْ فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَأْكُلُ الْمِيتَةَ فَالصَّوَابُ أَنْ تُحْرَقَ بَعْدَ الْعَقْرِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِيَبْطُلَ انْتِفَاعُهُمْ بِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ وَحَمَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَلَى عُمُومِهِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا دَوَابُّهُمْ وَخَيْلُهُمْ وَبِغَالُهُمْ وَحُمُرُهُمْ فَإِنَّهَا تُعْقَرُ إذَا عُجِزَ عَنْ إخْرَاجِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُنَا غَيْرَ ابْنِ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ عَقْرُهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَكِنْ تُخَلَّى وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: إنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ بَاقِيَةٌ يَتَقَوَّى بِهَا الْعَدُوُّ فَجَازَ إتْلَافُهَا عَلَيْهِمْ كَالزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالشَّجَرِ الْمُثْمِرِ. 1 - (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ الْعَقْرِ فَقَالَ الْمِصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: تُعَرْقَبُ وَتُذْبَحُ أَوْ يُجْهَزُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُجْهَزُ عَلَيْهَا وَكَرِهُوا أَنْ تُذْبَحَ أَوْ تُعَرْقَبَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِهِ أَقُولُ لِأَنَّ الذَّبْحَ مَثُلَةٌ وَالْعَرْقَبَةَ تَعْذِيبٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَمْ يُكْرَهْ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى إبَاحَةِ أَكْلِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا: يُضْرَبُ عُنُقُهُ وَتُبْقَرُ بَطْنُهُ فَأَمَّا الْعَرْقَبَةُ فَإِنَّهُ تَعْذِيبٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَالصَّوَابُ الْإِجْهَازُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ يَمْنَعُ أَكْلَهُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَوَجْهُ مَا حَكَاهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ رُبَّمَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ وَكَذَلِكَ مَا وُقِفَ مِنْ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ الْعَدُوِّ فَحُكْمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي خَيْلِ الْعَدُوِّ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْوَالِ مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أُحْرِقَ وَلَمْ يُتْرَكْ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ يُرِيدُ ذُبَابَ النَّحْلِ لَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ وَلَا يُغْرَقُ فِي مَاءٍ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يُحْرَقُ وَيُغْرَقُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إتْلَافِهَا إلَّا بِذَلِكَ وَإِتْلَافُهَا مَأْمُورٌ بِهِ لِأَنَّهَا مِمَّا يَقْوَى بِهِ الْعَدُوُّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إتْلَافُهَا إلَّا بِالنَّارِ تُوُصِّلَ إلَيْهِ بِهَا كَالْفَارِّينَ مِنْ الْعَدُوِّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةٍ مِنْ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ إنْ قَرَصَتْك نَمْلَةٌ أَحْرَقْت أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ» وَهَذَا مَا لَمْ تَدْعُ إلَى ذَلِكَ حَاجَةُ أَكْلٍ فَإِنْ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِك وَسَرَايَاك إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْك» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهَا إلَّا بِتَحْرِيقِهَا أَوْ تَغْرِيقِهَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَا يُتَنَاوَلُ مَا فِي جِبَاحِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ الْغُلُولُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيمَةِ بَعْضُ الْغَانِمِينَ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُبْنُ الْجَزَعُ وَالْفِرَارُ عَمَّنْ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَمْ يَكُنْ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ كَبِيرَةً إلَّا يَوْمَ بَدْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] الْآيَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَاعَى فِي جَوَازِ الْفِرَارِ عَنْ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْعَدَدُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْجَلَدُ وَهُوَ السِّلَاحُ وَالْقُوَّةُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] الْآيَةُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] . (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا أُمِنَ أَنْ يَكْثُرُوا فَأَمَّا فِي بِلَادِهِمْ وَحَيْثُ يُخَافُ تَكَاثُرُهُمْ فَإِنَّ لِلْعَدُوِّ الْيَسِيرِ أَنْ يُوَلُّوا عَنْ مِثْلِهِمْ لِأَنَّ فِرَارَهُمْ لَيْسَ عَنْ الْعَدَدِ الْيَسِيرِ وَإِنَّمَا هُوَ مَخَافَةَ أَنْ يَكْثُرُوا وَكَذَلِكَ إنْ فَرَّ عَدَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْلِهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ إذَا انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَيَئِسَ مِنْهُمْ أَنْ يُوَلِّيَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَوَلِّيَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ جَمَاعَةِ الْعَدُوِّ وَانْحِيَازًا إلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَيَئِسَ مِنْ رَجْعَتِهِمْ انْحَازَ فِي آخِرِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً السَّرِيَّةُ مَنْ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَخْفِيًا وَالْجَيْشُ مَنْ يَدْخُلُ مُعْلِنًا وَظَاهِرًا مُغَالِبًا وَلَيْسَ لِعَدَدِهِمَا حَدٌّ. وَقَدْ رُوِيَ خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَالطَّلَائِعُ أَرْبَعُونَ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ وَلَا تَبْيِيتٍ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ عَلَى مَعْنَى تَبْيِينِ مَا يُفَارِقُهُمْ عَلَيْهِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِتَحْقِيقِ النِّيَّةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَمَلِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغُلُّوا يُرِيدُ الْغُلُولَ وَسَيَرِدُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَغْدِرُوا وَالْغَدْرُ هُوَ نَقْضُ الْعَهْدِ وَتَرْكُ الْوَفَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ وَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِغَدْرَتِهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَالتَّأْمِينُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُؤْمَنَ الْعَدُوُّ بِحَيْثُ الْقُوَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ الْغَدْرُ بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنْ يُؤْمِنَهُمْ الْأَسِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ ابْتِدَاءً أَوْ يُطْلِقُوهُ مِنْ الثِّقَافِ بِشَرْطِ ذَلِكَ وَيَتَنَاوَلُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُؤْمِنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالثَّانِي أَنْ يُؤْمِنَهُمْ مِنْ فِرَارِهِ وَأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ أَمِنَهُمْ مِنْ فِرَارِهِ لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَهُ أَنْ يَفِرَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا عَاهَدَكُمْ مُخْتَارًا لِلْعَهْدِ وَأَمَّا إنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيَجُوزُ لَهُ الْفِرَارُ. 1 -

[ما جاء في الوفاء بالأمان]

مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى عَامِلِ جَيْشٍ كَانَ بَعَثَهُ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ حَتَّى إذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ قَالَ رَجُلٌ مطرس يَقُولُ: لَا تَخَفْ فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ وَإِنِّي وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُمَثِّلُوا يُرِيدُ الْعَيْثَ فِي قَتْلِهِمْ بِقَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَفَقْءِ الْعَيْنِ وَقَطْعِ الْآذَانِ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ بِضَرْبِ الرِّقَابِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا رِعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَاقُوا نَعَمَهُ فَأَمَرَ بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ» فَإِنَّهُ رَوَى سَلْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا فَعَلُوا بِالرِّعَاءِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ مَنْ مَثَّلَ بِمُسْلِمٍ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْقِصَاصِ وَالْمُقَارَضَةِ عَلَى فِعْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي قَتْلِهِمْ بَعْدَ الِاسْتِيثَاقِ مِنْهُمْ فَأَمَّا فِي الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَضْعُفَ الْمُشْرِكُ عَنْ الْمُحَارَبَةِ وَيَسْتَسْلِمَ فَهَذَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بِالطَّعْنِ وَالضَّرْبِ دُونَ التَّمْثِيلِ وَلَا التَّعْذِيبِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُقَاتِلًا وَمُدَافِعًا فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَصَّلَ إلَى إذَايَتِهِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ بِمَا فِيهِ تَمْثِيلٌ وَغَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقُلْ ذَلِكَ لِجُيُوشِك وَسَرَايَاك إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا خَصَّ الْأَمِيرَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهَا مَنْ يُنْفِذُهُ مِنْ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطَاعُ أَمْرُهُ فَإِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ يُنْفِذُهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَا جَاءَ فِي الْوَفَاءِ بِالْأَمَانِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ بَلَغَنِي إنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ يُرِيدُ يَفِرُّ أَمَامَهُمْ فَيَتْبَعُونَهُ حَتَّى إذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ يُرِيدُ صَارَ فِي سَنَدِهِ وَامْتَنَعَ فِيهِ مِمَّنْ طَلَبَهُ قَالَ لَهُ: مطرس وَهَذِهِ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّةٌ تَقُولُ الْفُرْسُ مطرس أَيْ لَا تَخَفْ فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ فَأَنْكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتْلَهُ بَعْدَ أَنْ أُمِّنَ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِمَا عُقِدَ مِنْ التَّأْمِينِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يُوَفَّى بِالْعَهْدِ فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] وَفِي التَّأْمِينِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّأْمِينِ الْبَابُ الثَّانِي فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُؤَمِّنِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ التَّأْمِينُ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي مُقْتَضَى التَّأْمِينِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّأْمِينِ) التَّأْمِينُ لَازِمٌ بِكُلِّ لِسَانٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ سَوَاءٌ فَهِمَهُ الْمُؤَمَّنُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بِأَحَدِ الْجَنْبَتَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُؤَمِّنُ التَّأْمِينَ وَلَمْ يَفْهَمْهُ الْحَرْبِيُّ فَقَدْ لَزِمَ الْأَمَانُ وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمُؤَمِّنُ مَنْعَ الْأَمَانِ فَظَنَّ الْحَرْبِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْمِينَ فَقَدْ لَزِمَ مِنْ الْأَمَانِ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ بِذَلِكَ الِاسْتِسْلَامِ وَحُكْمُ الْإِشَارَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْعِبَارَةِ وَالْكِنَايَةِ لِأَنَّ التَّأْمِينَ إنَّمَا هُوَ مَعْنًى فِي النَّفْسِ فَيُظْهِرُهُ تَارَةً بِالنُّطْقِ وَتَارَةً بِالْكِنَايَةِ وَتَارَةً بِالْإِشَارَةِ فَكُلُّ مَا بُيِّنَ بِهِ التَّأْمِينُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ كَالْكَلَامِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ فِي الْجِهَادُ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ) التَّأْمِينُ لَازِمٌ مَا لَمْ يَكُنْ الْحَرْبِيُّ مَأْسُورًا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَأْسُورِ مِمَّنْ تُيُقِّنَتْ غَلَبَتُهُ وَظَهَرَ الظَّفَرُ بِهِ فَأَمَّا الْمَأْسُورُ فَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ الِافْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ اسْتِرْقَاقُهُ وَلَا عَقْدُ الذِّمَّةِ لَهُ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ تَأْمِينُهُ وَالْمَنُّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَشْرَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَخْذِ حِصْنٍ وَتُيُقِّنَ أَخْذُهُ فَأَمَّنَ أَهْلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ لِلْإِمَامِ رَدُّ تَأْمِينِهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِمْ فَلَيْسَ لِهَذَا

[وفي التأمين خمسة أبواب]

[وَفِي التَّأْمِينِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّأْمِينِ فِي الْجِهَادُ] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤَمِّنِ إبْطَالُهُ، وَلَوْ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِمَنْعِ التَّأْمِينِ ثُمَّ تَعَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّنَ أَحَدًا كَانَ لِلْإِمَامِ رَدُّ تَأْمِينِهِ وَرَدُّ الْحَرْبِيِّ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَنْعَ الْإِمَامِ وَإِنْ عَلِمُوا. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُؤَمِّنِ فِي الْجِهَادُ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُؤَمِّنِ) . الْمُؤَمِّنُونَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: آمِنٌ وَخَائِفٌ فَأَمَّا الْآمِنُ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ صِفَاتُ الْأَمَانِ وَهِيَ خَمْسَةٌ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ جَازَ تَأْمِينُهُ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنْ عَدِمَ بَعْضَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ: لَا يَلْزَمُ غَيْرُ تَأْمِينِ الْإِمَامِ فَإِنْ أَمَّنَ غَيْرَهُ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَل مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ يَعْقِلُ الْأَمَانَ فَجَازَ أَمَانُهُ كَالْإِمَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَمَانِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَاعَاتِهَا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا لِمَالِكٍ وَلَكِنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِلُزُومِ أَمَانِ الْعَبْدِ وَنَرَاهُ قِيَاسَ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى لُزُومِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لُزُومَ أَمَانِ الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَخْرَجَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ رِوَايَةَ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ جَازَ أَمَانُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ أَمَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ إجَازَةِ أَمَانِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَالْعَبِيدُ مِنْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَ أَمَانُهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ لَزِمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ كَالْأَجِيرِ وَالْمَرْأَةِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ مَعْنٍ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ تَأْمِينُهُ كَالطِّفْلِ وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ تَأْمِينُ الصَّبِيِّ إذَا عَقَلَ الْأَمَانَ وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ فِي الْمُقَاتَلَةِ جَازَ تَأْمِينُهُ وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُ أَمَانُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ يَعْقِلُ الْأَمَانَ فَجَازَ تَأْمِينُهُ كَالْبَالِغِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي لُزُومِ الْأَمَانِ وَصِحَّتِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ لَا يُعْتَبَرُ بِأَقْوَالِهِ وَلَا تَصِحُّ مَقَاصِدُهُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الِاعْتِبَارُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ فَخَصَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ) قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ شَاهِدَيْنِ وَأَمَّا بِقَوْلِ الْمُؤَمِّنِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ التَّأْمِينُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمُؤَمِّنِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْبَغُ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ التَّأْمِينَ فِعْلُ الْمُؤَمِّنِ وَإِلْزَامُ سَائِرِ الْمُؤَمِّنِينَ تَأْمِينَهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا شَخْصٌ يَصِحُّ أَمَانُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُهُ كَالْإِمَامِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مُقْتَضَى التَّأْمِينِ] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مُقْتَضَى التَّأْمِينِ) أَمَّا التَّأْمِينُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّأْمِينُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا مَخَافَةَ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَحْدُثَ وَالثَّانِي تَأْمِينٌ مُتَرَقَّبٌ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ أَنْ يُؤَمِّنَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ وَالْجَمَاعَةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ تَأْمِينًا مُطْلَقًا فَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ آمِنًا مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ فَإِنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى حَيْثُ شَاءَ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَوْضِعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَهَذَا

[العمل فيمن أعطى شيئا في سبيل الله]

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ أَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا تَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إلَيْهِ بِالْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ) . الْعَمَلُ فِيمَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنُك بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُ مَنْ أَمَّنَهُ الْمُسْلِمُ الْجَائِزُ الْأَمَانُ وَأَمَّا التَّأْمِينُ الْمُتَرَقَّبُ فَأَنْ يَنْظُرَ فِيهِ الْإِمَامُ فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَرَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ التَّأْمِينَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَيْشِ قَتْلُ الْمُؤَمَّنِ وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي حَالِهِ فَإِنْ رَأَى التَّأْمِينَ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَعَلَّ هَذَا أَنْ يَكُونَ تَجَوُّزًا مِمَّنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُرَدَّ إلَى مِثْلِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّأْمِينِ وَلَوْ لَزِمَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ لَكَانَ أَمَانًا تَامًّا فَهَذَا عِنْدَ سَحْنُونٍ هُوَ التَّأْمِينُ الصَّحِيحُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى هَذَا رَدَّ الْأَمَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَعْلَمُ مَكَانَ أَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْتَأْمَنِ. وَقَدْ قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَأْمَنًا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا إفْهَامٌ بِالْأَمَانِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْجُيُوشِ أَنْ لَا يَقْتُلُوا مَنْ أَشَارُوا إلَيْهِ بِالْأَمَانِ وَالْإِشَارَةُ بِالْأَمَانِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشِيرَ إلَى مُمْتَنِعٍ بِالْأَمَانِ فَهَذَا يَكُونُ آمِنًا يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ وَالثَّانِي أَنْ يُؤَمِّنَ أَسِيرًا بَعْدَ أَنْ يَأْسِرَهُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ قَتْلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْإِمَامَ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ النَّظَرِ لِلْإِمَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَا خَتَرَ قَوْمٌ الْعَهْدَ يُرِيدُ نَقَضُوهُ وَلَمْ يَفُوا بِهِ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَتُهُمْ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَآثِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَمَلُ فِيمَنْ أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرِيدُ أَخْرَجَ فِيهِ نَفَقَةً أَوْ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ يُرِيدُ الَّذِي يَدْفَعُ إلَيْهِ ذَلِكَ إذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى يُرِيدُ أَنَّ هَذَا نِهَايَةٌ فِي سَفَرِهِ وَمُقْتَضَى غَزْوِهِ فِي رُجُوعِهِ غَازِيًا مِنْ الشَّامِ وَقَوْلُهُ فَشَأْنُك بِهِ يَعْنِي هُوَ لَك وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: حُكْمُ مَحَلِّ الْعَطِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فَأَمَّا حُكْمُ مَحَلِّ الْعَطِيَّةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْإِطْلَاقُ وَالثَّانِي التَّعْيِينُ فَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مَا لِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ مُنْصَرِفَهُ إلَى الْغُزَاةِ وَمَنْ فِي مَوْضِعِ الْجِهَادِ لِأَنَّ إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَظَاهِرِهَا يَقْتَضِي الْجِهَادَ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا جِهَادَ فِيهِ وَلَا غَزْوَ فَلَا يُعْطَى مِنْهُ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُهُ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ سَحْنُونٌ: وَيُعْطَى مِنْهُ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُعْطَى مِنْهُ مَنْ تَعَطَّلَ عَنْ الْعَمَلِ كَالْمَفْلُوجِ وَالْأَعْمَى وَيُعْطَى مِنْهُ الْمَرِيضُ وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ عُمَّارِ الثُّغُورِ وَفِي بَقَائِهِمْ هُنَاكَ تَكْثِيرٌ لِلْعَدُوِّ وَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَانُوا مُسْتَحِقِّينَ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ لَا يُرْجَى مِنْهُمْ عَوْنٌ عَلَى الْحَرْبِ فَلَا يُعْطُونَ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ إنَّمَا أُخْرِجَ لِلْعَوْنِ عَلَى الْحَرْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْعَلَ الْعَطِيَّةَ فِي السَّبِيلِ خَاصَّةً فَهَذَا لَيْسَ لِمَنْ أُعْطِيَهَا تَمَوُّلُهَا وَلَا إنْفَاقُهَا فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُ عُدُولٌ بِالْعَطِيَّةِ عَنْ وَجْهِهَا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا فِي الْقُفُولِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُنْفِقُ مِنْهَا فِي الْقُفُولِ وَقَالَ مَالِكٌ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَبَلَغَ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ فَتَجَهَّزَ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُكَابِرَهُمَا وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى عَامٍ آخَرَ فَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِدُ مِثْلَ جِهَازِهِ إذَا خَرَجَ فَلْيَصْنَعْ بِجِهَازِهِ مَا شَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْقُفُولِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْقُفُولَ مِنْ الْغَزْوِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ مِنْهُ كَالْمَسِيرِ إلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ عَيَّنَهُ لِلْغَزْوِ وَالْعَوْنِ عَلَى الْعَدُوِّ وَلَيْسَ الْقُفُولُ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَمَنْ فَضَلَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَهَابِهِ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ قُفُولِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ يُعْطِيَهُ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْتِلُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: هَذَا لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهَذَا يَلْزَمُ الْمُعْطِيَ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ فِي السَّبِيلِ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ تَخْرُجُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهِ وَبِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ إذَا بَلَغَ وَادِيَ الْقُرَى يُرِيدُ بَعْدَ قَضَاءِ الْغَزْوِ بِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَبَلَغَ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ) . (ش) : قَوْلُهُ إذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ وَيُرِيدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَبْتِيلِهِ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْغَزْوِ بِهِ وَقَوْلُهُ فَبَلَغَ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاهُ يُرِيدُ نِهَايَةَ الْغَزْوِ فِي الْقُفُولِ وَمَوْضِعَ تَفَرُّقِ أَهْلِ الْجَيْشِ إلَى مَوَاضِعِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَهَكَذَا كَانَتْ وَادِي الْقُرَى رَأْسَ الْمَغْزَى فِي الْغَزْوِ إلَى الشَّامِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهُ وَكُلَّ مَا لَزِمَهُ لِمُعْطًى فِيهِ مِنْ الْغَزْوِ بِهِ فَلْيَفْعَلْ بِهِ الْمُعْطَى مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ فَتَجَهَّزَ لَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلْيُؤَخِّرْ غَزْوَهُ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِهَادَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مُؤْمِنَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ قَالَهُ سَحْنُونٌ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَلَكَ أَبَوَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ طَاعَةَ أَبَوَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَالْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ آكَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْجِهَادُ وَهُوَ يَتَعَيَّنُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ وَالثَّانِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَدُوِّ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ، فَأَمَّا إنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ أَبَوَيْهِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِنَذْرٍ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ حَقُّ أَبَوَيْهِ فَإِذَا كَانَ آكَدَ مِنْ حَقِّ أَبَوَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ يُرِيدُ أَنْ هَذَا الْأَفْضَلُ لَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ قَدْ نَوَى بِهِ الْبِرَّ وَسَبَّبَهُ لِلْغَزْوِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْسَكَهُ كَذَلِكَ فَمَاتَ قَبْلَ الْغَزْوِ بِهِ فَإِنَّهُ مِيرَاثٌ سَوَاءٌ أَمْسَكَهُ عِنْدَهُ أَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَصَدَقَةٍ نَذَرَهَا وَلَمْ يُنْفِذْهَا، فَإِنْ أَشْهَدَ بِإِنْفَاذِهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشْهِدَ بِإِنْفَاذِهَا إنْ مَاتَ فَهَذِهِ تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَالثَّانِي أَنْ يُشْهِدَ بِإِنْفَاذِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذِهِ تَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جِهَازُهُ ذَلِكَ مِمَّا يَفْسُدُ وَيَتَغَيَّرُ كَالْأَزْوَادِ وَالْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ.

[جامع النفل في الغزو]

جَامِعُ النَّفْلِ فِي الْغَزْوِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ فِي الْغَزْوِ إذَا قَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ يَعْدِلُونَ الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَنَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ إذَا تَيَسَّرَ غَزْوُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا اعْتَقَدَ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْهُ مِثْلَهُ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ. [جَامِعُ النَّفْلِ فِي الْغَزْوِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ يُرِيدُ مَبْلَغَ سُهْمَانِهِمْ الْوَاقِعَةِ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا شَكَّ فِي ذَلِكَ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَكَّ هَلْ سُهْمَانُهُمْ كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَالثَّانِي أَنَّهُ شَكَّ هَلْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ وَنُفِلُوا بَعِيرًا زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ وَبَلَغَتْ بِالنَّافِلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا غَيْرَ أَنَّهُ يَعُودُ مِنْ جِهَةِ هَذَا الْعَدَدِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ وَنُفِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ بَعِيرًا بَعِيرًا يُرِيدُ أُعْطُوهُ زَائِدًا عَلَى مَا وَجَبَ لَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا حَصَلَ لَهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ غَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سِهَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَتْ هَذَا الْعَدَدَ وَالنَّافِلَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَطِيَّةُ التَّطَوُّعِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَطَاءِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَلَ فِي الْخُمُسِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمْ فِي النَّفْلِ فَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا فَلَوْ كَانَ النَّفَلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ الَّتِي لَهُمْ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ لَوْ لَمْ يُنَفِّلُوهُ وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْفِعْلُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ جُمْلَةِ اللَّغْوِ وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَفْعَلُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ثَبَتَ أَنَّهُ قَسَّمَ عَلَيْهِمْ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ ثُمَّ نَفَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا بَعِيرًا بَعِيرًا وَلَا سَهْمَ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ يُنْفَلُوا مِنْهُ غَيْرَ الْخُمُسِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّفَلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ النَّاسُ إذَا قَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي مَوْضِعِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ وَالثَّانِي فِي مَنْ يَقْسِمُهَا وَالثَّالِثُ فِيمَا يُقْسَمُ مِنْهَا وَالرَّابِعُ فِي مَنْ يُسْهَمُ لَهُ مِنْهَا وَالْخَامِسُ فِي صِفَةِ قِسْمَتِهَا. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِ قِسْمَتِهَا هُوَ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةً أَوْ عُدِمَ قُوتٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا مِنْ الْمَقَامِ بِسَبَبِ التَّقَاسُمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْسَمُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ الْجَيْشُ إلَى ثِيَابٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَيَبْقَى الْبَاقِي يُقْسَمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ قَسَمَ الْجَمِيعَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَضَى الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَلَا يُنْقَضْ وَالدَّلِيل عَلَى مَا نَقُولهُ مَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْسِمْ غَنِيمَةً قَطُّ إلَّا فِي دَارِ الشِّرْكِ فَمِنْهَا غَنِيمَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَسَّمَهَا عَلَى مِيَاهِهِمْ وَقَسَّمَ غَنِيمَةَ هَوَازِنَ فِي دَارِهِمْ وَقَسَّمَ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ بِخَيْبَرَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ» ثُمَّ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْخُلَفَاءِ كُلِّهِمْ وَجُيُوشِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مَا قَسَمُوا غَنِيمَةً قَطُّ إلَّا حَيْثُ غَنِمُوهَا وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي مِيَاهِهِمْ وَهَوَازِنَ فِي دَارِهِمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارَ إسْلَامٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا إلَيْهِمْ» فَعَلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) . فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا

[الباب الثاني والثالث في بيان من إليه قسمة الغنيمة وبيان ما يقسم منها وتمييزه مما لا يقسم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْلِمِينَ وَقْتَ الْغَنِيمَةِ وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ مَا قَسَّمَ غَنَائِمَهُمْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَسْلَمُوا سَنَةَ عَشْرٍ وَفِي سَنَةِ عَشْرٍ بَعَثَ إلَيْهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَكَان جَازَتْ فِيهِ قِسْمَةُ الثِّيَابِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَةُ سَائِرِ الْغَنَائِمِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَانِمُ جَيْشًا فَإِنْ كَانَ سَرِيَّةً مِنْ الْجَيْشِ فَلَا يُقْسَمُ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْجَيْشِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يُخْشَى مِنْ ذَلِكَ فِي السَّرِيَّةِ مَضَرَّةٌ مِنْ تَضْيِيعِ مُبَادَرَةِ الِانْصِرَافِ وَطَرْحِ أَثْقَالٍ وَقِلَّةِ طَاعَةِ وَالِيَ السَّرِيَّةِ فَتُبَاعُ الْغَنِيمَةُ وَيَلْزَمُ كُلَّ مُبْتَاعٍ حِفْظُ مَا ابْتَاعَهُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعَ مَنْ غَابَ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ. فَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْجَيْشِ لِأَنَّ أَنْصِبَاءَهُمْ فِي غَنِيمَةِ السَّرِيَّةِ وَوَالِيَ السَّرِيَّةِ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ الْجَيْشِ حُكْمُهُ فَيَقْسِمُ عَلَيْهِمْ وَيَبِيعُ مَا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ أَمِيرِهِمْ. [الْبَابُ الثَّانِي وَالثَّالِث فِي بَيَانِ مَنْ إلَيْهِ قِسْمَةُ الْغَنِيمَة وَبَيَان مَا يُقْسَمُ مِنْهَا وَتَمْيِيزِهِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ إلَيْهِ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ) . (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يُقْسَمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَمْيِيزِهِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا مُبَاحًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَيْشِ أَخْذُهُ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِبْدَادُ بِهِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا فِي الْأَصْلِ وَلَكِنَّهُ يُبَاحُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْغِذَاءِ وَالْقُوَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالثَّانِي مَا كَانَ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْدُ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُتْرَكُ أَكْثَرُهُ وَيُتَمَوَّلُ جَمِيعُ مَا يُوجَدُ مِنْهُ لِنَفَاسَتِهِ كَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ وَالْعَنْبَرِ فَإِنَّ هَذَا قِيَاسُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ فِي كُلِّهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْجَيْشِ بَعْضُهُ وَيُتْرَكَ أَكْثَرُهُ كَالصَّيْدِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ يُسْتَحَبُّ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ سَرْجٍ أَوْ رُخَامَةٍ أَوْ مِسَنٍّ أَوْ نُشَّابٍ أَوْ قَتَبٍ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ لَهُ قِيمَةٌ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ لِخِفَّةِ حَمْلِهِ وَكَثْرَةِ قِيمَتِهِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ قِيمَةً كَثِيرَةً بِمَوْضِعِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا كَسَائِرِ مَا يُقْسَمُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِ الْعَدُوِّ إلَّا الْقِيمَةُ الْيَسِيرَةُ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَشْجَارٌ لَهَا ثَمَنٌ كَثِيرٌ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ وَحِمْلُهَا خَفِيفٌ وَشَأْنُهَا بِبِلَادِ الْعَدُوِّ يَسِيرٌ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِ هَذَا وَإِنَّهُ أَخَذَهُ لِلْبَيْعِ وَلَوْ جَاءَ بِهِ إلَى صَاحِبِ الْمَقَاسِمِ لَمْ يَقْبَلْهُ وَلَمْ يَقْسِمْهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ حِيتَانٍ أَوْ صَيْدٍ فَمَا أَكَلَ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ وَمَا بَاعَهُ كَانَ ثَمَنُهُ فَيْئًا وَكَذَلِكَ مَا حَمَلَ إلَى أَهْلِهِ فَبَاعَهُ إلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي يَفْضُلُ عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ أَنَّ مَا عُمِلَ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ مِنْ سَرْجٍ وَقَتَبٍ وَعِصِيِّ رِمَاحٍ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ يَسِيرٌ كَانَ لَهُ وَأَمَّا مَا كَثُرَ مِمَّا يَقْصِدُ بِهِ التَّمَوُّلَ فَهُوَ فَيْءٌ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مُبَاحُ الْأَصْلِ لَا قِيمَةَ لَهُ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا مُعْظَمُ ثَمَنِهِ الصِّنَاعَةُ وَهِيَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهَا أَوْ الْحِمْلُ وَهُوَ مِلْكٌ لِحَامِلِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ فَيْئًا كَمَا لَوْ أَدْخَلَ مَعَهُ عُودًا أَوْ حَجَرًا فَنَحَتَهُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ لَكَانَ لَهُ دُونَ جَمِيعِ الْجَيْشِ وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مِمَّا وُصِلَ إلَيْهِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ دُونَهُمْ إلَّا سَائِرُ الْغَنَائِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْأَصْلِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ الِاسْتِبْدَادُ بِهِ كَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ فَهُوَ فَيْءٌ كُلُّهُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مَا أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ وَنَقْلُهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَتَرَكَهُ الْإِمَامُ أَوْ أَرَادَ إحْرَاقَهُ فَأَتَى مَنْ أَخَذَهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ لَهُ دُونَ الْجَيْشِ وَلَا خُمُسَ فِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَيْسَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَهُوَ كَرَجُلٍ مِنْ الْجَيْشِ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ طَرْحَ الْإِمَامِ لَهُ حُكْمٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِ الْجَيْشِ عَنْهُ وَقَطْعًا لِحَقِّهِمْ مِنْهُ وَانْتِفَاعُ الْحَامِلِ لَهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ وَلَوْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ لَأَدَّى ذَلِكَ

[الباب الأول في موضع قسمة الغنيمة]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِ قِسْمَة الْغَنِيمَةُ] (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ الْقِتَالَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَكَانَ حُرًّا فَلَهُ سَهْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا سَهْمَ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنْ يَتْرُكَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ أَهْلَ الْجَيْشِ قَدْ مَلَكُوهُ بِالْغَنِيمَةِ فَلَا يَزُولُ مُلْكُهُمْ عَنْهُ بِالْعَجْزِ عَنْ حِمْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَالْخَامِسُ فِي بَيَانِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي بَيَانِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ) . قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: رَأَى الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ فِي أَنْ يَقْسِمَهَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ بِالسَّوِيَّةِ بِأَنْ يَجْعَلَهَا خَمْسَةَ أَنْصِبَاءٍ فِي كُلِّ سَهْمٍ صِنْفٌ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْإِبِلُ حَتَّى تَعْدِلَ ثُمَّ يُسْهِمَ بَيْنَهَا وَيَكْتُبُ فِي سَهْمٍ مِنْهَا الْخُمُسُ لِلَّهِ أَوْ لِرَسُولِ اللَّهِ فَحَيْثُ خَرَجَ ذَلِكَ السَّهْمُ كَانَ الْخُمُسُ وَكَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِلْجَيْشِ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يُقْسِمَ الْأَثْمَانَ فَذَلِكَ لَهُ وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ بَيْعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُقْسِمُ الْأَثْمَانَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ قَسَمَ الْعُرُوضَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ بِالْقُرْعَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسْمُهُ ذَلِكَ دُونَ بَيْعٍ وَعَلَى ذَلِكَ وَرَدَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي تَوَجَّهَتْ قِبَلَ نَجْدٍ فَبَلَغَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا إلَّا أَنَّهُ تَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ بِعُذْرٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَانَ النَّاسُ إذَا اقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ يَعْدِلُونَ الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ فِعْلِ الصَّحَابَةِ لَهُ وَلَا يُعْلَمُ مُخَالِفٌ فِيهِ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِمْ إلَّا لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ إلَى ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانُوا إذَا اقْتَسَمُوا غَنَائِمَهُمْ يَعْدِلُونَ الْبَعِيرَ بِعَشْرِ شِيَاهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمئِذٍ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ الْإِمَامُ إذَا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُ الْغَنِيمَةِ وَاخْتَارَ الْقِسْمَةَ وَاحْتَاجَ إلَيْهَا أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهَا بِالْقِيمَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْأَجِيرَ لَا سَهْمَ لَهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عِوَضًا عَلَى دُخُولِهِ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ مِمَّنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ غَنِيمَةً لِأَنَّ ذَلِكَ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ كَالْعَبْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ الْقِتَالَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمُقَاتِلَةِ لَا أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَةِ الْجَيْشِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمُعْتَرَكِ مَوْضِعِ الْقِتَالِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاتِلِينَ اسْتَحَقَّ حِصَّةً مِنْ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَمْ يَأْخُذْ لَهُ عِوَضًا وَلَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَاسْتَحَقَّ بِهِ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ مَا اشْتَغَلَ عَنْهُ مِنْ الْخِدْمَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: فَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ وَإِنْ قَاتَلَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ مَعَ الْحُضُورِ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ قَاتَلَ كَالْعَبْدِ وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلْجِهَادِ وَالْقِتَالِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الظُّهُورِ عَلَى الْعَدُوِّ فَمَنْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يُظْهِرْ غَرَضًا غَيْرَهُ وَلَا مَقْصِدًا سِوَاهُ كَانَ وُقُوفُهُ فِي الْجَيْشِ وَمَقَامُهُ فِي الْعَسْكَرِ يَقُومُ مَقَامَ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لِغَيْرِهِ فَإِمَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَوْ يَحْفَظَ الْمُقَاتِلَ أَوْ يُكْثِرَ السَّوَادَ وَمَنْ أَظْهَرَ غَرَضًا غَيْرَهُ فِي تِجَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ فَلَا حَقَّ لَهُ لِأَنَّ حُضُورَهُ لَمْ يَكُنْ مَعُونَةً وَلَا جِهَادًا فَإِنْ قَاتَلَ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ وَلَيْسَ اكْتِسَابُهُ فِي طَرِيقِهِ وَانْتِفَاعُهُ بِعَمَلِهِ مِمَّا يُبْطِلُ جِهَادَهُ إذَا وَجَدَ مَقْصُودَهُ مِنْهُ كَالْحَاجِّ يَتَّجِرُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ وَهِيَ سِتُّ صِفَاتٍ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالصِّحَّةُ فَأَمَّا الْعَقْلُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْهُ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الْقِتَالُ أُسْهِمَ لَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ يَصِحُّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مُطْبَقًا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِتَالُ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَهُوَ شَرْطٌ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ لَا يُقَاتِلُ جِهَادًا وَلَيْسَ حُضُورُهُ بِجِهَادٍ وَلَا نُصْرَةٍ لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّ مَعْنَى الْجِهَادِ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالْمُشْرِكُ لَا يُقَاتِلُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ مِمَّنْ يَلْزَمُ أَنْ يُقَاتَلَ عَنْهُ وَتُمْنَعُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي الْحَرْبِ وَإِنْ اُسْتُعِينَ بِهِ فِي الْأَعْمَالِ وَالصَّنَائِعِ وَالْخِدْمَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَ بِكَذَا وَكَذَا لَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ شَدِيدًا فَفَرِحُوا بِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْت لِأَكُونَ مَعَك وَأُصِيبَ قَالَ: إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَسْلَمَ فِي الرَّابِعَةِ فَانْطَلَقَ مَعَهُ» فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَهَلْ يَكُونُ شَرْطًا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْبُلُوغُ شَرْطًا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ وَيُسْهَمُ لِلْمُرَاهِقِ إذَا أَطَاقَ الْقِتَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُسْهَمُ إلَّا لِبَالِغٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَنْبَتَ وَأَطَاقَ الْقِتَالَ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ حَتَّى يُقَاتِلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ ذَكَرٌ وُجِدَ مِنْهُ الْقِتَالُ وَمُكَابَدَةُ الْعَدُوِّ فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ كَالْبَالِغِ وَأَمَّا الذُّكُورَةُ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَلَا يُسْهَمُ لِامْرَأَةٍ قَاتَلَتْ أَمْ لَمْ تُقَاتِلْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ قَاتَلَ مِنْ النِّسَاءِ كَقِتَالِ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ هَذَا جِنْسٌ لَا يُعَدُّ لِلْقِتَالِ فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ كَالْعَبِيدِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ لِلرِّجَالِ بِالْحُضُورِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِلنِّسَاءِ بِالْمُقَاتَلَةِ كَاسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ شَرْطٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يُسْهَمُ لِعَبْدٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقًا عَامًّا وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُحْمَى وَيُقَاتَلُ عَنْهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا بِقِتَالٍ وَلَا غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصِّحَّةُ فَإِنْ كَانَ مَعْنًى يَمْنَعُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِتَالِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ السَّهْمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ السَّهْمَ لِأَنَّنَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ سَهْمَ الْغَنِيمَةِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِعْدَادِ لِلْمُدَافَعَةِ وَالْقِتَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا غَنِمَهُ مَنْ لَا يُسْهَمْ لَهُمْ وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ غَيْرُهُمْ وَغَنِمُوا فَإِنَّهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْفَرِدُوا أَوْ يَكُونُ مَعَهُمْ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ يَكُونُ تَبَعًا لَهُمْ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الْعَدَدِ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدُوا أَوْ كَانَ مُعْظَمُ الْعَدَدِ لَهُمْ فَإِنَّهُ تُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْغَنِيمَةُ وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ إنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أُسْلِمَ إلَيْهِمْ وَقَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ أَسَاقِفَتُهُمْ إلَّا أَنْ يُحَكِّمُوا بَيْنَهُمْ مُسْلِمًا فَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ ذَلِكَ عَلَى سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا إنْ كَانُوا مُعْظَمَ أَهْلِ الْمَغْنَمِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَدْخُلَ غَيْرُهُمْ مَعَهُمْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَعَهُمْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا سَهْمَ لَهُمْ وَالْغَنِيمَةُ لِسَائِرِ الْجَيْشِ دُونَهُمْ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ فَبِئْسَ مَا فَعَلَ وَهَلْ يُسْهَمُ لَهُمْ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْغَزْوِ مَعَهُ سُهِمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُسْهَمُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا تَبَعًا وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُرْضِخَهُمْ فَعَلَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْغَزْوِ فَلَهُمْ حَقُّهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَخَلُوا وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا حُكْمَ لِغَزْوِهِمْ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي أَخْذِ سِهَامِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَ وَعَدَهُمْ بِعَطَاءٍ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّ هَذِهِ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا سَلِمَتْ بِالْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الْمُدَافِعُونَ عَنْهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ شَهِدَهَا مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَذَا فِيمَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ وَالْمُدَافَعَةِ فَأَمَّا مَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَالتَّلَصُّصِ فَإِنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوهَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَافَعَةِ وَالْمُغَالَبَةِ فَيَكُونُ الْمُسْلِمُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ أَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ وَأَمَّا مَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ التَّلَصُّصِ وَالسَّرِقَةِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي

[مسألة وجد منه الخروج من منزله إلى الغزو وفيه أبواب]

(ص) : (قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: أَرَى أَنْ لَا يُقْسَمَ إلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الْأَحْرَارِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرِهِ فَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَإِحْرَازِ السَّهْمِ لَهُ يُسْهَمُ لَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ جَاءَ بَعْدَ تَقَضِّي الْقِتَالِ وَإِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَهْمُهُ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَلَا سَهْمَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ وُجِدَ مِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى الْغَزْوِ وَفِيهِ أَبْوَابٍ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ حُضُورِ الْقِتَالِ] 1 (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَتَحْرِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ وُجِدَ مِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى الْغَزْوِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ فَمَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ اخْتِيَارُ الرُّجُوعِ عَنْ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْغَزْوِ وَهُوَ الْقِتَالُ أَوْ حُضُورُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدُّخُولِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَتَى وُجِدَ مِنْهُ الدُّخُولُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ السَّهْمُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا الرُّجُوعَ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ بِاخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِ السَّهْمِ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ الْحُضُورِ لِلْقِتَالِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِحُضُورِ الْقِتَالِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمَعَانِي الَّتِي تَمْنَعُ الْغَنِيمَةَ وَتُمَيِّزُهَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا تَمْنَعُهَا وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْمَعَانِي الَّتِي لَا تَمْنَعُ الْغَنِيمَةَ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ حُضُورِ الْقِتَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ) . فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْجَيْشِ وَقْتَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ أَوْ يَكُونُ فِي حُكْمِ مَنْ حَضَرَهُ وَهَلْ يَكُونُ الْتِقَاءُ الْجَمْعَيْنِ دُونَ مُنَاشَبَةِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْقِتَالِ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا قَامَتْ الصُّفُوفُ مِنَّا وَمِنْهُمْ وَلَمْ يُنَاشَبْ الْقِتَالُ فَلَا سَهْمَ لِمَنْ مَاتَ حِينَئِذٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ نَحْوَهُ عَنْ مَالِكٍ وَإِنَّمَا السَّهْمُ لِمَنْ مَاتَ بَعْدَ مُنَاشَبَةِ الْقِتَالِ فَحُضُورُ الْقِتَالِ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ حُضُورُ الْمُنَاشَبَةِ لَا حُضُورُ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِعْت أَنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ قَالُوا: إنَّ مُشَاهَدَةَ الْقَرْيَةِ أَوْ الْحِصْنِ أَوْ الْعَسْكَرِ كَالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَالٌ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مَعَ انْتِشَارِ أَقْوَالِهِمَا فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَاسْمُ الْوَقِيعَةِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْحَرْبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْمُوَاجَهَةِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالرُّؤْيَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَزْوِ الْقِتَالُ وَبِهِ يُتَوَصَّلُ إلَى غَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَإِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا أُحْرِزَ مِنْ الْغَنِيمَةِ] 1 ِ أَمَّا مَا أُحْرِزَ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا أُحْرِزَ بِالْقِتَالِ فَإِنَّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يَسْتَحِقُّ فِيهِ سَهْمَهُ إذَا كَانَ مُسْنَدًا إلَى الْقِتَالِ وَكَانَ الْقِتَالُ سَبَبًا لَهُ مِثْلُ أَنْ يُنَازَلَ حِصْنٌ فَيُنَاشَبَ قِتَالُهُ فَيَمُوتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ثُمَّ يَتَّصِلَ قِتَالُهُ فَيُفْتَحَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لِلْمَيِّتِ فِيهِ سَهْمَهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا أُحْرِزَ بِغَيْرِ قِتَالٍ أَوْ أُحْرِزَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ سَهْمٌ إلَّا بِحُضُورِ إحْرَازِهِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِحْرَازَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَ مُسْنَدًا إلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قِتَالٌ يَكُونُ سَبَبًا لَهُ اُعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْغَنِيمَةِ] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْغَنِيمَةِ) وَأَمَّا مَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فِي الْجَيْشِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَطْرَأَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِتَالِ حَالَةٌ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ حَضَرَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا وَنَحْنُ نُزِيدُ الْآنَ فِيهَا ذِكْرَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالصِّفَاتِ كُلِّهَا وَيَمْنَعُ وُجُودَ الْغَازِي فَإِذَا كَانَ لَا يُسْهَمُ لِلْمُطْبَقِ بِالْجُنُونِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فَبِأَنْ لَا يُسْهَمُ لِلْمَيِّتِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لِلْكُفْرِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ السَّهْمَ وَيَبْقَى سَهْمُهُ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ قَبْلَ كُفْرِهِ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مَالِ الْمُرْتَدِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ الْجُنُونُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا يَمْنَعُ الْقِتَالَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ السَّهْمَ

[الباب الرابع فيما تثبت به المعاني المؤثرة في منع الغنيمة]

مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ وُجِدَ مِنْ الْعَدُوِّ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ تُجَّارٌ وَأَنَّ الْبَحْرَ لَفَظَهُمْ وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ مَرَاكِبَهُمْ تَكَسَّرَتْ أَوْ عَطِشُوا فَنَزَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْلِمِينَ: أَرَى أَنَّ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ وَلَا أَرَى لِمَنْ أَخَذَهُمْ فِيهِمْ خُمُسًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا أَخَذَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ حُضُورِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ سَهْمِهِ فِيمَا أَخَذَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْنَى يُزِيلُ التَّكْلِيفَ كَالْمَوْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يُرْجَى بُرْؤُهَا كَالْحُمَّى وَالرَّمَدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ السَّهْمَ وَمَا كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَيَمْنَعُ الْقِتَالَ كَالْجُنُونِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ السَّهْمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَمْنَعُ مَا قَدْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ قَبْلَ حُدُوثِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَأَنْ يَغِيبَ قَبْلَ الْقِتَالِ عَنْ الْجَيْشِ بِاخْتِبَارِهِ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ فَهَذَا لَا يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ الْوَقْعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا اُسْتُحِقَّ بِالْقِتَالِ فَأَمَّا مَا اُسْتُحِقَّ بِالْإِحْرَازِ فَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ التَّغَيُّبُ عِنْدَ الْإِحْرَازِ عَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ وَمِثْلُ هَذَا مَا يَفُوتُ بِهِ الْقَادِمُ الْغَنِيمَةَ بِاللَّاحِقِ بِالْجَيْشِ أَوْ الَّذِي يُسْلِمُ أَوْ الْعَبْدُ يُعْتَقُ أَوْ الْأَسِيرُ يُطْلَقُ فَهَذَا يُسْهَمُ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَلَا تَفُوتُهُ الْغَنِيمَةُ بَعْدَ الْقِتَالِ بِأَنْ لَا يَحْضُرَ الْقِتَالَ إذَا حَضَرَ إحْرَازَهَا وَأَخَذَهَا فَيَصِيرُ الْقِتَالُ فَيَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ بِحُضُورِهِ مَنْ لَمْ يُشَاهِدْ إحْرَازَهَا وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ مَنْ شَاهَدَ إحْرَازَهَا. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةُ فِي مَنْعِ الْغَنِيمَةِ] 1 وَأَمَّا مَا تَثْبُتُ بِهِ الْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُدْعَى عَلَى الْغَازِي أَمْرٌ فَيُقِرَّ بِهِ وَيَدَّعِيَ الْعُذْرَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنْ يُنْكِرَهُ جُمْلَةً فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَمِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِالرُّجُوعِ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ رَجَعَ مَغْلُوبًا أَوْ ضَالًّا فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَ مِنْ الْأَعْذَارِ مَا لَهُ إمَارَاتٌ مِنْ رِيحٍ رَدَّتْ مَرْكَبًا كَانَ فِيهِ أَوْ مَخَافَةَ غَرَرِ طَرِيقٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَخَلُّفِ دَابَّةٍ وَمِنْهُ مَا لَا تَكُونُ لَهُ إمَارَةٌ كَالضَّلَالِ وَنَحْوِهِ فَمَا كَانَتْ لَهُ إمَارَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا فَإِذَا ثَبَتَتْ إمَارَةُ عُذْرِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إمَارَةٌ وُكِّلَ إلَى أَمَانَتِهِ وَقُبِلَ عُذْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ التَّخَلُّفَ جُمْلَةً فَإِنَّهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ التَّخَلُّفُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْغَزْوِ وَالْكَوْنِ فِي جُمْلَةِ الْجَيْشِ فَلَا يَثْبُتُ تَخَلُّفُهُ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ جَارٌّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِيرِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمِيرِ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِيرِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ هَذَا الْأَمِيرَ لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْمَغْنَمِ فَلَمْ تُقْبَلْ فِيهِ شَهَادَتُهُ كَسَائِرِ الْجَيْشِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ وَيَجُوزُ لَهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِعِلْمِهِ فِيمَا الضَّرُورَةُ إلَيْهِ كَمَعْرِفَتِهِ بِأَعْيَانِ الشُّهُودِ. [مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَدُوَّ إذَا وُجِدَ بِسَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ نَزَلُوا دُونَ إذْنِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَفَظَهُمْ الْبَحْرُ فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَتَوْا لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُ قَوْلِهِمْ فَهُمْ فَيْءٌ وَلَوْ عُلِمَ صِدْقُهُمْ لَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ وَوَجَبَ تَرْكُهُمْ عَلَى مَا نَزَلُوا عَلَيْهِ أَوْ يُرَدُّونَ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ حُكْمِهِمْ وَالثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا وُجِدَ مَعَهُمْ مِنْ الْمَالِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ حُكْمِهِمْ. قَالَ مَالِكٌ إنْ بَانَ صِدْقُهُمْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ وَإِلَّا رَأَى الْإِمَامُ فِيهِمْ رَأْيَهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُمْ وَمَا مَعَهُمْ فَيْءٌ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمْ التِّجَارَاتُ مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ.

[الباب الثاني في بيان حكم ما وجد معهم من المال]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسُوا عَلَى جِهَةِ حَرْبٍ فَهُمْ أَهْلُ حَرْبٍ أَبَدًا حَتَّى يُؤْمِنُوا إلَّا أَنْ يَكُونُوا تَعَوَّدُوا الْأَمَانَ عَلَى الِاخْتِلَافِ بِالتِّجَارَةِ قَبْلَ هَذَا فَهُمْ عَلَى الْأَمَانِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ صِدْقُهُمْ فِي أَنَّهُمْ تُجَّارٌ فَهُمْ مُسْتَأْمَنُونَ يَلْزَمُ بَذْلُ الْأَمَانِ لَهُمْ أَوْ رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَرْبٍ فَلَا أَمَانَ لَهُمْ وَمَتَى غُلِبُوا وَظُفِرَ بِهِمْ قَبْلَ بَذْلِ الْأَمَانِ لَهُمْ فَهُمْ فَيْءٌ وَأَمَّا مَنْ اعْتَادَ الِاخْتِلَافَ لِلتِّجَارَةِ إلَى بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَمَانٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَمَانُ لَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ إذَا عُرِفَ صِدْقُهُمْ فَإِنَّ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ صِدْقُهُمْ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَكَادُ يَخْفَى أَمْرُهُمْ فَإِنَّ الْمَرْكَبَ يُوجَدُ فِيهِ الْعَدَدُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَالْكَثِيرُ مِنْ السِّلَاحِ وَالْمَرْكَبُ الْكَبِيرُ لَيْسَ فِيهِ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَلَا الْكَثِيرُ مِنْ السِّلَاحِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ بَعْضُ الْمُقَاتِلَةِ وَبَعْضُ السِّلَاحِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَلْيُقْبَلْ قَوْلُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّهُمْ جَاءُوا لِلتِّجَارَةِ وَذُكِرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي السُّفُنِ تَنْزِلُ بِمَوْضِعٍ وَمَعَهُمْ التِّجَارَاتُ وَالسِّلَاحُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ وَضَعْفِ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَزَلُوا بِهِ وَقُوَّتِهِ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ السِّلَاحِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالتِّجَارَاتِ فَجُعِلَ هَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى صِدْقِهِمْ أَوْ كَذِبِهِمْ وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ مَرَاكِبَ الْمُحَارِبِينَ غَيْرُ مَرَاكِبِ التُّجَّارِ وَعَدَدَهُمْ فِي الْكَثْرَةِ غَيْرُ عَدَدِ التُّجَّارِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ التِّجَارَاتِ مَا لَهُ كَبِيرُ مَعْنًى وَالتُّجَّارُ مُعْظَمُ مَا مَعَهُمْ التِّجَارَاتُ وَصِفَةُ مَرَاكِبِ الْمُحَارِبِينَ غَيْرُ صِفَةِ مَرَاكِبِ التُّجَّارِ فَهَذَا كُلُّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِدْقِهِمْ أَوْ كَذِبِهِمْ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُمْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ) . [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا وُجِدَ مَعَهُمْ مِنْ الْمَالِ] 1 أَمَّا مَا وُجِدَ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ لِذَلِكَ مِنْ بِلَادِهِمْ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ فِي بِلَادِهِمْ غَيْرَ مُغَالِبٍ لَهُمْ كَالْأَسِيرِ الَّذِي قَدْ مَلَكُوهُ وَصَارَ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَخَرَجَ بِهَا فَإِنَّ جَمِيعَهُ لَهُ وَلَا خُمُسَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْمَنِ مَنْ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَخْرُجُ بِهِ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا أُخِذَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمُغَالَبَةِ لَهُمْ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ خَلَاصُهُمْ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فَيْءٌ لِمَنْ أَخَذَهُ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرِقَابِهِمْ بِمَوْضِعٍ لَا تُرْجَى فِيهِ نَجَاتُهُمْ كَأَنْ كَانَ بِتَكَسُّرِ مَرَاكِبِهِمْ فَإِنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ وَلَا هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنَّمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيمَا رَآهُ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا حُكْمُ رِقَابِهِمْ وَمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي هَذَا الضَّرْبِ فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَتْ أَمْوَالُهُمْ وَوُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَلَا تُخَمَّسُ عُرُوضُهُ وَيُخَمَّسُ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرَقٍ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَنْزِ مِنْ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرَقُ فَيُخَمَّسَانِ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ فِي كَنْزِ الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ وَأَمَّا الْعُرُوض فَقَالَ هَاهُنَا لَا تُخَمَّسُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي كَثِيرِ الْعُرُوضِ فَقَالَ مَرَّةً: لَا تُخَمَّسُ وَقَالَ مَرَّةً: تُخَمَّسُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا وُجِدَ فِي هَذِهِ الْمَرَاكِبِ مِنْ الرَّقِيقِ وَلَمْ يُصَدَّقُوا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرَى فِيهِمْ الْإِمَامُ رَأْيَهُ مِنْ أَسْرٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ فِدَاءٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَتْلَ وَقَالَ فِي الْعِلْجِ يُوجَدُ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ طُولِ مُقَامٍ بِهَا فَلَمَّا ظُفِرَ بِهِ قَالَ: جِئْت لِأُقِيمَ آمِنًا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ وَهُوَ فَيْءٌ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ بِالتَّجْسِيسِ فَيُقْتَلُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَرَاكِبِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْعَدُوُّ وَتَنْكَسِرُ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ جَاءُوا تُجَّارًا فَيَظْهَرُ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَكَثْرَةِ مُقَاتِلَتِهِمْ وَقِلَّةِ تِجَارَتِهِمْ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فَإِنَّهُمْ وَمَا مَعَهُمْ فَيْءٌ وَتُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ عَلَى هَذَا) .

[العدو إذا وجد بساحل المسلمين قد نزلوا دون إذن أحد من المسلمين أو لفظهم البحر وفي هذا بابان]

[الْعَدُوَّ إذَا وُجِدَ بِسَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ نَزَلُوا دُونَ إذْنِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لَفَظَهُمْ الْبَحْرُ وَفِي هَذَا بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَنْ وُجِدَ مِنْ الْعَدُوّ] مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْمَقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا أَرَى الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ الطَّعَامِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَحْضُرَ النَّاسُ الْمَقَاسِمَ وَيُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجُيُوشِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إلَى أَهْلِهِ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يُصِيبُ الطَّعَامَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَتَزَوَّدُ فَيَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَيَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ بِلَادَهُ فَيَنْتَفِعَ بِثَمَنِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَأَرَى أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ بَلَغَ بِهِ إلَى بَلَدِهِ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ إذَا كَانَ يَسِيرًا تَافِهًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا: إنَّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مِمَّا عِنْدَهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَالثَّانِي أَصْلُهُ الْمِلْكُ وَلَكِنَّهُ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْغِذَاءِ وَالْقُوَّةِ وَذَلِكَ كُلُّ مَطْعُومٍ مِنْ أَمْوَالِ الرُّومِ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِهِمْ فَإِنَّ لِمَنْ وَجَدَهُ أَكْلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَعْلِفُهُ دَوَابَّهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي اسْتِبَاحَتِهِ إلَى قَسْمٍ وَلَا إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْآخِذُ لَهُ أَحَقَّ لِحَاجَتِهِ مِنْهُ وَمَا فَضَلَ مِنْهُ عَنْهُ أَعْطَاهُ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْغَازِينَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُحْتَاجًا رَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْمَغَانِمِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْمُبَاحُ أَكْلُهُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَإِنَّهَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُذْبَحُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ إذَا عَدِمُوا الطَّعَامَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى أَكْلِهَا وَالِاقْتِيَاتِ بِهَا أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْعَسَلِ وَالْعِنَبِ فَإِذَا جَازَ أَكْلُ الْعَسَلِ وَالْعِنَبِ فَبِأَنْ يَجُوزَ الِاقْتِيَاتُ بِلُحُومِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْلُهُ عَلَى وَجْهٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ وَأَمَّا ذَبْحُ الْحَيَوَانِ وَإِتْلَافُهُ أَوْ ذَبْحُ الْكَثِيرِ مِنْهُ الَّذِي يَكْفِي يَسِيرُهُ وَيَخْرُجُ فِيهِ عَنْ حَدِّ الِاقْتِيَاتِ الْبَالِغِ إلَى حَدِّ الْإِفْسَادِ وَالِانْتِهَابِ وَالتَّبْذِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إفْسَادَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يُطِيقُوا انْتِقَالَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا أَرَى أَنْ يَدَّخِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ إلَى أَهْلِهِ يُرِيدُ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ بَالٌ وَقِيمَةٌ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ تَصَدَّقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّافِهُ الْيَسِيرُ كَالْقَدِيدِ وَالْكَعْكِ مِمَّا يَقِلُّ ثَمَنُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ لِلْقُوَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ كَالْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ وَالثَّوْبِ يَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ غَزْوُهُ فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ غَزْوُهُ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ وَهْبٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَنْ أَخَذَهُ دُونَ قِسْمَةٍ كَالطَّعَامِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ هَذَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَلَهُ قِيمَةٌ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ الِانْفِرَادُ بِهِ كَالذَّهَبِ وَالْوَرَقِ وَالْحُلِيِّ وَالْوَطَاءِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ إنْ بَاعَ شَيْئًا مِمَّا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مَا لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَأَرَادَ بَيْعَهُ مِنْ تُجَّارٍ مَعَهُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْغَبَ فِي بَيْعِهِ رَغْبَةً فِي ثَمَنِهِ وَاخْتِصَاصًا بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُبَاحٍ لَهُ

[ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو]

مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ وَأَنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَأَمَّا بَيْعُهُ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ فَغَيْرُ جَائِرٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ أَحَدًا مِنْ الْغَازِينَ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ بِنَسِيئَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمُبْتَاعَ أَنْ يَقْضِيَهُ الثَّمَنَ وَلَا الْمُقْتَرِضَ أَنْ يُوفِيَهُ الْقَرْضَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ لِحَاجَةِ أَنْ يَصْرِفَ ثَمَنَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السِّلَاحِ وَاللِّبَاسِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا مِنْ الْمَغْنَمِ إذَا وَجَدَهُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَذَلَ طَعَامًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي طَعَامٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ طَعَامًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ ثَمَنًا وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ مَغْنَمًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ طَعَامًا وَأَنَّهُ مَتَى صَارَ ثَمَنًا وَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ مَغْنَمًا كَمَا لَوْ أَخَذَ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ. [مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ يُرِيدُ ذَهَبَ وَإِنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ يُرِيدُ أَيْضًا ذَهَبَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: عَارَ الْفَرَسُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَيْرِ وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ فِي النِّفَارِ وَالْفِرَارِ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي جَمْهَرَتِهِ: عَارَ الْفَرَسُ يَعِيرُ عَيْرًا إذَا انْطَلَقَ مِنْ مَرْبِضِهِ فَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ وَقَوْلُهُ فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُ صَارَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ وَفِي قَبْضَتِهِمْ وَحِيَازَتِهِمْ ثُمَّ غَنِمَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُرِيدُ أَنَّهُمَا رُدَّا إلَى مِلْكِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُمَا لَهُ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ يُرِيدُ مَقَاسِمَ الْغَنَائِم مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ وَهَذَا حُكْمُ مَا أَصَابَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ وَفِي هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يُعْرَفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ وَكَانَ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ بِتَجَدُّدِ مِلْكٍ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَائِبًا مَعْرُوفًا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ لِلْغَائِبِ فَإِنْ رَأَى أَنْ يُنْفِذَهُ إلَيْهِ وَتَكُونَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْأُجْرَةُ فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَهُ عَلَيْهِ وَيُوقَفَ لَهُ الثَّمَنُ فَعَلَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُسْتَطَعْ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ قُسِمَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ تَفُتْهُ الْقِسْمَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَفُوتَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَمْ يَتَقَرَّرْ مِلْكُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِذَا كَانَ غَائِبًا وَكَانَ ثَمَّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا قَدِمَ إلَّا بِالثَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَجُزْ لِلْجَيْشِ تَمَلُّكُهُ وَقِسْمَتُهُ وَلَزِمَ تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ رَبُّهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ مُسْتَحِقِّينَ لَهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَيْدِيهِمْ إلَّا بِأَنْ يَسْتَحِقَّهُ مُعَيَّنٌ يَدَّعِيهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ الْغَانِمِينَ لَا يَدَّعُونَ مِلْكَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْغَنِيمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُمْ مَالِكٌ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِمِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لِمُسْلِمٍ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْمَقَاسِمِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْفَيْءِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَأَمَّا إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ طَوْعًا مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُمْ فَلَا يُوفُوهُ ثَمَنَهُ أَوْ يَخَافَهُمْ فَيُصَالِحَهُمْ بِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فَبِهِ إذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ بِاخْتِيَارِهِ وَمَلَّكَهُمْ إيَّاهُ وَذَلِكَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَا يُصِيبُهُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ: إنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَهُ حَتَّى وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَعْنَى الرَّدِّ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ دُونَ ثَمَنٍ وَذَلِكَ إنْ أَخَذَ أَهْلُ الشِّرْكِ الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِ الْقُهْرَةِ شُبْهَةَ تَمَلُّكٍ وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَمَلَّكُوهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُمْلَكَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَهُ وَيُصَحِّحُهُ إسْلَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ الْحُكْمُ لَهُ بِصِحَّتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ مِلْكُهُمْ لِشَيْءٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَمَلَّكَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ وَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَصَابُوا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُعْلَمُ بِذَلِكَ حَتَّى قُسِمَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ يُرَدُّ إلَيْهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيُعْطَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ فِي قَسْمِهِ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ جِهَةٌ يَمْلِكُ بِهَا الْمُسْلِمُ عَلَى الْمُشْرِكِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهَا الْمُشْرِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَجِدَ الْإِنْسَانُ مِلْكَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِهَذَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ عَمْرو بْنُ دِينَارٍ: إذَا وَصَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ لِلْغَانِمَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ مِلْكَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا غَنِمُوهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ وَلَوْ اسْتَقَرَّ لَمَا كَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَتَقَوَّى بِشُبْهَةِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ شُبْهَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَثْبَتَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ هُوَ بِيَدِهِ أَحَقُّ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ مَنْ صَارَ بِيَدِهِ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ كَانَ أَوْلَى وَحِيَازَةُ الْمُشْرِكِينَ لَهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ لَمْ تَتِمَّ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ فَبَقِيَ لِصِحَابِهَا فِيهَا حَقٌّ وَلَوْ أَسْلَمَ مَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ لَبَطَلَ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْهَا لِتَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا وَحُكْمُ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ بِصِحَّةِ أَخْذِ الْغَانِمِينَ ثَمَنَهُ وَيَبْقَى لَهُ فِيهِ أَنْ يَفْتَدِيَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكَهُ وَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْهُ لَمَا كَانَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَيَرْجِعُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ أَحَدٌ وَلَا دَعَتْهُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ الضَّرُورَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ فِيهِ وَيَنْقَضِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ يُرِيدُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُدْفَعُ إلَيْهِ الْقِيمَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ إنَّ الْعَبْدَ لَا يُدْفَعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا رُدَّ إلَى سَيِّدِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ إلَيْهِ الْعَبْدُ أَوْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقًا تَامًّا فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى آخِذِهِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ صَاحِبَهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يَدْفَعُ فِيهِ قِيمَةً وَهُوَ مَا يُسَاوِي يَوْمَ أَخْذِهِ لَهُ وَلَا ثَمَنًا إنْ كَانَ وَقَعَ فِيهِ تَبَايُعٌ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يُغْنَمَ وَلَا يَغْرَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ بِسَبَبِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْغَانِمِينَ عَلَيْهَا بِنَفْسِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّ بِالْقِسْمَةِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِلْكُ صَاحِبِهِ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ حَالَ الْغَنِيمَةِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَأَمَّا مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا خِلَافَ فِي تَقَرُّرِ مِلْكِ الْغَانِمِينَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ ذَلِكَ أَخْذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ كَالشُّفْعَةِ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ: إنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلَا يَدَعُهَا وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ إلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إذَا جُرِحَتْ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَإِنْ وَقَعَتْ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ يُرِيدُ بِالثَّمَنِ الَّذِي صَارَ إلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ بِالْقِسْمَةِ إنْ كَانَ الْفَيْءُ بِيعَ وَقُسِمَتْ الْأَثْمَانُ وَإِنْ كَانَ الْفَيْءُ قُسِمَ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دُفِعَ إلَيْهِ فِي الْقِسْمَةِ وَسَوَاءٌ دَخَلَ الْعَبْدَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ عَمًى أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِسَبَبٍ قَدِيمٍ كَالشُّفْعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ادَّعَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِالْقِسْمَةِ ثَمَنًا وَأَنْكَرَهُ الْمُسْتَحِقُّ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يُشْبِهُ فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى الْقِيمَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ يَدِهِ بِعِوَضٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ كَالشُّفْعَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ وَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا وَلَمْ يَكْمُلْ عِتْقُهَا لِأَنَّ سَيِّدَهَا قَدْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَأَكْثَرُ أَحْكَامِ الرِّقِّ مِنْ انْتِزَاعِ الْمَالِ وَالْحَجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا غَنِمَهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ صَارَتْ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنِيمَةِ فَإِنْ عُلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لِسَيِّدِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى تُصِيبَهَا الْمَقَاسِمُ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يَفْتَدِيهَا الْإِمَامُ لِصِحَابِهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَفْتَدِيهَا لِنَفْسِهِ صَاحِبُهَا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْإِمَامَ يَفْتَدِيهَا لَهُ إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِهَا وَلَيْسَ سَبَبُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا مِنْ جِهَتِهَا وَإِنَّمَا أَلْزَمَهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ بِمَا فَعَلَ مِنْ الْقِسْمَةِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهَا وَهَذَا لَيْسَ لَهُ إسْلَامُهَا وَتَرْكُهَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إنَّ لِصَاحِبِهَا فِيهَا بَقِيَّةَ مِلْكٍ فَلَزِمَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ ذَلِكَ الْمَمْلُوكَ مِنْهَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ شُبْهَةُ مِلْكٍ وَإِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ مِلْكُهُ جَازَ أَنْ يُصَحِّحَ شُبْهَةَ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا لِسَيِّدِهَا أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْتَدِيَ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ مِنْهَا لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَسْلِيمُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبَاحَةَ مَا يُمْلَكُ مِنْهَا لِغَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْتَدِهَا الْإِمَامُ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا يُرِيدُ إنَّ الْإِمَامَ إنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ رَأَى فِيهِ غَيْرَ مَا رَآهُ مَالِكٌ فَإِنَّ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِمَاذَا يَفْتَدِيهَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَدِيَهَا بِثَمَنِهَا الَّذِي أَخَذَهَا بِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَالْمُغِيرَةِ إنَّ عَلَى سَيِّدِهَا الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ مَا اُفْتُدِيَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَ الْقِسْمَةَ فَإِنَّمَا يُفْتَدَى بِالثَّمَنِ كَالْأَمَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى افْتِدَائِهَا فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ افْتِدَائِهَا وَتَرْكِهَا فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الثَّمَنُ الَّذِي اُقْتُسِمَتْ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ لِلسَّيِّدِ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهَا لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا هُوَ لِيَفْتَدِيَهَا فَإِذَا مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ فِدَائِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى تَرِكَةِ سَيِّدِهَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَلَا تُتْبَعُ تَرِكَةُ السَّيِّدِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَى مَيِّتٍ وَلَا تُتْبَعُ هِيَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبِهَا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا وَلَا يَسْتَحِلُّ فَرْجَهَا يُرِيدُ لِأَنَّ فِيهَا مِلْكًا لِسَيِّدِهَا وَلَا تَصِحُّ إزَالَتُهُ إلَى رِقٍّ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لِلثَّانِي اسْتِرْقَاقُهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا لَهُ عَلَى سَيِّدِهَا عِوَضُ مَا يَمْلِكُهُ سَيِّدُهَا مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَتَقَرَّرْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَشْغُولَةٌ بِمَا بَقِيَ لِسَيِّدِهَا فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ وَلِأَنَّهَا لَوْ قُتِلَتْ لَكَانَ لَهُ قِيمَتُهَا فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أُخِذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا اُتُّبِعَ

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ أَوْ لِتِجَارَةٍ فَيَشْتَرِي الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اُشْتُرِيَ بِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَهُ أَسْلَمَهُ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونُ مَا أُعْطِيَ فِيهِ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا بَطَلَ حَقُّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ أَنْ يَمْلِكَهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ فِي حَقِّهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إذَا جُرِحَتْ يُرِيدُ أَنَّهَا لَوْ جُنَّتْ عَلَى أَحَدٍ لَكُلِّفَ سَيِّدُهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ افْتِدَائِهَا عَلَيْهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْجِنَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَكَّهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقِيمَةُ كَالْجِنَايَةِ إنَّمَا هِيَ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَيُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ أَوْ التِّجَارَةِ الْخُرُوجُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْجِهَادُ وَالْمُفَادَاةُ وَالتِّجَارَةُ فَأَمَّا دُخُولُ أَرْضِ الْحَرْبِ لِلْجِهَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَفَضْلُهُ وَأَمَّا دُخُولُهَا لِلْمُفَادَاةِ وَدُخُولُهَا لِلتِّجَارَةِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ إلَى بِلَادِ الرُّومِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَهِيَ جُرْحَةٌ وَنَهَى عَنْ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ السُّودَانِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْكُفْرِ تَجْرِي هُنَاكَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَشْتَرِي الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ أَمَّا شِرَاءُ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ سَمَّى الْفِدَاءَ شِرَاءً وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِدَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَتَخْلِيصَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَاجِبٌ لَازِمٌ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَفْتَدُوهُمْ إلَّا بِكُلِّ مَا يَمْلِكُونَ فَذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَشْهَبُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ فِدَائِهِمْ بِالْخَمْرِ: لَا يُفْدَوْنَ بِهَا وَلَا يُدْخَلُ فِي نَافِلَةٍ بِمَعْصِيَةٍ فَسَمَّاهَا نَافِلَةً وَلَعَلَّ هَذَا أَنْ يَكُونَ رَأْيَ أَشْهَبَ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ» وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقِتَالُ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ وَفِيهِ إتْلَافُ الْمُهَجِ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ فَبِأَنْ يَلْزَمَ اسْتِنْقَاذُهُمْ بِالْمَالِ أَوْلَى وَفِي هَذَا الْبَابِ خَمْسُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا فِيمَا يَجُوزُ فِدَاؤُهُمْ بِهِ وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْفِدَاءُ وَالثَّالِثَةُ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَسِيرِ بِمَا فُدِيَ وَالرَّابِعَةُ فِي تَبْيِينِ مَنْ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ وَالْخَامِسَةُ فِي تَدَاعِي الْأَسِيرِ وَالْمُفَادِي فِي مَبْلَغِ الْفِدَاءِ فَأَمَّا الْأُولَى فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُفْدِي مِنْ الْأَمْوَالِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ وَلَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُفْدَوْنَ بِهِ لِأَنَّهُ فِدَاءُ مُسْلِمٍ بِمُسْلِمٍ وَحَقُّهُمَا وَاحِدٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنْقَاذِ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ شَيْئًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِأَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ إلَيْنَا أَسِيرًا وَاحِدًا وَيَتَقَوَّوْنَ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِمْ مِنْ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ: يُفْدَوْنَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَالِ مِمَّا يُمْكِنُنَا نَحْنُ أَنْ نَمْلِكَهُ وَنُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ فَأَجَازَا فِدَاءَهُمْ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ قُوَّتُهُمْ بِهَا مُتَرَقَّبَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَإِذَايَتُهُمْ لِهَذَا الْمُسْلِمِ مَوْجُودَةٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُفْدَوْنَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْمُسْلِمِينَ فَجَوَّزَ فِدَاءَهُمْ بِالْخَمْرِ فَقَالَ: تُبْتَاعُ لَهُمْ الْخَمْرُ لِلْفِدَاءِ وَهِيَ ضَرُورَةٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الِانْتِفَاعَ بِالْمُحَرَّمَاتِ وَلِذَلِكَ أُبِيحَ أَكْلُ الْمِيتَةِ وَضَرُورَةُ هَذَا الْأَسِيرِ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَشَدُّ فَكَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِإِزَالَةِ ضَرُورَتِهِ. 1 - وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلْفِدَاءِ فَيَطْلُبُونَ فِيهِمْ مَا لَا يُسْتَطَاعُ فَيُرِيدُونَ صَرْفَهُمْ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُونَ مِنْهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ: إنْ أَرَادَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْأَسِيرُ قِيمَتَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُمْ قَهْرًا وَدُفِعَتْ إلَيْهِمْ قِيمَتُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى عَهْدٍ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَغَلَبَتُهُمْ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ: إنَّنَا لَمْ نُعَاهِدْهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى أَنْ نَفِيَ لَهُمْ بِشُرُوطِهِمْ مَا لَمْ يُخَالِفُوا الْحَقَّ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الَّذِي يُرَاعَى فِي قِيمَتِهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ: يُرَاعَى فِي ذَلِكَ فِدَاءُ مِثْلِهِمْ لَيْسَ الْقُرَشِيُّ وَالْعَرَبِيُّ كَالْأَسْوَدِ وَالْمَوْلَى قَالَ ابْنُهُ: فَقَدْ فَدَيْت الْأَسَارَى الَّذِينَ كَانُوا بِسَرْدَانِيَّةَ عَلَى قِيمَتِهِمْ عَبِيدًا قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ عِنْدِي مِنْ ذَوِي الْقَدْرِ. 1 - وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ وُجُوبُ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَسِيرِ بِالْفِدَاءِ لِمَنْ شَاءَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِمَا فَدَاهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ ثَمَنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ فَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ: وَهَذَا أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْفِدَاءَ وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَنَّ الْفِدَاءَ آكَدُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِدَائِهِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَدَيْنُهُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذِمَّتِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا هَذَا فِي مَالِهِ الَّذِي أَحْرَزَهُ الْعَدُّ مَعَ رَقَبَتِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ رُجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِهِ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير أَنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى الْأَسِيرِ بِثَمَنِ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا رُجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مَالٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَمَوَّلُ الْمِيتَةَ فَهَذَا حُكْمُهَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ تَمْيِيزُ مَنْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ مِنْ غَيْرِهِ فَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَجَانِبُ وَذُو مَحَارِمَ وَمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَجَانِبُ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ الْأَقَارِبُ مِمَّنْ لَيْسُوا بِذِي مَحَارِمَ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُمْ فِي جُمْلَةِ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا فَدَاهُمْ بِهِ عَرَفَهُمْ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: افْدِ وَلَك الْفِدَاءُ عَلَيَّ وَأَمَّا ذُو الْمَحَارِمِ غَيْرُهُمْ وَالزَّوْجَةُ فَإِنَّهُ إنْ فَدَاهُمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَنْ هُمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْهِبَةَ فَإِنْ عَرَفَهُمْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَأْمُرُوهُ هُمْ بِفِدَائِهِمْ لِيُرْجَعَ عَلَيْهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ وَمَنْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ: إحْدَاهُمَا لَا ثَوَابَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا بَنَى سَحْنُونٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْفِدَاءِ قِيَاسًا عَلَى هِبَةِ الثَّوَابِ. 1 - وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ تَدَاعِي الْأَسِيرِ وَالْمُفَادِي فِي الْفِدَاءِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ فِي إنْكَارِ الْفِدَاءِ جُمْلَةً وَفِي إنْكَارِ بَعْضِهِ فَإِنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقِيلَ إذَا أَقَرَّ الْأَسِيرُ أَنَّهُ فَدَاهُ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْفِدَاءِ فَالْفَادِي مُصَدَّقٌ وَيَصِيرُ كَالرَّهْنِ فِي يَدَيْهِ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ الْفَادِي إذَا كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِهِ

[ما جاء في السلب في النفل]

مَا جَاءَ فِي السَّلْبِ فِي النَّفْلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ قَالَ: فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي قَالَ: فَلَقِيت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْت: مَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ: فَقُمْت ثُمَّ قُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ: فَقُمْت ثُمَّ قُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ الثَّالِثَةُ فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ قَالَ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْت الدِّرْعَ فَاشْتَرَيْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَهُ أَسْلَمَهُ هَذَا حُكْمُ الْعَبْدِ الْقِنِّ، سَيِّدُهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. [مَا جَاءَ فِي السَّلْبِ فِي النَّفْلِ] (ش) : قَوْلُهُ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ يُرِيدُ بَعْضَ الِانْهِزَامِ وَإِنَّمَا انْهَزَمَتْ مُقَدِّمَةُ الْجَيْشِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتٌ وَلِذَلِكَ «قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُ خَرَّجَ سِبَاقَ أَصْحَابِهِ وَخِفَافُهُمْ حُسَّرًا لَيْسُوا بِسِلَاحٍ فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَاكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ صَرَعَهُ وَقَوْلُهُ فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَبْرُزْ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا لَقِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِالْتِقَاءِ الْجَيْشِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَرَزَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَقْتُلَهُ إذَا ظَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ دَفْعِ الْمُشْرِكِ عَنْ الْمُسْلِمِ إذَا تَبَارَزَا وَظَهَرَ عَلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ يُعَانُ وَيُدْفَعُ عَنْهُ الْمُشْرِكُ وَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّ مُبَارَزَتَهُ عَهْدٌ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ إلَّا مَنْ بَارَزَهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ أَيْضًا لَا يُعَانُ بِوَجْهٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُعَانُ؟ فَقَالَ: إنْ خَافَ الضَّعْفَ فَلَا يُبَارِزُ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْرِكَ غَيْرُ الَّذِي يُبَارِزُهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الَّذِي قَتَلَهُ دِيَتُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا دِيَةَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَارَزَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَا بَأْسَ لِمَنْ قَتَلَ صَاحِبَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينَ صَاحِبَهُ فِي الْقَتْلِ وَالدَّفْعِ كَمَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي مَعُونَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ رَضُوا بِتَعَاوُنِهِمْ فَهُمْ كَجَمَاعَةِ الْجَيْشِ تَلْقَى جَمَاعَةَ جَيْشٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ بِتَعَاوُنِهِمْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ وَجَدَ مِنْ شِدَّتِهَا أَلَمًا يَقْرُبُ مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ خَافَ مِنْ شِدَّتِهَا الْمَوْتَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ رَجَعُوا مِنْ جَوْلَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ رَجَعُوا مِنْ الْقِتَالِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ الْقِتَالَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ سَلَبٌ فَإِنَّ السَّلَبَ الَّذِي نَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقَاتِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْخُمُسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي فِيهِ وَقَعَ الْقِتَالُ قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْقِتَالِ فَهُوَ مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمْ مِنْ الْهَزِيمَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّرَاجُعِ مِنْ الْهَزِيمَةِ فِيمَنْ قُتِلَ قَبْلَ التَّرَاجُعِ وَلِذَلِكَ قَامَ أَبُو قَتَادَةَ فِيمَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّرَاجُعِ وَقَضَى لَهُ بِسَلَبِهِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْقَعْنَبِيَّ وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ وَأَحْفَظُهُمْ لِحَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَتْلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَاكِبًا عَلَى بَغْلَتِهِ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ إلَى الْجُلُوسِ وَالرَّاحَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَرُجُوعِ النَّاسِ مِنْ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّحْرِيضَ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيضَ عَلَى الْقِتَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَقَالَهُ فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ وَقَبْلَ الْهَزِيمَةِ وَوَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْغَنِيمَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْحَمِيَّةِ وَيُقَاتِلُ لِيَرَى مَكَانَهُ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ كَانَتْ النِّيَّاتُ قَبْلَهُ سَلِيمَةً صَحِيحَةً وَلَمْ يُقَاتِلْ أَحَدٌ إلَّا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَإِذَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي النِّيَّاتِ وَعَرَّضَ النَّاسَ لِيُقَاتِلُوا لِمَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ السَّلَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ سُهْمَانَهُمْ بَلَغَتْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا ثُمَّ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ مِنْ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَلَا مَكَانَ لَهُ غَيْرُ الْخُمُسِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ تَجِبُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ لَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِغَنَائِهِ وَلَا لِقِتَالٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لِقَتْلٍ أَوْ قِتَالٍ لَوَجَبَ أَنْ يُفَاضَلَ بَيْنَهُمْ لِلْغَنَاءِ فَلَا يَأْخُذُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَا يَأْخُذُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَخْذَهُمْ سَوَاءٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا وَتَبَايَنُوا فِي الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْقَتْلِ مَزِيَّةٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَخْمَاسِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّفَاضُلُ فِي الْخُمُسِ فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلتَّفَاضُلِ وَالْعَطَاءِ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ فَلَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِاجْتِهَادِهِ وَنُحَرِّرُ مِنْ هَذَا قِيَاسًا فَنَقُولُ: إنَّ هَذِهِ مَزِيَّةُ غَنَاءٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَاوَضَ عَلَيْهَا بِمَزِيَّةِ عَطَاءٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَصْلُ ذَلِكَ لِشِدَّةِ الْقِتَالِ وَحِمَايَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ وَالِانْفِرَادِ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَمْوَالِ الْجَسِيمَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَوْ أَنَّ إمَامًا قَالَ قَبْلَ الْقِتَالِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ نَفَّلَ رَجُلًا سَلَبَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِمَامِ حُكْمُ حَاكِمٍ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُنْقَضُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَفِي هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ فِي ذِكْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ الْغَانِمِينَ وَالثَّالِثَةُ فِي وَصْفِ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ مِنْ الْمَقْتُولِينَ وَالرَّابِعَةُ فِي وَصْفِ السَّلَبِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِذَلِكَ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا نَادَى بِلَفْظٍ يَعُمُّهُ وَيَعُمُّ النَّاسَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لَهُ وَلِجَمِيعِ النَّاس وَإِنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلِي سَلَبُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ حَابَى نَفْسَهُ وَأَظْهَرَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ الْمَعْدِلَةِ فَلَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ وَوَجَبَ نَقْضُهُ وَإِنْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِلنَّاسِ دُونَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ سَحْنُونٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَكَانَ الْقَاتِلُ مِمَّنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ السَّلَبِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَتْ امْرَأَةٌ قَالَ وَأَشْهَبُ يَرَى أَنْ يُرْضَخَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَهُ السَّلَبُ مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ نَفْلٌ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى مَذَاهِبِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْهُمْ فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُخْذِلًا أَوْ مُرْجِفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ السَّلَبِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ الْقَاتِلُ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا فَقَدْ حَكَى سَحْنُونٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إنْ قَاتَلَا فَلَهُ سَلَبُهُمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَذْهَبَ وَقَدْ رَأَيْت لِسَحْنُونٍ مَا يَقْتَضِيهِ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ مُسْتَأْسَرًا أَوْ مَنْ لَا يُدَافِعُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَلَبِهِ شَيْءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّلَبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نَفْلَ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ الْفَرَسُ وَسَرْجُهُ وَلِجَامُهُ وَخَاتَمُهُ وَدِرْعُهُ وَبَيْضَتُهُ وَمِنْطَقَتُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رِجْلَيْهِ إلَى سَاعِدَيْهِ وَسَاقَيْهِ وَرَأْسِهِ وَالسِّلَاحُ وَنَحْوُهُ وَحِلْيَةُ السَّيْفِ تَبَعٌ لِلسَّيْفِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الطَّوْقِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْعَيْنِ كُلِّهِ وَلَا فِي الصَّلِيبِ يَكُونُ مَعَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَدْخُلُ فِي السَّلَبِ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَسِلَاحُهُ وَمِنْطَقَتُهُ الَّتِي فِيهَا نَفَقَتُهُ وَسِوَارَاهُ وَفَرَسُهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُمْسِكُهُ لِوَجْهِ قِتَالٍ عَلَيْهِ فَأَمَّا إنْ كَانَ يُجْنَبُ أَوْ كَانَ مُنْفَلِتًا فَلَيْسَ مِنْ السَّلَبِ فَتَحْقِيقُ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ لِبَاسِهِ الْمُعْتَادِ وَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ فَرَسٍ أَوْ سِلَاحٍ فَهُوَ مِنْ السَّلَبِ وَمَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ وَالْحُلِيِّ وَالنَّفَقَةِ الْمُعْتَادَةِ وَمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْحَرْبِ فَهُوَ مِنْ السَّلَبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقُمْت فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت يُرِيدُ قَامَ لِيَطْلُبَ سَلَبَ الْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلَهُ لَمَّا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ تَأَمَّلْ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ أَحَدًا رَآهُ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَنْ يَشْهَدُ لِي بِذَلِكَ فَلَمَّا اسْتَبْعَدَ أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ يَصِلُ بِهَا إلَى اسْتِحْقَاقِ سَلَبِ الْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلَهُ جَلَسَ عَنْ الْقِيَامِ فِي ذَلِكَ وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ تَكْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ثَلَاثَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّاتٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهَا فِي سَاعَاتٍ مُفْتَرِقَةٍ لِكَيْ يَسْمَعَ قَوْلَهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إذَا قَالَ قَوْلًا أَعَادَهُ ثَلَاثًا فَيَكُونُ قَالَ ذَلِكَ قَوْلًا مُتَقَارِبًا وَقِيَامُ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِمَا كَانَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ الْأَمَلِ فِي سَلَبِ قَتِيلِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا كَانَ يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِسَلَبِ ذَلِكَ الْقَتِيلِ لِعِلْمِهِ بِقَتْلِهِ لَهُ ثُمَّ كَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ مَعْدُومَةٌ وَمَا الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ هَذَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ أَمَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ دُونَ يَمِينٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ إذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ: لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَأَضَافَ السَّلَبَ إلَى مِلْكِهِ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَطَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخَبَرِ لَا طَرِيقُ الشَّهَادَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُهُ فَعَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ السَّلَبُ لَهُ وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَأَمَّا إنْ جَاءَ بِسَلَبٍ فَقَالَ: أَنَا قَتَلْت صَاحِبَ هَذَا السَّلَبِ فَلَا يَأْخُذُ السَّلَبَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالسَّلَبِ أَنَّ الرَّأْسَ فِي الْأَغْلَبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِيَدِ مَنْ قَتَلَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ يَمْنَعُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَلَا يَتْرُكُهُ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ نَفَّلَهُ سَلَبَهُ فَهَذَا لَا يَشْهَدُ لَهُ وَأَمَّا السَّلَبُ فَلَيْسَ كَوْنُهُ بِيَدِهِ شَاهِدًا لَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ سَلَبٍ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إلَّا كَحَقِّهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ صَاحِبُ الرَّأْسِ وَلَا صَاحِبُ السَّلَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ احْتِجَاجِ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ لَفْظِ الْبَيِّنَةِ يَقْتَضِي الشَّهَادَةَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمَالَ وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْقَتْلَ وَهُوَ حُكْمٌ فِي الْجَسَدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى قِيَامَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ هَذَا أَوْ مِمَّنْ فِي نَفْسِهِ شُبْهَةٌ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بَيَّنَ لَهُ وَجْهَ اسْتِحْقَاقِهِ وَهَدَاهُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ أَوْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّ لَهُ حَاجَةً فَمَنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنْ إبْدَائِهَا وَتَبْعَثُهُ حَاجَتُهُ عَلَى الْقِيَامِ إلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُسَهِّلَ عَلَيْهِ اسْتِفْتَاحَ الْكَلَامِ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا جَرَى لَهُ وَالْمُوجِبُ لِقِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ صِدْقُ شَهَادَةٍ لِأَبِي قَتَادَةَ بِقَتْلِهِ وَبِإِضَافَةِ السَّلَبِ الَّذِي عِنْدِي إلَى ذَلِكَ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لِلْقَتِيلِ يَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدُهُمَا مُبَاشَرَةَ قَتْلِهِ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ السَّلَبَ لَهُ إذَا وُجِدَ السَّلَبُ عَلَيْهِ وَمَعَهُ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ كَوْنَ رَأْسِ الْقَتِيلِ مَعَهُ شَهَادَةٌ لَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ سَلَبُ الْقَتِيلِ بِيَدِهِ شَهَادَةً لَهُ بِهِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ قُلْنَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي عِدَةً وَرَغْبَةً إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يَهَبَهُ إيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قِبَلَهُ وَيُعَوِّضَ أَبَا قَتَادَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرْضَى بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنْ النَّفْلِ وَالسَّلَبُ مِنْ النَّفْلِ قَالَ: ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ لِمَسْأَلَتِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَا هِيَ؟ قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُحْرِجَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مِثْلُ هَذَا؟ مِثْلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَبَهُ يُرِيدُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ مِنْ أُسْدِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَضَافَهُ إلَى اللَّهِ لَمَّا كَانَ عَمَلُهُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] فَأَضَافَهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانُوا عَامِلِينَ لَهُ وَقَوْلُهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَتُهُمَا الْعُلْيَا وَدِينُهُمَا الظَّاهِرَ وَأَضَافَ السَّلَبَ إلَى الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ لَمَّا كَانَ قَدْ اسْتَحَقَّهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ كُلُّ قَاتِلٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا وُقِفَ تَسْلِيمُهُ لِوُجُودِ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ وَلَمَّا اسْتَحَقَّ أَبُو قَتَادَةَ سَلَبَ ذَلِكَ الْقَتِيلِ بِعَيْنِهِ مَلَكَ أَعْيَانَ السَّلَبِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهُ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ عُوِّضَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُسْتَحِقٌّ سَلَبَ الْقَتِيلِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ بِالْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الرَّجُلِ لِسَلَبِ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَمْرًا لَهُ بِإِعْطَائِهِ أَبَا قَتَادَةَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ سَلَبِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ أَوْجَبَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ الرَّجُلُ فَبَاعَ أَبُو قَتَادَةَ الدِّرْعَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ السَّلَبِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا وَالْمَخْرَفُ الْبُسْتَانُ تَكُونُ فِيهِ الْفَاكِهَةُ مِنْ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَالْخُرْفَةُ هِيَ الْفَاكِهَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ مِنْ جُمْلَةِ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّهُ سَمَّى بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ بِهَا وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرَ النَّخِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ بِعَطْفِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ عَلَى الْفَاكِهَةِ فَعَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَعَطَفَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُمَا مِنْ أَفَاضِلِ الْمَلَائِكَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِالْمَالِ هَهُنَا الْأَصْلَ الَّذِي لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ اتَّخَذَهَا عَلَى مَعْنَى التَّأَثُّلِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ كَالثَّوْبِ يَلْبَسُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَعْنَى التَّأَثُّلِ. (ش) : سُؤَالُ الرَّجُلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْأَنْفَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْغَنَائِمُ قِيلَ: وَالْأَنْفَالُ جَمْعُ نَفْلٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْغَنِيمَةُ نَفْلًا لِأَنَّهَا تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْأَنْفَالُ هِيَ الزِّيَادَاتُ الَّتِي يَزِيدُهَا الْأَئِمَّةُ لِلنَّاسِ إذَا شَاءُوا ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَنْفَالُ مَا شَذَّ مِنْ الْعَدُوِّ وَمِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ ذَلِكَ مَنْ شَاءَ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَنْفَالَ هِيَ الْغَنَائِمُ قَالَ: إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ جَعَلَهَا مُحْكَمَةً فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الرَّجُلِ عَنْ الْأَنْفَالِ الْمَذْكُورَةِ فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمُقْتَضَاهَا فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِذِكْرِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا وَهُوَ بَعْضُهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لِمَنْ عَرَفَ أَنَّ الْأَنْفَالَ هِيَ الزِّيَادَةُ الَّتِي.

[ما جاء في إعطاء النفل من الخمس]

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ الْعَدُوِّ أَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ) . مَا جَاءَ فِي إعْطَاءِ النَّفْلِ مِنْ الْخُمُسِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَثْبُتُ بِالشَّرْعِ أَوْ بِالْعُرْفِ فِي الشَّرْعِ وَأَمَّا مَنْ سَأَلَ عَنْ نَفْسِ الْأَنْفَالِ فَلَيْسَ هَذَا جَوَابُهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يَتَبَيَّنْ سُؤَالَهُ وَلَا تَبَيَّنَ مُرَادَهُ فَاعْتَقَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَسْأَلُهُ عَمَّا قَدْ جَاوَبَهُ بِهِ أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِسُؤَالِهِ مِنْ سُوءِ التَّأْوِيلِ وَإِظْهَارِ الْإِعْجَابِ بِقَوْلِهِ وَادِّعَاءِ الْمَعْرِفَةِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ وَانْفِرَادِهِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مَا اقْتَضَى أَنْ يُجَاوِبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا جَاوَبَهُ بِهِ أَوْ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ السُّؤَالَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مَسَائِلِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ فَيُغْفِلُ ذَلِكَ وَيُقْبِلُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ وَلَا يَفْهَمُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مِثْلُ هَذَا؟ مِثْلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقِصَّةُ صَبِيغٍ الْمَذْكُورِ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جَاءَ صَبِيغٌ التَّيْمِيُّ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عَنْ الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا؟ قَالَ: هِيَ الرِّيَاحُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْحَامِلَاتِ وِقْرًا؟ قَالَ: هِيَ السَّحَابُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْجَارِيَاتِ يُسْرًا؟ قَالَ: هِيَ السُّفُنُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ فَلَمَّا بَرَأَ دَعَا بِهِ فَضَرَبَهُ مِائَةً أُخْرَى وَحَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ وَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: امْنَعْ النَّاسَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحَلَفَ لَهُ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ يَجِدُ شَيْئًا فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ: مَا أَخَالُهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَالَسَتِهِ النَّاسَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سَلَبَ الْمَقْتُولِ لَا يَكُونُ لِلْقَاتِلِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْعُمُومِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ قَوْلُهُ فِي الْخُصُوصِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ: إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ وَإِنْ قَتَلْت فُلَانًا الرَّجُلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَكَ سَلَبُهُ أَوْ يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ بَنِي فُلَانٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ سَلَبُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى حَسْبِ مَا قَالَهُ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَهُ عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَغَازِي قَبْلَ حُنَيْنٍ وَبَعْدَهُ عُرِّيَتْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ هَذَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا سَلَبُهُ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ وَأَنَّهُ إنْ قَالَهُ وَحَكَمَ بِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا سَلَبُهُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ نَاسِخًا لِلثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ نَاسِخًا لِبَعْضِ حُكْمِ الْآيَةِ أَوْ مُخَصِّصًا لِعُمُومِهَا أَوْ مُفَسِّرًا لِحُكْمِهَا وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخُمُسَ الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُنْصَرِفٌ بَعْضُهُ وَهُوَ سَلَبُ الْمَقْتُولِ لِلْقَاتِلِ إذَا رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ قَبْلَ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَمِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ لَا تَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي إعْطَاءِ النَّفْلِ مِنْ الْخُمُسِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّاسُ كَانُوا يُعْطَوْنَ النَّفَلَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْخُمُسَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّفْلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مُوَثَّقٌ إلَّا اجْتِهَادَ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَرَّضٌ لِمِثْلِ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلْيُعْطَ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ لَا يَفْضُلُ فِيهِ أَحَدٌ لِغَنَاءٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ أَحَدٌ لِقِلَّةِ غَنَاءٍ وَهُوَ أَحَبُّ الْأَقْوَالِ إلَى مَالِكٍ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ وَلَا يُخَمِّسُ وَإِنَّمَا يُخْرِجُ أَوَّلًا الْأَنْفَالَ لِلْقَاتِلِينَ ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْآخَرِ أَنَّ الْآخَرَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَلِهَذَا عَلَيْهِ مَزِيَّةٌ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إنَّ هَذَا أَوْلَى بِأَنْ يُؤْخَذَ بِهِ كَمَا يُقَالُ إقَامَةُ الْحُقُوقِ أَوْلَى مِنْ تَضْيِيعِهَا. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ النَّفْلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ؟ مَعْنَاهُ أَنْ يُنَفِّلَ قَوْمًا يَخُصُّهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِأَمْرٍ يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ سَرِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِثْلُ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً وَيُنَفِّلَهَا الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ حَكَمَ لَهَا بِهِ الْإِمَامُ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ غَنِمَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ ثُمَّ لَقِيَهَا عَسْكَرٌ آخَرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَهُ الْخَلِيفَةُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ السَّرِيَّةُ ضَعِيفَةً عَنْ النُّفُوذِ بِمَا غَنِمَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْعَسْكَرِ الَّذِي انْفَصَلَتْ عَنْهُ عَوْنٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَسْكَرَ الثَّانِيَ يُشْرِكُهُمْ فِي النَّفْلِ وَالْغَنِيمَةِ فَمَا صَارَ لِلسَّرِيَّةِ مِنْ نَفْلٍ أَخَذَتْهُ وَمَا صَارَ لَهَا مِنْ مَغْنَمٍ ضُمَّ إلَى مَا يَأْتِي بِهِ الْعَسْكَرُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَغَانِمِ وَإِنْ كَانَتْ السَّرِيَّةُ قَوِيَّةً عَلَى التَّخَلُّصِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْعَسْكَرُ الثَّانِي فِي نَفْلٍ وَلَا سَهْمٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَنْفَذَ الْأَمِيرُ سَرِيَّةً عَلَى أَنَّ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ نَفْلٌ لَهُمْ فَلَمَّا فُصِلَتْ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَغْنَمُوا وَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَغْنَمُوا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعُودُ لِمَنَافِعِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُرِيدُ مُؤَقَّتًا يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ يَفْعَلُهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ وَيَتْرُكُهُ إذَا تَرَكَهُ وَمَا حُدَّ بِالشَّرْعِ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ فِيهِ وَلِذَلِكَ مَا كَانَ الْخُمُسُ مِنْ الْمَغْنَمِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُؤَقَّتًا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَمَّا كَانَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا لِغَنَائِهِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْ حَظِّهِ لِضَعْفِهِ لِرَأْيٍ يَرَاهُ وَلَا لِمَصْلَحَةٍ يَعْتَقِدُهَا وَأَمَّا النَّفَلُ فَلَهُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ فِي مُغَازِيَةِ كُلِّهَا يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرْوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ وَالثَّانِي أَنْ يُرْوَى عَنْ ثِقَةٍ أَنَّهُ نَفَّلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ كَذَا حَتَّى يَسْتَوْعِبَ ذَلِكَ مَغَازِيَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْوَجْهَيْنِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَيَأْذَنُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لَازِمًا فِي كُلِّ غَزْوَةٍ لَحَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَائِرِ مَغَازِيهِ كَمَا حَكَمَ بِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَلَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ حَكَمَ بِهِ لَبَلَغَنَا كَمَا بَلَغَ حُكْمُهُ بِذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِمَا كَانَ يَرَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي تَرْكِ الْحُكْمِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.

[القسم للخيل في الغزو]

الْقَسْمُ لِلْخَيْلِ فِي الْغَزْوِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَقُولُ: لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ ذَلِكَ) . (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَهَلْ يُقْسَمُ لَهَا كُلِّهَا؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ لَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ يَرَى الْإِمَامُ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي أَنْ يَأْمُرَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْمَغْنَمِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْ يُنَفِّلَ السَّرِيَّةَ فَيُعْطِيَهَا ثُلُثَ مَا يَغْنَمُهُ أَوْ رُبْعَهُ تَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْجَيْشِ لِمَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ لِلسَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ يَرَى الصَّوَابَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ فِي آخِرِ الْمَغْنَمِ عَلَى حَسْبِ مَا فَعَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْمَغْنَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقَسْمُ لِلْخَيْلِ فِي الْغَزْوِ] (ش) : يُرِيدُ لِلْفَرَسِ سَهْمٌ يَخُصُّهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْفَرَسِ خَاصَّةً سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ الَّذِي يَرْكَبُهُ سَهْمٌ كَالرَّاجِلِ الْمُفْرَدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَاحِدٌ فَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّ الْفَرَسَ لَمَّا كَانَتْ مُؤْنَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مُؤْنَةِ فَارِسِهِ وَغَنَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَنَاءِ الْفَارِسِ زِيدَ فِي الْقَسْمِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ الرَّهِيصِ يُدَرَّبُ بِهِ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي سَهْمِهِ فَقَالَ مَالِكٌ يُسْهَمُ لَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: لَا يُسْهَمُ لَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَلَى حَالَةٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَيُتَرَقَّبُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَاَلَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ الْخَفِيفُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ الْآنَ فَأَشْبَهَ الْكَسِيرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكَسِيرُ يُدَرَّبُ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِدْرَابِ لَا سَهْمَ لَهُ قَالَهُ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى حَالَةٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَا يُتَرَقَّبُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ إذَا أَصَابَهُ بَعْدَ أَنْ أُدْرِبَ لَيْسَ بِمُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْهَمُ لَهُ إذَا أَصَابَهُ بَعْدَ حُضُورِ الْقِتَالِ بِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ يَنْحُو إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ كَثِيرَةٍ فَكَانَ مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ مِنْهَا إلَّا مَعَ فَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُسْهَمُ لِسَائِرِهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْهَمُ لِفَرَسٍ يَرْكَبُهُ فَارِسٌ وَأَمَّا فَرَسٌ لَا يَرْكَبُهُ أَحَدٌ وَلَا يُقَاتَلُ عَلَيْهِ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَهَذَا الْفَارِسُ إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ عِدَّةُ أَفْرَاسٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ فَارِسَ فَرَسَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسْهَمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الْفَرَسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَسَهْمَاهُ لِلَّذِي حَضَرَ بِهِ الْقِتَالَ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ رَكِبَهُ فِي أَكْثَرِ طَرِيقِهِ وَعَلَيْهِ لِلْآخَرِ أُجْرَتُهُ وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ الْقِتَالَ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِقْدَارِ مَا حَضَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْإِجَارَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ حُضُورُ الْقِتَالِ فَكَانَ أَحَقُّهُمَا بِسَهْمَيْ الْفَرَسِ مَنْ حَضَرَ عَلَيْهِ الْقِتَالَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ كَاَلَّذِي يَعْمَلُ عَلَى الدَّابَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ فَإِنَّ لَهُ مَا أَصَابَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ كِرَاءِ الدَّابَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ.

لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ إلَّا مِنْ الْخَيْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ إذَا أَجَازَهَا الْوَالِي وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَسُئِلَ عَنْ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا مِنْ صَدَقَةٍ فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْبَرَاذِينُ هِيَ الْعِظَامُ يُرِيدُ الْجَافِيَةَ الْخِلْقَةُ الْغَلِيظَةَ الْأَعْضَاءُ وَلَيْسَتْ الْعِرَابُ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا أَضْمَرُ وَأَرَقُّ أَعْضَاءً وَأَحْلَى خِلْقَةً وَأَمَّا الْهُجُنُ فَهِيَ الَّتِي أَبُوهَا عَرَبِيٌّ وَأُمُّهَا مِنْ الْبَرَاذِينِ فَهِيَ مِنْ الْهُجُنِ وَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ هَذَا إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِهَا وَإِنْ افْتَرَقَتْ فِي أَنْوَاعِهَا فَمِنْهَا الْعِرَابُ وَمِنْهَا الْهُجُنُ وَالْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا مِنْ الْخَيْلِ أَيْ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُهَا وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَمْلَقُوا جَمَعُوا أَزْوَادَهُمْ وَتَسَاوَوْا فِيهَا فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فِي النَّسَبِ وَلَا أَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ خُلُقَهُمْ فِي الْمُسَاوَاةِ أَقْرَبُ الْأَخْلَاقِ إلَى خُلُقِهِ الْكَرِيمِ الْعَظِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتِدْلَالُ مَالِكٍ بِالْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ ذِكْرَ الْحَيَوَانِ الْمُشَارِ إلَى رُكُوبِهِ وَالْحِمْلِ عَلَيْهِ لِيُعَدِّدَ نِعَمَهُ عَلَيْنَا بِذِكْرِ الْأَنْعَامِ وَمَا نَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ هَذَا الْجِنْسَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْهُجُنَ وَلَا الْبَرَاذِينَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] الْآيَةُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْهُجُنَ وَالْبَرَاذِينَ مِنْ الْخَيْلِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] ثَبَتَ أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِمَّا سَمَّى اللَّهُ لِأَنَّهَا مِمَّا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ تُرْبَطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِيُذْهَبَ بِهَا إلَى الْعَدُوِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَنَا أَرَى أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ إذَا أَجَازَهَا الْوَالِي يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهَا إنْ سُهِمَ لَهَا كَحُكْمِ الْخَيْلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَشْبَهَتْ الْخَيْلَ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَالطَّلَبِ بِهَا أُسْهِمَ لَهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ مِنْ الْخَيْلِ الْكَرُّ وَالْفَرُّ عَلَيْهَا وَالطَّلَبُ بِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ حَبِيبٍ إجَازَةَ الْوَالِي لَهَا وَإِنَّمَا اشْتَرَطَهُ مَالِكٌ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ التَّخَلُّقِ وَالدَّنَاءَةِ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهَا فَمِثْلُ هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يُجِيزَهُ الْوَالِي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا عَيْبٌ لَا يُقَاتَلُ عَلَى مِثْلِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَلِكَ عِنْدِي إلَى الْعَيْبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ أَمْرًا ثَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا مِنْهُ وَأَمَّا مَا يُرْجَى بُرْؤُهَا مِنْهُ بِالْقُرْبِ كَالرَّهِيصِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ السَّهْمَ قَالَ سَحْنُونٌ وَإِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِفَرَسٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَيْهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِمَّنْ صَعُبَ لَا يُرْكَبُ فَهُوَ رَاجِلٌ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَمْرَ الْخَيْلِ فَيُمَيِّزَ مِنْهَا مَا يَجِبُ إجَازَتُهُ وَيَرُدَّ مِنْهَا مَا يَجِبُ رَدُّهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَاثُ الْخَيْلِ بِمَنْزِلَةِ ذُكُورِهَا يُسْهَمُ لَهَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ عَلَيْهَا مِنْ الْقِتَالِ وَالطَّلَبِ مَا يُمْكِنُ عَلَى ذُكُورِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهَا كَمَا يُسْهَمُ لِلذُّكُورِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِغَارُ الْخَيْلِ لَا مَرْكَبَ فِيهَا وَلَا حِمْلَ فَلَا يُسْهَمُ لَهَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى ذَلِكَ أُسْهِمَ لَهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُقَاتَلُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي فِرَارٍ وَلَا طَلَبٍ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ كَالْكَثِيرِ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ دَخَلَ بِفَرَسٍ صَغِيرٍ فَبَقِيَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ حَتَّى كَبِرَ وَصَارَ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْ يَوْمَئِذٍ سَهْمُ فَرَسٍ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَلَغَ مِنْ الصِّبْيَانِ بِأَرْضِ

[ما جاء في الغلول]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعْرَانَةِ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونَنِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدُوِّ فَلَا سَهْمَ لَهُ إلَّا فِيمَا غَنِمُوا بَعْدَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا رَاكِبُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ أَوْ الْبِرْذَوْنِ الَّذِي لَا يُجِيزُهُ الْوَالِي فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَا يُرْضَخُ لَهُ. (فَصْلٌ) : قَالَ: وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُئِلَ عَنْ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا مِنْ صَدَقَةٍ فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ يُرِيدُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ صَدَقَةِ الْبَرَاذِينِ فَأَجَابَ بِنَفْيِ الصَّدَقَةِ عَنْ الْخَيْلِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَرَاذِينَ عِنْدَهُ مِنْ الْخَيْلِ وَإِلَّا كَانَ مُجِيبًا عَنْ غَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَرَاذِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَيْلِ وَاسْمُ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُهَا وَلِذَلِكَ فُهِمَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَفْيُ الزَّكَاةِ عَنْ الْبَرَاذِينِ بِنَفْيِهَا عَنْ الْخَيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ] 1 (مَا جَاءَ فِي الْغُلُولِ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَ غُلُولًا لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهُ كَانَ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُدْخِلُهُ فِي أَضْعَافِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَاءُ الْجَارِي مِنْ الشَّجَرِ غُلَلًا وَقَالَ يَعْقُوبُ: يُقَالُ فِي الْمَغْنَمِ غَلَّ يَغُلُّ وَغَلَّ يَغِلُّ إذَا خَانَ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعْرَانَةِ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ فَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ حَتَّى نَزَعَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونَنِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَدَرَ مِنْ حُنَيْنٍ يُرِيدُ حَيْثُ أَصَابَ هَوَازِنَ فَأَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ فَصَدَرَ يُرِيدُ الْجِعْرَانَةِ وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى مَكَّةَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْهَا وَحُنَيْنٌ يَقْرَبُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَسَأَلَهُ النَّاسُ قَسْمَ تِلْكَ الْغَنَائِمِ وَضَايَقُوهُ فِي طَرِيقِهِ لِإِلْحَاحِهِمْ عَلَيْهِ بِالْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَلْجَؤُهُ إلَى سَمُرَةَ فَدَنَتْ نَاقَتُهُ مِنْهَا فَعَلِقَتْ بِرِدَائِهِ وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يُلْقِيهِ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَزَعَهُ عَنْ ظَهْرِهِ. (فَصْلٌ) : «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي» يُرِيدُ ثَوْبَهُ الَّذِي انْتَزَعَتْهُ السُّمْرَةُ مِنْهُ أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ الْإِنْكَارَ لِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ إيَّاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ سُؤَالُ مَنْ يَخَافُ أَنْ يُمْنَعَ حَقُّهُ وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ سَيُعْطَاهُ وَيَسْتَوْفِيهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْأَلَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ فَيَسْتَغْنِي عَنْ الْإِلْحَاحِ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ سَيُعْطِي مَنْ لَهُ سَهْمٌ سَهْمَهُ وَيُعْطِي مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنْ الْخُمُسِ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَتِلْكَ قِسْمَةٌ أُخْرَى فِي الْخُمُسِ تَتَنَاوَلُ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ» قَسَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ لِفِعْلِهِمْ وَكَثْرَةِ إلْحَاحِهِمْ عَلَيْهِ بِالسُّؤَالِ فِيمَا قَدْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ حَتَّى أَنَّهُمْ قَدْ اعْتَقَدُوا فِيهِ الْمَنْعَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ فُقَهَاءُ الصَّحَابَةِ وَلَا فُضَلَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أَوْ مِمَّنْ قَرُبَ إسْلَامُهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْفِقْهُ بَعْدُ فِي نَفْسِهِ وَلَا عَرَفَ أَنَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ تَفْرِيقَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ وَرَدَّ الْخُمُسِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَأَقْسَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَثْرَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَمَا مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ. (فَصْلٌ) : «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَا تَجِدُونَنِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا» يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَهُنَا ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ إنِّي أَقْسِمُ عَلَيْكُمْ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا تَجِدُونِي بَخِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَجِدُونِي جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ عَلَى بَابِهَا فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُهْلَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنِّي أَقْسِمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَعْدَ هَذَا بَخِيلًا بِمَا يَكُونُ لِي مَنْعُهُ وَصَرْفُهُ إلَى سِوَاكُمْ وَلَا كَذَّابًا وَلَا جَبَانًا وَخَصَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِنَفْيِهَا عَنْ نَفْسِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: لِأَنَّ وُجُودَ أَضْدَادِهَا مِنْ الْجُودِ وَالصِّدْقِ وَالشَّجَاعَةِ مِنْ صِفَاتِ الْإِمَامِ فَنَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَفْسِهِ النَّقَائِصَ الَّتِي لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فِي الْإِمَامِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا مَنْ كَانَتْ فِيهِ وَعَلَى هَذَا مَا قَالَهُ عُمَرُ: إنَّ صِفَاتِ الْإِمَامِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ إحْدَى عَشَرَةَ صِفَةً فَقَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ أَضْدَادَ جَمِيعِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ هَذِهِ الثَّلَاثَ الْخِلَالَ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا سَأَلُوهُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ مِنْ الْغَنَائِمِ وَالْمَالِ فَأَقْسَمَ أَنَّهُ يَقْسِمُ جَمِيعَهَا بَيْنَهُمْ وَلَا يَجِدُوهُ بَخِيلًا وَلَا كَذَّابًا فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ قِسْمَتِهَا وَلَا جَبَانًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَنْ عَدُوٍّ يَظْهَرُ فِي اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَغْنَمَ مِثْلَ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ وَأَكْثَرَ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ جَبَانًا عَنْ السَّائِلِينَ لَهُ وَأَنَّ قِسْمَتَهُ الْفَيْءَ عَلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ عَنْ جُبْنٍ وَضَعْفٍ عَنْ مَنْعِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ وَتَفَضُّلًا عَلَى أُمَّتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ يُرِيدُ لَمَّا نَزَلَ مِنْ مَرْكَبِهِ وَلَعَلَّ نُزُولَهُ كَانَ بِالْجِعْرَانَةِ لِقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَكَانَتْ الْجِعْرَانَةِ إذْ ذَاكَ دَارَ حَرْبٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْسَمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الْحَرْبِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخَائِطُ وَالْمِخْيَطُ فَإِنَّ الْخَائِطَ وَاحِدُ الْخُيُوطِ وَالْمِخْيَطَ الْإِبْرَةُ وَمَنْ رَوَاهُ الْخِيَاطَ فَقَدْ يَكُونُ الْخِيَاطُ الْخُيُوطَ وَيَكُونُ الْإِبْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وَمَعْنَى ذَلِكَ الْأَمْرُ بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ التَّافِهِ وَإِذَا وَجَبَ رَدُّ الْقَلِيلِ فَبِأَنْ يَجِبَ رَدُّ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ أَوْلَى وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] فَمَنْ أَدَّى الْقِنْطَارَ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدِّينَارَ وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الدِّينَارَ فَهُوَ أَبْعَدُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْقِنْطَارَ فَإِذَا وَجَبَ أَدَاءُ الْخَيْطِ وَالْإِبْرَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَبِأَنْ يَجِبَ أَدَاءُ الثَّوْبِ وَالْعَيْنِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَسَّعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا لَا ثَمَنَ لَهُ مِثْلُ الْخِرْقَةِ يُرْقَعُ بِهَا أَوْ الْخَيْطِ يَخِيطُ بِهِ أَوْ مِسَلَّةٍ أَوْ إبْرَةٍ فَقَالَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَقَالَهُ أَصْبُغُ وَقَالَ: لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَاَلَّذِي يَرُدُّ الْخَيْطَ وَالْكُبَّةَ وَمِثْلَهُ مِمَّا ثَمَنُهُ دَانِقٌ وَشَبَهُهُ أَخَافُ أَنْ يُرَائِيَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا كَانَ ثَمَنُهُ دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا يَبِيعَهُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ لَا عَلَى مَعْنَى إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خَيْطٍ مِنْ وَبَرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ نَقْلُهُ وَرَدُّهُ إلَى الْغَنَائِمِ وَهَذَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هَذَا ثُمَّ تَنَاوَلَ وَبَرَةً مِنْ الْأَرْضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ بَعِيرِ غَيْرِهِ أَذًى فَلَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ خَانَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ غَلَّ وَأَمَّا الشَّنَارُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْعَيْبِ وَالْعَارِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الشَّنَارُ الْعَيْبُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ مَا يُسَاوِينَ دِرْهَمَيْنِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَارُ وَأَنْشَدَ لِلْقَطَامِيِّ وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ وَهُمْ رُعَاةٌ ... وَلَوْلَا رَعْيُهُمْ شَنَعَ الشَّنَارُ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا يُرِيدُ مَا هُوَ غَايَةٌ فِي النِّذَارَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْقَذَرِ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ يُرِيدُ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ لَا حَقّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْخُمُسِ فَهُوَ لَهُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ ذَلِكَ الْخُمُسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ يُوصَفُ بِالْخُمُسِ يَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ غَيْرَ الْخُمُسِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ لِأَحَدٍ. (ش) : قَوْلُهُ تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِثْبَاتُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَهُودٌ يُؤْخَذُ خَرَزُهُمْ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إذْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَذَكَرُوا وَفَاتَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَيْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجَاءَ بَرَكَةِ صَلَاتِهِ وَدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ امْتِنَاعًا مِمَّا قَصَدُوهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى مَنْ لَا تُرْضَى حَالُهُ وَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْدَثَ حَدَثًا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَّا بِخَبَرِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ بِوَحْيٍ إلَيْهِ وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي امْتِنَاعِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَلَى وَجْهِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الْإِيمَانِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَنْ غَلَّ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَنَّ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ غَلَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ وَأَنَّ لِمَنْ رَأَى الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ تَكُونُ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ لِامْتِنَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ ذَنْبًا انْفَرَدَ بِهِ فَخَافُوا أَنْ يَكُونَ مَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَمْرًا يَشْمَلُهُمْ فَيَهْلِكُونَ بِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبِيلَةً وَطَائِفَةً تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ لِمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ أَمْرِهِ وَلَمَّا خَافُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنًى شَائِعٍ فِيهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ عَلَى وَجْهِ التَّبْيِينِ لِلْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْغُلُولِ وَإِذْهَابٌ لِمَا فِي نَفْسِ مَنْ لَمْ يَغُلَّ وَأَمَانٌ لَهُ مِنْ امْتِنَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فَتَحُوا مَتَاعَهُ لِيَنْظُرُوا هَلْ يَجِدُوا مِمَّا غَلَّ فِيهِ فَيَرُدُّوهُ إلَى الْغَنَائِمِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْكِنَانِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ قَالَ: وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْذَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ فَوَجَدُوا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهَا مِنْ الْغَنَائِمِ لِأَنَّهُمْ انْفَصِلُوا عَنْ غَنَائِمِ الْيَهُودِ بِخَيْبَرَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْمَتَاعِ لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُحْمَلُ فِيهِ الْخَرَزُ لِزِينَةٍ وَلَا لِبَيْعٍ فَعَلِمُوا بِذَلِكَ أَنَّهَا غُلٌّ مِنْ الْغَنَائِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ رَآهَا مِنْ دُورِ الْيَهُودِ فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا فَلَمَّا وَجَدَهَا فِي مَتَاعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَرَفَهَا وَوَصَفَهَا بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِعْلَامِ بِجِنْسِهَا وَقِلَّةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا أَخْبَرَ بِقِيمَتِهَا لِيُعْلِمَ بِتَفَاهَةِ قِيمَتِهَا وَأَنَّ أَخْذَ هَذَا الْمِقْدَارِ عَلَى تَفَاهَتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَاةِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَرَضِيَهُ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَحَيَّزُ فِي نُزُولِهَا تَنْزِلُ كُلُّ قَبِيلَةٍ فِي جِهَةٍ فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ فِي قَبَائِلِهِمْ يُرِيدُ فِي مَوَاضِعِهِمْ الَّتِي تَحَيَّزُوا فِيهَا بِالْقَبَائِلِ يَدْعُو لَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ إتْيَانَهُ الْقَبِيلَةَ إنَّمَا كَانَ لِلدُّعَاءِ اسْتِئْلَافًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِحْسَانًا إلَيْهِمْ وَإِرَادَةً أَنْ تَعُمَّهُمْ بَرَكَةُ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ بِهِ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِيلَةً مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِلِ لَمْ يَأْتِهِمْ وَلَا دَعَا لَهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى فِعْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِعَيْنِهِ بِالْوَحْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ثَمَّ مَعْنًى يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْقَبِيلَةَ وَجَدُوا فِي بَرْذَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدَ جَزْعٍ غُلُولًا وَالْجَزْعُ حِجَارَةٌ يُتَّخَذُ مِنْهَا أَمْثَالُ الْخَرَزِ فَتُنَظَّمُ فِيهِ الْقَلَائِدُ وَالْعُقُودُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ غَلَّ ذَلِكَ الْعِقْدَ وَصَيَّرَهُ فِي بَرْذَعَتِهِ وَهِيَ الْفِرَاشُ الْمُبَطَّنُ فَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْ الْإِتْيَانَ إلَيْهِمْ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الْقَبَائِلِ إلَّا لِحَدَثٍ فِيهِمْ كَشَفُوا عَنْ ذَلِكَ الْحَدَثِ وَفَتَّشُوا مَتَاعَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا عِنْدَهُمْ الْغُلُولَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ مَا وَجَدَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْغُلُولِ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَشَارَ بِتَكْبِيرِهِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعًا كَمَا يُكَبِّرُ عَلَى الْمَيِّتِ إلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْوَعْظَ وَلَا يَمْتَثِلُونَ الْأَوَامِرَ وَلَا يَجْتَنِبُونَ النَّوَاهِيَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتَى الَّذِينَ انْقَطَعَ عَمَلُهُمْ وَذَلِكَ أَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَا يُقْضَى لَهُ بِتَوْبَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْلَامِ بِسُوءِ مَصِيرِهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ الْمُسَمَّى قَزْمَانَ وَقَدْ بَلَى فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بَلَاءً عَظِيمًا فَقَالَ: إنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَانَتْ خَاتِمَتُهُ أَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ غَلَّ خَاصَّةً وَتَمَادَى عَلَى كِتْمَانِ مَا غَلَّهُ وَسَتَرَهُ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ إذَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إتْيَانِ قَبِيلَتِهِ وَالدُّعَاءِ لَهَا وَلَا صَرَفَهُ عَنْ سُوءِ مُعْتَقَدِهِ فِي الْإِصْرَارِ عَلَى الْغُلُولِ حَتَّى فَتَّشَ مَتَاعَهُ وَوَجَدَ الْغُلُولَ عِنْدَهُ وَلَعَلَّ مُعْتَقَدَهُ فِي الْإِيمَانِ كَانَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَكَانَ تَكْبِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَكْبِيرِهِ عَلَى الْمَيِّتِ إعْلَامًا بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالْمُعْتَقَدِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِتَوْبَةٍ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْعِصْمَةَ بِرَحْمَتِهِ.

أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ قَالَ: فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ غَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ عَامَ حُنَيْنٍ كَذَا قَالَ عَنْ مَالِكٍ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَامَ خَيْبَرَ وَقَوْلُهُ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرَقًا إلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمْوَالِ الثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ دُونَ الْوَرَقِ وَالذَّهَبِ وَيُقَالُ: إنَّهَا لُغَةُ دَوْسٍ وَالْأَظْهَرُ مِنْ لُغَةِ سَائِرِ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَالَ كُلُّ مَا تُمُوِّلَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ إلَّا الْأَمْوَالَ الْمَتَاعَ وَالثِّيَابَ اسْتِثْنَاءً مِنْ غَيْرِ جِنْسٍ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَمْوَالَ الَّتِي هِيَ الْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْوَرَقُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَالِ وَاقِعًا عَلَى الْوَرَقِ وَالذَّهَبِ وَالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَغْنَمْ مِنْ الْمَالِ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إلَّا الْأَمْوَالَ الَّتِي هِيَ الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْجِنْسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: وَلِذَلِكَ قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ أَمِيرِ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهَدِيَّةَ أُكَيْدِرِ دُومَة وَلَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّةَ عِيَاضٍ الْمُجَاشِعِيِّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ عَلَى الصَّدَقَةِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ هَلْ يُهْدَى لَهُ» وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَذَلِكَ أَنَّ قَبُولَهُ لِهَدِيَّةِ مُشْرِكٍ لَيْسَ فِي طَاعَتِهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَخْلُو مِنْ إحْدَى حَالَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ الْمُهْدِي فِي حَالِ مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ فَأَهْدَى إلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْأَمِيرِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُكَافِئُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ كَانَ الرُّومُ فِي ضَعْفٍ وَالْمُسْلِمُونَ مُشْرِفُونَ عَلَيْهِمْ فَقَصَدُوا بِذَلِكَ تَوْهِينَ عَزْمِهِمْ فَهَذِهِ رِشْوَةٌ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ قَالَ: وَهُوَ بِخِلَافِ أَنْ يُهْدَى الْعِلْجُ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَدِيَّةً تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يُهْدَى لِلْأَمِيرِ لِغَيْرِ سَبَبِ الْجَيْشِ لِمَوَدَّةِ قَرَابَةٍ وَمُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِخَاصَّتِهِ فَذَلِكَ لَهُ وَأَمَّا رَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَدِيَّةِ عِيَاضٍ الْمُجَاشِعِيِّ وَقَوْلُهُ إنَّا لَا نَقْبَلُ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا إنْكَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ قَوْلَهُ هَذَا أُهْدِيَ لِي فَإِنَّهُ كَانَ عَامِلًا وَهَذِهِ رِشْوَةٌ لِأَنَّ عَامِلَ الصَّدَقَةِ لَا يُهْدَى إلَيْهِ إلَّا لِيَتْرُكَ لِلْمُهْدِي حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ يَكُفَّ عَنْهُ ظُلْمَهُ وَإِذَايَتَهُ وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ رِشْوَةٍ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ يَقْبَلُهَا الْأَمِيرُ وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْجَيْشِ قَالَ: وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ فِي هَدِيَّةِ الْمُقَوْقِسِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ الِاخْتِصَاصَ بِهَا دُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبُولِهَا وَهَذَا وَجْهٌ يُحْتَمَلُ وَأَمَّا رَدُّهَا فَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ بَيِّنٌ فِي التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ لَهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ الْأَمِيرُ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَجَازَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُهْدِي يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ حُكْمِ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَشْهَبُ: لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَدِيَّتَهُ إلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ لِدَفْعِ مَظْلِمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا أَوْ تَرْكِ حَقٍّ لَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّرِيَّةِ يَبْعَثُهَا الْوَالِي فَيَرْجِعُونَ بِالْفَوَاكِهِ فَيَهْدُونَ إلَيْهِ مِثْلَ قُفَّةِ عِنَبٍ أَوْ تِينٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَمْثَلُ لِأَنَّا نَكْرَهُ لَهُ قَبُولَ مِثْلِ هَذَا الْغَزْوِ وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُهْدَى إلَّا لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ مَعَ تَفَاهَةِ قِيمَتِهِ هُنَاكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى إذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى الِاسْتِخْدَامِ بِالْعَبْدِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَكَانِ نُزُولِهِمْ وَتَحَفُّظِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَتَحَصُّنِهِمْ مِمَّا يُتَّقَى عَلَيْهِمْ مِنْهُ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ وَمَكَانِ الْقِتَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ جَاءَهُ سَهْمٌ غَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ السَّهْمُ الْغَائِرُ الَّذِي لَا يُدْرَى مَنْ رَمَى بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي غَيْرِ قِتَالٍ وَإِنَّمَا رُمِيَ بِهِ مِنْ قَصْدِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ مُقَاتِلًا بِرَمْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ عَلَى مَا اعْتَقَدُوا مِنْ أَنَّهُ شَهِيدٌ إذْ قُتِلَ فِي خِدْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ أَوْ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا ظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ إنَّهَا تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الْمَغَانِمِ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ وَلَا حَقٍّ وَإِنَّمَا أَخَذَهَا غُلُولًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهَا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا لِلُبْسِهِ فَلِذَلِكَ اشْتَعَلَتْ عَلَيْهِ نَارًا أَوْ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا ثُمَّ أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي السَّرِيَّةِ مِنْ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ أَوْ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا عَلَفًا فَذَلِكَ إذَا كَانَ إذَا بَلَغَ الْعَسْكَرَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ جَعَلَهُ فِي الْمَقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِدَابَّةٍ وَلَا سِلَاحٍ وَلَا ثَوْبٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ رَدَّهُ فِي الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَبِيعُ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِتَعُمَّ مَنْفَعَتُهُ الْمُسْلِمِينَ بِسَدِّ فَاقَةِ فَقِيرٍ مِنْ فُقَرَائِهِمْ أَوْ مِرْفَقٍ لِجَمَاعَةِ فُقَرَائِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُعَاقَبُ بِالْمَعَاصِي مِمَّنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إلَّا أَنَّ الْإِيمَانَ سَيَعُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْغُلُولِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَوْ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْكُفْرِ لَمَا رَدَّ مُؤْمِنٌ مَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ إيمَانِهِ وَلَمَا خَافَ الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمَا رَدُّوهُ مِنْ الشِّرَاكِ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ عُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَفَضُّلُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَفْوِ عَنْ الْعَاصِي وَإِنَّمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ بِفَضْلِ اللَّهِ الْخُلُودَ فِي النَّارِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ غَلَّ مِثْلَ هَذَا فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّارِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاكُ وَالشِّرَاكَانِ لَهُمَا الْقِيمَةُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ الدَّرَاهِمَ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ.

[الشهداء في سبيل الله]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ وَلَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا كَثُرَ فِيهِمْ الْمَوْتُ وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا قُطِعَ عَنْهُمْ الرِّزْقُ وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إلَّا فَشَا فِيهِمْ الدَّمُ وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ وَيَجُوزُ أَخْذُهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ لِلشِّرَاءِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهُ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ أَخَذَ مِثْلَ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ ثُمَّ تَابَ فَجَاءَ تَائِبًا بِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا نَكَالَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي تَمْنَعُ التَّعْزِيرَ وَإِنَّمَا تُثْبِتُ الْحُدُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ تَفَرَّقَ الْجَيْشُ تَصَدَّقَ عَنْهُمْ قَالَهُ مَالِكٌ: وَقَالَ اللَّيْثُ إنْ تَفَرَّقَ الْجَيْشُ جَعَلَ خُمُسَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَصَدَّقَ بِمَا بَقِيَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ أَنْ يُحْرَقَ رَحْلُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُحْرَقُ مَتَاعُهُ كُلُّهُ إلَّا سِلَاحَهُ وَثِيَابَهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَى صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَلَّ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ» انْفَرَدَ بِهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَدَنِيٌّ تَرَكَهُ مَالِكٌ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. (ش) : قَوْلُهُ مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا أُلْقِيَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَمَّا بَلَغَهُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَصَحَّحَ ذَلِكَ عَنْهَا التَّجْرِبَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِتَجْرِبَةٍ قَدْ جَرَّبَهَا النَّاسُ قَبْلَهُ فَصَحَّحَ قَوْلَهُمْ وَمَا زَعَمُوا مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِتَوْقِيفٍ لِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الزَّجْرَ وَالرَّدْعَ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَالزَّجْرُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ مِثْلِ هَذَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ نَقَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ ذِكْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ وَأَتَمَّ فِي الْمَوْعِظَةِ وَأَقْرَبَ مِنْ الْقَبُولِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَعَاصِي يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا كَثُرَتْ هَذِهِ الْمَعَاصِي وَأَعْلَنَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116] وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ قَسَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَعْنَى التَّحْقِيقِ وَالتَّأْكِيدِ لَا عَلَى مَعْنَى اسْتِفَادَةِ التَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ صِدْقُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَقَالَ: لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ بِمَعْنَى أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُقَاتِلَ فِيهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لِحَمِيَّةٍ وَلَا لِظُهُورِ مُكَافَأَةٍ وَلَا لِاسْتِجْلَابِ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَيُقْتَلُ فِي ذَلِكَ وَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا ذُكِرَ الْقَوْلُ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا وَقَدْ تَمَنَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الدَّرَجَةَ وَتَكَرُّرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَحْيَا فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ وَاسْتِسْهَالِ الْقَتْلِ وَأَلَمِ الْجِرَاحِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِمَا عَلِمَ مِنْ تَعْظِيمِ ثَوَابِ الشَّهِيدِ وَتَمَنِّي الثَّوَابِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ جَائِزٌ وَإِنْ تَمَنَّى الْمُكَلَّفُ مِنْهُ مَا لَا يُطِيقُهُ وَلَا

الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَك سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِي بِهَا عِنْدَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَمَنِّي خَيْرٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ يُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِمَا وَيَتَلَقَّاهُمَا مِنْ الثَّوَابِ وَالْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ بِمَا يَتَلَقَّى بِهِ الضَّاحِكُ الْمَسْرُورُ لِمَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَضْحَكُ مَلَائِكَتُهُ وَخَزَنَةُ جَنَّتِهِ أَوْ حَمَلَةُ عَرْشِهِ إلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى مَعْنَى التَّبْشِيرِ لَهُمَا وَالْإِعْلَامِ لَهُمَا بِمَا يَقْدَمَانِ عَلَيْهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ لِأَنَّ قَتْلَ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ عَلَى مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي بِمُسْتَقِرِّ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَهُوَ الْمُبْطِلُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ وَلَعَلَّهُمَا يَكُونَانِ مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا فَيَتُوبُ مِنْ كُفْرِهِ بِالْإِيمَانِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17] فَإِنْ كَانَتْ التَّوْبَةُ بِالْإِيمَانِ تُسْقِطُ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَاتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاسْتُشْهِدَ دَخَلَ الْجَنَّةَ مَعَ الَّذِي قَتَلَهُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ لَا يُجْرَحُ وَالْكُلُومُ الْجِرَاحُ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْ كَانَ يُقَاتِلُ فِي حَيِّزِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ وَيُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي حَيِّزِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ لِيَرَى مَكَانَهُ وَيُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَتُكْلَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِمَّنْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَوْنَ ذَلِكَ الدَّمِ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحَهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ. (ش) : فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ: يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حُجَّةٌ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ إمَّا بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ جُرْحِهِ ذَلِكَ فَكَرَّرَ قَوْلَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَى مَنْ قَتَلَهُ وَإِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ سَجَدُوا لِلَّهِ سَجْدَةً فَيَكُونُ لَهُمْ بِهَا حُجَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ خُلُودِهِمْ فِي النَّارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَهَا إشْفَاقًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصِيبَهُ مُؤْمِنٌ فَيُعَذَّبُ بِقَتْلِهِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحَاجُّ عُمَرُ فِي الْمَوْقِفِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ سَجَدَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ حُجَّتُهُ بِالْإِيمَانِ تَمْنَعُ عُمَرَ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِالنَّارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَوَلَّى قَتْلَهُ وَأَذَاهُ بِأَلَمِ

(ص) : «مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ قَتَلْت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ قُلْت؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ إلَّا الدَّيْنَ كَانَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِرَاحِ الَّتِي أَدَّتْهُ إلَى الْمَوْتِ. (ش) : قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ قَتَلْت صَابِرًا مُحْتَسِبًا يُرِيدُ صَابِرًا عَلَى أَلَمِ الْجُرْحِ وَكَرَاهِيَةِ الْمَوْتِ وَمُحْتَسِبًا لِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُقْبِلًا عَلَى الْمَوْتِ وَقِتَالِ الْعَدُوِّ غَيْرَ مُدْبِرٍ يُرِيدُ غَيْرَ فَارٍّ وَلَا مُتَحَرِّفٍ وَذَلِكَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنِّي مَا اكْتَسَبْت مِنْ الْخَطَايَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ يُرِيدُ أَنَّ الْقِتَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُكَفِّرُ خَطَايَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ يُرِيدُ وَلَّى عَنْهُ رَاجِعًا وَمُسْتَوْعِبًا لِجَوَابِهِ عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِيَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيْهِ مُبَالَغَةً فِي تَفَهُّمِ سُؤَالِ السَّائِلِ وَتَحْقِيقًا لِسُؤَالِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْعَبَ كَلَامَهُ أَوَّلًا ثُمَّ جَاوَبَهُ عَنْهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ سُؤَالِهِ لَفْظًا لَمْ يُجَاوِبْ عَنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إذْ أَمَرَهُ بِإِعَادَةِ السُّؤَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ اللَّفْظَ كُلَّهُ غَيْرَ أَنَّهُ بَانَ لَهُ بَعْدَ أَنْ جَاوَبَهُ أَنَّ سُؤَالَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهًا غَيْرَ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَهُ سَائِغًا فِيهِ وَالْأَظْهَرَ مِنْهُ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ السُّؤَالِ لِيَتَحَقَّقَ احْتِمَالَهُ لَمَّا اعْتَقَدَ احْتِمَالَهُ لَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَزِيدَ فِي سُؤَالِهِ إذَا أَعَادَهُ شَيْئًا يُؤَكِّدُ عِنْدَهُ مَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِهِ أَوْ يَنْفِيهِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَلَمَّا أَعَادَ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ أَعَادَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ مُطَابِقًا لِمَعْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَعَادَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ وَإِنْ كَانَ قَدْ زَادَ أَوْ نَقَصَ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ يُرِيدُ إلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّهُ مِنْ الْخَطَايَا الَّتِي لَا يُكَفِّرُهَا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ لَا تُكَفِّرُهَا الْحَسَنَاتُ وَهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَقَدْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَمْتَنِعُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ قَضَاءٌ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لِئَلَّا يَتَسَرَّعَ النَّاسُ فِي أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا رِفْقٍ فِي إنْفَاقٍ ثُمَّ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُتْرَكُ لَهُ قَضَاءٌ فَيَذْهَبُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا رِفْقٍ فِي إنْفَاقٍ ثُمَّ «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهَذَا السَّائِلِ إلَّا الدَّيْنَ إذْ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْنًا لَا أَدَاءَ لَهُ فَيَكُونُ عَلَى عُمُومِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا الدَّيْنَ لِمَنْ أَخَذَهُ يُرِيدُ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَيَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ وَيُنْفِقُهُ فِي سَرَفٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَهَذَا حُكْمُهُ بَاقٍ فِي الْمَنْعِ وَمَا ثَبَتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ قَضَى دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ اخْتَصَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهَذَا لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ إلَّا الدَّيْنَ فَاسْتَثْنَى الدَّيْنَ بَعْدَ أَنْ قَالَ: نَعَمْ وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ أَوَّلًا اقْتَضَى الْجَوَابَ عَلَى الْعُمُومِ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ وَسُؤَالُهُ آخِرًا اقْتَضَى الِاسْتِثْنَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَاحِدًا غَيْرَ أَنَّهُ جَاوَبَ أَوَّلًا بِلَفْظٍ عَامٍّ أَوْ أَمَرَ أَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ: هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إخْوَانَهُمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَك» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجَاوَبَ بِهِ لِيَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِالدَّلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ جِبْرِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعَجَّلَ تَخْصِيصُهُ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ السَّائِلُ إنَّمَا سَأَلَ لِيَسْتَبِيحَ الْأَخْذَ بِالدَّيْنِ وَلَا يَنْظُرُ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ ذَلِكَ يُكَفِّرُ عَنْهُ مَا اكْتَسَبَهُ مِنْ أَخْذِهِ دَيْنًا لَمْ يَنْوِ قَضَاءَهُ فَيَتَعَجَّلْ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَيَأْخُذْ الدَّيْنَ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُعْلِمَهُ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مِمَّا يُكَفِّرُهُ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَقَدَ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ إمَّا لِاجْتِهَادِهِ أَوْ لِلَفْظٍ عَامٍّ وَرَدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَأُوحِيَ إلَيْهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَخْصِيصِ الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ظَاهِرِ أُمُورِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ وَإِقَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِدَامَةِ ذَلِكَ إلَى أَنْ قُتِلُوا فِي مُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِمْ وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى اسْتِدَامَتِهِمْ لِذَلِكَ إلَى مَوْتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِمَا يُحْدِثُونَ بَعْدَهُ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ شَهِدَ عَلَى ظَاهِرِهِمْ بِمَا رَآهُ وَعَلَى بَاطِنِهِمْ بِمَا أُعْلِمَ بِهِ وَأُوحِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مُنَافِقٌ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يُنَجِّهِ مِنْ النَّارِ قِتَالُهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ قَزْمَانُ حَيْثُ أُعْلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَاطِنِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَعَ غَنَائِهِ وَانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِجِهَادِهِ وَاجْتِهَادِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ وَالنِّيَّةُ السَّالِمَةُ أَنْ يَكُونَ جِهَادُهُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَعَلَى هَذَا لَمْ يَشْهَدْ لِمَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِاسْتِدَامَتِهِمْ لِلظَّاهِرِ الصَّالِحِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ خَتَمُوا عَمَلَهُمْ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى وَقَوْلُهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ قُتِلَ فِي غَيْرِ أُحُدٍ وَلَا قَالَهُ لِمَنْ مَاتَ فِي زَمَنِهِ غَيْرَ مَقْتُولٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ يَثْبُتُ لِمَنْ اسْتَصْحَبَ لِظَاهِرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إلَى أَنْ مَاتَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَالَ: مَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِي فَأَنَا أَشْهَدُ لَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ أَهْلَ أُحُدٍ فَقَالَ هَؤُلَاءِ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ فَدَلَّ تَخْصِيصُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ اخْتَصُّوا بِأَمْرٍ وَظَاهِرُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ بِبَاطِنِهِمْ وَبِتَقَبُّلِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِلْمِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا عَلَى وَجْهِ الْإِشْفَاقِ لِمَا رَأَى مِنْ تَخْصِيصِهِمْ بِحُكْمٍ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ حَظُّهُ مِنْهُ وَافِرًا وَأَنْ يَكُونَ حَظُّ جَمِيعِ مَنْ شَرِكَهُ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ثَابِتًا فَقَالَ: إنَّ عَمَلَنَا كَعَمَلِهِمْ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَالْجِهَادِ الَّذِي هُوَ آخِرُ عَمَلِهِمْ فَهَلْ تَكُونُ شَهِيدًا لَنَا كَمَا أَنْتَ شَهِيدًا لَهُمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا آلَ حَالُهُ وَعَمَلُهُ وَمَا يَمُوتُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ أُعْلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِيدٌ لَهُ بِذَلِكَ لِظَاهِرِ عَمَلِهِ الصَّالِحِ وَلِمَا قَدْ أُوحِيَ إلَيْهِ وَأُعْلِمَ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ وَاعْتَرَضَ بِلَفْظٍ عَامٍّ وَلَمْ يَخُضَّ نَفْسَهُ بِالسُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ كَانَ الْجَوَابُ عَامًّا وَقَدْ بَيَّنَ تَخْصِيصَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْدِثُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِمَّا يُحْبِطُ عَمَلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ عَنْ هَذَا الْحَالِ مِنْ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَإِخْبَارِهِ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْخَيْرِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ وَكَرِيمِ الْمَآبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ: بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِئْسَ مَا قُلْت فَقَالَ الرَّجُلُ إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا أَرَدْت الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ بِمَا شَاهَدْت مِنْ عَمَلِهِمْ فِي الْجِهَادِ الَّذِي أَدَّى إلَى قَتْلِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ شَهِيدٌ لِمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَقَاتَلَ وَسَلِمَ مِنْ الْقَتْلِ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَبْلَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَكِنَّهُ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِمَنْ شَاهَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَادَهُ إلَى أَنْ قُتِلَ وَيَكُونُ عَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَدَثَ الْمُضَادَّ لِلشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرِيعَةِ وَالْمُخَالِفَةِ لَهَا فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا تَعْلَمُونَهُ بَعْدِي لَا أُشَاهِدُهُ فَلَا أَشْهَدُ لَكُمْ بِهِ وَإِنْ عَلِمْت أَنَّ مِنْكُمْ مَنْ يَمُوتُ عَلَى مَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُعَيَّنْ لِي فَيُقَالُ لِي: إنَّهُ يُجَاهَدُ فِي مَوْطِنِ كَذَا وَأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْكُمْ يَقْتُلُ زَيْدًا أَوْ يَقْتُلُهُ عُمَرُ وَكَمَا شَاهَدْت مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ فَلِذَلِكَ لَا أَكُونُ شَهِيدًا لَكُمْ بِنَفْسِ الْأَعْمَالِ وَتَفْصِيلِهَا كَمَا أَشْهَدُ عَلَى تَفْصِيلِ عَمَلِ هَؤُلَاءِ وَإِنْ شَهِدْت لِبَعْضِكُمْ بِجُمْلَةِ الْعَمَلِ بِالْوَحْيِ وَإِعْلَامِ اللَّهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي مُتَوَجِّهًا إلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ: أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَك يُرِيدُ أَنَّهُ أَطَالَ الْبُكَاءَ وَكَرَّرَهُ وَأَظْهَرَ مَعْنَى بُكَائِهِ بِقَوْلِهِ أَئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَك كَأَنَّهُ لِلْإِشْفَاقِ مِنْ الْبَقَاءِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِانْفِرَادِ دُونَهُ وَفَقْدِ بَرَكَتِهِ وَنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى أُمَّتِهِ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ فَهِمَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي أَنَّهُ لَا يَخَافُ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ حَدَثٌ يُضَادُّ الشَّرِيعَةَ وَيُخَالِفُ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ عَنْ سَبِيلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ بُكَاءَهُ لِذَلِكَ كَانَ أَوْلَى لَهُ وَكَانَ حُكْمُهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَإِنَّا لَمُحْدِثُونَ بَعْدَك حَدَثًا يَصُدُّ عَنْ سَبِيلِك وَنُخَالِفُ بِهِ طَرِيقَتَك وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَا بَكَى مِنْ أَجْلِهِ وَإِنَّمَا بَكَى مِنْ أَجْلِ فِرَاقِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقَائِهِ بَعْدَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ذَلِكَ لِمُوَاصَلَةِ مَنْ كَانَ الْقَبْرُ يُحْفَرُ بِسَبَبِهِ أَوْ لِفَضْلِ الْمَقْبُورِ فِيهِ وَدِينِهِ وَقُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلِاتِّعَاظِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَلَسَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَصَادَفَ حَفْرَ الْقَبْرِ وَقَوْلَ الْمُطَّلِعِ فِي الْقَبْرِ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ وَيَحْتَمِلُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْمَكَانَ وَقَدْ يَتَأَوَّلُهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْهُ فَلَوْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعْتَقَدَ بَعْضُ السَّامِعِينَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَقَرَّهُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الْمَدِينَةَ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِئْسَ مَا قُلْت يَحْتَمِلُ إمَّا أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ عَيْبَ الْقَبْرِ وَتَفْضِيلَ الشَّهَادَةِ لَكِنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْكَرَ عَلَيْهِ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ فِي الْقَبْرِ بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّهُ لَهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَسَبَبٌ إلَى الرَّحْمَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الشَّهَادَةَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرَانِ فَاضِلَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ هَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَفْضُولِ بِئْسَ هَذَا الْأَمْرُ وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِي فَأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[ما تكون فيه الشهادة]

مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِك) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ وَدِينُهُ حَسَبُهُ وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّا لَا يَئُوبُ بِهِ إلَى رَحْلِهِ وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنْ الْحُتُوفِ وَالشَّهِيدُ مَنْ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتَقَدَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ذَمَّ الدَّفْنِ بِالْمَدِينَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْقَائِلِ إذْ قَالَ لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَرَدْت الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ فَهِمَ مِنْهُ هَذَا لَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ فَهِمْت مُرَادَك وَلَكِنْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ خَطَأٌ فَإِنَّك قَدْ جِئْت بِلَفْظٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ عِبْت الْمَفْضُولَ مَعَ فَضْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْمَيْتَاتِ وَصِفَاتِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْقَوْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ظَاهِرُهُ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَرْضِ وَلِذَلِكَ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ بِهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ بِهَا دُونَ مَكَّةَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَى الْهِجْرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَيْسَ عِنْدِي بِالْبَيِّنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُعَلَّقْ الْحُكْمُ بِالْبُقْعَةِ وَلَعَلَّقَهُ بِالْهِجْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا فِي حَالِ الْإِخْبَارِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَضَّلَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى صِفَةٍ لَا يُقْبَرُ فِيهَا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَالَ قَوْلًا كَرَّرَهُ ثَلَاثًا لَعَلَّهُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْإِفْهَامَ وَالْبَيَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِك دُعَاءٌ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنْ يَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْوَفَاةِ بِبَلَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ قَبْرُهُ بِهَا وَهَذَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ لِلْمَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ بُقَعِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَتْ مَكَّةُ عِنْدَهُ أَفْضَلَ لَتَمَنَّى أَنْ يُقْتَلَ بِهَا مُسَافِرًا أَوْ حَاجًّا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِهِجْرَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ مَنْ رَأَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَفْضِيلَ الْمَدِينَةِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ وَأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَهِيدٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي حَرْبٍ وَلَا مُدَافَعَةٍ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] يُرِيدُ أَنَّ كَرَمَهُ فِي نَفْسِهِ وَفَضْلَهُ تَقْوَاهُ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْكَرِيمُ بْنُ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ» فَوَصَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْكَرَمِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ التَّقْوَى وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدِينُهُ حَسَبُهُ يُرِيدُ أَنَّ انْتِسَابَهُ إلَى الدِّينِ هُوَ الشَّرَفُ وَالْحَسَبُ الَّذِي يَخُصُّهُ فَأَمَّا انْتِسَابُهُ إلَى أَبٍ كَافِرٍ عَلَى وَجْهِ الْفَخْرِ بِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَانْتِسَابُهُ إلَى أَبٍ صَالِحٍ عَلَى أَنَّ لَهُ بِذَلِكَ فَضْلًا لَا بَأْسَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ انْتِسَابَهُ إلَى دِينِهِ الَّذِي يَخُصُّهُ أَتَمُّ فِي الشَّرَفِ وَالْحَسَبِ وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْمُرُوءَةَ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا النَّاسُ وَيُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ إنَّمَا هِيَ مَعَانٍ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَخْلَاقِ مِنْ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْجُودِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْإِيثَارِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ يُرِيدُ أَنَّهَا طَبَائِعُ يَطْبَعُ

[العمل في غسل الشهداء]

الْعَمَلُ فِي غُسْلِ الشُّهَدَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى جَنَائِزِهِمْ وَأَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ قَالَ: وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مَنْ شَاءَ وَيَضَعُهَا مِنْ النَّاسِ فِيمَنْ شَاءَ لَا تَخْتَصُّ بِشَرِيفٍ وَلَا وَضِيَعٍ وَلَا مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَلَا بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ فَقَدْ تُوجَدُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّنْ لَا يَئُوبُ إلَى رَحْلِهِ عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِمَعْنَى الْجَرِيءِ وَالْجَبَانِ وَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالطَّبْعِ الَّذِي طُبِعَ عَلَيْهِ لَا بِاكْتِسَابٍ وَلَا بِتَعَلُّمٍ وَلِذَلِكَ يَفِرُّ الْجَبَانُ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهُمَا وَحِرْصِهِ عَلَى حَيَّاتِهِمَا، وَيُقَاتِلُ الْجَرِيءُ عَلَى مَنْ لَا يَئُوبُ إلَى رَحْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ وَلَا يَكَادُ يُشْفِقُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنْ الْحُتُوفِ يُرِيدُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَوْتِ كَالْمَوْتِ مِنْ الْمَرَضِ وَالْمَوْتِ بِالْغَرَقِ وَالْمَوْتِ بِالْهَدْمِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَوْتِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَرْتَاعَ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ كُلُّهُ فَظِيعٌ فَهَذَا نَوْعٌ مِنْهُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَهَابَ هَيْبَةً تُورِثُ الْجُبْنَ، ثُمَّ قَالَ: وَالشَّهِيدُ مَنْ احْتَسَبَ نَفْسَهُ يُرِيدُ مَنْ رَضِيَ بِالْقَتْلِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى. [الْعَمَلُ فِي غُسْلِ الشُّهَدَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ (غُسِّلَ وَكُفِّنَ) يُرِيدُ غُسْلَ الْمَيِّتِ الْمَشْرُوعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ تُسْقِطُ فَرْضَ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَاسْتِئْنَافِ كَفَنِهِ وَتُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُغَسَّلُ وَلَكِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِير لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُسْقِطُ فَرْضَ غُسْلِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَصْلُ ذَلِكَ الْخَوْفُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا لِمَنْ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ غَزَاهُ الْعَدُوُّ فِي قَعْرِ دَارِهِ فَدَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقُتِلَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ وَقَتَلَهُ الْعَدُوُّ مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةٍ مِثْلُ أَنْ يَغْلِبُوا عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ يُقْتَلَ نَائِمًا أَوْ يُقْتَلَ بَعْدَ الْأَسْرِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ فِي حَالِ غَفْلَةٍ لَا فِي قِتَالٍ وَلَا فِي مُدَافَعَةٍ وَقَدْ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مَوْضِعِ الْقَتْلِ فَأَمَّا مَنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْهُ فِي غَمْرَةِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَاتَ فِي الْمُعْتَرَكِ وَمَنْ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَشَرِبَ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمَوْتَى يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّ كُلَّ مَنْ بِهِ جُرْحٌ لَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُ إلَّا بِقَسَامَةٍ فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ

[ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ؛ يَحْمِلُ الرَّجُلَ إلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْشَدْتُكَ اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ؟ قَالَ لَهُ نَعَمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا يُغَسَّلَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ مُدَافِعًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكَلَّمَ وَشَرِبَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ شَهَادَةٌ تُسْقِطُ فَرْضَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الشُّهَدَاءَ كَثِيرٌ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيُغَسَّلُونَ إلَّا مَنْ ذَكَرْنَاهُ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] ِ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَتَابَعَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمُوَطَّإِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الشَّيْءُ الَّذِي جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى وَجْهِ التَّحَيُّلِ وَعَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يُبِيحُهُ عَلَيْهِ مِنْ جَعْلِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لِعُمَرَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ فِي الشَّيْءِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْقَعْنَبِيُّ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْفَرَسِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهُ مِمَّنْ يُرِيدُ السَّفَرَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى رَاحِلَةٍ وَيَعْجِزُ عَنْ السَّفَرِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَيَعْجِزُ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى أُفُقِهِ وَوَطَنِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا يُحْصَى عَدَدُهَا كَثْرَةً مِمَّا يَضْطَرُّ الْإِنْسَانُ إلَى السَّفَرِ مِنْ أَجْلِهَا فَكَانَ يَحْمِلُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَحْمِلُ مَنْ يَسْعَى فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ رَاحِلَةٌ لِسَفَرِهِ ذَلِكَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَتَّخِذُ مِنْ الْإِبِلِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْمِي لَهَا الْحِمَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْمِلُ الرَّجُلَ إلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ لِيُسْرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ بِالشَّامِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْغَزْوِ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ لِلْجِهَادِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ طَرِيقَ الْعِرَاقِ كَانَتْ أَسْهَلَ وَأَعْمَرَ وَكَانَ طَرِيقُ الشَّامِ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْعَرَ وَأَشَقَّ وَأَخْلَى مِنْ النَّاسِ فَكَانَ مَنْ انْقَطِعْ بِهِ فِيهَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَوْضِعُ مَقَامٍ أَوْ مَنْ يُعِينُ عَلَى بَلَاغٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ لَهُ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا عَلَى وَجْهِ التَّوْرِيَةِ وَالتَّحَيُّلِ لِيُرِيَهُ أَنَّ لَهُ رَفِيقًا يُسَمَّى سُحَيْمًا فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَعِيرَ فَيَأْخُذُهُ الْعِرَاقِيُّ وَيَنْفَرِدُ بِرُكُوبِهِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْمَعِيًّا يُصِيبُ بِظَنِّهِ فَلَا يَكَادُ يُخْطِئُهُ فَسَبَقَ إلَى ظَنِّهِ أَنَّ سُحَيْمًا الَّذِي ذَكَرَ هُوَ الزِّقُّ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ لِيُخْبِرَهُ بِالْحَقِّ فَيَعْلَمُ عُمَرُ صِدْقَ ظَنِّهِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ نَعَمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «قَدْ كَانَ فِيمَنْ مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ فَإِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ مَنْ يُلْقَى فِي رَوْعِهِ الشَّيْءُ وَيُلْهَمُ إلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يُخْبَرُ بِهِ فَلَا يُخْطِئُ ظَنُّهُ» .

[الترغيب في الجهاد]

التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَهَبَ إلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تَفْلِي فِي رَأْسِهِ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْت مَا يُضْحِكُك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ يَشُكُّ إِسْحَاقُ قَالَتْ فَقُلْت لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْت لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُك قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ قَالَ: فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ] (ش) : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ أُمُّ حَرَامٍ كَانَتْ خَالَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّضَاعَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ يُقِيلُ عِنْدَهَا وَيَنَامُ فِي حِجْرِهَا وَتَفْلِي رَأْسَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَطْعَمَتْهُ وَجَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ ذُو الْمَحَارِمِ مِمَّنْ يَزُورُهُ مِنْ ذِي رَحِمِهِ وَمَنْ يَكْرُمُ عَلَيْهِ وَيُرِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي مُوَاصَلَتِهِ مِنْ إطْعَامِهِ مِمَّا عِنْدَهُ ثُمَّ إتْبَاعِ ذَلِكَ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْهُ وَإِدْخَالِ الرَّاحَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى مُبَاشَرَةِ شَعْرِهِ وَبَعْضِ جَسَدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَطْعَمَتْهُ مِنْ مَالِهَا يَسِيرًا مِنْ كَثِيرٍ فَلِذَلِكَ اسْتَجَازَ أَكْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَطْعَمَتْهُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَجَازَ لَهُ أَكْلُهُ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ يُسَرُّ بِذَلِكَ وَقَدْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ يَمُرُّ بِمَوْضِعٍ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ طَعَامٌ لِصَدِيقٍ مُخْلِصٍ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُسَرُّ بِمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِحَضْرَتِهِ وَمَغِيبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ ضِحْكَهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ رَآهُ فِي نَوْمِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ عِنْدَ يَقَظَتِهِ فَسَأَلَتْهُ أُمُّ حَرَامٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَتْ مَا يُضْحِكُك يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلِمَتْ أَنَّ ضِحْكَهُ وَسُرُورَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَمْرٍ فِيهِ خَيْرٌ لِأُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يُرِيدُ فِي مَنَامِهِ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ظَهْرَهُ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ يَشُكُّ الرَّاوِي أَيَّهُمَا قَالَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ حَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ رُكُوبِهِمْ ثَبَجَ الْبَحْرِ حَالُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ فِي صَلَاحِ أَحْوَالِهِمْ وَسَعَةِ دُنْيَاهُمْ وَقُوَّتِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ وَأَسِرَّتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي غَزْوِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِحَالِ ضِيقٍ وَلَا إقْلَالٍ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَرُّ وَيَضْحَكُ مِنْ حَالِهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَالُ صَلَاحٍ فِي الدُّنْيَا مُضَافَةً إلَى صَلَاحٍ فِي الدِّينِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا سُرَّ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ عُرِضُوا عَلَيْهِ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ عُرِضُوا عَلَيْهِ أَوْ أُعْلِمَ بِحَالِهِمْ فِي الْجَنَّةِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ {عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس: 56] وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ يُؤَكِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا سَأَلَتْ وَتَشَفَّعَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَهَا اللَّهُ مِنْهُمْ لِمَا فَهِمَتْ مِنْ أَنَّ سَعْيَهُمْ مَقْبُولٌ وَعَمَلَهُمْ مَبْرُورٌ وَجِهَادَهُمْ مَشْكُورٌ فَإِنَّ حَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ حَالُ رِضًا وَرِضْوَانٍ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشْفَاقًا لِمَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَحْبَبْت أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ عَنْ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُونَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي فَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَأَلَهُ الدُّعَاءَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا سِيَّمَا بِمَا يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَيَتَضَمَّنُ هَذَا جَوَازَ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْغَزْوِ وَالْجِهَادِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْحَجُّ عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ إلَى قَوْلِهِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازَ رُكُوبِ الْبَحْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَزْوُ هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ الْبَحْرِ فَقَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ حِرْصًا عَلَى أَنْ تَنَالَ أَجْرَ الْغَزْوَيْنِ وَيَكُونَ لَهَا فَضِيلَةُ الطَّائِفَتَيْنِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ إعْلَامًا لَهَا بِأَنَّهَا لَا تَشْهَدُ غَزْوَةَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهَا أَنَّ ذَلِكَ لِمَوْتٍ يَتَعَجَّلُ وَيَمْنَعُ مِنْ لِحَاقِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ مِنْ حُضُورِ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ حَيَّاتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُوحِيَ إلَيْهِ وَأُعْلِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ غَيْرَ أَنَّهُ أَظْهَرَ إلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَظْهَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ لَهَا أَنَّهَا تَمُوتُ قَبْلَ غَزْوَةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُوحَ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَظْهَرَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَهْلُ السِّيَرِ يَقُولُونَ أَنَّ غَزْوَةَ مُعَاوِيَةَ هَذِهِ كَانَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خِيَاطٍ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيِّ إنَّ هَذِهِ الْغَزْوَةَ لِمُعَاوِيَةَ كَانَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ رَكِبَ مُعَاوِيَةُ الْبَحْرَ غَازِيًا بِالْمُسْلِمِينَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ إلَى قُبْرُصَ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ زَوْجَةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَرَكِبَتْ بَغْلَتَهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ السَّفِينَةِ فَصُرِعَتْ فَمَاتَتْ وَرِوَايَةُ أَهْلِ السِّيَرِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ يَقْتَضِي فِي وَقْتِ إمَارَتِهِ وَخِلَافَتِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَرِوَايَةُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ وَلَوْ صَحَّ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ السِّيَرِ لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَيْ فِي وَقْتِ وِلَايَتِهِ عَلَى الشَّامِ وَذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ إلَى آخِرِ زَمَنِ عُثْمَانَ وَبَعْدَهُ وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إذْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَضِيلَةِ قَوْمٍ غُزَاةٍ هُوَ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَنَّتْ أُمُّ حَرَامٍ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ وَسَأَلَتْ الدُّعَاءَ بِذَلِكَ وَأَجَابَهَا إلَيْهِ وَدَعَا لَهَا بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ فَكَانَ هَذَا تَحْقِيقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَتَبْيِينًا أَنَّ الْمَانِعَ لَهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْآخَرِينَ أَنَّ عُمْرَهَا يَنْقَضِي قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ الْوَاضِحَةِ أَنْ يَعْلَمَ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهِهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ تَكُونُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ لَا تَخْرِمُ عَنْهُ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكْرَارًا يُوجَدُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وَكُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى تَكَهُّنًا بِتَنْجِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَإِنْ أَصَابَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا يَفْعَلُ الظَّانُّ وَالْمُخَمِّنُ وَالْحَازِرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. (ش) : قَوْلُهُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَحْبَبْت أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ عَنْ سَرِيَّةٍ يَقْتَضِي إشْفَاقَهُ عَلَى أُمَّتِهِ وَالْجَرْيَ إلَى الرِّفْقِ بِهِمْ وَالِاجْتِنَابَ لِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَتَرْكُهُ كَثِيرًا مِنْ عَمَلِ الْبِرِّ خَوْفًا أَنْ يَتَكَلَّفُوا مِنْهُ مَا لَا يُطِيقُونَ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الْقُعُودُ عَنْ مِثْلِهِ عَجْزًا عَنْهُ وَعَدَمِ مَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْأَعْيَانِ وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ لِعَجْزِ غَيْرِهِ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ تَمَنٍّ لِلشَّهَادَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ تَمَنٍّ مِنْ الْخَيْرِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مَا شَأْنُك فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ بَعَثَنِي إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآتِيَهُ بِخَبَرِك قَالَ فَاذْهَبْ إلَيْهِ فَأَقْرِأْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْت ثِنْتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً وَأَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي وَأَخْبِرْ قَوْمَك أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ إنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إنْ جَلَسْت حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ فَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّنْيَا مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقَدْ تَمَنَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْلَامًا بِدَرَجَةِ الشَّهَادَةِ وَتَحْرِيضًا لِأُمَّتِهِ عَلَيْهَا وَإِعْلَامًا لَهُمْ بِمَا فِيهَا. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ اهْتِبَالٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ وَبَحْثِهِ عَنْ مَنْ فُقِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَعْلَمَ مَا خَبَرُهُ وَمَا الَّذِي غَيَّبَهُ وَإِنْ كَانَ أُصِيبَ أَوْ سَلِمَ فَانْتَدَبَ الرَّجُلَ لِيُحْرِزَ طَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُبَادَرَةَ إلَى مَا يَرْغَبُهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ بِالْأَمْرِ وَذَهَابُهُ بَيْنَ الْقَتْلَى لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ فُقِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُ قُتِلَ أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ فَبَادَرَ إلَى طَلَبِهِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ يَجِدُهُ وَقَوْلُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَهُ: مَا شَأْنُك؟ لَعَلَّهُ قَدْ تَوَقَّعَ أَنْ يَكُونَ أُرْسِلَ لِلْبَحْثِ عَنْ خَبَرِهِ أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ فَيُوصِي مَعَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يُوصِي بِهِ إلَى قَوْمِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَامَهُ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَلْقَاهُ وَأَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ الطِّعَانِ وَإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَفِي ذَلِكَ إعْلَامٌ بِفَوَاتِ لِقَائِهِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ اسْتِدْعَاءَ تَرَحُّمِهِ عَلَيْهِ وَاسْتِغْفَارِهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ ثُمَّ أَوْصَى إلَى قَوْمِهِ بِأَنْ يَفْدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنْ لَا يُوصَلَ إلَيْهِ، وَمِنْهُمْ حَيٌّ وَأَنَّ مَنْ حَيَّ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا عُذْرَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وِقَايَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْفُسِهِمْ وَبَذْلُهَا دُونَهُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ تَنْبِيهًا مِنْهُ فِي تَجْدِيدِ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ الْقِتَالِ وَتَذْكِيرًا لِلنَّاسِ بِفَضَائِلِ الْجِهَادِ وَتَرْغِيبًا لَهُمْ فِي إحْرَازِ أَجْرِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى شِدَّةِ الْحَرْبِ وَمَا عَسَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ مِنْ جِرَاحٍ أَوْ شَهَادَةٍ فَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ شَوَّقَهُمْ إلَى الْجَنَّةِ بِأَنْ وَصَفَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهَا لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَّمِيُّ لَمَّا سَمِعَ مَا ذَكَّرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَهُ تَصْدِيقُهُ لَهُ وَتَثَبُّتُهُ لِمَا قَالَهُ عَلَى أَنْ طَرَحَ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ كَانَ يَأْكُلُهَا وَرَأَى أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِأَكْلِهَا عَنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الشَّهَادَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَا وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجَنَّةِ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَاشْتِغَالٌ بِيَسِيرِ مَتَاعِهَا عَنْ عَظِيمِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ فَطَرَحَهَا وَحَمَلَ بِسَيْفِهِ وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهُ حَمَلَ وَهُوَ يَقُولُ رَكْضًا إلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادٍ ... إلَّا التُّقَى وَعَمَلَ الْمَعَادْ وَالصَّبْرَ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ عُمَيْرٌ هَذَا مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْفَرَدَ بِالْحَمْلِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا جَائِزٌ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى الْكَتِيبَةِ لَا سِيَّمَا مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ شِدَّةً وَقُوَّةً وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْعَدَدِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ مُحْتَمُونَ دُونَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إذَا

[ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ الْغَزْوُ غَزْوَانِ فَغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَيُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ وَغَزْوٌ لَا تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلَا يُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَلَا يُطَاعُ فِيهِ ذُو الْأَمْرِ وَلَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا) . مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً وَغِنَاءً أَنْ يَبْرُزَ إلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا يَكُونَ لَهُ تَهْلُكَةٌ وَأَمَّا مَنْ كَانَ رَأْسُ الْكَتِيبَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُصِيبَ هَلَكَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالصَّوَابُ لَهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْقِتَالِ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ بَقَاءَ الْمُسْلِمِينَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ يُرِيدُ كَرَائِمَ الْأَمْوَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَلَالَ الْمَالِ دُونَ خَبِيثِهِ وَدُونَ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَثِيرَهُ إذَا أَرَادَ بِالنَّفَقَةِ النَّفَقَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَالصَّدَقَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْكَرِيمَةِ أَفْضَلَ الْمَتَاعِ مِثْلَ أَنْ يَغْزُوَ عَلَى أَفْضَلِ الْخَيْلِ وَأَسْبَقِهَا وَيَقْتَنِيهَا لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَغْزُو بِأَفْضَلِ السِّلَاحِ وَالْآلَةِ فَيَكُونُ إنْفَاقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِيَاعَهَا لِذَلِكَ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي ذَلِكَ حَتَّى يَعْطَبَ الْفَرَسُ وَتَفْنَى الْآلَةُ وَالسِّلَاحُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِإِنْفَاقِ الْغَازِي ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يَحْبِسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلَ مَا يَغْزُو بِهِ مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ مُيَاسَرَتُهُ يُرِيدُ مُوَافَقَتُهُ فِي رَأْيِهِ مِمَّا يَكُونُ طَاعَةً وَمُتَابَعَتَهُ عَلَيْهِ وَقِلَّةَ مُشَاحَاتِهِ فِيمَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ عَمَلٍ وَطَاعَةُ ذِي الْأَمْرِ امْتِثَالُ أَمْرِ الْأَمِيرِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ وَيَمْتَثِلَ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَيَجْتَنِبَ مَعَ ذَلِكَ الْفَسَادَ فِيمَا لَا يَعُودُ بِمُوَافَقَةِ الشَّرِيكِ وَلَا تَقَدَّمَ لِلْإِمَامِ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ لَهُ أَنْ يُبَارِزَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ خَيْرٌ لِصَاحِبِهِ فِي الْآخِرَةِ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ وَقُرْبَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَغَزْوٌ لَا تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلَا يُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَلَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فَذَلِكَ الْغَزْوُ لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَفِي سَعْيُهُ وَغَزْوُهُ بِمَا يَكْسِبُهُ مِنْ الْمَآثِمِ. [مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْأَجْرَ وَالْغَنِيمَةَ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ وَهَذَا حَضٌّ عَلَى ارْتِبَاطِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِتِّخَاذِهَا لِلْجِهَادِ وَقَوْلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَذْهَبُ جُمْلَةً وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ أَهْلِهِ مَنْ يُجَاهِدُ عَنْ الدِّينِ وَيَدُلُّ أَيْضًا أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَنْ يُجَاهِدُ عَلَى الدِّينِ لَا يَخْلُو مِنْهُمْ وَقْتٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهَذَا ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يُرَدَّ تَخْصِيصُهُ بِبَعْضِ الْأَزْمَانِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] . (ش) : قَوْلُهُ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إجَازَةِ الْإِضْمَارِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَنْعِ بَعْضِ الْعَلَفِ وَاسْتِجْلَابِ الْعَرَقِ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ وَثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ وَمِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ وَنَحْوُهُ وَهَذَا نَصٌّ فِي مُجَاوَزَةِ الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ الْخَيْلِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَدْرِيبِهَا عَلَى الْجَرْيِ وَالسَّبْقِ وَتَدْرِيبِ مَنْ يُسَابِقُ بِهَا وَلِمَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إذَا دَخَلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ فَإِنْ سَبَقَ أَخَذَ السَّبَقَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي عُوتِبْت اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ» ) . (ش) : مَسْحُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ لَهُ وَالْمُبَالَغَةِ فِي مُرَاعَاتِهِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي عُوتِبْت اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا عُوتِبَ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي مُرَاعَاتِهَا وَالتَّعَاهُدِ لَهَا وَالْإِحْسَانِ لِمَا خَصَّهَا اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِلْخَيْرِ مِنْ الْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ عَوْنًا عَلَيْهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ إلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا وَكَانَ إذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يَغْرُ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودٌ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاَللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذًا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْعَثُ عَلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْغَلَبَةِ فَإِذَا سَابَقَ غَيْرُهُ كَانَ اجْتِهَادُهُ لِنَفْسِهِ وَفَرَسِهِ وَاجْتِهَادُهُ أَكْثَرُ مِنْ إجْهَادِهِ وَاجْتِهَادُهُ إذَا انْفَرَدَ بِالْجَرْيِ وَلَيْسَ تَعْرِفُ الْعَرَبُ الْمُسَابَقَةَ إلَّا بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَدْ سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ غَيْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ تِلْكَ الْخَيْلِ سَبَقٌ أَخْرَجَهُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقِينَ أَوْ غَيْرُهُمْ وَذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ حَالَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ أَخْرَجَهُ غَيْرُ الْمُتَسَابِقِينَ أَوْ أَحَدُهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَهُ غَيْرُهُمْ كَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لِمَنْ سَبَقَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَخْرَجَهُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُسَابِقُ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَبَقَ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلسَّابِقِ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَيَكُونُ لِلَّذِي يَلِيهِ فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا أَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا فَارِسٌ وَاحِدٌ فَسَبَقَ الْمُخْرِجُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الطَّعَامُ وَكَانَ لِمَنْ حَضَرَ رَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُخْرِجَهُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقِينَ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَبَقَ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلسَّابِقِ وَإِنْ سَبَقَ الْمُخْرِجُ فَهُوَ لَهُ هَذَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِيهِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ إجَازَتَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ سَابَقَ بِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الَّتِي سَابَقَتْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَلَيْسَ فِي الرَّاكِبِينَ حَدٌّ مِنْ صِغَرٍ وَلَا كِبَرٍ وَلَا خِفَّةٍ وَلَا ثِقَلٍ وَلْيَخْتَرْ كُلُّ إنْسَانٍ لِرُكُوبِ دَابَّتِهِ مَنْ أَحَبَّ وَأَمْكَنَهُ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا تَحْمِلُوا عَلَى الْخَيْلِ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ. (ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ يُرِيدُ الْمُسَابَقَةَ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَهَا عَلَى شَيْءٍ يُخْرِجُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا سَبَقًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ إنْ سَبَقَ أَخَذَ وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهَذَا أَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ الْآخَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ آخُذُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ مَنْعُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الرِّهَانِ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ جَرْيَ فَرَسِ صَاحِبِهِ وَلَا صِفَةَ الرَّاكِبِ مِنْ ثِقَلٍ وَخِفَّةٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ إلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ ذَلِكَ لِيَسْتَتِرَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَامِنِهِمْ فَإِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ مِنْ الْيَهُودِ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْخُرُوجِ فَيَظْفَرُ بِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ لَيْلًا لِيَعْلَمَ بَقَاءَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَرْكِهِمْ الْآذَانَ وَانْتِقَالِهِمْ عَنْهُ بِالْآذَانِ قَبْلَ أَنْ يُنْذَرُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ الرِّفْقَ بِأَصْحَابِهِ لِيَقِيَهُمْ بِذَلِكَ حَرَّ الشَّمْسِ وَوَهَجَ الْحَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ إذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِوَقْتِ إغَارَةٍ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْحُصُونِ وَالْقُرَى لِأَنَّ مَنْ خَشَى أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِ يَبِيتُ فِيهَا فَلَا يُظْفَرُ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَانْتَشَرَتْ الْعُمَّالُ وَسَائِرُ النَّاسِ الْمُتَصَرِّفِينَ أَغَارَ حِينَئِذٍ لِيَظْفَرَ بِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَثَبُّتًا فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا عِنْدَ الصَّبَاحِ أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا وَقَدْ رَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «اُنْفُذْ عَلَى رِسْلِك حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ يَكُونَ لَك حُمُرُ النَّعَمِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ دُعَائِهِمْ وَعَلِمَ مِنْ عِنَادِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُدْعَى الْعَدُوُّ قَبْلَ الْقِتَالِ؛ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ إلَّا أَنْ يُعَجِّلُوا سَوَاءٌ قَرِبُوا أَوْ بَعُدُوا وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَبِيتُوا حَتَّى يَدْعُوا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُدْعَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الدَّرْبِ مِثْلُ طَرَسُوسَ وَالْمَصِّيصَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إنَّمَا الدَّعْوَةُ الْيَوْمَ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ وَلَا يَعْلَمُ مَا يُقَاتِلُ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَهُ الْإِسْلَامُ وَعَلِمَ مَا يُدْعَى إلَيْهِ وَحَارَبَ وَحُورِبَ كَالرُّومِ وَالْإِفْرِنْجِ مِمَّنْ دَانَى أَرْضَ الْإِسْلَامِ وَعَرَفَهُ فَالدَّعْوَةُ فِيهِمْ سَاقِطَةٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَيَجِبُ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِمْ وَيُنْتَهَزَ فِيهِمْ الْفُرْصَةُ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَقْتُلُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُنْفُذْ عَلَى رِسْلِك حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: «عَلَى رِسْلِك ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ» وَهَذَا نَصٌّ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ فَلَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُ هَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ فَيَهْتَدُونَ وَأَمَّا قِتَالُهُمْ حَتَّى يُبَيِّنُوا الْإِسْلَامَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ لَهُمْ مَعَ أَنَّ الْحَرْبَ قَدْ تَنْجَلِي عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ دُونَ اهْتِدَاءٍ وَأَمَّا الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ فَهِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الِاهْتِدَاءَ وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ مُتَرَقَّبٌ وَمَرْجُوٌّ فِي وَقْتٍ مِمَّنْ قَدْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَمِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَقَدْ يُسْلِمُ الْيَوْمَ مَنْ أَبَى الْإِسْلَامَ أَعْوَامًا جَمَّةً فَلَزِمَ أَنْ يُذَكَّرَ بِالدَّعْوَةِ وَتُعَادَ عَلَيْهِ عَسَى أَنْ يَئُوبَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَتَكَرَّرَتْ عَلَيْهِ وَعَلِمَ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَزِيدُ إعَادَتُهَا عَلَيْهِ مَعْرِفَةً بِمَا لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ التَّحَذُّرُ لَهُ عَنْ النِّكَايَةِ فِيهِ وَذَلِكَ يُوهِنُ حَرْبَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَبْلُغْهُ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا عَرَفَ مُقْتَضَاهَا فَيَلْزَمُ أَنْ تُعَادَ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ وَيَتَبَيَّنَ إلَيْهِ مَا يُدْعَى إلَيْهِ وَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحُجَّتِهِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّ الدَّعْوَةَ تَبْلُغُهُ قُوتِلُوا بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَقَتَلُوا وَغَنِمُوا فَذَلِكَ مَاضٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رَدُّهُ وَقَدْ أَسَاءُوا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَالَهُمْ مِنْ الْكُفْرِ يَحْكُمُ بِإِمْضَاءِ قَتْلِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ رَجَاءَ أَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا فَقَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْتَقِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ صَادَفَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ دُونَ عَهْدٍ مَضَى عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَخَرَجَتْ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ يُرِيدُ لِلْعَمَلِ فِي بَسَاتِينِهِمْ وَنَخِيلِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاَللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ يُرِيدُونَ الْجَيْشَ قَالُوا ذَلِكَ يُنْذِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْبَرُ إعْظَامًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِكْبَارًا لَهُ وَإِخْبَارًا بِعُلُوِّ دِينِهِ وَظُهُورِ أَمْرِهِ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ الْإِنْذَارُ فَلَمَّا عَتَوْا وَعَانَدُوا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ نُزُولَ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ وَالْإِذْلَالِ لَهُمْ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ اثْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَدِرْهَمَيْنِ أَوْ دِينَارَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ دِينَارٌ وَدِرْهَمٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِهِ التَّكْرَارُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْعَمَلَ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ أَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ جَاهَدَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْإِنْفَاقِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ أَظْهَرُ وَلَفْظُ الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَظْهَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ أَعَدَّهُ اللَّهُ لَك فَأَقْبِلْ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَذَا خَيْرُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ لَك لِأَنَّهُ فِي الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ الَّذِي أُعِدَّ لَك ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ أَغْلَبَ أَعْمَالِهِ وَأَكْثَرَهَا وَقَدْ تَغْلِبُ عَلَى عَمَلِ الرَّجُلِ الصَّلَاةُ فَتَكُونُ أَكْثَرَ أَعْمَالِهِ وَيَغْلِبُ عَلَى أَعْمَالِهِ الصَّوْمُ فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَعْمَالِهِ وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ فَمَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى عِبَادَتِهِ نَوْعٌ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ نُودِيَ مِنْ الْبَابِ الْمُخْتَصِّ بِهِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِبَادَتُهُ وَنَافِلَتُهُ الصَّلَاةَ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِسَبِيلِ اللَّهِ الْجِهَادَ خَاصَّةً وَيَكُونُ مَعْنَى مَنْ كَانَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ مَنْ تَنَفَّلَ فِي غَزْوَةٍ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ مَنْ صَامَ فِي غَزْوَةٍ وَأَهْلُ الصَّدَقَةِ مَنْ تَصَدَّقَ فِي غَزْوَةٍ فَيَكُونُ هَذَا أَغْلَبُ عَلَيْهِ فِي الْغَزْوِ وَبِهِ يُنَادَى وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ يَغْلِبُ عَلَيْهَا غَيْرُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ رَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الرَّيَّانَ مِنْ الرَّيِّ فَخُصَّ ذَلِكَ بِدُعَاءِ الصَّائِمِ لِمَا كَانَ فِي الصَّوْمِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ الْعَطَشِ وَالظَّمَإِ فِي الْهَوَاجِرِ إعْلَامًا لِمَنْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ بِمَا يَخُصُّ هَذَا مِنْ الدُّعَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ضَرُورَةٌ فِي أَنْ يُدْعَى مِنْ غَيْرِهَا وَأَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا يَكْفِي فِي التَّنَاهِي فِي الْخَيْرِ وَسَعَةِ الثَّوَابِ لَكِنَّهُ مَعَ مَا فِي الدُّعَاءِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ هَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ جَمِيعِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَيْرِ وَأَوْسَعُ مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَطَاعَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه]

إحْرَازُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ (ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةِ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا أَرَأَيْت مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ وَمَنْ دُعِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ إنَّ دُخُولَك مِنْ هَذَا الْبَابِ أَفْضَلُ مِنْ دُخُولِك عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَلَكِنَّهُ يُدْعَى بِأَنْ يُقَالَ لَهُ إنَّ لَك هَاهُنَا خَيْرًا وَعَدَهُ اللَّهُ لَك لِعِبَادَتِك الْمُخْتَصَّةِ بِالدُّخُولِ عَلَى هَذَا الْبَابِ أَوْ لِعِبَادَتِك الَّتِي هِيَ سَبَبُ أَنْ تُدْعَى مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [إحْرَازُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَرْضَهُ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الصُّلْحِ وَالْعَنْوَةِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ فَمَالُهُ لَهُ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي مَعْرِفَةِ الصُّلْحِ وَالْعَنْوَةِ وَالثَّانِي فِي حُكْمِ أَهْلِ الصُّلْحِ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَالثَّالِثُ فِي حُكْمِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ عَنْهُمْ حَالَ حَيَّاتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَالرَّابِعُ فِي حُكْمِ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَالْخَامِسُ فِي حُكْمِ أَمْوَالِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الصُّلْحِ وَالْعَنْوَةِ) فَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ حَمَوْا بِلَادَهُمْ وَقَاتَلُوا عَلَيْهَا حَتَّى صُولِحُوا عَلَى شَيْءٍ أَعْطُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ جِزْيَةٍ أَوْ ضَرِيبَةٍ الْتَزَمُوهَا فَمَا صَالَحُوا عَلَى بَقَائِهِ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ مَالُ صُلْحٍ أَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَمَا صَالَحُوا بِهِ أَوْ أَعْطَوْهُ عَلَى إقْرَارِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَتَأْمِينِهِمْ كَانَ أَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ صُلْحٍ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ حَرْبٍ قُوتِلُوا حَتَّى صَالَحُوا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ حَقٌّ وَيُؤَمَّنُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْمَقَامِ بِهِ عَلَى الذِّمَّةِ لَمَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ أَرْضَ صُلْحٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ أَرْضَ صُلْحٍ مَا صُولِحُوا عَلَى بَقَائِهَا بِأَيْدِيهِمْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذَلِكَ حَرْبٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَرْبٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَنْوَةُ فَهِيَ الْغَلَبَةُ فَكُلُّ مَالٍ صَارَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ عَيْنٍ دُونَ اخْتِيَارٍ مَنْ غُلِبَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفَّارِ فَهُوَ أَرْضُ عَنْوَةٍ سَوَاءٌ دَخَلْنَا الدَّارَ عَلَيْهِمْ غَلَبَةً أَوْ أُجْلُوا عَنْهَا مَخَافَةَ الْمُسْلِمِينَ تَقَدَّمَتْ فِي ذَلِكَ حَرْبٌ أَوْ لَمْ تَتَقَدَّمْ أَقَرَّ أَهْلُهَا فِيهَا أَوْ نُقِلُوا عَنْهَا. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ خَيْبَرَ فُتِحَتْ بِقِتَالٍ يَسِيرٍ وَقَدْ خُمِّسَتْ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَهُوَ يَسِيرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَمَّسْ قَالَ أَشْهَبُ فَقُلْت الْعَنْوَةُ وَالْقِتَالُ أَلَيْسَا وَاحِدًا فَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الصُّلْحَ وَلَفْظُ الْقِتَالِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَنْوَةَ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصُّلْحُ فَإِنَّ الْقِتَالَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا إلَى الْعَنْوَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَى الصُّلْحِ وَمُرَادُنَا بِالصُّلْحِ وَالْعَنْوَةِ أَنَّ الْأَرْضَ آلَ حَالُهَا أَنْ اسْتَقَرَّتْ بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِصُلْحٍ صَالَحُوا عَلَيْهَا أَوْ زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِمْ بِالْعَنْوَةِ وَالْغَلَبَةِ. قَالَ مَالِكٌ قُسِّمَتْ خَيْبَرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ رَجُلٍ لِكُلِّ رَجُلٍ سَهْمُهُ قَالَ وَمَا كَانَ افْتَتَحَ مِنْ خَيْبَرَ خَمْسَةٌ وَقُسِّمَ الْبَاقِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَا خَمَّسَ مِنْهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَلَمْ يُخَمَّسْ، وَأَقْطَعَ مِنْهَا أَزْوَاجَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ قِسْمٌ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ عَنْوَةً بِالْقِتَالِ فَخُمِّسَ وَقُسِّمَ الْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَقِسْمٌ أُجْلُوا عَنْهُ وَأَسْلَمُوهُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَلَمْ يُسْهِمْ مِنْهُ لِأَحَدٍ وَكَانَ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ حُكْمَ الْخُمْسِ كَمَا فُعِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَى النَّضِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: 6] وَأَمَّا فَدَكُ فَصُولِحُوا عَلَى النِّصْفِ وَلَمْ

[الباب الثاني في حكم أهل الصلح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَكَانَتْ عَنْوَةً بِغَيْرِ قِتَالٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ النِّصْفُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ وَكَانَ النِّصْفُ عَلَى وَجْهِ الْعَنْوَةِ وَلَكِنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ إيجَافٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَا قِتَالٍ فَكَانَ حُكْمُ ذَلِكَ النِّصْفِ حُكْمَ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى أَهْلَ خَيْبَرَ وَأَجْلَى أَهْلَ فَدَكِ وَأَعْطَى أَهْلَ فَدَكِ بِذَلِكَ حِبَالًا وَأَقْتَابًا وَذَهَبًا اشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمُ هَذِهِ الْبِلَادِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَكَّةُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِهَا فَقَالَ مَالِكٌ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا دَخَلَهَا صُلْحًا وَقَالَ أَصْحَابُهُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَ فِيهَا فِعْلَ مَنْ صَالَحَهُ فَمَلَكَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَرْضَهُ وَدِيَارَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِقَوْلِنَا عَنْوَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَلَوْ كَانَ هُنَا صُلْحٌ لَمَا احْتَاجَ إلَى تَأْمِينِ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مَخْصُوصًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ جُرْمٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ وَيَعْفُوَ عَنْ جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَدِمْ بِمَكَّةَ حُكْمُ الْعَنْوَةِ مِنْ قَسْمِ دُورِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا وَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُقَسِّمْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنْهَا فَيْئًا فَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَلِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَاَلَّذِي أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَهُ فِي مَكَّةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ فِي غَيْرِهَا وَمَكَّةُ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ مِنْ الْبِلَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ رَسُولَهُ مِنْ الْأَنْفَالِ بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهُ فَقَالَ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يَبْعُدُ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ فِي مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّ مَكَّةَ خُصَّتْ بِمَنْعِ الْقِتَالِ فِيهَا وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا وَحُرِّمَ الْقِتَالُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلِذَلِكَ أَعَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيْأَهُمْ إلَيْهِمْ بَعْدَ تِلْكَ السَّاعَةِ لَمَّا حُرِّمَتْ مُقَاتَلَتُهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَجَائِزٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ وَاسْتَأْنَى بِهِمْ شَهْرًا لِيَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا وَاسْتِئْلَافًا لِأَهْلِ مَكَّةَ فَرَدَّ إلَيْهِمْ دُورَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ وَلَعَلَّهُ قَدْ اسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَذِنُوا لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ افْتَتَحُوا مَكَّةَ وَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ فِرَارًا مِنْ الْقَتْلِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ وَلَمْ يَسْبِ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتْبَعَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَرْضَهُمْ فَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَقِيَ مِلْكُهُ فِي يَدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَرْضُ الْأَنْدَلُسِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَمِنْهَا مَا اُفْتُتِحَ صُلْحًا كَتَدْمُرَ وَغَيْرِهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُ حُكْمِ أَرْضِهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَعَلَى جَرِيبِ التَّمْرِ سِتَّةً قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ الْجَرِيبُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا قَالَ غَيْرُهُ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ وَهِيَ ذِرَاعٌ وَثُلُثٌ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَالذِّرَاعُ الْهَاشِمِيُّ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ وَالْأَشَلُّ حَبْلٌ يُذْرَعُ بِهِ الْجَرِيبُ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَالنَّابُ قَصَبَةٌ يُذْرَعُ بِهَا أَيْضًا وَطُولُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَهِيَ عُشْرُ الْأَشَلِّ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيِّ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ أَهْلِ الصُّلْحِ] 1

[الباب الثالث في حكم انتقال الأملاك عن أهل الذمة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ أَهْلِ الصُّلْحِ حَالَ حَيَاتِهِمْ مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ) أَهْلُ الصُّلْحِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ فِي جُمْلَتِهِمْ أَوْ يُصَالِحُوا عَلَى شَيْءٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْ جَمَاجِمِهِمْ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ جِزْيَتَانِ فَجِزْيَةٌ عَلَى الْبَلَدِ مُجْمَلَةً وَجِزْيَةٌ عَلَى الْجَمَاجِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُوضَعَ عَلَى جُمْلَتِهِمْ شَيْءٌ يَغْرَمُونَهُ لَا يُحَطُّ مِنْهُ لِقِلَّتِهِمْ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِكَثْرَتِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ لَهُ حَتَّى يُؤَدُّونَهُ لَا يَبْرَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ أَدَّى أَكْثَرَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَهُ وَدِيَةُ الْجَمَاجِمِ أَنْ يُوضَعَ عَلَى كُلِّ جُمْجُمَةٍ دِينَارٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فَهَذِهِ الْجِزْيَةُ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ عَدَدِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَتَنْقُصُ بِنَقْصِ عَدَدِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ غَيْرُهُ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَضْمَنْ مَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ مَا يَخُصُّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا بَاعَ الصُّلْحِيُّ أَرْضَهُ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لَمْ يَجُزْ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ قَدْ يَنْعَقِدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ وَهِيَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَسْمًا ثَالِثًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَمَاجِمِ خَرَاجٌ وَعَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ وَكَيْفَمَا انْعَقَدَ الصُّلْحُ فِي ذَلِكَ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ جِزْيَةُ أَهْلِ الصُّلْحِ إنَّمَا هِيَ فِيمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ قَالَ وَلَا يُزَادُ فِي جِزْيَةِ الصُّلْحِ عَلَى الْغَنِيِّ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا عَنْ الْفَقِيرِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا يُقَرَّرُ إنَّمَا هُوَ دِينَارٌ إلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَلَا يُزَادُ الْغَنِيُّ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَا يُنْقَصُ الْفَقِيرُ عَنْ دِينَارٍ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَادُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي جِزْيَةِ جَمَاجِمِهِمْ وَإِنْ أَيْسَرُوا عَلَى مَا فَرَضَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا قَالَ وَتُطْرَحُ عَنْهُمْ ضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا لَمْ يُوَفَّ لَهُمْ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ مَنْ اسْتَقَرَّتْ جِزْيَتُهُ عَلَى شَيْءٍ لَا يُنْقَلُ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ صُلْحُهُمْ عَلَى مِقْدَارِ مَا فِي جُمْلَتِهِمْ فَلَا يُزَادُونَ عَلَيْهِ لِغِنَاهُمْ وَلَا يُنْقَصُونَ مِنْهُ لِفَقْرِهِمْ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ عَنْهُمْ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ) أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ جِزْيَتَانِ جِزْيَةٌ عَلَى الْبَلَدِ وَجِزْيَةٌ عَلَى الْجَمَاجِمِ فَإِنْ كَانَتْ مُجْمَلَةً عَلَى الْبَلَدِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُقَسَّمُ وَلَا يَمْلِكُهَا إنْ أَسْلَمَ وَإِنَّمَا لَهُ مَالُهُ وَأَمَّا الْأَرْضُ فَمَوْقُوفَةٌ أَبَدًا لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَذَلِكَ بِأَسْرِهِ بَاقٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ النَّصَارَى وَأَمَّا إنْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ فَلَهُمْ بَيْعُ الْأَرْضِ وَهِيَ لَهُمْ مِلْكٌ يَصْنَعُونَ بِهَا مَا شَاءُوا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَهْلَ الصُّلْحِ إذَا صَالَحُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ أَلْفَ دِينَارٍ كُلَّ عَامٍ أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ دِينَارَيْنِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَعَلَى أَرْضِهِمْ عَلَى كُلِّ بَذْرٍ كَذَا شَيْئًا سَمَّوْهُ وَعَلَى كُلِّ زَيْتُونَةٍ كَذَا قَالَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَهُمْ بَيْعُهَا فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْخَرَاجِ إذَا وُضِعَ عَلَى الْجَمَاجِمِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَاخْتَلَفَا إذَا وُضِعَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَمَنَعَ ذَلِكَ بَيْعَ الْأَرْضِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا وَضَعَتْ الْجِزْيَةَ أَوْ الْخَرَاجَ عَلَى الْجُمْلَةِ هِيَ سَبَبُ الْجِزْيَةِ وَهِيَ مَالٌ ظَاهِرٌ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَفْوِيتُهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْعِ اسْتِجْلَابِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَرْضَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَمِلْكِهِمْ فَكَانَ لَهُمْ بَيْعُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا كَالْعَيْنِ وَالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى مِقْدَارِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْغَرْسِ فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا وَلَا تَفْوِيتُهَا لِأَنَّ الْخَرَاجَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَهُوَ

[الباب الرابع في ذكر أموال أهل الذمة بعد موتهم على الكفر]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقُّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَفْوِيتُهَا وَإِتْلَافُ أَثْمَانِهَا وَقَطْعُ مَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَقِّ الْجِزْيَةِ فِيهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى الْجَمَاجِمِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَيْهِمَا وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِ أَرْضِ الصُّلْحِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْخَرَاجِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْبَائِعِ ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ قَدْ اقْتَضَى تَعَلُّقَ الْخَرَاجِ بِذِمَّتِهِ فَلَا يُزِيلُهُ عَنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْأَرْضِ وَلَا هِبَتُهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ سَقَطَ الْخَرَاجُ عَنْ الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْخَرَاجُ بِهِ دُونَ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ صِفَتُهُ دُونَ صِفَةِ الْأَرْضِ وَظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْأَرْضِ مَعَ بَقَاءِ الْمَصَالِحِ عَلَيْهَا عَلَى الْكُفْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْخَرَاجُ حَيْثُ انْتَقَلَتْ الْأَرْضُ وَلِأَنَّ تِلْكَ الْأَرْضَ لَوْ اسْتَغْدَرَتْ وَتَلِفَتْ إتْلَافًا لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ لَسَقَطَ الْخَرَاجُ بِسَبَبِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْخَرَاجُ مَعَهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْبَائِعِ مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْبَيْعَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا مُنْتَهَاهُ وَلَا مَبْلَغَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقِيمُ الْبَائِعُ عَلَى كُفْرِهِ فَيَدُومُ بَقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ يُسْلِمُ بَعْدَ بَيْعِهِ بِيَوْمٍ فَيَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَنْ الْأَرْضِ وَهَذَا غَرَرٌ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ. (فَرْعٌ) وَقَدْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْأَنْدَلُسِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ابْتِيَاعِ أَرْضِ الْخَرَاجِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُبْتَاعِ مَا يَلْزَمُ وَأَمَرَ الْمَنْصُورُ أَبُو عَامِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ أَشْهَبَ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلَكُ الْبَائِعُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَيَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ فَيُرِيدُ ابْتِيَاعَ الْأَرْضِ بِمَا عَلَيْهَا فَتُحِيلُ أَهْلُ الْجِهَةِ لِلتَّمَسُّكِ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى إنْ عَقَدُوا عَلَى الْمُبْتَاعِ بَعْدَ تَمَامِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي عَقْدٍ غَيْرِ عَقْدِ الِابْتِيَاعِ أَنَّهُ عَرَفَ مَا يَلْزَمُ الْأَرْضُ مِنْ ذَلِكَ وَالْتَزَمَهُ تَحَيُّلًا لِسَلَامَةِ الْعَقْدِ مِمَّا يُفْسِدُ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَهَذَا لَا يُجْزِي إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ قَدْ عَلِمَا أَنَّ الْأَرْضَ أَرْضُ صُلْحٍ وَأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُهَا الْخَرَاجُ وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ تُبَاعَ وَيَبْقَى خَرَاجُهُ عَلَى بَائِعِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَدْ أَلْحَقَ أَهْلُ بَلَدِنَا بِذَلِكَ مَا لَزِمَ أَرْضَ الْإِسْلَامِ وَمِنْ وَظَائِفِ الظُّلْمِ لِلسَّلَاطِينِ فَأَجْرُوهَا مَجْرَاهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَظَائِفَ لَيْسَتْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَظَالِمُ لَا تَثْبُتُ بِوَجْهِ حَقٍّ وَلَا تَجِبُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ بِفِرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ وَخَرَاجُ أَرْضِ الصُّلْحِ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسٍ بِفِرَارٍ وَلَا امْتِنَاعٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَظَالِمِ الْمُوَظَّفَةِ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ ابْتِيَاعِ الْإِنْسَانِ الثِّيَابَ فِي الْبَلَدِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مَكْسٌ فِي كُلِّ مَا يَبْتَاعُ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَلَا صِحَّةَ ابْتِيَاعِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فِي طَرِيقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مَكْسٌ وَرُبَّمَا خَفَى أَمْرُهُ فَسَلِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكِرَاءِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ إنَّ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ أَوْ بِتَخْرِيجِ أَهْلِ بَلَدِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْمُبْتَاعَ بَعْدَ تَمَامِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا أَسْلَمَ الْبَائِعُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَنْ الْمُبْتَاعِ بِمَنْزِلَةِ مَا سَقَطَ خَرَاجُهَا إذَا أَسْلَمَ الصُّلْحِيُّ وَهِيَ بِيَدِهِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الصُّلْحِيُّ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا صَارَ مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي ذِكْرِ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي ذِكْرِ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى جُمْلَتِهِمْ فَإِنَّ أَرْضَهُمْ لَا تُورَثُ وَتَقَدَّمَ مِنْ التَّخْرِيجِ عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ الْجِزْيَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ حُكْمُهَا ذَلِكَ وَأَنَّ الْجِزْيَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ

[الباب الخامس في حكم أموال أهل الذمة إذا أسلموا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْأَرْضَ تُورَثُ عَنْهُمْ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَهْلَ الصُّلْحِ يُورَثُونَ عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُمْ يُورَثُونَ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَارِثًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَدَّعِ وَارِثًا فَأَرْضُهُ وَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ فَمِيرَاثُهُ لِأَهْلِ خَرَاجِهِ وَلَا يَضَعُ عَنْهُمْ مَوْتُهُ شَيْئًا مِنْ خَرَاجِهِ وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ. فَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الصُّلْحِ إذَا قُوطِعُوا عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمَالُهُ وَأَرْضُهُ لِأَهْلِ خَرَاجِهِ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُسْقِطُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِمَّا الْتَزَمُوهُ وَإِنَّمَا كَانُوا الْتَزَمُوهُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَمَالُ هَذَا الْمُتَوَفَّى وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ جِزْيَةً عَلَى جَمَاجِمِهِمْ فَإِنَّ مَا تَرَكَ مِنْ مَالٍ لَا وَارِثَ لَهُ فَمَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ نَفْسَهُ بِالْعَقْدِ بِمَا كَانَ يَخُصُّهُ مِنْ الْأَدَاءِ عَلَى مَا كَانَ يَخُصُّهُ مِنْ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ سَقَطَ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ الْخَرَاجِ وَلَمْ يَتْبَعْ بِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ صَالَحَ مَعَهُ فَلِذَلِكَ كَانَ مَالُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّلْحِ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ كَيْفَ يَعْرِفُ مَنْ لَهُ وَرَثَةٌ مِمَّنْ لَا وَرَثَةَ لَهُ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مَوَارِيثَهُمْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ فَإِنْ قَالُوا يَرِثُهُ مَنْ يَذْكُرُونَ مِنْ ذِي رَحِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ سُلِّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَإِنْ قَالُوا لَا وَلَدَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ طَرِيقَ هَذَا الْخَبَرِ عَمَّا يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَفِي مِثْلِ هَذَا تُقْبَلُ أَقْوَالُهُمْ كَإِخْبَارِهِمْ عَمَّا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْأَدْوَاءِ وَتَرْجَمَتِهِمْ عَنْ الْأَلْسِنَةِ الَّتِي لَا نَعْرِفُهَا وَمِثْلُ هَذَا يُحْكَمُ فِيهِ بِقَوْلِهِمْ وَيُرْجَعُ فِيهِ إلَيْهِمْ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ أَمْوَال أَهْل الذِّمَّة إذَا أَسْلَمُوا] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ أَمْوَالِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَتْ جِزْيَةُ الصُّلْحِ عَلَى جُمْلَتِهِمْ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ لَمْ تُمْلَكْ أَرْضُهُ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ مَالُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَرْضُهُ لَهُ وَمَالُهُ لَهُ دُونَ جِزْيَةٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى جُمْلَتِهِمْ أَوْ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ أَوْ عَلَى مُبَذِّرِ أَرْضِهِمْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يُسْقِطُ عَنْهُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَالْخِلَافُ فِيهِ وَالتَّوْجِيهُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَأَمَّا مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ لَمْ يُؤَدِّهِ فَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْجِزْيَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَالَ إسْلَامِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ وَهُمْ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ إنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَا يُحْرَزُ مَالُهُ وَلَا أَرْضُهُ وَيَصِيرُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَرْضُهُ الْأَرْضُ الَّتِي بِيَدِهِ فَأَضَافَهَا إلَيْهِ لِعَمَلِهِ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْعَنْوَةِ بِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَالِهِ عِنْدِي وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا تُقَسَّمُ وَتَبْقَى لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَأْيِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَأَرْضِ الْعِرَاقِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تُقَسَّمُ الْأَرْضُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ مَا احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] ثُمَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ تَعَالَى الْأَنْصَارَ فَقَالَ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الَّذِينَ افْتَتَحُوا تِلْكَ الْمَوَاضِعَ حَقًّا فِيهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِتَبْقِيَةِ الْأَرْضِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا تَبْقَى لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ أَحْرَارٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نِسَاؤُهُمْ كَالْحَرَائِرِ لَا يُنْظَرُ إلَى شُعُورِهِنَّ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ مِنْهُنَّ دِيَةُ الْحُرَّةِ ذِمِّيَّةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَسْتَرِقُوا وَعَقَدَ لَهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ فَقَدْ حَكَمَ بَحْرِيَّتِهِمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَمُنَّ أَوْ يُفَادِيَ بِهِ أَوْ يَسْتَرِقَّهُ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ الذِّمَّةَ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَهَؤُلَاءِ قَدْ عُقِدَ لَهُمْ عَقْدُ ذِمَّةٍ عَلَى الْجِزْيَةِ فَهُمْ أَحْرَارٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ الْفَرْضَ الَّذِي يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ وَتُتْرَكُ الْأَرْضُ بِأَيْدِيهِمْ عَوْنًا لَهُمْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ عَلَى كُلِّ عِلْجٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِ أَرْضِهِمْ وَجَعَلَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجًا عَلَى حِدَةٍ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ خَرَاجًا وَاحِدًا عَلَى الْأَرْضِ وَالْجَمَاجِمِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ مَعَ ذَلِكَ الضِّيَافَةَ وَقَالَ مَالِكٌ تُطْرَحُ عَنْهُمْ الضِّيَافَةُ إذَا لَمْ يُوَفَّ لَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةُ جَمَاجِمِهِمْ فَمَنْ عَمِلَ أَرْضًا كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا لِأَنَّ سَبَبَ جِزْيَةِ جَمَاجِمِهِمْ سُكْنَى بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنُ دِمَائِهِمْ فِيهَا وَسَبَبَ خَرَاجِ الْأَرْضِ الِانْتِفَاعُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُعَمِّرْ مِنْهُمْ أَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَاءِ جِزْيَةِ جُمْجُمَتِهِ وَمَنْ عَمَّرَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا تَجِبُ عَلَى جُمْجُمَتِهَا جِزْيَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ لِلْعَنَوِيِّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهَا وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ وَكَأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُرِكُوا كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ قَالَ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَهَبُوا وَيَتَصَدَّقُوا وَيَجِيءُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِ الْفَتْحِ وَفِيمَا اكْتَسَبُوهُ بَعْدُ مِنْ ذَلِكَ وَيَجِيءُ عَلَى ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ بِمَا اكْتَسَبُوهُ دُونَ مَا أَقَرَّ بِأَيْدِيهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَرِثَهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَسَاقِفَتُهُمْ وَأَهْلُ دِينِهِمْ فَمَنْ قَالُوا أَنَّهُ يَرِثُهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ سُلِّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ مَالَهُ وَمَا كَسَبَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا الْأَرْضَ فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُعَمِّرُهَا بِالْخَرَاجِ وَأَمَّا مَا كَانَ كَسْبُهُ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ وَمَا كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ نَحْنُ نَذْكُرُهُمَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَدْعُ وَارِثًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ مَا تَرَكَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ مَالٍ فَهُوَ كَالْفَيْءِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ لِأَهْلِ الْفَتْحِ أَقِرَّ بِأَيْدِيهِمْ عَوْنًا عَلَى عِمَارَةِ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا تُرِكَ بِيَدِهِ تُرِكَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ وَالتَّرْكِ لَهُ كَمَا تُرِكَتْ لَهُ رَقَبَتُهُ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَدْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَكُلَّ مَا كَسَبَ وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ يُرِيدُ أَسْلَمَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي

[الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر عدة النبي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الدَّفْنُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَإِنْفَاذُ أَبِي بَكْرٍ عِدَةَ النَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ ثُمَّ السُّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا، وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيِّرَ مِنْ مَكَانِهِمَا فَوُجِدَا لَمْ يُغَيَّرَا كَأَنَّمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمِ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدِهِ عَلَى وَجْهِ تَمَلُّكٍ وَإِنَّمَا هِيَ فِي يَدِهِ عَلَى وَجْه إجَارَةٍ وَرَوَى عِيسَى بْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ حُرٌّ وَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ مِنْ الْعَيْنِ وَالرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ عِيسَى وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا وَمَا تُرِكَ بِيَدِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا هُوَ كَالرَّقِيقِ فِي الْحَائِطِ يَسْتَعِينُ بِهِ الْعَامِلُ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْحَائِطِ وَمَا اكْتَسَبَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ اكْتَسَبَهُ وَهَذَا تَقْتَضِيهِ مُعَاهَدَتُهُ وَمُعَاقَدَتُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ مَا اكْتَسَبَ مِلْكٌ لَهُ وَمَا تُرِكَ بِيَدِهِ فَعَلَى مِلْكِ مَنْ افْتَتَحَ الْأَرْضَ وَإِنَّمَا تَرِكَتُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَوْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الدَّفْنُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَإِنْفَاذُ أَبِي بَكْرٍ عِدَةَ النَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَفْرُ الْقُبُورِ يَوْمَ أُحُدٍ لِكَثْرَةِ الْقَتْلَى وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ التَّعَبُ وَالنَّصَبُ. وَرَوَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَوْسِعُوا وَدَفَنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدَّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ مَالِكٌ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَبْرٍ وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ فِي الْقَبْرِ أَفْضَلُهُمْ وَهُوَ مَنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيُجْعَلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ يُجْعَلُ غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَلِيهِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْقُرْآنِ وَحَضِّ أَصْحَابِهِ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ أَخْذِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُمَا مِمَّنْ اُسْتُشْهِدَا يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ كَانَا صِهْرَيْنِ وَاسْتُشْهِدَا يَوْمَ أُحُدٍ وَدُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَحَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا لَمَّا كَانَ مِمَّا يَلِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ فَأَرَادُوا نَقْلَهُمَا عَنْ مَكَانِهِمَا ذَلِكَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِهِ السَّيْلُ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُنْقَلَا وَلَا بَأْسَ بِحَفْرِ الْقَبْرِ وَإِخْرَاجِ الْمَيِّتِ مِنْهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ لِوَجْهِ مَصْلَحَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ نَبْشُ الْقُبُورِ فَإِنَّ ذَلِكَ لِوَجْهِ الضَّرَرِ أَوْ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ وَهَذِهِ عَلَى مَا نَعْتَقِدُهُ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَصَّهُمَا بِهَا وَلَعَلَّهُ قَدْ خَصَّ بِذَلِكَ أَهْلَ أُحُدٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِثْلُ فَضْلِهِمَا فَإِنَّ تِلْكَ الْأَرْضَ تُسْرِعُ التَّغْيِيرَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُعْتَادًا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعَلَّهُ إنَّمَا تُرِكَ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِعْجَالِ دَفْنِهِ وَتَرْكِ التَّرَدُّدِ وَالتَّوَقُّفِ عَلَى تَلْيِينِ أَعْضَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَيُجْعَلُ الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَالٌ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأْيٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ إلَّا بِتَغَيُّرِ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تُرِكَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لِيُحْشَرَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ رُطُوبَةُ أَعْضَائِهِ وَلِينُهَا وَلَوْ نَشَفَتْ وَذَهَبَتْ رُطُوبَتُهَا لَمَا أَمْكَنَ إزَالَةُ يَدِهِ مِنْ مَكَانِهَا إلَّا بِكَسْرِ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَصَرْفِهَا إلَى صُورَةٍ تَمْنَعُ رُجُوعَهَا إلَى مَكَانِهَا إذَا تُرِكَتْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَ وَقْتِ دَفْنِهِمَا وَوَقْتِ الْحَفْرِ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَهَذِهِ مُدَّةٌ لَا يَكَادُ يَبْقَى مَعَهَا الْمَيِّتُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْأَحْوَالِ بَقِيَّةُ رُطُوبَةٍ وَلَا اتِّصَالُ أَعْضَاءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَيُجْعَلُ الْأَكْبَرُ مِنْهُمَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ إلَّا مِنْ ضِرْوَةٍ وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ لَا يُكَفَّنَانِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ حَظُّهُ مِنْ الْإِسَاءَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ يُدْفَنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ وَيُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ الْأَكْبَرُ وَيُجْعَلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَهَذَا مَعْنَى التَّقْدِيمِ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَشْهَبُ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ أَفْضَلُهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ فِي اللَّحْدِ أَكْثَرَهُمَا قُرْآنًا» وَهَذَا كُلُّهُ يَعُودُ إلَى مَعْنَى الْفَضِيلَةِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْفَضِيلَةِ قُدِّمَ أَكْبَرُهُمَا لِأَنَّ لِلسِّنِّ حَقًّا وَفَضِيلَةً وَرَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَجْعَلُ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ نَجْعَلُ بَعْدَهُمْ الصِّبْيَانَ ثُمَّ نَجْعَلُ بَعْدَهُمْ النِّسَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ أَشْهَبُ وَإِذَا دُفِنَ رَجُلَانِ فِي الْقَبْرِ لَمْ يُجْعَلْ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا التَّضْيِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَالٌ مِنْ الْبَحْرَيْنِ يُرِيدُ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَمَا يُنْقَلُ إلَى بَيْتِ مَالِهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي عَلَى الْجَمَاجِمِ وَخَرَاجِ الْأَرْضِ وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا تَجَرُوا مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ وَالرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ عُشُورٍ أَوْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي لَاحِقٌ بِذَلِكَ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُنْقَلَ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا بَعْدَ سَدِّ خَلَّةِ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ الَّتِي يُجْبَى فِيهَا ذَلِكَ الْمَالُ فَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَالٍ يُجْبَى فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى حَالِ تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي جَبَى فِيهَا وَحَالَ سَائِرِ تِلْكَ الْجِهَاتِ فَإِنْ اسْتَوَتْ حَاجَتُهُمْ وَعَمَّتُهُمْ الشِّدَّةُ أَوْ السَّعَةُ فَرَّقَ حَيْثُ جَبَى، وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ شَيْءٌ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ اخْتِصَاصُ الْجُبَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا مِنْ الْبِلَادِ أَحْوَجَ نُقِلَ إلَى غَيْرِهَا وَلَا يُعَدَّى مِنْهَا مَنْ جُبِيَتْ مِنْهُمْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْرَمُوا مِنْهُ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ نَقْلُ بَعْضِهَا لِلْحَاجَةِ النَّازِلَةِ بِغَيْرِهِمْ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَبْعَثُ بِبَعْضِ صَدَقَاتِهِ إلَى الْمَدِينَةِ فَذَلِكَ صَوَابٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَرَى مَالِكًا خَصَّ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا بَلَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ يُحْتَمَلُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْحَاجَةُ وَضِيقُ الْحَالِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِهِ فَيَبْلُغُهُ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَاجَةٌ فَيُرْسِلُ إلَيْهَا بِبَعْضِ زَكَاتِهِ مَا رَأَيْت بِذَلِكَ بَأْسًا وَرَأَيْته صَوَابًا. (فَصْلٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُنْقَلَ إلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ بِهَا كَانَ الْإِنْفَاقُ وَاعَطَاءُ الْأَرْزَاقِ فَكَانَ يُنْقَلُ ذَلِكَ إلَى مَنْ يُرْزَقُ مِنْهُ بَعْدَ سَدِّ الثُّغُورِ الَّتِي كَانَ يُجْبَى مِنْهَا هَذَا الْمَالُ وَالتَّفْرِيقِ عَلَى أَهْلِهَا بِقَدْرِ مَا يُغْنِيهِمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يَسُدَّ حَاجَتَهُمْ فَيُفَرِّقُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِ الْأُعْطِيَةِ وَعَلَى مَنْ اعْتَزَّ الْخَلِيفَةُ بِهَا وَلَزِمَهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَنْقُلُ هَذَا الْمَالَ إلَى مَوْضِعِ تَفْرِقَتِهِ فَمِنْ مَاذَا يَتَكَارَى عَلَيْهِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الزَّكَاةِ تُنْقَلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا يَتَكَارَى عَلَيْهَا مِنْ الْفَيْءِ وَلَكِنَّهُ يَبِيعُ ذَلِكَ وَيَشْتَرِي مِثْلَهُ فِي مَوْضِعِ الْقِسْمَةِ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ يَتَكَارَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ يَبِيعُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ وَجْهٌ فَالصَّوَابُ بَيْعُهُ وَتَبْلِيغُ ثَمَنِهِ إلَى مَوْضِعِ قِسْمَتِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ وَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ مِنْ جُمْلَتِهِ مُخْرِجٌ لِلزَّكَاةِ عَنْ وَجْهِهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ الْفَيْءِ ظُلْمٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِلْإِمَامِ بِاَلَّذِي هُوَ أَحْوَطُ لِمُسْتَحِقِّي هَذَا الْمَالَ فَقَدْ يَكُونُ الْبَيْعُ تَارَةً أَفْضَلَ وَقَدْ يَكُونُ الْحَمْلُ وَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ وَأَحْوَطَ لِرُخْصِهِ بِمَوْضِعِ الْبَيْعِ وَغَلَائِهِ بِمَوْضِعِ الشِّرَاءِ وَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ الْكِرَاءَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْفَيْءِ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَالزَّكَاةُ مَقْصُودَةٌ عَلَى وُجُوهٍ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأْيٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا الْوَأْيُ الْعَهْدُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْعِدَةِ فِي هَذَا الْوَضْعِ وَاسْتَدْعَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَةٌ لِيَفِيَ بِعَهْدِهِ وَيُنْجِزَ عِدَتَهُ إذْ هُوَ الْخَلِيفَةُ وَالْقَاضِي عَنْهُ مَا وَعَدَ بِهِ وَالْمُتَّبِعُ لِسِيرَتِهِ وَالْقَائِمُ بِإِنْفَاذِ وَصَايَاهُ وَمَا وَعَدَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ يَحِقُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ إنْفَاذُهُ وَقَدْ جَاءَ جَابِرٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُك هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ قَبِلَ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ لَمَّا رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَكَانَ مِنْ حُسْنِ النَّظَرِ أَنْ يُعْطِيَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ يُعْطِي الْوَالِي الرَّجُلَ الْمَالَ جَائِزٌ لِأَمْرٍ يَرَاهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الدَّيْنِ أَيْ وَجْهِ الدَّيْنِ مِنْ الْوَالِي. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِدَةِ فَهَلْ هِيَ لَازِمَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُوَاعَدَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا لَازِمَةً لَهُ لِأَنَّ وَعْدَهُ حَقٌّ وَصَوَابٌ وَلَمْ يَعِدْ مِنْ مَالِهِ عَطِيَّةً وَإِنَّمَا وَعَدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَأَنَّهُ عَيَّنَ لِمَنْ وَعَدَهُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَعْيِينُهُ صَوَابٌ فَيَجِبُ أَنْ يُنَفَّذَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ غَيْرِهِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوَعْدُ يُدْخِلُ الْإِنْسَانَ فِي أَمْرٍ أَوْ لَا يُدْخِلُهُ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً وَأَنَا أُعِينُك عَلَى ذَلِكَ بِدِينَارٍ أَوْ أُسَلِّفُك الثَّمَنَ أَوْ أُسَلِّفُك مِنْهُ كَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّ هَذِهِ الْعِدَةَ لَازِمَةٌ يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الْوَاعِدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عِدَةٌ لَا تُدْخِلُ مَنْ وَعَدَ بِهِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُفَسَّرَةً أَوْ مُبْهَمَةً فَإِنْ كَانَتْ مُفَسَّرَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَعِرْنِي دَابَّتَك إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَيَقُولُ أَنَا أُعِيرُك غَدًا أَوْ يَقُولُ عَلَيَّ دَيْنٌ فَأَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ أَقْضِهِ فَيَقُولُ أَنَا أُسَلِّفُك فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْكُمُ بِإِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ كَاَلَّذِي يُدْخِلُ الْإِنْسَانَ فِي عَقْدٍ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ بِوَعْدِهِ فِي شَيْءٍ يَضْطَرُّهُ إلَى مَا وَعَدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُبْهَمَةً مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَسْلِفْنِي مِائَةَ دِينَارٍ وَلَا يَذْكُرُ حَاجَتَهُ إلَيْهَا أَوْ يَقُولَ أَعِرْنِي دَابَّتَك أَرْكَبُهَا وَلَا يَذْكُرُ لَهُ مَوْضِعًا وَلَا حَاجَةً فَهَذَا قَالَ أَصْبَغُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعِدَةِ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ أَدْخَلَهُ فِيهِ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ لَهُ انْكِحْ وَأَنَا أُسَلِّفُك مَا تَصْدُقُهَا فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْوَعْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ وَعَدَ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَحَفَنَ لَهُ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ امْتِثَالًا لِصِفَةِ مَوْعِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ

[كتاب النذور والأيمان]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا) كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِهِ عَنْهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ حَفْنَةٍ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَمَّ كِتَابُ الْجِهَادِ بِحَمْدِ اللَّهِ. [كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ] [مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ سَأَلَهُ سُؤَالَ الْمُلْتَزِمِ لِحُكْمِهِ الرَّاجِعِ إلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ يُسَمَّى مُسْتَفْتِيًا وَقَوْلُ الْمُفْتِي لَهُ يُسَمَّى فَتْوَى وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لَهُ وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ فَأَمَّا الْعَالِمَانِ اللَّذَانِ يَسُوغُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ إذَا سَأَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا يَخْلُو أَنْ يَسْأَلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّقْلِيدِ فَأَمَّا سُؤَالُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْتِفْتَاءٍ بَلْ هُوَ مُذَاكَرَةٌ وَمُنَاظَرَةٌ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمَا إذَا الْتَزَمَا شُرُوطَ الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الْإِنْصَافِ وَقَصْدِ إظْهَارِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ وَتَبْيِينِهِ وَسَلِمَا مِنْ الْمِرَاءِ وَقَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى وَقْتِنَا هَذَا وَأَمَّا سُؤَالُهُ إيَّاهُ مُسْتَفْتِيًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ وَيُمَكِّنُ السَّائِلَ مِنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاجْتِهَادَ دُونَ السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُفُوفٌ فِي الْعِلْمِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلَّذِي دُونَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَالدَّلِيلُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ دُونَ السُّؤَالِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ خَافَ الْعَالِمُ فَوَاتَ الْحَادِثَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ غَيْرَهُ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَمَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا وَقَالُوا تَخْلِي الْقَضِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ وَأَمَّا مَا يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي صِفَةِ الْمُفْتِي وَصِفَةِ الْمُسْتَفْتِي فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ مُبَاحٌ جَائِزٌ لِأَنَّ سَعْدًا ذَكَرَ أَنَّ أُمَّهُ نَذَرَتْ وَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْهُ بَلْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَخِيلِ» فَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَنْذِرَ لِمَعْنًى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِثْلِ أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ أَمْرِ كَذَا أَوْ رَزَقَنِي كَذَا فَإِنِّي أَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي صَلَاةً أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا فَهَذَا الْمَكْرُوهُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ ذَلِكَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَذْرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ دُونَ تَعَلُّقِ نَذْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَغَرَضِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ» فَعَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَرْنَ بِأَهْلِهِ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ جَائِزٍ وَلَا مُبَاحٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا تَرْكُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ لَمَا عَابَ بِهِ الْقَرْنَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا فَالْمُطْلَقُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُكَلَّفُ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا وَالْمُقَيَّدُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَكِلَا النَّذْرَيْنِ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَإِنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا النَّذْرُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ انْعِقَادِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ سَعْدٍ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا لَاسْتَفْسَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا نَذَرَ لِأَنَّ مِنْ النَّذْرِ الْمُقَيَّدِ مَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَمِنْهُ مَا لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْذِرَ مُحَرَّمًا فَلَمَّا كَانَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ يَتَنَوَّعُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ وَإِلَى مَا يَجُوزُ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا لَسَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ نَذْرِهَا لِيُمَيِّزَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ مِمَّا لَا يَجُوزُ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَكُونُ الْجَوَابُ وَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَلْزَمُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نَذْرٌ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ. (فَصْلٌ) : وَإِذَا قُلْنَا إنَّ نَذْرَ أُمِّ سَعْدٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَيَّدُ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ وَيُقَيَّدُ بِمُبَاحٍ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيُقَيَّدُ بِمُحَرَّمٍ فَإِذَا قُيِّدَ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ أَصُومَ صَوْمًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا إلَّا أَنْ يُعَلَّقَ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَدَقَةٌ إنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَزَلَ الْمَطَرُ الْيَوْمَ أَوْ فُرِّجَ عَنْ الْمَرِيضِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا} [الإنسان: 7] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّعَلُّقِ بِصِفَةٍ وَلَا بِغَيْرِ صِفَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ جِهَةِ النَّذْرِ مَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَلَّقَ بِصِفَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي نَذْرِهِ عَلَى اللَّجَاجِ بَيْنَ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَبَيْنَ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْوَفَاءُ بِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ حَالٌ يَلْزَمُ فِيهَا الْوَفَاءُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَزِمَ فِيهَا الْوَفَاءُ بِسَائِرِ الْقُرْبِ كَحَالِ الرِّضَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا نَذَرَ أَمْرًا مُبَاحًا كَالْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَذْرُ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا نَذَرَ مَعْصِيَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَقْضِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا بَعْدُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْعَقَدَتْ يَمِينُهَا بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَقْضِهِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا فَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ قَضَتْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا بِمِثْلِ أَنْ تَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إنْ شُفِيَ فُلَانٌ أَوْ إنْ جَاءَ فُلَانٌ هَذَا الشَّهْرَ فَمَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهُ وَإِنْ فَعَلَتْ فَحَسَنٌ مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي نَذَرْت اعْتِكَافَ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْفِ بِنَذْرِك فَأَمَرَهُ»

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَا يَمْشِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَتِلْكَ حَالٌ لَا يَلْزَمُ مَا نَذَرَ فِيهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَرَادَتْ أَنْ تُكَفِّرَ نَذْرَهَا قَبْلَ أَنْ تَحْنَثَ فِيهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَقَالَ مَرَّةً لَا تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَرَّةً تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى مُوجِبِهَا أَصْلُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مَعْنًى يَحِلُّ الْيَمِينَ فَجَازَ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْحِنْثِ كَالِاسْتِثْنَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إذَا وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ تَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَوَجَبَ عَلَيْهَا بِقُدُومِ فُلَانٍ أَوْ بِأَنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ نَذْرَهَا وَلَعَلَّهَا مَاتَتْ فَجْأَةً. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَخَّرَتْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ أَنْ يُكَفِّرَ حِينَ الْحِنْثِ وَلَهُ تَأْخِيرُهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعْجِيلُ لِيُبْرِئَ ذِمَّتَهُ مِمَّا لَزِمَهُ فَقَوْلُ سَعْدٍ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَيِّنٌ لِأَنَّ لَفْظَةَ (عَلَيَّ) إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا عَلَيْهَا نَذْرٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ عَقَدَتْهُ وَالْتَزَمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ عَلَيْهَا أَدَاؤُهُ وَلَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اقْضِهِ عَنْهَا) يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَدَاءُ ذَلِكَ عَنْهَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُبَرِّئُهَا وَيَقْضِيَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ النَّدْبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ هُوَ النَّذْرُ بِنَذْرِهَا وَالْتِزَامِهَا وَيُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ عَنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مَعْنًى مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ أَوْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ أَوْ يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِمَا كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّحْبِيسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَإِنَّ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنُوبُ فِي ذَلِكَ بِنِيَّةٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَيِّتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَصًّا بِالْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْضِيَهُ أَحَدٌ عَنْهُ وَلَا يَنُوبُ فِيهِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ كَالْحَجِّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّذَ فِيهِ وَصِيَّةَ الْمُوصِي بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ قَوْلَ سَعْدِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ يَقْتَضِي النَّذْرَ الْمُطْلَقَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمَالُ لِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّذْرَ الْمُقَيَّدَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ أَوْ بِمَا لَهُ تَعَلُّقٍ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْبَدَنِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَصِحُّ فِيهِ كَمَا لَا تَصِحُّ فِي فُرُوضِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَقْضِهِ هَلْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْمَشْيِ بِقَدَمِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَا يَمْشِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) . (ش) : قَوْلُهُ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إلَى قُبَاءَ يَقْتَضِي أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ كَوْنَهُ قُرْبَةً لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَنَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدٍ وَهُوَ مَعَهُ بِالْبَلَدِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ قَالَ قُلْت لِرَجُلٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يَمْشِي إلَيْهِ وَيُصَلِّي فِيهِ وَقَدْ أَوْجَبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ قَالَ وَقُبَاءٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَلْيُصَلِّ بِمَوْضِعِهِ وَيُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا فَلْيَأْتِهِ وَيُصَلِّ فِيهِ وَهَذَا عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَفْتَى بِهِ مَنْ نَذَرَتْهُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ يَتَكَلَّفُ إلَيْهِ سَفَرًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَصْدُهُ وَمَنْ نَذَرَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بُصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ» فَالْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمَطِيِّ فَأَمَّا مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَيْهِ مِمَّنْ عَلَى بُعْدٍ مِمَّنْ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِ أَعْمَالُ الْمَطِيِّ أَوْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ الْكُوفَةِ أَوْ الْبَصْرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَمَنْ هُوَ مِنْهَا عَلَى سَفَرٍ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ نَذَرَ نَذْرًا مَحْظُورًا مَمْنُوعًا مِنْهُ وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ إتْيَانَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا مُسْتَوْعَبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ عِنْدَ مَالِكٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ وَهَذَا يَقْتَضِي إعْمَالَهَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ بِالنَّذْرِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَسْجِدٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِعْمَالِ الْمَطِيِّ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ قَصْدَهُ بِالنَّذْرِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ قَصْدُهَا فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَشْيُ لِمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ يَأْتِيهَا رَاكِبًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَأْتِيهَا مَاشِيًا وَإِنْ بَعُدَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَأْتِيهَا رَاكِبًا وَهَلْ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِثْلَ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ أَتَاهَا مَاشِيًا وَهَذَا خَفِيفٌ وَقِيلَ لَا يَمْشِي وَإِنْ كَانَ مِيلًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي نَفْيِ وُجُوبِ الْمَشْيِ أَنَّ هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ لَا تَتَعَلَّقُ الْقُرْبَةُ فِيهِمَا بِالْمَشْيِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَشْيُ إلَيْهِمَا لِمَنْ نَذَرَهُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَسْجِدٌ يَلْزَمُ إتْيَانُهُ مَنْ نَذَرَهُ فَلَزِمَ الْمَشْيُ إلَيْهِ لِمَنْ نَذَرَهُ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا أَجْرَاهُ مَجْرَى مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مِنْ الْحَجِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ نَذْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ هِيَ فِي نَفْسِهَا قُرْبَةٌ فَجَازَ أَنْ تَدْخُلَهُ النِّيَابَةُ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَدْخُلُ النِّيَابَةُ فِي قَصْدِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَصْدِ مَسْجِدِ الْمَقْدِسِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّتِي نَذَرَتْ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَإِنْ شَاءُوا تَصَدَّقُوا عَنْهَا بِقَدْرِ كِرَائِهَا وَزَادَهَا ذَاهِبَةً وَرَاجِعَةً وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النِّيَابَةِ لَوْ أَوْصَتْ بِهِ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ الْتَزَمَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا تَصَدَّقُوا بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لَنَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ قُبَاءَ غَيْرَ حُكْمِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِنَفَقَةِ الْمَالِ إلَيْهِ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ وَإِنَّمَا الْقُرْبَةُ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ خَاصَّةً وَحُكْمُهُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ إلَيْهِ حُكْمُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَهَذَا عِنْدِي أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ لَا يَمْشِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي حَجٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي الْمَشْيِ إلَى قُبَاءَ خَاصَّةً وَحَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ أَظْهَرُ لِقَوْلِنَا بِالْعُمُومِ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ يَخْتَصُّ بِالْبَدَنِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ.

مَشْيٍ فَقَالَ رَجُلٌ هَلْ لَك أَنْ أُعْطِيَك هَذَا الْجِرْوَ لِجِرْوِ قِثَّاءٍ بِيَدِهِ وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ قَالَ فَقُلْت نَعَمْ فَقُلْته وَأَنَا يَوْمئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ ثُمَّ مَكَثْت حَتَّى عَقَلْت فَقِيلَ لِي إنَّ عَلَيْك مَشْيًا فَجِئْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْك مَشْيٌ فَمَشَيْت قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ قُلْت وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَقِهَ بَعْدُ لِصِغَرِ سِنِّهِ وَحَدَاثَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ السِّنِّ مَبْلَغًا يَتَّسِعُ لِتَفَقُّهِهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُنْدَرُ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَادَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ وَيَلْزَمُ التَّفَقُّهُ فِيهَا مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حَبِيبَةَ يَوْمئِذٍ قَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ إلَّا أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا بِحَدَثَانِ بُلُوغِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: أَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ نَذْرَ مَشْيٍ؟ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ حَجٌّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّذْرُ حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِالنَّذْرِ فَيَقُولُ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ لَفْظَ الِالْتِزَامِ وَالْإِيجَابِ إذَا عَرَا مِنْ لَفْظِ النَّذْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِهِ شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَفَقَّهَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا عَرَفَ حُكْمَهَا وَلَا مَا يَلْزَمُ مِنْهَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَمْرٌ قَامَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَأَمُّلٍ فَاعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ ذَكَرَ النَّذْرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَبِذَلِكَ أَجَابَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَذْكُرَ النَّذْرَ وَقَدْ جَعَلَاهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ إسْنَادَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ضَعِيفٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ هَلْ لَك أَنْ أُعْطِيَك هَذَا الْجِرْوَ لِجِرْوِ قِثَّاءٍ بِيَدِهِ، وَتَقُولُ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ؛ لِقَوْلِهِ وَالْحَمْلُ لَهُ عَلَى تَعَبِ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يَغْتَنِمُ مِنْهُ أَخْذَ جِرْوِ الْقِثَّاءِ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَرُبَّمَا حَمَلَ الْإِنْسَانَ لَا سِيَّمَا مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ اللُّجَاجُ عَلَى الْتِزَامِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا لَمْ يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْلِمَهُ بِوَجْهِ الصَّوَابِ فِيمَا قَالَ فَإِنْ أَنَابَ إلَيْهِ وَإِلَّا حَضَّهُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْهُ لَكِنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ هَذَا الْقَوْلَ أَغْفَلَ السُّؤَالَ عَنْهُ وَالْبَحْثَ عَنْ الصَّوَابِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ بَابِ النَّذْرِ عَلَى سَبِيلِ اللَّجَاجِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ إذَا كَانَ مِمَّا يَلْزَمُ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَقَدْ أَمَرَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِالْوَفَاءِ بِهِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْمَشْيَ الَّذِي الْتَزَمَهُ لَازِمٌ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ (ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ) يُرِيدُ أَنَّهُ عَقَلَ أَمْرَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى أَمْرِ دِينِهِ وَالِاهْتِبَالِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ وَمُجَالَسَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَمُذَاكَرَتِهِمْ لِمَا جَرَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ إنَّ عَلَيْهِ الْمَشْيَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ وَلِأَنَّ تَرْكَ التَّلَفُّظِ بِالنَّذْرِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ فَلَمْ يَرَ تَقْلِيدَهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى سَأَلَ عَنْهُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمُ وَقْتِهِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ مِنْ الْعَامَّةِ مَنْ يُقَلِّدُ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ مَنْ يَأْخُذُ بِلَا خِلَافٍ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَفْضَلِهِمْ وَأَعْلَمْهُمْ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ إذَا كَمُلَتْ لَهُ آلَاتُ الِاجْتِهَادِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِقَوْلِ أَفْضَلِهِمْ وَأَعْلَمْهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْلَمَ وَقَدْ كَانَ جَمِيعُ فُقَهَائِهِمْ يُفْتِي وَيَنْتَهِي النَّاسُ إلَى قَوْلِهِ وَيَأْخُذُونَ بِهِ وَلَوْ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ أَفْضَلِهِمْ وَأَعْلَمِهِمْ لَمَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُفْتِي.

[ما جاء فيمن نذر مشيا إلى بيت الله فعجز]

مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَعَجَزَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْت مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لِتَمْشِ مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ قَالَ مَالِكٌ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ الْهَدْيَ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَلَيْك مَشْيٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى وَالْجَوَابُ عَنْ مَشْيِهِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ مَا سَأَلَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ مَشْيٌ يَلْزَمُ دُونَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ لَفْظُ النَّذْرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ الْتِزَامِ مَا جَعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ وَنَصٌّ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَا يَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فَإِنْ نَوَى مَكَّةَ أَوْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ نَوَى مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ غَيْرَهَا فَلَهُ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى غَيْرِ مَا نَوَى رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَسْجِدٍ فَإِذَا نَوَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا عَلَى سَائِرِ الْبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ وَهُوَ فِي مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَاصِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ كَمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَاقِعٌ عَلَى سَائِرِ الرُّسُلِ إلَّا أَنَّهُ فِي نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَصُّ وَوَجْهُ الِاخْتِصَاصِ أَظْهَرُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَشَيْت يُرِيدُ أَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَقَلَّدَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ فِيمَا أَفْتَاهُ بِهِ فَمَشَى إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَسَنُبَيِّنُ أَحْكَامَ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا يُرِيدُ مِنْ فَتْوَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَعَجَزَ] (ش) : قَوْلُهُ خَرَجْت مَعَ جَدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ يَقْتَضِي اعْتِقَادَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَتَبْلُغُ مِنْهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْجِزَ عَنْ إتْمَامِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ تَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَهَا مِمَّنْ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَقْلِيدُهُ فَأَفْتَاهَا بِذَلِكَ وَبِوُجُوبِ الْمَشْيِ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ» وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَجَّ قُرْبَةٌ تَلْزَمُ مَنْ نَذَرَهَا وَالْمَشْيَ إلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ السَّيْرِ إلَيْهِ وَذَاكَ مَشْرُوعٌ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ كَالْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْجُمَعِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلَزِمَهُ نَذْرُهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ سِتُّ مَسَائِلَ إحْدَاهَا فِي تَعْلِيقِ الْمَشْيِ بِمَكَانٍ يَلْزَمُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَتَبْيِينُهُ مِمَّا لَا يَلْزَمُ وَالثَّانِيَةُ فِيمَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْمَشْيِ وَالْمَسِيرِ وَالثَّالِثُ فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالرَّابِعَةُ فِي الْعَمَلِ فِيهِ وَالْخَامِسَةُ فِي انْتِهَائِهِ وَالسَّادِسَةُ فِي مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْمَشْيَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَاكِنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ إذَا عُلِّقَ الْمَشْيُ بِهِ وَجَبَ الْمَسِيرُ إلَيْهِ وَالْمَشْيُ فِيهِ وَضَرْبٌ إذَا عُلِّقَ الْمَشْيُ بِهِ لَمْ يَجِبْ الْمَسِيرُ إلَيْهِ وَلَا الْمَشْيُ فِيهِ وَضَرْبٌ إذَا عُلِّقَ الْمَشْيُ بِهِ وَجَبَ الْمَسِيرُ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِبْ الْمَشْيُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ مِنْهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابُنَا وَمِنْهُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَمَّا تَعْلِيقُ الْمَشْيِ كَقَوْلِك إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ لِشَيْءٍ مِنْهُ كَقَوْلِك إلَى الرُّكْنِ أَوْ الْحِجْرِ أَوْ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْبَيْتُ مِنْ جِهَةِ الْبُنَيَّانِ كَقَوْلِك إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ إلَى مَكَّةَ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ الْمَسِيرِ وَالْمَشْيِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إلْحَاقِ الْحَجَرِ وَالْحَطِيمِ بِذَلِكَ وَقَالَ أَصْبَغُ إذَا سَمَّى شَيْئًا إمَّا بِقَرْيَةِ مَكَّةَ كَقَوْلِك الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَبِي قُبَيْسٍ وَقُعَيْقِعَانِ وَأَجْنَادِينَ وَالْأَبْطُحِ وَالْحَجُونِ وَشِبْهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِذَا سَمَّى مَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ قَرْيَةِ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا سَمَّى شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَرَمِ كَمِنًى وَالْمُزْدَلِفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِنْ سَمَّى شَيْئًا مِمَّا هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا عَرَفَةُ. وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَشْهَبَ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَوْضِعَ الْمُسَمَّى بِعَيْنِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا ذِكْرَ عَرَفَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْقِيَاسِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَسْتَحْسِنُهُ إذَا قَالَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْمَشْيَ بِغَيْرِ الْبَيْتِ مِمَّا لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بِالْبُنْيَانِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَلَّقَهُ بِسَائِرِ الْبِلَادِ، وَقَوْلُنَا مِمَّا لَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ بِالْبُنْيَانِ احْتِرَازًا مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَلْزَمُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْبَيْتِ بِالْبُنْيَانِ وَهَذَا فَارَقَ قَوْلَهُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ مَكَّةَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْتَمِلَانِ عَلَى الْبَيْتِ بِالْبُنْيَانِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عِنْدَهُ مُخْتَصٌّ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهِيَ الْقَرْيَةُ وَمَا كَانَ فِيهَا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا أَوْ مَسِيرًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَكَّةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهَا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْمَشْيِ وَإِنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَشْيِ فَنَذَرَ الرُّكُوبَ إلَى مَكَّةَ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ فَنَذَرَ الِانْطِلَاقَ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْمَسِيرَ إلَيْهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الرُّكُوبُ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَكَّةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا عِبَادَةٌ وَهِيَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَإِذَا نَذَرَ الْمُضِيَّ إلَيْهَا لَزِمَ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِنَذْرِهِ نِيَّةٌ كَمَنْ نَذَرَ الْمُضِيَّ إلَى مَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُضِيِّ إلَى مَكَّةَ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالْقَسَمِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ حُكْمٌ حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهِ نِيَّةُ الْقُرْبَةُ كَمَنْ نَذَرَ الْمُضِيَّ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ يُرِيدُ فِيمَنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ إلَى مَكَّةَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِي هَذَا إنْ أَرَادَ الْمَشْيَ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّخْفِيفَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَمَّا الَّذِي يَنْذِرُ الْمَسِيرَ أَوْ الذَّهَابَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ لِأَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَحَدِهِمَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا أَوْ مُضِيًّا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ يُطْلِقَهُ فَإِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَكَانَ تَقْيِيدُهُ ذَلِكَ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ لَزِمَهُ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَا قَيَّدَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ قَيَّدَهُ بِحَجٍّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنْ مَشْيِهِ فِي عُمْرَةٍ وَإِنْ قَيَّدَهُ بِعُمْرَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنْهُ فِي حَجٍّ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَجِّ أَكْثَرُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِنُسُكٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَلَا يَقْضِي شَيْئًا مِنْهُ فِي غَيْرِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إنْ قَيَّدَهُ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَشْيًا وَلَا يَقْضِي شَيْئًا مِنْهُ فِي عُمْرَتِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَشْيَهُ فِي مَسِيرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُضِيَّ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ لِأَدَاءِ عِبَادَةٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَإِذَا قُلْنَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. 1 - وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَيِّدَهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان فَيَلْزَمُهُ عَلَى مَا قَيَّدَهُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا أَوْ عَلَيَّ إحْرَامٌ بِحَجٍّ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا أَوْ فِي شَهْرِ كَذَا لِمَا يَسْتَقْبِلُ وَسَوَاءٌ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالنُّطْقِ أَوْ النِّيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ فَحَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ بِمَوْضِعٍ وَحَنِثَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ مَوْضِعِ يَمِينِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ يَمْشِي مِنْ حَيْثُ شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَقَالَ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ فَيَمْشِي مِنْهُ مُحْرِمًا فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ مُحْرِمًا وَمَشَى مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَمِينَهُ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ يَقْتَضِي الْمَشْيَ مِنْ حَيْثُ حَلَفَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ مَوْضِعَ حِنْثِهِ لَا يَعْلَمُهُ حِينَ يَمِينِهِ فَلَزِمَ الْمَشْيُ مِنْ مَوْضِعِ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَاقْتَضَى لَفْظُهُ الْمَشْيَ إلَيْهَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَأَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ مِنْهُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ لِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْمَشْيِ مِنْهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ مُحْرِمًا. (فَرْعٌ) وَمَنْ قَالَ أَنَا مُحْرِمٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَنِثَ فَإِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِوَقْتٍ أَوْ مَكَان وَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا قَيَّدَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ قَيَّدَ إحْرَامَهُ بِعُمْرَةٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ يَوْمَ يَحْنَثُ إنْ وَجَدَ مَنْ يَصْحَبُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صُحْبَةً وَخَافَ أَخَّرَ حَتَّى يَجِدَهُ وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ إحْرَامَهُ بِحَجٍّ أَخَّرَ إحْرَامَهُ إلَى شَهْرِ الْحَجِّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِمًا لِدُخُولِهِ فِي الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْحِنْثِ وَالثَّانِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا عَلَى الْفَوْرِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ تَعْجِيلُهَا كَرَاهِيَةٌ وَلَا عُذْرٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا لِلْعُذْرِ وَلَا لِمَعْنًى يُوجِبُ كَرَاهِيَةَ تَقْدِيمِهَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِنَفْسِ الْحِنْثِ وَلَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْحِنْثِ وَكَانَتْ الْعُمْرَةُ لَا كَرَاهِيَةَ فِي تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ بِهَا يَوْمَ حَنِثَ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ إنْ وَجَدَ صَحَابَةً يَأْمَنُ مَعَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُ ذَلِكَ لِهَذَا الْعُذْرِ إلَى أَنْ يَزُولَ بِوُجُودِ الرُّفْقَةِ وَلَمَّا كَانَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مَكْرُوهًا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلِهِ وَسَاغَ تَأْخِيرُهُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مَكْرُوهٌ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ مَنْزِلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ فِي هَذَا فَإِنَّ كَرَاهِيَةَ تَقْدِيمِ الْحَجِّ آكَدُ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ حَجًّا. 1 - وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْعَمَلِ فِي الْمَشْيِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو الْمَاشِي فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ يَعْجِزَ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ إلَّا طَرِيقٌ وَاحِدٌ فَالضَّرُورَةُ تَدْعُوا إلَى الْمَشْيِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُهَا أَخْصَرَ مِنْ بَعْضٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ طَرِيقٍ شَاءَ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مُعْتَادَةً وَكَذَلِكَ فِيمَنْ كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ لَهُ سَعَةٌ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهَذَا الِاعْتِلَالُ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة ثُمَّ يَرْكَبَ فِي النِّيلِ إلَى مِصْرَ ثُمَّ يَرْكَبَ الْبَحْرَ مِنْ الْقُلْزُمِ إلَى جَدَّةَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعُذْرُ الْعَجْزَ عَنْ الْمَشْيِ فَهُوَ بَيِّنٌ لِأَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْبَحْرِ كَالرُّكُوبِ فِي الْبَرِّ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ وَكَانَ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْمُعْتَادُ فَإِنَّهُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَحْمِلُ الْأَلْفَاظَ عَلَى عَادَتِهَا دُونَ مَوْضُوعِهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّرِيقُ الْمُعْتَادُ غَيْرَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي نِهَايَةِ الْمَشْيِ فَإِنَّ الْمَاشِيَ فِي الْحَجِّ لِنَذْرِهِ أَوْ حِنْثِهِ يَمْشِي حَتَّى يُتِمَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ فَرَكِبْت حَتَّى أَتَيْت مَكَّةَ فَسَأَلْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرَهُ فَقَالُوا عَلَيْك هَدْيٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنًى لَمْ يَرْكَبْ فِي مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ وَإِنْ قَدَّمَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَجَعَ إلَى مِنًى رَاكِبًا وَرَكِبَ فِي مِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يُكْمِلَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَإِنْ عَجَّلَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى مِنًى إلَّا مَاشِيًا وَيَمْشِي لِمِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ مَشْيُهُ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ مَشْيَهُ إلَى أَنْ يُكْمِلَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَ السَّعْيِ تَمَامُ الْعُمْرَةِ وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَإِنَّهُ تَحَلُّلٌ مِنْهَا. 1 - وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي مُشَارَكَةِ غَيْرِ النَّذْرِ لَهُ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى مَكَّةَ لَا يَخْلُو أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَا يُقَيِّدَهُ فَإِنْ قَيَّدَهُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَشَى حَتَّى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ لِعُمْرَتِهِ الَّتِي مَشَى لَهَا وَلِحَجٍّ فَرْضِهِ وَهُوَ ضَرُورَةٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِيهِ لِفَرْضِهِ دُونَ نَذْرِهِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَلَهُمَا وَاحِدٌ يُرِيدُ أَنَّهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَهَذَا التَّوْجِيهُ لَا يَصِحُّ فِي مَنْعِ كَوْنِ الْعُمْرَةِ لِلنَّذْرِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ جَوَازَهُ عَنْ الْحَجِّ وَكَانَ يَمْنَعُ ذَلِكَ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِحَجِّهِ لِنَذْرٍ وَفَرْضُهُ أَنْ يُجْزِئُهُ لِنَذْرِهِ وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ نَاقِصٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا فَلَا يَنُوبُ إلَّا عَنْ وَاجِبٍ وَاحِدٍ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ لَازِمٌ عَلَى الْأَفْرَادِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنُوبَ عَنْهَا مَعَ الْقِرَانِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْعُمْرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ عَنْ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ نَذْرَهُ أَوَّلًا بِحَجٍّ فَمَشَى فَلَمَّا جَاءَ الْمِيقَاتُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَنْوِي لِنَذْرِهِ وَفَرْضِهِ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِيمَنْ مَشَى فِي نَذْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَقْيِيدًا وَلَا غَيْرَهُ فَلَمَّا جَاءَ الْمِيقَاتُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لِنَذْرِهِ وَفَرْضِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِنَذْرِهِ وَيَقْضِي فَرْضَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ نَذْرَهُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَأَطْلَقَهُ وَأَمَّا إذَا قَصَدَهُ بِحَجٍّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُنْوَى لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِفَرْضِهِ وَلَا لِنَذْرِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُمَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُمَا وَلَمْ يُفَصِّلَا. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَانْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ إحْرَامٌ عَنْ حَجَّتَيْنِ وَاجِبَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَنُبْ إحْرَامُهُ إلَّا عَنْ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ آكَدَهُمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَيِّدَ نَذْرَهُ بِالْحَجِّ أَوْ يُطْلِقَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَذْرُهُ مُطْلَقًا ثُمَّ أَحْرَمَ لَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ تَعَيَّنَ بِالْحَجِّ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ أَفْسَدَهُ لَلَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ حَجًّا فَقَدْ صَارَ هَذَا بِالتَّلَبُّسِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالْحَجِّ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِحْرَامُ يُجْزِئُهُ عَنْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ. وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالْحَجِّ فَقَدْ نَذَرَ حَجَّةً تَامَّةً فَلَمَّا قَرَنَ بِهَا حَجَّةَ الْفَرْضِ كَانَتْ نَاقِصَةً فَلَمْ تُجْزِهِ عَنْ النَّذْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ بِنَذْرِهِ حَجَّةٌ كَامِلَةٌ فَيَكُونُ قَدْ نَقَصَهَا عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ قَرَنَ بِهَا حَجَّةَ فَرِيضَةٍ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حَجَّهُ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْ إحْدَى الْحَجَّتَيْنِ فَقَدْ قَالَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ أَحَدَهُمَا وَهِيَ حَجَّةُ الْفَرْضِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ نَذْرِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَنْعَقِدَ الْحَجُّ عَنْهُمَا وَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَنْ آكَدِهِمَا وَأَوْجَبِهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَنَرَى عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ الْهَدْيَ يُرِيدُ لِتَفْرِيقِ مَشْيِهَا لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْمَشْيِ أَوْ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ وَمُتَمِّمًا لِصِفَتِهِ فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّقْصُ بِالتَّفْرِيقِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ لَزِمَ الدَّمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْهَدْيُ فِي ذَلِكَ بَدَنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تُجْزِئُهُ كَسَائِرِ الْهَدَايَا.

فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ سَأَلْت عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ عَجَزْت فَمَشَيْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ بِنَذْرٍ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِمِثْلِ هَذَا فَمَكْرُوهٌ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ لَا يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَادِرَةِ غَضَبٍ وَحَرَجٍ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي صِبَاهُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْقَهَ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حُكْمِهِ عَطَاءً وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. (فَصْلٌ) : فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ يُرِيدُ وَجَعَ خَاصِرَةٍ مَنَعَتْهُ الْمَشْيَ فَرَكِبَ حَتَّى أَكْمَلَ سَفَرَهُ بِالْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ سَأَلَ عَطَاءً أَوْ مَنْ وَجَدَ بِمَكَّةَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ لِجَبْرِ مَا رَكِبَهُ فِي سَفَرِهِ وَلِذَلِكَ خَالَفَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ جَبْرَ الْمَشْيِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّهُ سَأَلَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ لِتَطِيبَ نَفْسُهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى حُكْمِهِ فَلَمَّا وَجَدَ الْخِلَافَ أَخَذَ بِالْأَحْوَطِ وَعَادَ لِإِتْمَامِ الْمَشْيِ. ص (قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ: عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رَكِبَ ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَرْكَبَ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى يُرِيدُ مَكَّةَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ فِي بَعْضِ طَرِيقِهِ عَنْ الْمَشْيِ أَنَّهُ يَرْكَبُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ وَالْأَدَاءِ لِمَا الْتَزَمَهُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا مِنْ حُكْمِ الْمَشْيِ أَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَإِنْ فَرَّقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَيَبْتَدِئُ الْمُضِيَّ وَيَجِيءُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْمَشْيَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ وَإِنْ فَرَّقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ فَرَّقَهُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمَشْيِ بِالضَّعْفِ عَنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَطْمَعَ بِإِكْمَالِ الْمَشْيِ فِي سَفَرِهِ ثَانِيَةً عَلَى وَجْهِ التَّلْفِيقِ أَوْ يَيْأَسَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَطْمَعُ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْشِي مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا عَجَزَ رَكِبَ حَتَّى يَسْتَرِيحَ ثُمَّ يَنْزِلُ وَيَمْشِي وَيَحْصِي مَوَاضِعَ الرُّكُوبِ ثُمَّ يَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى وَيَمْشِي مَا رَكِبَ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمَشْيَ قَدْ لَزِمَهُ بِنَذْرِهِ أَوْ حِنْثِهِ فِي يَمِينِهِ وَالثَّانِي إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِهِ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَقُّفُ وَالْإِرَاحَةُ بِكُلِّ مَوْضِعٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ الْعَجْزُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمَسِيرِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالرُّكُوبِ إلَى أَنْ يُرِيحَ فَجَازَ لَهُ الرُّكُوبُ لِذَلِكَ وَلَا يَنُوبُ الرُّكُوبُ عَنْ الْمَشْيِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ الْوُصُولُ وَيَبْقَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْمَشْيِ فِي ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي الْتَزَمَهُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِي نُسُكٍ مِنْ جِنْسِ نُسُكِهِ الَّذِي لَزِمَهُ فِيهِ فَلَزِمَهُ التَّلْفِيقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَضَاءَ أَقَلُّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكَادُ أَنْ تَلْحَقَ الْمَشَقَّةُ فِيهِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ التَّلْفِيقُ مَنْ رَجَا أَنْ يُتِمَّ قَضَى مَشْيَهُ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَمَنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُلَفِّقَ بِالْقَضَاءِ فَفِي أَكْثَرَ مِنْ سَفَرٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّكَرُّرَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَ لِلتَّلْفِيقِ فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مَرَّةً أُخْرَى لِلْقَضَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُلَفَّقُ وَإِنَّمَا يُلَفَّقُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ لَا يَطْمَعُ بِالْإِكْمَالِ بِالْمَشْيِ فِي سَفَرِهِ ثَانِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَلْيَمْشِ مَا اسْتَطَاعَ فِي سَفَرِهِ الْأَوَّلِ وَيُهْدِي وَلَا يَعُودُ لِلتَّلْفِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو عَجْزُهُ عَنْ مَشْيِ بَعْضِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَكِبَ مِنْهُ الْكَثِيرَ أَوْ رَكِبَ مِنْهُ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ أَوْ رَكِبَ الْأَمْيَالَ فَإِنْ كَانَ رَكِبَ الْكَثِيرَ مِثْلَ أَنْ يَرْكَبَ عَقَبَةً وَيَمْشِيَ عَقَبَةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ هَذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ الْمَشْيَ كُلَّهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ يَمْشِي مَا رَكِبَ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلِ وَجْهِ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الرُّكُوبُ حَتَّى سَاوَى بِالْمَشْيِ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِمَا مَشَى حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا كَانَ الرُّكُوبُ تَبَعًا وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّقْصُ

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أَحْمِلُك إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَحْمِلُك إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَإِنْ أَبِي أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرُكُوبِ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فِيهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ جَبْرُهُ بِالْمَشْيِ فِيهِ إذَا كَانَ الْمَشْيُ مِمَّا يُجْبَرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِلتَّفْرِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ رَكِبَ أَقَلَّ مِنْ الْيَوْمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَوْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَمْشِي مَا رَكِبَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقَدِّمُ مِنْ مَشْيِهِ مَا فِيهِ قَضَاءٌ لِبَعْضِهِ فَبَقِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْهُ فِي مِثْلِ نُسُكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ رُكُوبُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِجَبْرِ مَشْيِهِ وَيُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الْهَدْيُ وَوَجْهُ ذَلِكَ قِلَّةُ مَا يَلْزَمُهُ جَبْرُهُ مِنْهُ مَعَ عَظِيمِ مَا يَتَكَلَّفُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِاسْتِئْنَافِ سَفَرٍ آخَرَ لِلْقَضَاءِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ لَمْ تَقْرُبْ دَارُهُ وَأَمَّا مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ مِنْ مَكَّةَ كَالْيَوْمِ وَالثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ رُكُوبَ الْيَوْمِ عِنْدِي فِي حَقِّهِمْ كَثِيرٌ وَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ بِتَكْثِيرٍ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ مَشْيُهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَّا مَنْ رَكِبَ فِي التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَةَ وَتَصَرَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ رَاكِبًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ ثَانِيَةً رَاكِبًا حَتَّى يَقْضِيَ سَعْيَهُ ثُمَّ يُتِمَّ حَجَّةً مَاشِيًا لِيَقْضِيَ مَشْيَ مَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ رَكِبَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَشْيَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْمَنَاسِكِ كَانَ الرُّجُوعُ لَهُ أَوْكَدَ لِأَنَّهَا أَرْكَانُ الْحَجِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ وَإِلَى الَّذِي عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْمَشْيِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقَوْلُهُ أَوْ شَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ شَاةٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّاةَ إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً وَلَا بَقَرَةً. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ لِآخَرَ أَنَا أَحْمِلُك إلَى بَيْتِ اللَّهِ يُرِيدُ مَكَّةَ وَنَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ عَلَى عُنُقِهِ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ كَقَوْلِهِ أَنَا أَحْمِلُ هَذَا الْعَمُودَ وَهَذَا الْحَجَرَ وَهَذِهِ الطُّنْفُسَةُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحْمِلُك يُرِيدُ عَلَى عُنُقِهِ يَتَضَمَّنُ الْمَشْيَ لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ ثِقْلًا إنَّمَا يَحْمِلُهُ مَاشِيًا فَلَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَمَّا كَانَ قُرْبَةً وَلَمْ يَلْزَمْ حَمْلُهُ عَلَى عُنُقِهِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ أَنَا أَحْمِلُهُ إلَى مَكَّةَ شَيْءٌ خَفِيفٌ لَا مَشَقَّةَ فِي حَمْلِهِ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ حَاجًّا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْمِلَهُ الرَّاكِبُ مَعَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ حَمْلُهُ الْمَشْيَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ وَلَزِمَهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِحَسَبِ مَا تَضَمَّنَهُ يَمِينُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ (وَلْيُهْدِ) يُرِيدُ لَمَّا الْتَزَمَ مِنْ صِفَةِ الْمَشْيِ الَّتِي لَا تَلْزَمُهُ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ حَافِيًا أَنَّ هَدْيَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ لِالْتِزَامِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَلْزَمُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِنِيَّةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ إتْعَابِ نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ فَلْيَحْجُجْ لِيَحُجَّ بِالرَّجُلِ مَعَهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ حَمْلِ الرَّجُلِ إلَى مَكَّةَ تَقْتَضِي إيصَالَهُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ تَعْدِلُ بِهِ عَنْ الْقُرْبَةِ وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ تَكَلُّفُ مُؤْنَةِ الرَّجُلِ إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إلَّا أَنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَةِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَا يَمْلِكُهُ فَإِنْ أَرَادَ الرَّجُلُ الْحَجَّ مَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ

[العمل في المشي إلى الكعبة]

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِنُذُورٍ مُسَمَّاةٍ مَشْيًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ بِكَذَا وَكَذَا نَذْرًا لِشَيْءٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ لَعُرِفَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عُمْرُهُ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ هَلْ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَذْرٌ وَاحِدٌ أَوْ نُذُورٌ مُسَمَّاةٌ فَقَالَ مَالِكٌ مَا أَعْلَمُهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْوَفَاءُ بِمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ وَلْيَتَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ الْخَيْرِ) . الْعَمَلُ فِي الْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ تَحْلِفُ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ أَنَّهُ إنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا سَعَى فَقَدْ فَرَغَ وَأَنَّهُ إنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَشْيًا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَلَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ هُوَ شَيْءٌ فِي إحْجَاجِ الرَّجُلِ وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةُ قَالَهُ مَالِكٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحْمِلُ فُلَانًا يَقْتَضِي مُضِيَّهُمَا فَقَدْ لَزِمَهُ مُضِيُّهُ لِنَذْرِهِ وَمُضِيُّ الرَّجُلِ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُرِيدُ بِسَبَبِ الرَّجُلِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْحَجَّ يَسْقُطُ عَنْهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ مَا لَا يَسْتَطِيعُ عُمْرُهُ لِأَدَائِهِ مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ أَلْفَ حَجَّةٍ أَوْ يَحْلِفَ بِهَا فَحَنِثَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ شَيْءٌ إلَّا الْوَفَاءَ بِهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَاتَّسَعَ عُمْرُهُ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِجَرْيِ الْعَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ بِمَا اتَّسَعَ عُمْرُهُ لَهُ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ الْتِزَامِهِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ عَلَيْهِ وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ أَبَاهَا بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ تُكَلِّمُهُ وَتَمْشِي سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ لَمْ تَطُفْ حَجَّتْ أَوْ اعْتَمَرَتْ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَتُهْدِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ. [الْعَمَلُ فِي الْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَيَحْنَثُ أَوْ تَحْنَثُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا يَمِينٌ تَلْزَمُ وَيَحْنَثُ فِيهَا بِالْمُخَالَفَةِ فَيَجِبُ بِالْحِنْثِ فِيهَا مَا الْتَزَمَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مِنْهُمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَمَا يَعْزِي إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالنَّذْرِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ لَا يَصِحُّ وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ بِالنَّذْرِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ بِهَا وَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَلْزَمُ بِهِ الْعِتْقُ فَلَزِمَ بِهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَصْلُ ذَلِكَ النَّذْرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَرْأَةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ الرَّجُلُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْمَشْيُ عَنْ مَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْهُمَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْهَدْيُ مَعَ مَا يُطَاقُ مِنْ الْمَشْيِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَشْيُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَذْرٌ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِيهِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ مَشَى الْحَانِثُ مِنْهُمَا فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَمْشِي حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ مَشْيُهُ مُقَيَّدًا بِعُمْرَةٍ أَوْ مُطْلَقًا فَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَإِنَّ كَمَالَ مَشْيِهِ بِانْقِضَاءِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ آخِرُ عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَ مَشْيُهُ فِي حَجٍّ إمَّا لِأَنَّهُ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِهِ أَوْ كَانَ مُطْلَقًا فَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ فَإِنْ أَخَّرَ مَشْيَهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمَنَاسِكِ لِأَنَّ ذَلِكَ آخِرُ عَمَلِ الْحَجِّ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُصُولُهُ إلَى مَكَّةَ مَاشِيًا الْمَشْيَ فِي

[ما لا يجوز من النذور في معصية الله]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَاحِبِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا قَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَجْلِسْ وَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنَاسِكِ إلَى عَرَفَةَ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّ عُرْفَ الْمَشْيِ إلَيْهَا بِهَذِهِ الْقُرْبَةِ يُحْمَلُ الْمَشْيُ إلَيْهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى مَكَّةَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْمَشْيَ فِي الْمَنَاسِكِ وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ يَمْشِي فِي الْمَنَاسِكِ إنَّمَا ذَلِكَ لِلْمُرَاهِقِ الَّذِي أَعْجَلَهُ خَوْفُ الْفَوَاتِ عَنْ إتْيَانِ مَكَّةَ فَبَدَأَ بِهَا قَبْلَ إتْيَانِ مَكَّةَ بِقَصْدِ رَفْعِ الْأَشْكَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا يَزَالُ مَاشِيًا حَتَّى يُفِيضَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مَشْيٌ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى غَيْرِ مَكَّةَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَا إلَى الْمَدِينَةِ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ النَّاذِرَ لِلْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقْصِدَ بِنَذْرِهِ النُّسُكَ أَوْ يُطْلِقَ النِّيَّةَ أَوْ يَنْوِي الْمَشْيَ خَاصَّةً دُونَ النُّسُكِ فَإِنْ قَيَّدَ نِيَّتَهُ بِالنُّسُكِ أَوْ أَطْلَقَهَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَالنُّسُكُ لِأَنَّ ظَاهِرَ نَذْرِهِ الْقُرْبَةُ، وَالْقُرْبَةُ إنَّمَا هِيَ فِي النُّسُكِ وَأَمَّا إنْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِالْمَشْيِ خَاصَّةً فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النُّذُورِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ] (ش) : قَوْلُهُ رَأَى أَنَّ رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَآهُ مُلَازِمًا لِذَلِكَ دُونَ قُعُودٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِظْلَالِ وَالْقُعُودِ وَخَارِجًا فِيهِ عَنْ عَادَةِ النَّاسِ فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَبَبِهِ فَأُعْلِمَ أَنَّهُ نَذَرَ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ الْقِيَامِ لِلشَّمْسِ وَالصِّيَامِ وَالصَّمْتِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مِنْهَا مَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ طَاعَةً وَهُوَ الصَّوْمُ وَمِنْهَا مَا لَا يَلْزَمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طَاعَةٌ كَالْقِيَامِ لِلشَّمْسِ وَالصَّمْتِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُعْلِمُهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ فِيهِ وَيُعْلِمَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَيَتْرُكُ إتْعَابَ نَفْسِهِ فِيهِ وَإِلْزَامَهَا إيَّاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ فِيهِ قُرْبَةً لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قُرْبَةٌ وَالْمَشْيَ إلَيْهَا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ قُرْبَةٌ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنَّ فِي حَجِّ الْمَاشِي مِنْ الْقُرْبَةِ مَا لَيْسَ فِي حَجِّ الرَّاكِبِ وَأَمَّا الْوُقُوفُ فِي الشَّمْسِ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَأَمَّا تَرْكُ الِاسْتِظْلَالِ حَالَ الْمَشْيِ لِلْمُحْرِمِ فَإِنَّمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَالَ الْإِحْرَامِ كَتَرْكِ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَرْكِ التَّطَيُّبِ وَالصَّيْدِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِحْرَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ يُرِيدُ مَالِكٌ بِذَلِكَ نَفْيَ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ فِيمَا تَرَكَهُ مِنْ نَذْرِهِ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الشَّمْسِ وَالصَّمْتِ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا يَمْشِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ الْتَزَمَ شَيْئًا لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ بِالنَّذْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَدَلٌ مِنْهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَنْحَرِي ابْنَك وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِك فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ يُرِيدُ بِالطَّاعَةِ الصَّوْمَ وَبِالْمَعْصِيَةِ الْقِيَامَ لِلشَّمْسِ وَالصَّمْتَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا نُذِرَ كَانَ مَعْصِيَةً لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَنْذِرَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَلَوْ فَعَلَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ النَّذْرِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ لَكَانَ مُبَاحًا وَإِذَا فَعَلَ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالْقُرْبَةِ كَانَ مَعْصِيَةً وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ بِهِ حَدَّ الِاسْتِضْرَارِ وَالتَّعَبِ كَانَ مَعْصِيَةً سَوَاءٌ فَعَلَ بِنَذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ نَذْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالنَّذْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَنْذِرَ مَا هُوَ لِلَّهِ طَاعَةٌ وَالثَّانِي أَنْ يَنْذِرَ مَا هُوَ مُبَاحٌ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْذِرَ مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقِسْمُ الْوَاحِدُ وَهُوَ أَنْ يَنْذِرَ مَا هُوَ لِلَّهِ طَاعَةٌ مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ حَجًّا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَدَقَةً وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَمِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ جُلُوسًا فِي الدَّارِ أَوْ مَشْيًا فِي الطَّرِيقِ وَالْمَعْصِيَةُ أَنْ يَنْذِرَ شُرْبَ خَمْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ ظُلْمَ أَحَدٍ فَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي نَاذِرِ الْمُبَاحِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِأَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ فَإِذَا كَانَ الْمُبَاحُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَجِبَ لَمْ يَصِحَّ تَعَلُّقُ النَّذْرِ بِهِ كَالْمَعْصِيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ عِنْدَنَا شَيْءٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ إنَّ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكِهَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَهَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ فَاقْتَضَى أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مُوجِبَهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا نَذْرُ مَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا نَذَرَ الْجُلُوسَ وَالْقُعُودَ. (ش) : قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْمُسْتَفْتِيَةِ إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي تُرِيدُ أَنَّهَا أَتَتْ بِذَلِكَ وَالْتَزَمَتْهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالتَّقَرُّبِ لِلَّهِ تَعَالَى بِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَنْحَرِي ابْنَك وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِك فَمَنَعَهَا مِنْ النَّحْرِ الَّذِي عَلَّقَتْ بِهِ النَّذْرَ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا تَحِلُّ بِنَذْرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَقَالَ لَهَا كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك فَسَمَّاهُ يَمِينًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَمَّا كَانَتْ كَفَّارَتُهُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَفَّارَةَ يَمِينٍ سَمَّاهُ لِذَلِكَ يَمِينًا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَعَلَّهُ فَهِمَ مِنْهَا أَنَّهَا أَتَتْ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك الْهَدْيَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ لِابْنِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ فِي يَمِينٍ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَكَ فَحَنِثَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَلِّقَ ذَلِكَ مَكَانَ النَّحْرِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنَحْرُك عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ. وَالثَّالِثُ أَنْ يَذْكُرَ مَوْضِعًا لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ النَّحْرُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِالْكُوفَةِ فَأَمَّا الْأُولَى وَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ نَحْرَهُ بِمَوْضِعِ النَّحْرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ النُّذُورِ وَعَلَّقَ ذَلِكَ بِمَوْضِعِ النَّذْرِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقُرْبَةَ وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَعَلَّقَ بِالْقُرْبَةِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا آلَ إلَيْهِ حُكْمُهُ فِي نَحْرِ ابْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَزِمَهُ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ لِأَنَّ نَحْرَ ابْنِهِ لَا يَحِلُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّذْرُ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ النَّذْرُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْهَدْيِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ نَوَى الْهَدْيَ لَزِمَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْهَدْيَ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ يَمِينٍ وَبِهَا قَالَ أَصْبَغُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَمْ يَقْرُنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى مِصْرَ أَوْ إلَى الرَّبَذَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إنْ هُوَ كَلَّمَهُ أَوْ حَنِثَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَا لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا مَا يَصْرِفُهَا إلَى الْمَعْصِيَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ قَتْلَهُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا النَّذْرَ لَهُ جِهَةٌ مِنْ الْقُرْبَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُفَسَّرًا كَانَ كَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ فَلَزِمَهُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ فِي يَمِينٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ نَذَرَهُ نَذْرًا مُجَرَّدًا لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقُرْبَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْقُرْبَةَ فَإِنَّ لَهُ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَبْحِ ابْنِهِ وَفْدَاهُ اللَّهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَإِذَا لَمْ يَنْوِ قُرْبَةً فَقَدْ نَذَرَ مُجَرَّدَ الْمَعْصِيَةِ وَفَرَّقَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْهَدْيَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ آكَدُ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا كَفَّارَةً اسْتِفْهَامًا لِيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ قَدْ قُيِّدَ بِفِعْلٍ وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَرَادَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ كَيْفَ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي النَّذْرِ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ بِيَمِينٍ بِاَللَّهِ وَلَا نَذْرٍ مُبْهَمٍ فَتَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِ كَفَّارَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ كَيْفَ يَجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا كَفَّارَةٌ وَإِنَّمَا نَذَرْت مَعْصِيَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ثُمَّ جَعَلَ مِنْ الْكَفَّارَةِ مَا رَأَيْت فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ يَجِبُ فِي نَذْرٍ وَيَمِينٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْظُورِ عَلَى وَجْهٍ مَا وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مَحْظُورٌ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] ثُمَّ قَدْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ فَكَذَلِكَ الَّتِي عَلَّقَتْ يَمِينَهَا بِنَحْرِ ابْنِهَا أَتَتْ بِمَحْظُورٍ مِنْ الْقَوْلِ وَتَجِبُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَتِلْكَ الْكَفَّارَةُ إمَّا هَدْيٌ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا نُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إذَا سُئِلَ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي لَيْسَ مِنْ بَابِ النُّذُورِ وَلَا مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُظَاهِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أَتَى بِهِ مِنْ بَابِ النَّذْرِ وَلَا الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ النَّذْرِ لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ ذَلِكَ مَحْظُورٌ وَإِنَّمَا بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَتَوَرَّطَ فِي نَذْرِهِ فَنَهَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَذَرَهَا لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إذْ النَّذْرُ قُرْبَةٌ وَلَا يَتَقَرَّبُ بِالْمَعْصِيَةِ بَلْ يُتَابُ مِنْهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَنْذِرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى مِصْرَ أَوْ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ فَفَسَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِمَعَانٍ لَيْسَتْ بِمَعَاصٍ فِي أَنْفُسِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مُبَاحَةٌ لَكِنْ سَمَّاهَا مَعْصِيَةً لِأَنَّ نَذْرَهَا عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ أَوْ لِأَنَّ حُكْمَهَا إذَا عُلِّقَتْ بِالنَّذْرِ حُكْمُ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْذِرَ كَمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ تُنْذَرَ الْمَعْصِيَةُ وَلِذَلِكَ بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا فَقَالَ مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ وَمَا لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ مَحْظُورٌ كَالْمَعْصِيَةِ وَمُبَاحٌ كَالْمَشْيِ إلَى الشَّامِ وَغَيْرِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ بِالْمَشْيِ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَدِينَةً مِنْ الْمُدُنِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الشَّامِ وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَدِينَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[اللغو في اليمين]

اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ اللَّغْوُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَذَا إذَا عَلَّقَ مَشْيَهُ بِالْمَدِينَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّذْرُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَاعَةٌ وَإِنَّمَا يُوَفَّى لِلَّهِ بِمَالِهِ فِيهِ طَاعَةٌ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ أَوْ النَّذْرَ إذَا عَلَّقَهُمَا بِمُبَاحٍ لَمْ يَنْعَقِدُ شَيْءٌ مِنْهُمَا. [اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ] (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ إنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ وَرُوِيَ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِثْلُ الْيَمِينِ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا لَغْوَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَحْظُورٌ فَلَمْ يُعْفَ عَنْ الْحَالِفِ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بَلْ شَدَّدَ عَلَيْهِ بِإِلْزَامِهِ مَا الْتَزَمَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ الْتَزَمَهُ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَمُبَاحَةٌ فَلِذَلِكَ دَخَلَهَا التَّخْفِيفُ وَالْعَفْوُ عَنْ لَغْوِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ كَالنَّذْرِ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ اللَّغْوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ خِلَافَهُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ وَذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ أَنَّهُ حَلِفُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهَا لَا تَعْنِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ تُرِيدَ مَا يَجْرِي فِي تَرَاجُعِ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ يَمِينٍ وَلَا قَصْدٍ إلَيْهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا أَيْمَانٌ جَارِيَةٌ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ وَلَا قَصْدٍ إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) (قَالَ مَالِكٌ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْلِفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ وَنَحْوَ هَذَا فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إلَى مُعْتَذَرٍ إلَيْهِ أَوْ لِيَقْتَطِعَ بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ الَّتِي تُكَفَّرُ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ ثُمَّ لَا يَفْعَلُ أَوْ يَحْلِفُ لَا أَفْعَلُ ثُمَّ يَفْعَلُ فَهَذَانِ الْيَمِينَانِ إنَّمَا يَتَنَاوَلَانِ الْمُسْتَقْبَلَ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ضَرْبَيْنِ يَمِينٌ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَيَمِينٌ عَلَى مَاضٍ فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَا يَدْخُلُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَغْوٌ وَلَا غَمُوسٌ وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا الْبِرُّ فَلَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ أَوْ الْحِنْثُ فَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت الثَّوْبَ وَلَا أَكَلْت هَذَا الْخُبْزَ فَهَذَا إنْ أَطْلَقَ الْفِعْلَ وَلَمْ يُعَلِّقْ بِوَقْتٍ وَلَا مَكَان وَلَا صِفَةٍ؛ مَنَعَتْ الْيَمِينُ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَلَى التَّأْبِيدِ فَمَتَى فَعَلَهُ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قَيَّدَ الْفِعْلَ بِوَقْتٍ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت هَذَا الثَّوْبَ غَدًا أَوْ لَا لَبِسْته يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا لَبِسْته بِمَكَّةَ أَوْ لَا لَبِسْته رَاكِبًا تَعَلَّقَ الْمَنْعُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بِذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ وَلَا صِفَتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى إتْيَانِهِ بِالْفِعْلِ فَهَذِهِ الْيَمِينُ قَدْ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِتْيَانَ بِالْفِعْلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْكَفَّارَةَ فَإِنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى زَمَانٍ يَفْعَلُ فِيهِ أَوْ مَكَان أَوْ صِفَةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَلَيْهَا لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِفِعْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مِمَّا يَفُوتُ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ ذَلِكَ فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْقَضِي أَوْ عَلَى بِنَاءٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْهَدِمُ وَيَذْهَبُ أَوْ عَلَى صِفَةٍ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ ذَلِكَ مَاشِيًا فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِعُذْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ وَقَعَ الْحِنْثُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ يَمِينَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِنْ فَعَلَهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ عُمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَاتَ بِمَوْتِهِ الْفِعْلُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ يَمِينَهُ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ يُرِيدُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ لِتَحِلَّهَا أَوْ لِتَرْفَعَ مَأْثَمَهَا وَأَمَّا لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَاضِي وَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ فِي رَجُلٍ مُقْبِلٍ أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فِيهِ لَا شَكَّ عِنْدَهُ فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَذَا عِنْدَهُ لَغْوُ الْيَمِينِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ تَنْعَقِدُ لِيَفْعَلَ أَوْ لِيَتْرُكَ وَإِنَّمَا هِيَ يَمِينُ تَصْدِيقِ قَوْلِهِ وَتَأْكِيدِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَلَا يَبْقَى لَهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّلَفُّظِ بِهَا حُكْمٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ قَبِيحِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةِ وَلَا يُبِيحُ فِعْلًا فَتُبِيحُ تَرْكَهُ الْكَفَّارَةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَيْضًا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى مَاضٍ وَيَمِينُ الْمَاضِي لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لَا يَجِبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَفَّارَةٌ أَحَدُهَا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَذَا أَوْ مَا كَانَ كَذَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ لَغْوُ الْيَمِينِ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْقِدَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ إمَّا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ ضِدَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا غَمَسَتْ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا لِكَوْنِهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْمَاضِي وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْإِثْمِ وَاَلَّتِي تُكَفَّرُ لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى إثْمٍ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ لَا تَعَلُّقَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِهَا فَلَا تَعَلُّقَ لِلْكَفَّارَةِ بِهَا، أَصْلُ ذَلِكَ يَمِينُ اللَّغْوِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ يَعْتَذِرَ بِهِ إلَى مُعْتَذَرٍ إلَيْهِ أَوْ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ الْأَيْمَانِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى إثْمٍ وَكَذِبٍ وَهَذَا إذَا اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَلِفِهِ فَأَمَّا قَصْدُ الْإِلْغَازِ بِيَمِينِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ لِيُغْرِيَ بِهِ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ فَهُوَ فِيهِ آثِمٌ وَلَا يُكَفِّرُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْعُذْرِ أَوْ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ أَخِيك لِمَا بَلَغَهُ عَنْك فَلَا بَأْسَ بِهِ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَسَوَّى مَالِكٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الْعُذْرِ وَبَيْنَ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ لِقَطْعِ حَقِّ غَيْرِهِ وَقَالَ إنَّ الْإِثْمَ فِيهِمَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا كَانَ مِنْ هَذَا فِي مَكْرٍ أَوْ خَدِيعَةٍ فَفِيهِ الْإِثْمُ وَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَمَا كَانَ فِي حَقٍّ عَلَيْك فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الَّذِي حَلَّفَك وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فَيَجِيءُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِثْمَ الَّذِي فِي مَوْضِعِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ لَا يُبْلِغُ الْيَمِينَ إلَى الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَانِثٍ وَلَا حَالِفٍ عَلَى بَاطِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ آثِمٌ فِي الْمَكْرِ بِأَخِيهِ وَتَطْيِيبِ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْمَكْرِ بِهِ وَالْخَدِيعَةِ لَهُ وَأَنَّ الْإِثْمَ فِي قَطْعِ الْحَقِّ لَمَّا كَانَتْ عَلَى نِيَّةِ مَنْ حَلَّفَك بَلَغَتْ الْيَمِينُ إلَى الْحِنْثِ وَالْغَمُوسِ.

[ما لا تجب فيه الكفارة من اليمين]

مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْيَمِينَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ فَمَنْ نَطَقَ بِالْيَمِينِ عَلَى وَجْهٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ لَزِمَهُ مُتَضَمَّنُهَا وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَلَا فَرْقَ وَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْيَمِينَ الْتِزَامٌ وَإِيجَابٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَفْعٌ وَحَلٌّ لِلْوُجُوبِ وَمَا طَرِيقُهُ الْإِلْزَامُ أَبْلَغُ مِمَّا طَرِيقُهُ الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْلِيلُ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْيَمِينُ بِالْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا بِاللَّفْظِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ هَذَا اللَّفْظُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَقُولُ وَالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْبَصِيرِ أَوْ يَحْلِفُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ كَقَوْلِك وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ أَوْ أَمَانَةِ اللَّهِ أَوْ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَكَفَالَتُهُ فَهَذِهِ كُلُّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ فِي إبَاحَةِ الْحَلِفِ بِهَا غَيْرَ الْأَمَانَةِ وَفِي اللُّزُومِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَفَّارَةِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ مَنْ حَلَفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَهِيَ يَمِينٌ فَإِنْ حَلَفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي عِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ ذَاتِهِ وَأَمَّا الْعِزَّةُ الَّتِي خَلَقَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] أَنَّهَا الْعِزَّةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ صِفَتِهِ الَّتِي خَلَقَهَا فِي خَلْقِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ إنَّمَا هُوَ حَالِفٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ هَذَا وَإِنْ صَحَّتْ فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ جِسْمَ الْمُصْحَفِ دُونَ الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ يَمِينُهُ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَمِينٌ وَفِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ وَبِالْقُرْآنِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ أَوَبِآيَةٍ مِنْهُ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرَّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ بِالْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ فَمَتَى عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَيْهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ حَنِثَ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كُتُبٌ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ فَأَمَّا إنْ قَالَ أُقْسِمُ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ لَا فَعَلْت أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ خِلَافًا لِبَعْضِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَمِينِ فَعُلِّقَ بِهِ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ دُونَ التَّلَفُّظِ بِاسْمِ اللَّهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ أَحْلِفُ وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِيمَا قُلْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] وقَوْله تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا يَمِينٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَلِفَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا تَعَرَّتْ الْيَمِينُ عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ نِيَّةً وَلَفْظًا أَيْ عُرْفًا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا كَقَوْلِهِمْ أَشْهَدُ بِالسَّمَاءِ وَالنُّجُومِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَمَرِ وَالْكَعْبَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ عَلَيْك فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَإِنَّمَا هِيَ رَغْبَةٌ وَتَأْكِيدُ مَسْأَلَةٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّأْكِيدِ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا كَقَوْلِهِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ مَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحِلُّهَا وَيَمْنَعُ وُقُوعَ الْحِنْثِ بِمُخَالَفَتِهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ قُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةً نِصْفَ إنْسَانٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَخَصَّ بِذَلِكَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْتِزَامُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ إيقَاعُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَقُولَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهَذَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا أَوْقَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحِلُّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَوْ لَا يَسْتَثْنِيَ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ اخْتِصَاصًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا يَمِينٌ مَشْرُوعَةٌ مُبَاحَةٌ فَجَعَلَ لِمَنْ حَلَفَ بِهَا مَخْرَجًا مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا بِالْكَفَّارَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا لَمْ يَجْعَلْ مَخْرَجًا بِالْكَفَّارَةِ وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعْنًى يَحِلُّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي حَلِّ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ كَالْكَفَّارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِصِفَةٍ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ رَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ إثْرَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ رَدَّهُ إلَى الطَّلَاقِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي يَمِينِهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا أَصْلُهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَلَّقَةٍ بِصِفَةٍ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا رَجَعَ إلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَ الْفِعْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَعْنَى حَلِّ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ قَالَ ذَلِكَ سَهْوًا بِمَعْنَى أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ أَوْ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ تَبَرُّكًا أَوْ تَأْكِيدًا أَوْ سَبَقَ بِذَلِكَ لِسَانُهُ أَوْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينَهُ وَمَتَى حَنِثَ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَهَا بِهِجَاءٍ وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ عُمَرَ مَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا نَوَى بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ يُرِيدُ حَلَّ الْيَمِينِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ أَنَّ لِلْحَالِفِ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى مَا ذُكِرَ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] وَهَذَا قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ لَفْظًا ثُمَّ يَظْهَرُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ بَعْدَ عَامٍ وقَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] لَيْسَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَقُولَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ يَفْعَلُهُ غَدًا حَتَّى يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ عَارِيًّا عَنْ الْيَمِينِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ إذَا نَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاسْتِغْفَارِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْأَذْكَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى مَا ذَكَرَ بِمَعْنَى أَنَّ مَا يَشَاءُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ لَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ مَعْنَاهَا أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ مَتَى مَا ذَكَرَ بِأَنَّ مَا شَاءَ كَانَ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِذْعَانِ عَلَى مَعْنَى الذِّكْرِ وَالِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْهُ لَا عَلَى مَعْنَى حَالِ الْيَمِينِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ يُرِيدُ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ يَمْنَعُ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ انْقِطَاعُ النَّفَسِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ سُعَالٌ أَوْ تَثَاؤُبٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ النَّفَسِ لِلْكَلَامِ لَيْسَ مِمَّا يَقْتَضِي تَمَامُ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي تَمَامُهُ تَرْكَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى غَالِبًا فَيَكُونُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بَعْدَ الرِّضَا بِانْعِقَادِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَتَمَامِهِ فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِكَلَامِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِانْعِقَادِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ إلَّا بِمَا وَصَلَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ بِالنُّطْقِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَرَاخَى عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالشُّرُوطِ وَخَبَرِ الِابْتِدَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا نُطْقًا فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ لَمْ يَنْعَقِدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ كَالْكَفَّارَةِ وَلَوْ نَوَى أَنَّ عَبْدَهُ حُرٌّ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ. (فَصْلٌ) : وَهَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى حَلِّ الْيَمِينِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسَائِلَ مِنْهُ وَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَلْفَاظُ الِاسْتِثْنَاءِ ثَلَاثٌ لَفْظَةُ (إنْ) كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَلَفْظَةُ (إلَّا أَنْ) كَحَلِفِهِ لَيُسَافِرَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ لَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِيهِمَا دُونَ اللَّفْظِ وَأَمَّا لَفْظَةُ (إلَّا) وَهِيَ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يُكَلِّمُ قُرَشِيًّا إلَّا فُلَانًا وَمَا آكُلُ الْيَوْمَ طَعَامًا إلَّا لَحْمًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ فِيهِ النِّيَّةُ كَمَا يُجْزِئُ الْحَالِفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُحَاشَاةُ امْرَأَتِهِ بِنِيَّتِهِ دُونَ نُطْقٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ (إنْ، وَإِلَّا أَنْ) أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ أَوْ بِإِلَّا أَنْ مُسْتَغْرِقَةٌ لِأَعْيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَالْيَمِينُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَلَمِ يُبْنَ عَلَى اسْتِغْرَاقِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْيَمِينِ بَلْ قَدْ يُثْبَتُ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَتْهُ فَجَرَى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مَجْرَى التَّخْصِيصِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ حَقٌّ يُطَالَبُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ يُرِيدُ إنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِيمَا يَدَّعِيهِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَنْفَعُهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَنْ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ يَحِلُّ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ النِّيَّةُ دُونَ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَمَا قَاسَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَاشَاةِ فِي الْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ. وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُحَاشَاةِ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَصْلِ كَمَا وَقَعَ فِي الْفَرْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ ثَابِتٌ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَ لَهُ الْمُحَاشَاةَ فِي الْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبِلَ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِنِيَّةٍ وَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَحْلِفُ بِهِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فَإِنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ وَالْمُبَاحِ مِنْهَا الْيَمِينُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاَللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْحَالِفُ: الطَّلَاقَ عَلَيَّ إنْ فَعَلْت كَذَا لَجَازَ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت بِهِ وَاحِدَةً وَذَلِكَ خِلَافُ الِاسْتِيعَابِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَا كَلَّمْت رَجُلًا حُمِلَ عَلَى اسْتِيعَابِهِ وَعُمُومِهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَحَمَلَ الْمَحْلُوفَ بِهِ وَالْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِخَبَرٍ إلَّا فُلَانًا وَيَنْوِي فِي نَفْسِهِ وَفُلَانًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ بِنِيَّتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنُّطْقِ لَمَّا دَخَلَ الْيَمِينَ وَعَدَلَ بِاللَّفْظِ الْعَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ جَازَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ بِالنِّيَّةِ فِيمَا الْحُكْمُ فِيهِ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ وَمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ نَوَى لِأَنَّ لَفْظَ يَمِينِهِ ظَاهِرٌ ثَابِتٌ بِالنِّيَّةِ وَمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ. (فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ لَا كَلَّمْت فُلَانًا وَنَوَى شَهْرًا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَنِيَّةَ التَّخْصِيصِ فَحُمِلَ عَلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ نَوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ قَدْ ثَبَتَتْ وَنِيَّتُهُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ. (فَصْلٌ) : فَإِذَا قُلْنَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ دُونَ اللَّفْظِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ غَيْرَ مُسْتَحْلِفٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْلِفًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَجْهَرَ بِهِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ بِوَثِيقَةِ حَقٍّ أَوْ شَرَطَ فِي نِكَاحٍ أَوْ عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ مَا يَسْتَحْلِفُهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ لَا تُجْزِئُهُ حَرَكَةُ اللِّسَانِ حَتَّى يُظْهِرَهُ وَيَسْمَعَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْلِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا نُطْقًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ فَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعَ الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ نُطْقُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ وَيَنْوِي ذَلِكَ مَعَ أَوَّلِ اسْتِثْنَائِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَمِينِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِآخِرِ حَرْفٍ مِنْ يَمِينِهِ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ النُّطْقِ بِالرَّاءِ مِنْ الدَّارِ لَمْ يُجْزِهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْدِيمُهُ عَلَى آخِرِ حَرْفٍ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي النِّيَّةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يُؤَثِّرُ وَلَوْ أَثَّرَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ دَاخِلَ الْيَمِينِ لَاسْتَغْنَى عَنْ لَفْظِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ انْعَقَدَتْ بِكَمَالِ النُّطْقِ بِهَا فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا السُّكُوتُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ كَفَرَ بِاَللَّهِ إنْ قَالَ كَذَا أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ خَالَفَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شِرْكٌ وَلَا خُرُوجٌ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ هَلْ هُوَ عَلَى إسْلَامِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَافِرًا مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ وَأَمَّا مَنْ كَرِهَهُ أَوْ أَبْغَضَهُ أَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ فَلَا يَكُونُ كَافِرًا وَلَكِنَّهُ آثِمٌ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إلَى الْحَلِفِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ بِيَمِينِهِ تِلْكَ شَيْءٌ خَالَفَهَا أَوْ وَافَقَهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ مَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَفَرْت بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكْت بِاَللَّهِ أَوْ بَرِئْت مِنْ الْإِسْلَامِ فَهِيَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ تَعَالَ أُقَامِرْك فَلْيَتَصَدَّقْ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَكْفِيرَ حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ مُفَسَّرَةٌ عَرِيَتْ

[ما تجب فيه الكفارة من الأيمان]

مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا إنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا التَّوْكِيدُ فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِرَارًا يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَحْلِفُ بِذَلِكَ مِرَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَكَفَّارَةُ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ نُطْقًا وَنِيَّةً وَعُرْفًا فَلَمْ يَجِبْ بِهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَصْلُهُ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ الْقِيَامُ أَوْ الْقُعُودُ أَوْ النَّوْمُ. وَأَمَّا مَا رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ كَمَا قَالَ مِنْ الْكُفْرِ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَقُولُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ كَمَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَمَنْ عَهِدَ عُهُودًا أَوْ وَعَدَ عِدَةً يَلْزَمُهُ أَنْ يَفِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ الْحَلِفُ عَلَى الْمَاضِي لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَذِبِ وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فَلَا يُوصَفُ بِالْكَذِبِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْمَاضِي فِعْلًا أَوْ لَمْ يَقُلْ قَوْلًا وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَقَالَ مَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ. [مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ رَأَى أَنَّ فِعْلَهُ أَفْضَلُ فِي الدِّينِ أَوْ أَنْفَعُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَفْعَلَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ فِعْلَ ذَلِكَ وَمَالَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَحِلُّ الْيَمِينَ كَمَا يَحِلُّهَا الِاسْتِثْنَاءُ فَيَصِيرُ مَنْ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَقَدَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا بِتَقْدِيمِ الْحِنْثِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي هَذَا وَالتَّأْخِيرَ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْحِنْثِ وَلَا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي رُتْبَةً وَلَا خِلَافَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْكَفَّارَةِ جَائِزٌ وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ فَإِنْ قَدَّمَهَا قَبْلَ الْحِنْثِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ فَيَصِحُّ عِنْدِي أَنْ يُكَفِّرَ بِكُلِّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ صَحَّ أَنْ يُكَفِّرَ فِيهِ بِالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُكَفِّرَ فِيهِ بِالصَّوْمِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ الْحِنْثِ. (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْكَفَّارَةِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي تَأْكِيدِ الْيَمِينِ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِرَارًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ ثُمَّ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةً كَالنَّذْرِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّأْكِيدِ حَتَّى يَنْوِيَ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةً كَمَنْ قَالَ عَلَيَّ ثَلَاثُ نُذُورٍ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت كَذَا ثُمَّ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ إنْ فَعَلَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّ حُكْمَ الْتِزَامِ النَّذْرِ غَيْرُ حُكْمِ الْحَلِفِ فَوَجَبَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبُهُ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشَرَةُ نُذُورٍ إنْ فَعَلْت كَذَا لَزِمَهُ عَشَرُ كَفَّارَاتٍ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا ثُمَّ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لِأَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مِنْ ذَلِكَ الْتِزَامٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ. (فَرْعٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ أَنَّ الْيَمِينَ مَعْنَاهَا الْمَنْعُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ الْتِزَامِهِ فَمَا تَكَرَّرَ مِنْهَا فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مَا قَبْلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ لَهُ فَوَجَبَ بِهِ مَا وَجَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَأَمَّا النَّذْرُ فَالْتِزَامٌ تَامٌّ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الْحَلِفِ لَكَانَ الْتِزَامًا تَامًّا فَكَانَ لِكُلِّ نَذْرٍ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَّارَةَ وَإِنَّمَا شُرِعَتْ حِلَالُهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ فَوَجَبَ أَنْ تَحِلَّ الْكَفَّارَةُ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَهَا مِنْ الْأَيْمَانِ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ لِأَيْمَانٍ مُتَّصِلَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّذْرُ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مُلْتَزَمًا فَلَزِمَ بِالْأَوَّلِ مَا لَزِمَ بِالثَّانِي لَمَّا كَانَ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَوَاللَّهِ وَوَاللَّهِ لَا فَعَلْت لَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَعَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا ثُمَّ فَعَلَهُ لَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَعْرِفُ أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الْتِزَامٌ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعَ كَفَّارَاتٍ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ نُذُورٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْأَيْمَانَ طَرِيقُهَا الْحَلِفُ وَتَكْرَارُهَا يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْعَزِيزُ الْعَالِمُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ثُمَّ حَنِثَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَلَفَ بِمَحْلُوفٍ وَاحِدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَاتٍ كَثِيرَةٍ وَالثَّانِي كَانَ يَمِينُهُ بِالْعَهْدِ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ الْمِيثَاقَ فَلَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَا اتَّخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ لَزِمَهُ فِي الْعَهْدِ كَفَّارَةٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ وَأَشَدُّ مَا اتَّخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِنِسَائِهِ وَالْعِتْقُ لِرَقِيقِهِ وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِي إلَى الْكَعْبَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ عِيسَى وَإِنْ حَاشَا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّدَقَةَ وَالْمَشْيَ وَكَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَشَدَّ مَا اتَّخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ إنَّمَا يَقْتَضِي يَمِينًا وَاحِدَةً وَلَا يَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَلَا إثْمَ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى الْحِنْثِ بِهَا فَكَانَتْ يَمِينُهُ بِأَشَدِّ مَا اتَّخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مُقْتَضِيَةٌ لِلْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ لَزِمَتْ بِهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَالِفَ بِذَلِكَ إنَّمَا يَقْتَضِي حَلِفُهُ بِهِ التَّشْدِيدَ عَلَيْهِ فِي الْمُخَالَفَةِ لِيَمِينِهِ وَتَعْظِيمِ السُّنَّةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَثْرَةِ مَا يَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ فِيهَا وَأَمَّا مَقَادِيرُ الْمَآثِمِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا وَلَوْ أَرَادَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ لَاجْتَزَأَ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ يَمِينِهِ فَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَى اجْتِمَاعِ الْأَيْمَانِ وَلُزُومِ جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ يَحْلِفَ لِمَنْ يَسْتَحْلِفُهُ فَإِنْ حَلَفَ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةُ الْعُمُومِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَإِنْ نَوَى مُحَاشَاةَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا تَكُونَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ نِيَّتُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ وَلَوْ قَالَ الْحَلَالُ كُلُّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يَمْنَعْهُ مُحَاشَاةَ امْرَأَتِهِ بِنِيَّتِهِ حَتَّى يُسَمِّيَهَا بِالْكَلَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْحَلَالُ كُلُّهُ حَرَامٌ إلَّا التَّأْكِيدُ لِلْعُمُومِ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ لِلْعُمُومِ يَقُولُ إنَّ لَفْظَةُ كُلُّ لِلْعُمُومِ وَمَنْ يَقُولُ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعُمُومِ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فَإِنَّهُ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي الْعُمُومَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَبُ يَنْفِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُمُومَ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ الَّتِي لِلْجِنْسِ وَيُثْبِتُهَا فِي كُلِّ وَأَمَّا أَنْ يُثْبِتَ الْعُمُومَ فِيهِمَا وَيَجْعَلَ لِلتَّأْكِيدِ مَزِيَّةً تَمْنَعُ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ يَجْرِي قَوْلُهُ فِي الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ إذَا ثَبَتَ فِيهَا لَفْظُ كُلٍّ أَوْ عَرِيَتْ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَنْ يَسْتَحْلِفَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ اسْتَحْلَفَهُ الطَّالِبُ أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ خَافَ أَنْ لَا يَتَخَلَّصَ مِنْهُ إلَّا بِالْيَمِينِ فَإِنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَتَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ فِي مُحَاشَاةِ الزَّوْجَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي هَذَا الْيَمِينِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَنْفَعُهُ الْمُحَاشَاةُ وَلَا النِّيَّةُ وَالْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ فَلَمَّا حَلَفَ قَالَ لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ذَلِكَ إلَى نِيَّتِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مَا لَزِمَهُ فِي قَوْلِهِ أَشَدُّ مَا اتَّخَذَهُ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هَذَا عِنْدِي مِثْلُ الْيَمِينِ الَّتِي يَجْرِي فِي بَلَدِنَا مِنْ قَوْلِ الْحَالِفِ الْأَيْمَانُ لَازِمَةٌ وَقَدْ رَأَيْته فِي بَيْعَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَفِيمَا بَعْدَهَا مِنْ عُهُودِ الْخُلَفَاءِ وَلَفْظِ الْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ لَمْ أَرَ فِيهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ أُصُولًا مُخْلِصَةً وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا مَنْ عَاصَرَنَا مِنْ الْفُقَهَاءِ فَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا أَيْمَانٌ لَازِمَةٌ يَجِبُ بِهَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَالصَّدَقَةُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّلَاقِ الْوَاجِبِ بِذَلِكَ فَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ بْنُ أَبِي حَاجٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَكْثَرُ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ إفْرِيقِيَةَ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَكَانَ مُعْظَمُ أَهْلِ بَلَدِنَا يَجْعَلُونَهَا ثَلَاثًا وَحَكَاهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِأَنَّ الْحَرَامَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَيْمَانِ فَلَزِمَنَا أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ أَوْعَبُهَا لِإِيجَابِنَا عَلَيْهِ يَمِينًا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَوْعَبُهَا لَأَخْلَلْنَا بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ وَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ أَوْعَبَ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لَزِمَنَا أَنْ نُلْزِمَهُ أَلْبَتَّةَ أَوْ الْحَرَامَ مِنْ نَوْعِ الطَّلَاقِ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي قَوْلِهِمْ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَيَجْتَمِعُ فِيهِ أَنَّهُ أَوْعَبُ مَا فِي الْبَابِ مَعَ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ مَاشِيًا إلَى مَكَّةَ دُونَ الْعُمْرَةِ وَدُونَ الْحَجِّ رَاكِبًا لَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْيَمِينِ وَأَوْعَبَ لِمَا يَحْلِفُ بِهِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ الْقَرَوِيُّونَ فِي هَذَا التَّعَلُّقِ بِعُرْفِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَإِنْ قُلْت كَذَا فَكَانَ عُرْفُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْوَحْدَةِ أَكْثَرَ فَحَمَلُوهُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ فَعَلَ كَذَا وَإِنْ قَالَ كَذَا وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ قَالُوا وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ فَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثُ لَمَّا جَمَعَ الْأَيْمَانَ لَلَزِمَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ كَذَا وَقَعَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَوْعَبُ مَا فِي الْبَابِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَتَقْرِيرُ مَا تَحَقَّقَ عِنْدَ الْأَبِيِّ هَذِهِ الْيَمِينَ مِنْ أَقْوَالِ الشُّيُوخِ يَعْنِي عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ كَانَ يَقُولُ يَنْوِي فَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً صَدَقَ وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ فِي نُسْخَةٍ جَوَابًا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الَّذِي يَقُولُ يَلْزَمُنِي جَمِيعُ الْأَيْمَانِ يَنْوِي الْحَالِفُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَصَدَ بَعْضَ الْأَيْمَانِ دُونَ بَعْضٍ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ عَمَّ لَزِمَهُ غَايَةُ التَّشْدِيدِ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحَالِفِينَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عُمُومًا وَلَا خُصُوصًا فَهُوَ مَوْضِعُ إشْكَالٍ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْتِزَامِ جَمِيعِ مَا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ تَحْتَ لَفْظِهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ فَقَالَ فِي ذَلِكَ تَنَازُعٌ وَأَرَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ وَيُسْتَحَبُّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ مَثَلًا فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا أَلْبِسُ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا أَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَكَانَ هَذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ مِنْ الْأَيْمَانِ فَقَالَ هَذَا مَا لَا غَايَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ مِنْ الْأَيْمَانِ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ فَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَأَنَّهُ إذَا نَوَى الْعُمُومَ لَزِمَهُ أَشَدُّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا نَقُولُهُ لِقَوْلِنَا بِالْعُمُومِ وَمَا أَلْزَمَهُ مِنْ قَوْلِنَا كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ الْأَيْمَانُ الْمُطْلَقَةُ دُونَ الْأَيْمَانِ الْمُعَلَّقَةِ بِصِفَةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَفَرَّعَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الْمَالِكِيِّينَ فِي الْحَالِفِ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَيُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَوْلًا أَرَاهُ أَرَادَ بِهِ تَسْهِيلَ هَذِهِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَإِنَّ كَفَّارَتَهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَصِحُّ عَنْ عَائِشَةَ فِيمَا عَلِمْت وَلَوْ صَحَّتْ لَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا التَّخْصِيصُ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ رَأْيًا رَأَتْهُ لَمْ تُوَافِقْ عَلَيْهِ فَرَأَيْت لِلْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ قَالَ وَأَرَادَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ جَمِيعِ أَسْبَابِهَا وَآلَاتِهَا وَهُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ مِنْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إثْبَاتِهِ مِنْ جِهَةِ لُغَةٍ وَلَا شَرْعٍ وَلَا أَوْرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَوْ صَحَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَلُّقٌ بَلْ هُوَ عَكْسُ مَا نَقُولُهُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْأَيْمَانَ اللَّازِمَةَ اسْمٌ لِلْحَلِفِ بِاَللَّهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا مَا يَلْزَمُ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ اسْمًا لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ فَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ الْحَالِفُ بِهَا جَمِيعَ الْأَيْمَانِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ حَلَفَ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي جَمِيعِ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ النِّسَاءِ لِأَنَّ يَمِينَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَّا أَعَمُّهُ أَوْ الْمُعْتَادُ مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَعَمِّهِ وَلَا الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَلَا هُوَ قُرْبَةٌ فَيَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الصِّيَامُ فَاَلَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ قَوْلُنَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَهُوَ أَعَمُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ رَقِيقٌ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِهِمْ كَالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ وَلَا غَيْرِهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الَّذِي يَجِبُ فِي أَشَدِّ مَا اتَّخَذَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَحْلِفُ إنَّمَا يَحْلِفُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ وَيَجِبُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ الثُّلُثُ لِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَقَادِيرِ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُرْفٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَالِهِ أَوْ جَمِيعُهُ عَلَى حَسَبِ مَا لَزِمَ بِالصَّدَقَةِ أَوْ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ لَكِنَّهُ لَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إلَّا التَّعَلُّقُ بِالْأَكْثَرِ مَعَ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ بَلَدِنَا وَالتَّعَلُّقُ بِالْعُرْفِ خَاصَّةً عِنْدَ الْقَرَوِيِّينَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ فَقَالَ إنِّي حَاشَيْت الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنِيَّتِي فَأَمَّا مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَالْعِتْقِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا خِلَافَ فِي تَصْدِيقِهِ فِيهِ وَأَمَّا مَا لِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ فَيَجْرِي الْقَوْلُ فِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ شُيُوخِنَا فِيمَنْ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ بِالْحَلَالِ كُلِّهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ حَاشَا الزَّوْجَ بِنِيَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا يَقِفُ عَلَيْهِ النَّاظِرُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَأَذِنْت لَك إلَى الْمَسْجِدِ يَكُونُ ذَلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حِنْثٌ إنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَثْبُتُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي جَسَدِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ) . الْعَمَلُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً تَضَمَّنَتْ أَشْيَاءَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا مُعَيَّنًا وَلَا يَلْبَسَ ثَوْبًا وَلَا يَدْخُلَ بَيْتًا وَلَا يُكَلِّمَ رَجُلًا فَإِنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يُجْزِئُ فِي حِلِّهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ اسْتِثْنَاءٌ وَاحِدٌ وَفِي حِلِّهَا بِالْكَفَّارَةِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الِامْتِنَاعِ مِنْ إبْعَاضِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَأَكَلَ الطَّعَامَ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ أَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ أَوْ كَلَّمَ الرَّجُلَ فَإِنَّهُ قَدْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْإِيجَابِ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَيَأْكُلَنَّ الْخُبْزَ وَلَيَلْبَسَنَّ الثَّوْبَ وَلَيَدْخُلَنَّ الْبَيْتَ وَلَيُكَلِّمَنَّ زَيْدًا فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِفِعْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتَيْهِ فَقَالَ إنْ دَخَلْتُمَا الدَّارَ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَيُطَلَّقَانِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَطْلُقُ الدَّاخِلَةُ وَحْدَهَا وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى تَدْخُلَ الْمَرْأَتَانِ الدَّارَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْهُ يُوجِبُ الْحِنْثَ بِفِعْلِ بَعْضِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ وَلِأَنَّ هَذَا الْحَالِفَ قَصَدَ مَنْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَفَعَلَ مَخْرَجَ يَمِينِهِ وَحِنْثِهِ فِيهِمَا بِطَلَاقِهِمَا فَمَنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ مِنْ يَمِينِهِ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِطَلَاقِهِمَا جَمِيعًا. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي اقْتَضَتْ يَمِينُهُ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ دُخُولُ الدَّارِ وَقَدْ وُجِدَ جَمِيعُهُ وَلَمْ تَقْتَضِ الْيَمِينُ اسْتِيعَابَ طَلَاقِهِمَا بِدُخُولِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِهِ الْعُمُومُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالِاسْتِغْرَاقَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَصَدَهُ بِالْيَمِينِ وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مَنْعَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَأَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ بِطَلَاقِهِمَا وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا اقْتَضَتْ أَنْ لَا تَدْخُلَ زَوْجَتَاهُ الدَّارَ وَمِنْ ذَلِكَ مَنَعَتْهُ يَمِينُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِدُخُولِ إحْدَاهُمَا فَلَمْ يَحْنَثْ فِي شَيْءٍ مِنْ يَمِينِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ نَذْرَ ذَاتِ الزَّوْجِ لَازِمٌ لَهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجَسَدِ فَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِالْمَالِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ أَوْ تَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ كُلَّ حُرٍّ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ دُونَ الْمُعَارَضَةِ فِيهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِهِ وَلَا تَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ كَالْمُوصِي وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِالْيَسِيرِ وَإِذَا احْتَجْنَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ فَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الثُّلُثِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِمَالِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَمِينُك» فَإِذَا كَانَتْ إنَّمَا تُنْكَحُ لِمَالِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ أَنْ زِيدَ فِي صَدَاقِهَا مِنْ أَجْلِهِ أَنْ تُتْلِفَ جَمِيعَهُ وَتَهَبَهُ غَيْرَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ زَادَتْ فِي ذَلِكَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِلزَّوْجِ الرَّدُّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ فِي ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ تَعَدِّيَهَا وَمَا كَانَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ فَلَيْسَتْ بِمُتَعَدِّيَةٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ فَهَلْ لَهُ رَدُّ

[العمل في كفارة الأيمان]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَأَكَّدَهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا ثُمَّ حَنِثَ فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ كُلِّهِ أَمْ رَدُّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ رَدَّ جَمِيعِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا يَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ جَمِيعَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ عِتْقِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الزَّوْجَةُ إذَا زَادَتْ فِي هِبَتِهَا كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً وَلَمْ يَخْتَصَّ التَّعَدِّي بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بَلْ اخْتَصَّ بِالْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَهُ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ عَلَى مِلْكِهَا كَالْمُفْلِسِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّ الْمُوصِي يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ مَعَ خُرُوجِ الْمَالِ عَنْ مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ رَدَّ إلَى الثُّلُثِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ كَالْمُوصِي وَهُوَ أَقْيَسُ وَأَجْرَى عَلَى الْأُصُولِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِلزَّوْجِ الرَّدَّ أَوْ الْإِجَازَةَ فَهَلْ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ أَوْ الرَّدِّ قَالَ أَصْبَغُ هُوَ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى يَرُدَّهُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ هُوَ مَرْدُودٌ حَتَّى يُجِيزَهُ الزَّوْجُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ مَالٌ لِلزَّوْجَةِ وَهِيَ جَائِزَةُ الْأَمْرِ فَمَا أَوْجَبَتْهُ فِي مَالِهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِإِجَازَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا شَهِدَ الزَّوْجُ قَبْلَ يَمِينِهَا أَنَّهَا مَتَى حَلَفَتْ فِي كَذَا وَحَنِثَتْ فَقَدْ أَجْزَتْ مَا حَلَفَتْ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَلَوْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهَا وَقَبْلَ الْحِنْثِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ قَبْلَ يَمِينِهَا فَقَدْ أَشْهَدَ قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْإِعْرَاضِ فِي شَيْءٍ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَوْ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَفَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا وَلَا زَوْجَ لَهَا فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ حَنِثَتْ فَلِلزَّوْجِ رَدُّ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْحِنْثِ دُونَ حَالِ الْيَمِينِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِجَسَدِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضُرَّ بِالزَّوْجِ كَكَثِيرِ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ بِهِ كَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَصِيَامِ يَوْمٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا مَنَعَهَا مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْتِيَ بِمَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَلَكِنَّ ذَلِكَ يَبْقَى بِذِمَّتِهَا حَتَّى تَجِدَ إلَى أَدَائِهِ السَّبِيلَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِالزَّوْجِ كَانَ لَهَا تَعْجِيلُ فِعْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْعَمَلُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَأَكَّدَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِتَأْكِيدِهَا تَكْرَارَ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَأْكِيدَهَا بِتَكْرَارِهَا مِرَارًا وَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ يَرَى فِي تَأْكِيدِهَا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِأَرْفَعِ الْكَفَّارَاتِ وَهُوَ الْعِتْقُ أَوْ يَرْفَعَ عَنْ أَدْنَى الْكَفَّارَاتِ الَّذِي هُوَ الْإِطْعَامُ إلَى مَا هُوَ أَرْفَعُ وَهُوَ الْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي التَّأْكِيدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الرَّقَبَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ صَامَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الرَّقَبَةِ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً كَامِلَةَ الرِّقِّ وَتَأَخَّرَتْ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ إلَى الظِّهَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا سَلَامَةُ الْخِلْقَةِ فَإِنَّ النَّقْصَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْصٌ مِنْ ظَاهِرِ جِسْمِهِ وَنَقْصٌ مِنْ مَنَافِعِهِ قَالَ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى صِفَةٍ يُمْكِنُهُ مَعَهَا التَّصَرُّفُ الْكَامِلُ وَالتَّكَسُّبُ غَالِبًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْأُنْمُلَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ الْجَدْعُ الْخَفِيفُ أَوْ الصَّمَمُ الْخَفِيفُ أَوْ الْعَرَجُ الْخَفِيفُ وَذَهَابُ الضِّرْسِ وَإِنْ اسْوَدَّتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا أَقْطَعُ الْيَدِ أَوْ أَقْطَعُ الرِّجْلِ أَوْ الْأَشَلُّ أَوْ الْأَعْمَى أَوْ الْمُقْعَدُ أَوْ الْأَخْرَسُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْخَرَسِ الْبَكَمَ فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْخَرَسِ تَغْيِيرَ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَدِيدًا يَعْسُرُ فَهْمُهُ غَالِبًا فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي تَصَرُّفِهِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ الْإِجْزَاءَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الْأَمْرَاضِ مَنْ بِهِ جُنُونٌ مُطْبِقٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ فَالِجٌ أَوْ سُلٌّ أَوْ رَمَدٌ أَوْ بَرَصٌ فَاحِشٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَرَصٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إلَّا الْبَرَصُ الْخَفِيفُ قَالَ أَشْهَبُ أَوْ الْمَرِيضُ الَّذِي يُنَازِعُ أَوْ الْمَقْطُوعُ الْإِبْهَامَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ وَالتَّكَسُّبَ وَهِيَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا وَأَمَّا الْمَرِيضُ الَّذِي بِهِ الْحُمَّى أَوْ الرَّمَدُ أَوْ الظُّفْرُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَتْ الْآنَ تَمْنَعُ التَّصَرُّفَ وَالتَّكَسُّبَ فَإِنَّهَا مَعَانٍ يُرْجَى زَوَالُهَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ يَجُوزُ عِتْقُ الْمَرِيضِ إلَّا الَّذِي يُنَازِعُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْأَعْرَجِ فَقَالَ مَرَّةً يُجْزِئُ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُجْزِئُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ عَرَجًا خَفِيفًا أَجْزَأَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُ أَقْطَعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ التَّامَّ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْإِجْزَاءَ كَمَا لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتُلِفَ فِي الْخَصِيِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُ وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَشَلِّ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا نَقْصٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَمَلِهِ وَتَصَرُّفِهِ كَالْفُحْجِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَغْلَى ثَمَنًا مِنْ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : اُخْتُلِفَ فِي أَقْطَعِ الْإِبْهَامِ الْوَاحِدَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُجْزِئُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَقْطُوعِ الْأُصْبُعِ وَالْأُصْبُعَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ يُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ مَرَّةً يُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتُلِفَ فِي الْأَعْوَرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْمِصْرِيُّونَ يُجْزِئُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنَيْنِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ فَكَانَ كَمَنْ بِعَيْنَيْهِ ضَعْفٌ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ نَقْصَهُ مَا يَجِبُ بِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَأَقْطَعِ الْيَدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصَمِّ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُ وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ وَيَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ كَالْعَمَى وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ذَهَابَ السَّمْعِ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ وَلَا بِالتَّصَرُّفِ كَبِيرَ إضْرَارٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ صُعُوبَةُ فَهْمِهِ لِلْكَلَامِ وَذَلِكَ يُوصِلُ إلَيْهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَمَنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فَهْمُ الْكَلَامِ لِعُجْمَتِهِ أَوْ لِبُعْدِ فَهْمِهِ يُجْزِئُ فَفِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُجْزِئُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمَا مَنْفَعَةً وَهِيَ حَوْشُ الصَّوْتِ إلَى السَّمْعِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ مَعَ مَا فِي ذَهَابِهِمَا مِنْ التَّشْوِيهِ بِالْخَلْقِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجَدْعَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْت النَّاسَ وَهُمْ إذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ وَرَأَوْا ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأُذُنِ يُجْزِئُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْبَكَمُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُجْزِئُ الْأَخْرَسُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَذَلِكَ خِلَافٌ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ صَمَمٌ فَهُوَ أَبْيَنُ لِأَنَّ فَقْدَ الْكَلَامِ يَجْرِي مَجْرَى فَقْدِ الْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِعَمَلِهِ وَيُنْقِصُ تَصَرُّفَهُ وَيُضْعِفُ فَهْمَهُ وَإِفْهَامَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ الَّذِي ذَهَبَ جُلُّ أَسْنَانِهِ فَإِنْ ذَهَبَ أَقَلُّهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ وَتَأَخَّرَتْ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ إلَى الظِّهَارِ وَإِلَى الْعِتْقِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا عَنْ وَاجِبٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَلَا تُجْزِئُ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْعَبْدِ الْآبِقِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَعْدَ الْعِتْقِ سَلِيمًا وَيُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ عِتْقِهِ صَحِيحًا فَأَمَّا إنْ كَانَ يَوْمئِذٍ عَلِيلًا ثُمَّ صَحَّ أَوْ صَحِيحًا ثُمَّ اعْتَلَّ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَكُونَ صَحِيحًا فِي الْحَالَيْنِ قَالَ أَصَبْغُ وَرُوِيَ أَكْثَرُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ الْمَرَضُ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْمَرِيضِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] يُرِيدُ مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ فَوْقَ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الصِّيَامِ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَعَ وُجُودِ رَقَبَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ إطْعَامٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصُومُ الْحَانِثُ حَتَّى لَا يَجِدَ إلَّا قُوَّتَهُ وَيَكُونُ فِي بَلَدٍ لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ أَطْعَمَ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْجُوعَ وَهُوَ فِي بَلَدٍ لَا يُعْطَفُ فِيهِ عَلَيْهِ وَيَعْتَبِرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجِدَ فَضْلًا عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ الَّذِي ذَكَرَ مَا يُعْتِقُ فِيهِ رَقَبَةً كَامِلَةً أَوْ يَكْسُو الْكِسْوَةَ الَّتِي تُجْزِئُهُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ مِنْ إطْعَامِهِمْ فَإِنْ قَصَرَ مَا عِنْدَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِوَاجِدٍ وَيُجْزِئُهُ الصِّيَامُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِوُجُودِ الْعَيْنِ الَّتِي يُخْرِجُهَا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَدَمُهُ وَالثَّانِي أَنْ يَجِدَ فِي مِلْكِهِ قِيمَتَهَا مِمَّا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ فِيهَا وَكُلُّ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِحَالِ التَّكْفِيرِ دُونَ حَالِ الْيَمِينِ وَحَالِ الْحِنْثِ وَإِنْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي التَّكْفِيرِ لَمْ يُجْزِهِ الصِّيَامُ لِأَنَّهُ الْآنَ وَاجِدٌ لِلْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَإِنْ تَلَبَّسَ بِالصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى صَوْمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِالصَّوْمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ الْحِنْثِ فَتَرَكَ التَّكْفِيرَ حَتَّى أَعْسَرَ فَصَامَ ثُمَّ أَيْسَرَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُعْتِقُ قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عِنْدِي الِاسْتِحْبَابُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ التَّكْفِيرِ كَمَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَطَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِيَامَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ فَصَامَ فَهَلْ يُجْزِئُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَضَعَّفَ إذْنَ السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ أَدْرَكْت النَّاسَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّهَا دَارُهُ وَبِهَا كَانَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ وَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أَدْرَكْت النَّاسَ يُعْطُونَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ يُرِيدُ مُدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ مُدِّ هِشَامٍ وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ بِالْحِجَازِ مُدَّانِ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَصْغَرُهُمَا وَمُدُّ هِشَامٍ وَهُوَ أَكْبَرُهُمَا وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مِقْدَارِهِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُدَّانِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا فِي الْمَدِينَةِ لِضِيقِ أَقْوَاتِ أَهْلِهَا وَاخْتَارَ أَشْهَبُ بِمِصْرَ مُدًّا وَثُلُثًا وَاخْتَارَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ أَنَّهُ إنْ كَسَا الرِّجَالَ كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ وَهْبٍ مُدًّا وَنِصْفًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ لَسَعَةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ أَخْرَجَ بِهَا مُدًّا أَجْزَأَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَهُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ صَاعٌ وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ أَجْزَأَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ مُدَّانِ وَسَطَ شِبَعِ الْأَهْلِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْمُدَّ رِطْلَانِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ وَسَطِ طَعَامِ الْعِيَالِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي الْكَفَّارَةِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْمُدَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ غَدَّى الْمَسَاكِينَ وَعَشَّاهُمْ الْخُبْزَ وَالْإِدَامَ أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ حَتَّى يَشْبَعُوا وَلَا يُغَدِّيهِمْ الْخُبْزَ وَلَكِنْ بِإِدَامٍ مِنْ زَيْتٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ قُطْنِيَّةٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ بَقْلٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَاهُ اللَّحْمُ وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُغَدِّيَ الصِّغَارَ وَيُعَشِّيَهُمْ وَلَكِنْ إنْ أَعْطَاهُمْ فَلْيُعْطِهِمْ مَا يُعْطِي الْكِبَارَ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَ الصَّغِيرَ مِنْ الطَّعَامِ الْمَصْنُوعِ مِثْلَ مَا يَأْكُلُ الْكَبِيرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَ فَطِيمًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَرْضِعُ لَمْ يَتَغَذَّ الطَّعَامَ الْمَصْنُوعَ وَلَا يَتَأَتَّى بَيْعُهُ فِي الْأَغْلَبِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ حِنْطَةً يَتَأَتَّى لَهُ بَيْعُهَا وَانْتِفَاعُهُ بِهَا فِي غَيْرِ الْقُوتِ أَوْ ادِّخَارُهَا إلَى أَنْ تُضَافَ إلَى مِثْلِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَعْطَوْا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ نَصَّ مِنْهُ عَلَى تَجْوِيزِ إخْرَاجِ الْحِنْطَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَاَلَّذِي يُخْرِجُ فِي ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ مَا يَقْتَاتُهُ النَّاسُ غَالِبًا وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَالِبًا إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُوتِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّلْتِ وَالدَّخَنِ وَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ فَأَمَّا الْقَمْحُ فَمَنْ أَخْرَجَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَا يُتَقَوَّتُ وَأَمَّا الشَّعِيرُ فَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَقُوتُ النَّاسِ الْقَمْحُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِفَقْرٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قُوتُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبُخْلٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْحِنْطَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْحِنْطَةُ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بُخْلَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقَوُّتِ بِالْحِنْطَةِ بِعَادَةِ الْبَلَدِ وَحَالِهِ الَّتِي تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُخْرِجُ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِمَّا يُفْرَضُ عَلَى مِثْلِهِ وَإِذَا كَانَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ فَلْيُطْعِمْ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الذُّرَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ أَكَلَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْفِطْرِ يُخْرِجُ مِنْ جُلِّ عَيْشِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إذَا وَافَقَ قُوتُ الْمُخْرِجِ قُوتَ الْبَلَدِ فَهُوَ وِفَاقٌ وَإِنْ أَرَادُوا وَإِنْ خَالَفَ قُوتُ الْمُخْرِجِ قُوتَ الْبَلَدِ فَهُوَ خِلَافٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُخْرِجُ شَعِيرًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُطْعِمُ مِنْهُ فِي الْكَفَّارَةِ قَدْرَ مَبْلَغِ شِبَعِ الْقَمْحِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَقَوَّتْ الْحِنْطَةَ وَأَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ الشَّعِيرَ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُخْرِجَ الشَّعِيرَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُخْرِجُ السَّوِيقَ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصَبْغَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عَدَلَ بِهِ عَنْ وَجْهِ مَا يَتَقَوَّتُ عَلَيْهِ غَالِبًا كَمَا لَوْ اتَّخَذَ مِنْهُ الْعَصِيدَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّقِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِي إذَا أَعْطَى مِنْهُ قَدْرَ رِيعِهِ وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ فِي الْكَفَّارَاتِ الَّتِي يُطْعِمُ فِيهَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ وَجْهِ الِاقْتِيَاتِ الْمُعْتَادِ وَلَوْ أَطْعَمَ هَذَا الْمِقْدَارَ لَأَجْزَأَهُ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ أَصْبَغَ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَهُمْ الْخُبْزَ قِفَارًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ مِقْدَارَ الْمُدِّ مِنْ الْخُبْزِ وَأَمَّا إذَا أَطْعَمَهُمْ بِإِدَامٍ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْبِعَهُمْ لِلْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَإِنْ اسْتَوْعَبُوا ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ أَجْزَأَهُ مَا أَكَلُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُخْرِجُ التِّينَ وَلَا الْقُطْنِيَّةَ وَإِنْ كَانَ عَيْشَ قَوْمٍ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُوتٍ عِنْدَهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُوتٍ مُعْتَادٍ وَلَا شَائِعٍ فِي الْبِلَادِ وَقَدْ اسْتَوْعَبْت الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَلَمْ أَرَ أَصْحَابَنَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُ مَسَائِلِهِمْ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ كُلًّا فِي صَلَاتِهِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ اخْتَارَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْكِسْوَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُكَفِّرُ بِمَا يُصَلِّي فِيهِ فَقَالَ فِي الرِّجَالِ ثَوْبًا ثَوْبًا وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقَمِيصُ الَّذِي يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَالْجَسَدَ وَهَذَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضِ لِبَاسِ الصَّلَاةِ وَفَضْلِهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ إزَارًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعْطِيهِ إنْ شَاءَ قَمِيصًا وَإِنْ شَاءَ إزَارًا يُبَلِّغُهُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِهِ مُشْتَمِلًا وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الْقُمُصِ أَيْضًا وَأَمَّا الْإِزَارُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاشْتِمَالُ بِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي لِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَنَصُّ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ يَكْسُوهَا قَمِيصًا وَخِمَارًا لِأَنَّهُ لَا تُجْزِئُهَا الصَّلَاةُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (فَرْعٌ) وَمِنْ النِّسَاءِ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ فَيُجْزِي بَعْضَهُنَّ مِنْ الْقُمُصِ فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِهَا مَا لَا يُجْزِي بَعْضَهُنَّ لِطُولِهَا وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهَا فِي صَلَاتِهَا. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَسَا صِغَارَ الْإِنَاثِ فَلْيُعْطِهِنَّ دِرْعًا وَخِمَارًا وَالْكَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ لَا يُنْقَصُ مِنْهَا لِصَغِيرٍ وَلَا يُزَادُ لِكَبِيرٍ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ تُعْطَى الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الصَّلَاةَ الدِّرْعَ دُونَ خِمَارٍ فَإِذَا بَلَغَتْ الصَّلَاةَ أُعْطِيت الدِّرْعَ وَالْخِمَارَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعْطَى صِغَارُ الْإِنَاثِ مَا يُعْطَى الرِّجَالُ قَمِيصًا كَبِيرًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مَالٌ يَخْرُجُ فِي الْكَفَّارَةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارًا حَقُّ الصَّغِيرِ فِيهِ كَحَقِّ الْكَبِيرِ أَصْلُ ذَلِكَ الْإِطْعَامُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْكِسْوَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ مَنْ تُدْفَعُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِطْعَامِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ فِي الْإِطْعَامِ إذَا غُدُّوا وَعُشُّوا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْكُلُ شِبَعَهُ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْمُدِّ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَسَا صَبِيًّا صَغِيرًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعْطَى كُلُّ صَغِيرٍ مِثْلُ كِسْوَةِ الْكَبِيرِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ كِسْوَةُ الْأَصَاغِرِ بِحَالٍ وَكَانَ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ بِالصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَكْسُوَهُ قَمِيصًا مِمَّا يُجْزِيهِ فَعَلَى هَذَا يُعْطَى الصَّغِيرُ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ الْأَمْرِ الَّذِي بَلَغَ فِي الصَّلَاةِ قَمِيصًا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ دُونَ قَمِيصِ الرَّجُلِ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدَّ أَقَلِّ مَا يُعْطَى مَنْ صَغَرَ مِمَّنْ يُكْسَى عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِمَّنْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَفَّرَ بِالْكِسْوَةِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَالْمُخْتَارُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ كُلُّهَا كِسْوَةً أَوْ إطْعَامًا فَإِنْ كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً فَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ فَقَالَ يُجْزِيهِ وَأَظُنُّهُ قَوْلَ مَالِكٍ وَقَالَ لَا يُجْزِيهِ قَالَ أَشْهَبُ وَيُضِيفُ إلَى مَا شَاءَ مِنْهَا تَمَامَ الْعَشَرَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخْرَجَهُ مَصْرُوفٌ إلَى الْمَسَاكِينِ فَإِذَا كَانَ مِمَّا يُجْزِي الْكَفَّارَةُ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ إلَى مَا يُجْزِي مِنْهُ أَصْلُهُ إذَا كَانَتْ طَعَامًا كُلَّهَا أَوْ كِسْوَةً كُلَّهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَعْتِقُ الْمِرَارَ إذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَتَكَرَّرُ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَالتَّكْفِيرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَإِنِّي وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَنْ يَلِجَ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ

[جامع الأيمان]

جَامِعُ الْأَيْمَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْأَيْمَانُ وَتَكَرَّرَ الْحِنْثُ فِيمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ فِي بَعْضِهَا وَيُطْعِمَ فِي بَعْضِهَا وَيَكْسُوَ فِي بَعْضِهَا إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ كَفَّارَةٍ مُفْرَدَةٍ وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنْ أَطْعَمَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ فَأَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا عَنْ كَفَّارَتَيْنِ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَنْوِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مِسْكِينٍ أَعْطَاهُ عَنْ كَفَّارَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا وَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَنْوِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ تَنْصَرِفْ كَفَّارَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا إلَى يَمِينٍ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ كَفَّارَةٍ لِيَمِينٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَاحِدَةً مِنْ أَيْمَانِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَيْمَانٌ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مُدًّا مُدًّا عَنْ كَفَّارَةٍ ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ عَنْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَطْعَمَهُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَسَاهُمْ بَعْدَ أَنْ عَرَوَا مِنْ الْكِسْوَةِ الْأُولَى انْتَهَى. [جَامِعُ الْأَيْمَانِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» تَخْصِيصَانِ لِلنَّهْيِ بِالْحَلِفِ بِالْآبَاءِ أَحَدُهُمَا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهُ فَقَصَدَ إلَى النَّهْيِ عَنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَمِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فَقَصَدَهُ بِالنَّهْيِ ثُمَّ عَمَّ بَعْدَ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَقَصَرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِ تَعَالَى فَقَالَ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» فَخَيَّرَ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالصَّمْتِ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْمَنْعَ مِنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ خَيَّرَ فِيهِ بَلْ مَا تَقَدَّمَهُ عَنْ أَنْ يَحْلِفَ حَالِفٌ بِأَبِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ غَيْرَ مَا خَيَّرَ فِيهِ مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ خَاصَّةً فَمَنْ تَعَدَّاهُ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَّا إلَى الصَّمْتِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِفَ بِالشَّمْسِ وَلَا بِالْقَمَرِ وَلَا بِالنُّجُومِ وَلَا بِالسَّمَاءِ وَلَا بِالْأَرْضِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَنْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَقَدْ أَثِمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَآثَمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُظَاهِرَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا فَإِنْ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ بِمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] وَبِغَيْرِ ذَلِكَ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ تَقْدِيرَ ذَلِكَ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى يُخْتَصُّ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ مَعْبُودٌ. وَقَدْ أَعْلَمَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ عَلَيْنَا فَلَا يَجُوزُ لَنَا الْقَسَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّاتِي وَالْعُزَّى أَوْ بِالطَّوَاغِيتِ فَقَدْ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ حَنِثَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّاتِي وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَى أُقَامِرُك فَلْيَتَصَدَّقْ» وَمَا رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُعْتَقِدًا لِذَلِكَ وَلِذَلِكَ أَمَرَ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّاتِي وَالْعُزَّى وَأَظْهَرَ حَلِفًا ظَاهِرُهُ الْكُفْرُ أَنْ يُعَاوِدَ بِالتَّهْلِيلِ وَلَفْظِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُك وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْحِيدِ الَّذِي يَنْفِي الْكُفْرَ وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا مُوجِبُ قَوْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَقَرَنَ الْأَمْرَ بِهَا بِالْأَمْرِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ عَلَى سَبِيلِ الْقَسَمِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ الْقَسَمَ بِهِ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَنْفَرِدُ بِهِ تَعَالَى مِنْ تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ مِنْ الرِّضَا بِالشَّيْءِ إلَى الْكَرَاهِيَةِ وَمِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ إلَى الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ وَفِي ذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَأَوْصَافِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ الْحَالِفُ فَيَقُولُ لَا وَخَالِقِ الْخَلْقِ وَبَاسِطِ الرِّزْقِ وَمُدَبِّرِ الْأُمُورِ وَفَالِقِ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلِ اللَّيْلِ سَكَنًا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ» عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِقْلَاعِ عَنْ الذَّنْبِ وَتَرْكِ كُلِّ مَا كَانَ سَبَبًا إلَيْهِ فَقَدْ يَكُونُ مَقَامُهُ بِبَلَدِهِ أَوْ مَالُهُ بِهَا مِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ وَالْمَالُ سَبَبُ ذَلِكَ الذَّنْبِ. وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ بُعْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ لَمْ يُجَاوِرْهُ فَيَعِظُهُ وَيَنْهَاهُ وَيُعَلِّمُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ وَأُجَاوِرُك. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ (وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يُرِيدُ التَّقَرُّبَ بِذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشُّكْرَ لَهُ تَعَالَى عَلَى تَوْبَتِهِ بَعْدَ تَوَرُّطِهِ فِي الذَّنْبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُجْزِيك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْتَزَمَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ يُجْزِيك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ فِيهِ حُكْمٌ فَيُقَالُ لَهُ يُجْزِيك مِنْ ذَلِكَ كَذَا وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدُ لَقَالَ تَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِكِ وَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِك الْبَاقِي لِيَكْفِيَك عَنْ الْحَاجَةِ إلَى النَّاسِ كَمَا «قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ لَا قُلْت بِالشَّطْرِ؟ قَالَ لَا قُلْت بِالثُّلُثِ؟ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ» . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ فَقَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُخْرِجُ جَمِيعَهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يُخْرِجُ جَمِيعَ مَالِهِ وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ فَإِنَّهُ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوْجَبَهُ بَعْدُ وَأَنَّ مَعْنَى يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ أَنَّهُ يُجْزِئُكَ مِنْ غَايَةِ النِّهَايَةِ فِيمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ إخْرَاجَ الْإِنْسَانِ جَمِيعَ مَالِهِ ابْتِدَاءً وَيَبْقَى عَالَةً مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ اسْتِبْقَاءُ أَكْثَرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَهَذَا فِيمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً فَأَمَّا مَا قَدْ الْتَزَمَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَالطَّلَاقِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُ وَاحِدَةٌ فَإِنْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَزِمَتْهُ. وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ «يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ» وَظَاهِرُهُ مَا قُلْنَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ اسْتِيعَابَ الْمَالِ بِالصَّدَقَةِ مَمْنُوعٌ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ هَذَا الْمَنْعُ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَأَنْ لَا يَبْطُلَ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ النَّقْصَ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ جَمِيعِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْمَالِ يُجْحِفُ بِهِ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَفَّارَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمِينٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الْتِزَامٌ لَا ذِكْرَ فِيهِ لِلْيَمِينِ وَلَا يُصْرَفُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِلْقُرْبَةِ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا عَلَّقَ الصَّدَقَةَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ فَإِنْ عَلَّقَهَا عَلَى جُزْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ غُرْمَ جَمِيعِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ مَالِهِ كَقَوْلِهِ الرُّبُعُ أَوْ النِّصْفُ أَوْ التِّسْعَةُ أَعْشَارٍ لَزِمَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ مِنْهُ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي النَّوَادِرِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَقْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الثُّلُثِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ حَلِفَهُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ قَدْ تَنَاوَلَ لَفْظَ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِيعَابِ غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ وَإِذَا عَلَّقَهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ عَلَّقَهُ عَلَى جُزْءٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الْجُمْلَةِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ بِمَنْزِلَةِ التَّعَيُّنِ وَالتَّعَيُّنُ أَقْوَى فِي تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهِ مِنْ الْمُطْلَقِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إخْرَاجُ مَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِيعَابِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ إبْعَاضِهِ فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ جَمِيعُ مَالِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ جَمِيعِهِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُجْزِئُهُ الثُّلُثُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْأَحْكَامِ بِمُعَيَّنٍ يَقْتَضِي مِنْ اخْتِصَاصِهَا بِهِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ تَعْلِيقُهَا بِلَفْظٍ عَامٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ لَقَدْ رَأَى بَنِي زَيْدٍ كَانَ صَادِقًا إذَا رَأَى بَعْضَهُمْ وَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ وَإِذَا قَالَ لَمْ أَرَهُمْ وَأَرَادَ بِذَلِكَ جَمِيعَهُمْ كَانَ صَادِقًا فَإِذَا رَأَى بَعْضَهُمْ وَأَرَادَ الْجَمِيعَ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِجَمِيعِهِمْ فِي تَعْلِيقِ الرُّؤْيَةِ بِجَمِيعِهِمْ وَنَفْيِهَا عَنْهُمْ وَإِذَا عَيَّنَ زَيْدًا اخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِ اخْتِصَاصًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَلَا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّخْصِيصِ مَا احْتَمَلَهُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ فَلِذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْجَمِيعَ وَيَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَإِنْ كَانَ فِي الْجَمِيعِ أَظْهَرُ، وَإِذَا عَيَّنَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا لَزِمَهُ إخْرَاجُ جَمِيعِهِ لِأَنَّ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَلِفَ مُعَيَّنٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ فَلَزِمَهُ لِذَلِكَ إخْرَاجُ جَمِيعِهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحَلِفَ بِصَدَقَةِ جَمِيعِ الْمَالِ يَقْتَضِي الرَّدَّ إلَى الثُّلُثِ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِجَمِيعِ مَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ عَدَدٍ مِنْ مَالِهِ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ بِصَدَقَةِ مِائَةِ دِينَارٍ مِنْ مَالِهِ، لَزِمَهُ إخْرَاجُ جَمِيعِهَا وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا مَالُهُ بَقِيَ بَاقِي ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ التَّعْيِينِ وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُ وَيَجِبُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنْ يُرَدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى ثُلُثِ الْمَالِ مَا لَا يَلْزَمُهُ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ثُلُثٌ وَاحِدٌ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ يُخْرِجُ عَنْ الْيَمِينِ الْأُولَى ثُلُثَ مَالِهِ ثُمَّ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ عَنْ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْيَمِينَ بِصَدَقَةِ الْمَالِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرَّدِّ إلَى الثُّلُثِ فَمَتَى تَكَرَّرَتْ لَمْ يَقْضِ إلَّا ثُلُثًا وَاحِدًا، أَصْلُ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِوَصِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ جَمِيعِ مَالِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ ثُلُثٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مِنْهَا يَمِينُ صَدَقَةٍ بِمَالٍ فَكَانَ لَهَا حُكْمُهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ فِي شَيْءٍ لَيَتَصَدَّقَنَّ عَلَى فُلَانٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ حَلَفَ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَيَتَصَدَّقَنَّ عَلَى فُلَانٍ بِدِرْهَمٍ لَثَبَتَ حُكْمُ الْيَمِينِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ثُلُثٌ وَاحِدٌ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ أَيْمَانُهُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَحَنِثَ فِيهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ حَنِثَ بَعْدَ حِنْثٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ثُلُثٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ ثُمَّ يَحْلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَنِثَ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ ثُلُثَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً فَإِمَّا أَنْ يَحْنَثَ وَلَا يُخْرِجُ الثُّلُثَ حَتَّى يَحْنَثَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا ثُلُثٌ وَاحِدٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ وَمَالُهُ عَلَى مِقْدَارِهَا ثُمَّ حَنِثَ وَقَدْ زَادَ مَالُهُ أَوْ نَقَصَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ مِمَّا كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْيَمِينِ دُونَ النَّمَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ سَوَاءٌ زَادَ مَالُهُ بِتِجَارَةٍ أَوْ فَائِدَةٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ يَزِيدَ بِوِلَادَةٍ فَيُخْرِجُ ثُلُثَ الْأَوْلَادِ مَعَ ثُلُثِ الْأُمَّهَاتِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ فِيمَا كَانَ

(ص) : مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ (يُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْلِكُهُ يَوْمَ الْيَمِينِ فَأَمَّا مَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ يَمِينُهُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِلْكٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمَّهَاتِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ إلَى حِينِ الْوِلَادَةِ فَيُعَلَّقُ بِمَا تَلِدُهُ أَصْلُ ذَلِكَ تَمَلُّكُ الْحَالِفِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَقَصَ مَالُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْحِنْثِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا وَهَذَا إذَا ذَهَبَ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا أَنْفَقَ مِنْهُ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَهَبَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَا يَضُرُّ التَّفْرِيطُ بَعْدَ الْحِنْثِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَضْمَنُ بِالتَّفْرِيطِ بَعْدَ الْحِنْثِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّفْرِيطُ إذْ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ فَتَأْخِيرُ إخْرَاجِهَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلِأَنَّهُ جُزْءُ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجَهَا فَلَزِمَهُ بِالتَّفْرِيطِ كَالزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ الْحِنْثِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتْبَعُ بِهِ دُنْيَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ كَزَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى ذَهَبَ الْمَالُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهَا وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِهَا وَإِنْ أَنْفَقَهَا لِضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ إلَيْهَا لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ كَمَا لَمْ يَأْثَمْ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي رَمَضَانَ إذْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَاجَتِهِ إلَيْهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهَا أَهْلَهُ وَنَحْنُ نَتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ فَإِنْ أَنْفَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ أَصْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَا تَقَدَّمَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي مِصْرَ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالٍ فَحَنِثَ وَلَهُ عَيْنٌ وَرَقِيقٌ وَحُبُوبٌ فَلْيُخْرِجْ ثُلُثَ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَيْنَ خَاصَّةً قَالَ أَشْهَبُ وَيُخْرِجُ ثُلُثَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مُدَبَّرِهِ وَلَا مُعْتَقِهِ إلَى أَجَلٍ إلَّا أَنْ يُؤَاجِرَهُمْ فَيُخْرِجُ ثُلُثَ الْأُجْرَةِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ خِدْمَتَهُمْ مَالٌ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أَجَّرَهُمْ أَخْرَجَ ثُلُثَ الْأُجْرَةِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُؤَاجِرْهُمْ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا بِالْإِجَارَةِ فَهُوَ شَيْءٌ يُسْتَفَادُ بَعْدَ الْيَمِينِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا كِتَابَةُ مُكَاتَبِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُخْرِجُ ثُلُثَ قِيمَةِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُونَ نَظَرَ إلَى قِيمَةِ رِقَابِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْكِتَابَةِ أَخْرَجَ الْفَضْلَ وَقَالَ أَشْهَبُ يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِينَ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَخْرَجَ ثُلُثَهُ وَمَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ فِيهِ شَيْءٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ كُلَّهُ عَنْهُمَا. (ش) : قَوْلُهُ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ الرِّتَاجُ الْبَابُ قَالَهُ مَالِكٌ وَالْحَطِيمُ مَا بَيْنَ الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ بَعْضِ الْحَجَبَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَطِيمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ وَعَلَيْهِ يُحَطَّمُ النَّاسُ فَمَنْ قَالَ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَأَخَذَ بِهِ مَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَرَى أَنْ يُسْأَلَ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ مَالُهُ لِلْكَعْبَةِ فَلْيَدْفَعْ ثُلُثَهُ إلَى خَزَنَتِهَا يَصْرِفُ فِي مَصَالِحِهَا فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا أَقَامَ السُّلْطَانُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا بِذَلِكَ وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَأْوِيلًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ يَمِينُهُ خَارِجَةً عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ مُفَسِّرَةٌ عَرِيَتْ عَنْ اسْمِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ قَالَ يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَلِكَ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ وَصِفَاتِهِ نُطْقًا وَنِيَّةً وَعُرْفًا فَلَمْ يَجِبْ بِهَا كَفَّارَةٌ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا نَذَرَ الْقِيَامَ أَوْ الْقُعُودَ أَوْ الْإِنْفَاقَ لِغَيْرِ وَجْهٍ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ وَلَا يُنْقَضُ الْبَابُ فَيُجْعَلُ مَالُ هَذَا فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَكَذَا مَنْ قَالَ مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي رِتَاجَ الْكَعْبَةِ أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ الْحَطِيمَ أَوْ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ حِمْلَانِ ذَلِكَ عَلَى عُنُقِهِ وَلَوْ أَرَادَ حِمْلَانَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ لَا يَحْمِلَهُ إلَّا رَاجِلٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَقُولُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَحْنَثُ يَجْعَلُ ثُلُثَ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الَّذِي يَلْزَمُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ مَا يُغْنِي عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ ذَلِكَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ سَوَاءٌ جَعَلَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنٍ أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّمَا يُجْبَرُ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُجْبَرْ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَبَرَّعَ بِالْتِزَامِهِ فَأُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ الْمُطَالَبَةَ بِهِ وَتَلْزَمُهُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَيُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ سَبِيلِ بِرٍّ فَإِنَّ جَمِيعَ سُبُلِ الْبِرِّ سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ جَرَى عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ لَهَا فِي الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ حُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجِهَادِ فَلْيُعْطِ فِي السَّوَاحِلِ وَالثُّغُورِ قِيلَ لَهُ فَيُعْطِي فِي جُدَّةَ فَقَالَ لَا وَلَمْ يُرَ جُدَّةَ مِثْلُ سَوَاحِلِ الرُّومِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِهِ ثُغُورَ الْإِسْلَامِ قِيلَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي جُدَّةَ خَوْفٌ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَلَمْ يَكُنْ يَرَى جُدَّةَ مِنْ السَّوَاحِلِ الَّتِي يُرَابِطُ فِيهَا يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَكَانٍ يُخَافُ لِمُسَالَمَةِ مَنْ يُجَاوِرُهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ وَإِمْسَاكِهِمْ عَنْ غَزْوِهِمْ وَأَذَاهُمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أَجْعَلَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلْيَجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبِيعَهُ وَيَدْفَعَ ثَمَنَهُ إلَى مَنْ يَغْزُو مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وَجَدَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَعَثَ بِثَمَنِهِ إلَى الثُّغُورِ وَمَوَاضِعِ الْغَزْوِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِمَّا يُصْرَفُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَنْفُذَ بِهِ وَلَا يَبِيعَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مَا نَذَرَهُ أَوْ حَلَفَ بِهِ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا أَنْفَذَهُ بِعَيْنِهِ إنْ وَجَدَ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِبُعْدِ الْمَكَانِ وَعِظَمِ الْمُؤْنَةِ فِي نَقْلِهِ بَاعَهُ وَأَنْفَذَ ثَمَنَهُ يَصْرِفُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْأَدَاةِ وَالْكُرَاعِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا نَذَرَ يَصْلُحُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي نَذَرَهُ فِيهِ تَعَلَّقَ النَّذْرُ بِعَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمَوْضِعُ وَتَعَذَّرَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لَزِمَ بَيْعُهُ بِثَمَنٍ يُمْكِنُ إيصَالُهُ وَيَسْهُلُ حَمْلُهُ فَإِذَا وَصَلَ حَمْلُهُ نُقِلَ إلَى صِفَةِ الْأَصْلِ لَمَّا كَانَتْ صِفَةً يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَبَلَغَ الثَّمَنُ فَإِنْ قَصَرَ الثَّمَنُ فَفِيمَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهَا أَوْ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ سَيْفًا فَيَقْصُرُ ثَمَنُهُ عَنْ سَيْفٍ يُشْتَرَى بِهِ هُنَاكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ رُمْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَرْبِ وَيَبْلُغُهُ ثَمَنُ مَا بِيَع بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب النكاح]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنُ إلَيْهِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ تَرَاضَيَا فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ وَلَمْ تَرْكَنْ إلَيْهِ أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ النِّكَاحِ] [مَا جَاءَ فِي خِطْبَةِ النِّسَاءِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ النِّكَاحِ مَا جَاءَ فِي خِطْبَةِ النِّسَاءِ الْخِطْبَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَا يُورَدُ مِنْ الْخَطْبِ فِي اسْتِدْعَاءِ النِّكَاحِ وَالْإِجَابَةِ إلَيْهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْخُطْبَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْخِطْبَةُ فِيمَا لَهُ أَوَّلُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْخِطْبَةَ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَا يَجْرِي مِنْ الْمُرَاجَعَةِ وَالْمُحَاوَلَةِ لِلنِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَدْعَى بِهِ النِّكَاحُ مِنْ الْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَلَّفًا عَلَى نَظْمِ الْخُطَبِ فَيُقَالُ فُلَانٌ يَخْطُبُ فُلَانَةَ إذَا اسْتَدْعَى نِكَاحَهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ لَفْظٌ يُسَمَّى خِطْبَةً وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَلَمْ يَعْنِ بِالْخِطْبَةِ الْكَلَامَ الْمُؤَلَّفَ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا يَتَرَاجَعُ بِهِ الْقَوْلُ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ ذَلِكَ وَمُرَاوَضَتِهِ وَالْخِطْبَةُ فِي اسْتِدْعَاءِ النِّكَاحِ مَشْرُوعَةٌ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ دَاوُد هِيَ وَاجِبَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي لَمْ يَجِدْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ نَهَى أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً قَدْ خَطَبَهَا أَخُوهُ الْمُسْلِمُ وَرَضِيَتْ بِهِ وَوَافَقَتْهُ عَلَى صَدَاقٍ مَعْلُومٍ» وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ مَعْلُومٍ عَلَى رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَظْهَرَتْ الرِّضَا بِالرَّجُلِ فَقَدْ نُهِيَ غَيْرُهُ عَنْ أَنْ يَخْطُبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ لَمْ تَكْمُلْ بَعْدُ وَإِنَّمَا تَكْمُلُ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ بِفَرْضِ الصَّدَاقِ وَذَلِكَ أَنَّ كَثْرَةَ الصَّدَاقِ قَدْ تُرَغِّبُهَا فِيمَنْ تَزْهَدُ فِيهِ كَمَا أَنَّ قِلَّتَهُ قَدْ تُزَهِّدُهَا فِيمَنْ تَرْغَبُ فِيهِ وَهُوَ عِوَضُ بُضْعِهَا وَمُعْظَمُ مَا يَبْذُلُهُ زَوْجُهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ الصَّدَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَتِهِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَوُجِدَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ وَإِظْهَارِ الرِّضَا فَقَدْ مُنِعَ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنْ خِطْبَتِهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِيجَابُ بَعْدُ وَهَذَا مَعَ تَكَافُؤِ حَالَتَيْ الرَّجُلَيْنِ فِي الدِّينِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ غَيْرَ مَرَضِيِّ الدِّينِ وَكَانَ الثَّانِي مَرْضِيًّا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنِّي لَا أَرَى عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي مِثْلِ هَذَا شَيْئًا وَلَا أَرَى الْحَدِيثَ إلَّا فِي الرَّجُلَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ وَأَمَّا صَالِحٌ وَفَاسِقٌ فَلَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُؤَدَّبُ وَإِنْ عَقَدَ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ أَوْ لَا رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235] أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إنَّك عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُفْسَخُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا يُفْسَخُ بَعْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْفَسْخُ وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِطْبَةِ دُونَ النِّكَاحِ فَلَمْ يَقْتَضِ فَسَادَ عَقْدِ النِّكَاحِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُفْسَخُ فَقَدْ رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِهَذَا الْعَاقِدِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَعْرِضُهَا عَلَى الْخَاطِبِ أَوَّلًا فَإِنْ حَلَّلَهُ رَجَوْت لَهُ فِي ذَلِكَ مَخْرَجًا فَإِنْ أَبَى فَلْيُفَارِقْهَا فَإِنْ نَكَحَهَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَلِهَذَا أَنْ يَأْتَنِفَ مَعَهَا نِكَاحًا قَالَ عِيسَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُحَلِّلْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ لَهُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُحَلِّلْهُ مِنْهُ فَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَرَا عَنْ الْكَرَاهِيَةِ وَإِنْ أَبَى فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا بِالْفَرْقِ فَإِنْ نَكَحَهَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَهَذَا الثَّانِي أَحَدُ الْخُطَّابِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِرَاقَهُ إيَّاهَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ نِكَاحِ الْأَوَّلِ حِينَ خُطْبَةِ الثَّانِي وَلَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِمُخَالَفَتِهِ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَلَمْ يُوَافِقْهَا يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ الْمَبْلَغَ الَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا فِيمَا يَمْنَعُ الْخِطْبَةَ أَوْ لَمْ يُوَافِقْهَا وَأَظْهَرَتْ وُدَّهُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ هَذِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا سِوَاهُ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَضَرَّةَ هَذَا كَانَتْ تَعُمُّ وَتَشِيعُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ مَنْ لَا تَرْضَاهُ وَلَا تُرِيدُهُ بَلْ تَرُدُّهُ فَإِذَا امْتَنَعَ عَلَى النَّاسِ خِطْبَتُهَا وَالتَّعَرُّضُ لَهَا بِذَلِكَ فَقَدْ قُصِرَتْ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي كَرِهَتْهُ وَعَلَى الرِّضَا بِمَا بَذَلَهُ لَهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَهْرٍ لَهَا وَهَذَا مِمَّا يَعْظُمُ فَسَادُهُ. (ش) : مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي عَلَيْك لَحَرِيصٌ تَعْرِيضٌ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الَّذِي أَبَاحَهُ الْبَارِي تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] . وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي» وَفِي غَيْرِ الْمُوَطَّإِ «فَلَا تُفَوِّتِينَا بِنَفْسِك» قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا يُعَرِّضُ الْمُعَرِّضُ بِالْخِطْبَةِ لِيُفْهَمَ مُرَادُهُ كَالتَّجَاوُبِ يُنْسَبُ التَّعْرِيضُ إلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ الْمُعَرِّضَ بِالنِّكَاحِ اقْتَضَى الْجَوَابَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُوَاعَدَةَ ثُمَّ أَجَابَهُ الَّذِي زَوَّجَهُ بِتَعْرِيضٍ يُفْهَمُ مِنْهُ الْإِجَابَةُ لَكُرِهَ ذَلِكَ وَيَدْخُلُ فِي بَابِ الْمُوَاعَدَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُهْدِي إلَيْهَا الْهَدِيَّةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُفْتِي بِهِ إلَّا مَنْ تَحْجِزُهُ التَّقْوَى عَمَّا وَرَاءَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ تَصْرِيحٌ بِالنِّكَاحِ وَلَا مُوَاعَدَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ إظْهَارُ الْمَوَدَّةِ كَقَوْلِهِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي عَلَيْك لَحَرِيصٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَمْلِكُ أَمْرَهَا قَالَ. وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ عَطَاءٌ فَنَهَى عَنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ بِالنِّكَاحِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَاعِدَ بِهِ الْمَرْأَةُ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ وَالْعِدَّتَانِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ قَالَ وَسَأَلْت عِيسَى عَنْ الْإِطْلَاعِ لِلنَّظَرِ فَقَالَ قَدْ جَاءَتْ فِيهِ رُخْصَةٌ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَاهُ خَوْفًا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا فَيَدْخُلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ

[استئذان البكر والأيم في أنفسهما]

اسْتِئْذَانُ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مُغْتَفِلًا لَهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا وَأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي مُنِعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بَعْدَ إعْلَامِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا مَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [اسْتِئْذَانُ الْبِكْرِ وَالْأَيِّمِ فِي أَنْفُسِهِمَا] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْأَيِّمِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا قَطُّ فَلَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اللَّفْظُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْأَيِّمَ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا بَالِغًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ فَيَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ الْبِكْرَ ذَاتَ الْأَبِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى الثَّيِّبِ وَعَلَى الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ وَمَا تَقَدَّمَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ تَخْصِيصٍ وَرِوَايَةُ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ تُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا إنْكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا مِمَّنْ تَرْضَاهُ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا نِكَاحًا وَلَا تُبَاشِرَهُ وَلَا أَنْ تَضَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَا أَنْ تُوَلِّي ذَلِكَ غَيْرَ وَلِيِّهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ أَنَّهَا إنْ كَرِهَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَرِهَهُ الْوَلِيُّ وَرَغِبَتْهُ الْأَيِّمُ عُرِضَ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَقْدُ فَإِنْ أَبَى عَقَدَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ السُّلْطَانُ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ وَلِيِّهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُرِيدُ الْبِكْرَ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُسْتَأْذَنُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ فِيهِ «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا» وَصَوَابُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامٌ إذَا انْفَرَدَ قَوْلُهُ غَلَبَ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى خِلَافِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ فِيهِ «وَالْيَتِيمَةُ تَسْتَأْمِرُ» وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْفَضْلِ لِعِلْمِهِ بِالْمُرَادِ بِهِ كَانَ مَرَّةً يَقُولُ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» وَمَرَّةً يَقُولُ «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ» . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ» وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ زِيَادَةَ بْنِ سَعْدٍ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» بِمِثْلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ رِوَايَةِ زِيَادٍ لَحَمَلْنَا عَلَى الْبِكْرِ الْمُعَنَّسَ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّتِي تُسْتَأْذَنُ هِيَ الْبِكْرُ الْبَالِغُ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لَا إذْنَ لَهَا فَالْإِنْكَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ بِكْرٌ بَالِغٌ تُنْكَحُ وَتُسْتَأْذَنُ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا وَصِيُّهَا أَوْ وَلِيُّهَا وَبِكْرٌ لَا تُنْكَحُ وَلَا تُسْتَأْذَنُ وَهِيَ الْيَتِيمَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ فَإِنَّ الْيَتِيمَةَ لَا تُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ لَا يَصِحُّ إذْنُهَا فَلَا يَصِحُّ إنْكَاحُهَا وَهَذَا فِي ذَاتِ الْقَدْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لِوَصِيٍّ وَلَا لِوَلِيٍّ إنْكَاحُ صَغِيرَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ ذَلِكَ أَبَدًا وَإِنْ طَالَ وَكَانَ الْوَلَدُ وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَتَقَادَمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَيَمْضِي وَقَالَ أَصْبَغُ حَتَّى يَتَقَادَمَ وَتَلِدَ الْأَوْلَادَ وَلَمْ يَرَ التَّمَادِي عَشَرَةَ أَشْهُرٍ طُولًا مَعَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُحْتَاجَةُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَبْلُغَ الْمَحِيضَ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي بِنْتِ عَشْرِ سِنِينَ تَطُوفُ وَتَسْأَلُ النَّاسَ زُوِّجَتْ فِي غَنِيٍّ بِرِضَاهَا وَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الصَّغِيرَةِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ. (فَصْلٌ) : وَبِكْرٌ تُنْكَحُ وَلَا تُسْتَأْذَنُ وَهِيَ الْبِكْرُ ذَاتِ الْأَبِ فَإِنَّ الْأَبَ يُجْبِرُهَا عَلَى النِّكَاحِ دُونَ إذْنِهَا وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا فَحَسَنٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَحَبُّ لِلْأَبِ مُؤَامَرَةُ الْبِكْرِ وَيَذْكُرُ لَهَا الزَّوْجَ وَيَخْتَبِرُ مِنْ الْأُمِّ وَمِنْ غَيْرِهَا رِضَاهَا أَوْ كَرَاهِيَتَهَا وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ شَاوَرَهَا فَحَسَنٌ وَلَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَحَدُّ الْبُلُوغِ الْمُعْتَبَرِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ الْمَحِيضُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ بُلُوغُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فَتَكُونُ كَالْبَالِغِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنْبَاتِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُحْتَاجَةِ إنْ أَنْبَتَتْ أَوْ شَارَفَتْ زَوَّجَهَا الْوَصِيُّ أَوْ الْوَالِي بِرِضَاهَا وَقَالَهُ أَصْبَغُ مَرَّةً وَقَالَ مَرَّةً بَلْ حَتَّى تَبْلُغَ وَيُفْسَخُ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ أَنْبَتَتْ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُفْسَخُ إذَا أَنْبَتَتْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا خَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبِكْرَ بِهَذَا الْحُكْمِ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَلِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُهُنَّ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ النُّطْقِ بِذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَا تُسْأَلُ الْيَتِيمَةُ قَطْعًا بِالرِّضَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَى الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي ذَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَأَمَّا الْيَتِيمَةُ فَإِنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ النُّطْقِ بِالرِّضَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ أَنْ تَسْكُتَ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ «وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» وَاَلَّتِي لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ مِنْ الْأَبْكَارِ هِيَ الْيَتِيمَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصُمَاتُ الْبِكْرِ يَقْتَضِي رِضَاهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا تَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ. وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنْ تَعْلَمَ الْبِكْرُ أَنَّ إذْنَهَا صُمَاتُهَا لِئَلَّا تَجْهَلَ ذَلِكَ فَتَصْمُتُ فِي الْكَرَاهِيَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُقَالُ لَهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ إنْ رَضِيت فَاصْمُتِي وَإِنْ كَرِهْت فَانْطِقِي وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِذْنِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْقُرْطُبِيِّ وَيُطِيلُوا الْقِيَامَ عِنْدَهَا قَلِيلًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَبْهَتَ وَتَخْجَلَ فِي دُخُولِهِمْ عَلَيْهَا فَيَمْنَعُهَا مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْإِنْكَارِ فَيُطَالُ الْمَقَامُ عِنْدَهَا قَلِيلًا لِتَسْتَدْرِكَ مَا تُرِيدُهُ وَأَمَّا الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَيُبَلِّغُهَا فَتَسْكُتُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ رِضَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ لِوَلِيِّهَا فِي إنْكَاحِهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنُّطْقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ قَالَتْ لَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَإِنْ قَالَتْ قَدْ رَضِيت جَازَ ذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ إنْكَارَهَا بِالْقَوْلِ دُونَ الصَّمْتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّهَا إنْ نَفَرَتْ أَوْ بَكَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ ظَهَرَ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ النِّكَاحِ فَلَا تُنْكَحُ مَعَ ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا تَنْكِحَ نَفْسَهَا وَالثَّانِي أَنْ لَا يَنْكِحَهَا مِنْ النَّاسِ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا مَمْنُوعٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ امْرَأَةٍ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ شَابَّةً كَانَتْ أَوْ عَجُوزًا غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً شَرِيفَةً كَانَتْ أَوْ وَضَيْعَةً إلَّا بِوَلِيٍّ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَأَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُنَا أَنَّهَا لَا تَنْكِحُ نَفْسَهَا فَهُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ نِكَاحَهَا وَتَكُونُ وَلِيًّا لِغَيْرِهَا إذَا كَانَتْ عَاقِلَةً رَشِيدَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] فَلَنَا مِنْ الْآيَةِ دَلِيلَانِ الظَّاهِرُ وَالسَّبَبُ فَأَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ تَعَالَى نَهَى الْأَوْلِيَاءَ عَنْ مَنْعِ النِّسَاءِ النِّكَاحَ عِنْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ فَلَوْلَا أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلرَّجُلِ فِي الْعَقْدِ لَمَا صَحَّ الْعَضْلُ وَالْمَنْعُ مِنْ النِّكَاحِ كَمَا لَا يَصِحُّ مَنْعُهُنَّ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِنَّ وَأَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ يُونُسَ «عَنْ الْحَسَنِ {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] قَالَ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ: زَوَّجْت أُخْتِي لِرَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْت لَهُ زَوَّجْتُك وَقَدَّمْتُك وَأَكْرَمْتُك فَطَلَّقْتهَا ثُمَّ جِئْت تَخْطُبُهَا لَا وَاَللَّهِ لَا تَعُودُ إلَيْك أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] قُلْت الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ» وَالرَّجُلُ الْمَذْكُورُ هُوَ فَثَبَتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَضْلَ هُوَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ إنْكَاحِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْعًا لَهَا مِنْ النِّكَاحِ وَإِلَّا لَمْ تَحْتَجْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُرِيدُ زَوْجَهَا إلَى إنْكَاحِ مَعْقِلٍ لَهَا كَمَا لَمْ يَكُنْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيمَا تُرِيدُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا وَإِنْ تَشَاجَرَا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةٌ مِنْ جِهَةِ الْأُنُوثَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ مِنْهَا عَقْدُ النِّكَاحِ أَصْلُهُ الصَّغِيرَةُ وَالْأَمَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ فَالْوِلَايَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَاصَّةً وَعَامَّةً فَالْخَاصَّةُ عَلَى قِسْمَيْنِ وِلَايَةُ نَسَبٍ وَوِلَايَةُ حُكْمٍ فَأَمَّا وِلَايَةُ النَّسَبِ فَهِيَ لِكُلِّ عَاصِبٍ لِلْمَرْأَةِ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْجَدِّ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ إذَا كَانَ لَهُ تَعْصِيبٌ وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا وَلَاءٌ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَوْلَى مِنْ الْعُصْبَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ وَالْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ يَعْقِدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْصِيبٌ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ بِالنَّسَبِ عَلَى نَوْعَيْنِ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ وَقَرَابَةٌ لَيْسَتْ بِقَرِيبَةٍ فَالْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ كَالِابْنِ وَبَنِيهِ وَالْأَبِ وَآبَائِهِ وَالْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ دَنِيَّةٌ وَأَوْلَاهُمْ بِذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ الِابْنُ ثُمَّ الْأَبُ وَوَجَدْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ الِابْنِ وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِابْنَ أَقْوَى تَعْصِيبًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ بِالْوَلَاءِ الَّذِي يُسْتَفَادُ بِالتَّعْصِيبِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ تَعْصِيبُهُمَا بَطَل تَعْصِيبُ الْأَبِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِابْنَ لَا يَنْتَسِبُ إلَيْهِ وَلَا يَنْتَسِبَانِ إلَى شَخْصٍ وَالْأَبُ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْجَدَّ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْإِخْوَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ بَعْدَ الْإِخْوَةِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْجَدُّ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُصْبَةً فَالْمَوْلَى مَنْ فَوْقُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْقُعْدَدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ إلَى أَفْضَلِهِمْ وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْفَضْلِ فَإِلَى أَسَنِّهِمْ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِكَ فَإِلَى جَمِيعِهِمْ يَجْتَمِعُونَ فَيَعْقِدُونَ عَلَيْهَا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ إذَا اخْتَلَفُوا وَهُمْ فِي الْقُعْدَدِ سَوَاءٌ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَيَنْظُرُ فِيهِ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يُرِيدُ أَنَّ الْوَلِيَّيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فَمَنْ رَضِيَتْ هِيَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ دُونَ السُّلْطَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ إنْ اخْتَلَفُوا وَهُمْ فِي الْقُعْدَدِ سَوَاءٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرَ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَقُلْ خَيَّرْت الْمَرْأَةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا أَنْفَذَ الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْعَاقِدِ وَأَمَّا إنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ سَبَقَ أَحَدُهُمْ فَقَدْ مَضَى؛ اسْتَوَوْا فِي الْفَضْلِ أَوْ اخْتَلَفُوا وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَخْلِفَ عَلَى نَفْسِهَا وَلِيًّا وَلَا غَيْرَهُ لِأَنَّ الْوَلِيَّ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا لَهُ حِينَ قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَإِنَّمَا إلَى الْمَرْأَةِ الرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالْمَهْرِ وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَلِيِّ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كِتَابِهِ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ مَنْعُهُ مِنْهُ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَلَهَا أَنْ تَخُصَّ بِهِ مَنْ شَاءَتْ مِنْ أَوْلِيَائِهَا بِحَقِّ النَّظَرِ لَهَا وَلَا يَخْلُو مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْأَوْلِيَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَقَدَ الْأَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَنْفَدُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا الْأَبُ دُونَ الِابْنِ أَوْ زَوَّجَهَا الْأَخُ دُونَ الْأَبِ أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا لَمْ يُفْسَخْ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْقَرَابَةِ وَهِيَ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَرِيبَةٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا هُوَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ ابْنُ الْعَمِّ أَوْ الْمَوْلَى وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ الْأَوْلَى مِنْ عُصْبَتِهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعَشِيرَةَ قَدْ تَعْظُمُ فَإِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ مِنْ الْبَطْنِ الَّتِي هِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ بَطْنِ مَنْ أَعْتَقَهَا لِأَنَّ الْبَطْنَ أَلْصَقُ مِنْ الْعَشِيرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ إذَا تَبَاعَدُوا جِدًّا مِثْلُ ابْنِ عَمٍّ غَيْرَ دَنِيَّةٍ وَالْمَوْلَى فَذَلِكَ فِيهِمْ أَسْهَلُ لَا بَأْسَ أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ذُو الْحَالِ وَالسِّنِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَقْرَبَ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَرَابَاتِ إذَا تَبَاعَدَتْ حَتَّى يَضْعُفَ التَّعْصِيبُ وَسَبَبُ الْغَيْرَةِ وَلُحُوقُ الْعَارِ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ الصَّلَاحُ وَالدِّينُ وَالْحَالُ الْمَانِعَةُ مِنْ الرِّضَا بِالدَّنِيَّاتِ وَتَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِي النُّصْحِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ عَقَدَ الْأَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ لَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ أَوْلَى مِنْهُ حَاضِرٌ فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ آخَرُونَ لِلْأَبِ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُجِيزَ إلَّا أَنْ يُطِيلَ مُكْثَهَا وَتَلِدَ مِنْهَا أَوْلَادًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ حَاضِرًا يَصْلُحُ أَنَّ غَيْرَهُ عَقَدَ عَلَى وَلِيَّتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ مِنْهُ عَلَى الرِّضَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَوْ السُّلْطَانُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ لَهُ حُكْمٌ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا مَعَ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَأَمَّا مَعَ الْوَلِيِّ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ وَسَأَلْته أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى يَسْأَلَ أَلَهَا وَلِيٌّ أَمْ لَا فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِأَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا مِنْ جِيرَانِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا يُزَوِّجُهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ لَمْ يُزَوِّجْهُ حَتَّى يَدْعُوَ وَلِيُّهَا فَإِنْ أَبَى مِنْ إنْكَاحِهَا سَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ امْتِنَاعِهِ فَإِنْ اسْتَصْوَبَ مَا قَالَ رَدَّهَا إلَى رَأْيِهِ وَإِنْ رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمَرَهُ بِإِنْكَاحِهَا فَإِنْ أَبَى زَوَّجَهَا. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ بَدَرَ السُّلْطَانُ أَوْ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا فَأَنْكَحَهَا أَحَدَهُمَا مَعَ حَضْرَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْعَدِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الْمَرْأَةِ يُزَوِّجُهَا الْقَاضِي مِنْ نَفْسِهِ وَلَهَا وَلِيٌّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ رَأْيٌ وَلَمْ يَرَ لَهُ فَسْخٌ وَقَالَ إنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُنْكِحُ الْمَرْأَةَ إلَّا وَلِيُّهَا أَوْ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانُ فَهَذَا سُلْطَانٌ وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ وَإِنَّمَا جَعَلَ عُمَرُ النِّكَاحَ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ الْوَلِيَّ يُزَوِّجُ الْمَرْأَةَ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْكَاحُهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْعَدُ مِنْهُ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ فِي قَوْلِ عُمَرَ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدُ الْمَلِكِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَرْدُودًا حِينَ قَدَّمُوا الْأَقْعَدَ عَلَى الْأَبْعَدِ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ مِنْ وُلَاةِ الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ فَذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ الْوَلِيِّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يُقَدَّمُ عَلَى ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ عَقَدَ النِّكَاحَ ذُو الرَّأْيِ مَضَى وَلَمْ يُرَدَّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ فَهِيَ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَإِنْ عَقَدَ النِّكَاحَ أَجْنَبِيٌّ مُؤْمِنٌ فَلَا تَخْلُو الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ مِنْ قَرَابَتِهَا وَعُصْبَتِهَا أَوْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ غَيْرُ الْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَمْلِكَ الْإِجْبَارَ كَالْأَبِ وَالسَّيِّدِ أَوْ لَا يَمْلِكَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَيْسَ لِلْأَبِ وَلَا لِلسَّيِّدِ إجَازَتُهُ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي السَّيِّدِ رِوَايَتَيْنِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ وَلِيُّهَا لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ كَالْأَبِ فِي الثَّيِّبِ وَسَائِرُ الْعُصْبَةِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رُدَّ مَا لَمْ يَطُلْ وَيَكُونُ صَوَابًا. وَقَدْ تَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي الْجَوَازِ عَنْهُ إذَا أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِالْقُرْبِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ زَوَّجَهَا الْأَجْنَبِيُّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَلِيٍّ بِالنَّسَبِ أَوْ الْحَاكِمُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ إذَا تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ إبَاحَةَ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِوِلَايَةِ الْأَوْلِيَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ كَمَا لَوْ عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ بِالْإِيمَانِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ وِلَايَةٌ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ بِهَا عَقْدُ النِّكَاحِ كَالنَّسَبِ وَالْحَاكِمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي ذَاتِ الْحَالِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّنِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا رِوَايَتَانِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ هَذِهِ ذَاتُ وَلِيٍّ بِنَسَبٍ أَوْ حَاكِمٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلْأَجْنَبِيِّ عَقْدُ نِكَاحِهَا كَذَاتِ الْحَالِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِجَازَةِ أَنَّ الدَّنِيَّةَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا رَفْعُ أَمْرِهَا إلَى الْحَاكِمِ فَلَوْ كُلِّفَتْ ذَلِكَ لَأَضَرَّ بِهَا وَتَعَذَّرَ نِكَاحُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ بِنَسَبٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة تُوَلِّي رَجُلًا يَنْكِحُهَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ إذَا عُمِلَ بِهِ ضَاعَتْ الْفُرُوجُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ لَا وَلِيَّ لَهَا أَوْ تَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَضَعْ نَفْسَهَا فِي دَنَاءَةٍ وَلَيْسَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ أَمْرِهَا إلَى السُّلْطَانِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الدَّنِيَّةِ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ بِقَرَابَةٍ وَلَا وِلَايَةَ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْأَجْنَبِيُّ دُونَ الْإِمَامِ وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْأَعْجَمِيَّةِ تَعْمِدُ لِلرَّجُلِ فَيَلِي مِنْهَا مَا يَلِي مِنْ مَوْلَاتِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ وَأَمَّا ذَاتُ الْحَالِ وَالنَّسَبِ فَلَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَزَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِلْوَلِيِّ وَلِلسُّلْطَانِ فَسْخُ ذَلِكَ وَكَتَبَ مَالِكٌ إلَى ابْنِ غَانِمٍ إذَا زَوَّجَهَا الْأَجْنَبِيُّ وَأَوْلِيَاؤُهَا غُيَّبٌ فَرُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ لَا يَنْظُرُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ الْوَلِيُّ فَيَطْلُبُ الْفَسْخَ فَيُفْسَخُ إلَّا فِيمَا تَطَاوَلَ مَعَ الْوِلَادَةِ وَأَمَّا الَّتِي لَا خَطْبَ لَهَا وَلَيْسَتْ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يُفْسَخُ وَإِنْ قَرُبَ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ فِي اسْتِحْقَاقِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَلِيِّ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ مَشْهُورًا وَإِنْ بَنَى عُوقِبَا جَمِيعًا وَمَنْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَمَنْ عَلِمَ مِنْ الشُّهُودِ وَالْفَسْخُ بِطَلْقَةٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَائِنَةٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُ الْعَقْدِ بِالْقَوْلِ وَأَمَّا إذَا فَسَخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا التَّسَبُّبُ إلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْبُضْعِ وَالْقَصْدُ إلَى اسْتِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فَهَاهُنَا مَعَانٍ تَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ بِهَا وَيُبْطِلُ مَعْنَى الْوِلَايَةِ سِتَّةُ مَعَانٍ الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالسَّفَهُ الْمُوجِبُ لِلْحَجْرِ أَوْ الْمُقْتَرِنُ بِالْحَجْرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ وَالْأُنُوثَةُ وَالرِّقُّ وَالْكُفْرُ فَأَمَّا الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ فَلِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا السَّفَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُزَوِّجُ السَّفِيهُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَلِيُّ السَّفِيهِ أَوْلَى بِإِنْكَاحِ بَنَاتِهِ وَإِمَائِهِ وَلَا أَمْرَ لَهُ فِيهِنَّ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ حُضُورُهُ فَلَا تَضُرُّ غَيْبَتُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا إذَا كَانَ ذَا رَأْيٍ أَيْ إذَا لَمْ يُوَلَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ فَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ يَتَقَدَّرُ فِي أَنَّ السَّفِيهَ أَوْلَى بِالْعَقْدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْوَلِيُّ أَوْلَى بِهِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ إنَّمَا هِيَ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَيْزِ مَا يَأْنَفُ بِهِ مِنْ وَضْعِ وَلِيَّتِهِ عِنْدَ غَيْرِ كُفُؤٍ فَهُوَ أَوْلَى بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الضَّعْفِ بِحَيْثُ لَا يُظَنُّ بِهِ مِثْلُ هَذَا وَيَكُونُ حُضُورُهُ فِيهِ كَمَغِيبِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْقَدُ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذْنَ الْوَلِيِّ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ تَسْدِيدِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي السَّيِّدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ يُنَافِي عَقْدَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَنِكَاحُهُ مَاضٍ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ صَوَابًا يُشِيرُ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ وَالرَّدَّ أَمْضَى قَالَ أَصْبَغُ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ جَازَ وَذَلِكَ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَنْظُرُ فِيهِ فَيُجَازُ أَوْ يُرَدُّ بِالِاجْتِهَادِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ أَنْ يُبَيِّنَ فِيهِ مَا يُوجِبُ رَدَّهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهُ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّ السَّفِيهَ الَّذِي يُوَلَّى عَلَيْهِ إنْ عَقَدَهُ كَانَ لِوَلِيِّهِ إجَازَتُهُ أَوْ رَدُّهُ فَفَرَّقَ ابْنُ وَهْبٍ بَيْنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَرُدُّ الْوَلِيُّ إنْ شَاءَ نِكَاحَهُ وَغَيْرَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ إنْكَاحَهُ وَلِيُّهُ إلَّا لِوَجْهٍ بَيِّنٍ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ لَمَّا كَانَ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ لَمْ يَرُدَّ إلَّا لِوَجْهٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَيُبَيِّنُ وَجْهَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْأَخُ السَّفِيهُ فِي أُخْتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي ابْنَتِهِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَحْوَهُ فِي الْأُخْتِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ فِي مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ أَبٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا فَإِنْ فَعَلَ فَسَخَ وَيَعْقِدُ لَهَا وَصِيُّ الْوَلِيِّ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ وَيَعْقِدُ لَهَا الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانُ فَإِنْ كُنَّ أَبْكَارًا زَوَّجَهُنَّ وَصِيُّ الْأَبِ وَيَسْمَعُ مِنْهُنَّ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَهُوَ آثِمٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُنُوثَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَأَمَّا الرِّقُّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَقْدَ السَّيِّدِ نِكَاحَ ابْنَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ نِكَاحَ أَمَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْأَوْلِيَاءُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَوَلَدَتْ الْأَوْلَادَ كَانَتْ دَنِيَّةً أَوْ ذَاتَ قَدْرٍ وَفَسْخُهُ بِطَلْقَةٍ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَكَذَلِكَ إنْ عَقَدَهُ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ مِنْ مُكَاتَبٍ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ مُعْتَقٍ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتُهُ بِكْرًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ مِنْ النَّقْصِ مَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ مَعَ الصَّلَاحِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْبُضْعِ أَصْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَدَّمَ مَنْ يُزَوِّجُهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْسَخُ وَإِنْ فَاتَتْ بِالْبِنَاءِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى إلَيْهِ يُقَدِّمُ مَنْ يُزَوِّجُ الْيَتِيمَةَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُقَدِّمُ الْمُكَاتَبُ مَنْ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَتَهُ الْحُرَّةِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكُفْرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ النَّصْرَانِيُّ نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مُسْلِمٍ أَوْصَى إلَى نَصْرَانِيٍّ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نِكَاحِ الْأَبْكَارِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ لَا يَجُوزُ إيصَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ لَهُ وَجْهًا فَيُمْضِي الْوَصِيَّةَ وَيُوَكِّلُ النَّصْرَانِيُّ مَنْ يُزَوِّجُهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّقْصَ فِي الدِّينِ يَمْنَعُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَى الْأَبْضَاعِ فَبِأَنْ يَمْنَعَهُ ذَهَابُ الدِّينِ جُمْلَةً أَوْلَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُزَوِّجُ الْيَتِيمَةَ الْمُوصَى بِهَا إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. 1 - (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمُسْلِمُ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ سُئِلَ عَنْهَا مَالِكٌ وَقَالَ أَمِنْ نِسَاءِ الْجِزْيَةِ هِيَ؟ قِيلَ نَعَمْ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَا لَهُ وَمَا لَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَ ابْنَتِهِ النَّصْرَانِيَّةَ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ لِنَصْرَانِيٍّ فَلَا يَلِيهَا أَبُوهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ نَصْرَانِيًّا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَقْدَ الْمُسْلِمِ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلنِّكَاحِ كَالسَّيِّدِ الْمُسْلِمِ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَوِّجُ النَّصْرَانِيَّةَ وَلِيُّهَا الْمُسْلِمَ مِنْ مُسْلِمٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً ذِمِّيَّةً وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَذَلِكَ لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لِمَوْلَاهَا إنْكَاحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّةَ أُخْتُهُ كَانَتْ أَوْ أَمَتُهُ وَإِذَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ رَدَّهَا إلَى أَهْلِ دِينِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْكَاحُ السَّكْرَانِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ السَّكْرَانِ وَيَلْزَمُهُ طَلَاقُهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ سَبِيلُ السَّكْرَانِ فِي نِكَاحِهِ وَإِنْكَاحِهِ سَبِيلُ الْمَعْتُوهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ صِحَّتِهِ لِنَقْصِهِ وَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ طَلَاقَهُ وَرِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْهُ لِعَدَمِ عَقْلِهِ وَمَيْزِهِ أَوْ بَعْضِ ذَلِكَ وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ تَجُوزُ أَفْعَالُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَقِيَ مَعَهُ عَقْلُهُ وَمَيْزُهُ مَا يَصِحُّ بِهِ قَصْدُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَيَلْزَمُهُ عَقْدُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَيْزُهُ لَمَا لَزِمَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا إذَا بَلَغَ حَدَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدٌ وَلَا عَقْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْفِسْقُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي وِلَايَةَ النِّكَاحِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ مِنْ الْفَاسِقِ وِلَايَةٌ فِي النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا ذَكَرٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ أَصْلُ ذَلِكَ الْعَدْلُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُمَا كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتِهِمَا الْأَبْكَارَ وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ يَقْتَضِي أَنَّ إنْكَاحَهُ إيَّاهُنَّ لَازِمٌ لَهُنَّ وَهَذَا مَعْنَى إجْبَارِهِ وَالْبِكْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: صَغِيرَةٌ وَبَالِغٌ وَمُعَنَّسٌ فَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا وَيَجُوزُ إنْكَاحُهُ لَهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَجَعَلَ عَلَى اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ عِدَّةً وَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ نِكَاحٍ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَالِغُ فَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجْبِرُهَا الْأَبُ عَلَى النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ بِكْرٌ لَا يَفْتَقِرُ عَقْدُ نِكَاحِهَا إلَى نُطْقِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ لِلْأَبِ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالصَّغِيرَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ وَهِيَ الْمُعَنَّسُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجْبَارِهَا فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّهَا إذَا عَنَسَتْ لَمْ يُزَوِّجْهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجْبِرُهَا وَإِنْ عَنَسَتْ وَبَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ سِنًّا لَا تَبْلُغُهُ غَالِبًا إلَّا مَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَرَفَتْ مَصَالِحَهَا مَعَ السَّلَامَةِ فَكَانَتْ كَالثَّيِّبِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا بِكْرٌ فَلَزِمَهَا إجْبَارُ الْأَبِ كَاَلَّتِي لَمْ تُعَنَّسْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ التَّعْنِيسِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ حَدَّ التَّعْنِيسِ الثَّلَاثُونَ سَنَةً وَالْخَمْسَةُ وَالثَّلَاثُونَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَرْبَعُونَ وَالْخَمْسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْبِكْرُ عِنْدَ مَالِكٍ الَّتِي لَمْ تَذْهَبْ عُذْرَتُهَا بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَأَمَّا الَّتِي ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِوَطْءِ زِنًا فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبِكْرِ فِي الْإِجْبَارِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ وَرَوَى ابْنُ حَارِثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُهَا وَهِيَ كَالثَّيِّبِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِجْبَارَ إنَّمَا هُوَ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهِ الْأَبْكَارُ مِنْ الْحَيَاءِ فِي ذِكْرِ الزَّوْجِ، وَالزِّنَا يَزِيدُهَا حَيَاءً فَكَانَ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْبِكْرِ فَنَقُولُ إنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ عُذْرَتُهَا بِوَطْءٍ مُبَاحٍ فَكَانَ لَهَا حُكْمُ الْبِكْرِ كَالَّتِي ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِطَفْرَةٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هُنَا ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِوَطْءٍ فَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الثُّيُوبَةِ كَاَلَّتِي ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا بِوَطْءِ الزَّوْجِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِمَا فَأَوْرَدَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِعْلَهُمَا وَأَخَذَ بِهِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِئْمَارَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ مَنْعًا مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ وَاجِبًا. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ وَأَحْسَنُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ فَإِنْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ جَازَ قَالَ عِيسَى وَأَنْكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُشَاوِرَهَا أَبُوهَا. فَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ مَالِكٍ اسْتِئْمَارَهَا أَنَّهَا رُبَّمَا كَرِهَتْ بَعْضَ مَنْ يَرْضَاهُ أَبُوهَا فَيَدْخُلُ عَلَيْهَا مَضَرَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلْبِكْرِ جَوَازٌ فِي مَالِهَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا فِيهِ فِعْلُهَا وَلَا عُقُودُهَا حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَهَا يُرِيدُ بِنَاءَ زَوْجِهَا بِهَا وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا يُرِيدُ أَنْ يُعْرَفَ رُشْدُهَا وَتَمْضِي مُدَّةٌ يَعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا قَدْ خَبَرَتْ أَحْوَالَ النَّاسِ وَعَرَفَتْ وُجُوهَ مَصَالِحِهَا وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى يُعْرَفَ مِنْ حَالِهَا قَالَ: هُوَ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ لَهَا أَنَّهَا صَحِيحَةُ الْعَقْلِ حَسَنَةُ النَّظَرِ فِي مَالِهَا مُصْلِحَةٌ لَهُ حَابِسَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا يَكُونُ هَذَا بِشَهِيدَيْنِ حَتَّى يَشْهَدَ لِهَؤُلَاءِ مَنْ قُدِّمَ وَيُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهَا وَيُشْهَرَ فَإِذَا جَرَّبَ هَذَا مِنْهَا وَبَنَى بِهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَدِيثَةُ السِّنِّ جَازَ أَمْرُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِسَنَةٍ وَأَقَلَّ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَالْبِكْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ فِي مَالِهَا وَأَمَّا الْبَالِغُ فَإِنَّ مَالِكًا لَا يُجَوِّزُ فِعْلَهَا فِي مَالِهَا يَتِيمَةً كَانَتْ أَوْ ذَاتَ أَبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي مَالِهَا بِنَفْسِ بُلُوغِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْأَبُ رِضَاهَا فِي إنْكَاحِهَا فَإِنَّ لَهُ النَّظَرَ لَهَا فِي مَالِهَا كَالصَّغِيرَةِ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرَ فِي الرُّشْدِ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِمَصَالِحِ الْمَالِ وَمَنَافِعِهِ وَتَثْمِيرِهِ وَالْحِفْظُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ النَّاسِ وَمُعَامَلَتِهِمْ وَالتَّصَرُّفِ مَعَهُمْ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ الْبِكْرِ الِانْقِبَاضُ عَنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَمُبَاشَرَتِهِمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَهْلَهَا بِصَلَاحِ مَالِهَا وَمَنَافِعِهِ وَتَثْمِيرِهِ مَعَ الْحَيَاءِ الْغَالِبِ الْمَانِعِ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ فِيهِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ شَرْطًا فِي الرُّشْدِ الَّذِي يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَى الْيَتِيمَةِ كَالْبُلُوغِ وَنُحَرِّرُ مِنْهُ دَلِيلًا فَنَقُولُ: إنَّهُ مَعْنًى يَمْنَعُ فِي الْغَالِبِ الْقِيَامَ بِحِفْظِ الْمَالِ وَتَثْمِيرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ كَعَدَمِ الْبُلُوغِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا حُكْمُ ذَاتِ الْأَبِ فَأَمَّا الْيَتِيمَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ لِلْبِكْرِ قَضَاءً فِي مَالِهَا بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى تَبْلُغَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْبِكْرِ الْبَالِغِ عَلَيْهَا وَلِيٌّ لَا يَجُوزُ أَمْرُهَا فِي مَالِهَا فَإِنْ لَمْ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتُوَلِّ جَازَ أَمْرُهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَطِيَّةُ فَلَا وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَالْحَارِثُ وَسَحْنُونٌ يَجُوزُ صَنِيعُهَا كُلُّهُ مَا لَمْ تُوَلَّ بِوَلِيٍّ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَتْ ذَاتَ أَبٍ أَوْ يَتِيمَةً وَقُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي بَكَارَتِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَعَرَفَ رُشْدَهَا فَإِنَّ قَضَاءَهَا فِي مَالِهَا جَائِزٌ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخَّرَ قَضَاؤُهَا فِي مَالِهَا بِسَنَةٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْهُ وَإِنْ عَلِمَ سَفَهَهَا اُسْتُدِيمَ الْحَجْرُ عَلَيْهَا حَتَّى يَعْلَمَ رُشْدَهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَسَيَأْتِي بَيَانٌ فِي بَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ جَهِلَ أَمْرَهَا تَوَقَّفَ فِيهَا مُدَّةً يَخْتَبِرُ حَالَهَا بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِي مِثْلِهِ صَلَاحُ أَفْعَالِهَا وَفَسَادُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَضَاؤُهَا فِي مَالِهَا بِقُرْبِ بِنَائِهَا بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْبَيِّنَةُ بِرُشْدِهَا عَلَى مَنْ يُرِيدُ إجَازَةَ قَضَائِهَا إلَى انْقِضَاءِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْبِنَاءِ بِهَا وَكَذَلِكَ مَا قَارَبَ السَّنَةَ وَإِنْ كَانَ قَضَاؤُهَا بِذَلِكَ بَعْدَ السَّنَةِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ رَدَّ قَضَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي ذَاتِ الزَّوْجِ يَكُونُ لَهَا الْقَدْرُ وَالْمَالُ فَتُرِيدُ أَنْ تَهَبَ مِنْهُ وَتَتَصَدَّقَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَالُهَا بِيَدِهَا فَأَمْرُهَا جَائِزٌ إنْ كَانَتْ قَدْ أَقَامَتْ مَعَ زَوْجِهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا أَوْ وَلَدَتْ وَإِنْ كَانَ مَالُهَا عِنْدَ أَبِيهَا أَوْ وَصِيِّهَا فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى تَلِيَ نَفْسَهَا وَوَجْهُ اعْتِبَارِهِ السَّنَةَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ طُولُ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهِ بِالسَّنَةِ كَمَعْرِفَةِ الْعُنَّةِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ بِكَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِهَا فَإِنَّ كَوْنَ مَالِهَا بِيَدِهَا دَلِيلٌ عَلَى تَرْشِيدِهَا وَتَجْوِيزِ أَمْرِهَا كَمَا إنْ قَبَضَهُ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَجْرِ عَلَيْهَا وَالْمَنْعِ لَهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ. (ش) : قَوْلُهُمْ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ مِمَّنْ شَاءَ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الضَّرِيرِ وَالْقَبِيحِ وَمِمَّنْ هُوَ أَدْنَى حَالًا مِنْهَا وَأَقَلُّ مَالًا وَإِنْ زَوَّجَهَا مِنْ مَجْبُوبٍ أَوْ خَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ عَلِمَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رَأَيْت لِسَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا فِي الْخَصِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَفْسَخَ بِهِ نِكَاحَ الزَّوْجِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي هِيَ الْعُنَّةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبِ إلْزَامُهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ ظَهَرَتْ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا الْأَبُ مِنْ مَجْنُونٍ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَلَا مِنْ أَبْرَصَ مُنْسَلِخٍ وَلَا مَجْذُومٍ مُقَطَّعٍ قَدْ مُنِعَ الْكَلَامَ وَتَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ بِهِ ضَرَرٌ فِي بَدَنِهِ لَمْ يَلْزَمْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْسِنَ النَّظَرَ لَهَا وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ سِكِّيرٍ فَاسِقٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَلِلْإِمَامِ رَدُّهُ قَالَهُ أَصْبَغُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا جَدٌّ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجَدَّ يُجْبِرُ كَالْأَبِ وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ عُصْبَةٌ يَحْجُبُهُ الْأَبُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْإِجْبَارَ بِالنَّسَبِ كَالْأَخِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ حُكْمُ الْبِكْرِ فِي إجْبَارِ الْأَبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الصِّغَرَ مَعْنًى يَمْنَعُهَا التَّصَرُّفَ فِي بِضْعِهَا كَالْبَكَارَةِ. (فَرْعٌ) وَمَتَى يَنْقَطِعُ عَنْهَا حُكْمُ الْإِجْبَارِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَنْقَطِعُ عَنْهَا بِالْمَحِيضِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجْبِرُهَا الْأَبُ وَإِنْ حَاضَتْ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الثُّيُوبَةَ مَعَ الْبُلُوغِ تَقْطَعُ الْإِجْبَارَ وَقَدْ وُجِدَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَلَكَ الْأَبُ إجْبَارَهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ كَالْبِكْرِ.

[ما جاء في الصداق والحباء]

مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ؟ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ لَك، فَالْتَمِسْ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ نَعَمْ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ هِبَةَ الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَا تَجُوزُ] (ش) : «قَوْلُ الْمَرْأَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك» تُرِيدُ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَفِيهِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هِبَةُ الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي فِي النِّكَاحِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ هِبَةَ الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَا تَجُوزُ) لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِدُونِ مَهْرٍ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ خَالِصٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ أَنَّ «الْمَرْأَةَ قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ وَهَبْت نَفْسِي لَك» فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُقِرَّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ ثُمَّ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ الْقَائِمَ نِكَاحَهَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا دُونَ صَدَاقٍ مَعَ حَاجَةِ الْقَائِمِ وَفَقْرِهِ وَعَدَمِ مَا يَصْدُقُهَا إيَّاهُ حَتَّى أَنْكَحَهُ إيَّاهَا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَخْلُوَ نِكَاحُ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِوَضٍ لَمَا مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مَعَ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ عَنَى بِهِ هِبَةَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَعْنِ بِهِ هِبَةَ الصَّدَاقِ فَهَذَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ قَالَ وَإِنْ عَنَى بِهِ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَلَا يَجُوزُ وَمَا أَصْدَقَهَا وَلَوْ رُبْعُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ فَجَائِزٌ وَلَهَا لَازِمٌ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ وَلَمْ تُرِدْ بِهِ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ بِهِ بَذْلَ الْبُضْعِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ نِكَاحٌ يَثْبُتُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنَّمَا هُوَ سِفَاحٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ وَأَمَّا مَا أَرَادَ بِهِ عَقْدَ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِيهِ ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ تَقَدَّمَتَا وَالثَّالِثَةُ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَهَذَا يَقْتَضِي إمْضَاءَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَصْبَغُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا قُلْنَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي) فِي حُكْمِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك وَلِيَّتِي عَلَى أَنْ تَصْدُقَهَا مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَيَقَعُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ الْمُؤَبَّدَ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ دُونَ مَا يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّدَقَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ عِنْدِي ذَكَرَ الْمَهْرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا النِّكَاحَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ الْمُغِيرَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْقَائِمِ «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهُ إيَّاهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي إطْلَاقُهُ عَقْدَ تَمْلِيكٍ مُؤَبَّدٍ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ النِّكَاحُ كَلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ» دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ الَّتِي قَدْ أَجَابَتْ إلَى النِّكَاحِ بِاسْتِئْذَانِ الَّذِي أَجَابَتْهُ وَأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَنْ يَخْطُبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ النَّاكِحِ فَإِذَا اُسْتُؤْذِنَ فِي الْخِطْبَةِ وَصُرِفَ الْأَمْرُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النِّكَاحَ مُبَاحٌ لِلْفَقِيرِ إذَا وَجَدَ الْمَهْرَ، وَالنِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى بِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ بِذَلِكَ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْمَهْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ مَعَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ» مَعَ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ نَسَقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرَى عَنْ صَدَاقٍ وَقَوْلُهُ «وَمَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي» إظْهَارٌ لِفَقْرِهِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ» لَك يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصْدُقَهَا إيَّاهُ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْإِزَارِ إلَيْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْبَقَاءِ عَلَى حَالَةٍ لَا يَجُوزُ بِهَا الْبَقَاءُ عَلَيْهَا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالتَّعَرِّي عَنْ جَمِيعِ الْمَلْبَسِ وَلِذَلِكَ لَا يُبَاعُ هَذَا مِنْ الثِّيَابِ فِي دَيْنٍ وَلَا يُقْضَى بِهِ حَقٌّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ شَيْئًا» وَقَوْلُ الرَّجُلِ «مَا أَجِدُ شَيْئًا» وَإِنْ كَانَتْ لَفْظَةُ شَيْءٍ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُمْهَرَ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصْدُقُهَا إيَّاهُ؟» فَكَأَنَّهُ قَالَ الْتَمِسْ شَيْئًا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُقَهَا إيَّاهُ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا أَجِدُ شَيْئًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى نَوَاةِ تَمْرَةٍ وَقَتَّةِ حَشِيشٍ وَحُزْمَةِ حَطَبٍ يَحْتَطِبُهُ وَأَنْوَاعِ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ الْمَهْرَ يَكُونُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بِالْخَزَفِ الْمُكَسَّرِ وَالْجِرَارِ الْمُخَرَّقَةِ وَبِمَا لَا يَكُونُ عِوَضًا فِي الْغَالِبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ لَفْظَةَ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَوْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَلَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ بِقِشْرِ الْبَيْضِ وَالْخَزَفِ الْمُكَسَّرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ قَالُوا أَنَّ مَعْنَاهُ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الصِّفَةِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْمِقْدَارِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَمَّا «قَالَ لَا أَجِدُ شَيْئًا» قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنَّمَا يُكَلِّفُهُ أَوَّلًا الْأَكْثَرَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ أَرْخَصَ عَنْهُ فِي الْأَقَلِّ وَمُحَالٌ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْقَلِيلَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ كَلَّفَهُ الْكَثِيرَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْتَمِسْ» شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ قِيمَةِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَهُ مَا أَجِدُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَعْنِي إنْ لَمْ يَجِدْ الشَّيْءَ الَّذِي كُلِّفَ الْتِمَاسَهُ فَلَوْ كُلِّفَ الْتِمَاسَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَنَفَاهُ لَمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْتَمِسْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى أَنْ يَجِدَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فَلَمَّا أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَلْتَمِسَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ عُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنَى بِالشَّيْءِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَطْلُوبِ. (فَصْلٌ) : وَمُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ فِي الْحِينِ تَقْتَضِي أَنَّ مِنْ حُكْمِهِ تَعْجِيلَهُ أَوْ تَعْجِيلَ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا مِنْهُ وَلَوْ شُرِعَ تَأْخِيرُ جَمِيعِهِ لَسَأَلَهُ هَلْ يَرْجُو أَنْ يَتَكَسَّبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ الْخَاتَمِ مِنْ الْحَدِيدِ بَلْ الْغَالِبُ تَجْوِيزُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَكَانَ يَقُولُ لَهُ زَوَّجْتُكهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا هَذَا فِي ذِمَّتِك وَيَضْرِبُ لِذَلِكَ أَجَلًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَكَسُّبُهُ لِهَذَا وَلَمَّا نَقَلَهُ عَنْ وُجُودِ الْمَهْرِ إلَى الْمَنَافِعِ دُونَ وَاسِطَةٍ ثَبَتَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلْ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَذَكَرَ لَهُ مَا حَفِظَ مِنْهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا عَدِمَ الْأَعْيَانَ عَدَلَ إلَى سُؤَالِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ لِيُصْدِقَ ذَلِكَ امْرَأَتَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَطْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِقْدَارًا مَا مِنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَدَاقَهَا وَهَذَا إبَاحَةُ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ مُضَرَ الْأَنْدَلُسِيُّ وَاحْتَجَّ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ. وَقَدْ رَوَى زَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَقَدْ رَوَى عَقِيلٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِزَارَ وَالْخَاتَمَ «وَقَالَ مَا تَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك» وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَعْنَاهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ وَأَنَّ هَذَا خَاصٌّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْت يَحْيَى بْنَ يَحْيَى عَنْ مَنْ نَكَحَ بِقُرْآنٍ يُقْرِءُوهُ لَمْ يَنْقُدْ غَيْرَهُ فَقَالَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا مَعَ الْعَدَمِ فَلَا وَلَعَلَّهُ قَدْ جَعَلَ هَذَا الْمُعَجَّلَ مِنْ مَهْرِهَا لِئَلَّا يَكُونَ الْبِنَاءُ قَبْلَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَأَبْقَى بَاقِي الْمَهْرَ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فَمَنْ نَكَحَ بِعَمَلِ سَنَةٍ أَكْرَهُهُ إنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَإِنْ نَزَلَ مَضَى فِي الْوَجْهَيْنِ وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ جَعْلَ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا دُونَ مَنَافِعِ الْحُرِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: 27] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخٌ. وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَرْكِ الِاسْتِئْمَارِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ مُبَاحَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْبِضْعِ كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ جَعْلًا وَلَا كِرَاءً وَلِمَنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرُ مِثْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا ذَكَرَ مِنْ نِكَاحِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْأَحْكَامُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَهْرًا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْجَعْلُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ عَقْدَ الْجَعْلِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَقْدَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الباب الثاني في تفسير المعاني التي يثبت بها الخيار للزوج]

سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى وَلِيِّهَا لِزَوْجِهَا إذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ مِنْ صَدَاقِهَا وَيُتْرَكُ لَهَا قَدْرُ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا يُرِيدُ أَنَّ مَا بِهَا مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ لَا يُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ بُضْعِهَا دُونَ عِوَضٍ وَلَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ رَدُّهَا بِهَذِهِ الْعُيُوبِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْمَقْصُودِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِالْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةِ فِي مَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الْمَعَانِي الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُوجِبِ الْفُرْقَةِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيسِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِالْعُيُوبِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي مَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ) أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَجَازَ أَنْ يُرَدَّ بِعَيْبٍ يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ كَالزَّوْجِ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَنَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يُرَدُّ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الْمَعَانِي الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ] 1 ِ أَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ فَإِنَّهَا الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَدَاءُ الْفَرْجِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْوَطْءِ وَكَمَالَ الِالْتِذَاذِ بِهِ. (فَرْعٌ) فَالْجُنُونُ هُوَ الصَّرَعُ وَالْوَسْوَاسُ الَّذِي ذَهَبَ مَعَهُ الْعَقْلُ كُلُّ ذَلِكَ تُرَدُّ بِهِ الْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ الْجُذَامُ إذَا تَيَقَّنَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَأَمَّا الْبَرَصُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ قَلِيلِ الْبَرَصِ فَقَالَ مَا سَمِعْت إلَّا مَا فِي الْحَدِيثِ وَمَا فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُرَدُّ مِنْ قَلِيلِهِ وَلَوْ أُحِيطَ عِلْمًا فِيمَا خَفَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ لَمْ تُرَدَّ مِنْهُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَتُرَدُّ مِنْ قَلِيلِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ يَسِيرَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَلَكِنَّهُ لَا يَكَادُ يَتَوَقَّفُ قَبْلَ الْمُعْتَادِ مِنْهُ التَّزَايُدِ فَكَانَ ذَلِكَ لِتَيَقُّنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا دَاءُ الْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَتَفْسِيرُهُ مَا كَانَ فِي الْفَرْجِ مِمَّا يَقْطَعُ لَذَّةَ الْوَطْءِ مِثْلُ الْعَفَلِ وَالْقَرْنِ وَالرَّتَقِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ دَاءُ الْفَرْجِ هُوَ الْقَرْنُ وَالرَّتَقُ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ الْبَخَرُ وَالْإِفْضَاءُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْلَكَانِ وَاحِدًا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ دَاءِ الْفَرْجِ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ الرَّدَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الْوَطْءَ مِثْلُ الْعَفْلِ الْقَلِيلِ وَالْقَرْنِ وَحَرْقِ النَّارِ قَالَ وَالْمَجْنُونَةُ وَالْجَذْمَاءُ وَالْبَرْصَاءُ يُقْدَرُ عَلَى وَطْئِهَا مَعَ ذَلِكَ فَلِلزَّوْجِ رَدُّهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَرَعُ الْفَاحِشُ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَالَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَعْنَى الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُرْجَى بُرْؤُهُ فِي الْأَغْلَبِ وَلَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْجَرَبِ وَنَحْوِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الصِّحَّةَ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْعَرَجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَاهَاتِ فَإِنْ اشْتَرَطَ الصِّحَّةَ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِلَّا لَمْ تُرَدَّ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَهَا لِغِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى نَسَبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا

[أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص]

[أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِالْعُيُوبِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي مَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنًى لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَلَا يُوجِبُ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ شَارِبَةَ خَمْرٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَاطِبُ لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهُ إلَّا السَّوْدَاءَ فَإِنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِهَا سَوَادٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يُعْلَمَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ وَيَتَزَوَّجُ عَلَى أَنَّ أَهْلَهَا لَا أَسْوَدَ فِيهِمْ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ] 1 ِ أَمَّا مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا بِالْمَرْأَةِ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ حَادِثًا بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا بِهَا حِينَ الْعَقْدِ فَعَلِمَ بِهِ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ يَبْنِي وَعَلَيْهِ جَمِيعُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَيْبٌ دُلِّسَ لَهُ بِهِ وَلَمْ يَفُتْ الْبُضْعُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ لَا يَرْضَى بِالْعَيْبِ فَيَرُدَّ النِّكَاحَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ يَرْضَى بِهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ أَوْ نِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ بَعْدَ الرِّضَا وَقَبْلَ الْبِنَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ بِالْمَرْأَةِ دَاءَ الْفَرْجِ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الزَّوْجَةُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ هِيَ مُصَدَّقَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْظِرَ إلَيْهَا النِّسَاءَ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُنْظِرُ إلَيْهَا النِّسَاءَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ وَقَالَ كَيْفَ تُعْرَفُ إلَّا بِنَظَرِهِنَّ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ يُنْظِرُ إلَيْهَا النِّسَاءَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَعَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يُفَارِقَ وَيَكُونَ عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ أَوْ يَبْنِي وَيَكُونَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفَارِقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ إنَّمَا حَدَثَ فِيمَا عَقَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مِلْكِهِ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِمُدَّةٍ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي فَقَالَ الزَّوْجُ كَانَ ذَلِكَ بِهَا يَوْمَ الْعَقْدِ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَالْوَلِيُّ إنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ الْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ عَقْدٍ ظَاهِرُهُ اللُّزُومُ وَذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدَّعِيهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ أَخًا فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ وَإِنْ غَيْرَهُمَا فَالْيَمِينُ عَلَيْهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأَخَ لَمَّا كَانَا مِمَّنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِالْمَهْرَانِ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ لَزِمَتْهُمَا الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ هَذَا حُكْمُهُ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْيَمِينُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُوجِبِ الْفُرْقَةَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيسِ] ِ وَأَمَّا مُوجِبُ الْفُرْقَةِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيسِ فَإِنَّ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْمَسِيسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَحْدُثَ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ حَدَثَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَقَدْ وَجَبَ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعُ الْمَهْرِ بِالْمَسِيسِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْبِضْعِ الْمُسْتَبَاحِ مِنْ عِوَضٍ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا وَقَوْلُ مَالِكٍ بَعْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ وَلِيُّهَا هُوَ أَخُوهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا وَأَمَّا إنْ كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنُ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَالِكٍ خِلَافًا لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنْ يَكُونَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَوْرَدَ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى مَا رَوَاهُ وَذَكَرَ رَأْيَهُ عَلَى مَا رَآهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ تَلَقَّى قَوْلَ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِ وَلَكِنَّهُ خَاصٌّ فِي الْوَلِيِّ الَّذِي يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَبَيَّنَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِتَفْصِيلِهِ الَّذِي فَصَّلَهُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ مَا وَجَدَ مِنْ الْعَيْبِ بِالْمَرْأَةِ مَوْجُودًا بِهَا حِينَ الْعَقْدِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ الزَّوْجُ بَعْدَ الْمَسِيسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا

[نكاح التفويض وفيه أربعة أبواب]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمَّهَا بِنْتَ زَيْدِ ابْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نُمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أُمُّهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّنْ ظَاهِرُهُ الْمَعْرِفَةُ بِحَالِهَا وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَا بِهَا أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَالَهَا وَلَا يَقِفُ عَلَى مَا بِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ظَاهِرُهُ الْمَعْرِفَةُ بِحَالِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهَا قَبْلَ مُدَّةِ النِّكَاحِ أَوْ غَائِبًا عَنْهَا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهَا وَكَانَ الْعَيْبُ بِمَوْضِعٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَاقِ لَهَا وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْوَلِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَلِيِّ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ بِوَجْهٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُوجِبُ خِيَارُهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِلرَّادِّ الرُّجُوعُ بِالْعِوَضِ إذَا فَاتَ الرَّدُّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْبُيُوعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ الْقَرِيبُ الْقَرَابَةِ غَائِبًا عَنْهَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ خَبَرُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْغُرْمُ عَلَى الْمَرْأَةِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنٍ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَعْلَمُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يُدَلِّسْ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ كَالْوَلِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبِ الْقَرَابَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ وَلِيٌّ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْغُرْمُ ظَاهِرُ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ كَالْبَرَصِ الَّذِي يَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَخْفَى عَلَى الْأَبِ وَالِابْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا بِهَا مِنْ ذَلِكَ كَابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى وَالرَّجُلِ مِنْ الْعَشِيرَةِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ اتَّهَمَ أَنَّهُ عَلِمَ حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَرُدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الصَّدَاقِ مَا أَخَذَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ رُبْعَ دِينَارٍ وَذَلِكَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَوَجَبَ إنْفَاذُ ذَلِكَ لَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْعَيْنِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهَا دُونَ الْجِهَازِ. [نِكَاحُ التَّفْوِيضِ وَفِيهِ أَرْبَعَة أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ بِنْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا يَقْتَضِي أَنَّ نِكَاحَهَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ وَالنِّكَاحُ عَلَى ضَرْبَيْنِ نِكَاحُ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَنِكَاحُ تَفْوِيضٍ فَأَمَّا نِكَاحُ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَمَّا نِكَاحُ التَّفْوِيضِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَأَبَاحَ الطَّلَاقَ مَعَ عَدَمِ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ وَالطَّلَاقُ الْمُبَاحُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي أَنَّ وَجْهَ التَّعَلُّقِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ بِمَعْنَى نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنْ مَنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَمَسَّ أَوْ يَفْرِضْ فَرِيضَةً وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْمَأْثَمِ بِعَقْدِهِ وَإِذَا ارْتَفَعَ الْمَأْثَمُ دَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ الْإِجْمَاعُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَتِهِ وَالثَّانِي فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَالرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِ) أَمَّا صِفَتُهُ فَهُوَ أَنْ يُصَرِّحُوا بِالتَّفْوِيضِ أَوْ يَسْكُتُوا عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَشْهَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَنْفِي الْعِوَضَ حُمِلَ عَلَى النِّكَاحِ بِالْمَهْرِ الَّذِي يُسْكَتُ عَنْ ذِكْرِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَاقْتَضَى ذَلِكَ التَّفْوِيضَ إلَى الزَّوْجِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ يَنْفُذُ وَعَلَيْهِ يَجِبُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ عَلَى حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى حُكْمِ الْوَلِيِّ فَأَمَّا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي جَوَازِهِ غَيْرَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ يَفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَنَحْوَ ذَلِكَ

[الباب الثاني في حكم نكاح التفويض قبل المسيس]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ جَوَازَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ فِي مِقْدَارِ الصَّدَاقِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَالتَّفْوِيضِ إلَى الزَّوْجِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ الصَّدَاقَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَإِذَا بَذَلَ مَهْرَ الْمِثْلِ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ فَإِذَا رَضِيَتْ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ النِّكَاحُ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ النِّكَاحُ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ كَانَ التَّفْوِيضُ فِي الْبُضْعِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ) وَأَمَّا نِكَاحُ التَّفْوِيضِ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ السُّكُوتِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لِلْمَرْأَةِ إنْ فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَلَا يَخْلُو غَرَضُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَفْرِضَ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ وَالثَّانِي أَنْ يَفْرِضَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَالثَّالِثُ أَنْ يَفْرِضَ مِنْ الْمَهْرِ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَإِذَا فَرَضَ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ اسْتِبَاحَةَ بُضْعِهَا بِدَلِيلِ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِذَا مَلَكَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ فَرَضَ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَإِنْ رَضِيَتْهُ الزَّوْجَةُ جَازَ النِّكَاحُ وَلَزِمَهَا وَإِنْ أَبَتْ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا النِّكَاحُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ رُبُعَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ فَالْحَقُّ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْهُمَا فَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لَزِمَهُمَا وَجَازَ لَهُمَا ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا فَرَضَ لَهَا مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَذَلِكَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الرِّضَا بِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إسْقَاطُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَى حُكْمِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَلَى حُكْمِ الْوَلِيِّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ فَلَا حُجَّةَ لَهَا وَإِنْ أَبَى فَارَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ الْأَجْنَبِيُّ إنْ رَضِيَا بِحُكْمِهِ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ إذَا لَمْ يَفْرِضْ الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّحْكِيمَ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِ الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ إذَا حَكَمَ الزَّوْجُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الزَّوْجَةَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي التَّحْكِيمُ لُزُومَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالتَّسَامُحِ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ تَحْكِيمُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عُقِدَ النِّكَاحُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجَةِ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ بَذَلَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا كَالتَّفْوِيضِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهَا الرِّضَا بِصَدَاقِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُمَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّحْكِيمَ تَوَجَّهَ إلَى جِهَةٍ فَلَا يَلْزَمُ الرِّضَا بِغَيْرِهَا كَمَا لَوْ عُلِّقَ بِحُكْمِ فُلَانٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى التَّفْوِيضِ فَطَلَّقَ ابْتِدَاءً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْمُتْعَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهَا نِصْفُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَهَذَا عَامٌّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا فَرْضٌ يَجِبُ بِالْبِنَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَجِبَ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَالْفَرْضِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى تَفْوِيضٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْمَسِيسِ فَالتَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ وَلَا مَهْرَ لِلْمَرْأَةِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا قُلْت إنَّ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وَقَوْلُهُ

[الباب الثالث في حكم نكاح التفويض بعد المسمى]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجَلَّ وَعَزَّ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْ التَّابِعِينَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا الصَّدَاقُ وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا لَا يَجِبُ لَهَا بِالطَّلَاقِ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا بِالْمَوْتِ جَمِيعُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى وَعَكْسُهُ الْمُسَمَّى لِمَا وَجَبَ لَهَا بِالطَّلَاقِ نِصْفُهُ وَجَبَ لَهَا بِالْمَوْتِ جَمِيعُهُ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فِي مَرَضِهِ فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي صِحَّتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ لِلزَّوْجَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بَعْدَ الْمُسَمَّى] 1 وَأَمَّا أَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا بَعْدَ أَنْ سَمَّى لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْمَسِيسِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَجَبَ لَهَا بِالْمَسِيسِ مَهْرُ الْمِثْلِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْمَسِيسِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِعِوَضٍ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ وَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ] 1 ِ أَمَّا مَا يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ أَرْبَعُ صِفَاتٍ: الدِّينُ وَالْجَمَالُ وَالْمَالُ وَالْحَسَبُ وَمِنْ شَرْطِ التَّسَاوِي مَعَ ذَلِكَ الْأَزْمِنَةُ وَالْبِلَادُ فَمَنْ سَاوَاهَا فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ رُدَّتْ إلَيْهَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَقَارِبِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعْتَبَرُ مِنْهَا عَصَبَتُهَا فَقَطْ وَهُنَّ أَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَعْمَامِهَا وَكُلُّ مَنْ يَرْجِعُ بِالِانْتِسَابِ بَيْنَهُمَا إلَى التَّعْصِيبِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْهَا قَوْمُهَا اللَّوَاتِي مَعَهَا فِي عَشِيرَتِهَا فَدَخَلَ فِيهَا سَائِرُ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْخَالَاتِ دُونَ الْأَجَانِبِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُعْتَبَرُ بِذَوَاتِ الْأَرْحَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُنْكَحُ النِّسَاءُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» . فَوَجْهُ الدِّينِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ هَذِهِ الصِّفَاتُ فَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ الْمَهْرَ وَيَنْقُص بِحَسَبِ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ وَلَا يَقْصُرُ ذَلِكَ عَلَى الْحَسَبِ دُونَ غَيْرِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَّ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَوْلَى وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ زَوْجَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَوْمِهَا كَاَلَّتِي لَا عَشِيرَةَ لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَاتَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نَمْسِكْهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا يُرِيدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَوْتَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ لَا يُوجِبُ مَهْرًا وَلَوْ أَوْجَبَ مَهْرًا لَمْ يُمْسِكْهُ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَفَضْلِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِظُلْمِ أَحَدٍ فَكَيْفَ بِظُلْمِ ابْنَةِ أَخِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ بِالِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَقْبَلْ قَوْلَهُ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لِتَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَلَعَلَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الَّذِي يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْفَتْوَى وَيُؤْخَذُ بِفَتْوَاهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَقَضَى بِأَنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ دُونَ الصَّدَاقِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ «عَنْ عَلْقَمَةَ أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي خِلَافَتِهِ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إنْ ابْتَغَتْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُنْكِحُهَا أَبُوهَا وَيَشْتَرِطُ فِي صَدَاقِهَا الْحِبَاءَ تُحْبَى بِهِ أَنَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ يَقَعُ بِهِ النِّكَاحُ فَهُوَ لِابْنَتِهِ إذَا ابْتَغَتْهُ وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى أَبِيهِ إذَا كَانَ الْغُلَامُ يَوْمَ تَزَوَّجَ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَذَاكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الِابْنِ إذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاتَ فَرَدَّهُمْ ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي أَرَى لَهَا صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ أَشْهَدُ لَقَدْ قَضَيْت فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةً مِنْ بَنِي رَوَاسٍ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَخْبَرَ بِقَوْلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَا تُصَدِّقْ الْأَعْرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ قِيلَ فِيهِ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ وَقِيلَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَاضْطُرِبَ فِي إسْنَادِ الْحَدِيثِ فَقِيلَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَقِيلَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَلَوْ صَحَّ لَجَازَ أَنْ يُرِيدَ بِحُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَطَ الْمُنْكِحُ مَنْ كَانَ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حِبَاءٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ إنْ ابْتَغَتْهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا اُشْتُرِطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ عَطَاءٍ يَشْتَرِطُ الْوَلِيُّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلزَّوْجَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ عِوَضِهِ لِمَنْ عَوَّضَهُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أُجْرَةُ السِّمْسَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلنَّائِبِ عَنْ الْبَائِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلنَّائِبِ عَلَى مَنْ نَابَ عَنْهُ مِنْ مُبْتَاعٍ أَوْ بَائِعٍ وَلَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ مَنْ يَبِيعُ ثَوْبَهُ فَاشْتَرَطَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُبْتَاعِ ثَمَنًا لَكَانَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ اشْتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ الزَّوْجَ جَعَلَ لِلرَّجُلِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ لِعُقْدَةِ النِّكَاحِ فَإِنَّمَا هُوَ جُعْلٌ جَعَلَهُ عَلَى أَنْ يَقُومَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا سُنَّةَ جُعْلِ السِّمْسَارِ عَلَى مَنْ اسْتَنَابَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ اشْتَرَطَهُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ مِنْهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَائِمًا كَانَ الْحِبَاءُ أَوْ فَائِتًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْنَى تَبَرَّعَ بِهِ الزَّوْجُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَتَقْدِيرِ الْعِوَضِ فَكَانَ ذَلِكَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً لِمَنْ وَهَبَهُ إيَّاهَا دُونَ الزَّوْجَةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ فَسَخَ النِّكَاحَ بِأَمْرٍ غَالِبٍ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ الزَّوْجُ يَرْجِعُ بِمَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ قَائِمًا لَمْ يَفُتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا هِبَةٌ لِأَجْلِ النِّكَاحِ فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ النِّكَاحِ رَدَّتْ هِبَتَهُ كَالْبَيْعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلِزَوْجِهَا شَطْرُ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ يُرِيدُ أَنَّ لَهَا شَطْرَ الْحِبَاءِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِوَضِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَثَبَتَ بِالنِّكَاحِ لِلزَّوْجَةِ فَكَانَ لِلزَّوْجِ نِصْفُهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَالْمَهْرِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ أَوْ نِكَاحُ تَفْوِيضٍ فَإِنْ كَانَ نِكَاحُ تَسْمِيَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْأَبُ صَرَّحَ بِأَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الِابْنِ أَوْ سَكَتَ فَإِنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى الْأَبِ فَهُوَ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَتَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْعِوَضِ بِذِمَّةِ الْعَاقِدِ دُونَ ذِمَّةِ الْمَعْقُودِ لَهُ كَابْتِيَاعِهِ لَهُ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ وَالِابْنُ عَدِيمَيْنِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ عِنْدِي الْمَذْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ مَعَ الْإِبْهَامِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلْعَقْدِ عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاقِ عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ بِهِ بِذِمَّتِهِ مَعَ الْإِبْهَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ صَرَّحَ الْأَبُ بِأَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى الِابْنِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ دُونَهُ قَالَ وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ كَتَبَهُ عَلَى الِابْنِ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ لَهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا عَلَى الِابْنِ مُجَرَّدًا فَهُوَ عَلَى الِابْنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً قَالَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْأَبَ إذَا زَوَّجَهُ مِنْهَا وَالِابْنُ عَدِيمٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَتَبَهُ عَلَى الِابْنِ حَتَّى يُوَضِّحَ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ وَلَسْت مِنْهُ فِي شَيْءٍ لَكِنَّهُ لَكُمْ عَلَى ابْنِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَبَيْنَ مَا أَنْكَرَهُ عَنْ أَصْبَغَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْبَغُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ فَحَوَى كَلَامِهِ وَهُوَ إذَا قَالَ الْأَبُ إنَّ الصَّدَاقَ عَلَى ابْنِي وَسَكَتَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَهَاهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ أَصْبَغُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَبِ إذَا زَوَّجَهُ مُبْهَمًا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا أَصْبَغُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا رَضِيَ الْمُزَوِّجُونَ بِكَوْنِ الْمَهْرِ عَلَى الِابْنِ فَالنِّكَاحُ مَاضٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى الْأَبِ فَطَلَّقَهَا الِابْنُ مُوسِرًا فَإِنَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ مِنْهُ عَلَى الِابْنِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى الِابْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَكُونُ الِابْنُ بِالْخِيَارِ إذَا بَلَغَ فَإِنْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا صَدَاقُ الْمِثْلِ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِ الْغُلَامِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَبْهَمَ الْأَبُ عَلَى الْمَهْرِ فَإِنَّ الْمَهْرَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَلَى مَنْ مَلَكَ الْمُعَوَّضَ مِنْهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ ثَوْبًا أَوْ عَقَارًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَرَطَ الْأَبُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَالًا انْعَقَدَ بِسَبَبِهِ عَقْدٌ فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ مِنْ عُمَرَ وَثَمَنُهُ عَلِيَّ فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ فِي يُسْرِهِ وَعَدَمِهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ كَبِرَ الِابْنُ وَأَرَادَ الدُّخُولَ بِأَهْلِهِ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ أَخْرَجَ الِابْنُ الصَّدَاقَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَتْبَعُ بِهِ أَبَاهُ دَيْنًا عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الِابْنُ الصَّغِيرُ مَلِيئًا بِبَعْضِ الْمَهْرِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ فِي مِقْدَارِ مَا لَهُ مِنْ الْمَهْرِ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيِّ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَا وَفَاءَ بِهِ لِمَالِ الِابْنِ فَحُكْمُ الِابْنِ فِيهِ حُكْمُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ فَإِنْ زَوَّجَهُ الْأَبُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ فَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ فَالصَّدَاقُ عَلَى الْأَبِ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَالصَّدَاقُ فِي مَالِهِ قَالَ عِيسَى وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ تَعْيِينِ مَحَلِّ الصَّدَاقِ وَهُوَ وَقْتُ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلصَّدَاقِ مَحَلٌّ يَوْمَ الْعَقْدِ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ لِعُسْرٍ وَلَا لِيُسْرٍ كَنِكَاحِ التَّسْمِيَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ النِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَى الِابْنِ إذَا كَانَ صَغِيرًا وَكَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ لَازِمٌ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْأَبِ نِكَاحَ ابْنِهِ الصَّغِيرَ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَطَاوُسٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الِابْنُ سَلِيمًا جَازَ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ الصَّغِيرُ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزْ لِأَبٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا صَغِيرٌ فَجَائِزٌ أَنْ يُجْبِرَهُ الْأَبُ عَلَى النِّكَاحِ كَالصَّحِيحِ، وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ لِلْأَبِ أَنْ يَعْقِدَهُ عَلَى الصَّغِيرِ السَّلِيمِ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ عَلَى الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ كَالْبَيْعِ. (فَرْعٌ) وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَ الْيَتِيمَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَيُرِيدُ بِهِ الْوَصِيَّ أَوْ الْحَاكِمَ وَقَدْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ مُفَسَّرًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا لِأَخٍ وَلَا لِجَدٍّ وَلَا لِعَمٍّ وَلَا أَحَدَ إلَّا الْوَصِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ خَلِيفَتُهُ الَّذِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوَلِّيهِ مَالَهُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَتِيمَةِ الَّتِي لَا يُزَوِّجُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَّا الْأَبُ أَنَّ الْيَتِيمَ إنْ كَرِهَ هَذَا النِّكَاحَ اسْتَطَاعَ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِالطَّلَاقِ وَالْيَتِيمَةُ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْقِدَهُ عَلَى الْيَتِيمِ إذَا رَآهُ حَظًّا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَقَدَهُ الْوَلِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ ابْتِدَاءً عِنْدَ بُلُوغِهِ كَالْبَيْعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْأَبُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَضَمِنَ صَدَاقَ الِابْنِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ إذَا مَاتَ الْأَبُ قَالَ مُحَمَّدٌ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الصَّدَاقِ عَنْ الِابْنِ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ بَلَغَ الِابْنُ فِي مَرَضِ الْأَبِ فَأَرَادَ الدُّخُولَ بِهَا أَوْ أَرَادَ الدُّخُولَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ كَانَ لَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى يَدْفَعَ الْمَهْرَ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَتْبَعَ الزَّوْجَ بِهِ فَلِلْوَصِيِّ إنْ رَأَى غِبْطَةً أَمْضَاهُ بِأَدَاءِ الْمَهْرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَسَخَهُ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا عَقَدَهُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ قَدْ مَنَعَ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَصِيِّ. (فَرْعٌ) وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي مَرَضِ الْأَبِ فَدَخَلَ بِزَوْجَتِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تَرُدُّ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِ الْأَبِ وَتَتْبَعُ بِهِ الزَّوْجَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ رُبْعِ دِينَارٍ مُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا قَدْ أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ إلَّا بِحَقِّ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ فِي مَرَضِهِ وَأَصْدَقَهَا عَنْ الزَّوْجِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ النِّكَاحُ صَحِيحٌ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَهْرِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ هُوَ عَطِيَّةٌ لِابْنَتِهِ وَلَا يَكُونُ فِي مَالِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ عَطِيَّةٌ لِلزَّوْجِ نَافِذَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا فَتَرُدُّ الزِّيَادَةَ وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَطِيَّةَ إنَّمَا تَوَجَّهَتْ إلَى ابْنَتِهِ فِي حَالٍ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مَلَكَ الْعَطِيَّةَ زَوَّجَهَا عَلَى وَجْهٍ يَفْعَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ وَيَصْرِفُهَا إلَى مَا يَشَاءُ لَجَازَ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْهِبَةَ تَوَجَّهَتْ إلَى الزَّوْجِ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ لِابْنَتِهِ لَعَرَا النِّكَاحُ عَنْ عِوَضٍ وَلَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُقَالُ لِابْنِ الْأَخِ إنْ أَدَّيْت الصَّدَاقَ مِنْ مَالِكَ تَمَّ النِّكَاحُ وَإِنْ أَبَيْت بَطَلَ النِّكَاحُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَهَذَا عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الزَّوْجَةُ إمْضَاءَ النِّكَاحِ وَتَرُدَّ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَتْ تَمْلِكُ أَمْرَهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ دَفْعَ الْمَهْرِ مِنْ مَالِهِ فَارَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَبَى الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ فِي مَالِ الْأَبِ الْمَيِّتِ قِيلَ لَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْمَيِّتِ قَالَ إنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ لِلزَّوْجِ عَلَى شَيْءٍ إنْ فَعَلَهُ تَمَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ قَبَضَ صَدَاقَ ابْنَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِلْبِنْتِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ لِأَنَّهُ أَعْطَاهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ تَمَّ لَهَا وَإِنْ طَلُقَتْ أَخَذَتْ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهَا لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ فِيمَا لَزِمَ الزَّوْجَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنِكَاحِهِ فَمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ عَطِيَّةٌ فَلَيْسَ بِمَقْبُوضٍ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الصَّدَاقَ فِي مَالِ الْأَبِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّدَاقَ وَيَتْبَعَ بِهِ الْمَيِّتَ. (مَسْأَلَةٌ) : قَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِغَرٍ مِنْ الذُّكُورِ وَحُكْمُ الْبَنَاتِ وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْأَبَ يُجْبِرَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأَبِ وَالسُّلْطَانِ وَخَلِيفَةِ السُّلْطَانِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُزَوِّجُهُ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَنِكَاحِهِ فَكَانَ لِمَنْ لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ جَبْرُهُ عَلَى النِّكَاحِ كَالصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ الطَّلَاقَ مِنْ الْأَحْرَارِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى النِّكَاحِ كَالرَّشِيدِ. 1 - (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّفِيهِ يُجْبِرُهُ وَلِيُّهُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا يُجْبِرُ السَّفِيهَةَ أَنَّ السَّفِيهَ وَالصَّغِيرَ يَمْلِكُ إزَالَةَ ذَلِكَ عِنْدَ رُشْدِهِ وَالْمَرْأَةَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَزَوَّجَ السَّفِيهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَنِكَاحُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ إنْ رَأَى وَجْهَ رُشْدٍ أَمْضَاهُ وَإِنْ رَأَى غَبْنًا رَدَّهُ كَالْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ عَلَى مَا عَقَدَ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَانَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَإِنْ رَدَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَرُدُّ الزَّوْجَةُ مَا قَبَضَتْ أَوْ قَبَضَ وَلَا يَتْرُكُ لَهَا شَيْئًا. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ يَتْرُكُ لَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْقِيَاسُ مَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُ مَالِكٍ اسْتِحْسَانُ وَجْهِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّ مَا سَلَّمَ إلَى السَّفِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ بَطَلَ جَمِيعُ عِوَضِهِ كَالْبَيْعِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْبُضْعَ لَا يَحِلُّ بَذْلُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَلْزَمُ الْمَحْجُورُ فَيَسْتَوْفِيهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ أَقَلُّ مَا يَكُونُ عِوَضًا لَهُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ مِنْ السِّفَاحِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْإِبَاحَةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَيُخَالِفُ هَذَا الْبَيْعَ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا انْتَفَعَ بِمَا اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ إذَا اسْتَوْفَاهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَنْ مَالِكٍ يَتْرُكُ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهَا يَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ مِثْلَهَا وَلَمْ يَحُدَّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتْرُكُ لِلدَّنِيَّةِ رُبْعَ دِينَارٍ وَلِذَاتِ الْقَدْرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَصْبَغُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِمَّا لَا يَرَى يَبْلُغُ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَلَا تَذْهَبُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتْرُكُ لَهَا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَتْرُكُ لَهَا مِنْ الْمِائَةِ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الرُّبْعَ دِينَارٍ أَقَلُّ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ يَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ مِثْلَهَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ قِيمَةُ بِضْعِهَا لِمَنْ لَا يَسْتَدِيمُ النِّكَاحَ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَقْوَالِ فَاسْتِحْسَانٌ وَبِهَا كَانَتْ مُقْتَضَى الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا فَأَجَابَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِنِكَاحِهِ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا نَظَرَ فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي مَاتَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا صَدَاقَ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَوَارَثَانِ وَيَمْضِي الصَّدَاقُ لَهَا مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ قَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ تَرِثُهُ وَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ فَإِنْ رَآهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يُجِيزُهُ فَلَهَا الصَّدَاقُ مَعَ الْمِيرَاثِ وَإِنْ رَآهُ مِمَّا كَانَ يُجِيزُهُ فَلَهَا الْمِيرَاثُ دُونَ الصَّدَاقِ إنْ كَانَ لَمْ يَبْنِ بِهَا وَإِنْ كَانَ بَنَى بِهَا فَلَهَا رُبْعُ دِينَارٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ عَقَدَهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَكَانَ لِلْوَلِيِّ النَّظَرُ فِيهِ بِالرَّدِّ أَوْ الْإِجَازَةِ أَصْلُهُ حَالُ الْحَيَاةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ قَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ فِي مَالِهِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّهِ بِوَقْتٍ يَخْتَصُّ بِحَالِ حَيَّاتِهِ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ بِوَقْتِ نَظَرٍ لَهُ وَلِذَلِكَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ حَالَ حَيَاتِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُو أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْت فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّدَاقِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ قَدْ تَمَّ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ وَفَاتَ النَّظَرُ فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْمِيرَاثُ فَقَدْ يُفْسَخُ الصَّدَاقُ وَيَثْبُتُ التَّوَارُثُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلصَّدَاقِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ فَإِنْ مَاتَ بِحَدَثَانِ ذَلِكَ حَلَفَ الْوَلِيُّ مَا رَضِيَ وَلَا أَجَازَ وَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَلَا كَلَامَ لِلْوَلِيِّ مَعْنَاهُ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إمْسَاكَ الْوَلِيِّ عَنْ فَسْخِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ يَقْتَضِي الرِّضَا بِهِ وَيُوجِبُ بَقَاءَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِذَا مَاتَ بِقُرْبِ عِلْمِ الْوَلِيِّ بِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت الِارْتِيَاءَ أَوْ لَمْ يُمْكِنِّي الْقِيَامُ مَعَ عَزْمِي عَلَيْهِ حَلَفَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ وَلَا أَمْضَى وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ عِلْمِهِ وَتَرَكَ الِاعْتِرَاضَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا بِذَلِكَ وَالْإِمْضَاءِ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَوَارَثَانِ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ غِبْطَةً جَرَى فِيهِ الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غِبْطَةً فَلَا مِيرَاثَ فِيهِ وَلَا صَدَاقَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ عَفْوَ الْأَبِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلُقَتْ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ جَائِزٌ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَلْقَمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَيْسَ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] قَالَ شُيُوخُنَا فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] يُرِيدُ النِّسَاءَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] الْأَبُ فِي الْبِكْرِ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] يُرِيدُ الزَّوْجَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْوَلِيُّ بَلْ هُوَ الزَّوْجُ وَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِلْعَقْدِ مِنْ الْوَلِيِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزَّوْجَ أَمْلَكُ بِالْعَقْدِ مِنْ الْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بَلْ أَبُ الْبِكْرِ يَمْلِكُهُ خَاصَّةً دُونَ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ بُضْعُ الْبِكْرِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْأَبُ يَمْلِكُهُ، وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنَّ وَضْعَ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ هَذَا أَبْلَغُ صِفَاتِهِ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ وَجَمِيعُ مَالِهِ مِنْهُ وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَلَهُمَا فِي هَذَا الْعَقْدِ اسْمٌ أَخَصُّ مِنْ هَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ لَهُ وَالْوَلِيُّ عَارٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْعَقْدِ تَعَلُّقٌ إلَّا أَنَّهُ عَاقِدُهُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفْهَمَ عِنْدَ إطْلَاقِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّوْجُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَجَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ بِيَدِهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الْعَقْدِ وَأَنْ تُمْضِيَهُ، وَكَانَ لِآخَرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ يَلِي نَفْسَهُ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ. وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا إنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ اسْتَوْعَبَتْ الْآيَةُ جِهَاتِ الزَّوْجِيَّةِ كُلَّهَا دُونَ تَكْرَارٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا إخْلَالٍ بِجِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهَا وَإِذَا حُمِلَ " الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ " عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْآيَةُ الْوَلِيَّ وَتَكَرَّرَ فِيهَا ذِكْرُ الزَّوْجِ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَرَّدَةٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّكْرَارِ. وَجَوَابٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَأَخْبَرَ عَنْ الزَّوْجَاتِ ثُمَّ قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَأَخْبَرَ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ الَّذِينَ اسْتَفْتَحَ مُوَاجَهَتَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: إنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يُوَاجِهْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجَاتِ وَلَا الْأَوْلِيَاءَ وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عَلَى الْأَزْوَاجِ لَكَانَ قَدْ وَاجَهَهُمْ بِالْخِطَابِ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] فَعَادَ إلَى مُوَاجَهَتِهِمْ بِالْخِطَابِ وَهُوَ إنْ كَانَ سَائِغًا فَعَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ وَالْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْلَى حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ وَإِنَّمَا هِيَ لِتَفْضِيلِ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرَ كَمَا نَقُولُ: عَفْوُ زَيْدٍ حَسَنٌ، وَعَفْوُ عَمْرٍو حَسَنٌ، وَعَفْوُ زَيْدٍ أَحْسَنُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قُلْتُمْ لَقَالَ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَأَنْ يَعْفُوا بِالْيَاءِ وَنَصْبُ الْوَاوِ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَعَلَى حُكْمِهِ فِي الْخِطَابِ عَنْ الْغَالِبِ، وَجَوَابُ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَنَا مُجَرَّدُ النَّدْبِ لِأَنَّ التَّفْضِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْدِ الزَّوْجَاتِ وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَيْسَ يَمْنَعُ مَا قُلْنَاهُ وَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] يُرِيدُ الزَّوْجَاتِ أَوْ يَعْفُوَ الْوَلِيُّ وَأَنْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى فَيَكُونُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْعَفْوِ فَضِيلَةٌ وَلِعَفْوِ الزَّوْجِ مَزِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتِدْلَالٌ آخَرُ مِنْ الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّ: قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى النِّصْفِ الَّذِي يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَوْ إلَى النِّصْفِ الَّذِي لِلزَّوْجِ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَلِيٌّ يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ عَلَى النِّكَاحِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ إسْقَاطَ نِصْفِ الْمَهْرِ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْبِنْتِ وَلَا تَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى ابْنِهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ إذَا أَسْلَمَتْ تَحْتَ الْكِتَابِيِّ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُسْلِمَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُسْلِمَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَالْقَبْضِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا تَتَيَقَّنُ كَمَا لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ وَجَدَتْ الزَّوْجَةُ بِالزَّوْجِ عَيْبًا فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَتَيَقَّنُ فِيهِ عُذْرُ الزَّوْجِ فَأَمَّا الْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ عُسْرَهُ وَكَذَلِكَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا لَا تَتَيَقَّنُ وَلَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَطْءِ إضْرَارًا بِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهُ أَوْ مِمَّا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَأَنْوَاعِ الطَّعَامِ رَدَّتْ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَى الزَّوْجِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا فُرْقَةٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا لَمْ تَقْبِضْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِمَّا قَبَضَتْهُ لَا نِصْفُ وَلَا غَيْرُهُ وَذَلِكَ سَاقِطٌ عَنْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ مَنْ أَتْلَفَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا ابْتَاعَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الثَّمَنُ عِنْدِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْمَهْرُ مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهَا تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَهِيَ مُصِيبَةٌ حَلَّتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِهِ وَلَا يُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَبِحْ بُضْعَهَا إلَّا بِهِ.

[الفساد في المهر من جهة الجنس وفي ذلك بابان]

دِينَارٍ وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُنْكَحَ امْرَأَةٌ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ قِيمَتِهِ ذَلِكَ وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَهْرِ لَا يَتَقَدَّرُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا أُحِبُّ الْإِغْرَاقَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَهْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا أَقَلُّ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَقَدَّرُ وَيَجُوزُ عَقْدُهُ بِالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ وَالشَّيْءِ الطَّفِيفِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا سَبَبٌ لِاسْتِبَاحَةِ الْعُضْوِ بِمَالٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا كَالسَّرِقَةِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ مَا قَصَرَ عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا أَصْلُ ذَلِكَ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا كَقِشْرَةِ الْبَيْضَةِ وَفَلَقَةِ الْحَبَّةِ وَاسْتِدْلَالٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمَقَادِيرَ تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ مَا لَا تُؤَثِّرُ الصِّفَاتُ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمِقْدَارِ تَمْنَعُ بَذْلَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مِنْ الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَاتِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ النَّقْصَ فِي الصِّفَاتِ مُؤَثِّرٌ فِي صِحَّةِ الْمَهْرِ فَلَا يَجُوزُ بِالْقُرُونِ وَالْجِرَارِ الْمَكْسُورَةِ لِنُقْصَانِ صِفَاتِهَا فَبِأَنْ يُؤَثِّرَ نَقْصُ الْمِقْدَارِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ يَتَقَدَّرُ فَإِنَّ أَقَلَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَأَجَازَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ النِّكَاحَ بِدِرْهَمٍ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ جَوَازُهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ أَقَلُّ ذَلِكَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تُقْطَعُ بِرُبْعِ دِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ لَنَا ذَلِكَ نَقَلْنَا الْكَلَامَ إلَى الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ سَلِمَ لَنَا قِسْنَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عُضْوٌ مُسْتَبَاحٌ بِمَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّرَ بِمَا أَقَلُّهُ رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ تَزَوَّجَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بَيْنَ إتْمَامِ الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ الْفَسْخِ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يُفْسَخُ وَإِنْ أَتَمَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فَإِنْ أَتَمَّ الْمَهْرَ فَهُوَ عَلَى نِكَاحِهِ وَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ فُسِخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الدِّرْهَمَيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا شَيْءَ لَهَا وَجْهُ قَوْلِنَا لَهَا نِصْفُ الدِّرْهَمَيْنِ أَنَّهُ صَدَاقٌ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّتِهِ فَلِذَلِكَ حُكِمَ لَهَا بِنِصْفِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا مَهْرٌ فَسَخَ النِّكَاحَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ فَإِذَا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَجِبْ نِصْفُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي جِنْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ بَنَى بِهَا لَزِمَ النِّكَاحُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَيَتِمُّ لَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَهْرِ فَإِذَا فَاتَ فُسِخَ النِّكَاحُ بِالْبِنَاءِ لَزِمَ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ جِنْسَ الْمَهْرِ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْفَسَادُ فِي مِقْدَارِهِ فَوَجَبَ تَصْحِيحُهُ فِي الْمِقْدَارِ لَا فِي الْجِنْسِ وَقَدْ رَضِيَتْ بِمَا دُونَ الرُّبْعِ دِينَارٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَإِذَا بَلَغَتْ رُبْعَ دِينَارٍ فَلَا زِيَادَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِدِينَارٍ نَقْدًا وَدِينَارٍ مُؤَجَّلٍ إلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ وَكَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَفَاتَ الْمَهْرُ بِالْبِنَاءِ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الدِّينَارَيْنِ. [الْفَسَادِ فِي الْمَهْر مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ مِنْ الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ] 1 (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَسَادَ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ مِنْ جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالثَّانِيَةُ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ مِنْ الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى ذَلِكَ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ مِنْ الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ) الْمَهْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَنَافِعُ وَأَعْيَانٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَانَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْحَيَوَانِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعُرُوضِ وَضَرْبٌ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَحْرَارِ مِنْ بَنِي آدَمَ فَأَمَّا مَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُعَيَّنٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ عُذْرٌ غَالِبٌ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَيَجُوزُ النِّكَاحُ بِهِ كَالنِّكَاحِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ جُزَافًا أَوْ غَيْرَ جُزَافٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَأَمَّا مَا يَكُونُ فِيهِ عُذْرٌ غَالِبٌ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ الْقَاضِي أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ بِهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمُعَيَّنٍ لَا يَمْلِكُهُ النَّاكِحُ كَدَارِ زَيْدٍ وَعَبْدِ عَمْرٍو رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْأَعْيَانُ غَائِبَةً كَالْعَبْدِ الْغَائِبِ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ فَأَكْرَهُهُ لِانْقِطَاعِ خَبَرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ إفْرِيقِيَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ مِمَّا لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ جَازَ دُخُولُ النَّاكِحِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَإِنْ قَدَّمَ رُبْعَ دِينَارٍ وَإِنْ سَمَّاهُ مَعَ الْعَبْدِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ عَلَى مِثْلِ الشَّهْرِ وَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ جَازَ لِلنَّاكِحِ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ رُبْعَ دِينَارٍ وَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ الْمُعَيَّنُ الْغَائِبُ وَالْأَرْضُ الْغَائِبَةُ إلَّا مَوْصُوفَةً قَرُبَتْ الْغَيْبَةُ أَوْ بَعُدَتْ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَنْزِلِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّهُ إذَا عُدِمَتْ الرُّؤْيَةُ وَالصِّفَةُ كَانَ مَجْهُولًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ لَا يُسْتَدَامُ مِلْكُهُ وَضَرْبٌ لَا يُمْلَكُ جُمْلَةً وَضَرْبٌ ثَالِثٌ يُمْنَعُ مِنْ تَمَلُّكِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَأَمَّا مَا لَا يُسْتَدَامُ تَمَلُّكُهُ فَمِثْلُ أَنْ يَصْدُقَهَا أَبَاهَا وَمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا مِنْ ابْنٍ أَوْ أَخٍ فَقَدْ رَوَى فِي الْمُخْتَصَرِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَيُعْتَقُ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً لِأَنَّهُ لَمَّا أَصْدَقَهَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا فَقَدْ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْهَرَهَا عَبْدًا يَكُونُ لِغَيْرِهَا لَا صَدَاقَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهَا أَوْ أَحَدًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهَا وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِمَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَمْلِكَهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحُرِّ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَقْدُ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِحَقِّ اللَّهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ فَاسِدًا كَالْبُضْعِ فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِحُرٍّ فَقَدْ رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ أَصْبَغَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إذَا عَرَفَا حُرِّيَّتَهُ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُفْسَخْ وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونَ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُفْسَخُ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَصْلُحُ أَنْ تَمْلِكَهُ وَيَمْنَعُ مِنْهُ حَقُّ الْغَيْرِ كَالدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ كَالِابْنِ الصَّغِيرِ فِي وِلَايَتِهِ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَالَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَوْمَ الْإِمْهَارِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلزَّوْجَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَذَلِكَ مِثْلُ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ سَوَاءٌ بَنَى بِهَا أَوْ لَمْ يَبْنِ قَرُبَ ذَلِكَ أَوْ بَعُدَ عَلِمَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ عَرَضًا كَانَ أَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَتْبَعُ الِابْنُ الْأَبَ بِقِيمَةِ مَالِهِ فِيمَا حَكَمْنَا بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ لِلْمَرْأَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَاوَضَ بِمَالِ ابْنِهِ الَّذِي يَلِيهِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ الْأَبِ وَغِنَاهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ

[الباب الثاني في حكم النكاح المنعقد على ذلك]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِهْلَاكَ مَالِ ابْنِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لِلِابْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّهُ لَهُ وَإِنْ بَنَى أَبُوهُ بِالْمَرْأَةِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ إنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَبْنِ بِهَا فَإِنْ بَنَى بِهَا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَ ابْنِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَصِيرُ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِمَنْ صَيَّرَهُ اللَّهُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِيهِ قَدْ تَمَّتْ لِاسْتِيفَائِهِ الْبُضْعَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِمَامُ إلَى الْأَبِ فِي أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِمَالِ ابْنِهِ فَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ مِنْهُ لِشَيْءٍ وَالِابْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ الْأَبِ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَقَدُّمَ الْإِمَامِ حُكْمٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْكَبِيرِ أَوْ وَلَدِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُنْتَزَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ وُجِدَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا لَبِسَتْهُ أَوْ طَعَامًا أَكَلَتْهُ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ابْتَاعَ مِنْ غَاصِبٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَهْلَكَ مَا ابْتَاعَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا سَرَقَهُ أَوْ غَصَبَهُ فَقَدْ رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ إنْ لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَإِنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَتَثْبُتُ بَعْدَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : فَأَمَّا الْأَعْيَانُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ مِنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي النِّكَاحِ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَى الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعَبْدٍ فِي ذِمَّتِهِ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَمَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ مِنْ الْغَرَرِ أَكْثَرُ لِمَا جَوَّزْنَاهُ مَعَ إسْنَادِهِ إلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ عَبِيدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الْقِيمَةُ الْوُسْطَى يَوْمَ الْعَقْدِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ لَهُ مَعَ عَدَمِ الْجِنْسِ غَالِبُ رَقِيقِ الْبَلَدِ مِنْ السُّودَانِ أَوْ الْحُمْرَانِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَلَهَا نِصْفُهُمْ مِنْ الْحُمْرَانِ وَنِصْفُهُمْ مِنْ السُّودَانِ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْإِنَاثُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذُكُورًا وَلَا إنَاثًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَيْهِ الْإِنَاثُ لِأَنَّهُ عُرْفُ النَّاسِ وَأَنْ تُجَهِّزَهَا بِجِهَازِ بَيْتٍ جَازَ ذَلِكَ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ جِهَازِ مِثْلِهَا مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ إنْ كَانَتْ حَضَرِيَّةً أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنْ كَانَتْ بَدَوِيَّةً رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى ذَلِكَ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى ذَلِكَ) إذَا وَقَعَ الْفَسَادُ فِي النِّكَاحِ لِفَسَادِ الْمَهْرِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَالْأُخْرَى يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيَجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ وَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فَعَلَّقَ الْإِحْلَالَ بِشَرْطِ أَنْ نَبْتَغِيَ بِأَمْوَالِنَا، وَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ لَيْسَ بِمَالٍ لَنَا وَهَذَا عِنْدِي عَلَى الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ النِّكَاحُ بِتَحْرِيمِهِ كَتَحْرِيمِ الْبُضْعِ وَوَجْهُ التَّصْحِيحِ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَقْصُودُهُ الْمُكَارَمَةُ وَالْمُوَاصَلَةُ فَلِذَلِكَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الثَّمَنِ وَلِذَلِكَ جَازَ عَقْدُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. (فَرْعٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ يُفْسَخُ قَبْلَ

[إرخاء الستور]

إرْخَاءُ السُّتُورِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ أَنَّهُ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ عَلَيْهِمَا السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ فِي الْمَسِيسِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَالَتْ قَدْ مَسَّنِي وَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْإِيجَابِ تَغْلِيظًا وَعُقُوبَةً وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فَإِنْ وَقَعَ الدُّخُولُ لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ وَجَبَ فَلَا يُوجَدُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَدْعًا يُرِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ الرُّجُوعُ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّلْقَةِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَتْ إلَيْهِ عَلَى طَلْقَتَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ إنَّهُ إذَا وَقَعَ الدُّخُولُ وَجَبَ الصَّدَاقُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَلَمْ يُفْسَخْ يَطْرُدُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَسْخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاجِبٌ بِفَسَادِ الْمَهْرِ فَلَمَّا انْتَقَلَ بِالْبِنَاءِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ وَعَرَا النِّكَاحُ عَنْ فَسَادِ الْمَهْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْفَسْخَ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَى الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا حِينَ أَلْزَمَهُمْ الْمُخَالِفُ أَنَّ الْعَقْدَ إنْ كَانَ انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ بِالْبِنَاءِ وَمَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ جَازَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَلَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَمَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ غَيْرُ لَازِمٍ وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ السِّرَاجِ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. [إرْخَاءُ السُّتُورِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ يُرِيدُ إذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ وَانْفَرَدَ انْفِرَادًا بَيِّنًا فَقَدْ وَجَبَ إكْمَالُ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ بِالْخَلْوَةِ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إكْمَالُ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ غَيْرَ أَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْحَدِيثِ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ الْخَلْوَةُ وَأُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْمَسِيسَ بِمَعْنَى أَنَّ الْخَلْوَةَ شَهَادَةٌ لَهَا جَارِيَةٌ أَنَّ الرَّجُلَ مَتَى خَلَا بِامْرَأَتِهِ أَوَّلَ خَلْوَةٍ مَعَ الْحِرْصِ عَلَيْهِ وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهَا فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُفَارِقُهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَهَذَا الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْخَلْوَةِ وَإِنْ عَرَا مِنْ الْمَسِيسِ قَالَ وَقَدْ أَحْكَمَ كِتَابُ اللَّهِ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ وَبِهَذَا قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَطَاوُسٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْمِلُ الصَّدَاقَ بِنَفْسِ الْخَلْوَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَزَيْدٍ فَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ مَالِكٍ لَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَلِيٍّ يَحْتَمِلُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَهَذَا قَدْ طَلَّقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ خَلْوَةٌ عَرِيَتْ عَنْ الْمُتْعَةِ فَلَا يَجِبُ بِهَا كَمَالُ الصَّدَاقِ أَصْلُهُ إذَا كَانَ بِمَحْضَرِ الْحُكْمِ أَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا.

فَقَالَ لَمْ أَمَسَّهَا وَقَالَتْ وَقَدْ مَسَّنِي صُدِّقَتْ عَلَيْهِ) . الْمُقَامُ عِنْدَ الْأَيِّمِ وَالْبِكْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا خِلَافٌ لِمَا تَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْلَ عُمَرَ عَلَى أَنَّ بِالْخَلْوَةِ حَيْثُ كَانَتْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجَةِ فِي دَعْوَى الْمَسِيسِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الزَّوْجُ وَحَمَلُوا قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِذَاذِ بِالزَّوْجَةِ وَالْقُبَلِ دُونَ الْبِنَاءِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخَلْوَةُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي إنْكَارِ الْمَسِيسِ وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي دَعْوَى الْمَسِيسِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ انْبِسَاطِ الزَّوْجِ وَقِلَّةِ هَيْبَتِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَمَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الِانْقِبَاضِ وَالْهَيْبَةِ وَالْحَيَاءِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يَزُورُ فِيهِ فَأَمَّا خَلْوَةُ السُّفَلَاءِ فَحَيْثُ كَانَتْ أَوْجَبَتْ تَصْدِيقَ الزَّوْجَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بِكِلَا الْقَوْلَيْنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ حَيْثُ أَخَذَ الْغَلْقُ الزَّوْجَيْنِ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي أَهْلِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إنْ ادَّعَتْ الْمَسِيسَ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَقَرَّ بِالْخَلْوَةِ أَوْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ فَحُكْمُهُ مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا إقْرَارٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الزَّوْجِ فِي دَعْوَى الْمَسِيسِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ الْخَلْوَةَ وَادَّعَتْ ذَلِكَ الزَّوْجَةُ قَالَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ إذَا ادَّعَتْ الْمَسِيسَ فِي أَهْلِهَا وَقَدْ عُرِفَ اخْتِلَافُهُ إلَيْهَا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَزِمَهُ الْيَمِينُ فِي الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي اسْتِصْحَابِ حَالِ الْفِعْلِ عَدَمُ مَا يَشْهَدُ لَهَا وَيُجْعَلُ قَوْلُهَا الْأَظْهَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَهَذِهِ فَائِدَةُ يَمِينِهِ وَإِنْ نَكَلَ فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْيَمِينَ تُرَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَدَعَا الزَّوْجُ إلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ هِيَ مُصَدَّقَةٌ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الَّتِي تُنْكِرُ الْوَطْءَ وَالزَّوْجُ يَدَّعِيهِ إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي الْبِكْرِ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَاهُنَا مِثْلُهُ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي حَالٍ يَحِلُّ وَطْؤُهَا أَوْ لَا يَحِلُّ كَالصَّائِمَةِ فِي رَمَضَانَ وَالْمُحْرِمَةِ وَالْحَائِضِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَتْ الْخَلْوَةُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ النِّكَاحُ مِمَّا يُفْسَخُ وَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بِحَالٍ أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَجِبُ بِهِ إكْمَالُ الْمَهْرِ مَعَ خَلْوَةِ الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَوَجَبَ أَنْ يُكْمِلَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُوجِبَ عِنْدَنَا فِي كَمَالِ الصَّدَاقِ بِالْبِنَاءِ هُوَ الْوَطْءُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ شُيُوخِنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِحْلَالِ الْمُطَلَّقَةِ وَإِفْسَادِ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَأَمَّا الْخَلْوَةُ وَالتَّلَذُّذُ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا. 1 - (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ التَّلَذُّذُ فِي الْخَلْوَةِ أَوْ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَأَمَّا إذَا قَامَ مَعَهَا الْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ كَالْعَامِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ لَهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ لَهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ إتْمَامُ الْمَهْرِ عِوَضًا مِنْ طُولِ تَلَذُّذِهِ بِهَا وَتَغْيِيرِهِ لِجِهَازِهَا وَوَجْهُ قَوْلِنَا لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ أَنَّهُ نِكَاحٌ عُرِّيَ عَنْ الْمَسِيسِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ بِالطَّلَاقِ غَيْرُ نِصْفِ الْمَهْرِ أَصْلُهُ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ.

[المقام عند الأيم والبكر]

وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ فَقَالَتْ ثَلِّثْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمُقَامُ عِنْدَ الْأَيِّمِ وَالْبِكْرِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ» يَقْتَضِي أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أَصْبَحَتْ فِيهِ عِنْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ، الْبِكْرُ سَبْعٌ وَالثَّيِّبُ ثَلَاثٌ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهَا ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ يَوْمٍ فَاخْتَارَتْ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حِينَ تَعَلَّقَتْ بِثَوْبِهِ إعَادَةً لِلتَّخْيِيرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ» يُرِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بَلْ يُرِيدُ إكْرَامَهَا وَمُوَافَقَةَ إرَادَتِهَا فِي الْمَقَامِ عِنْدَهَا وَأَنَّهُ إنْ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعٌ فَلَيْسَ لِهَوَانِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ سَائِرِ الزَّوْجَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَقَامِ عِنْدَهَا فَإِنْ سَبَّعَ عِنْدَهَا وَزَادَ عَلَى الْمَقَامِ عِنْدَ الثَّيِّبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْضِيَ سَائِرَ نِسَائِهِ مِنْ الْمُدَّةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الثَّلَاثِ عِنْدَ الثَّيِّبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لَهَا فِي مَقَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّصِلَ بِمَا بَعْدَهَا فَيَسْقُطُ لِذَلِكَ حُكْمُ الثَّلَاثِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ التَّسْبِيعِ تَضَمُّنًا لِإِرَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَا بُدَّ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْحَقِّ الْوَاجِبِ لَهَا مِنْ التَّثْلِيثِ لَمْ يَقْضِ سَائِرَ الْأَزْوَاجِ شَيْئًا وَاسْتَأْنَفَ الْقِسْمَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقَامَ عِنْدَ الثَّيِّبِ حَقٌّ لَا يَقْضِي بِهِ سَائِرَ الزَّوْجَاتِ مَقَامًا وَلَا لَهُنَّ فِيهِ اعْتِرَاضٌ لِتَعْلِيقِهِ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ أُمِّ سَلَمَةَ دُونَ مَشِيئَتِهِنَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. قَالَ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقًّا لَهُ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَإِذَا كَانَ حَقًّا لِلزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا بِإِذْنِهَا. فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْتَ سَبَّعْتَ عِنْدَكَ وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ» فَأَخْبَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهَا لِأَنَّ الْإِكْرَامَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي إيتَاءِ الْحُقُوقِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي إعْطَاءِ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لِلْمَكْرُومِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِهَا لَقَالَ لَيْسَ بِنَا مُنِعَ حَقُّك وَوَجْهُ قَوْلِنَا بِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْغَرَضَ تَأْنِيسُ الْمَرْأَةِ وَبَسْطُهَا وَإِذْهَابُ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الِانْقِبَاضِ وَالْخَجَلِ وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهَا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عِنْدِي. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ فَهَلْ يَقْضِي بِهِ عَلَى الزَّوْجِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ هُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ كَالْمُتْعَةِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ سَبَبُهُ الْمُكَارَمَةُ فَلَمْ يُقْضَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ كَالْإِمْتَاعِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْمَقَامِ عِنْدَهَا فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَى الزَّوْجِ كَالْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِلزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا رَوَى أَبُو الْفَرْجِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَلْزَمُهُ الْمَقَامُ عِنْدَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ التَّأْنِيسُ وَحَاجَتُهَا إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا كَحَاجَتِهَا إذَا كَانَ لَهُ غَيْرُهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَقَامٌ عِنْدَ الزَّوْجَةِ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا كَالْقَسَمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ» يُرِيدُ التَّخْيِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرَ الَّتِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ اخْتَارَتْ التَّسْبِيعَ قَضَى سَائِرَ نِسَائِهِ سَبْعًا سَبْعًا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُخَيِّرُهَا فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي التَّعَلُّقُ بِمَا يَثْبُتُ مِنْ الْفِعْلِ فَصَارَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى جَمِيعِ الزَّوْجَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ش) : قَوْلُهُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لِلزَّوْجِ لَقَالَ لِلزَّوْجِ فِي الْبِكْرِ سَبْعٌ وَفِي الثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وَبِهَذَا قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَسٌ وَمِنْ التَّابِعِينَ فَمِنْ بَعْدِهِمْ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ ثُمَّ يَقْسِمُ وَلِلثَّيِّبِ يَوْمَانِ ثُمَّ يَقْسِمُ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تُفَضَّلُ الْجَدِيدَةُ عَلَى الْقَدِيمَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَخَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ» قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَلَوْ شِئْت لَقُلْت إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّارِئَةَ يَلْحَقُهَا مِنْ الِاسْتِيحَاشِ وَالِانْقِبَاضِ مَا يَحْتَاجُ بِهِ إلَى التَّأْنِيسِ وَذَاكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِطُولِ الْمَقَامِ عِنْدَهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْبِكْرُ أَكْثَرَ حَيَاءً وَانْقِبَاضًا احْتَاجَتْ مِنْ التَّأْنِيسِ أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَاجُهُ الثَّيِّبُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى أَصْلِ مَنْ جَعَلَهُ حَقًّا لِلزَّوْجَةِ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ مَنْ جَعَلَهُ حَقًّا لِلزَّوْجِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَمَّا كَانَ الْتِذَاذُ الزَّوْجِ بِالطَّارِئَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْتِذَاذِهِ بِالْقَدِيمَةِ جُعِلَ لَهُ مِنْ الْمَقَامِ عِنْدَهَا مَا يَصِلُ بِهِ إلَى ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَالْحُرَّةُ كَالْأَمَةِ فِي ذَلِكَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا زَوْجَةٌ تَحْتَاجُ إلَى التَّأْنِيسِ كَالْحُرَّةِ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يَتَخَلَّفُ الْعَرُوسُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَذَلِكَ لَهَا بِالسُّنَّةِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَقًّا لِلزَّوْجِ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا مَا زَادَ عَلَى وَقْتِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَنَافِعَ أَجِيرٍ فِي مُدَّةٍ مَا فَإِنَّهُ تَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ فَرَائِضُ الْجُمُعَةِ وَحُقُوقُ إتْيَانِ الْجَمَاعَاتِ كَالسَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَكَانَ عِنْدَهُ غَيْرُهَا فَأَقَامَ عِنْدَ الْحَدِيثَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَقَامِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهَا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَدِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ وَبِأَيَّتِهِمَا يَبْدَأُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَبْدَأُ بِأَيَّتِهِمَا أَحَبَّ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَدِيمَةِ كَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْأُخْرَى خَرَجَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَيُّ وَقْتٍ يَبْدَأُ بِالْمَشْيِ عَلَى نِسَائِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِاللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ أَوْ بِالنَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَ لِلْوَاحِدَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً هُوَ التَّخَيُّرُ فِي أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّ الزَّمَانَيْنِ شَاءَ عَلَى أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ أَقْوَالِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِاللَّيْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَوْ جَازَ لَجَازَ ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ» وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي تَطْوِيلِ الْمُدَّةِ عَلَى النِّسَاءِ بِالتَّغَيُّبِ عَنْهُنَّ إضْرَارًا بِهِنَّ وَمَا قَصَّرَ مِنْ مُدَّةِ مَغِيبِهِ عَنْهُنَّ أَرْفَقُ بِهِنَّ وَلَيْسَ فِي الْمَدَدِ مَا يَتَبَيَّنُ تَحْدِيدُهُ وَيُمْكِنُ التَّسَاوِي فِيهِ أَقْصَرُ مِنْ مُدَّةِ يَوْمٍ لَيْلَةٍ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ

[ما لا يجوز من الشروط في النكاح]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَخْرُجُ بِهَا إنْ شَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّحِيحَةُ وَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا تُوطَأُ وَالرَّتْقَاءُ وَغَيْرُهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى اسْتَمْسَكَ بِهِنَّ فَحَقُّهُنَّ مُتَسَاوٍ فِي الزَّوْجِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَى بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا إنْ شَاءَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْحُكْمِ وَأَمَّا عَلَى الْوَفَاءِ لَهَا مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهَا الْخُرُوجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ لَهَا بِذَلِكَ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفِيَ لَهَا بِمَا شَرَطَ وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلزَّوْجِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَلَّقَةً بِيَمِينٍ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَضَى بِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوَفُّوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ بِالْوَفَاءِ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْجُمْلَةِ مَكْرُوهَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَكْرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ وَإِيقَاعَ شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهَا وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيِّ إنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَحَدٌ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ بَلَدِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ دَاخِلٍ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ قَالَ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا إذًا مِلْكًا تَامًّا، وَلَا يُسْتَبَاحُ الْبُضْعُ إلَّا بِمِلْكٍ تَامٍّ وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي تَمَلُّكِهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ الَّتِي تَمْنَعُ تَمَامَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ شُرِطَتْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ مَالِكٌ وَلَقَدْ أَشَرْت مُنْذُ زَمَانٍ أَنْ أَنْهَى النَّاسَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بِالشُّرُوطِ وَأَنْ لَا يَتَزَوَّجُوا إلَّا عَلَى دِينِ الرَّجُلِ وَأَمَانَتِهِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَصِيحَ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا بَالُ النَّاسِ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي النِّكَاحِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً فِيهِ فَأَمَّا الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ فَهِيَ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِي جَهَالَةِ الْمَهْرِ وَلَا تُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَّخِذَ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرْطِ فَهَذِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْلُغُ مِنْ كَرَاهِيَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهَا أَنْ تَكُونَ حَرَامًا أَوْ يُفْسَخَ بِهَا النِّكَاحُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِطَ هَذَا الشَّرْطَ وَلَا يُسْقِطَ لَهَا شَيْئًا بِهِ أَوْ يَشْتَرِطُهُ وَيُسْقِطُ لَهَا بِهِ حَقًّا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْوَفَاءِ بِهِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِنْ أَسْقَطَتْ بِسَبَبِهِ حَقًّا مِنْ مَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُسْقِطَهُ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ إسْقَاطُهَا حِينَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فَسَادًا فِي الْعَقْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ فَلَمْ تُوجِبْ فِيهِ فَسَادًا، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا شَرَطَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُخْرِجُهَا وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَسْقَطَتْهُ إيَّاهُ وَرَوَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَنْ لَا أَنْكِحَ عَلَيْك وَلَا أَتَسَرَّى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقَةٍ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ بَقِيَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ مِثْلُ مَهْرِ مِثْلِهَا لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِثْلِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ تُرَدُّ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ فَتَأْخُذُهُ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِمَا وَضَعَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَا أَسْقَطَتْهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا قَطُّ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَذْكُرُ فِي النِّكَاحِ لِلسُّمْعَةِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَهُ فِي الصَّدَاقِ وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ أَنْ يُثْبِتَهُ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ عِوَضٌ أَسْقَطَتْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَمْ يَصِحَّ لَهَا فَوَجَبَ أَنْ تَرْجِعَ بِمَا بَذَلَتْهُ مِنْ الْعِوَضِ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ بَعْضَ مَهْرِهَا بَعْدَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ فَشَرَطَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُرُوطًا قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلُ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا وَلَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيمَا وَضَعَتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا اسْتَقَرَّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ فَإِذَا عَوَّضَتْهُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَفِ لَهَا بِهِ وَجَبَ رَدُّ ذَلِكَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا الَّذِي بِيَدِهَا. 1 - وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ مَا أَثَّرَ جَهَالَةً فِي الْمَهْرِ أَوْ غَيَّرَ بَعْضَ مَا اقْتَضَى الْعَقْدُ كَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِشَرْطِ أَنَّ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ كَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَتَشْتَرِطُ نَفَقَةَ خَدَمٍ لَهَا أَوْ نَفَقَةَ ابْنِهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ قَدْ أَثَّرَ جَهَالَةً فِي الْعِوَضِ فَفَسَدَ لِذَلِكَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّدَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ شَرَطَ بِهَا أَنْ لَا يَنْكِحَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى مَعَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بِيَمِينٍ فَتَلْزَمُهُ تِلْكَ الْيَمِينُ سَوَاءٌ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَلْزَمُ إلَّا أَنَّ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَأَمَّا مَا يَحْلِفُ بِهِ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ الْمَشْيِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ خَالَفَ مَا حَلَفَ لَهَا عَلَيْهِ حَنِثَ لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكَفَّارَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّدَقَةِ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ وَلِيُّهُ أَلْزَمَهُ شُرُوطًا قَيَّدَهَا بِتَمْلِيكٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِلْزَامِ الْوَلِيِّ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إذَا بَلَغَ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ فَلَا يَعْقِدُهَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا الْأَيْمَانُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا شُرُوطٌ فَلَزِمَتْ بِإِلْزَامِ الْوَلِيِّ كَصِفَةِ الصَّدَاقِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا الْتِزَامٌ مِنْهُ لَهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ وَقَدْ قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ دُخُولَهُ بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ رِضَاهُ وَالْتِزَامُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ رَضِيتُ بِذَلِكَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ لَمْ يَلْتَزِمْهَا بِنُطْقٍ وَلَا فِعْلٍ يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ إذْ لَهُ أَنْ يَقُولَ رَضِيتُ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ أَرْضَ الشُّرُوطَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بِاسْتِدَامَةِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَرِهَ الْتِزَامَهَا فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَلْتَزِمَ وَإِمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ الْخِيَارُ لَهَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْتِزَامِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ نِكَاحَهَا انْعَقَدَ عَلَى الْتِزَامِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ الْتِزَامُ النِّكَاحِ وَإِسْقَاطُهَا

[نكاح المحلل وما أشبهه]

نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا وَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لَمْ يَلْتَزِمْ النَّاكِحُ فِيهَا يَمِينًا فَكَانَ لَهُ إمْضَاءُ النِّكَاحِ وَإِطْرَاحُهَا كَمَا لَوْ لَمْ تُعَلَّقْ الشُّرُوطُ بِنِكَاحٍ وَلَا عِتْقٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَرِهَ الزَّوْجُ الْتِزَامَهَا خُيِّرَتْ الزَّوْجَةُ بَيْنَ إسْقَاطِهَا وَاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا وَإِبْطَالِ النِّكَاحِ فَإِنْ أَسْقَطَتْ الشُّرُوطَ لَزِمَهُ النِّكَاحُ دُونَ شَرْطٍ وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْهَا فَارَقَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَهَا فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّهَا فِي إسْقَاطِ الشُّرُوطِ وَالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي نَظَرٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إنْ كَانَ وَصِيًّا فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي مَالِهَا وَاخْتِيَارُ الْكُفُؤِ لَهَا، وَأَمَّا فِي الْقَسْمِ وَالتَّمْلِيكِ لَهَا فَلَا نَظَرَ لَهُ فِيهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ وَصِيٍّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْكُفُؤِ وَلَوْ رَضِيَتْ هِيَ بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شَرْطٍ لَمَا كَانَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أَبَتْ النِّكَاحَ إلَّا بِشُرُوطٍ لَمَا كَانَ لَهُ إطْلَاقُ ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي رِضَاهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ مَالًا فَكَيْفَ بِمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَالِ؟ . وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يُخَيِّرُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ بُلُوغِهَا وَقَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ طَلَاقٌ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ تَكُونُ فُرْقَتُهُمَا بِالْإِبَانَةِ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ فَسْخٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ مَصْرُوفَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الزَّوْجِ فَكَانَتْ طَلَاقًا، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا طَلَّقَ ابْتِدَاءً وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ تَثْبُتُ لِعَدَمِ التَّرَاضِي فَكَانَتْ فَسْخًا أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَهَلْ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْهُ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ قَالَا إلَّا أَنْ تَكُونَ أَسْقَطَتْ الشُّرُوطَ وَطَلَّقَ وَأَطْلَقَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالشُّرُوطِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ لَا تَنْفَعُهُ وَالشَّرْطُ يَلْزَمُهُ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَرَكَتْ التَّحَرُّزَ وَالِاسْتِيثَاقَ حِينَ أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفِهِ عَلَى الشُّرُوطِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ دُخُولَهُ رِضًا بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ التَّحَرُّزَ وَالنَّظَرَ فِيمَا عَقَدَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ عَلِمَ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ عَقَدْتُ عَلَى الشُّرُوطِ وَأَنَا صَغِيرٌ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْوَلِيُّ عَقَدَتْ وَأَنْتَ كَبِيرٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَلَفَ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ الْعَاقِدُ لِلنِّكَاحِ وَلَزِمَتْ الزَّوْجَ الشُّرُوطُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ انْعِقَادَ النِّكَاحِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْخِيَارَ فِي حِلِّهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَمَا أَشْبَهَهُ] (ش) : رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ الزَّبِيرُ بِفَتْحِ الزَّايِ فِيهِمَا وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر الْأَوَّلُ بِالضَّمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الْغَنِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطِيَا الْيَهُودِيُّ الْقُرَظِيّ قُتِلَ الزَّبِيرُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَتِي مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِضَمِّ الزَّايِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ «إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا» يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يُوقِعَهَا فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوقِعَهَا فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ ثُمَّ يُطَلِّقُ غَيْرَ أَنَّ إيقَاعَهَا عِنْدَ مَالِكٍ فِي مَرَّةٍ غَيْرُ جَائِزٍ وَسَيَرِدُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَصِحُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَنَكَحَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَفَارَقَهَا» يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَضَ عَنْهَا وَمُنِعَ وَطْأَهَا فَارَقَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَارَقَهَا حِينَ لَمْ تُرِدْ الْبَقَاءَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَضَافَ الْفِرَاقَ إلَيْهِ لَمَّا كَانَ هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ وَلَعَلَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِكَرَاهِيَتِهَا لِذَلِكَ بَادَرَ بِفِرَاقِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَجَّلَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا أَوْ يُعَالِجَ مُدَاوَاةً أَوْ مُعَانَاةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ لَمْ تُحَرِّمْهَا وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَلَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُهَا وَظَنَّ أَنَّ عَقْدَ الزَّوْجِ عَلَيْهَا يَحِلُّهَا لَهُ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُ عَنْ نِكَاحِهَا وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ نِكَاحِهَا بَاقٍ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ «لَا حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُحَلِّلَ إنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ وَانْفَرَدَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بِقَوْلِهِ إنَّ عَقْدَ الثَّانِي يَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءً وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْعُسَيْلَةُ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اللَّذَّةُ وَمُجَاوَزَةُ الْخِتَانِ الْخِتَانَ وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ زَادَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَانْفَرَدَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِقَوْلِهِ لَا يُحِلُّهَا إلَّا الْوَطْءُ وَفِيهِ إنْزَالٌ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَصِحُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا) . (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا يَتَزَوَّجُهَا زَوْجٌ فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ مُسْنَدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالِاعْتِبَارُ فِي نِكَاحِ التَّحْلِيلِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلِمَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ الثَّانِي التَّحْلِيلَ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ التَّحْلِيلَ وَسَأَلَتْهُ لَمَّا دَخَلَ بِهَا الطَّلَاقَ أَوْ خَالَعَتْهُ بِمَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَضُرُّ الزَّوْجَ مَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ دُونَهَا. (فَرْعٌ) وَالنِّيَّةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْعَقْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَإِنْ أَعْجَبَتْهُ أَمْسَكَهَا وَإِلَّا كَانَ قَدْ احْتَسَبَ فِي تَحْلِيلِهَا الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِمَا خَالَطَ نِكَاحَهُ مِنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ وَلَا تَحِلُّ بِذَلِكَ لِلْأَوَّلِ. 1 - (فَرْعٌ) وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَا تَحِلُّ بِذَلِكَ لِمَنْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَيْسَ فِيهِ مَسِيسٌ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ حُكْمُ الْإِحْلَالِ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ لَا يَكُونُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْوَطْءِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَتْ وَفَاةُ الزَّوْجِ يَقَعُ بِهَا كَمَالُ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْلَالُ وَلَا الْإِحْصَانُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِبَاحَةِ الْعُضْوِ وَالْمُوَاصَلَةِ مُدَّةَ الْعُمْرِ فَإِذَا وُجِدَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا فَقَدْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُوَاصَلَةِ فَوَجَبَ جَمِيعُ الْمَهْرِ كَمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ وَأَمَّا إحْلَالُ الزَّوْجَةِ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ وَلَيْسَ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ الثَّانِي مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْوَطْءِ فَتَحْصُلُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إنْ أَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِعَدَمِ الْوَطْءِ فَإِنْ ادَّعَتْهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَدَّعِيهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ ادَّعَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَقَدْ هَلَكَ الزَّوْجُ الثَّانِي وَلَمْ يُعْلَمْ مَبِيتُهُ عِنْدَهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ بِذَلِكَ لِلْأَوَّلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ادَّعَتْ ذَلِكَ وَقَدْ بَنَى بِهَا الثَّانِي وَبَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً وَمَاتَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَادَّعَتْ الْمَسِيسَ

[ما لا يجمع بينه من النساء]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُحَلِّلِ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَى نِكَاحِهِ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ نِكَاحًا جَدِيدًا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا) . مَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ مِنْ النِّسَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَدِينُ وَيُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا ثَلَاثًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَذْكُرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْفِرَاقِ لَمْ يَحِلَّهَا ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفِرَاقِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحَلَّتْ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ كُلُّ مَوْضِعٍ تُصَدَّقُ فِيهِ عَلَى الزَّوْجِ فِي دَعْوَى الْوَطْءِ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي إحْلَالِهَا لِلْأَوَّلِ وَأَمَّا كُلُّ مَوْضِعٍ لَا تُصَدَّقُ فِيهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَ الْوَطْءَ فَإِنَّ دَعْوَاهَا الْوَطْءَ بَعْدَ وَفَاةِ الثَّانِي لَا يَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْإِحْلَالِ الْوَطْءُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحِلُّهَا ذَلِكَ الْوَطْءُ وَإِنَّمَا يَحِلُّهَا الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَصِحَّةُ الْوَطْءِ فَأَمَّا الْعَقْدُ فَأَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ صَحَّ الْعَقْدُ وَتَزَوَّجَهَا بِيَمِينٍ لَزِمَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَفِي الْمُزَنِيَّة إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَتَزَوَّجُ مِثْلَهَا فَقَدْ خَرَجَ عَنْ يَمِينِهِ وَحَلَّتْ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَتْ عِنْدَ الثَّانِي سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا رَغْبَةً وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَأَمَّا صِحَّةُ الْوَطْءِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْإِحْصَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ نِكَاحًا فَاسِدًا لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى النِّكَاحِ وَمَقْصُودَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ إبَاحَةُ الْبُضْعِ لِغَيْرِ النَّاكِحِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسَخَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ قِيَاسًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ هَذَا عَقْدٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ مَحْظُورٍ اسْتَحَقَّ عَاقِدُهُ بِهِ اللَّعْنَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا أَصْلُ ذَلِكَ شِرَاءُ الْخَمْرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ ثَبَتَ بَعْدَ الْبِنَاءِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَيْسَ بِنِكَاحٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ هَذَا لِلْمُحَلِّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَنْكِحَهَا أَبَدًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ تَعْجِيلَ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَحْظُورِ كَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ غَيْرَ أَنَّ النَّاكِحَ فِي الْعِدَّةِ عَجَّلَهُ لِنَفْسِهِ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ فَوَقَعَ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَرَادَ تَعْجِيلَهُ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا اقْتَضَى الْكَرَاهِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَيُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَصَدَ تَحْلِيلَهَا لَهُ لِيَمْنَعَ ذَلِكَ مِنْ نِكَاحِهَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَغْتَرَّ الْآخَرُ بِظَاهِرِ فِعْلِهِ وَلَا يَعْلَمُ مَقْصِدَهُ فَيَكُونُ هُوَ سَبَبُ مُوَاقَعَةِ الْحَرَامِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَهَا مَهْرُهَا هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَرَوَى ابْنُ بُكَيْر فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَعْنَبِيُّ وَرِوَايَةُ يَحْيَى أَظْهَرُ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَسَدَ لِعَقْدِهِ فَيَجِبُ بِالدُّخُولِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْر وَالْقُعْنُبَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بَلْ لَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. [مَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ مِنْ النِّسَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» يَقْتَضِي الْعُمُومَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ غَيْرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى النِّسَاءِ فَإِنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْهُومَ مِنْهُ الْوَطْءُ كَمَا أَنَّهُ إذَا عُلِّقَ عَلَى الطَّعَامِ فُهِمَ مِنْهُ اللِّبَاسُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى كُلِّ مَعْنًى مَقْصُودُهُ الْوَطْءُ فَأَمَّا الْوَطْءُ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِيَمِينٍ وَأَمَّا الْعَقْدُ الَّذِي مَقْصُودُهُ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ النِّكَاحُ وَيُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مِلْكَ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَمْلِكَ مَنْ لَا يَطَأُ كَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ مِنْ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ نِكَاحٍ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا لِلرَّجُلِ مِنْ النِّسَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا مَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وَالْعَمَّةُ مَعَ ابْنَةِ أَخِيهَا وَالْخَالَةُ مَعَ بِنْتِ أُخْتِهَا بِمَثَابَةِ الْأُخْتَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأُخْتَيْنِ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ مَعَ ابْنَةِ الْأَخِ وَابْنَةِ الْأُخْتِ مِمَّنْ يَلْزَمُ بَعْضُهُنَّ لِبَعْضٍ الْمُوَاصَلَةَ لِلرَّحِمِ الْقَرِيبَةِ الْوَشِيجَةِ وَغِيرَةُ الضَّرَائِرِ تُورِثُ الْقَطِيعَةَ وَتَمْنَعُ الْمُوَاصَلَةَ فَمُنِعَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِذَلِكَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِمَا نَهَيْنَا عَنْهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ وَمَانِعٌ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمُوَاصَلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالنِّكَاحِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي أَنْ يَنْكِحَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ لَهُمَا جَمِيعًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَنَى بِهِمَا أَوْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَبْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِذَا انْعَقَدَ نِكَاحُهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ بِهِ فُسِخَ نِكَاحُهُ لَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَفْرَدَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ ثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى وَفُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ دَخَلَ بِهِمَا أَوْ بِإِحْدَاهُمَا كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الْأُخْرَى قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْأُولَى صَحِيحٌ لِأَنَّهُ عَرِيَ عَنْ الْفَسَادِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَنِكَاحُ الْأُخْرَى فَاسِدٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَمَّا اخْتَصَّ الْفَسَادُ بِنِكَاحِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يُفْرِدَ بِالْفَسْخِ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا تُعْرَفُ الْأُولَى مِنْهُمَا إنْ شَهِدَ بِذَلِكَ الشُّهُودُ فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَمْ يُوقِنُوا وَلَا عَلِمُوا الْأُولَى مِنْ الْأُخْرَى فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الزَّوْجَ مُصَدَّقٌ فِي تَعْيِينِ الْأُولَى مِنْ الْأُخْرَى وَيَنْزِلُ عَنْ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهَا الْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَ لَمْ يَمَسَّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا عِنْدَنَا صَوَابٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَقَدْ شَهِدُوا بِصِحَّةِ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ وَفَسَادِ الْآخَرِ وَلَمْ يُعَيِّنُوا الْفَاسِدَ مِنْ الصَّحِيحِ فَلَمْ يَشْهَدُوا لِإِحْدَاهُمَا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُعَيِّنُهُ غَيْرُ الزَّوْجِ قُبِلَ فِي ذَلِكَ تَعْيِينُهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ الْأُخْرَى لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا الْأُولَى لَلَزِمَ الزَّوْجُ الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ الْأُولَى نَفْسَ صَدَاقِهَا وَعِنْدِي أَنَّ فَسْخَ نِكَاحِهَا يَكُونُ طَلَاقًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إذَا مَلَكَ عِصْمَةَ إحْدَاهُمَا وَوَطِئَ الثَّانِيَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَقْدُ النِّكَاحِ هُوَ السَّابِقُ أَوْ الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ هُوَ السَّابِقُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ نَكَحَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَلَمْ يَبْنِ بِهَا حَتَّى وَطِئَ الثَّانِيَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَنَّهُ يُوقَفُ عَنْهَا حَتَّى يُحَرَّمَ فَرْجُ أَمَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ النِّكَاحَ وَقَالَ أَشْهَبُ بَلْ يَطَأُ الزَّوْجَةَ لِأَنَّ فَرْجَ أَمَتِهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُنْذُ عَقَدَ عَلَى أُخْتِهَا عَقْدَ نِكَاحٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مِنْهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْأُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يُوقَفَ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ فَوَطِئَهُمَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي بَابِ الِاسْتِمْتَاعِ وَمَنْعُهُ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْوَطْءُ وَمَقْصُودَ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمِلْكُ دُونَ الْوَطْءِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا فَوَطِئَهَا لَمْ يُوقَفْ عَنْ الْأُولَى فَبِأَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهُمَا إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) :

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يُنْهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا وَأَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْأُخْرَى قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبُ نِكَاحُهُ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ0 وَلَا يُحْدِثُ تَحْرِيمًا لِجَارِيَتِهِ لِأَنَّ نِكَاحَ أُخْتِهَا قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَقَفَ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا يَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَا يُقَرُّ عَلَى حَالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْوَقْفِ أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ نِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ وَلِوَطْءِ الْأَمَةِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ اسْتِدَامَةِ إمْسَاكِهَا مَعَ مَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ إذَا وَطِئَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُنِعَ مِنْ وَطْئِهِمَا حَتَّى يُحَرِّمَ فَرْجَ إحْدَاهُمَا وَلِعَقْدِ النِّكَاحِ تَأْثِيرٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقَدْ وُجِدَ فِي كِلَا الْجَنْبَتَيْنِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمَنْعِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِسَبَبِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا مَنْعًا يُفْسَخُ بِهِ عَقْدُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى زَوْجَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاللَّتَانِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ بُكَيْر هُمَا كُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى لِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ نَحْوِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وِلَادَةٌ كَالْأُمِّ مَعَ الْبِنْتِ وَالْجَدَّةِ مَعَ الْحَفِيدَةِ فَهَذَا الضَّرْبُ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَيْسَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وِلَادَةٌ كَالْأُخْتِ مَعَ الْأُخْتِ وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا وَالْعَمَّةِ مَعَ بِنْتِ أَخِيهَا فَهَذَا الضَّرْبُ الَّذِي يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ الْأُخْرَى فَالْأُخْتُ هِيَ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَّةُ هِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ هِيَ أُخْتٌ لِرَجُلٍ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ وَالْخَالَةُ هِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ هِيَ أُخْتٌ لِامْرَأَةٍ لَهَا عَلَيْك وِلَادَةٌ فَأُخْتُ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ خَالَةٌ وَكَذَلِكَ أُخْتُ أُمِّ الْأَبِ وَأُخْتُ الْجَدِّ لِلْأُمِّ عَمَّةٌ وَكَذَلِكَ أُخْتُ أَبِي أُمِّ الْأُمِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ذَكَرًا فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى أَوْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةُ الْأَبِ ذَكَرًا. وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر وَلَوْ تَصَوَّرْنَاهَا ذَكَرًا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ أَمَةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ وَالْوَلِيدَةُ فِي عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِمْ هِيَ الْأَمَةُ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ زِنًا وَالنِّكَاحُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ فِي حَالٍ يَتَعَقَّبُهُ السِّبَاءُ وَنِكَاحٌ فِي حَالٍ لَا يَتَعَقَّبُهَا السِّبَاءُ فَأَمَّا النِّكَاحُ فِي حَالٍ يَتَعَقَّبُهَا السِّبَاءُ فَهُوَ أَنْ يَتَنَاكَحَ الْمُشْرِكَانِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَتْ فِي سَهْمِهِ وَلِمَنْ ابْتَاعَهَا أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ تَلْبِيسًا فِي النَّسَبِ وَالشَّرْعُ مَوْضُوعٌ عَلَى تَخْلِيصِ الْأَنْسَابِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النِّكَاحُ الَّذِي لَا يَتَعَقَّبُهُ السِّبَاءُ فَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا أَوْ يَمُوتُ عَنْهَا حَامِلًا لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا سَيِّدُهَا فَيَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمَنْ ابْتَاعَهَا أَوْ نَكَحَهَا وَطْؤُهَا بَلْ لَا يَحِلُّ ابْتِيَاعُهَا وَلَا نِكَاحُهَا بِوَجْهٍ

[ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ زِنًا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ وَلِيدَةٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِحَمْلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَلَا يَسْتَمْتِعَ بِهَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يُقَبِّلَهَا وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَلْتَذَّ بِهَا بِغَمْزٍ وَلَا غَيْرِهِ كَانَ حَمْلُهَا ذَلِكَ مِنْ زِنًا أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَمَسَّ لَهَا يَدًا وَلَا رِجْلًا. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ] (ش) : قَوْلُهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ عَقَدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَسَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ يُرِيدُ أَنَّ ذِكْرَهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ لِأَنَّهُ قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْبِنَاءِ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ دُخُولًا وَلَا غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ يُرِيدُ أَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الرَّبَائِبِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَيَّدَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ فَبَقِيَتْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا دَاخِلَةً تَحْتَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ هُوَ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُمَّ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْبِنْتِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ الْقَاضِي قَالَ وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ قَالَ وَقَدْ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفُ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ وَقَالَ أَحْسَبُ أَنَّ بَيْنَهُمَا رَجُلًا لِأَنَّهُ يُخَالِفُ أَصْحَابَ سَعِيدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَلَمْ يَخُصَّ مَدْخُولًا بِابْنَتِهَا مِنْ غَيْرِهَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّهُ قَدْ شَرَطَ فِي الرَّبَائِبِ بَعْدَ هَذَا الدُّخُولِ فَقَالَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَالشَّرْطُ إذَا وَرَدَتْ عَقِبَهُ جُمَلٌ وَجَبَ تَعَلُّقُهُ بِجَمِيعِهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ رَاجِعًا إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَظِمْ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَا يَصِحُّ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اللَّفْظِ وَلَا بِالْمَوْضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَإِنَّ النِّسَاءَ فِي قَوْلِهِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ وَالنِّسَاءُ فِي قَوْلِهِ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] مَخْفُوضٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] نَعْتًا لَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ فِيهِمَا هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ النُّحَاةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْخَفْضِ وَمَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ أَوْلَى لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ عَامِلًا فِي الصِّفَةِ وَلِذَلِكَ إذَا قُلْت هَذَا غُلَامُ زَيْدٍ الْعَاقِلُ وَإِنْ كَانَ خَفْضُ زَيْدٍ بِالْإِضَافَةِ فَخَفْضُ الْعَاقِلِ بِذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ هَذَا غُلَامُ الْعَاقِلِ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ كَوْنُهُ وَصْفًا لَهُ وَإِذَا قُلْت خُذْ مِنْ عَمْرِو الْكَرِيمِ دِرْهَمًا فَإِنَّ الْكَرِيمَ أَيْضًا وَصْفٌ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتَفْتَى وَهُوَ بِالْكُوفَةِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْبِنْتُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَمْرٍو لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ فَتَقُولُ خُذْ مِنْ الْكَرِيمِ دِرْهَمًا فَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَقُولَ هَذَا غُلَامُ زَيْدٍ وَخُذْ مِنْ عَمْرٍو دِرْهَمًا الْكَرِيمَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ زَيْدٍ الْمُضَافِ وَالْعَامِلُ فِيهِ مِنْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ عُمَرَ وَالْمَخْفُوضِ بِمِنْ وَالْعَامِلُ فِيهِ الْإِضَافَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَحْرُمُ الْمُعَاقَبَةُ بَيْنَهُمَا وَهُنَّ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ اللَّاتِي لَيْسَ لِبَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ وِلَادَةٌ وَالضَّرْبُ الثَّانِي يَحْرُمُ الْجَمْعُ وَالْمُعَاقَبَةُ بَيْنَهُمَا وَهُنَّ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ اللَّاتِي لِبَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ وِلَادَةٌ كَالْأُمِّ مَعَ بِنْتِهَا وَالْجَدَّةِ مَعَ جَدَّتِهَا فَهَؤُلَاءِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ وَطْءَ إحْدَاهُنَّ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى عَلَى التَّأْبِيدِ وَهَلْ يُحَرِّمُهَا الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِهِ؟ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُنَّ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتَفْتَى وَهُوَ بِالْكُوفَةِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْبِنْتُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتَفْتَى وَهُوَ بِالْكُوفَةِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْسَلَهُ إلَى الْكُوفَةِ لِيُعَلِّمَهُمْ الْعِلْمَ وَيُفْتِي بَيْنَهُمْ فَاسْتُفْتِيَ هُنَاكَ عَنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فِي نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَنَا أَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الزَّوْجَاتِ مِثْلُ الرَّبَائِبِ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى قِيَاسِ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ يُوجِبُهُ يُرِيدُ أَنَّ النَّصَّ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْتَى فِي ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الرَّبَائِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ مَا أَفْتَى بِهِ لِيَعْلَمَ مُوَافَقَةَ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ أَوْ مُخَالَفَتَهُمْ إيَّاهُ فَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ فِيمَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَهَرَ إلَيْهِ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ فَشَكَّ فِي فَتْوَاهُ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْمَدِينَةِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَهُ لِيُظْهِرَ لَهُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ بِهَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ أَهْلُ الْآفَاقِ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَنْ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ لِأَنَّ مَا قَصَرَ عَنْهُ أَحَدُهُمْ اسْتَدْرَكَهُ سَائِرُهُمْ وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بُلُوغُ الْمُرَادِ مِنْ النَّظَرِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فِي حُكْمِهِ لِلْأُمِّ بَعْدَ الْعَقْدِ بِمِثْلِ حُكْمِهِ لِلْبِنْتِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ مِنْ اعْتِبَارِ الدُّخُولِ بِالْأُولَى وَذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ اعْتِبَارِ الدُّخُولِ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالرَّبَائِبِ دُونَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ يُرِيدُ تَعْجِيلَ أَمْرِهِ لَهُ بِالْفِرَاقِ وَإِخْبَارَهُ بِمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَنْزِلِهِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ ظَهَرَ إلَيْهِ وَجْهُ الصَّوَابِ فِي خِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ فَتَعَجَّلَ اسْتِدْرَاكَ الْأَمْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى مَنْعِهِ اسْتِدَامَةُ نِكَاحٍ مِنْ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بَاقِيًا عَلَى مَذْهَبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَلَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَخْذُ بِهِ وَحَمْلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ إلَى إمَامِ ذَلِكَ الْعَصْرِ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَوَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا إذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَفَارَقَ الْأُمَّ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ عَلَى ابْنَتِهَا حَرَامٌ فَإِذَا وَطِئَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأَمَةُ لِوَطْئِهِ أُمَّهَا وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ لِعَقْدِهِ نِكَاحَ ابْنَتِهَا قَبْلَهَا فَحُرِّمَتَا عَلَيْهِ جَمِيعًا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ الْأُمَّ فَارَقَهَا لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ نِكَاحِ ابْنَتِهَا وَبَقِيَ عَلَى نِكَاحِ الْبِنْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ وَطْءِ الْأُمِّ وَالِالْتِذَاذِ بِهَا مَا يُحَرِّمُهَا، وَنِكَاحُهَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِمَا عَقْدًا وَاحِدًا وَالثَّانِي أَنْ يَنْكِحَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَقَدْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا فَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يَدْخُلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ أَنْ يَدْخُلَ بِإِحْدَاهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَلَا يُقَرُّ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَصِحُّ إمْضَاؤُهُ عَلَى وَجْهِهِ لِفَسَادِهِ فَوَجَبَ إبْطَالُ جَمِيعِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا ابْتَاعَ ثَوْبًا وَخِنْزِيرًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُمَّ مِنْهُمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَهُ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ وَطْءُ شُبْهَةٍ وَلَا عَقْدُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَطْءُ الشُّبْهَةِ أَوْ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَأَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُرْمَةِ أَمْرَانِ الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَكَذَلِكَ عَقْدُ الشُّبْهَةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَكَانَتْ الْبِنْتُ هِيَ الْمَدْخُولُ بِهَا فَإِنَّ الْأُمَّ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِنْتِ وَيَسْتَقْبِلُ نِكَاحًا إنْ شَاءَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ تَأَبَّدَ تَحْرِيمَ الْبِنْتِ وَفُسِخَ نِكَاحُ الْأُمِّ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَعَلَى رِوَايَةِ سَحْنُونٍ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ الْأُمِّ أَيْضًا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُمَا قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِشُبْهَةٍ نِكَاحٌ يُؤَبِّدُ تَحْرِيمَ الْأُخْرَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِالْعَقْدِ فَتَزَوَّجَ الْأُمَّ أَوَّلًا ثُمَّ الْبِنْتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِنْتِ وَيَثْبُتُ عَلَى نِكَاحِ الْأُمِّ وَلَوْ بَنَى بِالْبِنْتِ لَحُرِّمَتْ الْأُمُّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِنْتِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ شَاءَ فَإِنْ بَنَى بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ وَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِوَطْءِ الْبِنْتِ وَوَطْءُ الْأُمِّ يُؤَبِّدُ تَحْرِيمَ الْبِنْتِ وَوَطْءُ الْبِنْتِ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ يُؤَبِّدُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ أَوَّلًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمَّهَا فَلَمْ يَبْنِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَقَدْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُ الْأُمِّ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَى الْبِنْتِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الْأُمِّ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْبِنْتِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَنَى بِالْبِنْتِ دُونَ الْأُمِّ فَإِنْ وَطِىءَ الْأُمَّ أَوْ وَطِئَهُمَا فَقَدْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُمَا لِأَنَّ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَبِوَطْءِ الْأُمِّ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُ الْبِنْتِ. (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَأَصَابَهَا فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أُمَّهَا رَاجِعًا إلَى الْبِنْتِ فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ آخِرًا وَأَصَابَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ لِأَنَّ عَقْدَهُ عَلَى الْبِنْتِ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْأُمَّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِصَابَتُهُ إيَّاهَا بِالْعَقْدِ الَّذِي أَحْدَثَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ مَا تَأَبَّدَ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَأَصَابَهَا رَاجِعًا إلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوَّجَةِ آخِرًا أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأُمِّ فِي قَوْلِهِ أُمَّهَا جَدَّةَ الْبِنْتِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الزِّنَى فَلَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَزَوَّجَةَ أَوَّلًا وَهَذَا أَيْضًا قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْأُمِّ بِالْعَقْدِ عَلَى ابْنَةِ ابْنَتِهَا فَلَا يَزِيدُهُ عَقْدُهُ عَلَى ابْنَتِهَا وَبِنَاؤُهُ بِهَا إلَّا تَأْكِيدَ التَّحْرِيمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَبِ مِنْ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَفِي حَقِّ الِابْنِ مِمَّا لِلْأَبِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ مُؤَثِّرَانِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَمِنْهَا الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ فَأَمَّا الْعَقْدُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ مُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ فَأَمَّا الْمُبَاحُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فَإِذَا عَقَدَ الرَّجُلُ عَقْدَ نِكَاحٍ مُبَاحٍ عَلَى الْمَرْأَةِ فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ وَأَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ وَإِنْ عَلَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَالرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فِي تَحْرِيمِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَمَا نَكَحَ الْآبَاءُ مِنْ النِّسَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَقْدُ الْمَكْرُوهُ وَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمَنْ عَقَدَ نِكَاحًا مُخْتَلَفًا فِيهِ ثُمَّ فَسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ الَّذِي سَمَّى مَهْرًا وَالنِّكَاحُ بِالصَّدَاقِ الْمَجْهُولِ أَوْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى أَوْ إلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ النِّكَاحُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ حُرِّمَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى أَبِي الزَّوْجِ وَابْنِهِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ مُحَرَّمًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ كَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ وَالنِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَنِكَاحِ الْأُخْتِ عَلَى الْأُخْتِ وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَنِكَاحِ التَّحْلِيلِ وَنِكَاحِ السِّرِّ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ لَا تُحَرَّمُ عَلَى أَبِي الزَّوْجِ وَلَا عَلَى ابْنِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فِي حُكْمِ الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ زِنًا فَأَمَّا الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ تَزْوِيجَ الْأُمِّ عَلَى ابْنَتِهَا حَرَامٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنْ أَصَابَ الْأُمَّ فِيهِ تَحْرُمُ الْبِنْتُ. (فَرْعٌ) وَالِالْتِذَاذُ بِالْمَرْأَةِ يَجْرِي فِي التَّحْرِيمِ مَجْرَى الْمَسِيسِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي وَاضِحَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الرَّبَائِبَ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرِّمَ حَلَائِلَ الْأَبْنَاءِ وَحَلَائِلَ الْآبَاءِ كَالْوَطْءِ. (ش) : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْوَطْءِ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الْوَطْءُ عَلَى وَجْهِ الزِّنَى فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ إنَّ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِابْنَتِهَا أَنَّهُ يُفَارِقُ امْرَأَتَهُ وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ عِنْدِي إذْ زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ لَمْ يَنْبَغِ لِأَبِيهِ وَلَا لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّنَى فِي جُمْلَةِ مَا وَقَعَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَقَّتُ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ كَاللِّوَاطِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُرِيدُ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَقَّتِ الْعِدَّةَ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ الْحُرْمَةَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَلَمْ تَثْبُتْ بِالزِّنَى كَالْإِحْصَانِ وَالنَّفَقَةِ وَإِسْقَاطِ الْحَدِّ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَصِيغَةُ النِّكَاحِ فِي الْوَطْءِ مَوْضُوعٌ لِلْوَطْءِ فَالظَّاهِرُ يَقْتَضِي لِعُمُومِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ وَطِئَهَا الْأَبُ فَقَدْ نُهِيَ عَنْ وَطْئِهَا ابْنُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ هَذَا بِالْوَطْءِ الصَّحِيحِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي فَسَادِ الصَّوْمِ كَمَا لَا يَجُوزُ

نِكَاحُ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهٍ مِمَّا يُكْرَهُ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا أَنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إنْ شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِبَارُهُ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَقَّتِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَجَوَابُ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْأَكْلَ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ، وَاللِّوَاطَ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ، وَلَا يَنْشُرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُرْمَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى يُرِيدُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ إنَّمَا يَخْرُجُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إلَى الزَّوْجَاتِ دُونَ مَنْ يُصَابُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى وَجْهِ الزِّنَى لِأَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ أُنْثَى وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِلَفْظِ النِّسَاءِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ لَحُرِّمَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا بِنْتٌ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ جَارٍ عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ تَقْتَضِي كَوْنَهَا زَوْجَةً لَهُ فَإِذَا قَالَ إنْسَانٌ هَذِهِ مِنْ نِسَاءِ فُلَانٍ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهَا مِنْ زَوْجَاتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ هَذِهِ امْرَأَةُ فُلَانٍ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَزْوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] تَحْرِيمُ أُمَّهَاتِ الزَّوْجَاتِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَى يُرِيدُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ذِكْرُ التَّحْرِيمِ وَيَحْتَاجُ فِي إبَاحَتِهِ إلَى زِيَادَةٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ التَّحْرِيمُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ حَتَّى تُوجَدَ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ الْآيَةِ بِمَا يُحَرِّمُهُ أَوْ يُبِيحُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالْآيَةِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ عَلَى أُمَّهَاتِ الزَّوْجَاتِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَالِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْوَطْءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُبَاحٌ وَمُحَرَّمٌ وَوَطْءُ شُبْهَةٍ فَأَمَّا الْمُبَاحُ وَالْمُحَرَّمُ فَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا وَطْءُ الشُّبْهَةِ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ عُمَرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا وَطِئَ ابْنَتَهُ فِي اللَّيْلِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ لَمْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ. 1 - (فَرْعٌ) إنْ قُلْنَا إنَّ الْوَطْءَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَالِابْنَةَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الصَّقَلِّيِّينَ فِيمَنْ مَرَّ بِيَدِهِ عَلَى فَخْذِ ابْنَتِهِ يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَتَعَمَّدَ ذَلِكَ دَخَلَهُ الْخِلَافُ فِيمَنْ زَنَى بِخَتَنَتِهِ هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَبَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَتْ الْمَلْمُوسَةُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ، وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ شَبْلُونٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّائِيُّ يَقُولُونَ لَا يَقَعُ بِهَذَا تَحْرِيمٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَقَدَ التَّزْوِيجَ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ الْمُبَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ قَصَدَ بِهِ النِّكَاحَ فَإِنَّ إصَابَةَ الزَّوْجَةِ فِيهِ تَنْشُرُ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا تَنْشُرُ الْإِصَابَةُ مِنْ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكُلُّ وَطْءٍ حَرَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ بِنِكَاحِ شُبْهَةٍ أَوْ جَهَالَةٍ فَالْحَدُّ فِيهِ سَاقِطٌ وَالْوَلَدُ فِيهِ لَاحِقٌ وَمَا كَانَ يَتَعَمَّدُ بِغَيْرِ وَجْهِ شُبْهَةِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكَ فَالْحَدُّ فِيهِ وَاقِعٌ وَالْوَلَدُ سَاقِطٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَتَزَوَّجَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَا يَعْقِدُهُ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه مما يكره]

وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا فَأَصَابَهَا حُرِّمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ وَكَمَا حُرِّمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نِكَاحُ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهٍ مِمَّا يُكْرَهُ] (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا أَنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَإِنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا سَوَاءٌ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي أُمِّهَا أَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ ابْنَتُهَا مَخْلُوقَةً مِنْ غَيْرِ مَائِهِ أَوْ مَخْلُوقَةً مِنْ مَائِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً مِنْ غَيْرِ مَائِهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ ابْنَةً مِنْ غَيْرِهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْوَاضِحَةِ أَنَّ مَنْ زَنَى بِالْأُمِّ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا وَتَقَدُّمُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ بَعْدَ الزِّنَى بِالْأُمِّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُفَارِقُهُ وَلَمْ يَقُلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ وَلَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالْفِرَاقِ وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ وَكَانَتْ الْبِنْتُ مَخْلُوقَةً مِنْ مَائِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ زَنَى بِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَوَلَدَتْ جَارِيَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ قَالَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ قَدْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ بِنْتِ امْرَأَةٍ وَطِئَهَا بِزِنًا وَالزِّنَا عِنْدَهُمْ يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ وَيَنْشُرُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ فَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ يَجُوزُ لِأَخِي الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ إنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ وَخُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ فَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ لِأَخِي الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ عَمُّهَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَا يُوجِبُ نَسَبًا وَلَا تَحْرِيمَ مُصَاهَرَةٍ فَلَمْ يَمْنَعْ النِّكَاحَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ سَحْنُونٌ فِي قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هَذَا خَطَأٌ صُرَاحٌ وَمَا عَلِمْت مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَتَزَوَّجُ ابْنَتَهُ مِنْ الزِّنَا وَأَبَاهُ أَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي ظَنِّي وَمَكْرُوهُهُ بَيِّنٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ زِنًا مُحَرَّمٍ الْوَلَدُ عَلَى مَنْ وَلَدَهُ كَالْوَلَدِ يَحْرُمُ عَلَى الْأُمِّ وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إنْ شَاءَ يُرِيدُ لِأَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَامًا وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ يُرِيدُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْوَطْءِ عَلَى هَذِهِ الْوَجْهِ فَهُوَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ لَفْظِ الْحَرَامِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي شُبْهَةِ النِّكَاحِ حَلَالٌ وَلِذَلِكَ قَالَ مَا أُصِيبَ بِالْحَلَالِ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَالٌ مِنْ جِهَةِ الْقَصْدِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشُبْهَةِ نِكَاحٍ فَوَطِئَهَا حَائِضَةً أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً لَنَشَرَ هَذَا الْوَطْءُ عِنْدِي الْحُرْمَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا بَلْ هُوَ وَطْءٌ حَرَامٌ مَحْظُورٌ لَكِنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ لِتَعَرِّيهِ عَنْ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَهَذِهِ الْآيَةُ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَقْدَ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ يُحَرِّمُهَا عَلَى ابْنِهِ دُونَ

[جامع ما لا يجوز من النكاح]

جَامِعُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ (ص) : (مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشَّغَارِ وَالشَّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِمْتَاعٍ وَلَا بِنَاءٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَإِنَّمَا يُرَاعَى الِاسْتِمْتَاعُ وَالْوَطْءُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَلَفَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَهُمْ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا نِكَاحًا حَلَالًا يُرِيدُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ وُجُودُ الْوَلِيِّ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَصِحَّةُ الْمَهْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَأَوْصَافِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا مِنْ جِهَةِ الْعِدَّةِ قَالَ فَأَصَابَهَا حُرِّمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ وُجِدَ مِنْهُ فِي شُبْهَةِ النِّكَاحِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ تَحْرِيمَ الْمَوْطُوءَةِ عَلَى ابْنِ الْوَاطِئِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ لَا يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ يُرِيدُ أَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ثَابِتَةٌ فِي هَذَا النِّكَاحِ إذَا أُصِيبَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لِمُصَادَفَةِ زَمَنِ الْعِدَّةِ وَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْإِصَابَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ أَوْ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَأَمَّا إذَا كَانَا عَالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ عِنْدِي يَحْتَمِلُ مِنْ الْخِلَافِ مَا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا فِي تَحْرِيمِ التَّأْبِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَمَا حُرِّمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا فَكَذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ ابْنَتُهَا إذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا يُرِيدُ أَنَّ ثُبُوتَ بَعْضِ التَّحْرِيمِ فِي هَذَا النِّكَاحِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ سَائِرِهِ. [جَامِعُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النِّكَاحِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ الشِّغَارُ هُوَ النِّكَاحُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَفَسَادُهُ فَيَجِبُ إنْ وَقَعَ أَنْ يُفْسَخَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشِّغَارِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَعْنَى الشَّغَارِ لِأَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ هُوَ قَوْلُهُ نَهَى عَنْ الشَّغَارِ وَبَاقِي الْحَدِيثِ يَجْعَلُونَهُ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ لَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَسْخِهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ قَالَ عَطَاءُ وَالشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّغَارُ جَائِزٌ وَفِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشِّغَارِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَلَّك بُضْعَ ابْنَتِهِ شَخْصَيْنِ النَّاكِحَ وَابْنَتَهُ وَذَلِكَ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّهُ يُفْسَخُ إنْ وَقَعَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا يُفْسَخُ بَعْدَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا نُبَيِّنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنْبَتَيْنِ ذِكْرُ مَهْرٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا ذِكْرُ مَهْرٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُزَوِّجُك ابْنَتِي بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِمِائَةٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ الرَّجُلَ ابْنَتَهُ وَيَنْكِحُهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَيَضَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الصَّدَاقِ لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَوْ وَضَعَا الصَّدَاقَ كُلَّهُ كَانَ شَغَارًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ مِلْكًا لِلزَّوْجِ الَّذِي

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيِّ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزَوَّجَهَا وَالْبِنْتَ الْأُخْرَى مِلْكُ الزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ وَمَلَكَتْهُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ بَعْضُ مَهْرِهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَدْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبُضْعَيْنِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ عِوَضًا مِنْهُ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِيقَةِ الشَّغَارِ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ أَنَّ فِي الْعَقْدِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَشَرْطًا يَكُونُ مَعَهُ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَدَخَلَ الْفَسَادُ بِذَلِكَ فِي الْمَهْرِ وَحُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتَ بَعْدَهُ وَأَمَّا إذَا عَرَا عَنْ الْمَهْرِ فَالْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا مَهْرًا وَلَمْ يُسَمِّ لِلْأُخْرَى مَهْرًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُزَوِّجُك ابْنَتِي بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك دُونَ مَهْرٍ فُسِخَ الْعَقْدَانِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ عَقْدُ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ وَيَثْبُتُ عَقْدُ الْأُخْرَى وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الَّتِي سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ وَاَلَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْفَسَادُ دَخَلَ فِي النِّكَاحِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَلِفَسَادِ الْمَهْرِ فَأَمَّا فَسَادُ الْعَقْدِ فَمِثْلُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنِكَاحِ الشِّغَارِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا تَعَلَّقَ الْفَسَادُ بِالنِّكَاحِ لِعَقْدِهِ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَوَجَبَ فِيهِ بِالدُّخُولِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الَّذِي يَنْعَقِدُ عَلَى الْخِيَارِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَالثَّانِيَةُ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَالْفَسَادُ فِي هَذَا النِّكَاحِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى رَاوِيَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَتَّى يَرِدَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالشِّغَارُ فِي الْأُخْتَيْنِ كَالشَّغَارِ فِي الِابْنَتَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالِابْنَتَيْنِ الْبِكْرَيْنِ وَهُمَا مَنْ لَا يُعْتَبَرُ بِرِضَاهُ فِي النِّكَاحِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فَلَا يَدْخُلُهُ الشِّغَارُ وَإِنَّمَا هِيَ كَاَلَّتِي تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إثْبَاتُ حُكْمِ الشِّغَارِ فِي الْمَوْلَاتَيْنِ وَالْمَوْلَاتَانِ لَا يُجْبَرَانِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَوْ سَلِمَ لَهُ مَا قَالَهُ لَلَزِمَهُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نِكَاحِ الشَّغَارِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الشَّغَار بَعْدَ الْبِنَاءِ مَوْجُودٌ كَمَا هُوَ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ أَبَاهَا عَقَدَ نِكَاحَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ دُونَ أَنْ يَسْتَأْذِنَهَا وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا وَيُوقِفَهُ عَلَى إجَازَتِهَا وَالثَّانِي أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا وَيُلْزِمَهَا إيَّاهُ وَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَمَّا النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِيهِ فَأَجَازَهُ مَرَّةً إذَا أُجِيزَ بِالْقُرْبِ. وَقَالَ مَرَّةً أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ يَنْعَقِدُ وَيَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ صَحَّ وَنَفَذَ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ الْإِجَازَةُ بَطَلَ كَقَوْلِنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ بِوَجْهٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كَوْنَ النِّكَاحِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ مُجِيزٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْقَبُولِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْفَسْخِ فَجَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَعَقْدِ الْوَصِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ فَصِفَةُ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ عَلَى وَلِيَّتِهِ وَيَشْتَرِطَ إجَازَتَهَا وَيَذْكُرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدُ وَأَنَّهُ قَدْ أَمْضَى مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهَا إنْ أَجَازَتْ فَالنِّكَاحُ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيِّ قَدْ نَفَذَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوْ إجَازَةِ الزَّوْجِ أَوْ إذْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا صِفَةَ وَقْفِهِ عَلَى إذْنِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُ أَصْحَابُنَا جَوَازَهُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْقِدَ الْوَلِيُّ مَا إلَيْهِ مِنْ الْعَقْدِ وَيَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ وَيَبْقَى مَا إلَى الزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنْفَذَ الزَّوْجُ مَا إلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ وَبَقِيَ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِيجَابِ فَهَذَا مَوْقُوفٌ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ وَالثَّانِي أَنْ يُكْمِلَ الْوَلِيُّ الْعَقْد عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارَ فَهَذَا مَوْقُوفٌ طَرَفَاهُ عَلَى الْخِيَارِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَ إجَازَتِهِ بِالْقُرْبِ أَوْ بَعْدَ الْبُعْدِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فَسْخُهُ إذَا بَعُدَ وَإِجَازَتُهُ إذَا قَرُبَ لِأَنَّ الْيَسِيرَ يَجُوزُ فِي الْأُصُولِ كَيَسِيرِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ طَرَفَاهُ عَلَى الْإِجَازَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قُرْبِ الْإِجَازَةِ وَلَا بُعْدِهَا فِي النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ الْقِيَاسَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُنَافِيهِ الْخِيَارُ وَلَا يُنَافِي الْبَيْعَ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ إجَازَتَهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ دُونَ بِعِيدِهَا اسْتِحْسَانٌ كَإِجَازَةِ يَسِيرِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ كَثِيرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ إجَازَةَ يَسِيرِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ كَثِيرِهِ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ وَالْفَرْضُ اللَّازِمُ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ يُنَافِي الصَّلَاةَ بِإِجْمَاعٍ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِهَا وَفَرْضِهَا الِاتِّصَالُ وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَسِيرُ الْعَمَلِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ يَسِيرِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ طَرَفَاهُ عَلَى الْإِجَازَةِ قَدْ وُجِدَ جَمِيعُهُ فَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَقْدُهُ صَحِيحًا فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ طَالَتْ مُدَّتُهُ أَوْ قَصُرَتْ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فَاسِدًا فَقَدْ فَسَدَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلِذُلِّك قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ اتِّصَالُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ بِالْآخَرِ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ يَسِيرِ مُهْلَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُؤْتَى بِالْقَبُولِ بَعْدِ الْإِيجَابِ بِغَيْرِ فَصْلٍ وَلَا يُفْسِدُهُ تَأَخُّرُ الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَانَ كَثِيرُ الْمُدَّةِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ وَيَسِيرُهَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَالْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ طَرَفَاهُ عَلَى الْإِجَازَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَالثَّانِي الْمَنْعُ عَلَى وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. وَقَدْ اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْآخَرِ فَفِي كَرَاهِيَةِ مَا قَرُبَ مِنْهُ قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ أَجَازَهُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجَارِيَةِ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ عَلَى إنْ رَضِيَتْ قَالَ يُفْسَخُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً قِيلَ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَالَ مَا أَدْرِي كَأَنَّهُ ضَعَّفَ الْفَسْخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يَرَهُ وَلَا خِلَافَ عَلَى هَذَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَرَاهِيَتِهِ وَفِيمَا بَعُدَ مِنْ الْمُدَّةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ وَالْآخَرُ الْإِبْطَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ فِي قَصِيرِ الْمُدَّةِ دُونَ طَوِيلِهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ أَوْ الْبِكْرَ أَوْ الثَّيِّبَ وَلَا يَسْتَأْمِرُهَا ثُمَّ يَسْتَأْمِرُهَا سِرًّا أَوْ يُبَلِّغُهَا فَتَرْضَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ تَزْوِيجِهِ وَكَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ أَوْ الْمَوْضِعِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ الْبَلَدِ أَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ جَمَعَهُمَا الْبَلَدُ أَوْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ تَزْوِيجِهِ إيَّاهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَبَيْنَ أَنْ عَلِمَتْ فَرَضِيَتْ وَأَنْ جَمَعَهُمَا الْبَلَدُ وَالْمَوْضِعُ فَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْبَلَدِ وَالْمَوْضِعِ وَقُرْبُ مُدَّةِ الرِّضَا وَلَمْ يُعْتَبَرُ مِقْدَارُ الْقُرْبِ فِي مُدَّةِ الرِّضَا وَقَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُزَوِّجُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ الْحَاضِرَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَنَّهُ إنَّ رَضِيَ بِحِدْثَانِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ رِضَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْيَوْمِ أَوْ

[نكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة وفي هذا بابان]

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهِ لَرَجَمْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَيَّامِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ زَوَّجَ أُخْتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ وَهِيَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ مُقِيمَةٌ ثُمَّ تُخَيَّرُ فَتَرْضَى؟ إنَّ مَالِكًا أَجَازَهُ وَإِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً عِنْدَهُ فِي الْبَلَدِ فَلَمَّا عَلِمَتْ رَضِيَتْ لَمْ يَجُزْ هَذَا النِّكَاحُ قِيلَ لِسَحْنُونٍ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَكُونَا فِي حِصْنٍ وَاحِدٍ وَهِيَ بَعِيدَةٌ وَالْبَلَدُ يَجْمَعُهُمَا؟ فَقَالَ بَلْ فِي حِصْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بَيْنَهُمَا قَرِيبٌ مِنْ الْبَرِيدِ وَالْيَوْمِ وَشِبْهِهِ وَالْقُلْزُمِ مِنْ مِصْرَ مَا هُوَ بِكَثِيرٍ وَبَيْنَهُمَا يَوْمَانِ أَذَا أَرْسَلَ إلَيْهَا فِي فَوْرِ ذَلِكَ فَأَجَازَتْ فَأَمَّا مِثْلُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَأُسْوَانَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ أَجَازَتْهُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ فَالْخِلَافُ بَيْنَ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبِ وَقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ شَرَطَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ يُرِيد الْحِصْنَ الْوَاحِدَ أَوْ الْقَرْيَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ سَحْنُونٌ وَجَوَّزَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ وَالثَّانِي ابْنُ حَبِيبٍ جَعَلَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجَعَلَ سَحْنُونٌ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرُ الْخَمْسَةُ الْأَيَّامِ وَالثَّمَانِيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْقَوْلَانِ فِي طَوِيلِ الْمُدَّةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ الْبَائِنَةَ عَنْهُ فَتَرْضَى إذَا بَلَغَهَا مَا فَعَلَ أَبُوهَا أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ وَلِأَصْبَغَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ إنْ أَجَازَتْهُ جَازَ وَقَالَ أَيْضًا لَا أُحِبُّ الْمَقَامَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ أَحَدِ طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَنْ الْآخَرِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ يُوجِبُ فَسَادَهُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْخِيَارِ الَّذِي يُنَافِي النِّكَاحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ إبْطَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِالْآخَرِ أَوْ مُقَارَنَتِهِ لَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي مَنْعِ الْجَبْرِ عَلَى الْفَسْخِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجْوِيزِ هَذَا النِّكَاحِ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ الَّذِي يُنَافِي النِّكَاحَ إنَّمَا هُوَ الْخِيَارُ بَعْدَ وُجُودِ طَرَفَيْ النِّكَاحِ وَأَمَّا الْخِيَارُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ لِمَنْ بِيَدِهِ الطَّرَفُ الْآخَرُ مِنْ الْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّى النِّكَاحُ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وُجُودُهُ دُونَهُ لَمْ تَصِحَّ مُنَافَاتُهُ لَهُ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ إلَّا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا وَهَذَا حُكْمُ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا سَفِيهَةً غَيْرَ مَالِكَةٍ أَمَّرَهَا فِي مَالِهَا فَإِنَّهَا تَمْلِكُ أَمْرَ نِكَاحِهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ مَعَهَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ الْأَبِ الَّذِي يَمْلِكُ النَّظَرَ فِي مَالِهِ فَبِأَنْ لَا يَمْلِكَ غَيْرُهُ إجْبَارَهَا أَوْلَى، وَهَذَا الْجَبْرُ وَرَدَ فِي حُكْمِ «خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ كَانَتْ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهَا لَمَّا كَرِهَتْهُ وَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدٍ الْخُدْرِيَّ» . [نِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَفِي هَذَا بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مُقَارَنَةِ الشَّهَادَةِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ] (ش) : قَوْلُهُ أُتِيَ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ يُرِيدُ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ سِوَاهُمَا وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا مُقَارَنَةُ الشَّهَادَةِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالثَّانِي ذِكْرُ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مُقَارَنَةِ الشَّهَادَةِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ) أَمَّا مُقَارَنَةُ الشَّهَادَةِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي عَدِّ ذَلِكَ عِنْدَنَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ ثُمَّ يَقَعُ الْإِشْهَادُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي وَزَيْدُ بْنُ هَارُونَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ أَوْ أَعْمَيَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ

[الباب الثاني في صفة من يثبت النكاح بشهادته]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَذْفٍ وَيَجُوزُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مُقَارَنَةُ الشَّهَادَةِ لِعَقْدِهِ فَإِنْ عَرَا عَنْ الشَّهَادَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَجَبَ فَسْخُهُ لِفَسَادِهِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ شَاهِدَا عَدْلٍ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا بَنَيْنَا عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ وَدَعَوْت الْمُسْلِمِينَ إلَى وَلِيمَةٍ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَأُلْقَى فِيهَا مِنْ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ السَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتُهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقَالُوا إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَسَدَلَ الْحِجَابَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّاسِ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى نِكَاحِهَا لَعَلِمُوا ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ لِاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الشَّهَادَةِ كَالرَّجْعَةِ وَشِرَاءِ الْأَمَةِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ فَإِنَّ هَذَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَمْ تَكُنْ مُفَارِقَةُ الشَّهَادَةِ شَرْطًا فِي صِحَّته كَالْإِجَارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ وَلَمْ يَحْضُرْهُ شُهُودٌ ثُمَّ أَقَرَّ وَأَشْهَدَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ وَإِنْ بَنَى وَلَمْ يُشْهِدَا فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعَرِّي عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ الشَّهَادَةِ لَا ذَرِيعَةَ فِيهِ إلَى الْفَسَادِ، وَتَعَرِّي الْوَطْءِ وَالْبِنَاءِ مِنْ الشَّهَادَةِ فِيهِ الذَّرِيعَةُ إلَى الْفَسَادِ، فَمُنِعَ مِنْهُ لِذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ لِكُلِّ مَنْ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي خَلْوَةٍ أَوْ أَقَرَّ بِجِمَاعِهَا أَنْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ لَارْتَفَعَ حَدُّ الزِّنَا عَنْ كُلِّ زَانٍ وَالتَّعْزِيرُ فِي الْخَلْوَةِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِيَرْتَفِعَ هَذَا الْمَعْنَى فَمَتَى وَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فُسِخَ مَا اُدُّعِيَ مِنْ النِّكَاحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ دَخَلَ وَلَمْ يُشْهِدْ إلَّا شَاهِدًا وَاحِدًا فَسِخَ النِّكَاحُ وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ بِثَلَاثِ حَيْضَاتٍ إنْ أَحَبَّ. (فَرْعٌ) وَهَلْ عَلَيْهِمَا حَدٌّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسِيسِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَمْرُهُمَا دَرْءَ الْحَدِّ عَنْهُمَا عَالِمَيْنِ كَانَا أَوْ جَاهِلَيْنِ وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ عَلَى نِكَاحِهِمَا أَوْ مَعْرِفَةِ بِنَائِهِمَا بِاسْمِ النِّكَاحِ وَذِكْرُهُ وَإِظْهَارُهُ كَالْأَمْرِ الْفَاشِي مِنْ نِكَاحِهِمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ إنْ كَانَا مِمَّنْ لَا يُعْذَرَانِ بِجَهَالَةٍ حُدَّا وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُمَا فَاشِيًا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْإِفْشَاءَ فِي النِّكَاحِ وَالْإِعْلَانَ بِهِ أَبْلُغُ فِي إظْهَارِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ الْإِشْهَادُ وَاقْتَرَنَ بِهِ الْكِتْمَانُ لَفَسَدَ الْعَقْدُ وَبِالْإِعْلَانِ يُفَارِقُ صِفَةَ الزِّنَا وَيَمْتَنِعُ فَسَادُهُ فَإِذَا وُجِدَ الْإِعْلَانُ بِهِ انْتَفَى الْحَدُّ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِفْشَاءَ وَالْإِظْهَارَ إذَا قَصَرَ عَنْ الثُّبُوتِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْكِتْمَانِ وَالِاسْتِسْرَارِ الَّذِي يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْلِمُ الْإِمَامَ الَّذِي يَرْفَعُ إلَيْهِ ذَلِكَ فَشَقَّ هَذَا الْأَمْرُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَنْ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَنْ يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ) لَا يَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ وَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ وَقِيلَ فِي الرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُثْبِتُ حُكْمًا فِي الْبَدَنِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ كَالْعَبِيدِ وَالْفُسَّاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ النِّكَاحِ غَيْرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ تَعْلِيلَهُ لِمَنْعِهِ بِأَنَّهُ مِنْ نِكَاحِ السِّرِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نِكَاحِ السِّرِّ فَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ. وَقَالَ إنَّهُ يُفْسَخُ إنْ وَقَعَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُفْسَخُ وَاسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَسْوَدِ الْقُرَشِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَعْلِنُوا بِالنِّكَاحِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الِاسْتِسْرَارَ بِالنِّكَاحِ مَمْنُوعٌ لِمُشَابِهَةِ الزِّنَا الَّذِي يُتَوَاطَأُ عَلَيْهِ سِرًّا فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ النِّكَاحُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ مِنْ الزِّنَا وَلِذَلِكَ شُرِعَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ اللَّهْوِ وَالْوَلِيمَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِعْلَانِ فِيهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي يُرَاعَى فِيهِ تَرْكُ التَّوَاطُؤِ عَلَى الْكِتْمَانِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَقْدُهُ دُونَ ذِكْرِ كِتْمَانٍ وَلَا إعْلَانٍ فَمَتَى عَقَدَ عَلَى هَذَا فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكِتْمَانِ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْتَرِنَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ الْإِشْهَادُ عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُنَا أَوْ تَرْكُ التَّوَاطُؤِ عَلَى الْكِتْمَانِ عِنْدَنَا. وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ سَائِرِ الْعُقُودِ وَكُلُّ مَا يُلْزِمُنَا الْمُخَالِفُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ مُقَارَنَةِ الْإِشْهَادِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبَةُ الْأَسَانِيدِ لَا يَكَادُ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا شَاعَ مِنْهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ يُقَوِّي الْمَنْعَ مِنْ الْكِتْمَانِ وَيَرْجِعُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ صِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا النِّكَاحُ مِنْ السِّفَاحِ وَنَحْنُ لَا نُرَاعِي نَفْيَ الْكِتْمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ أَسْبَابِ الزِّنَا الَّذِي لَا يَكَادُ يُفَارِقُهَا وَيُرَاعَى الْإِشْهَادُ بِهِ فِي صِحَّةِ الْوَطْءِ وَمُفَارِقَتِهِ لِلزِّنَا فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْإِشْهَادِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِشْهَادِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَتَصْحِيحِ الْوَطْءِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ الزِّنَا وَوَجْهٌ ثَانٍ مِنْ التَّرْجِيحِ وَهُوَ أَنَّنَا لَا نَشْتَرِطُ زِيَادَةً عَلَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا نَتَّقِي إحْدَاثَ صِفَةٍ تُشَابِهُ صِفَةَ الزِّنَا وَهِيَ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكِتْمَانِ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْتَرِطَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَيَصِحُّ إذَا اتَّفَقَا عَلَى صِفَةٍ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَبِهَا يُشَابِهُ الزِّنَى وَهِيَ الْكِتْمَانُ، فَكَانَ مَا قُلْنَا أَوْلَى لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ إطْلَاقَهُ لِلْعَقْدِ مَعَ مَنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ مِنْهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَغَيْرِهَا. (فَرْعٌ) وَكُلُّ نِكَاحٍ اُسْتُكْتِمَهُ شُهُودُهُ فَهُوَ مِنْ نِكَاحِ السِّرِّ وَإِنْ كَثُرَ الشُّهُودُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَعُمَرُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عِيسَى سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِمِصْرَ يَقُولُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ ثُمَّ اُسْتُكْتِمُوا كَانَ نِكَاحَ سِرٍّ قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ الْحَقُّ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ لَا يَكُونُ نِكَاحُ السِّرِّ إلَّا فِي مِثْلِ الَّذِي وَقَعَ بِعَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَأَمَأ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ فَصَاعِدًا فَهُوَ نِكَاحٌ حَلَالٌ جَائِزٌ وَإِنْ اسْتَكْتَمَ ذَلِكَ الشُّهُودَ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَهُ عَدْلَانِ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ بِسِرٍّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَى الْكِتْمَانِ الَّذِي يُنَافِي النِّكَاحَ وَيُشَابِهُ التَّسَبُّبَ إلَى الزِّنَا وَإِنْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ وَالْأَوْلِيَاءُ عَلَى الْكِتْمَانِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الشُّهُودُ فَهُوَ نِكَاحُ السِّرِّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهِ لَرَجَمْت قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا هَذَا مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَالْمَنْعِ مِنْهُ وَلَا رَجْمَ وَلَا حَدَّ إذَا وَقَعَ وَلَكِنْ الْعُقُوبَةُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُعَاقَبُ الشَّاهِدَانِ إنْ أَتَيَا ذَلِكَ عَنْ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَإِنْ جَهِلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَاقَبَا زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُعَاقَبُ النَّاكِحُ وَالْمُنْكَحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي فِي قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ إذَا لَمْ يَقَعْ الْإِشْهَادُ بِهِ وَظَهَرَ بِهِمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ إعْلَانٍ وَلَا إشْهَادٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ إنَّمَا كَانَ فِي امْرَأَةٍ مُوَلَّدَةٍ تَزَوَّجَهَا رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ نِكَاحَ

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQسِرٍّ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَدَرَأَ عَنْهُمَا الْحَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ وَلَمَّا قَدَّرَ بِهِمَا مِنْ الْجَهْلِ بِمَنْعِهِ فَيَكُونُ قَوْلُ عُمَرَ لَوْ كُنْت تَقَدَّمَتْ فِيهِ لَرَجَمْت بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ تَقَدُّمًا لَمَنَعَ هَذَيْنِ النَّاكِحَيْنِ عِلْمُهُ وَلَا يَكُونَانِ مِمَّنْ يَجْهَلُ حُكْمَهُ فِيهِ لَرَجَمْتهمَا لِمَا ظَهَرَ مِنْ حَمْلِ الْمَرْأَةِ دُونَ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا فَإِنَّ نِكَاحَ غَيْرِهِ لَهَا مَمْنُوعٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا بَائِنًا فَإِنَّ نِكَاحَ غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ فِي عِدَّتِهَا وَنِكَاحُهُ مَمْنُوعٌ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَمَعْنَاهُ التَّرَبُّصُ عَنْ النِّكَاحِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ لَهُمَا لِمَا ارْتَكَبَاهُ مِنْ الْمَحْظُورِ وَهُوَ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الَّتِي تَتَزَوَّجُ فِي الْعِدَّةِ فَيَمَسُّهَا الزَّوْجُ أَوْ يُقَبِّلُ أَوْ يُبَاشِرُ أَوْ يَغْمِزُ أَوْ يَنْظُرُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ أَنَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ الْعُقُوبَةَ وَعَلَى الْوَلِيِّ وَعَلَى الشُّهُودِ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ وَمَنْ جَهِلَ مِنْهُمْ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ الْحَدُّ إنْ كَانَا تَعَمَّدَا ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْعِدَّةِ وَلَعَلَّهُ جَهِلَ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ فَذَلِكَ الَّذِي يُعَاقَبُ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ ضَرْبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَرْأَةَ وَزَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَتَكُونُ الْعُقُوبَةُ وَالذُّنُوبُ بِحَسْبِ الْمُعَاقَبِ وَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى أَنَّهُمَا عَلِمَا التَّحْرِيمَ وَتَقَحَّمَا ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ جُرْأَةً وَإِقْدَامًا وَاسْتِخْفَافًا. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُتَعَمِّدِ إحْدَاهُمَا يُحَدُّ وَالثَّانِيَةُ لَا يُعَاقَبُ وَلَا يُحَدُّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَبِيلِ تَعْلِيمِ مَنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، وَالتَّقْدِيمِ إلَى النَّاسِ فِيهِ، وَالزَّجْرِ لَهُمْ عَنْهُ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ حُكْمِ الْمَدْخُولِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لَازِمٌ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ زَمَنَ الْعِدَّةِ فَكَانَ فَسَادُهُ فِي عَقْدِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ كَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ يُرِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ لَا يَتَأَبَّدُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَأَبَّدُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قَالَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ بِشُبْهَةٍ فِي النَّسَبِ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهُ أَصْلُهُ إذَا وَاعَدَ وَلَمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْقِدْ قَالَ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ حَتَّى يُقَارِنَهُ الْوَطْءُ أَصْلُهُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَالْخِلَافُ فِي أَصْلِهِ كَالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَرَادَ إثْبَاتَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا نِكَاحٌ فِي عِدَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَأَبَّدَ بِهِ التَّحْرِيمُ أَصْلُهُ إذَا بَنَى بِهَا وَأَيْضًا مَا مَنَعَ حَسْمًا لِلْبَابِ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ بِهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ فَإِذَا انْقَضَتْ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ الثَّانِي تَكْفِيهَا مِنْ يَوْمِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ أَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أُجِّلَ فَجَازَ أَنْ يَنْقَضِيَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ اثْنَيْنِ أَصْلُهُ أُجِّلَ الدَّيْنُ وَمِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَحَالُ بَقَاءِ النِّكَاحِ آكَدُ وَأَقْوَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ إذَا طَرَأَ مَعَ قِيَامِ النِّكَاحِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَنْ يَتَعَقَّبَ الْعِدَّةَ الْوَطْءُ فَبِأَنْ لَا تَمْنَعَ الْعِدَّةُ مِنْ تَعَقُّبِ الْعِدَّةِ الْوَطْءَ أَوْلَى وَأَحْرَى وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فِيهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَوْفَى فِيهَا إتْيَانُ الْحَقِّ عَلَى الْكَمَالِ أَصْلُهُ مُدَّةُ الْإِجَازَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْعِدَّتَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْإِقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ فَإِذَا كَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْحَمْلِ فَإِنَّ عِدَّةَ وَضْعِ حِمْلِهَا يَكْفِيهَا عَنْهُمَا جَمِيعًا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ بَرَاءَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا مُدَّةٌ فَالْمُطَلَّقَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ سَبَبِ عِدَّتِهَا بِلَحْظَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِالْإِقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ فَطَرِيقُهُ الظَّاهِرُ وَبِذَلِكَ يَلْحَقُ الْحَمْلَ بَعْدَ الْإِقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الثَّانِي وَقَدْ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ حَيْضَةٍ وَوَلَدَتْ لِسِتِّهِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُبْرِئُهَا الْوَضْعُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَا يُجْزِئُهَا مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَيْضِ وَلَا يُجْزِئُهَا الْوَضْعُ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يُبْرِئُهَا مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَضَعْفًا وَتَأْتَنِفُ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَ الْوَضْعِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا لَمْ يُبْرِئْهَا وَضْعُهُ وَلَا تَبْرَأُ بِوَضْعِ مَنْ لَا يَلْحَقُ إلَّا فِي الْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ إنْ اسْتَلْحَقَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عِدَّةَ وَفَاةٍ لَمْ يُبْرِئْهَا إلَّا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ بِعِيدَيْنِ الْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَلْزَمُ فِيهَا الْإِحْدَادَ وَتَعْتَدُّ مِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُرْتَابَةً أَوْ مُسْتَحَاضَةً اعْتَدَّتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ فَسْخِ نِكَاحِ الثَّانِي فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي سَقَطَ عَنْهَا الْإِحْدَادُ وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى مِنْ طَلَاقٍ نُظِرَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا مِنْ يَوْمِ مُفَارِقَةِ الثَّانِي لَهُ فَإِنْ كَانَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ سَقَطَ عَنْ الْأَوَّلِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ السُّكْنَى فَانْتَقَلَتْ إلَى حَيْثُ شَاءَتْ تُتِمُّ بَقِيَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا وَأَرَادَ ارْتِجَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ يُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَا يُقِرُّ بِهَا وَلَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى تُتِمَّ الِاسْتِبْرَاءَ رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ. (فَصْلُ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا يُرِيدُ أَنَّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُمَا يَتَأَبَّدُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَاكِحٍ فِي الْعِدَّةِ دَخَلَ بِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذَا صَرِيحٌ فَإِنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءَهُ بِهَا كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَخْلُو النَّاكِحُ فِي الْعِدَّةِ إذَا بَنَى بِهَا أَنْ يُبْنَى بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ بَنَى بِهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَأَبَّدُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ تَحْرِيمَهَا يَتَأَبَّدُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ مَا ثَبَتَ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ وَقِيَامُهُ بِهِ فِي النَّاسِ فَكَانَتْ قَضَايَاهُ تَسِيرُ وَتَنْتَشِرُ وَتُنْقَلُ فِي الْأَمْصَارِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مَعَ شُهْرَةِ ذَلِكَ وَانْتِشَارِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدُ نِكَاحٍ تَقَدَّمَهُ بِنَاءُ نِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَرَا مِنْ الشُّهُودِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ مَمْنُوعٌ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهُ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَتْ مُتْعَةً أَوْ زَنَتْ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ الْمَشْهُورَ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ كَأَجْنَبِيٍّ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنَّهَا إنْ طَلَبَتْ الَّذِي أَعْطَتْهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ فَطَلَبَتْ ذَلِكَ فَرَدَّهُ إلَيْهَا وَرَاجَعَهَا وَأَصَابَهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا لِأَنَّهُ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ سَأَلَتْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَكُلُّهُمْ أَبَى هَذَا الْجَوَابَ وَقَالُوا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَتِهِ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ فِي عِدَّةٍ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّزَوُّجِ فِيهَا فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا مَنْعُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحَهَا إلَّا بِشَرْطٍ قَدْ عُدِمَ فَأَشْبَهَ الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا. (فَرْعٌ) وَمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الَّتِي تُؤْمَرُ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ كَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ كَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْعِدَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ حَالَ حُرْمَتِهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ مِنْ أَجَلٍ مُسْتَبِيحٍ لِوَطْئِهَا كَمَا لَوْ تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حُكْمُ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الِاسْتِبْرَاءِ خَاصَّةً وَسَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُسْلَكُ بِهِ سَبِيلَ الْمُتَزَوِّجِ فِي الْعِدَّةِ إذَا أَصَابَ وَإِذَا لَمْ يُصِبْ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَلَّقَ أَمَةً فَأَصَابَهَا سَيِّدُهَا فِي عِدَّتِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَصَابَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ أَوْ أَصَابَ بِنِكَاحٍ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ نَكَحَ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَطْءٌ فِيهَا وَلَكِنَّهُ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُؤَبَّدٍ قَالَ أَصْبَغُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أُحِبُّ إلَيَّ آمُرُهُ بِذَلِكَ وَلَا أَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ كَتَحْرِيمِ الرَّبَائِبِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالْقُبْلَةَ إنَّمَا يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْءِ فِيمَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُ بِالتَّنْزِيلِ وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجْرِي مَجْرَاهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ أُرْخِيَتْ السُّتُورُ عَلَى النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ قَالَ لَمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَسَّ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَوْ صَدَّقَتْ فِي مِثْلِ هَذَا لَأَسْقَطَتْ عَنْ نَفْسِهَا الْعِدَّةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ عَقَدَ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا إلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ بِنِكَاحٍ فِي الْعِدَّةِ فَتَأَبُّدُ تَحْرِيمِهَا كَاَلَّتِي تُصَابُ فِي الْعِدَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ بِنِكَاحٍ فِي الْعِدَّةِ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهَا كَاَلَّتِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا إلَّا الْعِدَّةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَطْءٌ أَصْلًا فِي الْعِدَّةِ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ وَفِي تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا نَفْيُهُ وَالْأُخْرَى إثْبَاتُهُ وَجْهُ نَفِيه وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَعْنَى تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ إدْخَالُ الشُّبْهَةِ فِي النَّسَبِ وَمُجَرَّدُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُقَارِنْهُ وَطْءٌ أَصْلُهُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي يَنْتَقِضُ بِالْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يُوجِدُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَوَجْهُ إثْبَاتِ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ اعْتِبَارُهُ بِالْوَطْءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ وَاعَدَتْهُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَنَكَحَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبِ عَنْ مَالِكٍ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ ضَعَّفَ الْفِرَاقَ فِيهِ وَقَالَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ وَيُؤَثَّمُ فِيهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ مِنْ أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ هِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وَهَذِهِ الْمُوَاعَدَةُ هِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا وَبِهَا تَمَّ النِّكَاحُ وَعَلَيْهَا الْعَقْدُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَقْدٌ وَلَا مَسِيسٌ فِي الْعِدَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَاَلَّذِي لَمْ تَتَقَدَّمْهُ مُوَاعَدَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ خَطَبَهَا صَرِيحًا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ اسْتِحْبَابُ الْفِرَاقِ وَالثَّانِيَةُ إيجَابُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ سَعِيدٍ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا يُرِيدُ أَنَّ النَّاكِحَةَ فِي الْعِدَّةِ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا الْمَهْرَانِ أَصَابَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى وَجْهِ السِّفَاحِ وَإِنَّمَا بَذَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى وَجْهِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يُوجِبُ لَهَا الْمَهْرَ بِالْمَسِيسِ وَأَنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدٍ مُفْرَدًا لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لَهَا مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْمَهْرِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا حَلَفَ أَبُوهَا عَلَى مَا قَالَهُ فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ أَنْ يَدْفَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَبُ وَإِلَّا حَلَفَ وَأَسْقَطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حَتَّى لَا يُتِمُّ الْأَمْرُ إلَّا بِعِلْمِهَا وَحُضُورِهَا فَإِنَّهَا الَّتِي تَحْلِفُ دُونَ الْوَلِيِّ قَالَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ أَوْ نَوْعِهِ كَانَ مِمَّا يُصَدَّقُ فِيهِ النِّسَاءُ أَوْ لَا يُصَدَّقْنَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ حَلَفَا فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْعِ قَالَ. وَقَدْ نَصَّ الْمُغِيرَةُ عَلَى أَنَّهُ إذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا نَفَذَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَخَالُفَ الزَّوْجَيْنِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا كَاللِّعَانِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي اعْتِبَارُهُ بِالْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ وَاسْتَحَقَّتْ مَا ادَّعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي الْبُيُوعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ

[نكاح الأمة على الحرة]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَنَّهَا لَا تَنْكِحُ إنْ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ إنْ خَافَتْ الْحَمْلَ) . نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً فَكَرِهَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، أَوْ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي مُعْظَمِ الْبِلَادِ بَلْ جَمِيعِهَا أَنَّ مُعَجَّلَ الصَّدَاقِ لَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْبِنَاءِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ فِي قَبْضِ الْعِوَضِ قَوْلُ مُدَّعِي الْعُرْفِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَا جَرَّتْ الْعَادَةُ بِقَبْضِ ثَمَنِهِ مِنْ الطَّعَامِ إذَا ادَّعَاهُ بَعْدَ قَبْضِ الطَّعَامِ وَبَعْدَ مَا فَارَقَهُ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ الصَّرْفُ فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ دَفْعَ الصَّدَاقِ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَادَّعَى الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّاهِنِ يَقْبِضُ رَهْنَهُ وَيَدَّعِي دَفْعَ الدَّيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ حَلَّ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي دَفْعِ الْعَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ عِنْدَ الْبِنَاءِ فَأَمَّا بَلَدٌ لَا عُرْفَ فِيهِ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي صَدَاقٍ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ بِالْبِنَاءِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَظْهَرُ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِلْمَرْأَةِ بِالصَّدَاقِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ وَالْحَمِيلُ الدَّفْعَ حَلَفَ الْحَمِيلُ وَصَدَقَ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَوْ أَخَذَتْ بِالصَّدَاقِ رَهْنًا ثُمَّ بَنَى بِهَا لَكَانَ كَالْحَمِيلِ وَدُخُولُهُ كَالْإِبْرَاءِ وَيَأْخُذُ رَهْنَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ يُكْتَبُ فِي الصَّدَاقِ بَرَاءَةٌ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَمَعْنَى يَتَرَبَّصْنَ الْأَمْرُ بِالتَّرَبُّصِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالتَّرَبُّصِ لِأَنَّا نَجِدُ فِي أَكْثَرِ الْأَزْمِنَةِ مَنْ لَا يَتَرَبَّصُ وَخَبَرُ الْبَارِّي تَعَالَى لَا يَكُونُ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّهَا إنْ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا يَقُولُ إنْ أَقَامَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَارْتَابَتْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا النِّكَاحُ حَتَّى تَذْهَبَ تِلْكَ الرِّيبَةُ إذَا خَافَتْ الْحَمْلَ فَجَعَلَ هَذَا حُكْمُهَا إذَا خَافَتْ الْحَمْلَ وَالرِّيبَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ رِيبَةٌ لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ وَرِيبَةٌ لِمَخَافَةِ الْحَمْلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ] (ش) : قَوْلُهُ فَكَرِهَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مِلْكِهِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَكَانَ السُّؤَالُ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ فَأَجَابَ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ السُّؤَالِ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَالثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهُمَا جَمِيعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا تَسَاوَتْ عِنْدَهُمَا هَذِهِ الْوُجُوهُ فِي الْمَنْعِ أَجَابَ عَنْ جَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَا سُئِلَا عَنْ أَحَدِهِمَا فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ فَقَدْ كَانَ مِنْ قَوْلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَجُوزُ وَيَتَخَيَّرُ الْحُرَّةَ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَلَالٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْمَنْعِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] وَذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هِيَ الطَّوْلُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ يَمْنَعُهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ فَبِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْحُرَّةِ زَوْجَةً لَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى صَدَاقِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ السَّعَةُ فِي الْمَالِ فِيهِ يُتَوَصَّلُ إلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ فَأَمَّا الْحُرَّةُ فَلَيْسَتْ تُسَمَّى طَوْلًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَلَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النِّكَاحِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَلَالٌ فَقَدْ قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ أَيْنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ أَرَاهُ يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَهَذَا عَامٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذِهِ عِنْدَ مَالِكٍ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} [النساء: 25] مِنْكُمْ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكًا يَقُولُ: نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَلَالٌ فَاسْتَوْقَفْنَاهُ عَلَيْهِ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ حَلَالٌ وَفِي أَيِّ الْآيَاتِ فَقَالَ لَا أَدْرِي وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ النَّاسِخَةَ عِنْدَهُ عَامَّةٌ وَالْمَنْسُوخَةَ خَاصَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِ إلَّا أَنْ يُنْقَلَ النَّسْخُ فِي ذَلِكَ وَالْأَوْضَحُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] فَأَبَاحَ لَهُ نِكَاحَهَا بِوُجُودِ شَرْطَيْنِ وَبَقِيَ مَا عُدِمَ فِيهِ الشَّرْطَانِ مَسْكُوتًا عَنْهُ عَلَى مَنْعِنَا الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَمَنْعِنَا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ ثُمَّ وَرَدَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] عَامًا مُطْلَقًا دُونَ شَرْطٍ فَكَانَ مَا قَابَلَ الْآيَةَ الْمُقَيَّدَةَ مِنْ الْآيَةِ الْمُطْلَقَةِ مُوَافِقًا لَهَا وَمُمَاثِلًا لِمَعْنَاهَا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ الْمُطْلَقَةِ فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْمُطْلَقَةِ وَسَكَتَ عَنْهُ فِي الْآيَةِ الْمُقَيَّدَةِ وَبِهَذَا نَقُولُ فِي الْآيَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْآيَةِ الْمُقَيَّدَةِ مَتَى وَرَدَتَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْ اللَّفْظِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ. وَيُحْتَمَلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَلَالٌ رَاجِعًا إلَى سُؤَالِ السَّائِلِ عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ فَقَالَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَلَالٌ وَأَشَارَ إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] يُرِيدُ أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ وَأَنَّ كَوْنَ الْحُرَّةِ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَوْلٍ وَلَا يَأْمَنُ مَعَهَا الْعَنَتَ فَيَكُونُ هَذَا مَعْنَى مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَحْلِيلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فَهَلْ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ إنْ تَزَوَّجَهَا خُيِّرَتْ الْحُرَّةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِيجَابُ الْفَسْخِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَمَنْعُ الْفَسْخِ مَعَ مَنْعِ النِّكَاحِ أَوَّلًا يَقْتَضِي الْكَرَاهِيَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ وَأَمَّا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ الَّذِي هُوَ الْمَالُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا بَأْسَ لِلْحُرِّ تَحْتَهُ الْحُرَّةُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً وَخَافَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلِلْحُرَّةِ الْخِيَارُ فَعَلَى هَذَا

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ فَإِنْ طَاعَتْ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنْ الْقِسْمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ عَدِمَ الطَّوْلَ الَّذِي هُوَ الْمَالُ وَخَافَ الْعَنَتَ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَلَا خَافَ عَنَتًا، وَالثَّالِثَةُ وَيَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ وَأَمَانِ الْعَنَتِ وَالطَّوْلُ فِي الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَظْهَرُ فِي الْمَالِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحُرَّةُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْكِحُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ فَإِنَّ لِلْحُرَّةِ الْخِيَارُ لِلنَّقْصِ الدَّاخِلِ عَلَيْهَا بِأَنْ تَكُونَ ضَرَّتُهَا أَمَةً وَمَا الَّذِي يَكُونُ لَهَا مِنْ الْخِيَارِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إنْ أَحَبَّتْ أَوْ تُفَارِقَهُ إنْ شَاءَتْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْحُرَّةِ فِي أَنْ تُقِيمَ أَوْ تُفَارِقَ إذَا كَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْأَمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ هِيَ الدَّاخِلَةَ عَلَيْهَا فَالْخِيَارُ لِلْحُرَّةِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ إنْ شَاءَتْ أَقَرَّتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ رَدَّتْهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا ثَبَتَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِمَعْنَى فِي جِهَةِ الْآخَرِ فَإِنَّمَا يَكُونُ خِيَارُهُ فِي أَنْ يُقِيمَ أَوْ يُفَارِقَ وَلَا يَتَعَدَّى خِيَارُهُ إلَى غَيْرِهِ كَعَيْبِ الْجَبِّ وَالْخِصَاءِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ الَّذِي لَحِقَهَا لِكَوْنِ الْأَمَةِ ضَرَّةً لَهَا وَدَاخِلَةً عَلَيْهَا فَلَهَا أَنْ تُزِيلَهُ عَنْ نَفْسِهَا بِرَدِّ نِكَاحِهَا وَمَتَى قُلْنَا أَنَّ خِيَارَهَا مِنْ أَنْ تَفْسَخَ نِكَاحَهَا كَانَ خِيَارًا فِي زِيَادَةِ الضَّرَرِ لَا فِي إزَالَتِهِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا يَكُونُ لِلْحُرَّةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِطَلْقَةٍ مُبْهَمَةٍ وَتَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْبَتَاتِ كَانَتْ ثَلَاثًا وَقَدْ خَالَفَتْ السُّنَّةَ وَفِي الَّتِي يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَتُخْرِجُ الرِّوَايَةُ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا كَانَتْ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ بَائِنَةً فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الطَّلَاقَ بَاقٍ ثَابِتٌ وَهُوَ وُجُودُ الْأَمَةِ فِي عِصْمَتِهِ فَإِذَا كَانَ سَبَبًا لِإِبْطَالِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَمْ يَصِحَّ الِارْتِجَاعُ مَعَهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ لَهَا بِالشَّرْعِ فِي أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا يُبْطِلُ الرَّجْعَةَ وَكُلُّ طَلَاقٍ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ مَعَهُ فَإِنَّهُ بَائِنٌ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا النَّصْرَانِيَّةُ تُسْلِمُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ ثُمَّ يُسْلِمُ فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا زَوْجَتُهُ لِأَنَّ إسْلَامَهَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَحْتَاجُ بِإِسْلَامِهِ إلَى ارْتِجَاعٍ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا فُرْقَةُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الرَّجْعَةَ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْوَطْءِ وَلِأَنَّ ضَرَرَ كَوْنِ الْأَمَةِ ضَرَّةً لَهَا ثَابِتٌ مُسْتَدَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ لَا يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَأَشْبَهَ مَا يُوجَدُ بِجِسْمِهِ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ وَأَمَّا ضَرَرُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَا يُسْتَدَامُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَأَشْبَهَ الِاعْتِبَارَ بِالْمَنْفَعَةِ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ. (فَرْعٌ) مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ وَأَمْنِ الْعَنَتِ وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ نِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ فَلَا خِيَارَ وَلَا مَشِيئَةَ فِي ذَلِكَ لِلْحُرَّةِ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا أَنْ تُخَيَّرَ الْمَرْأَةُ إذَا نَكَحَ عَلَيْهَا الْأَمَةَ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِالثُّنْيَا وَالشَّرْطُ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا تَكْفِيهِ الْحُرَّةُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا فَيَخَافُ الْعَنَتَ وَلَا يَجِدُ طَوْلًا إلَى حُرَّةٍ أَوْ هَوَى أَمَةً مُعِينَةً هَوًى غَالِبًا فَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى الْحُرَّةِ فَيَكُونُ لِلْحُرَّةِ الْخِيَارُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ طَاعَتْ الْحُرَّةُ فَلَهَا الثُّلُثَانِ مِنْ الْقِسْمِ يُرِيدُ إنْ طَاعَتْ بِالْمَقَامِ مَعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ فَإِنَّ لِلْحُرَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا فَقِيلَ هَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً إذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ إلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَقَالَ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ قَالَ مَالِكٌ وَالْعَنَتُ هُوَ الزِّنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْتِهِ إلَى أَنَّ لِلْحُرَّةِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْقِسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَلَيْهِ ثَبَتَ مَالِكٌ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقِسْمَ بِقَدْرِ الثَّوَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ لَا حَظَّ لَهَا مِنْ الْقِسْمِ فَلَمَّا كَانَتْ الْحُرَّةُ يَثْوِي عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَالْأَمَةُ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَظُّ الْحُرَّةِ مِنْ الْقِسْمِ أَكْثَرَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَوِيَ فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي الْقِسْمِ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ قَالَ يُفَضِّلُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَمَةَ قَدْ سَاوَتْ الْعَبْدَ فِي الْحُرْمَةِ فَلَا تُفَضَّلُ عَلَيْهَا فِي الْقِسْمِ كَالْحُرَّةِ تَحْتَ الْحُرِّ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا عَبْدٌ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يُفَضِّلَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ فِي الْقِسْمِ كَالْحُرِّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ الطَّوْلِ وَالثَّانِي خَوْفُ الْعَنَتِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ لِلْحُرِّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ وَأَمْنِ الْعَنَتِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرَّةَ عِنْدَهُ هِيَ الطَّوْلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] فَشَرَطَ فِي اسْتِبَاحَةِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ أَنْ لَا يَسْتَطِيعَ طَوْلًا بِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ الْأَمَةَ وَإِذَا كَانَ هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ شَرْطَيْنِ فِي الْإِبَاحَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِهِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ لِمَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ أَبَاحَ هَذَا النِّكَاحَ بِالشَّرْطَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطَيْنِ وَلِمَنْ قَالَ أَنَّ لَفْظَةَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَصْرِ إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَكَادُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى هَذَا التَّحْرِيرِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ بِإِجَازَةِ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ الْآيَتَيْنِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ إجْمَاعٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الطَّوْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الطَّوْلَ الْمَالُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الطَّوْلَ أَنْ يَكُونَ فِي عِصْمَتِهِ حُرَّةٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَمَةً وَإِنْ عَدِمَ الطَّوْلَ الَّذِي هُوَ الْمَالُ وَخَافَ الْعَنَتَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الطَّوْلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْغِنَى وَكَثْرَةُ الْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 86]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدُ أُولِي الْغِنَى وَلَا نَعْلَمُ اسْمَ الطَّوْلِ يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ بِوَجْهٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْغِنَى وَالْيَسَارِ وَوَجْهٌ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَجَعَلَ الطَّوْلَ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْحُرَّةُ طَوْلًا لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ أَنْ يَنْكِحَ حُرَّةً وَلَمَا عَلَّقَ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى الطَّوْلِ فِي الْوُصُولِ إلَى الْحُرَّةِ عُلِمَ أَنَّ الطَّوْلَ غَيْرُ الْحُرَّةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمَنْ قَالَ إنَّ الطَّوْلَ الْمَالُ فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَمَنْ قَالَ إنَّ الطَّوْلَ الْحُرَّةُ فَالنِّكَاحُ عِنْدَهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْحُرَّةَ لَيْسَتْ بِطَوْلٍ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ زَوْجَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ فَلَيْسَ بِطَوْلٍ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ لِوُجُودِ شَرْطَيْ إبَاحَةِ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْمَالُ فَكَمْ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ عَدَمُ الطَّوْلِ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يَصْلُحُ لِنِكَاحِ الْحُرَّةِ وَهِيَ الْمُحْصَنَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَنِكَاحُ الْأَمَةِ أَخَفُّ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِيمَنْ قَالَ أَنَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً وَلَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَهْرُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى الْحُرَّةِ لَمْ يَصِلْ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَبِهِ يَأْمَنُ الْعَنَتَ. وَقَدْ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لَا يَجُوزُ الْيَوْمَ لِأَحَدٍ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَجِدُ نِكَاحَ الْحُرَّةِ مَا يَنْكِحُ بِهِ الْأَمَةَ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ نَقْدًا أَوْ عَرَضًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَلِيءٍ أَوْ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ أَوْ إجَارَتُهُ فَهُوَ طَوْلٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ طَوْلٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ بَيْعُهَا كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ لَيْسَ بِطَوْلٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدِي إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَنَافِعِهِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا أَمْكَنَ أَخْذُ ثَمَنِهِ وَالْمُعَارِضَةُ بِهِ فَيَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ فَهُوَ طَوْلٌ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِيهِ فَلَيْسَ بِطَوْلٍ وَالْمُدَبَّرُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُ رَقَبَتِهِ وَلَا بَيْعُ مَنَافِعِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لِأَنَّ أَمْرَهُ مُتَرَقَّبٌ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَمْرَضَ فَتُرَدُّ الْإِجَارَةُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَدَّ طَوْلًا. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا وَلَا يَخَافُ عَنَتًا فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نِكَاحِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَفْسَخُ نِكَاحُهُ فَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلطَّوْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قِيلَ لَهُ إنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ قَالَ السَّوْطُ ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْدُ وَرَجَعَ عَنْهُ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي الَّذِي هَوَى أَمَةً بِعَيْنِهَا هَوًى لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَمَّا عَلَى تَعْلِيقِ الْإِبَاحَةِ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ بِالطَّوْلِ مَا يَصِلُ بِهِ إلَى اسْتِبَاحَةِ مَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ أَمَةٍ عَلَى اخْتِيَارِ مَالِكِهَا أَوْ مَهْرِ حُرَّةٍ عَلَى اخْتِيَارِهَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطَيْنِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فَكَمْ نُبِيحُ لَهُ مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ إنْ لَمْ يَزَلْ خَوْفُ الْعَنَتِ إلَّا بِنِكَاحِ أَرْبَعٍ؟ ، فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ بِوَاحِدَةٍ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَعِنْدَهُ أَمَةٌ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا وَيَخَافَ الْعَنَتَ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ بِعَدَمِ

[ما جاء في الرجل يملك المرأة وقد كانت تحته ففارقها]

مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ الْمَرْأَةَ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَفَارَقَهَا (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَلِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ قَبْلَ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّوْلَ وَأَمِنَ الْعَنَتَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِرَاقُ الْأَمَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ قَالَ يَفْسَخُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نِكَاحُ أَمَةٍ انْعَقَدَ لِوُجُودِ شَرْطَيْ الْإِبَاحَةِ فَعَدَمُ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ لَا يَفْسَخُ نِكَاحَهُ كَمَا لَوْ عَدِمَ خَوْفَ الْعَنَتِ. (فَصْلٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُسَاوٍ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا دُونَ عَدَمِ طَوْلٍ وَلَا خَوْفِ عَنَتٍ كَالْحُرِّ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ أَوْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ فَلَا خِيَارَ لِلْحُرَّةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ أَوْ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ الْحُرَّةُ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ كَمَا لَهَا مَعَ الْحُرِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالْعَنَتُ هُوَ الزِّنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ الْعَنَتُ الْهَوَى وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَأَصْلُ الْعَنَتِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يَشُقُّ عَلَى الْإِنْسَانِ وَيُتْعِبُهُ وَيَضَنُّ بِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِيمَنْ بَلَغَتْ حَاجَتُهُ إلَى النِّسَاءِ بِهِ خَوْفَ الزِّنَا وَمَوْجُودٌ فِيمَنْ بَلَغَتْهُ حَاجَتُهُ مَشَقَّةَ الصَّبْرِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ عَلَيْهِ وَيُخَافُ مَعَهُ مُوَاقَعَتُهُ فَكِلَا الْوَجْهَيْنِ يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَإِنَّمَا يُخَافُ مِنْ الْهَوَى مَا يَعُودُ إلَى الزِّنَا فَكِلَا التَّفْسِيرَيْنِ يَعُودَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْعَنَتُ الْمَشَقَّةُ وَالْعَنَتُ الْهَلَاكُ وَقِيلَ الزِّنَا. [مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَمْلِكُ الْمَرْأَةَ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ فَفَارَقَهَا] (ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَمَةَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِكُلِّ سَبَبٍ وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فِي إبَاحَةِ الْوَطْءِ أَقْوَى مِنْ عَقْدِ الشِّرَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ وَطْأَهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَبِأَنْ لَا نُبِيحَ لَهُ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (ص) : (مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ جَارِيَةً لَهُ فَطَلَّقَهَا الْعَبْدُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ وَهَبَهَا سَيِّدُهَا لَهُ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) . (ش) : قَوْلُهُمَا فِي الْعَبْدِ تُوهَبُ لَهُ زَوْجَتُهُ أَمَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُهَا بِالْهِبَةِ مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ إيَّاهَا هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ ابْتِيَاعًا أَوْ مِيرَاثًا لَا يَخْتَلِفُ بِوَجْهِ الْمِلْكِ صِفَةَ الْمِلْكِ فَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْإِبَاحَةِ. (ص) : (مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ فَاشْتَرَاهَا وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا لَمْ يُبِتَّ طَلَاقَهَا فَإِنْ بَتَّ طَلَاقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَبْتَاعُ الْأَمَةَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ وَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ اسْتِبَاحَتُهَا بِالنِّكَاحِ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ اسْتِبَاحَتُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّمَتُّعَ بِعَقْدٍ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يَمْنَعُهُ ارْتِجَاعَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِذَا كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ يَمْنَعُ ارْتِجَاعَهَا فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِبَاحَةَ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ ارْتَجَعَهَا وَاسْتَأْنَفَ نِكَاحَهَا.

[ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين والمرأة وابنتها]

مِنْهُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ الَّذِي وَلَدَتْهُ وَهِيَ لِغَيْرِهِ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ إيَّاهَا قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْحَمْلِ فِيمَا أَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إصَابَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ تُوطَأُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ مَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْت أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْته نَكَالًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْأَمَةَ إذَا كَانَتْ زَوْجَةَ الرَّجُلِ ثُمَّ تَلِدُ مِنْهُ لَا تَكُونُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ إنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وِلَادَتِهَا مِنْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا حَامِلًا مِنْهُ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ بِزِنًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ ثُمَّ وَضَعَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْحَمْلِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ وَإِنْ مَلَكَهَا حَامِلًا حَتَّى تَحْمِلَ مِنْهُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ بِمِلْكِ أَبِيهِ لَهُ سَرَى الْعِتْقُ إلَيْهَا لِأَنَّهُ عِتْقٌ عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ. [مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إصَابَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا لَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا يُرِيدُ لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونُ وَاطِئًا لَهُمَا جَمِيعًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى وَطِئَ إحْدَاهُمَا أَيَّتَهمَا كَانَتْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْءِ الْأُخْرَى فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْد الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ قَدْ نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ وَفِيهَا {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] وَهَذَا عَلَى أَنْ يُحْمَلَ النِّسَاءُ عَلَى مُقْتَضَى اللُّغَةِ دُونَ عُرْفِهَا وَكَذَلِكَ الرَّبَائِبُ فَيَكُونُ التَّحْرِيمُ عَامًا فِي الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا وَصَفْت لَك أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِالْمِلْكِ يُرِيدُ الْوَطْءَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَمَنْ وَطِئَ مِنْهُمَا الْأُمَّ وَالِابْنَةَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأُخْرَى أَبَدًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا كَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا بِالْوَطْءِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ مُحَرَّمٌ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أُحِبُّ أَنْ أَخْبُرَهُمَا جَمِيعًا مَعْنَاهُ أَعْرِفُ حَالَ هَذِهِ وَحَالَ هَذِهِ بِالْوَطْءِ مَأْخُوذٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الِاخْتِبَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ الِالْتِذَاذُ مِنْهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعَاصِمِ وَالصَّدْرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَرُمَ لِلْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِلنَّظَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَقَدَ عَلَى الِابْنَةِ عَقْدَ نِكَاحٍ. (ش) : السَّائِلُ هُوَ قُبَاذُ الْأَسْلَمِيُّ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُرِيدُ بِآيَةِ التَّحْلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] وقَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]

[النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَ عَبْدِهِ) . النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَمَسَّهَا فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ أُخْتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] يُرِيدُ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَمْ يَخُصَّ مِلْكَ يَمِينٍ وَلَا غَيْرَهُ فَاتَّفَقَ فِيهِمَا أَهْلُ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ عُمُومٌ قَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْمِلْكِ وَخَاصَّةٌ فِي الْأُخْتَيْنِ وقَوْله تَعَالَى {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] عَامَّةٌ فِي الْأُخْتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا خَاصَّةٌ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَكِلَا الْآيَتَيْنِ خَاصَّةٌ مِنْ وَجْهٍ، عَامَّةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، إلَّا أَنَّ آيَةَ مِلْكِ الْيَمِينِ قَدْ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِإِجْمَاعٍ وَهِيَ فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَآيَةُ التَّحْرِيمِ لَمْ يَدْخُلْهَا تَخْصِيصٌ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى عُمُومِهَا وَتَخْصِيصُ الْأُخْرَى بِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَ عَبْدِهِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسِيسِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ يَمِينِهِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَجْتَمِعَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ وَطْءِ إحْدَاهُمَا أَوْ يَبْتَاعُ إحْدَاهُمَا فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يَبْتَاعُ الْأُخْرَى فَإِنْ اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهمَا شَاءَ فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى نَفْسِهِ الَّتِي وَطِئَ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ يَسْتَبِيحَ وَطْأَهَا وَهُمَا فِي مِلْكِهِ فَإِذَا نَالَ إحْدَاهُمَا حَرُمَ عَلَيْهِ نَيْلُ الْأُخْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَاعَ الَّتِي وَطِئَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ لَمْ يَطَأْ فِيهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي اجْتَمَعَتَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَاعَ الَّتِي وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْرَى ثُمَّ اشْتَرَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يُقِيمُ عَلَى وَطْءِ الثَّانِيَةِ الَّتِي وَطِئَ بَعْدَ أُخْتِهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُولَى لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَ أُخْتَهَا وَهِيَ عِنْدَهُ دُونَهَا وَهَذَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا بِالنَّسَبِ وَالرَّضَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. [النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أَمَةً كَانَتْ لِأَبِيهِ] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِابْنِهِ حِينَ وَهَبَهُ الْجَارِيَةَ وَلَا تَمَسَّهَا يَقْتَضِي صِحَّةَ مِلْكِ ابْنِهِ لِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْهَا لِيُعَرِّفَهُ أَنَّهُ قَدْ جَرَى لَهُ فِيهَا مَا حَرَّمَ عَلَى ابْنِهِ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنِّي قَدْ كَشَفْتهَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ كَشَفَ عَنْهَا وَنَظَرَ إلَى بَعْضِ مَا تَسْتُرُهُ مِنْ جَسَدِهَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ اللَّذَّةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ مَلَكَ أَمَةً فَتَلَذَّذَ مِنْهَا بِتَقْبِيلٍ أَوْ تَجْرِيدٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ مُغَامَزَةٍ أَوْ نَظَرٍ إلَى شَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا نَظَرَ شَهْوَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ عَلَى ابْنِهِ وَعَلَى أَبِيهِ التَّلَذُّذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا إنْ مَلَكَهَا بَعْدَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِك وَزَادَ وَكَذَلِكَ إنْ نَظَرَ إلَى سَاقَهَا أَوْ مِعْصَمِهَا تَلَذُّذًا فَلَا تَحِلُّ لِابْنِهِ وَلَا لِأَبِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّ نَظَرَهُ إلَى فَرْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جَسَدِهَا لَا يُحَرِّمُهَا وَقَالَ وَالدَّلِيلُ لِذَلِكَ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى جَسَدِهَا مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا إنْزَالٍ فَلَمْ تَحْرُمْ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ وَالدَّلِيلُ لِصِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا اسْتِمْتَاعٌ مُبَاحٌ فَوَجَبَ أَنْ تَحْرُمَ بِهِ عَلَى الِابْنِ كَالْوَطْءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ نَظَرَ إلَيْهَا عِنْدَ اشْتِرَائِهِ، أَوْ مَرِضَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ وَاطَّلَعَتْ عَلَى عَوْرَتِهِ وَمَسَّتْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ مَرِضَتْ فَقَامَ هُوَ عَلَيْهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُحَرِّمُهَا ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ وَلَا عَلَى ابْنِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا صَحَّ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ اللَّذَّةِ بِقَلْبٍ وَلَا بَصَرٍ وَلَا يَدٍ وَلَا فِعْلٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ اسْتِمْتَاعٌ وَلَا قَصْدٌ إلَى الِالْتِذَاذِ بِهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى ابْنِهِ كَاسْتِخْدَامِهَا.

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبِّرِ أَنَّهُ قَالَ وَهَبَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِابْنِهِ جَارِيَةً فَقَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتهَا فَلَمْ أَنْشَطْ إلَيْهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ لَا تَقْرَبْهَا يُرِيدُ مَنْعَةُ مِنْ وَطِئَهَا وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ مِلْكِ الْعَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِهَا ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] وَقَالَ {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22] وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْوَطْءَ وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ يَقْرَبَهَا مَنْعًا مِنْ وَطِئَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنِّي قَدْ أَرَدْتهَا يَعْنِي أَنَّهُ أَرَادَ وَطْأَهَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْكَرَاهَةِ مَتَى عُلِّقَ عَلَى عَيْنٍ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي تَعَلُّقَهُ بِالْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَإِذَا قَالَ أَرَدْت الْجَارِيَةَ فَإِنَّمَا يَعْنِي إرَادَةَ جِمَاعِهَا وَإِذَا قَالَ أَرَدْت الطَّعَامَ اقْتَضَى ذَلِكَ إرَادَةَ أَكْلِهِ إلَّا أَنَّ الْإِرَادَةَ هَاهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْإِرَادَةَ بِالْقَلْبِ خَاصَّةً وَهَذَا لَا يُحَرِّمُ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ النَّظَرِ مَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِرَادَةِ لِلْغَائِبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَالَجْتهَا وَحَاوَلْت ذَلِكَ مِنْهَا وَذَلِكَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَأَمَّا عَدَمُ النَّشَاطِ عَنْ إكْمَالِ الْجِمَاعِ الَّذِي حَاوَلَهُ أَوْ أَرَادَهُ فَلَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ مِنْهُ بِالْمُحَاوِلَةِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ ابْنَهُ حِينَ وَهْبِهِ إيَّاهَا بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَأَخْبَرَهُ بِوَجْهِ الْمَنْعِ مِنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ وَهَبَ ابْنَهُ جَارِيَةً جَرَى فِيهَا مَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ لِيَتَوَقَّاهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَرَى مِنْهُ مَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ ذَلِكَ فَيَعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَحِلُّ لِوَلَدٍ مَسِيسُ جَارِيَةِ مَلَكَهَا أَبُوهُ وَلَا لِوَالِدٍ مَسِيسُ جَارِيَةِ مَلَكَهَا وَلَدُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ مَنْ يَلْتَذُّ بِالْجَوَارِي خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَسَّهَا أَوْ تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَالِدُ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدُ لِلْوَالِدِ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَلَا الْتَذَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا. (ص) : (مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا نَهْشَلِ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إنِّي رَأَيْت جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا وَهِيَ فِي الْقَمَرِ فَجَلَسْت مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ إنِّي حَائِضٌ فَقُمْت فَلَمْ أَقْرَبِهَا بَعْدُ أَفَأَهَبُهَا لِأَبِي يَطَؤُهَا؟ فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ إنِّي رَأَيْت جَارِيَةً لِي مُنْكَشِفًا عَنْهَا وَهِيَ فِي الْقَمَرِ يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى جَارِيَةً قَدْ انْكَشَفَ ثَوْبُهَا عَنْهَا وَأَنَّ الْمُوجِبَ لِذَلِكَ أَوْ الْمُعِينُ عَلَيْهِ كَوْنُهَا فِي الْقَمَرِ. وَقَوْلُهُ فَجَلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ عِنْدَ الْوَطْءِ وَهَذَا قَدْ وَجَدَ مِنْهُ الِالْتِذَاذَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَمُحَاوَلَةِ مُجَامَعَتِهِ لَهَا وَمُبَاشَرَةِ بَعْضِ جِسْمِهِ بِجِسْمِهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْجِمَاعِ مَا أَخْبَرَتْهُ بِهِ مِنْ أَنَّهَا حَائِضٌ فَقَامَ عَنْهَا لِذَلِكَ، فَسَأَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ هَلْ يُحَرِّمُهَا ذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ فَنَهَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ أَنْ يَهَبَهَا لِابْنِهِ عَلَى وَجْهِ إبَاحَةِ وَطْئِهِ لَهَا وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ أَنْ يَهَبَهَا لَهُ لِأَنَّ مِلْكَ ابْنِهِ لَهَا جَائِزٌ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا خَاصَّةً. (ص) : (مَالِكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ وَهَبَ لِصَاحِبٍ لَهُ جَارِيَةً ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ قَدْ هَمَمْت أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِمَرْوَانَ كَانَ أَوْرَعَ مِنْك وَهَبَ لِابْنِهِ جَارِيَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْت سَاقَهَا مُنْكَشِفَةً) ش قَوْلُهُ قَدْ هَمَمْت أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَدْ جَرَى فِيهَا مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَلَامٌ مَحْذُوفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْأَبَ قَدْ رَامَهَا فَعَجَزَ عَنْهَا كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ أَرَدْتهَا فَلَمْ أَسْتَطِعْهَا وَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيُصِيبَ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ قَالَ قَدْ هَمَمْت أَنْ أَهَبَهَا لِابْنِي فَيَفْعَلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا كِنَايَةً عَنْ الْجِمَاعِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لِمَرْوَانَ كَانَ أَوَرَعَ مِنْك إذْ قَالَ لِابْنِهِ فِي جَارِيَةٍ وَهَبَهُ إيَّاهَا لَا تَقْرَبْهَا فَإِنِّي قَدْ رَأَيْت سَاقَهَا مُنْكَشِفًا وَهَذَا يَسِيرٌ فِي جَنْبِ مُحَاوِلَةِ جِمَاعِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا وَمُضَاجَعَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ

[النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب]

النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحَ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّات. وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ) فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نَرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يُحَلِّلْ نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْوَطْءِ إلَّا الْعَجْزُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَرْوَانَ قَدْ رَأَيْت سَاقَهَا مُنْكَشِفًا يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ مَكْشُوفًا انْكَشَفَ عَنْهُ الثَّوْبُ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ اللَّذَّةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ مِنْهَا فَحَرُمَتْ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَأَرَادَ التَّنَاهِيَ فِي الْوَرَعِ وَالتَّوَقُّفَ عَمَّا فِيهِ بَعْضِ الشُّبْهَةِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ. [النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَهَذَا عَامٌ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكَاتِ يَتَنَاوَلُ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى الشِّرْكِ الْإِشْرَاكُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَمَنْ جَعَلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ابْنًا لِلَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَهُ مَعَهُ وَبِذَلِكَ تَعَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ الْكِتَابِيَّاتِ. وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمُ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ صَاحِبَةً وَوَلَدًا، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التوبة: 30] إلَى قَوْلِهِ {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصَانِ مُؤَثِّرَانِ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَجُزْ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَالْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصُ الْكُفْرِ وَنَقْصُ عَدَمِ الْكِتَابِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ هَذَا لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ فَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ مِنْ أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ يَمْنَعُ نِكَاحَ الْحُرِّ فَمَنَعَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ تَحْتَهُ مِنْ النَّصَارَى أَمَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَأَسْلَمَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفَارِقُهَا وَعَنْ أَشْهَبَ لَا يُفَارِقُهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَعْنًى يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يُنَافِيَ اسْتِدَامَتَهُ كَالْأُخُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ إنْ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّات يُرِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْحَرَائِرِ خَاصَّةً دُونَ الْإِمَاءِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُشْرِكَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ثُمَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ فَأَبَاحَ تَعَالَى نِكَاحَ حَرَائِرِهِنَّ وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا الْآيَةُ مُخَصَّصَةٌ بِعُمُومِ الْآيَةِ الْمَانِعَةِ وَقَدْ تَزَوَّجَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَهُ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَعَلَّقَ فِيهِ بِعُمُومِ الْآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنِّي لَا أَرَى أَنْ يَضَعَ

[ما جاء في الإحصان وفيه أربعة أبواب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) . مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ الْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَدَهُ عِنْدَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَيُغَذِّيهِ وَإِنَّمَا غِذَاءُ اللَّبَنِ بِمَا تَأْكُلُهُ الْمَرْأَةُ وَتُغْلَبُ عَلَى الصَّبِيِّ فَتَضُرُّ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَيُضَاجِعُهَا الرَّجُلُ وَلَا تَغْتَسِلُ فَتَرْكُ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] قَالَ مَالِكٌ فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نَرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ بِالْإِيمَانِ فَقَالَ تَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَقَصَرَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَيْهِنَّ دُونَ غَيْرِهِنَّ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] عَامٌّ فِي الْإِمَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَأَخْرَجَ بِالتَّخْصِيصِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إبَاحَةِ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ خَاصَّةً فَبَقِيَ تَحْرِيمُ الْآيَةِ الْعَامَّةِ فِي الْإِمَاءِ اللَّائِي لَسْنَ بِمُؤْمِنَاتٍ بِمَنْعِ نِكَاحِهِنَّ كَمَا بَقِيَ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ عَلَى التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ مِنْهُنَّ بِالتَّخْصِيصِ إلَّا الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ دُونَ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ غَيْرِهِنَّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ تَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَهُ مِنْهَا حُرٌّ فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَسْتَرِقَ ابْنَهُ كَافِرٌ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَدَّى إلَى أَنْ يَسْتَرِقَ وَلَدَهُ مِنْهَا كَافِرٌ فَلِذَلِكَ جَازَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يَجُزْ بِالنِّكَاحِ وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا عَقْدِ نِكَاحٍ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ مَا دَامَتْ عَلَى مَجُوسِيَّتِهَا وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى الْإِسْلَامِ جَازَ نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهَا قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَالْإِيمَانُ يَكُونُ بِإِظْهَارِ الشَّهَادَةِ وَالِاعْتِقَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ عَمَلٍ وَلَا صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ. [مَا جَاءَ فِي الْإِحْصَانِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ] (ش) : قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ هُنَّ أُولَاتُ الْأَزْوَاجِ قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءَ وَطَاوُسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ أُحِلَّ لَهُ بِالتَّزْوِيجِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فَتَأَوَّلَ قَوْمٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ أُحِلَّ لَهُ بِالتَّزْوِيجِ قَالَ وَإِنَّمَا قَالُوا بِذَلِكَ جُمْلَةً وَلَمْ يَبْلُغُوا بِهِ اسْتِقْصَاءَ التَّفْسِيرِ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي تَفْسِيرِهَا إنَّمَا حَرَّمَ الزِّنَى فَلَمْ يُبَيِّنُوا أَيْضًا مَذْهَبَهُمْ وَإِنَّمَا جَاءَ حَقِيقَةُ التَّفْسِيرِ مِنْ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُ الرَّجُلِ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ فَإِنَّ لَهُ إذَا اشْتَرَاهَا وَلَهَا زَوْجٌ أَنْ يَغْشَاهَا وَالْقَوْلُ الْآخَرُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ فِي سَبْيٍ أَوْ طَاسٍ فَإِنَّ الْآيَةَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي بَلَدِ الشِّرْكِ فَإِذَا سُبِينَ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ الْأَمَةَ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا وَنِكَاحَ الْحُرِّ لَهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا إذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ بَانَتْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ يَجُوزُ نَقْضُهُ إلَّا بِحَجَّةٍ وَلَا نَعْلَمُ لِلَّذِينَ قَالُوا خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً يُرِيدُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَيُرِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يُتِّمُوا التَّفْسِيرَ الَّذِي أَشَارُوا إلَيْهِ وَمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَرَّمَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ إلَّا مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ بِابْتِيَاعِ جَارِيَةٍ لَهَا زَوْجٌ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ يَفْسَخُ نِكَاحَ زَوْجِهَا

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ تُحْصِنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُزِيلُ عِصْمَتَهُ عَنْهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا مَنْ سَبَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ السَّبْيَ يَفْسَخُ النِّكَاحَ فَاخْتَارَ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يُبَاحُ مِنْهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الْمَسْبِيَّاتُ وَلَمْ يَنْقُلْ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا لَمَّا لَمْ يَرَ ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي نِكَاحِهَا فُرْقَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي «حَدِيثِ بَرِيرَةَ إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقَتْهَا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ بَيْعُهَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا لَمَا خَيَّرَهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءَ وَطَاوُسٍ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ هُنَّ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُمَا إنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] إلَّا مَا أُحِلَّ لَكُمْ مِنْ التَّزْوِيجِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُمَا لَمْ يَبْلُغَا نِهَايَةَ التَّفْسِيرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا قَصَّرَا فِي النَّظَرِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبَا اسْتِيعَابًا يَصِلَانِ بِهِ إلَى الصَّوَابِ وَخَالَفَهُمَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ الْمُحْصَنَاتِ هُنَّ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَفِي قَوْلِهِمْ إنَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الزَّوْجَاتُ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَوَابٌ عِنْدِي لِأَنَّ لَفْظَ الْمُحْصَنَاتِ لَا يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى نَوْعِ مِلْكٍ أَوْ أَنْوَاعٍ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ لَا يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ بَعْضُ النِّسَاءِ وَلَا تُحْمَلُ (مِنْ) عَلَى أَنَّهَا زَائِدَةٌ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ لَا تَكُونُ زَائِدَةً إلَّا فِي النَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَهَا زَائِدَةً فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلْجِنْسِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى مَعْنَى التَّبْعِيضِ فَلَا يُعْدَلُ إلَى أَنَّهَا زَائِدَةٌ إلَّا بِدَلِيلٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ لَا يُرَادُ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَإِذَا كَانَ الْمُحْصَنَاتُ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُنَّ مِنْ مُبَاحٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ نَوْعٌ مِنْ النِّسَاءِ فَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِهِنَّ وَأَحَلَّ غَيْرَهُنَّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَمَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ وَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنْ النِّسَاءِ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ، وَعَطَفَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَثَبَتَ هَذَا بِلُغَةٍ أَوْ شَرْعٍ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَاهُ وَالنِّسَاءُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الرِّجَالِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ بِالنِّكَاحِ وَمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءَ وَطَاوُسٍ زَوْجَتُك مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. وَقَدْ قَالَ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ إنَّ الْمُحْصَنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ هُنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَأَبَاحَ الْأَرْبَعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَاسْتَثْنَى مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرَجَعَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ إحْصَانٌ بِزِنًا وَلَا يَكُونُ إلَّا بِنِكَاحٍ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ لِلزِّنَا وَلَا سِيَّمَا عَلَى تَأْوِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ إذَا كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدُ نِكَاحٍ فَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ إلَى الْوَطْءِ دُونَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ زِنًا إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ، وَمَا قُلْنَا أَوَّلًا مِنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ أَظْهَرُ مَا قُلْنَاهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ

[الباب الأول في صفات المحصن]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ يُرِيدُ الْإِحْصَانَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ عَلَى الْمُحْصَنِ إذَا زَنَا الرَّجْمُ، وَالْإِحْصَانُ عَلَى أَوْجُهِ، الْإِحْصَانِ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] قَالَ مَالِكٌ فَهُنَّ الْحَرَائِرُ، وَالثَّانِي الْمُحْصَنَاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] يُرِيدُ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ، وَالثَّالِثُ الْإِحْصَانُ بِمَعْنَى الْعَفَافِ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي الْمَنْعِ فَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مُحْصَنَةً بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُهَا مِمَّا حَرَّمَ عَلَيْهَا وَتَكُونُ مُحْصَنَةً بِالْعَفَافِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَمُحْصَنَةً بِالتَّزْوِيجِ، وَأَمَّا الْإِحْصَانُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ بِالزِّنَا الرَّجْمَ، فَالصِّفَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ صِفَاتِ هَذَا الْوَجْهِ الْآخَرِ لِأَنَّهَا لَا تُحْصِنُ إلَّا حُرَّةً أُصِيبَتْ بِنِكَاحٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُحْصَنَاتُ بِمَعْنَى النِّسَاءِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْصَانِ الْوَجْهَ الْآخَرَ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي صِفَاتِ الْمُحْصَنِ وَالثَّانِي فِي وَصْفِ مَا يَكْمُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْعُقُودِ وَالثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالرَّابِعُ مَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَاتِ الْمُحْصَنِ] 1 هِيَ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا مُسْلِمًا يَصِحُّ مِنْهُ الْجِمَاعُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْلِ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْصَنًا بِجِمَاعِهِ وَيُحْصِنُ الْكَبِيرَةَ وَلَا يُحْصِنُ الصَّغِيرَةَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ الرَّجُلُ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَالِهِ فَإِذَا كَانَ كَبِيرًا فَهُوَ جِمَاعٌ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَيْسَ بِجِمَاعٍ فَإِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ كَبِيرًا وَالْمُجَامَعَةُ صَغِيرَةً فَلَهُ حُكْمُ الْجِمَاعِ التَّامِّ فَيَجِبُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي حَقِّ مَنْ كَمُلَتْ لَهُ صِفَاتُ الْإِحْصَانِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَ فِيهَا شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ كَالصَّبِيَّةِ الَّتِي عُدِمَ فِيهَا الْبُلُوغُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْإِحْصَانِ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَوُجِدَ مِنْهَا الْجِمَاعُ فَهُمَا مُحْصَنَانِ وَمَنْ عُدِمْت فِيهِ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِالْجِمَاعِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ وَيَثْبُتُ لِلْآخَرِ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ كَانَا مُسْلِمِينَ فَهُمَا بِالْجِمَاعِ مُحْصَنَانِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَهُوَ الْمُحْصَنُ دُونَهَا لِوُجُودِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ وَعَدَمُهُ فِيهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُسْلِمَةُ دُونَهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ. (فَرْعٌ) وَإِذَا ثَبَتَ لِلرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِحْصَانِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا إلَّا بِإِحْصَانٍ مُسْتَأْنَفٍ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُؤْثَرُ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ إنَّ رِدَّتَهُ لَا تُسْقِطُ حَصَانَتَهُ وَلَا إيمَانَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَهَذَا قَدْ أَشْرَكَ فَوَجَبَ أَنْ يَحْبَطَ كُلُّ عَمَلٍ كَانَ عَمِلَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَإِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ تَعُودُ عَلَيْهِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِيذَنَا بِرَحْمَتِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالرِّدَّةِ كَالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ طَلَاقُهُ وَتَعُودُ بِرِدَّتِهِ زَوْجَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا كَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْجِمَاعُ فَهُوَ السَّلِيمُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ وَلَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَإِنْ كَانَ خَصِيًّا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجِمَاعَ يَتَأَتَّى مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيهِ سَائِرُ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجُنُونُ فَقَدْ

[الباب الثاني في وصف ما يكمل به الإحصان من العقود]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَطَأْ إلَّا وَهِيَ مَجْنُونَةٌ وَهُوَ مُفِيقٌ فَهُوَ الْمُحْصَنُ دُونَهَا، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا وَهِيَ مُفِيقَةٌ فَهِيَ الْمُحْصَنَةُ دُونَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِحَالِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُفِيقًا دُونَهَا فَهُمَا مُحْصَنَانِ وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا دُونَهَا فَلَا يُحْصَنُ بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ سَوَاءٌ كَانَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُمَا مُحْصَنَانِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَعْنَى إذَا كَانَ يُؤَثِّرُ فِي الْإِحْصَانِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى تَأْثِيرُهُ مَنْ وُجِدَ فِيهِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ بِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَمَا لَا يُنْقِصُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ بِحَالِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِلْوَطْءِ كَوَطْءِ الصَّغِيرِ وَهَذَا خَالَفَ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَأْثِيرًا فِي نَقْصِ الْحُرِّيَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ بِصِفَةِ الْفَاعِلِ خَاصَّةً بَلْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ حُكْمُ نَفْسِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ صَحِيحٌ قَدْ وُجِدَ مِنْ بَالِغٍ مُسْلِمٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحْصَنَ كَوَطْءِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا لِلْجُنُونِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ الْإِحْصَانِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي وَصْفِ مَا يَكْمُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْعُقُودِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي وَصْفِ مَا يَكْمُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْعُقُودِ) وَهُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ فَأَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَلَا يَكُونُ بِهِ الْإِحْصَانُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ حَرَامًا أَوْ فَاسِدًا يُفْسَخُ لِفَسَادِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُحْصِنُ الْوَطْءُ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِحْصَانَ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْكَمَالِ وَتَمَامِ الْحُرْمَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لِأَنَّهُ مُضَادٌّ لِلْكَمَالِ وَمُنَافٍ لَهُ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ صِفَاتُ الْكَمَالِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَوَطِئَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْلِ وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ وَإِثْبَاتِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ، وَأَمَّا إنْ وَطِئَ قَبْلَهُ وَهُوَ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ النِّكَاحُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ وَطْءٌ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِأَنَّ أَوَّلَهُ مَمْنُوعٌ وَبَاقِيَهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ إحْصَانٌ وَلَا إحْلَالٌ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ مُبَاحٌ لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ حَالَ الْإِيلَاجِ وَبِهِ يَلْزَمُ النِّكَاحُ وَمَا بَعْدَهُ يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْجِمَاعِ] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ مِنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ) فَإِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ أَوْ غَابَ مِنْ ذَكَرٍ مَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ وَجَبَ الْإِحْصَانُ فِي حَقِّ مَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ صِفَاتُ الْإِحْصَانِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهِ لِإِنْزَالٍ كَالْحُدُودِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الذَّكَرِ الْمُنْتَشِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَشِرًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي تَزَوَّجَتْ شَيْخًا كَبِيرًا فَأَدْخَلَتْ بِأُصْبُعِهَا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا إنْ انْتَشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَلَّهَا لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَإِنْ بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّهَا قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ وَطِئَهَا فَوْقَ الْفَرْجِ فَدَخَلَ مَاؤُهُ فِي فَرْجِهَا فَأَنْزَلَتْ هِيَ لَمْ يُحْصِنْهَا ذَلِكَ وَلَمْ يُحِلَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَطْءُ مُبَاحًا عَارِيًّا مِنْ الْكَرَاهِيَةِ، وَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَتْ بِهِ كَرَاهِيَةٌ أَوْ تَحْرِيمٌ كَوَطْءِ الصَّائِمِ أَوْ الْمُحْرِمِ أَوْ الْمُعْتَكِفِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ يَأْخُذُ مُطَرِّفُ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ وَالْمُظَاهَرُ مِنْهَا. وَرَوَى مَالِكٌ يُحْصِنُ وَلَا يُحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَانْفَرَدَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بِقَوْلِهِ يُحِلُّ وَيُحْصِنُ وَبِهِ يَأْخُذُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ نَفْيِ الْإِحْصَانِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ وَوَجْهُ إثْبَاتِ الْإِحْصَانِ أَنَّ هَذَا الْوَطْءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ مَحْظُورَةٍ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْإِحْصَانِ بِهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّ الصَّائِمَ يَمْنَعُ الْإِحْصَانَ فَاَلَّذِي رَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّ الصَّائِمَةَ تَمْنَعُ

[الباب الرابع فيما يثبت به حكم الإحصان]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ يُحْصِنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ إذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ وَلَا تُحْصِنُ الْحُرَّةُ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يُعْتَقَ وَهُوَ زَوْجُهَا فَيَمَسَّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَمَسَّ امْرَأَتَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْصَانَ وَلَمْ يُفَصِّلْ قَالَ وَهَكَذَا كُلُّ مَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُوَاقَعَةِ الْجِمَاعِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا كَانَ مِنْ صِيَامِ نَذْرٍ مَعِينٍ أَوْ صِيَامِ رَمَضَانَ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ فِدْيَةٍ أَذًى أَوْ كُلِّ صَوْمٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٍ فَهَذَا الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا صِيَامُ التَّطَوُّعِ أَوْ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي ذَلِكَ يُحِلُّ وَيُحْصِنُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْإِحْصَانِ) حُكْمُ الْإِحْصَانِ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَيَتَّفِقَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِلْمُقِرِّ وَلَا لِلْمُنْكِرِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَزَادَ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُ لَهَا أَنْ تُسْقِطَ مَا أَقْرَرْت بِهِ مِنْ الْإِحْصَانِ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ فِي زِنًا وَبَعْدَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِحْصَانَ حُكْمٌ يَلْزَمُهَا بِالْوَطْءِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ بِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ الْقَائِلُ بِهِ مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةُ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِالْإِقْرَارِ أَخْذَ الْمَهْرِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت أَنْ أُثْبِتَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ وَأُوجِبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ، وَالْحُدُودُ تُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِهَا الشُّبْهَةُ، وَلَمَّا كَانَ يَجُوزُ إسْقَاطُ الْحَدِّ جُمْلَةً بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إسْقَاطُ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ بِالْإِنْكَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالرُّجُوعِ إلَى شُبْهَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ مَقَامِهَا عِنْدَ الزَّوْجِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهَا ثُمَّ وُجِدَتْ تَزْنِي فَأَنْكَرَتْ وَطْءَ الزَّوْجِ وَأَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هِيَ مُحْصَنَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ لِأَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَدْفَعَ بِإِنْكَارِهَا حَقًّا وَجَبَ، لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا فِيهِ دَعْوَى، وَفِي كِتَابِ الرَّجْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ طَالَ مَقَامُهَا مَعَهُ ثُمَّ زَنَى فَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا، إنَّهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِوَطْءٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَحْلِفُ، فَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْوَطْءِ رُجِمَ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَهَذِهِ خَيْرٌ مِنْ الَّتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إنَّ حَدَّهَا الرَّجْمُ إذَا أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ بَعْدَ الزِّنَا وَلَوْ لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا إلَّا لَيْلَةً وَاحِدَةً قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الزِّنَا وَأَمَّا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْصَنَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَامَ مَعَهَا الدَّهْرَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ فَارَقَهَا فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُفَارِقْهَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ لِأَنَّ طُولَ الْمُقَامِ لَا يَمْنَعُهَا إنْكَارَ الْوَطْءِ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ الْعَنَتَ لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ يُحْصِنُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ عَطَاءُ لَا يُحْصِنُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ مَوْطُوءَةٌ بِنِكَاحٍ عَرَا عَنْ الْفَسَادِ وَالْخِيَارِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيهَا صِفَاتُ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحْصَنَةً كَمَا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يُحْصِنُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ بِنِكَاحٍ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ فَإِنْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ سَيِّدُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ نَعْلَمُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَإِنْ أَجَازَ السَّيِّدُ النِّكَاحَ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُحْصِنُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَطِئَهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ وَطْءٍ فِيهِ خِيَارٌ لَا حَدَّ فِيهِ كَوَطْءِ الْمَجْبُوبِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَةُ دَاءَهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْإِحْصَانُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِحْصَانَ يَحْصُلُ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ كَامِلٌ لَا خِيَارَ فِيهِ لِأَحَدٍ صَادَفَ مَنْ كَمُلَتْ لَهُ صِفَاتُ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْصَنَ

[نكاح المتعة]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ فَإِنَّهُ لَا يُحْصِنُهَا نِكَاحُهُ إيَّاهَا وَهِيَ أَمَةٌ حَتَّى يَنْكِحَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا فَذَلِكَ إحْصَانُهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمَةُ وَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَتُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا أَنَّهُ يُحْصِنُهَا إذَا عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ إذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ أَنْ تُعْتَقَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ تُحْصِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إذَا نَكَحَ إحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا) . نِكَاحُ الْمُتْعَةِ (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَوَطِئَهَا بَعْدَ عِتْقِهِ فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ لِأَنَّ صِفَاتِ الْإِحْصَانِ قَدْ تَجَمَّعَتْ فِيهِ وَلَوْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ أُعْتِقَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْفِرَاقِ وَالْعِتْقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ إحْصَانُهُ بَعْدَ هَذَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ يُصِيبَ امْرَأَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْأَمَةَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يُحْصِنُهَا نِكَاحُهُ وَوَطْؤُهُ إيَّاهَا فِي حَالِ رِقِّهَا وَلَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْإِحْصَانِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إصَابَتِهِ إيَّاهَا حَتَّى يَعْتِقَ ثُمَّ يُصِيبَهَا زَوْجٌ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ حَتَّى تَنْكِحَ بَعْدَ عِتْقِهَا وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا فِيمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عَقْدُ نِكَاحَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا شَرْطًا فِي إحْصَانِهَا فَلَا، بَلْ إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَ الْعِتْقِ بِذَلِكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُحْصِنُهَا إذَا كَانَ حُرًّا، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا وَأَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ بِعِتْقِهَا لَمْ يُحْصِنْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهَا فِي الْمُقَامِ مَعَهُ وَالْمُفَارَقَةِ لَهُ ثَابِتٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ يُبْقِي خِيَارًا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِحْصَانُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْأَمَةَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَتُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَهُ فَإِنَّهُ يُحْصِنُهَا إذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عَالِمَةً كَانَتْ بِالْعِتْقِ أَوْ جَاهِلَةً لِأَنَّ عِتْقَهَا لَا يُوجِبُ لَهَا خِيَارًا فَمَتَى أَصَابَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَقَدْ صَادَفَ وَطْؤُهَا نِكَاحًا صَحِيحًا لَازِمًا فَإِذَا وَقَعَ الْوَطْءُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ أَوْجَبَ الْإِحْصَانَ لِاجْتِمَاعِ صِفَاتِ الْإِحْصَانِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الصِّفَاتِ الْمَانِعَةَ مِنْ الْإِحْصَانِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا كَانَتْ صِفَاتِ نَقْصِ حُرْمَةٍ فِي مَنْعِ إحْصَانِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ صِفَاتِ تَمَامِ حُرْمَةٍ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الْإِحْصَانِ فِيمَنْ وُجِدَتْ فِيهِ وَلَمْ تَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْكُفْرُ وَالرِّقُّ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ أَثَّرَتْ فِي مَنْعِ الْإِحْصَانِ فِيمَنْ وُجِدَتْ فِيهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمَنْعُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ تُحْصِنُهُ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْحُرَّةُ وَالْكِتَابِيَّةُ وَلَا يَتَعَدَّى نَقْصُهُنَّ إلَيْهِ فَيَمْنَعُهُ الْإِحْصَانَ كَمَا لَا يَتَعَدَّى تَمَامَ حُرْمَتِهِ الَّتِي يَثْبُتُ لَهُ بِهَا حُكْمُ الْإِحْصَانِ بِنِكَاحِهِ إحْدَاهُنَّ وَإِصَابَتِهَا. [نِكَاحُ الْمُتْعَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ نَهَى ذَلِكَ الْيَوْمَ عَنْهَا وَنَسَخَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إبَاحَتِهَا وَالْمُتْعَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إلَّا سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ النِّكَاحِ وَكَمُلَ أَمْرُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُسَافِرُ يَدْخُلُ الْبَلَدَ أَتَزَوَّجُك مَا أَقَمْت حَتَّى أَقْفُلَ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُبَاحَةً وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلِمَ الْإِبَاحَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ حَتَّى أَنْكَرَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبَاحَةَ ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُ بِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ «عَلِيًّا بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا لَا يَرَى بِالْمُتْعَةِ بَأْسًا فَقَالَ إنَّكَ رَجُلٌ تَائِهٌ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» . وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَطَاءَ كَانَا يُجِيزَانِ الْمُتْعَةَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا رَجَعَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَتْ إنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ مُوَلَّدَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ هَذِهِ الْمُتْعَةُ لَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهَا لَرَجَمْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِقَوْلِ عَلِيٍّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ وَقَعَ يُفْسَخُ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ فَسَدَ بِعَقْدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يَأْتِيَهَا نَهَارًا وَلَا يَأْتِيَهَا لَيْلًا فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا أُحَرِّمُهُ فَإِنْ وَقَعَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ مُدَّةَ النِّكَاحِ التَّحْدِيدُ وَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِهِ وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ شَرَطَ فِي النِّكَاحِ ضِدَّ مُقْتَضَاهُ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَأَبُّدُ الْمُوَاصَلَةِ وَاسْتِكْمَالُ مِلْكِهِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ زَوْجَانِ وَإِنَّمَا قُلْنَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجِبُ لَهَا بِالْبِنَاءِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ الْمُسَمَّى وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ دُونَ الْمَهْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يُرِيدُ إمْسَاكَهَا إلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ يُفَارِقَهَا فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ مِنْ الْجَمِيلِ وَلَا مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا وَإِنَّمَا نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَا شُرِطَتْ فِيهِ الْفُرْقَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى غَيْرِ إمْسَاكٍ فَيَسُرُّهُ أَمْرُهَا فَيُمْسِكُهَا وَقَدْ يَتَزَوَّجُهَا يُرِيدُ إمْسَاكَهَا ثُمَّ يَرَى مِنْهَا ضِدَّ الْمُوَافَقَةِ فَيُفَارِقُهَا يُرِيدُ أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي النِّكَاحَ فَإِنَّ لِلرَّجُلِ الْإِمْسَاكَ أَوْ الْمُفَارَقَةَ وَإِنَّمَا يُنَافِي النِّكَاحَ التَّوْقِيتُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَتْ إنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ مُوَلَّدَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ هَذِهِ الْمُتْعَةُ لَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهَا لَرَجَمْت) . (ش) : قَوْلُهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ عَظَّمَ هَذَا الْأَمْرَ وَاسْتَشْنَعَ أَنْ يَقَعَ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ فَأَعْجَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَهْتَبِلَ بِأَمْرِ رِدَائِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " هَذِهِ الْمُتْعَةُ " يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهَا لَرَجَمْت يُرِيدُ: أَعْلَمْت النَّاسَ إعْلَامًا شَائِعًا بِمَا أَعْتَقِدُ فِي ذَلِكَ وَآخُذُ بِهِ مِنْ التَّحْرِيمِ حَتَّى لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فَيَكُونَ الْمُتَمَتِّعُ مُقْتَحِمًا لِلتَّحْرِيمِ فَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ وَكَانَ الْأَمْرُ الْمُحَرَّمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى مِثْلُهُ وَلَا يُعْلَمُ عِلْمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِيهِ إبَاحَةٌ فَإِنَّهُ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بَعْضَ الْخِلَافِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ " لَوْ تَقَدَّمْت فِيهَا " بَيِّنَةَ مَا عِنْدِي فِيهِ مِنْ النَّصِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَيَزُولَ الْخِلَافُ " لَرَجَمْت " لِتَقَدُّمِ الْإِجْمَاعِ وَانْعِقَادِهِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهِ لَرَجَمْت " رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يُرْجَمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ إنْ كَانَ مُحْصَنًا وَيُجْلَدُ مَنْ لَمْ يُحْصَنْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا رَجْمَ فِيهِ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْهُ بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً لَا يَبْلُغُ بِهَا الْحَدَّ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ وَيُعَاقَبُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ وَخَطَبَهُمْ بِهِ وَخُطَبُهُ تَنْتَشِرُ وَقَضَايَاهُ تَنْتَقِلُ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا حُفِظَ لَهُ مُخَالِفٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ

[نكاح العبد وفيه ثلاثة أبواب]

نِكَاحُ الْعَبْدِ (ص) : (مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْآنُ فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ أَتَاهُ رَجُلٌ عَالِمًا عَامِدًا وَإِنَّمَا فِيهِ النَّكَالُ، وَكُلُّ نِكَاحٍ حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ أَتَاهُ عَالِمًا عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ وَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ مَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ وَالْإِنْكَارُ عَلَى تَحْرِيمِهِ يَثْبُتُ فِيهِ الْحَدُّ كَمَا يَثْبُتُ فِيمَا حَرَّمَهُ الْقُرْآنُ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ إذَا انْقَطَعَ وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِ أَقْوَالِهِ بَعْدَ مَوْتِ قَائِلِهِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِ عَنْهُ فَإِنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِمَوْتِ الْمُخَالِفِ فَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْخِلَافِ بَاقٍ فِي حُكْمِ قَضِيَّةِ الْمُتْعَةِ وَبِذَلِكَ لَا يُحَدُّ فَاعِلُهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ إنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِمَوْتِ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَائِلٌ بِهِ فَعِنْدِي هَذَا يُحَدُّ فَاعِلُهُ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَوْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِتَحْرِيمِهِ وَأَتَاهُ أَحَدٌ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ لَوْ كُنْت أَعْلَمْت النَّاسَ بِرَأْيِي فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ أَتَاهُ لَأَقَمْت الْحَدَّ فِيهِ بِالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَجْرِي عِنْدَ الْخِلَافِ إلَّا عَلَى مَا رَآهُ الْإِمَامُ الَّذِي يَحْكُمُ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ النَّصِّ أَوْ وَجْهِ التَّأْوِيلِ مَا يَمْنَعُ قَوْلَ الْمُخَالِفِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [نِكَاحُ الْعَبْدِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ] (ش) : قَوْلُهُ يَنْكِحُ الْعَبْدُ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُنَّ كَالْحُرِّ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ لِلْحُرِّ وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ بِجَوَازِهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّا لَنَقُولُ ذَلِكَ وَمَا أَدْرِي مَا هَذَا. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ إلَّا اثْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ {مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] مَا حَلَّ لَكُمْ فَبَيِّنُوا أَوَّلًا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ حَلَالٌ لِلْعَبِيدِ حَتَّى يَثْبُتَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ لَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ فِي مُوَاجَهَةِ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فَإِذَا قَالَ لَهُمْ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الَّذِي يَطِيبُ وَيَحِلُّ هُوَ مَثْنَى وَثُلَاثُ وَرُبَاعُ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ الطَّيِّبِ أَبْيَنُ فِي اللَّذَّةِ وَمَا يَشْتَهِيهِ الْإِنْسَانُ لَا سِيَّمَا إذَا أُضِيفَ ذَلِكَ إلَى الْمُسْتَطِيبِ فَقِيلَ لَهُ افْعَلْ مَا طَابَ لَك فَإِذَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُضَفْ إلَى الْمُكَلَّفِ جَازَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِبَاحَةُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ وَلَوْ جَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعَ الْإِضَافَةِ لَكَانَ فِيمَا قُلْنَا أَظْهَرُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ لِأَنَّ نَفَقَاتِ زَوْجَاتِ الْعَبِيدِ عَلَى سَادَاتِهِمْ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] مَعْنَاهُ يَكْثُرُ عِيَالُكُمْ وَيَشُقُّ الْإِنْفَاقُ عَلَيْكُمْ كَذَلِكَ فَسَّرَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ اعْتَبَرَ بِهِ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عَالَ يَعُولُ إذَا كَثُرَ عِيَالُهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ أَعَالَ يُعِيلُ إذَا كَثُرَ عِيَالُهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ عَالَ يَعُولُ إذَا مَالَ وَعَالَتْ الْفَرِيضَةُ تَعُولُ إذَا زَادَ حِسَابُهَا وَالْعَوْلُ قُوتُ الْعِيَالِ وَهُوَ مَا يُعَالُونَ بِهِ وَالْعَيْلَةُ الْحَاجَةُ يُقَالُ مِنْهُ عَالَ يُعِيلُ إذَا افْتَقَرَ. وَاَلَّذِي قَالَ بِهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ لَا تَعُولُوا أَنْ لَا تَمِيلُوا كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَنْشَدُوا بَيْتَ أَبِي طَالِبٍ بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يَخُسُّ شَعِيرَةً ... وَوَزَّانِ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ

[الباب الأول في ملك السيد نكاح العبد]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ مُخَالِفٌ لِلْمُحَلِّلِ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَالْمُحَلِّلُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ التَّحْلِيلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِي غَيْرَ مَائِلِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَلَّ زَوْجَاتُهُ اللَّاتِي يَخَافُ أَنْ لَا يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ كَانَ أَبْعَدَ لَهُ مِنْ الْمِيلِ وَالْجَوْرِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَذَكَرَ مَا لَا يَحْرُمُ فِيهِ الْمِيلُ مِنْ السَّرَارِي وَلَا يَلْزَمُ بَيْنَهُنَّ الْعَدْلُ، وَلَوْ أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ وَالْإِنْفَاقِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْعِيَالِ تَحْصُلُ بِالْإِمَاءِ كَمَا تَحْصُلُ بِالْأَحْرَارِ، وَالْإِنْفَاقُ يَلْزَمُ عَلَيْهِنَّ كَمَا يَلْزَمُ لِلزَّوْجَاتِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجَاتِهِ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ فِيمَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ يُوصَى لَهُ بِهِ وَأَمَّا سَيِّدُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ نَفَقَتِهِنَّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا طَرِيقُهُ الشَّهْوَةُ وَالْمَلَاذُ يَتَسَاوَى فِيهِ حُكْمُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] وَمَعْنَى ذَلِكَ إنْكَارُ مُسَاوَاةِ الْعَبِيدِ الْأَحْرَارَ فِيمَا رُزِقُوهُ وَيُلْغَى هَذَا الْحُكْمُ، وَلَوْ جَازَ لِعَبْدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا لَكَانَ قَدْ سَاوَى الْحُرَّ فِيمَا رُزِقَهُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ إلَّا أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِيمَا خَلَقَهُ وَتَمَلَّكَهُ كَمَا لَيْسَ لِعَبِيدِنَا شَرِكَةٌ فِيمَا رُزِقْنَاهُ وَزَوْجَةُ الْعَبْدِ لَيْسَ مِمَّا رُزِقْنَاهُ فَيُشَارِكُنَا فِيهَا وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَإِنَّ الْعَبِيدَ يُشَارِكُونَ الْأَحْرَارَ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مِنْ جَوَازِ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَتَحْرِيمِ الظُّلْمِ لَهُمْ وَإِبَاحَاتِ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَلَاذِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ أُبِيحَ لِلْعَبْدِ مِنْهُ مَا لَمْ يُبَحْ لِلْحُرِّ وَهُوَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَمِ طَوْلٍ وَلَا خَوْفِ عَنَتٍ. وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّنَا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ نَفْيُ مُسَاوَاةِ الْعَبْدِ لِلْحُرِّ فِي النِّكَاحِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالْحُرَّ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ فِي عَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَلَا لَفْظٌ عَامٌّ يُتَعَلَّقُ بِهِ وَلِذَلِكَ تُسَاوِي الْأَمَةُ الْحُرَّةَ فِي عَدَدِ الْأَزْوَاجِ وَقَدْ تَعَلَّقَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَنْ احْتَجَّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَهَذَا لَمْ يَشْتَهِرْ مِنْ قَوْلِهِمْ اشْتِهَارًا يَصِحُّ بِهِ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْخِلَافِ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنَى ذُو عَدَدٍ بُنِيَ عَلَى التَّفْصِيلِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسَاوِيَ فِيهِ الْعَبْدُ الْحُرَّ كَالطَّلَاقِ وَالْعَدَدِ وَالْحُدُودِ وَوَصْفُهُ بِأَنِّي بُنِيَ عَلَى التَّفْصِيلِ غَيْرُ مُسْلِمٍ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُنَّ حَرَائِرَ وَجَمِيعُهُنَّ إمَاءٌ وَبَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ وَسَائِرُهُنَّ إمَاءٌ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ فَجَازَ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعَ حَرَائِرَ كَالْحُرِّ. (ش) : قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ مُخَالِفٌ لِلْمُحَلِّلِ يُرِيدُ أَنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ يَثْبُتُ إذَا أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ وَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ إذَا أُرِيدَ بِهِ التَّحْلِيلُ وَذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ تَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِمَنْ طَلَّقَهَا وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ لِغَيْرِ تَحْلِيلٍ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ أَقَامَ فَلَيْسَ بِمُحَلِّلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ نِكَاحِ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ وَبَيْنَ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ مُجِيزٍ أَنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ إنَّمَا يَرِدُ لِحَقِّ السَّيِّدِ فَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ إنَّمَا يَرِدُ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إجَازَتُهُ، وَفِي نِكَاحِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ، الْأَوَّلُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ نِكَاحَ الْعَبْدِ، وَالثَّانِي فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَقْدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَجْوِيزِ السَّيِّدِ لَهُ وَفَسْخِهِ، وَالثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِهِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ نِكَاحَ الْعَبْدِ] 1 السَّيِّدُ يَمْلِكُ نِكَاحَ الْعَبْدِ وَلَهُ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَجْبُرُهُ

[الباب الثاني فيما يجوز من عقده على نفسه وتجويز السيد له وفسخه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] قُلْنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكُوا الْإِنْكَاحَ لَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ قَرَنَ ذِكْرَهُمْ بِذِكْرِ الْإِمَاءِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارَ أَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَتِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْقَرَائِنِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَمْلِكُ رِقَّهُ يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْأَمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا انْفَرَدَ بِمِلْكِ جَمِيعِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِإِنْكَاحِهِ ذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ أَوْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهُ عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَ مَالِهِ فَلَا يَمْلِكُ إنْكَاحَهُ كَالْحُرِّ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ جَبْرًا مَلَكَ ارْتِجَاعَ زَوْجَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَبَاحَ لَهُ الْبُضْعَ بِالنِّكَاحِ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَقَدْ مَلَكَ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا لَيْسَ لَهُ مِنْهُ مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَالرَّجْعَةُ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَمَلَكَهَا الْعَبْدُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : لَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إنْكَاحِ عَبْدِهِ وَلَا إنْكَاحِ أَمَتِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى نِكَاحِ عَبْدِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مَحْضُ مِلْكِ رِقِّهِ فَإِذَا دَعَاهُ إلَى إنْكَاحِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إنْكَاحِ مُكَاتَبِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِالرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الْمَالِكِ لِرِقِّهِ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَقْدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَجْوِيزِ السَّيِّدِ لَهُ وَفَسْخِهِ] أَمَّا فِي حُكْمِ عَقْدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَجْوِيزِ السَّيِّدِ لَهُ وَفَسْخِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِهِ فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ بَاشَرَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ إذْنُ السَّيِّدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَنَافِعِهِ وَمَالِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُجِيزَهُ؟ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ إجَازَتَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْفَرْجِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَازَةُ السَّيِّدِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَقْدٌ بَاشَرَهُ مَنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ وَإِنَّمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِلسَّيِّدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَنَافِعِهِ وَمَالِهِ، وَالْخِيَارُ إذَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ دُونَ الشَّرْطِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعُنَّةِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ إنْكَاحُ الرَّجُلِ ابْنَةَ الْأَجْنَبِيِّ الْبِكْرَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَبُوهَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْكَاحُ الرَّجُلِ ابْنَةَ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَا يَجُوزُ كَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ فَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا وَكَمْ طَلْقَةً يَمْلِكُ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السَّيِّدَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ أَلْبَتَّةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَتَكُونُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ بَائِنَةً، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ وَالْبَتَّةِ كَالزَّوْجِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ لِمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي عَبْدِهِ مِنْ الْعَيْبِ وَالطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ تُفْرِغُ لَهُ عَبْدَهُ وَتُزِيلُ عَنْهُ عَيْبَهُ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إيقَاعُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِنِكَاحِ عَبْدِهِ فَقَالَ لَا أُجِيزُ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِجَازَةَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِهِ وَكَانَ كَلَامًا كَالْمُرَاجَعَةِ وَالْجَوَابِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ لَا أُجِيزُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَجَزْت فَلَا أَرَاهُ جَائِزًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ التَّفْرِيقَ فَإِنَّ هَذَا لَا تَكُونُ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْفَسْخِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّوَقُّفَ فِي الْأَمْرِ

[الباب الثالث في حكم المهر والنفقة في نكاح العبد]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ أَوْ الزَّوْجُ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ إنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّأَمُّلَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ سَأُشَاوِرُ نَفْسِي أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّ لِهَذَا أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَفْسَخَ وَإِنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَمَّا إنْ قَالَ لَا أُجِيزُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِهِ فَهَذَا لَهُ أَنْ يُجِيزَ مَا دَامَ فِي مَقَامِهِ وَيُصَدَّقُ السَّيِّدُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُمْ فَإِنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ تَكُنْ لَهُ الْإِجَازَةُ وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قِيَامَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُرَادَهُ نِسْبَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ التَّفْرِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ الْفَسْخَ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يُرِيدُ اسْتِدَامَةَ الْخِيَارِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَسْتَمْتِعَ الْعَبْدُ بِزَوْجِهِ بَعْدَ عِلْمِ السَّيِّدِ بِنِكَاحِهِ عَلَى وَجْهٍ كَانَ يَقْدِرُ سَيِّدُهُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِهَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ التَّمْكِينِ وَذَلِكَ أَبْيَنُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِجَازَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ السَّيِّدُ بِنِكَاحِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ رَآهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَمْنَعْهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَالصَّدَاقُ عَلَى الْعَبْدِ وَنَحْوُهُ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ) الْعَبْدُ لَا يَخْلُو أَنْ يَنْكِحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِهِ فَالْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذِمَّةِ الْعَبْدِ مَا يَطْرَأُ لَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ مِنْ مَالٍ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ دُونَ مَكَاسِبِهِ الَّتِي هِيَ عِوَضُ حَرَكَاتِهِ بِصَنْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ فِي مَكْسَبِهِ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ مِنْ حَرَكَاتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ لَمَّا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا وَمِنْ رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ حَقًّا مِنْ مَنَافِعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إنْ كَانَ نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ قَدْرَ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهِ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ وَاعْتَرَضَ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَرْضَى مِنْ ذَلِكَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ أَنْ تَمْتَنِعَ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَاعْتَرَضَ فِيهِ بَعْدَ لُزُومِ النِّكَاحِ وَفَوَاتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْمُعْتَادَ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَجَازَ السَّيِّدُ فَلَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ لِأَنَّ إجَازَتَهُ لِلنِّكَاحِ إجَازَةٌ لِلْمَهْرِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ فَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ فَسَخَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ اسْتَرَدَّهُ السَّيِّدُ إلَّا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَالُ السَّيِّدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَمَّا مَا ارْتَجَعَ مِنْ الْمَهْرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَى السَّيِّدِ شَيْءٌ مِنْهَا سَوَاءٌ نَكَحَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِمَالِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِيهَا وَقَدْ فَسَّرْته فِي بَابِ جَامِعِ الطَّلَاقِ. (فَرْعٌ) وَالسَّيِّدُ أَوْلَى بِخَرَاجِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَإِلَّا تَلُومُ لَهُ فَإِنْ وَجَدَ نَفَقَةً وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَالْحُرَّةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِلْكَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فَسْخٌ لِنِكَاحِهِ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُنَافِي النِّكَاحَ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَبْدَهَا وَلَمَّا كَانَ مِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْعَبْدُ إذَا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَتُهُ إذَا مَلَكَتْهُ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ يَتَرَاجَعَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) . نِكَاحُ الْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ «بَلَغَهُ أَنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِدَائِهِ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِك وَزَعَمَ أَنَّك دَعَوْتَنِي إلَى الْقُدُومِ عَلَيْك فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا قَبِلْته وَإِلَّا سَيَّرَتْنِي شَهْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَنَافِعَ كُلَّهَا أَبْطَلَ حُكْمَ النِّكَاحِ تَقَدَّمَ النِّكَاحُ أَوْ تَأَخَّرَ فَإِنْ تَقَدَّمَ مِلْكُ الْيَمِينِ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَتَهُ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَهُ وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا أَمَةً لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَهُ عَبْدٌ لَهُ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا مِنْهُ انْتِزَاعٌ لِلْأَمَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا وَلَا يَتَزَوَّجَ أَمَةً لَهُ فِيهَا شُبْهَةُ مِلْكٍ كَأَمَةِ عَبْدِهِ وَأَمَةِ ابْنِهِ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَمَةِ الِابْنِ بِأَنَّهَا مَالٌ لَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطِئَهَا وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ إنْكَاحَ الْأَبِ أَمَةَ الِابْنِ عَلَى مَا يُكْرَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ يَكُونُ فَسْخًا يَقْتَضِي أَنَّ النِّكَاحَ إذَا انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ فُسِخَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ كُلِّ نِكَاحٍ تَقَدَّمَ عَلَى الصِّحَّةِ وَطَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ وَيَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَهُ أَمَتَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَوَرِثَهَا أَوْ وَرِثَ جُزْءًا مِنْهَا لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَبْدَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَوَرِثَتْ جُزْءًا مِنْهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَا شَيْءَ لَهَا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كَالطَّلَاقِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَعْنًى يُوجِبُ الْفَسْخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ كَالرَّضَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ تَرَاجَعَا بِنِكَاحٍ بَعْدُ لَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا يُرِيدُ أَنَّهُمَا لَا يَتَرَاجَعَانِ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدْ انْفَسَخَ وَبَطَلَ حُكْمُهُ وَخَرَجَا عَنْهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلِذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ لَمْ تُعْتَدَّ عَلَيْهِ فُرْقَةُ الْفَسْخِ طَلْقَةً بَلْ يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ طَلْقَتَانِ إنْ كَانَ عَبْدًا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا مَلَكَتْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَأَعْتَقَتْهُ وَصَارَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَتَرَاجَعَانِ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا رَجْعِيًّا فَإِنَّ مِلْكَهَا إيَّاهُ قَدْ قَطَعَ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الرَّجْعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمِلْكُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا أَزَالَ الْمِلْكَ مَنَعَ الرَّجْعَةَ كَالرِّدَّةِ.

[نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله]

لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَك تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ فَأَرْسَلَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَسْتَعِيرُهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ صَفْوَانُ أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا فَقَالَ بَلْ طَوْعًا فَأَعَارَهُ الْأَدَاةَ وَالسِّلَاحَ الَّذِي عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَافِرٌ فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ» مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ بَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ نَحْوٌ مِنْ شَهْرَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نِكَاحُ الْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ إلَى قَوْلِهِ أَسْلَمَتْ عَامَ الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ تَكُونَ أَسْلَمَتْ فِي وَقْتً تُمْكِنُ الْهِجْرَةُ فِيهِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَلَمْ يُهَاجِرْنَ وَأَزْوَاجُهُنَّ كُفَّارٌ وَلَوْ كَانَ وَقْتٌ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْهِجْرَةُ لَمَا احْتَاجَ إلَى نَفْيِ الْهِجْرَةِ عَنْهُنَّ لِأَنَّ تِلْكَ حَالُ سَائِرِ النِّسَاءِ لَا يُمْكِنُ سِوَاهَا ثُمَّ قَالَ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ عَامَ الْفَتْحِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّمَا أَسْلَمَتْ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْهِجْرَةُ وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقَدْ فَاتَتْهَا الْهِجْرَةُ لِأَنَّهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَعَاتِكَةُ إذَا أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَّ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لَكِنَّهُ إنَّمَا أَضَافَهَا إلَى مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ وَوَصَفَهَا بِعَدَمِ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا أُنْزِلَ بِحُكْمِ مَنْ هَاجَرَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا حُكْمُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنْ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَرَّ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ وَلَمْ يَفِرَّ مِنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَمِنَ مِنْ الْقَتْلِ وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ صَفْوَانُ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ فِرَارَهُ كَانَ مِنْ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَبَاهُ وَعَلَيْهِ قُوتِلَ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّينَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39] {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَرْسَلَ ابْنَ عَمِّهِ لِسُكُونِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ إلَى قَوْلِهِ وَثِقَتِهِ بِهِ وَقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَمَعْرِفَتِهِ بِإِشْفَاقِهِ وَقَرَنَ بِهِ رِدَاءَهُ لِيَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بِهِ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ تَأْمِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَدُعَائِهِ إيَّاهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ لَهُ عَلَى حَسْبِ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ مَنْ أَمَّنَ مِنْهُمْ أَحَدًا أَعْطَاهُ سَوْطَهُ أَوْ رِدَاءَهُ أَوْ حَبْلًا أَوْ شَيْئًا يَكُونُ كَالشَّاهِدِ لَهُ عَلَى التَّأْمِينِ وَيُشْهَرُ بِهِ تَأْمِينُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَيُبَيِّنَ لَهُ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ وَهَدْيَهُ فَإِنْ رَضِيَهُ الْتَزَمَهُ وَدَخَلَ فِيهِ وَقَبِلَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَمِّنُهُ فِيهِمَا لَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ حَكَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِيَتَمَكَّنَ فِيهِمَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى حَيْثُ يَأْمَنُ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ أَبُو الْمُطَرِّفِ الْقَنَازِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا أَصْلٌ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَعَلَى حَسْبِ مَا يَرَوْنَهُ مَصْلَحَةً لَهُمْ وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَإِنَّمَا هُوَ تَأْمِينٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِيَرَى الْإِسْلَامَ وَحَالَهُ فَإِنْ رَضِيَهُ دَخَلَ فِيهِ وَإِلَّا كَانَ آمِنًا مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُسَمِّيَ التَّأْمِينَ صُلْحًا مَجَازًا أَوْ اتِّسَاعًا أَوْ لِأَنَّ الْمُؤَمَّنَ أَيْضًا يَأْمَنُهُ مَنْ أَمَّنَهُ لَكِنْ لِهَذَا الْمَعْنَى اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ التَّأْمِينُ وَالصُّلْحُ أَيْضًا اسْمٌ لِمَعْنًى آخَرَ يَخْتَصُّ بِهِ وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا لِأَنَّ الْمُصَالَحَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَالْمُؤَمَّنُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يَجْرِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ حُكْمُ مَنْ أَمَّنَهُ عَلَى حَسْبِ مَا يَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنَّهُ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِك يَزْعُمُ أَنَّك دَعَوْتنِي إلَى الْقُدُومِ عَلَيْك يُرِيدُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ حِينَ قُدُومِهِ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ يُرِيدُ إشْهَارَ تَأْمِينِهِ وَالْإِعْلَانَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كُفْرِهِ قَدْ خَافَ أَمْرًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يُشْهِرْ تَأْمِينَهُ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ وَفَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَمْ يَغْدِرْ قَطُّ بِذِمَّةٍ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِهِرَقْلَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَغْدِرُ؟ قَالَ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ ذَلِكَ وَأَعْلَنَ بِهِ لِيَعْلَمَ عِلْمَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَرُبَّمَا خَفَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَاغْتَالَهُ وَبَدَرَ بِقَتْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَفْوَانُ أَرَادَ تَحْقِيقَ مَا جَاءَ بِهِ ابْنُ عَمِّهِ لِتَجْوِيزِهِ الْوَهْمَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمَنْ قَامَ بِقَوْلٍ يَقُولُهُ وَيُعْلِنُ بِهِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ مُنْصِتُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَأَنَّهُ يُسْمِعُ جَمِيعَهُمْ وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ إخْبَارَ الْجَالِسِ لَدَى مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَحَادَثَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْلِسْ أَبَا وَهْبٍ فَكَنَّاهُ وَهِيَ كُنْيَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُكَنَّى الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ مُشْرِكًا قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُكَنَّى الْيَهُودِيُّ وَلَا النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَلْزَمَهُمْ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ وَفِي تَكْنِيَتِهِ إكْرَامُهُ وَتَعْظِيمُهُ وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو الْعَرَبَ خَاصَّةً بِكُنَاهَا مَعَ الْإِشْرَاكِ اسْتِئْلَافًا لَهَا بِذَلِكَ وَلِمَنْ كَانَ وَرَاءَهَا مِنْ عَشَائِرِهَا كَمَا جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ مَنَّ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَسْرَى الْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ أَطْلَقَهُمْ امْتِنَانًا وَاسْتِئْلَافًا بِغَيْرِ فِدَاءٍ فَكَانَ الْغَيْرُ إنَّمَا قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَتَقْسِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْكُنَى قَدْ يُدْعَى بِهَا عَلَى غَيْرِ سَبِيلِ الْإِكْرَامِ إمَّا لِشُهْرَتِهَا وَأَنَّهَا تُغْلَبُ عَلَى الِاسْمِ وَيُشْتَهَرُ بِهَا صَاحِبُهَا دُونَ الِاسْمِ فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] فَكَنَّاهُ لِاشْتِهَارِهِ بِكُنْيَتِهِ فَلَمْ يُرِدْ إكْرَامَهُ بِهَذَا وَلَا اسْتِئْلَافَهُ فَفِي السُّورَةِ مِنْ ذَمِّهِ وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ سَيَصْلَى النَّارَ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ غَلَبَتْ الْكُنَى عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَغَلَبَتْ الْأَسْمَاءُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَسْمَائِهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يَقُلْ أَنَا ابْنُ أَبِي الْحَارِثِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَضَعَ مِنْ جَدِّهِ وَلَا قَصَدَ إلَى تَصْغِيرِ حَالِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ لِحَسَّانَ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي هِجَاءِ قُرَيْشٍ كَيْفَ بِنَسَبِي فِيهِمْ فَقَالَ لَأَسُلَّنك مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ فَقَدْ يُدْعَى بِالْكُنَى عَلَى مَعْنَى الشُّهْرَةِ وَغَلَبَتِهَا وَقَدْ يَكُونُ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا اسْمَ لَهُ وَاسْمُهُ كُنْيَتُهُ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا الْكُنْيَةُ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَا مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ أَوْ لَا هِيَ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَك تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَتَّى تُبَيِّنَ مَا أَنَفَذْت بِهِ إلَيَّ هَلْ هُوَ عَلَى مَا بَلَغَنِي فَأَنْزِلَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَأَنْظُرَ فِيهِ فَيَكُونُ التَّبَيُّنُ حِينَئِذٍ لَهُ خَاصَّةً لِيَعْلَمَ وَجْهَ التَّأْمِينِ كَيْفَ هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي بِأَنْ يَسْمَعَ هَؤُلَاءِ تَأْمِينَك لِي فَآمَنُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ إذَا اُشْتُهِرَ الْأَمَانُ أَوْ تُعْلِمَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِك فَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ أَخَافُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَايَتَهُ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالزِّيَادَةِ فِي التَّأْمِينِ عَلَى مَا بَلَغَهُ وَرَضِيَهُ فَقَالَ بَلْ لَك تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ التَّسْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 2] وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِئْلَافًا لَهُ وَاسْتِمَالَةً إلَى الْإِسْلَامِ وَلِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ فِي قَتْلِهِ وَلَا التَّشَفِّي مِنْهُ لِعَدَاوَتِهِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنْ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ فَيَدْخُلَ فِيهِ فَيُكَفِّرَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِهِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ قَطُّ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ رَبُّهُ مِنْ قِتَالِ مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُقِرُّ بِهِ فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَدَخَلَ فِيهِ أَطْرَحَ عَدَاوَتَهُ وَأَظْهَرَ مَوَدَّتَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِأَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا بَلَغَ بِوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ قَالَ لَهُ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَك. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ هَوَازِنَ بِجَيْشٍ فَأَرْسَلَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ صَفْوَانُ أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا فَقَالَ بَلْ طَوْعًا يُرِيدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ قَبْلَ هَوَازِنَ اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ أَدَاةً وَسِلَاحًا كَانَتْ عِنْدَهُ وَالْعَارِيَّةُ مُبَاحَةٌ مِنْ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمُسْلِمُ ثَوْبًا لَبِسَهُ كَافِرٌ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْغَسْلُ فَلْيَلْبِسْهَا وَيُصَلِّي فِيهَا دُونَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَبِسَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْتَدِمْ لُبْسَهَا حِينَ الصَّلَاةِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا لِأَنَّ الدُّرُوعَ مِمَّا يُفْسِدُهَا الْغَسْلُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْعَارِيَّةِ إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُعَارِ فَنَحْنُ نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ إلَى الْخُرُوجِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا خَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَدْعُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْخُرُوجِ لَمَّا رَجَا أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ وَسَفَرِهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُقَوِّي فِي نَفْسِهِ أَمْرَ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ وَهَلْ الْمَنْعُ لَمْ يَتَنَاوَلْ خُرُوجَهُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ اسْتِعَانَتَهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ لَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ بِأَنْ لَا يُجَامِعَهَا فَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الرَّاوِي فِي حَدِيثِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا الْكَافِرِ بِنَفْسِ إسْلَامِهَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَابْنُ شِهَابٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَجَمَاعَةٌ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا وَمَرَاسِيلُ ابْنِ شِهَابٍ لَا يُحْتَجُّ بِهَا غَيْرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ قِصَّةَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَقِصَّةَ عِكْرِمَةَ قَدْ شُهِرَتَا وَتَوَاتَرَ خَبَرُهُمَا فَكَانَ ذَلِكَ يَقُومُ لَهُمَا مَقَامَ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ. وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ أَسْمَاءَ وَعَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «امْرَأَةً أَسْلَمَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ» وَقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدِيمُ مِلْكَ عِصْمَتِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ عِنْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيمُ مِلْكَ عِصْمَتِهَا مَعَ بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ الْمُهَاجِرَاتِ فَهُوَ حُجَّةٌ فَإِنْ سَلِمَ قِسْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ الْمُهَاجِرَاتِ فَقُلْنَا إنَّ هَذِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا تَحْتَ الْكَافِرِ أَوْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْكَافِرُ مِلْكَ عِصْمَتِهَا كَالْمُهَاجِرَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إسْلَامُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُسْلِمَا جَمِيعًا أَوْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَا جَمِيعًا فِي وَقْتٍ مِثْلِ أَنْ يَأْتِيَا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ فَفِي النَّوَادِرِ أَنَّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَقَدَّمَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ فَإِنْ تَقَدَّمَ الزَّوْجُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الزَّوْجَةُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ زَوْجَتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ هُوَ مَكَانَهُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي إسْلَامِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ إسْلَامِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَتْبَعْهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ وَإِذَا تَبِعَهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ لَمْ تَقَعْ بِهِ فُرْقَةٌ دُونَ اعْتِبَارِ إسْلَامِ الزَّوْجِ لَمَّا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِمَا إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا مَعْرِفَةُ مَا يَكُونُ مِنْ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا وَقَعَ إسْلَامُ الزَّوْجَةِ كَانَ مُرَاعًى عَلَى مَا يَأْتِي تَفْسِيرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ وَأَشْهَبَ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مَعْنًى يُوجِبُ فُرْقَةً فِي النِّكَاحِ فَإِذَا وُجِدَ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَطَعَ الْعِصْمَةَ وَالطَّلَاقَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ إنْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِ مَجُوسِيًّا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَيَكُونُ أَحَقُّ بِهَا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ دُونَ رَجْعَةٍ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَالِارْتِجَاعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّشْغِيبَ دُخُولُ النِّكَاحِ بِمَا تَجَرَّدَ مِنْ إسْلَامِ الزَّوْجَةِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَمْلِكَ عِصْمَتَهَا كَافِرٌ وَهَذَا تَشْغِيبٌ أَوْجَبَ الْعِدَّةَ وَلَمْ يُوجِبْ الْفُرْقَةَ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَدْ زَالَ التَّشْغِيبُ وَانْجَبَرَ الثَّلْمُ وَصَحَّحَ إسْلَامُهُ الْعَقْدَ فَبَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى رَجْعَةٍ لِأَنَّ تَشْغِيبٌ الْعَقْدِ لَمْ يَقَعْ بِمَا تَجْبُرُهُ الرَّجْعَةُ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِمَا يَجْبُرُهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ارْتَجَعَهَا وَبَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ لَمْ تَصِحَّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجَةِ لَا يُوجِبُ فُرْقَةً إذَا تَعَقَّبَهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ وَذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِذَا وَقَعَ إسْلَامُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ مُدَّةٍ كَانَتْ مُرَاعًى فَإِنْ تَعَقَّبَهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ عَلِمْنَا أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجَةِ إسْلَامٌ لَا يُؤَثِّرُ فُرْقَةً وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ وَإِثْبَاتُهُ فَبَقِيَا عَلَى مَا كَانَا عَقَدَاهُ مِنْ النِّكَاحِ وَأَسْلَمَا عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِرَجْعَتِهِ وَلَا لِمَا يَقُومُ مَقَامَهَا لِأَنَّ نِكَاحَهُمَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ إلَّا مَا أَثَّرَ فِيهِ تَصْحِيحًا وَتَبْيِينًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ إسْلَامُ الزَّوْجِ عَلِمْنَا أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجَةِ قَدْ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّهَا تَحْتَسِبُ بِعِدَّتِهَا إذَا عَلِمْنَا وُقُوعَ الْفُرْقَةِ مِنْ يَوْمِ إسْلَامِهَا وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِامْتِنَاعِ الزَّوْجِ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ بِظُهُورِ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ تَكُونُ عِدَّةً أَوْجَبَ أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِئِذٍ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ يَوْمِ تَكُونُ الْفُرْقَةُ. (فَرْعٌ) وَالْمُدَّةُ الْمُرَاعَاةُ فِي الدُّخُولِ بِهَا مِنْ يَوْمِ إسْلَامِهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أَسْلَمَا فِيهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِيهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا وَلَا تَوَقُّفَ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَأَشَارَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ خَلَعَهَا الْإِسْلَامُ عَنْهُ كَمَا تُخْلَعُ الْأَمَةُ مِنْ الْعَبْدِ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِيَعْلَمَ مَا أَوْقَع الزَّوْجُ مِنْ الطَّلَاقِ هَلْ هُوَ بَائِنٌ أَوْ غَيْرُ بَائِنٍ فَإِنْ تَعَقَّبَهُ ارْتِجَاعٌ فِي الْعِدَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ بَائِنٍ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا مِثْلُهُ. (فَرْعٌ) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّينَ وَالذِّمِّيِّينَ

(ص) : (قَالَ ابْنُ شِهَابُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْكُفْرِ إلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَثَنِيِّينَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ الْأَمْصَارِ خِلَافًا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّينَ دُونَ الْوَثَنِيِّينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ مِنْهُمْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ عُرِضَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ عُجِّلَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ النِّكَاحِ فَكَانَ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إسْلَامِ الزَّوْجِ كَكُفْرِ الْكِتَابِيِّينَ الْحَرْبِيِّينَ. (فَرْعٌ) وَهَلْ تَكُونُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا أَوْ فَسْخًا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا فُرْقَةٌ وَاقِعَةٌ بِاخْتِيَارِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالطَّلَاقِ الْمُبْتَدَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ فُرْقَةٌ وَاقِعَةٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مُوقِعٍ فَكَانَتْ فَسْخًا كَالْفُرْقَةِ الْوَاقِعَةِ بِمِلْكِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَهَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ الْفُرْقَةَ الْوَاقِعَةَ بِالرِّدَّةِ فَسْخٌ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ فُرْقَةَ الْمُرْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحَّحَهُ الْإِسْلَامُ وَالْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِإِسْلَامِ زَوْجَةِ الْكَافِرِ فُرْقَةٌ مِنْ نِكَاحٍ لَمْ يُصَحِّحْهُ إسْلَامٌ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا نَفَقَةَ لَهَا رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا النَّفَقَةُ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَصْبَغَ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ يَمْلِكُ اسْتِبَاحَةَ وَطْئِهَا كَالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. (ش) : قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا إلَّا أَنْ يَقْدُمَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا يُرِيدُ مَعَ إسْلَامِهَا وَبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا وَهَاجَرَتْ هِيَ دُونَهُ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فِي وَقْتِنَا هَذَا لَمَا خَرَجَتْ عَنْ عِصْمَتِهِ وَأَمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَدْ كَانَ لِلْهِجْرَةِ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ غَيْرَ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قُلْنَاهُ وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَقْدُمَ مُسْلِمًا وَلَوْ قَدِمَ كَافِرًا لَبَانَتْ مِنْهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ فِيهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا» وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ وَالرَّازِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْهُ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ حَسْبَمَا قَدْ عُلِمَ مِنْ الضَّعْفِ وَالِاضْطِرَابِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ إلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَأَقْرَبُ وَلَوْ ثَبَتَ مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِدْ بِهِ عَلَى مِثْلِ الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ بَرَاءَةٍ بِقَطْعِ الْعُهُودِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ اسْتَكْمَلَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا مَنْسُوخًا وَثَبَتَ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ «أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْيَمَنِ فَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَ إلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ذَلِكَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أُمَّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ عَنْ الْإِسْلَامِ إصْرَارًا مِنْهُ عَلَى الْكُفْرِ وَزَوَالِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَلَمْ تُسْلِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ التَّشْغِيبُ فِي النِّكَاحِ وَيَجْرِي بِهِ إلَى بَيْنُونَةٍ إنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيْهِ أُمُّ حَكِيمٍ بِالْيَمَنِ دَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ اقْتَضَى ذَلِكَ إصْلَاحَ مَا تَشَغَّبَ مِنْ النِّكَاحِ وَتَصْحِيحَ مَا كَانَ فَاسِدًا مِنْهُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ لِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ فَاسِدَةٌ لِمَا يُعْدَمُ فِيهَا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَكِنَّ الْإِسْلَامَ يُصَحِّحُهَا كَمَا يُصَحِّحُ مِلْكَهُمْ لِلْأَمْوَالِ وَإِنْ مَلَكُوهَا عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ لَوْ كَانَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَصِحَّ فَلَمَّا وُجِدَ الْإِسْلَامُ فِي نِكَاحِ عِكْرِمَةَ صَحَّحَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ فَسَادٍ وَأَصْلَحَ مَا كَانَ دَخَلَهُ مِنْ تَشَغَّبَ بِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ كَمَا كَانَ فِي الْعِدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَ إلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَذَلِكَ مِنْ حِرْصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى دُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنْ هَدَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَى الْإِسْلَامِ لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْ عُظَمَاءِ النَّاسِ وَأَعْيَانِهِمْ كَعِكْرِمَةَ فِي قَوْمِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ سَادَاتِ بَنِي مَخْزُومٍ وَعُظَمَائِهِمْ وَبِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وَلَمْ يَحْمِلْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَاوَتِهِ وَعَدَاوَةِ أَبِيهِ عَلَى أَنْ لَا يَنَالَهُ، وَحِرْصُهُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ وَاهْتِدَائِهِ بِهِ مَا يَنَالُ غَيْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرَفٍ وَكَرَمٍ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسْبِ مَا قَالَهُ إنَّ الْكَافِرِينَ إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الزَّوْجَةِ لَمْ يُخَيَّلْ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً أَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَإِنْ كَانَا كِتَابِيَّيْنِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَوَقَّفَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ مَكَانَهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ بِإِسْلَامِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ إنَّمَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ النِّكَاحِ وَلَا يَقْتَضِي إيقَاعَ فُرْقَةٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّمَا يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ النِّكَاحِ مِنْ إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا وُجِدَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ أَوَّلًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَنَى بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فُسِخَ نِكَاحُهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ زَادَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ الْيَوْمَ وَالثَّلَاثَةَ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْحُكْمِ أَوْ بِالْإِغْفَالِ حَتَّى تَطُولَ الْمُدَّةُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ إسْلَامِهِ لَمَا عُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ زَوْجِهَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ إسْلَامَ الثَّانِي مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي مَسْأَلَتِنَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ لِارْتِجَاعِ الْمُعْتَدَّةِ لِلنِّكَاحِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيمَا فِيهِ الرَّجْعَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَإِذَا كَانَ الِارْتِجَاعُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ لَمْ تُرَاعِ فِيهِ الْعِدَّةَ اللَّازِمَةَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا لَا لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ غَفَلَ عَنْهَا إلَى أَنْ تَطَاوَلَ مِثْلُ الشَّهْرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ قَدْ بَرِئَ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْفُرْقَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِحُكْمِ التَّوْفِيقِ وَامْتِنَاعِهَا مِنْ الْإِسْلَامِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا مَا مَضَى مِنْ زَمَنِ الْعِدَّةِ قَبْلَ التَّوْقِيفِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ.

[ما جاء في الوليمة]

مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ (ص) : (مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ «عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمْ سُقْت إلَيْهَا فَقَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ أَثَرَ الصُّفْرَةِ كَانَ بِجَسَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي ثِيَابِهِ، إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ كَمَا يُقَالُ أَصَابَ فُلَانًا الطِّينُ وَالْمَطَرُ وَإِنَّمَا أَصَابَ ذَلِكَ ثِيَابَهُ وَالصُّفْرَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صُفْرَةَ زَعْفَرَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الصَّبْغِ لِلثِّيَابِ أَوْ الْجَسَدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صُفْرَةَ طِيبٍ لَهُ لَوْنٌ قَدْ تَطَيَّبَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَبَقِيَتْ مِنْ لَوْنِهِ عَلَى ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ بَقِيَّةٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ وَبِهِ رَدْغُ زَعْفَرَانٍ فَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الصُّفْرَةَ صُفْرَةُ زَعْفَرَانٍ وَبَيَّنَ أَصْحَابُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِبَاسَ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالصُّفْرَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يُرِيدُ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ لَا لِحْيَتَهُ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ سُفْيَانَ فِي الصَّبْغِ بِالزَّعْفَرَانِ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الثِّيَابِ دُونَ الْجَسَدِ وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَصْبُغَ ثِيَابَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالزَّعْفَرَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيَابَهُ مِنْ الصُّفْرَةِ فَقِيلَ لَهُ مَا تَصْنَعُ بِالصُّفْرَةِ فَقَالَ إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ أَثَرُ الصُّفْرَةِ الَّتِي كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَثَرَ صُفْرَةِ صِبَاغٍ بِالزَّعْفَرَانِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ الصَّبْغِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالطِّيبِ وَلَا يَنْتَفِضُ عَلَى الْجَسَدِ كَالصُّفْرَةِ الْمَصْبُوغَةِ بِالصُّفْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَصْبِغَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ لِمَا رَأَى عَلَيْهِ مِنْ التَّجَمُّلِ لِلْعُرْسِ لِيَعْلَمَ مَا سَبَبُ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَأَى عَلَيْهِ بَشَاشَةَ الْعُرْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرَى بِهِ مِنْ الصُّفْرَةِ أَوْ الطِّيبِ عَلَى جَسَدِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَنْعُ إلَّا فِي عُرْسٍ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ إنْ كَانَ اسْتَبَاحَهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَيُقِرَّهُ عَلَيْهِ أَوْ اسْتَبَاحَهُ بِغَيْرِ وَجْهٍ فَيُعْلِمَهُ حُكْمَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمْ سُقْت إلَيْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ لَمَّا كَانَ الْمَهْرُ مُقَدَّرًا عِنْدَهُ فَيَعْلَمَ إنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ بَلَغَ الْمِقْدَارَ فَيُقِرَّهُ عَلَيْهِ أَوْ قَصُرَ عَنْهُ فَيَأْمُرَهُ بِتَصْحِيحِ ذَلِكَ إمَّا بِإِكْمَالِهِ أَوْ بِمَا يَرَاهُ وَيُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْمِقْدَارِ فَقَالَ كَمْ سُقْت إلَيْهَا وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الْجِنْسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ زِنَةَ نَوَاةٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ النَّوَاةَ مِنْ الذَّهَبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَالْوُقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالنَّشُّ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَالنَّشُّ نِصْفُ الشَّيْءِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ النَّوَاةُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ أَعْلَمُ بِعُرْفِ بَلَدِهِمْ فِي التَّخَاطُبِ وَالتَّحَاوُرِ.

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ وَالْوَلِيمَةُ طَعَامُ النِّكَاحِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى النَّدْبِ إلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ إشْهَارِ النِّكَاحِ وَإِظْهَارِهِ بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ السِّفَاحِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ فِي الْوَلِيمَةِ وَكَثْرَةَ الشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ لِيَشْتَهِرَ وَتَثْبُتَ مَعْرِفَتُهُ فَهَذَا فِي الْوَلِيمَةِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَرْمِ الْأَخْلَاقِ وَمُكَارَمَةِ الْإِخْوَانِ وَمُوَاسَاةِ أَهْلِ الْحَاجَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ حَاوَلَ تَفْسِيرَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا قَالَ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ بَعْدَ الْبِنَاءِ جَائِزَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَوْ بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَاتَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَأَمَرَهُ بِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَيَتَعَقَّبُهُ الْبِنَاءُ وَيَتَّصِلُ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَرَى أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُولِمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ قَالَ فَلْيُجِبْ وَلَيْسَ مِثْلُ الْوَلِيمَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ عَقْدِهِ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ وَلَفْظُ عِنْدَ الْبِنَاءِ يَقْتَضِي قُرْبَ الْبِنَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَكَيْفَمَا كَانَ فَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ لِأَنَّ مِنْهُ شُهْرَةُ النِّكَاحِ وَهَذَا لَا يُعْدَمُ لِتَقْدِيمِهِ وَلَا لِتَأْخِيرِهِ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ إشْهَارِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَتَّصِلُ الْبِنَاءُ بِهِ عِنْدِي أَفْضَلُ كَالْإِشْهَادِ فَأَمَّا تَأْخِيرُهُ فَإِنَّهُ عَارٍ مِنْ فَائِدَةِ الْإِشْهَادِ الَّذِي شُرِعَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْبِنَاءِ وَمُنِعَ تَقْدِيمُ الْبِنَاءِ قَبْلَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْهُ كَالْإِشْهَادِ وَهِيَ عَادَةُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي الْوَلِيمَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ فَاتَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فِي إشْهَارِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا يُشْهَرُ أَوَّلًا بِالْإِشْهَادِ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الْإِشْهَارِ تَخْتَصُّ بِإِشْهَارِ الْبِنَاءِ وَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الرِّضَا بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِ الزَّوْجَةِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِشَاةٍ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي التَّقْلِيلَ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ لِأَقَلِّ الْوَلِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسْبِ الْوُجُودِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ أَقَلَّ مَا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَدْ رَوَى ثَابِتٌ ذِكْرَ تَزْوِيجِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ «مَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا أَوْلَمَ بِشَاةٍ» . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَفَرٍ حَيْثُ لَا يَجِدُ الْخُبْزَ وَلَا اللَّحْمَ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ مَا يَتَزَوَّدُونَ بِهِ مِنْ الْأَقِطِ وَالتَّمْرِ وَالسَّوِيقِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِضِيقِ الْحَالِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْوَلِيمَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ. وَقَدْ رَوَى مَنْصُورُ ابْنُ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ «أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّدْبِ إلَيْهَا وَالْحَضِّ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ الْإِطْعَامَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَمْ يَدَعْ الْوَلِيمَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُؤْخَذَ فِي كُلِّ حَالٍ بِمَا يَسَعُ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي أُبِيحَ مِنْ الْوَلِيمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَالْمُعْتَادُ مِنْهَا يَوْمٌ وَاحِدٌ وَقَدْ أُبِيحَ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ. وَرُوِيَ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَضْلٌ وَالثَّالِثُ سَعَةٌ وَأَجَابَ الْحَسَنُ رَجُلًا دَعَاهُ فِي

(ص) : (مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا» ) . (ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمِ الْأَوَّلِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ دَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يُجِبْهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُهُ وَقَدْ أَوْلَمَ ابْنُ سِيرِينَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَدَعَا فِي بَعْضِهَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَمَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلْيُولِمْ مِنْ يَوْمِ ابْتِنَائِهِ إلَى مِثْلِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِشْهَارَ لِنِكَاحِهِ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْمُبَاهَاةَ وَالسُّمْعَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ أَيَّامًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ اسْتِدَامَتُهُ أَيَّامًا وَأَمَّا أَنْ يَدْعُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَعَاهُ أَوْ مَنْ دَعَاهُ مَرَّةً فَذَلِكَ سَائِغٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِتَكْرَارِ الْأَيَّامِ الِاسْتِيعَابَ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُمْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى طَعَامِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ فَإِذَا تَكَرَّرَ فِي فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ مَقْصِدُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ جُعِلَ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ. (ش) : اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ» وَرَوَى مَعْمَرُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَلَى حَسْبِ هَذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة إنَّمَا هَذَا فِي طَعَامِ الْعُرْسِ وَلَيْسَ طَعَامُ الْإِمْلَاكِ مِثْلَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْإِمْلَاكَ حِينَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الْعُرْسَ حِينَ الْبِنَاءِ وَهَذَا الَّذِي لَزِمَ إتْيَانُهُ لِمَا فِي الْوَلِيمَةِ مِنْ إشْهَارِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْوَلِيمَةُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُؤْتَى وَلِيمَةُ النِّكَاحِ وَمَا سَمِعْت أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُؤْتَى غَيْرُهَا مِنْ الْأَصْنِعَةِ وَأَرَى أَنْ تُجَابَ الدَّعْوَةُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إجَابَةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَاجِبَةٌ وَلَا أُرَخِّصُ فِي تَرْكِ غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ الَّتِي لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ وَلِيمَةٍ كَالْإِمْلَاكِ وَالنِّفَاسِ وَالْخِتَانِ وَحَادِثِ سُرُورٍ وَمَنْ تَرَكَهَا لَمْ يُقَلْ لَهُ إنَّهُ عَاصٍ وَهَذَا خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ وَوَجْهُ وُجُوبِهَا الْأَمْرُ بِذَلِكَ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْإِعْلَانُ لِلنِّكَاحِ وَالْإِثْبَاتُ لِحُكْمِهِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتْمًا وَلَيْسَ بِفَرِيضَةٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْتِيَ فَإِنْ اشْتَغَلَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهٍ وَاجِبٌ وَعَلَى وَجْهٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يُرِيدُ الطَّعَامَ الَّذِي يُصْنَعُ لِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ لَهَا فَعَلَى هَذَا الطَّعَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: طَعَامُ الْعُرْسِ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ إتْيَانُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي طَعَامٌ لَهُ سَبَبٌ مُعْتَادٌ كَالطَّعَامِ لِلْمَوْلُودِ وَالْخِتَانِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَيَقْتَضِي عَلَى تَفْسِيرِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ يَتَّخِذُ طَعَامًا لِخِتَانِ ابْنِهِ أَفَيُجِيبُهُ قَالَ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَهَذَا فِي النَّصْرَانِيِّ قَدْ أَبَاحَهُ فَكَيْفَ بِالْمُسْلِمِ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ الطَّعَامُ الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ فَهَذَا الَّذِي يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْفَضْلِ التَّرَفُّعُ عَنْ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ وَيُكْرَهُ التَّسَرُّعُ إلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ عَلَى مَنْ يُدْعَى إلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ طَعَامٌ مَخْصُوصٌ بِقَصْدٍ مَذْمُومٍ يَقِلُّ مَعَهُ الْأَجْرُ عَلَى كَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُصْنَعُ لِيُدْعَى لَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إنَّ «خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءُ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْمَسَاكِينِ لِمَا فِي دُعَاءِ الْمَسَاكِينِ مِنْ ابْتِذَالِ الْمَنْزِلِ وَالْوِطَاءِ وَالْمَكَانِ فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْعَلُهُ شَرَّ الطَّعَامِ لِأَنَّ خَيْرَ الطَّعَامِ وَأَكْثَرَهُ أَجْرًا مَا يُدْعَى إلَيْهِ الْمَسَاكِينُ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَلِمَا فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَدِّ خُلَّتِهِمْ وَإِشْبَاعِ جَوْعَتِهِمْ فَأَمَّا إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنَّمَا فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الْمُهَادَاةِ وَالتَّوَدُّدِ إذَا سَلِمَ مِنْ السُّمْعَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا فِي وَلِيمَتِهِ الْأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْفُقَرَاءِ هَاهُنَا لَا تُفْسِدُوا عَلَيْهِمْ ثِيَابَهُمْ فَإِنَّا نُطْعِمُكُمْ مِمَّا يَأْكُلُونَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ إلَى طَعَامِ الْوَلِيمَةِ وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ إتْيَانِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ لِمَنْ دُعِيَ إلَيْهَا وَصِفَةُ الدَّعْوَةِ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْإِجَابَةُ أَنْ يَلْقَى صَاحِبُ الْعُرْسِ الرَّجُلَ فَيَدْعُوَهُ أَوْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ اُدْعُ لِي فُلَانًا فَيُعَيِّنَّهُ فَإِنْ قَالَ اُدْعُ لِي مَنْ لَقِيت فَلَا بَأْسَ عَلَى مَنْ دُعِيَ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَتَخَلَّفَ لِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَا عَرَّفَهُ وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ إتْيَانُ الْعُرْسِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالدَّعْوَةِ، وَالدَّعْوَةُ مُخْتَصَّةٌ بِصَاحِبِ الْعُرْسِ فَإِذَا عَيَّنَهُ لَزِمَهُ إتْيَانُ الدَّعْوَةِ لِتَوَجُّهِهَا مِمَّنْ تَخْتَصُّ بِهِ الدَّعْوَةُ وَلَهُ أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ، فَيَدْعُو مَنْ شَاءَ وَيَمْنَعُ مَنْ شَاءَ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا لَزِمَهُ إتْيَانُ الدَّعْوَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ أَمْ لَا لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا لِأَصْحَابِنَا وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَقْتَضِي الْقَوْلَيْنِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَرَى أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَوْ كَانَ صَائِمًا قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ ذَلِكَ بِالْوَكِيدِ وَإِنَّهُ لَخَفِيفٌ فَقَوْلُ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ إتْيَانِ الدَّعْوَةِ وَأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْإِتْيَانَ عَلَى مَنْ لَا يُرِيدُ الْأَكْلَ أَوْ مَنْ يَصُومُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ عَنْ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَأْكُلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ زِحَامٌ أَوْ غُلِقَ الْبَابُ دُونَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي سَعَةٍ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهَا أَوْ رَجَعَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِابْتِذَالُ فِي الزِّحَامِ وَتَكَلُّفُ الِامْتِهَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَثْلِمُ الْمُرُوءَةَ وَالتَّصَاوُنَ وَيُسْقِطُ الْوَقَارَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِهِ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ فِي الْعُرْسِ لَهْوٌ غَيْرُ مُبَاحٍ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْهَرِ الْمُرَبَّعِ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ وَأَمَّا الدُّفُّ الْمُدَوَّرُ أَوْ الْكَبَرُ فَمُبَاحٌ فِي الْعُرْسِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُزَنِيَّة وَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَلَا يَكُونُ مَعَهُ عَزْفٌ وَلَا غِنَاءٌ إلَّا الرَّجَزَ الْمُرْسَلَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يَقُولُهُ النِّسَاءُ أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيَّوْنَا نُحَيِّيكُمْ وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَا ... ءُ لَمْ نَحْلُلْ بِوَادِيكُمْ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ لَهْوٌ مَحْظُورٌ أَبْطَلَ وُجُوبَ إتْيَانِهَا فَمَنْ جَاءَ الْوَلِيمَةَ فَوَجَدَ ذَلِكَ فِيهَا فَلْيَرْجِعْ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ وَقَوْلُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى. (ش) : أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ طَعَامُ وَلِيمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِذِي الْفَضْلِ وَالْهَيْئَةِ الْإِجَابَةُ إلَى طَعَامٍ صُنِعَ لِغَيْرِ سَبَبٍ أَدْخَلَ هَذَا

(ص) : (كِتَابُ الطَّلَاقِ) (مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ) (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلُقَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْت بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ إمَّا لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ طَعَامَ وَلِيمَةِ فَيَمْنَعُ بِذَلِكَ احْتِجَاجَ مَنْ يُوجِبُ إجَابَةَ طَعَامٍ غَيْرِ الْوَلِيمَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ إلَى الطَّعَامِ فَقَدْ أَجَابَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ كَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي طَلْحَةَ لِمِثْلِ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ مِنْ تَعْظِيمِ الصَّحَابَةِ لَهُ وَتَبَرُّكِهِمْ بِأَكْلِهِ طَعَامَهُمْ وَدُخُولِهِ مَنَازِلَهُمْ مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ يَسْتَأْلِفُهُمْ وَيُطَيِّبُ نُفُوسَهُمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذَا الْخَيَّاطَ كَانَ غُلَامًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ لِأَنَّ طَعَامَ غُلَامِهِ لَهُ اسْتَبَاحَهُ بِالِانْتِزَاعِ، وَالْأَكْلُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِزَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَنَسٍ فَذَهَبْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَيَّاطُ قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ لِأَنَسٍ أَوْ مَنْ شَاءَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يَرْضَى بِذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إبَاحَتَهُ لِذَلِكَ لَرَدَّهُ أَوْ لَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَمْرِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ دَعَاهُ خَامِسَ خَمْسَةٍ فَتَبِعْهُمْ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي دَعَاهُ إنَّ هَذَا تَبِعْنَا فَإِمَّا أَنْ تَأْذَنَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ فَأَذِنَ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَرَّبَ إلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ بُكَيْر وَالْقَعْنَبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةَ الْقَدِيدِ وَهَذَانِ عَلَمٌ مِنْ فَضْلِهِ وَتَوَاضُعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ الطَّعَامِ مَا يَسُدُّ بِهِ جُوعَهُ وَلَا يَتَأَنَّقُ فِيهِ تَأَنُّقُ الْمُتْرَفِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَنَسٍ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا انْفَرَدَ بِالْأَكْلِ مَعَ خَادِمِهِ وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْهُ بَلْ يَتَبَرَّكُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَوْضِعٍ مَشَتْ فِيهِ يَدُهُ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ تَجُولَ يَدُهُ فِي الصَّحْفَةِ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ مِنْهُ هَذَا الْمَحِلَّ وَرُبَّمَا كَرِهَ أَنْ يَمَسَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك» يُرِيدُ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْلِيمَهُ وَتَأْدِيبَهُ تَأْدِيبَ مِثْلِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدُّبَّاءُ قَدْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُهُ حَوْلَ الصَّحْفَةِ وَفِي مَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بَعْدَ تَنَاوُلِهِ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إمَّا لِاتِّفَاقٍ فِي وَضْعِهِ أَوْ لِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ قَصَدَ إبْعَادَهُ مِنْهُ وَتَقْرِيبَ الْقَدِيدِ مِمَّا يَلِيهِ لَمَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الدُّبَّاءِ فَاحْتَاجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَكْلِهِ الدُّبَّاءَ إلَى أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ وَقَدْ جُوِّزَ مِثْلُ هَذَا لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الصَّحْفَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الطَّعَامِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ إذَا تَسَاوَتْ أَجْنَاسُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْجَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «أُمَّ سُلَيْمٍ أَهْدَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَوَضْع يَدَهُ عَلَيْهَا وَتَكَلَّمَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دَعَا عَشَرَةً يَأْكُلُونَ فَيَقُولُ لَهُمْ اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ حَتَّى تَصْرَعْنَ عَنْهَا» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّ الْحَيْسَ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ وَالْتِزَامُ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَفْضَلُ وَأَجْمَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[جامع النكاح]

الشَّيْطَانِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ فَذَكَرَ أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَحْدَثَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ وَلِلْخَبَرِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يُطَلِّقُ إحْدَاهُنَّ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَ وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ طَلِّقْهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ النِّكَاحِ] (ش) : أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَهُوَ مُقَدَّم شَعْرِ الرَّأْسِ وَيَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ وَأَمْرُهُ الَّذِي اشْتَرَى الْبَعِيرَ أَنْ يَأْخُذَ بِذُرْوَةِ سَنَامِهِ وَهِيَ أَعْلَاهُ وَيَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ الْإِبِلَ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْجِنِّ فَاسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ مَا خُلِقَتْ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِبِلِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِ مَنْ خُلِقَتْ مِنْهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْجِنِّ أَنَّ فِيهَا مِنْ النِّفَارِ وَالْحِدَّةِ وَالْأَذَى وَالصَّوْلِ إذَا هَاجَتْ مَا شُبِّهَتْ مِنْ أَجْلِهِ بِالْجِنِّ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الَّذِي شُبِّهَ بِهِ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرِّهِ وَأَذَاهُ وَرُبَّمَا سَبَّبَتْ لَهُ أَسْبَابَ الشَّرِّ وَحَمَلَهُ عَلَى النِّفَاقِ وَالْأَذَى وَالتَّرْوِيعِ وَالْهَيَجَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : إخْبَارُ الرَّجُلِ عَنْ أُخْتِهِ إذَا خُطِبَتْ إلَيْهِ أَنَّهَا أَحْدَثَتْ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهَا مَا يُوجِبُ عَلَيْهَا حَدَّ الزِّنَى. وَرُوِيَ نَحْوُهُ فِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَلَّهَا قَدْ كَانَتْ أَقْلَعَتْ وَتَابَتْ وَمَنْ عَادَ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِسُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَنْ يُخْبِرَ مِنْ حَالِ وَلِيَّتِهِ إلَّا بِمَا يَلْزَمُ فِي رَدِّهَا وَهِيَ الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ: الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَدَاءُ الْفَرْجِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَزَوَّجُ رَابِعَةً غَيْرَهَا وَلَا أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مَعْنًى يَقَعُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ وَيَمْنَعُ الرَّجْعَةَ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَ الْأُخْتِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيَّةً فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا عَمَّتَهَا وَلَا خَالَتَهَا وَلَا رَابِعَةً غَيْرَهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الزَّوْجِيَّةِ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَهُ طَلِّقْهَا فِي مَجَالِسَ شَتَّى بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوقِعَ أَلْبَتَّةَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا طَلْقَتَيْنِ لَا تَتَخَلَّلُهُمَا رَجْعَةٌ وَلَا نِكَاحٌ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا وَلَمْ يَحْتَجْ عُرْوَةُ إلَى ذِكْرِ هَذَا لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي جَوَازِ عَقْدِ نِكَاحِ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي حَظْرِ إيقَاعِهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِنَّ حُكْمُ اللَّاعِبِ وَلَا يُعْذَرُ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ بِلَعِبِهِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْجَادُّ مِنْ اللُّزُومِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ وَهُوَ يَلْعَبُ زَوِّجْ ابْنَتَك مِنْ ابْنِي، وَأَنَا أَمْهَرُهَا كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ عَلَى لَعِبٍ وَضَحِكٍ أَتُرِيدُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ قَدْ زَوَّجْتُهُ فَذَلِكَ نِكَاحٌ لَازِمٌ فَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ أَبْصَرَ رَجُلًا فَقِيلَ لَهُ تَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ خَتَنُكَ فَقَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي زَوَّجْته ابْنَتِي بِمَا شَاءَ فَقَامَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ زَوْجَتَهُ بِأَثَرِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَقَالَ الْأَبُ كُنْتُ لَاعِبًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كَبِرَتْ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إذَا كَادَتْ تَحِلُّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ عَادَ فَآثَرَ الشَّابَّةَ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ مَا شِئْت إنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْت اسْتَقْرَرْتِ عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ الْأَثَرَةِ وَإِنْ شِئْت فَارَقْتُك قَالَتْ بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَثَرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأَثَرَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ اللَّبَّادِ قَالَ يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ فَرِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَعِبَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَحُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ حُكْمُ الْبُيُوعِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ هَزْلٍ وَلَا لَعِبٍ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا أَقَرَّا جَمِيعًا أَنَّهُمَا كَانَا لَاعِبَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَمْ يُرِيدَا النِّكَاحَ فَهَذَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ وَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَدْ تَجَوَّزَ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ يُفْسَخُ وَلَا يُقَرُّ. (ش) : قَوْلُهُ فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا الْإِيثَارُ يَكُونُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهُمَا الْإِيثَارُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِإِحْدَاهُمَا وَالْمَيْلِ إلَيْهَا فَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ دَفْعَهُ وَلَا الِامْتِنَاعَ مِنْهُ وَإِنَّمَا الْإِنْسَانُ مُضْطَرٌّ إلَى مَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي إيثَارُ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي سَعَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْكِسْوَةِ وَسَعَةِ الْمَسْكَنِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ بِحَسْبِ مَا تَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ مِثْلِهَا وَمُؤْنَةُ مِثْلِهَا وَمَسْكَنُ مِثْلِهَا عَلَى قَدْرِ شَرَفِهَا وَجَمَالِهَا وَشَبَابِهَا وَسَمَاحَتِهَا فَهَذَا الْإِيثَارُ وَاجِبٌ لَيْسَ لِلْأُخْرَى الِاعْتِرَاضُ فِيهِ وَلَا لِلزَّوْجِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ الْحُكْمُ بِهِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ الْإِيثَارِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْمُؤْنَةِ مَا يَجِبُ لَهَا ثُمَّ يُؤْثِرُ إحْدَاهُمَا بِأَنْ يَكْسُوَهَا الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْإِيثَارِ لَيْسَ لِمَنْ وُفِّيَتْ حَقَّهَا أَنْ تَمْنَعَ الزِّيَادَةَ لِضَرَّتِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الزَّوْجُ وَإِنَّمَا لَهُ فِعْلُهُ إذَا شَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ أَنْ يُؤْثِرَ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ بِنَفْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَبِيتُ عِنْدَ الْأُخْرَى أَوْ يَكُونَ مَبِيتُهُ عِنْدَ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ أَوْ يُجَامِعَهَا وَيَجْلِسَ عِنْدَهَا فِي يَوْمِ الْأُخْرَى أَوْ يَنْقُصَ إحْدَاهُمَا مِنْ نَفَقَةِ مِثْلِهَا وَيَزِيدَ الْأُخْرَى أَوْ يُجْرِيَ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ لَهَا فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْإِيثَارِ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ فِعْلُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُؤْثَرِ لَهَا فَإِنْ فَعَلَهُ كَانَ لَهَا الِاعْتِرَاضُ فِيهِ وَالِاسْتِعْدَاءُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَقَدْ وَهَبَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقْسِمُ بِذَلِكَ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عِيسَى أَنَّهُ يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّ الْإِيثَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ فِي الْقَسْمِ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ فِي الْمَبِيتِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فِيهِ بَيْنَ نِسَائِهِ لِأَنَّ الْأَثَرَةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الَّذِي يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَبِيتِ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِهَا وَقَدْرِ عِيَالِهِ عِنْدَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا إنْ كَانَ إيثَارُهُ أَوَّلًا الْإِيثَارَ الَّذِي لَا اعْتِرَاضَ لَهَا فِيهِ وَلَا لَهَا الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا الْمُطَالَبَةُ بِمِثْلِهِ فَإِنَّ مُنَاشَدَتِهَا إيَّاهُ الطَّلَاقَ عَلَى سَبِيلِ الرَّغْبَةِ إلَيْهِ وَكَانَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا إسْعَافًا لِرَغْبَتِهَا وَمُوَافَقَةً لِإِرَادَتِهَا وَإِنْ كَانَ إيثَارُهُ إيثَارًا لَهَا الِاعْتِرَاضُ فِيهِ وَالْمَنْعُ مِنْهُ لَكِنَّهُ أَتَى مِنْ ذَلِكَ مَا أَتَى بِإِذْنِهَا وَمِنْ إبَاحَتِهَا ثُمَّ ظَهَرَ إلَيْهَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ مُنَاشَدَتِهَا إيَّاهُ الطَّلَاقَ بِمَعْنَى مُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ وَدُعَائِهِ إلَى الْحُكْمِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَبَاحَتْ لِزَوْجِهَا الْإِيثَارَ عَلَيْهَا بِأَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا أَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتُبِيحَ لَهُ فِي يَوْمِهَا الْجُلُوسَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا ثُمَّ بَدَا لَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ وَالْمَنْعُ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ ضَرَرٍ لَحِقَ مِنْ الزَّوْجِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمُوَاصَلَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارَ فِيهِ بَعْدَ الرِّضَا بِهِ إذَا كَانَ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ وَيَضُرُّ بَقَاؤُهُ كَعَجْزِ الْمُعْتَرِضِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا لَهَا الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعَدْلِ بَيْنَهُمَا أَوْ يُطَلِّقَ وَلِذَلِكَ آثَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ الطَّلَاقَ وَلَمْ يُؤْثِرُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ عَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إذَا كَادَتْ أَنْ تَحِلَّ رَاجَعَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا كَانَ يُرَاجِعُهَا يَعْتَقِدُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُخَيِّرُهَا بَيْنَ الرِّضَا بِالْإِيثَارِ أَوْ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا كَانَ يُرَاجِعُهَا عَلَى رِضَاهَا بِالْإِيثَارِ فَيَتَمَادَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً ثُمَّ يَبْدُو لَهَا فَتَرْجِعُ عَنْ الرِّضَا بِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُرَاجَعَةِ عَلَى الْإِيثَارِ، وَأَمَّا عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى الْإِيثَارِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ بَعْدَ النِّكَاحِ الصُّلْحُ عَلَى الْأَثَرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْمَهْرِ وَأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ الْأَثَرَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ مَا شِئْتِ إنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنْ شِئْتِ اسْتَقْرَرْت عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ الْأَثَرَةِ وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُك يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا هَذِهِ الطَّلْقَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَى ارْتِجَاعِهَا سَبِيلٌ وَلَوْ رَضِيَتْ بِالْأَثَرَةِ لَمْ يَنْفَعْهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ لَهَا أَنْ تَرْضَى الْآنَ بِالْأَثَرَةِ وَتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُطَلِّقَهَا آخِرَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ إلَيْهَا سَبِيلٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَثَرَةِ فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إثْمًا حِينَ قَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأَثَرَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي الْإِيثَارِ عَلَيْهَا الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَوْ لَمْ تَرْضَ بِهِ لَكَانَ آثِمًا فِيهِ لَوْ تَمَادَى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَرْضَى فَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عِيسَى قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَافِعٌ فَقَالَ لِي لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّهَا وَلَوْ شَاءَ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ مَا أُحِبُّ ذَلِكَ لِأَحَدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا {تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] قَالَ يَحْيَى بْنُ إبْرَاهِيمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الطلاق]

(ص) : (كِتَابُ الطَّلَاقِ) (مَا جَاءَ فِي الْبَتَّةِ) (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ فَمَاذَا تَرَى عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ طَلُقَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْت بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الطَّلَاقِ] [بَابُ مَا يَجُوزُ إيقَاعُهُ مِنْ الطَّلَاقِ] (ش) : قَوْلُهُ طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةَ تَطْلِيقَةٍ يُحْتَمَلُ إيقَاعُهَا مُجْتَمِعَةً وَمُفْتَرِقَةً وَلَا تَأْثِيرَ لِلزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ فِي جَمْعِهَا إلَّا مَالَهُ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي تَفْرِيقِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَثِمَ فِيهَا وَلَا يُعْتَدُّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إنْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، إنَّمَا الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّتِي يُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى يَتَعَيَّنُ لَهُ الَّتِي تَحْرُمُ بِهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الطَّلَاقِ، فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً لَا يَتَعَيَّنُ بِهَا طَلَاقٌ وَاَلَّذِي يَجْمَعُ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ الثَّلَاثُ الَّتِي تَحْرُمُ بِهَا عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ إذَا قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك مِائَةً إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهَا بَائِنٌ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَنْ جَعَلَ مَا زَادَ عَلَى لَفْظِ الثَّلَاثِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ حُكْمِ الثَّلَاثِ أَلْزَمَهُ الثَّلَاثَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَمَنْ جَعَلَ لِلَفْظِ الْمِائَةِ تَأْثِيرًا جَعَلَ لِمَا زَادَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الثَّلَاثِ تَأْثِيرًا فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا وَاحِدَةٌ. (بَابُ مَا يَجُوزُ إيقَاعُهُ مِنْ الطَّلَاقِ) يُعْتَبَرُ بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: الْعَدَدُ، وَالصِّفَةُ، وَالزَّمَانُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَطَلَاقٌ لَا يُوصَفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِبِدْعَةٍ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِنَا طَلَاقُ سُنَّةٍ أَنَّهُ أُوقِعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى وَصْفِنَا بِأَنَّهُ لِلْبِدْعَةِ أَنَّهُ أُوقِعَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِ، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ فِيمَنْ عَقَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَقْسَامُ تَصِحُّ مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ، وَالصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ إلَّا قِسْمَانِ: سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ وَيَبْطُلُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، فَأَمَّا الْعَدَدُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُوقِعَ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ أَوْقَعَ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَدْ طَلَّقَ بِغَيْرِ السُّنَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مُوقِعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً مُطَلِّقٌ لِلسُّنَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِصِفَةِ الطَّلَاقِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ يَكُونَ إخْبَارًا عَنْ صِفَةِ الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَلِفَ، وَاللَّامَ تَكُونُ لِلْحَصْرِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الطَّلَاقُ الشَّرْعِيُّ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ طَلْقَتَانِ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِرَجْعِيٍّ قَالُوا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ثُمَّ أَفْرَدَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ رَجْعِيَّةً وَفَارَقَ حُكْمُهَا حُكْمَ الطَّلْقَتَيْنِ فَقَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] إذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ دُونَ غَيْرِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ أُضْمِرَ فِي الْكَلَامِ مَعَ اسْتِقْلَالِهِ دُونَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ لِأَنَّكُمْ تُضْمِرُونَ الرَّجْعِيَّ وَتَقُولُونَ مَعْنَاهُ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ مَرَّتَانِ، وَإِذَا اسْتَقَلَّ الْكَلَامُ دُونَ ضَمِيرٍ لَمْ يَجُزْ تَعْدِيلُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَمَّا ذَكَرْتُمْ لَقَالَ: الطَّلَاقُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ أَوْقَعَهُنَّ مُجْتَمِعَتَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَتَيْنِ فَلَمَّا قَالَ مَرَّتَانِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مُفْتَرِقًا ثَبَتَ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ صِفَةِ إيقَاعِهِ لَا الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَدِ الرَّجْعِيِّ مِنْهُ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لَفْظَ التَّكْرَارِ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ أُرِيدَ بِهِ الْعَدَدُ دُونَ تَكْرَارِ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] لَمْ يُرِدْ تَفْرِيقَ الْأَجْرِ، إنَّمَا أَرَادَ تَضْعِيفَ الْعَدَدِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] حَقِيقَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَكْرَارِ الْفِعْلِ دُونَ الْعَدَدِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ اسْمٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّك تَقُولُ: لَقِيت فُلَانًا مَرَّتَيْنِ فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ دَخَلْت مِصْرَ مَرَّتَيْنِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَصْلَهُ وَحَقِيقَتَهُ وَدَلَّ الدَّلِيلُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَجَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْفَضْلَ قَالَ مَعْنَى {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي الْجَنَّةِ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَخْرُجْ اللَّفْظُ عَنْ بَابِهِ الْأَعْدَلِ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ، إنْ قُلْنَا إنَّ مَعْنَاهُ التَّضْعِيفُ فِي مَالِهِ وَأَجْرِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] يُفِيدُ التَّضْعِيفَ وَيَمْنَعُ الِاقْتِصَارَ عَلَى ضِعْفٍ وَاحِدٍ، لَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] يُرِيدُ بِهِ التَّضْعِيفَ لَمَنَعَ مِنْ إيقَاعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا بَطَلَ مَعْنَى التَّضْعِيفِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ. وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ لَبِيدٍ قَالَ «أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَالَ فَعَلْته لَاعِبًا ثُمَّ قَالَ: تَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى ذُو عَدَدٍ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ فَوَجَبَ تَحْرِيمُهُ كَاللِّعَانِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ مَا أَوْقَعَهُ مِنْ الثَّلَاثِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ هَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، إنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ قَالَ فِيهِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ وَهْمٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ خِلَافَ ذَلِكَ، إنَّمَا وَقَعَ الْوَهْمُ فِي التَّأْوِيلِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا وَابْنُ طَاوُسٍ إمَامٌ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُشِيرُونَ إلَيْهِ هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوقِعُونَ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَدَلَ إيقَاعِ النَّاسِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ أَحْدَثُوا فِي الطَّلَاقِ اسْتِعْجَالَ أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ كَانَ حَالُهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَهُ، مَا عَابَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِمَنْ أَوْقَعَهَا مُجْتَمِعَةً، فَإِنْ كَانَ هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ طَاوُسٍ فَهُوَ الَّذِي قُلْنَاهُ، إنْ حُمِلَ حَدِيثُ ابْنِ طَاوُسٍ عَلَى مَا يَتَأَوَّلُ فِيهِ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ، فَقَدْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَانْعَقَدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ أَوْقَعَهُ مَنْ يَمْلِكُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ؛ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَوْقَعَهُ مُفَرَّقًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إنْ أَرَادَ إمْضَاءَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْقُرْءِ الثَّانِي طَلْقَةً وَفِي الْقُرْءِ الثَّالِثِ طَلْقَةً، فَإِنَّ الطَّلْقَتَيْنِ الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ لَيْسَتَا لِلسُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَرْتَجِعْهَا فِي خِلَالِ ذَلِكَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَانِيَةً فَلَا يَحِقُّ لَهُ ذَلِكَ لِمَا يُرِيدُ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، وَهَذَا يَقْتَضِي إيقَاعَ طَلَاقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، وَالطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ لَا عِدَّةَ لَهَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ بِصِفَةِ الطَّلَاقِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا لَا يُوجِبُ عِدَّةً فَلَا يَكُونُ لِلسُّنَّةِ؛ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا طَلَّقَ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ، وَالثَّالِثَةَ لَيْسَتْ لِلسُّنَّةِ لَمَّا لَمْ تُوجِبْ عِدَّةً إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: طَلْقَةٌ فِي كُلِّ طُهْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ طَلْقَتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أَشَدُّ مِنْ الْآخَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اعْتِبَارُ السُّنَّةِ مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ فَأَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا الْحَامِلَ الَّتِي تَجْرِي حَيْضَتُهَا عَلَى الْمُعْتَادِ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَلَا عَقِيبَ حَيْضَةٍ طَلَّقَ فِيهَا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلُقَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ يُرِيدُ أَنَّ الثَّلَاثَ تَعَلَّقْت بِهَا دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَا، إذَا طَلُقَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ وَكَانَ لِلثَّلَاثِ تَعَلُّقٌ بِهَا وَتَأْثِيرٌ فِي نِكَاحِهَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَنَفَذَ مَا كَانَ لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَبِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا يُرِيدُ أَنَّهُ أَتَى بِهَا تَلَاعُبًا وَاسْتِهْزَاءً وَمُخَالَفَةً لِمَا أَتَتْ بِهِ آيَاتُ اللَّهِ مِنْ أَنَّ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، وَهِيَ الثَّالِثَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ قَتَادَةُ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ إنَّ الثَّالِثَةَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَإِذَا كَانَ الْبَارِئُ تَعَالَى قَدْ نَصَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثٌ ثُمَّ طَلَّقَ رَجُلٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَقَصَدَ الِاسْتِهْزَاءَ، وَالتَّلَاعُبَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَاذَا قِيلَ لَك قَالَ قِيلَ لِي: إنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنِّي فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَدَقُوا مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبْسًا جَعَلْنَا لَبْسَهُ بِهِ لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْبَتَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاذَا قِيلَ لِلسَّائِلِ عَنْ طَلَاقِهِ ثَمَانِيًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِيَرَى أَقْوَالَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَيَعْلَمَ اتِّفَاقَهُمْ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ لِلْمُفْتِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ إلَى أَمْرٍ أَغْفَلَهُ، وَإِنْ وَجَدَ الْعُلَمَاءَ قَدْ خَالَفُوا مَا ظَهَرَ إلَيْهِ حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى إعَادَةِ النَّظَرِ، وَالزِّيَادَةِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَالتَّثَبُّتِ، وَإِنْ رَأَى الْفُقَهَاءَ قَدْ وَافَقُوا رَأْيَهُ قَوِيَ فِي نَفْسِهِ وَظَهَرَ إلَيْهِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَعَانَهُ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَ الْمُوَافَقَةَ وَالتَّصْحِيحَ لِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ صَدَقُوا فَأَظْهَرَ تَصْدِيقَهُمْ وَمُوَافَقَتَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ لَهُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ سُنَنَ الطَّلَاقِ بَيِّنَةٌ قَدْ بَيَّنَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ لَا يَحْتَاجُ الْعَامِلُ بِهَا وَلَا الْمُفْتِي فِيهَا إلَى بَحْثٍ وَلَا نَظَرٍ وَلَا اجْتِهَادٍ فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي طَلَاقِهِ وَأَوْقَعَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَهُوَ بَيِّنٌ وَاضِحٌ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بَانَ لَهُ مِنْ نَصِّهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْرَأُ أَوْ لَا يَفْهَمُهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَلَا النَّقْصَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ لَبَّسْنَا عَلَيْهِ أَيْ جَعَلْنَا لَبْسَهُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ تَعَدَّى الْوَاضِحَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ فَقَدْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ وَدَخَلَ فِي أَمْرٍ مُلْتَبِسٍ مُشْتَبِهٍ يَحْتَاجُ الْمُفْتِي فِيهِ إلَى الْبَحْثِ، وَالِاجْتِهَادِ وَلَا يَتَّضِحُ لَهُ مَعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ كَوُضُوحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَيَجْعَلُ لَبْسَهُ بِهِ وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَتَى تَرَدَّدَتْ الْأَدِلَّةُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ، وَالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَكُنْ وَجْهُ الْحُكْمِ بَيِّنًا غَلَبَ التَّحْرِيمُ، وَالْمَنْعُ. وَالثَّانِي أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبَاحَ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي التَّحْقِيقَ فَمَنْ خَالَفَهُ إلَى الطَّلَاقِ الْمَمْنُوعِ الْمُحَرَّمِ اقْتَضَى التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ، وَالتَّغْلِيظُ فِي الطَّلَاقِ مَعْنَاهُ الْإِلْزَامُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَنَتَحَمَّلُهُ عَنْكُمْ، هُوَ كَمَا يَقُولُونَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ عَلَى غَيْرِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَتَحَمَّلُ لَهُ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَا يُوقِعُ هَذَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي: إنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى يُفَرِّقَهَا؛ لِأَنَّ جَمْعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ الْقُرْآنِ تَفْرِيقَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] فَمَنْ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ أُلْزِمَ الثَّلَاثَ. وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ قَالَ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَلَا {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] حَتَّى بَلَغَ {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] إنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَا أَجِدُ لَك مَخْرَجًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ طَالِقٌ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا فَقَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ شَعْرُك طَالِقٌ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَعْضَاءٍ: الرَّأْسُ، وَالْوَجْهُ، وَالرَّقَبَةُ، وَالظَّهْرُ، وَالْفَرْجُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَوَجَبَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَوْقَعَهُ عَلَى أَحَدِ الْأَعْضَاءِ الْخَمْسَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَيُّ عُضْوٍ عُلِّقَ بِهِ الطَّلَاقُ لَزِمَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الشَّعْرِ، وَالْكَلَامِ فَقَالَ سَحْنُونٌ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ بِالشَّعْرِ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ سُعَالُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ قَالَ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَازِمٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا لَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الِالْتِذَاذُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْتَاعِ فَأَشْبَهَ الْوَجْهَ، وَالْيَدَيْنِ.

مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْت لَهُ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتْ الْبَتَّةُ مِنْهُ شَيْئًا مَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْبَتَّةُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ سُؤَالٌ لِأَصْحَابِهِ وَمَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَمَّا بَلَغَهُمْ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّ الصَّرِيحَ مَا تَضَمَّنَ لَفْظَ الطَّلَاقِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ فَهُوَ كِنَايَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: صَرِيحُ الطَّلَاقِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ وَبَعْضُهَا أَبْيَنُ مِنْ بَعْضٍ: الطَّلَاقُ، وَالسَّرَاحُ، وَالْفِرَاقُ، وَالْحَرَامُ، وَالْخَلِيَّة، وَالْبَرِيَّةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّرِيحُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ، وَهُوَ مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ، وَالسَّرَاحِ، وَالْفِرَاقِ وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي عَلَى مُطْلَقِ الْكَلَامِ فِيهَا أَنَّ الصَّرِيحَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِالصَّرِيحِ الْخَالِصَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ وُضِعَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ هَذَا صَرِيحُ الْإِيمَانِ أَيْ خَالِصُهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِالصَّرِيحِ الْبَيِّنَ مِنْ قَوْلِهِمْ صَرَّحَ فُلَانٌ بِالْقَوْلِ إذَا بَيَّنَهُ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْهُ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى الصَّرِيحِ الْخَالِصُ فَمَعْنَى قَوْلِنَا: صَرِيحُ الطَّلَاقِ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ وُضِعَ لِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ غَيْرِهِ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ لَفْظُ الطَّلَاقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَيَكُونُ مَعْنَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفِي غَيْرِهِ كَلَفْظِ سَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك وَخَلَّيْتُك وَبَارَيْتُك وَبِنْتُ مِنْك. (فَصْلٌ) : فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى الصَّرِيحِ الْبَيِّنُ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَثِيرًا كَفَارَقْتُك وَسَرَّحْتُك وَخَلَّيْتُك وَبِنْت مِنْك، أَنْتِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الطَّلَاقِ وَعُرِفَتْ بِهِ فَصَارَتْ بَيِّنَةً وَاضِحَةً فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ كَالْغَائِطِ الَّذِي وُضِعَ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ فِي إتْيَانِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَكَانَ فِيهِ أَبْيَنَ وَأَشْهَرَ مِنْهُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَتَّةِ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ هِيَ وَاحِدَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هِيَ ثَلَاثٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا ثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي أَلْبَتَّةَ فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ إلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا فَقَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَجَابَهَا أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ حَتَّى يَمَسَّهَا غَيْرُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا حُكْمُ طَلَاقِ الْبَتَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ حُكْمُ الْبَتَّةِ لَمَا مَنَعَهَا حَتَّى سَأَلَهَا عَنْ أَنْوَاعِ الْبَتَّةِ كَانَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَعْنَى الْبَتَّةِ الْقَطْعُ، وَهَذَا يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمْ، وَالْمُبَالَغَةَ فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ يُقَالُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ يُرِيدُونَ الْمُبَالَغَةَ فِي قَطْعِ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا. إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمُقْتَضَاهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَأَمَّا قَبْلَ الثَّلَاثِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا، وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الْبَتَّةِ، وَالْقَطْعِ لِمَا بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتْ الْبَتَّةُ مِنْهُ شَيْئًا

[ما جاء في الخلية والبرية وما أشبه ذلك]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْعِرَاقِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عَامِلِهِ أَنْ مُرْهُ يُوَافِينِي بِمَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ لَقِيَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا الَّذِي أُمِرْتُ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْك فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَسْأَلُكَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا أَرَدْت بِقَوْلِك حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ لَوْ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك أَرَدْتُ بِذَلِكَ الْفِرَاقَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ مَا أَرَدْتَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ فِي طَلَاقِهِ فَقَدْ بَلَغَ أَقْصَى الْغَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ وَمَنَعَ التَّرَاجُعَ الَّذِي لَا تُوصَفُ الْفُرْقَةُ الَّتِي لَا تَمْنَعُهُ بِالْبَتَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى عَلَى مَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَتَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فِي الْجَوَازِ، وَالْمَنْعِ فَيَقُولُ الْقَائِلُ: لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ، وَلَا إلَى الْعُدُولِ مِنْهُ بِوَجْهٍ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ مَعْنَاهُ طَلَاقًا لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْبَتَّةِ بِالثَّلَاثِ يَقْتَضِي تَكْرَارَ هَذَا الْقَضَاءِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِيمَنْ يَكْثُرُ مِنْهُ الْفِعْلُ، وَإِنَّمَا اسْتَظْهَرَ مَالِكٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَرْوَانَ كَانَ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَجِلَّةِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَكَانَ لَا يَقْضِي إلَّا عَنْ مَشُورَتِهِمْ وَبِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ، فَإِذَا تَكَرَّرَ قَضَاؤُهُ فِي الْبَتَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الظَّاهِرَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَالْمَعْمُولَ بِهِ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ أَوْ أَنَّهُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ، إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهَلْ يَنْوِي أَوْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَنْوِي وَتَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَنْوِي وَبِهَا قَالَ مَالِكٌ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْبَغَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهَا تَتَبَعَّضُ وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْعُتْبِيِّ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ يَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ الْقَوْلُ فِي الْخُلْعِ وَكُلِّ طَلَاقٍ لَا تَتَعَقَّبُهُ رَجْعَةٌ يُوقِعُهُ الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُنَوَّى فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فِي الْبَتَّةِ، وَالْبَائِنَةِ، وَالْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا أَرَادَ نِكَاحَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ قَبْلَ إرَادَةِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ النِّكَاحِ لَمَّا يُرِيدُ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا فَيَحْلِفُ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِبَاحَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ كُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْزَمُ مِنْ مُطَالَعَةِ رَأْيِ الْإِمَامِ الْعَلِيمِ بِمَا يَقَعُ لِلنَّاسِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا قَوْلٌ أَوْ تَقَدَّمَ فِيهَا الْخِلَافُ وَفِيهَا إشْكَالٌ وَلَمْ تُقَرَّرْ أَحْكَامُهَا بَعْدُ وَلَا اتَّضَحَ وَجْهُ الْحُكْمِ فِيهَا فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْعِرَاقِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عَامِلِهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُوَافِيَهُ فِي الْمَوْسِمِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُفْتِي، وَالنَّاظِرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلَهُ إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ أَنْ يُشْخِصَ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ وَيُسَائِلَهُ وَيُنَاجِيَهُ عَنْ فُصُولِهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لَهُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى فَهْمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ يَعِظَهُ لِيُقِرَّ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْهَا وَلَعَلَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا وَقَّتَ لَهُ الْمَوْسِمَ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْقَاصِدِ فِي وُرُودِهِ وَانْصِرَافِهِ وَيُضِيفُ إلَى ذَلِكَ عَمَلَ الْحَجِّ وَتَحْصِيلَ عِبَادَةٍ فِي الْمَوْسِمِ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ أَشْخَصَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَقْصِدُ مَكَّةَ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي وَعْظِهِ وَاسْتِخْبَارِ جَلِيَّةِ مَا عِنْدَهُ بِاسْتِحْلَافِهِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ لِمَا يَتَعَيَّنُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ طَاعَةً لَهُ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ بِأَنْ يُوَافِيَهُ فِي الْمَوْسِمِ فَلَمَّا أَنْكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصْدَهُ إيَّاهُ بِالسَّلَامِ عَلَى وَجْهِ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ قَصْدِهِ وَأَرَادَ مُكَالَمَتَهُ وَإِعْلَامَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُوَافِيَهُ فِي الْمَوْسِمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْأَلُك بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ هَكَذَا رَوَاهُ قَوْمٌ الْبَنِيَّةَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مُبْتَنًى لَكِنَّهُ خَصَّ الْبَيْتَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ وَرَبِّ هَذَا الْبِنَاءِ وَرُوِيَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ عَلَى مِثْلِ فَعَيْلَةَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْبَنِيَّةُ الْكَعْبَةُ يُقَالُ لَا وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ لَمَّا عُلِمَ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْبَيْتِ وَصِدْقِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ الْكَذِبَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا اُسْتُحْلِفَ فِيهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَوْ اسْتَحْلَفْتنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك إخْبَارٌ عَنْ تَعْظِيمِهِ لِلْقَسَمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ يَلْتَزِمُ مِنْ الْبِرِّ فِي حَلِفِهِ عِنْدَهُ مَا لَا يَلْتَزِمُ فِي غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ صِدْقِهِ نَدَمُهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَفَرْطِ مَحَبَّتِهِ لِمَنْ طَلَّقَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَرَدْت بِهَا الْفِرَاقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُوَ مَا أَرَدْتَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَلْزَمَهُ الْفِرَاقُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ مِقْدَارًا أَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَوْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا رَجْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا أَوْ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَفْظُ الْفُرْقَةِ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثٌ لَا يُنَوَّى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَعَسَى أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً، وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يُنَوَّى مَا خَالَفْتُهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ يَحْتَمِلُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ بَنَى بِهَا أَوْ لَمْ يَبْنِ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ وَهُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْفُرْقَةِ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَقَوْلُ مَالِكٍ لَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ نَوَّاهُ مَا خَالَفْتُهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا اللَّفْظُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي عِنْدَهُ أَنْ يُنَوَّى لَمَا خَالَفَهُ الْعَرَبُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُخَالِفُ فِي اللُّغَةِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدِينِهِ وَفِقْهِهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِ بَعْضُ الْإِشْكَالِ وَلَا يَتَرَجَّحُ بَيْنَ أَنْ يُنَوِّيَهُ أَوْ لَا يُنَوِّيَهُ وَيَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ الْآنَ أَنَّهُ لَا يُنَوِّيهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَوْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَوَّاهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي قَدْ شَاعَتْ لَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ هَذَا الْقَوْلُ وَظَاهِرُ قِصَّةِ عُمَرَ عِنْدِي يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ فِيمَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ فِيمَنْ كَانَ لَهُ فِيهَا جَمِيعُ الطَّلَاقِ فَأُلْزِمَ الثَّلَاثَ، وَذَلِكَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَبْلَ هُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ الزَّوْجِ مِنْهَا، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عِصْمَةِ الزَّوْجَةِ وَمِلْكِهِ لَهَا، فَإِذَا قَالَ لَهَا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَقَدْ أَقَرَّ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ وَكَوْنَهُ بِيَدِهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ لَا رَجْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ فَلَيْسَ حَبْلُهَا عَلَى غَارِبِهَا بَلْ هُوَ بِيَدِهِ وَيَرْتَجِعُهَا مَتَى شَاءَ وَخُرُوجُ الْمِلْكِ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ حِينَ إيقَاعِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ وَبِآخِرِ الطَّلَاقِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ إلَيَّ فِي ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَارِبُ مِنْ الْبَعِيرِ أَسْفَلُ السَّنَامِ، وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْعُنُقِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ نِسَاءَهُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ أَمْرُكِ فِي يَدِكِ فَاصْنَعِي مَا شِئْتِ فَقَدْ انْقَطَعَ سَبَبُكِ مِنْ سَبَبِي. (فَصْلٌ) : وَظَاهِرُ قَوْلِ الرَّجُلِ لَوْ اسْتَحْلَفْتنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُكَ يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَانْقِطَاعِ مَا بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ إنَّمَا أُلْزِمَ طَلْقَةً لَهُ بَعْدَهَا رَجْعَةٌ لَكَانَ الْتِزَامُهَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَشْخَصَ مِنْ الْعِرَاقِ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْبَيْتِ عَمَّا أَرَادَ وَيُصَرِّحَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحْلِفَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا صَدَقَ. (فَصْلٌ) : ، وَأَمَّا اسْتِحْلَافُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاهُ فَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى اسْتِحْلَافِ مَنْ يُنَوَّى أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا إذَا أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا، إنَّمَا اسْتِحْلَافُهُ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْلَافِ لِلْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَمْضَاهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى يَمِينِهِ وَلَا قَضَى بِهَا وَنَظَرَ إلَى مَا يَلْزَمُهُ فِي صَرِيحِ الْحَقِّ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجَاوِبْ الْحَالِفُ بِأَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَجَابَهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ، وَقَدْ يَلْزَمُ الْمُفْتِيَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِالْمُسْتَفْتِي فِي الْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ أَنْ يَعِظَهُ وَيُذَكِّرَهُ وَيُعَظِّمَ عَلَيْهِ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَارِمَهُ لِيَسْتَدْعِيَ بِذَلِكَ إقْرَارَهُ بِالْحَقِّ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْحَقِّ سَهَّلَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ طَرِيقَ الْفَتْوَى وَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى لِلْمَسْأَلَةِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْإِنْكَارِ أَفْتَى عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَرَامِ إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ هُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِهَا فِي عَدِيِّ بْنِ قَيْسٍ الْكِلَابِيِّ وَقَالَ لَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ مَسَسْتهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَكَ لَأَرْجُمَنَّكَ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ طَلَاقًا حَتَّى يَنْوِيَ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مِنْهُ مَا أَرَادَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَهَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَيْسَ بِمُولٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ جَرَى عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ لَهُ عَلَى وَجْهِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا أَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفَسِّرٌ عَرَا عَنْ الْقُرْبَةِ، وَالْيَمِينِ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَفْظُ طَلَاقٍ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الطَّلَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُنَوَّى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تُحَرِّمُهَا بَلْ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، وَإِنَّمَا تُحَرِّمُهَا الثَّلَاثُ، فَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا يَقْتَضِي مَعْنَى الثَّلَاثِ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي قَوْلِهِ أَرَدْتُ الْوَاحِدَةَ، وَهِيَ لَا تُحَرِّمُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ وَتَحْرِيمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي لَمْ تَحِلَّ لِي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا ثُوَيْبَةُ» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ مُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ تَحْرِيمُ عَقْدِ النِّكَاحِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: إنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا، وَالثَّلَاثَ تُحَرِّمُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ مَنْعُ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَلَوْ أَرَادَ تَحْرِيمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَطْءِ لَكَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْبَيْنُونَةِ الْوَاقِعَةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّهُ يُقَالُ: وَطْؤُهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ عِنْدَكُمْ وَطْؤُهَا حَرَامٌ فَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ وَطْؤُهَا عَلَيَّ حَرَامٌ إذَا عَيَّنَ الْوَطْءَ، وَأَمَّا إذَا عَلَّقَ التَّحْرِيمَ عَلَيْهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا التَّحْرِيمُ الْمَعْرُوفُ وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ فِي الْحَائِضِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَالصَّائِمَةِ هِيَ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ وَلَا هِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَيُقَالُ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ حِين نُطْقِهِ بِذَلِكَ، وَالرَّجْعِيَّةُ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ اسْتِبَاحَتَهَا إلَيْهِ، وَمَنْ مَلَكَ اسْتِبَاحَةَ شَيْءٍ لَمْ يُوصَفْ بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ فِي الْإِنْسَانِ: مِلْكُ غَيْرِهِ حَرَامٌ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ أَخْذُهُ مُبَاحًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَصِفَ نَاقَتَهُ وَلَا شَاتَهُ بِأَنَّ لَحْمَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَأَمْرُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَتُوصَفُ الْمَيْتَةُ بِأَنَّ لَحْمَهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَى الْحَالِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا يَوْمَ النُّطْقِ بِهِ، وَهِيَ عَارِيَّةٌ عَنْ الزَّوْجِيَّةِ فَاقْتَضَى وَصْفُهَا بِأَنَّهَا حَرَامٌ تَحْرِيمَ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَاسْتِبَاحَتِهَا بِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَتَمَيَّزُ مِمَّنْ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ مِمَّنْ هِيَ عَلَى صِفَتِهَا فِي التَّعَرِّي مِنْ الزَّوْجِيَّةِ. وَأَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَإِنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ فِيهَا يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ عَقْدُ نِكَاحٍ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي إيقَاعَ الثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا أَبَاحَتْهُ الزَّوْجِيَّةُ لَهُ وَمَا مَلَّكَتْهُ إيَّاهُ مِنْ مِلْكِ الْعِصْمَةِ، وَالْوَطْءِ وَضُرُوبِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالتَّوَارُثِ بِحَقِّ النَّسَبِ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ مِلْكِ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءِ، وَاللِّعَانِ، وَالرَّجْعَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِيقَاعِ مَا يُمْلَكُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ مَا يَمْلِكُ اسْتِبَاحَتَهُ مَتَى شَاءَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُصْرَفَ هَذَا اللَّفْظُ إلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ أَظْهَرَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا إذَا قَالَ لَمْ أُبْقِ عَدَدًا مِنْ الطَّلَاقِ. (فَرْعٌ) : وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّ مَالِكًا يَنْوِيهِ وَقَوْلُهُ أَرَدْت وَاحِدَةً وَيَحْمِلُهُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ يَنْوِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ بِالْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَ التَّحْرِيمِ عَلَيْهَا إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى تَحْرِيمِ مَا اسْتَبَاحَهُ بِالنِّكَاحِ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْحَرَامَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَلَا يَنْوِي فِي ذَلِكَ كَالْمَدْخُولِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَحْرِيمَ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا كَتَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَيَلْزَمُ هَذَا التَّحْرِيمُ بِالْقَوْلِ وَيَزُولُ بِدُخُولِ الزَّوْجِ بَعْدَهُ وَلَا يَزُولُ تَحْرِيمُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ نَوَى وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الَّذِي يَلْزَمُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيْسَ هُوَ التَّحْرِيمَ الَّذِي يَلْزَمُ بِالْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْرِيمٌ يُزِيلُهُ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَتَحْرِيمُ الثَّلَاثِ لَا يُزِيلُهُ عَقْدُ النِّكَاحِ، إنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ زَوْجٍ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَوْ حَلَفَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَنِثَ بَعْدَهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ حَلَفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَحَنِثَ بَعْدَهُ وَنَوَى وَاحِدَةً وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحِنْثِ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَا يَنْوِي؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْحِنْثِ مِمَّنْ لَا يَنْوِي وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَا يَوْمَ الْحِنْثِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَ صِفَةَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَلَهُ الرَّجْعَةُ. وَقَالَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ: إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQسَحْنُونٌ: إذَا حَلَفَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِالْحَرَامِ أَوْ الْخَلِيَّةِ أَوْ الْبَرِيَّةِ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً فَلَهُ ذَلِكَ وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْيَمِينِ يَوْمَ أُوقِعَتْ لَا يَوْمَ الْحِنْثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْيَمِينِ بِصِفَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينُهُ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ الْحِنْثِ بِصِفَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ يَوْمَ الْيَمِينِ بِصِفَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ الْأَيْمَانُ وَكَانَ يَوْمَ الْحِنْثِ بِصِفَةِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ لِذَهَابِ عَقْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ: إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَنْوِهِ مَالِكٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو الْفَرْجِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مَا نَوَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ نَحْوُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنِ إذَا أَرَادَ طَلَاقًا فَوَاحِدَةٌ بَائِنٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مِنْ لُزُومِ الثَّلَاثِ أَنَّ مَعْنَى الْخَلِيَّةِ الَّتِي خَلَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَلِذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّجْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ ذَاتُ زَوْجٍ وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْبَرِيَّةِ هِيَ الَّتِي بَرِئَتْ مِنْ عِصْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْهَا بِدَيْنٍ فَيَرْجِعُ قَوْلُهُ بَرِيَّةٌ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ إزَالَةَ الْعِصْمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: خَلِيَّةً وَبَرِيَّةً أَنَّهَا قَدْ خَلَتْ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي تُمْلَكُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَبَرِئَتْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ مَعَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ جَارٍ إلَى الْبَيْنُونَةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيَصْدُقَ فِيهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ فِي مَعْنَى اللَّفْظِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لَمْ تَبِنْ عَنْ عِصْمَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَأَحْكَامُ الزَّوْجِيَّةِ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاحِدَةً بَائِنَةً. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ رَجْعِيَّةً، وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى اللَّفْظِ أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا خَلَتْ مِنْهَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْخُلْعِ إنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ خَالَعْتُ امْرَأَتِي أَوْ بَارَأْتُهَا أَوْ افْتَدَتْ مِنِّي وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: صَالَحْتُ امْرَأَتِي أَخَذَ مِنْهَا عِوَضًا أَوْ لَمْ يَأْخُذْ فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ أَوْ هِيَ مُبَارَئَةٌ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي الَّذِي يَقُولُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الصُّلْحِ هِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَلَا يَكُونُ طَلَاقُ الصُّلْحِ إلَّا بِعَطِيَّةٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهِيَ الْبَتَّةُ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ مُفَادَاةٍ أَوْ مُبَارَأَةٍ لَمَّا اسْتَعْمَلَ فِي ذَلِكَ لَفْظَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ اثْنَيْنِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهَا مِنْ عِصْمَتِهِ لَمَّا أَبْرَأَتْهُ مِنْ حُقُوقِهَا عَلَيْهِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً فَكَذَلِكَ مَا وَصَفَ لَهَا فَجَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ لِنَفْسِ الطَّلَاقِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا لِلْعِوَضِ فِي الصُّلْحِ، وَالْخُلْعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْعُ كُلُّهُ مِنْ الْفُرْقَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَوَصَفَ بِهِ طَلَاقَهُ اقْتَضَى طَلْقَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا مَنْعُ الرَّجْعَةِ فِي الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، فَإِنَّمَا كَانَ لِلْعِوَضِ الَّذِي أَخَذَ فَلَمَّا عَرَا هَذَا الطَّلَاقُ مِنْ الْعِوَضِ لَمْ يَمْنَعْ الرَّجْعَةَ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ طَلَاقَهُ اقْتَضَى الْبَيْنُونَةَ وَمَنْعَ الرَّجْعَةِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالثَّلَاثِ حُمِلَ طَلَاقُهُ عَلَى الثَّلَاثِ. (فَرْعٌ) وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ يَثْبُتُ فِي بَارَيْت وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي بَرِيَّةٍ إلَّا الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَشْهَبَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُلْحَقَ بَرِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَارَيْت فِيهِ مَعْنَى الصُّلْحِ، وَأَمَّا بَرِيَّةٌ فَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّلْحِ الَّذِي يُثْبِتُ الْبَيْنُونَةَ مَعَ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ ثَلَاثَةً تَمْنَعُ الرَّجْعَةَ بِاسْتِيفَاءِ عَدَدِ الطَّلَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَلَّيْتُك، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَقُبِلَ مِنْهُ وَمُنِعَ هَذَا فِي خَلَّيْت سَبِيلَك؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ أَكْثَرُ مِنْ خَلَّيْت سَبِيلَك قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هِيَ مِثْلُ خَلَّيْت سَبِيلَك وَفَارَقْتُك وَسَرَّحْتُك ثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا حَتَّى يَنْوِيَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَقَدْ قَالَ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ يَقْتَضِي مَا قَالَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ خَلَّى سَبِيلَهَا الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهَا، وَالرَّجْعِيَّةُ لَمْ يُخَلَّ سَبِيلُهَا بَلْ هِيَ فِي حُكْمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ خَلَّى سَبِيلَهَا. (فَرْقٌ) : وَالْفَرْقُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَرَامٍ وَبَائِنٍ وَبَتَّةٍ وَبَتْلَةٍ وَخَلِيَّةٍ وَبَرِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَفِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الِاتِّسَاعِ فِي الْكَلَامِ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ، وَالْبَائِنِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْخَلِيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَعَ اقْتِضَائِهَا مَعْنَى الثَّلَاثِ لَا تَكَادُ تُسْتَعْمَلُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَلِلِاسْتِعْمَالِ تَأْثِيرٌ فِي تَحْقِيقِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ كَمَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي اقْتِضَاءِ الْأَلْفَاظِ غَيْرَ مَا وُضِعَتْ لَهُ مِنْ الْمَعَانِي، وَهَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَنْوِيهِ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَارَقْتُكِ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لَهُ وَيَحْلِفُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا وَيَتَرَدَّدُ فِي الْمُفَارَقَةِ إلَى السَّفَرِ، وَالْخُرُوجِ، وَالدُّخُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَاهُ وَلِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ. (فَرْعٌ) : فَأَمَّا إنْ قَالَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ بِقَوْلِي، فَإِنْ شَكَّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهَا ثَلَاثٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وقَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْمُفَارَقَةَ بِالْوَاحِدَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُفَارَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ الْمُفَارَقَةِ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] ، وَالرَّجْعِيَّةُ لَا تَصِحُّ مِنْهَا هَذِهِ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مُفَارَقَةَ الزَّوْجِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَتْ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الدُّخُولِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، إنْ لَمْ يَنْوِ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِلدُّخُولِ تَأْثِيرًا فِي تَغْلِيظِ الطَّلَاقِ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْفُرْقَةِ يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِوَاحِدَةٍ وَلَا يُوجَدُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا الثَّلَاثُ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ فِي سَرَّحْتُك مِثْلَ هَذَا، وَأَنَّهَا وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ سَرَّحْتُك، فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِهِمَا الطَّلَاقَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَارَقْتُك، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ وَاحِدَةً فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: لَهُ نِيَّتُهُ وَيَحْلِفُ وَقَالَ هِيَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَصْدِيقَهُ دُونَ يَمِينٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ ثَلَاثٌ وَلَا يَنْوِي وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدَةِ وَمَعْنَاهُ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا قُبِلَ مِنْهُ أَنَّهُ نَوَى مَا قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَأُحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدَةِ وَفِي الثَّلَاثِ كَانَ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ مَعْنَى التَّسْرِيحِ الطَّلَاقُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ سَرَّحْت الدَّابَّةَ إذَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمِ فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَزَلْت عَنْهَا مَا يَمْنَعُهَا الذَّهَابَ فَكَذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ يَقْتَضِي أَنَّك أَزَلْت عَنْهَا مَا يَمْنَعُهَا التَّصَرُّفَ عَلَى اخْتِيَارِهَا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَمْلِكَ صَرْفَهَا إلَى الزَّوْجَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الرَّجْعِيَّةِ فَحُمِلَ عَلَى الثَّلَاثِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَلْزَمُكُمْ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ إطْلَاقُ الزَّوْجَةِ مِنْ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ الرَّجْعَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى التَّطْلِيقِ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّلَاقِ مَوْضُوعَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَتْ مَأْخُوذَةً مِنْ الْإِطْلَاقِ وَلَا مِنْ الِانْطِلَاقِ، إنَّمَا وُضِعَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ عِنْدَنَا الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ وَأَكْثَرَ مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهَا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَنَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا صَرِيحَ غَيْرَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ إنْ نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ لَمْ تَكُنْ لَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ خَلِيَّةً وَبَرِّيَّةً وَبَائِنًا وَحَرَامًا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا مَنْقُولَةٌ إلَى الطَّلَاقِ عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَالْبَيْنُونَةِ، وَالْإِبْرَاءِ، وَالْخُلُوِّ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ فَلَا يَلْزَمُنَا مَا قُلْتُمْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا فِي " سَرَّحْتُك " إنَّهَا وَاحِدَةٌ إنْ نَوَى، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: هِيَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ نِيَّتُهُ وَيَحْلِفُ وَفِي الَّتِي لَمْ يَبْنِ بِهَا وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَهُ مَالِكٌ: وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ طَلَاقٌ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَاحِدَةً مَعَ الْبَتَّةِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً دُونَ الْبَتَّةِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَارَقْتُك. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي " سَرَّحْتُك " بَعْضُ الضَّعْفِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ هِيَ وَاحِدَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يُرِيدَ أَكْثَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ: خَلَّيْتُ سَبِيلَك فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَافِ فَارَقْتُك وَخَلَّيْتُك، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ مَا يَقْتَضِيهِ لَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ عَدَدًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ هِيَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّهَا ثَلَاثٌ وَبِهِ أَخَذَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَوَّازِ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ فَاقْتَضَى طَلْقَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ: طَلَّقْتُك، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ تَخْلِيَةَ السَّبِيلِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى مَعْنَى إطْرَاحِ الْعِصْمَةِ وَتَرْكِ الْإِمْسَاكِ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَاقْتَضَى الثَّلَاثَ إطْلَاقُهُ كَقَوْلِك: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قَالَ: أَرَدْت وَاحِدَةً فَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دُونَ يَمِينٍ وَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ نِيَّتُهُ وَيَحْلِفُ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الثَّلَاثَ إنَّمَا تَقَعُ لِتَكَرُّرِ الْأَلْفَاظِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُقْتَضَى كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا فَبَيَّنَ أَنَّ مُقْتَضَى كُلِّ لَفْظٍ مَا ذَكَرَهُ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ قَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُغَاضَبَةِ أَوْ طَلَبِ الطَّلَاقِ مِنْهُ أَوْ مَا يَقْتَضِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ رَغْبَتُهُمْ إلَيْهِ فِي أَنْ تَبِيتَ عِنْدَهُمْ أَوْ تُسَافِرَ مَعَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ شَأْنُكُمْ بِهَا أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا إبَاحَةَ مَا سَأَلْتُمُونِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ أَشْهَبُ: وَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الطَّلَاقِ، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت الطَّلَاقَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهَا

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: بَرِئْتِ مِنِّي وَبَرِئْتُ مِنْكِ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَتَّةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ إنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا وَيُدَيَّنُ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوَاحِدَةً أَرَادَ أَمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَالَ: وَاحِدَةٌ أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِي الْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَا يُبِينُهَا وَلَا يُبْرِئُهَا إلَّا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا يُخَلِّيهَا وَيُبْرِئُهَا وَتُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكُمْ إيَّاهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ الْقَاسِمِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلِذَلِكَ رَأَى أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَفِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ يُرِيدُ حَدِيثَ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ وَأَرَاهَا لِلَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهُوَ بَيِّنٌ أَنَّهُ لَيْسَتْ إلَّا وَاحِدَةً إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ هِيَ ثَلَاثٌ بَنَى بِهَا أَوْ لَمْ يَبْنِ بِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً كَالْمَوْهُوبَةِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْقٌ) : وَفَرَّقَ أَشْهَبُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِأَهْلِهَا شَأْنُكُمْ بِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: شَأْنُك بِأَهْلِك، فَإِذَا قَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي، وَإِذَا قَالَ لَهَا: شَأْنُك بِأَهْلِك نَوَى وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ يَبْنِ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَجِبُ عِنْدِي أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي خَلَّيْت سَبِيلَك، وَقَوْلُهُ: خَلَّيْت سَبِيلَك يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَقِي بِأَهْلِك يَجِبُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَنْوِي فِي الْحَقِي بِأَهْلِك وَيَحْلِفُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ رَدٌّ عَلَى أَهْلِك أَوْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ وَهَبْتُك لِأَبِيك فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّسَائِيّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: قَبِلَهَا أَبُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الطَّلَاقَ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ مَشِيئَةٍ لِأَبٍ لَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ مَشِيئَةَ الْأَبِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ بَرِئْت مِنِّي وَبَرِئْت مِنْك أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. (مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا) أَنَّ لَفْظَ الْبَرَاءَةِ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَقَعُ بَرَاءَتُهُمَا مِنْ الزَّوْجِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى الزَّوْجَةِ سَوَاءٌ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: بَرِئْتِ مِنِّي وَبَرِئْتُ مِنْك فَهُوَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ مِنِّي بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ سَوَاءٌ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى الزَّوْجَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا: أَنَا مِنْك طَالِقٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهَا جِهَةٌ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الْبَيْنُونَةِ ثَبَتَ حُكْمُهُ كَجِهَةِ الزَّوْجَةِ. (ش) : قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ وَحُكْمُ الْبَائِنِ حُكْمُ الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا ثَلَاثٌ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَلَا يُدَيَّنُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُدَيَّنُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا ادِّعَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ إذَا أَرَادَ النِّكَاحَ، وَلَوْ حَلَفَ عِنْدَ طَلَاقِهِ لَمْ يُقَلْ فِيهِ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ أَنَّهُ عِنْدَ إرَادَتِهِ لِلنِّكَاحِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُخَلِّي الْمَرْأَةَ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَا يُبِينُهَا وَلَا يُبْرِئُهَا إلَّا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا يُخَلِّيهَا وَيُبْرِئُهَا وَيُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ يَقْتَضِي قَوْلُهُ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ الْبَيْنُونَةُ، وَالْإِخْلَاءُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ بِالنِّيَّةِ، وَلَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ لَا يَصِحُّ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ حُمِلَ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَمْ يُحْمَلْ قَوْلُهُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ ادَّعَاهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَلَاقًا لَا تَتَعَقَّبُهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْعِصْمَةَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَظْهَرَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فِي قَطْعِ الْعِصْمَةِ حُمِلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً اُسْتُحْلِفَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ أَظْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا قَالَ فِي الْخُلْعِ: طَلَّقْتُك بَائِنَةً أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَرَادَ ابْتِدَاءَ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّجْعَةِ يُوجَدُ فِي طَلْقَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبَائِنِ، وَالْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْبَعِيدِ فَيُقَالُ بَانَ فُلَانٌ مِنْ ذَلِكَ وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِبَانَةِ بِالْقَطْعِ يُقَالُ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ يَدَهُ إذَا قَطَعَهَا فَلَمْ يَبْقَ شَيْئًا مِنْهَا، وَعَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ حَمَلْنَا الْبَيْنُونَةَ فِي الطَّلَاقِ اقْتَضَى ذَلِكَ إبْطَالَ الرَّجْعَةِ، وَالْمَنْعَ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّ بُعْدَهَا عَنْهُ لَا يُرِيدُ بِهِ تَقَارُبَ أَجْسَامِهِمَا، إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ بُعْدَهَا عَنْ عِصْمَتِهِ وَزَوْجِيَّتِهِ فَهُوَ أَظْهَرُ فِي انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بُعْدَهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَهِيَ قَرِيبٌ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى إلَّا بِانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ بَيْنَهُمَا مَوْجُودٌ، فَإِذَا أَبَانَهَا ثُمَّ ادَّعَى الرَّجْعِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ جُمْلَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ أَوْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ كِتَابَةٌ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِكِتَابَةٍ، فَإِنَّهَا طَالِقٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، وَإِظْهَارُهُ بِالْكِتَابَةِ كَإِظْهَارِهِ بِالنُّطْقِ كَلَفْظِهِ بِالتَّوْحِيدِ يَكْتُبُهُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ. (فَرْعٌ) : وَإِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ عَلَى غَيْرِ عَزْمٍ فَلَهُ تَرْكُهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِرْسَالِ بِهِ إلَى الزَّوْجَةِ فَهُوَ إنْفَاذٌ لَهُ كَالْإِشْهَادِ بِهِ وَسَوَاءٌ كَتَبَ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إذَا جَاءَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَهُ مَالِكٌ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا كَتَبَ وَلَمْ يُشْهِدْ بِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ، فَإِنَّ لَهُ رَدَّهُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إنْفَاذَ الطَّلَاقِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكْتُبُهُ عَلَى وَجْهِ الِارْتِيَابِ فِيهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ فَيَحْلِفُ لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الطَّلَاقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَأَشَارَ بِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. (فَرْقٌ) : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إظْهَارِهِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ إظْهَارِهِ بِالنُّطْقِ سَوَاءٌ أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَلِأَنَّ طَلَاقَ الْأَخْرَسِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ عِبَارَةُ عَمَّا نَوَاهُ مِنْهُ كَالنُّطْقِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ كِتَابَةٌ وَلَا إشَارَةٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ، «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَهَذَا قَدْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلَاقًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا، إنَّمَا يُوقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ وَإِنْ افْتَقَرَ الْقَوْلُ، وَالْعَمَلُ إلَى نِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْقِرَاءَةِ

[ما يبين من التمليك]

مَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنَا أَفْعَلُ أَنْتَ الَّذِي فَعَلَته) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالْأَفْعَالِ، وَالْعِبَادَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلِي وَاشْرَبِي مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، إنَّمَا يَقَعُ بِمَا قَارَنَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّفْظِ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ كُلِي أَوْ اشْرَبِي إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، إنْ كَانَ قَدْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ لَفْظٌ قَصَدَ بِهِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا تَلَفَّظَ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ. [مَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ] (ش) : التَّمْلِيكُ الْمَذْكُورُ هُوَ أَنْ يُمَلِّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا قَدْ مَلَّكْتُك أَمْرَك أَوْ يَقُولَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ قَدْ مَلَّكْتُك، إنْ لَمْ يَقُلْ: أَمْرُك وَلَا نَفْسُك، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: طَلَاقُك إلَيْك أَوْ بِيَدِك قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت فَهَذَا كُلُّهُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا جَاوَبَتْهُ تَقُولُ: طَلَّقْت نَفْسِي إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْئَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُسْئَلُ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ فِي التَّمْلِيكِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُسْئَلُ لِئَلَّا تَدَّعِيَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَتُنَاكِرُ أَوْ تَمْضِي، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَتْ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الْوَاحِدَةِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْنَافُ دَعْوَى مِنْهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَتْ أَرَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَزْيَدَ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ. (فَرْعٌ) : وَهَكَذَا كُلُّ لَفْظٍ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُسْئَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُمَلَّكَةِ تَقُولُ قَدْ طَلَّقْتُك هِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّهَا تُرِيدُ الْمَرْأَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لَهَا ذَلِكَ فَثَبَتَ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ قَالَتْ: قَبِلْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا أَوْ بِنْتُ مِنْك أَوْ حَرُمْت عَلَيْك أَوْ بَرِئْت مِنْك، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا تُسْئَلُ الْمَرْأَةُ عَمَّا أَرَادَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: أَرَدْت أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لَمْ تُصَدَّقْ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الطَّلَاقَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهَا: أَنَا مِنْكَ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ، وَأَنَا عَلَيْك حَرَامٌ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا، فَأَمَّا قَبِلْت نَفْسِي وَحَمَلَهَا عَلَى الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبُولَهَا لِنَفْسِهَا قَبُولُهَا لِمِلْكِ نَفْسِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بِثَلَاثٍ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ حَمَلَ مِنْ قَوْلِهَا عَلَى الثَّلَاثِ فَلَمْ تُصَدَّقْ بَعْدَ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ وَاحِدَةً. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لَهَا تَفْسِيرَ ذَلِكَ بِالْوَاحِدَةِ بِمَنْزِلَةِ قَبِلْت أَمْرِي وَلَا يَرَاهُ طَلَاقًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى تَوَقَّفَ وَلَمْ يَرَهُ مِثْلَ أَخَذْت نَفْسِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَلَّكَهَا عَلَى عِوَضٍ، فَإِنْ مَلَّكَهَا عَلَى عِوَضٍ أَعْطَتْهُ إيَّاهُ فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ قَالَتْ لَهُ بَرِئْتُ مِنْك أَنَّهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ خُلْعٌ، وَهِيَ مِثْلُ الَّتِي لَمْ يَبْنِ بِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا أُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا وَلَّيْتُهَا مِنْ أَمْرِهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَنَاكَرَهَا فَتَكُونُ بَائِنَةً لِأَجْلِ الْعِوَضِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَتْ: خَلَّيْتُ سَبِيلَك فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَهَا لَهُ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ فَارَقْتُكَ كَقَوْلِهِ ذَلِكَ لَهَا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَى طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا هِيَ فَمُمَلَّكَةٌ فَكَانَتْ إجَابَتُهَا عَنْ الْفِرَاقِ فَهُوَ عَلَى الْبَتَاتِ حَتَّى يُرِيدَ وَاحِدَةً، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَرَى فِي الزَّوْجِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: خَلَّيْت سَبِيلَك هِيَ ثَلَاثٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ تَقُولَهُ الزَّوْجَةُ لِلزَّوْجِ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ: خَلَّيْتُ سَبِيلَك وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، إنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مَعَ هَذَا الْأَصْلِ بِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْعِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ مِنْهُ مَا شَاءَ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يُفَرِّقَهُ، وَاللَّفْظُ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ أَرَدْت وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَلَّكَهَا جَمِيعَ الطَّلَاقِ وَلِذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ إنْ نَاكَرَ فَلَمَّا جَاوَبَتْهُ بِالْفُرْقَةِ كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ إيقَاعَ جَمِيعِ مَا مَلَّكَهَا إيَّاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ كَانَ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: قَبِلْتُ أَمْرِي، فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت بِهِ قَبِلْتُ مَا جَعَلَ لِي مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ الْخِيَارِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا ثُمَّ قِيلَ لَهَا: طَلِّقِي بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ رُدِّي، وَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت بِقَوْلِي قَبِلْت أَمْرِي الطَّلَاقَ سُئِلَتْ مَا أَرَادَتْ مِنْ الطَّلَاقِ فَيَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى سُؤَالَيْنِ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تُسْئَلُ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ قَدْرِ مَا أَرَادَتْ مِنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَا تَلَفَّظَتْ بِهِ يَحْتَمِلُ مِنْ الطَّلَاقِ الْوَاحِدَةَ أَوْ أَكْثَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَتْ قَدْ قَبِلْت لَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ مِنْ الْمَجْلِسِ لَمْ أُرِدْ إلَّا أَنْ أَنْظُرَ وَأَسْتَخْبِرَ كَانَ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ الْآنَ بِوَاحِدَةٍ فَتَلْزَمُهُ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهَا الْمُنَاكَرَةُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ قَبِلْت مُحْتَمِلٌ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ: لَمْ أُرِدْ شَيْئًا لَمْ يُقْبَلْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ أَضَافَتْ الطَّلَاقَ إلَيْهَا أَوْ إلَيْهِ فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَبَنْتُ نَفْسِي أَوْ أَبْنَتُك؛ لِأَنَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى جِهَةِ الزَّوْجِ كَإِضَافَتِهِ إلَى جِهَةِ الزَّوْجَةِ كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ يُرِيدُ أَنَّ مَا قَالَتْ يَلْزَمُهُ عَلَى حَسَبِ مَا أَوْرَدَهُ هُوَ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَعَلَّ السَّائِلَ، وَالْمَسْئُولَ قَدْ جَرَى مِنْهُمَا مَا فُهِمَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ بِهَذَا اللَّفْظِ دُونَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مَا نَوَى مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَالَتْ هِيَ: قَبِلْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فِيهِ سَلَفٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ قَدْ مَلَّكْتُكِ أَمْرَك، وَأَمْرُك بِيَدِك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهَا: قَبِلْت نَفْسِي مِنْ كِنَايَاتِهِ مِنْ جِهَتِهَا، فَإِذَا قَالَا جَمِيعًا أَرَدْنَا بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ أَرَدْت الطَّلَاقَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُمَلَّكَةُ ثَيِّبًا مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلِذَلِكَ يَنْفُذُ طَلَاقُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغًا؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا فَيَقُولَ لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونَ أَمْلَكَ بِهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصَّغِيرَةِ تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا ذَلِكَ لَهَا وَقَالَ ذَلِكَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ فِي حَالِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ بَلَغَتْ حَدَّ الْوَطْءِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا بَلَغَتْ مَبْلَغًا تَعْرِفُ مَا مَلَكَتْ أَوْ يُوطَأُ مِثْلُهَا فَذَلِكَ لَازِمٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ الْمَغْمُورَةِ يُخَيِّرُهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ مُفِيقَةٌ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَهِيَ مَغْمُورَةٌ أَنَّ قَضَاءَهَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَوْ خَيَّرَهَا مَغْمُورَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا جَازَ قَضَاؤُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَّكَ صَبِيًّا أَمْرَ امْرَأَتِهِ جَازَ مَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَعْقِلُ مَا جُعِلَ إلَيْهِ وَمَا يُجِيبُ بِهِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ امْرَأَةٍ أَوْ ذِمِّيٍّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهِيَةِ لِمَا أَفْتَاهُ بِهِ، وَالْحِرْصُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ النَّظَرَ لَعَلَّهُ يُخَالِفُ مَا قَدْ رَآهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَا فَعَلْتُهُ أَنْتَ فَعَلْتَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ لَا صُنْعَ لِي فِي ذَلِكَ، إنَّمَا قَوْلُك وَعَمَلُك أَدَّى إلَى مَا أَفْتَيْتُكَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ سُؤَالِ السَّائِلِ وَمَا يَقُومُ لَهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُكَلَّفَةً أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُكَلَّفَةً لَزِمَهُ مَا قَضَتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَعْقِلَ التَّمْلِيكَ أَوْ لَا تَعْقِلَهُ، فَإِنْ عَقَلَتْهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُخَيِّرُ زَوْجَتَهُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ طَلَاقٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الْوَطْءِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا بَلَغَتْ مَبْلَغًا تَعْرِفُ مَا مَلَكَتْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ مَغْمُورَةٌ جَازَ قَضَاؤُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُفِيقَةً ثُمَّ أَصَابَهَا ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ قَضَاءَهَا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ حَالِهَا وَعَقْلِهَا فَلَمَّا ذَهَبَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا قَضَتْ بِهِ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ التَّمْلِيكِ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَمْلِيكُ نَفْسِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالطَّلَاقِ فَقَدْ فُهِمَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَضْعُ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا كَمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا عَلَى طَلَاقِهَا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْلُومُ مِنْ لَفْظِ التَّمْلِيكِ وَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمَهُ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ فِي ذَلِكَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ مَوْضُوعَةٌ لِتَتَفَاهَمَ بِهَا الْمَعَانِي، فَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْ تَمْلِيكِ الطَّلَاقِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ إذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنِّي لَمْ أُرِدْ تَمْلِيكَ الطَّلَاقِ كَمَا لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَلِأَنَّ الْعَجَمِيَّ يُمْكِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظُ طَلَاقٍ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ فِي التَّمْلِيكِ، وَالطَّلَاقِ الْمُبْتَدَأِ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ يُفْهَمُ عَنْهُ هَذَا بِالْإِشَارَةِ وَتَسَاوَى ذَلِكَ بِلَفْظِهِ بِهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ النَّدْبِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِ عُمَرَ إنَّ الْقَضَاءَ مَا قَضَتْ إلَّا أَنْ تُنَاكِرَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهَا إنْ رَدَّتْ التَّمْلِيكَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَضَتْ بِالْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ مَذْهَبَ رَبِيعَةَ فِي التَّمْلِيكِ هِيَ وَاحِدَةٌ قَبِلَتْ أَوْ رَدَّتْ قَالَ مَالِكٌ وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ. وَقَدْ اخْتَارَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقَامَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ عَلَى الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوقِعْهُ الْوَكِيلُ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ فَكَذَلِكَ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فَيَقُولُ: لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو التَّمْلِيكُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا يَنْوِي شَيْئًا، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَقَضَتْ بِمَا نَوَاهُ لَزِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَأَوْقَعَتْهَا فَلَزِمَهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَمْلِيكٌ لِمَا زَادَ وَلَا مِنْهَا رِضًا بِذَلِكَ وَلَا إيقَاعَ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونَ ثَلَاثًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ جِهَةٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَكَانَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً كَجِهَةِ الزَّوْجِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا، وَهُوَ قَدْ نَوَى وَاحِدَةً لَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْهَا وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَضَتْ وَلَا يَنْفَعُهُ الْمُنَاكَرَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا صَارَ بِيَدِهَا بِجَعْلِهِ ذَلِكَ إلَيْهَا وَتَفْوِيضِهِ، وَاَلَّذِي جُعِلَ إلَيْهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ يَجْعَلْهُ إلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا إيقَاعُهُ كَالْوَاحِدَةِ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ مَلَّكَهَا ثَلَاثًا صَرَّحَ بِهَا فَأَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ الطَّلْقَةُ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُطَّرِفٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ قَالَ لَهَا قَدْ مَلَّكْتُك أَلْبَتَّةَ فَأَوْقَعَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ لَا تَنْقَسِمُ، وَالثَّلَاثَةَ تَنْقَسِمُ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مَا جَعَلَهُ إلَيْهَا وَقَصَرَتْ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ الْوَاحِدَةَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِمَا جُعِلَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَمْ تُوقِعْهَا الزَّوْجَةُ فَلَمْ تَقَعْ، وَالْوَاحِدَةُ لَمْ يَجْعَلْهَا الزَّوْجُ إلَيْهَا، فَإِذَا أَثْبَتْنَا حُكْمَ مَا أَوْقَعَتْ، وَهِيَ الْوَاحِدَةُ أَثْبَتْنَا مَا يُخَالِفُ مَا جَعَلَهُ الزَّوْجُ إلَيْهَا، وَإِذَا جَعَلَ إلَيْهَا وَاحِدَةً وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ وَافَقَتْهُ فِي الْوَاحِدَةِ وَمَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَجْعَلْهُ إلَيْهَا يَبْطُلُ وَيَثْبُتُ مَا جَعَلَهُ إلَيْهَا فَتُوجَدُ الْمُوَافَقَةُ لِمَا جَعَلَهُ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَقَالَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا التَّمْلِيكَ فِي الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَتَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِمَا قَالَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ قَدْ وُجِدَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَةَ وَلِذَلِكَ لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَادَّعَى وَاحِدَةً لَكَانَتْ وَاحِدَةً فَإِذَا أَوْقَعَتْهَا الزَّوْجَةُ فَقَالَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا ثَلَاثًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ النَّدَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِكِ فَقَالَتْ قَبِلْتُ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت بِالتَّمْلِيكِ أَلْبَتَّةَ وَقَالَتْ هِيَ أَرَدْتُ وَاحِدَةً فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ هِيَ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ تَقُولَ: قَبِلْت وَاحِدَةً وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا فُسِّرَ قَوْلُهُ بِالثَّلَاثِ وَقَالَتْ هِيَ: قَبِلْتُ وَكَانَ ظَاهِرُ ذَلِكَ قَبُولَهَا مَا جَعَلَ إلَيْهَا لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ أَنَّهُ جَعَلَ إلَيْهَا فِعْلَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهَا تَفْسِيرُ مَا نَوَتْهُ بِالْوَاحِدَةِ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ مَعَ مُطَابَقَتِهَا لِمَا جَعَلَهُ بِيَدِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقُولُ لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً يَعْنِي أَنَّ مُنَاكَرَتَهُ لَهَا أَنْ يَقُولَ لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً فَهَذَا يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً قَالَ مُحَمَّدٌ يَحْلِفُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فَلَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ، فَإِذَا أَرَادَ نِكَاحَهَا حَلَفَ عَلَى مَا نَوَى وَلَا يَحْلِفُ قَبْلَ ذَلِكَ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ عِنْدِي إنَّمَا هُوَ لِيَحْكُمَ لَهُ الْآنَ بِأَنَّ طَلَاقَ التَّمْلِيكِ رَجْعِيٌّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ لَا يُلْزِمَهُ بِتَعْجِيلِ الْيَمِينِ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَرْتَجِعُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ فِي الَّذِي يُنَاكِرُ إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُلْزِمَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأَصْلِ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَرَدْت بَعْضَهُ وَيَحْلِفُ فَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُؤْمَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ أَبَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ لَا يَعْرِضُ لَهُ حَتَّى يُرِيدَ النِّكَاحَ، فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ اُسْتُحْلِفَ، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي تَأْخِيرَ الْيَمِينِ عَنْهُ إلَى أَنْ يُرِيدَ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ النِّكَاحِ بَعْدَ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا هِيَ لِاسْتِبَاحَةِ الْمُرَاجَعَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَ أُمِرَ بِهَا لِاسْتِبَاحَةِ الرَّجْعَةِ

[ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك]

مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ التَّمْلِيكِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ مَا شَأْنُك فَقَالَ مَلَّكْت امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ وَمَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْقَدَرُ فَقَالَ زَيْدٌ ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت، فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ، أَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ: بِفِيكِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ: بِفِيك الْحَجَرُ، فَاخْتَصَمَا إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَكَانَ الْقَاسِمُ يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ وَأَحَبُّهُ إلَيَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ مُنِعَ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ وَكَانَ حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلَوْ اقْتَضَى نُكُولُهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَاكَرَةِ، وَالْمَنْعِ لَهَا مِنْ إيقَاعِ مَا أَوْقَعَتْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ التَّخَاصُمِ فِيهِ وَإِبْطَالِ مَا ادَّعَتْهُ وَإِثْبَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ التَّمْلِيكِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَتِيقٍ أَتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ يَقْتَضِي بِمَا بَعْدَهُ فَرْطَ نَدَمِهِ وَتَأَسُّفِهِ عَلَى فِرَاقِ امْرَأَتِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اعْتِقَادًا أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إمَّا؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ أَوْ أَنَّهَا ثَلَاثٌ، وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ لَرَاجَعَهَا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ لِمَا فَعَلَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَرْشَدَهُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا شَأْنُك لَمَّا رَأَى بِهِ مِنْ الْبُكَاءِ، وَالنَّدَمِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ فَفَارَقَتْهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجِبَ لَمَّا رَأَى لَهُ مِنْ الْبُكَاءِ، وَالْجَزَعِ فَقَالَ زَيْدٌ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ تَوْبِيخَهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ، وَتَهْدِيدَهُ فِيهِ حَتَّى لَا يَأْتِيَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُؤَالَهُ عَنْ سَبَبِ هَذَا لِئَلَّا يَكُونَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَلَّكَهَا بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمَّا قَالَ الْقَدَرُ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يُظْهِرُهُ أَجَابَهُ عَنْ مَسْأَلَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ زَيْدٍ: ارْتَجِعْهَا إنْ شِئْت، فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ، وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ مَالِكٌ: لَا آخُذُ بِحَدِيثِ زَيْدٍ فِي التَّمْلِيكِ وَلَكِنِّي أَرَى إذَا مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا قَضَتْ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا فَيُحَلَّفَ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَنْ يُعْلَمَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ مَذْهَبَ زَيْدٍ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً وَإِنْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ قَالَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنِّي لَا أَقُولُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِهِ فَفَارَقَتْنِي وَالْفِرَاقُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فِرَاقًا عَلَى غَيْرِ لَفْظِ الْفِرَاقِ وَأَنَّهَا فَرَاقَتْهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَلَّكَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً بِتَصْرِيحٍ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَتْ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ: ارْتَجِعْهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا كَانَ لَفْظُهُ مُحْتَمِلًا وَأَوْقَعَتْ الْمُمَلَّكَةُ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ جَزَعُ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَرْقًا مِنْ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَعَلِمَ مِنْ مُخَالَفَتِهَا لَهُ أَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ: أَنْتَ الطَّلَاقُ يَقْتَضِي إيقَاعَهَا الطَّلَاقَ بِأَثَرِ تَمْلِيكِهِ إيَّاهَا الطَّلَاقَ، وَلَوْ أَخَّرَتْ قَبُولَ التَّمْلِيكِ بِالْقَوْلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُوجَدَ مِنْهَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْفِرَاقِ أَوْ لَا يُوجَدَ مِنْهَا قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْفِرَاقِ مِثْلُ أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا أَوْ تَأْمُرَ بِنَقْلِ رَحْلِهَا إلَى عِنْدِ أَبَوَيْهَا فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُعَذَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ فَعَلَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَبِينُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُجْهَلُ فَكَأَنَّمَا تَكَلَّمَتْ بِالْقَبُولِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْفِعْلِ الْقَبُولُ لِلتَّمْلِيكِ إثْرَ الطَّلَاقِ وَأَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ لِلتَّمْلِيكِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت أَلْبَتَّةَ أَلَا تَرَى أَنِّي قَدْ خَمَّرْت رَأْسِي وَفَعَلْتُ مَا تَفْعَلُهُ الْمُحَرَّمَةُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا وَيَحْلِفَ أَنَّهُ مَا مَلَّكَهَا إلَّا وَاحِدَةً وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْوِي الزَّوْجُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ فِعْلِهَا الْبَيْنُونَةُ فَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ يَقْتَضِي الرِّضَا بِالثَّلَاثِ وَقِيلَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ انْتِقَالَهَا أَوْ مَا فَعَلَتْ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْ إلَّا وَاحِدَةً وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَمِينٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فِيهَا، وَهَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ فِي الظَّاهِرِ. (فَرْعٌ) ، فَإِنْ فَعَلَتْ هَذَا مِنْ تَخْمِيرِ الرَّأْسِ وَنَقْلِ الثِّيَابِ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ بِهِ طَلَاقًا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي وَهْبٍ إنْ لَمْ تَكُنْ اخْتَارَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا أَوْ فَعَلَتْ مَا لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّلَاقِ كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا لَمْ تَفْعَلْ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْفِرَاقِ ثُمَّ قَالَتْ: أَرَدْتُ الْفِرَاقَ وَنَوَتْهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَوْلُهُ الْقَدِيمُ إنَّمَا لَهَا ذَلِكَ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، فَإِذَا قَامَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ شَيْئًا بَعْدُ بَطَلَ التَّمْلِيكُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُزِيلُ التَّمْلِيكَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ يُوقِفَهَا السُّلْطَانُ فَتُطَلِّقَ أَوْ تَرُدَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَوْكِيلًا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ التَّوْكِيلِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ، وَإِنْ كَانَ هِبَةً فَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْقَبُولِ وَمَتَى قَامَا مِنْ الْمَجْلِسِ فَقَدْ تَرَكَتْ الْقَبُولَ فَبَطَلَ مَا كَانَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ التَّوْكِيلِ لَوَجَبَ أَنْ يُبْطِلَهُ بِأَثَرِ التَّمْلِيكِ وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِأَثَرِ تَمْلِيكِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ وَقْتٍ يُمْكِنُهَا فِيهِ الْقَبُولُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَبُولُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُومَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ أَنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِانْقِضَاءِ وَقْتِ مَنْ يُمْكِنُهَا فِيهِ اخْتِيَارُ الطَّلَاقِ فَلَا يُظْهِرُهُ، إنَّمَا لَهَا ذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْجُلُوسِ، وَالِارْتِيَاءِ فِي الْأَمْرِ، وَالنَّظَرِ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْهِبَةِ إنْ وَهَبَهَا مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَالَ الْمَجْلِسُ جِدًّا وَخَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ إذَا طَالَ الْمَجْلِسُ عَامَّةَ النَّهَارِ فَعَلِمَ أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ وَخَرَجَا مِمَّا كَانَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ بَطَلَ التَّمْلِيكُ. وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ بِيَدِهَا، وَإِنْ أَقَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَجْلِسَ التَّعَارُضِ، وَالْأَخْذِ فِي مِثْلِ هَذَا مُعْتَادٌ، فَإِذَا طَالَ الْمَجْلِسُ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الزِّيَادَةَ الْبَيِّنَةَ الَّتِي يَعْلَمُ بِهَا الْخُرُوجَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَتَرْكِ النَّظَرِ فِيهِ بَطَلَ مَا لَهَا مِنْ الْقَبُولِ كَمَا لَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَشْهَبُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ، وَإِنْ طَالَ، فَإِنَّهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أُبِيحَ فِيهَا الِارْتِيَاءُ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهَا، وَقَدْ يَحْتَاجُ هَذَا مِنْ النَّظَرِ، وَالِارْتِيَاءِ إلَى مَا يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْمَجْلِسِ الْمُعْتَادِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ لَهَا ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَخْرُجَا عَمَّا كَانَا فِيهِ وَيَظْهَرُ تَرْكُهُ، فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ التَّرْكِ أَنْ يَأْخُذَا فِي كَلَامً غَيْرِهِ، وَأَمَّا أَنْ تَمْتَشِطَ أَوْ تَسْكُتَ أَوْ تَعْمَلَ عَمَلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ قَطْعًا لِخِيَارِهَا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لِمَا كَانَا فِيهِ قَدْ يَكُونُ بِالْأَعْمَالِ، وَالنَّوْمِ وَطُولِ الْمَجْلِسِ الْمُفْرِطِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ التَّرْكُ لِمَا كَانَا فِيهِ كَمَا يَكُونُ بِالْأَخْذِ فِي كَلَامِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا لَمْ تُجَاوِبْ بِشَيْءٍ عَنْ التَّمْلِيكِ، فَأَمَّا إذَا جَاوَبَتْ فَقَالَتْ: قَبِلْت أَمْرِي فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّمَا ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْمَجْلِسِ قَالَ مَالِكٌ يَكُونُ ذَلِكَ بِيَدِهَا حَتَّى تُوقَفَ أَوْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا: قَدْ قَبِلْت أَمْرِي إنْ أَرَادَتْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ قَضَتْ وَيَلْزَمُ مَا قَضَتْ بِهِ إلَّا أَنْ يُنَاكِرَهَا فِيمَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ، إنْ قَالَتْ أَرَدْت بِهِ قَبِلْت مَا جَعَلَ إلَيَّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَلَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ قَبِلْت مَا وُهِبْتُهُ بِالْمَجْلِسِ فَجَازَ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ أَوْ يَتْرُكَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا لِلْهِبَةِ قَدْ وُجِدَ مِنْهَا فَتَمَّتْ الْهِبَةُ بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ. (فَرْعٌ) ، فَإِنْ قَالَتْ قَبِلْت أَمْرِي فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ تُفَسِّرْ ذَلِكَ حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا ثُمَّ قَالَتْ أَرَدْت بِذَلِكَ طَلْقَةً وَاحِدَةً قُبِلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهَا: قَبِلْت أَمْرِي يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، فَإِذَا فَسَّرَتْهُ بِالطَّلَاقِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَمِينٌ كَمَا لَوْ فَسَّرَتْهُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَإِذَا كَانَ تَفْسِيرُهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الرَّجْعَةِ، وَالزَّوْجُ ضَيَّعَ حَقَّهُ حِينَ لَمْ يُوَاقِعْهَا وَيَسْتَفْسِرْ قَوْلَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَرَضِيَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَانْقِطَاعِ مُدَّةِ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَجِعْ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا أَرَدْت بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مَا بِيَدِهَا، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ قَوْلُهَا مَا دَامَ التَّمْلِيكُ بِيَدِهَا، وَإِمْكَانُهَا إيَّاهُ مِنْ نَفْسِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ الطَّلَاقَ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدَّعِيَ الْآنَ غَيْرَهُ، لَوْ كَانَتْ خَالَعَتْهُ بَعْدَ قَوْلِهَا مَلَكْت أَمْرِي صُدِّقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَا يُنَافِي مَا تُفَسِّرُ بِهِ الْآنَ وَيُنَاكِرُهَا إنْ زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قَالَتْ: أَرَدْت الِارْتِيَاءَ، وَالنَّظَرَ صُدِّقَتْ، فَإِنْ زَادَتْ الْآنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْمُنَاكَرَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَلَّكَ رَجُلٌ أَمْرَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ لِخَتَنَتِهِ: إذَا تَكَارَيْتِ لِابْنَتِكِ وَخَرَجْتِ مِنْ الْقَرْيَةِ فَأَمْرُهَا بِيَدِكِ فَتَكَارَتْ بِهَا لِتُخْرِجَهَا فَأَبَى وَبَدَا لَهُمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي سَبَبِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ بِأَنْ يَمْنَعَ أُمَّهَا الْخُرُوجَ بِهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي التَّمْلِيكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ لَا نَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ: إنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ إلَى الْمَرْأَةِ طَلَاقَهَا، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُوَكِّلَهَا، وَالْآخَرُ أَنْ يُمَلِّكَهَا عَلَى التَّوْكِيلِ بِهِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا وَفِي التَّمْلِيكِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبْطِلَ تَمْلِيكَهَا وَقَالَ فِي الْمَعُونَةِ إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّمْلِيكُ، وَالثَّانِي التَّوْكِيلُ. (فَرْعٌ) :، فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إلَى شَهْرٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى السَّبَائِيِّ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ الْخِيَارَ لِامْرَأَتِهِ فِي نَفْسِهَا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ يُسَمِّيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَيُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ فِي الْيَوْمِ وَشَبَهِهِ حَتَّى يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَوْ يُفَارِقَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُهُ مَرَّةً قَالَ إنْ لَمْ يَقْضِ سَاعَتَيْنِ فَلَا خِيَارَ لَهَا مِنْهَا لِأَجَلٍ أَوْ بُعْدٍ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ لَهَا مَا لَمْ يَطَأْهَا وَيُوقَفْ، وَالتَّوْجِيهُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ فَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَرَى لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ تُوطَأْ، وَقَرَنَ ذَلِكَ بِتَمْلِيكِ الْمَرْأَةِ فَجَعَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا فِي تَمْلِيكِ الْمَرْأَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ تَوْكِيلٌ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ حُكْمَهُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَيُخَالِفُ سَائِرَ حُكْمِ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَإِنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُخَالِفُ تَعْلِيقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ أَوْ أَكْلِ الطَّعَامِ أَوْ لِبَاسِ الثَّوْبِ، فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الصِّفَاتِ يَتَأَبَّدُ، وَتَعْلِيقَهُ عَلَى وَجْهِ تَمْلِيكِ الزَّوْجِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَتَأَبَّدُ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَهَا إسْقَاطُ ذَلِكَ بِتَمْكِينِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ رَدِّ ذَلِكَ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُ التَّوْكِيلَ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ عَقْدٌ جَدِيدٌ لَهُ رَدُّهُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ إبْقَاءِ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ تَمْلِيكٌ يُخَالِفُ حُكْمَ التَّوْكِيلِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُبَيِّنَ مَعْنَاهُ وَيُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّمْلِيكَ إنَّمَا هُوَ لَهَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَعْنَى التَّوْكِيلِ الِاسْتِنَابَةُ لَهُ فِي إيقَاعِهِ دُونَ تَعْلِيقِ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي سُنَنِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَتَعْلِيلِهَا فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مُخَاطِبًا لَهَا بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ أَرْسَلَ بِهِ إلَيْهَا فَلَمْ تُجِبْ بِشَيْءٍ حَتَّى انْصَرَفَ عَنْهَا الرَّسُولُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَلَيْسَ بِحُضُورِ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَيَظْهَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا مَا تَفْعَلُهُ الرَّاضِيَةُ بِالزَّوْجِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشَافَهَةِ بِالتَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ مُشَافَهَةَ الزَّوْجِ لَهَا بِذَلِكَ تَقْتَضِي الْجَوَابَ، وَقَدْ يُرْسِلُ إلَيْهَا بِمَا لَا يَنْتَظِرُ عَنْهُ جَوَابًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ، فَإِنَّ إخْبَارَ الرَّسُولِ لَهَا بِالتَّمْلِيكِ كَإِخْبَارِ الزَّوْجِ، وَقَدْ يُخْبِرُهَا الزَّوْجُ بِالتَّمْلِيكِ وَلَا يَقْتَضِي بِذَلِكَ جَوَابًا كَالرَّسُولِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَنَّهَا قَدْ تُؤَخِّرُ الْجَوَابَ لِتُوَصِّلَهُ إلَى الزَّوْجِ مَعَ غَيْرِ الرَّسُولِ كَمَا تُرِيدُ أَنْ تُؤَخِّرَهُ عَنْ الزَّوْجِ حَتَّى تُرْسِلَ بِهَا إلَيْهِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا فِي تَمْلِيكِ الزَّوْجِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك، وَأَمَّا إنْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ بِيَدِهَا، وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِجَوَابٍ وَضَعَّفَ هَذَا أَصْبَغُ فِي إنْ شِئْت. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَمَّا قَالَتْ لَهُ: أَنْتَ الطَّلَاقُ فِي الثَّانِيَةِ: بِفِيك الْحَجَرُ إنْكَارٌ لِلطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ يَقْتَضِيهَا فَلَمَّا زَادَتْ عَلَى مَا اعْتَقَدَ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَهَذَا حُكْمُ الْمُنَاكَرَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهَا عَلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِقَوْلِهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُ بِإِنْكَارِهِ عَمَّا اعْتَقَدَهُ حِينَ التَّمْلِيكِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ارْتِيَاءٍ وَلَا نَظَرٍ، فَإِذَا لَمْ يُجَاوِبْهَا بِالْإِنْكَارِ وَسَكَتَ فَقَدْ رَضِيَ بِمَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ كَانَ سُكُوتُهُ بِمَعْنَى الْإِقْرَارِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي مَلَّكَهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَأَخَّرَ إنْكَارُهُ عَنْ قَوْلِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَيْسَ مُنَاكَرَةً بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي التَّمْلِيكِ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يُوقَفْ أَوْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ حَاضِرًا مَعَهَا مُخَاطِبًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ أَنْفَذَ إلَيْهَا بِالتَّمْلِيكِ، فَإِذَا بَلَغَهُ أَنَّهَا قَدْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَمَا يَبْلُغُهُ أَنَّهَا قَضَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ صَمَتَ لَزِمَهُ مَا قَالَتْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الثَّالِثَةِ بِفِيك الْحَجَرُ إنْكَارٌ لَهَا أَيْضًا فَاخْتَصَمَا فِي ذَلِكَ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَتَكُونَ عِنْده عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا فَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ وَجْهِ الصَّوَابِ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ إلَيْهَا إيقَاعَ الثَّلَاثِ، وَقَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ حَدَّثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَمْلِيكًا حَتَّى يَقُولَ أَرَدْت بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي اخْتَارَ مِنْهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[ما لا يبين من التمليك]

مَا لَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ فَزَوَّجُوهُ ثُمَّ إنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالُوا مَا زَوَّجْنَا إلَّا عَائِشَةَ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَجَعَلَ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهَا خَطَبَتْ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَزَوَّجُوهَا مِنْهُ ثُمَّ إنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فِي أَمْرٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا عَلَيْهِ فِي أَمْرٍ خَالَفَهُمْ فِيهِ فَقَالُوا مَا زَوَّجْنَا إلَّا عَائِشَةَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ إنَّمَا وَثِقُوا بِفَضْلِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَرْضَى لَهُمْ بِأَذًى وَلَا تُسَوِّغُ أَخَاهَا الْإِضْرَارَ بِهِمْ فِي وَلِيَّتِهِمْ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَعَلَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَصْرِفَهُ وَتَسْتَنْزِلَهُ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي عَتَبُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ نِكَاحًا عَلَيْهَا أَوْ تَسَرِّيًا أَوْ إيثَارًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا يُرِيدُ مَلَّكَهَا أَنْ تَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي عَتَبُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إنْ شَاءَتْ وَفِي ذَلِكَ إزَالَةُ مَلَامَتِهِمْ عَنْ عَائِشَةَ فَاخْتَارَتْ قَرِيبَةُ، وَهِيَ الْمُمَلَّكَةُ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَا أَفْتَاهُمَا بِهِ مَنْ كَانَ يُفْتِي فِي الْوَقْتِ وَلَا رَآهُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَعَائِشَةَ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُورُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فَكَلَّمْت عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَائِشَةَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهَا بَاشَرَتْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ وَرَوَاهُ ابْنُ مُزَيَّنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ يُرِيدُ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ كَانَ بِهَا عِيسَى؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَفُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ لَا يُجَوِّزُونَ نِكَاحًا عَقَدَتْهُ امْرَأَةٌ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا قَدَّرَتْ الْمَهْرَ وَأَحْوَالَ النِّكَاحِ، وَتَوَلَّى الْعَقْدَ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَتِهَا وَنُسِبَ الْعَقْدُ إلَى عَائِشَةَ لَمَّا كَانَ تَقْرِيرُهُ إلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُقَرِّرُ أَمْرَ النِّكَاحِ ثُمَّ تَقُولُ: اعْقِدُوا، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ النِّكَاحَ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَعْقِدَ نِكَاحًا لِنَفْسِهَا وَلَا لِامْرَأَةٍ غَيْرِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عَقْدُ نِكَاحِ حَفْصَةَ وَأَبُوهَا غَائِبٌ، وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَ بِكْرٍ ذَاتِ أَبٍ غَيْرُ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَابَ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا تُرْجَى رَجْعَتُهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ مِصْرَ غَازِيًا إلَى الْأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَةَ أَوْ طَنْجَةَ فَهَذِهِ تُزَوَّجُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَ اسْتِئْذَانُهُ يَتَعَذَّرُ، وَهِيَ عَانِسٌ بَالِغٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا تُزَوَّجُ حَيَاةَ الْأَبِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ نَفَقَتَهُ عَنْهَا وَأَطَالَ غَيْبَتَهُ زُوِّجَتْ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْأَبِ لَمْ تُزَوَّجْ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلِأَبِي الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيِّ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ الِابْنَةِ، فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَنْفُذُ فِيهِ كُتُبُهُ لَمْ تُزَوَّجْ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ غَيْبَةَ الْأَبِ إذَا طَالَتْ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِهَا فَجَرَى مَجْرَى عَضْلِهَا، لَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَعَضَلَهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِهَا لَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَا عَنْ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا فَقَالَا لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَلِكَ مَعَ طُولِ الْغَيْبَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْوِلَايَةَ بَاقِيَةٌ لِلْأَبِ لَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ مَعَ انْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَمَعْدُومٌ مَعَ إدَامَتِهَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ رَأَتْ غَيْرَ هَذَا أَوْ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَدْ كَانَ وَكَّلَ مَنْ يَعْقِدُ هَذَا النِّكَاحَ فَعَقَدَ عَلَى أَدْنَى مِنْ الْمَهْرِ الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُ هُوَ أَنْ يُبْذَلَ لِمِثْلِهِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَعْقِدُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ تَعْيِينٍ إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ التَّعْيِينِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبِكْرَ ذَاتَ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُعَيِّنْ الزَّوْجَ وَظَنَّ أَنَّهُ يَعْدِلُ بِهِ عَنْ مِثْلِ الْمُنْذِرِ إلَى مِثْلِ عُرْوَةَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ مِمَّنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْمُنْذِرِ فَلِذَلِكَ أَنْكَرَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ مِثْلَ هَذَا أَوْ يُفْتَاتَ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ الْمُنْذِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ لَازِمًا لَمَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَرَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَ لِنِكَاحِ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخُوهُ أَوْ ابْنُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا بِأَمْرِهِ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ الْبِكْرَ وَأَبُوهُ غَائِبٌ إنْ كَانَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ فَأَجَازَهُ أَبُوهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا جَازَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ النَّاظِرَ فِي عِيَالِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ، وَالْقَائِمَ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ الْمُفَاوِضَ لَهُ فِي أُمُورِهِ فَتَغَيَّبَ الْأَبُ فَتُزَوَّجُ ابْنَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بِوَجْهِ الصِّحَّةِ، وَالنَّظَرِ لَهُنَّ إذَا أَجَازَهُ الْغَائِبُ إذَا قَدِمَ جَازَ وَثَبَتَ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْغَيْبَةَ، إنَّمَا جَازَ أَنْ يُجَوِّزَهُ الْأَبُ بَعْدَ طُولِ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ عَاقِدُ نِكَاحِ حَفْصَةَ ابْنًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ أَخًا لَهُ إنْ كَانَ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عَصَبَتِهَا مِمَّنْ كَانَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ، وَالنَّاظِرَ لَهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَخُ، وَالْجَدُّ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ كَمَا زَوَّجَتْ عَائِشَةُ بِنْتَ أَخِيهَا فَرَضِيَ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ وَكَّلْت عَائِشَةُ رَجُلًا عَلَى الْعَقْدِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ، إنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ فِي ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهَا أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ سَخِطَ بَعْضَ الْأَمْرِ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيُزِيلَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْمَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ إبْطَالِ النِّكَاحِ تَسْلِيمًا لِمَا رَأَتْهُ عَائِشَةُ وَاخْتَارَتْهُ وَقَوْلُهُ مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إضَافَةِ الْأَمْرِ إلَيْهَا لِمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ تَوَلِّيهِ وَتَقْرِيرِهِ. (ش) : كَرَّرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلَ وَكَثَّرَ مِنْ الْآثَارِ لِمُخَالَفَةِ رَبِيعَةَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ أَنَّ رَدَّ الْمُمَلَّكَةِ التَّمْلِيكَ لَا يَقْتَضِي طَلَاقًا قَالَ وَلَا يُوجِبُهُ، وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَكَانَ نَفْيُ التَّمْلِيكِ يَقْتَضِيهِ وَلَمَا وَجَبَ أَنْ تُسْئَلَ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَضِي مِنْهَا قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ وَتَرَكَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ حُكْمَ السَّاكِتَةِ الَّتِي لَمْ تَقْبَلْ وَلَمْ تَرُدَّ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ مِنْ الْقَوْلِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ إذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا) . 1 - (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ هَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَيُوقِفُهَا السُّلْطَانُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ

[الإيلاء]

الْإِيلَاءُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهُ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ مِنْ آخِرِ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَتَرَجَّحُ فِيهِ فِي أَوْقَاتِ الْفَتْوَى وَأَبْقَى فِي مُوَطَّئِهِ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ فَلَمْ يُغَيِّرْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ قَدْ قَضَيْت بِالطَّلَاقِ وَقَالَ الزَّوْجُ مَلَّكْتُك وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا حِينَ أَقَرَّهَا بِالتَّمْلِيكِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ لَكِنَّهُ إذَا أَقَرَّ لَهَا بِالتَّمْلِيكِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهُ بِدَعْوَى أَنَّهَا لَمْ تَقْضِ بِالطَّلَاقِ كَالْأَجْنَبِيِّ يُوَكِّلُهُ عَلَى الطَّلَاقِ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَدَّعِيَ الْقَضَاءَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ الْآنَ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهَا الرَّدَّ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا الرَّدَّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْإِيلَاءُ] (ش) : قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ فَمَنْ حَلَفَ فَقَدْ آلَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْإِيلَاءَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْيَمِينُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ يُقَالُ آلَيْت أُولِي إيلَاءً وَأَلِيَّةً وَقَالَ الْمُفَضَّلُ الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ يُقَالُ آلَى يُولِي إيلَاءً، وَالِاسْمُ الْأَلِيَّةُ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ نَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الْقَصِيدَةِ الَّتِي مَدَحَ بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآلَيْت لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ ... وَلَا مِنْ وَجًى حَتَّى تُلَاقِيَ مُحَمَّدَا نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَوْنَ وَذِكْرُهُ ... أَغَارَ لِعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا مَعْنَاهُ أَقْسَمْت إلَّا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الشَّرْعِ فِي الْقَسَم عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] فَقَالَ تَعَالَى {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَتَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُقْسِمُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ نِسَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: آلَيْت مِنْ كَذَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ آلَيْت عَلَى كَذَا وَآلَيْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَا فَعَلْت كَذَا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ آلَى لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ امْرَأَتِهِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَذَفَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَقِيلَ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ حَكَى هَذَا الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ إنَّ " مِنْ " هُنَا بِمَعْنَى عَلَى أَيْ يُؤْلُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى يُوقَفَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْإِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا، وَأَنَّهُ إذَا حَلَفَ فِي الرِّضَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِيَمِينٍ تُلْزَمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِحَالِ الْغَضَبِ وَلِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ حَقًّا فِي الْوَطْءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَطِيعُ الْوَطْءَ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعَ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَرَأْيُهُ أَنَّهُ فَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ عَلَى مَنْ يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ

[باب الإيلاء يثبت حكمه بكل يمين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيلَاءِ كَالْخَصِيِّ وَكَاَلَّذِي يَقْطَعُ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ فَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوْقِيتٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَصِيِّ: إنَّ إيلَاءَهُ لَازِمٌ وَيُوَقِّتُ عَلَى سَنَةٍ أَجَلَ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ لَهَا مَنْفَعَةً يَلْتَذُّ بِهَا مِنْ مُبَاشَرَةٍ وَغَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا آلَى الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْآنَ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ بِمُولٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ، وَالْأَيْمَانُ لَا تَنْعَقِدُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَلِكَ مَنْ آلَى مِنْ صَغِيرَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الْوَطْءِ فَمِنْ يَوْمئِذٍ يَكُونُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَالِفَ كَبِيرٌ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَالتَّوْقِيتِ لَمَّا حَلَفَ عَلَى مَنْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَلَمَّا بَلَغَتْ حَدَّ الْوَطْءِ وَصَارَ لَهَا حَقٌّ فِيهِ لَزِمَتْ الْيَمِينُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَكَانَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ ثَبَتَ لَهَا فِي الْوَطْءِ حَقٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابٌ الْإِيلَاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِكُلِّ يَمِينٍ] 1 (بَابٌ: الْإِيلَاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِكُلِّ يَمِينٍ يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ بِهَا شَيْءٌ كَالْحَالِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ بِسُلْطَانِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِرَحْمَتِهِ أَوْ بِنُورِهِ أَوْ بِحَمْدِهِ أَوْ شَأْنِهِ زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ عَظَمَتِهِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ بِجَلَالِ اللَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ تَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ فَثَبَتَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ كَقَوْلِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ يَكُونُ مُولِيًا، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ بِاَللَّهِ، فَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ قَالَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِهِ إيلَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِاَللَّهِ وَنَوَاهُ فَيَكُونُ يَمِينًا وَيَكُونُ مُولِيًا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَبْسُوطِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَشْهَدُ وَلِعَمْرِي لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِاَللَّهِ فَيَكُونُ مُولِيًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَعْزِمُ أَوْ أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِهِ أُقْسِمُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَائِلِ أَقْسَمْت أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ أَحْلِفُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا يَمِينٌ قَالَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ: أَعْزِمُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا يَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ فَلَا أَشُكُّ أَنَّهَا يَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَوْ قَالَ عَلِيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَلَفَ بِالصِّيَامِ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صِيَامُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَهُوَ مُولٍ، وَهَكَذَا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] وَلَمْ يُفَرِّقْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ لَزِمَهُ بِهَا حُكْمٌ فَثَبَتَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ آلَى مِنْهَا بِصِيَامٍ فَهُوَ مُولٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ بِصِيَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ قِلَّتَهُ مِنْ كَثْرَتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا آلَى مِنْهَا بِصِيَامِ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا. (فَرْعٌ) : فَإِنْ قَالَ إنْ جَامَعْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي أَنَا فِيهِ أَوْ شَهْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَقَلُّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَكْثَرُهُ فِي الْمَبْسُوطِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ بِالصَّلَاةِ إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ مُولٍ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ آلَى بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ عِتْقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ آلَى بِصَدَقَةٍ أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُعَيَّنًا وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ، فَإِنْ بَاعَهُ زَالَ عَنْهُ، وَوَجْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْعَبْدِ فَلَمَّا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَبْقَ لِلْيَمِينِ تَعَلُّقٌ فَبَطَلَ حُكْمُهَا وَصَارَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُولًى مِنْهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ اسْتَرْجَعَ الْعَبْدَ بِشِرَاءٍ فِي تَفْلِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ لَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ إنْ عَادَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِمِيرَاثٍ أَوْ اشْتَرَاهُ فِي فَلْسٍ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ بَاعَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْحَالِفِ فِي فَلْسٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِبَيْعِ الْبَائِعِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِبُعْدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ التُّهْمَةِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ بِبَيْعِهِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُهُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ آلَى بِطَلَاقِ امْرَأَةِ آخَرَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ خُرُوجَ الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِهِ وَرُجُوعَهُ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ تَطْلِيقِهِ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ يَعُودُ عَلَيْهِ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي بَقِيَ فِيهَا بَعْدَ ارْتِجَاعِهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ الَّذِي حَلَفَ لَهُ وَمِلْكُهُ لِلْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الِابْتِيَاعِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ يَثْبُتُ بِالِابْتِيَاعِ الثَّانِي كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لَهُ فِيهَا مِنْ طَلَاقٍ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْإِيلَاءُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبِيدِي فَهُوَ مُولٍ، فَإِنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ مِمَّا أَسْتَقْبِلُ حُرٌّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُولِيًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَالنَّذْرِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَكُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ مِنْ الْفُسْطَاطِ حُرٌّ قَالَ مَالِكٌ مَنْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ مِنْ الْفُسْطَاطِ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عِتْقُ مَنْ يَشْتَرِيهِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِإِيلَائِهِ بِذَلِكَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ وَطِئَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطَأْ. وَقَالَ سَحْنُونٌ قَالَ غَيْرُهُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِالْفَيْءِ فَهُوَ مُولٍ، وَهَذَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدًا مِنْ الْفُسْطَاطِ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ،. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلِ: إنَّ هَذَا حَالٌ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا شَيْءٌ بِالْحِنْثِ فَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِيلَاءِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ بِهَا يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَيْهِ إذَا حَنِثَ، وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُولِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ آلَى بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُولِيَ بِطَلَاقِ الْمَوْلَى مِنْهَا أَوْ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا، فَإِنْ آلَى مِنْهَا بِطَلَاقِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بَائِنًا فَهَلْ يَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ مُولٍ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ عَلَى الْبَقَاءِ مَعَهُ دُونَ وَطْءٍ لَمْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ عِنْدِي فِي كُلِّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ فِعْلُهُ، وَالْبِرُّ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى أَمَسَّ السَّمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَلَا يُتْرَكُ مَعَهَا إلَى الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفِيءَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ رَجْعَتَهُ تُوَصِّلُهُ إلَى الْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى مُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ حَرَامٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْءٍ حَرَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمُزَنِيَّة زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا قَالَ: إنْ وَطِئْتُك إلَى أَجَلِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا وَكَانَ ذَلِكَ أَجَلًا طَوِيلًا، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا قَامَتْ بِهِ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مُولٍ لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا بِالْوَطْءِ فَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْبَتَّةِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَيْئَةَ مَمْنُوعٌ فِيهَا، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ مَحْظُورٌ وَلَا يَلْزَمُهَا الْبَقَاءُ مَعَهُ عَلَى الْإِيلَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمِينٌ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَطْءَ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُ أَنْ يَطَأَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَتَمَادَى حَتَّى تَنْزِلَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا قَالَ أَصْبَغُ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي حَرَجًا قَالَ أَصْبَغُ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يُحْرَجْ، فَإِنْ أُحْرِجَ لَمْ تَكُنْ الْعَوْدَةُ قَالَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ قُطِعَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُبِيحَةِ لِلْوَطْءِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَلَهُ أَنْ يُولِجَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ بِالْإِيلَاجِ يَقَعُ الْحِنْثُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْرَاجِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ بَاقِي الْوَطْءِ حَتَّى يَنْزِلَ. وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ لَفْظَ الْوَطْءِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ إيلَاؤُهُ إنَّمَا يَنْطَلِقُ غَالِبًا عَلَى الْوَطْءِ التَّامِّ دُونَ الْإِيلَاجِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْيَمِينَ فِعْلٌ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ أَجْزَائِهِ وَيَقَعُ الْحِنْثُ بِأَيْسَرِ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ بِجَمِيعِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيلَاجَ يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ وَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ وَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصَادِفُ امْرَأَةً قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ كَالطَّلْقَةِ، وَالطَّلْقَتَيْنِ لِمَنْ لَهُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَاَلَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ وَيَنْوِيَ بِمَا زَادَ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ الرَّجْعَةَ مَكَّنَّاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ بَاقِيَهُ بَعْدَ الْحِنْثِ حَرَامٌ وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ وَطْءٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَبَى مِنْ الرَّجْعَةِ بِبَقِيَّةِ وَطْءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ مَدْخُولًا بِهَا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ تَحْقِيقَ رَجْعَتِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ يُكْمِلُ لَهُ دُخُولَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ حَلَفَ بِالنَّبِيِّ أَوْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْكَعْبَةِ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ زَانٍ إنْ وَطِئَهَا فَهَذَا لَيْسَ بِمُولٍ قَالَهُ مَالِكٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ أَوْرَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَسَمِ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ مُولٍ بِمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ لَا مَرْحَبًا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِيلَاءَ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ كَلَامٍ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ فَهَذَا، وَالطَّلَاقُ سَوَاءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا وَاسْتَثْنَى فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ بِمُولٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَحِلُّ الْيَمِينَ وَلَكِنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فَمَا كَانَتْ يَمِينُهُ فِيهِ مُنْعَقِدَةً لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحِلُّ الْيَمِينَ وَيَجْعَلُ الْحَالِفَ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا سَنَةً وَقَالَ: أَرَدْت أَنْ لَا أُسَاكِنَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ سَنَةً فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَطْءَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا، فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْتَقِيَ مَعَهَا سَنَةً وَكَانَ هَذَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَانَ بِهِ مُولِيًا، وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ مَا تَحْتَمِلُ الْمُجَامَعَةُ فَحُكْمُهُ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ يُصَدَّقَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَيُقَالَ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَقَالَ: لَمَّا وَقَفَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ لَا أَطَأَهَا بِقَدَمِي إنَّهُ يُقَالُ لَهُ جَامِعْهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّك تُرِيدُ الْإِيلَاءَ، أَنْتَ فِي الْكَفَّارَةِ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا مِثْلُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهَا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ يَقْتَضِي الْجِمَاعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَقَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ يُرِيدُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الشَّرْعِيِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ، وَإِنْ طَالَتْ فَلَيْسَتْ بِمُدَّةٍ لِلْإِيلَاءِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إيلَاءً إذَا عَلَّقَهُ لِلْأَبَدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إيلَاؤُهُ لِمُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ أَوْ مُؤَبَّدَةٍ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَالْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بِنَفْسِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةُ الْإِيلَاءِ وَعِنْدَهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ إيلَاءً مَحْضًا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ وَطْئِهَا كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَبَدًا سَنَةً فَهَذَا أَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ يَوْمَ يَمِينِهِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ يَمِينُهُ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ وَلَكِنَّهَا تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ لَمْ تَتَنَاوَلْ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَلَكِنَّهَا تُفْضِي إلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ صُورَةُ حَالِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ صُورَةَ الْحَانِثِ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ الْوَطْءَ حَتَّى يَبَرَّ بِأَنْ يُكَلِّمَ فُلَانًا أَوْ يَدْخُلَ الدَّارَ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ فَيَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ، وَأَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ يَوْمِ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَرَى فِي ذَلِكَ ضَرْبَ الْأَجَلِ وَيَضْرِبُهُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ حَلَفَ وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ وَطْئِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إيلَاءٌ؛ لِأَنَّ بَعْدَ يَمِينِهِ حَالُ بِرٍّ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَيْهِ كَانَ بَارًّا أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَقَالَ بِهِ فِيمَا بَلَغَنَا بِضْعَةَ عَشْرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ تَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ حَقًّا لِتَرَبُّصِ الزَّوْجِ، وَمَا كَانَ حَقًّا لَهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَهُوَ الْفَيْئَةُ أَوْ الطَّلَاقُ كَأَجَلِ الدَّيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ لَا يَقَعُ بِهِ وَلَا بِبَعْضِهِ طَلَاقٌ مُعَجَّلٌ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الزَّوْجَةِ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى مُقْتَضَى يَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا لَمْ تَأْتِهِ الْمَرْأَةُ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ فَيُوقِفَهُ لَعَلَّهَا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي الْمُزَنِيَّة. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي حِلٍّ إلَّا أَنْ تَتْرُكَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي بِإِيقَافِهِ فَهُوَ حَقٌّ تَرَكْته إلَّا أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَتْ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَيُوقِفُ لَهَا مَكَانَهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: وَتَحْلِفُ مَا كَانَ تَرَكَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا عَلَى أَنْ تَنْتَظِرَ ثُمَّ يُوقِفَ مَكَانَهُ دُونَ أَجَلٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَصْبَغُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الضَّرَرِ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ إذَا كَانَ مِمَّا يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ كَالرِّضَى بِالْأَثَرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَأَرَادَتْ الصَّبْرَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فَلِلسَّيِّدِ إيقَافُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا، وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَتَرْكُهُ جَمِيعًا أَشَدُّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ وَلَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا ذَلِكَ وَكَانَ لَهَا الْقِيَامُ وَمُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَتَوْقِيفُهُ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ فَهُوَ الَّذِي يُوقِفُهُ وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ فِي إنْفَاذِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ فَإِذَا رَأَى التَّوْقِيفَ، فَإِنَّ تَوْقِيفَهُ إنَّمَا هُوَ لِيَفِيءَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ إيلَائِهِ، وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ تَرْجِعَ أَوْ تَطْلُقَ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِضْرَارُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا كَرِهَ الْمَرْأَةَ، وَعَنِتَ عَلَيْهَا آلَى مِنْهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا مُعَلَّقَةً لَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ فَتَتَزَوَّجَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهَا فَمَنَعَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ لِلْأَزْوَاجِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي تَأْدِيبِ الْمَرْأَةِ بِالْهَجْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] «، وَقَدْ آلَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا» . وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ ذَاتُ الزَّوْجِ أَنْ تَصْبِرَ عَنْهُ أَكْثَرَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَطُوفُ لَيْلَةً بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تُنْشِدُ: أَلَا طَالَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَأَرَّقَنِي إذْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ تُخْشَى عَوَاقِبُهُ ... لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ مَخَافَةَ رَبِّي وَالْحَيَاءُ يَكُفُّنِي ... وَأُكْرِمُ زَوْجِي أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ اسْتَدْعَى عُمَرُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ فَقَالَ لَهَا أَيْنَ زَوْجُك فَقَالَتْ بَعَثْت بِهِ إلَى الْعِرَاقِ وَاسْتَدْعَى نِسَاءً وَسَأَلَهُنَّ عَنْ الْمَرْأَةِ كَمْ مِقْدَارُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا فَقُلْنَ شَهْرَيْنِ وَيَقِلُّ صَبْرُهَا فِي ثَلَاثَةٍ وَيُفْقَدُ صَبْرُهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَجَعَلَ عُمَرُ مُدَّةَ غَزْوِ الرَّجُلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ اسْتَرَدَّ الْغَازِينَ وَوَجَّهَ بِقَوْمِ آخَرِينَ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُقَوِّي اخْتِصَاصَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهَا رِفْعَةَ سَاعَةٍ تَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي تَنَاوَلَتْهَا يَمِينُهُ لِمَنْعِ الْوَطْءِ مُدَّةً فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَرَفَعَتْهُ وَقَفَ مَكَانَهُ فَإِمَّا فَاءَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَضْرُوبَةَ لَهُ الَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ، وَالِارْتِيَاءُ، وَالنَّظَرُ، وَالْمَشُورَةُ انْقَضَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَادَ أَجَلًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلِلْمَرْأَةِ بَعْدَ التَّوْقِيفِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ أَنْ تَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَوْقِيفَهَا لَهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُهُ مِنْ الْفَيْئَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً، فَإِنْ رَضِيَتْ الْمُقَامَ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفِرَاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلَّقَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَكِنَّ إيثَارَهُ بِالطَّلَاقِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ذَا الَّذِي يُوقِعُ الطَّلَاقَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَوْقَعَهُ كَانَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى مِنْ إيقَاعِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ الْإِمَامَ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِطَلَاقِهَا إنْ لَمْ يُرِدْ الْفَيْئَةَ، فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ فَلَمْ يَفِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ هَذَا الطَّلَاقِ مُعَيَّنٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ لِانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ الْمُقَرَّرِ بِالشَّرْعِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَرِثَهُ إذَا مَاتَ فِي عِدَّتِهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ السَّبَائِيِّ عَنْ مَالِكٍ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إنْ أَبَى مِنْ الْفَيْئَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الْإِيلَاءِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ الْمُولِي يَوْمَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَقِيَامِ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كُتِبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ غَائِبًا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَجْعَلُ الْإِمَامُ لَهُ أَجَلًا غَيْرَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي تَغْيِيرِ أَجَلِ اللَّهِ تَعَالَى. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يَكْتُبُ إلَيْهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُكْتَبَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَجَعَلَ الشَّهْرَيْنِ فِي حَيِّزِ الْقُرْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَأَرَادَ سَفَرًا بَعِيدًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَامَتْ امْرَأَتُهُ فِي ذَلِكَ مَنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ السَّفَرِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَإِنْ أَبَى عَرَّفَهُ أَنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَرَجَ وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ خَبَرَهُ حَتَّى سَافَرَ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ حَتَّى يَكْتُبَ إلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْإِيلَاءِ لَمْ يُحْبَسْ، وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَرَادَ الْمُولِي سَفَرًا بَعِيدًا قِيلَ لَهُ: وَكِّلْ مَنْ يَفِيءُ لَك عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ يُطَلِّقُ عَلَيْك وَمِنْ فَيْئَةِ وَكِيلِهِ أَنْ يُكَفِّرَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَأَرَادَ الْفَيْئَةَ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَعُذِرَ بِحَيْضِهَا فِي بَابِ الْجِمَاعِ كَالْمَرِيضِ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً مِمَّا يُكْتَبُ إلَيْهِ فِيهَا فَقَالَ: أَنَا أُرِيدُ الْفَيْئَةَ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا تُكَفَّرُ اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ فَيْئَتِهِ بِأَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ تُعْرَفْ فَيْئَتُهُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُكَفِّرَهَا فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ فِي الْفَيْئَةِ حَتَّى يَقْدُمَ، فَإِنْ وَطِئَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِيمًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ سِجْنٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَابْنِ دِينَارٍ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ الَّذِي يُكَاتَبُ وَيُجِيبُ إلَى الْفَيْئَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُوقَفُ وَيُدْعَى إلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ بِطَلَاقٍ وَلَكِنَّهُ يُمْهَلُ مَا دَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَيْئَةِ لِلْمَرَضِ أَوْ السِّجْنِ، وَالْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يُوقَفْ لَهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَة فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّهُ يُوقَفُ إلَّا إنْ فَاءَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا مُعَيَّنَةً أَوْ الْمَالُ الَّذِي حَلَفَ بِصَدَقَتِهِ مُعَيَّنًا، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ صَدَقَةً بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ تُجْزِئُهُ وَبَعْدَ الْحِنْثِ أَحْسَنُ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبْرِئُهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِيلَاءِ حَتَّى يَطَأَ؛ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْأَحْكَامِ وَزَوَالُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ عَنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ كَفَّارَةُ الْإِيلَاءِ مُعَيَّنَةً جَوَّزْنَا عَلَيْهِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ، وَأَنْ يُعْتِقَ وَيُكَفِّرَ عَنْ مُعَيَّنٍ مُتَقَدِّمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَفِّرُ عَنْ إيلَائِهِ بَلْ يُبْقِيهِ إضْرَارًا لَهَا هَذَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ فِي ذَلِكَ، وَالتُّهْمَةُ فِي مِثْلِ هَذَا تَبْعُدُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عُذْرٌ فَالْعُذْرُ وَحْدَهُ يَمْنَعُ تَعْجِيلَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ إذَا قَارَنَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا عُذْرَ لَهُ طُولِبَ بِالْوَطْءِ الَّذِي يُصَحِّحُ كَوْنَ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِلْإِيلَاءِ وَاَللَّهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَأَبَا بَكْرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَا يَقُولَانِ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الرَّجُلِ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ شِهَابٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ فَيُطَلِّقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ إنَّهُ إنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ، فَإِنَّ ارْتِجَاعَهُ إيَّاهَا ثَابِتٌ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ وُقِفَ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ دَخَلَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَلَا عِدَّةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا خَالِيًا مِنْ عُذْرٍ فَقَالَ أَنَا أَفِيءُ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ قَالَ مَالِكٌ يُخْتَبَرُ الْمَرَّةَ، وَالْمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِمَّا يَضْرِبُهُ الْحَاكِمُ وَانْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ غَدًا أَقْضِيهِ وَبَعْدَ غَدٍ أَقْضِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَجَلٌ لِلْإِيلَاءِ كَالْمُقَدَّرِ بِالشَّرْعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِمَّا فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَالْفَيْئَةُ لِلْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْوَطْءِ إنَّمَا هِيَ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْكَفَّارَةِ فَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَا يُجْزِئُهُ مِنْهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَلَا تَقْبِيلٌ وَلَا مُلَامَسَةٌ قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَدْ قَالَ إنَّهُ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْجَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا وَطِئَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِمَا يَحْنَثُ بِهِ فَقَدْ بَطَلَتْ يَمِينُهُ، وَإِذَا بَطَلَتْ يَمِينُهُ لَمْ يَبْقَ إيلَاءٌ وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَرْجَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ مَصْرُوفٌ إلَى نِيَّتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْفَرْجَ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَتُقْبَلُ فِي إيجَابِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِزَعْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : أَظْهَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافَ الْعُلَمَاءِ لِمَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّوْقِيفِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَأَوْرَدَ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ بِأَنَّ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ سَوَاءٌ أَرَادَ الْفَيْئَةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُرِدْهَا، وَهَذَا فِعْلُ مِثْلِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَالْفَضْلِ، وَالتَّوَسُّعِ فِي الْعِلْمِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَا حَكَى عَنْهُ شُيُوخُنَا أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّ اخْتِيَارَهُ هُوَ الصَّوَابُ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ أَنَّهُمَا قَدْ شَهِدَا بِالْحَقِّ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ وَقَفَ بَعْدَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ فَيُطَلِّقُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ طَلَاقُ الْمُولِي طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّهُ طَلَاقٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا عَرَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْعِدَّةَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ بَائِنًا أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الطَّلَاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ إلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا يُرِيدُ أَنَّ إصَابَتَهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ رَجْعَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَجْعَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ بَقَاءِ الْإِيلَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي حَالِ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا كَانَ يَهْدِمُ النِّكَاحَ الَّذِي صَحَّ وَتَقَرَّرَ حُكْمُهُ وَثَبَتَ فَبِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا يَدَّعِي بِالرَّجْعَةِ لِلْفَيْئَةِ، فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمٌ. (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَمَضَتْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فَيُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيُطَلِّقُ ثُمَّ يَرْتَجِعُ وَلَا يَمَسُّهَا فَتَنْقَضِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا أَنَّهُ لَا يُوقَفُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَإِنَّهُ إنْ أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَإِنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ قَالَ هُمَا طَلْقَتَانِ إنْ هُوَ وَقَفَ وَلَمْ يَفِئْ، وَإِنْ مَضَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ رَجْعَتِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يُوقَفْ ثَانِيَةً، وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُ بِهِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ رَجْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْيَمِينِ شَيْءٌ، وَإِنْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْيَمِينِ قَبْلَ الْعِدَّةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي الْعِدَّةِ قَالَهُ مَالِكٌ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ قَدْ وَطِئْتهَا وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ إنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى الزَّوْجُ الْوَطْءَ لِيَدْفَعَ بِهِ الْفُرْقَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَالْمُعْتَرِضِ. (فَرْعٌ) وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ سَفَرٍ، فَإِنَّ رَجْعَتَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا، فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ بِقُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ انْطِلَاقِهِ مِنْ سِجْنِهِ فَمُكِّنَ مِنْهَا وَأَبَى الْوَطْءَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ قَدْ انْقَضَتْ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَبْسُوطِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَتَكُونُ بَائِنًا مِنْهُ مِنْ يَوْمِ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُرَاعَاةِ عُذْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ مُرَاعَاةً، فَإِنْ صَدَقَ عُذْرُهُ بِالْفَيْئَةِ إذَا أَمْكَنَهُ حَكَمَ بِصِدْقِهِ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ أَكْذَبَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْفَيْئَةِ فَالِامْتِنَاعُ حِينَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا حَمَلَ أَمْرَهُ عَلَى الْكَذِبِ فِيهَا، وَالرَّدِّ وَأُمْضِيَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى مَا كَانَتْ تَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. (فَرْعٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا الْآنَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَمْلُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَخْلُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ خَلَا بِهَا فِي الْعِدَّةِ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْأَزْوَاجِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهَا بِمَنْزِلَةِ زَوْجٍ خَلَا بِزَوْجَتِهِ وَتَقَارًّا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ لِلْأَزْوَاجِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ فَارْتَجَعَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ مَرَّةً أُخْرَى غَيْرَ التَّوْقِيفِ الْأَوَّلِ وَلَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَمْرُهُ مُرَاعًى، فَإِنْ مَسَّ فِي الْعِدَّةِ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ لِوُجُودِ الْحِنْثِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ فِي الْعِدَّةِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَطَأْ وُقِفَ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ طَلْقَةً بَائِنَةً، فَإِنْ ارْتَجَعَ وَفَعَلَ فَحُسِبَ ذَلِكَ مِنْ التَّوْقِيفِ، وَالطَّلَاقِ حَتَّى يَكْمُلَ مَا لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : لَوْ أَبَى الْفَيْئَةَ فَطَلُقَتْ عَلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَأَرَادَتْ أَنْ تُوقِفَهُ ثَانِيَةً، فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُوقِفَهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ يَتَزَوَّجُهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا يَنْعَقِدُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَكِنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا مِنْ مُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا اعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ مِنْ يَوْمِ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ حَقُّ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَقٌّ، فَإِذَا طَلَّقَهَا وَخَرَجَتْ الْعِدَّةُ بَطَلَ حُكْمُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْوَطْءِ لَا تَصِحُّ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَ حُكْمُ الْأَشْهُرِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (فَرْعٌ) : فَإِذَا لَمْ يَفِئْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي نِكَاحٍ ثُمَّ يُوجَدُ فِيهِ بِنَاءٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَبَى الْفَيْئَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ فَطَلُقَتْ عَلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُدَّةِ يَمِينِهِ أَشْهُرٌ فَلَمَّا تَزَوَّجَتْهُ أَرَادَتْ تَوْقِيفَهُ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَإِنَّمَا عَادَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوقِفَهُ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْهُ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ يَمِينِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ يَمِينِهِ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَدْنَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إيلَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي كَانَتْ يُوقَفُ بَعْدَهَا مَضَتْ وَلَيْسَتْ لَهُ يَوْمئِذٍ بِامْرَأَةٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيلَاءً إنَّمَا يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إيلَاءً إلَّا أَنَّهُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَقْفٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْلَى مِنْهَا يَصِحُّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَا يُبْطِلُ طَلَاقُهُ حُكْمَ الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ يَلْحَقُ فِيهِ الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ فَلَحِقَ فِيهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْأَشْهُرُ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَنَّهَا تُوقِفُهُ إنْ شَاءَتْ، وَإِذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِفَهُ، فَإِنْ فَاءَ فَحُكْمُ الْفَيْئَةِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطَأَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ وَكَانَتْ مَعَ الطَّلْقَةِ الَّتِي أَوْقَعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَإِذَا أَوْقَفَهُ الْإِمَامُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ بَعْدُ وَلَا يُجْزِي عَنْهُ مَا مَضَى مِنْ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ مَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَيْسَ الْإِيلَاءُ بِطَلَاقٍ يُرِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ حَقُّ مُطَالَبَةٍ بِوَطْءٍ وَلِذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَزَائِدٌ أَلْزَمَهُ الْإِيلَاءَ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَرَكَهَا دُونَ أَنْ يَطَأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ لَهُ تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الَّتِي مَنَعَتْ يَمِينَهُ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا قَبْلَ وَقْتِ التَّوْقِيفِ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُوقَفَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَمْ يَزُلْ تَوْقِيفُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّهُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي تَنَاوَلَتْهَا يَمِينُهُ قَدْ انْقَضَتْ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَوْقِيفٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَقْضِيَ غَرِيمُهُ حَقَّهُ أَوْ يَفْعَلَ كَذَا كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا يُقَرَّرُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُقَرَّرُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُولٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ قَدْ حَلَفَ يَمِينًا يَمْنَعُ وَطْأَهَا وَلَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِحِنْثٍ فِيهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ عَمَلٍ أَوْ غُرْمِ مَالٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا جُمْلَةً قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّة إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَقَفَ فَإِمَّا فَاءَ وَإِمَّا طَلَّقَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ أَوْ إلَى بَلَدٍ يَتَكَلَّفُ لَهُ سَفَرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك فِي هَذَا الْمِصْرِ أَوْ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ هُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا أَطَؤُك حَتَّى أَخْرُجَ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ خُرُوجُهُ يَتَكَلَّفُ فِيهِ الْمُؤْنَةَ، وَالْكُلْفَةَ فَهُوَ مُولٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الِانْتِقَالَ، وَالْخُرُوجَ بِهَا إلَى مَوْضِعٍ تَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ وَنَفَقَةٌ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ مِنْ نَفْسِ حَاضِرَتِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَقْرَبُ مِنْهَا كَالْخُرُوجِ إلَى جَنَّتِهِ أَوْ مَزْرَعَتِهِ الْقَرِيبَةِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى أُكَلِّمَ فُلَانًا وَفُلَانٌ حَاضِرٌ وَحَتَّى أَدْخُلَ الدَّارَ، وَالدَّارُ قَرِيبَةُ الْمَكَانِ مِنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَلُقَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَلَمْ يُخَيَّرْ وَلَمْ يُنْتَظَرْ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ مُولِيًا مَا لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ رِوَايَةً ثَانِيَةً أَنَّهُ إذَا مَضَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ وُقِفَ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ قَالَ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ كَذَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إيلَاءً، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَهُ إيلَاءً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا وَطْأَةً رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ مُولٍ وَأَجَلُهُ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِوَطْئِهِ وَاحِدَةً مِنْهَا. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهُ لَا يَكُونُ إيلَاءً هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِيلَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مِنْ تَوْقِيفِ الزَّوْجِ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْإِيلَاءِ يَقَعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ حَلِفٌ، وَالْحَلِفُ هُوَ إيلَاءٌ بِكُلِّ حَالِفٍ مُولٍ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى الَّذِي يَلْزَمُهُ التَّوْقِيفُ هُوَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الْإِيلَاءُ الشَّرْعِيُّ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مُولٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِرَضَاعِ الْوَلَدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ الشَّرْعِيَّ تُعْتَبَرُ فِيهِ مَعَانٍ قَرَّرَهَا الشَّرْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ إنَّمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَنَعَ مِنْ إمْسَاكِ النِّسَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِضْرَارِ بِهِنَّ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وَيُعْرَفُ ذَلِكَ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَالْحَالِفُ لَا يَطَأُ حَتَّى يَفْطِمَ وَلَدَهُ؛ لِأَنَّ لِوَلَدِهِ مَنْفَعَةً فِي تَرْكِ وَطْءِ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْت أَنَّ فَارِسَ، وَالرُّومَ تَفْعَلُهُ» وَالْغِيلَةُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ تُرْضِعُ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ قَدْ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يُخَافُ ضَرَرُهُ، وَإِنَّمَا تَرَكَ النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ مِنْ التَّوْكِيدِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ تُرْضِعُهُ، لَوْ كَانَتْ لَا تُرْضِعُهُ، وَإِنَّمَا يُرْضِعُهُ غَيْرُهَا لَكَانَ عِنْدِي حُكْمُهَا حُكْمَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهَا، فَإِذَا كَانَ لِتَرْكِهِ الْوَطْءَ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَضَارِّ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ وَطْئِهَا مَرَضٌ أَوْ سِجْنٌ أَوْ مَانِعٌ يُعْلَمُ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَانِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَنَتَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ كَمَالَ الرَّضَاعِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَوْقِيفٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ يَمِينُهُ بِالضَّرَرِ إنْ مَاتَ ابْنُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَتَيْنِ أَوْ فُطِمَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ حَتَّى يَفْطِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ يَمِينُهُ بِالضَّرَرِ عَلَى وَجْهٍ، وَأَمَّا مَنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ بِيَمِينِهِ فَلَزِمَهُ التَّوْقِيفُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَوِزَانُ مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَطَأَ مَا دَامَ مَرِيضًا فَهَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ تَوْقِيفٌ كَمَا أَنَّ وَالِدَ الرَّضِيعِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ أَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ لِعِلْمِ إضْرَارِهِ بِيَمِينِهِ وَلَزِمَهُ التَّوْقِيفُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ وَتَكُونُ فَيْئَتُهُ بِالْقَوْلِ عِنْدَ التَّوْقِيفِ يُصَدِّقُ ذَلِكَ فَيْئَتُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الرَّضَاعِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ مَاتَ ابْنُهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ السَّنَتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ مَاتَ ابْنُهُ، فَإِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وُقِفَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ يَمِينَهُ تَنَاوَلَتْ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ فَاعْتَدَّ بِمُدَّةِ التَّرَبُّصِ لَهُ مِنْ يَوْمِ لَمْ يَبْقَ لِيَمِينِهِ وَجْهٌ غَيْرُ الضَّرَرِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَكَانَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ مِنْ يَوْمِ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِالضَّرَرِ وَكَانَ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْوَطْءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ وَطْءَ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُولِي وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتْرُكُ، وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حَتَّى يَطَأَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ يَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا فَلَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلُ تَرَبُّصٍ، وَالْمُولِي يَمْنَعُهُ الْيَمِينُ الَّتِي تَلْزَمُهُ فَضَرَبَ لَهُ أَجَلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَرَى وَيَتَسَبَّبَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي

[إيلاء العبد]

إيلَاءُ الْعَبْدِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ إيلَاءِ الْعَبْدِ فَقَالَ هُوَ نَحْوُ إيلَاءِ الْحُرِّ، وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَإِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَتْهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَرِيضِ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ يُوقَفُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فَاءَ بِلِسَانِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُفِيقَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ، وَالِدِ الْمُرْضِعِ أَنَّ وَالِدَ الْمُرْضِعِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ قَدْ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِهَا فَكَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَالْمَرِيضُ لَيْسَ لِمَرَضِهِ مُدَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ، فَإِذَا عَلَّقَ يَمِينَهُ بِمُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ قَصَدَ الْإِضْرَارَ. [إيلَاءُ الْعَبْدِ] (ش) : قَوْلُهُ إيلَاءُ الْعَبْدِ نَحْوُ إيلَاءِ الْحُرِّ، وَهُوَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ يُرِيدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ نَحْوُ إيلَاءِ الْحُرِّ فِي لُزُومِهِ حُكْمَ الْأَيْمَانِ وَاعْتِبَارِهِ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ، وَالتَّوْقِيفِ عِنْدَ انْقِضَائِهَا مَعَ بَقَاءِ الْيَمِينِ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إيلَاءَهُ تَعَلَّقَ بِالْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ عَارِيًّا عَنْ الْعُذْرِ، وَالْمَنْفَعَةِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ التَّرَبُّصِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إيلَاءُ الْعَبْدِ مِنْ الْأَمَةِ شَهْرَانِ وَمِنْ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إيلَاؤُهُ مِنْهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ الْبَيْنُونَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُسَاوِيَ فِيهِ الْحُرُّ الْعَبْدَ أَصْلُ ذَلِكَ الطَّلَاقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ آلَى الْعَبْدُ ثُمَّ عَتَقَ مَكَانَهُ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ إيلَاءِ الْعَبِيدِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ عَتَقَ بَعْدَ أَنْ لَزِمَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ زَنَى فِي حَالِ الرِّقِّ ثُمَّ أُعْتِقَ لَمْ يَنْتَقِلْ حَدُّهُ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ إلَى حَدِّ الْحُرِّ. [ظِهَارُ الْحُرِّ] 1 الظِّهَارُ هُوَ وَصْفُ الْمُظَاهِرِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأَنَّهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ وَلَهُ فِي الشَّرْعِ أَلْفَاظٌ وَأَحْكَامٌ تَخْتَصُّ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: الظِّهَارُ يَمِينٌ تُكَفَّرُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مُطْلَقَ الظِّهَارِ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ يَمِينًا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّهِ، وَالظِّهَارُ مُحَرَّمٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] فَفِي الْآيَةِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا إنْكَارُ مَا قَالُوا وَتَكْذِيبُهُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَزُورٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: وَمِنْ ظَاهَرَ أُدِّبَ لِقَوْلِهِ الْمُنْكَرَ وَأَلْزَمَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالظِّهَارُ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ مِنْ الزَّوْجَةِ، وَالْأَمَةِ وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْقُبْلَةِ، وَالنَّظَرِ، وَالْمُبَاشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُقَبِّلُ وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا يَلْمِسُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى صَدْرٍ وَلَا شَعْرٍ وَفِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَلَا إلَى شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْعُو إلَى خَيْرٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِي بَيْتٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُؤْمَنُ وَفِي التَّفْرِيعِ لِابْنِ الْجَلَّابِ لَا يُقَبِّلُ وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الرَّأْسِ، وَالْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ وَسَائِرِ الْأَطْرَافِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَالْوَطْءِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لِئَلَّا يَدْعُوَ إلَى الْجِمَاعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْمُتَظَاهِرِ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَيَنْظُرُ إلَى الصَّدْرِ، وَالشَّعْرِ، وَالْمَحَاسِنِ إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لِذَلِكَ كُلِّهِ كَالتَّغْيِيرِ فِي الْجِمَاعِ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ نَحْوُ كَرَاهِيَتِهِمْ الْقُبْلَةَ لِلشَّابِّ الصَّائِمِ، وَالْمُلَامَسَةَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ مَنَعَ الْوَطْءَ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمٍ حَادِثٍ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ

[باب ألفاظ الظهار]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِمْتَاعَ كُلَّهُ، وَاللَّذَّةَ بِقُبْلَةٍ وَغَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْإِحْرَامِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ مُنِعَ وَطْؤُهَا لِمَعْنًى لَيْسَ لِعِبَادَةٍ وَلَا يُفْضِي إلَى بَيْنُونَةٍ فَلَمْ يُمْنَعْ الِاسْتِمْتَاعُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَالْحَيْضِ، وَالْعِبَادَاتُ الَّتِي تَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إذَا اخْتَصَّتْ بِالزَّوْجَةِ، فَإِنَّمَا يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْهَا مَا يُفْسِدُ عَلَى الزَّوْجَةِ عِبَادَتَهَا وَلِذَلِكَ لَا يُمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَيْسَ فِي الظِّهَارِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لِئَلَّا يُحَرِّكَهُ إلَى مَوَاقِعِ الْمُحَرَّمِ مِنْ الْوَطْءِ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَنْظُرُ الْوَجْهَ، وَالْيَدَيْنِ، فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ لِغَيْرِ وَجْهِ الِاسْتِمْتَاعِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لَمَالِكٍ أَيَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا قَالَ نَعَمْ، وَغَيْرُهُ أَيْضًا قَدْ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِي شَهْرَيْ الصِّيَامِ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَطَعَ ذَلِكَ التَّتَابُعَ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ التَّتَابُعَ وَرَجَعَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الظِّهَارُ مُطْلَقًا فَتَحْرِيمُهُ مُطْلَقٌ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بَعْدَ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الظِّهَارِ مِنْ الْيَوْمِ وَهَلْ يَبْطُلُ بِانْقِضَاءِ الْيَوْمِ أَمْ لَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الْيَوْمِ حَتَّى يُكَفِّرَ كَالطَّلَاقِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يَطَؤُهَا دُونَ كَفَّارَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الظِّهَارِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُهُ كَإِطْلَاقِهِ كَالطَّلَاقِ. [بَاب أَلْفَاظ الظِّهَار] (بَابٌ فَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَأَصْلُهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: 2] ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَهَذَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ يَخْتَصُّ بِأَمْرَيْنِ بِالْأُمِّ، وَالظَّهْرِ، فَإِنْ عَدَلَ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعُدُولُ عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَلِّقَ التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْ الْأُمِّ غَيْرِ الظَّهْرِ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَهُ بِظَهْرِ غَيْرِ الْأُمِّ، وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِعُضْوٍ غَيْرِ الظَّهْرِ مِنْ امْرَأَةٍ غَيْرِ الْأُمِّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ يَقُولَ كَالْبَطْنِ أَوْ الْفَرْجِ أَوْ الْقَدَمِ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ الْعَضُدِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَكُونُ مُظَاهِرًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَنْ شَبَّهَ امْرَأَةً بِبَعْضِ أُمِّهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إلَّا بِتَشْبِيهِهِ بِالظَّهْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا فِي تَمْثِيلِهِ بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: إنَّهُ عُضْوٌ مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ أَثْبَتَ لِامْرَأَتِهِ حُكْمَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا كَالظَّهْرِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ أَثْبَتَ لِلْجُمْلَةِ حُكْمَ الْجُمْلَةِ فَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُظَاهِرٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ أُمِّي قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلَيْهِمَا إنْ لَمْ يَنْوِ الظِّهَارَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْبِرِّ، وَالْكَرَامَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ جُمْلَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِكْرَامِ، وَالْبِرِّ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ تَشْبِيهُ امْرَأَتِهِ بِأُمِّهِ دُونَ نِيَّةٍ تَصْرِفُ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا هَذَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي أَوْ مِثْلَ أُمِّي أَوْ كَظَهْرِ أُمِّي حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ نِيَّةً وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مُظَاهِرٌ إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ لَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا كَمَا لَوْ عَرَّاهُ عَنْ لَفْظِ التَّحْرِيمِ.

[باب من يظاهر منها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ) وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي إنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ مُظَاهِرٌ وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي أَنَّهَا الْبَتَّةُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ أَحْرَمُ مِنْ أُمِّي أَنَّهُ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَيَحْتَمِلُ الظِّهَارَ إلَّا أَنَّهُ فِي الظِّهَارِ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعْمَلَ تَشْبِيهَ الزَّوْجَةِ بِالْأُمِّ فِي الظِّهَارِ فَحُمِلَ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ، فَإِذَا عُدِمَتْ النِّيَّةُ حُمِلَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ يَقْتَضِي الطَّلَاقَ الْبَائِنَ، وَالتَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ يَقْتَضِي الظِّهَارَ، وَإِذَا تَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ التَّغْلِيظِ، وَالتَّخْفِيفِ حُمِلَ عَلَى أَشَدِّهِمَا كَمَنْ شَكَّ فِي طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْأُمِّ قَرَّرَ الشَّارِعُ بِهِ حُكْمَ الظِّهَارِ فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَابِهِ لَفْظُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالظِّهَارِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا قَصَدَ التَّحْرِيمَ فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بِالظِّهَارِ هَذَا الَّذِي احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِظَهْرِ غَيْرِ الْأُمِّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ فُلَانَةَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ بِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُظَاهِرٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَكُونُ طَلَاقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا ظِهَارًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ أَصْلُهُ إذَا قَالَ: كَظَهْرِ أُمِّهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالظِّهَارِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمٍ مُؤَبَّدٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِرَفْعِ عَقْدِ الِاسْتِبَاحَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِظَهْرِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِغَيْرِ الظَّهْرِ مِنْ غَيْرِ الْأُمِّ، وَذَلِكَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِعُضْوٍ غَيْرِ الظَّهْرِ فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ فُلَانَةَ أَوْ يَدِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ ظِهَارٌ فَحُكْمُهُ فِي الظِّهَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّةُ. [بَاب مِنْ يظاهر مِنْهَا] (بَابٌ) فَأَمَّا مَنْ يُظَاهِرُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الظِّهَارِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَطْؤُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ أَوْ مَا تَمْلِكُ يَمِينُهُ مِنْ أَمَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا فِي زَوْجَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالسُّرِّيَّةُ مِنْ النِّسَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ فَرْجٌ مُبَاحٌ لَهُ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الظِّهَارِ كَالزَّوْجَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَائِمَةً فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمَةِ شِقْصٌ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهَا ظِهَارٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لِنَقْصِ مِلْكِهِ فِيهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَكُلِّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مِنْ الْإِمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ ظِهَارُهُ بِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ظِهَارُ الْحُرِّ يُرِيدُ أَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا لِأَمْرِ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَأَمَّا الْمَالِكُ لِأَمْرِ نَفْسِهِ فَسَنُبَيِّنُ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ وَيَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ فَلَزِمَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلِيم الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَةً عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا فَقَالَا: إنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظِّهَارُ كَالْمَالِكِ لِأَمْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الذِّمِّيُّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخَصِيُّ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْعِنِّينُ، وَالشَّيْخُ الْفَانِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يَلْزَمُهُمْ ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ مَعْنَاهُ وَلَا يَرْجُوهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ لَا يُحَرِّمُ الِاسْتِمْتَاعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الظِّهَارَ يُحَرِّمُ الِاسْتِمْتَاعَ كَمَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ، وَهُوَ مُمْكِنٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُمْ الظِّهَارُ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرِّمٍ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ لِئَلَّا يَكُونَ دَاعِيَةً إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَلَا الْخَصِيِّ وَلَا الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْإِيلَاءُ، فَإِنَّمَا يُسْقِطُ عَنْهُمْ حُكْمَ التَّوْقِيفِ لِلْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ عَلَيْهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهَا وَلَا تَرْكُهَا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَوْ تَحَامَلَ وَجَامَعَ لَحَنِثَ فِي إيلَائِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا السَّكْرَانُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فَكَذَلِكَ الظِّهَارُ عِنْدِي قَالَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ وَلَا الصَّبِيَّ ظِهَارٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الَّذِي يُفِيقُ مِنْ سُكْرِهِ فَتَقُولُ لَهُ امْرَأَتُهُ: تَظَاهَرْت مِنِّي حَالَ سُكْرِك فَيَقُولُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ لَا يُقَرُّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ. (ش) : قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَةً إنْ تَزَوَّجَهَا فَجَاوَبَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الظِّهَارِ يَقْتَضِي لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ، وَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ عَلَى حَسَبِ مَا جَاوَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الظِّهَارُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : سُؤَالُهُ عَنْ رَجُلٍ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا يُرِيدُ قَالَ لَهَا: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهَذِهِ الَّتِي يَلْزَمُهُ التَّظَاهُرُ مِنْهَا إنْ تَزَوَّجَهَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يُضِفْ ذَلِكَ إلَى تَزَوُّجِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ قَدْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَلَا ظِهَارَ عَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَضَافَ الظِّهَارَ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ إذَا وُجِدَتْ الزَّوْجِيَّةُ أَصْلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ذَكَرَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَقَالَ هِيَ أُمِّي فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ فَعَلْت ذَلِكَ فَهِيَ أُمِّي، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ يَصِفَهَا بِالْكِبَرِ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ ظِهَارٌ وَلَا غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنْ نَكَحَهَا فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ يُرِيدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمَّا وُجِدَتْ مِنْهُ الْعَوْدَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْكَفَّارَةِ.

[كفارة الظهار]

ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّهُ مُتَظَاهِرٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَيُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَاحِدَةٌ وَظِهَارَهُ وَاحِدٌ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً: لَا أَلْبَسُ الثَّوْبَ وَلَا آكُلُ الْخُبْزَ وَلَا أَدْخُلُ الدَّارَ ثُمَّ حَنِثَ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْنَثَ فِي إحْدَاهُنَّ دُونَ الْأُخْرَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَقَدْ حَنِثَ فِي جَمِيعِهِنَّ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يُكَفِّرَ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَسِيسِ، فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الظِّهَارِ وَجَازَ أَنْ يَطَأَ سَائِرَهُنَّ دُونَ كَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِكَفَّارَتِهِ إلَّا الْأُولَى قَالَهُ كُلَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِهَا غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلَفْظِ ظِهَارٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَيَقُولُ لِإِحْدَاهُنَّ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ يَقُولُ لِلْأُخْرَى: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ قَالَ لِلثَّالِثَةِ كَذَلِكَ وَيَقُولُ لِلرَّابِعَةِ كَذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ بِالْعَوْدَةِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الثَّوْبَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَحَنِثَ لَزِمَتْهُ بِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِظِهَارٍ يَخُصُّهَا لَا يَحْصُلُ بِهِ حَانِثًا فِي الْأُخْرَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ إنْ دَخَلْنَ كُلُّهُنَّ الدَّارَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِهِنَّ إلَّا كَفَّارَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِحُكْمِ نَفْسِهَا وَلِذَلِكَ إنْ دَخَلَتْ إحْدَاهُنَّ الدَّارَ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا فِي غَيْرِهَا وَيَكُونُ مُظَاهِرًا فِي الَّتِي دَخَلَتْ خَاصَّةً فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِظِهَارٍ يَخُصُّهَا، وَإِذَا كَانَ الظِّهَارُ يَخُصُّهَا لَزِمَتْ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا قَالَ لَهُنَّ: إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ إنْ دَخَلَتْ إحْدَاهُنَّ الدَّارَ ثَبَتَ حُكْمُ ظِهَارِهِ مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الظِّهَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى يَدْخُلَ جَمِيعُهُنَّ فَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنْ لَا يَنْفَرِدَ دُخُولُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِظِهَارٍ يَخُصُّهَا دُونَ غَيْرِهَا فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فِي جَمِيعِهِنَّ، وَالْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ لَا يَجِبُ بِهَا غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَوْلِهِ مَنْ تَزَوَّجْت مِنْكُنَّ، وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْبَابَ كُلَّهُ بَابٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كَفَّارَة الظِّهَار] (ش) : قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] يَقْتَضِي أَنَّ الرَّقَبَةَ تُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَهَا صِفَاتُ الْإِسْلَامِ، وَالسَّلَامَةِ فَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِي فِي كَفَّارَةٍ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُجْزِي خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ رَقَبَةٌ مُخْرَجَةٌ عَلَى وَجْهِ الْكَفَّارَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْإِيمَانُ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَيُجْزِي فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ، وَالْأَعْجَمِيُّ عَلَى حَسَبِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ مَنْفُوسًا فَلَمَّا كَبُرَ وُجِدَ أَخْرَسَ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَبْكَمَ أَوْ مُطْبَقًا جُنُونًا فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَدْ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَحْدُثُ وَكَذَلِكَ فِي الْمَبِيعِ لَا يُرَدُّ بِهَذَا الْعَيْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِئُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ عِتْقٌ لِغَيْرِ الظِّهَارِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الظِّهَارُ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ وَبِذَلِكَ يُخَالِفُ مَنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُجْزِئُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهِ عَقْدُ عِتْقٍ لَازِمٍ لِغَيْرِ الظِّهَارِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهِ عِتْقٌ إلَّا لِلظِّهَارِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْتَرِي عَبْدًا وَنِيَّتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِلظِّهَارِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ تُعْطِي زَوْجَهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ أَوْ ثَمَنِهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عِتْقَهُ لِلظِّهَارِ مَنْ يَمْلِكُهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَثْبَتَ فِيهِ الْعِتْقَ دُونَ الْمُظَاهِرِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَثْبَتَ فِيهِ عِتْقَ الظِّهَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ ظِهَارِهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَمْلِكُ نِصْفَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُجْزِئُهُ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْعِتْقِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي إنَّمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، فَإِنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عِتْقُهُ وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ أَجْزَأَهُ عَنْ ظِهَارِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ الثَّانِيَ وَقَعَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْعِتْقَ عَنْ ظِهَارِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ فَلَمْ يُجْزِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ عِتْقٌ عَنْ جَمِيعِهِ لِيَمِينٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ عَنْ ذَلِكَ الظِّهَارِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ أَصْبَغَ لَا يُجْزِئُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَبْعِيضِهِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يُعْتَقَ الْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِهِ إنْ أَبَاهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَبْعِيضُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ الثَّانِيَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالسَّنَةِ وَلَيْسَ عِتْقُهُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ عَبْدًا بِغَيْرِ عِلْمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُجْزِي عَنْ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ بِسُؤَالِهِ وَرَغْبَتِهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَعْنًى تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمَالُ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ هُوَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ لَمْ يُجْزِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ مَلَّكَ الْوَاهِبَ أَوْ الْبَائِعَ الْعِتْقَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَزِمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إيقَاعُهُ بِالشَّرْطِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ عَنْهُ أَوْ وَهَبَهُمْ إيَّاهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ لَمْ يُجْزِهِ وَاَلَّذِي أَنْفَذَ عِتْقَهُ عَلَى الْعِتْقِ عَنْهُ عَتَقَهُ وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ الْمَيِّتِ. وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ تُعْطِي زَوْجَهَا الرَّقَبَةَ يُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ أَوْ ثَمَنَ الرَّقَبَةِ إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَجْزَأَهُ، وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَوَاهُ فِي الْمُزَنِيَّة عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: يُجْزِئُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنَّهُ قَالَ يُجْزِئُهُ إنْ لَمْ يَدْفَعْ فِي ثَمَنِهِ شَيْئًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ: يُرِيدُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ عِتْقٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يُجْزِئُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ فِيهِ ثَمَنًا، وَالثَّانِي: أَنْ يَرْضَى الْمُعْتَقُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ إذَا بَلَغَهُ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: لَا يُجْزِئُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ الْعِتْقِ لِلظِّهَارِ مَعْدُومَةٌ وَلَمْ تَتَعَقَّبْهَا إجَازَةٌ، وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ وَفِي ذَلِكَ شَرْطٌ ثَالِثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْعَوْدَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُرَاعِيَ الْعَوْدَةَ، وَإِنَّمَا يُرَاعِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّلَامَةُ، فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِجِنْسٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الرَّقِيقِ وَلَا ذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} [المجادلة: 4] الْوُجُودُ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ رَقَبَةً أَوْ ثَمَنَهَا أَوْ مَا قِيمَتُهُ قَدْرُ ثَمَنِهَا مِنْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا أَمَةٌ ظَاهَرَ مِنْهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ يَمْلِكُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يَشْتَرِي بِهِ رَقَبَةً أَوْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا ثَمَنُهَا قِيمَتُهُ رَقَبَةٍ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِرَقَبَةٍ مَعْنَاهُ مُجْزِئَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : ، وَالْمُظَاهِرُ الْمُوسِرُ يُمْكِنُهُ الْعِتْقُ فَلَا يُعْتِقُ حَتَّى يَعْدَمَ فَيَصُومَ ثُمَّ يَيْسَرَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ يُعْتِقُ، وَهَذَا عِنْدِي عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ لَمَّا يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ الْأَدَاءِ دُونَ يَوْمِ الْوُجُوبِ، وَكَذَلِكَ مَنْ ضَيَّعَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا حَالَ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ أَدَّاهَا جَالِسًا ثُمَّ إنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا قَائِمًا وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّطَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ إمْكَانِ أَدَائِهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ قَضَاهَا بِالتَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا ثَانِيًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ تَعَلَّقَتْ الرَّقَبَةُ بِذِمَّتِهِ فَلَمَّا أَعْسَرَ قَبْلَ الْعِتْقِ أُمِرَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مَا يُمْكِنُهُ بِشَرْطِ إنْ أَيْسَرَ بِالرَّقَبَةِ الَّتِي قَدْ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ كَانَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَحُكْمُ الْأَمْوَالِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ حُكْمِ الْأَعْمَالِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ وَطِئَ فَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْعِتْقِ لِيُسْرِهِ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى أَعْسَرَ فَصَامَ فَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى أَعْسَرَ فَصَامَ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْعِتْقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَدَأَ بِالصِّيَامِ لِعُسْرِهِ وَعَدَمِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْحَالِفِ، وَالْمُمْتَنِعِ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ أَيْسَرَ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَسْتَاءَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظِّهَارِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَسَوَّى عَبْدُ الْمَلِكِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ إذَا مَضَى لَهُ الْيَوْمُ، وَالْيَوْمَانِ أَحْبَبْت لَهُ الرُّجُوعَ فِي التَّمَتُّعِ، وَالْكَفَّارَةِ، وَمَعْنَى مَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ تَفْرِيقِ مَالِكٍ بَيْنَ الظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ مَا رَوَى زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً عَنْ ظِهَارِهِ فَصَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً، فَإِنَّهُ يُعْتِقُ، وَلَوْ صَامَ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَ أَوْ أَيَّامًا لَهَا اسْمٌ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ صِيَامَهُ وَلَا يُعْتِقُ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ إذَا صَامَ يَوْمَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الزَّاهِي يَوْمًا ثُمَّ أَفَادَ مَالًا قَالَ يَمْضِي وَيُجْزِئُهُ وَيُعْتِقُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] ، فَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّوْمِ، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلرَّقَبَةِ مَضَى فِي صَوْمِهِ وَأَجْزَأَهُ كَالْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا تَلْزَمُهُ الْعَوْدَةُ إلَى الْعِتْقِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ إذَا رَأَتْ الْحَيْضَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَمْ تَبْطُلْ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ بِمَا مَضَى قَرَأَ، وَالْوَاجِدُ لِلرَّقَبَةِ لَوْ أَعْتَقَ لَبَطَلَ مَا تَلَبَّسَ بِهِ مِنْ صَوْمِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ صَامَ عَنْ ظِهَارِهِ لِعَدَمِ الرَّقَبَةِ فَأَفْسَدَ صَوْمَهُ بِوَطْءِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ وَجَدَ رَقَبَةً حِينَ أُفْسِدَ صَوْمُهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِهِ يَوْمَ الْأَدَاءِ، وَهَذَا لَمَّا أَبْطَلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَوْمِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ كَانَ هَذَا وَقْتَ أَدَائِهِ فَلَمَّا كَانَ غَنِيًّا حِينَ ابْتِدَاءِ الْأَدَاءِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ حُرٌّ ثُمَّ لَزِمَهُ ظِهَارٌ، وَهُوَ مُوسِرٌ، فَإِنْ صَبَرَتْ امْرَأَتُهُ هَذِهِ الْعَشْرَ سِنِينَ فَلَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصُومُ، وَإِنْ لَمْ تَصْبِرْ وَقَامَتْ بِهِ فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الصِّيَامُ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَفِي هَذَا حُكْمَانِ: أَحَدُهُمَا التَّتَابُعُ، وَالثَّانِي خُلُوُّ الشَّهْرَيْنِ مِنْ مُجَامَعَةِ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَتَقَدُّمُهَا عَلَى ذَلِكَ فَأَمَّا التَّتَابُعُ فَإِنْ يَتَّصِلْ صِيَامُهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِطْرٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ أَفْطَرَ فِي سَفَرِهِ فِي صِيَامِ تَظَاهُرَ ابْتَدَأَ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ بَنَى إذَا صَحَّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْفِطْرُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَخْفِيفِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ، وَالتَّتَابُعُ مِنْ بَابِ الْمَشَقَّةِ، وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ، فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِعَجْزِهِ عَنْ الصِّيَامِ كَالْحَائِضِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ مَرِيضًا ابْتَدَأَ الصِّيَامَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَبْطُلْ التَّتَابُعُ كَالِاحْتِلَامِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ جَامَعَ فِي صِيَامِ ظِهَارِهِ نَاسِيًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ، وَأَمَّا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُ زَمَنٌ يَمْنَعُ الصَّوْمَ بِالشَّرْعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُجَامَعَةِ فَهُوَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَمَامَ صَوْمِهِمَا قَبْلَ الْمُلَامَسَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا لِشَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، وَإِنْ جَامَعَ فِي أَثْنَاءِ صَوْمِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ غَيْرَهَا نَهَارًا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ، وَالْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ إنْ وَطِئَهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صِيَامُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] فَجَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الصِّيَامِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ الَّذِي بِهِ يَتَخَلَّصُ مِنْ حُكْمِ الظِّهَارِ فَمَنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ فَلَمْ يَأْتِ بِصِيَامِ الشَّهْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَاسَّا فَلَمْ يَبْرَأْ بِذَلِكَ مِنْ صَوْمِ الظِّهَارِ كَالْوَاخِذِ بِالْعَدَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ شَرَعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ تَمَامِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْكَفَّارَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى إتْمَامِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الْكَفَّارَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ التَّمَادِي بَعْدَ أَنْ بَانَتْ مِنْهُ إذَا ابْتَدَأَ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَى إمْسَاكِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَتَى بِالْكَفَّارَةِ فِي وَقْتٍ لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ فَلَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ بِهَا، فَإِذَا ابْتَدَأَهَا فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ التَّكْفِيرُ لَمْ يَمْنَعْ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الصِّيَامَ مُعْسِرًا ثُمَّ أَيْسَرَ، وَهَذَا عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَاحْتِجَاجِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْتَجِعَ ثُمَّ يُكَفِّرَ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَ وَقَبْلَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهَذَا إذَا صَامَ أَوْ أَطْعَمَ فِي الْعِدَّةِ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَتَمَادَى عَلَى صِيَامِهِ فَقَدْ رَوَى فِي الْمُزَنِيَّة مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ أَتَمَّ صِيَامَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ صَامَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الصِّيَامَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ بِصِيَامٍ، فَإِنْ كَانَتْ بِإِطْعَامٍ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ إتْمَامِهَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تَبْطُلُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا يَوْمًا مَا اسْتَأْنَفَ الْإِطْعَامَ كُلَّهُ وَقَالَ أَصْبَغُ يَبْنِي عَلَى الْإِطْعَامِ وَيَبْتَدِئُ الصِّيَامَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ يُبْطِلُهَا تَخَلُّلُ الْوَطْءِ فَأَبْطَلَهَا تَخَلُّلُ الْبَيْنُونَةِ كَالصِّيَامِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْإِطْعَامَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ التَّتَابُعُ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ الصِّيَامِ. 1 - (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] يَقْتَضِي أَنَّ جَوَازَ الْإِطْعَامِ مُرَتَّبٌ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجْزِ عَنْ الصِّيَامِ وَعَدَمِ الرَّقَبَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَنْ هَذَا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي الشَّيْخُ الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ ضَعْفٍ فَلَوْ أَطْعَمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يُجْزِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، فَإِنَّمَا نَقَلَ إلَى الْإِطْعَامِ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي يُجْزِئُهُ مَنْ فِي الْجِنْسِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْقَدْرُ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إلَى عَدَدِ مَنْ يُطْعِمُ، وَالثَّانِي إلَى قَدْرِ مَا يُطْعِمُ فَأَمَّا عَدَدُ مَنْ يُطْعِمُ فَهُمْ سِتُّونَ مِسْكِينًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، وَلَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْعَدَدَ وَلْيُطْعِمْ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مَا يُجْزِئُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيُجْزِئُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُفْتِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِمُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَيَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ مُدُّ هِشَامٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا لَمَّا كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بَيْنَ النَّاسِ يَبِينُ بِهِ مِقْدَارُ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ، وَالتَّفْسِيرِ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ فِي بَلَدِهِ يُجْزِئُك مِنْ هَذَا الْمُدِّ كَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِقْدَارًا فِي نَفْسِهِ أَنْكَرَهُ وَكَرِهَهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ قُلْنَا بِتَقْدِيرِهِ بِالْمُدِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُدِّ هِشَامٍ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ مُدَّ هِشَامٍ الَّذِي جَعَلَهُ لِفَرْضِ الزَّوْجَةِ فِيهِ مُدٌّ وَثُلُثٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مُدَّانِ إلَّا ثُلُثٌ وَرَوَى الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى أَنَّهُ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَ بْنَ عِيسَى مَدَنِيٌّ فَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ لِطُولِ مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ مَعَ ضَبْطِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا الْمُدَّ مَوْجُودٌ إلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ كَيْلُ السَّرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَهُوَ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ فَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَبَاشَرْته وَحَقَّقْته وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُطْعِمُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَنْ كُلِّ مِسْكِينٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِقَدْرِ مَا يُطْعِمُ أَوْسَطَ عِيَالِهِ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ، وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَيْضًا شِبَعُهُ فِي الْيَوْمِ، وَاللَّيْلَةِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يُعْطِيهِمْ حِنْطَةً فِي كِلَا الْكَفَّارَتَيْنِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَى مَالِكٍ لَوْ أَعْطَاهُمْ، فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُ يُطْعِمُهُمْ خُبْزًا وَإِدَامًا، وَهَذَا يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيمَا يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُزَادَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيَبْلُغَ الْمُدَّيْنِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَمَّا الظِّهَارُ فَمُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ أَوْ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّيْنِ مُدَّيْنِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُدَّيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنْ أَوْسَطِ فَأَفْضَلُ الشِّبَعِ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ وَاَلَّذِي بَيْنَهُمَا يَسِيرُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قَالَ مَالِكٌ الْوَسَطُ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا بِالْبُلْدَانِ الَّتِي يُكَفَّرُ فِيهَا بِالْحِنْطَةِ فَالْوَسَطُ مِنْ الشِّبَعِ غَدَاءٌ وَعِشَاءٌ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِهِ بِمُدَيَّنِ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إطْعَامٌ لَمْ يَجِبْ بِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالصَّوْمِ وَلِأَنَّهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَكَانَ الْإِطْعَامُ فِيهِ بِنَفْسِ الصَّاعِ كَفِدْيَةِ الْأَذَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا وَرَدَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ مَوْضُوعٌ لِتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ الْمُوَسَّعَاتِ أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ لِيَرَى قَدْرَ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ لِقَلِيلِ الذِّمَّةِ وَمُرْتَكِبِ الْمَحْظُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : وَهَذَا لِمَنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ قُوتَهُ فَأَمَّا الشَّعِيرُ لِمَنْ أَجْزَأَهُ إخْرَاجُهُ أَوْ التَّمْرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَرَى أَنْ يُطْعِمَ فِي الظِّهَارِ مِنْ الشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ عِدْلَ شِبَعِ مُدِّ هِشَامٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْأَظْهَرُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ أَوْ مُدَّانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ مَكِيلَةِ الْقَمْحِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ صَامَ عَنْ ظِهَارِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً فَمَرِضَ فِي أَثْنَاءِ الصِّيَامِ فَقَدْ رَوَى زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَرَضُهُ مِمَّا لَا يَطْمَعُ بِالْبُرْءِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ انْتَظَرَ أَنْ يَبْرَأَ أَوْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ صَامَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ طَالَ مَرَضُهُ وَاحْتَاجَ إلَى امْرَأَتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ، وَإِنْ رَجَا الْبُرْءَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَرْجُو الْبُرْءَ مِنْهُ انْتَظَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي اسْتِدَامَةِ الصَّوْمِ كَالْحَيْضِ يَعْرِضُ لِلْمَرْأَةِ فِي شَهْرَيْ التَّتَابُعِ فَلَا يُجْزِئُهُ الْإِطْعَامُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ فَكَانَ فَرْضُهُ الْإِطْعَامَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: إنْ حَصَلَتْ لَهُ الْمَشَقَّةُ بِالْحَاجَةِ إلَى أَهْلِهِ مَعَ طُولِ الْمَرَضِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْإِطْعَامِ كَالْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ ذِكْرٌ لِلْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بَلَى ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الْإِطْعَامِ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ: وَإِنْ كَسَا وَأَطْعَمَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِهِ: أَسَدُّ وَقَالَ فِي الْمَجَالِسِ تُجْزِئُهُ وَأَظُنُّهُ قَوْلَ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُجْزِئُهُ وَأَخْرَجَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَطْعَمَ عَنْ وَاحِدَةٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكَسَا عَنْ أُخْرَى سِتِّينَ مِسْكِينًا ثُمَّ وَجَدَ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَ عَنْ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَقَبَةِ الرَّابِعَةِ فَلْيُطْعِمْ أَوْ يَكْسُ وَيُجْزِئُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: اُنْظُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْكِسْوَةِ مَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْته عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لِيَكُونَ أَقْوَى فِي الْمَذْهَبِ فَتَحَقَّقَ بِهَذَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الظِّهَارِ تَتَنَوَّعُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ: عِتْقٌ وَصِيَامٌ وَإِطْعَامٌ وَكِسْوَةٌ وَكَأَنَّهُ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَيَحْتَمِلُ هَذَا عِنْدِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الْكَفَّارَاتِ فَيُخْرِجُ الْكِسْوَةَ عَنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُرَاعَى قَدْرُ الْكِسْوَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ لَمَّا نَابَتْ عَنْ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ نَابَتْ هَاهُنَا عَنْهُ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ نَابَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَبِعَدَدٍ مُخَالِفٍ فَاخْتَصَّتْ الْكِسْوَةُ بِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْإِطْعَامِ وَقَلَّ مَنْ يَقُولُ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِي أَثْنَاءِ إطْعَامِهِ وَمِنْ شَرْطِ إطْعَامِهِ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ عَنْ ظِهَارٍ فَكَانَ حُكْمُهَا أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْوَطْءِ كَالْعِتْقِ، وَالصَّوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ وَطِئَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْعَامِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ إطْعَامٍ آخَرَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَقْدِيمِ جَمِيعِهِ عَلَى الْوَطْءِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَهُ وَطْءٌ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجَالِسَ شَتَّى لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِ النِّيَّةِ دُونَ تَقْيِيدِهَا بِالتَّكْرَارِ مَعَ كَوْنِ الظِّهَارِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ، وَنَوَى تَأْكِيدَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَكْرَارَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ تَكَرَّرَتْ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَانَ إطْلَاقُهَا يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَوَى بِالْقَوْلِ الثَّانِي كَفَّارَةً ثَانِيَةً فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى بِالْوَطْءِ، فَإِنْ وَطِئَ ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْحِنْثُ بِالْوَطْءِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ ظِهَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظِهَارَ مُبْتَدِئٍ لَهُ حُكْمُهُ كَاَلَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ مِرَارًا ثُمَّ يَدْخُلَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا فَحَنِثَ بِدُخُولِهَا ثُمَّ حَلَفَ مَرَّةً أُخْرَى أَنْ لَا يَدْخُلَهَا كَانَتْ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى يَجِبُ فِيهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ غَيْرُ مَا يَجِبُ بِالْأُولَى. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّ تَكْرَارَ الظِّهَارِ بِمَعْنَى تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ يُوجِبُ تَقَدُّمَ ذَلِكَ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، فَإِنْ أَدَّى كَفَّارَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ كَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ جَمِيعَ الْكَفَّارَاتِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ إذَا كَفَّرَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ أَجْلِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ كَانَ مُولِيًا مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْكَفَّارَاتِ نَذْرٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ عَنْ ظِهَارِهِ فَلَمْ يُتِمَّهَا حَتَّى ظَاهَرَ مَرَّةً أُخْرَى فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَبْتَدِئُ الْكَفَّارَةَ مِنْ الظِّهَارِ الثَّانِي وَيُجْزِئُهُ وَقِيلَ بَلْ يُتِمُّ الْأَوَّلَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ إذَا بَقِيَ الْيَسِيرُ مِنْهَا، وَأَمَّا إنْ مَضَى يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَيَبْتَدِئُ وَيُجْزِئُهُ لَهُمَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ الْآنَ سَوَاءٌ صَامَ مِنْ الْأُولَى يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَجْهُ قَوْلِنَا بِالْإِجْزَاءِ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحِنْثِ، فَإِذَا ظَاهَرَ مِنْهَا وَشَرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ ثَانِيًا مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ سَقَطَ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَثَبَتَ الثَّانِي وَتُفَارِقُ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ بِأَنَّ كَفَّارَتَهَا إذَا شَرَعَ فِيهَا بَعْدَ الْحِنْثِ لَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُهَا، فَإِذَا كُرِّرَتْ يَمِينٌ أُخْرَى كَانَ لَهَا حُكْمُهَا كَالْأُولَى، وَلَوْ لَزِمَتْ فِي الظِّهَارِ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى فَحَنِثَ ثُمَّ ظَاهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ظِهَارًا آخَرَ لَكَانَتْ فِيهِ كَفَّارَتَانِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَحَنِثَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَفِي هَذَا كَفَّارَتَانِ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَوَزَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْيَمِينِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ عَلَى رِوَايَةِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الصِّيَامِ فَيَحْلِفَ فِي ذَلِكَ ثَانِيَةً ثُمَّ يُرِيدَ أَنْ يُكَفِّرَ، فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْتَدِئُهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ شَرَعَ فِي تَكْرِيرِهَا: فَإِذَا كُرِّرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا يَمِينٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَمَا لَوْ نَوَى بِيَمِينِهِ الثَّانِيَةِ كَفَّارَةً ثَانِيَةً، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْقَوْلَانِ عِنْدِي مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْعَوْدَةِ أَوْ عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّةِ الظِّهَارِ لِلْعَوْدَةِ، فَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ بِالْعَوْدَةِ، فَإِنَّهُ إذَا ظَاهَرَ مَرَّةً أُخْرَى لَزِمَهُ إتْمَامُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْعَوْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْكَفَّارَةَ الثَّانِيَةَ، إذَا قُلْنَا: لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالْعَوْدَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا مَتَى شَاءَ، فَإِذَا ظَاهَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ الْكَفَّارَةَ الْأُولَى وَتَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتَى بِلَفْظِ الظِّهَارِ دُونَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ رَأَيْت نَحْوَهُ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ تَظَاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ تَظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَاهَرَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ الْكَفَّارَةَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِذَلِكَ الظِّهَارِ مِنْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ عَمَّا يَأْتِي بَعْدَهَا مِنْ الْأَيْمَانِ، وَإِنَّمَا هِيَ كَفَّارَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ: مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَسَّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْظُورٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] لَكِنَّهُ مَنْ اجْتَرَأَ وَوَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ ظِهَارَهُ وَاحِدٌ فَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لَكِنْ مِنْ حُكْمِهَا تَقَدُّمُهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَإِذَا وُجِدَ الْوَطْءُ قَبْلَهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ وَلَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ التَّظَاهُرِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: حَالَةٌ لَا تُجْزِئُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ، وَهِيَ قَبْلَ الْعَوْدَةِ فَمَنْ كَفَّرَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالظِّهَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالنَّسَبِ سَوَاءٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَئِذٍ فَهَلْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَتُهُ تِلْكَ أَمْ لَا رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ يُكَفِّرُ بَعْدَ نِيَّةِ الْعَوْدَةِ لَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَقُولَ: إنْ رَاجَعْتهَا حَلَّتْ لِي بِغَيْرِ ظِهَارٍ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْوِيَ الْعَوْدَةَ قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدَةِ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَدْ رَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُرَاعِي الْعَوْدَةَ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْعَوْدَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا الْحَالِفُ بِالظِّهَارِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا لَا يُقَدِّمُ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بِطَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ فَإِنَّ لَهُ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ، وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ عَلَى حِنْثٍ وَمِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهُ الَّذِي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا وُجِدَتْ الْعَوْدَةُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ الْوَطْءُ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْزِئَةٌ وَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: لَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا لَسَقَطَ عَنْهُ بَاقِيهَا إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَتَثْبُتُ الْكَفَّارَةُ ثَانِيَةً وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْعَوْدَةِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنِيهِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا حَالَةٌ يَتَقَرَّرُ فِيهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَتَى الْمَحْظُورَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَدِيمَهُ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَيَحُولُ السُّلْطَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيُؤَدِّبُهُ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَرَادَ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ الْمَزْجُورِ عَنْهُ فَوَجَبَ رَدْعُهُ عَنْهُ بِالْأَدَبِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكُونُ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا بِالْإِذْنِ إذَا أَمِنَتْ نَاحِيَتَهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الظِّهَارَ لَازِمٌ مِنْ جَمِيعِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ مَنْ ظَاهَرَ؛ لِأَنَّهُنَّ مِمَّنْ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْبِيدُ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ صِهْرٍ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ رَجُلٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ ظِهَارٌ رَوَاهُ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَأَشَدُّ تَحْرِيمًا فَلَزِمَهُ الظِّهَارُ كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ بَهِيمَةٍ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَبَعْضِ مَنْ حَرَّمَ الْقُرْآنُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ مِنْ إمَائِهِ وَأَزْوَاجِهِ فَلَيْسَ بِمُظَاهِرٍ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا شَبَّهَهَا بِمُبَاحَةٍ فَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْإِبَاحَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُنَّ أَنْ يُظَاهِرْنَ مِنْ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ إلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ إلَى الْأَزْوَاجِ كَالطَّلَاقِ، وَلَوْ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ، وَأَصْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالرِّجَالِ فِي نِسَائِهِمْ وَبِاَللَّهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] قَالَ: سَمِعْت أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ أَنْ يَتَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ يُجْمِعَ عَلَى إمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا، فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] قَالَ مَالِكٌ النِّسَاءُ وَاقِعٌ عَلَى الْإِمَاءِ الْحَرَائِرِ، وَالْإِمَاءِ الزَّوْجَاتِ، وَالسَّرَارِي وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الزَّوْجَاتِ، وَالسَّرَارِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] قَالَ مَالِكٌ: إنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ يَعْنِي الْعَوْدَةَ أَنْ يُجْمِعَ بَعْدَ الظِّهَارِ عَلَى إمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ بِمَاذَا تَتَعَلَّقُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَمُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ: وُجُودُ الظِّهَارِ، وَالْعَوْدَةُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ: تَجِبُ بِنَفْسِ الظِّهَارِ دُونَ شَرْطٍ آخَرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَعَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ، وَالْعَوْدَةِ فَمَنْ قَالَ: إنَّمَا تَجِبُ بِنَفْسِ الظِّهَارِ دُونَ الْعَوْدَةِ فَقَدْ خَالَفَا النَّصَّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ عَلَى صِفَتَيْنِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي ثُبُوتِهِ كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَسْلَمَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَصْفَيْنِ شَرْطَانِ فِي وُجُوبِ الْجَلْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَوْدَةَ شَرْطٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَالظِّهَارِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مَا هِيَ وَلِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْعَزْمُ عَلَى إمْسَاكِهَا، وَالثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُوَطَّأِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ هَذَا أَنَّ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَزْمِ عَلَيْهِ عَوْدَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهُمَا عِنْدِي رَاجِعَانِ إلَى مَعْنَى الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ فَقَدْ عَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا إلَى أَنْ يَطَأَ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْإِمْسَاكِ أَنْ يَنْوِيَ إمْسَاكَهَا أَبَدًا بَلْ لَوْ عَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا سَنَةً لَكَانَ عَازِمًا عَلَى الْإِمْسَاكِ، وَأَمَّا الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ وَغَيْرُهُ رِوَايَةً أُخْرَى: أَنَّ الْعَزْمَ هُوَ نَفْسُ الْوَطْءِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَطَاوُسٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الزَّمَانِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فِيهَا إيقَاعُ الطَّلَاقِ فَلَا يُوقِعُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَثُمَّ تَقْتَضِي الْمُهْلَةَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَوْدَةَ تَكُونُ بَعْدَ إيقَاعِ الظِّهَارِ بِمُهْلَةٍ. وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْعَوْدَةُ مِنْ فِعْلِ الْمُظَاهِرِ، إمَّا عَزْمٌ وَإِمَّا غَيْرُهُ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَتَرْكِ طَلَاقٍ فَهُوَ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَجَازَ أَنْ يَتَأَخَّرَ وُجُوبُهَا عَنْ الْيَمِينِ أَصْلُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْعَوْدَةَ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَذَهَبَ دَاوُد إلَى أَنَّ الْعَوْدَةَ هِيَ إعَادَةُ لَفْظِ الظِّهَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَيْمَانِ بِمُخَالَفَةِ الْيَمِينِ وَمَنْ ظَاهَرَ اقْتَضَى ظِهَارُهُ تَحْرِيمَ زَوْجَتِهِ، فَإِذَا أَرَادَ اسْتِبَاحَتَهَا فَقَدْ عَادَ فِيمَا تَرَكَ وَرَجَعَ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَرُمَ وَفِي مِثْلِ هَذَا يُقَالُ عَادَ فُلَانٌ لِكَذَا وَإِلَى كَذَا إذَا كَانَ قَدْ تَرَكَهُ وَحَرَّمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ عَادَ فُلَانٌ لِشُرْبِ الْخَمْرِ إذَا كَانَ قَدْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ التَّلَفُّظُ بِالظِّهَارِ ثَانِيًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لَأَوْجَبَهَا الْأَوَّلُ فَلَمَّا لَمْ يُوجِبْهُ الْأَوَّلُ لَمْ يُوجِبْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ أَمَتِهِ إنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْفَيْئَةِ هَاهُنَا إعَادَةُ الْإِيلَاءِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْعَوْدَةِ إعَادَةُ الظِّهَارِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ: تَقْدِيرُهُ وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِمَا قَالُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ أَجْلِ مَا قَالُوا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا بِنَفْسِ الْعَزْمِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ وُجُوبًا مُتَفَرِّقًا كَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْحِنْثِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَجِبَ بِالْعَوْدَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ كَالطَّهَارَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ صَلَاةً أَوْ مَسَّ مُصْحَفًا لِاسْتِبَاحَةِ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] إنَّهُ إرَادَةُ الْإِمْسَاكِ، وَالْوَطْءِ، فَإِذَا أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَهَذَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا وَأَقْوَالِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ ثُمَّ صَامَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَحَهَا يَوْمًا ابْتَدَأَ، وَلَوْ تَقَرَّرَ وُجُوبُهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ لَمَّا تَقَرَّرَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدَ عَزْمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْإِمْسَاكِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَوْدَةٌ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْعَوْدَةِ يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ وَيُسْقِطُ التَّمَادِيَ عَلَى مَا قَدْ شَرَعَ فِيهِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ أَنْ لَا يُجْمِعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ يَقْتَضِي بَقَاءَ حُكْمِ الظِّهَارِ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَوْدَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ: إنْ أَرَادَ مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الظِّهَارِ بِالْأَمَةِ كَتَعَلُّقِهِ بِالزَّوْجَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلظِّهَارِ تَأْثِيرًا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ تَحِلَّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. (ش) : قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ تَظَاهُرًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، وَكَذَا فَإِنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ يَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ وَيُلْزِمُهُ حُكْمَ الْمُولِي؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا عَلَّقَ يَمِينَهُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ الْوَطْءِ لِأَجْلِ يَمِينِهِ بِالظِّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ مُبَاشَرَةً لِلْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ إلَّا إذَا طَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ وَرَفَعَتْهُ فَيَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَجَلَ الْمُولِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا كَانَ الظِّهَارُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تُبَاشِرْ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَجِدَ الْكَفَّارَةَ فَلَا يُكَفِّرُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ ضَرَرَهُ لَمْ يُوقَفْ إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ وَرَوَى أَشْهَبُ

[ظهار العبد]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا عَلَيْك مَا عِشْت فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُجْزِئُهُ عَنْ ذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ) . ظِهَارُ الْعَبْدِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ فَقَالَ نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ قَالَ مَالِكٌ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحُرِّ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَظِهَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَصِيَامُ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ شَهْرَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ فِي الْمُتَظَاهِرِ لَا يَجِدُ مَا يُعْتِقُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ وَلَا يَجِدُ مَا يُطْعِمُ فَلَا مَخْرَجَ لَهُ وَلْيَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَجِدَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ يُرِيدُ وَلَا حُجَّةَ لَهَا فَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ ضَرَرُهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ ضَرَرُهُ وَلَا عُذْرُهُ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَجَلُ الْإِيلَاءِ بِطُولِ الْمُدَّةِ، وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَبَيَّنَ عُذْرُهُ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ جُمْلَةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَجَلِ الْإِيلَاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُبْتَدَأُ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي عِنْدَمَا يَرَى النَّاسُ مِنْ إضْرَارِهِ ثُمَّ يَجْرِي بِحِسَابِ الْمُولِي تَأَوَّلَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ يَتَبَيَّنُ ضَرَرُهُ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَجَلُهُ مِنْ يَوْمِ التَّظَاهُرِ وَلِذَلِكَ اخْتَصَرَ بَعْضُ الْمُخْتَصِرِينَ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ قُلْت لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَرَأَيْت مَعْنَى هَذَا أَيْ أَوَّلُ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَنْهَا رَقَبَةً ثُمَّ إنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ نَعَمْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِهِ آخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَجْتَزِئُ بِهَا عَنْهُنَّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ نَافِعِ بْنِ نَافِعٍ لَسْت آخُذُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَى أَنَّهُ قَدْ تَظَاهَرَ مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا عَلَيْهَا فَكُلَّمَا نَكَحَ امْرَأَةً كَفَّرَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا كَفَّارَةً عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ، وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِمَّنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك مَا عِشْت فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [ظِهَارُ الْعَبْدِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ ظِهَارَ الْعَبْدِ كَظِهَارِ الْحُرِّ فِي لُزُومِهِ وَتَعَلُّقِ أَحْكَامِهِ بِهِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْحُرِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَحْرَارِ، وَالْعَبِيدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَمَّا لَمْ يُكَفِّرْ بِالْعِتْقِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الظِّهَارِ وَلَا مُخَاطَبًا بِالْآيَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْمُعْسِرِ الضَّعِيفِ عَنْ الصِّيَامِ وَلِأَنَّهُ قَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} [المجادلة: 4] ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لِلرَّقَبَةِ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ فَحُكْمُهُ ثَابِتٌ بِالْآيَةِ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ ظِهَارَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ حُكْمُهُ، وَقَوْلُهُ: وَصِيَامُهُ فِي الظِّهَارِ شَهْرَانِ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ فِي قَدْرِ الصِّيَامِ حُكْمُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ صِيَامَهُ عَلَى وَجْهِ الْكَفَّارَةِ، وَالْكَفَّارَاتُ يَسْتَوِي فِيهَا حُكْمُ الْأَحْرَارِ، وَالْعَبِيدِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لَهُ فَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالسَّفِيهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ كَمَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رَأْسٌ لَمْ أُحِبَّ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْعِتْقُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ، فَإِنْ أَبَى فَهُوَ مُضَارٌّ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ رَأَى الْعِتْقَ خَيْرًا لَهُ مِنْ فِرَاقِ أَهْلِهِ أَعْطَاهُ رَقَبَةً يُكَفِّرُ بِهَا، وَإِنْ رَأَى ذَلِكَ خَيْرًا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا يَصُومُ وَمِنْ الْمُزَنِيَّة قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ لَمْ يَرَ لَهُ وَلِيُّهُ الْكَفَّارَةَ بِالْعِتْقِ كَفَّرَ هُوَ بِالصَّوْمِ فَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَيْسَ مَصْرُوفًا أَدَاؤُهُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ الْمُوَلَّى عَنْهُ نَفَذَ إخْرَاجُهُ وَأَجْزَأَ عَنْهُ كَزَكَاةِ مَالِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَنْعَ الْوَلِيِّ مِنْ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ مِنْ النَّظَرِ يَقُومُ مَقَامَ عَدَمِ الرَّقَبَةِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا الْحَقِّ يَصِحُّ بِوَجْهَيْنِ كَانَ لَهُ النَّظَرُ فِي أَرْشَدِهِمَا، وَعَلَى أَنَّ مَنْعَ السُّلْطَانِ مِنْ الْعِتْقِ لَا يُبِيحُ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ مَعَ وُجُودِ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ النَّظَرُ فِي أَرْشَدِ الْأَمْرَيْنِ: الْعِتْقِ عَنْهُ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ النَّظَرَ فِي إنْفَاذِ الْعِتْقِ أَوْ مَنْعِهِ، وَإِذَا مَنَعَ مِنْهُ قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ عَدَمِ الرَّقَبَةِ فَانْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْعِتْقِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَقُّ السَّيِّدِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْعِتْقِ عَنْهُ، وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَبْسُوطِ لَا يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ، وَإِنَّ فَرْضَهُ الصِّيَامُ فَهَلْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ أَمْ لَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَهْلِهِ مَنْعُهُ إذَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ فِي خِدْمَتِهِ وَعَمَلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا لِيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ أُجْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ الصَّوْمِ، وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ فِي عَمَلِهِ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّة وَقَالَ لَوْ شَاءَ سَيِّدُهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَعْنًى أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَضُرُّ بِسَيِّدِهِ فِي عَمَلِهِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا صَوْمٌ قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ كَالْفَرْضِ وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الَّتِي قَدْ مَلَكَهَا بِالنِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ إلَّا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ لَهُ مَنْعُهُ إذَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ يُؤَدِّي الْخَرَاجَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَى صَوْمِهِ وَعَمَلِهِ فَلَا يُمْنَعُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَ يَضُرُّ بِعَمَلِهِ وَسَوَّغْنَا لِلسَّيِّدِ مَنْعَهُ مِنْ الصَّوْمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ الصِّيَامَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْإِطْعَامِ أَجْزَأَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ فَالصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا وَلَيْسَ يُطْعِمُ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ وَلَا أَرَى جَوَابَ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا وَهْمًا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ فَيَقُولُ: الْإِطْعَامُ يُجْزِئُهُ وَلَيْسَ يَسْتَحْسِنُهُ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَضُرُّ بِهِ فِي عَمَلِهِ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَيَأْذَنُ لَهُ فِي الْإِطْعَامِ فَالصِّيَامُ كَانَ أَفْضَلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصُومُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلَا يُطْعِمُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَالصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ السَّيِّدُ أَنْ يَتَمَوَّلَهُ قَبْلَ إنْفَاذِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ الْمَالِ مِنْهُ قَبْلَ إنْفَاذِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ إذْنِهِ وَفِي الْمُزَنِيَّة قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ الْمُتَظَاهِرِ عِتْقٌ وَلَا إطْعَامٌ، وَلَوْ كَانَ يَجِدُ مَا يُطْعِمُ وَيُعْتِقُ وَلَكِنْ يَصُومُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُطْعِمُ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لَا يَخْرُجُ إلَّا طَعَامٌ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ إلَّا إلَى الْمَسَاكِينِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ أَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَلَفْظُهُ يَقْتَضِي

[ما جاء في الخيار]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَتَظَاهَرُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ يَصُومُ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الْإِيلَاءِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صِيَامِهِ) . مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ فَكَانَتْ إحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَإِدَامٌ مِنْ إدَامِ الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هَذَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ مَا يُطْعِمُ وَلَيْسَ فِي الْإِطْعَامِ مَعْنًى يُرَاعَى غَيْرُ إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِذَا أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ جَازَ كَالصَّوْمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا قَدَّمْنَاهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إيلَاءٌ بِنَفْسِ الظِّهَارِ وَلَا بِالتَّوْقِيفِ؛ لِأَنَّ صِيَامَهُ شَهْرَانِ وَأَجَلُهُ فِي الْإِيلَاءِ شَهْرَانِ، فَإِنْ أَفْطَرَ سَاهِيًا أَوْ لِمَرَضٍ يَقْضِي أَجَلَ الْإِيلَاءِ قَبْلَ إتْمَامِ الْكَفَّارَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ أَجَلَ الْإِيلَاءِ عَلَى هَذَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ بِوَجْهٍ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ وَتَعْلِيلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ يَقْتَضِي غَيْرَهَا غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ بِذَلِكَ وَلَا يُوجَدُ لِمَالِكٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَعْضِ مَا يَعْتَذِرُ بِهِ الْعَبْدُ فِي رَفْعِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ الْعَبْدُ الصَّوْمَ وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عُذْرًا لِلْعَبْدِ يَمْنَعُ دُخُولَ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْعَبْدِ إيلَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يَمْنَعَهُ أَهْلُهُ الصِّيَامَ بِأَمْرٍ لَهُمْ فِيهِ عُذْرٌ فَهَذَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ إنْ رَافَعَتْهُ امْرَأَتُهُ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يُضْرَبُ بِالشَّرْعِ فِي الْكَفَّارَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْهُ أَهْلُهُ، فَإِنَّمَا يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ لِيُبِيحَ أَهْلُهُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ التَّكْفِيرَ بِالصِّيَامِ، وَأَمَّا أَصْبَغُ فَلَمْ يَرَ مَنْعَ أَهْلِهِ مِنْ الصِّيَامِ ضَرَرًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِهِ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُرٌّ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَمَا لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُرِّ الْإِيلَاءُ بِتَرْكِ عِتْقِ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ] (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ تُرِيدُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ مَشْرُوعَةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَسْبَابُهَا مُخْتَصَّةً بِبَرِيرَةِ وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحَفُّظَ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ مِمَّا اهْتَبَلَ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْعُلَمَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى فَهْمِ مَعْنَى الْحُكْمِ وَعُمُومِهِ أَوْ خُصُوصِهِ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ اخْتِصَاصٍ بِهِ أَوْ تَعَدٍّ إلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ عَوْنٌ عَلَى حِفْظِ الْأَحْكَامِ وَاسْتِدَامَةِ حِفْظِهَا. (فَصْلٌ) : ثُمَّ فَسَّرَتْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: إنَّ إحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا اسْمُهُ مُغِيثٌ كَذَلِكَ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْمُفَارَقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ رُتْبَةٌ أَرْفَعُ مِنْ رُتْبَةِ الرِّقِّ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّةً إلَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهَا أَمْرَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ غَرَّهَا ثُمَّ اطَّلَعَتْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ لَكَانَ لَهَا مُفَارَقَتُهُ فَلَمَّا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَمَةً وَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ مُسَاوِيَةً لَهُ فِي الرُّتْبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ مَا كَانَتْ رَقِيقًا مِثْلَهُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ رُتْبَتُهَا بِالْحُرِّيَّةِ كَانَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَهُ لِنَقْصِهِ عَنْ رُتْبَتِهَا أَوْ تُقِيمَ مَعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي الْمَزنِيَّةِ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ: لَهَا إيقَاعُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَقَدْ قَالَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ لَهَا ذَلِكَ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ثِنْتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ طَلَاقِ الْعَبْدِ وَلَعَلَّهُ مِمَّا أَصْلَحَهُ أَبُو ثَابِتٍ وَالْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى أَنَّ لِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَجْهًا سَائِغًا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَوَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا طَلْقَةً بَائِنَةً أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِالْأَزْوَاجِ وَلَمَّا حَصَلَ لِلزَّوْجَةِ مَا تَمْلِكُ بِهِ نَفْسَهَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ طَلْقَةً بَائِنَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَمْلِكُ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَكَانَتْ الْوَاحِدَةُ رَجْعِيَّةً، وَالطَّلَاقُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْعِ هُوَ بَائِنٌ، وَإِنْ عَرَا عَنْ الْعِوَضِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ جِهَةَ الزَّوْجَةِ لَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهَا الطَّلَاقُ انْتَقَلَ إلَيْهَا الْعَدَدُ وَكَانَتْ جِهَةَ حُرِّيَّةٍ فَكَمُلَتْ فِيهَا الثَّلَاثُ وَيُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ زِيَادَ بْنَ جَعْفَرٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنَّهَا أَمْلَكُ لِنَفْسِهَا، وَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ فَلَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ بِالثِّنْتَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَبِينُ إلَّا بِالثَّلَاثِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي عِدَّتِهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ ثِنْتَانِ فَثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَا نِيَّةَ لَهَا كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَصَحَّ أَنْ يُوقَعَ بِهِ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ إطْلَاقَهُ يَقْتَضِي الْوَاحِدَةَ كَقَوْلِ الزَّوْجِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ نَصْرَانِيَّيْنِ وَسَيِّدَاهُمَا مُسْلِمَيْنِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُمَا قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمَّا كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْفُرْقَةِ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَأُجْرِيَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ السَّيِّدُ نَصْرَانِيًّا، أَنْكَرَهَا سَحْنُونٌ وَقَالَ لَا يَعْرِضُ لَهُمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِذَا كَانَ نِصْفُ الْأَمَةِ حُرًّا فَأُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَلَهَا الْخِيَارُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمَ الْأَمَةِ مَا بَقِيَ فِيهَا شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا لَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ يُعْتِقُ بَعْضَهَا لَا خِيَارَ لَهَا حَتَّى يُعْتِقَ جَمِيعَهَا، فَإِذَا كَمُلَ عِتْقُهَا انْتَقَلَتْ إلَى حُكْمِ الْحُرِّيَّةِ فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ، وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ تُوُفِّيَ سَيِّدُهَا فَعَتَقَا أَوْ مُكَاتَبَةً أَدَّتْ كِتَابَتَهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْخِيَارِ بِتَمَامِ الْعِتْقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي حَالِ حَيْضٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَخْتَارُ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِنْ اخْتَارَتْ مَضَى، فَإِنْ أَخَّرَتْ فَعَتَقَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ خِيَارَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَتْ إيقَاعَهُ لِلشَّرْعِ لَا رِضًى بِالزَّوْجِيَّةِ فَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى خِيَارِهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ فَلَمْ يَبْلُغْهَا حَتَّى عَتَقَ زَوْجُهَا بَطَلَ خِيَارُهَا وَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ حَتَّى يَعْتِقَ زَوْجُهَا وَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَائِضَ مَمْنُوعَةٌ بِالشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ أَمَةً تَحْتَ عَبْدٍ قَالَتْ: مَتَى أُعْتِقْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجِي فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحُرَّةِ ذَاتِ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ، وَالتَّسَرِّي تَقُولُ مَتَى فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زَوْجِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي أَنَّ ذَلِكَ لَهَا قَالَ الْمُغِيرَةُ هُمَا سَوَاءٌ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تُعْتَقُ، وَالْحُرَّةِ تَأْخُذُ بِشَرْطِهَا عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِصِفَةِ مَنْ يَخْتَارُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ خِيَارُهَا، وَالْحُرَّةَ بِصِفَةِ مَنْ يَخْتَارُ وَمِمَّنْ قَدْ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ نُفُوذَهُ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقَدْ أَوْقَعَتْهُ عَلَى حَسَبِ مَا جُعِلَ إلَيْهَا مِنْ تَأْخِيرِ الْوُقُوعِ وَلَمْ يُعَلِّقْ بِوُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ إيقَاعَهَا الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ بِهَا وُقُوعَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ الْحُرَّةَ إنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْهَا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ بَعْدَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ الزَّوْجِ النِّكَاحُ أَوْ التَّسَرِّي فَكَمَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ لَهَا بَعْدَ وُجُودِ الْعِتْقِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهَا قَبْلَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَ أَهْلُهَا وَهُمْ بَنُو هِلَالٍ كَاتَبُوهَا فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ تَشْتَرِيَهَا وَيَكُونَ وَلَاؤُهَا لَهَا وَأَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَسْتَثْنُوا وَلَاءَهَا فَجَوَّزَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ اشْتِرَاطَ الْبَائِعَيْنِ الْوَلَاءَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى أُصُولٍ نُبَيِّنُهَا بَعْدُ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ بَرِيرَةُ قَدْ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ نُجُومِهَا وَصَارَتْ فِي حُكْمِ مَنْ عَادَ إلَى الرِّقِّ فَلِذَلِكَ أَجَازَ بَيْعَهَا، وَوَجْهُ مَا أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إبْطَالِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَتَرَتَّبُ بِالْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي مَنَافِعَ الْعَبْدِ مَا دَامَ حَيًّا فِي رِقِّهِ وَهِيَ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا شِرَاؤُهُ وَمَنْ اشْتَرَطَ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ مَعْنًى يَثْبُتُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ فَصَحَّ شِرَاؤُهُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الِاسْتِثْنَاءَ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ مَعْنًى آخَرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ نَكَحَ عَلَى أَنْ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ يُفْسَخُ، وَإِنْ دَخَلَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِنِكَاحٍ لَا يَتَوَارَثُ فِي أَصْلِهِ فَيَكُونُ حَرَامًا، وَإِنَّمَا دَفَعَ الْمِيرَاثَ بِالشَّرْطِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْقُطَ الشَّرْطُ وَيَثْبُتَ النِّكَاحُ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّ الْوَلَاءَ اشْتَرَطَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِنَفْسِهَا، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ» أَيْ اشْتَرِطِيهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّامَ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّامَ عَلَى أَصْلِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ بِهَا عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَجَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ أَعْتِقْ يَا فُلَانُ، وَالْوَلَاءُ لِي إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا قَالَ أَهْلُهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَنْعِ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ تُرِيدُ مَمْلُوءَةً بِاللَّحْمِ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ مَرَقَةٍ حَتَّى صَارَتْ تَفُورُ بِالْغَلَيَانِ فَقُرِّبَ إلَيْهِ خُبْزٌ وَإِدَامٌ مِنْ إدَامِ الْبَيْتِ يُرِيدُ مَا يَكُونُ مُدَّخَرًا فِي الْبُيُوتِ كَالسَّمْنِ، وَالْمِلْحِ وَلَا يَكَادُ يُعْدَمُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً فِيهَا لَحْمٌ» إنْكَارٌ لِتَقْدِيمِهِمْ إلَيْهِ مَا دُونَ اللَّحْمِ مِنْ الْإِدَامِ مَعَ وُجُودِ اللَّحْمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُقَدَّمُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتُعْتَقُ: إنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ مَسَّهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ وَلَا تُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَتْ مِنْ الْجَهَالَةِ وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ إلَّا أَفْضَلُ مَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْإِدَامِ، وَالطَّعَامِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْلَ الْإِنْسَانِ أَفْضَلَ مَا مَعَهُ مِنْ الْإِدَامِ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْوَرَعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] ؛ لِأَنَّ الْوَرَعَ إنَّمَا هُوَ فِي سَلَامَةِ الْمَكْسَبِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِيثَارَ بِهِ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْبَرِّ كَمَا أَنَّ إنْفَاقَهُ عَلَى الْعِيَالِ، وَالتَّوَسُّعَةَ مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْبَرِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ إخْبَارٌ لَهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي مُنِعَ مِنْ تَقْدِيمِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذَا مِمَّا تُصَدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْتَنَعُ مِنْهُ لِفَضْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْإِدَامِ، وَلَوْ عُهِدَ مِنْهُ تَرْكُهُ لِذَلِكَ كَمَا عُهِدَ مِنْهُ تَرْكُهُ أَكْلَ الصَّدَقَةِ لَجُووِبَ بِهِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ السَّرَفُ فِي الْمَطْعَمِ، وَالْخُرُوجُ بِهِ عَنْ الْعَادَةِ، وَمَا تُتَّخَذُ بِهِ الْمَطَاعِمُ الْمُسْتَطَابَةُ الْمُعْتَادَةُ وَتَجَاوَزَ ذَلِكَ إلَى السَّرَفِ الْخَارِجِ عَنْ الْعَادَةِ وَجَمْعِ الْإِدَامِ، وَالْأَلْوَانِ عَلَى أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ وَضِيقِ مَعَاشِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْإِدَامِ فِي النَّادِرِ لِضَيْفٍ أَوْ وَلِيمَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ احْتِفَالٍ فِي عِيدٍ أَوْ اجْتِمَاعٍ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَرَعِ الْخُرُوجُ إلَى حَدِّ السَّرَفِ بِكَثْرَةِ الْأَلْوَانِ، وَالْخُرُوجِ بِهَا عَنْ الْوُجُوهِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ وَضْعِ الطِّيبِ فِيهَا بِكَثِيرِ الْأَثْمَانِ، وَأَقْبَحُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ الْحَاجَةِ بِالنَّاسِ وَضِيقِ مَعَاشِهِمْ وَضَرُورَتِهِمْ إلَى الْمُوَاسَاةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مُتَصَدِّقُهَا فَجَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحَلًّا لِقَبُولِهَا أَوْ كَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ يَأْكُلُهَا قَبْلَ أَنْ تَكْمُلَ الصَّدَقَةُ فِيهَا بِبُلُوغِهَا مَحَلَّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ مَحَلَّهَا وَصَارَتْ بِيَدِ مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يُهْدِيَهَا إلَيْهِ مَنْ قَبَضَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ يَبِيعَهَا مِنْهُ أَوْ يُصَيِّرَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ وَجْهِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ كَانَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مَرَّةً ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الصَّدَقَةِ أَبَدًا لَمَا جَازَ لِلْفَقِيرِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَنِيٍّ بَلْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ عَنْ حُكْمِ الصَّدَقَةِ إلَى حُكْمِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْمِيرَاثِ فَيَرِثُهَا الْغَنِيُّ عَنْ مُوَرِّثِهِ الْفَقِيرِ وَتَصِيرُ إلَيْهِ عَنْهُ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكِ وَلَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْوَجْهِ الَّذِي نُقِلَ آخِرًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتُعْتَقُ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَنْ تَعَلَّقَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ الرُّتْبَةَ الَّتِي تَحْصُلُ لَهَا بِالْحُرِّيَّةِ فَوْقَ رُتْبَةِ الْعَبْدِ فَأَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ الْخِيَارَ، وَإِذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا لَمْ تَكُنْ بِالْعِتْقِ أَرْفَعَ رُتْبَةً مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ يَمَسَّهَا يُرِيدُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ خِيَارُهَا بِالْمَجْلِسِ الَّذِي يَعْلَمُ فِيهِ بِعِتْقِهَا بَلْ لَهَا ذَلِكَ مَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا طَائِعَةً أَوْ يَتْرُكُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ يُوقِفُهَا السُّلْطَانُ فَإِمَّا قَضَتْ وَإِمَّا أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قِيلَ لَهَا: اخْتَارِي بَعْدَ الْعِتْقِ فَقَالَتْ حَتَّى أَنْظُرَ وَأَسْتَشِيرَ وَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ خِيَارَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْعِتْقِ وَلَا بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا بِهِ وَفِي الْمُزَنِيَّة سُئِلَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ أَمَةٍ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَأَقَامَتْ تَحْتَهُ أَيَّامًا ثُمَّ هَاجَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْتَارَ فَقَالَ: إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا بِالرِّضَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ لِشَيْءٍ وَقَعَ بَيْنَهُمَا وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِالرِّضَا، وَالْإِقَامَةِ وَتَرْكِ الْخِيَارِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قَالَتْ فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ: إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسّكِ زَوْجُك، فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْت هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ، فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ مَسَّهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لَمْ تُصَدَّقْ وَلَا خِيَارَ لَهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ ادِّعَاءَهَا الْجَهْلَ يَحِقُّ لَهَا بَعْدَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهَا مَا ظَاهِرُهُ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا تُصَدَّقُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فِي حَقٍّ أَسْقَطَتْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا يُرِيدُ بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَتْ: لَمْ أَعْلَمْ بِالْعِتْقِ، وَقَدْ مَسَّهَا بَعْدَهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا عَلِمَتْ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهَا وَمَا يُدَّعَى عَلَيْهَا مِنْ الْعِلْمِ فَأَمْرٌ طَارِئٌ يَجِبُ عَلَى مُدَّعِيهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ فَعَتَقَتْ قَالَتْ فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَتْنِي فَقَالَتْ: إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسّكِ زَوْجُك، فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْت هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا) . (ش) : قَوْلُهُ: " أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَاةَ غَيْرُ الْأَمَةِ، وَأَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِمَوْلَاةٍ حِينَ كَوْنِهَا أَمَةً وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ مَوْلَاةٍ لِبَنِي عَدِيٍّ وَذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً يَوْمَ كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْلَاةً حِينَ كَوْنِهَا أَمَةً لَاسْتَغْنَى عَنْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ أَمَةً يَوْمَ كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا وَصَفَتْ زَوْجَهَا بِالْعُبُودِيَّةِ لِتُشِيرَ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي ثَبَتَ لَهَا بِالْعِتْقِ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَعَتَقَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ وَبِذَلِكَ الْعِتْقِ وُصِفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَوْلَاةُ مَنْ أَعْتَقَهَا فَلَمَّا عَتَقَتْ أَرْسَلَتْ إلَيْهَا حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُعْلِمُهَا بِمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ التَّخْيِيرِ بِالْعِتْقِ، وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ عَلَّمَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ حَقًّا يَخَافُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ وَيَضِيعَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَيْهِ وَيُعَلِّمَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا: إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلَا أُحِبَّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا يَقْتَضِي دِينُ حَفْصَةَ وَفَضْلُهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ بِذَلِكَ أَذَى الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا قَصَدَتْ إعْلَامَهَا بِمَا يَجِبُ لَهَا ثُمَّ أَعْلَمَتْهَا أَنَّهَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُفَارِقَهُ بَلْ تُحِبُّ أَنْ تَبْقَى عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَعْلَمَتْهَا بِحُكْمِهَا فَقَالَتْ لَهَا: إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسّكِ زَوْجُك فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ كَوْنِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ كُلَّهَا مُدَّةٌ لِامْتِنَاعِ خِيَارِهَا، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْمُدَّةِ ثَبَتَ لَهَا فِيهَا حُكْمُ الْخِيَارِ لَمَّا كَانَ مِنْ عِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْخِيَارُ بِالْمَسِيسِ وَيَرْجِعَ إلَى حُكْمِ مِلْكِ الزَّوْجِ لَهَا ثُمَّ بَيَّنَتْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَقُلْت: هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا كَانَتْ حُرَّةً وَمَلَكَتْ الطَّلَاقَ مَلَكَتْهُ ثَلَاثًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا طَلَاقٌ، وَلَوْ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ لَاحْتُسِبَتْ بِهَا عَلَيْهِ وَاجْتَزَأَتْ الْآنَ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ تُبْرِئُهَا مِنْهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي عَبْدٍ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ طَلَاقِ الْعَبْدِ طَلْقَةٌ تَقُومُ مَقَامَ طَلْقَةٍ وَنِصْفٍ، فَإِذَا أَوْقَعَهَا كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةٍ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الْحُرُّ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَوْقَعَ طَلْقَةً لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ، فَإِذَا أَعْتَقَ، فَإِنَّمَا بَقِيَتْ لَهُ طَلْقَةٌ، وَالنِّصْفُ لَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ، فَإِنَّمَا بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قُلْت لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ، فَإِنَّهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ ثُمَّ تُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: إذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ: إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا: لَمْ أُخَيِّرْك إلَّا وَاحِدَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخِيَارِ مَا هَذَا الضَّرَرُ فَقَالَ جُذَامٌ أَوْ شَيْءٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصْلِ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ فَالضَّرَرُ فِي الزَّوْجِ الْجُذَامُ، وَالْعُنَّةُ، وَالضَّرَرُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ، وَأَمَّا عَلَى سُؤَالِ ابْنِ زَيْدٍ، فَإِنَّ الضَّرَرَ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ دَاءُ الْفَرْجِ، وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَوَانِعِ الْوَطْءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعَانِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَأَحْكَامِهَا بِمَا يُغْنِي عَنْ الْإِعَادَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْأَمَةَ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: سَأَلْت عِيسَى بْنَ دِينَارٍ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَمَّا جَعَلَ لَهَا قَبْلَ أَنْ بَنَى بِهَا طَلْقَةً بَائِنَةً، وَهُوَ يَقُولُ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَالِكٌ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً بَائِنَةً إذَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَأَمْرُهَا وَاحِدٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ مَا شَاءَتْ مِنْ الطَّلَاقِ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَا صَدَاقَ لَهَا يُرِيدُ أَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ بِمَعْنًى تَيَقَّنَ فِي الزَّوْجِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَاَلَّتِي تُفَارِقُ زَوْجَهَا بِجُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَهِيَ طَلْقَةٌ يُرِيدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَلَوْ أَوْقَعَتْ الطَّلَاقَ لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ طَلْقَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ» فَلَمْ يَعُدَّ لَنَا طَلَاقًا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَخْتَارَهُ أَوْ يُمَلِّكَهَا إيَّاهُ فَتُوقِعَهُ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ أَوْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ مَنْ مَلَكَهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ؛ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يُوَكِّلَ أَجْنَبِيًّا عَلَى الطَّلَاقِ فَلَا يُوقِعُهُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمُخَيَّرَةِ إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا يُرِيدُ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ التَّخْيِيرِ يَقْتَضِي تَمَلُّكَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا هُوَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ قَطْعِ الْعِصْمَةِ وَإِبْقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى التَّخْيِيرِ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي أَنَّ التَّخْيِيرَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: وَمَا عَلِمْت مَنْ كَرِهَهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا رَوَى مَسْرُوقٌ «عَنْ عَائِشَةَ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ» ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِيقَاعِ طَلَاقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكُ الزَّوْجَةِ إيَّاهُ، وَإِنَّمَا مَنَعَ هُوَ مِنْ إيقَاعِهِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ التَّخْيِيرَ مُبَاحٌ لِلزَّوْجِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ اخْتِيَارُ الْفُرْقَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهَا: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي إنَّمَا يَقْتَضِي فِي التَّخْيِيرِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَكَذَلِكَ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يَقْتَضِي مِلْكَهَا لِنَفْسِهَا وَإِزَالَةَ مِلْكِ الزَّوْجِ مِنْهَا فَهَذَا مَعْنَى اخْتِيَارِهَا لِنَفْسِهَا، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَإِذَا اقْتَضَى تَخْيِيرُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا تَمْلِيكَهُ الثَّلَاثَ وَاقْتَضَى اخْتِيَارُهَا لِنَفْسِهَا الثَّلَاثَ حُكِمَ بِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُطْلِقَ الْمُخَيِّرُ تَخْيِيرَهُ أَوْ يُقَيِّدَهُ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِالثَّلَاثِ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا قَيَّدَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّمْلِيكِ، فَإِذَا أَطْلَقَ فَأَجَابَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُجِيبَ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ أَوْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي مَا دُونَ ذَلِكَ أَوْ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ، فَإِنْ أَجَابَتْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي ثُمَّ قَالَتْ: أَرَدْت بِهِ وَاحِدَةً لَمْ تُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ وَلَزِمَتْهَا الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ، فَإِذَا قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً كَانَتْ قَدْ رَدَّتْ التَّخْيِيرَ وَلَا يَنْفَعُهَا قَوْلُهَا بَائِنَةً؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ بَائِنَةً، وَإِنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَكُونُ ثَلَاثًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا قَضَتْ بِغَيْرِ مَا جَعَلَهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ إلَيْهَا قَطْعَ الْعِصْمَةِ فَلَمْ تَقْطَعْهَا، وَإِنَّمَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهَا مِمَّا جَعَلَ إلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا لِمَا جَعَلَهُ إلَيْهَا، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ طَلَاقَ التَّخْيِيرِ يَقْتَضِي قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَإِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِبَعْضِهِ لَزِمَ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا نِصْفَ طَلْقَةٍ لَكَانَتْ كَامِلَةً لَمَّا كَانَتْ الطَّلْقَةُ لَا تَتَبَعَّضُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَيَّرُ قَبْلَ الدُّخُولِ يَقْتَضِي تَخْيِيرَهُ الثَّلَاثَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا أَوْ يَسْكُتَ، فَإِنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَقَالَ: لَمْ أُخَيِّرْك إلَّا فِي قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا قَضَتْ بِهِ مِنْ الْوَاحِدَةِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ اخْتِيَارَ نَفْسِهَا بِالثَّلَاثِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا إلَّا أَشْهَبَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُنْكِرْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ الرِّضَى بِهَا لَزِمَتْهُ وَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْخِيَارِ طَلْقَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ وَأَظْهَرَ مَا يَقْتَضِي الرِّضَى بِطَلَاقِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهَا: قَبِلْت نَفْسِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا: اخْتَرْت نَفْسِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ: إلَّا أَشْهَبَ قَالَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَبِلْت أَمْرِي تُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَتَتْ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: قَبِلْت أَوْ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ اخْتَرْت فَقَطْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ هَذَا الْفِرَاقُ وَتُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ فِي قَوْلِهَا: اخْتَرْت أَمْرِي هُوَ فِرَاقٌ فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ وَلَا تُسْئَلُ عَمَّا أَرَادَتْ وَلَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْت أَمْرِي لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ فَلَهَا أَنْ تُفَسِّرَهُ بِمَا شَاءَتْ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ: أَنَّ ظَاهِرَ قَبُولِهَا إنَّمَا هُوَ لَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْفُرْقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ لَهَا التَّفْسِيرَ سُئِلَتْ عَمَّا أَرَادَتْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: إنْ قَالَتْ أَرَدْت أَنِّي قَبِلْت مَا جَعَلَ إلَيَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمِلْكِ، وَأَنَا أَنْظُرُ الْآنَ فَأُوقِعُ إنْ شِئْت أَوْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إنْ قَالَتْ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَقَصَدَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا وَلَا يَكَادُ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا مَنْ يَفْقَهُ فَرَأَيْت مَذْهَبَهُ أَنَّهَا الْبَتَّةُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ يَحْتَمِلُ مَا قَالَتْهُ فَيَقْبَلُ مِنْهَا ذَلِكَ وَلَا يُلْزِمُهُ أَنْ لَا يَعْلَمَ هَذَا إلَّا مَنْ يَفْقَهُ فَقَدْ عَلِمَتْهُ هِيَ وَأَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا يَحْمِلُ النَّاسُ فِي أَحْكَامِهِمْ إلَّا عَلَى الْمَعْرِفَةِ. (فَرْعٌ) : وَلَوْ قَالَتْ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْبَقَاءَ مَعَ زَوْجِي فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا وَيَكُونُ طَلَاقًا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِمَا يَعْرِفُ بِهِ صِدْقَهَا، وَلَوْ قَالَتْ: كُنْت لَاعِبَةً أَوْ مُسْتَهْزِئَةً لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ وَدِينَتْ

[ما جاء في الخلع]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْت وَاحِدَةً وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا إنَّمَا خَيَّرْتُك فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى) . مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ «عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُك فَقَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَقْبُولٌ مِنْهَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا إذَا قُبِلَ مِنْهَا الِاسْتِهْزَاءُ أَوْ اللَّعِبُ فَبِأَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا مَا قَالَتْهُ مِنْ الرِّضَى بِزَوْجِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَارِي الثَّلَاثَ فَقَضَتْ بِثَلَاثٍ نَفَذَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي الثَّلَاثَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلِذَلِكَ لَمْ تَنْوِ هِيَ شَيْئًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت وَاحِدَةً وَطَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ فَسَّرَتْ اللَّفْظَ الْمُحْتَمَلَ بِوَاحِدَةٍ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ هِيَ عَلَى مَا نَوَتْ، وَإِنْ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَهُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّمْلِيكِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْك إلَّا فِي وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا بِلَفْظٍ هُوَ صَرِيحٌ فِي الثَّلَاثِ فَاخْتَارَتْ بِلَفْظٍ هُوَ صَرِيحٌ فِي اخْتِيَارِ الثَّلَاثِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ زَادَ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَتْ هِيَ: أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْت وَاحِدَةً وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا إنَّمَا خَيَّرْتُك فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ: قَبِلْت وَاحِدَةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَخْيِيرَهُ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوْ قَطْعِ الْعِصْمَةِ، فَإِذَا اخْتَارَتْ وَاحِدَةً فَقَدْ أَعْرَضَتْ عَمَّا جُعِلَ لَهَا فَاخْتَارَتْ غَيْرَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَا اخْتَارَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَل ذَلِكَ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّهَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ إلَّا وَاحِدَةً أَقَامَتْ عِنْده يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِهَا لَهُ قَبِلَتْ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْهَا فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا وَلَزِمَهَا الْمُقَامُ عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إنْ لَمْ تَسْتَأْنِفْ اخْتِيَارَ الثَّلَاثِ بَعْدَ أَنْ نَاكَرَهَا الزَّوْجُ، فَإِنَّهَا لَا تَنْتَفِعُ بِمَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ اخْتِيَارَ الثَّلَاثِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ مَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ الْوُجُوهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ هَذِهِ يَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي التَّغْلِيسِ إلَّا أَنْ لَا يُمَيِّزَهَا، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهَا مِنْ النِّسَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْتُورَةَ الْوَجْهِ لَكِنْ ذِكْرُ الْغَلَسِ مَعَ قَوْلِهِ مَنْ هَذِهِ أَظْهَرُ فِيمَا قُلْنَاهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمَّا قَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ مَا شَأْنُك إنْكَارٌ لِمَجِيئِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إذْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ زِيَارَةٍ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا وَقْتَ طَلَبِ حَاجَةٍ، وَإِنَّمَا تُبَكِّرُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِمَعْنًى مُهِمٍّ فَأَخْبَرَتْهُ بِشَأْنِهَا فَقَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا إمَّا لِتُعْلِمَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ الَّذِي تَشْكُو هُوَ زَوْجُهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي لِيَعْلَمَ مَنْ نَقَلَ إلَيْهِ الْحَدِيثَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ الَّذِي أَرَادَتْ مُبَايِنَتَهُ وَقَطْعَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ هُوَ زَوْجُهَا، وَإِنَّ مَا نَزَعَتْ مِنْ فِرَاقِهِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ النُّشُوزِ وَتُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يُرِدْ فِرَاقَهَا بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَوْجِهَا لَمَّا جَاءَ «هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَهُ» إعْلَامًا لَهُ بِمَا أَتَتْ لَهُ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِخْبَارَ عَنْ مَعْنَى مَا أَتَتْ لَهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ تَفَاصِيلَ قَوْلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ قَدْ تَشَكَّتْ إلَيْهِ ضَرَرًا فَلَمْ يَحْتَجْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إلَى أَنْ يُفَسِّرَ لَهُ ذَلِكَ الضَّرَرَ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْهُ الزَّوْجُ وَيَكْفِي مِنْ الْإِعْلَامِ لِلزَّوْجِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: اشْتَكَتْ ضَرَرًا، فَإِنْ أَنْكَرَهُ سُئِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَمَّا تَشَكَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ سَأَلَ التَّفْسِيرَ لِيُنْكِرَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَهُ أَوْ لِيُبْدِيَ عُذْرَهُ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةُ لَمْ تَشْتَكِ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ضَرَرًا وَلَكِنَّهَا كَرِهَتْ مُصَاحَبَتَهُ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا تَشَكَّتْ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنْ لَا أُطِيقُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ» وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ غَيْرِ اشْتِكَاءِ ضَرَرٍ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ، وَالْكَرَاهِيَةُ لِلزَّوْجِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: وَهُوَ مَنْصُوصٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالَ: وَلَيْسَتْ كَمَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ إذَا كَانَ الضَّرَرُ مِنْهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ لِلْحَكَمَيْنِ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُمَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ فَبِأَنْ يَجُوزَ مِنْهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا بَذَلَتْهُ لِزَوْجِهَا عَلَى أَنْ يُفَارِقَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ» ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ مِنْهَا إبَاحَةٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذَ الْفِدَاءِ مِنْهَا، وَقَدْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا إلَى ذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ إشْفَاقِهَا وَاسْتِضْرَارِهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ، وَقَدْ بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا إلَى أَنْ خَافَتْ أَنْ تَأْتِيَ مَا تَأْثَمُ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ مِنْهَا فَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا إتْمَامًا مِنْهُ لِمَا قَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا مِنْ الْخُلْعِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِطَلَاقٍ وَلَا خُلْعٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَنَدِمَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُهَا: نُؤَدِّي إلَيْك مَا أَخَذْنَا مِنْك وَتُؤَدِّي إلَيْنَا أُخْتَنَا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ طَلَاقٌ وَلَا كَلِمَةٌ فَقِيلَ: إنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ تَطْلِيقَةً وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَصَدَ إلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهَا مَتَاعَهَا فَهُوَ خُلْعٌ لَازِمٌ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِمَّا أَتَوْهُ إنْفَاذُ الطَّلَاقِ وَإِيقَاعُهُ، وَالْفُرْقَةُ الْمَوْجُودَةُ بَيْنَهُمَا، وَالِانْفِصَالُ إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا كَالْإِشَارَةِ بِهِ أَوْ الْكِتَابَةِ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا أَنَّهَا جَلَسَتْ فِيهَا دُونَهُ مُدَّةَ الْعِدَّةِ مَعَ خَدَمٍ إنْ كَانَ لَهَا أَوْ حَاشِيَةٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهَا قَبْلَ الْخُلْعِ وَوُصِفَتْ بِذَلِكَ أَنَّهَا جَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا لَمَّا كَانَ هَذَا الْجُلُوسُ لَهَا وَمُخْتَصًّا بِهَا وَقَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا كَانَ الْجُلُوسُ لَهُ وَيُحْتَمَلُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا أَنَّهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقِيَتْ فِيهَا لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهَا لِاسْتِحْقَاقِهَا لَهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ سَاكِنًا مَعَهَا فِي مَحَلِّهَا عِنْدَ أَقَارِبِهَا فَانْتَقَلَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَى أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا أَصْدَقَهَا، وَأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَأَمَّا الْخُلْعُ بِكُلِّ مَا أَصْدَقَهَا أَوْ أَقَلَّ فَجَائِزٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا الْخُلْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّتْهُ وَوَصَفَتْهُ وَأَحْضَرَتْهُ حَتَّى كَانَ مَعْرُوفًا غَيْرَ مَجْهُولٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ وَقَعَ لَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنْ تَنْخَلِعَ لَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُوجَدَ لَهَا شَيْءٌ أَوْ لَا يُوجَدَ لَهَا شَيْءٌ، فَإِنْ وُجِدَ لَهَا شَيْءٌ لَهُ مِقْدَارٌ، فَإِنَّ الْخُلْعَ نَافِذٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ الْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَبْسُوطِ يَجُوزُ بِمَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ وَبِمَا تَلِدُ غَنَمُهُ الْعَامَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ كَالْمَعْلُومِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْغَرَرِ، فَإِنَّهُ إنْ سَلِمَ وَقَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَلِفَ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَالطَّلَاقُ نَافِذٌ عَلَى حُكْمِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ الْغَرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ كَالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةٍ وَلَهَا مُدَّةُ الْحَوْلَيْنِ وَرَضَاعُهُ فِيهِمَا جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الِابْنِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الِابْنِ وَإِرْضَاعِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ عَنْ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَالِكٌ بِمَا بَطَلَ مِنْ شَرْطِهِ شَيْئًا، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ مِنْ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، أَوْ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ الْحَضَانَةِ الْمَخْزُومِيِّ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَوَجَّهَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْمُتَخَالِعَيْنِ أَدْخَلَا الْغَرَرَ فِيمَا أَوْقَعَا بِهِ الْخُلْعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ فَالْغَرَرُ دَخَلَ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ لَمْ يَمْنَعْ مَالِكٌ الْخُلْعَ بِنَفَقَةِ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِأَجْلِ الْغَرَرِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْحَوْلَيْنِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ وَهِيَ الرَّضَاعُ قَدْ تَجِبُ عَلَى الْأُمِّ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ إذَا أَعْسَرَ الْأَبُ فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ هَذِهِ النَّفَقَةُ إلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَالِكًا احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ بِالْغَرَرِ فَجَازَ إزَالَتُهُ بِنَفَقَةِ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ أَصْلُ ذَلِكَ الْعِتْقُ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ بِنَفَقَةِ الِابْنِ فَمَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتْبَعُهَا بِشَيْءٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرْجِ يَتْبَعُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ مَا لَا يَتَمَوَّلَهُ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ تَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الْوَلَدِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّبِيِّ بِبَيِّنَةٍ فَمَاتَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِتَطَوُّعِهِ تَحَمُّلَ مُؤْنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا إنْ مَاتَتْ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ فِيهِ قَبْلَ مَوْتِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِالْخُلْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَإِنْ أَعَسَرَتْ بِالنَّفَقَةِ أَنْفَقَ الْأَبُ وَهَلْ يَتْبَعُهَا بِمِثْلِ النَّفَقَةِ رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُتْبِعُهَا بِهِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتْبَعُهَا وَقَالَ أَيْضًا لَا يَتْبَعُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ عَاوَضَ بِهِ الْأَبُ الْأُمَّ فَأَثْبَتَهُ فِي ذِمَّتِهَا عِوَضًا مِنْ طَلَاقِهَا، فَإِذَا أَعَسَرَتْ بِهِ كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يُتْبِعَ بِهِ الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقًّا عَلَيْهِ وَيَنْقُلَهُ إلَى عَدِيمٍ فَيَرْجِعُ الِابْنُ بِهِ عَلَى الْأَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْأَبُ عَلَى الْأُمِّ دَيْنًا يَتْبَعُهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ طَلَاقِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الْأُمِّ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِيُسْرِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِينَ الْوُجُوبِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُبَهُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ وَبِصَدَاقِهَا عَلَيْهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَا نَفَقَةُ حَمْلٍ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ، وَوَجْهُ قَوْلِهَا: إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَرِطْ بَقَاءً فَكَانَ الظَّاهِرُ إسْقَاطَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا بِتَرْكِ مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى زَادَتْ نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَلَمْ تَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَنَّهَا قَدْ أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَبِأَنْ تُسْقِطَ مَا وَجَبَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْلَى كَمَا قُلْنَا فِي الصَّدَاقِ: إنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْحَوْلَيْنِ اقْتَضَى ذَلِكَ إسْقَاطَ الصَّدَاقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ: إنَّهَا أَسْقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَةً مُقَدَّرَةً فَلَا يَتَعَدَّى الْإِسْقَاطُ إلَى غَيْرِهَا وَإِلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَلَا وَجَبَ بِسَبَبِهَا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ فِي غَيْرِ مُدَّةِ الْحَوْلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَوْلَيْنِ وَاجِبَةٌ بِغَيْرِ سَبَبِهَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا أَسْقَطَ مِنْ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إنْ خَالَعَهَا عَلَى جَمِيعِ مَا تَمْلِكُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا شَيْءٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ، أَوْ وُجِدَ فِيهِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالْحَجَرِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الْخُلْعُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَلْزَمُهُ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِمَا غَرَّتْهُ بِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا غَرَّتْهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْخُلْعُ كَمَا لَوْ قَالَتْ لَهُ: أُخَالِعُكَ بِعَبْدِي هَذَا، وَهُوَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ خُلْعٌ، أَوْ أُخَالِعُكَ بِهَذِهِ الدَّارِ وَلَمْ تَكُنْ لَهَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّهَا تَبْقَى عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا فَأَسْلَمَتْهَا إلَيْهِ فَاسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ الْخُلْعِ وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِأَنَّ هَذَا قَدْ قَبَضَهُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَإِنَّمَا خَالَعَهَا بِهِ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ: إذَا خَالَعَهَا عَلَى عَطَائِهَا، أَوْ وَصِيَّةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ زَوْجَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى حُرٍّ غَرَّتْهُ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهَا عَطَاءٌ فَسَقَطَ اسْمُهَا، أَوْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثَ وَصِيَّتُهَا، فَإِنَّهُ يَمْضِي الْخُلْعُ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الْخُلْعُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَقَالَ مُطَرِّفٌ: لَوْ أَخَذَتْ لَوْزَةً، أَوْ حَصَاةً وَخَالَعَتْهُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ فَرَضِيَ بِهِ وَعَرَفَ مَا هُوَ فَهُوَ خُلْعٌ، وَأَمَّا حَصَاةٌ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِخُلْعٍ، وَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَمَّا وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَطَلَ الطَّلَاقُ جُمْلَةً كَمَا لَوْ غَرَّتْهُ مِنْ حُرٍّ فَخَالَعَتْهُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ لَمْ يَكُنْ بَائِنًا وَكَانَ رَجْعِيًّا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ تَعْجِيلِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ نَفَذَ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الْعِوَضُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَى أَجَلِهِ وَيَكُونُ الطَّلَاقُ بَائِنًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: هُوَ رَجْعِيٌّ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ عَلَى هَذَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَ بَائِنًا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا رَضِيَ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا: إنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لِهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَا لَهَا قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْت أَسْمَعُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا بِشَيْءٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قَصَدَ إلَى إيقَاعِ الْخُلْعِ دُونَ عِوَضٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ خُلْعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: يَكُونُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ عَدَمَ حُصُولِ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا خَالَعَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ طَلَاقٌ عَرَا عَنْ عِوَضٍ وَاسْتِيفَاءِ عَدَدٍ فَكَانَ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا إلَى الصُّلْحِ وَافْتَرَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ فِرَاقٌ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا لَوْ قَصَدَا إلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهَا مَتَاعَهَا أَنَّهُ خُلْعٌ لَازِمٌ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَمْ يَقُلْ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَى الصُّلْحِ وَقَالَ: لِي مَتَاعِي وَلَك مَتَاعُك أَوْ لَك زِيَادَةُ كَذَا؛ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا قَضَيَا الصُّلْحَ فَقَدْ أَحْرَزَ مَا صَارَ إلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي طَلَّقَهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ الَّذِي ذُكِرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ طَلَاقَهَا دُونَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَبَاحَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا لَهَا وَيَأْخُذَ مَالَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِخُلْعٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَارَيْتُك: إنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِتُبْرِئَهُ مِمَّا كَانَتْ تَطْلُبُهُ بِهِ مُحِقَّةً أَوْ مُبْطِلَةً وَيُبْرِئَهَا هُوَ أَيْضًا، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخُلْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ. 1 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَلِك عِنْدِي شَيْءٌ قَالَتْ: لَا، وَلَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ: لَا قَالَ: فَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِئْت مِنْهَا وَبَرِئَتْ مِنِّي فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَامَتْ بِمَا كَانَ لَهَا قِبَلَهُ وَقَالَتْ لَمْ أُرِدْ الْمُبَارَأَةَ وَقَالَ هُوَ أَرَدْت الْمُبَارَأَةَ، فَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ: كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا أَرَادَا الْمُبَارَأَةَ فَذَلِكَ نَافِذٌ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ السُّؤَالِ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ لَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَظَنَّ أَنَّهُ وَجْهُ الصُّلْحِ فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هُوَ خُلْعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَأْخُذْ الزَّوْجُ بِهِ عِوَضًا فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ كَوْنَهُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَطَاءٌ فِي خُلْعٍ فَاقْتَضَى الْبَيْنُونَةَ وَقَطْعَ الرَّجْعَةِ كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ الزَّوْجَةُ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَطَعَ بِمَا أَعْطَاهَا مُطَالَبَتَهَا قِبَلَهُ، وَذَلِكَ سَبَبُ حُكْمِ الْخُلْعِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمُفْتَدِيَةَ إذَا كَانَ افْتِدَاؤُهَا لِإِضْرَارِ زَوْجِهَا وَظُلْمِهِ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا افْتَدَتْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ إضْرَارَ زَوْجِهَا بِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ عَلِمَ مِنْ امْرَأَتِهِ بِالزِّنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَارَّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ وَمِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا الْمُوجِبِ لِرَدِّ مَا أَخَذَ مِنْهَا أَنْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا ضَرَّتَهَا وَلَا يَفِيَ بِحَقِّهَا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا إذَا لَمْ تَرْضَ بِالْأَثَرَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهَا بِأَثَرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] . (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا الْبُغْضُ لَهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْإِضْرَارُ عِنْدِي الْأَذَى بِضَرْبٍ أَوْ اتِّصَالِ شَتْمٍ فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ إيثَارٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي قِلَّةِ الضَّرَرِ وَكَثْرَتِهِ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ وَلَا مَوْقُوتٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ بِحَدٍّ لَا يَكُون ضَرَرًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُضِرٌّ بِهَا مِنْ تَكْرَارِهِ أَذَاهُ لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَضَرَّ بِهَا أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا مَضَى الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَا لَهَا يُرِيدُ أَنَّ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ طَلَاقِ الْخُلْعِ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا مِنْ الْعِوَضِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا مَا كَانَتْ الْتَزَمَتْهُ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَرَضَاعٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهَا دَفَعَتْهُ إلَيْهِ غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ لِرَفْعِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا دَفَعَتْهُ إلَيْهِ لِتَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِهِ وَظُلْمِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى تَرْكِ الظُّلْمِ، وَالتَّعَدِّي عِوَضًا فَعَلَى هَذَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيُسْقِطُ عَنْهَا مَا الْتَزَمَتْهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَأُجْرَةِ رَضَاعٍ قَالَهُ مَالِكٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] ، وَالْفَاحِشَةُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَذَى، وَالْبَذَاءُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَفْحَشَ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ إذَا بَالَغَ فِي السَّبِّ قَالَ ابْنُ بُكَيْر مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَاحِشَةُ النُّشُوزُ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر: إذَا نُعِتَتْ الْفَاحِشَةُ بِمُبَيِّنَةٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْبَذَاءِ بِاللِّسَانِ، وَإِذَا لَمْ تُنْعَتْ وَأُطْلِقَتْ فَهِيَ الزِّنَى وَقِيلَ إذَا كَانَتْ الْفَاحِشَةُ بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ فَهِيَ الزِّنَى، وَاللِّوَاطُ قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَى ذَلِكَ سُمِحَ لِلْأَزْوَاجِ فِي الْمُضَارَّةِ بِهِنَّ إذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ حَتَّى يَفْتَدِينَ بِبَعْضِ مَا أَعْطَوْهُنَّ وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي النُّشُوزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا أَنَّهُ أَضَرَّ بِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ. 1 - وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَامَتْ بَعْدَ الْخُلْعِ بَيِّنَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى السَّمَاعِ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ بِذَلِكَ قَالَ: وَهَلْ يَشْهَدُ هَؤُلَاءِ عَلَى السَّمَاعِ يَسْمَعُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ الْجِيرَانِ وَيَكُونُ فَاشِيًا، وَالشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ الْإِضْرَارِ بِهَا مُتَوَاتِرًا حَتَّى يَقَعَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ لِلشُّهُودِ يَشْهَدُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى عِلْمِهِمْ كَمَا يَشْهَدُ فِي الْمَوْتِ عَلَى عِلْمِهِ مَنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمَيِّتَ عَلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِذَلِكَ وَكَمَا يَشْهَدُ فِي النَّسَبِ وَعِدَّةِ الْوَلَدِ، وَالْوِرَاثَةِ عَلَى عِلْمِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ مَا قَالَهُ أَصْبَغُ: إنَّهُ إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الْبَتَاتِ صَحَّتْ شَهَادَتُهُ وَيَحْلِفُ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ وَيَرُدُّ إلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيُمْضِي الْفِرَاقَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ يَمِينَهَا عَلَى مَالٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِيِّ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يُقْبَلُ فِي مِثْلِ هَذَا أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ لَا يُقْبَلُ فِيهَا شَاهِدٌ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَمَّا سَأَلَهُ أَصْبَغُ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الْبَتِّ كَيْفَ يَعْرِفُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ: يَقُولُ سَمِعْت وَاسْتَبَانَ لِي قَالَ عِيسَى بِهِ فَانْظُرْ فِيهِ فَتُوقَفُ لِدِينِهِ وَفَضْلِهِ فِيمَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ، وَأَنْفَذَهُ أَصْبَغُ مِنْ رَأْيِهِ لَمَّا تَحَقَّقَهُ ثُمَّ اسْتَصْوَبَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ مَعَ يَمِينِ الزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ يَمِينَهَا عَلَى مَالٍ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْمُوَثِّقِينَ خَلَطُوا الْوَجْهَيْنِ فِي عُقُودِهِمْ فَغَيَّرُوا مَعْنَاهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَالٍ وَأَخَذَ مِنْهَا حَمِيلًا بِمَا لَحِقَهُ مِنْ دَرْكٍ فَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ أَنَّهَا إنْ أَثْبَتَتْ الضَّرَرَ لَمْ تَسْقُطْ التَّبَعَةُ عَنْ الْحَمِيلِ فِيمَا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْحَمِيلُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الصَّقَلِّيِّينَ إلَى هَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ثَبَتَ إضْرَارُ الزَّوْجِ بِهَا، وَالْتَزَمَ هُوَ تَصْدِيقَهَا فِي ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ تَشَكَّتْ امْرَأَتُهُ ضَرَرَهُ فَأَشْهَدَ لَهَا إنْ عَادَ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِي ذَلِكَ وَأَمْرُهَا بِيَدِهَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا أَلْبَتَّةَ فَأَشْهَدَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ أَنَّ زَوْجَهَا عَادَ إلَى أَذَاهَا، وَأَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ أَنْ يَكُونَ أَذَاهَا ثُمَّ قَدِمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَعَمَتْ أَنَّهَا كَذَبَتْ فِيمَا شَكَتْ مِنْ الْأَذَى وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا قَالَ: قَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَلَزِمَهُ مَا قَضَتْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا مُصَدَّقَةً وَقَالَ مِثْلَهُ أَشْهَبُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَصْدَقَهَا وَأَقَلَّ وَمِثْلَ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْجِنْسِ، وَالْقَدْرِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ فِي إرْسَالِ مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ فَلَمْ يَكُنْ عِوَضُهَا مُقَدَّرًا كَالْكِتَابَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى دَارٍ، أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ وَكَانَ قَدْ أَصْدَقَهَا مِائَةَ دِينَارٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبَضَتْهَا أَوْ لَمْ تَقْبِضْهَا، فَإِنَّهَا تَرُدُّ الْمِائَةَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا إلَّا بِمَا كَانَ فِي يَدِهَا مِمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي النِّكَاحِ فَبِأَنْ تَرُدَّ مَا يُدْفَعُ إلَيْهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ قَبَضَتْهُ فَلَا تَرُدُّ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مَا أَعْطَتْ الزَّوْجَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ النِّصْفُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الصُّلْحِ إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ الزَّوْجَةُ رَدَّ شَيْءٍ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ صَدَاقِهَا قَالَ مَالِكٌ لَهَا نِصْفُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهَا عَشْرَةً مِنْ صَدَاقِهَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الْبَاقِي عَلَى حُكْمِهِ، وَلَوْ أَعْطَتْهُ عَشْرَةً عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً أَتْبَعَتْهُ بِنِصْفِ هَذَا الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا اشْتَرَتْ بِهَا هَذِهِ الطَّلْقَةَ، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ الْمُبْهَمِ فَلَا تَتْبَعْهُ بِشَيْءٍ خَلَعَتْهُ بِعَطِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ عَطِيَّةٍ، وَأَمَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَا تَرُدُّ هِيَ مَا قَبَضَتْ مِنْ الصَّدَاقِ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَتَتْبَعُهُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ مَهْرِهَا إنْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِأَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ سَيِّدٍ يَحْجُرُ عَلَى أَمَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ خُلْعُهَا، فَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ نَفَذَ الْخُلْعُ وَارْتَجَعَ الْوَلِيُّ مَا أَعْطَتْهُ مِنْ الْمَالِ وَطَالَبَ بِمَا وَهَبَتْهُ مِنْ صَدَاقٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصَرُّفَ لَهَا فِي مَالِهَا فَكَانَ لِلْوَلِيِّ اسْتِرْجَاعُ مَا أَمْضَتْ مِنْهُ، وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا الزَّوْجُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَا أَعْطَتْهُ أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ وَلَهُ مَا أَخَذَ إنْ كَانَ مِمَّا يُصَالَحُ بِهِ مِثْلُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مَالِكَةٌ أَمْرَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَلَهَا أَنْ تُسْقِطَ حَقَّهَا إذَا شَاءَتْ فَكَانَ لَهَا الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ بِاسْتِخْلَاصِهِ عَلَى عِوَضٍ تَدْفَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ غَبْنٌ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ خُبْزًا لِقُوتِهَا لَمَّا كَانَتْ تَمْلِكُ أَكْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ نَظَرٌ فِي ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ إنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَالَ مَرْدُودٌ، وَالْخُلْعَ مَاضٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ، فَإِنْ كَانَتْ بَالِغًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: يَجُوزُ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَهُ مَا أَخَذَ وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِيهِ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يَجُوزُ مَا بَادَلَتْ بِهِ الصَّغِيرَةُ وَلَا السَّفِيهَةُ الْبَالِغُ وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَيَرُدُّ الزَّوْجُ مَا أَخَذَ وَبِمُضِيِّ الْفِرَاقِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ الْبَالِغَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ الْأَبُ، وَالْوَصِيُّ وَلَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمُبَارَأَةِ، وَأَمَّا الْبَالِغُ السَّفِيهُ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُبَارِي عَنْ السَّفِيهِ وَيُزَوِّجُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي إجْبَارِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِلْأَبِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّ يُخَالِعُ عَنْ الْيَتِيمَةِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَيُلْزِمُهَا ذَلِكَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ الْخُلْعَ كَالْوَلِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِوَصِيٍّ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ وَلِيٌّ يَحْجُبُ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ حَالَ الْبَكَارَةِ كَالْأَبِ وَرَوَى زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَارِيَ الْوَلِيُّ، وَالْخَلِيفَةُ عَنْ الصَّغِيرَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ جَوَازَ ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَاوَضَهَا بِالطَّلَاقِ عَلَى أَمْرٍ لَا تَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَمْلِكُ تَصْيِيرَ مَا لَهَا إلَيْهِ حَالَ مَرَضِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَرَضَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَمْنَعْ الْمَقْصُودَ بِهِ مِنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ يَكُونُ لَهُ خُلْعُ مِثْلِهَا وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَهُ قَدْرُ مِيرَاثِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَا خَالَعَتْهُ بِهِ أَقَلَّ فَلَهُ الْأَقَلُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةٌ بِمَا يُرْسِلُ الزَّوْجُ مِنْ مِلْكِ بُضْعِهَا وَهِيَ فِي مَرَضِهَا

[طلاق المختلعة]

طَلَاقُ الْمُخْتَلِعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ جَاءَتْ هِيَ وَعَمُّهَا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ: إنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَى زَوْجِهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ وَتَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مَمْنُوعَةٍ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ بِمَا لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْمُحَابَاةِ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ خُلْعُ مِثْلِهَا، وَمَنْعُ الْمُحَابَاةِ إنْ زَادَتْهُ عَلَى خُلْعِ مِثْلِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمِيرَاثَ كَانَ لَهُ إنْ مَاتَتْ مِنْ مَرَضِهَا، فَإِنْ خَالَعَتْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ فَكَانَ لَهُ مَا أَبْقَى مِنْهُ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا اعْتَبَرْنَا مِيرَاثَهُ مِنْهَا، فَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا لَهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَتْ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا مَا تَلِفَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا يَوْمَ الصُّلْحِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يَكُونُ يَوْمَ مَوْتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِقَدْرِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا لَزِمَ يَوْمَ الصُّلْحِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْتَبَرُ بِهِ الْعِوَضُ مِنْهَا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ لُزُومِ الْعَقْدِ. [طَلَاقُ الْمُخْتَلِعَةِ] (ش) : قَوْلُ الرُّبَيِّعِ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَرَادَتْ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مَحْظُورٍ، عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ يَقْتَضِيهِ إلَّا رَغْبَةُ الْمَرْأَةِ عَنْ الزَّوْجِ وَكَرَاهِيَتِهَا لَهُ، وَقَدْ «خَالَعَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ زَوْجَهُ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ فَحَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ» فَكَيْفَ يُنْكِرُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَلَّهُ قَدْ شَاهَدَ ذَلِكَ الْخُلْعَ، أَوْ بَلَغَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ احْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128] فَأَفْرَدَ الْإِعْرَاضَ مِنْ النُّشُوزِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ يُرِيدُ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لَمْ تُعْطِ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّةَ عَنْ الطَّلَاقِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطَّلَاقِ بَلْ هِيَ سَوَاءٌ فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ بِالْعِوَضِ، وَالطَّلَاقِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ كَانُوا يَقُولُونَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) . (ش) : قَوْلُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: إنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ فَسَّرُوا ذَلِكَ بِأَنَّهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَهَذَا فِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُسَاوِيهَا إلَّا فِي الْأَقْرَاءِ بَلْ هِيَ مُسَاوِيَةٌ لَهَا فِي الْعِدَّةِ بِالْحَمْلِ، وَالشُّهُورِ، وَالْمُرْتَابَةُ كَمَا هِيَ مُسَاوِيَةٌ لَهَا فِي الِاعْتِدَادِ بِالْأَقْرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَالْخُلْعُ طَلَاقٌ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الزَّوْجَ أَخَذَ عِوَضًا عَلَى إرْسَالِ مَا يَمْلِكُهُ وَاَلَّذِي يَمْلِكُ الطَّلَاقَ دُونَ الْفَسْخِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ يَصِحُّ إبْقَاءُ النِّكَاحِ مَعَ الْمُوجِبِ لَهَا، وَإِنَّهَا طَلَاقٌ كَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ، وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُفْتَدِيَةِ: إنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمُخْتَلِعَةِ،. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبَارِئَةَ هِيَ الَّتِي تُبَارِي مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا فَتَقُولُ: خُذْ الَّذِي لَك وَاتْرُكْنِي، وَالْمُفْتَدِيَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِيهِ بَعْضَ الَّذِي لَهَا وَتُمْسِكُ بَعْضَهُ وَكَذَلِكَ الْمُصَالِحَةُ، وَالْمُخْتَلِعَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِيهِ جَمِيعَ مَالِهَا وَتَنْخَلِعُ عَنْهُ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُبَارِئَةِ، وَالْمُفْتَدِيَةِ، وَالْمُخْتَلِعَةِ، وَرَوَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَمَا أَتْبَعَهُ بَعْدَ الصُّمَاتِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبَارِئَةَ هِيَ الَّتِي لَا تَأْخُذُ شَيْئًا وَلَا تُعْطِي، وَالْمُخْتَلِعَةَ هِيَ الَّتِي تُعْطِي، وَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ فَمَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ تَعُودُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْإِيقَاعِ وَفَسَّرَهَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْمُفْتَدِيَةِ: إنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَى زَوْجِهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ يَقْتَضِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ طَلَاقَهُ لَيْسَ بِرَجْعِيٍّ بَلْ هُوَ بَائِنٌ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهَا إنَّمَا أَعْطَتْهُ الْعِوَضَ لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ طَلَاقُ الْخُلْعِ رَجْعِيًّا لَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِهِ وَلَاجْتَمَعَ لِلزَّوْجِ الْعِوَضُ، وَالْمُعَوَّضُ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا فَأَمَّا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَدُ الْخُطَّابِ، وَأَمَّا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ فَلَا تَمْنَعُهُ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا تَمْنَعُ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَثْقُلْ حِمْلُهَا فَتَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَزَوَّجَ مَرِيضَةً وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَلَوْ بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ وَشَرَطَ الرَّجْعَةَ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ رَوَاهُمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إحْدَاهُمَا: ثُبُوتُهَا وَبِهَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهَا قَالَ سَحْنُونٌ: وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَقَطَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَنِّي لَا أَطَأُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ هُوَ نَكَحَهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ يُرِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ عِدَّةٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ، وَهَذَا إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَهِيَ عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يُبْطِلُ التَّمَادِيَ عَلَيْهَا إلَّا بِالْمَسِيسِ، فَإِذَا عَرَا مِنْ الْمَسِيسِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْعِدَّةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا افْتَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَاقًا مُتَتَابِعًا نَسَقًا فَذَلِكَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي طَلَاقِ الْخُلْعِ الَّذِي تَبِينُ بِهِ الزَّوْجَةُ وَتَخْرُجُ بِهِ عَنْ حُكْمِ الزَّوْجِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا، فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي اللُّزُومِ حُكْمُ مَنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نَسَقَ الْكَلَامِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مُتَّصِلًا يُوجِبُ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَثَّرَ وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُرِيدُ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ كَلَامُهُ وَتَخَلَّلَهُ صَمْتٌ أَوْ كَلَامٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا قَبْلَهُ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ مُبْتَدَأٌ لَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقٌ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُخَالَعَةِ صُمَاتٌ؛ لِأَنَّ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلَاقٍ صَمْتٌ فَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ الْمُبْتَدَأِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَلْحَقْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ صَمْتٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ بِلَفْظٍ يَعُمُّهَا وَسَائِرُ نِسَائِهِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقٌ يَخُصُّهَا أَصْلُ ذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في اللعان]

مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْته عَنْهَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَقَامَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك فَاذْهَبْ فَائْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ بَعْدُ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ يُقَالُ: إنَّهُ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ الْعَجْلَانِيُّ جَاءَ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْجَأُ النَّاسُ فِي مُهِمِّ أُمُورِهِمْ وَمَا دَهَمَهُمْ إلَى أَهْلِ الْفَضْلِ، وَالْعِلْمِ، وَالتَّقَدُّمِ مِنْهُمْ وَعُوَيْمِرٌ هَذَا مِنْ أَقَارِبِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْمَذْكُورِ فَلَجَأَ إلَيْهِ لِيَسْأَلَ لَهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَزَلَ بِهِ لِكَوْنِ عَاصِمٍ مِمَّنْ يَقْرُبُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقَدُّمِهِ وَفَضْلِهِ مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِمَا سُئِلَ فِيهِ وَأَوْعَى لِلْجَوَابِ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ مَا اُبْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ إلَّا لِقَوْلِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ، وَهَذَا مِنْ التَّحَرُّزِ فِي السُّؤَالِ لِئَلَّا يُصَرِّحَ بِقَذْفِ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ وَلَعَلَّهُ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ أَنْ يُعْلِنَ بِخَبَرِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ إعْلَانُهُ وَكِتْمَانُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَبْدُو إلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْقَضِيَّةِ وَلِذَلِكَ اسْتَنَابَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ فِي السُّؤَالِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ الْقِصَاصُ، وَالثَّانِي هَلْ مِنْ وَجْهٍ يَصِلُ بِهِ إلَى إزَالَةِ مَا أَصَابَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَى شِفَاءِ غَيْظِهِ بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ قَتْلِهِ الَّذِي إذَا فَعَلَ قُتِلَ بِهِ ثُمَّ قَالَ: سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ كَرِهَ مِثْلَ هَذَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَيَرْمِيَهَا بِزِنًى مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَدَّمَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا يَدَّعِيهِ لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ فِي قَذْفِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ لَمَّا قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQظَهْرِك فَقَالَ هِلَالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] » وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ التَّسَرُّعَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ السُّؤَالَ لِمَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ فَكَرِهَهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ سُؤَالِ مَنْ يُرِيدُ بِهِ التَّشْغِيبَ وَلَا يَقْصِدُ التَّفَقُّهَ كَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نَاقَةٍ ضَلَّتْ لَهُ، أَوْ مَنْ أَبُوهُ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اُتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ كَثْرَةَ السُّؤَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَوَكَّلَ النَّاسَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ عُلَمَائِهِمْ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ الْقَضِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهَا لَزِمَ امْتِثَالُ ذَلِكَ النَّصِّ وَلَمْ تَحِلَّ مُخَالَفَتُهُ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ بَعْضُ التَّشْغِيبِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَلَيْسَ هَذَا حُكْمَ سَائِرِ النَّاسِ وَتَسَاؤُلِهِمْ عَنْ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ مَنْ قَصَدَ بِسُؤَالِ الْعَالِمِ التَّبْكِيتَ، وَالتَّعْنِيتَ، وَالْأَذَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَجَدَ عِنْدَهُ عِلْمًا، أَوْ لَمْ يَجِدْ لِفَسَادِ مَقْصِدِ السَّائِلِ، فَإِنْ سَأَلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاظَرَةِ، وَالْمُجَارَاةِ فِيهَا لِيَتَبَيَّنَ الْحَقَّ أَوْ يُبْدِيَهَا فِي النَّظَرِ وَيُسْتَعَانُ بِذَلِكَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ فَهُوَ وَجْهٌ مِنْ السُّؤَالِ صَحِيحٌ، وَلَوْ سَأَلَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْتَاءِ مَنْ فَرْضُهُ ذَلِكَ فَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَجْهٌ يُتَوَقَّعُ الْآنَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْجَوَازِ إلَى الْمَنْعِ لِتَكَلُّمِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي الْمَسَائِلِ وَلَا لِسُؤَالِ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ فِي الْأَحْكَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ فِي مَسْأَلَتِهِ الَّتِي كَلَّفَ عَاصِمًا السُّؤَالَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَهُ مُقْتَضِيًا الْجَوَابَ فِيهَا حِينَ كَلَّفَهُ السُّؤَالَ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ عَاصِمٌ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ يُرِيدُ أَنَّ مَا كَلَّفْتنِي مِنْ السُّؤَالِ لَمْ يُثْمِرْ خَيْرًا وَلَا سَبَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَرِهَ مَسْأَلَتَك، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا أَظْهَرَ مِنْ كَرَاهِيَةِ السُّؤَالِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ لَا يُسْرِعَ بِالْجَوَابِ عَمَّا اُسْتُفْتِيَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ، وَإِذَا خَافَ أَنْ لَا يَتَسَبَّبَ بِهِ إلَى مَحْظُورٍ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهِ وَسَبَبِهِ وَجِهَةِ السَّائِلِ وَمَقْصِدِهِ مَا أَمْكَنَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُوَيْمِرٍ: وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا يُرِيدُ اسْتِدَامَةَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ وَطَلَبِ حُكْمِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَنْ ذَلِكَ مَا ظَهْرَ إلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَسْأَلَتِهِ حِينَ لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى مَا زَعَمَ أَنَّهُ ظَهَرَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَالَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ وَلَعَلَّهُ خَافَ حَمْلًا فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَعْلَمَ وَجْهَ نَفْيِهِ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَأَوَّلَ فِي الْكَرَاهِيَةِ لِمَسْأَلَتِهِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ السُّؤَالَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ بِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ حَالِهِ إذَا سَأَلَهُ مَا يَصِلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ حَدًّا وَتَرْتَفِعُ بِهِ الْكَرَاهِيَةُ فَلَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَنْ مَسْأَلَتِهِ بِمِثْلِ مَا كَانَ كَلَّفَ عَاصِمًا أَنْ يَسْأَلَ لَهُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَادَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي مَعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهُ إذَا ادَّعَى الرُّؤْيَةَ وَوَصَفَ ذَلِكَ كَمَا يَصِفُ الشُّهُودُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَادَّعَى الرُّؤْيَةَ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ رُؤْيَةً فَهَلْ يُلَاعِنُ أَمْ لَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُلَاعِنُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ، وَجْهُ قَوْلِنَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ يُلَاعِنُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ رُؤْيَةً، أَوْ لَا وَلِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِزَوْجَتِهِ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ كَمَا لَوْ ادَّعَى رُؤْيَةً، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا حُرَّةٌ عَفِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ قَذَفَهَا مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ قَذْفَهُ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَفْظُ الْوُجُودِ مَعَ امْرَأَتِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا فِي لِحَافِهَا، أَوْ وَجَدْتُهَا قَدْ تَجَرَّدَتْ لِرَجُلٍ، أَوْ وَجَدْتُهَا وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَجُلٍ عُرْيَانَيْنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهَا بِزِنًى أَوْ يَنْفِيَ حَمْلَهَا فَأَرَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ دُونَ الْحَدِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ إذَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِخْبَارَ عَمَّا تَلَفَّظَ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيضَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُحَدُّ الزَّوْجُ فِي التَّعْرِيضِ وَلَا يُلَاعِنُ، وَقَدْ وَجَدْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّعْرِيضِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اُمْتُحِنَ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ، وَالسُّكُوتِ وَلِذَلِكَ جُعِلَ لَهُ الْمَخْرَجُ بِاللِّعَانِ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ التَّصْرِيحِ إلَى التَّعْرِيضِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَذِبِهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَإِنَّهُ يُرِيدُ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ الزَّوْجُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ إضَافَةَ الْقَذْفِ إلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُكِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ثُمَّ خَصَّهُ بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] فَخَصَّ الْأَزْوَاجَ بِحُكْمِ اللِّعَانِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَضَافَ الْقَذْفَ إلَى غَيْرِ زَوْجِهِ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَذَفَهَا بِزِنًى، وَلَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حِينَ الْقَذْفِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا، أَنْكَرَ حَمْلَهَا ثُمَّ اسْتَدَامَ الزَّوْجِيَّةَ، وَالْوَطْءَ لَظَهَرَ بِذَلِكَ كَذِبُهُ وَحُدَّ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهَا زَنَتْ فِيهِ فَبِأَنْ يُحَدَّ وَلَا يُلَاعِنَ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فِيهِ تَحَرُّزٌ مِنْ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ الْبَيِّنَةُ لَكَانَ قَاذِفًا لَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهُ بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْقِطُ ذَلِكَ تَلَاعُنُ الزَّوْجَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ شَخْصٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَسْقُطْ قَذْفُهُ بِلِعَانِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حُدَّ لِلرَّجُلِ الْمُسَمَّى، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ اللِّعَانُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حُدَّ بِقَذْفِ رَجُلٍ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ قَذْفٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَدِّ لِمَنْ قَامَ بِهِ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا لَمْ يُسَمِّهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُ إلَّا بِمُطَالَبَةِ مُسْتَحِقِّهِ، وَإِذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ، وَالِاسْمِ لَمْ تَصْلُحْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا يَزْنِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ سُؤَالٌ عَامٌّ لَكِنَّ جَوَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصٌّ بِقَوْلِهِ «قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنٌ فَاذْهَبْ فَائِتِ بِهَا» وَقَالَ السَّائِلُ: أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ، وَقَدْ سَأَلَ عَنْ قِصَّتِهِ بِلَفْظِ الْغَائِبِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ لَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ، وَالذَّهَابِ إلَى التَّسَتُّرِ أَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ إنْ كَانَ وَقَعَ لَهُ سَهْوٌ، أَوْ قِلَّةُ اسْتِثْبَاتٍ وَقَوْلُهُ: أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنٌ فَاذْهَبْ فَائِتِ بِهَا» يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ فِي قِصَّتِهِمَا فَأُعْلِمَ فِيهِ أَنَّ السَّائِلَ، وَإِنْ كَانَ وَرَّى فَلَمْ يُضِفْ الْأَمْرَ إلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ صَاحِبُ ذَلِكَ، وَالْمُبْتَلَى بِهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيهِ وَفِي صَاحِبَتِهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ أُوحِيَ إلَيْهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُبَاحَ لَهُمْ السُّؤَالُ عَنْهَا، أَوْ يَكُونَ ظَهَرَ ذَلِكَ إلَيْهِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ سَهْلٍ فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ اللِّعَانِ الِاسْتِتَارُ بِهِ بَلْ مِنْ سُنَّتِهِ إحْضَارُ النَّاسِ لَهُ لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ بِلُحُوقِ النَّسَبِ بِالزَّوْجِ أَوْ انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْإِمَامِ، أَوْ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَفْتَقِرُ إلَى حَاكِمٍ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ النَّهَارِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَيَكُونُ بِأَثَرِ صَلَاةٍ قَالَ مَالِكٌ وَبِأَثَرِ مَكْتُوبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً يُرِيدُ أَنَّهَا يَمِينٌ تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ فَغُلِّظَتْ بِالْوَقْتِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إلَّا بِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا كَذَا، وَكَذَا فَصَدَّقَهُ» وَفِي ذَلِكَ فَائِدَةُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ مَعَ الِانْصِرَافِ مِنْ عِبَادَةٍ تُذَكِّرُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتَنْهَى عَنْ الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَكُونُ إلَّا بِأَثَرِ صَلَاةٍ وَفِي مَقْطَعِ الْحُقُوقِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا كَالْمَكَانِ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ، فَإِنَّهَا يَمِينٌ فِيمَا لَهُ بَالٌ يَحْتَاجُ إلَى التَّغْلِيظِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُغَلَّظَ بِالْمَكَانِ كَالْيَمِينِ فِي الْحُقُوقِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، وَأَمَّا الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ فَتُلَاعِنُ بِحَيْثُ تُعَظِّمُهُ مِنْ الْبِيَعِ، وَالْكَنَائِسِ قَالَهُ مَالِكٌ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولٍ يَقْطَعُ الْحَقَّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ انْقِضَاؤُهُ مُعْتَادًا كَالْحَيْضِ، أَوْ لَا يَكُونَ مُعْتَادًا كَالْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَاعَنَ هُوَ لِمَا يُرِيدُ مِنْ الِاسْتِعْجَالِ وَيَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ اللِّعَانِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ لِيَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ وَتُؤَخِّرَ هِيَ إلَى أَنْ تَطْهُرَ فَتَلَاعَنَ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا، وَكَانَتْ مَرِيضَةً أَرْسَلَ الْإِمَامُ إلَى الْمَرِيضِ مِنْهُمَا عُدُولًا رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ سُنَّتِهِ التَّعْجِيلُ، وَالْمَرَضُ لَا يُدْرَى لَهُ غَايَةٌ فَسَقَطَ الْمَكَانُ بِالتَّعْجِيلِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا يُرِيدُ أَكْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي حَقِّهِ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَا عَلِمَ وَتَيَقَّنَ مِنْ حَالِهَا فَالْمُوجِبُ لِلِعَانِهَا فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ قَدْ زَنَتْ وَثَبَتَ فِي حَقِّهَا اللِّعَانُ إمَّا بِرُؤْيَةٍ، أَوْ قَذْفٍ أَوْ انْتِفَاءٍ مِنْ حَمْلٍ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَالسُّكُوتِ عَنْهُ طَوِيلَ الْمُدَّةِ، أَوْ وَطْئِهَا أَوْ الِالْتِذَاذِ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إمْسَاكِهِ لَهَا، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ اللِّعَانِ وَيَتَبَيَّنُ بِمَا فَعَلَهُ كَذِبُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: إنِّي أَحْكُمُ عَلَى نَفْسِي بِحُكْمِ الْكَاذِبِ إنْ أَمْسَكْتهَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَنَا فَاسِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، وَأَنَا ظَالِمٌ إنْ تَرَكْت حَقِّي وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُرِيدُ أَنَّهُ أَتَى بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ مِنْ دَلِيلِ صِدْقِهِ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَلَا الْإِمْسَاكُ لَهَا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُمْسِكِ لَهَا وَلَا يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اطَّلَعَ مِنْ زَوْجَتِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا يَبْلُغُ بِهِ الْغَضَبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَلَّ قَتْلَهَا لَقَتَلَهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلشَّرْعِ أَبَانَهَا، أَوْ أَبْعَدَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُهُ حَتَّى لَا يَرَاهَا وَلَا يَقْدِرَ أَنْ يَسْمَعَ ذِكْرَهَا وَلَا خَبَرَهَا فَكَيْفَ أَنْ يُمْسِكَ عِصْمَتَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ آخِرَ طَلْقَةٍ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا بِوَصْفِ طَلَاقِهِ كُلِّهِ فِيهَا مَا أَوْقَعَ قَبْلَ اللِّعَانِ وَمَا أَوْقَعَ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ صَرَّحَ فِي طَلَاقِهَا بِالثَّلَاثِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا وَاجِبًا بِالشَّرْعِ. وَلَعَلَّهُ قَدْ جَرَى فِي الْمَجْلِسِ مَا عَلِمَ بِهِ عُوَيْمِرٌ حُكْمَ ذَلِكَ، أَوْ أَوْقَعَهُ ابْتِدَاءً لَمَّا بَلَغَ بِهِ الْغَضَبُ مِنْ فِعْلِهَا، وَالْبُغْضُ لَهَا، وَالْغَيْظُ عَلَيْهَا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُ لَوْ لَمْ يَبْرَأْ بِهِ، فَإِنَّ طَلَاقَ اللِّعَانِ تَحْرِيمُهُ مُؤَبَّدٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الثَّلَاثِ يَرْتَفِعُ بِوَجْهٍ وَتَحْرِيمَ اللِّعَانِ لَا يَرْتَفِعُ بِوَجْهٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَمْ يُوَاقِعْ مَحْظُورًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِنَا ثَلَاثًا إلَّا مَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا سِيَّمَا إذَا نَوَى أَنَّ ذَلِكَ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ طَلَّقَهَا وَمَعَ هَذَا، فَإِنَّ قَذْفَهَا بِالزِّنَى يَقْتَضِي مُبَاعَدَتَهَا فَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ قَذَفَهَا حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ فَكَانَ فِرَاقُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ وَمَا وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا تَأْثِيرَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّهُ إذَا قَذَفَهَا وَقَالَ: رَأَيْتُهَا تَزْنِي وَلَاعَنَ وَلَمْ يُسْأَلْ هَلْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُ إنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعِي الِاسْتِبْرَاءَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ بِذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ بِأَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ فُرْقَةَ اللِّعَانِ مُؤَبَّدَةٌ بِإِجْمَاعٍ إذَا لَمْ يُكْذِبْ نَفْسَهُ، وَفُرْقَةُ الثَّلَاثِ لَا تَتَأَبَّدُ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالتَّمَادِي عَلَى حُكْمِ اللِّعَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَقَعُ فُرْقَةُ اللِّعَانِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا فُرْقَةٌ تَجِبُ بِاللِّعَانِ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ بِاللِّعَانِ، وَدَلِيلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ تَقْتَضِي تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالْفُرْقَةِ الْوَاقِعَةِ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ، وَالْمُصَاهَرَةِ. (فَرْعٌ) وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ حَتَّى تُكْمِلَ الْمَرْأَةُ الِالْتِعَانَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَلَكِنْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِلِعَانِهَا وَبِذَلِكَ يُدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابُ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُلَاعِنْ لَمْ تَثْبُتْ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ إتْمَامِ الْتِعَانِهَا. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَوَجْهُ مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّلَاعُنَ لَمْ يَكْمُلْ فَلَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ لِعَانِ الزَّوْجِ شَيْءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُتَلَاعِنَ بِأَثَرِ الْفَرَاغِ مِنْ اللِّعَانِ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقْضِي بِمَا صَحَّ عَنْهُ رَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى قَالَ: إنِّي لَأُحِبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ مِثْلَ مَا صَنَعَ عُوَيْمِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQسُنَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ عِيسَى: لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهُ حُكْمٌ أَكْثَرُ مِنْ ظِهَارِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى مُفَارَقَتِهَا، وَالْإِبْعَادِ لَهَا وَإِظْهَارِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ اللِّعَانُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَيَقْتَدِي فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى اللِّعَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهَا بَعْدَ عِلْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُؤَكِّدُ صِدْقَهُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يُرِيدُ أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ اسْتِحْبَابَ إظْهَارِ الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِانْقِضَاءِ اللِّعَانِ وَتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ انْتِفَاءَهُ مِنْ وَلَدِهَا كَانَ سَبَبَ اللِّعَانِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ لَاعَنَهَا بِدَعْوَى ادَّعَاهَا مِنْ رُؤْيَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَلَاعَنَ لِذَلِكَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَأَمَّا نَفْيُ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ، وَإِنْ عَرَا عَنْ الْقَذْفِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُلَاعِنُ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الْقَذْفُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ ضَرُورَتَهُ إلَى نَفْيِ الْوَلَدِ أَشَدُّ مِنْ ضَرُورَتِهِ إلَى قَذْفِهَا؛ لِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَصِحُّ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَكْثَرُ مِمَّا يَصِحُّ بِالْقَذْفِ، فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بِالْقَذْفِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فَلَأَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَحَاجَتُهُ آكَدُ أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَنَفْيُ الْوَلَدِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَيَنْفِيهِ، وَالثَّانِي أَنْ تَلِدَ وَلَدًا فَيَنْفِيهِ فَأَمَّا ظُهُورُ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا رَآهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُقِرَّ بِهِ، أَوْ يَنْفِيَهُ، أَوْ يَسْكُتَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ نَفَاهُ حُدَّ، وَأَمَّا إنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءً، أَوْ لَا يَدَّعِيَهُ، فَإِنْ ادَّعَى اسْتِبْرَاءً فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ الْمُلَاعَنَةَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً فَهَلْ يُلَاعِنُ، أَوْ يُحَدُّ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الْحَمْلِ: لَيْسَ لَهُ نَفْيُ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: جُلُّ رُوَاةِ مَالِكٍ عَلَى مُرَاعَاةِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ: يُلَاعِنُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً وَرَوَاهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ نَفْيُ الْحَمْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ وَلَدَهُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَصِحُّ مِنْهُ بِغَيْرِ الِاسْتِبْرَاءِ وَيَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ بِذَلِكَ وَيَحْصُلُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُرَاعِي الِاسْتِبْرَاءَ فَكَمْ يُجْزِئُ مِنْهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ يُجْزِئُ مِنْهُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هَاهُنَا إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحَقُّقُ نَفْيِ الْحَمْلِ وَوُجُودُ وَجْهٍ يَقْتَضِيهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ كَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِبْرَاءَ لَيْسَ بِعِدَّةٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَدَدُ الْأَقْرَاءِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِحُرَّةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ بِعَدَدِ الْأَقْرَاءِ كَالْعِدَّةِ. (فَرْعٌ) : وَإِذَا قُلْنَا بِنَفْيِ الِاسْتِبْرَاءِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَطَأُ وَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ مِنِّي فَلَاعَنَ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الزِّنَا فَاخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابُهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ، وَهَذَا إغْرَاقٌ وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ أَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ بِهِ لَاحِقٌ، وَإِنْ كَانَ لَاعَنَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَهُوَ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبُ: إنْ لَاعَنَ بِرُؤْيَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ فَهُوَ بِهِ لَاحِقٌ وَلَا يَنْفِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ مُدَّعٍ فِيهِ اسْتِبْرَاءً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَامِلَ تُلَاعِنُ إذَا نَفَى الزَّوْجُ حَمْلَهَا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا وَلَا قَذْفَ حَتَّى تَضَعَ إذْ لَعَلَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] الْآيَةَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالِ الْحَمْلِ وَبُعْدِ الْوَضْعِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَسَبٍ جَازَ إسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ جَازَ إسْقَاطُهُ قَبْلَهُ كَالْفِرَاشِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ حَمْلَهَا فَيَنْفِيهِ وَلَا يَتَيَقَّنُ زِنَاهَا بِالْتِعَانِهِ إنْ نَكَلَتْ وَلِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ حَمْلٌ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَلَاعَنَا ثُمَّ انْفَشَّ الْحَمْلُ لَمْ يُحَدَّ الزَّوْجُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ قَدْ ثَبَتَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَزُولُ التَّحْرِيمُ بِمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْكَذِبُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَمْلِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ أَنْكَرَ وَلَدَهُ بِالْعَزْلِ لَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَطِئَ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ وُصُولُ الْمَاءِ مِنْهُ إلَى الْفَرْجِ وَكَذَلِكَ الدُّبُرُ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى الْفَرْجِ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَأَمَّا الْعَزْلُ فَوَجْهُهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُهُ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَشْعُرُ بِهِ قَبْلَ الْعَزْلِ فَيَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ عِنْدِي أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ وَلَدٌ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا جَازَ أَنْ تُحَدَّ امْرَأَةٌ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَطْءٍ فِي غَيْرِ فَرْجٍ فَلَا يَجِبُ بِهِ رَجْمٌ وَلَا حَدٌّ، وَإِنْ وَجَبَتْ بِهِ عُقُوبَةٌ، أَوْ يَكُونُ مَا أَنْزَلَهُ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ وَطْئِهَا فَوَصَلَ إلَى فَرْجِهَا وَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَخْلُو مِنْهُ الْوَلَدُ إنَّمَا هُوَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَلْتَقِي الْخِتَانَانِ قَبْلَ الِافْتِضَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَذَفَهَا بِزِنًا وَقَالَ: قَدْ وَطِئْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ اسْتَبْرِئْهَا حَتَّى رَأَيْتهَا تَزْنِي فَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَاعَنَ لِلرُّؤْيَةِ يَنْتَفِي الْوَلَدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ ادَّعَى الرُّؤْيَةَ أَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيُلْحَقُ بِهِ وَيَقْتَضِي مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ لِلرُّؤْيَةِ وَدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهُ وَلَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْوَلَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا لَهُ إنْكَارُ الْحَمْلِ وَنَفْيُهُ حِينَ عَلِمَ بِهِ، أَوْ عَلِمَ بِالْوِلَادَةِ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يُنْكِرُ فَلَا إنْكَارَ لَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِنْكَارِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ إنْكَارُهُ بَعْدَ الْوَضْعِ بِيَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ، أَوْ سَنَتَانِ ثُمَّ نَفَاهُ لَاعَنَ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْإِنْكَارِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إذَا ادَّعَى رُؤْيَةً قَدِيمَةً ثُمَّ قَامَ الْآنَ بِهَا أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ وَيُحَدَّ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ إنْكَارِهِ ذَلِكَ، وَالْقِيَامِ بِهِ حِينَ رَآهُ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ وَيُحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَفْيُ وَلَدِهِ فَهُوَ أَنْ يَقْدُمَ مِنْ سَفَرِهِ فَيَجِدَ امْرَأَتَهُ قَدْ وَلَدَتْ، أَوْ ادَّعَتْ وَلَدًا فَيَنْفِيَهُ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: لَمْ تَلِدِيهِ وَلَيْسَ بِوَلَدِك، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ: وَلَدْتِيهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنِّي؛ فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَإِذَا قَالَ: لَمْ تَلِدِيهِ جُمْلَةً وَقَالَتْ هِيَ: وَلَدْته مِنْك قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: هُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: الْمَرْأَةُ مُصَدَّقَةٌ وَلَا لِعَانَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ نَفْيَ الْوَلَدِ مِنْهُ فَيُلَاعِنُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَكَلَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُلَاعِنْ لَمْ يُحَدَّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ قَالَ: وَلَدْتِيهِ وَلَيْسَ مِنِّي فَقَدْ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ فَوَجَدَهَا قَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَنْكَرَهُمْ وَقَالَتْ هِيَ: هُمْ مِنْهُ كَانَ يَأْتِينِي فِي السِّرِّ لَمْ يَنْفِهِمْ إلَّا بِلِعَانٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ، فَإِذَا كَانَ الْفِرَاشُ لَهُ مَعَ غَيْبَتِهِ فَمَا وُلِدَ فِيهِ لَاحِقٌ بِهِ وَلَازِمٌ لَهُ وَلَا يَنْتَفِي مَنْ وُلِدَ فِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ أَوْقَعَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمَا بِحُكْمِهِمَا، وَأَنَّ حُكْمَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَحَدُهُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا، وَهَذَا إخْبَارٌ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مَحْكُومٌ لَهُ فَيَحْكُمُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الشَّرْعِ فِي التَّحْلِيلِ، وَالتَّحْرِيمِ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَالرَّضَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ صَرَفَ نَسَبَهُ إلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَنْتَسِبُ إلَى أَبِيهِ فَلَمَّا مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَنْتَسِبَ إلَى أَبٍ وَنَسَبَهُ إلَى أُمِّهِ كَانَ ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ إلْحَاقِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا لَهُ فِي الِانْتِسَابِ مَقَامَ الْأَبِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ} [النور: 6] إلَى آخِرِهِ هَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذَا بِالزَّوْجَاتِ دُونَ غَيْرِهِنَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَزْوَاجِ شُهَدَاءُ بِمَا يَدَّعُونَ عَلَى الزَّوْجَاتِ مِنْ الزِّنَا، وَهَذَا يُخْرِجُ الزَّوْجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الشَّاهِدِ، وَلَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَكَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ، فَإِنْ تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا حُدَّ الثَّلَاثَةُ الْأَجْنَبِيُّونَ، فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُلَاعِنَ حُدَّ الزَّوْجُ مَعَهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِيهَا قَذْفٌ وَتُرْجَمُ الْمَرْأَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَزْوَاجَ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَكُونُوا شُهُودًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ بَيِّنَةٌ فِي الزِّنَا لَمْ تَتِمَّ إلَّا بِالزَّوْجِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِهَا كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الْقَذْفُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا فَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ زَوْجُهَا الزِّنَا لَمْ يَنْتَفِ نَسَبُ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَاعَنَ الزَّوْجُ وَنَكَلَتْ الْمَرْأَةُ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ كَانَتْ بِكْرًا بِجَلْدِ مِائَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا بِالرَّجْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَلْفَاظَ اللِّعَانِ أَيْمَانٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللِّعَانُ شَهَادَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَرَنَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قَوْلَهُ: بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ قَدْ يُقَالُ فِيهَا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَكَذَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى فِعْلِهِ، وَالشَّاهِدُ لَا يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِهِ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ عِنْدَنَا، وَالْحَبْسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ عِنْدَهُ عَذَابٌ، وَهَذَا حُكْمُ الْيَمِينِ فَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْأَنْسَابِ لِيَدْفَعَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَزَوْجَتِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ عَلَى شِبْهِ الَّذِي قُذِفَتْ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لَهُ وَلَهَا شَأْنٌ» وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللِّعَانَ يَصِحُّ مِنْ الْفَاسِقِ، وَالْأَعْمَى، وَالشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْفَاسِقِ وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْأَعْمَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَبْدَأُ الرَّجُلُ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] الْآيَةَ فَبَدَأَ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِرَارًا فَقَالَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ: وَاَللَّهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْك مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ فَدَعَا هِلَالًا فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ثُمَّ دُعِيَتْ الْمَرْأَةُ فَشَهِدَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ» الْحَدِيثَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ بَدَأَ بِالْقَذْفِ فَلَزِمَ أَنْ يَبْدَأَ بِاللِّعَانِ. 1 - (فَرْعٌ) ، فَإِنْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ فَهَلْ تُعِيدُهُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ لِعَانِهَا قَبْلَ الزَّوْجِ وَتُعِيدُ اللِّعَانَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تُعِيدُ اللِّعَانَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ أَنْ حَقَّ عَلَيْهَا الْعَذَابُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ أَشْهَبُ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحُقُوقِ فَلَوْ بَدَأَ الطَّالِبُ بِالْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا لِعَانٌ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَيَصِحُّ أَنْ يَقَعَ أَوَّلًا كَلِعَانِ الزَّوْجِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْقَذْفَ فَلَمَّا أَقَامَتْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً ادَّعَى رُؤْيَةَ الزِّنَا، فَإِنَّ لَهُ اللِّعَانَ بِخِلَافِ الْحُقُوقِ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: أَرَدْت التَّسَتُّرَ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِذَا قَذَفَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِاللِّعَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَلْتَعِنَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَاذِفٌ حُرَّةً عَفِيفَةً فَثَبَتَ فِي حَقِّهِ الْحَدُّ كَالْأَجْنَبِيَّةِ. 1 - ، وَلَوْ الْتَعَنَ بَعْضَ اللِّعَانِ فَبَقِيَ مِنْهُ أَقَلُّهُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ تَرَكَ الِالْتِعَانَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَعْفُ الْمَرْأَةُ وَلَكِنْ أَقَرَّتْ ثُمَّ رَجَعَتْ فَاعْتَذَرَتْ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : ، فَإِذَا الْتَعَنَ الرَّجُلُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ أَحْكَامٌ مِنْهَا سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَتَوْجِيهُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَانْتِفَاءُ الْوَلَدِ إنْ كَانَ اللِّعَانُ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُحْبَسُ إنْ امْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ عَذَابٌ، وَهُوَ الْحَدُّ، فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَدْرَأَهُ عَنْ نَفْسِهَا بِاللِّعَانِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى يَخْرُجُ بِهِ الْقَاذِفُ مِنْ قَذْفِهِ فَتَوَجَّهَ إلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ الْحَدُّ أَصْلُ ذَلِكَ السُّنَّةُ. (فَرْعٌ) : وَإِنْ تَمَادَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ اللِّعَانِ أَنْفَذَ عَلَيْهَا الرَّجْمَ، أَوْ الْجَلْدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ رَجَعَتْ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَعُودُ إلَى اللِّعَانِ، فَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ لَحِقَ بِهِ وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ بِنُكُولِهَا، وَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى اللِّعَانِ، فَإِنَّ حُكْمَ النُّكُولِ بَاقٍ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الزَّوْجِ وَرَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ خَلْدُونٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَرَوِيَّيْنِ وَقَاسَا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَرَأَيْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ وَلِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ يَمْضِي عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ إلَى اللِّعَانِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهَا إذَا نَكَلَتْ عَنْ اللِّعَانِ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ فَقَدْ صَدَّقَتْهُ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ كَمَا لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقٍّ لِخَصْمٍ يَطْلُبُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ اللِّعَانِ قَالَ مَالِكٌ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَيْضًا مَالِكٌ: أَشْهَدُ بِعِلْمِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَقُولُ فِي الرِّوَايَةِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي يَقُولُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قَالَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَبَدًا قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْبَغُ يَقُولُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْخَامِسَةِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ثُمَّ تَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ مَا رَآنِي أَزْنِي ثُمَّ تُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَقُولُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي قَالَ أَصْبَغُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَزِيدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلَزَنَتْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَمَا زَنَيْتُ قَالَ أَصْبَغُ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَزِيدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَإِنَّهُ لَمِنْهُ ثُمَّ تُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ قَالَ أَصْبَغُ: فَإِنْ قَالَ هُوَ فِي الْخَامِسَةِ مَكَانَ إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ إنْ كُنْتُ كَذَبْتُهَا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْخَامِسَةِ مَكَانَ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ: إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ أَجْزَأَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ لَفْظُ الْقُرْآنِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يَقُولُ هُوَ فِي الْأَرْبَعَةِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَفِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَكَأَنَّ أَصْبَغَ أَشَارَ إلَى أَنَّ لَفْظَ اللِّعَانِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَأَنَّ لَهُمَا أَنْ يَأْتِيَا بِأَيِّ لَفْظٍ شَاءَا وَرَأْيُ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَعْنَى إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لَفْظَهُ مُتَعَيِّنٌ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السُّنَّةُ عِنْدَنَا يُرِيدُ مَا رُسِمَ عِنْدَهُمْ وَأُثْبِتَ مِنْ حُكْمِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَتَنَاكَحَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللِّعَانِ مُؤَبَّدٌ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدٌ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ يَتَأَبَّدُوا إنَّمَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ الْفَسْخِ كَالرَّضَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَتَأَبَّدُ لِنَفْسِهِ فَقَدْ يُفْسَخُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ ثُمَّ يَتَنَاكَحَانِ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ، أَوْ لَا يَتَأَبَّدُ لِمُوجِبِهِ الَّذِي أَوْجَبَ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ فِي الرَّضَاعِ لِلرَّضَاعِ نَفْسِهِ دُونَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الرَّضَاعُ قَبْلَ الْفَسْخِ لَتَأَبَّدَ التَّحْرِيمُ، وَهَذَا حُكْمُ اللِّعَانِ الَّذِي هُوَ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى «سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ فَسْخًا؛ لِأَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَى الْفُرْقَةِ مِنْ غَيْرِ إيقَاعِ مُوقِعٍ، وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِيقَاعٍ مُطْلَقٍ، وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَى الْفُرْقَةِ مِنْ غَيْرِ فَسَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَسْخًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُغْلَبَانِ عَلَى إيقَاعِهِ إلَّا لِفَسَادٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَا يُغْلَبَانِ عَلَيْهِ وَمَا غُلِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ فَسْخٌ بِكُلِّ وَجْهٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَأَبْطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ اللِّعَانِ وَصَارَ قَذْفُهُ لَهَا ظُلْمًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ قَذَفَهَا ثَانِيًا بَعْدَ أَنْ حُدَّ لَهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُحَدُّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إلَى اللِّعَانِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ اللِّعَانِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَ الزَّوْجُ حُدَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَاعَنَ هُوَ وَقَبْلَ أَنْ تُلَاعِنَ هِيَ جُلِدَ الْحَدَّ وَسَقَطَ عَنْهَا اللِّعَانُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ وَأَجْرِ الرَّضَاعِ وَنَفَقَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَلِيًّا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ أَبَدًا يُرِيدُ أَنَّ إكْذَابَهُ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لَا يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ رَجْعَةٌ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إذَا ادَّعَتْهُ مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْهُ قَالَ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ يُقِرُّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْهَا، فَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لَاعَنَهَا قَالَ: وَهُوَ الَّذِي سَمِعْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاللِّعَانِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ قَبْلَ إتْمَامِ اللِّعَانِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ إتْمَامِ اللِّعَانِ، وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ لِعَانِهَا قَالَ مَالِكٌ: يَحُدُّوهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؛ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللِّعَانَ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ فَهُمَا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا تَنْفَصِمُ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ فَمَتَى كَانَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلزَّوْجِ مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ: لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْتَفِعُ بِزَوْجٍ وَإِصَابَةٍ فَكَانَ مُؤَبَّدًا كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُطَلِّقَ لِزَوْجَتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ، أَوْ لَا يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ، فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ فَأَنْكَرَهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ نَسَبًا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَفَى الْحَمْلَ وَادَّعَى رُؤْيَةَ زِنًا أَوْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى رُؤْيَةَ الزِّنَا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ، أَوْ لَا يَدَّعِيَهُ، فَإِنْ ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ، وَالرُّؤْيَةَ وَنَفْيَ الْحَمْلِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً وَادَّعَى رُؤْيَةً وَنَفْيَ الْحَمْلِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ طَلَاقًا بَائِنًا وَقَالَ: رَأَيْتهَا تَزْنِي يُرِيدُ نَفْيَ مَا تَأْتِي بِهِ مِنْ حَمْلٍ، فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ إنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ رُؤْيَةً وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً، فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ نَفَى حَمْلَهَا فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ وَلَمْ يُحَدَّ عَلَى الطَّلَاقِ، وَقَدْ شَرَطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ادِّعَاءَ الِاسْتِبْرَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَنْفِ الْحَمْلَ وَقَذَفَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَقَدْ رَوَى أَبُو الْفَرَجِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ؛ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي قَذْفِهَا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ لَا يَنْفِي حَمْلَهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْفِهِ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَذْفِ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ وَقَالَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ: رَأَيْتهَا تَزْنِي فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ: يُلَاعِنُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يُلَاعِنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِوَطْءٍ يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ نَسَبِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْفِهِ لَحِقَ بِهِ كَاَلَّذِي لَمْ يُطَلِّقْ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ قَالَ: رَأَيْتهَا تَزْنِي قَبْلَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَفِي كِتَابِ أَبِي الْفَرَجِ يُحَدُّ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فَيَنْفِيَهُ وَيَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ فَيُلَاعِنَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ بِهَا حُدَّ لَهَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَاعَنَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا لِعَانَ لَهُ فِي الرُّؤْيَةِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الزِّنَا غَيْرَ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ الْمُطَلِّقَ بَائِنًا لَا يُلَاعِنُ إلَّا لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَلَا يُلَاعِنُ لِلرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَلَا يُحَدُّ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي الْفَرَجِ وَابْنِ الْمَوَّازِ فِي تَأَخُّرِ الْحَدِّ بَعْدَ الْقَذْفِ فَأَبُو الْفَرَجِ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَذْفُ وَادَّعَى الْمَخْرَجَ لَا يُمْهَلُ وَيُعَجَّلُ الْحَدُّ وَابْنُ الْمَوَّازِ يَذْهَبُ إلَى تَأْخِيرِ الْحَدِّ لِلزِّنَا عَلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِحَاجَةِ الزَّوْجِ إلَى ذَلِكَ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ يُرِيدُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَمَدِ الْحَمْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا بُدَّ أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُرِّ فِي مُلَاعَنَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ حَدٌّ قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ، وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ، وَالْيَهُودِيَّةُ تُلَاعِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَزَوَّجَ إحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأْتِيَ بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، أَوْ بَعْدَ الْحَيْضِ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ قَبْلَ الْحَيْضِ لِأَكْثَرِ أَمَدِ حَمْلٍ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ، وَأَكْثَرُ أَمَدِ الْحَمْلِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِيِّينَ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ أَعْوَامٍ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ سَبْعُ سِنِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْثَرُ الْحَمْلِ سَنَتَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِنْ حَاضَتْ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَقَدْ تَحِيضُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْحَمْلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا حَائِضٌ حَيْضًا مُسْتَقِيمًا وَتَيَقَّنَ ذَلِكَ وَعَرَفَهُ النِّسَاءُ لَرَأَيْتهَا زَانِيَةً وَيَسْقُطُ نَسَبُ الْوَلَدِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَالْحَيِّ وَلَكِنْ لَا يُحَاطُ بِمَعْرِفَتِهِ قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ هَذَا بِقَوْلٍ، وَلَوْ عَرَفَ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ زِنًى وَلَا حَدًّا، وَهُوَ شُبْهَةٌ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ الْمُطَلِّقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا ادَّعَتْهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْسُبَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَيَقُولَ: إنَّهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَقُلْ: إنَّهُ مِنْهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَيْهِ لَمْ يَحْتَجْ هُوَ إلَى لِعَانٍ إلَّا لِنَفْيِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَدَّقَتْهُ فِي الْقَذْفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَأْتِ دُونَ ذَلِكَ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَأْتِي مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مَا يَزِيدُ عَلَى أَكْثَرِ أَمَدِ الْحَمْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَشَكَّ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مِنْهُ شَكًّا يَمْنَعُ إلْحَاقَهُ بِهِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِهِ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ فَهَذَا الشَّكُّ مَعْدُومٌ بَلْ الظَّاهِرُ مَنْعُهُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْفِرَاشِ لَهُ. (ش) : قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ لَهَا حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْحُرِّ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِعَانَ الْعَبْدِ كَالْحُرِّ فِي الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةُ تَشْهَدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَتُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ لِلْحُرَّةِ أَرْبَعِينَ وَلَا يُحَدُّ لِلْأَمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ حَدٌّ يُرِيدُ سَوَاءً كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا فَهَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَعْنَاهُ الْعَطْفُ عَلَى مَا مَضَى، وَالتَّفْسِيرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيهِ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ حُكْمُ الْحُرِّ فِي قَذْفِ الْأَمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِهَا، فَإِنْ قَذَفَهَا بِرُؤْيَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ اللِّعَانِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَ لِئَلَّا يَكُونَ مِمَّا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَطْءِ وَلَدٌ يَلْحَقُ بِهِ نَسَبُهُ أَوْ لِيَلْحَقَ قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ نَفَى حَمْلَهَا، فَإِنَّمَا يُلَاعِنُ لِيَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ الْحَمْلَ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَاعَنَ لَزِمَ الْأَمَةَ أَنْ تُلَاعِنَ لِتَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَقَّ عَلَيْهَا الْقَذْفُ بِلِعَانِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ وَلَهَا أَنْ تَلْتَعِنَ لِتَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهَا عَارَ مَا قَدْ قُذِفَتْ بِهِ وَتَقْطَعَ عِصْمَةَ الزَّوْجِ عَنْهَا قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ: إذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ رُدَّتْ إلَى أَهْلِ دِينِهَا إنْ نَكَلَتْ عَنْ اللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ هُمَا عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ الْتَعَنَتْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَالْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ، وَالْحُرَّةُ، وَالْيَهُودِيَّةُ تُلَاعِنُ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ خَصَّ الْأَمَةَ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ أَمَةً كِتَابِيَّةً، وَأَمَّا الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إلَى ذِكْرِ الْحُرَّةِ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ تُلَاعِنَ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَزَوَّجَ إحْدَاهُنَّ وَقَوْلُهُ: فَأَصَابَهَا لَيْسَتْ الْإِصَابَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ وَلَا وُجُوبِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَبْنِ بِهَا وَلَمْ يَخْلُ بِهَا حَتَّى أَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَنْكَرَهُ إنَّهُ يُلَاعِنُ إذَا قَالَتْ: إنَّهُ يَغْشَاهَا وَأَمْكَنَ مَا قَالَتْ قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ أَنْ يُمْكِنَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ، أَوْ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ، أَوْ الْحُرَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ لَاعَنَهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَيَنْزِعُ وَيُكْذِبُ نَفْسَهُ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ مَا لَمْ يَلْتَعِنْ فِي الْخَامِسَةِ أَنَّهُ إذَا نَزَعَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَعِنَ جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَا حَامِلٌ قَالَ: إنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا حَمْلَهَا لَاعَنَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإتْيَانُهُ إلَيْهَا وَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَمِنْ يَوْمِ إمْكَانِهِ إتْيَانَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِرَاشَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يُنْفَى الْوَلَدُ إلَّا بِاللِّعَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَهُنَّ الْأَزْوَاجُ تَعَلَّقَ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ الْأَمَةَ، أَوْ الْكِتَابِيَّةَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَلَمَّا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَلَوْ أَنَّ الصَّغِيرَ يَقْذِفُ زَوْجَتَهُ الْكَبِيرَةَ بِرُؤْيَةِ زِنًى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِعَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُلَاعَنَةِ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ، أَوْ الْحُرَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ لَاعَنَهَا يُرِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي جَمِيعِهِنَّ لِيَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ حَمْلًا ظَهَرَ بِهَا أَوْ إنْ قَذَفَ بِرُؤْيَةٍ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ النَّسَبَ الَّذِي تَتَوَقَّعُهُ مِمَّا ادَّعَاهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا فِي الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا إنْ لَمْ يُلَاعِنْ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ أَوْ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ فَلَا يُلَاعِنُ إلَّا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ دَفْعِ النَّسَبِ دُونَ دَفْعِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِقَذْفِهِنَّ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ مَنْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ نَزَعَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ مَا لَمْ يَلْتَعِنْ فِي الْخَامِسَةِ جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا أَوْرَدَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ بَعْضَهَا، وَالْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْخَامِسَةِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ، فَإِنَّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُ حُكْمَ إكْذَابِهِ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ هِيَ بِالْخَامِسَةِ، وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ مِنْ نَفْيِ حَمْلٍ وَنَكَلَتْ هِيَ وَأَخَّرَ رَجْمَهَا حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ أَكْذَبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَبَعْدَ أَنْ نَكَلَتْ فَإِنَّ لِعَانَهُ قَاطِعٌ لِعِصْمَتِهِ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَتُرْجَمُ إذَا وَضَعَتْ، أَنْكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَأَمَّا مَنْ رَدَّ الْفِعْلَ إلَيْهَا فَقَالَ بَعْدَ يَمِينٍ أَوْ يَمِينَيْنِ يُرِيدُ مِنْ أَيْمَانِهَا وَقَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ هِيَ بِالْخَامِسَةِ فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ تَمَامِ لِعَانِهَا أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَتَتَأَبَّدُ بِتَمَامِ لِعَانِهَا، وَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ مَتَى وَقَعَ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ كَاذِبٌ فِي قَذْفِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ، وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْوَلَدَ فَهَذَا يَكُونُ قَرِيبًا إنْ كَانَ قَذْفُهُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَذْفُهُ إيَّاهَا بِادِّعَاءِ رُؤْيَةِ الزِّنَى وَلَاعَنَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُحَدُّ وَكَذَلِكَ لَوْ لَاعَنَ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَإِنْكَارِ الْوَلَدِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ، وَجْهُ مَنْ قَالَهُ فِيمَنْ لَاعَنَ عَلَى الرُّؤْيَةِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ تَكْذِيبٌ لِمَا لَاعَنَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِيمَنْ لَاعَنَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لَا يُحَدُّ أَنَّهُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ بَقِيَ لِعَانُهُ مَحَلًّا لِلتَّصْدِيقِ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يُكَذِّبَ جَمِيعَ مَا لَاعَنَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِعَانُهُ فَادَّعَى الرُّؤْيَةَ وَنَفْيَ الْوَلَدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ لَحُدَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ نَفَى حَمْلَهَا: إنَّهُ يُلَاعِنُ يُرِيدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِمَا يَلِدْ لَهُ النِّسَاءُ لَحِقَ الزَّوْجَ سَوَاءٌ أَتَتْ بِهِ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ الزَّوْجُ فَيُلَاعِنُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: أَنَا حَامِلٌ خَصَّ الثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا

[ميراث ولد الملاعنة]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ يُلَاعِنُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا إنَّهُ لَا يَطَؤُهَا، وَإِنْ مَلَكَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَرَاجَعَانِ أَبَدًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ) . مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا إنَّهُ إذَا مَاتَ وَرِثَتْ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلُ الْمُدَّةِ الَّتِي تَحُسُّ الْمَرْأَةُ فِيهَا بِالْحَمْلِ وَلِذَلِكَ يَخْتَصُّ بِهَا حُكْمُ الْعِدَّةِ دُونَ مَا قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنِّي حَامِلٌ لَاعَنَ إنْ أَنْكَرَ الْحَمْلَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا دُونَ ظُهُورِ الْحَمْلِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا حِينَ ادَّعَتْ الْحَمْلَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِنْكَارِ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ إذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ، وَإِذَا وَلَدَتْ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَنْفِ الْحَمْلَ حِينَ ادِّعَائِهَا إيَّاهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ ذَلِكَ لِظُهُورِ حَمْلٍ وَلَا لِوِلَادَةٍ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ يُلَاعِنُهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَشْتَرِيهَا: إنَّهُ لَا يَطَؤُهَا يُرِيدُ أَنَّ كَمَالَ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا قَدْ أَبَّدَ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَمَا لَا يُسْتَبَاحُ وَطْؤُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَا يُسْتَبَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَالنِّكَاحُ أَبْلَغُ فِي إبَاحَةِ الْوَطْءِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْوَطْءُ وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمِلْكِ الْوَطْءَ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ لَا يَسْتَبِيحُ وَطْأَهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْمُلَاعَنَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ مَنْ لَا يَسْتَبِيحُ وَطْأَهَا وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الَّتِي قَدْ لَاعَنَهَا فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ وَطْءَ الْمُلَاعَنَةِ بِالنِّكَاحِ الَّذِي مَقْصُودُهُ الْوَطْءُ فَبِأَنْ لَا يَسْتَبِيحَ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا لَعَلَّهُ يُرِيدُ بِالسُّنَّةِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْمُلَاعِنِ: لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا مَضَى بِهِ مِنْ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَلُمَّ جَرًّا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ أَنَّ كُلَّ مُتَلَاعِنَيْنِ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَةِ عَلَى قَذْفِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ تَكْذِيبِهِ لِنَفْسِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حُكْمِ الْقَذْفِ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ مَنْ لَاعَنَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِرُؤْيَةٍ أَوْ نَفْيِ حَمْلٍ، فَإِنْ كَانَ لِرُؤْيَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْيِ حَمْلٍ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بِالتَّلَاعُنِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَ إلَّا أَنْ تُلَاعِنَ وَهَلْ يُلَاعِنُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْت مُنْذُ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ هِيَ تَزَوَّجْتُ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبِهَا حَمْلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّعَانِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا يَنْفِيهِ إلَّا بِلِعَانٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِسَبَبِ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُهُ كَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا سُكْنَى لَهَا وَلَا مُتْعَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَا تَدَّعِيهِ مِنْ الْوَطْءِ لَا يُوجِبُ لَهَا تَكْمِيلَ الصَّدَاقِ وَلَا السُّكْنَى مَعَ إنْكَارِ الزَّوْجِ كَالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الصَّدَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ

[طلاق البكر]

طَلَاقُ الْبِكْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ أَنَّهُ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَذَهَبْتُ مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك قَالَ: فَإِنَّمَا طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَلَدَ الزِّنَا تَرِثُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ نَسَبُهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي إلْحَاقِهِ بِهَا إلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ لَا يَنْتَفِي عَنْهَا بِلِعَانٍ وَلَا إقْرَارٍ بِزِنًا وَلَا تَحَقُّقِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي عَنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ فَلِذَلِكَ صَحَّ انْتِفَاؤُهُ مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ التَّوَارُثِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَبَطَلَ كُلُّ مِيرَاثٍ بِسَبَبِهِ وَلَمَا ثَبَتَ مِيرَاثُ الْأُمِّ مَعَ اللِّعَانِ، وَالزِّنَا ثَبَتَ كُلُّ مِيرَاثٍ بِسَبَبِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابٍ يَقْتَضِي أَنَّ عُمُومَ آيَاتِ التَّوَارُثِ يَتَنَاوَلُهُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَرِثَ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَوْلَاةً وَوَرِثَ بِالْوَلَاءِ كُلُّ مَنْ تَلِدُهُ فَمَوَالِي أُمِّهِ مَوَالِي كُلِّ مَنْ تَلِدُهُ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ مَنْ يَرِثُ إلَّا الْأُمُّ، وَالْإِخْوَةُ وَلَا يُحِيطُونَ بِالْمِيرَاثِ فَالْبَاقِي مَوْرُوثٌ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَا فَضَلَ عَنْ الْفُرُوضِ وَلَا تُورَثُ بِالْوَلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [طَلَاقُ الْبِكْرِ] (ش) : قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلَّذِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك تَصْرِيحٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَطَاءٌ: هِيَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَلْفَاظٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ إيقَاعُهُ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ عَلَيْهَا صَحَّ أَنْ يُكْمِلَ لَهَا الثَّلَاثَ كَالْمَدْخُولِ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ السَّائِلِ: إنَّمَا طَلَاقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إنَّمَا أَوْقَعَهَا فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَجْمَعُ ذَلِكَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَتْهُ الْوَاحِدَةُ دُونَ الثِّنْتَيْنِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالِكٌ: تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ إذَا اتَّصَلَ كَلَامُهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْعَطْفُ عَلَيْهِ كَطَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ حَلَالًا، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا إنْ دَخَلَ بِهَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ أَضْعَفُ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْمَسِيسِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ مَا لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إبْرَاهِيمُ أَنَّ لَهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي الَّذِي يَعْقُبُهُ الطَّلَاقُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي صَدَاقٌ كَامِلٌ بِمَا أَفْرَدَ بِهِ الدُّخُولَ فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بِكِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْت: إنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إيَاسِ بْنُ الْبُكَيْرِ فَقَالَ: إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: هَذَا الْأَمْرُ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ فَاذْهَبْ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي تَرَكَتْهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْك مُعْضِلَةٌ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ عَطَاءٍ لِلسَّائِلِ، وَقَدْ طَلَّقَ ثَلَاثًا: إنَّمَا طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ يَحْتَمِلُ أَحَدَ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَلْحَقَهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ، وَالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهَا مَعَ أَنَّ جَوَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ أَوْقَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ بِمَعْنَى إنَّك مِمَّنْ لَا يُفْتِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَعْرِفُ حُكْمَهَا، وَإِنَّ رُتْبَتَك أَنْ تَقُصَّ عَلَى النَّاسِ دُونَ أَنْ تُفْتِيَ ثُمَّ أَظْهَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يُخَالِفُ قَوْلَ عَطَاءٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّ الطَّلْقَةَ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا يُرِيدُ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الثَّلَاثَ تَقَعُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَإِنَّ حُكْمَ مَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدِي غَيْرُ حُكْمِ مَنْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةً. (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: إنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْحَقِّ وَتَوَقُّفٌ عَنْ الْفَتْوَى فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صَوَابُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ كُلُّ ذِي دِينٍ أَنْ يَقُولَ إذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ: لَا أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا أَخْطَأَ الْعَالِمُ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ وَأَمَرَ السَّائِلَ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا، أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَيُخْبِرَهُ بِقَوْلِهِمَا لِيُسَهِّلَ لَهُ ذَلِكَ طَرِيقَ النَّظَرِ فِي الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْعَالِمِ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُسَهِّلُ لَهُ طَرِيقَ النَّظَرِ وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْك مُعْضِلَةٌ إخْبَارٌ عَنْ خَفَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِ وَتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى وَجْهِ الصَّوَابِ فِيهَا يُقَالُ: أَعْضَلَ الْأَمْرُ إذَا أَعْيَا وَجْهُ تَنَاوُلِهِ فَقَدَّمَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي الْفَتْوَى بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِتَعَذُّرِ تَبْيِينِهَا وَمَعْرِفَةِ وَجْهِ الصَّوَابِ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ، أَوْ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا فَلَمَّا وَافَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ الصَّوَابَ فِيهَا وَقَالَ: الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ لِتَبَيُّنِ وَجْهِ الصَّوَابِ لَهُ. وَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ وَاحِدَةٌ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ حَتَّى سَمِعَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فِيهِ فَرَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ كَانَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا أَفْتَى بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ

[طلاق المريض]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالثَّيِّبُ إذَا مَلَكَهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْبِكْرِ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) . طَلَاقُ الْمَرِيضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQزَيَّنْتهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَوْ نَوَّرْتهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا يَعْنِي أَنَّهُ أَصَابَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الثَّيِّبَ كَالْبِكْرِ فِي ذَلِكَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِبَكَارَتِهَا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا فَحُكْمُهَا فِي الْوَاحِدَةِ حُكْمُ الْبِكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [طَلَاقُ الْمَرِيضِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْمَرَضِ الَّذِي بِهِ يَبْقَى حُكْمُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَهُمْ بِحُكْمِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَمَا جَرَى فِيهَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ صِفَةِ الطَّلَاقِ وَلِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ الْحُكْمِ مِنْ سَائِرِ الرُّوَاةِ لِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ يُرِيدُ أَنَّ طَلَاقَهُ إيَّاهَا كَانَ أَلْبَتَّةَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى إبَاحَةَ ذَلِكَ، أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فِي آخِرِ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَكَانَتْ تِلْكَ الطَّلْقَةُ بَتَّةً؛ لِأَنَّهَا بِهَا تَبِينُ عَنْهُ، وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَّثَهَا مِنْهُ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي صِفَةِ الْمَرِيضِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَجْرِي مَجْرَاهُ فِي بَقَاءِ حُكْمِ الْمِيرَاثِ، وَالْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْمَرَضِ الَّذِي بِهِ يَبْقَى حُكْمُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ) قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنَّ كُلَّ مَرَضٍ يُقْعِدُ صَاحِبَهُ عَنْ الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ، وَإِنْ كَانَ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، أَوْ فَالِجًا، فَإِنَّهُ يُحْجَبُ فِيهِ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهِ زَوْجَتَهُ وَرِثَتْهُ وَلَيْسَ لِلْقُوَّةِ، وَالرِّيحِ، وَالرَّمَدِ وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّ الْبَدَنُ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْفَالِجِ، وَالْبَرَصِ، وَالْجُذَامِ يَصِحُّ مَعَهُ بَدَنُهُ وَيَتَصَرَّفُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الزَّاحِفِ فِي الصَّفِّ أَنَّهُ كَالْمَرِيضِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا مَا نَالَتْهُ شِدَّةٌ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَالْمَرِيضِ وَأَرَاهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ: هُوَ كَالْمَرِيضِ وَجْهُ الْقَوْلِ أَنَّ الْمَخَافَةَ مِنْ شِدَّةِ الْبَحْرِ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَلَا وُجِدَ سَبَبُ الْعَطَبِ؛ لِأَنَّ الْعَطَبَ إنَّمَا يَكُونُ بِانْكِسَارِ الْمَرْكَبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّاحِفِ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّمَا هُوَ الْبَحْرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَخَافَةِ فِي مَوْضِعٍ مَخُوفٍ وَلَمْ يُرَ بَعْدُ، وَالْوُقُوفُ فِي الْمُعَسْكَرِ مَعَ مُعَايَنَةِ الْعَدُوِّ دُونَ مُبَاشَرَةِ حَرْبٍ وَلَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ فِي حَالَةِ مَخَافَةٍ عَلَى نَفْسِهِ يَتَكَرَّرُ مِنْهَا الْهَلَاكُ فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةُ جِسْمِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ كَالزَّاحِفِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ) مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَبَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ إذَا اتَّصَلَ مَرَضُهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ: إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا فُرْقَةٌ فِي حَالِ مَنْعِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ الثُّلُثِ فَلَمْ يَقْطَعْ مِيرَاثَ الزَّوْجَةِ كَالْمَوْتِ وَلِأَنَّ لِلتُّهْمَةِ تَأْثِيرًا فِي الْمِيرَاثِ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ الْمِيرَاثَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَلَّقَهَا بِنُشُوزٍ مِنْهَا أَوْ لِعَانٍ، أَوْ خُلْعٍ، فَإِنَّ حُكْمَ الْمِيرَاثِ بَاقٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ نِسَاءَ ابْنِ مُكَمِّلٍ مِنْهُ وَكَانَ طَلَّقَهُنَّ، وَهُوَ مَرِيضٌ) . (ص) : (مَالِكٌ إنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَقَالَ: إذَا حِضْت ثُمَّ طَهُرْت فَآذِنِينِي فَلَمْ تَحِضْ حَتَّى مَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَسْقُطُ فِي مِيرَاثِ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ أَذِنَ الِابْنُ لِأَبِيهِ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّ بِارْتِدَادِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَرُجُوعُهُ إلَى الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ فِي صِحَّتِهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَوَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ إذَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُ مِيرَاثَهَا وَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَالَةٍ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فِي صِحَّةٍ فَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَالْمُطَلِّقِ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَلَوْ وَقَعَ يَوْمَ الْقَوْلِ لَكَانَ فِيهِ هَذَا الْحَدُّ إذَا أَنْكَرَ الطَّلَاقَ وَأَقَرَّ بِالْوَطْءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ طَلَّقَ فِي صِحَّتِهِ طَلْقَةً ثُمَّ مَرِضَ فَأَرْدَفَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَانِيَةً ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ ارْتَجَعَ مِنْ الْأَوَّلِ انْفَسَخَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ كَانَ لِهَذَا الطَّلَاقِ حُكْمُهُ فَوَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَةً نَصْرَانِيَّةً، أَوْ أَمَةً فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ النَّصْرَانِيَّةُ وَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَرِثَتَاهُ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تَرِثَانِهِ وَلَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَتَمُوتَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ هَذِهِ وَعَتَقَتْ هَذِهِ فَتَرِثَانِهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَاتَ وَحُرْمَتُهُمَا وَاحِدَةٌ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَ فِي الْمَرَضِ فَثَبَتَ الْمِيرَاثُ لِلْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسْلِمَةً حِينَ الطَّلَاقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً حِينَ طَلَّقَهَا فَلَمْ يَقْتَضِ بُطْلَانُهُ إيَّاهَا إخْرَاجَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ فَمَرِضَ الْحَالِفُ ثُمَّ حَنِثَ فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَرِثُهُ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إنْ كَانَ بَيِّنَ الْمِلْكَ فَلَمْ يَقْضِهِ فَامْرَأَتُهُ تَرِثُهُ كَالْمُطَلِّقِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَطَرَأَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ حَنِثَ وَلَا تَرِثُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ: لَا أَعْرِفُ هَذَا وَلَا أَرَاهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهَا تَرِثُهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي الْمَرَضِ؛ وَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَلِمَ بِهِ فَلَمْ يَقْصِدْ طَلَاقَهَا وَلَا إخْرَاجَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَرِثْهُ، وَوَجْهُ مَا قَالَ سَحْنُونٌ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ مُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا وَقْتِ إيقَاعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْحِنْثُ مِنْ سَبَبِهَا مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِطَلَاقِهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَدَخَلَتْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ قَاصِدَةً إلَى طَلَاقِهِ فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا رَوَاهُ زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَرِثُهُ؛ وَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (ش) : قَوْلُهُ وَرَّثَ نِسَاءَ ابْنِ مُكَمِّلٍ مِنْهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُكَمِّلٍ الْمَدَنِيَّ الْأَعْشَى وَكَانَ طَلَّقَهُنَّ، وَهُوَ مَرِيضٌ يُرِيدُ الْمَرَضَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ تُوُفِّيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ أَنَّ نَسَائِهِ كُنَّ ثَلَاثًا إحْدَاهُنَّ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ فَارِطٍ، وَأَنَّهُ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي فَالِجٍ أَصَابَهُ ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ طَلَاقِهِ إيَّاهُمَا سِنِينَ، وَأَنَّهُمَا وَرِثَتَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَطَلَّقَهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ، أَوْ مَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ تَرِثُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا تَرِثُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ فَوَرِثَتْهُ مَعَ سَلَامَةِ الْحَالِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ.

فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ جَدِّي حِبَّانَ امْرَأَتَانِ: هَاشِمِيَّةٌ، وَأَنْصَارِيَّةٌ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَرَّتْ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ هَلَكَ وَلَمْ تَحِضْ فَقَالَتْ: أَنَا أَرِثُهُ لَمْ أَحِضْ فَاخْتَصَمَتَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ فَلَامَتْ الْهَاشِمِيَّةُ عُثْمَانَ فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّك هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ الطَّلَاقَ: إذَا حِضْت ثُمَّ طَهُرْت فَآذِنِينِي مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَصَابَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَسُنَّةُ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَلَا يَعْقُبُ حَيْضًا طَلَّقَ فِيهِ وَيُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ تَمَاضُرُ بِنْتُ الْأَصْبَغِ أُمُّ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَلَمْ تَبْلُغْ الْوَقْتَ الَّذِي رَسَمَهُ لَهَا حَتَّى مَرَضِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا آذَنَتْهُ بِذَلِكَ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا إمَّا أَنَّهُ جَمَعَ الثَّلَاثَ إنْ كَانَ يَرَى إبَاحَةَ ذَلِكَ، أَوْ طَلَّقَ آخِرَ طَلْقَةٍ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ الرَّاوِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَّثَ نِسَاءَ الْمُطَلِّقِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الطَّلَاقِ مِنْ فِعْلِهِنَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ هِيَ سَأَلَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الطَّلَاقَ وَرَغَّبَتْهُ، وَقَدْ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ مَعَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَعَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِعْلَ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ حَكَمَ فِي قَضِيَّةِ رَجُلٍ مَشْهُورٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ وَمِثْلُ هَذَا يَنْتَشِرُ قَضَاؤُهُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَيُنْقَلُ إلَى الْآفَاقِ فَلَمْ يَتَحَصَّلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى تَصْوِيبِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحُكْمِ لَهَا بِالْمِيرَاثِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَفَاةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا الْمِيرَاثَ، وَإِذَا كَانَتْ بَائِنًا مِنْهُ وَرَّثَهَا مَعَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتَوَفَّى فِي الْعِدَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَرِثُ مُطَلَّقَةً بَائِنًا مُتَوَفًّى فِي عِدَّةٍ فَحُكْمُهَا وَحُكْمُ الَّتِي قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (ش) : قَوْلُهُ: فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ وَهِيَ تُرْضِعُ فَتُوُفِّيَ فَانْقَضَتْ سَنَةٌ وَلَمْ تَحِضْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ لَمْ تَحِضْ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ حَتَّى تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ ارْتِفَاعَ حَيْضِ الْمُطَلَّقَةِ يَكُونُ لِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ وَلِغَيْرِ سَبَبٍ مَعْرُوفٍ: فَأَمَّا مَا كَانَ لِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ فَكَالرَّضَاعِ، وَالْمَرَضِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ لِلرَّضَاعِ، فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ إلَّا بِالْأَقْرَاءِ طَالَ الْوَقْتُ، أَوْ قَصُرَ، وَقَدْ احْتَجَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ: فَإِنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَكَثَتْ نَحْوَ سَنَةٍ لَا تَحِيضُ لِأَجْلِ الرَّضَاعِ ثُمَّ مَرِضَ فَخَافَ أَنْ تَرِثَهُ إنْ مَاتَ فَخَاصَمَهَا إلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُمَا: مَا تَرَيَانِ فَقَالَا: لَا نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَلَا مِنْ اللَّائِي يَحِضْنَ فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى حِيَاضِهَا مَا كَانَ لَمْ يَمْنَعْهَا إلَّا الرَّضَاعُ فَانْتَزَعَ حِبَّانُ ابْنَهُ فَلَمَّا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ مَاتَ حِبَّانُ فَوَرِثَتْ مِنْهُ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَجْمَعُوا أَنَّ التَّأْخِيرَ بِالرَّضَاعِ لَا يُسَوِّغُ الِاعْتِدَادَ بِغَيْرِ الْحَيْضِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ لَمْ يَحِضْ وَلَا مِمَّنْ يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَقِرَّةُ بِأَنَّ الرَّضَاعَ يُؤَثِّرُ فِي تَأْخِيرِ الْحَيْضِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِيبَةً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رِيبَةً وَجَبَ انْتِظَارُ زَوَالِهِ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَيْضِ إذْ هِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ عَمِّك هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهَذَا أَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ وَلَامَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّ ابْنَ عَمِّهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي لَا تَشُكُّ هِيَ فِي إشْفَاقِهِ عَلَيْهَا

[ما جاء في متعة الطلاق]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ طَلَّقَهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ، وَالْمِيرَاثُ قَالَ مَالِكٌ: الْبِكْرُ، وَالثَّيِّبُ فِي هَذَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ) . مَا جَاءَ فِي مُتْعَةِ الطَّلَاقِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فَمَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إلَّا الَّتِي تَطْلُقُ، وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِرَادَتِهِ الْخَيْرَ لَهَا هُوَ مِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ: إنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ ابْنُ شِهَابٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي الصِّحَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: لَهَا فِي الْمِيرَاثِ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَالْمِيرَاثِ خِلَافًا لِلزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُطَلِّقٌ فِي الْمَرَضِ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ فِيهِ لَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا إسْقَاطُ مِيرَاثِهَا بِالطَّلَاقِ كَاَلَّذِي دَخَلَ بِهَا. (فَرْقٌ) : وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ، وَالْمِيرَاثِ أَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي مُعَاوَضَتِهِ وَنِصْفُهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ وَنِصْفُهُ يَجِبُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْمَوْتِ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَهُ إبْطَالُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَهُوَ قَدْ تَعَيَّنَ لَهَا بِعِوَضِهِ تَسْتَحِقُّ اسْتِيفَاءَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا إسْقَاطُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: لَهَا الصَّدَاقُ، وَالْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْعِدَّةِ وَلِذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا حَالَ الْمَرَضِ فَتُوُفِّيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ كَانَ طَلَاقُهُ بَائِنًا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ. [مَا جَاءَ فِي مُتْعَةِ الطَّلَاقِ] (ش) : قَوْلُهُ: طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فَمَتَّعَ بِوَلِيدَةٍ يُرِيدُ أَعْطَاهَا إيَّاهَا بِأَثَرِ طَلَاقِهِ إيَّاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُتْعَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُطَلِّقُ وَلَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا لَحَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَقْضِي بِهَا عَلَيْهِ وَلْيُحَرِّضْهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهَا وَلَا تُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِهَا وَهِيَ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَتْ وَهِيَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ سَلِمَ مِنْ نِهَايَةِ الْمُقَابَحَةِ وَارْتِجَاعِ شَيْءٍ مِنْ الزَّوْجَةِ فَأَمَّا مَنْ تَرُدُّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَتْ فَكَيْفَ يُزَادُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ عَنْ مُقَابَحَةٍ كَالْمُلَاعَنَةِ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لِأَنَّ الْمُتْعَةَ تَسْلِيَةٌ عَنْ الْفِرَاقِ، وَالْمَلَاعِنُ لَا يُرِيدُ تَسْلِيَةَ مَنْ لَاعَنَ مِنْ الزَّوْجَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا الصَّدَاقَ إذَا دَخَلَ بِهَا لَهَا الْمُتْعَةُ كَاَلَّتِي سَمَّى لَهَا وَدَخَلَ بِهَا، وَالصَّدَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَزِعُ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا فَارَقَتْ عَنْ نِهَايَةِ مُقَابَحَةٍ فَكَانَ لَهَا الْمُتْعَةُ كَاَلَّتِي سَمَّى لَهَا وَدَخَلَ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ أَنْ يُمَتِّعَهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ تَسْلِيَةٌ عَنْ الْفِرَاقِ، وَالتَّسْلِيَةُ بِالِارْتِجَاعِ أَعْظَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ: إنَّمَا الْمُتْعَةُ لِمَنْ لَا رَدَّ لَهُ عَلَيْهَا يُرِيدُ لِمَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي لَهُ رَجْعَةٌ فَلَمْ تَرْتَجِعْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ صَارَتْ فِي حُكْمِ مَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَذَكَرَ فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ نَحْوَ هَذَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْمُتْعَةِ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إذَا انْقَضَتْ وَقْتُ الرَّجْعَةِ وَسَبَبُ الْبَيْنُونَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكُلُّ فُرْقَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا مُتْعَةَ فِيهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ فَلَا تُسَلَّى عَنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُ بِهَا.

[ما جاء في طلاق العبد]

تُمَسَّ فَحَسْبُهَا نِصْفُ مَا فُرِضَ لَهَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْمُتْعَةِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي قَلِيلِهَا وَلَا كَثِيرِهَا) . مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ عَبْدًا لَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَا: حَرُمَتْ عَلَيْك حَرُمَتْ عَلَيْك مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْك مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَفْتَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَةً حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: حَرُمَتْ عَلَيْك) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا مَنْ يُؤْمَرُ بِالْمُتْعَةِ، وَقَدْ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: لَا مُتْعَةَ فِي نِكَاحٍ مَفْسُوخٍ وَلَا فِيمَا يَدْخُلُهُ الْفَسْخُ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِثْلُ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] فَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ مُخْتَصًّا بِالطَّلَاقِ دُونَ الْفَسْخِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَمْرٌ غُلِبَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيُسَلِّيهَا بِالْمُتْعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ جَهِلَ الْمُتْعَةَ حَتَّى مَضَتْ أَعْوَامٌ فَلْيُرْجِعْ ذَلِكَ إلَيْهَا إنْ تَزَوَّجَتْ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهَا إنْ مَاتَتْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَتْ؛ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهَا فَيَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى وَرَثَتِهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِوَضَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَسْلِيَةٌ مِنْ الطَّلَاقِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي جِنْسِهَا وَلَا قَدْرِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ عَلَى قَدْرِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَعْلَاهَا الْخَادِمُ وَدُونَ ذَلِكَ الْوَرِقُ وَدُونَ ذَلِكَ الْكِسْوَةُ. [مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ] (ش) : قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِنُفَيْعٍ، وَقَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ: حَرُمَتْ عَلَيْك يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ اسْتِيفَاءُ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الِارْتِجَاعِ إلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقْتَضِي إيقَاعَ الثَّلَاثِ وَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إلَّا تَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ) . (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا يَقْتَضِي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ اسْتِيفَاءُ الطَّلَاقِ، وَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِئْنَافِ زَوْجِيَّةٍ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ، وَطَرِيقُ هَذَا اللُّغَةُ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى هَذَا وَمَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الطَّلَاقِ بِحَالِ الزَّوْجِ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ وَفِي الِاعْتِبَارِ فِي الْعِدَّةِ بِحَالِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[نفقة الأمة إذا طلقت وهي حامل]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ فَأَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَمَةَ غُلَامِهِ، أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) . نَفَقَةُ الْأَمَةِ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى حُرٍّ وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً وَلَا عَلَى عَبْدٍ طَلَّقَ حُرَّةً طَلَاقًا بَائِنًا نَفَقَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ ابْنَهُ، وَهُوَ عِنْدَ قَوْمٍ آخَرِينَ وَلَا عَلَى عَبْدٍ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) . عِدَّةُ الَّتِي تَفْقِدُ زَوْجَهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَحِلُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الطَّلَاقِ رِقُّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو ثَوْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ مَنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَلَا يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا وَلَا يَمْنَعَ الْعَبْدَ مِنْ إيقَاعِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ النِّكَاحِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ السَّيِّدِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا: إنْ كَانَ السَّيِّدُ زَوَّجَهُ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مُزَوَّجًا فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ السَّيِّدَ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَمْلِكَ سَائِرَ أَحْكَامِهِ كَمَا مَلَّكَهُ الِاسْتِمْتَاعَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ أَمَةً عِنْدَ عَبْدِهِ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِهَا كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ. [نَفَقَةُ الْأَمَةِ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ] (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى حُرٍّ طَلَّقَا مَمْلُوكَةً يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ ابْنَهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا فَالنَّفَقَةُ تَلْزَمُهُ دُونَ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ نَفَقَةٌ تَجِبُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ، وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يَلْزَمْ إيَّاهُ أَصْلُ ذَلِكَ نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ فِي النَّفَقَةِ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ حَامِلًا فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجِيَّةِ قَدْ بَطَلَتْ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ مَالًا لِسَيِّدِهِ فِيهِ حَقُّ الِانْتِزَاعِ، وَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى ابْنِهِ، وَهُوَ حُرٌّ كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى حُرٍّ أَنْ يَسْتَرْضِعَ ابْنَهُ، وَهُوَ عِنْدَ قَوْمٍ آخَرِينَ يُرِيدُ لَيْسَ عَلَيْهِ رَضَاعُ ابْنِهِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا مِمَّنْ يَقُولُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْحَامِلِ وَمَنْ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ نَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ دُونَ ابْنِهِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدَ مَوْلَى الْأُمِّ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ. [عِدَّةُ الَّتِي تَفْقِدُ زَوْجَهَا] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ لَمْ يَعْتَبِرْ بِمَا أَقَامَتْ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ إلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَتْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَالْمَفْقُودُ الَّذِي ذَهَبَتْ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي يَغِيبُ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQامْرَأَتِهِ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُفْقَدْ فِي مَعْرَكَةٍ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ فِيهَا فَهَذَا إذَا رَفَعَتْ امْرَأَتُهُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْمَفْقُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مَفْقُودٌ لَا يُدْرَى مَوْضِعُهُ فَهَذَا يَكْشِفُ الْإِمَامُ عَنْ أَمْرِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَمَفْقُودٌ فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَهَذَا لَا تُنْكَحُ زَوْجَتُهُ أَبَدًا وَتُوقَفُ هِيَ وَمَالُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ تَعْمِيرُهُ وَمَفْقُودٌ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَيَتَلَوَّمُ لِزَوْجَتِهِ بِقَدْرِ اجْتِهَادِهِ فَالْمَفْقُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوَّلًا هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ أَهْلُهُ عَنْ وَجْهِ مَغِيبِهِ وَجِهَةِ سَفَرِهِ، وَعَنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ وَيَبْحَثُ عَنْ خَبَرِهِ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَيَكْتُبُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى خَبَرٍ اسْتَأْنَفَ لَهَا ضَرْبَ أَجَلٍ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَإِنْ جَاءَ فِي الْمُدَّةِ، أَوْ جَاءَ خَبَرُ حَيَاتِهِ فَهِيَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ خَبَرٌ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، فَإِنْ جَاءَ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ انْقَطَعَ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ مَجِيئِهِ، أَوْ مَجِيءِ عِلْمٍ بِحَيَاتِهِ فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْإِمَامَ يَضْرِبُ لَهَا أَجَلًا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ أَمْرِ الَّذِي بِهِ يُعْلَمُ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا حَقٌّ فِي الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا لِفَرْقٍ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ، وَمَغِيبُ عَيْنِهِ أَشَدُّ مِنْ الْعُنَّةِ فَأَنْ تَثْبُتَ لَهَا الْفُرْقَة بِهِ أَوْلَى، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَاَلَّذِي رَوَى عَنْ عَلِيٍّ ذَلِكَ رَوَاهُ عَنْهُ خِلَاسٌ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ ضَعْفٌ وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا مَوْتٌ أَوْ فِرَاقٌ وَهِيَ أَسَانِيدُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ وَمَا اتَّصَلَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ الْأَجَلُ بِأَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٍ يَقُولُ: لَا يُضْرَبُ لَهَا أَجَلٌ، وَقَائِلٍ يَقُولُ: يُضْرَبُ لَهَا أَجَلٌ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا أَجَلٌ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ فِيهَا خَبَرَ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْبَحْثِ، وَالسُّؤَالِ عَنْهُ وَمُكَاتَبَةِ الْجِهَةِ الَّتِي غَابَ إلَيْهَا بِأَمْرِهِ،. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ إلَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، فَإِنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَيْهِ وَجَهِلَ ذَلِكَ لَمْ يَأْتَنِفْ ضَرْبَ الْأَجَلِ وَلَكِنَّهُ يَحْسِبُهُ مِنْ يَوْمِ ثَبَتَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ الْإِمَامِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ حُكْمٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْأَرْبَعُ سِنِينَ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي تَزْوِيجِهَا قَالَ: لِأَنَّ إذْنَهُ قَدْ حَصَلَ بِضَرْبِ الْأَجَلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ نِسَاءٌ فَرَفَعَتْ إحْدَاهُنَّ أَمْرَهُ إلَى الْإِمَامِ وَأَبَى سَائِرُهُنَّ فَضَرَبَ لِلْقَائِمَةِ الْأَجَلَ بَعْدَ الْبَحْثِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سَأَلَ عَنْهَا فَتَفَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: أَرَى ضَرْبَ الْأَجَلِ لِلْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ ضَرْبًا لِجَمِيعِهِنَّ، فَإِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ تَزَوَّجْنَ إنْ أَحْبَبْنَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إحْدَادٌ فِي الْعِدَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ نَافِعٍ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِكَوْنِهِ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَسَمِعَ خَبَرَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهَا فُرْقَةٌ يَحْتَسِبُ بِهَا طَلْقَةً فَلَمْ يَجِبْ فِي الْعِدَّةِ إحْدَادٌ كَطَلَاقِ الْحَاضِرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ الزَّوْجَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا إذَا فُقِدَ حُكْمُ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْأَجَلِ، وَالْعِدَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي صَدَاقِهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ مَالِكٌ: لَهَا جَمِيعُهُ وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: لَهَا نِصْفُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ قَوْلِنَا لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ أَنَّ أَمْرَهُ يَنْزِلُ عَلَى الْوَفَاةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ لَهَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ وَقَوْلُنَا لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنَّهَا فُرْقَةٌ تُحْتَسَبُ طَلْقَةً كَالطَّلَاقِ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهَا لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ لَمْ تُعْطَ إلَّا نِصْفَهُ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْهُ مُعَجَّلًا عُجِّلَ وَمَا كَانَ مُؤَجَّلًا بَقِيَ إلَى أَجَلِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يُعَجِّلُ لَهَا نِصْفَهُ وَيُؤَخِّرُ لَهَا نِصْفَهُ حَتَّى يَمُوتَ بِالتَّعْمِيرِ فَتَأْخُذَهُ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يُعَجِّلُ لَهَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ؛ وَوَجْهُ تَأْجِيلِ الْبَعْضِ أَنَّ الْفُرْقَةَ مُرَاعَاةٌ لَا يُدْرَى أَوَفَاةٌ هِيَ أَمْ طَلَاقٌ فَيُوقَفُ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ حَتَّى يَثْبُتَ حُكْمُ الطَّلْقَةِ بِدُخُولِ الزَّوْجِ الثَّانِي، أَوْ بِعَقْدِهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَسَقَطَ نِصْفُ الصَّدَاقِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْخَبَرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهَا ذَلِكَ النِّصْفُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ سَحْنُونٌ، وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَبْقَى إلَى أَجَلِهِ فَلِأَنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ فِي مَالِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَلَا تَحِلُّ دُيُونُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ حَلَّ دَيْنُهُ، أَوْ لَمْ يَحِلَّ وَيُوقَفُ مِيرَاثُهُ إلَى أَقْصَى عُمْرِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَمَّا قَضَى بِتَمْوِيتِهِ فِي حَقِّهَا كَانَ أَقَلُّ مَا يَجِبُ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ كَانَ طَلَاقًا فَعَجَّلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْبَاقِيَ بِوَفَاتِهِ فَتَبْقَى حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا وَأَرَاهُ يُرِيدُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَيَحْكُمُ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ سَحْنُونٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قَضَى لِزَوْجَتِهِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ ثُمَّ قَدِمَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَرُدُّ نِصْفَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا تَرُدُّ شَيْئًا كَالْمَيِّتِ، وَالْمُعْتَرِضِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُنْفِقُ عَلَى امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، وَعَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِ سِنِينَ وَيُنْفِقُ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ دُونَ الزَّوْجَةِ الْمُعْتَدَّةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْتِزَامَهَا حُكْمَ الْعِدَّةِ رِضًا بِالْفُرْقَةِ عَلَى وَجْهِ التَّمْوِيتِ لَهُ وَلِلْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ الزَّوْجُ وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمَفْقُودِينَ وَهُمْ مَنْ فُقِدَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تَتَزَوَّجُ أَبَدًا تُوقَفُ هِيَ وَمَالُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْعُمْرِ مَا لَا يَحْيَا إلَى مِثْلِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إنَّمَا يُضْرَبُ الْأَجَلُ لِلْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ لَا بِبَلَدِ الْكُفْرِ، وَلَوْ عَلِمَ بِمَوْضِعِ الْأَسِيرِ بِبَلَدِ الْكُفْرِ ثُمَّ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِفِرَاقٍ وَلَا أَجَلٍ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ فُقِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَأَرْضِ الْإِسْلَامِ فَلْتَتَرَبَّصْ امْرَأَتُهُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ السُّلْطَانُ وَيَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ ثُمَّ تَعْتَدَّ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي فَقِيدِ الْمُعْتَرَكِ إذَا كَانَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ كَإِفْرِيقِيَّةَ أَوْ بَلَدِ الْعَدُوِّ فَهُوَ كَالْمَفْقُودِ. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا يُعَمِّرُ فَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَشْهَبُ يُعَمِّرُ سَبْعِينَ سَنَةً وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي إنْ مَاتَ الْأَوْلَادُ وَأَوْصَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِنَّ حَيَاتَهُنَّ بِتَعْمِيرٍ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: التَّعْمِيرُ فِي الْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى الْمِائَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَالْمِائَةُ كَثِيرٌ وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ كُلِّهِ يَأْتِي فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِتَعْمِيرِ السَّبْعِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ فَارَقَ قَبْلَ السَّبْعِينَ، فَإِنْ غَابَ ابْنُ سَبْعِينَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يُعَمِّرُ ثَمَانِينَ، فَإِنْ غَابَ ابْنُ ثَمَانِينَ عَمَّرَ تِسْعِينَ، فَإِنْ غَابَ ابْنُ تِسْعِينَ عَمَّرَ مِائَةً وَيَعْمَلُ فِي كُلِّ سِنٍّ بِقَدْرِ مَا يَرَى بِالِاجْتِهَادِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ الْمَفْقُودِينَ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ص) : (وَإِنْ أَدْرَكَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ مَالِكٌ وَأَدْرَكْت النَّاسَ يُنْكِرُونَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يُخَيَّرُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إذَا جَاءَ فِي صَدَاقِهَا، أَوْ فِي امْرَأَتِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَيَتَلَوَّمُ الْإِمَامُ لِزَوْجَتِهِ بِقَدْرِ انْصِرَافِ مَنْ انْصَرَفَ وَانْهَزَمَ ثُمَّ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ وَتَتَزَوَّجُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُطْرًا بَعِيدًا عَنْ بَلَدِهِ كَإِفْرِيقِيَّةَ، أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ سَنَةً وَنَحْوَهَا قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَعْتَدُّ وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيُقْسَمُ مَالُهُ قَالَ سَحْنُونٌ: إنْ ثَبَتَ حُضُورُهُ فِي الْمُعْتَرَكِ بِالْعُدُولِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ بِمَوْتِهِ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ يَوْمِ الْمُعْتَرَكِ. فَإِنْ كَانَ إنَّمَا رَأَوْهُ خَارِجًا مِنْ الْعَسْكَرِ لَيْسَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَهُوَ كَالْمَفْقُودِ يُضْرَبُ لَهُ أَجْلُ الْمَفْقُودِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ فُقِدَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُسْلِمِينَ فِي بُعْدٍ فَلْتَتَرَبَّصْ امْرَأَتُهُ سَنَةً ثُمَّ تَعْتَدَّ وَيُؤَخَّرْ مِيرَاثُهُ إلَى التَّعْمِيرِ قَالَ أَصْبَغُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَعْرَكَةُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا تَتَرَبَّصُ أَكْثَرَ مِنْ الْعِدَّةِ وَيُقْسَمُ مِيرَاثُهُ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ فُقِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً ثُمَّ تَعْتَدُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هِيَ بَعْدَ السَّنَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا فُقِدَ فِي الْمُعْتَرَكِ أَنَّهُ مَقْتُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ لَعَادَ إلَى مَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ لَسُمِعَ خَبَرُهُ فِي السَّنَةِ وَفَرْقٌ بَيْنَ حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرْبِ الْعَدُوِّ عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّ الْعَدُوَّ ذُو أَسْرٍ فَيَنْقَطِعُ خَبَرُهُ مَعَ حَيَاتِهِ وَلِذَلِكَ مَنْ فُقِدَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلُ الْمَفْقُودِ وَمَنْ فُقِدَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقَ الدَّوَاعِي مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُرَاسَلَةِ وَتَتَّصِلُ أَخْبَارُهُ مِنْ بَلَدِ مُقَامِهِ إلَى بَلَدِ أَهْلِهِ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ فَيَقْدَمُ الْمَفْقُودُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا الثَّانِي فَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ: لَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِ إلَيْهَا وَاخْتَارَهُ الْمُغِيرَةُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ الثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَخْلُ الثَّانِي بِهَا خَلْوَةً تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ الثَّانِي عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَوَاتِهَا بِالْعَقْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: أَدْرَكْت النَّاسَ يُنْكِرُونَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يُخَيَّرُ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ إذَا جَاءَ فِي صَدَاقِهَا، أَوْ فِي امْرَأَتِهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ صِحَّتِهِ عَنْ عُمَرَ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ بَنَى بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَرَأَ مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْمَهْرِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا ذَكَرَهُ شُيُوخُنَا مِنْ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حَصَلَ فِي أَنْ يُضْرَبَ لَهَا أَجَلٌ وَتَعْتَدَّ ثُمَّ يَسْتَبِيحَ النِّكَاحَ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ كُلُّهُ لَمْ يُخَيَّرْ الزَّوْجُ الْآنَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الرِّوَايَةَ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْمِسْوَرِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي الْمَفْقُودِ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: يَغْرَمُهُ الزَّوْجُ وَقَالَ مَعْمَرٌ تَغْرَمُهُ الْمَرْأَةُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْإِرْسَالِ فَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ تُنْكَرَ عَلَى رُوَاتِهَا، فَإِنَّ مَعْمَرًا قَدْ رَوَى بِالْعِرَاقِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ مَنْ حِفْظِهِ وَهَمَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا، وَقَدْ تُنْكَرُ الرِّوَايَةُ عَلَى الثِّقَةِ إذَا انْفَرَدَ بِهَا وَخَالَفَ الْمَشْهُورَ الْمَحْفُوظَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِذَا دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ كَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِ إلَيْهَا وَيَجِبُ أَنْ

[ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَلَا تَبْلُغُهَا رَجْعَتُهُ، وَقَدْ بَلَغَهَا طَلَاقُهُ إيَّاهَا فَتَزَوَّجَتْ أَنَّهَا إنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا إلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي هُنَا وَفِي الْمَفْقُودِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ مَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ دُونَ مَا لَا يُفْسَخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَإِذْ فَاتَتْ عَلَى الْأَوَّلِ بِعَقْدِ الثَّانِي عَلَيْهَا، أَوْ بِنَائِهِ بِهَا احْتَسَبَ الْأَوَّلُ فُرْقَتَهُ تَطْلِيقَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ لَا تَكُونُ إلَّا لِفَسَادٍ فِي الْعَقْدِ، أَوْ فَسَادٍ يَطْرَأُ عَلَيْهِ أَوْ طَلَاقٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَكَانَ طَلَاقًا. (ش) : وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَفْقُودِ، وَالْمُطَلِّقِ زَوْجَتَهُ وَلَمْ تَعْلَمْ بِرَجْعَتِهِ حَتَّى تَزَوَّجَتْ أَنَّ عَقْدَ الثَّانِي عَلَيْهَا يُفِيتُهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ إنَّ مَالِكًا وَقَفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي امْرَأَةِ الْمُطَلِّقِ فَقَالَ: زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، وَأَمَّا الْمُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي أَوْلَادًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا وَبَيْنَ هَذَيْنِ أَنَّ الْمُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَلَا حَكَمَ إمَامٌ بِصِحَّةِ فِعْلِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تَفُتْ عَلَى زَوْجِهَا، وَأَمَّا الْمَفْقُودُ، فَإِنَّ فُرْقَتَهَا بِحُكْمِ إمَامٍ وَاجْتِهَادِهِ، وَالْمُطَلِّقُ الَّذِي كَتَمَ رَجْعَتَهُ سَبَبُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَلَمْ تَعْلَمْ بِالرَّجْعَةِ حَتَّى وَطِئَهَا سَيِّدُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيتُهَا عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ بِمَنْزِلَةِ وَطْءِ الزَّوْجِ فِي تَفْوِيتِهَا عَلَى الْمَفْقُودِ وَاَلَّذِي خُفِيَتْ رَجْعَتُهُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ خِلَافَ هَذَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا رَوَى أَنَّ أَبَا دُلَفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مُسَافِرًا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا عِلْمَ لَهَا بِذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَتْ فَسَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا فَهِيَ امْرَأَتُك وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ أَشَارَ إلَى هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْأَقْرَاءِ وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ وَطَلَاقِ الْحَائِضِ] 1 ِ أَمَّا الْأَقْرَاءُ فَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: هِيَ الْأَطْهَارُ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْأَقْرَاءُ، وَالْقُرُوءُ وَاحِدُهَا قُرْءٌ مِثْلُ فَرْعٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَنْشَدُوا قَوْلَ الْأَعْشَى مُوَرِّثَةٌ مَجْدًا وَفِي الْأَصْلِ رِفْعَةٌ ... بِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا وَاَلَّذِي ضَاعَ هَاهُنَا الْأَطْهَارُ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: وَالْقُرْءُ مَعْنَاهُ الْجَمْعُ وَلِذَلِكَ مَا قَرَأَتْ النَّاقَةُ سَلًى قَطُّ أَيْ لَمْ يَضُمَّ رَحِمُهَا جَنِينًا قَطُّ، وَأَنْشَدُوا لِعَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ تُرِيك إذَا دَخَلْت عَلَى خَلَاءٍ ... وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءِ بِكْرٍ ... هِجَانُ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ الطُّهْرُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ يَكُونُ الْجَمْعُ، وَأَمَّا وَقْتُ الْحَيْضَةِ فَلَيْسَ بِوَقْتِ جَمْعٍ، إنَّمَا هُوَ وَقْتُ إرَاقَةٍ وَدَفْقٍ وَلِذَلِكَ يُقَالُ: قَرَأْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إذَا جَمَعْته فِيهِ وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْإِرَاقَةِ لَهُ، وَالْإِرْسَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَيْضُ يُقَالُ أَقْرَاءٌ وَقُرُوءٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْقُرْءُ الْحَيْضُ يُقَالُ أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ وَقَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَالْفَرَّاءُ وَقَالَ الْأَخْفَشُ أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ، أَنْشَدُوا يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضٍ لَهُ ... قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَقْتَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا بِالْوَقْتِ أَشْبَهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْقُرْءُ يَصْلُحُ لِلطُّهْرِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَلْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَيْضِ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ فِي الطُّهْرِ أَظْهَرُ وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَجَدْنَاهُ مُسْتَعْمَلًا فِي الشَّرْعِ فِي الطُّهْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ وَكَتَبَ لِغُرَّةِ الشَّهْرِ يُرِيدُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ وَقْتَ الطُّهْرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] يَعْنِي وَقْتًا تَعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] يُرِيدُ مَا تَعْتَدُّ بِهِ الْمَرْأَةُ الْمُطَلَّقَةُ، وَهُوَ الطُّهْرُ الَّذِي تَطْلُقُ فِيهِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ زَمَانَ الطُّهْرِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى عِدَّةً، وَهُوَ الَّذِي يُطَلَّقُ فِيهِ النِّسَاءُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الْحَيْضِ وَمَنْ طَلَّقَ فِي حَالِ طُهْرٍ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ عِنْدَنَا بِذَلِكَ الطُّهْرِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَلِأَنَّ الْأَقْرَاءَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِتَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهُ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً كَانَتْ مِنْ الْعَلَامَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِذَا حَاضَتْ الثَّانِيَةَ، وَالثَّالِثَةَ تَأَكَّدَ مَا يُرَادُ مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَلَمْ تَنْتَظِرْ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْحَيْضِ أَضْعَفُ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا مَعْنَى لِمُرَاقَبَتِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَطِىءَ أَمَتَهُ وَأَرَادَ بَيْعَهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَطْهُرَ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْقُرْءُ الْوَقْتُ، وَهُوَ يَصْلُحُ لِلطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ وَيُقَالُ: هَذَا قَارِي الرِّيَاحِ أَيْ وَقْتُ هُبُوبِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ خُرُوجٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَخَرَجَتْ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ أَوْ مِنْ حَيْضٍ إلَى طُهْرٍ. (فَصْلٌ) : الطَّلَاقُ الشَّرْعِيُّ هُوَ مِنْ فُرْقَةِ الزَّوْجَةِ يُقَالُ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَحُكِيَ طَلَّقَتْ، وَالْمَرْأَةُ طَالِقٌ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْهَاءَ سَقَطَتْ مِنْ طَالِقٍ؛ لِأَنَّهُ لَاحَظَ التَّذْكِيرَ فِيهِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ: إنَّ مِثْلَ هَذَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُؤَنَّثُ، وَالْمُذَكَّرُ يُقَالُ بَعِيرٌ ضَامِرٌ وَنَاقَةٌ ضَامِرٌ وَشَاغِلٌ وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى لَفْظِ التَّذْكِيرِ صِفَةً لِلْمُؤَنَّثِ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى النَّسَبِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: امْرَأَةٌ مِذْكَارٌ وَرَجُلٌ مِذْكَارٌ يُرِيدُونَ ذَاتَ ذُكُورٍ وَكَذَلِكَ امْرَأَةٌ طَالِقٌ يُرِيدُونَ ذَاتَ طَلَاقٍ فَإِذَا أَجْرَيْته عَلَى الْفِعْلِ قُلْت طَالِقَةٌ قَالَ الْأَعْشَى أَيَا جَارَتِي بِينِي فَإِنَّك طَالِقَهْ ... كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَلْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ، فَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا حَائِضٌ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ هِيَ مُصَدَّقَةٌ وَلَا تُكْشَفُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الرَّجْعَةِ؛ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُصَدَّقَةً فِيهِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ طَلَّقَ فَقَالَتْ: طَلَّقَنِي فِي الْحَيْضِ فَقَالَ بَلْ طَلَّقْتُك، وَأَنْتِ طَاهِرٌ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَقُولَهُ بَعْدَمَا طَهُرَتْ، وَأَمَّا إذَا قَالَتْهُ قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ بِالطُّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) سُؤَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ طَلَاقِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا لِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ أَوْ لِمَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ حُكْمَ مَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَوَقَعَ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَةً فِي دَمِ حَيْضٍ وَلَا دَمِ نِفَاسٍ لِمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الَّذِي يَكُونُ بِغَلَبَةٍ مِنْ السُّلْطَانِ فِيمَنْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ عُنَّةٌ أَوْ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ فِي دَمٍ وَلَا حَيْضٍ وَلَا نِفَاسٍ، وَالْأَمَةُ تُعْتَقُ فِي الْحَيْضِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِنْ فَعَلَتْ مَضَى، وَأَمَّا الْمَوْلَى فَرَوَى أَشْهَبُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَطْلُقُ عَلَيْهِ؛ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ قَالَ: وَكَيْفَ أُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَأُجْبِرُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] إلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] ، وَالِارْتِجَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِالْحَقَّيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لُزُومُ مَا يُوقِعُ مِنْ الطَّلَاقِ حِينَ الْحَيْضِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا رَأَتْ الْحَائِضُ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ فَلَا يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ هِيَ مَمْنُوعَةٌ فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَوَطْءِ الْحَائِضِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الطَّلَاقُ أَصْلَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ حَائِضًا فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَامِلُ وَلَدًا وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا آخَرُ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: إنْ قُلْنَا تَطْلُقُ الْحَامِلُ حَالَ الْحَيْضِ لَمْ يُجْبَرْ هَذَا عَلَى الرَّجْعَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تُمَيِّزُ فَتَطْلُقُ حَالَ الْحَيْضِ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَيَجْرِي الْأَمْرُ فِي هَذِهِ عَلَى تِلْكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْ الْمَرْأَةِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ عَاوَدَهَا بِالْقُرْبِ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى الرَّجْعَةِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ إذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُطَلِّقٌ فِي وَقْتٍ يُضَافُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الدَّمِ إلَى مَا قَبْلَهُ فَتَعُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَيْضَةً وَاحِدَةً كَاَلَّذِي طَلَّقَ حَالَ الْحَيْضِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ إيقَاعُهُ فِيهِ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ وَوَطْءُ الزَّوْجِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ حَالَ طُهْرٍ كَامِلٍ، وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ لِبَعْضِ الصَّقَلِّيِّينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ الصَّغِيرَةَ، وَالْيَائِسَةَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَلَا يُوصَفُ طَلَاقُهُمَا بِأَنَّهُ لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدَةٌ لَيْسَتْ لَهُمَا حَالَانِ فَيَخْتَصُّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِإِحْدَاهُمَا، وَإِنَّمَا جَمِيعُ تِلْكَ الْحَالِ وَقْتٌ لِلْعِدَّةِ فَكَانَتْ وَقْتًا لِلطَّلَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَفِي طَلَاقِهَا حَالَ الْحَيْضِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَلْحَقُ بِهِ ضَرَرُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ كَطَلَاقِ الطَّاهِرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ طَلَاقُ حَائِضٍ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْمَنْعُ كَطَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: مَنْعُ أَشْهَبَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ طَلَاقَهَا يَتَنَوَّعُ إلَى السُّنَّةِ، وَالْبِدْعَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فَلَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْحَامِلِ: إنَّهُ يَتَخَرَّجُ طَلَاقُهَا حَالَ حَيْضِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوَجَدْت لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَلِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَتَوْجِيهُ الْقَوْلِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: مُسْتَحَاضَةٌ لَا تُمَيِّزُ وَمُسْتَحَاضَةٌ تُمَيِّزُ فَأَمَّا الَّتِي لَا تُمَيِّزُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّغِيرَةِ، وَالْيَائِسَةِ قَالَ ابْن شِهَابٍ: تَطْلُقُ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا طَهُرَتْ لِلصَّلَاةِ قَالَ فَجَعَلَ ذَلِكَ طُهْرَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ أَرَادَ الَّتِي تُمَيِّزُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي تُمَيِّزُ وَاَلَّتِي لَا تُمَيِّزُ فَيَكُونُ طُهْرُ الَّتِي تُمَيِّزُ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْحَيْضِ وَيَكُونُ طُهْرُ الَّتِي لَا تُمَيِّزُ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابنَا: إنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ فِيهِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْحَيْضِ الَّذِي يَمْنَعُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ظَاهِرُ هَذَا الْأَمْرِ وُجُوبُهُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَهُ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِالِارْتِجَاعِ وَيَقْتَضِي أَمْرَ عُمَرَ لِابْنِهِ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلُزُومِهِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ أَمْرُ عُمَرَ بِذَلِكَ بِمَعْنَى التَّقَدُّمِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا أَنْ يُرَاجِعَهَا إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ بِخُلْعٍ أَوْ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَوْ طُلِّقَ عَلَيْهِ مِنْ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ إعْسَارٍ بِنَفَقَةٍ فَأَمَّا الْعِنِّينُ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِزَوَالِ مُوجِبِ الطَّلَاقِ مِثْلُ أَنْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ أَوْ يُوسِرَ الْمُعْسِرُ أَوْ يَخِفَّ الْجُذَامُ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرَّجْعَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَنْ طَلَّقَ مِنْهُمْ حَائِضًا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا يُؤْمَرُ بِهَا وَلَا يُجْبَرُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُضَارٌّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أُمِرَ بِالرَّجْعَةِ فَامْتَنَعَ مِنْهَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُهَدَّدُ سَوَاءً ابْتَدَأَ الطَّلَاقَ أَوْ حَنِثَ، فَإِنْ أَبَى يَسْجُنُهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالسَّوْطِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَمَادَى أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ الرَّجْعَةَ وَكَانَتْ الرَّجْعَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ وَبَقَاءَهُ عَلَى حُكْمِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهَا، وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَإِلَّا لَزِمَ مَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى طَهُرَتْ فُعِلَ بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ تِلْكَ الْعِدَّةِ وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرُ فَلَا تُجْبَرُ؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مِنْ الْعِدَّةِ فَأُجْبِرَ الْمُطَلِّقُ عَلَى ارْتِجَاعِهَا أَصْلُ ذَلِكَ الطُّهْرُ الْأَوَّلُ وَزَمَنُ الْحَيْضِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ لِأَنَّهَا رَجْعَةٌ وَجَبَتْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَجَعَ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْآنَ فَلَا يُجْبَرُ الْآنَ عَلَى الرَّجْعَةِ لِانْقِضَاءِ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الطَّلَاقِ فِيهِ وَفِي هَذَا الطُّهْرِ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ أَنْ يَرْتَجِعَ فَلَا مَعْنَى لِجَبْرِهِ فِيهِ عَلَى الِارْتِجَاعِ. (فَرْعٌ) : فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَمْ يَنْوِهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا فَوْقَ الْإِزَارِ مِنْهَا حَالَ حَيْضِهَا، لَوْ نَوَى الرَّجْعَةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ هِيَ رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ وَلَهُ الْوَطْءُ كَالْمُتَزَوِّجِ هَازِلًا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَلَهُ الْوَطْءُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْحَيْضِ الْأَوَّلِ عَلَى الِارْتِجَاعِ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ فِي الْحَيْضِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ بِمَا زَادَ مِنْ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ مَا بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الِارْتِجَاعِ فَارْتَجَعَ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ وَجْهُ كَرَاهِيَةِ طَلَاقِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَ ثُمَّ يُمْسِكَ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ. وَهَذَا عَامٌّ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الِارْتِجَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الطَّلَاقِ تَطْوِيلٌ لِلْعِدَّةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَاءَ أَمْسَكَ» قَالَ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي الطُّهْرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْمُبْتَدَأِ، وَالرَّجْعَةِ الْوَطْءُ فَلِذَلِكَ شُرِعَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي طُهْرٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ الْوَطْءُ إنْ شَاءَ لِئَلَّا يَكُونَ ارْتِجَاعُهُ لِغَيْرِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ عَلَى مَعْنَى الْإِضْرَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وَقَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] فَشَرَطَ إرَادَةَ الْإِصْلَاحِ فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سُنَّةِ النِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِهِ، وَلَفْظُ الرَّجْعَةِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُمْسِكْهَا هَكَذَا رَوَى الْحَدِيثَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ أَثْبُتُ النَّاسِ فِيهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ وَابْنُ شِهَابٍ أَثْبُتُ مَنْ يُرْوَى عَنْهُ وَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالُوا فِيهِ «فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ فِيهِ «ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَوْ حَامِلًا» ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ لَا سِيَّمَا مِثْلُ هَذَا، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ سَالِمٌ وَعَلْقَمَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ رَوَوْا الزِّيَادَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالنَّظَرُ يُعَضِّدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يُرَاجِعُهَا، وَإِذَا طَهُرَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَثَرِ، وَالنَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: «إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» يَقْتَضِي أَنَّهُ يُوقِعُ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ لِمَا فِي الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّ فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاسِ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَلَا يُعْقِبْ حَيْضًا طَلَّقَ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَاَلَّذِي طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ إذَا ارْتَجَعَ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ أَوْ يَكُونَ ارْتِجَاعُهُ بِمُضِيِّ نِكَاحٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْوَطْءِ، وَذَلِكَ مَحْظُورٌ فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ الطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ طُهْرٍ لِيَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْحَيْضِ رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُد، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي حَالِ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَعَالَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ إيقَاعَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَخُصَّ حَالًا دُونَ حَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ إنْ وَقَعَ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ أَيْضًا عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ: وَالطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا فَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفِي الْحَدِيثِ أَدِلَّةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» قَالَ: وَهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي النِّكَاحِ إلَّا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَاَلَّذِي كَانَ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ: صَدَقَ عُرْوَةُ، وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ وَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتُمْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ إنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ فَاَلَّذِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الزَّمَانِ إنَّمَا كَانَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ شُووِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَفْتَى فِيهَا بِمَا امْتَثَلَ فَمُحَالٌ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ طَلْقَةً مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَالسِّرَايَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَالِ الطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ كَالْعِتْقِ. وَاسْتِدْلَالٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَإِلْزَامَهُ تَغْلِيظٌ وَمَنْعَهُ تَخْفِيفٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ، وَالصَّبِيَّ، وَالنَّائِمَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ عُصَاةٍ وَيَلْزَمُ السَّكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبِأَنْ يَلْزَمَ مَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - انْتَقَلَتْ حَفْصَةَ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَعْتَقِدُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا وَاسْتِبْقَاءَ مَا كَانَ لَزِمَهَا مِنْ الْمُقَامِ بِسَبَبِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ شُيُوخُنَا مِنْ أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْمَدْخُولَ بِهَا مَعَ السَّلَامَةِ تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَذَهَبَتْ عَائِشَةُ وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، فَإِنَّمَا تَطْلُقُ فِي طُهْرٍ تَعْتَدُّ بِهِ وَيَحْتَجُّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إذْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُطَلِّقَ لِلطُّهْرِ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» غَيْرَ أَنَّ آخِرَ الطُّهْرِ يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِهِ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْءَ الْخُرُوجُ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الْحَيْضِ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ كَمُلَتْ لَهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ مَوْضِعِ اعْتِدَادِهَا وَقَالَهُ أَشْهَبُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَمْرَةَ: وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ أُنَاسٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُجَادَلَةَ مُبَاحَةٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ بَلْ هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِهَا مِنْ الْقَصْدِ إلَى الْحَقِّ وَطَلَبِ حَقِيقَةِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ أَتَتْ ذَلِكَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَشَاعَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَلَيْهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] عَلَى مَعْنَى الْمَنْعِ لَهَا مِنْ انْتِقَالِ الْمُعْتَدَّةِ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَجَاوَبَتْهُمْ عَائِشَةُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْآيَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ تَأْوِيلَهَا عَلَى غَيْرِ مَا ظَنَنْتُمْ، وَذَلِكَ أَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحِيَضُ، وَإِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ اسْمَ الْقُرْءِ يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ إلَّا أَنَّهُ فِي الطُّهْرِ أَظْهَرُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الطُّهْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِيهِ أَظْهَرُ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُعْدَلَ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ الثَّانِيَ إذَا عُلِّقَ فِي الشَّرْعِ عَلَى اسْمٍ يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِمَا وُجُودًا فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فَأَوَّلُ الْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ لِمَنْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ أَتَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ، وَإِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ إنْ كَانَتْ قَالَتْ ذَلِكَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمَتْهُمْ بِمُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَالَتْ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَالْعِلْمِ بِاللُّغَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْأَقْرَاءُ وَاقِعَةً فِي الطُّهْرِ عَلَى الْحَيْضِ فَأَعْلَمَتْهُمْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْأَحْوَصَ هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إنَّهَا إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ وَبَرِئَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا مَالِكٌ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى الْمَهْدِيِّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا يَقُولَانِ: إذَا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الشَّرْعِ الطُّهْرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعَرَبِ يُرِيدُ بِهِ الطُّهْرَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ بِهِ الْحَيْضَ فَأَعْلَمَتْهُمْ أَنَّهُ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ الطُّهْرُ، وَأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ هَذَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ إلَّا وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَيْضَةُ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَذْهَبُ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ رَأَيْت حَدِيثَ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ يَخْتَلِفُ فِي إسْنَادِهِ الْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ الْحَاكِمُ وَحَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ هُوَ عِنْدِي سَمَاعًا، وَهُوَ مُرْسَلٌ أَرْسَلَهُ سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ، وَالْأَحَادِيثُ عَمَّنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ هِيَ الْأَطْهَارُ قَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ فَرَجَعَ أَحْمَدُ إلَى هَذَا. (ش) : وَقَوْلُهُ: إنَّ الْأَحْوَصَ هَلَكَ بِالشَّامِ حِينَ دَخَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَكَانَ طَلَّقَهَا يَقْتَضِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ لَوَرِثَتْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي ذَلِكَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأُمَرَاءِ أَوْ الْحُكَّامِ مِنْ مُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاسْتِدْعَاءِ فَتَاوَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيمَا أَشْكَلَ مِنْ الْمَسَائِلِ بِالْآفَاقِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا يُرِيدُ أَنَّهُ انْقَضَى مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ مِنْ الِارْتِجَاعِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالتَّوَارُثِ، وَالْمَنْعِ مِنْ تَزَوُّجِ غَيْرِهِ. (ش) : قَوْلُهُمْ: إنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ يُرِيدُونَ الَّتِي تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلَفْظُ {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بِالْأَمْرِ، فَإِنَّ خَبَرَ الْبَارِي تَعَالَى لَا يَكُونُ بِخِلَافِ مَخْبَرِهِ وَنَحْنُ نَرَى مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ مَنْ لَا تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْأَمْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ يُرِيدُ أَنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْقُرْأَيْنِ لَا يَمْنَعُ

[ما جاء في عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يُحْيِي بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: إذَا حِضْت فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَاضَتْ آذَنَتْهُ فَقَالَ: إذَا طَهُرْت فَآذِنِينِي فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا إذَا طَلُقَتْ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا يَذْكُرَانِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ أَلْبَتَّةَ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي وَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَوَ مَا بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فَقَالَ مَرْوَانُ: إنْ كَانَ بِك الشَّرُّ فَحَسْبُك مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنْ الشَّرِّ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَانْتَقَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِبَارَ بِهَا مَا لَمْ يُؤَدِّ تَأْخِيرُ الْقُرْءِ إلَى حَالِ الرِّيبَةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُ الْأَنْصَارِيِّ لِامْرَأَتِهِ إذْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ: إذَا حِضْت فَآذِنِينِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّهَا فِيهِ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِيهِ مَمْنُوعٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تُؤْذِنَهُ بِحَيْضِهَا لِيَسْلَمَ طَلَاقُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا حَاضَتْ قَالَ لَهَا: إذَا طَهُرْت فَآذِنِينِي؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ حَالَ الْحَيْضِ مَمْنُوعٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا طَهُرَتْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ وَلَا تَعَقَّبَ حَيْضًا طَلَّقَهَا فِيهِ، وَهُوَ الزَّمَانُ الَّذِي شُرِعَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا إذَا طَلُقَتْ فِيهِ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ طَلَّقَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ أَلْبَتَّةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَإِنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ تُوصَفُ بِهَا أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ الثَّلَاثِ وَانْتِقَالُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَتِهِ يُرِيدُ مِنْ مَوْضِعِ عِدَّتِهَا، وَهُوَ مَوْضِعُ سُكْنَاهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ السُّكْنَى، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِفْظُ النَّسَبِ وَلِحَقِّ اللَّهِ بِهِ تَعَلُّقٌ فَيُغَلَّظُ لِذَلِكَ فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ إسْقَاطُهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْمَبْتُوتَةِ: السُّكْنَى عَلَى زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ وَيُحْبَسُ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِيهِ مَالُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُؤْخَذُ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فَذَلِكَ عَلَيْهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حَقُّ السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْيَسَارِ وَالْغِنَى وَيَسْقُطُ مَعَ الْعَدَمِ فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَ نَفْسَهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُكْنَى فِي وَفَاةٍ وَلَا طَلَاقٍ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ لَهَا السُّكْنَى فِي الْفِرَاقِ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إذَا بُوِّئَتْ بَيْتًا قَالَ مَالِكٌ وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْثُ كَانَتْ إنْ كَانَ الزَّوْجُ يَأْتِيهَا عِنْدَ أَهْلِهَا اعْتَدَّتْ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ بِالنَّهَارِ وَتَبِيتُ عِنْدَ زَوْجِهَا بِاللَّيْلِ اعْتَدَّتْ فِي مَنْزِلِهِ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ السُّكْنَى وَإِلَّا فَلَا، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ سُكْنَى الْعِدَّةِ مُعْتَبَرَةٌ بِالسُّكْنَى حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَيَتَعَيَّنُ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ سُكْنَى فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَقْتَ كَمَالِ النِّكَاحِ فَبَانَ لَا يَجِبُ لَهَا حَالَ الْفِرَاقِ، وَهُوَ وَقْتُ إسْلَامِ النِّكَاحِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ: إنَّ السُّكْنَى حُكْمٌ يَجِبُ بِالزَّوْجِيَّةِ كَالنَّفَقَةِ فَإِذَا اقْتَضَتْ الزَّوْجِيَّةُ ثُبُوتَ إحْدَاهُمَا اقْتَضَتْ الْأُخْرَى، إذَا لَمْ تَقْتَضِهِ لَمْ تَقْتَضِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ إدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا زَوْجُهَا قَالَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْبِنَاءِ حُكْمُ الْبِنَاءِ فِي عِدَّةٍ وَلَا كَمَالِ صَدَاقٍ وَلَا وُجُوبِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ نَهَارًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النَّصُّ الْإِسْكَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] ، وَالْخُرُوجُ بِالنَّهَارِ لَا يُنَافِي السُّكْنَى فَلَمْ تُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهَا مِنْ التَّصَرُّفِ إضْرَارٌ بِهَا فَلَيْسَ كُلُّ النِّسَاءِ لَهَا مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَنَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ يُرِيدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ اتَّقِ اللَّهَ وَرُدَّ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا إنْكَارًا مِنْهَا لِانْتِقَالِهَا مِنْ بَيْتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَائِشَةَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَتْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا: رُدَّ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ، وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْمُقَامِ فِي بَيْتِ سُكْنَاهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ لَمَا خَاطَبَتْ بِذَلِكَ مَنْ إلَيْهِ حُكْمُ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تُخَاطِبُ بِهِ الْمَرْأَةَ فِي خَاصَّتِهَا وَتُعْلِمُهَا أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ انْتِقَالَهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا خَافَتْ الزَّوْجَةُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا سُقُوطَ الْمَبِيتِ أَوْ كَانَتْ بِقَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ وَتَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا اللُّصُوصَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَتَحَوَّلُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ فَخَافَتْ جَارَ سُوءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَنْتَقِلُ إلَّا لِأَمْرٍ لَا تَسْتَطِيعُ الْقَرَارَ عَلَيْهِ، وَالْمَدِينَةُ بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ فِيهَا مَنْ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَيْهِ وَيَكْفِيهَا مَنْ تَتَّقِيهِ مِنْ الْجَارِ السُّوءِ وَغَيْرِهِ، وَالْقَرْيَةُ فِي الْغَالِبِ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ وَلَا يُمْنَعُ الْمُتَعَدِّي مِنْ التَّعَدِّي فَإِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا انْتَقَلَتْ عَنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا اعْتَرَضَ مَرْوَانُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَانْتِقَالِهَا إلَى مَنْزِلِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ: لَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ تُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ فَاطِمَةَ غَيْرُ حُكْمِ هَذِهِ لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ إنَّمَا انْتَقَلَتْ؛ لِأَنَّ مَنْزِلَهَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَاعْتَقَدَ مَرْوَانُ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ خُرُوجُهَا لِمَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَذَوِيهِ مِنْ الشَّرِّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ لَسِنَةً فَلِذَلِكَ قَالَ: إنْ كَانَ بِك الشَّرُّ فَحَسْبُك مَا بَيْنَ هَذَيْنِ إنَّ أَبْلَغَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ هَذَيْنِ مِنْهُ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَقَدْ أَنْكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى بِنْتِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ انْتِقَالَهَا حِينَ طَلَّقَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ انْتِقَالَهَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا انْتَقَلَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَأَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَوْضِعٍ وَأَرَادَتْ هِيَ غَيْرَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ كَثْرَةِ كِرَاءٍ وَلَا سُكْنَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا الَّتِي تَخْتَصُّ بِالسُّكْنَى فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا تَخْتَارُهُ ضَرَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الْإِضْرَارِ بِهَا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ أَدَاءُ الْكِرَاءِ كَسَائِرِ النَّفَقَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ حُكْمُ الَّذِي انْتَقَلَتْ مِنْهُ مِنْ مُلَازَمَتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الدَّارِ الَّتِي انْتَقَلَتْ عَنْهَا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ مَوْضِعِ عِدَّتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ انْتَقَلَتْ أَجْبَرَهَا السُّلْطَانُ عَلَى الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَالْوَلَدِ الْمُرْتَقَبِ، وَقَدْ تُغَلَّظُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهُ. (ش) : قَوْلُهُ: طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ حَفْصَةَ أَوْ فِي دَارٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ عَلَى مَنْ الْكِرَاءُ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: عَلَى زَوْجِهَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ زَوْجِهَا قَالَ فَعَلَيْهَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا قَالَ: فَعَلَى الْأَمِيرِ) . مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ سُكْنَى حَفْصَةَ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَسْكَنُ طَرِيقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إلَى الْمَسْجِدِ إمَّا لِأَنَّ سُكَّانَ تِلْكَ الدَّارِ وَأَرْبَابَهَا أَبَاحُوا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهَا الْمَمَرُّ بِاسْتِحْقَاقِ رَقَبَةِ الْمَمَرِّ أَوْ اسْتِحْقَاقِ مَنْفَعَتِهِ بَيْنَ يَدَيْ تِلْكَ الْبُيُوتِ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِي بَعْضِهَا هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَلَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الزَّوْجَةَ وَاسْتَحَقَّتْ الِاعْتِدَادَ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ تَرَكَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ تِلْكَ الْبُيُوتِ وَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا بَيْنَ يَدَيْ تِلْكَ الْبُيُوتِ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ أَدْبَارِهَا فَكَانَ يَأْخُذُ عَلَى طَرِيقِ أَدْبَارِ الْبُيُوتِ لِئَلَّا يَكْشِفَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ الِاسْتِئْذَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ إلَيْهَا لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي دُخُولِ الْمُطَلِّقِ عَلَى الزَّوْجَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ أَوَّلًا فِي الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَيَأْكُلَ مَعَهَا إذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ يَتَحَفَّظُ بِهَا، وَقَدْ زَادَ عَلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ، وَأَنْ تَتَطَيَّبَ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَلَا يَأْكُلُ مَعَهَا حَتَّى يُرَاجِعَهَا، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِ إذْنٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا رَجْعَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا وَقَعَ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَالِالْتِذَاذُ بِهَا مَمْنُوعًا مَحْظُورًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَالتَّلَذُّذُ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ أَفَادَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ كَالْبَائِنِ، وَإِنَّمَا لَهُ فِيهَا الرَّجْعَةُ وَإِزَالَةُ التَّحْرِيمِ بِالرَّدِّ إلَى الزَّوْجِيَّةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَلَيْسَ لِلْمُطَلِّقِ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الِارْتِجَاعَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الْمَنْعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ تَقْدِيمِ الرَّجْعَةِ وَلِذَلِكَ لَمَّا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ إلَّا بِطَهَارَةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَتَطَهَّرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُسَاكِنُهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا انْتَقَلَ عَنْهَا وَلَا يَكُونُ مَعَهَا فِي مَوْضِعٍ يَنْغَلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مُحَرَّمٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَاكِنَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. (ش) : سُؤَالُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ يُرِيدُ الَّتِي قَدْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَقَالَ سَعِيدٌ: الْكِرَاءُ عَلَى الزَّوْجِ يُرِيدُ كِرَاءَ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا كِرَاءُ السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ السُّكْنَى مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فَالْكِرَاءُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْبَائِنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ وَكَانَ الْإِنْفَاقُ وَالسُّكْنَى لَازِمَيْنِ لِلزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَمَّا أُمِرَ بِالسُّكْنَى بَعْدَ الطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ غَيْرُ حُكْمِ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ إسْقَاطُ النَّفَقَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ وَلَيْسَ لَهَا إسْقَاطُ السُّكْنَى وَلَا نَقْلُهُ عَنْ مَحِلِّهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهَا النَّفَقَةُ مَعَ السُّكْنَى رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ وَلَا نُجِيزُ قَوْلَ امْرَأَةٍ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْحَامِلَ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ نَسِيَتْ وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُطَلَّقَةِ إنَّمَا هُوَ السُّكْنَى، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَتَخْتَصُّ بِالْحَامِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] .

[ما جاء في نفقة المطلقة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَك عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ: فَكَرِهْته ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ أَوْصَلَ إلَيْهَا النَّفَقَةَ عَنْ زَوْجِهَا فِي النَّفَقَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا أَسْخَطَتْ مَا أَنْفَذَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَكَانَتْ بَائِنًا وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ السُّكْنَى تَلْزَمُهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهُ هَذِهِ السُّكْنَى بِالْعِدَّةِ يَقْتَضِي الِانْتِقَالَ عَنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ سُكْنَى تَجِبُ عَلَيْهَا وَلَهَا بِالْعِدَّةِ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَالٌ فَعَلَيْهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَيْهَا كِرَاءُ بَقِيَّةِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إنْ كَانَ عِنْدَهَا مَا تَدْفَعُهُ فِي كِرَاءِ الْمَسْكَنِ بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا فَعَلَى الْأَمِيرِ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَقَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزَّوْجِ ذَهَبَتْ حَيْثُ شَاءَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ تُرِيدُ آخِرَ طَلْقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ أَرْسَلَ امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَقَوْلُهَا: وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ تُرِيدُ غَائِبًا عَنْهَا فَأَنْفَذَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا ثُمَّ إنَّ وَكِيلَهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِشَعِيرٍ عَنْ نَفَقَتِهَا فَسَخِطَتْهُ وَلَمْ تَرْضَ ذَلِكَ لِمَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ» ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْمَبْتُوتَةَ غَيْرَ الْحَائِلِ لَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ النَّفَقَةُ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً حَامِلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا بَائِنٌ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى» ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ أَوْ رَوَى عَنْهُ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَمَّا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَقَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمِّ شَرِيكٍ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ السُّكْنَى بِمُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّهَا أَمْرٌ لَازِمٌ لَهَا وَبَدَلٌ مِنْ الِاعْتِدَادِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِبَذَاءٍ فِي لِسَانِهَا. وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَمَّا سَأَلَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ فَقَالَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ مَيْمُونُ فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ إنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّ الْبَذَاءَ، وَالشَّرَّ الْعَظِيمَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا مِمَّا يَقْتَضِي إخْرَاجَهَا مِنْ مَسْكَنِهِ إلَى غَيْرِهِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْمُبِيحَةِ لِلْخُرُوجِ مَا لَيْسَتْ بِمُبَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزِّنَى فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَاحِشَةَ الزِّنَى؛ لِأَنَّ أَمْرَ الزِّنَى وَاحِدٌ إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الرَّجْمُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: الزِّنَى الْفَاحِشَةُ كَمَا يَقُولُونَ أُخْرِجَتْ فَرُجِمَتْ، وَإِنَّمَا الْفَاحِشَةُ النُّشُوزُ وَسُوءُ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا كَثُرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ النُّشُوزِ بَيْنَهُمَا، وَالْأَذَى وَلَمْ يَطْمَعْ فِي إصْلَاحِهِ انْتَقَلَتْ الْمَرْأَةُ إلَى مَسْكَنٍ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي قَيْسٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ تَرَخَّصَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِمَّا يُبِيحُ لِلْمَرْأَةِ إذَا وَقَعَ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ فِي الْبَدْوِيَّةِ الْمُعْتَدَّةِ أَنَّهَا تَسْتَوِي مَعَ أَهْلِهَا حَيْثُ اسْتَوَوْا فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِقَالُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْعُذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: «رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ» يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقُعُودُ عَلَى حَالَةٍ يُبَاحُ لِلنَّاسِ النَّظَرُ إلَيْهَا مَعَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ عَنْهَا مَعَ نَظَرِ النَّاسِ إلَيْهَا، وَالْمَكْفُوفُ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا فَلَا حَرَجَ فِي تَرْكِ سَتْرِ شَعْرِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمِهِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَرَجٌ فِي النَّظَرِ إلَى الرَّجُلِ عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِهِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا جَالِسًا وَمُتَصَرِّفًا بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَاعَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إزَالَةَ الْحَرَجِ عَنْهَا فِي التَّسَتُّرِ لِكَوْنِهِ أَعْمَى وَكَانَتْ هِيَ بَصِيرَةً فَلَمْ يُنْكِرْ نَظَرَهَا إلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى نَبْهَانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ كُنْت أَنَا وَمَيْمُونَةُ جَالِسَتَيْنِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَقَالَ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ بِأَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا» غَيْرَ أَنَّ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ مُنْكَرٌ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّيهِ فِي كِتَابَتِهِ احْتَجَبَتْ مِنْهُ سَيِّدَتُهُ» ، وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد السِّخْتِيَانِيُّ حَدِيثُ نَبْهَانَ خَاصٌّ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ» ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مَعَ عَدَمِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ عَوْرَةٌ مَخْصُوصَةٌ فَإِذَا سَتَرَهَا لَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إلَيْهِ وَجَمِيعُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فَإِذَا كَشَفَتْ بَعْضَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى عَوْرَةٍ مِنْهَا، وَالْوَجْهُ، وَالْكَفَّانِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَا بِعَوْرَةٍ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ النَّظَرُ إلَيْهِمَا إلَّا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَحُكْمُ الْمَنْعِ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، وَالْإِبَاحَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهَا فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ فَذَلِكَ مِنْهَا كَجَمِيعِ جَسَدِ الرَّجُلِ خَلَا مَا يُوصَفُ بِالْعَوْرَةِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّخْفِيفِ فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ مَا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ وَلَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَضَّ أَبْصَارِهِنَّ عَنْ الْعَوْرَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَضَّ أَبْصَارِهِنَّ عَنْ النَّظَرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي» يُرِيدُ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَأَعْلِمِينِي قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: فِيهِ التَّعْرِيضُ بِالْخُطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَعْلَمَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ بْنَ هِشَامٍ خَطَبَاهَا، وَهُوَ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ وَأَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَهُوَ وَهْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ فِيهِ شِدَّةً عَلَى النِّسَاءِ وَكَثْرَةَ تَأْدِيبٍ، وَهَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَضَعَ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَقْتَ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ فَصَحِيحٌ عَلَى مَقَاصِدِ الْعَرَبِ فِي كَلَامِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» وَرَاعَى فِي ذَلِكَ حَاجَةَ النِّسَاءِ إلَى الْمَالِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوْجِ لِمَا لَهُنَّ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَوْرَدَتْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَشُورَةِ وَتَفْوِيضِ الِاخْتِيَارِ إلَيْهِ فَنَصَحَهَا وَذَكَرَ لَهَا مَا عَلِمَ مِنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا تَحْتَاجُ هِيَ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِمَنَافِعِهَا وَمَضَارِّهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النُّصْحِ لِلنِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ، وَالضَّعْفِ قَالَ ابْنُ وَضَاحٍ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فِيهِ إنْكَاحُ الْمَوَالِي الْقُرَشِيَّاتِ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قُرَشِيَّةٌ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلًى وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ رُكُونٌ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا تَسْمِيَةُ صَدَاقٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْكَنْ إلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهَا إنَّمَا ذَكَرَتْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا وَلَمْ تَذْكُرْ رُكُونًا إلَى أَحَدِهِمَا، لَوْ كَانَ مِنْهَا رُكُونٌ إلَى أَحَدِهِمَا لَذَكَرَتْهُ دُونَ الْآخَرِ وَهَذِهِ حَالَةٌ تَجُوزُ فِيهَا الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ فَخَطَبَهَا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَكَرِهَتْهُ تُرِيدُ أَنَّهَا كَرِهَتْ نِكَاحَهُ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَلَعَلَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَوَالِي وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَكْرَهُ ذَلِكَ وَتَتَرَفَّعُ عَنْهُ فَأَعَادَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهَا وَلِمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ جَوَازِ إنْكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ الْمَوَالِيَ قَالَتْ: فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا كَثِيرًا وَاغْتَبَطَتْ بِهِ تُرِيدُ أَنَّهَا عَرَفَتْ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ فِي اتِّبَاعِ رَأْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنِكَاحِهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَإِنْ كَانَتْ كَرِهَتْهُ أَوَّلًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] . (ش) : قَوْلُهُ: الْمَبْتُوتَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ السُّكْنَى لَهَا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّ ذَلِكَ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] ، وَأَنَّ قَوْلَهُ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] فِي الْبَائِنَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَصَّصَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِنَّ بِالْحَمْلِ، وَالرَّجْعِيَّاتُ لَهُنَّ النَّفَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما جاء في عدة الأمة من طلاق زوجها]

مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ الْأَمَةَ إذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ عَتَقَتْ بَعْدُ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ عِدَّتَهَا عِتْقُهَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا قَالَ مَالِكٌ: وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَدُّ يَقَعُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يُعْتَقُ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنَّمَا حَدُّهُ حَدُّ عَبْدٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ بِحَيْضَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا فَيُعْتِقُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَيْنِ مَا لَمْ يُصِبْهَا، فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ مِلْكِهِ إيَّاهَا قَبْلَ إعْتَاقِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ عِتْقَ الْأَمَةِ فِي الْعِدَّةِ لَا يُغَيِّرُ عِدَّتَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّةِ الْأَمَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يُرَاعَى فِي عِدَّتِهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَلَا يُغَيِّرُ حُكْمَهَا مَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهَا كَالْحَدِّ يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ زِنًا أَوْ قَذْفٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ تُعْتَقُ، فَإِنَّهَا لَا يُغَيِّرُ عِتْقُهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحَدِّ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا إلَّا حَدُّ أَمَةٍ وَفَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ تُعْتَقُ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يَمُوتُ زَوْجُهَا، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَلْزَمُهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ كَالتَّوَارُثِ وَلُحُوقُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ دُونَ الْبَائِنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَهِيَ حُرَّةٌ فَتَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُطَلَّقَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِالْعِتْقِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَقَالَ: لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَقَالَ أَيْضًا: تَنْتَقِلُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ الْقِيَاسُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ عَنْ الْأَمَةِ زَوْجُهَا ثُمَّ عَتَقَتْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَزِمَتْهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْتَقِلُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَلْزَمُهَا تَمَامُهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي عِتْقِهَا. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ الْحُرَّ فِي الْأَمَةِ لَهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالِاعْتِدَادَ بِالْأَقْرَاءِ يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الرِّقُّ، وَالْحُرِّيَّةُ فَيُعْتَبَرُ الطَّلَاقُ بِحَالِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِمْ وَتُعْتَبَرُ الْأَقْرَاءُ بِحَالِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ مُخْتَصَّةٌ بِهِنَّ مَوْجُودَةٌ فِيهِنَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطَّلَاقُ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسَاءِ فَتَطْلُقُ الْحُرَّةُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَتَطْلُقُ الْأَمَةُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ: تَكُونُ عِنْدَهُ الْأَمَةُ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ فَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَقَدْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحَلَّتْ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَهَذِهِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَكِنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ لِأَنَّ عَقْدَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُبْطِلُ عَقْدَ النِّكَاحِ، وَإِذَا بَطَلَ لَمْ يَبْقَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ حُكْمٌ فِي الْعِدَّةِ لِعَدَمِ الْبِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْأَمَةِ قُرْأَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ حِينَ الْفَسْخِ وَلَا تَتَغَيَّرُ عِدَّتُهَا بِعِتْقِهَا هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْمِلْكِ يَهْدِمُ

[جامع عدة الطلاق]

جَامِعُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمَ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَوَطْءَ الْمِلْكِ يَهْدِمُ حُكْمَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً وَطِئَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الشُّهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَاشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ بَاعَهَا كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ يُرِيدُ أَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَتَيْنِ إذَا كَانَ بَيْعُهُ إيَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً بَعْدَ طَلَاقِهِ إيَّاهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً قَالَهُ مَالِكٌ وَلِهَذِهِ الْحَيْضَةِ حُكْمُ الْعِدَّةِ لِأَنَّ بِهَا تَتِمُّ عِدَّتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ ثُمَّ بَاعَهَا، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَبْرِئُهَا إلَّا بِحَيْضَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةٌ، وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ قَدْ انْقَضَتْ وَاسْتِبْرَاءُ الْإِمَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِحَيْضَةٍ خَرَجَتْ إلَى مِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَى مُكَاتَبٌ زَوْجَتَهُ فَعَجَزَ فَرَجَعَ رَقِيقًا فَأَخَذَهَا السَّيِّدُ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا فَعِدَّتُهَا حَيْضَةٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ حَيْضَتَيْنِ قَالَ وَتَعْتَدُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَسْخٍ يَكُونُ فِي النِّكَاحِ فَفِيهِ مِثْلُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا لَصَارَتْ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَبَطَلَتْ عِدَّةُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا وُطِئَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: عِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ: عِدَّتُهَا شَهْرَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ مِنْ الْأَقْرَاءِ فَلَمْ تَخْتَلِفْ بِكَثْرَةِ الْأَقْرَاءِ وَقِلَّتِهَا كَالتَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْ الْغُسْلِ، وَالْوُضُوءِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَالصُّغْرَى. [جَامِعُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ] (ش) : وَقَوْلُهُ فِي الَّتِي تَحِيضُ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا: تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرَ ابْنِ نَافِعٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ خَمْسَ سِنِينَ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ يَائِسَةً مِنْ الْمَحِيضِ اعْتَدَّتْ بِالسَّنَةِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قَالَ سَحْنُونَ وَأَصْحَابُنَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التِّسْعَةَ أَشْهُرٍ هِيَ أَمَدُ الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الطَّلَاقِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: حَائِضٌ وَغَيْرُ حَائِضٍ فَأَمَّا الْحَائِضُ فَهِيَ الَّتِي قَدْ رَأَتْ الْحَيْضَ، وَلَوْ مَرَّةً فِي عُمْرِهَا ثُمَّ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْيَأْسِ مِنْهَا فَهَذِهِ إذَا طَلُقَتْ فَحُكْمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَرَ حَيْضًا انْتَظَرَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ أَبَدًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التِّسْعَةَ الْأَشْهُرِ مُدَّةُ الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ فَالْغَالِبُ أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ إنْ كَانَ بِهَا أَوْ تَتَحَقَّقَ الْمَرْأَةُ عَلَامَاتِهِ وَتُحِسَّ بِهِ فَإِذَا سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالظَّاهِرُ سَلَامَتُهَا مِنْ الْحَمْلِ إذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهَا رِيبَةٌ غَيْرُ ارْتِفَاعِ الْحَيْضِ، وَقَدْ يَرْتَفِعُ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ فَلَا يَدُلُّ ارْتِفَاعُهُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِذَا انْقَضَتْ التِّسْعَةُ وَلَا تَمَسُّ شَيْئًا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُهُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ لَهَا حِينَئِذٍ حُكْمُ الْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ التَّرَبُّصُ بِالتِّسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَدَمُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلَاقُ لِلرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيْضِ، وَالْحَمْلِ حُكِمَ لَهَا بِحُكْمِ مَنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَصَارَ ذَلِكَ حُكْمًا كَالْيَائِسَةِ لَمَّا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَصَارَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّ الْيَائِسَةَ لَمَّا كَانَتْ عَلَامَةُ الْيَأْسِ ظَاهِرَةً مِنْ السِّنِّ وَغَيْرِهِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى اعْتِبَارِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَهَذِهِ لَمَّا كَانَ حُكْمُهَا الْحَيْضَ كَانَ ارْتِفَاعُهَا رِيبَةً لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا حَلَّتْ الْمُرْتَابَةُ بِالسَّنَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ وَأَكْثَرُهُمْ شُيُوخُ أَشْهَبَ أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي الطَّلَاقِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِأَنَّهَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ مُدَّةً فَصَارَ لَهَا حُكْمُ الْيَائِسَةِ إلَّا أَنْ يُعَاوِدَهَا الْحَيْضُ، وَلَوْ مَرَّةً فَتَرْجِعُ إلَى الْحَيْضِ إنْ تَمَادَى بِهَا أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ الْعِدَّةِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ قَبْلُ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونُ: قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: إنَّ عِدَّةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي بَلَغَتْهُ وَلَمْ تَحِضْ، وَإِنْ بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سِنًّا كُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ مِنْ النِّسَاءِ لَمْ تَحِضْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: وَلَا تَنْتَقِصُ مِنْهُ الْأَمَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] قَالَ مَالِكٌ {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ} [الطلاق: 4] ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ وَقَالُوا: لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ أَنْ ارْتَبْتُمْ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ مَاضٍ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ إنْ الْمَكْسُورَةُ بِالِاسْتِقْبَالِ، وَالِارْتِيَابُ قَدْ عُدِمَ بِتَعَدُّدِ وُجُودِ النَّصِّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُكْمَ الْآيَةِ أَوْ لِمَنْ لَا يَقْرَؤُهَا ثَابِتٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ مَعْنَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] إذَا ارْتَبْتُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ ارْتَبْتُمْ فِي التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى مَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى الدَّلِيلِ فَتَقُولُ: إنْ ارْتَبْتُمْ فِي كَذَا مَعَ ظُهُورِهِ وَوُضُوحِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَمْنَعَك مِنْ الِارْتِيَابِ أَمْرُ كَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] وَمَعْنَى ذَلِكَ نَفْيُ الشَّكِّ، وَالِارْتِيَابِ عَنْ مِثْلِ هَذَا لِوُضُوحِهِ وَظُهُورِ أَدِلَّتِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَنْ ارْتَبْتُمْ الْآنَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْطَعَ الِارْتِيَابَ هَذَا النَّصُّ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْحَالِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: إنْ شِئْت لَأَنْ فَعَلْت كَذَا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ فَتَقُولُ: إنْ كُنْت تَشُكُّ فِي كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (ش) : قَوْلُهُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ يُرِيدُ أَنَّهَا تُقِيمُ سَنَةً. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الطَّلَاقِ سَنَةٌ كَالْمُرْتَابَةِ؛ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءٌ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِدَّةٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَعَلَى هَذَا يَتَنَاوَلُ قَوْلُ سَعِيدٍ فِي أَنَّ التِّسْعَةَ الْأَشْهُرِ اسْتِبْرَاءٌ، وَالثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرِ عِدَّةٌ وَلِذَلِكَ اسْتَوَى فِيهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي يَخْتَلِفَانِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ لَا تُمَيِّزُ دَمًا وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْعَامِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ حُكْمُهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى حَيْضٍ أَوْ إلَى انْقِطَاعِ دَمٍ، فَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضٍ بَطَلَ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَاعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّيبَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا قُرْءَ لَهَا تَبْرَأُ بِهِ فَكَانَتْ مُرْتَابَةً كَاَلَّتِي لَا تَرَى الدَّمَ، فَإِذَا شَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الْمُرْتَابَةِ ثُمَّ رَأَتْ الْحَيْضَ انْتَقَلَتْ عَنْ حُكْمِ الِارْتِيَابِ إلَى الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ. 1 - (فَرْعٌ) : وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْحَيْضُ بِأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْهَا الدَّمُ ثُمَّ تَسْتَقْبِلَ الْحَيْضَ فَأَمَّا مَعَ اتِّصَالِ الدَّمِ بِأَنْ تَرَى دَمًا لَا تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ لِلَوْنِهِ وَلَذَاعَتِهِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إذَا رَأَتْ دَمًا لَا تَشُكُّ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَجْبَرَهُ عَلَى الِارْتِجَاعِ وَتَغْتَسِلُ بِانْقِطَاعِ هَذَا الدَّمِ الْجَدِيدِ وَلَا تَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِدَّتُهَا السَّنَةُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا حِينَ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ اسْتَقْبَلَتْ الْحَيْضَ، وَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ الثَّالِثَةَ كَانَتْ قَدْ اسْتَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ اسْتَقْبَلَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلَاقَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ إنْ رَأَتْ كَثْرَتَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: رُبَّمَا عَرَفَتْ إقْبَالَ الْحَيْضِ بِكَثْرَةِ الدَّمِ، وَإِدْبَارَهُ بِقِلَّتِهِ وَلَكِنَّ عِدَّتَهَا سَنَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْمَنُ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَتَحَقَّقُ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ بِالْكَثْرَةِ، وَالْقِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا طَلُقَتْ مُسْتَحَاضَةً فَانْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَهُ طُهْرًا كَامِلًا ثُمَّ حَيْضَهَا، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْأَقْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَالَ أَصْبَغُ قَدْ حَلَّتْ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَرَ دَمًا مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اسْتَحَاضَتْ فَبِتَمَامِ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ تَحِلُّ إلَّا أَنْ تُحِسَّ حَرَكَةً فَتُقِيمُ إلَى أَنْ تَنْفُسَ أَوْ تَضَعَ أَوْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الِاسْتِحَاضَةُ رِيبَةً وَارْتِفَاعُ الْحَيْضَةِ رِيبَةً لُفِّقَ مِنْهُمَا الْعَامُّ الَّذِي هُوَ مُدَّةُ اعْتِدَادِ الْمُرْتَابَةِ، وَهَذَا فِي تَقَدُّمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَأَمَّا فِي تَأَخُّرِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ حَيْضٍ فَإِذَا وُجِدَ الْحَيْضُ بَطَلَ حُكْمُ الرِّيبَةِ بِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ وَاعْتَدَّتْ بِالْأَقْرَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ مَا بَعْدَ الْحَيْضِ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّهُورِ كَمَا لَا يُضَافُ مَا بَعْدَ الْحَيْضِ مِنْ الشُّهُورِ إلَى مَا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَسْتَأْنِفُ الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ عَنْهَا الدَّمُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ انْقَطَعَتْ الِاسْتِحَاضَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَلَا يُلَفَّقُ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ وَلِأَنَّ عِدَّةَ الْمُسْتَرَابَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تَرْتَفِعُ بِهِ رِيبَتُهَا، فَإِذَا زَالَتْ رِيبَتُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا بِارْتِفَاعِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا زَالَتْ يَدُ رِيبَتِهَا، وَهَذِهِ رِيبَةٌ أُخْرَى طَارِئَةٌ فَيَجِبُ أَنْ تُقِيمَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِيَتَبَيَّنَ مَعْنَى هَذِهِ الرِّيبَةِ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةً مِنْ جِنْسِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمُطَلَّقَةِ تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا يُرِيدُ أَنْ تَنْقَطِعَ عَنْهَا فَلَا تَرَى دَمَ حَيْضٍ، فَإِنَّ حُكْمَهَا أَنْ تَقْعُدَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً لِمَا طَرَأَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّيبَةِ بِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهَا اعْتَدَّتْ بَعْدَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَارَقَتْ حُكْمَ الْمَحِيضِ فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ كَالْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِ عُمَرَ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَأَيْضًا، فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ؛ لِأَنَّ الْيَائِسَةَ مِنْ الْمَحِيضِ لَا تَحْمِلُ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَقَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ بَطَلَ حُكْمُ الشُّهُورِ وَاسْتَأْنَفَتْ الِاعْتِدَادَ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنْ جَرَتْ أَقْرَاؤُهَا عَلَى الْعَادَةِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَإِنْ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا بَعْدَ تِلْكَ الْحَيْضَةِ الْأُولَى، فَإِنْ اتَّصَلَتْ لَهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ طَهُرَتْ مِنْهَا لَمْ تَرَ فِيهَا دَمَ حَيْضٍ أَلْغَتْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضَةِ، وَالْأَشْهُرِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا وَاسْتَأْنَفَتْ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ يَوْمِ طُهْرِهَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ، فَإِذَا كَمُلَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ إنْ رَأَتْ حَيْضَةً ثَانِيَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ أَلْغَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاعْتَدَّتْ بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ وَبِالْحَيْضَةِ الْأُولَى حَيْضَتَيْنِ مِنْ عِدَّتِهَا ثُمَّ إنْ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا الثَّالِثَةُ اسْتَأْنَفَتْ الِاسْتِبْرَاءَ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ تَرَ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْضًا اعْتَدَّتْ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتُلَفِّقُ الْحَيْضَ، وَإِنْ تَخَلَّلَتْهُ الرِّيبَةُ وَلَا تُلَفِّقُ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ بَلْ تُلْغِي كُلَّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا ثُمَّ ارْتَجَعَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا أَنَّهَا لَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمِ طَلَاقِهَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةٌ، وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا إذَا كَانَ بَعْدَهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ تَجَدَّدَ لِرِيبَةٍ مُجَرَّدَةٍ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّلْفِيقُ، وَالْحَيْضُ لَيْسَ بِرِيبَةٍ بَلْ يَنْفِي الرِّيبَةَ فَلِذَلِكَ لُفِّقَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ. 1 - (فَرْعٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَيْضُ، فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُطَلَّقَةِ تُسْتَرَابُ فَتَرَى فِي السَّنَةِ دَمًا أَوْ مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا انْتَظَرَتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَهْدِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ لَا يَهْدِمُ الِاسْتِبْرَاءَ وَلَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ يُرِيدُ أَنَّ فِي طُولِ مُدَدِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْعِدَدِ، وَالْحَيْضِ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَا يَنْقَطِعُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ وَيُحْكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا بَاتًّا فَلَا تَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ الْبَتَّ يُنَافِي الرَّجْعَةَ. (ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَ ثُمَّ فَارَقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ: إنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ وَلَا تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى يُرِيدُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَهْدِمُ الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ يُنَافِي حُكْمَ الْعِدَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ بَطَلَتْ الْعِدَّةُ، فَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقٌ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا لَمْ يُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَزِمَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يَصِحَّ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إبْطَالِ الرَّجْعَةِ الْعِدَّةَ فَلَزِمَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ الثَّانِي. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ إنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ طَلَاقٍ غَنِيًّا عَنْ إزَالَتِهِ وَرُبَّمَا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ وَقْتٍ إلَيْهِ وَأَخْطَأَ حِينَ ارْتَجَعَ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْجِمَاعُ مَعَ مَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَظَلَمَ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ مَعَ عَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَلَى وَجْهِ الزَّوْجِيَّةِ وَمَقْصُودِهَا وَقَوْلُهُ {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ طَلَاقَ السُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] ، وَالرَّجْعَةُ تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ لَا يَرْتَجِعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ الثَّانِي ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى ارْتِجَاعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] فَسَمَّى تَزْوِيجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ارْتِجَاعًا، وَالثَّانِي مِنْ وَجْهَيْنِ الرَّجْعَةُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا الِارْتِجَاعُ الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] وقَوْله تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] الْإِمْسَاكُ الرَّجْعَةُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ» وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ وُقُوعِهِ بِالْقَوْلِ فَأَمَّا بِالْفِعْلِ نَحْوِ الْجِمَاعِ أَوْ الْقُبْلَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يَصِحُّ بِهَا وَبِسَائِرِ الِاسْتِمْتَاعِ لِلَّذَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمِثْلُ الْجِسَّةِ اللَّذَّةُ أَوْ يَنْظُرُ إلَى فَرْجِهَا وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِهَا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَهُ رَفْعُهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ رَفْعُهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ بِالْوَطْءِ كَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَكُونُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجْعَةٌ إلَّا إذَا نَوَى بِهَا الرَّجْعَةَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ تَكُونُ رَجْعَةً بِمُجَرَّدِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى يَصِحُّ لِلْوَطْءِ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ، وَالْعَقْدِ كَالتَّلَفُّظِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَطِئَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَنْوِي الرَّجْعَةَ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَطَأَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَنْكِحْهَا وَلَا غَيْرُهُ فِي بَقِيَّةِ أَمَدِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ نِكَاحُهُ وَلَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَمَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ (فَرْعٌ) وَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَ فِي الْعِدَّةِ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَجَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ فَلَا يَكُونُ الْوَطْءُ دُونَ الرَّجْعَةِ أَوْلَى بِالْمَهْرِ مِنْ الرَّجْعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَقَعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ دُونَ فِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، فَإِنْ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ نَوَى مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةً فَهِيَ رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ لِرَجْعَتِهِ الَّتِي كَانَ نَوَاهَا مِثْلُ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَشْهَدَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ وَطِئَ أَوْ اسْتَمْتَعَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: نَوَيْتُ بِذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعِ الرَّجْعَةَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ وَطِئَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ خَلَا بِهَا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَجْعَةً حَتَّى يَكُونَ مَقَامُهُ عِنْدَهَا وَدُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ مَعْرُوفًا بِغَيْرِ إقْرَارِهِ فَيُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ أَنَّهُ ارْتَجَعَ فِي الْعِدَّةِ فَفَرَّقَ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْخَلْوَةِ وَإِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَكُونُ رَجْعَةً، وَإِنْ نَوَى بِهَا الرَّجْعَةَ، وَالْوَطْءُ مَعَ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ يَكُونُ رَجْعَةً فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا: إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَطِئَهَا رَوَى ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ هِيَ طَالِقٌ بِالْيَمِينِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ إنْ نَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّمَادِي عَلَى الْوَطْءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا جَارِيَةٌ إلَى بَيْنُونَةٍ كَالْكِتَابِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ بِنَاءِ زَوْجِهَا بِهَا، وَلِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ رَجْعَةٌ إذَا عَرَا مِنْ النِّيَّةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ رَجْعَةٌ كَانَ مَمْنُوعًا وَإِلَّا كَانَتْ غَيْرَ مُطَلَّقَةٍ وَتَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَصْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَطْءِ مُبَاحٌ لَهُ، وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُطَلَّقَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَنْزِلِهَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ أُخْرِجَ عَنْهَا الزَّوْجُ وَلَا يَكُونُ مَعَهَا فِي حُجْرَةٍ تَنْغَلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا، وَالْمَبْتُوتَةُ، وَالرَّجْعِيَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ بَيِّنٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ دَارًا جَامِعَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ هُوَ فِي بَيْتٍ وَهِيَ فِي بَيْتٍ آخَرَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ الْجَامِعَةُ يَسْكُنُهَا جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْفَرِدُ بِمَسْكَنِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْكُنَ الزَّوْجُ فِي مَسْكَنٍ يَنْفَرِدُ بِهِ كَمَا تَنْفَرِدُ الزَّوْجَةُ بِمَسْكَنِهَا، وَهَذَا حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَالرَّجْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى الْإِصَابَةِ، فَإِنْ ادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا، وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى إنْكَارِ الْوَطْءِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ وَإِسْقَاطِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ فِي الْعِدَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا فَلَمَّا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ حَالَ الْحَيْضِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِإِحْرَازِ الرَّجْعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا رَاجَعَ الْمُطَلَّقَةَ فَأَجَابَتْهُ قَدْ أَسْقَطَتْ مُضْغَةً قَالَ مَالِكٌ: هِيَ مُصَدَّقَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَصْدِيقَهَا فِيمَا يُمْكِنُ إذَا رَاجَعَتْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ عِنْدَ بُلُوغِ ذَلِكَ إلَيْهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَتْ مِنْ الْغَدِ قَدْ كُنْت.

[ما جاء في الحكمين]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا، فَإِنَّمَا فَسَخَهَا مِنْهُ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) . مَا جَاءَ فِي الْحَكَمَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35] : إنَّ إلَيْهِمَا الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا، وَالِاجْتِمَاعَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ قَوْلُهُمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ فِي الْفُرْقَةِ، وَالِاجْتِمَاعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْقَطْت مُضْغَةً فَلَا قَوْلَ لَهَا بِخِلَافِ جَوَابِهَا فِي الْوَقْتِ؛ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِصَمْتِهَا قَدْ صَدَّقَتْهُ فَثَبَتَتْ لَهَا الرَّجْعَةُ فَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُبْطِلَ مَا قَدْ صَحَّ لَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ كَصَمْتِ الْيَتِيمَةِ الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ يُثْبِتُ عَلَيْهَا عَقْدَ النِّكَاحِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَعْوَى الْكَرَاهِيَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ إجَابَتُهُ أَنَّى قَدْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ قَالَ أَشْهَبُ: تُصَدَّقُ فِي الْأُولَى ثُمَّ يُحْسَبُ مَا بَقِيَ لِلْحَيْضَتَيْنِ فَمَا أَشْبَهَ صُدِّقَتْ فِيهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ ذَلِكَ ثَبَتَتْ رَجْعَتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَيْضَةَ الْأُولَى يَصِحُّ أَنْ تَحِيضَهَا إثْرَ الطَّلَاقِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ إقْرَارِهَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ قُرْبِ الْحَيْضَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ لَمْ تَحْتَجْ فِي تَصْدِيقِهَا فِي الْحَيْضَةِ الْأُولَى إلَى حِسَابٍ وَاحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، فَإِنَّ لِلْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ مَقَادِيرَ قَدَّرَهَا الشَّرْعُ فَيُنْظَرُ إلَى أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ صُدِّقَتْ فِيهِ، وَإِنْ ادَّعَتْ مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ لَمْ تُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهَا الرَّجْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ إسْلَامَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الْفَسْخُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَإِنَّمَا يَقَعُ فَسْخُ النِّكَاحِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَهُوَ عَلَى دِينِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ وَقَعَ فَسْخُ النِّكَاحِ بِإِسْلَامِهَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهَا إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ فَسْخِ النِّكَاحِ يُوجِبُ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ تَشْتَرِي زَوْجَهَا، فَإِنَّهُ يَقَعُ الْفَسْخُ بِتَعْيِينِ الشِّرَاءِ ثُمَّ إنْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يَكُنْ أَمْلَكَ بِهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. [مَا جَاءَ فِي الْحَكَمَيْنِ] (ش) : قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذُكِرَ أَنَّهُ فِي شَأْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بَعَثَ فِي أَمْرِهِمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْحَكَمَيْنِ: أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، وَالْأَصْلُ فِي بَعْثَةِ الْحَكَمَيْنِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] الْحُكَّامُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] أَنَّهُمَا الْحَكَمَانِ وَمِنْ صِفَةِ الْحَكَمَيْنِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كَوْنِهِمَا حَكَمَيْنِ الْإِسْلَامُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالذُّكُورَةُ، فَإِنْ عُدِمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَحْكِيمُهُمَا بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَلَا بِبَعْثَةِ السُّلْطَانِ قَالَهُ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةُ وَلَهُمَا صِفَاتٌ أُخَرُ هِيَ مِنْ صِفَةِ كَمَالِهِمَا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ جَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجَانِ وَوَلِيَّا الْيَتِيمَيْنِ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُون حَكَمًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] خِطَابٌ لِلْحُكَّامِ وَيَحْتَمِلُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِوَلِيِّ الْيَتِيمَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْعَثَ الْحَكَمَيْنِ إلَّا الْحَاكِمُ أَوْ الزَّوْجَانِ أَوْ وَلِيَّا الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورَيْنِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ جَعَلَ الزَّوْجَانِ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ جَازَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحُكْمِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَلَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِوَلِيِّ الْيَتِيمَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إسْقَاطًا لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ إلَّا بِحَكَمَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَبَبُ تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَقْبُحَ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَيَظْهَرَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: اعْلَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ، وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ وَسَوَاءٌ بَنَى بِهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَبْنِ بِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّ التَّقَابُحَ قَدْ يَقَعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا نَزَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ نَزَعَا جَمِيعًا قَبْلَ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبْعَثَ الْحَكَمَيْنِ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنْ بَعَثَهُمَا السُّلْطَانُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا نُزُوعٌ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا حُكْمٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَيْسَ لَهُمَا نَقْضُهُ، فَإِنْ بَعَثَهُمَا غَيْرُ السُّلْطَانِ جَازَ لَهُمَا النُّزُوعُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ عَنْ أَمْرِهِمَا فَلَا نُزُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَلْزَمُ حُكْمُهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَلَمَّا ظَهَرَ وَجْهُ الْحَقِّ وَعَلِمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ أَرَادَ النُّزُوعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْحَكَمَانِ فَعَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَكَالَةِ، وَالنِّيَابَةِ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُمَا، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَ الْحَاكِمِ الَّذِي أَنْفَذَ سَوَاءٌ جَمَعَا أَوْ فَرَّقَا وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُمَا إنْ جَمَعَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ فَرَّقَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الزَّوْجَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] فَسَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَالْحَكَمُ لَا يَحْتَاجُ فِيمَا يُوقِعُهُ مِنْ الطَّلَاقِ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ كَالْوَلِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ لِيَعْلَمَا مَوَاقِعَ الْحَقِّ لِيَحْكُمَا بِهِ وَيَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِهِ، وَالثَّانِي مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ أَعْلَمُ بِبَاطِنِ أَمْرِهِمَا وَأَعْرَفُ بِوُجُوهِ مَنَافِعِهِمَا وَيَكُونَانِ عَدْلَيْنِ لِيُؤْمَنَ جَوْرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِمَا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ جَازَ أَنْ يَكُونَا أَجْنَبِيَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَوَجْهُ نَظَرِ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَنْظُرَا فِي أَمْرِهِمَا، فَإِنْ رَأَيَا الْإِسَاءَةَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ رَأَيَا الْإِسَاءَةَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ تَرَكَاهُمَا وَاسْتَأْمَنَاهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِمَا جَمِيعًا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا عَلَى بَعْضِ مَا أَصْدَقَهَا وَلَا يُسْتَوْعَبُ لَهُ وَعِنْدَهُ بَعْضُ الْعِلْمِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِنْ فَرَّقَا بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ بِشَيْءٍ أَخَذَاهُ لَهُ مِنْهَا فَهُوَ خُلْعٌ، وَالطَّلْقَةُ بَائِنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهِيَ أَيْضًا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا فَرَّقَا بِالْبَتَّةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ طَلْقَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ أَوْقَعَهَا حَكَمٌ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ وَلَا تَمْلِيكِهِ فَكَانَتْ بَائِنَةً كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِنْ حَكَمَا بِالثَّلَاثِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مَا أَخْطَأَ فِيهِ السُّلْطَانُ فَفَرَّقَ بِثَلَاثٍ فِيمَا يُفَرَّقُ فِيهِ بِوَاحِدَةٍ فَقَدْ أَخْطَأَ وَتَكُونُ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ الْحَكَمَانِ وَقَالَ أَشْهَبُ: تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَلْزَمُهُ الْبَتَّةُ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَيُفَرِّقُ السَّيِّدُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَالْأَمَةُ تُعْتَقُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ هَلْ تَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدَةٍ، وَالْآخَرُ بِثَلَاثٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ وَاحِدَةٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى إيقَاعِ وَاحِدَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَيُبْطَلَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ؛ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ حُكْمِ الثَّلَاثِ فَلَا يُوجَدُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يُبْطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ عَلَى مَالٍ، وَالْآخَرُ بِوَاحِدَةٍ بِغَيْرِ مَالٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِاجْتِمَاعٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَضِيَتْ أَنْ تُمْضِيَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ الْمَالِ لَزِمَ الزَّوْجَ الطَّلَاقُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ

[ما جاء في يمين الرجل بطلاق ما لم ينكح]

مَا جَاءَ فِي يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ مَا لَمْ يَنْكِحْ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ أَثِمَ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إذَا نَكَحَهَا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الطَّلْقَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَأْخُذُ الزَّوْجُ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الزَّوْجَةَ إلَّا بِرِضَاهَا فَلَا حَجَّةَ لِلزَّوْجِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُبْطِلَا مَا يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الزَّوْجِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُخْرِجَاهُ عَنْ يَدِهِ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْعِوَضَانِ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يُوقِعَاهُ لِشَيْءٍ يَأْخُذَانِهِ لَهُ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ لِيَكُونَ مَا يَأْخُذَانِهِ مِنْهَا يَصِيرُ إلَى الزَّوْجِ عِوَضًا عَمَّا أُخْرِجَ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ الطَّلَاقِ. [مَا جَاءَ فِي يَمِينِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ مَا لَمْ يَنْكِحْ] (ش) : قَوْلُهُمْ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا يُرِيدُونَ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَدَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيُضِيفُ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُضِفْ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَتَدْخُلُ الدَّارَ فَهَذِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فِي التَّعْيِينِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَفْتَى رَجُلًا حَلَفَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَهَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَنَزَلَتْ بِالْمَخْزُومِيِّ فَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِذَلِكَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِالْمَشْهُورَةِ، وَالْمَشْهُورُ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ عَقْدُ النِّكَاحِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ: ثُمَّ أَثِمَ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إذَا نَكَحَهَا مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إنْ كَانَ قَدْ نَكَحَهَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَدَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِدُخُولِهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ الطَّلَاقُ بِدُخُولِهَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ. (ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ إنْ لَمْ يُسَمِّ قَبِيلَةً أَوْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إذَا سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الِاسْتِمْتَاعِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَسُدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الِاسْتِمْتَاعِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ يُضِيفُ ذَلِكَ إلَى بَلَدٍ فَيَقُولُ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ مِصْرَ أَوْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِالشَّامِ أَوْ يُضِيفُ ذَلِكَ إلَى زَمَنٍ لَا يَسْتَوْعِبُ عُمْرَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْت هَذَا الْعَامَ أَوْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامِ فَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسُدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَالنُّذُورِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَّا فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي اسْتَثْنَى زَوْجَتَهُ الَّتِي عِنْدَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ قَالَ مَعَك بِخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَى نَحْوَهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الَّتِي اسْتَثْنَى زَوْجَةً لَهُ فَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُورِدْهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَوْرَدَهُ عَلَى وَجْهِ الِامْتِنَاعِ مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهَا، وَلَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ إذَا طَلَّقَهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا، وَهَذَا يَسُدُّ بَابَ الِاسْتِمْتَاعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَجْنَبِيَّةً فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَرَوَى عَنْهُ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ عَمَّ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَثْنَى الْعَدَدَ الْيَسِيرَ كَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ قَرْيَةً وَهُمْ قَلِيلٌ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى الْعَدَدَ الْقَلِيلَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سَعَةٌ لِلنِّكَاحِ فَهُوَ كَمَنْ عَمَّ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: إلَّا فُلَانَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ أَنْ يَتْرُكَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ النِّكَاحُ فَإِذَا اسْتَثْنَى مَا لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ غَالِبًا فَهُوَ كَمَنْ عَمَّ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى فَقَدْ عَدَلَ عَنْ الِاسْتِيعَابِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى الْكَثِيرَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ اللُّزُومِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الَّتِي اسْتَثْنَى ذَاتَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى لَهُ أَنْ تَخْلُوَ مِنْ الزَّوْجِ فَيَتَزَوَّجَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةٍ فَتَحْرُمَ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا فَأَبَتَّهَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْيَمِينُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُقْطَعْ بِتَعَذُّرِ النِّكَاحِ وَاَلَّتِي أَبَتَّهَا لَا يُقْطَعُ بِتَعَذُّرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ فَهَذَا لَا يُقْطَعُ بِتَعَذُّرِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ فَلَزِمَتْ الْيَمِينُ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ نِكَاحَهَا لَا يُمْكِنُهُ الْآنَ فَيُعْتَبَرُ بِتَعَذُّرِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ حِينَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ قَالَ: كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ كُلُّ بَكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تَلْزَمُهُ الْيَمِينَانِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ تَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْيَمِينَ الثَّانِيَةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمَنْعَ، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ صِنْفًا مِنْ النِّسَاءِ وَيَنْفِي الْكَثِيرُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَالْأَوَّلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْوِيَهَا وَعَمَلَهَا أَوْ يَنْوِيَهَا خَاصَّةً أَوْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا، فَإِنْ نَوَاهَا وَعَمَلَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَوَاهَا خَاصَّةً فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إنَّ نَوَى الْحَاضِرَةَ لَزِمَهُ فِيمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ قَالُوا: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ حَتَّى يُجَاوِزَ أَرْبَعِينَ مِيلًا وَأَكْثَرَ حَدِّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَتَبَاعَدَ إلَى حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ قَالَ أَصْبَغُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَبَاعَدَ إلَى حَيْثُ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إذَا خَرَجَ فِي ظَعْنِهِ وَلَا تَتِمُّ فِيهِ الصَّلَاةُ إذَا قَدِمَ، وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ، وَلَوْ تَزَوَّجَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي بَرَزَ إلَيْهِ لَمْ تُقْصَرْ حَتَّى يُجَاوِزَهُ لَمْ أَفْسَخْهُ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْحَالِفِ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ قُرْطُبَةَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا فِي قُرْطُبَةَ وَأَرْبَاضِهَا، وَلَوْ قَالَ بِالْقَيْرَوَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ نَفْسِهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ مِنْ مَنْزِلِ الْعَلَوِيِّينَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ مَوْضِعٍ يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَفِي حُكْمِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة لَهُ حُكْمُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحَرِّي فَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ مَوْضِعِ مَسَافَةِ الْجُمُعَةِ لَمْ نَفْسَخْهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونَ أَنَّ الِاسْمَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمِصْرَ وَأَرْبَاضَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ هَذَا مَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى الْقَرْيَةِ مِنْ الْأَرْبَاضِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ.

[أجل الذي لا يمس امرأته]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَمَالُهُ صَدَقَةٌ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ قَالَ: أَمَّا نِسَاؤُهُ فَطَلَاقٌ كَمَا قَالَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا أَوْ قَبِيلَةً أَوْ أَرْضًا أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلْيَتَزَوَّجْ مَا شَاءَ، وَأَمَّا مَالُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ) . أَجَلُ الَّذِي لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ، فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ مَتَى يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ أَمِنْ يَوْمِ يَبْنِي بِهَا أَمْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ: بَلْ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ إلَى السُّلْطَانِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْمَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا بِالْمَدِينَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يُوَاعِدَهَا بِالْمَدِينَةِ وَيَعْقِدَ نِكَاحَهَا بِغَيْرِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاعَى انْعِقَادُ النِّكَاحِ، وَالنِّكَاحُ إنَّمَا انْعَقَدَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَبُوهَا مِصْرِيٌّ وَأُمُّهَا شَامِيَّةٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: يَحْنَثُ، وَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِلْأَبِ دُونَ الْأُمِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيَاتِي طَالِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً طَالِقٌ إنْ كَانَ مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَعِيشَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَالتَّعْمِيرُ فِي ذَلِكَ تِسْعُونَ عَامًا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِشْرُونَ سَنَةً كَثِيرٌ يَتَزَوَّجُ وَقَالَ أَصْبَغُ بَعْدَ تَصَبُّرٍ وَتَعَفُّفٍ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يَتَزَوَّجُ، وَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ فِي الثَّلَاثِينَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَزَوَّجُ فِي الثَّلَاثِينَ إلَّا إنْ خَافَ الْعَنَتَ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَتَسَرَّى فَلَا يَنْكِحُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا يَنْكِحُ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ، فَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ تَزَوَّجَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى عُمْرُهُ فِي الْأَغْلَبِ وَمَا لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَمِلْ إلَى النِّسَاءِ غَالِبًا، وَذَلِكَ تِسْعُونَ عَامًا فَلِذَا عَلَّقَ يَمِينَهُ بِمُدَّةٍ تَبْلُغُ عُمْرُهُ التِّسْعِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِجَمِيعِ عُمْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ وَأَبْقَى يَمِينَهُ مُدَّةً مِنْ هَذَا الْعُمْرِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مُدَّةَ الْعِشْرِينَ سَنَةً كَثِيرٌ تَلْحَقُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ وَلَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ الْعَنَتِ وَحَالُ نِكَاحِهِ أَوْلَى مِنْ الزِّنَا. وَقَدْ أَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ رَاعَى الثَّلَاثِينَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْإِبَاحَةَ بِخَشْيَةِ الْعَنَتِ دُونَ طُولِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى لَفْظِ الْيَمِينِ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ عُمْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ إذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا طَالِقٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ حَلَفَ إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَمِيمِيَّةً فَهِيَ طَالِقٌ وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنْ تَمِيمٍ فَتَزَوَّجَهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَتَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْأُخْرَى وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَضَمَّنَتْ طَلْقَةً فَلَمَّا حَلَفَ بِهَا لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا غَيْرُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ثَانِيَةً فَتَزَوَّجَهَا، فَإِنَّمَا هِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. [أَجَلُ الَّذِي لَا يَمَسُّ امْرَأَتَهُ] (ش) : قَوْلُهُ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُعْتَرَضٌ عَنْهَا ظَنَّ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَاعْتُرِضَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَجْبُوبَ الْمَمْسُوحَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَهَرَ إلَى الزَّوْجَةِ ذَلِكَ مِنْهُ الْمُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْوَطْءِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الِاعْتِرَاضُ، وَالْعُنَّةُ، وَالْحَصْرُ، وَالْخِصَاءُ، وَالْجَبُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الِاعْتِرَاضُ، وَالْعُنَّةُ وَالْجَبُّ، وَالْخِصَاءُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْمُعْتَرَضُ هُوَ بِصِفَةِ مَنْ يَأْتِي النِّسَاءَ وَرُبَّمَا جَامَعَ بَعْضَهُنَّ وَاعْتُرِضَ عَنْ بَعْضٍ، وَالْعِنِّينُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ هُوَ كَالْأُصْبُعِ فِي جَسَدِهِ لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ، وَالْحَصُورُ انْفَرَدَ ابْنُ حَبِيبٍ بِذِكْرِهِ وَقَالَ: هُوَ الَّذِي خُلِقَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ أَوْ بِذَكَرٍ صَغِيرٍ كَالذَّرِّ وَشِبْهِهِ لَا يُمْكِنُ بِهِ وَطْءٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: الْعِنِّينُ هُوَ الَّذِي ذَكَرُهُ شَدِيدُ الصِّغَرِ لَا يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ انْتِشَارٌ يُولِجُ بِهِ لِصِغَرِهِ، وَالْخَصِيُّ هُوَ الْمُنْتَزَعُ الْأُنْثَيَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: الْخِصَاءُ سَلُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَرَجُلٌ خَصِيٌّ إذَا اشْتَكَى أُنْثَيَيْهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: الْخِصَاءُ أَنْ تُسَلَّ أُنْثَيَاهُ سَلًّا، فَإِنْ رُضَّتْ وَلَمْ تُخْرَجْ فَهُوَ الْوَجُّ، وَإِنْ شُقَّ الصَّفَنُ فَأُخْرِجَتْ فَهُوَ الْمَشْقُ، فَإِنْ شُقَّتْ حَتَّى تَسْقُطَ فَهُوَ الْعَصْبُ، وَالْمَجْبُوبُ الْمَقْطُوعُ الذَّكَرِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ يُقَالُ: جَبَبْت الصَّبِيَّ إذَا اسْتَأْصَلْت مَا هُنَالِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعِنِّينُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْمَجْبُوبُ فَمَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِحَالِهِ فَلِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ فِي فُرْقَتِهِ دُونَ ضَرْبِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَقَرَّ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَهُوَ مِمَّا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلزَّوْجَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ بَعْضِهِ وَلِلزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ حَقٌّ عَلَى وَجْهٍ مَا وَلِذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُولِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْحَصُورِ، وَالْمَجْبُوبِ الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ أَوْ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ أَوْ مَقْطُوعِ الْخُصَى خَاصَّةً يُعْتَبَرُ هَذَا بِالْجَسِّ عَلَى الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْجَسِّ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ فَيُعْلَمُ مَا يُدَّعَى وُجُودُهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُصَدَّقٍ فِيهِ وَكَانَ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى الْفُرُوجِ فِيمَا يُصَدَّقُ فِيهِ النِّسَاءُ جَازَ لِلرِّجَالِ الشُّهُودِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُصَدَّقٍ فِيهِ، وَهُوَ أَبْيَنُ فِي الشَّهَادَةِ وَأَبْعَدُ مِمَّا يُكْرَهُ وَيُحْظَرُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُعْتَرَضُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ كَانَ حُرًّا ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: الْبِكْرُ، وَالثَّيِّبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِيمَا نَعْلَمُ، فَإِنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا تَثْبُتُ وَانْفَرَدَ دَاوُد بِقَوْلِهِ: لَا يُؤَجَّلُ لِلزَّوْجِ وَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجَةِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ بَرِئَ فِي السَّنَةِ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَتْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ لِأَنَّهَا مُسْتَوْعِبَةٌ لِجَمِيعِ الْفُصُولِ الْمُوَافِقَةِ لَهُ وَالْمُخَالِفَةِ فَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتَعَانَى فِي جَمِيعِهَا لِيَصِلَ إلَى الْمُعَانَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوَافِقُهُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ سَعَةِ الْمُدَّةِ، وَالْفُسْحَةِ لِمَا عَسَى أَنْ يَقَعَ مِنْ اعْتِقَالِ الْمُعَانَاةِ وَعَدَمِ الْمُعَانِي وَالْمُعَانَى بِهِ وَفِي السَّنَةِ فُسْحَةٌ لِلْوُصُولِ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَجَلُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: اُخْتُلِفَ فِي أَجَلِ الْعَبِيدِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سَنَةٌ اعْتِبَارُهُ بِالْحُرِّ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ اخْتِبَارُهُ بِتَأْثِيرِ الْأَزْمِنَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا مَقُولَةٌ لِمَالِكٍ وَبِهَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَنَّهَا مُدَّةٌ تُقَرِّبُهُ مِنْ الْفِرَاقِ فَكَانَ لَهُ فِيهَا نِصْفُ مُدَّةِ الْحُرِّ كَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ. (فَرْعٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ صَحِيحًا، فَإِنْ رَفَعَتْهُ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى إنْ رَفَعَتْهُ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ حَتَّى يَصِحَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عُذْرَهُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ لِلْمَرَضِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ فَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ فِي وَقْتِ مَرَضِهِ. (فَرْعٌ) وَالسَّنَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ امْرَأَتُهُ إلَى السُّلْطَانِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: هَذِهِ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ أَوَّلَ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَفْعَهَا إلَى السُّلْطَانِ لَا يُوجِبُ لَهَا الْحُكْمَ إلَّا بَعْدَ إقْرَارِ الزَّوْجِ أَوْ إثْبَاتِ مَا يُوجِبُ لَهَا وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا يُوجِبُ ضَرْبَ الْأَجَلِ اسْتَأْنَفَ ضَرْبَهُ مِنْ يَوْمِ إنْفَاذِ الْحُكْمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ الْوَطْءِ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَهُمَا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ اللَّازِمَةِ، فَإِنْ ادَّعَى الْوَطْءَ، وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْمَرْأَةِ تَدَّعِي عَلَى زَوْجِهَا الْعَجْزَ عَنْ الْوَطْءِ وَيُنْكِرُ ذَلِكَ فَأَفْتَى فِيهَا مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بِهَذَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يُخَلَّى مَعَهَا وَيَكُونُ عَدْلَانِ خَارِجَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِمَا بِقُطْنَةٍ فِيهَا نُطْفَةٌ صُدِّقَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يُلَطِّخُ ذَكَرَهُ بِزَعْفَرَانٍ، فَإِذَا فَرَغَ أُدْخِلَ عَلَيْهَا امْرَأَتَانِ، فَإِنْ وَجَدَتَا الزَّعْفَرَانَ دَاخِلَ فَرْجِهَا صُدِّقَ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ يُخَلَّى مَعَهَا وَبِالْبَابِ امْرَأَتَانِ، فَإِذَا فَرَغَ نَظَرَتَا فَرْجَهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنِيٌّ فَهُوَ صَادِقٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ يُخَلَّى مَعَهَا ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُلَازِمُهَا امْرَأَتَانِ، فَإِنْ تَطَهَّرَتْ صُدِّقَ، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فَقَضَى بِقَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الْفِرَاقِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى أَمَانَتِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى السَّلَامَةِ وَهِيَ تَدَّعِي عَيْبًا يُوجِبُ لَهَا نَقْضَ عَقْدٍ قَدْ أَقَرَّا بِصِحَّتِهِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَجَلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَوْكُولًا إلَى أَمَانَتِهِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ حَلَفَ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ اللَّازِمِ، وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ، فَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا أَنْ تُفَارِقَهُ، وَإِنْ نَكَلَتْ بَطَلَتْ دَعْوَاهَا وَلَزِمَهَا الْبَقَاءُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ نَكَلَ عِنْدَ الْأَجَلِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَتْ بَعْدَ نُكُولِهِ، فَإِنَّمَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَلَوْ نَكَلَ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ أَتَى الْأَجَلُ فَادَّعَى أَنَّهُ أَصَابَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَلَيْسَ الْحُكْمُ إلَّا نُكُولُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِشَيْءٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُتَرَبَّصَ عَلَيْهِ إلَى الْأَجَلِ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَضُرَّهُ عَجْزُهُ قَبْلَ اسْتِحْلَافِهِ وَلَمْ يَنْقَضِ الْأَجَلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبِكْرُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ، وَالْأُخْرَى: أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ بِهَا أَثَرُ إصَابَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا عَلَى حَالِ الْبَكَارَةِ صُدِّقَتْ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ زَوْجَةٌ ادَّعَتْ الْعُنَّةَ عَلَى الزَّوْجِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَالثَّيِّبِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ لَنَا فِي الْبِكْرِ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ صِدْقِ الصَّادِقِ مِنْهُمَا فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَمَانَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ انْقَضَتْ السَّنَةُ وَأَقَرَّا بِعَدَمِ الْوَطْءِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تُقِيمَ عِنْدَهُ أَوْ تُفَارِقَهُ، فَإِنْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَرَادَتْ الْفِرَاقَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا صَبَرَتْ عِنْدَ تَمَامِ الْأَجَلِ وَلَمْ تَقُمْ ثُمَّ أَرَادَتْ الْقِيَامَ فَلَهَا ذَلِكَ وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاخْتَلَفَا فَرَوَى مُحَمَّدٌ تُوقَفُ مَكَانَهُ بِغَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تُفَارِقَ دُونَ إذْنِ السُّلْطَانِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ لَا سِيَّمَا وَلَيْسَ طَلَاقُهُ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ بِمَا تَرَكَتْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْحَاكِمَ لَمَّا ضَرَبَ الْأَجَلَ فَقَدْ حَكَمَ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَأَخَذَهُ بِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْكُمُ بِصِحَّةِ بَقَائِهَا مَعَهُ وَلَا وُجِدَ مِنْهَا تَصْرِيحٌ بِالرِّضَى بِهِ، وَلَوْ أَظْهَرَتْ الصَّبْرَ عَلَيْهِ فَفِي الْوَاضِحَةِ إذَا صَبَرَتْ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ يُرِيدُ الْمُعْتَرَضَ ثُمَّ بَدَا لَهَا، فَإِنْ كَانَ بِحَدَثَانٍ مَا رَضِيَتْ لِأَمْرٍ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ بَدَا لَهَا بَعْدَ زَمَانٍ قَالَتْ رَجَوْت أَنْ لَا يَتَمَادَى بِهِ فَذَلِكَ لَهَا، وَلَوْ صَبَرَتْ عَلَى الْعِنِّينِ أَوْ الْحَصُورِ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ خِيَارٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ: قَدْ انْطَلَقْت يُرِيدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا ادَّعَى الِانْطِلَاقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ تَبِعَ النِّكَاحَ مِنْ الْإِصَابَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ صَحِيحًا، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ أَوْ مَسْجُونًا أَوْ هِيَ مَرِيضَةٌ أَوْ حَائِضٌ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُنْتَظَرُ رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يُنْتَظَرُ بِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا أَجَلٌ ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ لِثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ لَهَا دُونَ امْتِنَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِهَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ بِانْقِضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَنَاوَلَ انْقِضَاءَهُ كَمَا تَنَاوَلَ ابْتِدَاءَهُ وَلِذَلِكَ فَرَّقَ يَحْيَى فِي رِوَايَتِهِ بَيْنَ أَوَّلِ الْأَجَلِ وَآخِرِهِ فَقَالَ: لَا تُضْرَبُ الْآجَالُ حَالَ الْمَرَضِ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ أَجَلٌ ضُرِبَ لِلْإِصَابَةِ، فَإِذَا انْقَضَى لَمْ يُعَجِّلْهُ لَهُ مَعَ وُجُودِ مَانِعٍ كَأَشْهُرِ الْمُولِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ انْقَطَعَ ذَكَرُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يُعَجَّلُ لَهَا الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ وَلَا يُنْتَظَرُ تَمَامُ السَّنَةِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَصْبَغَ وَغَيْرِهِ لَا فِرَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهَا؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْفِرَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ، فَإِذَا قُطِعَ ذَكَرُهُ وَتَعَذَّرَ الْوَطْءُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُ مَجْبُوبٌ فَعَجَّلَ الْفِرَاقُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أَمْرٌ طَارِئٌ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْأَجَلُ وَيَثْبُتَ النِّكَاحُ كَالْمُولِي يُقْطَعُ ذَكَرُهُ فِي أَشْهُرِ الْأَجَلِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ يَبْطُلُ وَتَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَنْ يُؤْمَرَ الزَّوْجُ بِإِيقَاعِهِ فَيُوقِعُ مِنْهُ مَا شَاءَ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ إيقَاعِهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَفْسَخُ نِكَاحَهُ بِطَلَاقٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَلَا أَوْجَبَهُ فَسَادُ عَقْدٍ فَكَانَ طَلَاقًا كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ كَالْفُرْقَةِ بِاعْتِبَارِ الصَّدَاقِ، وَالنَّفَقَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا فُرْقَةٌ يَلْزَمُ الزَّوْجَ إيقَاعُهَا لِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا لَمْ يُوقِعْهَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِهَا السُّلْطَانُ فَكَانَتْ طَلْقَةً كَفُرْقَةِ الْمُولِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يُوقِعُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً تَكُونُ بَائِنَةً؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا رَجْعَةَ فِيهَا وَلَا حَاجَةَ لِأَحَدٍ إلَى إيقَاعِ أَكْثَرَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنْ أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَخَرَّجُ فِيهِ الْقَوْلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ ضُرِبَ لَهَا الْأَجَلُ بِقُرْبِ الْبِنَاءِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً لَهَا جَمِيعُهُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: إنْ رَفَعَتْهُ بَعْدَ طُولِ مُدَّةٍ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَلَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ عِوَضِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْجِمَاعُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَالثَّانِي: الِاسْتِمْتَاعُ بِالزَّوْجَةِ، وَجِهَازُهَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ وَالْمُرَاضَاةِ وَلِذَلِكَ تَسْتَحِقُّ زَوْجَةُ الْمَجْبُوبِ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَهْرِهَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ الْوَطْءُ جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ بِالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ، وَجِهَازُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي طَوِيلِ الْمُدَّةِ دُونَ قَصِيرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَوْفَى فِي السَّاعَةِ وَلَا فِي الْيَوْمِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي طَوِيلِ الْمُدَّةِ بِالسَّنَةِ الْمَضْرُوبَةِ لِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا الْمُكَارَمَةَ وَالْمُرَاضَاةَ، وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهَا الْمُشَاحَّةُ وَطَلَبُ الزَّوْجَةِ الْمُفَارَقَةَ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي طُولِ الْمُدَّةِ بِمَا مَضَى قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ طَالَتْ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِيهَا اسْتِمْتَاعُ الزَّوْجِ بِالزَّوْجَةِ وَجِهَازِهَا كَانَ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهَا الْبَدَلُ وَوُجِدَ مِنْهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِنْ قَصَّرَتْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالزَّوْجَةِ وَجِهَازِهَا فَكَانَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ كَمَا لَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ التَّحَاكُمِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) فَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ الرَّجُلَ بِمَا يَضُرُّهَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجُنُونُ بِهِ حِينَ الْعَقْدِ فَغَرَّهَا مِنْ نَفْسِهِ فَاخْتَارَتْ الطَّلَاقَ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا غَرَّهَا مِنْ نَفْسِهِ بِالْعُنَّةِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ، وَهَذَا أَبْيَنُ ضَرَرًا فَبِأَنْ يَجِبَ لَهَا الْخِيَارُ بِهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ حَدَثَ بِهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمَجْنُونِ سَوَاءٌ كَانَ جُنُونَ إفَاقَةٍ أَوْ مُطْبِقٍ إنْ كَانَ يُؤْذِيهَا وَيُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ حِيلَ بَيْنَهُمَا وَأُجِّلَ سَنَةً يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ بَرِئَ وَإِلَّا فَهِيَ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ يُعْفِيهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا تَخَافُ مِنْهُ فِي خَلْوَتِهِ بِهَا فَلَا حُجَّةَ لَهَا وَقَالَ نَحْوَهُ أَشْهَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِذَا أَعْفَاهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ عَلَيْهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَأَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمَوْجُودِ حِينَ الْعَقْدِ، وَالْحَادِثِ بَعْدَهُ فَقَالَ فِيمَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ صَغِيرًا فَلَمَّا بَلَغَ ظَهَرَ أَنَّهُ أَحْمَقُ مُطْبِقٌ فَأَرَادَتْ هِيَ أَوْ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ الْفَسْخَ وَقَالَتْ: كَانَ الْجُنُونُ بِهِ قَدِيمًا وَبِالْبُلُوغِ ظَهَرَ فَهَذَا لَا يُعْرَفُ، وَهُوَ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْجُنُونِ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ يَتَعَالَجُ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُحْبَسُ فِي حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَهَذَا فِي الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لَا تَسْتَوْحِشُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَيُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ أَذًى، فَإِنَّ عِنْدِي أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَرِئَ الْمَجْنُونُ فِي السَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ، فَإِنْ بَرِئَ وَإِلَّا فَهِيَ بِالْخِيَارِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) وَالْمُوَسْوَسُ وَاَلَّذِي يَغِيبُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سَوَاءٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُؤَجَّلُ الْمُوَسْوَسُ سَنَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ يُعْدَمُ مَعَهَا الْعَقْلُ، وَالْمَيْزُ فَأَشْبَهَتْ الْجُنُونَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجُذَامُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الْجُذَامِ وَكَذَلِكَ إنْ حَدَثَ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَعْنًى مَنَعَ الِاسْتِمْتَاعَ. (فَرْعٌ) وَمِقْدَارُ الْجُذَامِ الَّذِي يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ قَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَشِعًا حِسًّا لَا يُحْتَمَلُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَتُغَضُّ الْأَبْصَارُ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ جُذَامٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا وَلَا فَاحِشًا فَلْيُفَرَّقْ بَيْنَهُنَّ إنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُؤْمَنُ زِيَادَتُهُ. وَأَمَّا الْخَفِيُّ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ جُذَامٌ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَفْسَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَذًى وَلَا مَضَرَّةٌ مِنْ قُبْحِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَالنِّفَارِ مِمَّنْ هُوَ بِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ النَّشَاطَ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ، وَالِانْبِسَاطَ إلَيْهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا لَوْ كَانَ الْجُذَامُ بِالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ شَاءَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ سِنِينَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّتِي لَهَا الْخِيَارُ بِقُبْحِ جُذَامِ زَوْجِهَا فَشَاءَتْ الْمُقَامَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَلِكَ لَهَا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا خَيَّرَ زَوْجَةَ الْأَجْذَمِ فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ سِنِينَ لَا حُجَّةَ لَهَا إذَا كَانَ رِضَاهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا أَشْهَدَتْ إلَّا أَنْ يَتَزَايَدَ أَمْرُهُ وَرَوَى عَنْهُ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ: لَا حُجَّةَ لَهَا إذَا قَالَتْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَذْهَبُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَشْتَدُّ ضَرَرُهُ وَيَتَزَايَدُ أَمْرُهُ وَلَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَزِمَهَا لِأَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ حَكَمَ بِإِسْقَاطِ خِيَارِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْبَرَصُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرُدَّ الرَّجُلَ بِمَا يَرُدُّهَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَهَذَا فِيمَا غَرَّهَا بِهِ وَمَا حَدَثَ بِالرَّجُلِ مِنْ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ فَلَهَا الْخِيَارُ

[جامع الطلاق وفيه أبواب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَنْهَا، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) . جَامِعُ الطَّلَاقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ حُدُوثُ الْبَرَصِ الشَّدِيدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَا سَمِعْت أَحَدًا فَرَّقَ فِيهِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ، إنْ غَرَّهَا فَعَلَى هَذَا عَنْ مَالِكٍ فِي الَّتِي يَغُرُّهَا زَوْجُهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهُ، وَفِي الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً فِي نَفْيِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْهُ شَدِيدًا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْبَرَصِ مَا خَفَّ مِنْهُ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَمَا فِيهِ ضَرَرٌ لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ فَلَهَا الْخِيَارُ بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْبَرَصِ إذَا غَرَّ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِهِ إذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ فَكَانَ لِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ إذَا كَانَ بِالزَّوْجِ كَالْجُذَامِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا بِهَذِهِ الْعُيُوبِ كُلِّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْعَقْدِ أَوْ ثَبَتَتْ بَعْدَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ بِالزَّوْجَةِ وَبَيْنَ مَا يَحْدُثُ بِالزَّوْجِ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالطَّلَاقِ، وَالزَّوْجَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ لَأَدَّى إلَى اسْتِدَامَةِ الضَّرَرِ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بِمَا حَدَثَ بِالزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ آكَدُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْمَرْأَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْق بَيْنَ مَا يُوجَدُ مِنْهُ حِينَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا بِهِ قَاصِدًا إلَى الْخَدِيعَةِ، وَالْإِضْرَارِ بِهَا وَاَلَّذِي حَدَثَ ذَلِكَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَيْهِ بِمَا حَدَثَ بِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ جَمِيعُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَكَانَ لَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنْ يُفَارِقَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ كَثِيرِ مَا حَدَثَ مِنْهُ وَقَلِيلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَإِنَّمَا أَثْبَتَ لَهَا الْخِيَارَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَجْلِ اسْتِدَامَةِ الضَّرَرِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بِهِ كَانَ لَهَا الْقِيَامُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْعُنَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهِ الضَّرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ مَنْ مَسَّ امْرَأَتَهُ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا حُجَّةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ يُؤَجَّلُ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ الْوَاحِدَةَ يَكْمُلُ بِهَا الصَّدَاقُ فَيَبْطُلُ بِهَا حُكْمُ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ أَجْمَعَ إذَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُذْرٌ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [جَامِعُ الطَّلَاقِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ» وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ إمْسَاكَ الْأَوَائِلِ وَلَا غَيْرَهُنَّ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ خُيِّرَ فِي أَنْ يُمْسِكَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أُخْتَانِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ إلَّا الْأَوَائِلَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ ثُمَّ تَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ صِفَةِ نِكَاحِهِنَّ، وَهُوَ مَوْضِعُ حُكْمٍ، وَالسُّؤَالِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتُ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَدَعَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَجِئْته فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ، وَإِذَا قَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ لَهُ قَدْ أَجْلَسَهُمَا فَقَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَاَلَّذِي يُحْلَفُ بِهِ فَعَلْت بِك كَذَا، وَكَذَا قَالَ: فَقُلْت هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا قَالَ فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ فَأَدْرَكْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي فَتَغَيَّظَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى أَهْلِك قَالَ فَلَمْ تُقْرِرْنِي نَفْسِي حَتَّى أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَبِاَلَّذِي قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى أَهْلِك وَكَتَبَ إلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَسْبَابِهِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ فَاسِدَةٌ لِعُرُوِّهَا عَنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْفَسَادُ يُقَارِنُ الْعَقْدَ فَقَطْ فَذَلِكَ الَّذِي يُصَحِّحُهُ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِنْ انْقَضَى قَبْلَ الْإِسْلَامِ صَحَّحَهُ الْإِسْلَامُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ تُسْلِمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا، وَلَوْ وَطِئَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى سَنَةٍ لِلْمُتْعَةِ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْأَجَلِ فُسِخَ نِكَاحُهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْأَجَلِ ثَبَتَ نِكَاحُهُ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَلَمْ يَخْتَرْ مِنْهُنَّ حَتَّى مَاتَ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْت مَنْ قَالَ: إنَّهُنَّ يَرِثْنَ مِنْهُ الثُّمُنَ مَعَ الْوَلَدِ، وَالرُّبُعَ مَعَ عَدَمِهِ وَمَنْ دَخَلَ بِهَا مِنْهُنَّ فَلَهَا صَدَاقُهَا وَمَنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا خُمُسَا صَدَاقِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا صَدَاقُ أَرْبَعٍ يُقَسَّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُنَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا مِنْ الْعَشَرَةِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْعَشْرِ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ طَلَاقَهُ لِلْأَرْبَعِ اخْتِيَارٌ لِمَنْ طَلَّقَ وَبِالطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَةِ، فَإِذَا وَجَّهَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَقَدْ اخْتَارَهَا زَوْجَةً فَإِذَا اسْتَوْعَبَ أَرْبَعَةً بِالطَّلَاقِ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ مَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى سَائِرِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ كَمَا لَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ. (ش) : قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ يُرِيدُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الثَّلَاثَ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتُ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا يُرِيدُ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الثَّانِي طَلْقَةً، فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ قَبْلَ الثَّانِي، فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ لِلْأَوَّلِ لَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ لَا يَهْدِمُ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا الثَّلَاثَ فَأَمَّا الطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَتَانِ فَلَا يَهْدِمُهَا الزَّوَاجُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ، وَالطَّلْقَتَيْنِ، وَإِذَا رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى جَمِيعِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ.

وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي قَالَ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَجَهَّزَتْ صَفِيَّةُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتِي حَتَّى أَدْخَلَتْهَا عَلَيَّ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ دَعَوْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمَ عُرْسِي إلَى وَلِيمَتِي فَجَاءَنِي) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَرَأَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ: فَدَخَلْت عَلَيْهِ، فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ وَقَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ يَقْتَضِي مَعَ كَمَالِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا كَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْإِكْرَاهُ الَّذِي يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالضَّرْبِ، وَإِنْ قَلَّ، وَأَنَّ السِّجْنَ إكْرَاهٌ وَكَذَلِكَ أَخْذُ بَعْضِ الْمَالِ وَقَالَ فِيمَنْ مَرَّ بِعَشَّارٍ فَقَالَ فِي أَمَةٍ هِيَ لَهُ حُرَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي يَمِينِ الْمُكْرَهِ إنْ كَانَ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَنْزِعُ عَنْهُ وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ الْأَحْنَفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَقَالَ طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَاَلَّذِي يُحْلَفُ بِهِ فَعَلْت بِك كَذَا، وَكَذَا فَقُلْت هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُكْرَهًا، وَقَدْ أَفْتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ الْمُكْرَهَ طَلَاقُهُ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» ، وَالْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَإِذَا أَوْقَعَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَطَلَاقِ الْمَجْنُونِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ أَوْ الْيَمِينِ بِهِ أَوْ الْحِنْثِ فِي يَمِينٍ لَزِمَتْ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَتَضَمَّنُ الطَّلَاقَ فَلَمْ يَلْزَمْ بِالْإِكْرَاهِ كَالْإِقْرَارِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: ثُمَّ دَعَوْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إلَى وَلِيمَتِي فَجَاءَنِي يَقْتَضِي بَقَاءَهُ عَلَى مَا أَفْتَاهُ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلِذَلِكَ حَضَرَ وَلِيمَةَ بِنَائِهِ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَّقَهَا مُكْرَهًا وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ إلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِمَا كَانَ مِنْ تَعَدِّيهِ عَلَى ثَابِتٍ وَظُلْمِهِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَلْجَأَهُ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْصِفَ ضَعِيفَهُمْ مِنْ قَوِيِّهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (ش) : قَوْلُهُ: فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُورِدُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَلَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْمُصْحَفُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا فَتِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي تُسْتَقْبَلُ بِهَا الْعِدَّةُ يُرِيدُ أَنْ تَبْدَأَ فِيهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَطْلُقَ فِي حَالَةٍ تَعْتَدُّ بِهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّلَاقِ تَنَاوَلَ حَالَ الطُّهْرِ وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ زَمَنَ الطُّهْرِ هُوَ الَّذِي يَقَعُ الِاعْتِدَادُ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي تُسْتَقْبَلُ الْعِدَّةُ بِهِ وَقَوْلُهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقَدْ أُنْكِرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَقِيلَ إنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ عِنْدَهُ أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةً فِي كُلِّ طُهْرٍ أَيْ فِي أَيِّ طُهْرٍ سَأَلَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهِ الطَّلَاقَ وَيُوقِعَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يُتْبِعُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الطَّلَاقِ إيقَاعُ طَلَاقٍ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي وَلَا الْمَنْعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ جِهَتُهُ التَّعَلُّقُ بِالْعُمُومِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُؤْوِيكِ إلَيَّ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ طَلَّقَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا وَلَا يُرِيدُ إمْسَاكَهَا كَيْمَا تَطُولَ بِذَلِكَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِيُضَارَّهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] يَعِظُهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ طَلَاقِ السَّكْرَانِ فَقَالَا: إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : الْآيَةُ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي تَقْدِيرِ الطَّلَاقِ وَمَا لِلرَّجُلِ مِنْهُ وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا طَلْقَتَانِ تَعْقُبُهُمَا رَجْعَةٌ وَطَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ لَا رَجْعَةَ بَعْدَهَا فَقَطَعَ بِذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَرَ مَنْ كَانَ يَسْتَدِيمُ الطَّلَاقَ، وَالِارْتِجَاعَ يَمْنَعُ بِذَلِكَ الزَّوْجَةَ مِنْ أَنْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ وَلَا يُعِيدُهَا هُوَ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا عَقْدُ النِّكَاحِ مِنْ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَقَصْدِ الْمُوَاصَلَةِ فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا لِلزَّوْجِ فِي الْمَرْأَةِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، فَإِذَا اسْتَوْعَبَهَا فِي كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ أَوْقَاتٍ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ وَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ مَرَّتَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] أَنَّ هَذَا حُكْمُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَهَذَا لِلزَّوْجِ وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا بِإِحْسَانٍ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى الْمُوَاصَلَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَا يُضَارُّهَا وَيُطَوِّلُ عَلَيْهَا بِالرَّجْعَةِ عِدَّتَهَا وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] يُرِيدُ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِنَّ أَوْ يُسَرِّحُهَا بِإِحْسَانٍ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهَا حَاجَةٌ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ. 1 - (فَصْلٌ) : وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] نَهَاهُمْ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ الِارْتِجَاعُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِضْرَارِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أُمِرُوا بِإِيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ دُونَ الْإِضْرَارِ فَمَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِضْرَارِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَمَا تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ الْأُولَى غَيْرُ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُمَا إذَا طَلَّقَ السَّكْرَانُ جَازَ طَلَاقُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ الْقَطْعُ بِالسَّرِقَةِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ أَصْلُ ذَلِكَ الصَّحِيحُ وَلَا خِلَافَ فِي إلْزَامِهِ الْقَطْعَ بِالسَّرِقَةِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ أَيَّدَهُ اللَّهُ: وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّ السَّكْرَانَ الْمَذْكُورَ لَا يَذْهَبُ عَقْلُهُ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ مَعَ صِحَّةِ قَصْدِهِ إلَى مَا يَقْصِدُهُ وَلِذَلِكَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ بَلَغَ إلَى حَدِّ أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا يَبْقَى لَهُ عَقْلٌ جُمْلَةً فَهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَطْلِيقٌ إذَا بَلَغَ هَذِهِ الْحَالَةَ وَلَا يَتَهَيَّأُ مِنْهُ ضَرْبٌ وَلَا قَصْدٌ إلَى قَتْلٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ سُكْرَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُونِ الَّذِي يُذْهِبُ الْعَقْلَ جُمْلَةً، وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ الْعَقْلُ تَغْيِيرًا يَجْتَرِئُ بِهِ عَلَى مَعَانٍ لَا يَجْتَرِئُ عَلَيْهَا صَاحِيًا كَالسَّفِيهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ الْإِغْمَاءِ لَمَا اُقْتُصَّ مِنْهُ وَلَا لَزِمَهُ طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ كَسَائِرِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ

[الباب الأول في ذكر من يستحق النفقة من الزوجات وتستحق عليه من الأزواج]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ، وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ سُقِيَ السَّيْكَرَانَ ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ كَالْبِرْسَامِ، وَهُوَ لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَصَدَ شُرْبَهُ عَلَى وَجْهِ الدَّوَاءِ، وَالْعِلَاجِ فَأَصَابَهُ مَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَشَارِبِ الْخَمْرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ شُرْبَ السَّيْكَرَانِ يُذْهِبُ الْعَقْلَ وَيَجْعَلُ صَاحِبَهُ كَالْمُبَرْسَمِ وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْمَرِيضِ يُطَلِّقُ فِي هَذَيَانِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ طَلَّقَ، وَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ الْمَرَضِ ثُمَّ صَحَّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ حَلَفَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ، وَأَمَّا شَارِبُ الْخَمْرِ فَمُلْتَذُّ بِسُكْرِهِ وَمَعْنَاهُ الِاجْتِرَاءُ عَلَى الْمَعَاصِي وَتَشَعُّبِ الْأَمَانِي مَعَ بَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَيْزِ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَالْحُدُودُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ الْحُدُودَ، وَالطَّلَاقَ تَلْزَمُهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَحْرِيمٍ وَلَا كَانَ فِيهِ عِتْقٌ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَعَطِيَّتِهِ، وَإِنْكَاحِ ابْنَتِهِ وَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ قَالَ سَحْنُونُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ حَالَ سُكْرِهِ أَنَّهُ سَفِيهٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَلْزَمُ السَّفِيهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَازِمَةٌ كَالطَّلَاقِ، وَالْحُدُودِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ مَنْ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَمَعَهُ مِنْ الْمَيْزِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ كَالصَّاحِي، وَأَمَّا وَصِيَّتُهُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: مَا كَانَ مِنْهَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ كَالْعِتْقِ الْمُبْتَلِّ فَهُوَ لَازِمٌ ثُمَّ رَجَعَ سَحْنُونُ بِالْعَشِيِّ فَقَالَ تَلْزَمُهُ وَصِيَّتُهُ بِالْعِتْقِ وَوَصِيَّتُهُ لِقَوْمٍ وَلَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الصَّبِيِّ، وَالسَّفِيهِ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُمَا فَالسَّكْرَانُ أَحْرَى أَنْ تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ وَلَا السَّفِيهَ. (ش) : قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةً لَازِمَةً لَهُ تُقَابِلُ اسْتِحْقَاقَهُ لِاسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِدَامَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي ذِكْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مِنْ الزَّوْجَاتِ وَتَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَالْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يَسْقُطُ بِهِ النَّفَقَةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ نُشُوزٍ، وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ وَصِفَتِهَا، وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْخِيَارِ بِالْإِعْسَارِ عَنْ ذَلِكَ. [الْبَاب الْأَوَّل فِي ذِكْر مِنْ يَسْتَحِقّ النَّفَقَة مِنْ الزَّوْجَات وَتَسْتَحِقّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَزْوَاج] 1 تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا بَاقِيَةً وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ، وَذَلِكَ إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ دُعِيَ إلَى الدُّخُولِ بِهَا وَكَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَتَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُسْتَمْتَعُ بِمِثْلِهَا وَيُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ هِيَ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِصِغَرِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي تَرْكِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ غَيْرُ مُتَأَتٍّ مِنْهَا فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ مِنْ النَّفَقَةِ كَالْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ مُوسِرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتْبَعْ بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا حَالَ إعْسَارِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَأَرَادَ السَّفَرَ نُظِرَ إلَى قَدْرِ سَفَرِهِ فَوَضَعَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَوْ أَقَامَ حَمِيلًا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ حَمِيلٌ بِالنَّفَقَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا غَابَ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ جِهَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَفَرِهِ كَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُرِيدُ سَفَرًا يَقْتَضِي حُلُولَ أَجَلِهِ قَبْلَ إيَابِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَجِّهَ وَجْهًا لِقَضَائِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ نَفَقَةُ زَوْجَةٍ فَلَمْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَوَثُّقُهُ بِهَا كَالْحَاضِرِ الْمُقِيمِ مَعَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا غَابَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَاحْتَاجَتْ الزَّوْجَةُ إلَى نَفَقَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ أَوْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا فَأَقَرَّ بِذَلِكَ دَفَعَ إلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يُفْرَضُ لِمِثْلِهَا عَلَى مِثْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ مَانَعَهَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَدَّعِي أَنَّهُ أَوْصَلَ إلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَلَ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَشْهَدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي بَيْتِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَا أَشْبَهَهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ أَهْلَ مَحِلِّهَا وَجِيرَانَهَا فَلَمَّا قَدِمَ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَّفَ النَّفَقَةَ أَوْ بَعَثَ بِهَا وَوَصَلَتْ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَيُصَدَّقُ كَالْحَاضِرِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَيْهِ وَلَا أَمْرٌ مِنْ الْحَاكِمِ لَهَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا فَلَمَّا عَرِيَتْ قِصَّتُهَا مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي ذَلِكَ الْإِشْهَادُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ الْحُكَّامِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الْقَوْلَ لَهَا مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ ذَلِكَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَرَآهُ كَالْحُكْمِ لَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ وَنَظَرَ فِي أَمْرِهِ وَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا وَأَبَاحَ لَهَا الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهَا لِتَرْجِعَ بِهِ صَارَتْ الْيَدُ لَهَا فِيمَا تُنْفِقُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَ: كُنْت مُعْسِرًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَمَا أَثْبَتَ فِيهِ عَدَمَهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا قَدِمَ اتَّبَعَتْهُ بِمَا كَانَ فِي مُدَّةِ الْحُكْمِ لَهَا مُوسِرًا وَسَقَطَ مَا كَانَ فِيهِ مُعْسِرًا سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ الْحُكْمِ أَوْ وَقْتَ الْقُدُومِ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَضَمَّنَهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ النَّفَقَةَ مُعْسِرًا وَلَا أَنْ يُسْقِطَهَا عَنْ مُوسِرٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ جُهِلَ أَمْرُهُ وَأَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَهَا وَيَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَلِيًّا فَقَدْ فُرِضَتْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةُ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ وَيُؤَرِّخُ الْيَوْمَ وَيَذْكُرُ الشَّهْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ إلَّا فِي تَحْقِيقِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حَالِهِ فِي عُسْرٍ أَوْ يُسْرٍ وَفِي إزَالَةِ يَدِهِ عَمَّا تُنْفِقُهُ بِحُكْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ عُسْرُهُ أَوْ يُسْرُهُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ جُهِلَ أَمْرُهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَالَةُ الَّتِي يَقْدُمُ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَدِمَ مُعْسِرًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ قَدِمَ مُوسِرًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ خَرَجَ مُعْسِرًا فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَ مُوسِرًا فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ خَرَجَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى الْيَسَارِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِالْإِعْسَارِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ؛ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي قَدِمَ عَلَيْهَا هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا حَالَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ يَسَارٌ مِمَّا تُحْمَلُ عَلَيْهِ أَحْوَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ لَهُ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي فَارَقَ عَلَيْهَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا حَتَّى يَبِينَ خُرُوجُهُ عَنْهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْأَحْوَالَ تَخْتَلِفُ وَتَنْتَقِلُ فَلَا يُعْتَبَرُ بِحَالٍ، وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَثْبُتُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ. (فَصْلٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَالَ مَالِكٌ: وَيُقَالُ لَهُ أَنْفِقْ أَوْ طَلِّقْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَزِمَتْ الزَّوْجَ الْعَبْدَ كَالصَّدَاقِ، وَإِنَّمَا يُسْتَأْذَنُ السَّيِّدُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَالِ الْعَبْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لَا عَلَى سَيِّدِهِ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَمَةَ إنْ بُوِّئَتْ مَعَ زَوْجِهَا

[الباب الثاني فيما تسقط به النفقة من طلاق بائن أو نشوز]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ أَهْلِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: إنْ كَانَتْ تَبِيتُ عِنْدَهُ بِاللَّيْلِ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّفَقَةُ بِكُلِّ حَالٍ كَانَتْ تَبِيتُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَإِلَى هَذَا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَتْ هِيَ تَأْتِيهِ فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ يَأْتِيهَا فِي أَهْلِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ نَفَقَةُ الْأَمَةِ وَكِسْوَتُهَا عَلَى أَهْلِهَا وَعِنْدَهُمْ عِدَّتُهَا حَتَّى يَشْتَرِطَ ضَمَّهَا إلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُرْسِلُوهَا إلَيْهِ فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ وَنَفَقَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَيَوْمِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ رَدَّهَا فِي صَبِيحَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ تَرَكَهَا عِنْدَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَنَفَقَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ لَازِمَةٌ لَهُ وَقَالَ أَصْبَغُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ وَهِيَ مَعَ أَهْلِهَا حَيْثُ كَانُوا حَتَّى يَشْتَرِطَ ضَمَّهَا إلَيْهِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا تَسْقُطُ بِهِ النَّفَقَةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ نُشُوزٍ] 1 ٍ أَمَّا مَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ الزَّوْجِ فَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِأَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ مِنْ عِوَضٍ أَوْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ لَا مِنْ أَجْلِ الزَّوْجِيَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النَّاشِزُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَفَقَةَ لِنَاشِزٍ خِلَافًا لِلْحَكَمِ، وَعَلَى هَذَا شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، وَأَمَّا الْمَغَارِبَةُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمَرْأَةِ يَغِيبُ زَوْجُهَا فَتَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَتَأْبَى أَنْ تَرْجِعَ وَيَأْبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَرْجِعَ قَالَ مَالِكٌ: لَهَا إتْبَاعُهُ بِذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْمَرْأَةِ تَهْرُبُ مِنْ زَوْجِهَا إلَى تُونُسَ أَوْ تَنْشُزُ عَنْهُ الْأَيَّامَ فَتَطْلُبُهُ بِالنَّفَقَةِ فَقَالَتْ: فَعَلْت ذَلِكَ بِغْضَةً فِيهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ نَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ دُونَ مِلْكِهِ، فَإِذَا عَدِمَ التَّمَكُّنَ لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ كَالثَّمَنِ، وَالْمَثْمُونِ فِي الْبِيَاعَاتِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِبَاحَةِ فَمَتَى كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ مُبَاحًا وَجَبَتْ النَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَلَا تَسْقُطُ بِمَنْعِ النِّكَاحِ كَمَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْعَبْدِ بِالْإِبَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ وَصِفَتِهَا] فَأَمَّا قَدْرُ النَّفَقَةِ وَصِفَتُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ بِقَدْرِ الْعُسْرِ، وَالْيُسْرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُرَاعَى قَدْرُهَا مِنْ قَدْرِهِ وَيُرَاعَى غَلَاءُ السِّعْرِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْمُرْضِعُ كَغَيْرِهَا وَيُفْرَضُ لِلْمُرْضِعِ مَا يَقُومُ بِهَا فِي رَضَاعِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَتْ النَّفَقَةُ بِمُقَدَّرَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهَا مُقَدَّرَةٌ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ خَاصَّةً فَعَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِهِنْدِ بِنْتِ عَمَّتِهِ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِذَا خَالَفَ حَالُ الْغَنِيِّ حَالَ الْمُتَوَسِّطِ خَالَفَ أَيْضًا حَالُ الْغَنِيِّ حَالَ غَنِيٍّ آخَرَ دُونَهُ فِي الْغِنَى؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَهَا حَقٌّ وَلِلنَّفَقَةِ تَعَلُّقٌ بِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَالِهَا فِيهَا كَالْمَهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُفْرَضُ لِلْمَرْأَةِ مُدٌّ بِمُدِّ مَرْوَانَ كُلَّ يَوْمٍ، وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اتَّخَذَهُ هِشَامُ بْنُ إسْمَاعِيلَ لِفَرْضِ الزَّوْجَاتِ فَاسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا غَالِبُ أَقْوَاتِ النَّاسِ لِأَنَّ مُدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَبْلُغُ السَّعَةَ مِنْ الْقُوتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْرَضُ لَهَا فِي الشَّهْرِ وَيْبَتَانِ وَنِصْفٌ إلَى ثَلَاثِ وَيْبَاتٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِي الْوَيْبَاتِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَأَرَى الْقَفِيزَ الْقُرْطُبِيَّ فِي الشَّهْرِ وَسَطًا عِنْدَنَا وَفِيهِ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ مُدًّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا فَرَضَ الْوَيْبَتَيْنِ وَنِصْفًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الثَّلَاثِ بِمِصْرَ وَهِيَ أَرْخَصُ سِعْرًا وَأَوْسَعُ عَيْشًا وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ الْقَفِيزَ بِالْأَنْدَلُسِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْوَيْبَتَيْنِ وَسَطٌ مِنْ الشِّبَعِ بِالْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْقَفِيزِ الْقُرْطُبِيِّ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ لَوَسَطٌ مِنْ عَيْشِهِمْ فَبَيَّنَ أَنَّ فِي الْبَلَدِ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا يُرَاعَى؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يُحْمَلُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي سَعَةِ الْأَقْوَاتِ وَضِيقِهَا فَلَوْ أُلْزِمَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ أَقْوَاتَ أَهْلِ الْآفَاقِ لَأَجْحَفَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَلَوْ قُصِرَ نِسَاءُ أَهْلِ الْآفَاقِ عَلَى أَقْوَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِنَّ فَكُلٌّ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ وَمَا أُلِفَ مِنْ قُوتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ السَّعَةُ زِيدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ سَعَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زِيدَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى الْخَادِمُ وَنَفَقَتُهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِذَا كَانَ الْعَيْشُ الْبُرَّ فَالْأَقَلُّ مِمَّا تَعِيشُ بِهِ وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ وَيَقِلُّ كَسْبُهُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِ بِمِصْرَ وَيْبَتَانِ فِي الشَّهْرِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَقَلِّ أَهْلِ مِصْرَ. (مَسْأَلَةٌ) : هَذَا أَصْلُ الْقُوتِ وَيُضَمُّ إلَى ذَلِكَ دِرْهَمُ الطَّحِينِ، وَالْخَبِيزِ، وَالْحَطَبِ، وَالْمَاءِ، وَالزَّيْتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَغَسْلُ ثَوْبٍ وَخَلٌّ وَلَا يُفْرَضُ عَلَى أَهْلِ السَّعَةِ اللَّحْمُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَكِنْ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُفْرَضُ لَهَا فَاكِهَةٌ وَلَا صَبْرٌ وَنَحْوُهُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ هَذَا لِفَقْرِهِمَا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِغِنَاهُمَا إذَا تَشَاحَّا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ وُجُوهٌ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِهَا بِالْإِنْفَاقِ وَلَا يُضَافُ إلَيْهَا غَيْرُهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ الزِّيَادَةُ، وَالنَّقْصُ فِي مُعْتَادٍ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَقَالَ: وَيُضَافُ لِذَلِكَ حِنَّاءٌ لِمَشْطِ رَأْسِهَا وَدَهْنِهِ وَسِرَاجِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ دُهْنٌ لِرَأْسِهَا وَسِرَاجِهَا ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهَذَا لِلْمُوسِرِ، وَالْمُعْسِرِ إلَّا أَنَّ الْمُوسِرَ يُزَادُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ مِنْ قَدْرِهِ يُرِيدُ فِي مَقَادِيرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْعُسْرُ بَيِّنًا فَالْأَقَلُّ مِمَّا تَعِيشُ بِهِ وَتَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ أَحْوَالُ النَّاسِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَهَا فِي الشَّهْرِ مِنْ الزَّيْتِ نِصْفُ رُبْعٍ وَمِنْ الْخَلِّ رُبْعٌ وَمِنْ اللَّحْمِ عَلَى الْمَلِيءِ بِدِرْهَمٍ فِي الْجُمُعَةِ وَدِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي صَرْفِهَا مِنْ مَاءٍ وَغَسْلِ ثَوْبٍ وَطَحْنٍ وَخَبْزٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَهَا الشَّعِيرَ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ قَدْ أَكَلُوهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَمْحُ هُوَ الَّذِي يُؤْكَلُ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ قُوتَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ يَقِلَّ الْقَمْحُ وَيَعِزَّ لِغَلَاءِ السِّعْرِ حَتَّى يَأْكُلَ أَكْثَرُ النَّاسِ الشَّعِيرَ مِمَّنْ هُوَ فِي مَنْصِبِهِ، وَعَلَى مِثْلِ حَالِهِ فَهَذَا لَهُ أَنْ يُنْفِقَ الشَّعِيرَ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قُوتُ أَهْلِهِ الْقَمْحُ وَكَانَ وَقْتَ خِصْبٍ فَأَرَادَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالشَّعِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الثِّيَابُ فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ثِيَابُ لِبَاسٍ وَهِيَ مَا تَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا وَثِيَابٌ تُلْبَسُ عَلَى وَجْهِ التَّغَطِّي، وَالْغِطَاءُ، وَالْفُرُشُ وَاسْمُ اللِّبَاسِ أَظْهَرُ فِي الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَفَرْوٌ لِشِتَائِهَا مِنْ لِبَاسِ مِثْلِهَا مِنْ جَوَارِبَ أَوْ فَنِلِّيَاتٍ وَقَمِيصٍ يُوَارِيهِ وَمُقَنَّعَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَخِمَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِزَارٌ وَخُفَّانِ وَجَوْرَبَانِ لِشِتَائِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَيْهِ فِي اللِّبَاسِ بِقَدْرِهَا مِنْ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِ خَزٍّ وَلَا وَشْيٍ وَلَا حَرِيرٍ يُرِيدُ، وَإِنْ كَانَ مُتَّسِعًا فَعَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لِلشِّتَاءِ، وَالصَّيْفِ مِنْ قَمِيصٍ وَجُبَّةٍ وَخِمَارٍ وَمُقَنَّعَةٍ وَسِبْتِيَّةٍ وَإِزَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا يَلْبَسُ الْقُطْنَ وَمِثْلُهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فُرِضَ عَلَيْهِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْمُوسِرِ لَهُ زَوْجَةٌ ذَاتُ شَرَفٍ فَلْيُفْرَضْ عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ الْوَسَطُ مِمَّا لَا يُعَرِّيهَا إذَا لَبِسَتْهُ وَلَا يُجْحِفُ بِمَالِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَصَبِ إلَّا غَلِيظُهُ وَكَذَلِكَ مِنْ الشَّطَوِيِّ، وَالْخَزِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يَعْنِي فِي بَلَدٍ يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِبَاسُهُمْ وَيَكُونُ مَا يُفْرَضُ عَلَى مِثْلِهِ فِي قَدْرِ مَالِهِ قَالَ أَشْهَبُ مِنْهُنَّ مَنْ لَوْ كَسَاهَا الصُّوفَ أُدِّبَ، وَذَلِكَ عَلَى أَقْدَارِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الصُّوفُ مِنْ لِبَاسِهِنَّ وَلَكِنْ يَحْكُمُ بِمَا يَرَى أَنَّهُ مِنْ لِبَاسِهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْفَرْوِ، وَالْقَمِيصِ عَلَيْهِ إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ زِيَّ بَلَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ زِيَّ النَّاسِ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ وَلَا يَخْرُجُ مَعَ ذَلِكَ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْوِطَاءُ، وَالْغِطَاءُ، وَالْفُرُشُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِالْبِنَاءِ وَعِنْدَهَا شُورَتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مَعَهَا بِأُزُرِهَا وَبُسُطِهَا وَمَرَافِقِهَا وَوَسَائِدِهَا قَالَ أَصْبَغُ: إنَّمَا يُفْرَضُ ذَلِكَ لِلَّتِي لَا شُورَةَ لَهَا وَلَا شَيْءَ مَعَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، فَإِنْ طَالَ الْعُمُرُ وَخَلَقَتْ الشُّورَةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي صَدَاقِهَا مَا تَتَشَوَّرُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ لِلصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ يُفْرَضُ لَهَا فِرَاشٌ وَمُرْفَقَةٌ وَإِزَارٌ وَلِحَافٌ وَلِبَدٌ لِلشِّتَاءِ وَسَرِيرٌ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَرَاغِيثَ أَوْ فَأْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا سَرِيرَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ إلَّا اللِّبَدَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ حَصِيرٌ مِنْ حَلْفَاءَ أَوْ بَرَدَى يَكُونُ تَحْتَ الْفِرَاشِ وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الْأَصْلُ فِي كِسْوَتِهَا فَيُزَادُ فِي الْجَوْدَةِ وَيُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حَالِهَا وَحَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَلَيْهِ خِمَارُ رَأْسِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَعَلَيْهِ دُهْنُ رَأْسِهَا وَشِرَاءُ حِنَّاءٍ وَمُشْطٍ وَكُحْلٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ نُضُوخٌ وَلَا إصْبَاغٌ وَلَا الْمُشْطُ وَلَا الْمُكْحُلَةُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَهَا الْحِنَّاءُ لِرَأْسِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ الطِّيبُ، وَالزَّعْفَرَانُ وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا إيَّاهُ كَالْكُحْلِ الَّذِي يَضُرُّ تَرْكُهُ بِبَصَرِ مَنْ يَعْتَادُهُ، وَالْمَشْطِ الَّذِي بِالْحِنَّاءِ، وَالدَّهْنِ لِمَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ لِمَنْ اعْتَادَهُ يُفْسِدُ الشَّعْرَ وَيُمَزِّقُهُ وَاَلَّذِي نَفَى ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا هُوَ الْمُكْحُلَةُ وَلَمْ يَنْفِ الْكُحْلَ نَفْسَهُ فَتَضَمَّنَ الْقَوْلَانِ أَنَّ الْكُحْلَ يَلْزَمُهُ دُونَ الْمُكْحُلَةِ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ مَا تَمْتَشِطُ بِهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالْحِنَّاءِ دُونَ الْآلَةِ الَّتِي تَمْتَشِطُ بِهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ بِأَثْمَانِهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَجْتَهِدَ فِي صِفَاتِهَا إنْ حَضَرَتْ كَمَا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي قِيمَتِهَا، وَإِنْ غَابَتْ فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ وَأَقْرَبَ تَنَاوُلًا وَأَبْيَنَ وُصُولًا إلَى الْحَقِّ أَخَذَ بِهِ وَكَانَ الِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ الْعَدْلَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ لَهُ وَأَيْسَرَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَلِكَمْ يُفْرَضُ لَهَا عَلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ: إنَّ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَى السُّلْطَانُ مِنْ جِدَّتِهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ وَمِنْهُمْ جُمُعَةً بِجُمُعَةٍ وَمِنْهُمْ شَهْرًا بِشَهْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ أَجْرُ الْقَابِلَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْمَرْأَةِ فَذَلِكَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلْوَلَدِ فَذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ أَيَّدَهُ اللَّهُ: وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُؤَنِ الَّتِي لَا تَسْتَبِدُّ عَنْهَا الزَّوْجِيَّةُ غَالِبًا، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ، وَالْمَرْأَةُ تَنْفَرِدُ بِمَنْفَعَةِ ذَلِكَ فَبِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا تَنْفَرِدَ الْمَرْأَةُ بِمَنْفَعَتِهِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ يُنْفَقُ عَلَى الْحَامِلِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ لِلْحَامِلِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْحِجَامَةِ وَلَا الطِّيبِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ الْمُؤَنِ الَّتِي تَنْدُرُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَا لَا تَسْتَبِدُّ مِنْهُ مِنْ الْمُؤَنِ الْمُعْتَادِ كَالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفَاكِهَةُ لَمَّا كَانَتْ مِمَّا تَسْتَبِدُّ عَنْهَا مِنْ الْمُؤَنِ وَتَسْتَغْنِي عَنْ اسْتِعْمَالِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَيْهِ إخْدَامُهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ نَفْسَهَا لِحَالِهَا وَغِنَى زَوْجِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ الْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ، وَالْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ هِيَ الْعَجْنُ، وَالطَّبْخُ، وَالْكَنْسُ، وَالْفَرْشُ وَسَقْيُ الْمَاءِ إذَا كَانَ مَعَهَا وَعَمَلُ الْبَيْتِ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدِمَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الضِّعَةِ وَلَيْسَ فِي صَدَاقِهَا مَا تَشْتَرِي بِهِ خَادِمًا فَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَخْدِمَهَا وَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ، وَأَمَّا الْغَزْلُ، وَالنَّسْجُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِحَالٍ إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا إلَّا أَنَّهُ فِي الْحَالِ مِثْلُهَا مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَشْرَفِ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ فِي الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ وَشَرَفٍ وَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ كَالدَّنِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخِدْمَةَ جَارِيَةٌ

[الباب الرابع فيما يجب من الخيار للزوجة بالإعسار عن ذلك]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَاعْتِبَارُ حَالِ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ، وَالْحَالُ جَارِيَةٌ عَلَى قَدْرِهِ وَلِحَالِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ اعْتِبَارٌ، فَإِنْ كَانَا رَفِيعَيْ الْحَالِ فَالْخِدْمَةُ سَاقِطَةٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ شَرِيفًا رَفِيعَ الْحَالِ فَلَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَ غَنِيًّا رُوعِيَ فِي هَذَا شَرَفُهَا مَعَ غِنَاهُ فَلَهَا الْخِدْمَةُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَمْ يَنْفَعْهَا شَرَفُهَا وَكَانَتْ الْخِدْمَةُ عَلَيْهَا ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَى خَادِمِهَا، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْهَا خَادِمًا وَلَا أُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهَا وَلَمْ تَرْضَ هِيَ إلَّا بِخَادِمِهَا فَذَلِكَ لَهَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْدُمْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ خَادِمَهَا أَطْوَعُ لَهَا وَخِدْمَةُ خَادِمِهَا أَرْفَعُ لِحَالِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضِرَّ بِهَا فِي إزَالَتِهَا عَنْهَا وَإِبْدَالِهَا بِغَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا تَكْفِيهَا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ وَحَالُهُ يَحْمِلُ لَزِمَهُ أَنْ يَخْدِمَهَا خِدْمَةَ مِثْلِهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ خِدْمَةَ الثَّانِيَةِ خِدْمَةٌ تَحْتَاجُ الزَّوْجَةُ إلَيْهَا مَعَ أَنَّ حَالَهُمَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِمَا فَكَانَتْ لَازِمَةً لِلزَّوْجِ كَخِدْمَةِ الْخَادِمِ الْأُولَى. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْخِيَارِ لِلزَّوْجَةِ بِالْإِعْسَارِ عَنْ ذَلِكَ] 1 َ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِعْسَارَ بِالنَّفَقَةِ، وَالْمُؤْنَةِ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلزَّوْجَةِ بَيْنَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ بِلَا نَفَقَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَوْعُ مِلْكٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ فَكَانَ لِلْإِعْسَارِ بِهَا تَأْثِيرٌ فِي إزَالَتِهِ كَمِلْكِ الْيَمِينِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أُعْسِرَ بِمِثْلِ قُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يَجِدُ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتُ الْحَالِ، وَالشَّرَفِ مِمَّنْ لَا تَلْبَسُ خَشِنَ الثِّيَابِ وَلَا تَتَنَاوَلُ غَلِيظَ الْعَيْشِ فَأُعْدِمَ الزَّوْجُ حَتَّى لَا يَجِدُ إلَّا كِسْوَةً دَنِيَّةً وَقُوتًا دُونَ قُوتِ خَادِمِهَا مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سَلْتٍ غَيْرِ مَأْدُومٍ رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَرُبَّ بَلَدٍ لَا يُنْفِقُ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ إلَّا الشَّعِيرَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْخُبْزَ وَنَحْوَهُ وَمَا يُوَارِي عَوْرَتَهَا، وَلَوْ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ قَالَ مَالِكٌ مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اُضْطُرَّ لِعُسْرِهِ إلَى أَنْ يُنْفِقَ قُوتًا لَيْسَ مِنْ أَقْوَاتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِقُوتٍ مُعْتَادٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا لَمْ يَجِدْ قُوتًا مُعْتَادًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَدِمَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ وَوَجَدَ الْآخَرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنْ طَلَبَتْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ بِمَا يَلْزَمُهُ لَهَا بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَعْسَرَ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ أَوْ بِبَعْضِهِ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِالنِّكَاحِ مِنْ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْبُضْعِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ فَبِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بِالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أُعْسِرَ بِالنَّفَقَةِ وَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَ، وَالشَّهْرَيْنِ قَالَ أَصْبَغُ: إنْ لَمْ يُطْمَعْ لَهُ بِمَالٍ فَلَا يُؤَجَّلُ إلَّا الشَّهْرَ لَا يَبْلُغُ الشَّهْرَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قِيلَ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَ وَقِيلَ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ الثَّلَاثَةَ وَنَحْوَهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ رَوَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُضْرَبُ أَجَلٌ فِي النَّفَقَةِ إلَّا الْأَيَّامُ الْيَسِيرَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا فِيهِ الشَّهْرُ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَيُسْتَأْنَى لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْكِسْوَةَ شَهْرَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْحَاكِمِ فَيُؤَجِّلُ لِلَّذِي يَرْجُو لَهُ إحْرَازَ النَّفَقَةِ مَا لَا يُؤَجِّلُ لِمَنْ لَا يَرْجُوهُ أَوْ لِمَنْ يَضْعُفُ فِيهِ الرَّجَاءُ مَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ إضْرَارًا كَثِيرًا وَعَدَمُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ أَحَقُّ مِنْ عَدَمِ بَعْضٍ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي وَاجِدِ النَّفَقَةِ دُونَ

[عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا]

عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إذَا وَلَدَتْ فَقَدْ حَلَّتْ فَدَخَلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ فَخَطَبَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ، وَالْآخَرُ كَهْلٌ فَحَظَتْ إلَى الشَّابِّ فَقَالَ الشَّيْخُ لَمْ تَحِلِّي بَعْدُ وَكَانَ أَهْلُهَا غُيَّبًا وَرَجَا إذَا جَاءَ أَهْلُهَا أَنْ يُؤْثِرُوهُ بِهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَقَدْ حَلَّتْ فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ وَلَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ لَحَلَّتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّدَاقِ يُؤَجَّلُ فِي الصَّدَاقِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَقَالَ أَيْضًا سَنَتَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ، وَالصَّدَاقِ لَمْ يُوَسَّعْ لَهُ فِي أَجَلِ الصَّدَاقِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ عَلَى الْغِنَى أَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَرَفَتْ بِأَنَّهُ سَائِلٌ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ فَلَا حُجَّةَ لَهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ فَقِيرٌ لَا يُجْرِي النَّفَقَةَ عَلَى النِّسَاءِ لِفَقْرِهِ فَلَا قَوْلَ لَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِعَيْبِهِ فَقَدْ أَقْدَمَتْ عَلَى مَعْرِفَتهَا بِحَالِهِ كَمُشْتَرِي السِّلْعَةِ بِهَا عَيْبٌ يَعْلَمُهُ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَسْتَكْمِلْ بِهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا كَانَتْ لِعِوَضٍ وَلَا لِضَرَرٍ بِالزَّوْجِ فَكَانَتْ رَجْعِيَّةً أَصْلُ ذَلِكَ طَلَاقُ الْمَوْلَى وَصِحَّةُ رَجْعَتِهِ مُعْتَبَرَةٌ بِيَسَارِهِ، فَإِنْ ارْتَجَعَ كَانَتْ رَجْعِيَّةً مَوْقُوفَةً، فَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَيْسُرْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ وَبَانَتْ مِنْهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا] (ش) : قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَامِلِ بِرَأْيِهِمَا دُونَ نَصٍّ وَلَمْ تُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أُمُّ سَلَمَةَ وَلَا أَبُو سَلَمَةَ وَلَا أَحَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِجْمَاعِ بِالْقَوْلِ بِالرَّأْيِ، وَالْقِيَاسِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ نَصٌّ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ النَّصُّ الَّذِي أَظْهَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ لَاحْتَجَّ بِهِ كَمَا احْتَجَّتْ بِهِ أُمُّ سَلَمَةَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَبْدَءُونَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِالنَّصِّ، وَلَوْ احْتَجَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ لَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مُخَالِفَتِهِ وَتَرَكَ مُعَارَضَتَهُ كَمَا أَمْسَكَ عَنْ الْمُرَاجَعَةِ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّصُّ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ وَهِيَ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِلُّ بِالْوَضْعِ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ عَلِيًّا يَقُولُ هِيَ لِآخِرِ الْأَجَلَيْنِ يَعْنِي الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ لَاعَنْته أَنَّ هَذِهِ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نَزَلَتْ بَعْدَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثِ، وَالْآيَةِ تَنَافٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مَنْ لَيْسَ بِحَامِلٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَمْلَ اسْتَمَرَّ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَمْ تَنْقُصْ الْعِدَّةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ حُكْمَ الْحَامِلِ، وَالْحَدِيثُ تَضَمَّنَ حُكْمَ الْحَامِلِ، وَهُوَ مِنْ آخَرِ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَذَهَبَ إلَى مَعْنَى النَّسْخِ وَلِذَلِكَ قَالَ أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نَفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تَنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا) . مُقَامُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِطَرَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّسَاءِ الْقُصْرَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] بَعْدَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ، وَقَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِمَا تَقْتَضِيهِ أُصُولُ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَسُؤَالُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ ذَلِكَ أُمَّ سَلَمَةَ لِمَا رَجَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنَّهُ وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ وَلَدَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» وَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ بِالْوِلَادَةِ حِلًّا تَسْتَبِيحُ بِهِ نِكَاحَ مَنْ شَاءَتْ، وَأَمَّا مَا رَجَاهُ أَبُو السَّنَابِلِ قِيلَ اسْمُهُ بَعْكَكُ بْنُ الْحَاجِّ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِهَا مَنْ غَابَ مِنْ أَهْلِهَا إذَا قَدِمُوا، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَصْرِفُوا رَغْبَتَهَا عَنْهُ إلَى الرَّغْبَةِ فِيهِ لَا أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ إجْبَارَهَا عَلَى مَا لَا تُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ وَضَعَتْ وَزَوْجُهَا لَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ لَحَلَّتْ يُرِيدُ أَنَّ وِلَادَتَهَا إذَا كَانَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ فَقَدْ فَاتَ وَلَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ مُضِيُّ مُدَّةٍ، وَإِنَّمَا تُرَاعَى وِلَادَتُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ. . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ «سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نَفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَلَلْت فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تَنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْت» قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا) ش قَوْلُهُ إذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ حَلَّتْ يُرِيدُ انْقَضَتْ وِلَادَتُهَا، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ وَاحِدًا حَلَّتْ بِتَمَامِ وِلَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ تَوْأَمَيْنِ فَوَلَدَتْ أَحَدَهُمَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي قَالَ أَشْهَبُ: وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي الْوَفَاةِ بِوَضْعِ الْعَلَقَةِ، وَالْمُضْغَةِ، وَأَمَّا الدَّمُ الْمُجْتَمِعُ فَلَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَا أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ أَوْ شَيْءٍ يُسْتَيْقَنُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِقَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الدَّمَ السَّائِلَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَقْذِفَهُ الْأَرْحَامُ مِنْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ أَوْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ، وَأَمَّا الْعَلَقَةُ تَقَعُ بِهَا بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَمٍ سَائِلٍ بَلْ هُوَ مُجْتَمِعٌ عَلَى صِفَةٍ يُعْلَمُ بِهَا إنَّهَا وَلَدٌ.

[مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل]

الْقُدُوم لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قَالَتْ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ قَالَتْ فَانْصَرَفْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيت لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْت؟ فَرَدَدْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْت لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي فَقَالَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْته فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُقَامُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَحِلَّ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفُرَيْعَةِ نَعَمْ لِتَنْتَقِلَ إلَى بَنِي خُدْرَةَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَدَّدَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّسْخِ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ أَوَّلًا فِي قَوْلِهَا أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَتْرُكْهَا فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُ سُكْنَاهُ وَكَانَ لَفْظُهَا مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ لَفْظَهَا مُحْتَمِلٌ فَاسْتَرْجَعَهَا وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُعِيدَ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا فَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ إعَادَتِهَا أَنَّهَا نَفَتْ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ مَنْزِلًا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ فِي مَنْزِلٍ قَدْ مَلَكَ زَوْجُهَا سُكْنَاهُ إمَّا بِاكْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَأَمَرَهَا بِالْمُقَامِ وَإِتْمَامِ الْعِدَّةِ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمَسْكَنِ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ الْعِدَّةَ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «حَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَأَنَّهَا امْتَثَلَتْ ذَلِكَ بِأَنْ اعْتَدَّتْ فِيهِ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ، وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَعَدَدٌ كَثِيرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْقَطَّانُ وَشُعْبَةُ. وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرَهُ، وَقَدْ أَخَذَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ النَّاسِخُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ فَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا الْمَسْكَنُ لِلزَّوْجَةِ كَالْمُطَلَّقَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَنَّهُ قَدْ اُحْتِيطَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَكْثَرُ مِمَّا اُحْتِيطَ فِي الْمُطَلَّقَةِ لِمَوْتِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ بِالنَّسَبِ فَثَبَتَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَجُعِلَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الشُّهُورَ دُونَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ يَظْهَرُ أَمْرُهَا وَالْحَيْضُ يَخْفَى أَمْرُهُ، ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ السُّكْنَى مُرَاعًى فِي الْمُطَلَّقَةِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ فَبِأَنْ تَثْبُتَ فِي حُكْمِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْلَى وَأَحْرَى، وَهَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي وَرُبَّمَا وَصَلْته بِمَا يُتَمِّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ إذَا كَانَتْ لِلْمُتَوَفَّى وَأَرَادَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ؟ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِدَّةُ لِلْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالسُّكْنَى مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْتَابُ فَتَمْتَدُّ عِدَّتُهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ وَالرِّيبَةُ نَادِرَةٌ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعُقُودِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ اخْتِلَافَ مُدَّةِ الْقَبْضِ إذَا كَانَ فِيهَا تَفَاوُتٌ أَثَّرَتْ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَتْ السُّكْنَى لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِيهِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَارْتَابَتْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ هِيَ أَحَقُّ بِالْمُقَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعِدَّةِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ زَوَالِ الرِّيبَةِ كَانَ فَاسِدًا، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَمَادَتْ الرِّيبَةُ إلَى خَمْسِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعِدَّةِ وَالْعِدَّةُ قَدْ تَكُونُ خَمْسَ سِنِينَ، وَنَحْوَ هَذَا رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا عِنْدِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ فَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَتَى مِنْ الرِّيبَةِ غَيْرُ الْمُعْتَادِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ السُّكْنَى لِلزَّوْجِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَلَهَا السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِلْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَةَ الْمَسْكَنِ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ الرَّقَبَةَ وَلَا السُّكْنَى وَكَانَتْ الدَّارُ لِمُعَيَّنٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمَنْزِلَ كَانَ لَهَا أَوْ لَهُ لِمَا رَوَى وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّهَا قَالَتْ إنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَدَعْ مَنْزِلًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً وَإِنِّي امْرَأَةٌ شَاسِعَةُ الدَّارِ، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ أَتَحَوَّلَ إلَى أَهْلِي وَجِيرَانِي أَوْ قَالَتْ أَهْلِي وَأَهْلِ دَارِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهَا دَارٌ وَلَا جِيرَانُ هُنَاكَ، وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ، وَأَنَّهُ تَرَكَهَا فِي مَسْكَنٍ لَهَا وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَرَكَ دَارَ سُكْنَى يَمْلِكُ سُكْنَاهَا مِلْكًا لَا تَبَاعَةَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَزِمَ أَنْ تَعْتَدَّ الزَّوْجَةُ فِيهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا مَلَكَ رَقَبَتَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ قَدْ أَدَّى الْكِرَاءَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِ فَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ الْكِرَاءُ اللَّازِمُ لِلْمَيِّتِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ أَحَقَّ بِذَلِكَ وَتَحَاصَّ الْوَرَثَةَ فِي السُّكْنَى وَلِلْوَرَثَةِ إخْرَاجُهَا إلَّا أَنْ تُحِبَّ أَنْ تَسْكُنَ فِي حِصَّتِهَا وَيُؤَدَّى كِرَاءُ حِصَصِهِمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّهَا إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ السُّكْنَى مِلْكًا تَامًّا، وَإِنَّمَا مِلْكُ الْعِوَضِ الَّذِي بِيَدِهِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِلزَّوْجَةِ إلَّا بِالْمِيرَاثِ دُونَ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ وَلَيْسَ بِسُكْنَى وَإِذَا مَلَكَ السُّكْنَى مِلْكًا تَامًّا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجَةِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ رَضِيَ الْوَرَثَةُ فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَأَهْلُ الدَّارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا الْكِرَاءَ وَيُقِرُّوهَا عَلَى السُّكْنَى لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخُرُوجُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا مَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الْكِرَاءِ فَلَهَا الْخُرُوجُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السُّكْنَى لَهَا لَازِمٌ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ، وَإِنَّمَا لِلْوَرَثَةِ وَصَاحِبِ الدَّارِ فِي الدَّارِ حَقٌّ تَقَدَّمَ عَلَى حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الدَّارِ فَإِذَا أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ ذَلِكَ وَرَضُوا بِعِوَضِهِ عَلَى الْمُعْتَادِ لَزِمَهَا الْمُقَامُ، فَإِنْ كَانَ نَقَدَ بَعْضَ الْكِرَاءِ فَلَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ مَا نَقَدَ فِيهِ وَهِيَ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ مِمَّا لَمْ يَنْقُدْ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ أَلْبَتَّةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ فَقَدْ لَزِمَهُ السُّكْنَى وَهُوَ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَطْلُقْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ السُّكْنَى، وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ فَثَبَتَ لَهَا فِي السُّكْنَى حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْ مَالِهِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ فِي السُّكْنَى أَصْلُ ذَلِكَ الَّتِي لَمْ تَطْلُقْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا مَلَكَ السُّكْنَى لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِكِرَاءٍ أَوْ إسْكَانٍ مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ فَيُتَوَفَّى عِنْدَ انْقِضَائِهَا أَوْ قَبْلَ انْقِضَائِهَا بِشَهْرٍ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَلِمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ السُّكْنَى بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ إخْرَاجَهَا مِنْهَا وَفِي وَثَائِقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ زَوْجَةِ إمَامِ الْمَسْجِدِ يَمُوتُ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي دَارِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْكُنُهَا عَلَى سَبِيلِ الْأُجْرَةِ فَمَتَى تَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا إنْ أَحَبَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ. (فَرْعٌ) هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَأَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا فَسَوَاءٌ نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالْمَسْكَنِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَبَيْنَ أَنْ يُكْرِيَهَا سَنَةً بِعَيْنِهَا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ رِوَايَةَ أَبِي قُرَّةَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ السُّكْنَى غَيْرَ مُقَدَّرٍ مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ هِيَ حَبْسٌ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ إلَيْهِ الدَّارُ أَنْ يُخْرِجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَمِيرِ يَمُوتُ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي دَارِ الْإِمَارَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْكَانَ لَمَّا تَضَمَّنَ الْحَيَاةَ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ تَضَمَّنَ مَا يَلْزَمُ مِنْ السُّكْنَى بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَأَمَّا مَنْ أُسْكِنَ مُدَّةً مُقَدَّرَةً فَلَمْ يَتَضَمَّنْ إسْكَانُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي حَيَّاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَلَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةً فِي مَالِهِ وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ عُذْرِهَا فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَنِي خُدْرَةَ قَوْمِهَا؛ لِأَنَّ اكْتِسَابَهَا نَفَقَتَهَا وَالتَّسَبُّبَ فِيهَا هُنَاكَ أَمْكَنُ لَهَا حِينَ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا مِمَّنْ تَرَكَ مَالًا تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِيرَاثَهَا مِنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَدْعِ مِمَّا عَرَضَتْهُ مِنْ حَالِهَا إلَّا الِانْتِقَالَ إلَى قَوْمِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فَيَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِعْسَارِ فَبِأَنْ يَسْقُطَ بِالْمَوْتِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُمْكُثِي حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِذَلِكَ لَمَّا كَانَ زَوْجُهَا قَدْ أَدَّى كِرَاءَ الْمَسْكَنِ أَوْ كَانَ أَسْكَنَ فِيهِ إلَى وَفَاتِهِ أَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمَنْزِلِ أَبَاحُوا لَهَا الْعِدَّةَ فِيهِ بِكِرَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ مِمَّا رَأَى بِهِ أَنَّ الْمُقَامَ لَازِمٌ لَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَذَلِكَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ مَنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ تَعْتَدُّ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَاتِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَوْ طَلَّقَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَرَى أَنْ تُلْغِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ وَتُحْصِي مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ وَتَحْسِبُ بَعْدَ تَمَامِهِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْوَفَاةِ وَتُتِمُّ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، ثُمَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ تَلْزَمُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَالصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي حَاضَتْ وَالْيَائِسَةَ مِنْ الْمَحِيضِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَعِدَّةُ جَمِيعِهِنَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إلَّا الْأَمَةَ فَعِدَّتُهَا مِنْ الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ يَائِسَةً مِنْ الْمَحِيضِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يُؤْمَنَ مِنْ مِثْلِهَا الْحَمْلُ فَتُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ إنْ مَرَّتْ فِي ذَلِكَ بِوَقْتِ حَيْضَتِهَا فَحَاضَتْ وَإِذَا لَمْ يَمُرَّ بِهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ مَرَّ عَلَيْهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَقْتُ الْحَيْضَةِ فَلَمْ تَحِضْ رُفِعَتْ إلَى التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ كَالْحُرَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَلَا تَبْرَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَاعَى الْحَيْضَةَ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ عَدِمَتْ الْحَيْضَةَ فَلَا يُبَرِّئُهَا إلَّا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ كَالْأَقْرَاءِ لَمَّا كَانَتْ أَصْلًا فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ كَانَتْ الْأَمَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ غَيْرَ أَنَّهَا إنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهَا الْحَمْلُ أَكْمَلَتْ الشُّهُورَ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ حَمْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَالَ عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إنَّنَا لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ رَحِمًا يَبْرَأُ مِنْ وَطْءٍ بِغَيْرِ حَيْضٍ مِمَّنْ يُمْكِنُ مِنْهَا الْحَمْلُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ فَلَمْ تَحِضْ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَهَذِهِ رِيبَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ تُرْفَعُ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ، وَرَوَى سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ تَبْرَأُ الْحُرَّةُ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْأَمَةُ بِانْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهَا أُنْثَى مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لَمْ تَتَبَيَّنْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَلَمْ تَبْرَأْ إلَّا بِالْحَيْضِ أَوْ التَّرَبُّصِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْحَيْضِ كَالْمُطَلَّقَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَيْضًا وَلَا غَيْرَهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إذَا تَعَلَّقَ بِالشُّهُورِ وَكَانَتْ أَصْلًا فِيهِ لَمْ يُعْتَبَرْ بِالْحَيْضِ كَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ إلَى مِثْلِهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْوَفَاةِ فَلَمْ يَأْتِ فِيهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ إنَّهَا قَدْ حَلَّتْ وَإِنْ قَرُبَ وَقْتُ حَيْضِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَرَيْنَ بِهَا رِيبَةً حَلَّتْ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ كِنَانَةَ تُقِيمُ حَتَّى تَحِيضَ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ سَبَبَ تَأْخِيرِ الْحَيْضِ الْعَادَةُ لَا الرِّيبَةُ وَكَانَتْ كَالْيَائِسَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُرَاعَى فِي مُدَّةِ الْحَيْضَةِ، وَإِنَّمَا تُسْتَرَابُ بِغَيْرِ الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي تَمَامِ الْعِدَّةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَةَ تُرَاعَى فِي تَمَامِ الْعِدَّةِ كَاَلَّتِي تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ تَبْرَأُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إلَّا أَنْ تَرْتَابَ إحْدَاهُمَا بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ عَنْ وَقْتِهَا فَتَرْجِعَ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَمَدِ الْحَمْلِ فَتَحِلُّ إلَّا أَنْ تُحِسَّ تَحْرِيكًا فَتُقِيمَ إلَى مُضِيِّ أَمَدِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا بِالْحَيْضِ كُلَّ شَهْرٍ فَلَمْ تَحِضْ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ إلَّا حَيْضَةً وَاحِدَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ إحْدَاهُنَّ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ عَنْ وَقْتِهَا فَتَرْجِعَ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَدْ رَوَيَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بِأَثَرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَحِيضَ الْحُرَّةُ قَبْلَ التِّسْعَةِ وَبَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَالْأَمَةُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَتَحِلُّ حِينَئِذٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الرِّيبَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ كُلِّهِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الرِّيبَةَ تَحْصُلُ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ، إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ تُبْرِئُ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي وَقْتِ الرِّيبَةِ لَا فِي وَقْتِ الْعِدَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَعِدَّتُهَا فِي الْوَفَاةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً تِسْعَةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ رِيبَةٌ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَكَمَا أَنَّ الْمُرْتَابَةَ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ تُرْفَعُ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَابَةُ بِالِاسْتِحَاضَةِ اعْتِبَارًا بِتَسَاوِيهِمَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَتَزَوَّجَ مُسْلِمًا وَغَيْرَهُ إثْرَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ لِلْوَفَاةِ وَلَا اسْتِبْرَاءٌ لِلدُّخُولِ فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا كَالْمُسْلِمَةِ قَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ عَلَى الْعِدَّةِ وَتُمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ رَحِمَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَوْلُ فِي الْكِتَابِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُ اللَّهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يَمْنَعُهُنَّ الْحَجَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَاوَتْ الْمُسْلِمَةَ الْحُرَّةَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ سَاوَتْهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالْمُسْلِمَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعِدَّتِهَا حَقَّانِ حَقٌّ لِلْمَخْلُوقِ وَهُوَ حِفْظُ النَّسَبِ وَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا حَقُّ الْمَخْلُوقِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهَا وَلَا يُبْرِئُهَا إلَّا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا أَدَاءُ حُقُوقِهِ إلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَقَضَى بِهِ يَقْتَضِي إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ وَأَنَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ وَلِذَلِكَ سَأَلَهَا عُثْمَانُ عَنْ خَبَرِهَا فَقَضَى بِهِ لَمَّا أَخْبَرَتْهُ عَنْهُ وَسَمَاعُ هَذَا مِنْ خَبَرِ الْفُرَيْعَةِ حَتَّى كَانَ الْأُمَرَاءُ يُرْسِلُونَ إلَيْهَا وَيَسْأَلُونَهَا عَنْ ذَلِكَ وَيَقْضُونَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِمَّنْ عَاصَرَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلِذَلِكَ رَوَى وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِالْإِسْنَادِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِهِ فَسَأَلَ النَّاسَ هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَنْصَارِ إنَّ فُرَيْعَةَ تُحَدِّثُ فِيهِ بِحَدِيثٍ وَهِيَ حَيَّةٌ قَالَتْ فَأَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْهُ فَحَدَّثْته فَأَخَذَ بِهِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَرُدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ مِنْ الْبَيْدَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى اعْتِدَادَ الْمَرْأَةِ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَازِمًا لَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي حَجٍّ وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا لَمْ يُحْرِمْنَ فَإِذَا أَحْرَمْنَ نَفَذَتْ وَبِئْسَ مَا صَنَعْنَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا قَرُبَ جِدًّا، وَأَمَّا التَّبَاعُدُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ تَبَاعُدٌ لَيْسَ فِي الرُّجُوعِ مِنْهُ مَشَقَّةٌ وَلَكِنْ تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ثِقَةٍ تَرْجِعُ مَعَهُ، وَتَبَاعُدٌ تَلْحَقُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ الْفَرِيضَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرُدُّ مَنْ خَرَجَ مِنْهُنَّ فِي حَجٍّ مِنْ الْبَيْدَاءِ وَلَا يَمْنَعُ تَوَجُّهُهَا فِي الْحَجِّ مِنْ رَدِّهَا إلَى اسْتِكْمَالِ عِدَّتِهَا حَيْثُ لَزِمَتْهَا بِقُرْبِ الْمَوْضِعِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ تُرِيدُ الْحَجَّ لَوْ لَمْ تَكُنْ سَافَرَتْ إلَّا مَسِيرَةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَهَلَكَ زَوْجُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّتِي تَخْرُجُ تُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا وَتَجِدُ ثِقَةً رَجَعَتْ فَاعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا، وَلَوْ وَصَلَتْ إفْرِيقِيَةَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا تَنْفُذُ لِحَجِّهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبَاعَدَتْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ مُنْتَقِلًا تَارِكًا لِاسْتِيطَانِ الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَنْفُذَ أَوْ تَرْجِعَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ لَهَا مَنْزِلٌ فَتَخْتَارُ الْآنَ مَوْضِعًا تَعْتَدُّ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا أَوْ تَنْصَرِفَ إلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى فَتَعْتَدُّ فِيهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ تُوُفِّيَ وَأَنَّ امْرَأَتَهُ جَاءَتْ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَتْ لَهُ وَفَاةَ زَوْجِهَا وَذَكَرَتْ لَهُ حَرْثًا لَهُمْ بِقَنَاةٍ وَسَأَلَتْهُ هَلْ يَصْلُحُ لَهَا أَنْ تَبِيتَ فِيهِ فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ سَحَرًا فَتُصْبِحُ فِي حَرْثِهِمْ فَتَظَلُّ فِيهِ يَوْمَهَا، ثُمَّ تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ إذَا أَمْسَتْ فَتَبِيتُ فِي بَيْتِهَا) . (ش) : نَهَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ تَبِيتَ الْمَرْأَةُ فِي حَرْثِهَا الَّتِي جَاءَتْهُ تَسْأَلُهُ وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ السَّائِبِ بْنِ خَبَّابٍ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي بَيْتِهَا فَنَهَاهَا عَنْ الْمَبِيتِ فِي حَرْثِهَا فِي مُدَّةِ عِدَّتِهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُهَا السُّكْنَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَعْنَى السُّكْنَى وَمُعْظَمُهُ الْمَبِيتُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ وَالِاسْتِقْرَارِ فِي الْمَسْكَنِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُخِلَّ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تَنْصَرِفَ بِالنَّهَارِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ سَحَرًا قَبْلَ الْفَجْرِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدْوِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا تَنْثَوِي حَيْثُ انْثَوَى أَهْلُهَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَأْتِيَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُهَا بِهَذَا مَقْصُودُ الْمَبِيتِ فِي بَيْتِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَحْضُرُ الْعُرْسَ وَلَا تَلْبَسُ مَا لَا تَلْبَسُهُ الْحَادُّ وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِ سُكْنَاهَا مَعَ زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا اعْتَدَّتْ حَيْثُ كَانَتْ تَسْكُنُ عِنْدَ أَبَوَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَسْكَنُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ فَتَعَلَّقَ حُكْمُ سُكْنَاهَا بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَالَ مَالِكٌ تَعْتَدُّ حَيْثُ كَانَتْ تَبِيتُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَبِيتِ هُوَ مَوْضِعُ السُّكْنَى، وَلِذَلِكَ كَانَ مَعْنَى الْمَبِيتِ هُوَ مَعْنَى السُّكْنَى إذَا كَانَ مَبِيتًا مُتَوَالِيًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَارِ لَا عَلَى وَجْهِ الزِّيَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْكِتَابِيَّةُ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُجْبَرُ عَلَى الْعِدَّةِ وَتُمْنَعُ الِانْتِقَالَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَسَبِيلُهَا فِي أَحْكَامِ الْعِدَّةِ سَبِيلُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِهَا لِمُسْلِمٍ فَلَزِمَهَا قَضَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ وَأُعْتِقَتْ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرَى لَهَا السُّكْنَى وَلَا الْمُقَامَ بِهِ وَرَآهُ أَشْهَبُ لَهَا وَعَلَيْهَا عَلَى تَضْعِيفٍ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُمَا. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدْوِيَّةِ تَنْثَوِي حَيْثُ انْثَوَى أَهْلُهَا يُرِيدُ أَصْحَابَ الْعَمُودِ دُونَ أَصْحَابِ الْقُرَى فَإِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهَذَا حَالُهَا، ثُمَّ افْتَرَقَ الْجَمْعُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِمْ فَصَارَ أَهْلُهَا وَبَنُو أَبِيهَا إلَى جِهَةٍ وَصَارَ أَهْلُ زَوْجِهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَارَتْ مَعَ أَهْلِهَا وَآوَتْ إلَيْهِمْ وَكَانَتْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْبَقَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ بِهِ حِينَ الْوَفَاةِ لِانْتِقَالِ أَهْلِهِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ وَطَنًا لِزَوْجِهَا فَيَكُونُ أَحَقَّ بِسُكْنَاهَا مِنْ غَيْرِهِ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ يَتْبَعُونَ الْكَلَأَ وَيَنْتَجِعُونَ الْمِيَاهَ وَيَجْتَمِعُونَ الْيَوْمَ فِي مَنْزِلٍ وَيَفْتَرِقُونَ عِنْدَ اخْتِيَارِ بَعْضِهِمْ غَيْرَ الْجِهَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْآخَرُونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ مِنْ مَسْكَنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَنْزِلَ كَانَ مَنْزِلًا لِزَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَهِيَ آمِنَةٌ إذَا أَقَامَتْ فِيهِ، وَالْمُعْتَادُ مِنْ حَالِ أَهْلِهَا وَبَنِي أَبِيهَا الْمُقَامُ وَالِاسْتِيطَانُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِانْتِقَالِهِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الصَّغِيرَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَ أَبُوهَا الْحَجَّ وَالِانْتِقَالَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ مُنِعُوا مِنْ أَنْ يُخْرِجُوهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا تَنْتَقِلُ إلَّا الْبَدْوِيَّةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ فَخَرَجَ زَوْجُهَا مُبْتَدِيًا فَتُوُفِّيَ رَجَعَتْ وَلَا تُقِيمُ تَعْتَدُّ فِي الْبَادِيَةِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهَا مَسْكَنًا فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ وَقَرَارٍ تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ فِيهِ فَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا فِي الْقُرْبِ وَالْبَعْدِ، وَأَمَّا الْبَدْوِيَّةُ فَلَيْسَ لَهَا مَسْكَنٌ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ فَلَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْجِهَاتِ أَحَقَّ بِهَا مِنْ بَعْضٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهَا الِاسْتِيطَانُ فَلَا تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ إلَّا عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهَا. (فَصْلٌ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَنْثَوِي مَعَ أَهْلِهَا حَيْثُ انْثَوَوْا: تَنْزِلُ حَيْثُ نَزَلُوا مِنْ ثَوَيْت الْمَنْزِلَ، وَأَهْلُهَا عَشِيرَتُهَا الَّذِينَ تَرْجِعُ إلَيْهِمْ وَتَحْتَمِي بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيتُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَا الْمَبْتُوتَةُ إلَّا فِي بَيْتِهَا) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَبِيتُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَا الْمَبْتُوتَةُ إلَّا فِي بَيْتِهَا يُرِيدُ الْبَيْتَ تَسْكُنُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ تَسْكُنُهُ قَبْلَ وَفَاةِ زَوْجِهَا، فَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا وَاحِدًا فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي حُجْرَتِهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ وَكَانَتْ تَسْكُنُ بَيْتًا مِنْهَا وَفِيهِ مَتَاعُهَا قَالَ مَالِكٌ لَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا وَأُسْطُوَانِهَا وَبُيُوتِهَا، لَهَا أَنْ تَبِيتَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَمْ تَنْوِ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَبِيتُ إلَّا فِي الَّذِي كَانَ فِيهِ مَتَاعُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَسْكَنِ الَّذِي هِيَ فِيهِ مِنْ

[عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها]

عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ إنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ رِجَالٍ هَلَكُوا فَزَوَّجُوهُنَّ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سُبْحَانَ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] مَا هُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ. مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ. مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحُجْرَتِهَا وَأُسْطُوَانِهَا، وَبَيْتُهَا سَكَنٌ لَهَا فَلَهَا أَنْ تَبِيتَ حَيْثُ شَاءَتْ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَقْصُورَةٍ مِنْ الدَّارِ وَفِي الدَّارِ مَقَاصِيرُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَبِيتَ إلَّا فِي حُجْرَتِهَا الَّتِي فِي يَدِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُكْنَى بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَقَاصِيرِ بَلْ كَانَتْ مَسَاكِنَ لِغَيْرِهَا فَلَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِيهِ كَسَائِرِ الدُّورِ. [عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَسَخَ نِكَاحَ أُمِّ وَلَدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَعَلَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذَ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَرَوَى ذَلِكَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ قَبِيصَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] مَا هُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى مَنْ يُوجِبُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِعُمُومِهَا فَيَصِحُّ مِنْ الْقَاسِمِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولَ إنَّ اسْمَ الْأَزْوَاجِ لَا يَتَنَاوَلُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الزَّوْجَاتِ دُونَ مَنْ يُسْتَبَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا قَالَهُ الْقَاسِمُ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ هَذَا الْحُكْمُ لَهُنَّ مِنْ غَيْرِ الْآيَةِ بِقِيَاسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَدِلَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ يَتَعَلَّقُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِنْ الْآيَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ، وَقَالَ طَاوُسٌ وَقَتَادَةُ عِدَّتُهَا نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ أَمَةٌ مَوْطُوءَةٌ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ أَصْلُ ذَلِكَ الْأَمَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ هِيَ عِدَّةٌ أَوْ اسْتِبْرَاءٌ مَحْضٌ؟ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ الْحَيْضَةَ اسْتِبْرَاءٌ وَلَيْسَتْ بِعِدَّةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَعِدَّتُهَا حَيْضَةٌ كَعِدَّةِ الْحَرَائِرِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ أَمَةٌ مَوْطُوءَةٌ بِمِلْكِ يَمِينٍ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا عِدَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الِاسْتِبْرَاءُ كَالْأَمَةِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ مِنْ سَيِّدِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فِي حَيْضَتِهَا لَمْ تُجْزِهَا تِلْكَ حَتَّى تَحِيضَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَهَا سَيِّدُهَا فِي أَوَّلِ دَمِهَا أَجْزَأَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْخُرُوجُ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ، وَهَذَا حُكْمُ الْعِدَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ لَهَا حُكْمُ الْفِرَاشِ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ زَوَّجَهَا فَتُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا غَائِبٌ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ عِدَّتِهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهُ مِنْ سَيِّدِهَا لَحِقَ بِهِ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ وَطْأَهَا؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَلَوْ اسْتَبْرَأَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَكَانَهَا، وَلَوْ اسْتَبْرَأَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَمَّا ثَبَتَ لَهَا أَصْلٌ لَازِمٌ فِي الْحُرِّيَّةِ بِالشَّرْعِ كَانَتْ كَالْحُرَّةِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِأَنْوَاعِ الْفُرْقَةِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَإِنْ كَانَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً لِنَقْصِ حُرْمَةِ الْأَمَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ حَالَ الرِّقِّ اسْتِبْرَاءً مِنْ وَطْءٍ بِوَطْءِ يَمِينٍ

[عدة الأمة إذا توفي زوجها أو سيدها]

عِدَّةُ الْأَمَةِ إذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ عِدَّةُ الْأَمَةِ إذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلُ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ طَلَاقًا لَمْ يَبُتَّهَا فِيهِ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ الرَّجْعَةُ، ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ وَأَنَّهَا إنْ عَتَقَتْ وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، ثُمَّ لَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى يَمُوتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَذَلِكَ أَنَّهَا إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بَعْدَ مَا عَتَقَتْ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت الْمَسْجِدَ فَرَأَيْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَجَلَسْت إلَيْهِ فَسَأَلْته عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ حَيْضَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً مَحْضًا، وَقَدْ يَكُون عِدَّةً كَالثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَيَكُونُ اسْتِبْرَاءً وَيَكُونُ عِدَّةً فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا عِدَّةٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ أَنْ تُوَاعِدَ أَحَدًا يَنْكِحُهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا فَأَثْبَتَ لِمُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا حُكْمَ الْعِدَّةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهَا الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا فِي الْعِتْقِ وَالْوَفَاةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ فَكَانَ عِدَّةً تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْعِدَّةِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ سَبَبُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ فَكَانَ اسْتِبْرَاءً كَاسْتِبْرَائِهَا لِلْبَيْعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ غَابَ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا غِيبَةً طَوِيلَةً فَتُوُفِّيَ بَعْدَمَا حَاضَتْ فِي غِيبَتِهِ لَمْ يُجْزِهَا ذَلِكَ حَتَّى تَعْتَدَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلَمْ يَطَأْهَا سَيِّدُهَا حَتَّى تُوُفِّيَ فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [عِدَّةُ الْأَمَةِ إذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا] (ش) : قَوْلُهُمْ عِدَّةُ الْأَمَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ أَنَّهُ قَالَ عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ الْإِجْمَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا تِلْكَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَكَانَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَزِمَهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِمَوْتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ فَكَانَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الزَّوْجَاتِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ يُرِيدُ أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ لَبَانَتْ بِذَلِكَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الزَّوْجَاتِ وَلَا انْتَقَلَتْ إلَى عِدَّةِ وَفَاةٍ فَإِذَا لَمْ تَخْتَرْ فِرَاقَهُ بَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الرَّجْعَةِ فَكَانَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ يَلْزَمُهَا بِمَوْتِهِ الِانْتِقَالُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِذَا تُوُفِّيَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَلَوْ تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ أَمَةٌ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا عِدَّةُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَلَا يَنْقُلُهَا عَنْ حُكْمِ الْإِمَاءِ مَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في العزل]

وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ] (ش) : سُؤَالُ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْعَزْلِ وَإِخْبَارُهُ لَهُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا سُئِلُوا عَنْهُ مِمَّا عِنْدَهُمْ فِيهِ نَصٌّ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْزَعُونَ إلَى غَيْرِ النُّصُوصِ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ عَدَمِ النُّصُوصِ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ النُّصُوصِ فَكَانُوا لَا يَتَعَقَّلُونَ بِغَيْرِهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ السَّائِلُ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ يُرْجَى أَنْ يَفْهَمَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْقُلَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَغَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَنُو الْمُصْطَلِقِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْعَرَبِ يَدِينُونَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ أَوْ النَّصَارَى فَذَلِكَ جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَدِينُ بِدِينِ الْعَرَبِ فَاسْتَبَاحَ الْمُسْلِمُونَ وَطْءَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ وَامْتَنَعُوا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي يَتَرَقَّبُهُ مَنْ لَمْ يَعْزِلْ يَمْنَعُ الْفِدَاءَ وَهُوَ الْبَيْعَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْفِدَاءَ بِالرَّدِّ إلَى الْأَهْلِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُنَّ قَدْ أَسْلَمْنَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ لَمْ تَكُنْ تُرِيدُ أَنْ تُرَدَّ إلَى الْكُفَّارِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَعْذِيبِ مَنْ أَسْلَمَ وَالْإِضْرَارِ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْفِدَاءُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْفِدَاءَ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْفِدَاءَ الَّذِي يَمْنَعُ الرَّدَّ إلَى الْأَهْلِ فِي غَيْرِ الْمُسْلِمَةِ وَلَا يَمْنَعُهُ فِي الْمُسْلِمَةِ إذَا أُخْرِجَتْ إلَى حُرِّيَّةٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ إلَى الِاسْتِرْقَاقِ وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَمْلٌ عَنْ مِلْكِ يَمِينٍ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ بَيْعَ الْحَائِلِ أَصْلُ ذَلِكَ حَالُ الْحَمْلِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى أَبِيهِ بِنَفْسِ حُدُوثِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْإِمَاءِ فَسَرَى إلَيْهَا حُكْمُ الْعِتْقِ وَلَمْ يَتَعَجَّلْ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَهُ مِنْهَا غَايَتُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ) . (ش) : مَا رَوَى عَنْ سَعْدِ وَأَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْزِلَانِ وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى إبَاحَتِهِ وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ إلَى كَرَاهِيَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهِ حَالَاتُ الْخَلْقِ السَّبْعَةِ فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْت يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ تُصَوَّرُ، ثُمَّ تُسْتَهَلُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا» مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ، وَالنَّدْبُ إلَى تَرْكِ ذَلِكَ دُونَ الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْعَزْلَ جَائِزٌ عَلَى شُرُوطٍ سَنَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» نَدْبٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى نِهَايَةِ التَّوَكُّلِ وَإِشَارَةٌ إلَى فَضِيلَةِ مَنْ عَوَّلَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَهُ ابْنُ فَهْدٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إنَّ عِنْدِي جَوَارِي لِي لَيْسَ نِسَائِي اللَّاتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي أَفَأَعْزِلُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ قَالَ فَقُلْت يَغْفِرُ اللَّهُ لَك إنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَك لِنَتَعَلَّمَ مِنْك قَالَ أَفْتِهِ قَالَ فَقُلْت هُوَ حَرْثُك إنْ شِئْت سَقَيْته وَإِنْ شِئْت أَعْطَشْته قَالَ وَكُنْت أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَعْزِلُ الرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَمَنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ فَلَا يَعْزِلْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) . مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَحَتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . قَالَتْ زَيْنَبُ ثُمَّ دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ إنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَأَبَاحَ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِرْقَاءَ وَالِاكْتِوَاءَ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِنِهَايَةِ التَّوَكُّلِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَجَاءَهُ ابْنُ فَهْدٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إنَّ عِنْدِي جَوَارِي لِي لَيْسَ نِسَائِي اللَّاتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهُنَّ وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي أَفَأَعْزِلُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ قَالَ فَقُلْت يَغْفِرُ اللَّهُ لَك إنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَك لِنَتَعَلَّمَ مِنْك قَالَ أَفْتِهِ قَالَ فَقُلْت هُوَ حَرْثُك إنْ شِئْت سَقَيْته وَإِنْ شِئْت أَعْطَشْته قَالَ وَكُنْت أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ زَيْدٌ صَدَقَ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ جَوَارِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ وَتَصْدِيقُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْحَجَّاجَ حِينَ قَالَ لَهُ هُوَ حَرْثُك إنْ شِئْت سَقَيْته وَإِنْ شِئْت أَعْطَشْته عَلَى مَعْنَى إبَاحَةِ ذَلِكَ وَتَخْيِيرِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ زَيْدٌ الْحَجَّاجَ أَنْ يُفْتِيَهُ عَلَى مَعْنَى التَّدْرِيبِ لَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا عَلِمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ لِيُنَشِّطَهُ بِذَلِكَ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَزْلِ فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ أَخْبِرِيهِمْ فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَتْ فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْجَارِيَةِ أَنْ تُخْبِرَهُمْ عَنْ الْعَزْلِ عَلَى مَعْنَى الْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ تِلْكَ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يَكْرَهْ أَنْ يُسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ، فَلَمَّا اسْتَحْيَتْ أَعْلَمهُمْ أَنَّ سُكُوتَهَا إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ الْحَيَاءِ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَجَاوَزَ حَدَّ الْإِبَاحَةِ لَهُ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَعْزِلُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ لِلْحُرَّةِ حَقًّا فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَطَلَبِ النَّسْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ إكْمَالِهِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا كَمَا لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ وَطِئَهَا وَمَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةَ قَوْمٍ فَإِنَّ حَقَّ سَادَاتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَقِيقًا لَهُمْ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ إلَّا بِإِذْنِهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ لِلْأَمَةِ فِيهِ حَقًّا قَدْ ثَبَتَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ فَلِلزَّوْجَةِ فِيهِ حَقٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في الإحداد]

حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ بِهِ، ثُمَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحَلُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدٍ بْنُ نَافِعٍ فَقُلْت لِزَيْنَبِ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْحِفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ وَتَفْتَضُّ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كَالنَّشْرَةِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْإِحْدَادِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ وَالْوَعِيدِ لِمَنْ خَالَفَهُ بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا لَا يَتْرُكُهُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَعَلُّقِ حُكْمِ الْإِحْدَادِ بِالْكِتَابِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ أَنَّ عَلَيْهَا الْإِحْدَادَ كَالْمُسْلِمَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِحْدَادَ عِبَادَةٌ وَالْكِتَابِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِدَّةِ فَلَزِمَتْ الْكِتَابِيَّةَ لِلْمُسْلِمِ كَلُزُومِ الْمَسْكَنِ وَالْعِدَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ بَعْدَ بِنَائِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ نِكَاحَهُمَا فَاسِدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَلَا عِدَّةَ وَتَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثِ حَيْضٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ مِنْ وَفَاةٍ فَلَمْ يَلْزَمْهَا إحْدَادٌ كَالْمُطَلَّقَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَهَذَا عِنْدِي فِي الَّتِي يُفْسَخُ نِكَاحُهَا وَلَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ تَوَارُثٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَمَّا الَّتِي يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا أَحْكَامُ التَّوَارُثِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَيَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ الْإِحْدَادُ تَرْكُ الزِّينَةِ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالْحُلِيِّ وَالْكُحْلِ يُقَالُ حَدَّتْ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَادٌّ وَأَحَدَّتْ فَهِيَ مُحِدَّةٌ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَعْرِفْ الْأَصْمَعِيُّ حَدَّتْ فَأَعْلَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ تَسْتَدِيمَ إحْدَاهُنَّ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمَيِّتِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الثَّلَاثِ لِكَوْنِهَا فِي جُمْلَةِ مَا يَقْصُرُ مِنْ الْمُدَدِ الَّتِي رُبَّمَا تَرَكَ الزِّينَةَ إلَيْهَا مَنْ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ وَرُبَّمَا شَقَّ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ التَّطَيُّبُ وَالْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ الْإِحْدَادِ مَعَ فَجْأَةِ أَوَّلِ أَمْرِ الْحُزْنِ وَالْمُصِيبَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى الْإِيجَابِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا عَلَى مَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَاسْتَثْنَى مِنْ التَّحْرِيمِ الْإِيجَابَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ عَلَى بَابِهَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إنَّهَا تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا إحْدَادَ عَلَى أَمَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ عَلَى زَوْجٍ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ كَالْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِمَوَالِي الْأَمَةِ مَنْعُهَا مِنْ الْإِحْدَادِ وَالْمَبِيتِ فِي مَوْضِعِ عِدَّتِهَا وَتَخْرُجُ بِالنَّهَارِ فِي حَوَائِجِهِمْ وَإِنْ أَرَادُوا بَيْعَهَا لَمْ يُلْبِسُوهَا وَلَا يَصْنَعُوا بِهَا مَا لَا يَجُوزُ لِلْحَادِّ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْعُهَا مِنْهُ كَمِلْكِ الزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذَا الْحُكْمِ بِالْوَفَاةِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا إحْدَادَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ فَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا كَالرَّجْعِيَّةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُتَوَفَّى فَارَقَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ عَلَى نِهَايَةِ الْإِشْفَاقِ عَلَيْهَا وَالرَّغْبَةِ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ الْمُفَارَقَةُ مِنْ قِبَلِهِ فَلَزِمَهَا لِذَلِكَ الْإِحْدَادُ وَإِظْهَارُ الْحُزْنِ وَالْمُطَلَّقَةُ فَارَقَهَا مُخْتَارًا لِفِرَاقِهَا مُقَابِحًا لَهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ الْإِحْدَادِ كَالْمُلَاعَنَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ إنَّ ابْنَتِي اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحَلُهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا، وَقَدْ بَرِئَتْ أَفَتَتَمَادَى عَلَى الِاكْتِحَالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا وَهِيَ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا اسْتَأْذَنَتْ فِي كُحْلٍ زِينَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ فِيمَا تُدَاوِي بِهِ الْعَيْنَ مِمَّا لَا زِينَةَ فِيهِ مِمَّا يُجْعَلُ خَارِجَ الْعَيْنِ أَوْ يُقَطَّرُ فِيهِ فَلَا تَكُونُ فِيهِ زِينَةٌ فَمَنَعَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى أَنَّهَا سَالِمَةٌ عَمَّا لَا ضَرُورَةَ بِهَا إلَيْهِ، وَوَجَدْتُ لِمَالِكٍ - وَلَمْ أَتَحَقَّقْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا تَكْتَحِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْإِثْمِدِ وَلَا بِشَيْءٍ فِيهِ سَوَادٌ وَلَا بِصُفْرَةٍ أَوْ شَيْءٍ يُغَيِّرُ الْأَلْوَانَ وَلَا تَكْتَحِلُ بِإِثْمِدٍ فِيهِ طِيبٌ وَلَا مِسْكٌ وَإِنْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا وَإِنْ صَحَّتْ عَنْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَمَعْنَاهَا أَنْ لَا تَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَقَدْ أَشَارَ فِي الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهَا تَكْتَحِلُ بِمَا فِيهِ صَبْرٌ إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَهِمَ مِنْهُ خِفَّةَ الْمَرَضِ وَيَسَارَةَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَتَوَقُّفُهُ مِنْ غَيْرِ كُحْلٍ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجَلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ، وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ إذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ بِهَا أَوْ شَكْوَى أَصَابَتْهَا أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ بِكُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ اكْتَحَلَتْ مِنْ عِلَّةٍ وَضَرُورَةٍ بِالصَّبْرِ بِاللَّيْلِ فَلْتَمْسَحْهُ بِالنَّهَارِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الصَّغِيرِ لَا تَكْتَحِلُ الْحَادُّ إلَّا أَنْ تُضْطَرَّ فَتَكْتَحِلَ بِاللَّيْلِ وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ طِيبٍ يَكُونُ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا أَنَّهَا لَمْ تُضْطَرَّ إلَى الطِّيبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ بِمُدَّةِ الْإِحْدَادِ الْوَاجِبِ عَلَى زَوْجَةِ الْمُتَوَفَّى، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، فَإِنْ ارْتَابَتْ هَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِحْدَادَ عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَإِنْ بَلَغَتْ خَمْسَ سِنِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجَلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَ يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ بِهَا أَوْ شَكْوَى أَصَابَهَا أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ بِكُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ عِيسَى بْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِبَعْرَةٍ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ فَتَرْمِي بِهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا. وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ أَمَامَهَا وَلَيْسَ وَرَاءَ ظَهْرِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَذَلِكَ أَجَلُهَا، وَقَدْ رَأَيْت لِغَيْرِهِ أَنَّهَا كَانَتْ تَتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ صَبْرَهَا مُدَّةَ الْحَوْلِ عَلَى مَا كَانَتْ فِيهِ أَهْوَنَ عَلَيْهَا مِنْ الرَّمْيِ بِهَذِهِ الْبَعْرَةِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] نَزَلَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] تَقْدِيرُهُ عَلَى مَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ يَتَرَبَّصْنَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. (فَصْلٌ) : وَمَا ذَكَرَتْهُ زَيْنَبُ مِنْ حُكْمِ الْحَوْلِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْكُنُ الْحَفْشَ وَتَلْبَسُ شَرَّ ثِيَابِهَا هُوَ مَعْنَى الْإِحْدَادِ فَذَكَّرَهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لَيْسَ مِمَّا كُنَّ يَلْتَزِمْنَهُ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ نَبَّهَهُنَّ عَلَى ذَلِكَ تَرْغِيبًا لَهُنَّ فِي الْتِزَامِ مَا أَمَرَهُنَّ اللَّهُ بِهِ وَخَفَّفَ عَنْهُنَّ فِيهِ مِنْ الْإِحْدَادِ وَلَا يَتَسَرَّعْنَ إلَى الْمَمْنُوعِ مِنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَجَبَ وَلَا يَسْتَثْقِلْنَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ الْحَفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْحَفْشُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحَفْشُ الدَّرَجُ وَجَمْعُهُ أَحْفَاشٌ وَلَعَلَّهُ شَبَّهَ الْبَيْتَ الصَّغِيرَ بِهِ وَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَتَفْتَضُّ بِهِ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ تَتَمَسَّحُ بِهِ كَالنَّشْرَةِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ تَفْتَضُّ تَمْسَحُ بِيَدِهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تُنَظِّفُ بِهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْفِضَّةِ وَيَبْعُدُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى بِهِ هَذَا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى بِهِ مَا وَصَفَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى إنَّ مَعْنَى تَفْتَضُّ بِهِ تَتَمَسَّحُ بِهِ لَعَلَّهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ تُقِيمُ حَوْلًا لَا تَغْتَسِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا فَيَكْثُرُ عَلَيْهَا الْوَسَخُ وَتَشْتَدُّ رَائِحَةُ الْعَرَقِ فَقَلَّمَا تَتَمَسَّحُ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْأَعْشَى مِثْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لِامْرَأَةٍ حَادٍّ عَلَى زَوْجِهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجَلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَ يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنَّهَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ بِهَا أَوْ شَكْوَى أَصَابَهَا أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ أَوْ بِكُحْلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ الضَّرُورَةُ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ) . (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجَلَاءِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ كُحْلُ الْجَلَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ عِنْدَنَا الْإِثْمِدُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ فَيُقَوِّيهِ أَوْ يَجْلُو الْوَجْهَ فَيُحَسِّنُهُ، وَقَوْلُهَا وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ لَوْنًا ظَاهِرًا، وَلِذَلِكَ أَمَرَتْهَا بِمَسْحِهِ بِالنَّهَارِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا لَمْ تَدْعُ إلَى إيقَاعِهِ بِالنَّهَارِ ضَرُورَةٌ مِنْ شِدَّةِ مَرَضٍ وَمَخَافَةٍ عَلَى الْبَصَرِ وَبِذَلِكَ قَالَ سَالِمٌ وَسُلَيْمَانُ إنَّهَا إذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَلَمْ يَخُصَّا كُحْلًا مِنْ كُحْلٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَرَضِ وَمَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَإِبَاحَةُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكُحْلِ وَالدَّوَاءِ طِيبٌ وَأَشَارَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ مَا أَبَاحَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَضَانِ) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا أَخَذَتْ بِالشِّدَّةِ فِي نَفْسِهَا فَصَبَرَتْ عَلَى مَا أَصَابَهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ رَمَدٍ فِي عَيْنَيْهَا وَلَمْ تُكَحِّلْهُمَا وَأَشْفَقَتْ مِنْ مُعَالَجَتِهِمَا بِذَلِكَ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَضَانِ وَالرَّمَضُ قَذًى أَبْيَضُ تَلْفِظُهُ الْعَيْنُ يُقَالُ عَيْنٌ رَمْضَاءُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ تَدْهُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَلْبَسُ الْحَادُّ عَلَى زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ الْحُلِيِّ خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحُلِيِّ وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ الْعَصَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَصَبًا غَلِيظًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنْ الصِّبْغِ إلَّا بِالسَّوَادِ وَلَا تَمْتَشِطُ إلَّا بِالسِّدْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَكْوَى عَيْنَيْهَا كَانَ أَمْرًا خَفِيفًا؛ لِأَنَّ الرَّمَضَ يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ مِنْ أَيْسَرِ شَكْوَى وَهُوَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَا أَصَابَهَا كَادَ يُبَلِّغُهَا ذَلِكَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ رَمِضَتْ الْعَيْنُ تَرْمَض إذَا أَضَرَّ بِهَا الْقَذْي، وَهَذَا أَشْبَهُ بِنَسَقِ الْحَدِيثِ وَظَاهِرِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَادَ أَنْ يَبْلُغَ بِمَا أَصَابَهَا مِنْ شَكْوَى عَيْنَيْهَا مَعَ إمْسَاكِهَا عَنْ الْكُحْلِ إلَى أَنْ يَضُرَّ بِهَا الرَّمَضُ وَالضَّرَرُ وَاقِعٌ عَلَى مَقَادِيرَ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَايِنَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إلَّا إنْ كَانَ يَضُرُّ بِهَا الرَّمَضُ ضَرَرًا يَشْتَدُّ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ هُوَ رَمَضَانُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّمْضَاءِ وَهُوَ اشْتِدَادُ الْحَرِّ عَلَى الْحِجَارَةِ حَتَّى تُحْمَى فَتَقُولُ هَاجَ بِعَيْنِهَا مِنْ الْحَرِّ مِثْلُ ذَلِكَ فَشَبَّهَ الْحَرَّ الَّذِي يَظْهَرُ بِالْعَيْنِ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَدْهُنُ رَأْسَهَا وَشَعْرَهَا بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَقِ وَهُوَ زَيْتُ السِّمْسِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَدْهُنُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ طِيبٌ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَدْهُنُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْهَانِ الْمُزَيِّنَةِ وَلَا تَمْتَشِطُ بِالْحِنَّاءِ وَلَا بِالْكَتَمِ وَلَا بِشَيْءٍ يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَمْتَشِطَ بِالسِّدْرِ وَشَبَهِهِ مِمَّا لَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا تَكُونُ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ لَا تَمْتَشِطُ بِهِ الْحَادُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ كَالْبَانِ وَالْخَيْرِيِّ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ اجْتِنَابِ الطِّيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا تَحْضُرُ عَمَلَ الطِّيبِ وَلَا تَتَبَخَّرُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ غَيْرُهُ حَتَّى تَحِلَّ. (فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ مَشَطَتْ رَأْسَهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا تَنْفُضُ مِشْطَتَهَا أَرَأَيْت لَوْ اخْتَضَبَتْ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّقَلِّيِّينَ إذَا لَزِمَتْ الْمَرْأَةَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعَلَيْهَا طِيبٌ فَلَيْسَ عَلَيْهَا غَسْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ يُحْرِمُ وَعَلَيْهِ طِيبٌ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الْكُحْلَ وَالْحِنَّاءَ مِمَّا تَجْتَنِبُهُ الْحَادُّ وَلَا تَسْتَعْمِلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. (ش) : قَوْلُهُ لَا تَلْبَسُ الْحَادُّ شَيْئًا مِنْ الْحُلِيِّ خَاتَمًا وَلَا خَلْخَالًا وَلَا غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلَتْ عِيسَى فَقُلْت لَهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ قَالَ نَعَمْ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا وَإِنْ كَانَ حَرِيرًا وَلَا خَرْصًا فِضَّةً وَلَا غَيْرَهُ وَفِي الْجُمْلَةِ إنَّ كُلَّ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى وَجْهِ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِ الْحُلِيُّ مِنْ التَّجَمُّلِ فَلَا تَلْبَسُهُ الْحَادُّ وَلَعَلَّ عِيسَى إنَّمَا قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْرُوفَ بِبَلَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ حُلِيُّ الْحَرِيرِ وَلَمْ يُتَّخَذْ بِهَا وَلَمْ يَنُصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْجَوْهَرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَالزُّمُرُّدِ وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحُلِيِّ فَكُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجَمِيعُ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا مِنْ الْعَصَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَصَبًا غَلِيظًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ رَقِيقَهُ بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَلَمْ يُرَ غَلِيظُهُ بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ تَلْبَسُ الْحَادُّ الْوَشْيَ وَالْغَلِيظَ وَحُلَّةً يَمَانِيَّةً غَلِيظَةً، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ مِنْ الْعَصَبِ وَثِيَابِ الْيَمَنِ الْحُلَلَ وَالْبُرُودَ؛ لِأَنَّهَا زِينَةٌ وَتَلْبَسُ الْحَادُّ مِنْ الْمَرْوِيِّ وَالشَّطَوِيِّ وَالْقَصَبِيِّ والإسكندراني رَقِيقِهِ وَغَلِيظِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَلْبَسُ الْحَادُّ مِنْ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ الدُّكْنَ وَالْخُضْرَ وَالصُّفْرَ وَالْمُصَبَّغَاتِ بِغَيْرِ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْمُعَصْفَرَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا تَلْبَسُ الْأَحْمَرَ وَلَا الْأَصْفَرَ وَلَا الْأَخْضَرَ وَلَا الْخَلُوقِيَّ قَالَ مَالِكٌ صُوفًا كَانَ أَوْ كَتَّانًا أَوْ قُطْنًا وَلَا تَلْبَسُ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا عُصْفُرٍ وَلَا خُضْرَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَيْسَ لَهَا لُبْسُ الْأَسْوَدِ إنْ كَانَ حَرِيرًا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَلْبَسُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا صَبْرًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْإِحْدَادُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ كَهَيْئَتِهِ عَلَى الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ تَجْتَنِبُ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ إذَا هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إحْدَادٌ إذَا هَلَكَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَلَا عَلَى أَمَةٍ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا إحْدَادٌ، وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عَلَى ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَقُولُ تَجْمَعُ الْحَادُّ رَأْسَهَا بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبْيَضَ الْحَرِيرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَتَلْبَسُ مِنْ ذَلِكَ الْأَسْوَدَ وَالْأَبْيَضَ وَالسَّابِرِيَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْأَسْوَدِ مَا يُسَمَّى عِنْدَنَا غَرَابِيًّا، وَأَمَّا مَا يُصْبَغُ بِالسَّمَائِيِّ فَإِنَّهُ جَمِيلٌ وَمِمَّا يُتَجَمَّلُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَلْوَانِ يَتَزَيَّنُ بِهِ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ فَلْتُمْنَعْ مِنْهُ الْحَادُّ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنَيْهَا صَبْرًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الصَّبْغُ الَّذِي يُضَارِعُ مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ، وَالثَّانِي الْإِلْبَاسُ عَلَى النَّاسِ فَالْجَاهِلُ يُقَلِّدُ فِيهِ وَالْعَالِمُ يُنْكِرُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالْمُخْتَصَرِ الصَّغِيرِ لَا تَكْتَحِلُ الْحَادُّ إلَّا أَنْ تُضْطَرَّ، فَتَكْتَحِلَ بِاللَّيْلِ وَتَمْسَحَهُ بِالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ طِيبٍ يَكُونُ فِيهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَمَا يَبْلُغُ مِنْ الْأَلَمِ وَيَبْقَى مِنْهُ عَنْ الشِّدَّةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْإِحْدَادَ يَلْزَمُ الْحُرَّةَ الصَّغِيرَةَ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْزَمُ الْكَبِيرَةَ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهُ عَنْ ابْنَةٍ لَهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتَكْحَلُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ سِنِّهَا اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ بِالْوَفَاةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ كَالْكَبِيرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَتَلْتَزِمُ مَا حُدَّ لَهَا أُمِرَتْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدْرِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تُحِدُّ لِصِغَرِهَا فَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى يُجَنَّبُهَا أَهْلُهَا مَا تَجْتَنِبُهُ الْكَبِيرَةُ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِمَوَالِي الْأَمَةِ مَنْعُهَا مِنْ الْإِحْدَادِ وَالْمَبِيتِ فِي مَوْضِعِ عِدَّتِهَا. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ تُحِدُّ الْأَمَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ مِثْلَ عِدَّتِهَا) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْأَمَةَ تُحِدُّ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ كَالْحُرَّةِ وَمُدَّةُ الْإِحْدَادِ مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِدَادِهَا بِالْأَقْرَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ مِنْ زَوْجِهَا لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ فَعَلَى الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَعَلَى مَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا الْأَمَةِ إحْدَادٌ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَهَذَا لَهُ حُكْمُ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ حُكْمُ الْعِدَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهَا تَجْمَعُ رَأْسَهَا بِالسِّدْرِ وَالزَّيْتِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ نِسَاءُ الْمَشْرِقِ مِنْ أَنْ تَجْمَعَ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَيْءٍ يَحْفَظُهُ لَهَا مِنْ رَيْحَانٍ أَوْ سِدْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ فِي حَالِ إحْدَادٍ لَمْ تَجْمَعْ إلَّا بِمَا لَيْسَ فِيهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالسِّدْرِ وَيَكُونُ مَا تَجْمَعُهُ بِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَهُوَ الشَّيْرَقُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَمَّ كِتَابُ الطَّلَاقِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ عَوْنِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[كتاب الرضاع]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الرَّضَاعِ) (رَضَاعُ الصَّغِيرِ) (ص) : مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَهَا وَإِنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا جَاءَ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَاهُ فُلَانًا لِعَمٍّ لِحَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ» مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَ عَمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ عَمُّك فَائْذَنِي لَهُ قَالَتْ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ فَقَالَ إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك قَالَتْ عَائِشَةُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ» ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الرَّضَاعِ] [رَضَاعُ الصَّغِيرِ] (ش) : قَوْلُهَا لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ مَعَ مُشَاهَدَةِ مَا أَبَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دُخُولِ عَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعِ عَلَيْهَا مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْحُكْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْإِنْسَانِ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ مَعْنًى يُعْتَبَرُ يَقْتَرِنُ بِكَوْنِهِ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ عَلِمَتْ عُمُومَ الْحُكْمِ وَاخْتِصَاصَهُ بِمَعْنَى الرَّضَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إنَّ عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا فَأَبَتْ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ حَتَّى تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ حَدِيثُ عَمْرَةَ هُوَ الْأَوَّلَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَمُّ الَّذِي سَأَلَتْ عَنْهُ وَأَخْبَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا دَخَلَ عَلَيْهَا أَوْكَدُ سَبَبًا مِنْ هَذَا الْعَمِّ الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ أَخًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ لِأَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَيَكُونَ الثَّانِي الَّذِي جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا أَخًا لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَتَوَقَّعَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْعَمِّ الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونَ هَذَا الْعَمُّ أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيهِ وَزَوْجُهَا حَيٌّ وَالْعَمُّ الثَّانِي أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ أَخِيهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ فَتَوَقَّعَتْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ هُمَا عَمَّانِ أَحَدُهُمَا أَخُو أَبِيهَا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالْعَمُّ الثَّانِي الَّذِي فِي حَدِيثِ هِشَامٍ هُوَ أَخُو أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بِمَعْنَى أَنَّ أَبَاهَا أَرْضَعَ امْرَأَةً بِلَبَنِ ذَلِكَ الْفَحْلِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ هِيَ امْرَأَةُ أَخِي الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عُرْوَةَ هُوَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهَا أَيْضًا إنَّمَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَمُّ حَفْصَةَ عَلَيْهَا لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الرُّتْبَةُ مِنْ الْعُمُومَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ عَمًّا لِحَفْصَةَ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ أَخًا لِأَبِيهَا عَمًّا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَلَمَّا رَأَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ سَأَلَتْهُ عَنْ عَمٍّ كَانَ لَهَا فِي مِثْلِ دَرَجَتِهِ وَقَعَدِهِ فَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَدَخَلَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ السَّبَبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَرْضِعْنِي الرَّجُلُ عَلَى مَعْنَى التَّثَبُّتِ وَابَدَاءِ كُلِّ شُبْهَةٍ فِي النَّفْسِ يَعْرِضُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَعْلَمَتْهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ لِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ لَمَّا كَانَ التَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقًا بِالرَّضَاعِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، فَلَمَّا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك تَحَقَّقَتْ أَنَّ مَا اعْتَرَضَ فِي نَفْسِهَا مِنْ الشُّبْهَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ يَتَعَلَّقُ بِجَنْبَةِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِجَنْبَةِ الْمُرْضِعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ تُرِيدُ أَنَّ إبَاحَةَ دُخُولِ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَلَيْهَا كَانَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ الْحِجَابُ وَمُنِعَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ إلَّا ذُو مَحْرَمٍ، وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَلَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَجَانِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِسَبَبِ الرَّضَاعَةِ فَكَمَا أَنَّ الْوِلَادَةَ تُحَرِّمُ الْأَعْمَامَ وَالْإِخْوَةَ وَالْأَجْدَادَ فَكَذَلِكَ سَبَبُ الرَّضَاعِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ اللَّبَنُ بِالْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ كَاللَّبَنِ يُوجَدُ بِالْبِكْرِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ وِلَادَةٍ وَلَكِنْ يُحْمَلُ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ سَبَبِهِ أَوْ خُصُوصِهِ، وَقَدْ وُجِدَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ بِغَيْرِ أَبٍ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِجَنْبَةِ الْأَبِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ بِجَنْبَةِ الْأُمِّ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْفَحْلِ تَأْثِيرًا فِي اللَّبَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّأْثِيرَ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ وِلَادَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَاءُ يَعْمَلُ اللَّبَنَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَهِيَ تُرْضِعُ وَإِذَا كَانَ لِلْوَطْءِ تَأْثِيرٌ فِي اللَّبَنِ وَإِدْرَارٌ لَهُ دُونَ وِلَادَةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي التَّحْرِيمِ تَأْثِيرٌ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْهُ وِلَادَةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ رَجُلٍ فَأَرْضَعَتْ الْمَوْلُودَ وَفَطَمَتْهُ، ثُمَّ أَرْضَعَتْ بَعْدَ الْفِصَالِ بِذَلِكَ اللَّبَنِ طِفْلًا آخَرَ لَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَبًا لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ اللَّبَنِ مِنْ وَطْئِهِ فَجَمِيعُهُ مُضَافٌ إلَيْهِ حَتَّى يَقْطَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَطْءٌ لِغَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَهِيَ تُرْضِعُ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْضَعَتْ طِفْلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ اللَّبَنُ لَهُمَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لَبَنُ الْأَوَّلِ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْشُرَ الْحُرْمَةَ فِي جَنْبَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْوَطْءُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ عَنْ وَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ فَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ كَمَا لَوْ حَدَثَ عَنْ وَطْءٍ حَلَالٍ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ كُلُّ وَطْءٍ لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْفَحْلِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ يَحْرُمَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ حُرْمَةٌ حِينَ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ وَطْءُ زِنًى فَلَمْ تَتَعَدَّ حُرْمَتُهُ إلَى جَنْبَةِ الْأَبِ كَحُرْمَةِ النَّسَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مَا يُدَرُّ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ لَبَنًا، فَإِنْ كَانَ مَاءً أَصْفَرَ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَحْرُمُ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ مُخْتَصٌّ بِاللَّبَنِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ دُونَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ بِغَيْرِ وَطْءٍ كَالْبِكْرِ يَمُصُّ ثَدْيَهَا الصَّبِيُّ فَتُدِرُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِهَا دُونَ سَبَبِ أَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ فِي الرَّضَاعِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْن الرَّضَاعِ بِلَبَنِ فَحْلٍ أَوْ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ لَبَنَ حَيَّةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَبَنٌ مُؤَثِّرٌ فِي التَّحْرِيمِ وَوَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ فِي الْحَوْلَيْنِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الِاغْتِذَاءِ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْشُرَ الْحُرْمَةَ كَلَبَنِ الْحَيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا دَرَّ الرَّجُلُ عَلَى الطِّفْلِ فَأَرْضَعَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْته بِاَلَّذِي صَنَعْت فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلَامًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ فَقَالَ لَا اللِّقَاحُ وَاحِدٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَادَ رَضَاعُ النِّسَاءِ، وَهَذَا إنْ وَجَدْنَا فَنَادِرٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ فَأَشْبَهَ مَصَّ دَمِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَ الْحِجَابُ قَالَتْ فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْته بِاَلَّذِي صَنَعْت فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ» ) . (ش) : قَوْلُهَا إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَاسْمُ أَبِي الْقُعَيْسِ وَائِلُ بْنُ أَفْلَحَ وَهُوَ عَمُّ عَائِشَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَقَوْلُهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ كَانَ أَبَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْتَسِبُ أَفْلَحُ إلَى أَخِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُسِبَ إلَيْهِ لِشُهْرَتِهِ بِالْكُنْيَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ أَفْلَحُ بْنُ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ وَائِلِ بْنِ أَفْلَحَ، وَلَوْ كَانَ أَفْلَحُ أَخَا أَبِي بَكْرٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَنَسَبَتْهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا قَصَدَتْ إلَى أَنْ تُبَيِّنَ وَجْهَ عُمُومَتِهِ وَتَعَلُّقَ التَّحْرِيمِ الثَّابِتِ لَهُ بِالرَّضَاعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَى مَرَّتَيْنِ تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْتِسَابِ الَّذِي ذَكَرَتْهُ مِنْ كَوْنِهِ عَمًّا لَهَا. (ش) : قَوْلُهُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ مَصَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا تَوَالَى فِيهَا الرَّضَاعُ وَاتَّصَلَ، وَلَوْ فَطَمَتْهُ أُمُّهُ فَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ امْرَأَةٌ فِي الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ الرَّضَاعُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ يُحَرِّمُ إلَى انْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةٌ لِنِهَايَةِ الرَّضَاعِ وَإِكْمَالِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَعَلَّقَ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِطَامٌ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مَنْ يُرِيدُ إتْمَامَ الرَّضَاعَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لِلْحَوْلَيْنِ اخْتِصَاصًا بِالرَّضَاعِ فَإِذَا وُجِدَ فِيهَا مَاءٌ حَرُمَ كَمَا لَوْ اتَّصَلَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا فَصَلَ بَيْنَ الرَّضَاعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِطَامٌ كَامِلٌ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الرَّضَاعِ بِمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ فَأَمَّا فِطَامُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ الثَّانِيَ مِمَّا يُغَذِّيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ بَعْدُ عَنْ التَّغَذِّي قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : مَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ لِأَبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي دَرَّ اللَّبَنَ عَنْ وَطْئِهِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ اللِّقَاحُ وَاحِدٌ فَنَصَّ عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا لِمَنْ أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ وَلَمْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِالْحَوْلَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَرْجِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَمَا يَنْقُصُ مِنْ الشُّهُورِ إذْ لَا يَتَّفِقُ أَنْ تَكُونَ الشُّهُورُ كَامِلَةً، وَقَدْ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] ، وَرَوَى إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الشُّهُورِ وَنُقْصَانِهَا، وَنَحْوُهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضِعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْنِي غَيْرَ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ لِعَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ يَرْضَعُ فَفَعَلَتْ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَوْلَيْنِ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فَدَلَّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا لَيْسَ بِمُدَّةِ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تَمَّتْ قَبْلَهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى تَدْرِيجٍ فَكَانَ مَا قَارَبَهُمَا وَتَمَّمَ حُكْمَهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فَكَمْ قَدْرُ ذَلِكَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالثَّلَاثَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ بَعْدَهُمَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ فُطِمَ قَبْلَهَا أَوْ لَمْ يُفْطَمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَ حَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُمَا تَمَامُ الرَّضَاعِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لَهُمَا الْمُدَّةُ الْيَسِيرَةُ الَّتِي يَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا حُكْمُ الْفِطَامِ دُونَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي لَهَا حُكْمُ نَفْسِهَا فَلَا يَحْتَاجُ الْحَوْلَانِ إلَيْهَا فِي تَمَامِ حُكْمِهَا. (ش) : قَوْلُهُ أَرْسَلَتْنِي إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ خَالَةً لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَيَحْرُمُ بِذَلِكَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ بِهَذَا فَيُجْعَلَ الْمُرْضِعَةُ وَالِدَةً فَكُلُّ مَنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهَا لَوْ وَلَدَتْهُ يَجِبُ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ إذَا أَرْضَعَتْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَرْضَعَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضْتُ يُرْوَى مَرِضْتُ بِإِضَافَةِ الْمَرَضِ إلَى سَالِمٍ وَيُرْوَى مَرِضَتْ بِإِضَافَةِ الْمَرَضِ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَرَضَ سَالِمٍ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ مَنَعَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مَكَانُهُ وَيَتَعَذَّرَ تَكْرَارُهُ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ أَدْخُلْ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ رَوَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ وَلَعَلَّ مَا اعْتَقَدَتْهُ مِنْ النَّسْخِ لَمْ يَظْهَرْ إلَيْهَا إلَّا مَا أَمَرَتْ بِهِ فِي قِصَّةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ تُتِمَّ الْخَمْسَ رَضَعَاتٍ النَّاسِخَةَ عِنْدَهَا فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ تُحَرِّمُ الْقَطْرَةُ الْوَاحِدَةُ إذَا وَصَلَتْ الْجَوْفَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَرَوَى عَنْ عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ، وَرُوِيَ عَنْهَا نَسَخَتْهَا خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رَضْعَةٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» فَمَعْنَاهُ عِنْدَ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَصَّةَ وَالْمَصَّتَانِ لَا تُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا اجْتِذَابُ شَيْءٍ مِنْ اللَّبَنِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْوِلَادَةُ وَالطُّهْرُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا أَوْ بَنَاتُ أَخِيهَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا ظَاهِرُهُ خِلَافٌ لِمَا رَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الْوَهْمِ فِيمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهَا فَلَمْ تَكُنْ لِتُخَالِفَ مَا سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَأْوِيلٌ صَرَفَتْ بِهِ مَا سَمِعَتْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُتْبَةَ، ثُمَّ سَأَلْت عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا يُحَرِّمُ وَالرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ تُحَرِّمُ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الرَّضَاعَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إذَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ قَالَ فَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) . مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ تَبَنَّى سَالِمًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنُهُ أَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمئِذٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمُومِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا أَوْ بَنَاتُ أَخِيهَا فَأَيُّ وَجْهٍ وُجِدَ الرَّضَاعُ مِنْهُنَّ وَمِنْ أَيِّ زَوْجٍ كَانَ أَثْبَتَ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ فِي الدُّخُولِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا نِسَاءُ إخْوَتِهَا فَمَنْ أَرْضَعْنَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهُنَّ إخْوَتُهَا لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ سَعِيدٌ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُتْبَةَ، ثُمَّ سَأَلْت عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ وَإِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَلَ ذَلِكَ مِنْ وُجُورٍ أَوْ لُدُودٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَأْكُولًا فِي طَعَامٍ أَوْ مَشْرُوبًا فِي شَرَابٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي، وَأَمَّا السَّعُوطُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَصَلَ السَّعُوطُ إلَى جَوْفِ الصَّبِيِّ حَرَّمَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُحَرِّمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَمَّا الْحُقْنَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِيهِ غِذَاءُ الصَّبِيِّ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُحَرِّمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَبْعُدُ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعٍ يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مُزِجَ اللَّبَنُ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ فَتَنَاوَلَهُ صَبِيٌّ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهِ نَشَرَ الْحُرْمَةَ وَإِنْ غَابَتْ عَيْنُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ يُحَرِّمُ إذَا كَانَ الطَّعَامُ أَوْ الشَّرَابُ الْغَالِبَ، وَرَوَى عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَالَ يُحَرِّمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مُسْتَهْلَكًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اسْتِهْلَاكَهُ يُبْطِلُ حُكْمَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ اخْتِلَاطَ اللَّبَنِ بِغَيْرِهِ لَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يُسْتَهْلَكْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغِذَاءَ يَحْصُلُ بِهِ لِلطِّفْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ. (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا يُحَرِّمُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ مِنْ أَنَّ الْحَوْلَيْنِ مُدَّةٌ لِلرَّضَاعَةِ دُونَ مَا يُزَادُ عَلَيْهَا. وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبُو الْفَرْجِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَسَحْنُونٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحَوْلَيْنِ وَمَا فِي حُكْمِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ حُكْمُهُمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا.

[ما جاء في الرضاعة بعد الكبر]

الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] رُدَّ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ إلَى أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ رُدَّ إلَى مَوْلَاهُ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا» فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ لَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ سَالِمٍ وَحْدَهُ لَا وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ فَعَلَى هَذَا كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ وَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا فَقَالَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ] (ش) : جَوَابُ ابْنِ شِهَابٍ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْخِلَافِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَجُّحِهِ فِي الْأَمْرِ وَتَوَقِّيهِ فِيهِ وَقَوْلُهَا وَأَنَا فَضْلٌ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لَا إزَارَ تَحْتَهُ وَقِيلَ عَنْ الْخَلِيلِ يُقَالُ رَجُلٌ مُتَفَضِّلٌ وَفَضْلٌ وَهُوَ الْمُتَوَشِّحُ بِثَوْبٍ عَلَى عَاتِقَيْهِ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَيُقَالُ امْرَأَةٌ فَضْلٌ وَثَوْبٌ فَضْلٌ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَبَعْضُ جَسَدِهَا مُتَكَشِّفٌ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ أُخِذَ بِهِ فِي الْحِجَابَةِ خَاصَّةً لَمْ أَعِبْهُ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا قَالَ وَمَا عَلِمْت مَنْ أَخَذَ بِهِ عَامًّا إلَّا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَقَدْ رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إنَّمَا هَذَا أَخِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُنْظُرِي مَنْ إخْوَتِك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» ، وَهَذَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ وَلَعَلَّهَا حَمَلَتْهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَمِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ إنْ كَانَ أَخُوهَا ذَلِكَ أَخَا رَضَاعَةٍ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تَأْمُرُ بِإِرْضَاعِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا أُخْتَهَا وَبَنَاتِ أَخِيهَا وَلَا تَسْتَبِيحُ ذَلِكَ بِإِرْضَاعِ نِسَاءِ إخْوَتِهَا وَتَرَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ يَخْتَصُّ بِالصَّغِيرِ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ تَقُولُ بِهِ وَتَرَى التَّأْوِيلَ مَا تَأَوَّلَتْهُ وَتَأْخُذُ فِي فِعْلِهَا بِالْأَحْزَمِ وَمَا عُيِّنَ لَنَا أَحَدٌ دَخَلَ عَلَيْهَا بِرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَسْرُوقٌ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي قِصَّتِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَبِسَهْلَةِ بِنْتِ سُهَيْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ خَاصٌّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ نَفْيٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّضَاعَةِ فِي وَقْتٍ لَا يَقَعُ بِهِ الِاغْتِذَاءُ عَلَى عُمُومِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهُ بِحَدِيثِ سَالِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إنِّي كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ وَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا فَقَالَتْ دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فَقَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إنِّي مَصَصْت عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) .

[جامع ما جاء في الرضاعة]

دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا فَقَالَ عُمَرُ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ إنِّي مَصَصْت عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ) . جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسْدِيَةِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْت أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ» قَالَ مَالِكٌ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ هُوَ أَبُو عَبْسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ سَأَلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ يَرْوِي حَدِيثًا وَعَمِلَ بِهِ اقْتَضَى عَمَلُهُ بِهِ الْأَخْذَ بِهِ وَتَصْدِيقَ رُوَاتِهِ وَتَقْلِيدَ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَوْ مُوَافَقَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ نَظَرٍ وَعِلْمٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ لِلَّذِي أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ جَارِيَتَهُ أَوْجِعْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَذَاهَا لِمَا قَصَدَتْهُ مِنْ تَحْرِيمِ جَارِيَتِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا إيجَاعُ نَفْسِهَا بِاسْتِدَامَةِ وَطْءِ جَارِيَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي مُوسَى لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ حُكْمِ مَا مُصَّ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَتِهِ مِنْ اللَّبَنِ مَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك لَعَلَّهُ مِمَّنْ رَأَى فِي ذَلِكَ أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَهُوَ مَذْهَبٌ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ رُجُوعِ أَبِي مُوسَى عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَإِبْدَاءِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «الرَّضَاعَةَ مِنْ الْمَجَاعَةِ» أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ مُصِيبًا، وَلَوْ اعْتَقَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ مُخَالِفَهُ مُصِيبٌ لَمَا سَاغَ لَهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رُجُوعٌ إلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْحَقِّ وَانْقِيَادٌ لِفَضْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِلْمِهِ وَتَقَدُّمِهِ وَقَصْرِ النَّاسِ عَلَى سُؤَالِهِ لِمَا اعْتَقَدَ مِنْ تَفَوُّقِهِ فِي الْعِلْمِ عَلَيْهِ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الرَّضَاعَةِ] (ش) : قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا وَقَعَ عِنْدِي فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ جُدَامَةَ بِالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَقَالَ لِي أَبُو ذَرٍّ حِينَ سَمَاعِي مِنْهُ مُوَطَّأَ أَبِي مُصْعَبٍ مِنْهُ: رِوَايَةُ جُذَامَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَكِنَّ رِوَايَتِي جُدَامَةُ بِالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَالِاسْمُ الْغَيْلُ، وَقَدْ أَغَالَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ إذَا فَعَلَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ الْمُغِيلَةُ الَّتِي تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ تُوطَأُ وَأَهْلُ الطِّبِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ دَاءٌ وَيُقَالُ قَدْ أُغِيلَتْ الْمَرْأَةُ إذَا سَقَتْهُ غَيْلًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الْغِيلَةُ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ تُرْضِعُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ إنَّمَا حَقِيقَةُ الْغِيلَةِ الْوَطْءُ مَعَ الْإِنْزَالِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ أَنْزَلَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا يُغَيِّرُ اللَّبَنَ وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّ أَصْلَ الْغِيلَةِ هَاهُنَا الضَّرَرُ يُقَالُ خِفْت غَائِلَةَ كَذَا أَيْ خِفْت ضَرَرَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُغِيلُ اللَّبَنَ بِمَعْنَى يُكْثِرُهُ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ بِالتَّكْثِيرِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِالتَّغْيِيرِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ الْغِيلَةَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعُ وَلَدَهَا وَهِيَ حَامِلٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْضِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ دُونَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ هَمَّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ لَمَّا خَافَ مِنْ فَسَادِ أَجْسَادِ أُمَّتِهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِمْ مِنْ أَجَلِهَا حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ ضَرَرًا عَامًّا، وَإِنَّمَا يَضُرُّ فِي النَّادِرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ رِفْقًا بِالنَّاسِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَمْتَنِعُ مِنْ وَطْئِهَا مُدَّةً فَتَلْحَقُهُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ وَهَذِهِ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ فَكَانَتْ مُرَاعَاتُهَا أَرْفَقَ بِأُمَّتِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي لَا تَلْحَقُ إلَّا الْيَسِيرَ مِنْ الْأَطْفَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَرَبُ تَتَّقِي وَطْءَ الْمُرْضِعِ أَنْ يَعُودَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْوَلَدِ صَرِيحٌ فِي جِسْمٍ أَوْ عِلَّةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا آجَرَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا فِي الرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَإِنَّ لِوَالِدِ الصَّبِيِّ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ أَوْ يَكْثُرُ ضَرَرُ الصَّبِيِّ بِهِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فَيُمْنَعُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ) . (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ مِمَّا أَخْبَرَتْ عَنْ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ لَا يَثْبُتُ قُرْآنًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ قُرْآنٌ، وَهَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الدَّاخِلَةِ فِي جُمْلَةِ الْغَرَائِبِ فَلَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ قُرْآنٌ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِمِثْلِهِ قُرْآنٌ فَمِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى فِيهِ أَنَّهُ قُرْآنٌ وَتَضَمَّنَ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثُبُوتُهُ فَرْعٌ عَنْ ثُبُوتِ الْخَبَرِ قُرْآنًا، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ وَلَا يَدُلُّ أَنَّ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُحَرِّمْنَ إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَّا لَا نَقُولُ بِهِ، وَلَوْ كُنَّا نَقُولُ بِهِ لَخَصَّصْنَاهُ وَعَدَلْنَا عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدِلَّتِنَا. (فَصْلٌ) : وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا: ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُرِيدُ نُسِخَ اسْمُهَا وَتِلَاوَتُهَا دُونَ حُكْمِهَا بِأَنْ تُلِيَ مَكَانَ الْعَشْرِ الرَّضَعَاتِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَنْ التِّلَاوَةِ فَقَالَتْ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مِمَّا يُقْرَأُ وَلَمْ تَقُلْ وَهِيَ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُحَرَّمُ بِمَا دُونَهُ وَلَا تُحْتَاجُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ يُرِيدُ لَيْسَ تَأْوِيلُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُعْمَلُ

[كتاب البيوع]

(ص) : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الْبُيُوعِ) (مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ) (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ» قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ تَكَارَى مِنْهُ أُعْطِيك دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنِّي إنْ أَخَذْت السِّلْعَةَ أَوْ رَكِبْت مَا تَكَارَيْتُ مِنْك فَاَلَّذِي أُعْطِيك هُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ مِنْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَإِنْ تَرَكْت ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَيْتُك لَك بَاطِلٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَقْوَالِهِمْ وَيُعْتَمَدُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِيهَا عَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ يُسْرِعْ النَّاسُ إلَى تَأْوِيلِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْههَا فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ يَفْهَمُ وَجْهَ التَّأْوِيلِ وَإِنْ كُرِّرَ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَتَعَقَّبُ بِالتَّأْوِيلِ وَالنَّظَرِ وَلَا سِيَّمَا فِي وَقْتِنَا مَنْ يَضْعُفُ فَهْمُهُ عَنْ تَحَقُّقِ الظَّوَاهِرِ فَاسْتَغْنَى عَنْ فَهْمِهِمْ بِقَوْلِهِ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ] [مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعُرْبَانِ] (ش) : قَوْلُهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ الْبَيْعُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَلْزَمُ بِوُجُودِهِمَا بِلَفْظِ الْمَاضِي فَإِذَا قَالَ الْمُبْتَاعُ بِعْنِي فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك فَقَدْ حَكَى أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُ أَوْ قَبِلْتُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إيجَابًا وَقَبُولًا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَانَ إيجَابًا وَقَبُولًا فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَفْظٌ مُعَيَّنٌ وَكُلُّ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ فُهِمَ مِنْهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ بِهِ الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ إلَّا أَنَّ فِي الْأَلْفَاظِ مَا هُوَ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ فَيَقُولَ الْمُبْتَاعُ قَدْ قَبِلْت أَوْ يَقُولَ الْمُبْتَاعُ قَدْ ابْتَعْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ فَيَقُولَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْته مِنْك فَهَذَا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُحْتَمَلَةُ فَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِهَا بِمُجَرَّدِهَا حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا عُرْفٌ أَوْ عَادَةٌ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْعِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَاعُ بِكَمْ سِلْعَتُك فَيَقُولَ الْبَائِعُ بِدِينَارٍ فَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ قَدْ قَبِلْت فَيَقُولُ الْبَائِعُ لَا أَبِيعُك، فَإِنْ كَانَ فِي سُوقِ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا سَاوَمَهُ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ وَمَا سَاوَمَ إلَّا لِأَمْرٍ يَذْكُرُهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ إيقَافَهُ فِي السُّوقِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ لَفْظٌ يَصِحُّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ مِنْ تَعَرُّفِ ثَمَنِ سِلْعَةٍ وَنِهَايَةِ مَا يُعْطَى بِهَا وَاللَّفْظُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي إنْفَاذِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عُلِّقَ بِالْمُسْتَقْبِلِ دُونَ الْمَاضِي فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْبَيْعَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا يُمْكِنُ إرَادَتُهُ وَيَصِحُّ الْغَرَضُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَاعِبًا، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ اللَّعِبَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَيْعُ الْعُرْبَانِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعُرْبَانُ أَوَّلُ الشَّيْءِ وَعُنْفُوَانُهُ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَلِذَلِكَ أَضَافَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ إنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ كَانَ مَا دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ دُونَ عِوَضٍ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْيَنِ الْمُخَاطَرَةِ، وَأَمَّا الْعُرْبَانُ الَّذِي لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَهُوَ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ غَيْرَهُ بِالْخِيَارِ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ بَعْضَ الثَّمَنِ مَخْتُومًا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ عَلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ الْعَبْدَ التَّاجِرَ وَالْفَصِيحَ بِالْأَعْبُدِ مِنْ الْحَبَشَةِ أَوْ مِنْ جِنْسٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ لَيْسُوا مِثْلَهُ فِي الْفَصَاحَةِ وَلَا فِي التِّجَارَةِ وَالنَّفَاذِ وَالْمَعْرِفَةِ لَا بَأْسَ بِهَذَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ الْعَبْدَ بِالْعَبْدَيْنِ أَوْ بِالْأَعْبُدِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ إذَا اخْتَلَفَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا حَتَّى يَتَقَارَبَ فَلَا تَأْخُذْهُ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْت مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ إذَا انْتَقَدْت ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْت مِنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْبَيْعَ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَرِهَ رَجَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَعْيِينٌ لِلثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالْكِرَاءُ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ فَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ دِينَارٍ يُفْسَخُ وَإِنْ فَاتَ كَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا دَخَلَهُ مِنْ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعُرْبَانِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْدًا وَنَسًا فَأَمَّا النَّقْدُ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجِنْسَيْنِ وَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا مُتَفَاضِلًا، وَأَمَّا النَّسَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُعَوَّضِ مِنْهُ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ مُتَفَاضِلًا، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِمُقْتَاتٍ وَلَا عَيْنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ نَقْدًا وَالْبَابُ الثَّانِي أَنَّ النَّسَاءَ عِلَّةٌ فِي فَسَادِ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالْبَابُ الثَّالِثُ أَنَّ النَّسَاءَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ لَا يَمْنَعُ الْمُعَاوَضَةَ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْأَجْنَاسِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ وَالْمُقْتَاتِ نَقْدًا) . وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنَّ النِّسَاءَ عِلَّةٌ فِي فَسَادِ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ) وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ يَدًا بِيَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالتَّسَاوِي نَسَاءً وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ صَحِيحٌ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ صَحِيحٌ كَذَلِكَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَلَنَا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِلذَّرِيعَةِ فَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْأُولَى فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ فِي الْجِنْسِ مَعَ الْأَجَلِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِهِ فِي السَّلَفِ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْهُ لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِهِ فِي الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا لِئَلَّا يُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْمَمْنُوعِ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ الْمَنْعُ مَعَ التَّفَاضُلِ فَهَلْ يَثْبُتُ عَلَى التَّسَاوِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلذَّرِيعَةِ وَمَعَ التَّسَاوِي تَضْعُفُ التُّهْمَةُ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْمَنْعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى قَرْضٍ تُجْبَرُ بِهِ مَنْفَعَةٌ فَيَكُونُ مَنْ لَهُ الثَّوْبُ يَدْفَعُهُ فِي مِثْلِهِ لِيَكُونَ فِي ضَمَانِ الْقَابِضِ لَهُ إلَى أَجَلِ تَعَاقُدِهِمَا وَوَقْتِ انْتِفَاعِهِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا عَقْدًا مُنِعَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ التَّسَاوِي كَالْعَرْضِ. (الْبَابُ الثَّالِثُ) فِي أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِ الْجِنْسِ بِبَعْضِهِ إلَى أَجَلٍ مُتَفَاضِلًا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عَامٌّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْجِنْسِ فَإِذَا ثَبَتَ لَنَا هَذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُنَا فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ مَعَ التَّسَاوِي وَسَنَدُلُّ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْكَبِيرُ فِي الصَّغِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُتَبَايِنَانِ وَلَيْسَ فِيهِمَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ التُّهْمَةِ، وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ أَنْ تُسَلَّمَ كِبَارُ الْحُمُرِ فِي صِغَارِ الْبِغَالِ؛ لِأَنَّهَا تَنْتُجُ مِنْهَا الْبِغَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ قَرِيبًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَشَبَهَهَا مِمَّا لَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَلِّمَ شَيْئًا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُزَابَنَةِ فَإِذَا آنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَجَلَ السَّلَمِ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ مَا سَلِمَ فِيهِ صُلْحُ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَسْلِيمُ صَغِيرٍ فِي كَبِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتَهُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ الْمَنْعَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا إنَّمَا يَجِبُ عِنْدِي أَنْ يُمْنَعَ إلَى أَجَلٍ يَكْبُرُ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّغِيرِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْكَبِيرِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ مِنْ مَعْنَى هَذَا الْبَابِ بِسَبِيلٍ وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إلَى الْمَنْعِ مِنْ تَسْلِيمِ صَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فِي صَغِيرٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَجْوِيزِ صَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرَيْنِ وَكَبِيرَيْنِ فِي صَغِيرَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ يَخْتَلِفَانِ يَصِحُّ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فَصَحَّ التَّسَاوِي كَالثِّيَابِ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْمِقْدَارِ أَبْلَغُ فِي إفْسَادِ الْعُقُودِ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي الصِّفَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بِالنَّقْدِ فِي الطَّعَامِ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِالْجُودَةِ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِالْمِقْدَارِ فَبِأَنْ يَجُوزَ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِالصِّفَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِالْمَنَافِعِ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي السِّنِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ الْوَاحِدَ بِالِاثْنَيْنِ وَالِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ، وَهَلْ يُسَلَّمُ الْوَاحِدُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْوَاحِدِ؟ رَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَتَهُ فِي الْبَعِيرِ النَّجِيبِ بِالْبَعِيرِ مِنْ حَاشِيَةِ الْإِبِلِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَيْسَ بِتَاجِرٍ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ قَدْ جَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ يَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ فَبِأَنْ يَجُوزَ فِيهِمَا التَّسَاوِي أَوْلَى وَعَقْدُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَا حُكِمَ فِيهِ بِالْجِنْسَيْنِ فَإِنَّ التَّسَاوِيَ وَالتَّفَاضُلَ يَجُوزُ فِيهِمَا. (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا مَعْنَى الْجِنْسِ) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْجِنْسِ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا انْفَرَدَ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّيْئَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ سُمِّيَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَافْتَرَقَا فِي الِاسْمِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمَا جِنْسٌ أَنَّ الِاعْتِبَارَ أَيْضًا بِالْأَسْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّنَا إنَّمَا مَنَعْنَا التَّفَاضُلَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ وَأَجَزْنَاهُ فِي الْجِنْسَيْنِ لِتَعَرِّيه مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ فِي السَّلَفِ فَإِنَّمَا يَطْلُبُهَا مَعَ اسْتِرْجَاعِ مَا سَلَف وَبَقَاءِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لَهُ فَإِذَا اسْتَرْجَعَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى بِغَيْرِ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الَّتِي سَلَفَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ، وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا التَّفَاضُلَ بَيْنَ التَّمْرِ الْعَرَبِيِّ وَالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ وَبَيْنَ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ وَاَلَّذِي لَيْسَ بِهِنْدِيٍّ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ فِي الْجِنْسِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَخْتَلِفَ مَنَافِعُهُمَا لِلصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالثَّانِي أَنْ تَخْتَلِفَ لِلتَّنَاهِي فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَأَمَّا الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَبَنِي آدَمَ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ صِنْفٌ وَاحِدٌ ذُكُورُهُ وَإِنَاثُهُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ عَجَمِيُّهُ وَعَرَبِيُّهُ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ صَغِيرُهُ جِنْسًا مُخَالِفًا لِكَبِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْكَبِيرُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالصَّنَائِعِ لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَإِنَّ جِنْسَ صِغَارِهَا مُخَالِفٌ لِكِبَارِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِبَارِهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ صِغَارِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطَّيْرِ فَإِنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ مَقْصُودٌ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا خِلَافَ أَنَّ صِغَارَهُ مُخَالِفٌ لِكِبَارِهِ، وَالثَّانِي لَا يَكُونُ فِيهِ عَمَلٌ مَقْصُودٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ صِغَارَهُ مِنْ جِنْسِ كِبَارِهِ كَالْحَجَلِ وَالْيَمَامِ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ عَمَلٌ مَقْصُودٌ وَتَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مِنْ لُبْسٍ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يَخْتَلِفُ جِنْسُهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ أَمْ لَا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا تَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ الْأَكْلُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ وَالثَّانِيَةُ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِبَارِ الْغَنَمِ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ كَالْعَمَلِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّهَا صِنْفٌ ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا قَالَ أَصْبَغُ لَا يُسَلَّمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إلَّا الدَّجَاجَ ذَاتَ الْبَيْضِ فَإِنَّهَا صِنْفٌ تُسَلَّمُ الدَّجَاجَةُ الْبَيُوضُ أَوْ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ فِي الدِّيكَيْنِ. (فَرْعٌ) وَالسِّنُّ الَّذِي هُوَ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهَا الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ أَنْ يُسَافَرَ عَلَيْهِ فَالْجَذَعُ مَا قَصُرَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الصِّغَارِ وَالْحَوْلِيُّ صَغِيرٌ، وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَوْلِيَّ صَغِيرٌ وَالرُّبَاعِيَّ كَبِيرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَذَعُ مِنْ جُمْلَةِ الْكِبَارِ كَالْخَيْلِ، وَأَمَّا الْإِبِلُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي ابْنَتِي مَخَاضٍ فِي حُقَّةٍ وَلَا حُقَّةٍ فِي جَذَعَتَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَنَعَ ابْنَتِي مَخَاضٍ فِي حُقَّةٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِنِّ الصِّغَرِ وَمَنَعَ حُقَّةً فِي جَذَعَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ صَغِيرًا فِي كَبِيرٍ فَإِنَّ الْجَذَعَ أَوَّلُ أَسْنَانِ الْكَبِيرِ فِي الْإِبِلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَنَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ فِي حُقَّةٍ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ صَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وَمَنَعَ حُقَّةً فِي جَذَعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِنِّ الْكِبَرِ فَتَكُونُ الْحُقَّةُ مِنْ حَيِّزِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سِنٌّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَهُوَ الْحَمْلُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْبَقَرُ فَإِنَّ حَدَّ الْكَبِيرِ فِي الذُّكُورِ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْحَرْثِ وَفِي الْإِنَاثِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ الْوَضْعِ وَاللَّبَنِ، وَأَمَّا اللُّبْنُ، فَإِنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا فَحَدُّ الْكَبِيرِ أَنْ يَضَعَ مِثْلُهَا وَيَكُونُ فِيهَا اللَّبَنُ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ذُكُورُهَا مِنْ جِنْسِ صِغَارِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ اللَّحْمِ إلَّا النَّزْرُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَالْخَيْلِ وَالْحُمُرِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنَّ حَدَّ الْكِبَرِ فِيهِمْ إنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ مَنْ يُطِيقُ التَّكَسُّبَ بِعَمَلِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ، وَذَلِكَ عِنْدِي الْخَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً وَنَحْوُهَا أَوْ الِاحْتِلَامُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ بِمَعْنًى يُسْتَفَادُ فِي التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ كَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ فَأَمَّا التِّجَارَةُ وَالْجِزَارَةُ وَالْبِنَاءُ وَالْخِيَاطَةُ فَهِيَ مَعَ الْفَصَاحَةِ وَالْحِسَابِ أُسٌّ وَالْكِتَابَةُ وَالْقِرَاءَةُ إذَا تَقَدَّمَهَا نَفَاذٌ يُمَكِّنُهُ التَّكَسُّبَ بِهَا وَهَكَذَا مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ بِجِنْسٍ يُبَايِنُ بِهِ مَنْ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ كَالْحَرْثِ وَالْحَصَادِ فِي الرِّجَالِ وَالْغَزْلِ فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْعَمَلُ مُعْتَادًا يُمْكِنُ أَكْثَرُ هَذَا الْجِنْسِ عَمَلَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ الْمُعْتَادِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَتْ الذُّكُورَةُ بِجِنْسٍ فِي الرَّقِيقِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَنْعَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَهَذَا حُكْمُ جَمِيعِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ فِي الْإِمَاءِ فَكَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالرَّقْمِ وَالنَّسْجِ وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ إلَّا الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَجِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَائِقَةً فِيهَا أَنَّهُ جِنْسٌ تَبِينُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّ النَّفَاذَ فِي ذَلِكَ وَالتَّقَدُّمَ حَتَّى يُمْكِنَ التَّكَسُّبَ بِهِ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَإِنَّ الْكِتَابَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاكْتِسَابُ بِهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ مَقْصُودٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ مَعَ النَّفَاذِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالثَّانِي حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْعَبِيدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجَمَالُ فَهَلْ يَكُونُ جِنْسًا فِي الْإِمَاءِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجِنْسٍ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَرَأَيْت بَعْضَ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ يَحْكِي أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَاهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَتَكَسَّبُ بِهِ الْإِمَاءُ فَلَمْ تَخْتَلِفْ بِهِ أَجْنَاسُهُنَّ كَالْقُوَّةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْأَثْمَانَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ وَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ الْغَزْلُ وَلَا عَمَلُ الطِّيبِ بِجِنْسٍ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ مُعْتَادٌ فِي النِّسَاءِ شَامِلٌ وَعَمَلُ الطِّيبِ لَيْسَ مِمَّا يَكَادُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالتَّكَسُّبِ بِهِ بَلْ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخَيْلِ السَّبْقُ وَالْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا بِهِمَا تُبَايِنُ سَائِرَ الْحَيَوَانِ الْمُتَّحِدِ فَإِذَا كَانَ سَابِقًا قَائِمًا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا لَيْسَ بِسَابِقٍ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِبِلِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَايِنُ غَيْرَهَا فِي الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَيْسَ السَّبْقُ بِمَقْصُودٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِلسَّبْقِ، وَلِذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يُسَابِقُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَنْفَعَةِ أَفْضَلِ هَذَا الْجِنْسِ وَأَغْلَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْخَيْلِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يُتَّخَذُ لِذَلِكَ وَلَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فِي الْجِنْسِ عَمَّا لَيْسَ بِقَوِيٍّ عَلَى الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ أَفْضَلِ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا أَكْثَرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَذَكَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ يُفَارِقُ جِنْسَهُ بِالسَّيْرِ وَالْجَرْيِ يُرِيدُ مَعَ السَّيْرِ قَالَ فَأَبَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا، فَلَمَّا اتَّفَقَتْ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهَا اسْمٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى اخْتِلَافُ الْمَنَافِعِ وَاتِّفَاقُهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا إذًا تَخْتَلِفُ فِي أَنْفُسِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْبِغَالَ كُلَّهَا مَعَ الْحُمْرِ الْمِصْرِيَّةِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِلْأَعْرَابِيَّةِ وَلَا تَخْتَلِفُ بِالسَّيْرِ وَالْقِيَمِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرُّكُوبُ لِلْجَمَالِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْبَقَرِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي تُتَّخَذُ لَهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذُكُورِهَا، وَأَمَّا إنَاثُهَا فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الذُّكُورِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إنَاثِ الْبَقَرِ وَإِنَاثِ الْغَنَمِ أَنَّ إنَاثَ الْبَقَرِ لَهَا مَنْفَعَةٌ تَخْتَصُّ بِذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا وَإِنَاثَ الْغَنَمِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ جَازَ تَسْلِيمُ الْبَقَرَةِ الْكَثِيرَةِ اللَّبَنِ وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى الْحَرْثِ فِي الثَّوْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مَعْزٌ وَضَأْنٌ فَأَمَّا الْمَعْزُ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَأَمَّا الضَّأْنُ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ جِنْسُ الضَّأْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ اللَّبَنَ مُعْتَبَرٌ فِي الْغَنَمِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يَكَادُ يَتَبَايَنُ إلَّا فِي الْمَاعِزِ، وَأَمَّا الضَّأْنُ فَمُتَقَارِبَةٌ فِي اللَّبَنِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ ذُو لَبَنٍ وَلَا يُقْصَدُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى جَنِينٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إذَا بِيعَتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى أَحَسَنٌ أَمْ قَبِيحٌ أَوْ نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ، وَذَلِكَ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الْعَمَلُ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ جِنْسُهُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتِهِ كَالْمَاعِزِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الطَّيْرُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ وَالثَّانِي لَا يُقْصَدُ فَأَمَّا مَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ فَذُكُورُهُ وَإِنَاثُهُ وَصِغَارُهُ وَكِبَارُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ كَالدَّجَاجِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجِنْسُ، وَقَالَ أَصْبَغُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْضَ فِي الدَّجَاجِ لَيْسَ يُقْصَدُ بِالِاقْتِنَاءِ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِاللَّحْمِ، وَذَلِكَ مُتَسَاوٍ فِي جَمِيعِهَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ هَذِهِ وِلَادَةٌ وَالْوِلَادَةُ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي الْجِنْسِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْبَيْضَ مَعْنًى مَقْصُودٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَاللَّبَنِ فِي الْغَنَمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُ ذَلِكَ بَعْضًا حَتَّى يَتَقَارَبَ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ سُودَانًا أَوْ بَيْضًا وَرُومًا أَوْ نَوْبَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِيهِمْ يُبِيحُ التَّفَاضُلَ مَعَ النَّسَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْت مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ إذَا انْتَقَدْت ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَعْت مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ مَا أَسْلَمْت فِيهِ مِنْ الرَّقِيقِ يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَقَوْلُهُ إذَا انْتَقَدْت ثَمَنَهُ وَكَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اشْتِرَاطِ انْتِقَادِ الثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ الَّذِي أَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ ثَمَنَهُ وَكَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ أَوْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالَهُ عِنْدَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَرَضَا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ الثَّمَنِ سَوَاءً عَدَدًا وَصِفَةً؛ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى السَّلَفِ الْجَائِزِ فَلَيْسَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ عَدَدًا؛ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى الزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَدْنَى عَدَدًا أَوْ صِفَةً؟ جَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَبَاهُ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَوَجْهُ جَوَازِهِ أَنَّ مَالَهُ تَبْعُدُ فِيهِ التُّهْمَةُ أَنْ يُعْطِيَ عَيْنًا لِيَأْخُذَ أَقَلَّ عَدَدًا مِنْهُ أَوْ أَدْنَى صِفَةً وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَنْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ وَبَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ أَمَةٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ وَيُسْتَثْنَى جَنِينٌ فِي بَطْنِهَا وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَالْحَيَاةِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَهَذَانِ تَعْلِيلَانِ صَحِيحَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمَبِيعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَثْنِيَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا شَائِعًا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مُعَيَّنًا، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مُقَدَّرًا غَيْرَ شَائِعٍ وَلَا مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ جُزْءًا شَائِعًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَفِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَبَيْعِ رُبْعِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَالدَّارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ جُزْءًا مُعَيَّنًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِ حَيَوَانٍ، فَإِنْ كَانَ فِي حَيَوَانٍ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَالْجَنِينِ وَمَا فِي ظَهْرِ الْفُحُولِ وَلَحْمِ الْفَخِذِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ الْجُمْلَةِ مَا لَا نَعْلَمُهُ وَإِذَا لَمْ نَعْلَمْهُ لَمْ نَعْلَمْ بَاقِيَ الْجُمْلَةِ، وَهَذَا فِي أَجِنَّةِ الْإِنَاثِ وَمَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ وَاضِحُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ فَخِذِ النَّاقَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ، وَهَذَا أَظْهَرُ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ فِي قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يُدْرَى أَنَّ الْجَنِينَ حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ أَوْ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ لَا يَجِبُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْبَيْعِ لِسَلَامَةِ الْمَبِيعِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَثِّرُ فِيهِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ مَبِيعٌ مُسْتَرْجَعٌ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ اسْتِرْجَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَمَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى الْجَنِينَ عَتِيقًا أَوْ رَقِيقًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ رَوَاهُ فِي الْمَبْسُوطِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ الْحَامِلَ وَيَسْتَثْنِيَ مَا فِي بَطْنِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَجُزْ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْأَمَةِ كَيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَيُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ حَوَالَةِ أَسْوَاقٍ، فَإِنْ دَخَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْبَائِعُ الطِّفْلَ نَقَضَ بَيْعُهُ فِيهِ وَرَدَّهُ إلَى الْمُبْتَاعِ، وَهَذَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ تَقْوِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ مَعَ الْجُمْلَةِ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَبِيعٍ لَكَانَ لِلْبَائِعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَالْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا ذَلِكَ وَفَاتَ الْجَنِينُ عِنْدَ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَوَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَزِمَهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَلَزِمَهُمَا أَنْ يَجْمَعَا بَيْنَ الْأُمِّ وَابْنِهَا فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا أَوْ يَبِيعَانِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا غَيْرَ مُغَيَّبٍ كَالرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ ذَبْحُهُ كَالرَّقِيقِ أَوْ يُسْتَبَاحُ ذَبْحُهُ كَالْأَنْعَامِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ ذَبْحُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاسْتِثْنَاءُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَمَةِ وَاسْتِثْنَاءُ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي بَاعَ مُعَيَّنًا مِنْهَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَثْنَى رِجْلَهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْمَشْيِ وَالتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَمْنَعُهَا مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الْمَشْيِ بِرِجْلِهَا الْمُسْتَثْنَاةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَمَيِّزٌ وَلَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَصْرِيفِ حَقِّهِ الْمُتَمَيِّزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجُزْءُ الشَّائِعُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمُعْتَادِ مَعَ الشَّرِيكِ كَالدَّارِ الْمُشَاعَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إخْلَاءَهَا وَالْمَنْعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا تَمَيَّزَ حَقُّهُ مِنْهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَبَاحِ ذَبْحُهُ كَالْأَنْعَامِ فَإِنَّهُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ لَا يَجُوزُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الذَّبْحِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى لَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ يَسْقُطُ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ أَوْ لَا قَدْرَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ كَالْفَخِذِ وَالسَّوَاقِطِ حَيْثُ تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَجَوَّزَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْعَ الشَّاةِ وَاسْتِثْنَاءَ الْأَكَارِعِ وَالرَّأْسِ حَيْثُ تَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ فَصْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا اسْتِثْنَاءٌ دُونَ جِلْدٍ وَالْمُسْتَثْنَى عِنْدَهُ مَبِيعٌ فَلَمْ يُجَوِّزْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مُعَيَّنًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمَّا شَرَطَ أَخْذَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَكَانَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مَذْبُوحًا وَعِنْدَ الذَّبْحِ يُعْلَمُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يُعْلَمْ الْيَوْمَ فَمَنَعَ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى جُزْءًا ظَاهِرًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جِلْدَ الْعُضْوِ الْمَبِيعِ مُسْتَثْنًى مَعَ ذَلِكَ الْعُضْوِ فَلِذَلِكَ صَارَ الْمُسْتَثْنَى مَرْئِيًّا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ بِحَيْثُ لَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ تَجْوِيزَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَذُّرِ الْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَجَوْدَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى الْجِلْدَ فَقَدْ أَفْرَدَ اللَّحْمَ بِالْبَيْعِ وَهُوَ مُغَيَّبٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فَيُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَبَيْعُ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ بِجِلْدِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْجِلْدِ قِيمَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ فِي الْأَسْفَارِ بِحَيْثُ لَا قِيمَةَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا جَعَلُوا ذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً: الْمَنْعُ حَيْثُ تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ وَالْإِجَازَةُ حَيْثُ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْحَيَوَانِ مُقَدَّرًا عَلَى غَيْرِ مَا بَيْعٍ وَلَا مُعَيَّنًا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَنْدَمُ الْبَائِعُ فَيَسْأَلُ الْمُبْتَاعَ أَنْ يُقِيلَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَيَمْحُو عَنْهُ الْمِائَةَ دِينَارٍ الَّتِي لَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ وَيَزِيدَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ الَّذِي اشْتَرَى إلَيْهِ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ لَهُ إلَى سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِجَارِيَةٍ وَبِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ السَّنَةِ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَرْطَالًا مُقَدَّرَةً فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ الْمَنْعَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إجَازَةَ ذَلِكَ فِي الْأَرْطَالِ الْيَسِيرَةِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ فَإِذَا كَانَ مَسْتُورًا بِالْجِلْدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَالصِّفَةِ فِيهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ لِصِفَتِهِ إذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَلَا تَفْرِيعَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ بِحُكْمِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجُوزُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْطَالِ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ الشَّاةِ وَزَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَالِكٌ الثُّلُثَ وَأَشْهَبُ يُجِيزُ الثُّلُثَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الثُّلُثَ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَمَرَّةً جَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَمَرَّةً جَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ وَفُرُوعُ مَسَائِلِهِ تَدُورُ عَلَى حَسَبِ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْبَائِعَ إذَا زَادَ الْمُبْتَاعَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْبَائِعِ مَا شَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْبَائِعُ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَبِزِيَادَةٍ زَادَهَا إيَّاهُ وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ زَادَ نَقْدًا وَلَمْ يَجُزْ مُؤَجَّلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ إلَى أَجَلٍ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ نَدِمَ الْمُبْتَاعُ فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ وَيَزِيدَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ الْفَصْلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْمُبْتَاعُ الْعَشَرَةَ لِيُقِيلَهُ الْبَائِعُ، فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُقَاصَّةً، وَإِنْ زَادَ الْعَشَرَةَ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ عَشَرَةً مِنْ الْمِائَةِ الْمُؤَجَّلَةِ عَلَيْهِ فَصَارَ بَيْعًا وَسَلَفًا فَهَذِهِ الْعِلَّةُ اللَّازِمَةُ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ رَبِيعَةُ فِي إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْحِمَارِ فِيمَنْ بَاعَ حِمَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَاسْتَقَالَهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى دِينَارٍ يُعَجِّلُهُ لِلْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اقْتَضَى ذَهَبًا يَتَعَجَّلُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ أَنَّهُ بَاعَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَجَارِيَةً نَقْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ لَهُ إلَى سَنَةٍ فَإِنَّهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ أَيْضًا فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَيَقْصِدُ بَيْعَ جَارِيَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مُعَجَّلَةً بِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ الذَّرَائِعَ يَقْوَى مَنْعُهَا بِتَكَرُّرِ الْقَصْدِ إلَيْهِ وَالْغَرَضِ فِيهِ، فَيُعَبِّرُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِقُوَّةِ التُّهْمَةِ فِيهِ وَيَضْعُفُ وَجْهُ الْمَنْعِ بِقِلَّةِ قَصْدِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ الصِّحَّةِ وَوَجْهًا أَوْ وُجُوهًا مِنْ الْفَسَادِ الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ الْفَسَادُ لَهُ لَازِمًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِنَفْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ إلَى أَجَلٍ أَقْرَبَ مِنْ أَجَلِ الْمِائَةِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْعَشَرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِ الْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ جَارِيَةٌ مُعَجَّلَةٌ وَعَشَرَةٌ مُؤَجَّلَةٌ بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ لِلْعَشَرَةِ وَالْمَنْعُ مِنْ الْمُقَاصَّةِ، وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ الْمُؤَجَّلَةِ إلَى أَجَلِ الْمِائَةِ لَأَفْسَدَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ بَيْعَ جَارِيَةٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يُخْرِجُهَا وَلَا يَنْقُدُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ يَنْقُدُهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ فِي الْعَيْنِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَيَدْخُلُهُ مَعَ ذَلِكَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ فِي عَشَرَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَنَانِيرَ وَالْمِائَةِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِنَقْدٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ اسْتَقَالَ مِنْهَا فَلَا تَخْلُو السِّلْعَةُ أَنْ لَا تَكُونَ غَيْرَ مَكِيلَةٍ وَلَا مَوْزُونَةٍ وَلَا مَعْدُودَةٍ كَالْجَارِيَةِ وَالثَّوْبِ فَبَاعَهَا بِنَقْدٍ، ثُمَّ اسْتَقَالَ مِنْهَا عَلَى زِيَادَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ جَارِيَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا، ثُمَّ اسْتَقَالَ الْمُبْتَاعُ بِدِينَارٍ يَزِيدُهُ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهِيَ إحْدَى مَسْأَلَتَيْ الْحِمَارِ، وَرَبِيعَةُ قَالَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَنْهُ دَنَانِيرَ بِالنَّقْدِ وَأَخَذَ الْحِمَارَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الذَّهَبِ، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ فِي الدِّينَارِ الَّذِي أَخَذَ عَنْهُ وَالسَّعَةُ فِي أَخْذِ الْحِمَارِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَيَدْخُلُهُ مَعَ ذَلِكَ بَيْعُ حِمَارٍ وَدِينَارٍ بِأَجَلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مُعَجَّلَةً. (فَرْعٌ) وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى بِالنَّقْدِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَهْلُ الْعِينَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى بِالنَّقْدِ مِمَّا لَوْ انْفَرَدَتْ لَكَانَتْ صَحِيحَةً، وَأَمَّا فِي بَيْعَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ لَمْ تَجُزْ تَقَدَّمَهَا بَيْعٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَةِ رَبِيعَةَ كَانَتْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ نَقْدًا فَاشْتَرَى مِنْهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ وَغَيْرَهَا بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ وَاحِدَةً بِدِينَارٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَلَمْ يَجُزْ لِمَا دَخَلَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِالنَّقْدِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَطْعُومٍ أَوْ مَطْعُومًا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَطْعُومٍ فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَقِيلَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ النَّقْدِ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ دَنَانِيرَ أَوْ مَا شَاءَ مُعَجَّلًا، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ مِائَةَ رِطْلٍ حَدِيدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيَسْتَقِيلَ عَلَى دِينَارٍ يُعْطِيهِ إيَّاهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ دَخَلَهُ فِي زِيَادَةِ الدَّنَانِيرِ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَيَدْخُلُهُ فِي بَيْعِ الْوَرِقِ صَرْفٌ مُسْتَأْخَرٌ وَيَدْخُلُهُ فِي زِيَادَةِ الْعَرْضِ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَرُدُّ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي تَعْجِيلِ الْوَرِقِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ، وَهَذَا عِنْدِي مَا لَمْ يَغِبْ الْمُبْتَاعُ عَلَى السِّلْعَةِ الْمَوْصُوفَةِ، وَلَوْ غَابَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ مِنْهَا بِشَيْءٍ يَزِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَا تُعْرَفُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْدُودٍ لَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا غَيْرَ مَطْعُومٍ وَكَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَزِيدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبًا مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ أَقْرَبَ مِنْ أَجَلِ الثَّمَنِ وَلَا أَبْعَدَ مِنْهُ قَالَ الْمُحَمَّدُونَ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَيَدْخُلُهُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَعَرْضٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ جِنْسِهَا زَادَ الْعُتْبِيُّ فِي وَزْنِهَا إلَى الْأَجَلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا نَقْدًا وَلَا مُؤَجَّلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ وَرِقًا نَقْدًا وَلَا مُؤَجَّلًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَهُ عَرَضًا مُؤَجَّلًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا مُؤَجَّلًا فَفِي كِتَابِ الْمُحَمَّدِينَ الثَّلَاثَةِ لَا يَزِيدُهُ الْمُبْتَاعُ عَرَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ عَرَضًا مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ وَلَا يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَأَمَّا اشْتِغَالُ الذِّمَّتَيْنِ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَا يَدْخُلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَاصَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّقْدَ وَالِانْتِقَادَ لَدَخَلَهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَضْعُفَ التُّهْمَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ فِيهِ بِمَقْصُودٍ فِي الزِّيَادَةِ وَلَا مُعْتَادٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ زَادَهُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى غَيْرِ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّفَاضُلُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُحَمَّدُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ بَيْعَ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ إلَى أَجَلٍ يَحْرُمُ لِنَفْسِهِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ مَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَيْهِ، وَلَوْ مُنِعَ لِلذَّرِيعَةِ إلَى سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً لَمَا حَرُمَ هَذَا بِسَبَبِ الذَّرِيعَةِ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا مَكِيلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ وَيُقِيلَهُ مِنْهُ عَلَى الْكَيْلِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي بَاعَهَا إلَيْهِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَبْتَاعَهَا إلَى أَجَلٍ أَبْعَدَ مِنْهُ يَبِيعُهَا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا إلَى شَهْرٍ، ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِسِتِّينَ دِينَارًا إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَصَارَ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا وَأَعْطَاهُ صَاحِبُهُ ثَلَاثِينَ دِينَارًا إلَى أَشْهُرٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى نِصْفِ سَنَةٍ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ اكْتَالَهُ وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ الْمَتَاعُ وَكَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ لَمْ يُنْقَدْ بَعْدُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَهُ الْمُبْتَاعُ نَقْدًا مَا شَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَعَرَضٍ وَطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي الْوَرِقِ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ، وَقَدْ رَأَيْت هَذَا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ شَيْئًا مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَفِي زِيَادَةِ الْعَرَضِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَفِي زِيَادَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الْأَجَلُ فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْوَرِقِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَهِيَ الثَّانِيَةُ مِنْ مَسْأَلَتَيْ رَبِيعَةَ، وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ فَهُوَ بَيْعٌ حَادِثٌ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً بِثَلَاثِينَ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ ثَلَاثِينَ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ سِتِّينَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيْعِ الْجَارِيَةِ وَابْتِيَاعِهَا لَغْوٌ تَوَصَّلَا بِهِ إلَى بَيْعِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا بِسِتِّينَ دِينَارًا، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ أُمِّ يُونُسَ وَاسْمُهَا الْعَالِيَةُ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ لَهَا أُمُّ مُحِبَّةٍ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَتَعْرِفِينَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ فَإِنِّي بِعْته عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاحْتَاجَ فَاشْتَرَيْتُهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَتْ بِئْسَمَا اشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَتْ فَقُلْت أَرَأَيْتِ إنْ تَرَكْتُ الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذْت السِّتَّمِائَةِ قَالَتْ نَعَمْ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَيْعٌ آلَ بَيْنَ مُتَبَايِعَيْنِ إلَى دَنَانِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ دِينَارًا بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَجُمْلَةُ هَذَا أَنَّ الَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَئُولَ أَحَدُهُمَا إلَى بَيْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ سَلِمَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ أَدَّى إلَى ذَلِكَ نُظِرَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى: قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنَانِ عَيْنًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَا غَيْرَ عَيْنٍ، فَإِنْ كَانَا عَيْنًا فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَلَى الْمُقَاصَّةِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ الْمُقَاصَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُقَاصَّةِ بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ الَّتِي بَاعَهَا إلَى الْأَجَلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَبِأَقَلَّ وَبِأَكْثَرَ وَإِلَى أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ وَأَبْعَدَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَسْلَمُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَهِيَ إقَالَةٌ مَحْضَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَالْوَزْنُ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْمُقَاصَّةِ فَإِنَّ فِيهِ تِسْعَ مَسَائِلَ عَلَى ثَلَاثِ أَحْوَالٍ قَبْلَ الْأَجَلِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَإِلَى الْأَجَلِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْوُجُوهِ وَإِلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مِنْهَا مَسْأَلَتَانِ وَيَصِحُّ سَائِرُهَا وَهُمَا إلَى قَبْلِ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَإِلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا إلَى أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَعْطَى قَبْلَ الْأَجَلِ ثَلَاثِينَ وَأَخَذَ عِنْدَ الْأَجَلِ سِتِّينَ، وَإِنْ كَانَ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِمِثْلِهِ لَمْ يُتَّهَمْ أَحَدٌ فِي أَنْ يُعْطِيَ سِتِّينَ دِينَارًا فِي ثَلَاثِينَ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ وَلَا فِي سِتِّينَ إلَى أَجَلٍ وَإِذَا كَانَ إلَى الْأَجَلِ فَالْوَزْنُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَتَبْعُدُ التُّهْمَةُ فِي أَنْ يَقْصِدَا الْوَزْنَ جَمِيعًا لِكَوْنِ الثَّوْبِ الْمَبِيعِ وَاحِدًا وَالنَّقْدُ وَاحِدٌ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَإِذَا كَانَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِمِثْلِهِ فَهُوَ أَيْضًا يُعْطِي سِتِّينَ وَيَأْخُذُ ثَلَاثِينَ أَوْ سِتِّينَ عِنْدَ الْأَجَلِ وَلَا تُهْمَةَ فِي مِثْلِ هَذَا. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ فَابْتَاعَهَا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا أَوْ خَمْسَةٍ إلَى شَهْرَيْنِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي كَرَاهِيَتِهِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَوَّلُ إلَى أَنْ سَلَّفَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ الْآخَرُ، وَهَذَا غَرَضٌ يَقِلُّ عَمَلُهُ وَيُنْظَرُ فِي هَذَا أَبَدًا إلَى اسْتِوَاءِ الثَّمَنَيْنِ، فَإِنْ تُسَاوَيَا فَهُوَ جَائِزٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ بِخَمْسَةِ أَثْوَابٍ مَضْمُونَةٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثِيَابٍ بِجِنْسِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَاصَّةِ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الثِّيَابِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهَا إلَى أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ أَوْ إلَى الْأَجَلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُقَاصَّةِ دَخَلَتْهُ التِّسْعَةُ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَ هَذَا، إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَيَصِحُّ سَائِرُهَا، فَاَلَّتِي تَبْطُلُ أَنْ يُقِيلَهُ إلَى أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَدْخُلُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَأَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فَهُمَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ وَإِلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ فَهُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى سَلَفٍ وَزِيَادَةٍ، وَأَمَّا الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ فَهُمَا إلَى أَقْرَبَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ وَإِلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ بِأَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْجِنْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ لِنَفْسِهِ فَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ مُحَرَّمٌ لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ فِيهَا بِذَرِيعَةِ الذَّرِيعَةِ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ ذَرِيعَةَ الذَّرِيعَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ وَاشْتَرَاهُ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ نَقْدًا لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَيَبْقَى أَنْ يَكُونَ دَفَعَ قَفِيزَيْنِ لِيَضْمَنَ لَهُ الْقَفِيزَ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَيْنِ قَالَ وَقِيلَ الْأَمْرُ سَوَاءٌ التُّهْمَةُ مُرْتَفِعَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُتَنَازَعُ فِيهَا وَمَا عَلِمْت فِيهَا رِوَايَةً وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا وَقَعَ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فَاشْتَرَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ نَقْدًا وَبِثَوْبٍ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْلَفَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ بَاعَهُ ثَوْبَهُ الثَّانِيَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ فَصَارَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ خَمْسَةً قَضَاءً عَنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي دَفَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ وَخَمْسَةً مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ الْبَاقِي، وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ إلَيْهِ ثَوْبُهُ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْآن خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَثَوْبًا وَيَأْخُذُ عِنْدَ الْأَجَلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عَنْ ثَوْبِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ آخِرًا وَخَمْسَةً قَضَاءً لِلْخَمْسَةِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي دَفَعَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ ثَوْبَيْنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى أَشْهُرٍ، ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِثَوْبٍ نَقْدًا وَبِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ نَقْدًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا فِضَّةٌ وَسِلْعَةٌ نَقْدًا بِفِضَّةٍ إلَى أَجَلٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنَّ الثَّوْب الَّذِي بَقِيَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ مِنْ الثَّوْبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا يُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَحِيحٌ وَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبَانِ الْآخَرَانِ قَائِمَيْنِ رُدَّا، فَإِنْ فَاتَا فَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي رَجَعَ إلَى الْبَائِعِ فَلَا تُفِيتُهُ عِنْدَهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا يُفِيتُهُ التَّغْيِيرُ الشَّدِيدُ فَإِذَا فَاتَ بِمَا ذَكَرْنَا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ حِصَّةُ ذَلِكَ الثَّوْبِ وَهُوَ مِمَّا سَمَّيْنَاهُ لَهُ، وَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي دَفَعَهُ الْبَائِعُ آخِرًا فَحُكْمُهُ مَا قَارَنَ بَيْعُهُ السَّلَفَ فِيمَا يَفُوتُ بِهِ، وَمِقْدَارُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهِ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ، وَهَذَا إنَّمَا أُبِيحُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ الثَّانِي بِتَصْحِيحِ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ تَفُتْ الثِّيَابُ بَقِيَ الثَّوْبُ الْأَوَّلُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفَسْخِ الْعَقْدِ الثَّانِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يُفْسَخْ الْعَقْدَانِ فَإِنَّ التَّرَادَّ يَقَعُ فِي الْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا فَاتَتْ الثِّيَابُ فَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى رَدِّ الْعَقْدَيْنِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي رَدَّهُ الْمُبْتَاعُ إلَى الْبَائِعِ فَقَالَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَجْهَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الثَّوْبِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي فَاسِدًا فَالْفَسَادُ يَتَنَاوَلُ الْعِوَضَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ سَلَفٌ فَإِنَّ حُكْمَ الثَّوْبَيْنِ فِي التَّرَاجُعِ وَالْفَوَاتِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْقِيمَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ لِتَصْحِيحِ الثَّانِي الَّذِي دَخَلَتْهُ الشُّبْهَةُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فَهَذَا حُكْمُ الثَّوْبِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ بَسَطْتُ الْقَوْلَ فِيهِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الثَّوْبِ الثَّالِثِ وَهُوَ الَّذِي دَفَعَهُ الْبَائِعُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي أَنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ مَا قَارَنَ بَيْعُهُ سَلَفًا فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْفَسَادِ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَأَسْلَفَهُ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيَقْبِضَ مِنْهُ عَشَرَةً عِنْدَ الْأَجَلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ الْبَائِعُ هَذَا الثَّوْبَ وَخَمْسَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِالثَّوْبِ الَّذِي رَدَّ إلَيْهِ الْمُبْتَاعُ وَبِالْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ الْمُؤَجَّلَةِ فَيَدْخُلُهُ الْعَرَضُ بِالْعَرَضِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ، وَأَحَدُهُمَا الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالثَّانِي الْقِيمَةُ مَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَضِيَ بِهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَمْنُوعٌ لِلْوَجْهِ الْآخَرِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَوَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ الْمَمْنُوعَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَفُتْ فُسِخَتْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ وَصَحَّتْ الْأُولَى قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ تُفْسَخُ الْبَيْعَتَانِ جَمِيعًا وَلَا أَنْ يَصِحَّ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَامَلَا عَلَى الْبَيْعَةِ إنَّمَا وَجَدَاهَا تُبَاعُ فَابْتَاعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا تُفْسَخُ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ وَتُصَحَّحُ الْأُولَى وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ مَعْقُودٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا أَقَامَ شُبْهَةَ الْفَسَادِ الْعَقْدُ الثَّانِي فَإِذَا أَمْكَنَ تَسْلِيمُ الْأَوَّلِ مِنْهُ خُصَّ بِالنَّقْضِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمْنَا بِالْفَسَادِ فِي ذَلِكَ لَمَّا أَقَمْنَاهُمَا مَقَامَ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ فَسْخُ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا إبْطَالُ الْبَيْعَتَيْنِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ إذَا فَاتَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلسِّلْعَتَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ هَلَكَتْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ يَبْطُلُ خَاصَّةً وَيَثْبُتُ الْأَوَّلُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، فَأَمَّا إنْ فَاتَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِيَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الثَّمَنَانِ قُبِضَا أَوْ قُبِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يُقْبَضَا، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الْمُعَجَّلُ، وَإِنْ كَانَ قُبِضَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَرُدُّ الْمُبْتَاعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُعَجَّلًا وَلَا مُؤَجَّلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ مُعَجَّلًا أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقْرَبَ مِنْ أَجَلِ الثَّمَنِ الْآخَرِ، وَذَكَرَ شُيُوخُنَا الْأَنْدَلُسِيُّونَ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِخَمْسَةٍ مُعَجَّلَةٍ فَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْخَمْسَةَ وَفَاتَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّك تَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَ عَشَرَةً فَصَاعِدًا غَرِمَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ لِلْمُبْتَاعِ الْأَوَّلِ تَمَامَ الْقِيمَةِ يُقَاصُّهُ مِنْهَا بِخَمْسَتِهِ الَّتِي قَبَضَ مِنْهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ وَتَعْجِيلَ الثَّمَنِ فِيهِ أَثْبَتَ الْفَسَادَ فَإِذَا نُقِضَ زَالَ مُوجِبُ الْفَسَادِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ الثَّوْبِ الْعَشَرَةَ فَأَكْثَرَ ضَعُفَتْ التُّهْمَةُ فِي أَنَّهُمَا عَمِلَا عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُفْسَخْ إلَّا الْعَقْدُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ صُورَةُ الْفَسَادِ دُونَ مَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَقَلَّ مِنْ

[ما جاء في مال المملوك]

مَا جَاءَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَشَرَةِ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِي أَنَّهُمَا عَمِلَا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ لِلْعَقْدَيْنِ حُكْمُ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسَخَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ قُبِضَ الثَّمَنَانِ مَعًا وَفَاتَتْ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ يَلْزَمُ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ أَنْ يَرُدَّ إلَى الْمُبْتَاعِ الْأَوَّلِ مَا أَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَعْطَاهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ تَغَيُّرِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا تَغَيُّرًا يُحِيلُ الْأَغْرَاضَ فِيهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ أَوْ الْبَعِيرِ يَبْتَاعُهَا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَيُسَافِرُ عَلَيْهَا الْمُبْتَاعُ السَّفَرَ الْبَعِيدَ فَيَأْتِي وَقَدْ أَبْغَضَهَا فَيَبْتَاعُهَا مِنْهُ الْبَائِعُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ إذَا حَدَثَ بِهَا عَوَرٌ أَوْ عَرَجٌ أَوْ قَطْعٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُمَا لَمْ يَعْمَلَا عَلَى فَسْخٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ هَذَا وَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الذَّرَائِعَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَالتُّهْمَةُ مُرْتَفِعَةٌ مَعَ التَّغْيِيرِ الشَّدِيدِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فَصَحَّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ مُرَاعَاةُ الْمَآلِ دُونَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَجْرَى عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ طَعَامًا فَبَاعَهُ عَلَى الْكَيْلِ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثَّوْبِ يَبِيعُهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ يَبْتَاعُهُ مِنْهُ بِالنَّقْدِ تَجُوزُ فِيهِ السَّبْعَةُ الْوُجُوهِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا وَيَبْطُلُ وَجْهَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ فَاَلَّذِي اُتُّفِقَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الطَّعَامِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَقْدًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ الطَّعَامِ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَسْلَفَهُ طَعَامًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَقْدًا فَقَدْ أَسْلَفَهُ دَنَانِيرَ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إنْ بَاعَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ كَيْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ مِائَةَ إرْدَبٍّ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى شَهْرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ خَمْسِينَ إرْدَبًّا بِخَمْسِينَ دِينَارًا نَقْدًا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ أَنَّهُ رَدَّ إلَيْهِ الْخَمْسِينَ وَأَخَذَ مِنْهُ الْخَمْسِينَ إرْدَبًّا مُعَجَّلَةً وَخَمْسِينَ دِينَارًا مَعَهَا لِيَدْفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ عِنْدَ الْأَجَلِ، وَهَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ إرْدَبٍّ وَيَأْخُذَ مِنْهُ خَمْسِينَ إرْدَبًّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَتَكُونَ مَعَهُ مِائَةٌ إلَى أَجَلٍ بِخَمْسِينَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الطَّعَامِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ التُّهْمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا. (فَرْعٌ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْكَيْلِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَأَكْثَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْلَمُ فِي الطَّعَامِ مِنْ السَّلَفِ لِلْمَنْفَعَةِ وَيَسْلَمُ فِي الْعَيْنِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَا جَاءَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ أَضَافَ الْمَالَ إلَى الْعَبْدِ بِاللَّامِ، وَاللَّامُ تَقْتَضِي الْمِلْكَ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ بَلْ تَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْيَدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّصَرُّفُ، يُقَالُ: الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ لِفُلَانٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الِاخْتِصَاصُ يُقَالُ الْحَرَكَةُ لِلْحَجَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا النَّسَبُ يُقَالُ الْوَلَدُ لِزَيْدٍ وَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمِلْكِ فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّامَ مَتَى قُرِنَ بِهَا مَا يُمْلَكُ اقْتَضَتْ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاخْتِصَاصِ وَالنَّسَبِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَا لَا يُمْلَكُ وَالْمَالُ مِمَّا يُمْلَكُ فَإِذَا قُرِنَ بِهَا حُمِلَ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ إذَا قَالَ هَذَا الْمَالُ لِزَيْدٍ فُهِمَ مِنْهُ مِلْكُهُ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ أُضِيفَ الْمَالُ إلَى الْبَائِعِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ لَهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَنَفَى حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ وَأَنْ يَكُونَ إذَا اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ مُضْمَرًا غَيْرَ مُظْهَرٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُبْتَاعِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْغَيْرِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ الْمُضْمَرَ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ لِلْعَبْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونُ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْعَبْدُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ وَيُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمَالِ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ بِيَدِهِ كَالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِحُّ مِلْكُهُ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي انْتِزَاعَ السَّيِّدِ مَالَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي مِلْكِهِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ انْتِزَاعِهِ مَتَى شَاءَ، وَكَذَلِكَ لَا يَكْمُلُ مِلْكُ الْعَبْدِ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ دُونَ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِذَا زَالَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ وَحَقُّ الْعَبْدِ وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّفَرُّقِ وَلِأَنَّ حَقَّ الِانْتِزَاعِ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَ مَالِ عَبْدِ غَيْرِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إبْقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ غُلِّبَ حَقُّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ مُغَلَّبٌ فِي حَالِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَفْوِيتَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ دُونَ إذْنِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَهُ وَلَا التَّصَرُّفَ فِيهِ دُونَ إذْنِ السَّيِّدِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَالَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَلَا يُوصَفُ هَذَا بِأَنَّهُ شَرْطٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعًا مُبْتَدَأً لِلْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعُ شَيْئًا لِيَلْحَقَ الْمَالُ بِالْبَيْعِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَرَضَا فَلَيْسَ فِيهِ كَلَامٌ، وَرَوَى أَصْبَغُ وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ وَقُرْبِهِ فَهُوَ أَمْرٌ جَائِزٌ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا بِيعَ دُونَ اشْتِرَاطِ الْمَالِ خَرَجَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ إلَى مِلْكِ السَّيِّدِ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمٌ لَوْ كَانَ ثَابِتًا حِينَ الْبَيْعِ لِمَا جَازَ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَشْتَرِطُ الْمَالَ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُهُ لِيُعِيدَهُ إلَى مِلْكِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْعَبْدِ دَنَانِيرَ وَأَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْعَبْدَ مَالًا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا فِي الْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا بَعْدَ الْعَقْدِ كَالثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ وَلَا يَلْزَمُ هَذَا مَالِكًا وَلَا ابْنَ وَهْبٍ وَلَا ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ يُجِيزُهُ فِي الثَّمَرَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الثَّمَرَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِلْأَصْلِ حِينَ الْعَقْدِ وَهِيَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ وَمَالُ الْعَبْدِ لَوْ كَانَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ حِينَ الْعَقْدِ لَمَا كَانَ تَبَعًا لِلْعَبْدِ فَكَذَلِكَ إذَا انْتَقَلَ إلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَعْنَى الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ وَأَصْبَغَ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَعْنَى الْقُرْبِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَالَ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ، وَأَمَّا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ إنْ اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا يُعْلَمُ أَوْ لَا يُعْلَمُ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا اُشْتُرِيَ بِهِ كَانَ ثَمَنُهُ نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إيَّاهَا، وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ، وَإِنْ أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ وَلَمْ يُتْبَعْ سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ دَخَلَهُ نَقْصٌ أَوْ زِيَادَةٌ فَقَدْ بَعُدَ وَامْتَنَعَ إلْحَاقُهُ بِالْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا حَدَثَ لِلْعَبْدِ مَالٌ فِي مُدَّةِ الْعُهْدَةِ أَوْ الْخِيَارِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ ذَكَرَ ذَلِكَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ بَعْضَ مَالِ الْعَبْدِ أَوْ لَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ إجَازَتُهُ حِينَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا تَبِعَ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ إتْبَاعُ بَعْضِهِ، أَصْلُ ذَلِكَ مَا تَبِعَهُ بِالشَّرْعِ وَمُقْتَضَى الْعُقْدَةِ وَهُوَ ثَمَرَةٌ مَأْبُورَةٌ أَوْ غَيْرُ مَأْبُورَةٍ فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ هَذَا الْمَالَ يَثْبُتُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَعْضَهُ كَالثِّيَابِ يَجُوزُ شِرَاءُ جَمِيعِهَا وَشِرَاءُ بَعْضِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بَعْضُهُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لِغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةً مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ شَرِيكِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الْعَقْدِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْعَبْدِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ انْتِزَاعُهُ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ وَالْإِذْنُ مَعْدُومٌ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ كَالْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ رِضَا الْمُبْتَاعِ بِالشَّرْطِ إذْنٌ لَهُ فِي انْتِزَاعِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمَالِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَجْوِيزِهِ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطَ مَالِ الْعَبْدِ فَجَوَازُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِبَعْضِ مَالِ الْعَبْدِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِيَدِ الْبَائِعِ مَا يَكُونُ بِهِ الْمُبْتَاعُ مُسْتَثْنِيًا لِبَعْضِ الْمَالِ بَلْ قَدْ اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا كَانَ لِلْبَائِعِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ فَاشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ لَمْ يَجُزْ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَائِعِ لَهُ يَقْتَضِي انْتِزَاعَهُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ، وَالطَّلَاقُ فِي الْعَقْدِ يَقْتَضِي مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الشَّرْطُ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعِ بَعْضَ الْمَالِ فَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجِيزُهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ مَالِكٍ تَجْوِيزَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ شَرَطَ جَمِيعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِ فَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ فَاشْتَرَطَ جَمِيعَ مَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الثَّانِي حُرًّا فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَالِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَ مَالِ مَنْ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْمَالِ بِيَدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفِي انْتِزَاعَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ إنْ اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا يُعْلَمُ أَوْ لَا يُعْلَمُ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرُ مِمَّا اُشْتُرِيَ بِهِ كَانَ ثَمَنُهُ نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إيَّاهَا، وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ، وَإِنْ أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ وَلَمْ يُتْبَعْ سَيِّدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ) . ش وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْمُبْتَاعِ فَيُرِيدُ أَنَّ لَهُ مَا شَرَطَ وَاَلَّذِي شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْعَبْدِ وَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بِحَسَبِ مَا كَانَ قَبْلَ ابْتِيَاعِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ انْتَزَعَ الْمَالَ وَاشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ لَكَانَ قَدْ اشْتَرَى عَبْدًا وَمَالًا فَيَفْسُدُ بِالْجَهْلِ وَالتَّفَاضُلِ فِيمَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الْعَبْدَ وَيَقُولُ مَالُهُ مِائَةُ دِينَارٍ أُوَفِّيكهَا لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالثَّمَنُ عَيْنٌ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ التَّوْفِيَةَ كَانَ ذَلِكَ مَالًا مُتَبَرَّعًا بِهِ يَدْفَعُهُ الْبَائِعُ إلَى الْمُبْتَاعِ. 1 -

[ما جاء في العهدة وفيه أبواب]

مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يُشْتَرَيَانِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنَّ عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَقَدْ بَرِئَ الْبَائِعُ مِنْ الْعُهْدَةِ كُلِّهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ نَقْدًا أَوْ دَيْنًا أَوْ عَرْضًا يُعْلَمُ أَوْ لَا يُعْلَمُ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا اُشْتُرِيَ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعِ هَذَا الْمَالَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَطُ عَيْنًا أَكْثَرَ مِمَّا اُشْتُرِيَ بِهِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ يَكُونَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَيُشْتَرَى بِالدَّيْنِ أَوْ بِالنَّقْدِ أَوْ يَكُونَ الْمُشْتَرَطُ مِنْ الْمَالِ مَجْهُولًا عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا اُشْتُرِطَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِوَضٍ فِي الْبَيْعِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْفَسَادَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ بَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِعِوَضٍ فِي الْبَيْعِ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ زَكَاةٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ جَارِيَةٌ اسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِمِلْكِهِ إيَّاهَا فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ فَقَدْ خَالَفَنَا فِي ذَلِكَ مَنْ يُخَالِفُنَا فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَبِيحُ وَطْءَ أَمَتِهِ بِمِلْكِ يَمِينِهِ فَهُوَ فَصْلٌ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ الْوَطْءُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: نِكَاحٌ أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِي أَمَتِهِ نِكَاحٌ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَسْتَبِيحَ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ مِلْكُهُ لَهَا وَإِذَا صَحَّ مِلْكُهُ لِلْإِمَاءِ صَحَّ مِلْكُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ كَاتَبَ تَبِعَهُ مَالُهُ يُرِيدُ أَنَّ مَالَهُ يَتْبَعُهُ بِإِطْلَاقِ الْعِتْقِ دُونَ اشْتِرَاطِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ أَنَّ زَوَالَ مِلْكِ السَّيِّدِ عَنْ الْعَبْدِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا الْمُعَاوَضَةُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَفِي هَذَا لَا يَتْبَعُهُ الْمَالُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالنَّخَعِيُّ وَاللَّيْثُ خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِلْعَبْدِ فِي الْبَيْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْعِتْقُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ وَتُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ السَّيِّدِ كَالْكِتَابَةِ فَفِي هَذَا الْمَالِ يَتْبَعُ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ لِلسَّيِّدِ فِي الْعِتْقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ مَلَكَ الْمُعْتِقُ بِهَا مَالَهُ فَبِأَنْ يَمْلِكَهَا بِالْعِتْقِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الْجِنَايَةُ فَإِنَّ الْمَالَ يَتْبَعُ فِيهَا الرَّقَبَةَ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَبَعِ الْمَالِ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَقِلٌ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ انْتِقَالَهُ بِالْعَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُتْبَعُ مَالُهُ وَالْمَالُ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَقِلٌ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ إلَى مَالِكٍ فَلَمْ يَتْبَعْهُ مَالُهُ كَالْبَيْعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، فَإِنْ أَفْلَسَ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ فَلَسَ الْعَبْدِ يَكُونُ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَسْتَغْرِقَ الدَّيْنُ مَالَهُ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَأْخُذُونَ مَالَهُ وَلَا حَقَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ سَيِّدِهِ وَلَا فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنَاوَلَ إذْنُهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ، وَمُبَايَعَتُهُ إنَّمَا تَقْتَضِي تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِذِمَّتِهِ دُونَ خِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَدُونَ رَقَبَتِهِ. [مَا جَاءَ فِي الْعُهْدَةِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّقِيقِ يُرِيدُ أَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْمُولِ بِهَا الَّتِي كَانَ الْأُمَرَاءُ يَهْتَمُّونَ بِهَا وَيَجْعَلُونَهَا مِنْ أَوْكَدِ اللَّوَازِمِ حَتَّى كَادُوا يُدْخِلُونَ ذَلِكَ فِي الْخُطَبِ لِئَلَّا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلَا بَعُدَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ لَا تَنْفَكُّ عَنْ قَادِمٍ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْآفَاقِ، وَكَانُوا يَحْضُرُونَ الْجُمَعَ وَأَوْقَاتَ الْخُطَبِ فَيَسْمَعُونَ تَكَرُّرَ ذَلِكَ فِي الْخُطَبِ مِنْ الْأُمَرَاءِ أَوْ مِمَّنْ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ وَيَمْتَثِلُ أَمْرَهُمْ، ثُمَّ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُنْكِرٌ وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ نَاهٍ لِكَوْنِهِ سَابِقًا مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْعِلْمُ وَإِلَيْهِمْ كَانَ يُرْجَعُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْهُ وَلِأَنَّ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ يُدْخِلُ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُشَاوِرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِهَا وَمُوَافَقَتِهِمْ لَهُ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ مِنْهَا فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعُهْدَةِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهَا وَعَدَدِهَا وَالْبَابُ الثَّانِي فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ بِهَا مِنْ الْبِلَادِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِهَا مِنْ الْمَبِيعِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِهَا مِنْ الْعُقُودِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي مُقْتَضَى ذِكْرِهَا وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي حُكْمِ الْعِوَضِ مِنْهَا فِي تَعْجِيلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعُهْدَةِ) مَعْنَاهَا تَعَلُّقُ الْمَبِيعِ بِضَمَانِ الْبَائِعِ وَكَوْنُهُ مِمَّا يُدْرِكُهُ مِنْ النَّقْصِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ فِيمَا فِيهِ الْعُهْدَةُ لَازِمٌ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ مُتَرَقَّبٌ مُرَاعًى، فَإِنْ سَلِمَ فِي مُدَّةِ الْعُهْدَةِ عُلِمَ لُزُومُهُ لِلْمُبْتَاعِ وَالْبَائِعِ جَمِيعًا، وَإِنْ أَصَابَهُ نَقْصٌ عُلِمَ لُزُومُهُ لِلْبَائِعِ وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ فِي إمْضَائِهِ أَوْ رَدِّهِ كَعَيْبٍ دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِنْ التَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ الَّذِي ظَهَرَ فِي مُدَّةِ الْعُهْدَةِ وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى مِلْكِهِ لَمَّا تَعَلَّقَتْ التُّهْمَةُ بِهِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَهِيَ مُغَلَّبَةٌ عَلَى تَجْوِيزِ بَرَاءَتِهِ وَلِذَلِكَ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا وُجِدَ فِي مُدَّةِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ دَلَّسَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الْعُهْدَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ وَمُوَاضَعَةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ وَلَا مُوَاضَعَةٌ وَلَهُ عُهْدَتَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ تَخْتَصُّ بِهَا، وَأَمَّا الْعُهْدَةُ الْأُولَى فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ثُبُوتَ هَذِهِ الْعُهْدَةِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثُ لَيَالٍ» ، وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّقِيقَ يُمْكِنُهُ الْإِفْهَامُ وَالْإِخْبَارُ عَمَّا يَجِدُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَرَضِ وَمُقَدِّمَاتِ الْعِلَلِ، فَيَتْبَعُهُ سَيِّدُهُ لِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ مَرَضُهُ فَحُكِمَ فِيهِ بِالْعُهْدَةِ لِيَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ وَيَتَّضِحَ حَالُهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا وَجْهُ احْتِيَاطٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّدْلِيسِ وَيَقْتَضِي الِاخْتِلَافَ فِي الْبُيُوعِ وَالتَّخَاصُمَ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَصْلُ ذَلِكَ الْمُصَرَّاةُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَوَّلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا، وَإِنْ كَانَ بِالْخِيَارِ فَمِنْ يَوْم يُحْكَمُ بِلُزُومِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يُحْسَبُ فِيهَا بِالْيَوْمِ الْكَامِلِ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْفَجْرِ اُحْتُسِبَ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْبَيْعُ نِصْفَ النَّهَارِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورٌ لِابْنِ الْقَاسِم فِي الْعَقِيقَةِ وَمُدَّةِ مَقَامِ الْمُسَافِرِ فِي الْمِصْرِ، وَأَمَّا سَحْنُونٌ فَيَقُولُ إنَّمَا يُرَاعَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُدَّةِ وَتُلَفَّقُ أَبْعَاضُ الْأَيَّامِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْمَقَامِ فِي الْمِصْرِ بِعِشْرِينَ صَلَاةً، وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا أَنْ تُلَفَّقَ أَبْعَاضُ الْأَيَّامِ فِي الْعُهْدَةِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ التَّعَلُّقَ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ، وَذَلِكَ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى السَّاعَاتِ وَأَبْعَاضِ الْأَيَّامِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ ثُبُوتُ حُمَّى الرِّبْعِ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَيَتَأَخَّرُ فَيَجِبُ اسْتِيفَاءُ الْيَوْمِ لِتُعْلَمَ السَّلَامَةُ مِنْهُ، وَوَجْهُ مَا يَقْتَضِيه قَوْلُ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ يُرَاعُونَ فِي ذَلِكَ أَقْصَى مُدَّةِ أَدْوَاءِ الْأَمْرَاضِ الْمُعَيَّنَةِ الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ حُمَّى الرِّبْعِ، وَتَبْعِيضُ الْأَيَّامِ فِيهَا مُشَاهَدٌ وَكَمَالُهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَى الْعُهْدَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامُهَا سَنَةً عَلَى ذَلِكَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ أَنَّ الْعُهْدَةَ مِنْ وَقْتِ لُزُومِ الْبَيْعِ فَسَوَاءٌ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً غَيْبَةً بَعِيدَةً تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ مِنْ الْبَائِعِ، فَإِذَا انْقَضَتْ نُفِيَ ضَمَانُ الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ كَمَا تَنْتَفِي نَفَقَةُ ضَمَانِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ الْمُبْتَاعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ، وَإِنْ لَمْ يُمْسِكُهُ بِالثَّمَنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِي الْعَبْدِ الْمَبِيعِ نِصْفُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لَاحِقَةٌ لِلْبَائِعِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَصَابَهُ نَقْصٌ أَوْ هَلَاكٌ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَادِثٌ أَوْ لَا يُعْلَمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَحْوَالُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَغْلَبُ وَأَكْثَرُ أَجْرَى جَمِيعَهُ مَجْرَى غَالِبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا حَدَثَ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ نَقْصًا فِي جَسَدِهِ أَوْ عَيْبًا يَخْتَصُّ بِنَقْصِ ثَمَنِهِ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالزِّنَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَيْبٌ لَوْ كَانَ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ لَكَانَ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِهِ فَإِذَا حَدَثَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ كَالنَّقْصِ فِي الْجَسَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْمُبْتَاعُ بَطَلَ خِيَارُهُ مِثْلُ أَنْ يَظْهَرَ بِعَيْنِهِ رَمَاصٌ فَيَذْهَبُ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا تَنْتَفِي عَوْدَتُهُ فَأَمَّا مَا تُعْتَادُ عَوْدَتُهُ كَالْحُمَّى وَنَحْوِهَا فَإِنَّ سَحْنُونًا قَالَ لَهُ الرَّدُّ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْعَوْدَةَ سَوَاءٌ رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ حِينَ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى أَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَعْلَمُ ذَهَابَهَا، فَإِنْ عَاوَدَتْهُ فِي الْقُرْبِ رَدَّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَجْهُ قَوْل سَحْنُونٍ أَنَّ ذَهَابَهَا لَيْسَ بِبُرْءٍ فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْبُرْءِ وَيَحْتَمِلُ الْمُعَاوَدَةَ فَيَجِبُ التَّوْقِيفُ حَتَّى يَعْلَمَ عَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ كَانَ رَدُّهَا بِهِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ أَمْرٌ فَأَشْكَلَ وَقْتُ حُدُوثِهِ فَلَمْ يُدْرَأْ فِي الْعُهْدَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعَبْدِ يَأْبَقُ فِي الْعُهْدَةِ، وَقَدْ تَبَرَّأَ بَائِعُهُ بِالْإِبَاقِ فَلَمْ يَعْلَمْ صِحَّتَهُ وَلَا هَلَاكَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُبْتَاعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي الْعُهْدَةِ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ سَلِمَ فِي الْعُهْدَةِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ مِنْهُ فِي الْعُهْدَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِبَاقِ الَّذِي تَبَرَّأَ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ إلَّا بِتَيَقُّنِ سَلَامَتِهِ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ. 1 - (فَرْعٌ) وَعَلَى الْبَائِعِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَكِسْوَتُهُ وَمُؤْنَتُهُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا مُرَّةً تَلْحَقُهُ بِمِلْكِهِ فِي الضَّمَانِ الْعَامِّ فَلَزِمَهُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالْمُؤْنَةُ كَمُدَّةِ الْخِيَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُسْقِطَ الْعُهْدَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ وَيُسْقِطَ عَنْ الْبَائِعِ الضَّمَانَ وَالنَّفَقَةَ وَيُبْرِمَ الْعَقْدَ فَإِنْ لَمْ يُسْقِطْ الْعُهْدَةَ، وَلَكِنَّهُ أَحْدَثَ فِي الْعَبْدِ مَا يَمْنَعُ رَدَّهُ أَوْ يَقْتَضِي الرِّضَا بِهِ كَالْعِتْقِ، ثُمَّ حَدَثَ عَيْبٌ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تَسْقُطُ بَقِيَّةُ الْعُهْدَةِ، وَقَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ الْعُهْدَةُ ثَابِتَةٌ وَيَنْفُذُ الْعِتْقِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ اثْنَانِ مِثْلُ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَالثَّالِثُ يُرَدُّ الْعِتْقُ، وَهَذَا فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ أَوْلَى، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ كَالْعَيْبِ يَحْدُثُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَفِي غَيْرِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ وَانْبِرَامَهُ مُرَاعًى بِسَلَامَةِ الْعَبْدِ فِي مُدَّةِ الْعُهْدَةِ فَإِذَا حَدَثَ فِي الْعُهْدَةِ عَيْبٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْبَرِمْ فَيَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ، ثُمَّ يَطَّلِعَ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى

[الباب الثاني في محل الحكم بها من البلاد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا كَانَ مُرَاعًى وَمَوْقُوفًا عَلَى السَّلَامَةِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ الْخِيَارُ لِحُدُوثِ الْعَيْبِ بَطَلَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَ الْمُعْتِقِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْعُهْدَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ عُهْدَةُ السَّنَةِ فَتَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ أَدْوَاءٍ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَكُلُّ مَا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْجُنُونُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ هُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ عَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا مَدَنِيُّهُمْ وَمِصْرِيُّهُمْ إلَّا ابْنَ وَهْبٍ فَإِنَّهُ قَالَ بِأَيِّ وَجْهٍ زَالَ عَقْلُهُ فِي السَّنَةِ مِنْ ضَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ السَّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ مُدَّةً لِهَذِهِ الْعُهْدَةِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ لَمَّا كَانَتْ أَدْوَاءً تُوجَدُ أَسْبَابُهَا وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُهَا وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ سَائِرَ الْأَدْوَاءِ، وَذَهَابُ الْعَقْلِ بِضَرْبَةٍ أَوْ مَعْنًى طَارِئٍ مَعْلُومٌ أَنَّ سَبَبَهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ التَّبَايُعِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ الضَّمَانُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا ذَهَابُ عَقْلٍ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ فَلَزِمَ بِهِ الرَّدُّ كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ جُنُونٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ذَهَبَ بِالْعَبْدِ بَهَقٌ أَوْ حُمْرَةٌ أَوْ جَرَبٌ مُفْرِطٌ حَتَّى يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ لَمْ يُرَدَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الَّتِي لَا يُبْرَأُ مِنْهَا فِي الْغَالِبِ وَيَنْعَدِمُ أَسْبَابُهَا تُذْهِبُ مُعْظَمَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالْحُمْرَةُ وَالْجَرَبُ وَالْبَهَقُ مَعَانٍ يُبْرَأُ مِنْهَا غَالِبًا فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَمْرَاضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ظَهَرَ بِهِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ بَيِّنٌ، ثُمَّ ذَهَبَ قَبْلَ الرَّدِّ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْجُنُونِ يُرَدُّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُرَدُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا تُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ كَالْجُنُونِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ لَا يَكَادُ يَبْرَأُ مِنْهَا، فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْبُرْءِ فَإِنَّ سَبَبَهُ كَامِنٌ فَيَجِبُ بِهِ الرَّدُّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاَلَّذِي يُرَدُّ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِم مَا ظَهَرَ وَتُيُقِّنَ فِي مُدَّةِ السَّنَةِ أَوْ تُيُقِّنَ سَبَبُهُ فِي السَّنَةِ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ السَّنَةِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ كِنَانَةَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ يُرَدُّ بِمَا تُيُقِّنَ بَعْدَ السَّنَةِ إذَا شَكَّ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا تُيُقِّنَ سَبَبُهُ فِي السَّنَةِ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ السَّنَةِ رُدَّ بِذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّنَةَ حَدٌّ لِظُهُورِ هَذَا الْمَعْنَى لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابُ هَذَا الْمَرَضِ قَدْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا الْبَائِعُ وَكَانَتْ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تَطْرَأُ مِمَّا لَا صُنْعَ فِيهَا لِلْبَائِعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا لَزِمَ بِالْعُهْدَةِ لِأَجْلِ التَّدْلِيسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جُنِيَ عَلَيْهِ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِمَّا دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالنَّفَقَةُ وَالْمُؤْنَةُ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَرُدُّ فِيهَا هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ يُتَوَقَّعُ وُجُودُ أَسْبَابِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَهِيَ زِيَادَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا يَحْدُثُ وَيَتَكَرَّرُ بِتَوَقُّعِ مَا يَقِلُّ وَيَنْدُرُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَخْلَدُ بْنُ خَلَّادٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الصِّحَّةَ مِنْ وَجْهِ الْإِسْنَادِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ تَدْخُلُ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّنَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ فِيمَا فِيهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السَّنَةِ وَأَنَّ السَّنَةَ مِنْ يَوْمِ التَّبَايُعِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعُهْدَتَيْنِ مُتَنَافِيَتَانِ أَحْكَامُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَا، وَإِنَّمَا يَتَدَاخَلُ مِنْ الْمَدَدِ مَا تَتَّفِقُ أَحْكَامُهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُدَّتَيْنِ لَازِمَتَانِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ لَا تَفْتَقِرُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَى تَعْيِينِ مُدَّتِهَا فَيَكُونُ أَوَّلُهُمَا يَوْمَ الْبَيْعِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ بِهَا مِنْ الْبِلَادِ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ بِهَا مِنْ الْبِلَادِ) أَمَّا مَحَلُّ الْعُهْدَةِ مِنْ الْبِلَادِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْمِصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ

[الباب الثالث في محل ثبوتها من المبيع]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ لَا تَلْزَمُ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ أَهْلَ بَلَدٍ حَتَّى يَحْمِلَهُمْ السُّلْطَانُ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ يُقْضَى بِهَا بِكُلِّ بَلَدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا أَهْلُهُ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُحَدِّثَهَا وَيَحْكُمَ بِهَا عَلَى مَنْ عَرَفَهَا وَجَهِلَهَا قَبْلَ التَّقَدُّمِ فِيهَا وَبَعْدَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَمَّا كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الصِّحَّةِ حُمِلَ عَلَيْهِ حَيْثُ الْعُرْفُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ وَفِي هَذَا الْبَابِ مَعْنًى آخَرَ يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِينِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَحَلِّهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ لِمَنْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانَ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَ مَحَلُّ الضَّمَانِ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُرْفٌ أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ عُرْفٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُرْفٌ جَازَ نَقْلُهُ بِالشَّرْطِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ وَاشْتِرَاطِ ضَمَانِهَا مِنْ غَيْرِ مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ عَنْ الْقَابِلِ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَقْلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ نَقْلَهُ فِي عَقْدِ بَيْعٍ عَمَّا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ صَحَّ الْعَقْدُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَشَرَطَ نَقْلَهُ إلَى مَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ صَحَّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، وَإِنْ شَرَطَ نَقْلَهُ عَمَّا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَ لِلْعُرْفِ وَجْهٌ صَحِيحٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهٌ صَحِيحٌ بَطَلَ الْعَقْدُ وَصَحَّ الشَّرْطُ فَعَلَى هَذَا إنْ شَرَطَ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْعُهْدَةِ فَعَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ يَثْبُتُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الْعُرْفِ، فَإِنْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ يَثْبُتُ الشَّرْطُ وَالْعَقْدُ وَعَلَى قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَثْبُتُ الْعَقْدُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَلَ غَيْرُ بِلَادِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْعُهْدَةِ أَمْ لَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَدِدْت أَنَّ النَّاسَ يُحْمَلُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَا يُحْمَلُ أَهْلُ الْآفَاقِ عَلَى الْعُهْدَةِ وَلْيُتْرَكُوا عَلَى حَالِهِمْ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى لَهُ وَجْهُ احْتِيَاطٍ فِي بِيَاعَاتِ الرَّقِيقِ وَتَجُوزُ مَا كَثُرَ مِنْ تَدْلِيسِ النَّاسِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَنَصْبِ الْمِكْيَالِ وَالْمَوَازِينِ وَمَنْعِ كَسْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ عُرْفَ الْبِلَادِ إذَا وَافَقَهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُ حُكْمِهِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْمِصْرِيِّينَ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِهَا مِنْ الْمَبِيعِ] 1 ِ أَمَّا مَحَلُّ الْعُهْدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ فَهُوَ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لَهُ تَمْيِيزًا تُكْتَمُ بِهِ عُيُوبُهُ فَجُعِلَتْ الْعُهْدَةُ بِاخْتِيَارِ حَالِهِ وَتَبَيُّنِ أَمْرِهِ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ، وَهَذَا ضِدُّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّ لِلرَّقِيقِ أَفْهَامًا تُخْبِرُ عَنْ أَسْبَابِ أَمْرَاضِهِ الَّتِي يَجِدُهَا قَبْلَ ظُهُورِهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ كِتْمَانُ السَّيِّدِ لِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ أَمْرَاضِهِ تَدْلِيسًا يَقُومُ مَقَامَ تَدْلِيسِهِ بِمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ عُيُوبِهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ حَيْثُ يَخْتَلِفُ حَالُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فِي الْمَعْرِفَةِ بِالْعَيْبِ فَإِذَا اسْتَوَتْ حَالُهُمَا فِي ذَلِكَ بَطَلَ الْخِيَارُ، فَلَمَّا كَانَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْمَبِيعَاتِ لَا يُمْكِنُهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا يَجِدُ مِنْ أَوَائِلِ الْأَمْرَاضِ وَأَسْبَابِهَا وَمَبَادِيهَا فِي بَاطِنِ جِسْمِهِ اسْتَوَتْ حَالُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ أَدْوَاءُ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ تَتَقَدَّمُ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَتَظْهَرُ بِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ وَالْأَزْمِنَةِ كَانَتْ الْعُهْدَةُ فِيهَا سَنَةً لِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْفُصُولِ وَالْأَزْمِنَةِ وَلَمَّا كَانَتْ سَائِرُ الْأَدْوَاءِ لَا تَتَقَدَّمُ أَسْبَابُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ عُهْدَتَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا يَجِدُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا عَلَّلْنَا لِلْجِنْسِ دُونَ أَعْيَانِهِ

[الباب الرابع في محل العهدة من العقود]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ وَبَيْنَ مِنْ لَا يَتَأَتَّى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا تَمْيِيزُ وَقْتِ إمْكَانِهِ مِنْ وَقْتِ تَعَذُّرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ جَمِيعِهِ حُكْمَ مَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَحُكْمَ الْإِحْدَادِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْنَا تَمْيِيزُ الصِّغَرِ مِنْ الْكِبَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : عُهْدَةُ الثَّلَاثِ لَازِمَةٌ فِي الْأَمَةِ الرَّائِعَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ إلَّا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي جُمْلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ اسْتَغْرَقَهَا أَمْرُ الِاسْتِبْرَاءِ لَمَّا كَانَ حُكْمُ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ حُكْمَهُ، فَإِنْ ذَهَبَ الِاسْتِبْرَاءُ جُمْلَةً وَلَمْ يَثْبُتْ كَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ أَوْ شِرَاءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ فِيهَا ثَابِتَةٌ ظَاهِرَةٌ لِتَعَرِّيهَا عَنْ أَحْكَامِ الْمُوَاضَعَةِ وَكَذَلِكَ الَّتِي تُشْتَرَى فِي عِظَمِ دَمِهَا. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَحَلِّ الْعُهْدَةِ مِنْ الْعُقُودِ] 1 ِ أَمَّا مَحَلُّ الْعُهْدَةِ مِنْ الْعُقُودِ وَتَمْيِيزُ مَا تَثْبُتُ فِيهِ الْعُهْدَةُ مِنْهَا مِمَّا لَا تَثْبُتُ فَإِنَّ مَا يُتَعَاوَضُ بِهِ مِنْ الرَّقِيقِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُعَيَّنٌ وَثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفٌ، فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَإِنَّ الْمُعَاوَضَةَ بِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ كَالْبَيْعِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُكَارَمَةِ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَيْعَ بَرَاءَةٍ أَوْ بَيْعًا مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ بَيْعَ بَرَاءَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة وَمَنْ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ وَلَا عُهْدَةَ لِمُشْتَرِيهِ لَا عُهْدَةَ ثَلَاثٍ وَلَا عُهْدَةَ سَنَةٍ، وَضَمَانُهَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي عِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَتْ مِنْ عَلِيِّ الرَّقِيقِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْعًا مُطْلَقًا فَقَدْ تَثْبُتُ فِيهِ الْعُهْدَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَعُقْدَةِ النِّكَاحِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَقَالَ مَرَّةً فِيهِ الْعُهْدَةُ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَقَالَ مَرَّةً لَا عُهْدَةَ فِيهِ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ. فَوَجْهُ قَوْلِهِ بِثُبُوتِ الْعُهْدَةِ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ حُكْمُ الْعُهْدَةِ فِيهِ ثَابِتًا كَالْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ الِاسْتِمْتَاعِ حِينَ الْعُقْدَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ قَبْضُ الْعِوَضِ الَّذِي هُوَ الْبُضْعُ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْعُهْدَةُ فِي النِّكَاحِ بِالرَّقِيقِ لَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ النِّكَاحُ لِتَعَذُّرِ اسْتِبَاحَةِ الِاسْتِمْتَاعِ حِين الْعَقْدِ أَوْ لِاقْتِضَاءِ الْعِوَضِ وَلِاقْتِضَاءِ الْعِوَضِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِالرَّقِيقِ يَثْبُتُ بِذَلِكَ أَنْ لَا عُهْدَةَ فِيهِمْ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنْ لَا عُهْدَةَ فِي غَيْرِ مُخَالَعٍ بِهِ؛ لِأَنَّ عِوَضَهُ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ يَنْفِي الْعُهْدَةَ، وَقَدْ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعَبْدِ الْمُخَالَعِ بِهِ وَالْمُصَالَحِ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالسَّلَفُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا إقَالَةَ فِي عُهْدَةٍ وَلَا سَلَفٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا عُهْدَةَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَأَنَّهُ قَصَرَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَرَضِ لَا عَلَى قَضَائِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِي الْعَبْدِ الْمَوْهُوبِ لِلثَّوَابِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِقَالَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مَعَهَا، قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّ الْعُهْدَةَ تَثْبُتُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعُهْدَةِ الْأُولَى فَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ فَسْخُ بَيْعٍ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الشُّفْعَةِ وَالْمُرَابَحَةِ فَلَا عُهْدَةَ فِيهَا قَوْلًا وَاحِدًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا عُهْدَةَ فِيهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ فَسْخُ بَيْعٍ وَلَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ وَفَسْخُ الْبَيْعِ لَا عُهْدَةَ فِيهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُفْسَخُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَثْبُتَ مُعَايَنَةً كَالسَّلَمِ وَالثَّانِي أَنْ يَثْبُتَ بِعَقْدِ مُكَارَمَةٍ كَالنِّكَاحِ وَالْقَرْضِ فَأَمَّا السَّلَمُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِيهِ الْعُهْدَةَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا عُهْدَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَلَدُ الْعُهْدَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَفِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ فِيهَا عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَعُهْدَةُ السَّنَةِ تَبَعٌ لَهَا. وَقَدْ قَالَ

[الباب الأول في تفسير معنى العهدة]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعُهْدَةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQسَحْنُونٌ لَا عُهْدَةَ فِي عَبْدٍ مَأْخُوذٍ مِنْ دَيْنٍ وَلَا مَأْخُوذٍ مِنْ كِتَابَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيهِ الْعُهْدَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّ تَعْيِينَ الْعَبْدِ كَالْقَبْضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا نُقِلَ مِنْ جِنْسٍ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ فِي الذِّمَّةِ بِعَيْنٍ بِجِنْسِهِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مَحَلِّ دَرْكِ الْعُهْدَةِ] (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي مَحَلِّ دَرْكِ الْعُهْدَةِ) أَمَّا مَحَلُّ دَرْكِهَا فَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مُبَيَّنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الْبَابُ السَّادِسُ فِي حُكْمِ الْعِوَضِ مِنْهَا فِي تَعْجِيلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ] 1 ٍ أَمَّا حُكْمُهَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُهْدَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالرَّقِيقِ عُهْدَتَانِ إحْدَاهُمَا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ وَالثَّانِيَةُ عُهْدَةُ السَّنَةِ، فَأَمَّا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُ النَّقْدُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي مُدَّةِ هَذِهِ الْعُهْدَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّقْدُ فِيهَا تَوَقُّعًا لِمَعْنًى مُتَكَرِّرٍ مُتَقَدِّمٍ لِجَوَازِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ مَعَ انْفِرَادِ الْبَائِعِ بِمَعْرِفَتِهِ وَضَمَانِهِ لِلْمَبِيعِ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَكْمُلْ تَسْلِيمُهُ لِلْمَبِيعِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ قَبْضَ ثَمَنِهِ. (فَرْعٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ الَّتِي ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَلْزَمُ النَّقْدُ فِيهَا بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ أَنَّ ضَمَانَ الْبَائِعِ لِلثَّمَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَمْرٍ طَارِئٍ يُخَافُ حُدُوثُهُ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي مَعْرِفَتِهِ الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ لِسَبَبٍ مَاضٍ لَا يُتَيَقَّنُ عَدَمُهُ عَلَى الْبَائِعِ حِينَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ مُدَّةُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ اسْتِبْرَاءً لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ لَا يَلْزَمُ دَفْعُ الثَّمَنِ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ دَفْعِهِ فِيهَا كَمُدَّةِ الْخِيَارِ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ النَّقْدِ فِيهِ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَقَبْلَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَنَّ ضَمَانَ الْبَائِعِ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ لِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ التَّوْفِيَةِ فَكَانَ لِلْمُبْتَاعِ مَنْعُ الثَّمَنِ حَتَّى يُسْتَوْفَى فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ تَعْجِيلَهُ جَازَ ذَلِكَ كَشِرَاءِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْخِيَارِ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ بَطَلَ الْعَقْدُ. (فَرْعٌ) وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ وَضْعَ النَّقْدِ عَلَى يَدِهِ مَخْتُومًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعُرْبَانِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهَلْ لِلْبَائِعِ إيقَافُ الثَّمَنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَجِبُ إيقَافُهُ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَخَافُ فَلَسَهُ وَذَهَابَ مَا بِيَدِهِ وَأَنْ يَفْسُدَ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ، فَإِنْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَلْيَسْتَوْثِقْ لِي بِوَضْعِهِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ لَمْ يَلْزَمْ إخْرَاجُهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُبْتَاعِ إلَى يَدٍ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَغْرِيرٌ بِالْمَالِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا وُضِعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَتَلِفَ فَضَيَاعُهُ عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ أَخْذُهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْمَبِيعِ مُرَاعًى إنْ سُلِّمَ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَيْضًا مُرَاعًى مُعْتَبَرًا بِالْمَثْمُونِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُوقِفَ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ سُلِّمَ الْمَبِيعُ فَالثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ فَالثَّمَنُ مِنْ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْمَبِيعِ نَاقِصًا إذَا ضَاعَ الثَّمَنُ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَلَا ثَمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْجَارِيَةُ الْمَعِيبَةُ لِلْبَائِعِ وَجْهُ بَقَاءِ الْجَارِيَةِ لَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ أَنَّ هَذَا خِيَارٌ كَانَ لَهُ قَبْلَ ضَيَاعِ الثَّمَنِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِضَيَاعِ الثَّمَنِ أَصْلُهُ إذَا لَمْ يَحْدُثْ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ، وَوَجْهُ إبْطَالِ الْخِيَارِ أَنَّ حُدُوثَ النَّقْصِ فِي مُدَّةِ الْعُهْدَةِ مِنْ ضَمَانِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَا عُهْدَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا وَلَا عُهْدَةَ عِنْدَنَا إلَّا فِي الرَّقِيقِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ قَبُولُ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ التَّالِفِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إنَّمَا لَهُ أَخْذُهَا بِغُرْمِ ثَمَنٍ ثَانٍ أَوْ رَدِّهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَتْلَفَ الثَّمَنَ قَبْلَ حُدُوثِ الْعَيْبِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِثَمَنٍ آخَرَ، وَأَمَّا إنْ تَلِفَ الثَّمَنُ بَعْدَ حُدُوثِهِ وَقَبْلَ رِضَا الْمُبْتَاعِ بِهِ قَبْلَ الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ أَخْذُ الْجَارِيَةِ دُونَ ثَمَنٍ آخَرَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضَانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّقْصَ الْحَادِثَ فِي الْمَبِيعِ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ لَهُ وَبَقِيَ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ رَدَّ الْمَبِيعَ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَنٍ آخَرَ يَصِلُ إلَى الْبَائِعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ تَقَدُّمَ حُدُوثِ الْعَيْبِ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ قَبْلَ ضَيَاعِ الثَّمَنِ فَالثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِذَا ضَاعَ الثَّمَنُ قَبْلَ حُدُوثِ الْعَيْبِ فَقَدْ ضَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاخْتَارَ السِّلْعَةَ فَعَلَيْهِ ثَمَنٌ آخَرُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ النَّقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا جَائِزٍ بِالشَّرْطِ جَازَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِنَقْدٍ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُهُ كَالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ بِالْخِيَارِ فَنَقَدَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ الْبَيْعُ بِإِمْضَائِهِ وَقَطْعِ الْخِيَارِ أَخَذَ فِيهِ جَارِيَةً فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ فَآلَ ذَلِكَ إلَى فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا عُهْدَةُ السَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لَازِمٌ؛ لِأَنَّ مَا يُتَّقَى فِيهَا نَادِرٌ شَاذٌّ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُ النَّقْدِ لِسَبَبٍ مُتَوَقَّعٍ نَادِرٍ وَلِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ سَقَطَتْ فِيهَا النَّفَقَةُ عَنْ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ أَصْلُ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعُهْدَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ الْعُيُوبِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ وَحُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ فِيهِ الْعُهْدَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وَهُوَ الرَّقِيقُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَيْسَتْ فِيهِ عُهْدَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِزَمَنٍ، وَلَكِنَّ عُهْدَةَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيهِ ثَابِتَةٌ فَمَتَى اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يُمْكِنُ أَنْ يُدَلِّسَ بِهِ الْبَائِعُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ بَيْعٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ عُهْدَتَيْ الرَّقِيقِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْبَائِعُ فَمَتَى اطَّلَعَ الْمُبْتَاعُ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَرُدَّ بِهِ. هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْهُ رِوَايَةً ثَانِيَةً اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ غَيْرُ نَافِعٍ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا مِمَّا يَرَاهُ الْمُبْتَاعُ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِبَيْعِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبٍ عَلِمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ، وَالثَّانِي يَبْرَأُ مِنْهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّالِثُ يَبْرَأُ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ الدَّاءِ الْبَاطِنِ خَاصَّةً وَحَكَى عَنْهُ يَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ مَا عَلِمَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الرَّقِيقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَأْثِيرِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْبَائِعُ مِنْ الْعُيُوبِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَحُكْمُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَفِي ذَلِكَ إثْبَاتُ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَتْ أَحْكَامُهُ تُسْمَعُ وَتَنْتَقِلُ لَا سِيَّمَا إلَى مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا تَبَرُّؤٌ مِنْ عَيْبٍ اسْتَوَى فِيهِ عِلْمُ الْمُتَبَايِعِينَ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَلِمْنَاهُ، وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ نَظَرٌ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ غَرَرًا فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ بَذَلَ ثَمَنَهُ فِي مُقَابَلَةِ سِلْعَةٍ لَمْ يُعْقَدْ الْبَيْعُ عَلَى صِحَّتِهَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا يُنْقِصُ الْعَيْبُ مِنْهَا فَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا يَشْتَرِي بِهِ وَلَا قَدْرَ مَا يُسَلَّمُ، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ شُيُوخِنَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ شُذُوذِهَا تَمْنَعُ الْبَرَاءَةَ وَتُصَحِّحُ الْعَقْدَ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ فِيهَا عَلَى قِلَّةِ الْعَيْبِ مَعَ سَلَامَةِ الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْتِزَامِهَا عَلَى الظَّاهِرِ

[بيع البراءة وفيه أبواب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ السَّلَامَةِ، وَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ ثَلَاثٍ فِي عِلَلِ الرَّقِيقِ مِنْ الْحَمْلِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ لَمَّا كَثُرَ الْغَرَرُ وَمَنَعَ الْمُغِيرَةُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مِنْ عُيُوبِ الرَّقِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُتْبَعُ بِالْبَرَاءَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ حَالَ الْمَبِيعِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْهُ، وَرَوَى عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ التَّخْفِيفَ فِيهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى التَّدْلِيسِ حِينَ لَمْ يُشْرِفْ عَلَى حَالِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ تَوَقَّعَ عُيُوبًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهَا لِلتَّدْلِيسِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا بَائِعٌ لِلْبَرَاءَةِ فَلَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِحَالِ الْمَبِيعِ كَالْوَارِثِ وَالسُّلْطَانِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَبِرْ الْعَبْدَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَإِنْ بَطَلَ هُوَ فِي نَفْسِهِ فَهَذَا لَمَّا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الشَّرْطُ عَلَى وَجْهِ التَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَاشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ. [بَيْع الْبَرَاءَة وَفِيهِ أَبْوَاب] 1 (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَبْرَأُ الْبَائِعُ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا عَلِمَ مِنْ الْعُيُوبِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهِ عَيْبًا، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ بِمَا عَلِمَ لَمْ تَلْزَمْ هَذِهِ الْيَمِينُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا عَيْبٌ دَلَّسَ الْبَائِعُ بِهِ فَثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ لَمْ يُبَعْ بِالْبَرَاءَةِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي تَبْيِينِ مَحَلِّهَا مِنْ الْعُقُودِ وَالثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَحَلِّهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَالرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَالْخَامِسُ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَحَلِّ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُقُودِ] 1 (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَحَلِّ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُقُودِ) لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَلَا ذَكَرَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْبُيُوعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا تَصِحُّ فِي كُلِّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا التَّمَاثُلُ، فَمَا كَانَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ التَّمَاثُلُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْبَرَاءَةُ كَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي الْقَرْضِ وَالْقَضَاءِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا يُنَافِي التَّمَاثُلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ الْعُيُوبِ مَا لَيْسَ فِي الثَّانِي فَلَمْ يُعْلَمْ التَّمَاثُلُ، وَالْجَهْلُ بِالتَّفَاضُلِ فِيمَا يُنَافِيه التَّفَاضُلُ كَالْعِلْمِ بِهِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَحَلِّهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَحَلِّهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) الْمَبِيعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ رَقِيقٌ وَحَيَوَانٌ صَامِتٌ وَعُرُوضٌ، فَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِهِ بِالْبَرَاءَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّقِيقَ يَكْتُمُ عُيُوبَهُ وَلَا يُظْهِرُهَا سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ وَرَغْبَةً فِي بَقَائِهِ فِي مَحَلِّهِ فَكَانَ ذَلِكَ مُقَوِّيًا لَمَا يَدَّعِيه الْبَائِعُ مِنْ اسْتِوَاءِ عِلْمِهِ بِهِ وَعِلْمِ الْمُبْتَاعِ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَتَدْلِيسِهِ، وَمَا اسْتَوَى فِيهِ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الرَّدِّ بِهِ عَلِمَا أَوْ جَهِلَا، فَإِنْ قِيلَ تَارَةً يَسْتَدِلُّونَ بِكِتْمَانِهِ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَتَارَةً يَسْتَدِلُّونَ بِإِخْبَارِهِ عَلَى الْعُهْدَةِ وَهُمَا عِلْمَانِ مُتَضَادَّانِ وَحُكْمَانِ مُتَنَافِيَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ عِلْمَانِ مُتَضَادَّانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي ثُبُوتِ الْعُهْدَةِ جَوَازَ إخْبَارِهِ فَيَجِبُ نَفْيُ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مُنَافٍ لَهَا وَيَبْطُلُ حُكْمُهَا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُتَبَايِنَانِ مِنْ الرَّقِيقِ - الْكِتْمَانِ وَالْإِخْبَارِ -، وَهَذَا شَاهِدٌ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ وَلَا إنْكَارُهُ فَلَمَّا أَمْكَنَ إخْبَارُهُ أَثْبَتْنَا فِيهِ الْعُهْدَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَمَا أَثْبَتْنَا لِلْمُبْتَاعِ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ لِمَنْ اشْتَرَطَهَا إنْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِعَيْبٍ وَلَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِيهِ وَكَانَ

[الباب الثالث فيمن يجوز له البراءة من البائعين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَخْبَرَ بِهِ مُمْكِنًا مِنْهُ وَمُبَايِنًا فِيهِ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ وَرَضِيَ بِأَمَانَتِهِ فَأَثْبَتْنَا لَهُ مَا اشْتَرَطَ بِصِحَّةِ سَبَبِهِ، فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ وَتَيَقَّنَّا كَذِبَهُ أَبْطَلْنَا بَرَاءَتَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ كَانَ الظَّاهِرُ فِي تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ وَاسْتَبْرَأْنَا أَمْرَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الْبَائِعِ وَلَا غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الصَّامِتُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْبَرَاءَةُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي كُتُبِهِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْحَيَوَانَ يُفَارِقُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوِي فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتَحَوُّلِ طَبَائِعِهِ وَقَلَّمَا يَخْلُو مِنْ عَيْبٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَقَعَ الْبَيْعُ بِالْبَرَاءَةِ فِي الْحَيَوَانِ فَهَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ أَوْ يَثْبُتُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، الَّذِي تَقْتَضِيه رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَهُ الرَّدُّ وَلَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ وَقَعَ فِي الْحَيَوَانِ لَمْ أَفْسَخْهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْعُرُوضِ فَسَخْته إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ وَيَتَبَاعَدَ فَلَا أَفْسَخُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لَا أَفْسَخُهُ لِمَا وَقَعَ فِي كِتَابِ مَالِكٍ مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ، وَوَجْهُ هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لَمَّا كَانَ مُخْتَلَفًا فِي جَوَازِهِ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ عَنْ مَنْ لَا يُجِيزُهُ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ فِي نَفْسِهِ وَيَثْبُتُ الْعَقْدُ عَارِيًّا مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَرُوضُ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مَالِكًا أَثْبَتَ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَجَازَ أَنْ تَثْبُتَ فِيهِ الْبَرَاءَةُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ كَالرَّقِيقِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَجُوزُ لَهُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْبَائِعِينَ] 1 َ فِي هَذَا الْبَابِ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا فِي تَبْيِينِ مَنْ بَيْعُهُ بَيْعُ الْبَرَاءَةِ وَالثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَثْبُتُ فِي بَيْعِهِ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ وَبَيْعَ الْمَوَارِيثِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ خَاصَّةً عَلَى الْبَرَاءَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ بَيْعَ الْمَوَارِيثِ بَيْعٌ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَسْتَطِيعُ رَدَّهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ السُّلْطَانِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ حُكْمٌ، وَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ فِي حَيَاةِ مَنْ يُبَاعُ عَلَيْهِ نَفَذَ بَيْعُهُ وَكَانَ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَالْوَصِيُّ وَلَوْ بَاعَ فِي حَيَاةِ مَنْ بَاعَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَإِذَا بَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَرَاءَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَبَيْعُ السُّلْطَانِ هُوَ مَا تَوَلَّى بَيْعَهُ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مِنْ مَغْنَمٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ لِقَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ أَمَّا مَا بَاعَهُ الْوَرَثَةُ لِدُعَاءِ بَعْضِهِمْ أَوْ جَمِيعِهِمْ إلَى الْبَيْعِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ وَهَؤُلَاءِ كَجَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا فِي رَقِيقٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْوَلِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ لِحَاجَةِ الْإِنْفَاقِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : فَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ فِي ثُبُوتِ الْبَرَاءَةِ لِمَنْ اشْتَرَطَهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالشَّرْطِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِمَنْ كَانَتْ مُقْتَضَى بَيْعِهِ دُونَ شَرْطِهِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ وَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ قَضَاءِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهِ عَيْبًا، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كِتْمَانِ الرَّقِيقِ لِعُيُوبِهِ وَأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ وَلَمَّا صَحَّ هَذَا مِنْهُ وَصَحَّ أَنْ يَعْلَمَ لَمْ يَجُزْ هَذَا إلَّا بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ ادِّعَاءِ الْجَهْلِ بِعَيْبِهِ وَدُخُولِ

[الباب الرابع في تبيين ما تصح البراءة منه من العيوب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْبَرَاءَةِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي يَعْلَمُهَا الْبَائِعُ وَيَشْتَرِطُ الْبَرَاءَةَ مِنْهَا وَلَا يُسَمِّيهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْبَرَاءَةَ ثَابِتًا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً لِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ كِتْمَانِ عُيُوبِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْبَرَاءَةُ فِي كُلِّ بَيْعٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. (فَرْعٌ) إنْ قُلْنَا إنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ أَوْ بَيْعِ السُّلْطَانِ وَالْمَوَارِيثِ، فَإِنْ بَاعَ السُّلْطَانُ أَوْ بَاعَ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَيْعُ مَغْنَمٍ وَلَا بَيْعٌ عَلَى مُفْلِسٍ وَلَا بَيْعُ مَوَارِيثَ فَهَلْ يَكُونُ عَلَى الْبَرَاءَةِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ عَلَى الْبَرَاءَةِ إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ أَوْ سُلْطَانٍ، وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ وَبَيْعَ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ أَمْرٌ مَشْهُورٌ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ وَجَمْعٍ فَيُحْمَلُ عَلَى حُكْمِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْجَهْلَ بِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ النَّاسَ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يُحْمَلُ بَيْعُهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُبْتَاعُ أَنَّ الْبَائِعَ مِمَّنْ يَقْتَضِي بَيْعُهُ الْبَرَاءَةَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ أَوْ الْإِمْسَاكِ، وَذَلِكَ كَعَيْبٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْوَصِيِّ أَوْ الْوَرَثَةِ الْمَوَارِيثَ إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ بَيْعُ بَرَاءَةٍ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَبَيْعِ السُّلْطَانِ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ بَيْعَ السُّلْطَانِ مَشْهُورٌ وَلَا يَكَادُ يَخْفَى، وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَبَيْعُهُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ بَيْعِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبَيِّنَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَيْعُ مِيرَاثٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَكُونُ فِي بَيْعِ الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمَّا اُلْتُزِمَتْ وَصَادَفَتْ مَحَلَّهَا لَزِمَتْ الْعَقْدَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاقِدُ بِمَحَلِّ ثُبُوتِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ الثَّانِيَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَثْبُتَ لِمَعْنًى فِي الْبَائِعِ وَالثَّانِي أَنَّ تَثْبُتَ بِالشَّرْطِ عَلَى رِوَايَةِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَا تَثْبُتُ لِمَعْنًى فِي الْبَائِعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِعُيُوبِ الْمَبِيعِ وَتَفْوِيتِ الثَّمَنِ بِدَفْعِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَبَيْعِ السُّلْطَانِ وَالْمَوَارِيثِ، فَفِي هَذَا إنْ اطَّلَعَ الْمُبْتَاعُ عَلَى عَيْبٍ قَبْلَ تَفْوِيتِ الثَّمَنِ أُقِيلَ مِنْهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِيهِ لِمَعْنَيَيْنِ الْجَهْلِ بِالْعُيُوبِ وَفَوَاتِ الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ قَائِمٌ بَعْدُ لَمْ يَفُتْ، وَأَمَّا إنْ قَامَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ تَفْوِيتِ الثَّمَنِ فَقَدْ لَزِمَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَلَا قِيَامَ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِاشْتِرَاطِ الْبَائِعِ الْبَرَاءَةَ فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْبَائِعُ فَاتَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يَفُتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَزِمَهُ بِشَرْطٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ بِنَفْسِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مِنْ الْعُيُوبِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ مِنْ الْعُيُوبِ) ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَرَاءَةٌ خَاصَّةٌ وَبَرَاءَةٌ عَامَّةٌ، فَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ، وَالثَّانِي مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالثَّالِثُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ، فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ فَهُوَ إذَا أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْءِ الْأَمَةِ وَتَبَرَّأَ مِنْ حَمْلِهَا ظَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ هَاهُنَا غَيْرُ عَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ حَمْلٍ يَلْزَمُهُ بِإِجْمَاعٍ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَبَرَّأَ مِنْ حَمْلِ جَارِيَةٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ نَقَلَ ضَمَانًا مُتَّفَقًا عَلَى مَحَلِّهِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ فَهُوَ بَيْعُ الْأَمَةِ الرَّائِعَةِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ حَمْلِهَا الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ مَعَ إنْكَارِ وَطْئِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَوْدِ لِكَثْرَةِ مَا يُنْقِصُ الْحَمْلُ مِنْ قِيمَتِهَا فَيَتَفَاوَتُ الْغَرَرُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَفَاوُتِ قِيمَتِهَا إنْ سَلِمَتْ مِنْ الْحَمْلِ أَوْ نَقْصِهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَأَمَّا غَيْرُ الرَّائِعَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَهَذَا فِي السُّرِّيَّةِ، وَأَمَّا ذَاتُ الزَّوْجِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا تُرَدُّ لِحَمْلٍ يَظْهَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ ابْتَاعَهَا الْمُبْتَاعُ وَكَذَلِكَ الْمَشْهُورَةُ بِالزِّنَى حَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ التَّبَرِّي فِيهِمَا بِحَمْلٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَذْهَبُ مِنْهُمَا الْكَبِيرُ مِنْ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ حَمْلٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ الْحَمْلِ مَعَ إقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا أَوْ مَعَ نَفْيِهِ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ اسْتِبْرَائِهَا، فَإِنْ نَفَى وَطْأَهَا فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي بِقَبْضِهَا، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةِ اسْتِبْرَائِهَا وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَدْ يُسْقِطُ مَا شُرِطَ فِيهِ وَرَجَعَ إلَى مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ إنَّمَا يُرَدُّ فَاسِدُهُ إلَى مُقْتَضَى صَحِيحِهِ وَمُقْتَضَى صَحِيحِ هَذَا الْعَقْدِ أَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْقَبْضِ فَكَذَلِكَ فَاسِدُهُ كَمَنْ شَرَطَ النَّقْدَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَبِيعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا بَيْعُ الرَّائِعَةِ الظَّاهِرَةِ الْحَمْلِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ الْبَائِعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَيَنْتَفِي بِذَلِكَ الْغَرَرُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حَمْلٍ ظَاهِرٍ وَلَا غَيْرِ ظَاهِرٍ فِي وَخَشٍ وَلَا غَيْرِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَشِرَاءُ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ الرَّمَكَةِ لِأَنَّهَا عُقُوقٌ وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ وَالْإِبِلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ هِيَ عُقُوقٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَجْهُ مَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ مَنْ بَاعَ الرَّمَكَةَ أَوْ الشَّاةَ عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَقَدْ أَخَذَ لِلْجَنِينِ ثَمَنًا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبَاقُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْمَظْنُونَةِ، وَإِنْ زَادَتْ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ رُدَّ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِنَاءٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ حَوَالَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ إنْ اطَّلَعَ بَعْدَ وَقْتٍ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ كِنَانَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَاعَهَا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ مَضَى الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ يُنْزِي عَلَيْهَا الْفَحْلَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَلَمْ يَجِدْهَا حَامِلًا فَلْيَرُدَّهَا، وَأَمَّا الْجَوَارِي، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُرْتَفَعَاتِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا يَزِيدُ فِيهَا الْحَمْلُ فَلَهُ رَدُّهَا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ التَّبَرِّي بِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا يَخْتَلِفُ وَضَرْبٌ يَخْتَلِفُ، فَأَمَّا مَا يَخْتَلِفُ كَالْعَوَرِ مِنْ ذَهَابِ الْعَيْنِ وَقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْكُوعِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ بِتَسْمِيَتِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَالدَّبْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا بِالتَّسْمِيَةِ الْمُحْتَمَلَةِ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمِقْدَارَ أَوْ يُرِيَهُ الْمُبْتَاعَ إنْ كَانَ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقَعُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَوْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِالْكَثِيرِ مِنْهُ لَمَا رَضِيَهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا فَهَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَوْ يَثْبُتُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَقْدَ ثَابِتٌ وَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إنْ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى الْفَاحِشِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى السَّلَامَةِ إلَّا مِمَّا يَقْتَضِيه إطْلَاقُ اللَّفْظِ وَهُوَ الْمُعْتَادُ مِنْهُ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى الْفَاحِشِ الْمُتَفَاوِتِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا، فَإِنْ اطَّلَعَ بَعْدُ عَلَى عَيْبٍ كَانَ لَهُ الرَّدُّ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَبِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَتَفَاوَتُ مَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَمْ يَخْتَصَّ اللَّفْظُ بِالْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى الْغَرَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ كَالتَّبَرِّي مِنْ حَمْلٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ فِي الْمُرْتَفِعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْإِبَاقِ وَدَاءِ الْفَرْجِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : ، وَإِنْ تَبَرَّأَ إلَيْهِ بِعُيُوبٍ لَيْسَتْ بِهِ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ وَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِمَّا سَمَّى لَهُ وَلَمْ يُرِهِ إيَّاهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَة وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّلْفِيقَ وَاللَّغْزَ بِذِكْرِهِ مَا لَيْسَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الْعُيُوبِ، وَالْمُبْتَاعُ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ لَهُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ عَيْبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَنْفَعُ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَهُ الْبَائِعُ، وَإِنْ سَمَّاهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ بِالْمَبِيعِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْرَدَ لَهُ عَيْبًا حَتَّى يُخْبِرَهُ أَنَّهُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَبَرَّأَ مِنْ عَوَرٍ وَلَمْ يُرِهِ إيَّاهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّهُ بِالْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ تَشَدُّدٌ فِي الْبَيْعِ وَاسْتِظْهَارٌ فِي التَّحَرُّزِ فَلَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ حَقَّهُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ ابْتَعْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَأَتَبَرَّأُ إلَيْك مِنْ عَيْبِ كَذَا وَلَيْسَ بِهِ أَوْ لَا عِلْمَ لِي أَوْ يَقُولُ لَهُ إنْ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبَ كَذَا فَلَا رَدَّ لَك بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَرَاءَةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى تَحَقُّقِ وُجُودِهِ بِالْمَبِيعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا تَبَرَّأَ بِالْعَيْبِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنْ جَاءَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُيُوبِ الْخَفِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الظَّاهِرَةِ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ الرِّضَا بِهَا أَوْ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَخْفَى لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ الْقِيَامُ بِهِ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى السَّلَامَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَبَرِّي الْبَائِعِ بَعْدَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ صِدْقَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدَمِ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَيْبِ لِيَرْضَى بِهِ الْمُبْتَاعُ أَوْ يَرُدَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ صِدْقَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ كَالْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا وَضَعَ الْبَائِعُ دِينَارًا مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُيُوبِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ قَالَ أَصْبَغُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ وَيَجُوزُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَك عَلَى الْبَرَاءَةِ جَائِزٌ وَالْبَرَاءَةُ فِيهَا ثَابِتَةٌ، وَهَذَا يُشْبِهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَصْبَغُ وَاحْتَجَّ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إلْحَاقَ هَذَا بِالْعَقْدِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ يَصِحُّ كَمُشْتَرِي مَالِ الْعَبْدِ بَعْدَ الصَّفْقَةِ وَمُشْتَرٍ كَيْلًا مِنْ صُبْرَةٍ قَدْ بَاعَهَا جُزَافًا عَلَى مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ مِنْهَا حِينَ الْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ يَضَعُ مِنْهُ دِينَارًا لِعُيُوبِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الدَّابَّةِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ عَيْبًا رَدَّ الْمَبِيعَ كَمَنْ نَكَحَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ تَرَكَ لَهُ دِينَارًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الدَّابَّةِ وَقِيَاسُهُ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَوْ اُشْتُرِطَ فِيهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْعَقْدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ الْعَامَّةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَرَاءَةَ مِمَّا يَعْلَمُ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُ جُمْلَةً فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ بَرَاءَةً عَامَّةً مِمَّا لَا يَعْلَمُ فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ؟ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا مِنْ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا كَالْعَوَرِ أَوْ خَفِيًّا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا الْمُغِيرَةَ فَإِنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَ، فَإِنْ جَاوَزَ الثُّلُثَ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ

[العيب في الرقيق وفيه أبواب]

الْعَيْبُ فِي الرَّقِيقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْغُلَامِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدُ فَصَحَّ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعُ وَلَا الْبَيْعُ مُعَرَّضٌ لَهُ فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الثُّلُثُ فَأَقَلَّ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ هَذَا عَيْبٌ يُذْهِبُ مُعْظَمَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ إطْلَاقُ الْبَرَاءَةِ كَالْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا لَا شَكَّ تَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ الرَّائِعَةِ بِالْبَرَاءَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ الْحَمْلُ فِي الْبَرَاءَةِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَمْلِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْجَارِيَةِ الْمَسْبِيَّةِ تَقَعُ فِي سَهْمِ الرَّجُلِ أَوْ يَشْتَرِيهَا فِي الْمَقَاسِمِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَلْتَذَّ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِمَا دُونَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَقَاسِمِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ فَلَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ يَرُدَّهَا بِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ لِلْحَمْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْعَامَّةَ فِيمَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْبَرَاءَةِ دُونَ مَا لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ كَمَا لَا تَتَنَاوَلُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ. (فَصْلٌ) : ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ بَاقِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ، فَإِنْ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا يُرِيدُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيمَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْهَا، فَإِنْ وَقَعَ هَذَا وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْبَرَاءَةِ هُوَ السُّلْطَانُ، وَقَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ، وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَ بِهِ مِنْ بَيْعٍ عَلَيْهِ مِنْ مُفْلِسٍ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَثْبُتُ فِيمَا عَلِمَ مِنْ الْعُيُوبِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ، وَرَوَى دَاوُد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَشْهَدَ عَلَى الْغَرِيمِ أَنَّهُ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ وُجِدَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ قَدْ فُرِّقَ عَلَى الْغُرَمَاءِ. (فَرْعٌ) وَبِمَا يَثْبُتُ تَدْلِيسُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُفْلِسَ عَلِمَ بِالْعَيْبِ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِمَا عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِمَا قَبَضُوا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِرْجَاعِ مَا بِأَيْدِيهِمْ وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُمْسِكَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعَهُ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا حَجَرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُ الْقِيَامُ بِالْعَيْبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَيَأْخُذُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْغُرَمَاءُ عَلَى غَرِيمِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ رَدَّهُ وَأَخْذَ الثَّمَنِ. [الْعَيْبُ فِي الرَّقِيقِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَضَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْيَمِينِ أَنَّهُ مَا كَتَمَ عَيْبًا عَلِمَهُ تَجْوِيزٌ مِنْهُ لِبَيْعِ الْإِنْسَانِ عَبْدَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَإِعْمَالٌ مِنْهُ بِالْبَرَاءَةِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ مِنْ الْعُيُوبِ دُونَ مَا عَلِمَ وَأَبْقَى لِلْمُبْتَاعِ حُكْمَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِيمَا عَلِمَ بِهِ الْبَائِعُ وَكَتَمَهُ، وَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَشُكُّ فِي فَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِكِتْمَانِ عَيْبِهِ وَالتَّدْلِيسِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْأَحْكَامَ فِي الْحُقُوقِ وَالْمُعَامَلَاتِ جَارِيَةٌ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فِي الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حَالُهُمَا فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالتُّهْمَةِ وَظَاهِرُهَا سَالِمٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ تُبْرِئُهُ فِيمَا عَلِمَ مِنْ الْعُيُوبِ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَمْ يُسَوِّغْهُ ذَلِكَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْبَائِعُ بِالْبَرَاءَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَ بِالْبَرَاءَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَحَمَلَتْ أَوْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَكُلَّ أَمْرٍ دَخَلَهُ الْفَوْتُ حَتَّى لَا يُسْتَطَاعَ رَدُّهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهَذَا مَتَى اطَّلَعَ الْمُبْتَاعُ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ وَادَّعَى عِلْمَ الْبَائِعِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ إنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ لَا خِلَافَ فِي هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عِلْمَ الْبَائِعِ بِهِ وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَيْضًا مِنْ الْمَذْهَبِ لُزُومُ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ لِلْحُكْمِ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَدَّعِ الْعِلْمَ، وَإِنَّمَا قَالَ بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي فَأَوْجَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ لِذَلِكَ الْيَمِينَ دُونَ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْنَا فِي الْحَدِيثِ سُؤَالُهُ هَلْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَمْ لَا وَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَدِّ الْيَمِينِ أَنْ لَا يَمِينَ لِلْمُبْتَاعِ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَهُ بِالْعَيْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة يَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ بِأَمْرٍ لَا يُشَكُّ فِي كَذِبِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِأَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَلِمَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ مَنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ صِغَارِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ يَكْبَرُ فِي الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا يَعْلَمُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّبَايُعِ فَلَمْ يَحْكُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ حَتَّى كَبِرَ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيه رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تَنْعَقِدُ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ الصَّغِيرَ وَلَا الْغَائِبَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالصَّغِيرِ مِنْ لَا يَفْهَمُ الْأَمْرَ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِصِغَرِهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ كَانَ يُوجِبُ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا وَيَقُولُ لَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَهُمَا ذَلِكَ بِخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَا كَمَا يَحْلِفَانِ مَعَ شَاهِدِهِمَا عَلَى مَا وَجَبَ لِمَوْرُوثِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ رَدَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمُبْتَاعَ يَمِينٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يَدَّعِ أَمْرًا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِيهِ الْيَمِينَ، وَإِنَّمَا قَامَ بِعَيْبٍ مَوْجُودٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ مِنْهُ وَاَلَّذِي يُبْرِئُ الْبَائِعَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ فَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنَّ الْيَمِينَ فِي الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَ لَهَا مَحَلٌّ فَحُكْمُهَا أَنْ تُنْقَلَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ الْمُعَلَّقَةِ بِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا تُيُقِّنَ مِنْ الْعُيُوبِ أَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ زَمَنِ التَّبَايُعِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى عِلْمِهِ كَمَا يَحْلِفُ فِيمَا تُيُقِّنَ قِدَمُهُ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ فِي حِينِ التَّبَايُعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَى تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ نَفْيَ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ التَّبَايُعِ فَهُوَ الْيَمِينُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إثْبَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فَأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَهَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ الْمُبْتَاعُ عَيْبًا، وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّصْدِيقِ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فَمَنْ جَوَّزَ اشْتِرَاطَ التَّصْدِيقِ دُونَ يَمِينٍ قَضَى هَاهُنَا بِأَنْ لَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ، وَمَنْ لَا يُجَوِّزُ اشْتِرَاطَ التَّصْدِيقِ فَالْيَمِينُ لَازِمَةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّه أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ إبَاؤُهُ عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ دَلَّسَ بِعَيْبِهِ، وَعِلْمُهُ وَفَهْمُهُ يَقْتَضِي مَعْرِفَتَهُ بِأَنْ لَا إثْمَ فِي يَمِينٍ بَارَّةٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَيْعَ بِالْبَرَاءَةِ يُبْرِئُهُ مِمَّا عَلِمَ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالثَّانِي التَّصَاوُنُ عَنْ اقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ بِالْأَيْمَانِ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ ذَوِي الْأَنْسَابِ وَالْأَقْدَارِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ هَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ، وَجَمِيعُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى تَفْسِيرٍ يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْعُيُوبَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُمْكِنُ الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ وَالثَّانِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ، فَأَمَّا مَا يُمْكِن الْبَائِعَ مَعْرِفَتُهُ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ بِحُكْمِ تَدْلِيسِهِ بِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُفْسِدُ تَدْلِيسَهُ بِهِ الْعَيْبُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَأَثْبَتَ لَهُ إمْسَاكَهَا إنْ رَضِيَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهَا، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ نَقْصَ الْمَبِيعِ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى رِزْمَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةَ أَثْوَابٍ فَأَلْفَاهَا تِسْعَةً أَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشْرَةَ أَرَادِبَ فَأَلْفَاهَا تِسْعَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بِحَبْسِهِ لَمْ تَدْخُلْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَالثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ تَفُتْ عَيْنُهُ وَالثَّالِثُ: أَنْ تَفُوتَ عَيْنُهُ، فَأَمَّا الْحَالُ الْأُولَى فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُمْسِكَهُ مَعِيبًا وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ابْتَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَاطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ ثَبَتَ لَهُمَا خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَأَبَى مِنْهُ الثَّانِي فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَهُ ذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ بَيْعَ الْوَاحِدِ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَالْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَوْجَبَ لَهُمَا فَإِنَّ لِأَحَدِهِمَا الْقَبُولَ دُونَ الثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: تَعْيِينُ الْمَسْأَلَةِ. فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَاقِدَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدَيْنِ أَصْلُهُ إذَا بَاعَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ ابْتَاعَ مِنْهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَهُ كَالْوَاجِبِ فِيهِ لِوَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا تَفْرِيعَ فِيهِ وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَأَرَادَ الْآخِرُ الْإِمْسَاكَ، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَلَا مِرْيَةَ أَنَّ لِمَنْ لَمْ يُرِ

كَانَ بِهِ عَيْبٌ عِنْدَ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَرَدَّ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[الباب الأول في بيان العقود التي يثبت فيها الرد بالعيب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنِصْفَهُ، ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَى عَيْبٍ فَيُرِيدُ الرَّدَّ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُجِيزَ رَدَّ النِّصْفِ الْبَاقِي بِيَدِهِ أَوْ تَرُدَّ عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَيْبِ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَرُدَّا جَمِيعًا أَوْ يُمْسِكَا جَمِيعًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ ذَلِكَ الْقِيَاسِ إذَا رَدَّ أَحَدُهُمَا وَأَمْسَكَ الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَأَبَاهُ الثَّانِي تَقَاوَمَاهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا كُلَّهُ، وَفِي هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الْعُيُوبِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْعُقُودِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ الْعُيُوبِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الرَّدُّ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَحْدُثُ بِالْمَبِيعِ مِمَّا يَثْبُتُ لِلْمُبْتَاعِ بِهِ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْمَبِيعِ أَوْ الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمَعَانِي الَّتِي يَفُوتُ بِهَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ جُمْلَةً. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْعُقُودِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ] الْعُقُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عَقْدٌ مُخْتَصٌّ بِالْعِوَضِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَهَذِهِ يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي عَقْدٌ مُخْتَصٌّ بِالْمُكَارَمَةِ وَنَفْيِ الْعِوَضِ كَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ فَهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ عُقُودٌ ظَاهِرُهَا الْمُكَارَمَةُ وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمُعَاوَضَةِ كَالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ فَهَذِهِ حَكَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَرُدُّ بِعَيْبٍ، وَعَنْ الْمُغِيرَةِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا فِي الْعَيْبِ الْمُفْسِدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ، وَهَذَا يُنَافِي الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَايَسَةُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ الْعُيُوبِ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الرَّدُّ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ غَيْرِهَا] 1 الْعُيُوبُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مُجْمَلَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَثْبُتَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَرْطٍ، فَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ لِكُلِّ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ هُوَ نَقْصٌ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي نَقْصٌ فِي غَيْرِ عَيْنِهِ لَكِنَّهُ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ، فَأَمَّا مَا هُوَ نَقْصٌ فِي عَيْنِهِ كَالْعَوَرِ وَالْعَمَى وَقَطْعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ وَوُجُودِ الظَّفَرَةِ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْبَيَاضِ وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ وَالْبُكْمِ إلَّا فِي الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهُ وَالْعُسْرِ فِي الْعَبْدِ بِأَنْ لَا يَعْمَلُ بِيُمْنَاهُ وَالْبَخَرُ فِي الْفَمِ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَضْرُسُ، فَإِنَّ نَقْصَ الضِّرْسِ الْوَاحِدِ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ حَيْثُ كَانَ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي غَيْرِ الرَّائِعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ أَوْ يَنْقُصُ ضِرْسَانِ حَيْثُ كَانَا فَإِنَّهُ عَيْبٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الضِّرْسَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَثِّرُ كَبِيرَ نَقْصٍ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ إلَّا أَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِ الرَّائِعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّقَى مِنْهُ تَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ حَيْثُ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَإِذَا كَانَ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ فَإِنَّهُ يَقْبُحُ مَنْظَرِهِ فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ الرَّائِعَةُ وَغَيْرُهَا، وَالضِّرْسَانِ مُؤَثِّرَانِ وَمَانِعَانِ مِنْ قُوَّةِ الْأَكْلِ وَعَجَلَتِهِ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى شِدَّةِ مَضْغٍ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي وَالْأَسْبَابُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِنَقْصِ الثَّمَنِ فِيمَا يُنْقِصُ هُوَ عَيْبُ الرَّدِّ، وَمَا لَا يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَلَا حُكْمَ فِيهِ لِلرَّدِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشَّيْبُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تُرَدُّ بِهِ الرَّائِعَةُ وَلَا يُرَدُّ بِهِ غَيْرُهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهَذَا فِي الشَّابَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا تُرَدُّ الرَّائِعَةُ إلَّا بِكَثِيرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرِّوَايَتَانِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الشَّيْبِ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ كَالْخَالِ يَكُونُ وَالشَّعْرَةُ وَالشَّعْرَتَانِ تَبْدُو مِمَّا لَا يُسَمِّجُ وَلَا يُرَى إلَّا مَعَ فَرْطِ التَّأَمُّلِ وَالتَّفْتِيشِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْجَمَالِ فَاخْتَصَّ بِالرَّائِعَةِ دُونَ غَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ فَعَيْبٌ فِي عِلَلِ الرَّقِيقِ وَوَخْشِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَتْ الِاسْتِحَاضَةُ تَعْتَرِيهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُبَيِّنَ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ مِمَّا يُكْرَهُ وَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي التَّوَقِّي مِنْهُ وَلَيْسَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ارْتِفَاعِ الْحَيْضِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا تَرُدُّ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ إلَّا فِي الدَّمِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا تُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ بِالْحَيْضِ قَدْ لَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِحَاضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ وَهَذِهِ الِاسْتِحَاضَةُ الَّتِي تَكُونُ عَيْبًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ شَهْرَانِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى قَدْرِ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا ارْتِفَاعُ الْحَيْضِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَتَى مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ ضَرَرٌ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَبْلَ هَذَا إنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ التَّبَرِّي مِنْهُ وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي تَأَخُّرِهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ الضَّرَرُ وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الَّتِي لَمْ يَأْتِ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ مَا خَالَفَ الْمَعْهُودَ، وَإِنَّمَا اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَمْلُ عَيْبٌ فِي الْمُرْتَفِعَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْوَخْشُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عَيْبٌ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِنَّ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَيْبٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْوَخْشِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْحَمْلِ فِي الْوَخْشِ لَا يُؤَثِّرُ كَبِيرَ تَأْثِيرٍ وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ نَقْصًا فِيهِنَّ وَلِذُلِّك يَجُوزُ بَيْعُهُنَّ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ تَدُورُ عَلَى هَذَا، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ رُدَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَاعَهَا فِي جُمْلَةِ رَقِيقٍ لَمْ يَرُدَّهَا بِعَيْبِ الْحَمْلِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُرَدُّ بِالْحَمْلِ فَكَيْفَ يَكُونُ وَجْهُ الرَّدِّ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَجَاءَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يُرَدَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ لَهُ الرَّدُّ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ مَا يَقْدُمُ وَيَحْدُثُ مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ يَثْبُتُ الرَّدُّ بِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الزَّعَرُ فَإِنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْعَانَةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِلَذَّةِ الْوَطْءِ، وَهَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْفَرْجِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تُتَّقَى عَاقِبَتُهُ مِنْ الدَّاءِ السُّوءِ يَعْنِي الْجُذَامَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ فِي آبَاءِ الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ مَجْذُومٌ أَوْ مَجْذُومَةٌ فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ وَخْشًا كَانَ أَوْ رَائِعًا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُتَّقَى سِرَايَتُهُ إلَى الْوَلَدِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَحَدُ أَجْدَادِ الْأَمَةِ أَسْوَدَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ لَا رَدَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ عَيْبٍ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عَيْبٌ فِي الرَّائِعَةِ قَالَ لِمَا يُتَّقَى أَنْ يَخْرُجَ وَلَدُهُ مِنْهَا أَسْوَدَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عُيُوبُ الدَّوَابِّ الَّذِي يُزَهِّدُ فِيهَا وَيُنْقِصُ مِنْ أَثْمَانِهَا، فَإِنْ كَانَ خِلْقَةً كَالْعَوَرِ وَالْجَرَدِ أَوْ حَادِثًا كَالرَّمَصِ وَالدَّبَرِ وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَبِيعَاتِ غَيْرُ الرِّبَاعِ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا مِنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ ثَمَنَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّارُ فَإِنْ وَجَدَ بِهَا صَدْعًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَمَّا مَا يُخَافُ مِنْهُ سُقُوطُ الدَّارِ فَيُرَدُّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعُيُوبُ فِي الرِّبَاعِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَسْتَغْرِقَ مُعْظَمَ الثَّمَنِ فَهَذَا يُرَدُّ بِهِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا لَا يُرَدُّ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِيهِ، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصَ مُعْظَمُهُ فَهَذَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَلَا تُرَدُّ بِهِ الدَّارُ وَرَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّهُ تُرَدُّ بِهِ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الدَّارَ تُخَالِفُ سَائِرَ الْمَبِيعَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ مِنْهَا الْيَسِيرَ لَزِمَ الْبَاقِي بِالثَّمَنِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ مِنْ الْعَبْدِ الْيَسِيرِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِي بِالثَّمَنِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ أَحَدٌ الْعَقْدَ فِيهَا وَاسْتَحَقَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُ جُدْرَانِهَا الْأَرْبَعَ لَمْ يَرْجِعْ الْمُبْتَاعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ غَالِبًا إلَّا لِلْقُنْيَةِ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْأَثْمَانَ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ سَاوَى بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا بَيْعٌ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مَا لَمْ يَفُتْ كَالْحَيَوَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يُنْقِصُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ وَلَا يُنْقِصُ جَسَدَهُ كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْحَدِّ فِيهِ فِي الرَّقِيقِ، وَالزِّنَى فِي الْأَمَةِ، وَالْحِرَانِ فِي الْفَرَسِ، أَوْ النِّفَارِ الْمُفْرِطِ فِي الدَّوَابِّ أَوْ قِلَّةِ الْأَكْلِ الْمُفْرِطِ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ، فَأَمَّا الزِّنَى فِي الْعَبْدِ فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُرَدُّ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ زِنًى وُجِدَ فِي مَمْلُوكٍ فَكَانَ لِمَنْ ابْتَاعَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا لَوْ كَانَ جَارِيَةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ فِي حَالِ الْكِبْرِ فَعَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ رَائِعَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ رَائِعَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُرَدُّ بِهِ الْعَبْدُ وَتُرَدُّ بِهِ الْأَمَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَرْعٌ) وَلَا تُرَدُّ بِالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ إلَّا بِشُبْهَةٍ مِثْلِ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ لَهُ امْرَأَةٌ تَنْظُرُ إلَيْهَا فَتُخْبِرُ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَوْ الرَّجُلُ فَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ أَتَى الْمُبْتَاعُ بِمَنْ تَنْظُرُ إلَى مَرْقَدِهَا بِالْغَدَوَاتِ مَبْلُولًا فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : التَّأْنِيثُ فِي الْعَبْدِ وَالتَّرَجُّلُ فِي الْأَمَةِ عَيْبٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُتَخَنِّثًا أَوْ تَكُونَ الْأَمَةُ مُتَرَجِّلَةً كَشِرَارِ النِّسَاءِ، فَأَمَّا تَرْصِيعُ كَلَامِ الرَّجُلِ وَتَذْكِيرُ كَلَامِ الْمَرْأَةِ فَلَا يُرَدَّانِ بِهِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُرَدُّ الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُؤَنَّثًا وَالْأَمَةُ إنْ كَانَتْ مُذَكَّرَةً وَاشْتَهَرَا بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّقَلِّيِّينَ لَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافٍ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالدَّيْنُ عَلَى الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ لِلْأَمَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُرَدُّ بِهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْأَمَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَدَاءِ الْفَرْجِ وَالزَّوْجَةِ فِي الْعَبْدِ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ هَذَا يُبْطِلُ عَلَى سَيِّدِهِ مِنْهُ حُكْمًا مَقْصُودًا وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْأُمُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمِيلُ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ وَيَصْرِفُ إلَيْهِمْ فَضْلَ كَسْبِهِ وَبَعْضَ قُوتِهِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِغَلَّتِهِ وَقُوتِهِ، وَأَمَّا الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَسَائِرُ الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِمْ رَدٌّ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمْ أَبْعَدُ وَالضَّرَرَ بِهِمْ أَقَلُّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عِثَارُ الدَّابَّةِ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ بَائِعِهَا بِشَهَادَةٍ أَوْ إقْرَارٍ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَكَانَ عِثَارُهَا قَرِيبًا مِنْ بَيْعِهَا حَلَفَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِذَلِكَ، وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بِهَا بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ وَمُدَّةٍ يَحْدُثُ الْعِثَارُ فِي مِثْلِهَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَهَذِهِ الْعُيُوبُ كُلُّهَا إنَّمَا يُرَدُّ بِهَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَدَعَا الْمُبْتَاعُ إلَى يَمِينٍ الْبَائِعَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاقِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَى يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ، وَجْهُ نَفْيِ الْيَمِينِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ اسْتَحْلَفَ الْبَائِعَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَوَجْهُ إثْبَاتِ الْيَمِينِ أَنَّهُ عَيْبٌ ثَابِتٌ يُشَكُّ فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ فَلَزِمَ الْبَائِعَ الْيَمِينُ لِيَبْرَأَ مِنْهُ كَعَيْبٍ وَجَدَهُ فِي جَسَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ نُطْقًا، وَالثَّانِي أَنْ يُصِيبَ الْبَائِعُ بِهِ الْمَبِيعَ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةَ الْمَبِيعِ وَعُرْفَهُ، فَأَمَّا مَا شَرَطَهُ نُطْقًا فَإِنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْأَعْلَى مِنْ جِهَتِهِ الْيَمِينُ فَوَجَدَ خِلَافَهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ اشْتَرَطَ الْأَدْوَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ

[الباب الثالث ما يحدث بالمبيع مما يثبت به الخيار للمبتاع في الرد بالعيب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَرَضٌ يُعْرَفُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ فَيَشْتَرِي أَمَةً عَلَى أَنَّهَا نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ تَكُونَ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ لَا يَمْلِكَ مُسْلِمَةً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ الرَّدُّ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا رَدَّ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ عَلَى شَرْطٍ وَزِيَادَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ أَعْوَرُ فَإِذَا هُوَ يُبْصِرُ بِعَيْنِهِ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا خَرَجَ لَهُ الْمَبِيعُ عَلَى غَيْرِ الْمِلَّةِ الَّتِي شَرَطَ وَلَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ صَحِيح فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَخَرَجَ كَافِرًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ فَأَلْفَاهُ فَصِيحًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَجْلُوبٌ فَأَلْفَاهُ مُوَلَّدًا فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ زِيَادَةً كَانَ أَوْ وَضَيْعَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَجْلُوبِ أَرْغَبُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رَوَى عَلِيُّ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرَّقِيقِ يُجْلَبُ مِنْ طَرَابُلُسَ فَيَدْخُلُ الْمِصْرِيُّ رَأْسًا بَيْنَهُمَا فَيُبَاعُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَى لِلْمُبْتَاعِ رَدَّهُ وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ وَالْحَمِيرُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ خَلَطَ سِلْعَتَهُ بِتَرِكَةِ مَيِّتٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدَّ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَصِفُ بِهِ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ أَوْ يَصِفُ الرَّقِيقُ بِهِ نَفْسَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ هِيَ بِكْرٌ أَوْ هِيَ طَبَّاخَةٌ، ثُمَّ لَمْ تُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ دَخَلَ عَلَى مَا وُصِفَتْ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ وَعَادَةٌ فَوَجَدَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَاقَةً يَحْمِلُ عَلَى مِثْلِهَا فَلَمَّا جَاءَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا لَمْ تَنْهَضْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ الرَّدُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا إلَّا عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مِنْ مِثْلِهَا فَإِذَا كَانَ مِثْلُهَا يَحْمِلُ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ عَجَفٍ أَوْ مَرَضٍ فَقَدْ خَالَفَتْ الْمَعْهُودَ مِنْ مِثْلِهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَنْقُصَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى قَلَانِسَ فَوَجَدَ حَشْوَهَا صُوفًا أَوْ كَانَتْ مِنْ خِرَقٍ بَالِيَةٍ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ لَا تُصْنَعُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، فَإِنْ كَانَ حَشْوُهَا صُوفًا بِالرَّفِيعَةِ تُرَدُّ وَلَا تُرَدُّ الدَّنِيَّةُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ أَنَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِأَمْرٍ فَوَجَدَ أَقَلَّ مِنْهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ وَمَا وَجَدَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَخَلَ فَلَا رَدَّ بِهِ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ اشْتَرَى قَمِيصًا فَوَجَدَ سَابِقَهُ أَدْنَى رُقْعَةٍ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ كُمَّيْهِ وَكَذَلِكَ مَعْقِدُ السَّرَاوِيلِ إنْ كَانَ مُتَقَارِبًا فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ. [الْبَاب الثَّالِث مَا يَحْدُثُ بِالْمَبِيعِ مِمَّا يَثْبُت بِهِ الْخِيَار لِلْمُبْتَاعِ فِي الرد بالعيب] 1 (بَابٌ) وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِالْمَبِيعِ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الرُّجُوعِ بِقِيمَتِهِ فَسَيَأْتِي ذِكْرَهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [الْبَاب الرَّابِع مَا يُفِيتُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ] (بَابٌ) وَأَمَّا مَا يُفِيتُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَفُوتَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ، وَلَكِنْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا أَحَالَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَعْقِدَ فِيهِ عَقْدًا يَمْنَعُ مِنْ رَدِّهِ، فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِثْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُعْتِقَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَمَعَ هَذَا كُلِّهِ قَدْ فَاتَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَخَذَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ مَا يُقَابِلُ الْعَيْبَ مِنْ الثَّمَنِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا فِي تَدْلِيسٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ إلَّا بِالْأَقَلِّ مِنْ الْبَقِيَّةِ أَوْ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَرَدَّ عَلَيْهِ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَقَدْ رَدَّهُ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ مُدَلِّسًا فَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَلِّسًا رَدَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ الثَّانِي فَيَكُونُ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فَوْتٌ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ وَحَكَوْا ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا بَاعَ وَقَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ فَقَدْ رَضِيَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَمْ يُنْقِصْهُ مِنْ الثَّمَنِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ انْتَقِلْ إلَى مِلْكٍ بِعِوَضٍ صَارَ إلَى الْبَائِعِ عَنْ جَمِيعِهَا، وَلِذَلِكَ إذَا رَجَعَ الْمُبْتَاعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ ثَمَنُ جَمِيعِ مَا صَارَ إلَيْهِ بِالِابْتِيَاعِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عِوَضٌ عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَاعَ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقَدْرِ الْجُزْءِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْمَبِيعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ إخْرَاجٌ لِلْمَبِيعِ عَنْ الْمِلْكِ فَكَانَ فَوْتًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَثْبُتُ لِلْمُبْتَاعِ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَمَا أُخِذَ مِنْ ثَمَنِهِ حِينَ بَاعَهُ عِوَضٌ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ كَانَ عَلَيْهِ جَبْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَدْرُ الْعَيْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَغَيَّرَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ تَغَيُّرًا يَنْقُلُهُ عَنْ جِنْسِهِ فَهَلْ يَكُونُ فَوْتًا يَمْنَعُهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ أَمْ لَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ قَالَهُمَا فِي الصَّغِيرِ يَكْبَرُ وَالْكَبِيرُ يَهْرَمُ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَوْتٌ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى مَا أَحَبَّ الْبَائِعُ أَوْ كَرِهَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَرَمِ الْكَبِيرِ، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَ ذَلِكَ بِفَوْتٍ وَلَهُ الرَّدُّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مَا كَانَ مُخْرِجًا لِلشَّيْءِ عَنْ جِنْسِهِ حَتَّى يَجُوزَ سَلَمُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُفِيتُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا لَا مِثَالَ لَهُ لِتَصْيِيرِ الثَّوْبِ خِرَقًا وَالْجُلُودِ خِفَافًا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ فِي مِلْكِ الْمُبْتَاعِ فَلَمْ يَفُتْ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مَا يُرَاعَى فِيهِمَا مِنْ جَوَازِ تَسْلِيمِ صَغِيرًا لِجِنْسٍ فِي كَبِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْكَبِيرِ يَهْرَمُ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا ضَعُفَ فَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ أَوْ أَكْثَرُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا هَرِمَ هَرَمًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَنَّهُ فَوْتٌ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ضَعُفَ عَنْ مَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْإِتْيَانُ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ، فَأَمَّا فِي الْكَبِيرِ يَهْرَمُ فَيُرَدُّ مَعَهُ مَا نَقَصَهُ الْهَرَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ نَقْصٌ غَيْرُ مُفِيتٍ، وَأَمَّا فِي الصَّغِيرِ يَكْبُرُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ لَا يُشَارِكُهُ بِهَا فِي عَيْنِهِ وَلَا يَأْخُذُ قِيمَتَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُشَارِكَ بِهِ الْبَائِعَ كَالسِّمَنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِذَا عُقِدَ فِيهِ عَقْدٌ يَمْنَعُ رَدَّهُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَتَعَقَّبُهُ الرُّجُوعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ وَالتَّدْبِيرِ فَهَذَا لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ فَوْتٌ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَالضَّرْبُ الثَّانِي يَتَعَقَّبُهُ الرُّجُوعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَالرَّهْنِ وَالْإِجَازَةِ وَالْإِخْدَامِ فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمُبْتَاعِ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ أَمْرُ ذَلِكَ يَسِيرًا رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَرَوَى نَحْوَهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَا مَعْنَى مَنْعِ الْمُبْتَاعِ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ فَكَانَ فَوْتًا فِي رَدِّهِ كَالْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَكُونُ وَطْءُ الْأَمَةِ فَوْتًا فِي ثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ فَوْتٌ فِيهِمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا اسْتِمْتَاعٌ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَالْقُبَلِ وَالْمُلَامَسَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا يَرُدُّهَا وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَمَنْ أَحْدَثَ قَوْلًا ثَالِثًا وَقَالَ يَرُدُّهَا دُونَ مَهْرٍ خَالَفَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَطْءَ مَعْنًى لَا يُسْتَبَاحُ بِالْبَدَلِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَقَطْعِ الْيَدِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ وَطْءَ الْبِكْرِ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ دُونَ الثَّيِّبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ فَلَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَوَطْءِ الثَّيِّبِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَمَا وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ أَوْ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَحَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ مَعْنًى مُفِيتٍ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ يَقْطَعُهُ، ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّ مِثْلَهُ وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِيمَنْ اشْتَرَى شَعِيرًا فَبَعْدَ أَنْ زَرَعَهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْبُتُ أَنَّهُ يَرُدُّ مِثْلُهُ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ فَجَعَلَهُ مِثْلَ مَا لَا يَفُوتُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفَوَاتَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَثْبَتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ مَا لَهُ مِثْلٌ لَا يَفُوتُ فِيهِ فَبِأَنْ لَا يَفُوتَ فِي الرَّدِّ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَإِذَا نُقِضَ الْبَيْعُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ لِلْعَيْبِ فَإِنَّمَا يُنْقَضُ الْأَوَّلُ فَإِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ لَمْ يَصِحَّ نَقْضُ الْبَيْعِ بِغَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى شَرَحَ الْمَسْأَلَةِ: قَوْلُهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ عِنْدَ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافٍ أَوْ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّ قِدَمَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ شَاهَدْته عِنْدَ الْبَائِعِ مَعِيبًا، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ شَهَادَةَ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْعِلْمِ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ أَوْ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَعُيُوبِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَسْتَوِي النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تَحْدُثُ بِالنَّاسِ مِمَّا لَا يَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُ أَحْوَالَهَا، وَقَدْرَ الْغَوْرِ فِيهَا وَالِاسْتِضْرَارَ بِهَا وَتَمْيِيزَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِسُرْعَةِ الْبُرْءِ مِنْهَا وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَقَرُّرِ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا مِمَّا يَنْفَرِدُ الْأَطِبَّاءُ بِمَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا أَقْوَالُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَهُوَ أَتَمُّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قُبِلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ هَذَا الْخَبَرُ لِمَا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْعُيُوبِ تَكُونُ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ أَوْ أَحَدِ فَرْجَيْهَا، فَإِنْ كَانَ فِي جَسَدِهَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِنْ الْعُيُوبِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ مَا كَانَ فِي الْجَسَدِ بُقِرَ عَنْهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ الرِّجَالُ وَمَا كَانَ فِي أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ شَهِدَ فِيهِ النِّسَاءُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَوْضِعٌ مُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَالْفَرْجَيْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٌ أَنَّ الْجَسَدَ وَإِنْ كَانَ عَوْرَةً فَهِيَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ فَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَنْظُرُونَ إلَى وَجْهِهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَمَّا مُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَا صَحَّ مِنْ جَسَدِهَا بُقِرَ الثَّوْبُ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى حُكْمِ الْمَنْعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ سَتْرُ مَا حَوَالَيْهِ وَإِظْهَارُ مَوْضِعِ الْعَيْبِ خَاصَّةً اُسْتُغْنِيَ عَنْ بَقْرِ الثَّوْبِ وَإِفْسَادِهِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ النِّسَاءُ مِمَّا يَسْتَوِي النِّسَاءُ فِي تَمْيِيزِهِ قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْ عُدُولِ النِّسَاءِ دُونَ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهَا وَمَيْزِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِصِفَتِهَا وَسُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِهَا فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنْ ثَبَتَ الْعَيْبُ بِشَهَادَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَحْدُثُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ لِقِدَمِ أَمْرِ التَّبَايُعِ وَنَفْيِهِمْ حُدُوثَ الْعَيْبِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُبْتَاعِ بِشَيْءٍ مِنْهُ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعُهْدَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّأْوِيلِ، وَإِنْ شَكُّوا فِي ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْخَفِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الظَّاهِرَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَيَحْلِفُ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيِّ عَلَى عِلْمِهِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمُزَنِيَّة يَحْلِفُ بِالْبَتِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ظَاهِرٍ وَخَفِيٍّ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَكَانَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُبْرِئُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَنَّ مَا رُدَّ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِهِ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِقِدَمِهِ وَلَا حُدُوثِهِ لَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي نَفْسِهِ عَلَى الْبَتِّ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْلِفُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إلَّا عَلَى عِلْمِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ حَانِثٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الرَّدِّ حَتَّى يَثْبُتَ قِدَمُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا عَلَى عِلْمِهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ وَسَأَلَ ابْنُ حَبِيبٍ سَحْنُونًا عَنْ الْحَفْرِ فِي الْفَمِ وَالْأَضْرَاسِ السَّاقِطَةِ وَالْعَيْبِ فِي الْفَرْجِ وَجَرَى الْعُرْفُ عَلَى هَذَا مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَحْلِفُ فِيهَا عَلَى الْعِلْمِ قَالَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الصَّنْعَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ وَكَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْخَفِيَّةِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا حَدَثَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَكُونُ لَهُ الرَّدُّ، هَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي كِتَابِ الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْعَيْبُ خَفِيًّا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ عَلَى عِلْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ وَرَدَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينَهُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ الْعِلْمِ، وَالتَّقْسِيمُ يَقْتَضِي أَنَّهَا عَلَى الْبَتِّ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ الْقَاسِمِ مُفَسِّرًا يَحْلِفُ فِي الْخَفِيِّ عَلَى الْعِلْمِ وَفِي الظَّاهِرِ عَلَى الْبَتِّ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ فِي الْعُيُوبِ عَلَى الْبَتِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ فَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ عِيسَى الْأُولَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِقَوْلِ أَشْهَبَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَإِنَّ التَّدْلِيسَ إنَّمَا يُنْكَرُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ دُونَ جِهَةِ الْمُبْتَاعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ عَنْ الْيَمِينِ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ النُّكُولِ الرُّجُوعُ إلَى الْيَمِينِ وَفِيهَا قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ إنْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يَرُدَّهُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ بَعْدَ النُّكُولِ. (مَسْأَلَةٌ) : ، فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى عَيْبَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدِيمٌ وَالْآخَرُ يُشَكُّ فِي قِدَمِهِ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ عِنْدَهُ بِخِلَافٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَيْبٌ قَدِيمٌ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ وَفَسْخُ الْبَيْعِ وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ أَرْشَ الْعَيْبِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِحُدُوثِهِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِي إنْكَارِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَيْبٌ قَدِيمٌ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ رَدٌّ إلَّا بِمَا يَدَّعِيه مِنْ قِدَمِ الْعَيْبِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى إنْكَارِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَقَامَ الْمُبْتَاعُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قِدَمِ الْعَيْبِ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا خَفِيًّا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْبَائِعُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ، وَقَالَ أَصْبَغُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الشَّاهِدَ شَهِدَ عَلَى الْقَطْعِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَمِينُ الشُّهُودِ لَهُ مُوَافِقًا لِشَهَادَةِ شَاهِدِهِ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ تِلْكَ الْيَمِينُ بِعَيْنِهَا عَلَى الْبَائِعِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ يَمِينَ الْمُبْتَاعِ مُوَافِقَةٌ لِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ فَلِذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَزِمَ أَنْ تَكُونَ عَلَى حُكْمِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ يَمِينُ الْبَائِعِ فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِهَا فَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَاعُ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ وَيُتَّهَمُ فِيهِ أَوْ يَكُونَ عَدْلًا عَالِمًا بِهِ أَوْ يَكُونَ غَيْرَ عَالِمٍ عَدْلٍ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ مُتَّهَمًا فِيهِ كَالنَّخَّاسِينَ وَالدَّلَّالِينَ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيمَا عَلِمُوا أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ لِبَصَرِهِمْ بِالْعُيُوبِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَخْفَى أُحْلِفَ مَا رَآهُ وَكَانَ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ بَصَرَهُمْ بِذَلِكَ وَتَكَرُّرَ دُرُوسِهِمْ عَلَيْهِمْ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ فِي الْأَغْلَبِ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ وَالرِّضَا بِرَدِّ عَيْبٍ قَدْ عَلِمُوهُ وَارْتَضَوْهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخَفِيَّ مِنْ الْعُيُوبِ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ اسْتِبْرَاءً لَهُمْ وَيَكُونُ لَهُمْ الرَّدُّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ بَصِيرًا بِالْعَيْبِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ لِتَصَاوُنِهِ أَوْ تَدَيُّنِهِ أَوْ مُتَّهَمًا غَيْرَ بَصِيرٍ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ دُونَ يَمِينٍ طَالَ مُكْثُ السِّلْعَةِ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَطُلْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَوْ أَرَاهُ إيَّاهُ لَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ الْيَمِينُ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَبَرِئَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَدَعْ أَنَّهُ أَرَاهُ إيَّاهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ بَلَغَهُ رِضَا الْمُبْتَاعِ بِهِ أَوْ لَا يَدَّعِيَ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ أَوْ لَا؟ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ حَلَفَ أَنَّهُ تَبْرَأُ إلَيْهِ مِنْهُ فَرَضِيَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ ادَّعَى دَعْوَى يَبْرَأُ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فِيهَا الْيَمِينَ فَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَأَى الْمُبْتَاعَ وَلَمْ يَدَّعِ طَرِيقًا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَمْ يَلْزَمْ الْيَمِينُ بِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يَبْرَأُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ بِأَنْ يَدَّعِيَ الْبَرَاءَةَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَقَدْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ لَمْ يَسْقُطْ الطَّلَبُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَيْمَانِ إلَّا مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقٍّ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ وَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى وُجُوبِ الْأَيْمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى قَبْلَ رَجُلٍ حَقًّا فَلَمَّا كُلِّفَ إثْبَاتَ الْخُطَّةِ ادَّعَاهَا وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ بِيَمِينِهِ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ وَاشْتَرَطَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ صَدَقَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ الْأَلْغَازِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقِيمَ صَبِيًّا أَوْ إنْسَانًا أَوْ مَسْخُوطًا يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَيُورِي عَلَى ذَلِكَ بِيَمِينِهِ قَالَ، وَإِنْ أَظْهَرَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ لَزِمَ الْيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ مَسْخُوطًا فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُخْبِرِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَاهِرَ بِاخْتِلَافِ مِثْلِ هَذَا لَمْ تَجِبْ بِخَبَرِهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ وَيُظَنُّ بِهِ تَحَرِّي الصِّدْقِ وَالْحَيَاءِ مِنْ اخْتِلَاقِ الْكَذِبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِهِ أَوْجَبَ خَبَرُهُ الْيَمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : فَإِنْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى تَارِيخِ الْعَيْبِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي تَارِيخِ الْعَيْبِ فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَهُوَ مُدَّعٍ اسْتِحْقَاقَ قَبْضِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَالْمُبْتَاعُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْأَصْلُ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي عَيْنِ السِّلْعَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُعْرَفُ عَيْنُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ، فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ عَيْنُهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ سِلْعَتَهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَيَبْرَأُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فَلَا يَخْلُو أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ، ثُمَّ يَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ يُرَدُّ مِنْهُ، وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ مُفْسِدًا مِثْلَ الْقَطْعِ أَوْ الْعَوَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ فَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْعَبْدَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِالْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَضَعَ عَنْهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَغْرَمَ قَدْرَ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرُدُّ الْعَبْدَ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الَّذِي اشْتَرَاهُ أُقِيمُ الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيَنْظُرُ كَمْ ثَمَنُهُ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ عَيْبٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ ثَمَانِينَ دِينَارًا وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتَرَى الْعَبْدَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مِنْ الْأَثْمَانِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَثْمَانِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الدَّافِعَ يَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ فِي الْغِشِّ وَالنَّقْصِ صَيْرَفِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَحَكَى عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِفُ فِي الْغِشِّ عَلَى الْعِلْمِ وَفِي النُّقْصَانِ عَلَى الْبَتِّ قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْيَمِينَ فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ عَلَى الْبَتِّ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ انْتِقَادَ الْقَابِضِ وَاسْتِيفَاءَ الْوَزْنِ وَمُفَارَقَتَهُ لِلدَّافِعِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بِذَلِكَ عَدَدَهُ يُضْعِفُ دَعْوَاهُ الْغِشَّ وَالنَّقْصَ فِي الْوَزْنِ وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ مَعْرِفَةِ تِلْكَ الْأَعْيَانِ فَمَا دُونَهَا فَيَحْلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ عَرَفَهَا وَمَيَّزَهَا أُعِيدَ النَّظَرُ إلَيْهَا وَالْوَزْنُ لَهَا وَيُسْتَوْفَى تَمْيِيزُ أَعْيَانِهَا، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي دَفَعَ الصَّيْرَفِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَاسْتَوْفَى، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِالْغِشِّ وَالْغَبْنِ وَتَجْوِيزِ الْوَزْنِ وَمُبَاشَرَتَهُ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ جَيِّدًا وَازِنًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ فِي مَيْزِ أَعْيَانِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْغِشِّ وَالْوَزْنِ أَنَّ الَّذِي يَنْفَرِدُ الصَّيْرَفِيُّ بِمَعْرِفَتِهِ هُوَ الْغِشُّ، وَأَمَّا الْوَزْنُ فَإِنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَسْتَوُونَ فِيهِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَوْا فِي صِفَةِ الْيَمِينِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيَرُدُّ مِنْ الثَّمَنِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَقِيمَتِهِ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّبَايُعِ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ، ثُمَّ يُقَوَّمُ بِقِيمَتِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَبِهِ الْعَيْبُ فَيُنْظَرُ كَمْ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ رُبُعُهَا رَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ اشْتَرَى السِّلْعَةَ وَالتَّغَابُنُ لَازِمٌ فِي الْبُيُوعَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ الْعَيْبُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِالْجُمْلَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الثَّمَنِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ خُمُسَ الْمَبِيعِ رَدَّ خُمُسَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ بِهِ مِنْ الْجُمْلَةِ إلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا إذَا دَخَلَ الْمَعِيبَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْفَوْتِ كَالْمَوْتِ وَالْعِتْقِ وَسَائِرِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ أَوْ دَخَلَهُ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ مِنْ نَقْصٍ يُوجِبُ أَنْ يُرَدَّ الْمَعِيبُ مَعَ النَّقْصِ الْحَادِثِ أَوْ يُمْسِكُهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا رَدُّهُ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِ، أَوْ الْإِمْسَاكُ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْأَرْشَ وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ خِلَافًا لِابْنِ شُرَيْحٍ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا خِيَارٌ يَسْقُطُ إلَى مَالٍ مَعَ الْفَوَاتِ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ إلَى مَالٍ مَعَ الْإِمْكَانِ كَالْخِيَارِ فِي الْقِصَاصِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً وَحَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ، ثُمَّ ثَبَتَ فِيهَا عَيْبٌ قَدِيمٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ بِالْخِيَارِ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَقِيمَةَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ وَيَرْتَجِعَ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِقَدْرِ الْعَيْبِ خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُصِرُّوا الْإِبِلَ

[الباب الأول في بيان المعاني التي تثبت الخيار إلخ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا أَتْلَفَ الْمُبْتَاعُ اللَّبَنَ وَبَقِيَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ مَا أَتْلَفَ وَيَرُدَّ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ دَلَّسَ بِعَيْبٍ وَالْمُبْتَاعُ قَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ بِغَيْرِ تَدْلِيسٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاضٍ بِمَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا تَعَارَضَ الْحَقَّانِ كَانَ أَوْلَاهُمَا بِالتَّقْلِيبِ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَدْلِيسٌ وَلَا تَعَمُّدٌ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ الْمَعَانِي الَّتِي تُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ وَتَمَيُّزِهَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ وَالثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الِارْتِجَاعِ وَالرَّدِّ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْمَعَانِي الَّتِي تُثْبِتُ الْخِيَارَ إلَخْ] 1 ْ أَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي تُثْبِتُ الْخِيَارَ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ نُقْصَانٌ وَزِيَادَةٌ، فَأَمَّا النَّقْصُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ وَنَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الْبَدَنِ، فَأَمَّا النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ وَالثَّانِي لِتَغَيُّرِ حَالِ الْمَبِيعِ، فَأَمَّا النَّقْصُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَلَا يُوجِبُ رَدَّ شَيْءٍ مَعَهُ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ، فَأَمَّا مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ مِثْلُ أَنْ يَحْدُثَ فِيهِ إبَاقٌ أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ زِنًى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِهِ، وَلَكِنَّهُ يُزَهِّدُ فِيهِ وَيُنْقِصُ الْكَثِيرَ مِنْ ثَمَنِهِ فَهَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ دُونَ غُرْمِ شَيْءٍ لِمَا حَدَثَ عِنْدَهُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ إمَّا حَبَسَهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِمَّا رَدَّهَا بِوَلَدِهَا، وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرُدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَ التَّزْوِيجُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ يَخْتَصُّ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُبْتَاعِ فِيهِ غُرْمٌ كَبَعْضِ الْقِيمَةِ لِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ كَثِيرَ الثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ وَعِنْدَ الْمُبْتَاعِ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ وَمَا نَقَصَهُ أَوْ التَّمَسُّكِ بِهِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَنَقْصِ الْبَدَنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الْبَدَنِ فَمَا كَانَ يَسِيرًا كَذَهَابِ الظُّفْرِ وَالْأُنْمُلَةِ فِي وَخْشِ الرَّقِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا لَهُ الرَّدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ أَوْ الْإِمْسَاكِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ مُتَّهَمٌ بِالتَّدْلِيسِ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِمَا كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي لَا يَسْلَمُ مِنْ مِثْلِهَا وَمَا كَانَ مُعْتَادًا مُتَكَرِّرًا فَلَا عِوَضَ لَهُ فِيمَا حَدَثَ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ الْمَبِيعِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَكَذَلِكَ الْكَيُّ وَالرَّمَدُ وَالصُّدَاعُ وَالْحُمَّى؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُعْتَادَةٌ يُسْرِعُ الْبُرْءُ مِنْهَا هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ فِي الْوَعْكِ وَالْحُمَّى فَقَالَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا أَرَادَ الْحُمَّى الْخَفِيفَةَ الَّتِي يُرْجَى سُرْعَةُ بُرْئِهَا دُونَ مَا أَضْعَفَ مِنْهَا وَمَنَعَ التَّصَرُّفَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ قَدْرُهُ وَيَنْدُرُ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَبِيعِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَمَرِضَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى إبَاقٍ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَصِحَّ أَوْ يَمُوتَ، فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَرُدُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضًا مَخُوفَا، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَمْرَاضُ ثَلَاثَةٌ خَفِيفٌ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِهِ وَمُتَوَسِّطٌ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِهِ وَمَرَضٌ مَخُوفٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَصَابَتْهُ مُوضِحَةٌ أَوْ جَائِفَةٌ أَوْ مُنَقِّلَةٌ فَبَرِئَتْ فَلَيْسَ بِفَوْتٍ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ إلَى هَيْئَتِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ عَقْلًا لَمْ يَرُدَّهُ الْمُبْتَاعُ مَعَ الْعَبْدِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَلَا يَرُدُّ عَقْلَ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُفِيتُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدَ، وَلَوْ كَانَ مَا أُصِيبَ بِهِ الْعَبْدُ جُرْحًا يَعِيبُ رَسْمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ إلَّا بِمَا أُخِذَ فِي جُرْحِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْمُنَقِّلَةُ وَالْجَائِفَةُ وَالْمَأْمُومَةُ عَقْلُهَا لِمَنْ أَخَذَهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَمَا أَخَذَ مِنْ عَقْلِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنْ شَانَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ الشَّيْنُ لِسَبَبِ الْعَقْلِ الَّذِي أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَشِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْ عَقْلِ الْجُرْحِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْبَدَنِ كَثِيرًا كَالْعَوَرِ وَالْعَمَى وَالشَّلَلِ وَقَطْعِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْوَخْشِ وَالْأُنْمُلَةِ مِنْ الرَّائِعَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْقَدِيمِ أَوْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَمَا نَقَصَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَهَذَا حُكْمُ الِافْتِضَاضِ وَالْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ نَقْصٌ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ مُؤَثِّرٌ فِي ثَمَنِهِ تَأْثِيرًا كَثِيرًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هُزَالِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَسِمَنِهَا فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مَالِكًا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ بِسِمَنِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ وَلَا بِهُزَالِ الرَّقِيقِ وَلَا بِسِمَنِهِ وَشَبَهِهِ بِهُزَالِ الدَّوَابِّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُثْبِتُهُ بِهُزَالِ الرَّقِيقِ وَيُثْبِتُهُ بِهُزَالِ الدَّوَابِّ وَسِمَنِهَا وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَرَوَاهُ عَمَّنْ يَرْضَى مِنْ شُيُوخِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الدَّوَابِّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّقْصَ الْكَثِيرَ وَالزِّيَادَةَ فِي الْبَدَنِ تُثْبِتُ الْخِيَارَ دُونَ النَّقْصِ الْيَسِيرِ، وَأَمَّا صَلَاحُ الْبَدَنِ مَا لَمْ يَكُنْ سِمَنًا بَيِّنًا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْجِسْمِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ فِي نَقْصِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ النَّقْصِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ فِي هَذَا مِنْ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ مَالٌ مِنْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمْ يَشْتَرِطُهُ الْمُبْتَاعُ فَتَذْهَبُ أَوْ يَكُونَ عَلَى الْغَنَمِ أَصْوَافٌ فَتَذْهَبُ قَبْلَ الْجَزِّ وَمَعَ النَّخْلِ ثَمَرٌ فَيَتْلَفُ قَبْلَ الْجَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ فِي مَالِ الْعَبِيدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ بِمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا مَلَكَ أَوْ يَرْضَى بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْعَبِيدِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ، وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْخِيَارِ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ زِيَادَةَ الْقِيمَةِ دُونَ الْجِسْمِ أَوْ زِيَادَةً فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْقِيمَةِ دُونَ الْعَيْنِ كَالزِّيَادَةِ فِي النَّفَاذِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفَصَاحَةِ فَهَذَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ نَمَاءٌ فِيهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنًى مُضَافًا، فَإِنْ كَانَ نَمَاءٌ فِيهِ كَالدَّابَّةِ الْمَهْزُولَةِ تَسْمَنُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا نَفْيُ الْخِيَارِ وَالثَّانِيَةُ إثْبَاتُهُ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إثْبَاتَهُ إذَا كَانَ سِمَنًا بَيِّنًا وَجْهُ إثْبَاتِهِ أَنَّهُ تَغَيُّرٌ فِي الْبَدَنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ بِهِ كَالْهُزَالِ الْبَيِّنِ، وَوَجْهُ نَفْيِهِ أَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَلَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ كَالنَّفَاذِ وَالْمَعْرِفَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِمَعْنًى يُضَافُ إلَى الْبَيْعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَمَاءً خَارِجًا مِنْهُ أَوْ صِفَةً ثَابِتَةً فِيهِ، فَإِنْ كَانَ نَمَاءً خَارِجًا مِنْهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَثَمَرَةِ الشَّجَرِ وَصُوفِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا وَغَلَّةِ الْعَبِيدِ وَالرِّبَاعِ، فَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا عَلَيْهَا غَيْرَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ ابْتَاعَ شَاةً حَامِلًا فَوَضَعَتْ عِنْدَهُ فَأَكَلَ كُلَّ سَخْلَتِهَا، ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا قَدِيمًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ الشَّاةَ وَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا يَوْمَ

[ابتاع سلعة وحدث بها عنده عيب مفسد ثم ثبت فيها عيب قديم كان عند البائع]

[ابْتَاعَ سِلْعَةً وَحَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ ثُمَّ ثَبَتَ فِيهَا عَيْبٌ قَدِيمٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتَاعَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُرْجَى لِوَلَدِهَا فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ الْوِلَادَةُ وَلَمْ يُوجِبْ لَهُ ذَلِكَ عَدَمُ وَلَدِهَا وَإِتْلَافُ الْمُبْتَاعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَرَدَّ قِيمَتَهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَرُدُّهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إنْ أَرَادَ الرَّدَّ أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَتَخَرَّجَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي السِّمَنِ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ إمْسَاكُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُمْسِكَ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ عَيْبٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا قَدْرُ الْعَيْبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ لَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا حَدَثَ بَعْدَهُ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ كَالْكَسْبِ وَالْعَمَلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ صَنْعَةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ وَالرَّقْمِ فِي الثَّوْبِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ مِنْ الْمَبِيعِ إلَّا بِفَسَادٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الِارْتِجَاعِ وَالرَّدِّ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الِارْتِجَاعِ وَالرَّدِّ فِيمَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ) ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ الْمَعِيبَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَرُدَّ مَعَهُ قِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِمْسَاكَ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ السِّلْعَةُ تَقْوِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُقَوَّمَ سَلِيمَةً مِنْ الْعَيْبِ يَوْمَ الْبَيْعِ، ثُمَّ تُقَوَّمَ مَعِيبَةً فَيَرْجِعَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ قِيمَتَهَا سَلِيمَةً عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَتَكُونُ قِيمَتُهَا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَيُعْلَمُ أَنَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ خُمُسُ الْقِيمَةِ الَّتِي قُوِّمَ بِهَا صَحِيحًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخُمُسِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ فَأَيُّ الْقِيمَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، فَإِذَا تَقَدَّمَتْ جُعِلَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَصْلًا، ثُمَّ يُقَوِّمُهَا قِيمَةً ثَالِثَةً بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ فَيَرُدُّ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ قِيمَتَهُ بِالْعَيْبَيْنِ سِتَّةُ دَنَانِيرَ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُنْقِصُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الرُّبْعَ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْمَبِيعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَأَرَادَ إمْسَاكَهُ أَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ خُمُسَ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَاقِيَ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ دِينَارًا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ هُوَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ فَقُدِّرَ لَنَا أَنَّهُ رُبْعُ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَعِيبًا رَدَّ مَعَ الْعَبْدِ رُبْعَ ثَمَنِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ إنَّمَا كَانَ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ مَا تَلِفَ مِنْ الْمَبِيعِ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَنَا أَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَلَا أَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ أُمْسِكُ وَأَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَاعُ أَنَا أُمْسِكُهُ وَلَا أَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ وَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا أَسْقَطَ عَنْ الْمُبْتَاعِ قِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ عَيْبٌ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ الْإِمْسَاكُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ بِالْمَبِيعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ غُرْمٌ كَمَا لَوْ ثَبَتَ تَدْلِيسُ الْبَائِعِ بِعَيْبِ الرَّدِّ، وَقَدْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِسَبَبِهِ عَيْبٌ آخَرُ وَكَمَا لَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ بِالزِّيَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّغَيُّرُ الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ بِزِيَادَةٍ فِي الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالتَّغَيُّرُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَلَى ضَرْبَيْنِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَإِنَّ حُكْمَهَا وَاحِدٌ فِي التَّدْلِيسِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَحْدُثَ بِسَبَبِ الْعَيْبِ الْمُدَلَّسِ بِهِ أَوْ بِإِذْنِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ رَدَّ وَلِيدَةً مِنْ عَيْبٍ وَجَدَهُ بِهَا، وَقَدْ أَصَابَهَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ أَوْ يَحْدُثَ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ مِثْلَ أَنْ يُدَلِّسَ بِمَرَضٍ فَيَمُوتَ مِنْهُ أَوْ يُدَلِّسَ بِسَرِقَةٍ فَتُقْطَعَ يَدُهُ فَيَمُوتَ أَوْ يُدَلِّسَ بِحَمْلٍ فَتَمُوتَ مِنْهُ فَهَذَا يَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِكِتْمَانِ عَيْبٍ قَدْ عَلِمَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْمَبِيعِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ لَمَّا كَانَ هَلَاكُهُ مِنْ سَبَبِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ دَلَّسَ بِإِبَاقٍ فَأَبِقَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّ جَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ دِينَارٍ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إذَا هَلَكَ بِإِبَاقِهِ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ قِيمَةَ عَيْبِ الْإِبَاقِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يُلْجِئَهُ الْهَرَبُ فِي عَطَبٍ كَالنَّهْرِ يَقْتَحِمُهُ أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَيَهْلِكَ بِذَلِكَ أَوْ يَتَوَارَى فِي مَوْضِعٍ فَتَنْهَشُهُ حَيَّةٌ فَهَذَا يَرُدُّ الْبَائِعُ فِيهِ جَمِيعَ الثَّمَنِ، فَأَمَّا أَنْ يَمْرَضَ فِي إبَاقِهِ فَيَمُوتَ أَوْ يُجْهَلَ أَمْرُهُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بِقِيمَةِ الْعَيْبِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ هَلَكَ بِعَيْبٍ دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ فَكَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ دَلَّسَ بِمَرَضٍ فَمَاتَ مِنْهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَا اعْتَرَضَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِبَاقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَنَقُولُ قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَبِهِ الْعَيْبُ الَّذِي كَانَ بِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَيْبُ بَاقِيًا إلَى وَقْتِ الْفَوَاتِ، فَأَمَّا إنْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ فَوَاتِ الْعَبْدِ بِالْعِتْقِ وَالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُبْتَاعِ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَاقِيًا، وَقَدْ زَالَ عَنْهُ الْعَيْبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ بِعَيْبٍ قَدْ زَالَ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَبِيعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْعُيُوبُ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عُيُوبٌ إذَا ذَهَبَتْ لَمْ يُخْشَ عَاقِبَتُهَا كَالْبَيَاضِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَرَضِ وَالْوَلَدِ يَمُوتُ وَالْجُرْحِ يَبْرَأُ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ، فَإِنْ أَخَذَ لَهُ عَقْلًا فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْنٌ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ بَعْدَ ذَهَابِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْهَا عُيُوبٌ يُتَّقَى عَاقِبَتُهَا وَيُتَّقَى عَادِيَتُهَا أَوْ عَوْدَتُهَا، فَأَمَّا مَا تُتَّقَى عَادِيَتُهُ كَالسَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الصَّبِيِّ يَأْبَقُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ يَبْلُغُ وَيَكْبَرُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ تَبْقَى، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ تَبُولُ فِي الْفِرَاشِ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ عَيْبٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ انْقَطَعَ انْقِطَاعًا بَيِّنًا كَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا يَسِيرًا فَهُوَ عَيْبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي ذَلِكَ وَاحِدًا إذَا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهَا الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامَ وَنَحْوَهَا عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ اخْتَلَفَا فِي الْجُنُونِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي هَذَا وَأَمْرُ الْجُنُونِ أَشَدُّ، وَأَمَّا الزَّوْجُ لِلْأَمَةِ وَالزَّوْجَةُ لِلْعَبْدِ يَمُوتَانِ أَوْ يَفْتَرِقَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةِ فِي الْمُزَنِيَّة لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ هُوَ عَيْبٌ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَيْبَ قَدْ ذَهَبَ بِالْفُرْقَةِ أَوْ الْمَوْتِ كَالْبَيَاضِ يَكُونُ بِالْعَيْنِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ مِنْهُمَا دَعَا إلَيْهِ وَطَلَبَهُ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِحَالِهِ وَمُؤَثِّرٌ فِي خِدْمَتِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ أَرْغَبُ فِي مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ قَطُّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يُتَّقَى عَوْدَتُهُ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجُنُونِ هُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْثُرُ رَجْعَتُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا بَرِئَ حَتَّى أُمِنَتْ عَوْدَتُهُ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَكُون الْقِيمَةُ يَوْمَ اشْتَرَى الْعَبْدَ يُرِيدُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَادَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجُزْءِ الَّذِي تَلِفَ عِنْدَهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ أَرَادَ التَّمَسُّكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ عَيْبِ التَّدْلِيسِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي دَلَّسَ بِنَقْصِهِ إنَّمَا دَفَعَ قِيمَةَ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ قَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنَّمَا الرُّجُوعُ بِقَدْرِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ فِي الْجُمْلَةِ.

كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إصَابَتِهِ إيَّاهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً أَوْ حَيَوَانًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فِيمَا بَاعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ فِي ذَلِكَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ عَيْبًا فَكَتَمَهُ لَمْ تَنْفَعْهُ تَبْرِئَتُهُ وَكَانَ مَا بَاعَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَارِيَةِ تُبَاعُ بِالْجَارِيَتَيْنِ، ثُمَّ يُوجَدُ بِإِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ عَيْبٌ تُرَدُّ مِنْهُ قَالَ تُقَامُ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهَا، ثُمَّ تُقَامُ الْجَارِيَتَانِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الَّذِي وُجِدَ بِإِحْدَاهُمَا تُقَامَانِ صَحِيحَتَيْنِ سَالِمَتَيْنِ، ثُمَّ يُقْسَمُ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي بِيعَتْ بِالْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ ثَمَنِهَا حَتَّى يَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَفِعَةِ بِقَدْرِ ارْتِفَاعِهَا وَعَلَى الْأُخْرَى بِقَدْرِهَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الَّتِي بِهَا الْعَيْبُ فَيُرَدُّ بِقَدْرِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبَضَهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَصَابَ وَلِيدَةً وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا إنْ أَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ وَكَانَتْ مِمَّنْ يَنْقُصُهَا الِافْتِضَاضُ؛ لِأَنَّ وَخْشَ الرَّقِيقِ لَا يُنْقِصُهُ وَرُبَّمَا زَادَ ذَلِكَ فِيهِنَّ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَطْئِهِ إيَّاهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ مَهْرٍ فِي بِكْرٍ وَلَا ثَيِّبٍ، وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ مَهْرَ الرَّدِّ مَعَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكًا فَلَمْ يُوجِبْ مَهْرًا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا فَاتَتْ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً بِجَارِيَتَيْنِ، ثُمَّ وَجَدَ مُبْتَاعُ الْجَارِيَتَيْنِ بِإِحْدَاهُمَا عَيْبًا فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ الْجَارِيَةُ الَّتِي كَانَتْ ثَمَنَ الْجَارِيَتَيْنِ فَيُنْظَرُ كَمْ ثَمَنُهَا يُرِيدُ قِيمَتَهَا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا يَعِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ فِي بَيْعِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَهِيَ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ الْمُنْفَرِدَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ تُقَامُ الْجَارِيَتَانِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ الَّذِي وُجِدَ بِإِحْدَاهُمَا سَالِمَتَيْنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا كَانَتَا ثَمَنًا لِلْجَارِيَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْوِيمُهَا وَهُمَا سَالِمَتَانِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ اشْتَرَاهُمَا بَائِعُ الْجَارِيَةِ، وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُفْرَدَةً لِيُعْلَمَ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبِذَلِكَ يَتَوَصَّلُ إلَى مَا يُرِيدُهُ، ثُمَّ يَجْمَعُ الْقِيمَتَانِ، ثُمَّ يَعْلَمُ كَمْ مَبْلَغُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِمَا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الَّتِي بِهَا الْعَيْبُ ثُلُثَ الْجُمْلَةِ وَقِيمَةُ الْأُخْرَى الثُّلُثَيْنِ رَدَّهَا وَرَجَعَ بِقَدْرِهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَتَيْنِ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا لَمْ تَفُتْ أَوْ تَكُونَ قَدْ فَاتَتْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اخْتِلَافِ أَسْوَاقٍ، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ نَظَرَ إلَى الْجَارِيَةِ الَّتِي وَجَدَ بِهَا الْعَيْبَ، فَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ الْجَارِيَتَيْنِ رَدَّ الْجَارِيَتَيْنِ وَأَخَذَ جَارِيَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَدْوَنَ الْجَارِيَتَيْنِ رَدَّ الْمَعِيبَةَ بِمَا يُصِيبُهَا مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمُفْرَدَةِ بِيَدِ مُبْتَاعِهَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَوَى إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الَّذِي وَجَدَ الْعَيْبَ لَا يَرْجِعُ فِي عَيْنِ مَا بَاعَ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَ وَاَلَّذِي أَعْطَى لَمْ يَفُتْ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ تَسَاوَتْ الْجَارِيَتَانِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْمُتَكَافِئَيْنِ يُصِيبُ الْمُبْتَاعُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَوْ يَسْتَحِقُّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعَبْدَيْنِ وَالشَّاتَيْنِ وَقُلَّتَيْ الْخَلِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ فَاتَتْ الْجَارِيَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ لَزِمَ فِيهَا الْبَيْعُ وَكَانَ التَّرَاجُعُ فِي قِيمَتِهَا عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ الْمَعِيبَةَ مِنْ الْجَارِيَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْفَعَ رَدَّهَا وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الْجَارِيَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَعِيبَةُ هِيَ الْأَدْوَنَ رَدَّهَا مُفْرَدَةً وَرَجَعَ بِقِيمَتِهَا مَعَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمُفْرَدَةِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ الْجَارِيَتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الْمُفْرَدَةُ لَمْ تَفُتْ وَلَا تَغَيَّرَتْ فِي بَدَنِهَا، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ فِي أَسْوَاقِهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ

[حكم المواضعة وما يتعلق بها وفيها ستة أبواب]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَيْنِهَا كَتَغَيُّرِ الْبَدَنِ. [حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفِيهَا سِتَّةُ أَبْوَابٍ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمُوَاضَعَةِ وَلُزُومِهَا] 1 (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبَضَهُمَا يُرِيدُ يَوْمَ خُرُوجِ الْجَارِيَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّالِمَةُ هِيَ الرَّائِعَةَ مِنْ عُهْدَةِ الْمُوَاضَعَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لِلْجَارِيَتَيْنِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ، وَإِنْ ثَبَتَ فِيهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ فَمَتَى يَخْرُجَانِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْوَلِيدَةِ مِنْ التَّقْوِيمِ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ وَالْوَلِيدَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ فِيهِمَا مُوَاضَعَةٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى رَقِيقٍ فِيهِمْ الْمُوَاضَعَةُ أَوْ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَحْتَاجُ أَنْ نُبَيِّنَ حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفِيهَا سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَعْنَى الْمُوَاضَعَةِ وَلُزُومِهَا وَالْبَابُ الثَّانِي فِي مَحَلِّهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَحَلِّ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَبْيِينِ حُكْمِ الْحَوَادِثِ وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ مَا تَخْرُجُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمُوَاضَعَةِ وَلُزُومِهَا) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ فِي الْمَبْسُوطِ الْمُوَاضَعَةُ أَنْ تُوضَعَ الْجَارِيَةُ إذَا بِيعَتْ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ مُعَدَّلَةٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً، فَإِنْ هِيَ حَاضَتْ كَمُلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ وَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فُسِخَ الْبَيْعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتٌ فِي الرَّقِيقِ فِي كُلِّ بَنْدٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ أَرَى أَنْ يُحْمَلَ النَّاسُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لِمَا يُتَّقَى فِيهَا مِنْ الْحَمْلِ [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَحَلِّهَا مِنْ الْعَاقِدَيْنِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَحَلِّهَا مِنْ الْعَاقِدَيْنِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لِلْجَارِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكَهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ لَا بُدَّ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ شِقْصَ جَارِيَةٍ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ الْمُوَاضَعَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَالَ مِنْهُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي بَاعَهُ سَالِمًا مِنْ الْحَمْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُسَافِرُ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ إذَا بَاعَ الْجَارِيَةَ فَعَلَيْهِ الْمُوَاضَعَةُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَكَذَلِكَ أَهْلُ مِنًى قَالَ وَكَذَلِكَ الْمُجْتَازُ وَالْمَرْأَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ قَدْ غَابَ عَنْ الْأَمَةِ وَهُوَ مِمَّنْ يَطَأُ مِثْلُهُ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَغِبْ عَلَى الْأَمَةِ وَفِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ يُقِيلَ مِنْ جَارِيَةٍ أَوْ مِنْ عَلَى مُوَاضَعَتِهَا أَوْ وَضَعَتْ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَالَ مِنْهَا أَوْ وَلَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهَا أَوْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُوَاضَعَتُهَا فَلَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي مِثْلِ هَذَا كَانَ ضَامِنًا لَهَا وَمَتَى رَجَعَتْ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ ضَمَانِهِ لَهَا فَلَا مُوَاضَعَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهَا وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ بَائِعِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِرِبْحٍ فَلَا مُوَاضَعَةَ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ تُعْلَمُ بِهِ بَرَاءَتُهَا وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مَنْ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً مِمَّنْ هِيَ عَلَى يَدِهِ وَدِيعَةٌ بَعْدَ أَنْ حَاضَتْ عِنْدَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ غَابَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَنْ وَضَعَتْ عِنْدَهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَكَانَ الْبَائِعُ لَهَا مِمَّنْ لَا يَطَأُ مِثْلُهُ كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَرْأَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْمُوَاضَعَةِ لَا يَجُوزُ مِنْهَا حَمْلٌ لَا يَلْحَقُ بِزَوْجٍ وَلَا زِنًى ظَاهِرٌ فَلَمْ يَدْخُلْ الْمُبْتَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُنْقِصُ مُعْظَمَ الثَّمَنِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ الْمَشْهُورَةُ بِذَلِكَ أَوْ ذَاتُ الزَّوْجِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهَا إلَّا الْيَسِيرُ فَلَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْعُقُودِ] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْعُقُودِ) حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ أَوْ فِي الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَأَمَّا فِي ابْتِيَاعِ الْأَمَةِ مِنْ دَيْنٍ عَلَى الْأَمَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِيهَا حُكْمُ مُوَاضَعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِمَاءِ اللَّاتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُنَّ إلَّا بِالْمُوَاضَعَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا وَبَطَل الْعَقْدُ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي دَيْنٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ كَانَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ دَيْنٌ فَنَقَلَهُ فِي جَارِيَةٍ لَمْ يُتَنَجَّزْ نَقْلُ الدَّيْنِ إلَى عَيْنِهَا لِمَا بَقِيَ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْمُوَاضَعَةِ الَّتِي لَا يَكْمُلُ الْبَيْعُ وَتَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْبَائِعِ إلَّا بِكَمَالِهَا، فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الْبَائِعِ مِنْ دَيْنٍ وَلَا بَقِيَتْ مَشْغُولَةً بِهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِدَيْنٍ مَحْضٍ وَحَبْسٍ مَعْلُومٍ وَبَعْدَ الْبَيْعِ صَارَتْ مُتَرَدِّدَةً بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ سَلِمَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْمُوَاضَعَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ إنْ لَمْ تَسْلَمْ، وَهَذَا مَعْنَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ أَنْ لَا تَبْرَأَ الذِّمَّةُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ وَلَا تَبْقَى مَشْغُولَةً بِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ جَوَازُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ بَرَاءَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتٌ فِيهَا لَا يَسْقُطُ بِالْبَرَاءَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَوْ بِيعَتْ بَيْعَ مِيرَاثٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بَاعَهَا سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْحَمْلِ لَا تَجُوزُ لَا سِيَّمَا مَعَ إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْوَطْءِ وَالْمُوَاضَعَةِ إنَّمَا هِيَ لِمَعْنَى مَا يَحْدُثُ مِنْ الْحَمْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَرَطَا فِي بَيْعِ جِوَارِي الْمُوَاضَعَةِ أَنْ لَا مُوَاضَعَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ حَمْلٍ إنْ كَانَ بِهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ مِنْ حَمْلٍ، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ عَقْدُ الْبَيْعِ وَثَبَتَ حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا غَيْرَ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ إنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادِهِ فِي نَقْلِ الضَّمَانِ الْمُخْتَلَفِ فِي مَحَلِّهِ عَنْ عُرْفِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِإِبْطَالِ الشَّرْطِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ أَمْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ عَنْ مَالِكٍ إنْ مَاتَتْ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَهَا فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى لَمَّا بَطَلَ الشَّرْطُ فِي تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ ثَبَتَ حُكْمُهَا وَكَانَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَى اسْتِبْرَائِهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ إبْطَالَ الْمُوَاضَعَةِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ وَخْشِ الرَّقِيقِ الَّذِي لَا مُوَاضَعَةَ فِيهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِمُرَاعَاةِ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَمْ قَدْرُهَا؟ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضَتِهَا مَعْرُوفَةً فَقَدْرُهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً فَأَغْلَبُ أَحْوَالِ النِّسَاءِ وَهُوَ الشَّهْرُ قَالَ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ خَاصَّةً، وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يُرِيدُ رَدَّهَا بِعَيْبِ تَأْخِيرِ الْحَيْضِ أَوْ بِعَيْبِ حُدُوثِهِ وَزَعَمَ أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ صُدِّقَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النِّكَاحُ بِالْأَمَةِ الرَّائِعَةِ الَّتِي تَحِيضُ فَحُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَإِنَّ حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتٌ فِيهَا إذَا حَدَثَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ حَادِثٌ يَلْزَمُ الْبَائِعَ الثَّانِيَ فِيهَا مِنْ ضَمَانِ الْجَارِيَةِ فِي مُدَّتِهَا مَا لَزِمَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ الْأُولَى وَيُتَّقَى مِنْ ظُهُورِ حَمْلِهَا فِيهَا مَا اُتُّقِيَ مِنْ ظُهُورِهِ فِي الْأُولَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْبَيْعِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى ضَمَانِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْبَيْعِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ الْمُوَاضَعَةُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ أَرْبَعَةٌ يَلْزَمُ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِالْمُعَاوَضَةِ كَمَا لَوْ بِيعَتْ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ هَذَا نَقْضُ بَيْعٍ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ مُبْتَدَإٍ وَلَا عَقْدٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِالْعُقُودِ دُونَ فَسْخِهَا.

[الباب الرابع في محل المواضعة من المعقود عليه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَحَلِّ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَحَلِّ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) إنَّ الْمُوَاضَعَةَ ثَابِتَةٌ فِي الرَّائِعَةِ مِنْ الْإِمَاءِ الَّتِي مِثْلُهَا يُوطَأُ وَلَيْسَتْ بِظَاهِرَةِ الْحَمْلِ وَلَا مُعَرَّضَةٍ لِحَمْلٍ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ كَذَاتِ الزَّوْجِ وَالْمُجَاهِرَةِ بِالزِّنَا وَأَخْصَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي يُنْقِصُ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا الْكَثِيرَ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ لَا يَصِحُّ فِيهَا الْحَمْلُ وَذَاتُ الزَّوْجِ وَالْمَشْهُورَةُ بِالزِّنَا لَا يُنْقِصُ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا الْكَثِيرَ، وَأَمَّا وَخْشُ الرَّقِيقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ الزِّنْجِ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِنَّ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الرَّائِعَةَ يُنْقِصُ الْحَمْلُ مُعْظَمَ ثَمَنِهَا وَالْوَخْشُ لَا يُنْقِصُ ثَمَنَهَا، فَإِنْ نَقَصَ فَيَنْقُصُ مِنْهُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الْكَثِيرُ يُفْسِدُ الْعُقُودَ دُونَ يَسِيرِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ وَمَا كَانَتْ بِثَمَنِ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ فَهِيَ مِنْ الْمُرْتَفِعَاتِ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَّخَذَ مِثْلُهَا لِلْوَطْءِ فَهِيَ الرَّائِعَةُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ وَإِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاِتِّخَاذِهَا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُتَّخَذُ لِلِاسْتِخْدَامِ فَهِيَ مِنْ الْوَخْشِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ فَلَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْتَرَ لِلْوَطْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْوَخْشَ لَمْ يُثْبِتْ فِيهَا حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَطْءَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ إنَّمَا هِيَ خَوْفُ الْحَمْلِ وَتَوَقُّعُهُ فَإِذَا كَانَ حَمْلُهَا ظَاهِرًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ بِهِ وَلَا الْتِزَامُهُ بِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَفْيِ الْمُوَاضَعَةِ، ثُمَّ انْفَشَّ الْحَمْلُ وَظَهَرَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْمُوَاضَعَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك حَامِلًا وَلَا أَدْرِي مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك مَا جَازَ لِي فِيهِ الِانْتِقَادُ، وَقَدْ انْتَقَدْت. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّنْ لَا يُتَّقَى عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا تَجِبُ فِيهَا مُوَاضَعَةٌ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُوَاضَعَةِ لِمَا يُتَّقَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ وَلَا يَحْمِلُ مِثْلُهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ يَصِحُّ وَطْؤُهَا لَا يَكَادُ أَنْ يَتَمَيَّزَ وَقْتُ تَجْوِيزِ الْحَمْلِ عَلَيْهَا فَاحْتِيطَ لِذَلِكَ كَمَا اُحْتِيطَ بِالْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْمِلُ لَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ فَلَا مَعْنَى لِلْمُوَاضَعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الْأَمَةِ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الْأَمَةِ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ) وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ نَفَقَتُهَا وَجَمِيعُ مُؤْنَتِهَا وَالسُّنَّةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تَكُونُ امْرَأَةً عَدْلَةً، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَيْضَتِهَا وَيُمْكِنُهَا النَّظَرُ إلَيْهَا، وَإِنْ وُضِعَتْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ أَجْزَأَ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عِيَالٌ يَنْظُرُونَ إلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا لَحِقَ الْأَمَةَ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ نَقْصِ جِسْمٍ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ فِي الْمَوْتِ إمْسَاكُ الثَّمَنِ وَارْتِجَاعُهُ إنْ كَانَ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَفِي النَّقْصِ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الْإِمْسَاكِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جَسَدِهَا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بِذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَرُدُّهَا بِهِ وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ أَقْدَمَ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ لَرُدَّ بِهِ فَإِذَا حَدَثَ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِهِ كَنَقْصِ الْجِسْمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ بَيْعَهَا؛ لِأَنَّهَا مَتَى أَرَادَتْ الْبَقَاءَ عِنْدَهُ أَحْدَثَتْ مِثْلَ هَذَا فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ فَتُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا حَدَثَ لَهَا مِنْ مَالٍ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ إنْ كَانَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ مَالَهَا؛ لِأَنَّ

[الباب السادس في بيان ما تنتقض به المواضعة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلَّ مَنْ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَانَ لَهَا مَا ثَبَتَ مِنْ مَالٍ، وَأَمَّا مَا حَدَثَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ لِلْمُبْتَاعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ لِلْبَائِعِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ كَنَمَاءِ الْمَالِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً رَائِعَةً بِالْمُوَاضَعَةِ فِيهَا وَرَضِيَ بِالْحَمْلِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَاهُ الْبَائِعُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يَجُوزُ لِلْمُبْتَاعِ الرِّضَا بِهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَإِسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَاعَ إنَّمَا أَسْقَطَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ لِتَعْجِيلِ الْخِدْمَةِ. [الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ مَا تَنْتَقِضُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ] 1 (الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ مَا تَنْتَقِضُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ) الْمُوَاضَعَةُ تَكُونُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ بِحَيْضٍ أَوْ شُهُورٍ، فَأَمَّا الْحَيْضُ فَاَلَّذِي يُجْزِئُ مِنْهُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ بِهَا تَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعْنًى مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَا حُرْمَةُ الْحُرِّيَّةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُكَرِّرْ الْحَيْضَ فِيهَا تَكَرُّرَهُ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَ الِابْتِيَاعُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ الْحَيْضَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَعِظَمِ الْحَيْضَةِ أَجْزَأَ ذَلِكَ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنْ كَانَ الِابْتِيَاعُ فِي آخِرِ الْحَيْضَةِ وَبَعْدَ أَنْ ذَهَبَ مُعْظَمُ الدَّمِ لَمْ تَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ وَاسْتُؤْنِفَتْ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ، وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ الرَّحِمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَقْبَلُ الْمَنِيَّ بَلْ يَقْذِفُ بِالدَّمِ وَآخِرُ الْحَيْضِ يَقْبَلُ الْمَنِيَّ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا. (فَرْعٌ) وَكَمْ مِقْدَارُ مَا تَقَعُ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَيْضَةِ الْبَاقِيَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ بَقِيَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ حَيْضَةٌ أَجْزَأَهُ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هَذَا أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مِنْهُ مِقْدَارُ أَقَلِّ الْحَيْضِ أَجْزَأَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا بَقِيَ مِنْهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَانِ لَمْ يُجْزِهِ، وَالثَّانِي إنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يَرَى أَنَّ الرَّحِمَ يَرْمِي الدَّمَ وَلَا يَقْبَلَ الْمَنِيَّ فَهُوَ بَرَاءَةٌ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ لِاسْتِقْصَاءِ بَقَايَا الدَّمِ وَذَهَابِ أَمْرِهِ فَلَيْسَ بَرَاءَةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْحَيْضَةُ بَعْدَ الِابْتِيَاعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْمَعْهُودِ أَوْ تَتَأَخَّرَ عَنْهُ، فَإِنْ أَتَتْ عَلَى الْمَعْهُودِ فَإِنَّهُ تَتِمُّ الْمُوَاضَعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ التَّبَايُعِ بِلَحْظَةٍ؛ لِأَنَّنَا قَدْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا كَانَ التَّبَايُعُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضَةِ أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ تَتِمُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَبِأَنْ تَتِمَّ إذَا كَانَ جَمِيعُ الْمُوَاضَعَةِ بَعْدَ الْحَيْضِ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ بَرَاءَتَهَا لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَا تَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ بَرَاءَتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَرْتَابَ فَتُقِيمَ تَمَامَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَبْرَأْ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ رِيبَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَتَرَبَّصَ لَهُ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَهِيَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ ارْتِفَاعُ حَيْضِ الْمُطَلَّقَةِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ بِرِيبَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْتَفِعُ بِمَرَضٍ وَرَضَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالثَّلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَنُوبُ عَنْهُ كَالْحَيْضَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ يَتَكَرَّرَ حَيْضُهَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا تُبْطِئُ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَشْهُرٍ تُبْرِئُهَا، وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى لَا يُبْرِئُهَا إلَّا الْحَيْضُ وَإِلَّا رُفِعَتْ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ اُسْتُبْرِئَتْ وَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ تُبْرِئُهَا كَاَلَّتِي لَا تَحِيضُ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ الثَّلَاثَةَ بَرَاءَةٌ لِكُلِّ مَنْ لَا رِيبَةَ بِهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ يَحْيَى أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَدُونَ التِّسْعَةِ فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ لَا تُبْرِئُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالُهَا الَّتِي لَا تُبْرَى قَطُّ فِي الْحَمْلِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى بَرَاءَتِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ نَعْلَمُهُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ تُبْرِئُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مَنْ تَحِيضُ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُبْرِئُهَا إلَّا الْحَيْضَةُ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَجْهَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَتْ حَيْضَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّ تَأَخُّرَهَا لَيْسَ بِرِيبَةٍ وَلَا يُفِيدُ وَضْعُهَا إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا مَا يُفِيدُ وَضْعُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَلَا مَعْنَى لِلْإِضْرَارِ بِالْمُتَبَايِعِينَ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ مَنْ تَحِيضُ لَا يُبْرِئُهَا إلَّا الْحَيْضُ الْمُعْتَادُ إلَّا أَنْ تَتَأَخَّرَ عَنْ عَادَتِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَى الْأَشْهُرِ كَمَا لَوْ حَاضَتْ لِشَهْرٍ. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ الِاسْتِبْرَاءُ وَالْمُوَاضَعَةُ تَقَعُ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ، وَذَلِكَ بِظُهُورِ الْحَيْضِ فَإِنَّ بِأَوَّلِ الدَّمِ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَسَقَطَتْ سَائِرُ أَحْكَامِ الْمُوَاضَعَةِ وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَهُ ذَلِكَ لِأَوَّلِ مَا تَدْخُلُ فِي الدَّمِ وَيُحْكَى عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ حَيْضَةٌ. (فَصْلٌ) وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ بِالْأَشْهُرِ فَفِي مَنْ لَا تَحِيضُ لِعِلَّةٍ أَوْ لِيَأْسٍ، فَأَمَّا مَنْ لَا تَحِيضُ لِعِلَّةٍ وَرِيبَةٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَمَّا مَنْ لَا تَحِيضُ لِيَأْسٍ فَهَذِهِ مُوَاضَعَتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانِ بْنُ يَسَارٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ شَهْرٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَقِيلَ شَهْرَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَا إلَيْهِ أَنَّ الْمُبْدَلَ لَا يَخْتَلِفُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ مُبْدَلَاتِهِ مَعَ اتِّفَاقِ مَعَانِيهَا كَالتَّيَمُّمِ لَا يَخْتَلِفُ مِقْدَارُهُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ أَحْكَامِ الْمُوَاضَعَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ عَلَيْهِ يَوْمَ قَبَضَهُمَا فَإِنَّ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً بِجَارِيَتَيْنِ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثُ الْجَوَارِي مِنْ أَعْلَى الرَّقِيقِ أَوْ وَخْشِهِ، فَإِنْ كُنَّ مِنْ أَعْلَى الرَّقِيقِ ثَبَتَ حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ فِي جَمِيعِهِنَّ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْجَارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا عِوَضُ الْجَارِيَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَا مُسْتَوِيَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَرْفَعُ مِنْ الْأُخْرَى، فَإِنْ هَلَكَتْ الْمُنْفَرِدَةُ أَوْ الرَّفِيعَةُ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ فِي الْمُوَاضَعَةِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَةَ مِنْهُمَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَرَجَعَ الْعِوَضُ إلَى صَاحِبِهِ وَمَا أَصَابَ الرَّفِيعَةَ مِنْ الثِّنْتَيْنِ فَالدَّنِيَّةُ تَبَعٌ لَهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ الدَّنِيَّةُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ كُلُّهُ أَيْضًا، وَرَوَى هُوَ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الدَّنِيَّةَ مِنْ بَائِعِهَا يَرْجِعُ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا مِنْ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الَّتِي مَعَهَا فِي قِيمَةِ الْمُنْفَرِدَةِ لِضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ، وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَلَاكَ الْجَارِيَةِ قَبْلَ إبْرَامِ الْبَيْعِ فِي عِوَضِهَا يُوجِبُ نَقْضَ الْعَقْدِ كُلِّهِ دُونَ مُرَاعَاةِ يَسِيرِ مَا هَلَكَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا وُجِدَ بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ إبْرَامِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى نَقْضَ الْيَسِيرِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّسْلِيمِ فِي يَسِيرِ الْمَبِيعِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِهِ إذَا لَمْ يُحْدِثْ نَقْصًا فِي غَيْرِهِ كَالِاسْتِحْقَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ، فَإِنْ تَبَايَعَا بِجَارِيَتَيْنِ تَوَاضَعَاهُمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ تَبَايَعَا جَارِيَتَيْنِ فَتَوَاضَعَاهُمَا فَحَاضَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الَّتِي حَاضَتْ تُوقَفُ كَالثَّمَنِ الْمَوْضُوعِ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ يَقْبِضُهَا رَبُّهَا وَتَبْقَى الْأُخْرَى عَلَى حُكْمِ الْمُوَاضَعَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهَا كَالثَّمَنِ الْمَوْضُوعِ لَا يَجُوزُ لِمُبْتَاعِهَا أَنْ يَقْبِضَهَا حَتَّى يُسَلِّمَ عِوَضَهَا مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِهَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عِوَضَهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا قَالَهُ أَنَّ هَذِهِ قَدْ كَمُلَ فِيهَا الْبَيْعُ، فَإِنْ سَلَّمَ الْعِوَضَ تَمَّ الْبَيْعُ فِيهِمَا، وَإِنْ عَرَضَ لَهَا مَانِعٌ مَضَتْ الْأُولَى بِقِيمَتِهَا وَكَانَتْ كَجَارِيَةٍ بِجَارِيَةٍ اُسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبِ، وَقَدْ لَزِمَتْ مُشْتَرِيهَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَوْ حَدَثَ بِهَا الْحَادِثُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا لَمْ تُضْمَنْ بِالْقِيمَةِ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيُؤَاجِرُهُ بِالْإِجَارَةِ الْعَظِيمَةِ أَوْ الْقِلَّةِ الْقَلِيلَةِ، ثُمَّ يُوجَدُ بِهِ عَيْبٌ يُرَدُّ مِنْهُ أَنَّهُ يُرَدُّ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَتَكُونُ لَهُ إجَارَتُهُ وَغَلَّتُهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِبَلَدِنَا، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَبَنَى لَهُ دَارًا قِيمَةُ بِنَائِهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ أَضْعَافًا، ثُمَّ يُوجَدُ بِهِ عَيْبٌ يُرَدُّ مِنْهُ رَدَّهُ وَلَا يُحْتَسَبُ لِلْعَبْدِ إجَارَةٌ فِيمَا عَمِلَ لَهُ وَكَذَلِكَ تَكُونُ لَهُ إجَارَتُهُ إذَا آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ، وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) : ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الَّتِي بِهَا الْبَيْعُ وَتُرَدُّ بِقَدْرِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً اخْتَارَ بِصِفَةِ التَّرَاجُعِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحَيْضَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ ذَلِكَ وَبَيَانَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُبْتَاعِ وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ دُونَهَا وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَحْدُثُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ظَاهِرٌ حِينَ الْعَقْدِ وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فَالظَّاهِرُ كَثَمَرَةِ نَخْلَةٍ مَأْبُورَةٍ وَالصُّوفِ الْكَامِلِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ فَفِي رَدِّ مِثْلِ هَذَا مَعَ الْمَعِيبِ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرَدُّ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُرَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ لِلْمُبْتَاعِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ قَبْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلثَّمَرَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَلِلصَّرْفِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ الرُّجُوعُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ غَلَّةٌ انْفَصَلَتْ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَمْ تُرَدَّ كَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ يَوْمَ الْبَيْعِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا كَانَ مِنْ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ عِنْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ مَعَهَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ إذَا رَدَّ الثَّمَرَةَ أَجْرَ السَّقْيِ وَالْعِلَاجِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَرَةِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْعَمَلِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ عِنْدِي مِنْ الْعَمَلِ أَجْرُ مَا لَوْ رَدَّ الثَّمَرَةَ لَمْ يَعْمَلْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي مَسْأَلَةِ الْغَنَمِ الرُّجُوعَ بِالْعَمَلِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ لِلْمَرْعَى وَالسَّقْيِ عَلَيْهَا تَأْثِيرًا فِيهَا وَلَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْجَزِّ عِنْدِي وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ وَالصُّوفُ حَاضِرَيْنِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَدُّ مَعَهَا، فَإِنْ تَلِفَا قَبْلَ الْجَزِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يَقْبِضُهُمَا وَكَذَلِكَ مَالُ الْعَبْدِ قَبْلَ الِانْتِزَاعِ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الْجَدِّ وَالْجَزِّ وَالِانْتِزَاعِ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ رَدُّ ذَلِكَ إنْ عَرَفَ قَدْرَهُمَا رَدَّ مِثْلَهُمَا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِلَّا غَرِمَ قِيمَتَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَا عِنْدَهُ بِحِصَّتِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِالْبَيْعِ وَلَا صُوفِ الْغَنَمِ قَبْلَ الْجَزِّ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَلَوْ أَبْقَى ذَلِكَ عِنْدَهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ لَكَانَ إفْرَادًا لَهُ بِالْبَيْعِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فِيمَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ أَوْ الصُّوفُ لِلْمُبْتَاعِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْجَدِّ أَوْ الْجَزِّ وَهُوَ الَّذِي يَتَطَرَّقُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتِمُّ قَبْضُهُ وَانْفِصَالُهُ مِنْ الْمَبِيعِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ النَّمَاءُ غَيْرَ ظَاهِرٍ حِينَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْأُمِّ مَا كَانَ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَجُزْ إمْسَاكُهُ مَعَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ كَالسِّمَنِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَاضِرًا رَدَّهُ مَعَ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ أَكَلَهُ رَدَّ قِيمَتَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الشَّاةَ حَامِلًا فَتَلِدُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ وَيَأْكُلُ سَخْلَتَهَا أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ أَوْ يُمْسِكَهَا وَيَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ قَالَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ رُبَّمَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْبِ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا وَمَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُرْجَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ ابْتَاعَ رَقِيقًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَدَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقِ عَبْدًا مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِعَبْدٍ مِنْهُمْ عَيْبًا أَنَّهُ يَنْظُرُ فِيمَا وَجَدَ مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ هُوَ وَجَدَ ذَلِكَ الرَّقِيقَ أَوْ أَكْثَرَ ثَمَنًا أَوْ مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَى وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا كُلُّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ مَسْرُوقًا أَوْ وَجَدَ بِهِ الْعَيْبَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ وَجْهُ ذَلِكَ الرَّقِيقِ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَى وَلَا فِيهِ الْفَضْلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ رَدَّ ذَلِكَ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْعَيْبَ أَوْ وَجَدَ مَسْرُوقًا بِعَيْنِهِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أُولَئِكَ الرَّقِيقَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمئِذٍ لِوَلَدِهَا أَوْ يُمْسِكَهَا وَيَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ فَوَجَبَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَالسِّمَنِ، وَلَا يَقْتَضِي هَذَا الْقَوْلُ أَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ لَا يُثْبِتُ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارَ فِي الْإِمْسَاكِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ هَذَا نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ يُمْسِكَ مَا اشْتَرَاهُ مَعِيبًا فَإِذَا اعْتَدَّ بِذَلِكَ النَّمَاءِ ثَمَنًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الثَّمَنَ مَعَ الْمَعِيبِ أَوْ يُمْسِكَ الْمَعِيبَ وَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُ فَهَذَا الْخِيَارُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ فَقَطْ، وَهَذَا الْخِيَارُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ كَالسِّمَنِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ كَمَا لَا يَرُدُّ قِيمَةَ السِّمَنِ إذَا ذَهَبَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْأُمَّ النَّقْصُ بِالْوِلَادَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ أَوْ يَرُدَّ وَيَرُدَّ مَا نَقَّصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَجَعَلَ التَّأْثِيرَ لِلْوِلَادَةِ لَا لِلْوَلَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ حِينَ الْعَقْدِ وَالصُّوفِ الَّذِي يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَعَ الْأَصْلِ، وَقَالَ زُفَرُ يُرَدُّ جَمِيعُ ذَلِكَ وَجْهُ مَا قُلْنَا أَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ فَلَمْ تُرَدَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ كَأُجْرَةِ الْعَمَلِ. (فَرْعٌ) وَمَتَى يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ؟ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ وَيَرُدُّ الْأَصْلَ دُونَهَا، وَإِنْ رَدَّ الْأَصْلَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَهِيَ مَعَ الْأَصْلِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ مَا أَنْفَقَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَإِذَا بَدَا صَلَاحُهَا فَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِانْفِصَالِ فَهِيَ لِمَنْ ظَهَرَتْ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَجِدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ فَمَا كَانَ يَوْمَ الْبَيْعِ رَدَّ بِهِ سَيِّدُهُ وَكَذَلِكَ مَا وُهِبَ لَهُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ رَبِحَهُ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ إيَّاهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ أَفَادَ مِنْ عَمَلِ سَيِّدِهِ أَوْ رِبْحِهِ فِي مَالٍ دَفَعَهُ إيَّاهُ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ إمْسَاكَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ اسْتَفَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُبْتَاعِ فَهُوَ مُبْتَاعٌ وَمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ فَهُوَ مُضَافٌ إلَى مَالِهِ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَهُ بِالضَّمَانِ. (ش) : إنَّ مَنْ اشْتَرَى رَقِيقًا جُمْلَةً فَاسْتُحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي بِهِ الْعَيْبُ لَهُ مُعْظَمُ الثَّمَنِ رَدَّ بِالْعَيْبِ جَمِيعَ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ رَدَّهُ وَحْدَهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنَّ الْعَيْبَ الَّذِي فِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً أَوْ بِجَمِيعِ الْجُمْلَةِ؟ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَيْبُ يُنْقِصُ الْجُمْلَةَ كَانَ لَهُ رَدُّ ذَلِكَ الرَّأْسِ وَحْدَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُ الْجُمْلَةَ لَمْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ يُنْقِصُ أُصْبُعًا خَاصَّةً وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُفْرَدْ بِالْبَيْعِ فَيُعْتَبَرُ الْعَيْبُ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا بَيْعٌ مَعَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعَيْبُ بِهِ وَحْدَهُ كَالْعُضْوِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ جُزْءًا شَائِعًا أَوْ غَيْرَ شَائِعٍ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَنْقَسِمَ الْجُمْلَةُ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ أَوْ لَا تَنْقَسِمَ، فَإِنْ انْقَسَمَتْ الْجُمْلَةُ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فَهُوَ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْعَيْبِ يُوجَدُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْجُمْلَةِ أَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعْظَمِهَا فِي التَّخْيِيرِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُعْظَمَ الْجُمْلَةِ كَانَ لِلْمُبْتَاعِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إمْسَاكُ الْبَاقِي بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ رَدُّهُ وَالرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْجُمْلَةِ أَوْ الْيَسِيرِ مِنْهَا لَزِمَهُ الْبَاقِي بِمَا يُصِيبُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْبَاقِيَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَضَرَّةُ الشَّرِكَةِ فِي آحَادِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ غَيْرُ شَائِعٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ أَعْيَانِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ أَوْ يَكُونَ مِمَّا الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا الْغَرَضُ فِي سِلْعَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ مِقْدَارَ نِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْبَاقِي عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَزِمَهُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَانِ سَوَاءً فَهَلْ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ الرَّدُّ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ النِّصْفُ الثَّانِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا غَرَضَ فِي أَعْيَانِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَى بِجُمْلَتِهِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ نِصْفِ الْمَبِيعِ يَلْزَمُ بِهِ النِّصْفُ الثَّانِي كَالْعَبْدَيْنِ الْمُتَكَافِئَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مِمَّا الْغَرَضُ فِي عَيْنِهِ فَلَا اعْتِبَارَ بِقِيمَتِهِ دُونَ عَيْنِهِ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ آحَادِ الْجُمْلَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْهُ النِّصْفَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ اسْتَحَقَّ مَا قِيمَتُهُ النِّصْفُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ يَجِدُ الْمُبْتَاعُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ وَأَخَذَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَقَّ مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَلْزَمُهُ السَّالِمُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ حَتَّى تَكُونَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ وَيَلْزَمُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ النِّصْفَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اسْتَحَقَّ مَا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَهَلْ يَرُدُّ الْجَمِيعَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْجَمِيعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ اشْتَرَى عَشْرَ شِيَاهٍ فَوَجَدَ تِسْعَةً أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَلْزَمُهُ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا تُخَالِفُ قِيَمَ غَيْرِهَا فَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِأَنَّ ضَرُورَةَ الشَّرِكَةِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ ابْتِيَاعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْعَيْبِ إذَا تَرَاضَى الْمُتَبَايِعَانِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ كَمُلَ عَلَى صِحَّةٍ وَمَعْرِفَةٍ بِالثَّمَنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِجَهْلِهِمَا بِالثَّمَنِ عِنْدَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَتَيْنِ فَهَلَكَتْ الْعُلْيَا فِي الْمُوَاضَعَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْأَدْوَنِ بِمَا يُصِيبُهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ كَمُلَ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ظَاهِرٌ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مَسَائِلُ تَقْتَضِيه؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً فَحَدَثَ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَسْقُطَ عَنْهُ قَدْرُ الْعَيْبِ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا وَقِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ فَإِذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ فَقَدْ أَمْسَكَهَا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ قُوبِلَتْ الْجُمْلَةُ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ قُوبِلَ كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ حِينَ الْعَقْدِ لِاتِّشَاحٍ فِيمَا يَزِيدُهُ فِي أَثْمَانِ بَعْضِهَا وَيُنْقِصُهُ مِنْ سَائِرِهَا، وَأَمَّا حِينَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي قِيمَتِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَّا أَنْ يَجِدَ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ عَيْبًا وَالْمَبِيعُ مِمَّا الْغَرَضُ فِي مَعِيبِهِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُبْتَاعُ السَّلِيمَ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضًا الْبَائِعِ، فَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ وَأَبَى هُوَ لَزِمَهُ إذَا كَانَ الْمَعِيبُ قَلِيلًا وَلَمْ يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ

[ما يفعل بالوليدة إذا بيعت والشرط فيها]

مَا يُفْعَلُ بِالْوَلِيدَةِ إذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ إنَّك إنْ بِعْتهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِ الْمَبِيعِ وَكَانَ الْعَيْبُ بِأَقَلِّهِ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَخْذَ السَّلِيمِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْبَائِعُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ فَيَحْمِلُ سَالِمُهُ مَعِيبَهُ فَفِي أَخْذِ السَّلِيمِ دُونَ الْمَعِيبِ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ وَمَا كَانَ الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْهُ الْكَثِيرَ وَلَا يُرَادُ مِنْهُ الْأَعْيَانُ فَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ السَّلِيمَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ. [مَا يُفْعَلُ بِالْوَلِيدَةِ إذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا] (ش) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ إنَّك إنَّ بِعْتهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ مِنْهُ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يُسَمِّيه الْعُلَمَاءُ الثُّنْيَا وَيُسَمُّونَ الْبَيْعَ الْمُنْعَقِدَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَيْعَ الثُّنْيَا وَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ مَعَ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ الثُّنْيَا فِي الْبَيْعِ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ أَوْ مُؤَقَّتَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمُبْتَاعُ مَتَى جِئْت بِالثَّمَنِ رَدَدْت عَلَيْك الْمَبِيعَ أَوْ يَقُولَ لَهُ مَتَى أَرَدْت بَيْعَهَا رَدَدْتهَا عَلَيْك بِالثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَى بِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتهَا بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَائِعَ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُبْتَاعِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ فَيَكُونُ تَارَةً مَبِيعًا وَتَارَةً سَلَفًا عَلَّلَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهَذَا وَعَلَّلَ سَحْنُونٌ بِأَنَّهُ سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُسْلِفُهُ الثَّمَنَ لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِاسْتِغْلَالِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ أَنَّ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ يَتَمَيَّزُ السَّلَفُ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَلَوْ قَالَ يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا لَكَانَ أَقْرَبَ وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّلَفَ يُرَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هَذَا وَلِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَرْتَجِعَ فَلَا يَكُونُ سَلَفًا وَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ فَيَكُونُ سَلَفًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيلَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَفِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ قَبْلَ الْغَيْبِ عَلَى السَّلَفِ وَلَمَّا لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنَعَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَسَلَفًا، وَقَالَ هُوَ سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الْإِقَالَةِ، وَذَلِكَ أَنْ يَسْأَلَ الْمُبْتَاعُ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فَيَقُولُ الْبَائِعُ أُقِيلُك عَلَى أَنَّك إنْ أَرَدْت بَيْعَهُ فَأَنَا أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ فَيُقِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُبْتَاعُ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُقِيلَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ الْمُقَالُ وَلَا تُفْسَخُ الْأُولَى وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَابٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ وَلَوْ شَرَطَ إذَا أَقَالَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ انْتِقَالَ الْبَيْعِ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَطَالَ فَبَيْعُ الْمُسْتَقْبَلِ نَافِذٌ كَاَلَّذِي سَأَلَ زَوْجَتَهُ وَضْعَ صَدَاقِهَا فَقَالَتْ أَخَافُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَوَضَعْته، ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَلَهَا الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ بِمَا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَدَعَهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ وَلَيْسَتْ بِعَقْدِ بَيْعٍ، وَلِذَلِكَ احْتَجَّ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إزَالَةُ مِلْكٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الشُّرُوطِ وَعَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ يُفْسِدُهَا مَا يُفْسِدُ الْبُيُوعَ وَيُصَحِّحُهَا مَا يُصَحِّحُ الْبُيُوعَ وَعَلَى حَسَبِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْإِقَالَةُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُفْسِدُهَا هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُقَالَ مِنْ صِحَّةِ مِلْكٍ انْتَقِلْ إلَيْهِ بِالْإِقَالَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا ضُرِبَ إلَى ذَلِكَ أَجَلٌ أَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ فَقَالَ إنْ جِئْتنِي إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَك رُدَّ عَلَيْك فَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ وَيَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ غَيْرَ الْمُؤَجَّلِ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ، فَإِنْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ فَقَالَ إنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ فَجَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَائِعُ ثَبَتَ الْبَيْعُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَارَ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَقَدْ كَانَ حَرَامًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَكَذَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ فَسَخْنَا الْأَوَّلَ وَلَعَلَّهُ رَآهُ مِنْ بَيْعِ الشُّرُوطِ الَّتِي إنْ تَرَكَ الشَّرْطَ مُشْتَرِطُهُ مَضَى الْبَيْعُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَدْ كَانَ الْبَيْعُ حَرَامًا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نَقْدَهُ ثَمَنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ رَدَّ الْمَبِيعَ كَانَ سَلَفًا، وَإِنْ أَمْضَاهُ كَانَ بَيْعًا، ثُمَّ تَأَوَّلَ ابْنُ الْمَوَّازِ إجَازَتَهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ شَرْطِهِ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ كَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ لَا يُغَابَ عَلَى الثَّمَنِ حَتَّى يَسْقُطَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا قَدْ فَسَخَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ تَطَوَّعَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ وَمِلْكِهِ لِلْمَبِيعِ فَقَالَ أَصْبَغُ إذَا سَلِمَا مِنْ مُدَاهَنَةٍ أَوْ مُوَاعَدَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا أَوْ لَمْ يَضْرِبَاهُ إلَّا فِي الْإِمَاءِ لِمَا يُحْذَرُ فِيهِ مِنْ إعَارَةِ الْفَرْجِ، فَإِنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ أَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا بَعِيدًا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَلْزَمْ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يُدْرَكَ ذَلِكَ الْمَشْرُوطُ بِحَرَارَةِ الْأَمْرِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ عِنْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ وَقَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا أَقْرَبَ مِنْ مُدَّةِ خُرُوجِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَذَلِكَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ مِمَّا خِفْنَاهُ وَيَجِبُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُبْتَاعِ وَطْؤُهُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مِنْ الْإِمَاءِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو فِيمَا تَطَوَّعَ فِيهِ بِالثُّنْيَا مِنْ أَنْ يَضْرِبَ لَهُ أَجَلًا أَوْ لَا يَضْرِبَ لَهُ أَجَلًا، فَإِنْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا يَقْطَعُ بِهِ ذَلِكَ إلَى مُنْتَهَى الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا فَلِمَنْ جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ الْقِيَامُ بِالثُّنْيَا مَتَى كَانَتْ فِي مِلْكِ الَّذِي جَعَلَهَا لَهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ سَقَطَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الثُّنْيَا إنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِطْلَاقُ فِي ذَلِكَ لَا يَتَعَذَّرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ الْمَالِكُ مِنْ التَّصَرُّفِ التَّامِّ فَإِذَا أَلْقَاهُ عِنْدَهُ كَانَ لَهُ ثُنْيَا، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَسُؤَالُ ابْنِ مَسْعُودٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَأَرَادَ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِيهَا عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى أَنَّ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ وَجْهًا حَتَّى يَعْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حُكْمَهُمَا بِالدَّلِيلِ الَّذِي يُرْشِدُهُ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِحُكْمِهَا لِيَعْلَمَ مُوَافَقَتَهُ لَهُ فِيهَا أَوْ مُخَالَفَتَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ فِي الْمَبْسُوطِ مَعْنَى ذَلِكَ لَا تَبْتَعْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ لَا تَشْتَرِهَا بِهَذَا الشَّرْطِ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْ هَذَا الِابْتِيَاعِ لِفَسَادِهِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا تَقْرَبْهَا فِي الْوَطْءِ مَعَ بَقَاءِ هَذَا الشَّرْطِ فِيهَا وَيَكُونُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ مَسْكُوتًا عَنْهُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا: مَنْعٌ مِنْ وَطِئَهَا إلَّا مَعَ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَا يُشْبِهُ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُبِيحُ الْوَطْءَ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ بِحُرْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا تَامًّا، وَوَجْهُ فَسَادِ الْعَقْدِ أَنَّ مَا يَشْتَرِطُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مِلْكِ الْمُبْتَاعِ لِلْمُبْتَاعِ كَبَيْعِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ، وَاشْتِرَاطُ الْوَلَاءِ قَبْلَ هَذَا الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ وَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ فِيهِ الْمِلْكُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فَسَادًا فِي الْبَيْعِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُبْتَاعُ فَلَا يَثْبُتُ الشَّرْطُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ مَا يَقَعُ فِي مُدَّةِ مِلْكِ الْمُبْتَاعِ لِلْمَبِيعِ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إيقَاعَ مَعْنًى فِي الْمَبِيعِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَنْعًا مِنْ تَصَرُّفٍ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ، فَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ مَنْفَعَةً فِي الْمَبِيعِ فَمِثْلُ أَنْ يَبِيعَ دَارًا وَيَشْتَرِطَ سُكْنَاهَا أَوْ دَابَّةً وَيَشْتَرِطَ رُكُوبَهَا أَوْ غُلَامًا وَيَشْتَرِطَ خِدْمَتَهُ أَوْ ثَوْبًا وَيَشْتَرِطَ لُبْسَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ إيقَاعَ مَعْنًى فِي الْمَبِيعِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ إيقَاعَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ مَا لَيْسَ بِرًّا، فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي الْعَبْدِ الْعِتْقَ أَوْ التَّدْبِيرَ أَوْ فِي الْأَمَةِ الِاسْتِيلَادَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَجَّلُ مَقْصُودُهُ كَالْعِتْقِ الْمُعَجَّلِ، وَالْقَسَمُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَا يَتَأَجَّلُ مَقْصُودُهُ كَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ وَالْكِتَابَةِ، فَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ الْمُعَجَّلِ وَمَا يَتَعَجَّلُ مَقْصُودُهُ بِأَثَرِ الْعَقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ لِبُعْدِهِ عَنْ الْغَرَرِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّقِيقِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ يَجِبُ بِهِ الْعِتْقُ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَبَيْعِ الْآبِقِ مِنْ أَبِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَاعُ التَّمَسُّكَ بِالْعَبْدِ وَامْتَنَعَ مِنْ إنْفَاذِ الْعِتْقِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَشْهَبُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِتْقِ، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة وَزَادَ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِقَوْلِ الْبَائِعِ فِي هَذَا وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ عِتْقٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى عِتْقِهِ وَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَهَذَا قَدْ عُوقِدَ عَلَى الْعِتْقِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفِيَ بِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا شَرْطٌ جَائِزٌ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ نَقْضُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهِ اسْتِخْدَامَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِحَقٍّ لِلْبَائِعِ فَلَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى ابْتِدَاءِ إيقَاعِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَالْإِيجَابُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عِتْقَهُ بَعْدَ كَمَالِ مِلْكِهِ فَلَيْسَ بِإِيجَابٍ، فَإِذَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ شَحَّ الْبَائِعُ فَوَجَدَ الْعَبْدَ لَمْ يَفُتْ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهُ لِلْمُبْتَاعِ دُونَ شَرْطٍ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ لَيْسَ لِلْبَائِعِ تَرْكُ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى هَذَا عِنْدِي أَنْ يُقَوَّمَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَيُقَوَّمَ دُونَهُ، وَيُرْجَعُ مِنْ الثَّمَنِ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَبِمَا ذَكَرَ يَفُوتُ هَذَا الْعَبْدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ بِمَا زَادَ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَلَا التَّغَيُّرُ الْيَسِيرُ فِي الْبَدَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَتَأَجَّلُ مَقْصُودُهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِهِ أَوْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الشَّرْطَ يَبْطُلُ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَفُتْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَجَّلَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى فِي الْعَبْدِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ يَوْمًا بَعْدَ عَامٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إيقَاعَ مَا لَيْسَ بِبِرٍّ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ بَيْعَهَا أَوْ الْخُرُوجَ بِهَا إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا أَوْ لَا يَهَبَهَا وَلَا يَتَصَدَّقَ بِهَا وَلَا يَشْتَرِيَ أَوْ لَا يُسْتَخْدَمَ خِدْمَةً مُعَيَّنَةً فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ وَقَعَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ يَبْطُلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكًا تَامًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ فِيهَا مَا مِلْكُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُشْتَرِطُ مَا شَرَطَ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ الشَّرْطِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَفُتْ، وَرَوَى دَاوُد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ لِمَا يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْحَاجَةُ تَنْزِلُ بِالْمُبْتَاعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فَلِذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَمِلْكُهُ عَلَيْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فِيهَا بِالْفَوَاتِ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ وَيَصِحُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَانَ ذَلِكَ فَوْتًا لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً فَقَالَ لَهُ أَبُو الْجَارِيَةِ ابْتَعْهَا وَأَنَا أُعِينُك فِي ثَمَنِهَا بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ تَحْبِسَهَا وَلَا تَبِيعَهَا فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهَا، ثُمَّ ابْتَاعَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّ الْبَيْعَ قَدْ سَلِمَ مِمَّا يُكْرَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا رَدَّ عَلَى أَبِيهَا مَا أَخَذَ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِم. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا أَنْ يَهَبَهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا ذَلِكَ فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكًا تَامًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ فِيهَا مَا مِلْكُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ وَكَانَ بَيْعًا مَكْرُوهًا) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً عَلَى شَرْطٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَتِمَّ فِيهَا وَالْبَيْعُ مُقْتَضَاهُ الْمِلْكُ التَّامُّ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ مَا يَمْنَعُهُ صِحَّةَ الْمِلْكِ وَجَبَ أَنْ يُفْسِدَهُ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّسْلِيمِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْعِتْقُ فَإِنَّ الْعِتْقَ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَطْءُ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا جُمْلَةً، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ حَتَّى يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَقَدْ رَوَى دَاوُد عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ وَالْوَلِيدَةِ وَسَائِرِ السِّلَعِ وَلَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ الْغُلَامَ أَوْ السِّلْعَةَ وَيَحُوزَهَا بِمَا يُحَازُ بِهِ الْمَرْهُونُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ فِي السِّلَعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ، وَهَذَا فِي مِثْلِ الْأَجَلِ الْقَصِيرِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا طَالَ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْوَلِيدَةِ وَسَائِرِ السِّلَعِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا اشْتَرَطَ فِي شَيْءٍ مِنْ السِّلَعِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الْبَيْعِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ لَهَا حُكْمَ الرَّهْنِ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ غَيْرَ الْمَبِيعِ جَازَ أَنْ يَرْتَهِنَ الْمَبِيعَ مَعَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا بِأَنْ يُقْضَى الثَّمَنُ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ فَجَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُبْتَاعَ مِنْ الْمَبِيعِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ كَبَيْعِ النَّقْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ الْمُبْتَاعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ الْمُدَّةَ الْبَعِيدَةَ الَّتِي لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الِانْتِفَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَقَدْ رَوَى دَاوُد بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْمَبِيعِ حُكْمَ الرَّهْنِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْتَهِنَ الْغُلَامَ أَوْ السِّلْعَةَ وَيَحُوزَهَا بِمَا يُحَازُ بِهِ الْمَرْهُونُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ سَفِينَةٍ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْبَيْعُ وَلَمْ يُرَدَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ لَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَوْقَعَهُ فَاتَ بِهِ الْبَيْعُ كَوَطْءِ الْأَمَةِ.

[النهي عن أن يطأ الرجل وليدة ولها زوج]

النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ جَارِيَةً وَلَهَا زَوْجٌ ابْتَاعَهَا بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ لَا أَقْرَبُهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا فَأَرْضَى ابْنُ عُمَرَ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَا أَقْرَبُهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا يُرِيدُ أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى مَنْ لَا يُسْتَبَاحُ وَطْؤُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مِلْكُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودُهُ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلِذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ بِاسْتِبَاحَةِ بُضْعِهَا فَحَرُمَتْ عَلَى السَّيِّدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ابْتَاعَهَا بِالْبَصْرَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَهَا ذَاتَ زَوْجٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ حِينَ الْهَدِيَّةِ وَأَنَّهَا حِينَ الْبَيْعِ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ غَيْرَ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَظْهَرُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا يَرْوُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَرْضَى ابْنُ عُمَرَ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ فَسْخَ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ بُضْعَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْعَاقِدَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ بِمُفَارَقَةِ الزَّوْجِ لَهَا أَنْ يَسْتَبِيحَهَا عُثْمَانُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الزَّوْجِ لَهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ فَأَرْضَاهُ بِمَالٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى أَنْ فَارَقَهَا؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الزَّوْجِ لَا تَزُولُ عَنْهَا إلَّا بِوَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ إلَّا أَنَّنَا نَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِبْرَاءِ الَّذِي يُبِيحُهَا لِلسَّيِّدِ، وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ فِي وَفَاةِ زَوْجِهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ تَتَخَلَّلُهَا حَيْضَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ السَّيِّدِ الْمُبْتَاعِ لَهَا مِنْ أَوَّلِ الْعِدَّةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا، وَإِنْ اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ فَاسْتِبْرَاؤُهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ الْحَيْضَةُ أَوْ انْقِضَاءُ الْأَيَّامِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَكَانَتْ بَرَاءَتُهَا فِي حَقِّهِ الْحَيْضُ أَوْ بَدَلُهُ لِمَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لِمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ وَيُعْتَدُّ بِهِمَا مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَيَدْخُلُ فِيهِمَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا غَيْرُ زَوْجِهَا أَوْ يَكُونَ بَاعَهَا زَوْجُهَا، فَإِنْ كَانَ بَاعَهَا غَيْرُ زَوْجِهَا، وَقَدْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ كَانَتْ بَقِيَتْ جَمِيعُ عِدَّتِهَا وَهِيَ حَيْضَتَانِ فَلَا يَسْتَبِيحُهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا حَتَّى تَحِيضُهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَتْ بَقِيَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ اسْتَبَاحَهَا السَّيِّدُ بِوُجُودِهَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَمَامُ عِدَّةِ الزَّوْجِ وَاسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الزَّوْجُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَصَابَهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ أَوَّلًا أَوْ لَمْ يُصِبْهَا، فَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ ثُمَّ اسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَالْعِدَّةُ فِيهَا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ انْفَسَخَ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ وَكَمْ عِدَّتُهَا؟ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ وَرُوِيَ عَنْهُ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمِلْكِ يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِصَابَةِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَيُزِيلُ حُكْمُهُ الْإِصَابَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ الزَّوْجِ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الْحَيْضَتَيْنِ أَوْ بَعْدَ مَا حَاضَتْ إحْدَاهُمَا فَفِي الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَنْقَضِي بِهِ اسْتِبْرَاؤُهُ لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَصَابَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، ثُمَّ بَاعَهَا فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ النِّكَاحِ وَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِمَاءِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ يَكْمُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ

[ما جاء في ثمر المال يباع أصله]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا) . مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالطَّلَاقُ لَا يَتَرَقَّبُ شَيْءٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ وَالشُّهُورِ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ تَوَقُّعِ الْحَمْلِ فَإِذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ فَلَا بَرَاءَةَ إلَّا بِوَضْعِهِ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لَمْ يُتَوَقَّعْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُيُقِّنَ بِوَضْعِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ غَيْرِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ وَجَدَ الْأَمَةَ ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِيهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَإِدْخَالُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ السَّيِّدَ مِنْ الْوَطْءِ وَهُوَ مِنْ بَعْضِ الْعُيُوبِ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الزَّوْجُ. [مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ التَّأْبِيرُ فِي النَّخْلِ هُوَ التَّلْقِيحُ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ أَبَّرْتُ النَّخْلَ أُؤَبِّرُهَا أَبْرًا وَأَبَّرْتُهَا لَقَّحْتهَا وَقَالَ الْخَلِيلُ الْأَبْرُ لِقَاحُ النَّخْلِ يُقَالُ أَبَّرَهَا أَبْرًا إذَا لَقَّحَهَا وَالتَّلْقِيحُ أَنْ يُؤْخَذَ طَلْعُ ذَكَرِ النَّخْلِ فَيُعَلَّقَ بَيْنَ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّأْبِيرُ أَنْ يَشُقَّ الطَّلْعَ عَنْ الثَّمَرَةِ وَقَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] فَإِذَا تَمَّ اللِّقَاحُ فَسَقَطَ مَا سَقَطَ وَثَبَتَ مَا ثَبَتَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالتَّأْبِيرُ عَلَى هَذَا إصْلَاحُهَا لِلِّقَاحِ فَإِذَا لُقِّحَتْ وَانْعَقَدَ النَّوْرُ فِيهَا فِيمَا يُنَوَّرُ فَقَدْ تَمَّ اللِّقَاحُ وَثَبَتَ حُكْمُ التَّأْبِيرِ وَإِذَا اُشْتُقَّ طَلْعٌ قَبْلَ إبَانَةٍ فَتَأَخَّرَ تَأْبِيرُهُ وَقَدْ أُبِّرَ عِنْدَهُ مِمَّنْ حَالُهُ مِثْلُ حَالِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا أُبِّرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا عَدَا النَّخْلَ مِنْ سَائِرِ الْأَشْجَارِ فَالتَّأْبِيرُ فِيهِ مَا قَدَّمْنَا ذَكَرَهُ وَفِي التِّينِ وَمَا لَا زَمَنَ لَهُ أَنْ تَبْرُزَ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا ظَاهِرَةً وَتَتَمَيَّزَ عَنْ أَصْلِهَا فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّأْبِيرِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ وَيَتَبَيَّنُ حَالُهُ وَكَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالتَّأْبِيرُ فِي النَّخْلِ الَّتِي لَا تُؤَبَّرُ أَنْ تَبْلُغَ مَبْلَغَ الْإِبَارِ فِي غَيْرِهَا، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَإِبَارُهُ أَنْ يُفْرَكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ إبَارَهُ ظُهُورُهُ مِنْ الْأَرْضِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَرَ هُوَ الْحَبُّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إبَارُهَا بِذَهَابِ زَهْرِهَا وَانْعِقَادِ حَبِّهَا وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْأَرْضُ وَاَلَّذِي يَنْفَصِلُ مِنْهُ هُوَ الزَّرْعُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ بِالظُّهُورِ كَالثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ» يُرِيدُ أَنَّهَا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هِيَ لِلْمُشْتَرِي وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مُتَمَيِّزٌ فَلَمْ يُتَّبَعْ الْأَصْلُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَالْجَنِينِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إجْبَارُهُ عَلَى نَقْلِ ثَمَرَتِهِ قَبْلَ أَوَانِ جِذَاذِهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا اسْتِحْقَاقٌ يُجَدَّدُ عَلَى أَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى نَقْلِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ كَالشُّفْعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَبَّرَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَهُمَا فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ مَا أُبِّرَ تَبَعُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ وَإِنْ رَضِيَ الْمُبْتَاعُ بِالنِّصْفِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ النَّخْلَ مِمَّا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ وَنَمَاءُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مُتَمَيِّزٌ وَقَدْ تَسَاوَيَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَكَانَ لِكُلِّ قِسْمٍ حُكْمُ نَفْسِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ كَانَ قَالَهُ فِي الْمُتَمَيِّزِ أَنَّ فَضْلَ الثَّمَرَةِ وَمَعْرِفَةَ تَسَاوِيهِمَا أَمْرٌ يَبْعُدُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ تَبَعًا لِمَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا أَبَّرَ بَعْضَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّخْلِ وَبَقِيَ بَعْضُهَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ النَّخْلُ فِي حِينِ تَأْبِيرِهَا وَكَانَ بَعْضُ ثَمَرَتِهَا قَدْ كَمُلَ ذَلِكَ فِيهَا وَبَعْضُهَا لَمْ يَكْمُلْ وَكَانَ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ قَدْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ وَبَعْضُهَا لَمْ يَظْهَرْ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الثَّمَرَةَ الْمُبْتَاعُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَنْقُلُ حُكْمَ الثَّمَرَةِ فِي جَوَازِ فَصْلِهَا عَنْ الْأَصْلِ بِالْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ظُهُورُ بَعْضِهِ كَظُهُورِ جَمِيعِهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ أَصْلُهُ الْإِزْهَاءُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِمَا لَمْ يُؤَبَّرْ حُكْمٌ يُخَالِفُ حُكْمَ مَا أُبِّرَ وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ فِي ذَلِكَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ حَقُّ الْمُبْتَاعِ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَصِيبَ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْبَائِعُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ نَصِيبَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَكْثَرَ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْقَلِيلَ تَبَعٌ لِلْكَثِيرِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّسَاوِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» يُرِيدُ فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ لِلْمُبْتَاعِ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ وَلَا نَعْلَمُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ خِلَافًا إذَا ابْتَاعَهَا بِغَيْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنْ ابْتَاعَهَا بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أُبِّرَتْ الثَّمَرَةُ أَمْ لَمْ تُؤَبَّرْ إلَّا أَنْ يَجِدَهَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أُبِّرَتْ أَمْ لَمْ تُؤَبَّرْ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ صَلَاحَهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ غَيْرُ مُتَنَجِّزِ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا رَاعَى فِي فَسَادِ الْعَقْدِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لَا مَا هُوَ عَلَيْهِ حِينَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى قَصِيلًا فَحَصَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِيهِ الْحَبُّ صَحَّ شِرَاؤُهُ، وَأَمَّا إنْ أَبْقَاهُ حَتَّى صَارَ حَبًّا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ وَرُوعِيَ فِيهِ الْمَآلُ وَلَوْ رُوعِيَ فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْعَقْدِ لَصَحَّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَفْسُدْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ شِرَائِهِ إلَّا قَصِيلًا أَوْ عُشْبًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ الطَّلْعَ بِمَنْزِلَةِ جِمَارِ النَّخْلَةِ مَا لَمْ تُؤَبَّرْ فَإِذَا أُبِّرَتْ فَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ابْتِيَاعِهَا بِطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ اشْتَرَطَ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ النَّخْلِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ جَمِيعَ النَّخْلِ وَيَشْتَرِطَ نِصْفَ ثَمَرَتِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرَةِ وَلَا فِي مَالِ الْعَبْدِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ جَوَازَهُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَمَالِ الْعَبْدِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَقْصُودَةٌ بِالْعَقْدِ قَدْ لَحِقَتْهَا الْمُغَابَنَةُ وَالْمُكَايَسَةُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَا جَازَ أَنْ يُشْتَرَطَ جَمِيعُهُ فِي الْعَقْدِ جَازَ أَنْ يُشْتَرَطَ بَعْضُهُ كَأَصْلٍ آخَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي حِينِ الْعَقْدِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُلْحِقَهُ بِالْعَقْدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَرَوَاهُ مَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا وَبِهِ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ وَابْنُ دِينَارٍ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ فِي الثَّمَرَةِ دُونَ مَالِ الْعَبْدِ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ فَأَمَّا إجَازَةُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَالِ الْعَبْدِ وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ عَلَى رَأْيِ أَشْهَبَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَنْتَقِلُ بِكَمَالِ الْعَقْدِ فِيهِ دُونَ شَرْطٍ إلَى حَالِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَيْهَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَرَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا لِلْمُبْتَاعِ مَعَ الْأَصْلِ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُلْحِقَهَا بِالْعَقْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَى الْأَصْلَ وَالثَّمَرَةَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْأَصْلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ فَاسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ فُسِخَ الْبَيْعُ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدْ الزَّرْعُ وَلَوْ اُسْتُحْصِدَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ تَمَّ فِيهِ الْبَيْعُ وَهُوَ لِلْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجَلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى هَذِهِ الثَّمَرَةِ وَقْتٌ وَهِيَ

[النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها]

النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ بِصُورَةِ مَا يَفْسُدُ فِيهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِصُورَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِاعْتِقَادِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ الَّذِي بِيعَتْ مَعَهُ فَلَمَّا بَدَا صَلَاحُهَا كَانَتْ بِصِفَةِ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَفْسُدْ مَعَهَا اسْتِحْقَاقُ الْأَصْلِ وَإِفْرَادُهَا مِنْهُ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْأَصْلُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ لَفَسَدَ الْبَيْعُ فِيهَا لِانْفِرَادِهَا عَنْ الْأَصْلِ وَاسْتِحَالَةِ الْبَيْعِ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَتَنَاوَلُ الْأَصْلَ دُونَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَفْرَدَ الثَّمَرَةَ بِالشِّرَاءِ عَلَى الْجَدِّ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الثَّمَرَةَ فِي الْأَصْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَكَ الْأَصْلَ وَالثَّمَرَةَ جَمِيعًا عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ سَائِغٍ فَكَانَتْ لَهُ التَّبْقِيَةُ كَمَا لَوْ مَلَكَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلَوْ اشْتَرَى الزَّرْعَ عَلَى الْحَصَادِ ثُمَّ اكْتَرَى الْأَصْلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ الزَّرْعَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ فَلَا تَسْقُطُ الْمُخَارَصَةُ بِتَلَفِ الزَّرْعِ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ مُنِعَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَتَكَرُّرِ الْجَوَائِحِ وَالْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ حِينَ الْقَبْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ عَلَى التَّبْقِيَةِ ثُمَّ اشْتَرَى الْأَصْلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْقِيَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَقَعَ فَاسِدًا وَلَوْ وَرِثَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَتْ لَهُ التَّبْقِيَةُ قَالَ مَالِكٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ رُدَّتْ إلَيْهِ بِحَقِّ الْمِيرَاثِ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ فَإِنَّهَا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لِلْمُبْتَاعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَارِ مُسْتَكِنَّةٌ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فِي الْبَيْعِ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ بِالشَّرْطِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا كَامِنٌ لِظُهُورِهِ عَامَّةً فَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ بِالشَّرْطِ كَالْجَنِينِ. [النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا] (ش) : مَعْنَاهُ حَتَّى تَزْهَى وَمَعْنَى الْإِزْهَاءِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ أَنْ تَبْدُوَ فِيهَا الْحُمْرَةُ أَوْ الصُّفْرَةُ وَهُوَ النُّضْجُ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ وَبِذَلِكَ يَنْجُو مِنْ الْعَاهَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الثُّرَيَّا مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ شَهْرِ مايه بِالْأَعْجَمِيِّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِثَمَرَةِ النَّخْلِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ الطَّلْعُ ثُمَّ يَنْفَتِحُ الزَّهْرُ عَنْهُ وَيَبْيَضُّ فَيَكُونُ إغْرِيضًا ثُمَّ يَذْهَبُ عَنْهُ بَيَاضُ الْإِغْرِيضِ وَيَعْظُمُ حَبُّهُ وَتَعْلُوهُ خُضْرَةٌ ثُمَّ يَكُونُ بَلَحًا ثُمَّ تَعْلُو الْخُضْرَةَ حُمْرَةٌ فَيَكُونُ زَهْوًا ثُمَّ يَصْفَرُّ صُفْرَةً فَيَكُونُ بُسْرًا ثُمَّ تَعْلُو الصُّفْرَةَ كُدْرَةٌ وَتَنْضَجُ الثَّمَرَةُ فَتَكُونُ رُطَبًا ثُمَّ تَيْبَسُ وَتَكُونُ تَمْرًا وَبُدُوُّ صَلَاحِ التِّينِ أَنْ يَطِيبَ وَتُوجَدَ فِيهِ الْحَلَاوَةُ وَيَظْهَرَ السَّوَادُ فِي أَسْوَدِهِ وَالْبَيَاضُ فِي أَبْيَضِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ الْأَسْوَدُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَنْحُوَ إلَى السَّوَادِ وَأَنْ يَنْحُوَ أَبْيَضُهُ إلَى الْبَيَاضِ مَعَ النُّضْجِ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَنْحُوَ إلَى السَّوَادِ وَبُدُوُّ صَلَاحِ الْقِثَّاءِ أَنْ تَنْعَقِدَ وَتَبْلُغَ الْقِثَّاءُ مِنْهُ مَبْلَغًا يُوجَدُ لَهُ طَعْمٌ وَكَذَلِكَ الْفَقُّوسُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَمَّا الْبِطِّيخُ فَلَيْسَ بُدُوُّ صَلَاحِهِ إلَّا إذَا نَحَا نَاحِيَةَ الِاصْفِرَارِ وَالطِّيَابِ. وَرُوِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ أَشْهَبَ بُدُوُّ صَلَاحِ الْبِطِّيخِ أَنْ يُؤْكَلَ فَقُّوسًا قَالَ أَصْبَغُ فَقُّوسًا قَدْ تَهَيَّأَ لِلتَّبَطُّخِ، وَأَمَّا الصِّغَارُ فَلَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ مَا يُؤْكَلُ عَلَيْهِ وَيُوجَدُ فِيهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ هَذَا بُدُوُّ صَلَاحٍ يُؤْكَلُ عَلَيْهِ غَالِبًا فَأَشْبَهَ بُدُوَّ صَلَاحِ الْقِثَّاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَوْزُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُبَاعُ إذَا بَلَغَ فِي شَجَرِهِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يُنْزَعَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ أَوْ عِظَمُ بَعْضِهِ وَيَبْلُغَ أَوَّلُهُ مَبْلَغَهُ إذَا أُزِيلَ عَنْ أَصْلِهِ تَهَيَّأَ فِيهِ تَمَامُ النُّضْجِ فَإِنَّهُ إذَا أُزِيلَ عَنْ أَصْلِهِ قَبْلَ تَنَاهِيهِ فَسَدَ وَلَمْ يَتِمَّ نُضْجُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجَزَرُ وَاللِّفْتُ وَالْفُجْلُ وَالثُّومُ وَالْبَصَلُ فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ إذَا اسْتَقَلَّ وَتَمَّ وَانْتُفِعَ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْعِهِ فَسَادٌ وَقَصَبُ السُّكْرِ إذَا طَابَ وَهُوَ أَنْ يَكْبُرَ فَلَا يَكُونَ فَسَادًا وَالْبُرُّ إذَا يَبِسَ وَكَذَلِكَ الْفُولُ وَالْجُلْبَانُ وَالْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَالْوَرْدُ وَسَائِرُ الْأَنْوَارِ أَنْ تَنْفَتِحَ كِمَامُهُ وَيَظْهَرُ نَوْرُهُ وَالْقَصِيلُ وَالْقَضْبُ وَالْقَرَطُ إذَا بَلَغَ أَنْ يَرْعَى دُونَ فَسَادٍ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَأَنَّ نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ الْغَرَرَ مَوْجُودٌ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبَعْدَهُ وَلَكِنَّهُ لَا غَرَضَ فِي شِرَائِهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِرْخَاصِ لَا غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْلَمُ فَتَرْخُصُ عَلَيْهِ أَوْ يَتْلَفُ بَعْضُهَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ غَالِيًا وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَأَكْلِهَا رَطْبَةً فَلِذَلِكَ جَازَ هَذَا وَعُفِيَ عَنْ الْغَرَرِ لِأَجْلِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْغَرَرَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَكْثَرُ وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَقِلُّ وَيَنْدُرُ وَكَثِيرُ الْغَرَرِ يُبْطِلُ الْعُقُودَ وَيَسِيرُهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِيهَا إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَمْنُوعُ مِنْهُ هُوَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقِ دُونَ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْقَطْعَ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا غَرَرَ فِي بَيْعِهِ وَلَا تَدْخُلُهُ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ لِجَدِّهِ إيَّاهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ التَّبْقِيَةَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فِي الْعَرِيَّةِ وَوَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَقِلُّ فِي ذَلِكَ وَالْغَرَرُ يَكْثُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَقْصُودُهَا إلَّا مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّ الْجَوَائِحَ تَكْثُرُ فِيهَا فَلَا يُعْلَمُ الْبَاقِي مِنْهَا وَلَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ تَكُونُ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَأَمَّا إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ فَقَدْ تَنَاهَى عِظَمُهَا وَكَثُرَ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَقَلَّتْ الْجَائِحَةُ فِيهَا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ فِيهَا فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ مَنْعُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازَهُ وَيَكُونُ مُقْتَضَاهُ الْجَدُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ. وَالثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِشَرْطِ قَطْعٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ قَالُوا هَذِهِ حُجَّتُنَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَلَحَ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَكْلِ، وَالْحِصْرِمُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْحِصْرِمَ يُقْصَدُ لِلطَّبْخِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَابُ أَكْلُهُ الِاسْتِطَابَةَ الْمَعْهُودَةَ مِنْ الْأَكْلِ الْمَقْصُودِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي قَالَ حِينَ تَحْمَرُّ» وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَكُمْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْفَوَاكِهِ يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا تَعَلُّقٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهِ وَنَحْنُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ. وَمَنْ قَالَ بِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِهِ مَا لَمْ يَعُدْ بِإِسْقَاطِ النُّضْجِ وَهَا هُنَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ النُّضْجِ؛ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ الْحِصْرِمَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْفَاكِهَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قُلْنَا ذَلِكَ لَأَبْطَلْنَا فِي سَائِرِ الْفَوَاكِهِ حُكْمَ النُّضْجِ فَإِنْ قَالُوا نَحْمِلُهُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ حَالِ الثَّمَرَةِ إبْقَاؤُهَا عَلَى الشَّجَرَةِ إلَى أَنْ تَتَنَاهَى وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِكُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِشَرْطِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّبْقِيَةِ بَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَلَا تُوجَدُ فَائِدَةٌ لِتَخْصِيصِهِ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا حَتَّى تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَمَا قَدْ وَجَدَ لَا يُقَالُ فِيهِ إذَا مَنَعَهُ اللَّهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا نَنْقُلُهُ عَلَيْكُمْ وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ» وَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُسَمَّى ثِمَارًا وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ فَسَّرَ هَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَقَالَ حِينَ يَحْمَرُّ وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُقَالُ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بَعْدَ وُجُودِهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَنَعَ الِانْتِفَاعَ بِهَا فَإِنْ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ وَالْمَشُورَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الشَّرْعِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَإِذَا جَاءَ مِنْ النَّاسِ وَقْتُ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ قَدْ أَصَابَ الثَّمَرَ الدَّمَارُ وَأَصَابَهُ فَسَادٌ وَأَصَابَهُ مِرَاضٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا فَلَمَّا كَثُرَتْ خُصُومَتُهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْمَشُورَةِ يُشِير بِهَا فَلَا تُبَايِعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي رَوَى ابْنُ عُمَرَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ مُقْتَضَاهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ فَهُوَ تَأْوِيلٌ مِنْ زَيْدٍ فَلَا يُرَدُّ بِهِ ظَاهِرُ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ بِذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ حَرَّمَهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِكُمْ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَكُمْ الْجَذَّ وَالتَّبْقِيَةَ وَفِيهِ مَحْرُمَةٌ وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَشُورَةِ وَيُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَابَرَةِ» قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْمُخَابَرَةُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ نَامِيَةٌ أَفْرَدَهَا بِالْبَيْعِ عَنْ أَصْلِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعِهَا فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُبَاعُ الزَّرْعُ إذَا أَفْرَكَ وَلَا الْفُولُ إذَا اخْضَرَّ وَلَا الْحِمَّصُ وَالْجُلْبَانُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ بُدُوَّ مَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ الْيُبْسُ وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ الْبَلَحُ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ بِيعَ الْفُولُ أَوْ الْحِنْطَةُ أَوْ الْعَدَسُ أَوْ الْحِمَّصُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَبْلَ يُبْسِهِ وَبَعْدَ أَنْ أَفْرَكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَفُوتُ بِالْيُبْسِ وَيَمْضِي الْبَيْعُ وَلَا يُرَدُّ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْرَهُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فَإِذَا عَمِلَ بِهِ وَفَاتَ فَلَا أَرَى أَنْ يُفْسَخَ وَتَأَوَّلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا عَلَى مَعْنَى تَفُوتُ بِالْقَبْضِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ نَزَلَ لَمْ أَفْسَخْهُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْضِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ فِي نَخْلَةٍ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ النَّخْلَةُ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ النِّصْفِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ بِيعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِتَفَاوُتِهِ وَلَلَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ الْمُفْرِطَةُ فِيهِ وَلَامْتَنَعَ بَيْعُهُ إلَّا عِنْدَ انْقِضَائِهِ وَهُوَ وَقْتُ فَوْتِ بَيْعِهِ وَاسْتِغْنَاءِ الْمُشْتَرِي عَنْهُ وَكَذَلِكَ إذَا بَدَا صَلَاحُ نَوْعٍ جَازَ بَيْعُ سَائِرِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا يَقْرَبُ مِنْهُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا إذَا كَانَ طَيِّبًا مُتَتَابِعًا وَلَمْ يَكُنْ مُبَكِّرًا وَالْمُرَاعَى فِيهِ بُلُوغُ الزَّمَنِ الَّذِي تُؤْمَنُ فِيهِ الْعَاهَةُ عَلَى الثَّمَرَةِ غَالِبًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الثَّمَرَةُ خَارِجَةً عَنْ عَادَةِ غَيْرِهَا فَإِنَّ مِنْ الشَّجَرِ مَا يَتَقَدَّمُ نَوْعٌ مِنْهُ سَائِرَ الْأَنْوَاعِ فِي الطِّيبِ بِالْمُدَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّوِيلَةِ وَيَتَأَخَّرُ عَنْ سَائِرِهِ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُتَأَخِّرِ بِظُهُورِ صَلَاحِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا لَا يَمْنَعُ تَأْخِيرُ الْمُتَأَخِّرِ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ كَالْعِنَبِ الشَّتْوِيِّ وَالصَّيْفِيِّ لَا يُبَاعُ الشَّتْوِيُّ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الصَّيْفِيِّ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمَا التَّفَاوُتُ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ كَالْجِنْسَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا نَدَرَ مِنْ الشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ فَقَدْ يَنْدُرُ وَلَا يَتَلَاحَقُ بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْءٌ فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَا حُكْمَ لَهَا حَتَّى يَتَقَارَبَ صَلَاحُ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْآخَرُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إذَا كَانَ طِيبُهَا مُتَتَابِعًا لَا يَنْقَطِعُ الْأَوَّلُ حَتَّى يُدْرِكُ الْآخَرَ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِمَا جَمِيعًا بِطِيبِ الْأَوَّلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِبَطْنِ الثَّانِي ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَلَا بَلَغَتْ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَالْمُفْرَدَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الثَّمَرَةِ الْوَاحِدَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ كَالْمَقَاثِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُبَاعُ جِنْسٌ مِنْ الثَّمَرِ بِبُدُوِّ صَلَاحِ جِنْسٍ آخَرَ خِلَافًا لِلَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَحَتَّى تَزْهُوَ قِيلَ: وَمَا تَزْهُو؟ قَالَ حِينَ تَحْمَرُّ» . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَبِ حِينَ يَسْوَدُّ فَاعْتُبِرَ فِي كُلِّ جِنْسٍ صِفَةٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى تُوجَدَ تِلْكَ الصِّفَةُ فِيهِ وَهَذَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَهُ بَعْدَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْعَ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا إنَّمَا هُوَ لِتُؤْمَنَ عَلَيْهَا الْعَاهَةُ وَلِتَكُونَ مَعْلُومَةَ الصِّفَةِ بِرُؤْيَةِ مَا طَابَ مِنْهَا وَقَدْ عُلِمَ تَفَاوُتُ أَجْنَاسِ الثِّمَارِ فِي الطِّيبِ فَإِذَا طَابَ بَعْضُهَا لَمْ يُؤْمَنْ بِذَلِكَ الْعَاهَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا يَتَأَخَّرُ إبَّانُهُ عَنْ إبَّانِهَا وَإِذَا عُلِمَ صِفَةُ بَعْضِهَا بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهَا لَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ صِفَةُ غَيْرِهَا مَا لَمْ يَبْدُ الصَّلَاحُ فِيهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا بَدَا صَلَاحُ نَخْلَةٍ مِنْ حَائِطٍ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْحَائِطِ وَجَازَ بَيْعُ مَا حَوَالَيْهِ مِنْ الْحَوَائِطِ وَمَا يَكُونُ حَالُهُ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّأْخِيرِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يُبَاعُ بِطِيبِهَا غَيْرُ حَائِطِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ بَدَا صَلَاحُهَا فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ بِهِ مَا حَوْلَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِجِدَارٍ. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ جَازَ بَيْعُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَجَازَ بَيْعُهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ أَبْتَاعُهَا مِنْك عَلَى أَنْ أَقْبِضَهَا غَدًا. (مَسْأَلَةٌ) : لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُفْرَدَ الْحِنْطَةُ فِي سُنْبُلِهَا بِالشِّرَاءِ دُونَ السُّنْبُلِ وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَاءُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَ قِشْرِهِ عَلَى الْجُزَافِ مَا دَامَ فِيهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْمَاءُ فَجَائِزٌ وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَاءُ وَالْجَوْزُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَاتِ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي تَعَلُّقِهِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الْغَايَةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ بَعْدَ الْفَرْكِ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْفَرْكِ كَالشَّعِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَائِمًا قَبْلَ حَصَادِهِ إذَا يَبِسَ جَمِيعُهُ أَوْ أَكْثَرُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي أَنَادِرِهِ وَقَبْلَ دَرْسِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ حُزُمًا يُرَى سُنْبُلُهُ وَيُنْظَرُ إلَيْهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْحَصَادِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا قَبْلَ الْحَصَادِ وَأَنَّهُ يَتَأَتَّى حَزْرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْحَصَادِ وَقَبْلَ تَغَيُّرِهِ بِالدَّرْسِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْحَصَادَ مَعْنًى لَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ إضَافَةُ شَيْءٍ إلَى الزَّرْعِ يَمْنَعُ صِحَّةَ تَقْدِيرِهِ وَتَسَاوَى الْمُتَبَايِعَانِ فِي مَعْرِفَتِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِيَ فَقَالَ حِينَ تَحْمَرُّ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ بَيْعِهِ جُزَافًا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَمَالَتْهُ الرِّيحُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي يُمْكِنُ عَلَيْهَا حَزْرُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخْفَى سُنْبُلُهُ أَوْ بَعْضُهُ فَلَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ لِخَفَاءِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا الْخَرْصَ فِي النَّخْلِ وَالْأَعْنَابِ لَمَّا كَانَتْ ثَمَرَتُهَا ظَاهِرَةً يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهَا وَلَا يُخْرَصُ الزَّبِيبُ؛ لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ مَسْتُورَةٌ فِي أَوْرَاقِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ دَرْسِهِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ عَلَى حَالَةٍ لَا يَتَأَتَّى حَزْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ إضَافَةِ التِّبْنِ إلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ صَفَّاهُ ثُمَّ أَضَافَ إلَى حِنْطَتِهِ تِبْنًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجُزَافِ، وَأَمَّا بِالْكَيْلِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ مَعْرُوفٌ بِالْكَيْلِ وَالصِّفَةُ مَعْرُوفَةٌ بِفَرْكِ بَعْضِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ يُقَالُ أَزْهَى الثَّمَرُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَالزَّهْوُ النَّوْرُ وَالْمَنْظَرُ الْحَسَنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَحْسُنُ مَنْظَرُهَا وَيَكْمُلُ حَسَنُهَا فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ فَكَيْفَ تَخْفَى عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَرَبِ حَتَّى يَسْأَلُوهُ عَنْهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ لُغَةً لِبَعْضِ الْعَرَبِ دُونَ بَعْضٍ فَسَأَلَ عَنْهَا مَنْ لَيْسَتْ مِنْ لُغَتِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ لَفْظَةً مُسْتَعَارَةً لَهَا مِنْ جِنْسِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَجَمَالِ مَنْظَرِهَا كَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعَارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَتَّى تَحْسُنَ الثَّمَرَةُ فَاحْتَاجَ السَّائِلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ جِنْسِ الْحُسْنِ الَّذِي يُبِيحُ بَيْعَهَا فَأَخْبَرَهُ أَنَّ زُهَاءَهَا حُسْنُهَا بِحُمْرَتِهَا وَقَوْلُهُ حَتَّى تَحْمَرَّ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَظْهَرُ عَلَى خُضْرَةِ الْبَلَحِ حُمْرَةٌ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْبَلَحِ إلَى الْحُمْرَةِ فَذَلِكَ هُوَ الْإِزْهَاءُ ثُمَّ يَكُونُ مِنْهُ مَا يَصْفَرُّ وَمِنْهُ مَا يُسْتَكْهَمُ حُمْرَتُهُ وَيَكْمُلُ فِي جَمِيعِهِ فَيَكُونُ بُسْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْت إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَ» يُرِيدُ مَنَعَ قَبْضَهَا وَاسْتِيفَاءَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْمُعْتَادِ لِلِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ أَوْ الْأَكْلِ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَسَادٌ وَإِتْلَافٌ لِلثَّمَرَةِ أَوْ نَادِرٌ لِمَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ فَشِرَاءُ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ أَكْلِ الثَّمَرَةِ وَهُوَ أَكْلُهَا رُطَبًا أَوْ تَمْرًا فَإِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُبْتَاعِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» . فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالِ أَخِيهِ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَلَمَّا كَانَتْ الْعَاهَاتُ تَكْثُرُ وَتَتَكَرَّرُ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ مَنَعَ ذَلِكَ صِحَّةَ بَيْعِهَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مَا اُشْتُرِيَ عَلَى الْقَطْعِ لَا تَمْنَعُهُ آفَةٌ فَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ الْمَنْعُ فَعَلَى هَذَا الْغَرَرُ الْمُتَوَقَّعُ فِي الْمَبِيعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَكْثُرُ وَيَكُونُ هُوَ الْأَغْلَبُ فَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ جُمْلَةً كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ وَضَرْبٌ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالتَّكَرُّرِ لَكِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَادًا وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُ النَّقْدَ كَحَالِ الْأَمَةِ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَمُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ وَضَرْبٌ ثَالِثٌ يَقِلُّ وَيَنْدُرُ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَا اشْتِرَاطَ النَّقْدِ كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ وَالْجَائِحَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرَةِ وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ هَذَا وَقَالَ إنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ غَرَرٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ الْمُبْتَاعُ بِهَا فَلَا يُقْصَدُ إلَّا مُجَرَّدُ الْغَرَرِ، وَأَمَّا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَإِنَّهُ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ بِهَا وَذَلِكَ يَرْفَعُ فَسَادَ الْخَوْفِ مِنْ إتْلَافِهَا. وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَوْلَى لِمَا رَوَتْ عَمْرَةُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى

(ص) (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْجَزَرِ أَنَّ بَيْعَهُ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَثْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ وَيَهْلَكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقُطِعَتْ ثَمَرَتُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعًا عَنْ الَّذِي ابْتَاعَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» فَجَعَلَ ذَلِكَ نَجَاءً مِنْ الْعَاهَةِ لِعِلَّةِ تَكَرُّرِهَا فِيهَا كَمَا يَقُولُ لِمَنْ نَجَا مِنْ غَرَقِ الْبَحْرِ أَوْ قَتْلِ الْعَدُوِّ نَجَا فُلَانٌ مِنْ الْمَوْتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ فِيهَا إلَى حَالَةٍ يَقِلُّ فِيهَا الْعَطَبُ. (ص) (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ» يُرِيدُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى يَقِلَّ ذَلِكَ فِيهَا وَيَنْدُرَ وَقَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ الْغَرَرِ يُرِيدُ لِمَا نَهَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَاهَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ عَلَيْهَا فِي أَكْثَرِ الْأَعْوَامِ وَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَرَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ غَيْرَ جَائِزٍ ص. (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا) . (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ طُلُوعَ الثُّرَيَّا مَعَ الْفَجْرِ إنَّمَا يَكُونُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ شَهْرِ مايه وَهُوَ شَهْرُ إيَّارَ وَفِي ذَلِكَ يَبْدُو صَلَاحُ الثِّمَارِ بِالْحِجَازِ وَيَظْهَرُ الْإِزْهَاءُ فِيهَا وَتَنْجُو مِنْ الْعَاهَةِ فِي الْأَغْلَبِ فَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَتَخْتَلِفُ الْعِبَارَاتُ فِيمَا يَبْدُو بِهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ وَيُمَيِّزُ مَا يُبَاعُ فَتَارَةً يُمَيِّزُ وَيُفْسِدُهَا بِالْإِزْهَاءِ وَتَارَةً بِأَنْ تَنْجُوَ الثَّمَرَةُ مِنْ الْعَاهَةِ وَتَارَةً تَطْلُعُ الثُّرَيَّا غَيْرَ أَنَّ تَحْدِيدَ ذَلِكَ بِالْإِزْهَاءِ وَبِأَنْ تَنْجُوَ مِنْ الْعَاهَةِ يَتَعَقَّبُهُ الْجَوَازُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا طُلُوعُ الثُّرَيَّا فَلَيْسَ بِحَدٍّ يَتَمَيَّزُ بِهِ وَقْتُ جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ وَقْتِ مَنْعِهِ. وَقَدْ رَوَى الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بِنَفْسِ طُلُوعِ الثُّرَيَّا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبِيعُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِهَا وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْعُ ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الثُّرَيَّا إلَّا الْإِزْهَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى عَطَاءٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا رُفِعَتْ الْعَاهَةُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالنَّجْمُ الثُّرَيَّا وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَرَهُ وَقَدْ وَجَدْته عَلَى حَسَبِ مَا أَوْرَدْته وَلَمْ أَرْوِهِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ بَيْعَ الْقِثَّاءِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَمِلَ الْبَيْعُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ صَلَاحَ تِلْكَ الثَّمَرَةِ قَدْ بَدَا فَبَاقِيهَا تَبَعٌ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَتَّبِعُ فِيهِ كُلُّ مَا بَدَا صَلَاحُهُ كُلَّ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْهُ وَهَذَا حُكْمُ الْخِرْبِزِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبِطِّيخِ وَحُكْمُ الْبَاذِنْجَانِ وَالْقَرْعِ مِمَّا يَأْتِي بَعْضُهُ دُونَ بَعْضِ وَلَا يَتَمَيَّزُ أَوَّلُهُ مِنْ آخِرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ لَا يُمْكِنُ حَبْسُ أَوَّلِهَا عَلَى آخِرِهَا فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِمَا بَدَا صَلَاحُهُ كَالتِّينِ وَالْخَوْخِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ يُرِيدُ فِي الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ مِمَّا يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْد شَيْءٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي ثَمَرَهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ حَالِ مِثْلِهِ فِي قُوَّةِ نَبَاتِهِ وَنُعُومَتِهِ وَطِيبِ أَرْضِهِ وَمَا عُرِفَ مِنْ نَجَاتِهِ مِثْلُ هَذَا فِيهَا فَإِذَا اشْتَرَى الْأُصُولَ عَلَى هَذَا كَانَ لَهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ لَوْ تَعَلَّقَ الْبَيْعُ بِأَصْلِهَا لَمَا حَرُمَ بَيْعُهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ نَبَاتِهَا وَجَازَ أَنْ تُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي النَّخْلِ وَسَائِرِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ بَاقٍ وَلِذَلِكَ تَتْبَعُ الْأَرْضَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ شِرَاءِ الْمَقَاثِي ثَمَرَتُهَا؛ لِأَنَّ سَائِرَهَا لَا قِيمَةَ لَهُ وَالشَّجَرُ الْمَقْصُودُ مِنْ سَائِرِهَا الْأَصْلُ وَفِي الْغَالِبِ مُعْظَمُ الثَّمَرَةِ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ لَهَا فَلَهَا الْقِيمَةُ الْكَثِيرَةُ. (فَرْعٌ) وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَا بِيعَ مِنْ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ وَلَا تَتَّصِلُ كَشَجَرَةِ التِّينِ وَالنَّخِيلِ وَالْيَاسَمِينِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ، وَضَرْبٌ ثَانٍ تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ وَتَتَّصِلُ كَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالْقَرَظِ وَضَرْبٌ ثَالِثٌ لَا يَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ كَالْمَقَاثِيِّ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقَرْعِ فَأَمَّا مَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ وَلَا تَتَّصِلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ بُطُونِهِ بِظُهُورِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَبُدُوِّ صَلَاحِهِ وَحُكْمُ كُلِّ بَطْنٍ مِنْهَا مُخْتَصٌّ بِهِ، وَأَمَّا مَا تَتَّصِلُ بُطُونُهُ وَتَتَمَيَّزُ فَإِنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ دُونَ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَتَكُونُ خِلْفَتُهُ لِمَنْ لَهُ أَصْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ مِنْ عَيْنِهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ أَصْلُهُ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبْقِيَتُهُ إلَى أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ خِلْفَةً فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْهُ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَرَظِ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَتْ خِلْفَتُهُ تَخْتَلِفُ فَلَا أُحِبُّ اشْتِرَاطَهَا وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ قَالَ مَا هَذَا عِنْدِي بِحَسَنٍ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي مُخْتَلِفَةً وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَخْتَلِفُ خِلْفَتُهُ أَنْ تَثْبُتَ مُدَّةٌ وَلَا تَثْبُتَ أُخْرَى وَلَفْظُ أَشْهَبَ يَقْتَضِي الِاخْتِلَافَ فِي صِفَتِهَا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا اشْتِرَاطَ الْخِلْفَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْأُولَى الَّتِي قَدْ جَازَ بَيْعُهَا وَمُتَّصِلَةٌ كَمَا اشْتَدَّ مِنْ ثَمَرَةِ التِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ الثِّمَارِ مَا هُوَ صَغِيرٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا انْفَرَدَ إلَى مَا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَكَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ مَعَ مَا قَدْ ظَهَرَ مِنْهَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا شِرَاءٌ لَمْ يُوجَدْ وَيَنْفَصِلُ مِمَّا وُجِدَ فَلَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِشِرَائِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَمَرَةِ نَخْلٍ فِي عَامٍ مَعَ ثَمَرَتِهِ فِي عَامٍ قَبْلَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْجَوَازِ فَإِنَّمَا تَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْخِلْفَةُ مَأْمُونَةً، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا تَكُونُ مَأْمُونَةً إلَّا فِي الْأَرْضِ السَّقْيِ، وَتَجْوِيزُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ فِي الْقَرَظِ وَالْقَصَبِ الَّذِي لَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِمِصْرٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ فِي أَرْضِ السَّقْيِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ أَرْضًا مَأْمُونَةً عَلَى الْخِلْفَةِ وَلَعَلَّ ابْنَ حَبِيبٍ إنَّمَا وَصَفَ بِذَلِكَ أَرْضَ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ مِنْ الْجَزَرِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ ذَلِكَ النَّبَاتُ وَاحِدَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخَاف إخْلَافُهُ وَلَا اخْتِلَافُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَمَيَّزُ وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِعَدَدِ الْحَزْرِ وَالْبُطُونِ فَإِنْ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ عَنْ الصِّفَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ وَكِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَالْبُقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَصَبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجَزْرَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الَّتِي اُسْتُوْفِيَتْ وَقِيمَةِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ يَوْمَ الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ فِي إبَّانِهَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَيَقْبِضُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي اخْتَلَفَتْ رَدَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يَبْقَى جَزْرَةٌ؟ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَدَدُ جَزَرِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ الْخِلْفَةَ كَانَتْ لَهُ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَتْ خِلْفَةً بَعْدَ خِلْفَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مَا نَبَتَ إلَى أَنْ يَفْنَى وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَصْلَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَى انْقِضَاءِ ثَمَرَتِهِ كَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذِهِ بُطُونٌ مُتَّصِلَةٌ فَجَازَ اشْتِرَاطُ جَمِيعِهَا كَالْمَقَاثِيِّ وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّهُ مَا كَانَ إبَّانُهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَيَبْطُلُ الْأَصْلُ جَازَ اشْتِرَاؤُهُ إلَى انْقِضَائِهِ وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجَوْزُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُبَاعُ سِنِينَ كَأَلْبَانِ الْغَنَمِ إذَا وَلَدَتْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أُحِبُّ إنْ بَاعَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدِي إلَّا أَنْ تَكُونَ بُطُونُهُ مُتَّصِلَةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالتَّمَامِ

[ما جاء في بيع العرية وفيه أبواب]

مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِبَقَاءِ أَصْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَتَمَيَّزُ كُلُّ بَطْنٍ مِنْ الْآخَرِ وَيَتَّصِلُ فَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِعَدَدِ الْبُطُونِ وَإِنْ كَانَ يَتَّصِلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَتَقَدَّرَ بِالزَّمَنِ كَالْمِيَاهِ وَأَلْبَانِ الْغَنَمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجُمَّيْزُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ نَبَاتُهُ مُتَّصِلًا فَهُوَ مِثْلُ الْمَقَاثِي وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَقَالَ مَالِكٌ لَا خَيْرَ فِيهِ وَالسِّدْرُ كَذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ بَطْنٍ يَنْفَصِلُ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِبَطْنٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ بُطُونُهَا مُتَّصِلَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقَاثِي فِي جَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَعَ مَا ظَهَرَ وَيُقَدَّرُ مَا يُبَاعُ مِنْهُ بِالزَّمَانِ فَأَمَّا أَنْ يُبَاعَ إلَى ثَمَرَةِ الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقَاثِي. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ كَالْقِثَّاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ بُطُونُهَا مُقَدَّرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَقَدَّرَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَقَدَّرَ بِالزَّمَنِ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ أَمْرِهِ يَقْرُبُ وَهُوَ أَبْيَنُ فِيمَا يُقَارِبُهُ وَوَجْهٌ آخَرُ عَلَّلَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ بِالْبَرْدِ وَيُتَعَجَّلُ بِالْحَرِّ فَيَدْخُلُهُ الْغَرَرُ وَالْجَهْلُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَاعُ تَبْقِيَةَ الْأَصْلِ وَطَالَبَهُ الْبَائِعُ بِقَلْعِهَا رُجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ الْجِهَةِ وَمَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ فَحَمَلُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَوْقِيتٌ بِشَهْرٍ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بِمُدَّةٍ مَحْصُورَةٍ مِنْ الزَّمَانِ كَالثَّمَرَةِ تُشْتَرَى بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِي بَقَائِهَا فِي أَشْجَارِهَا إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا يُتَوَقَّتُ بِمُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ مُقَدَّرَةٍ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ وَالتَّأْخِيرَ يَدْخُلُهَا بِإِفْرَاطِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ وَقُطِعَتْ ثَمَرَتُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْ الَّذِي ابْتَاعَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا بِيعَ مِنْ هَذِهِ الْمَقَاثِي عِنْدَ النَّاسِ أَوْقَاتًا مُعْتَادَةً إذَا سَلِمَتْ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَتَدُومُ ثَمَرَتُهَا طُولَ مُدَّتِهَا عَلَى حَسَبِ مَا عَرَفُوهُ وَاعْتَادُوهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ بَلَغَتْهَا الثَّمَرَةُ وَاتَّصَلَتْ إلَيْهَا فَقَدْ سَلِمَ الْمَبِيعُ لِلْمُبْتَاعِ وَوَجَبَ لِلْبَائِعِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ الثَّمَرَةُ وَانْقَطَعَتْ قَبْلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ وَقْتِهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِعَاهَةٍ فَلَمْ تَسْلَمْ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ إلَى مَنْ ابْتَاعَهَا فَيُوضَعُ ذَلِكَ عَنْ الْمُبْتَاعِ إذَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ. وَسَنَذْكُرُ هَذَا مُسْتَقْصًى فِي الْجَوَائِحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَلْزَمُنَا عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ لَمَا كَانَتْ فِيهِ جَائِحَةٌ كَالثَّمَرَةِ إذَا بِيعَتْ مَعَ أَصْلِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ مَا عَظُمَ ثَمَنُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ يُقْصَرُ الثَّمَنُ عَلَى الثَّمَرَةِ وَالْأَصْلِ فَتُوضَعُ الْجَائِحَةُ؛ لِأَنَّهُ زِيدَ فِي الثَّمَنِ مِنْ أَجْلِهَا فَكَيْفَ بِثَمَرَةِ الْمَقَاثِي وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَوْ سَلَّمْنَا عَلَى قَوْلِ سَائِرِ أَصْحَابِنَا فِي النَّخْلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْفُولِ وَالْجُلْبَانِ مَا بِيعَ مِنْهَا أَخْضَرَ فَلَا تُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ وَيُرَدُّ إلَى أَصْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجُلْبَانَ الْأَخْضَرَ لَا يُجْتَنَى إلَّا بِأَصْلِهِ. [مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا» مُطْلَقُ الرُّخْصَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْجُمْلَةِ الْمَحْظُورَةِ بِالْإِبَاحَةِ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقِيَاسَ عَلَيْهِ وَجَعَلُوا لَهُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الرُّخْصَةِ عَلَيْهِ حُكْمًا مُفْرَدًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ لَا يُعَدُّونَهُ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عِلَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ فَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ وَاقِعَةً قُصِرَ الْحُكْمُ عَلَى مَوْضِعِهَا وَإِنْ

[الباب الأول في تفسير معنى العرية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ مُتَعَدِّيَةً عَدَّاهُ وَأُثْبِتَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمَعْنَى إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهَا اسْمَ الرُّخْصَةِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَوَى عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْعَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ» . وَرَوَى عَنْهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَرْصِ فِي الْعَرِيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ» قَالَ سَالِمٌ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ» فَخَصَّ الْعَرِيَّةَ بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ سَائِرِ الْمَبِيعِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَعْنَى الْمُبِيحِ لِذَلِكَ ضَرُورَةُ الشَّرِكَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهَا الْعَرِيَّةَ وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَفِيهِ مَعْنًى مِنْ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعَرَّى إذَا خُرِصَتْ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يَأْكُلَهَا وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْحَوَائِطِ الِانْفِرَادُ بِعِيَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ فِي حَوَائِطِهِمْ وَجَمْعُ مَا يَسْقُطُ مِنْهَا وَأَكْلُ ثَمَرِهَا رُطَبِهِ وَيَابِسِهِ فَإِذَا أَعَارَ نَخْلَةً مِنْ حَائِطِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ بِأَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُعْرِي أَنْ يُقِيمَ مَعَ عَرِيَّتِهِ أَوْ يَمْتَنِعَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْرِي وَعَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ لِانْبِسَاطِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَالْأَكْلِ مِمَّا يَسْقُطُ إلَّا بَعْدَ التَّحَفُّظِ مِنْ الْعَرِيَّةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْمَشَقَّةِ إلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِعْدَادِ فِي عَامٍ آخَرَ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْرِي إذَا أَعْرَى نَخْلَةً إنْ احْتَاجَ مِنْ مُرَاعَاتِهَا وَجَمْعِ سَوَاقِطِهَا وَحِفْظِهَا وَسَقْيِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ قِيمَتِهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بَعْدُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَكُونُ فِيهِ، وَتَرْكِ التَّحَفُّظِ مِنْ ثَمَرَةِ الْغَيْرِ وَيَحْتَاجُ الْمُعْرِي إلَى مَنْ يَكْفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي عَرِيَّتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُخْرَصَ عَلَى الْمُعْرَى وَيَكُونَ عَلَيْهِ خَرْصُهَا تَمْرًا يُؤَدِّيهِ إلَى الْمُعْرِي عِنْدَ الْجُذَاذِ كَمَا يُخْرَصُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَائِطِهِ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ وَيَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُ فِي الْحَائِطِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُهُمْ بِمُشَارَكَةِ الْمُعْرَى وَيَلْحَقُ أَهْلَ الزَّكَاةِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَائِطِ وَالْحِفْظِ لَهُ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمُعْرِي وَقَدْ قَرَّرَ الشَّرْعُ فِيهِ خَرْصَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَالِ لِيُؤَدُّوهُ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَأَمَّا عِلَّةُ الِاسْتِضْرَارِ بِالدُّخُولِ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْإِرْفَاقُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إبَاحَةِ الْمَحْظُورِ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا لِمَنْ أَرَادَ إرْفَاقَ صَدِيقٍ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ نَاقِصَةً بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَازِنَةٍ عَدَدًا وَمَنَعَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ تَكُونَ لِذَلِكَ عِلَّةٌ عِنْدَ اسْتِضْرَارِ الْمُعْرِي بِدُخُولِ الْمُعْرَى فَأُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَيَتَحَرَّرُ عِنْدِي مِنْ هَذَا قِيَاسٌ أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدَّ فِي الشَّرْعِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَجَازَ أَنْ تُخْرَصَ ثَمَرَتُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مَنْ تَخَرَّصَ عَلَيْهِ خَرْصَهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجُذَاذِ، أَصْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا خَصَّ بِذَلِكَ صَاحِبَ الْعَرِيَّةِ وَسَمَّاهُ بَيْعًا لَمَّا كَانَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُخْرَصُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ إنْ شَاءَ مِثْلَ خَرْصِهَا بَدَلًا مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ مَعْنًى مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ لُزُومُ الْمُعَاوَضَةِ لِلْمُعْرِي وَلُزُومُ كَثِيرٍ مِنْ مَعْنَى الْعَقْدِ لِلْمُعَاوَضِ مِنْ حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَجَذِّهَا وَالْتِزَامِهَا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا بَعْدَهَا وَهَذَا إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقَرْضِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى صِفَتِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَمْ تَرِدْ فِي الشَّرْعِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُرْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِ الْبَيْعِ وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُعْرِي مُعَيَّنٌ مَالِكٌ لِأَمْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعَرِيَّةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَكَذَلِكَ الْمُعْرَى لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُهَا إلَّا بِالزَّكَاةِ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلزَّكَاةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ خَرْصِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ بِمُقَاسَمَةِ الثَّمَرَةِ حِينَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا وَالنَّظَرِ فِيهِ وَكَانَ حُكْمُ خَرْصِهَا وَتَسْلِيمِهَا إلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ لَازِمٌ أَوْجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا فِي أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بَيْعًا لَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ. وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مِقْدَارِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ) فَأَمَّا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ عِنْدَنَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطِهِ لِرَجُلٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَرَةَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْرَى مَا يَلْزَمُهَا إلَى وَقْتِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ وَقْتٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِطْلَاقُ الْهِبَةِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي هَذَا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ يَوْمِ الْهِبَةِ فَفَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْعَرِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَنْ مَالِكٍ إنَّ زَكَاةَ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرِي وَزَكَاةَ الثَّمَرَةِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ وَالسَّقْيِ وَقَالَ أَشْهَبُ: زَكَاةُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرَى كَالْهِبَةِ إلَّا أَنْ يُعْرِيَهُ إلَى الزَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ السَّقْيَ عَلَى الْمُعْرَى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُمْ فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ وِفَاقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ سَقْيًا يَلْزَمُ الْمُعْرَى لِأَجْلِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى سَقْيِهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ السَّقْيُ وَالزَّكَاةُ فِي الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُعْرَى وَالْوَاهِبِ وَقَالَ سَحْنُونٌ اُنْظُرْ إلَى الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتَا بِيَدِ الْمُعْرِي أَوْ الْوَاهِبِ يَسْقِي ذَلِكَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُعْرَى أَوْ الْمَوْهُوبِ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ غَيْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ. (فَصْلٌ) : وَهَذَا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْعَرِيَّةُ مِنْ النَّخْلِ الَّتِي تُعَرَّى عَنْ الْمُسَاوَمَةِ عِنْدَ بَيْعِ النَّخْلِ وَالْفِعْلُ: الْإِعْرَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَرَةَ عَامِهَا لِمُحْتَاجٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ قِيلَ إنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّخْلَةِ تُعَرَّى مِنْ ثَمَرَتِهَا بِالْهِبَةِ لِثَمَرَتِهَا فَسُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِذَلِكَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْعَرِيَّةُ اسْمٌ لِلنَّخْلَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ مِنْ النَّخْلِ إلَّا لِمَا تُعْطَى ثَمَرَتُهُ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ عَلَى مَعْنَى الرِّفْقِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ إنَّ الْعَرَايَا وَاحِدَتُهَا عَرِيَّةٌ وَهِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَتَهَا عَامَهَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرِيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَرَوْت الرَّجُلَ أَعْرَوْهُ إذَا أَتَيْته تَلْتَمِسُ بِرَّهُ وَمَعْرُوفَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَخَلِّي الْإِنْسَانِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} [الصافات: 145] يَعْنِي الْمَوْضِعَ الْخَالِيَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْرَاءُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الثَّمَرَةِ كَانَتْ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ أَوْ مِمَّا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ وَفِي الْقِثَّاءِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَبَعْدَهُ لِعَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ فِي جَمِيعِ الْحَائِطِ وَبَعْضِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا تُبْطِلُهُ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا تَكُونُ حِيَازَتُهُ وَتَصِحُّ لِلْمُعْرَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ تَكُونُ بِاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَطْلُعَ فِيهَا ثَمَرَةٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْرِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِلْمُعْرَى وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِوُجُودِ أَحَدِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَيْنِ: الْإِبَارِ أَوْ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حَوْزًا وَإِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ الثَّمَرَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ظُهُورَ الْهِبَةِ هُوَ طُلُوعُ الثَّمَرَةِ فِيهَا فَإِنْ جَازَ حِينَئِذٍ صَحَّتْ حِيَازَتُهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي أَعْطَاهَا قَدْ ظَهَرَتْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فَذَلِكَ مِثْلُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ إلَّا بِالْوَضْعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْإِبَارِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَالثَّمَرَةُ فِيهِ كَامِنَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْحَمْلَ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهَا فَإِذَا أُبِّرَتْ وَظَهَرَتْ كَانَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ إلَيْهَا حِيَازَةً لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَانْفِرَادُهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيَازَةً حَتَّى يَيْبَسَ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ كَانَ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ حِيَازَةً لِمَا وَهَبَ لَهُ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهَا كَالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ. (فَرْعٌ) وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ فِي ثَمَرِ شَجَرٍ مُعَيَّنٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُعْرِيَهُ مِقْدَارًا مِنْ التَّمْرِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أَنْ يُعْرِيَهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرِ حَائِطِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْمُعْرَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ هِبَةُ الثَّمَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَبْتَاعَهَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ أَنَّ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعَ هِبَتِهِ وَأَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بَيْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ، وَأَمَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالرُّطَبِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ» فَإِنْ قِيلَ: الْعَرِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ إنَّمَا أَرْخَصَ فِي الْعَطِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَهَبُ ثَمَرَ نَخْلِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ يَرْجِعُ فِيهِ وَيُعْطِيهِ عِوَضَهُ تَمْرًا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ قَالُوا وَالْعَرِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ مِنْ أَعَارَ الشَّيْءَ وَهُوَ تَمْلِيكُ مَنَافِعِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إنَّمَا هِيَ النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبُ ثَمَرَتُهَا وَعَلَى ذَلِكَ فَسَّرَهَا جَمَاعَةُ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةً ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِالْجُودِ وَيَقُولُ إنَّ نَخْلَهُ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ أَيْ لَا يُعَامَلُ عَلَيْهَا سِنِينَ وَهِيَ الْمُسَانَهَةُ وَقَوْلُهُ وَلَا رَجَبِيَّةَ يُرِيدُ لَيْسَتْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَالتَّرْجِيبُ الْبِنَاءُ بِالْحِجَارَةِ حَوْلَ أَصْلِهَا ثُمَّ قَالَ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يُرِيدُ إذَا نَزَلَتْ الْجَوَائِحُ بِالنَّاسِ وَاشْتَدَّ الزَّمَانُ وَقَلَّتْ الثِّمَارُ وَهَبَهَا حِينَئِذٍ وَجَعَلَ ثَمَرَتَهَا طُعْمَةً، وَلَيْسَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْإِعَارَةِ بِسَبِيلٍ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ يُقَالُ مِنْهُ أَعَارَهُ يُعِيرُهُ إعَارَةً وَهِيَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِعْرَاءُ يُقَالُ مِنْهُ أَعْرَاهُ يُعْرِيهِ إعْرَاءً وَهِيَ الْعَرِيَّةُ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْإِعْطَاءِ لَمَا جَازَ أَنْ يَنْهَى عَنْ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَا يُبَاعُ وَإِنَّمَا يُبَاعُ الْمُعْطَى فَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُنْهَى عَنْ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهٍ مَا وَيُبَاحُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ. وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ» ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى بَعْضَ الْأَوَّلِ فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا سَمَّاهُ بَيْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] فَالْجَوَابُ إنَّمَا سَمَّاهُ هُنَاكَ بَيْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ الْهِبَةِ فَلَمْ يُسَمَّ بَيْعًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّعَامَ يَفْسُدُ بَيْعُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَالثَّانِي الْجَهْلُ بِتَمَاثُلِ الْجِنْسِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ قَدْ أُرْخِصَ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَكَذَلِكَ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ أَنْ لَا يَبِيعَ الْعَرِيَّةَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ يَجُوزُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَحَدُهَا أَنْ تُزْهِيَ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَدْنَى وَالثَّالِثُ أَنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَ عِنْدَ

[الباب الثاني في بيان من يجوز له ذلك]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِدَادِ وَالرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِنْفِهَا فَأَمَّا مَا اشْتِرَاطُهُ الْإِزْهَاءُ فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَدْنَى فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَهَا عِنْدَ الْجِدَادِ فَهُوَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْجِيلُ الْعِوَضِ تَمْرًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْخَرْصَ تَمْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَتَقَابَضَا وَوَجْهُ الْخَرْصِ عِنْدَنَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا فِي النَّخْلِ الْمُعْرَاةِ مِنْ الثَّمَرَةِ فَيُقَدِّرَ ثُمَّ يَنْظُرَ إلَى مَا يُخْرِجُ مِثْلِ تِلْكَ الْمَكِيلَةِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ فِي جَوْدَتِهِ أَوْ رَدَاءَتِهِ مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ فَيَكُونُ الْمُعْرَى إلَى الْجِذَاذِ، فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَنَا تَأْخِيرُ التَّمْرِ إلَى الْجِدَادِ وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّفَرُّقِ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ اسْمَ الْعَرِيَّةِ وَاقِعٌ عَلَى النَّخْلَةِ الْمَوْهُوبِ ثَمَرَتُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَرِيَّةُ اسْمٌ لِلْبَيْعِ، وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ أَنَّ جَوَازَ بَيْعِهَا يَخْتَصُّ بِالْمُعْرِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى وَرَدَ الشَّرْعُ بِخَرْصِهِ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَتَأَجَّلَ بِالْخَرْصِ مِنْهُ تَمْرًا إلَى الْجِدَادِ كَالزَّكَاةِ. (فَرْعً) فَإِذَا أَرَادَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَعْجِيلَ الْخَرْصِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ سَلِمَ مِنْ الْفَسَادِ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فَجَازَ ذَلِكَ عَلَى الطَّوْعِ كَنَقْدِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَتَعْجِيلِ السَّلَمِ بِإِثْرِ الْعَقْدِ. (فَصْلٌ) : وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى النَّخْلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوهَا فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ وَقَالَ الشَّاعِرُ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةَ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِأَنْ يَهَبَ ثَمَرَتَهَا فِي أَوْقَاتِ الْجَوَائِحِ وَلَا يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِبَيْعِ ثَمَرَتِهَا حِينَئِذٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَكِنْ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا فَفِي هَذَا أَدِلَّةٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ: أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ بِخَرْصِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَيْبَ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا خَرْصَ لَهُ وَلَا يُخْرَصُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إنَّمَا تَنْطَلِقُ عَلَى الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَفْعَالِ فَيُقَالُ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الثَّمَرَةِ وَلَا يُقَالُ صَاحِبُ الْقِيَامِ وَإِنَّمَا جَرَى عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْقَائِمُ وَوَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ قَالَ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ صَاحِبُ الْعَرِيَّةِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ غَيْرُ الْبَيْعِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ] 1 َ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ لَهُ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُعْرِي لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَضَرَّةِ الشَّرِكَةِ بِدُخُولِ الْمُعْرِي وَخُرُوجِهِ كَمَا يَلْحَقُ الْمُعْرِي وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَحَمَّلُ الْمُشْتَرِي الْعَمَلَ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُعْرَى كَمَا يَتَحَمَّلُهَا الْمُعْرِي وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْعَرِيَّةُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَحُكْمُهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا مِمَّنْ لَهُ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ حُكْمُ الْمُعْرِي لِلْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَ هَذَا وَلَا يَجُوزُ التَّبَايُعُ

[الباب الثالث في بيان ما يصح ذلك فيه من الثمار]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى بُسْرُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فَيَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ بَيْعَ الْعَرَايَا بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْعٌ يَخْتَصُّ بِالْعَرَايَا جَوَازُهُ وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُهُ فِي أَنْوَاعِ الثِّمَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُسَمَّى عِنْدَهُ عَرَايَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ إعْرَاءً وَجَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَتَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَاسْتِثْنَاءُ الرُّخْصَةِ مِنْ الْمَنْعِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ عَمَّ الْمَنْعَ وَاسْتَثْنَى مِنْ تِلْكَ الرُّخْصَةِ أَهْلَ الْعَرِيَّةِ وَهُمْ أَرْبَابُ النَّخْلِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِهِمْ وَبَقِيَ الْبَاقُونَ عَلَى حُكْمِ الْمَنْعِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَجْدُودًا وَدَلِيلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالتَّمَاثُلِ أَمْكَنُ بِالْكَيْلِ مِنْهُ بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى الْكَيْلِ وَقَدْ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْكَيْلِ إذَا كَانَ مَجْدُودًا فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ خَرْصًا أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي حَائِطِ غَيْرِهِ أَصْلُ شَجَرَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ ثَمَرَتَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرِهِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهَا كَيْلًا إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ لِلتَّخْفِيفِ وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْرَى جَمِيعَ حَائِطِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَتَهُ بِخَرْصِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِم ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي شِرَائِهِ بَعْضَ عَرِيَّتِهِ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ أَعْرَى جَمَاعَةٌ مُشْتَرِكُونَ فِي حَائِطِ رَجُلًا ثَمَرَةَ نَخْلٍ مِنْهُ فَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَرِيَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّ ضَرُورَةَ الشَّرِكَةِ بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَا تَرْتَفِعُ بِذَلِكَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْإِرْفَاقِ وَكِفَايَةِ الْمُؤْنَةِ، وَلَوْ أَعْرَى رَجُلٌ جَمَاعَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ عَرِيَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَضِرُّ بِذَلِكَ وَيَتَحَفَّظُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّهُ بِالْإِرْفَاقِ دُونَ غَيْرِهِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ] 1 ِ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الثِّمَارِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالْفُسْتُقِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَاتَيْنِ الثَّمَرَتَيْنِ يَخْتَصَّانِ بِالْأَكْلِ حَالَ الْإِرْطَابِ وَقَبْلَ الْيُبْسِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخَرْصُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ فَثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ كَالثَّمَرِ، وَأَمَّا الزَّيْتُونُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ جَازَ ذَلِكَ فِيهِ بِخَرْصِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُوضَعَ عَلَى حَالَةٍ يُدَّخَرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَيَكُونُ أَجَلُ بَيْعِهِ إلَى أَنْ يُمْكِنَ عَمَلُهُ بَعْدَ الْقِطَافِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ تَزْبِيبُهُ بَعْدَ الْقِطَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ زَبِيبًا إلَّا بِالتَّزْبِيبِ بَعْدَ الْقِطَافِ، وَأَمَّا التِّينُ فَإِنَّ أَوْقَاتَهُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ شَرَعَ فِي تَيْبِيسِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ خَرْصَهُ مِنْهُ دُونَ شَرْطٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ عِنَبًا لَا يَتَزَبَّبُ أَوْ نَخْلًا لَا يَتَتَمَّرُ فَعَلَى اشْتِرَاطِ الْيُبْسِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ ابْتِيَاعُ عَرِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا شُرِطَ أَنْ يُعْطِيَهُ تَمْرًا فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ صِنْفٍ غَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَا لَا يَيْبَسُ مِنْ الْفَوَاكِهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مُعْرِيهِ بِخَرْصِهِ نَقْدًا وَلَا إلَى جِدَادِهِ وَلَوْ

[الباب الرابع في بيان مقدار ما يجوز بيعه من العرية]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ يَشُكُّ دَاوُد قَالَ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجِيزَ ذَلِكَ بَدَيَا فِي كُلِّ عَرِيَّةٍ لَمْ أَرَهُ خَطَأً وَإِنْ كُنْت أَتَّقِيهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُبَاعَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو صَلَاحُهُ بِخَرْصِهِ مِنْ جِنْسِهِ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ عِنْدَ تَكَامُلِ طِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِدُخُولِهِ إلَيْهِ مِنْ وَقْتِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إلَى تَكَامُلِ طِيبِهِ وَكَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمُعْرِي عَمَلَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يُبَاعُ بِالتَّمْرِ إلَى الْجِدَادِ وَلَا يُبَاعُ بِالرُّطَبِ نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا» وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ بِغَيْرِ نَوْعِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ بِرْنِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ صَيْحَانِيًّا وَلَا عَجْوَةً وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ وَلَا يُعَيِّنَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ وَلَا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ عَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ فَعَلَ أَرَاهُ جَائِزًا وَيَكُونُ عَلَيْهِ مَا ضَمِنَ لِلْمُعْرِي فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْجِدَادِ يُعْطِيهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْعَرِيَّةِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ) فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَرَايَا هِيَ النَّخْلُ الْمَبِيعُ ثَمَرُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ ثَمَرِ الْعَرَايَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَمَّى الثَّمَرُ عَرَايَا لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّخْلِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ الْعَرَايَا مِنْ التَّعَلُّقِ وَلَوْ كَانَتْ صِفَةً لِلْمَبِيعِ لَمَا صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ بِخَرْصِهَا تَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَلَا مَعْهُودٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ بِخَرْصِهَا لَمَّا كَانَتْ الْمُزَابَنَةُ صِفَةً لِلْمَبِيعِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَجْوَةِ بِخَرْصِهَا لَمَّا كَانَتْ الْعَجْوَةُ صِفَةً لِلْمَبِيعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» قَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْحُكْمَ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ التَّمْرِ كَمَا قَصَرَ الزَّكَاةَ عَلَى نِصَابِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَمَا زَادَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الزَّكَاةِ يَخْتَصُّ الرِّفْقُ فِيهِ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِتَرْكِ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْ الْمُوَاسَاةِ غَالِبًا وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا اخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهَذَا الْقَدْرِ لِلرِّفْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِعْرَائِهِ وَلَا يَكَادُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ إلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ بِهِ الْمَشَقَّةُ وَلَا يَبْلُغُهُ بِالْإِعْرَاءِ إلَّا مَنْ لَهُ الْحَوَائِطُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تَشْغَلُهُ بِالْعَمَلِ وَلَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالْإِعْرَاءِ مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَشَكَّ دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ بَيْنَ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَبَيْنَ مَا دُونَهَا وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَقَدْ عَوَّلَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرْجِ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَرَوَى عَنْهُ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَجْهُ مَنْعِهِ إيَّاهُ فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خُصَّ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ التَّخْصِيصُ بِمَا تُيُقِّنَ مِنْهُ دُونَ مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ وَاَلَّذِي تُيُقِّنَ مِنْهُ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالْخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَلَا يَقَعُ بِهَا تَخْصِيصُ لَفْظٍ عَامٍّ ثَابِتٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحُدُودَ وُضِعَتْ لِتَبْيِينِ الْمَحْدُودِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي نِهَايَةِ الْبَيَانِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا اشْتِرَاكَ فِيهَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ التَّحْدِيدُ بِهَا وَمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَفْظٌ مُشْتَرِكٌ لَا يَخْتَصُّ بِمِقْدَارٍ مَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَمُخْتَصَّةٌ بِمِقْدَارٍ مَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ حَدًّا. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا خُرِصَتْ عَرِيَّةٌ فَكَانَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ فَلَمَّا جَدَّهَا وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَضْلَ لِصَاحِبِ

[الجائحة في بيع الثمار والزرع وفيه أبواب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا تُبَاعُ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَيُخْرَصُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَلَيْسَتْ لَهُ مَكِيلَةٌ وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أُنْزِلَ بِمَنْزِلَةِ التَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ مَا أَشْرَكَ أَحَدٌ أَحَدًا فِي الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا أَقَالَهُ مِنْهُ وَلَا وَلَّاهُ أَحَدًا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ) . الْجَائِحَةُ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ «ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ فَسَأَلَ رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ فَأَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَرِيَّةِ وَلَوْ وَجَدَ مِنْهُ أَقَلَّ مِمَّا خَرَصَ عَلَيْهِ ضَمِنَ لَهُ الْخَرْصَ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مُفْرَدًا وَلَوْ خَلَطَهُ قَبْلَ أَنْ يَكِيلَهُ لَوَفَّاهُ مَا ضَمِنَهُ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَرِيَّةَ لَا تُبَاعُ عَلَى شَرْطِ التَّبْقِيَةِ إلَّا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بُسْرًا وَلَا رُطَبًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهَا مِنْ الطَّعَامِ وَلَا بِغَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ التَّخَيُّلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَيْسَتْ بِقَبْضٍ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْجَائِحَةَ تَثْبُتُ فِي الثَّمَرَةِ بَعْدَ تَخَلِّي الْبَائِعِ عَنْهَا إلَى الْمُبْتَاعِ وَهِيَ فِي أَصْلِ شَجَرِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيُهَا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا لَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْمَبِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ يُتَحَرَّى ذَلِكَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَلَيْسَتْ لَهُ مَكِيلَةٌ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلِتَعَذُّرِ الْكَيْلِ فِيهَا مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِذَلِكَ كَمَا أُرْخِصَ فِي الْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَيَجُوزُ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعْرُوفِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. [الْجَائِحَةُ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ نُقْصَانُ ثَمَرِهِ عَمَّا قَدْ قُدِّرَ فِيهِ وَذَلِكَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ أَمْرِ الثَّمَرَةِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حِينَ ابْتِيَاعِهَا مِنْ تَقْصِيرِهَا عَمَّا كَانَ قُدِّرَ فِيهَا وَالثَّانِي أَنْ يَتَبَيَّنَ النُّقْصَانُ بِجَائِحَةٍ طَرَأَتْ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ إدْخَالَ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْجَائِحَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوْرَدَ الْجُمْلَةَ عَلَى تَبَيُّنِ النُّقْصَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ وَالْجَائِحَةُ مِنْ بَابِ النُّقْصَانِ فَلِذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ تَأَلَّى أَنْ لَا يَضَعَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَتَى رَبَّ الْحَائِطِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ أَوْ يُقِيلَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَأَلَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ إلَيْهِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَوْضِعَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا عِنْدَ الْمُتَاجَرَةِ فَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: غَيْرُهُ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَجْهُ إبَاحَتِهِ أَنَّ الْإِرْفَاقَ مَعْرُوفٌ فَكَانَ مُبَاحًا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَاسْتِعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ غَيْرِهِ مَا فِيهِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْخُضُوعِ وَالِامْتِهَانِ لِمَخْلُوقٍ فِي غَرَضِ دُنْيَا لَا تَدْعُو إلَيْهِ حَاجَةٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ إنْ وَضَعْتَ عَنِّي وَإِلَّا خَاصَمْتُك قَالَ أَصْبَغُ أَوْ يَقُولُ إنْ وَضَعْت عَنِّي وَإِلَّا وَجَدْتُ عَيْبًا فَإِنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ إنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بِقَدْرِ الْجَائِحَةِ الَّتِي تَثْبُتُ لَهُ عَلَى وَجْهِ اسْتِدْعَاءِ الْحَقِّ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ وَقَوْلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ يَجِبُ

[الباب الأول في تبيين ما يكون من المتلفات جائحة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا عَلَى وَجْهَيْنِ سَأَلَهُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إسْقَاطُهُ مِنْ الْجَائِحَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنَّهَا مَضَتْ تَتَشَفَّعُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ امْتَنَعَ مِنْ الْوَضِيعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا فَعَلَ جَابِرٌ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ وَالِاسْتِعْلَامِ لِمَا يَجِبُ لِابْنِهَا وَعَلَيْهِ فِيمَا قَضَتْ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا» إنْكَارٌ لِحَلِفِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَتَدَبُّرٌ لِمَآلِ يَمِينِهِ أَوْ حَلِفِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرِي بِجَائِحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنَّمَا فِيهِ إنْكَارٌ لِحَلِفِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ هَذَا يَتَقَرَّرُ مِنْ قَوْلِهِمَا مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ، وَإِنْ تَقَرَّرَ مِنْ قَوْلِهِمَا مَا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَتَأَلِّيهِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَهُ إقْلَاعٌ عَمَّا أَتَاهُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَضَعَ مِنْ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا يُبَالِغُ فِي الْإِقْلَاعِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مُرَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسَارَعَةِ إلَى مَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ مَذْهَبِهِ بِأَنْ وَضْع عَنْهُ أَوْ أَقَالَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ هُوَ لَهُ لَا أَدْرِي الْوَضِيعَةَ أَوْ الْإِقَالَةَ وَكَذَلِكَ كَانُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سِرَاعًا إلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَلِذَلِكَ كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَاخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَنُصْرَتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ش) : قَوْلُهُ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ الْجَائِحَةُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُجِيحُ الْإِنْسَانَ وَيُنْقِصُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا لَهُ عُرْفٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ فَإِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ فَسَادُ الثَّمَرَةِ وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ عُمَرُ عَنْ الْمُبْتَاعِ قَدْرَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ الْجَائِحَةُ أَذْهَبَتْ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ فَأَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ أَخِيهِ عَلَامَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ قَبْلَ أَنْ تَسْتَغْنِيَ عَنْ أَصْلِهَا فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ أَصْلُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِعَطَشٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ دَعَا الْبَائِعُ إلَى رَدِّ الثَّمَرَةِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَرْضَ الْمُبْتَاعُ بِالْمُتَارَكَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَوَضَعَ الْجَائِحَةَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْجَائِحَةِ الْبَائِعُ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَوَضَعَ الْجَائِحَةَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ نَقْلِ الضَّمَانِ عَنْ مَحِلِّهِ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْلِهِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ دُونَهُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ جَائِحَةً] 1 إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْجَوَائِحِ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ جَائِحَةً وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَا تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مِقْدَارِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ جَائِحَةٌ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ جَائِحَةً) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى مَا يُوضَعُ مِنْ الْجَوَائِحِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ وَإِنْ عُلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَائِحَةً وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ إنْ عُلِمَ بِهِ فَلَا يَكُونُ جَائِحَةً كَالسَّارِقِ قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَهُوَ جَائِحَةٌ سَارِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَكُونُ جَائِحَةً إلَّا مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ أَمْرِ

[الباب الثاني في تبيين ما توضع فيه الجائحة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمَاءِ مِنْ عَفَنٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَسَادٍ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ بِكَسْرِ الشَّجَرِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَيَبِسَ بِجَائِحَةٍ. فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ أَنَّ السَّارِقَ لَوْ عُلِمَ بِهِ لَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَائِحَةً؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ حِينَئِذٍ مُفَرِّطٌ فِي حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَمُضَيَّعٌ لَهَا فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ كَانَ ذَلِكَ جَائِحَةً تُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مَا تَلِفَ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي يَدِ الْمُبْتَاعِ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ عَلَى نِهَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِي جِهَةِ الْأَصْلِ لِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ السَّقْيَ إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا وَكَمَالِ صَلَاحِهَا وَلَوْ كَانَ يَضْمَنُهَا بِالسَّارِقِ وَالْعَطَشِ لَكَانَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَائِحَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ جَائِحَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ وَجَائِحَةٌ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الْمَاءِ فَأَمَّا الْجَائِحَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْعَطَشِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ يُوضَعُ قَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ كَانَتْ شُرْبَ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ شَرْطِ تَمَامِهَا السَّقْيُ فَوَجَبَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا كَمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْجَوَائِحِ أَنَّ سَائِرَ الْجَوَائِحِ لَا تَنْفَكُّ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا وَهَذِهِ تَنْفَكُّ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا فَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ يَسِيرِ الْعَفَنِ وَالْأَكْلِ، وَأَمَّا الْجَائِحَةُ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعَفَنِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْعَفَنِ يَصِحُّ كَثِيرُهُ دُونَ قَلِيلِهِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَا تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ] ُ أَمَّا مَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: جِنْسُ الثَّمَرَةِ وَالثَّانِي مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهَا، فَأَمَّا جِنْسُ الثَّمَرَةِ فَهُوَ كُلُّ بَيْعٍ يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ، وَحَاجَتُهُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِانْتِهَاءِ صَلَاحِهَا وَطِيبِهَا كَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إذَا اُشْتُرِيَ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَكَثَمَرَةِ التُّفَّاحِ وَالتَّمْرِ وَالْبِطِّيخِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْفُولِ وَالْجُلْبَانِ، وَالثَّانِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ رُطُوبَتِهِ وَنَضَارَتِهِ كَثَمَرَةِ الْعِنَبِ اُشْتُرِيَتْ بَعْدَ انْتِهَاءِ طِيبِهَا وَكَالْبُقُولِ وَالْقَصِيلِ وَالْأُصُولِ الْمَغِيبَةِ مِنْ الْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ. فَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا لَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ وَلَا لِبَقَاءِ نَضَارَتِهِ كَالتَّمْرِ الْيَابِسِ وَالزَّرْعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ قَدْ كَمُلَ بِتَخَلِّي الْبَائِعِ عَنْهُ إلَى الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي أَصْلِهِ مَنْفَعَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ يَسْتَنْظِرُ اسْتِيفَاءَهَا فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصُّبْرَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْأَصْلِ. 1 - ، وَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِحِفْظِ نَضَارَتِهِ كَالْعِنَبِ يُشْتَرَى بَعْدَ تَمَامِ صَلَاحِهِ وَكَالْقَصِيلِ وَالْبُقُولِ وَالْقَصَبِ وَالْقَرَطِ وَالْأُصُولِ الْمَغِيبَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسَائِلَ يَجِبُ رَدُّهَا إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ مَنْ اشْتَرَى التَّمْرَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ طَابَتْ طِيبًا بَيِّنًا فَأَصَابَتْهَا الْجَائِحَةُ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا فِي الْخَرَابِزِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَصَبِ السُّكْرِ فَقَالَ لَا تُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتِمَّ وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا تَنَاهَى الْعِنَبُ وَآنَ قِطَافُهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَهُ تَارِكٌ إلَّا لِسُوقٍ يَرْجُوهُ أَوْ لِشُغْلٍ يُعَوِّضُ لَهُ لَمْ تُوضَعْ فِيهِ جَائِحَةٌ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَصَبِ السُّكْرِ وَالْخِرْبِزِ وَسَائِرِ الْبُقُولِ وَالْقَصِيلِ الْجَائِحَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى فَاكِهَةً أَوْ رُطَبًا فَطَابَتْ وَأَخَّرَهَا رَجَاءَ النَّفَاقِ فَأَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ وَلَوْ عَجَّلَ بِهَا لَمْ تُصِبْهَا جَائِحَةٌ قَالَ يُوضَعُ عَنْهُ الثُّلُثُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ الثَّمَرَةُ. فَعَلَى رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُرَاعَى حِفْظُ نَضَارَتِهِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى تَكَامُلُ صَلَاحِهِ وَيَجِبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَجْرِيَ هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَا كَانَ هَذَا حُكْمَهُ كَالْقَصِيلِ وَالْقَصَبِ وَالْبُقُولِ وَالْقَرَطِ فَلَا تُوضَعُ جَائِحَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى رِوَايَةِ سَحْنُونٍ تُوضَعُ الْجَائِحَةُ فِي جَمِيعِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَصْبَغَ أَنَّ الضَّمَانَ بِجَائِحَةِ الثَّمَرَةِ إنَّمَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ حَقِّ التَّوْفِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَمَامِ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُ الثَّمَرَةِ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ فَإِذَا وُجِدَ كَمَالُ الصَّلَاحِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَرَةِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَمَا يَرْجُوهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ حِفْظِ رُطُوبَتِهِ وَنَضَارَتِهِ بِبَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ فَذَلِكَ حِفْظٌ لِمَبِيعٍ قَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِانْتِظَارِ لِمَبِيعٍ لَمْ يُوجَدْ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مِنْهُ قَمْحًا فَكَالَهُ عَلَيْهِ فِي لَيْلٍ أَوْ وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ يُبْقِي الطَّعَامَ فِي مَوْضِعِهِ حِفْظًا لَهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ نَقْلُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ بَقَاءَ الثَّمَرَةِ فِي الْأَصْلِ لِحِفْظِ رُطُوبَتِهَا وَنَضَارَتِهَا وَجْهٌ مَقْصُودٌ مُعْتَادٌ وَعَلَيْهِ ابْتَاعَ الْمُبْتَاعُ؛ لِأَنَّ فِي جَدِّ الثَّمَرَةِ جِهَةَ فَسَادٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتْلِفُ رُطُوبَتَهَا وَلَا يُمْكِنُ أَكْلُهَا عَلَى الْمَعْهُودِ إلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَلَا يَتَأَتَّى بَيْعُ جَمِيعِهَا وَجَذُّهُ جُمْلَةً فِي الْغَالِبِ فَنَقُولُ إنَّ الثَّمَرَةَ مُبْقَاةٌ فِي الْأَصْلِ لِمَعْنًى مُعْتَادٍ مَقْصُودٍ فَثَبَتَ فِيهَا الْحُكْمُ بِالْجَائِحَةِ كَالْمُبْقَاةِ لِتَمَامِ الصَّلَاحِ وَلِذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا الْمُبْتَاعُ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهَا فَأُجِيحَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ مِنْهُ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِي الْبُقُولِ لِاخْتِلَافِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْأَصْلِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا الْبَقْلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ الْمَحْضِ مُفْرَدًا عَنْ أَصْلِهِ وَالْجَائِحَةُ تُوضَعُ فِيهِ فَأَمَّا مَا كَانَ مَهْرًا فِي نِكَاحٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا جَائِحَةَ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي الْمُغَابَنَةَ وَالْمُكَايَسَةَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْمُوَاصَلَةَ وَالْمُكَارَمَةَ وَوَضْعُ الْجَائِحَةِ يُنَافِي ذَلِكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ ثَبَتَ فِيهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَثَبَتَ فِيهِ وَضْعُ الْجَائِحَةِ كَالْبَيْعِ الْمَحْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى عَرِيَّةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ تُوضَعُ فِيهَا الْجَائِحَةُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُوضَعُ فِيهَا جَائِحَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ يَضْمَنُهَا بِخَرْصِهَا ثَمَرًا إلَى الْجِدَادِ فَسَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ بِالْجَائِحَةِ كَالزَّكَاةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَرِيَّةُ نَخْلًا مُعَيَّنَةً، وَإِنْ كَانَتْ أَوْسُقًا مِنْ حَائِطٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مِقْدَارُ تِلْكَ الْأَوْسُقِ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ أَدَاؤُهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ حَائِطِهِ لِإِنْسَانٍ وَلِآخَرَ مِنْهُ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَتَلِفَتْ الثَّمَرَةُ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَإِنَّ جَمِيعَهَا لَهُ دُونَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِسَائِرِ الثَّمَرَةِ قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ أَصْوُعًا مُقَدَّرَةً فَأُجِيحَتْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ تُوضَعُ مِنْ الْعَدَدِ الْمُسْتَثْنَى بِقَدْرِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ قَصُرَتْ الْجَائِحَةُ عَنْ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ وَإِنْ بَلَغَتْ وُضِعَ عَنْ الْمُبْتَاعِ مِمَّا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ بِقَدْرِ مَا يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ يَبِيعُهَا وَيَسْتَثْنِي مِنْهَا كَيْلًا يَكُونُ الثُّلُثَ فَأَدْنَى فَتَهْلَكُ الصُّبْرَةُ إلَّا مَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ مِنْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ دُونَ الْمُبْتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُوضَعُ مِنْ الْعَدَدِ الْمُسْتَثْنَى قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ أُجِيحَ أَكْثَرُ الثَّمَرَةِ أَوْ أَقَلُّهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ الثَّمَرَةِ كَيْلًا فَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ وَارْتَفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ابْتَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ عَدَدِ الْأَوْسُقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ مُقَدَّمًا فِي ثَمَرَةٍ أَوْ حَائِطٍ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْحَائِطِ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا أَبْقَاهُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى مِلْكِ

[الباب الثالث في تبيين مقدار الجائحة التي توضع]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ صَارَ بِهِ الْبَائِعُ شَرِيكًا لِلْمُبْتَاعِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجَائِحَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مِقْدَارِ الْجَائِحَةِ الَّتِي تُوضَعُ] 1 ُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: ثِمَارُ التِّينِ وَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالتُّفَّاحِ فَهَذِهِ يُرَاعَى فِي جَوَائِحِهَا الثُّلُثُ فَإِنْ قَصُرَتْ الْجَائِحَةُ عَنْ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَإِنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ وُضِعَ عَنْهُ جَمِيعُهَا. وَنَوْعُ الْبُقُولِ وَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْبُقُولِ وَالْأُصُولُ الْمَغِيبَةُ مِمَّا الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهَا دُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا إنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا نَفْيُ ذَلِكَ جُمْلَةً وَالثَّانِيَةُ إثْبَاتُهَا فَإِذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْجَائِحَةِ فِيهَا فَهَلْ يُعْتَبَرُ فِيهَا الثُّلُثُ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجَائِحَةَ تُوضَعُ فِيهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ أَوْ قَصُرَتْ عَنْهُ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ التَّافِهَ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ لَا يُوضَعُ مِنْ جَائِحَتِهَا إلَّا مَا بَلَغَ الثُّلُثَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبُقُولَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا إلَّا عِنْدَ جَدِّهَا وَجَبَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَلِيلُ مَا يَتْلَفُ مِنْهَا وَكَثِيرُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْجَائِحَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الثُّلُثُ كَالثَّمَرَةِ وَنَوْعٌ ثَالِثٌ يَجْرِي مَجْرَى الْبُقُولِ فِي أَنَّ أَصْلَهُ مَبِيعٌ مَعَ ثَمَرَتِهِ وَيَجْرِي مَجْرَى الْأَشْجَارِ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ثَمَرَتُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْفُولِ وَالْجُلْبَانِ فَهَذَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الثُّلُثَ يُعْتَبَرُ فِي جَائِحَتِهَا وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: الْمَقَاثِي كَالْبَقْلِ تُوضَعُ الْجَائِحَةُ فِيهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا دُونَ اعْتِبَارِ ثُلُثٍ. وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الثَّمَرَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الثَّمَرَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا نَبَاتٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ بِالثُّلُثِ كَالْبُقُولِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ الثِّمَارِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً عِنَبًا وَتِينًا وَرُمَّانًا وَسَفَرْجَلًا وَيَاسَمِينًا وَوَرْدًا فَأُصِيبَ جِنْسٌ مِنْهَا بِجَائِحَةٍ وَسَلِمَ سَائِرُهَا فَإِنَّ جَائِحَةَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَهُ وُضِعَتْ وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْهُ لَمْ تُوضَعْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ جَائِحَةَ الْمُصَابِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ أَوْ حَوَائِطَ مُخْتَلِفَةٍ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْجَائِحَةَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الثُّلُثُ لِيَتَمَيَّزَ مَا لَيْسَ بِجَائِحَةٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ فَإِذَا بَلَغَ ثُلُثَ هَذَا الْجِنْسِ ثَبَتَ أَنَّهُ جَائِحَةٌ وَوَجَبَ وَضْعُهَا وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ حَوَائِطَ كَثِيرَةً مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْ الْجَائِحَةُ حَائِطًا مِنْهَا لَاعْتُبِرَ ثُلُثُ الْجُمْلَةِ وَبِهَذَا تَعَلَّقَ أَصْبَغُ فِي اعْتِبَارِ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ وَالْأَجْنَاسِ. (فَرْعٌ) وَكَيْفَ يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِالثُّلُثِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ فَيُعْتَبَرُ بِثُلُثِ الْجُمْلَةِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَصِفَةُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَةِ الْجِنْسِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ مِنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ الْجُمْلَةِ حُكِمَ بِجَائِحَتِهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِثُلُثِ الثَّمَرَةِ إذَا ذَهَبَ الْجِنْسُ كُلُّهُ، فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَنْظُرُ إلَى الْجِنْسِ الَّذِي أُصِيبَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ فَإِنْ أُصِيبَ ثُلُثُ ثَمَرَتِهِ حُكِمَ بِالْجَائِحَةِ وَإِنْ أُصِيبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجِنْسُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ فِي الْقِيمَةِ فَلَا جَائِحَةَ فِيهِ وَإِنْ أُصِيبَ جَمِيعُهُ، وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى ثُلُثِ الْقِيمَةِ فَإِنْ أُصِيبَ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَا يَفِي ثُلُثَ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ فَهِيَ جَائِحَةٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِجَائِحَةٍ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّقْوِيمَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ فَإِذَا كَانَ النَّوْعُ وَاحِدًا وَرُجِعَ إلَى الِاعْتِبَارِ بِهِ فَالِاعْتِبَارُ بِقَدْرِ الثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُفْرَدَةً وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِقِيمَةِ الْجُمْلَةِ أَوْ بِقَدْرِ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ الْمُجَاحَةِ، وَأَمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ

[ما يجوز في استثناء الثمر]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْجَائِحَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثُّلُثُ فَصَاعِدًا وَلَا يَكُونُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ جَائِحَةٌ) . مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَانِ جَمِيعًا فَذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْوَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً فَأُصِيبَ نَوْعٌ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِثُلُثِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِثُلُثِ الثَّمَرَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُحْبَسَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالثَّمَرِ وَالْعِنَبِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي جَائِحَتِهِ بِثُلُثِ الثَّمَرَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحْبَسُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْخَوْخِ وَالتُّفَّاحِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ، وَالرُّمَّانِ فَهَاهُنَا يَعْتَبِرُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا ثُلُثَ الثَّمَرَةِ وَأَشْهَبُ يَعْتَبِرُ بِثُلُثِ الْقِيمَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِيُمَيَّزَ بِهِ النَّقْصُ الَّذِي يَكُونُ جَائِحَةً مِنْ النَّقْصِ الْمُعْتَادِ الَّذِي لَا يَكُونُ جَائِحَةً وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْقِيمَةُ وَبِسَبَبِهَا يَزِيدُ الثَّمَنُ وَيَنْقُصُ وَقَدْ يَكُونُ الْيَسِيرُ مِنْ الثَّمَرِ لَهُ مُعْظَمُ الثَّمَنِ وَلَوْ أُصِيبَ الْيَسِيرُ مِنْهَا وَقَلِيلُهُ كَيَسِيرِ الثَّمَنِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ كَمَا أَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الْكَثِيرُ مِنْهَا وَلَا قِيمَةَ لَهُ لَمْ يَلْحَقْهُ كَثِيرُ ضَرُورَةٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ نَظَرْت إلَى ثُلُثِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ بَلَغَتْهُ الْجَائِحَةُ وُضِعَتْ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ إلَّا عُشْرَ الْقِيمَةِ وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ بَلَغَتْ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْقِيمَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ نُظِرَ إلَى ثُلُثِ الْقِيمَةِ فَإِنْ بَلَغَتْهُ الْجَائِحَةُ وُضِعَتْ عَنْ الْمُبْتَاعِ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ إلَّا عُشْرَ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ لَمْ تُوضَعْ وَإِنْ بَلَغَتْ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الثَّمَرَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْجَائِحَةَ الَّتِي تُوضَعُ هِيَ مَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ أَوْ الْقِيمَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ لَمْ تُوضَعْ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ جَائِحَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُوضَعُ قَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ فِي الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الثِّمَارَ لَا تَنْفَكُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَسْلَمُ مِنْ يَسِيرِ الْعَفَنِ وَأَكْلِ الطَّيْرِ فَهَذَا مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ لَمَا صَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْلَمَ جَمِيعُهَا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ يَتَعَذَّرُ فِيهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ بَاطِلٌ، وَلَمَا أَجْمَعْنَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَصِحَّةِ وَضْعِ الْجَائِحَةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ مَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا تَلَفُ الْكَثِيرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَصَابَتْ الْجَائِحَةُ مُعْظَمَ الثَّمَرَةِ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ قِيمَتُهَا بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى صُبْرَةَ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّ مُعْظَمُهَا أَوْ اشْتَرَى طَعَامًا عَلَى الْكَيْلِ فَذَهَبَ مُعْظَمُهُ قَبْلَ الْكَيْلِ فَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ بَقِيَّتُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَوَائِحَ مُعْتَادَةٌ لَا تَسْلَمُ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا، وَكَثِيرُهَا مُتَكَرِّرٌ فِيهَا فَالْمُبْتَاعُ يَدْخُلُ عَلَى الرِّضَا بِمَا بَقِيَ مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَزِمَهُ النَّقْدُ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَاقِي لَمَا جَازَ النَّقْدُ فِيهَا بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الصُّبْرَةِ أَوْ إتْلَافُ بَعْضِ الصُّبْرَةِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى الْكَيْلِ فَإِنَّهُ نَادِرٌ وَالْمُبْتَاعُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ النَّقْدُ فِيهِ. [مَا يَجُوزُ فِي اسْتِثْنَاءِ الثَّمَرِ] (ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ بَيْعُ ثَمَرِ حَائِطِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ مَكِيلَةً مَعْرُوفَةً وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَ الْجَمِيعَ عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا بِالْخَرْصِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ جُزَافًا فَأَمَّا بَيْعُ الْأَصْوُعِ مِنْهُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا عَلَى التَّحَرِّي فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِيهِ مِنْ بَابِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْأَفْرَقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ تَبِيعُ ثِمَارَهَا وَتَسْتَثْنِي مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَرَرِ وَقَاسَهُ عَلَى الصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى التَّحَرِّي عَلَى أَنَّ فِيهَا عَدَدَ أَصْوُعٍ وَوَجْهُ هَذَا عِنْدِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مِقْدَارِ مَا يَبِيعُهُ بِالتَّحَرِّي وَالْكَيْلِ يَكْثُرُ بِهِ الْغَرَرُ وَالْخَطَرُ لِاجْتِمَاعِهِمَا. وَأَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ جُزَافًا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَرْئِيٌّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَزْرُ فَجَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَيْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ جُزْءًا شَائِعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا فَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُجِيزُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْجُمْلَةِ بِوَجْهٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْغَرَضَ مَعْلُومٌ مِنْ ذَلِكَ عَارٍ مِنْ الْغَرَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ أَبِيعُك هَذَا الْحَائِطَ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ فَالْمَفْهُومُ بِعْتُك عُشْرَهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْله اسْتَثْنَى مِنْهُ يُرِيدُ مِنْ ثَمَرِهِ وَقَوْلُهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْغَرَرِ أَوْ اسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ قَدَّرَهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا فَذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الثُّلُثِ الْخُمْسَ، وَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْكَيْلِ بِسِعْرٍ مُتَقَرِّرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ فَأَقَلُّ مِنْ الثَّمَرَةِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَقَدَّرَ هَذَا بِالثَّمَرِ لَجَازَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَكْثَرُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ بَاعَ ثَمَرَةَ حَائِطِهِ جُزَافًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ كَيْلًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لَا يُدْخِلُ غَرَرًا فِي الْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَثْنَى جُزْءًا شَائِعًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ ذَلِكَ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا قَالَهُ أَصْبَغُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَمَا يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا يَفْسُدُ لِلْجَهْلِ بِمَالِهِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ أَمْلَاكِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ نَوْعًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً فَاسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرَ ثُلُثِهِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَثْنَى مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ قَدْرَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِثُلُثِ الْحَائِطِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ إنَّمَا يَبْقَى فِي الْكَيْلِ دُونَ الْقِيمَةِ وَلَا يَبْقَى هَذَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الْحَائِطِ وَتِلْكَ صِفَةٌ رَضِيَهَا الْمُبْتَاعُ لَا تُدْخِلُ غَرَرًا فِي الْكَيْلِ وَالْقَدْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَكُونُ فِي نَوْعٍ مِنْهُ وَيَشْتَرِي الْجُمْلَةَ لِأَجْلِهِ وَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهُ كَيْلًا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ أَدْخَلَ غَرَرًا فِي الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَيْعِ وَرُبَّمَا اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يَقْصُرُ عَنْهُ جَمِيعُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ مِنْهُ صُبْرَةَ طَعَامٍ جُزَافًا لَكَانَ حُكْمُهَا فِي جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ ثُلُثِهَا بِالْكَيْلِ وَمَنْعِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَ الثَّمَرَةِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الصُّبْرَةِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَيْلًا وَلَا جُزْءًا مُشَاعًا قَالَ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ أَنَّ الْجُزَافَ إنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ لِلضَّرُورَةِ لِمَا يُرِيدُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَبِيعُ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِي مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَخْتَارُهَا وَيُسَمِّي عَدَدَهَا فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ إنَّمَا اسْتَثْنَى شَيْئًا مِنْ ثَمَرِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ احْتَبَسَهُ مِنْ حَائِطٍ وَأَمْسَكَهُ لَمْ يَبِعْهُ وَبَاعَ مِنْ حَائِطِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ) . مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقِيلَ لَهُ إنَّ عَامِلَك عَلَى خَيْبَرَ يَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعُ أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ مَشَقَّةَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْكَيْلِ فَلَا يَقْصِدُ إلَّا الْمُخَاطَرَةَ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّبْرَةِ وَالثَّمَرَةِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَيْلُ وَالصُّبْرَةُ يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَيْلُ وَهَذَا عِنْدِي يَكُونُ فِيهِ قَوْلَانِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْقَوْلِ فِي اسْتِثْنَاءِ الْمُبْتَاعِ بَعْضَ الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ مَعَ الْأَصْلِ وَبَعْضَ الثَّمَرَةِ التَّابِعَةِ لِلدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ فَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ زَادَ عَلَى مَنْعِهَا وَقَوْلُهُ إنَّ الْجُزَافَ فِي الْبَيْعِ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَأَتِّي الْحَزْرِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ لَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ ثُلُثِ الثَّمَرَةِ بِالْكَيْلِ يَكْثُرُ بِهِ الْغَرَرُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عِيسَى يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ جَدَّهَا وَقَدْ قَبَضَ الْبَائِعُ مَا اسْتَثْنَاهُ رَدَّ الْمُبْتَاعُ كَيْلَ التَّمْرِ الَّذِي أَخَذَ إنْ عَرَفَ كَيْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْلَهُ فَقِيمَتُهُ خَرْصُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مَا يُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ. (ش) : اسْتِثْنَاءُ الرَّجُلِ مِنْ حَائِطِهِ فِي الْبَيْعِ عَدَدَ نَخَلَاتٍ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَيِّنَهَا وَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْبَيْعَ عَلَى سَائِرِهَا وَهُوَ مُعَيَّنٌ وَالثَّانِي أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ فَيَقُولُ أَبِيعُ مِنْهُ هَذَا الْحَائِطَ غَيْرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ أَوْ خَمْسٍ فَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي الصِّحَّةِ وَمَخْرَجًا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْعَدَدِ فِي عَدَدِ جَمِيعِ الْحَائِطِ فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى خَمْسَةً، وَالْحَائِطُ خَمْسُونَ كَانَ لَهُ عُشْرُ الثَّمَنِ مُشَاعًا وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ أَرْبَعِينَ كَانَ لَهُ ثَمَنُ الثَّمَرِ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَكُونُ شَرِيكًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ اخْتِيَارَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى الْكَثِيرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى الْيَسِيرَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَيْسَ يَمْتَنِعُ فَلَا يَفْسُدُ بِغَرَرٍ وَلَا شَيْءَ مِمَّا تَفْسُدُ بِهِ الْبُيُوعُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَا يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِهِ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَجَرَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا وَيَخْتَارَ غَيْرَهَا إنَّمَا يُفْسِدُهَا مَا انْتَقَلَ إلَى الْمُخْتَارِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْبَيْعِ أَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الْمَلِكِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ اسْتِثْنَاءُ مَا يَخْتَارُهَا مِنْ الْحَائِطِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْتَارَ ثَمَرَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا وَيَأْخُذَ غَيْرَهَا فَيَدْخُلَهُ التَّفَاضُلُ فِي الْمَطْعُومِ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ عَلَى الْبَائِعِ فِي اخْتِيَارِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ كَمَا لَا يَجُوزُ اخْتِيَارُ الْمُبْتَاعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ اخْتِيَارَ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ اشْتَرَطَ اخْتِيَارَ يَسِيرٍ مِنْهُ جَازَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ الْكَثِيرَ ذَهَبَ بِمُعْظَمِ الْجُمْلَةِ فَدَخَلَ كَثِيرُ الْغَرَرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا أَوْ الْجَهْلِ بِصِفَتِهَا وَتَفَاوَتَ التَّغْرِيرُ فِيهَا فَعَادَ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ وَإِنْ اشْتَرَطَ الْيَسِيرَ مِنْهَا بَقِيَ مُعْظَمُ الْجُمْلَةِ فَقَلَّ الْغَرَرُ فِيهَا وَتَفَاوَتَ أَمْرُهَا وَيَجُوزُ مِنْ الْمُبْتَاعِ الِانْتِفَاعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا بَقِيَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْمُبْتَاعِ لَيْسَ بِمَبِيعٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهْلُ بِصِفَةٍ وَلَا كَثِيرُ الْغَرَرِ وَمَا بَقِيَ لِلْمُبْتَاعِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ هُوَ الْمَبِيعُ فَفَسَدَ الْبَيْعُ بِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَجَهْلِهِ بِالصِّفَةِ.

[ما يكره من بيع التمر]

اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَبِيعُونَنِي الْجَنِيبَ بِالْجَمْعِ صَاعًا بِصَاعٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ] (ش) : وَهَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالرُّوَاةُ يَقُولُونَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا حُكْمُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَإِذَا اخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ مُبَاحٌ غَيْرُهُ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ وَقَدْ ذُكِرَتْ كُلُّهَا فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى لَا مَا اخْتَلَفَتْ أَوْزَانُهُ» وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَذَكَرَ مَعَهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ بَعْضُ الْمَقَالِ فَهَذَا الْمِقْدَارُ مِنْهُ قَدْ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةُ النَّاسِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ أُصُولٌ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ لِفُرُوعٍ لَاحِقَةٍ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَعْيَانِ تِلْكَ الْفُرُوعِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّيَةِ إلَيْهَا وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا دُونَ سَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَرْبَعَةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّفَاضُلُ حَرَامًا فِي كُلِّ شَيْءٍ لِحَقِّ الْعُمُومِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ فَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فِيمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ جِنْسٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَطْعُومُ جِنْسٍ فَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ مُقْتَاتُ جِنْسٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ لِلْأَكْلِ غَالِبًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي مَعْنَى الِادِّخَارِ لِلْأَكْلِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ فَلَا تَجُوزُ الْفَوَاكِهُ الَّتِي تَيْبَسُ وَتُدَّخَرُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَجِيءَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ لِلِاقْتِيَاتِ فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الَّتِي تَيْبَسُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُقْتَاتَةِ وَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْبَيْضِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَاتَةً فَلَيْسَتْ بِمُدَّخَرَةٍ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أُجْرِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ الْحَدِيثِ فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا نُرَاعِي الِاقْتِيَاتَ وَهُوَ لَا يُرَاعِيهِ بَلْ يُعَدِّي ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَوْزُونٍ وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّنَا نُعَدِّي الْعِلَّةَ إلَى قَلِيلِ الْمُقْتَاتِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَهُوَ لَا يُعَدِّيهَا إلَيْهِ وَيُجَوِّزُ فِيهِ التَّفَاضُلَ وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ يُعَدِّي الْعِلَّةَ إلَى كُلِّ مَطْعُومٍ مِنْ السَّقَمُونْيَا وَشَحْمِ الْحَنْظَلِ وَالْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا وَنَحْنُ نَقْصُرُهَا عَلَى مَا يُقْتَاتُ مِنْ الْمَطْعُومِ وَلَنَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ نَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنْ نَدُلَّ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ. وَالدَّلِيلُ لَنَا عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى التَّمَاثُلِ فِي الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قُلْنَا فِيهِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَصَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ وَالْجِنْسِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ إلَى ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرْبِزَ وَالْبِطِّيخَ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَلَا ذَكَرَ السَّقَمُونْيَا وَلَا الطَّبَاشِيرَ وَلَا الْأَسَارُونَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى الْأَدْوِيَةِ وَلَا ذَكَرَ الْجِيرَ وَلَا الرَّمَادَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْجِنْسَ لَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا. وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ الْمُسَمَّيَاتِ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى عِلَّةِ الرِّبَا فِيهَا فَأَتَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَالْمَعْنَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ أَخَصُّ صِفَةٍ تُوجَدُ فِيهَا وَوَجَدْنَا التَّمْرَ يُؤْكَلُ قُوتًا وَيُؤْكَلُ حَلَاوَةً وَتَفَكُّهًا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِهِ لَلَحِقَتْ بِهِ الْحَلَاوَاتُ وَالْفَوَاكِهُ خَاصَّةً وَوَجَدْنَا الشَّعِيرَ يُؤْكَلُ مِنْ أَدْنَى الْأَقْوَاتِ وَيَكُونُ عَلَفًا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ أَدْنَى الْأَقْوَاتِ خَاصَّةً دُونَ أَعْلَاهَا وَلَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْعَلَفُ مِنْ الْقَضْبِ وَالْقُرْطِ وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ مِمَّا يُصْلِحُ الْأَقْوَاتَ وَيُطَيِّبُهَا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْأَقْوَاتُ الْمُصْلَحَةُ وَلَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ الْمَاءُ وَالْبُقُولُ الَّتِي يَصْلُحُ بِهَا الْبِطِّيخُ وَوَجَدْنَا الْبُرَّ أَرْفَعَ الْأَقْوَاتِ وَمَا يُقْتَاتُ عَامًا فَلَوْلَا اقْتِرَانُ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ بِهِ لَقَصَرْنَا حُكْمَهُ عَلَى رَفِيعِ الْأَقْوَاتِ وَمَنَعْنَا الرِّبَا أَنْ يَجْرِيَ فِي أَدْوَنِهَا أَوْ يَجْرِيَ فِي الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعُمُّ اقْتِيَاتُهُ وَلَوْ أَرَادَ عُمُومَ الْعِلَّةِ لَاكْتَفَى بِاسْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ كُلَّمَا كَثُرَتْ أَوْصَافُ الْعِلَّةِ كَانَتْ أَخَصَّ وَكُلَّمَا قَلَّتْ كَانَتْ أَعَمَّ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ مَا قَالُوهُ إنَّ كُلَّ جِنْسٍ ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا لِعِلَّةٍ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ عِلَّتِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَمَّا ثَبَتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةِ الْوَزْنِ عِنْدَهُمْ وَبِعِلَّةِ أَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ عِنْدَنَا لَمْ يَزُلْ حُكْمُ الرِّبَا عَنْهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَا مِنْ نِقَارٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ سِكَّةٍ أَوْ صِيَاغَةٍ جَرَتْ مَوْزُونَةً أَوْ عَدَدًا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْحِنْطَةِ إذَا طُحِنَتْ وَخُبِزَتْ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرِّبَا ثَابِتًا فِيهَا أَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حَصَلَ أَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَاتِ عَلَيْهَا أَخْرَجَهَا عَنْ عِلَّتِهَا فِي الرِّبَا وَأَوْجَبَ أَنْ يُعَلَّلَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِبُطْلَانِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الصِّفَاتِ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا يُسْقِطُ الرِّبَا عَنْهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِي قَلِيلِ الْحِنْطَةِ فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَهَذَا عَامٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ حَرُمَ التَّفَاضُلُ فِي كَثِيرِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي قَلِيلِهِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِمَّا يَخْتَصُّ بِالشَّافِعِيِّ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي التَّفَاضُلِ لَمَّا تَعَلَّقَتْ بِالْجَوَاهِرِ الْمَعْدِنِيَّةِ تَعَلَّقَتْ بِأَرْفَعِهَا وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ دُونَ أَدْوَنِهَا وَهُوَ الرَّصَاصُ وَالْآنُكُ وَالنُّحَاسُ وَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِالْمَطْعُومِ وَجَبَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِأَرْفَعِهِ وَهُوَ الْمُقْتَاتُ دُونَ غَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَقْصُرُ عَلَى كُلِّ مَأْكُولٍ مُقْتَاتٍ دُونَ مَا يُؤْكَلُ عَلَى وَجْهِ التَّفَكُّهِ أَوْ التَّدَاوِي فَجَرَى الرِّبَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْعَلَسِ وَالْأُرْزِ وَالدَّخَنِ وَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالزَّبِيبِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ وَالْمِلْحِ وَالْأَبْزَارِ وَالْفُلْفُلِ وَالْكَرَوْيَاءِ وَحَبِّ الْكُزْبَرِ وَالْقِرْفَةِ وَالسُّنْبُلِ وَالْخَرْدَلِ وَالْقُرْطُمِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَدَكِ الرُّءُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْتَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ عَادَاتِ الْبِلَادِ فِي ذَلِكَ وَاتِّفَاقِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابُنَا فِي الشَّمَرِ وَالْأَنِيسُونِ وَالْكَمُّونِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ مِمَّا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَقْوَاتِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّمَارَ وَالْأَنِيسُونَ وَالْكَمُّونَ الْأَسْوَدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخُبْزِ عَلَى مَعْنَى تَطْيِيبِهِ وَتَحْسِينِ طَعْمِهِ وَالْكَمُّونُ الْأَبْيَضُ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّبْخِ كَالْفُلْفُلِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْخُبْزَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ صِنَاعَةُ الْأَبْزَارِ غَالِبًا وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إصْلَاحِ الْقُوتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصْفَ الْعِلَّةِ الِادِّخَارَ لِلْأَكْلِ دُونَ الِاقْتِيَاتِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ الرِّبَا فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالصَّنَوْبَرِ وَالْفُسْتُقِ وَأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا الَّتِي تُدَّخَرُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَوَاكِهِ الَّتِي يَقِلُّ ادِّخَارُهَا كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ وَالْإِجَّاصِ وَعُيُونِ الْبَقَرِ وَالْمَوْزِ مِمَّا يُدَّخَرُ وَيَيْبَسُ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ وَيَيْبَسُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ إنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرُّمَّانِ زَادَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَالْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَعُيُونِ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَيْبَسُ وَإِنْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَابْنُ نَافِعٍ عَلَى أَنَّ الْبِطِّيخَ وَالْخِرْبِزَ وَالْقِثَّاءَ وَالْأُتْرُجَّ وَالْخَوْخَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا لَا تَيْبَسُ وَلَا تُدَّخَرُ غَالِبًا وَمِنْهَا مَا لَا يَيْبَسُ بِوَجْهٍ كَالْمَوْزِ، وَأَمَّا الرُّمَّانُ فَإِنْ يَبِسَ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَيْبَسُ كَالْخَوْخِ وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى فَإِنَّهُ لَا يَيْبَسُ غَالِبًا وَلَا تُعَلَّلُ الْأَحْكَامُ بِمَا يَنْدُرُ وَهَذَا عَلَى مَا أَصَابَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ الرُّمَّانِ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَالَ مَا يَيْبَسُ مِنْهُ لَا يَكُونُ فَاكِهَةً فَحُكْمُهُ فِي الْفَاكِهَةِ حُكْمُ مَا لَا يَيْبَسُ بِوَجْهٍ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُدَّخَرُ لِلْأَكْلِ وَيَبْقَى بِأَيْدِي النَّاسِ عَلَى حَالِهِ الْمُدَّةَ مِنْ الْعَامِ فَجَرَى فِيهِ الرِّبَا كَالْجَوْزِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مِمَّا يُدَّخَرُ فَسَائِغٌ فِي جَمِيعِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَيْبَسُ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الْجَوْزِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الرُّمَّانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَيْبَسُ قِشْرُهُ إلَّا عَلَى الْحَافِظِ لِرُطُوبَةِ الْحَبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَجِبُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا الْبُرْقُوقُ وَالْجَرَاسْيَا فَإِنَّهُمَا يُرَبَّبَانِ عَلَى وَجْهِ مَا يُرَبَّبُ عَلَيْهِ الْخَوْخُ وَالْكُمَّثْرَى وَالتُّفَّاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - وَمَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتَ لَمْ يُجِزْ الرِّبَا إلَّا فِي كُلِّ مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مُدَّخَرًا غَيْرَ مُقْتَاتٍ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ أَوْ مُقْتَاتًا غَيْرَ مُدَّخَرٍ كَالْبَيْضِ فَلَا يَجْرِي فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الرِّبَا وَعَلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْكُمَّثْرَى وَعُيُونِ الْبَقَرِ وَالْخَوْخِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يُدَّخَرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعْتَادٍ فِيهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فَقِيلَ لَهُ «إنَّ عَامِلَك عَلَى خَيْبَرَ يَأْخُذُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ» ظَاهِرُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فَاشِيًا وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقُرْبِ حُدُوثِ هَذَا الْحُكْمِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَامِلُهُ وَلَا عَلِمَ بِهِ مَنْ عَلِمَ اسْتِجَازَةَ عَامِلِهِ لِلتَّفَاضُلِ فِيهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَلَا أَنْهَاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُقْدِمُ عَلَى خَيْبَرَ عَامِلًا إلَّا مَنْ يَفْقَهُ وَيَعْلَمُ صَلَاحَ حَالِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْهُ أَصْحَابُهُ عَلَى الْعَامِلِ حِينَ عَلِمُوا عَمَلَهُ بِهِ حَتَّى سَمِعُوا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْعَامِلَ بِخَيْبَرَ يَعْمَلُ بِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ وَقْتَ ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُدْعُوهُ لِي» ظَاهِرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيَعْلَمَ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَلِيَمْنَعَهُ مِنْ مَحْظُورَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ وَأَنَّ الدَّاعِيَ لَهُ إلَى ذَلِكَ تَفَاضُلُ التَّمْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يُعْطِيهِ الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ مُتَمَاثِلًا نَهَاهُ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبَيَّنَ لَهُ الطَّرِيقَ إلَى تَحْصِيلِ غَرَضِهِ مِنْ أَخْذِ الْجَيِّدِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الرَّدِيءِ بِأَنْ يَبِيعَ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ وَيَبْتَاعَ بِهَا الْجَنِيبَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ «سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَعْدٌ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] . وَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعَامِلَ بِرَدِّ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ رَوَى أَمْرَهُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْهُ قَالَ «كَانَ عِنْدِي تَمْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت تَمْرًا أَخْيَرَ مِنْهُ فَاشْتَرَيْت صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْت بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا هَذَا فَقُلْت لَهُ اشْتَرَيْته صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَقَالَ رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا» . وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ «رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا» فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْمَرْ هَذَا بِرَدِّ بَيْعِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَيْعُهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ لِلسَّامِعِ مَنْ يَسْتَحِلَّهُ وَيَرَى اسْتِدَامَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَامَلَ بِذَلِكَ كِتَابِيَّانِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَنْ تَقَابَضَا فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ بِيَاعَاتِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا رَجَّعَ النِّسَاءَ عَلَيْهِمْ بِمُهُورِهِنَّ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّانِي فَكَانَ الَّذِي أَسْلَمَ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ لَمْ يَأْخُذْ لَهُ إلَّا مِثْلَ مَا أَعْطَى وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «وَضَعَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَسْلَمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِ إلَّا مَا أَخَذَ أَخَاف أَنْ أَظْلِمَ الذِّمِّيَّ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِالرِّبَا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ سُلِّمَ إلَيْهِ فِيهِمَا دِينَارٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالدِّينَارَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا وَجَبَ إسْقَاطُ الرِّبَا وَتَرَاجَعَا غَيْرَهُ، وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ تَعَامُلَهُمَا حِينَ الْعَقْدِ لَمْ يَمْنَعْهُ الْإِسْلَامُ وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ مُسْتَدِيمٌ اسْتِبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْعَقْدِ لَا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ يُرَاعَى وَقْتُ التَّعَامُلِ وَوَقْتُ الْأَدَاءِ فَهُوَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَيَجِبُ أَنْ يَغْلِبَ فِيهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِلَالٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّحْرِيمِ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا وَقَعَ مِنْهُ الْيَوْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ وَقَعَ مِمَّنْ عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجَنِيبُ: الْكَبِيسُ، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الْمِصْرِيُّ الْجَنِيبُ: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خِلْطٌ وَالْجَمْعُ الْمُخْتَلِطُ وَقَالَ كُرَاعٌ فِي الْمُنَظَّمِ الْجَنِيبُ مِنْ التَّمْرِ: هُوَ الْمَتِينُ. (ش) : الْبَيْضَاءُ هِيَ الْمَحْمُولَةُ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يَكُونُ بِمِصْرَ وَالسَّمْرَاءُ نَوْعٌ آخَرُ يَكُونُ بِالشَّامِ وَهِيَ أَفْضَلُ جَوْدَةً مِنْ الْمَحْمُولَةِ فَسُؤَالُ سَعْدٍ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فِي السُّلْتِ بِالْمَحْمُولَةِ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَفْضَلَ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ وَفِي الْمُزَنِيَّة سَأَلْته عَنْ كَرَاهِيَةِ سَعْدٍ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ هَلْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنْ كَانَ الْمَسْئُولُ قَدْ جَاوَبَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ خَاصَّةً فَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى التَّفَاضُلِ فِي الصِّفَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفْضَلَ فِي الْقَدْرِ يَعْنِي بِذَلِكَ أَكْثَرَ كَيْلًا وَفِي هَذَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَعْدٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ عَيْنًا مِنْ السُّلْتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتَدَلَّ سَعْدٌ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرُّطَبِ

[ما جاء في المزابنة والمحاقلة]

مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّمْرِ لِأَجْلِ التَّفَاضُلِ وَلَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لِجَوْدَةِ الْعَيْنِ لَمَا صَحَّ اسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ وَنَهْيُ سَعْدٍ عَنْ التَّفَاضُلِ فِي السُّلْتِ بِالْبَيْضَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ أُخِذَ حُكْمُهُمَا مِنْ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ السُّلْتَ وَالْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَفِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخَذَ سَعْدٌ حُكْمَ السُّلْتِ بِالْبَيْضَاءِ مِنْ حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَحْفَظُ عَنْهُ قِصَّةً أَوْ دَعْوَى أَوْ قَضِيَّةً إلَّا وَجَمِيعُهَا أَوْ مُعْظَمُهَا الْقِيَاسُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرُّطَبِ أَيَنْقُصُ إذَا يَبِسَ تَعْلِيمٌ لِلْقِيَاسِ وَتَنْبِيهٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إذَا يَبِسَ وَلَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ التَّفَاضُلُ فِي هَذَا الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَأَنَّ رُطَبَهُ كَانَ فِيهِ غَرَضٌ لَا يَكُونُ فِي يَابِسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ جِنْسِهِ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا لِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا مِنْ الِاسْمِ أَوْ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ إذَا اتَّفَقَا فِي مُعْظَمِهَا وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي مَصْعَبٍ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ حَوْلَهُ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ جَمِيعِهِمْ وَتَقْرِيرَهُمْ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ مَوْجُودَةٌ مُسَلَّمَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَمَّا قَالُوا نَعَمْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ نُقْصَانُهُ وَاقْتَضَاهُ بِمَنْعِ التَّسَاوِي فِيهِ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْجُفُوفِ أَيْضًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَسَاوِيًا وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ سَالِمٍ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» وَقَالَ «لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ» وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ» وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا بِيعَ مِنْهُ مَجْهُولٌ بِمَعْلُومٍ فَلَمْ يَجُزْ أَصْلُهُ بَيْعُ الشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا كَانَ أَصْلُهُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ فَصَارَ عَلَى صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَخْتَلِفُ بِهِمَا اسْمُهُ وَالْغَرَضُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَسَاوِيًا كَالْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِالْكَبِيرِ وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَا خَالَفَ صِنْفَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ مُتَسَاوِيًا فَرَآهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنَعَ مِنْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَجُوزُ التَّسَاوِي بَعْضُهُ بَعْضٍ حَالَ الْجُفُوفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّسَاوِي فِيهِمَا حَالَ رُطُوبَتِهِ كَالْجُبْنِ بِالْجُبْنِ وَالزُّبْدِ بِالزُّبْدِ وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ التَّمْرُ قَدْ أُنْصِفَ بِأَنْ يَكُونَ نِصْفُ التَّمْرِ بُسْرًا وَنِصْفُ التَّمْرِ قَدْ أَرْطَبَ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. [مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ] (ش) : قَوْلُهُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اسْمٌ لِبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ وَرَطْبِ كُلِّ جِنْسٍ بِيَابِسِهِ وَمَجْهُولٍ مِنْهُ بِمَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّ الرُّطَبَ وَإِنْ عُرِفَ كَيْلُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ مِنْ التَّمْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ عِوَضًا مِنْهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ عَنْ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ وَعَنْ مَعْرِفَةِ التَّسَاوِي وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الزَّبْنُ وَالزَّبَانُ هُوَ الْخَطَرُ وَالْخِطَارُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَا مَكِيلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ أَحَدِهِمَا وَيَجُوزُ أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ تَفْسِيرًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا مِنْ الرَّاوِي إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاتِّصَالِهِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ فَهُوَ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذَأ أَمْرٌ طَرِيقُهُ اللُّغَةُ وَابْنُ عُمَرَ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا التَّفْسِيرِ فِيهِ فَرَوَى زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ دَلُّوا بِهِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمًّى إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِيهِ التَّفْسِيرَانِ وَمَا قُلْنَاهُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَأْلِيفِ مَشْهُورِ جَمَاعَةٍ يَبْلُغُونَ التَّوَاتُرَ وَرَوَى التَّفْسِيرَ الَّذِي ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعَانِ مَمْنُوعَيْنِ فَإِنَّ اسْمَ الْمُزَابَنَةِ وَاقِعٌ عَلَيْهِمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا يُرِيدُ الْعِنَبَ وَسُمِّيَ الْعِنَبُ كَرْمًا وَإِنْ كَانَ الْكَرْمُ شَجَرَ الْعِنَبِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إنَّمَا سُمِّيَ الْكَرْمُ كَرْمًا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمَشْرُوبَةَ مِنْ عِنَبِهِ تَحُثُّ عَلَى السَّخَاءِ وَتَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَمَّى أَصْلُ الْخَمْرِ بِاسْمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْكَرَمِ وَجَعَلَ الْمُؤْمِنَ أَحَقَّ بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِنَبَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنَافِعُ وَرِزْقٌ وَخِصْبٌ لِمَنْ رُزِقَهُ فَإِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ أَكْثَرُ خَيْرًا وَأَنْفَعُ لِنَفْسِهِ وَلِلنَّاسِ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى الْكَرْمُ كَرْمًا وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْقُلْهُ النَّاسُ عَنْ النَّهْيِ وَلَا امْتَنَعُوا مِنْ تَسْمِيَةِ شَجَرِ الْعِنَبِ كَرْمًا وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَفْضِيلَ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» فَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا فَإِنَّهُ مُتَأَتٍّ فِيهِ وَبِهِ يُعْتَبَرَانِ جَمِيعًا، وَأَمَّا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَأَتٍّ فِيهِ إلَّا الْوَزْنُ وَلَا يُبَاعُ الْعِنَبُ كَيْلًا بِوَجْهٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْكَيْلِ فِي مَعْرِفَةِ التَّسَاوِي وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى الْوَزْنُ كَيْلًا فَيُقَالُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَيْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِنَبَ جُزَافًا وَالزَّبِيبَ كَيْلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَتَحَرَّى فِي الْعِنَبِ مَكِيلَةَ الزَّبِيبِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجَازَةِ التَّحَرِّي فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَأَجَازَهُ فِي الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ وَفِي الْحَالُومِ الرَّطْبُ بِالْيَابِسِ وَفِي الزَّيْتُونِ الْغَضِّ بِالْمَالِحِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَهُ مَعَ الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهِ فِي الْقَدِيدِ بِاللَّحْمِ الطَّرِيِّ مَرَّةً وَمَنَعَهُ أُخْرَى. وَرُوِيَ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ قَالَ وَمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ تَحَرِّيًا وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَالْعَسَلُ لَا يَجُوزُ إلَّا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ فَيَجُوزُ مَعَ تَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ وَيُمْنَعُ مَعَ وُجُودِهَا وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ بِكُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ الْمَبِيعُ كَخَرْصِ الْعَرِيَّةِ وَالزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يَجُوزُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إلَّا فِي الْأَسْفَارِ وَحَيْثُ تُعْدَمُ الْمَوَازِينُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَوَازِينِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِتَجْوِيزِهِ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ بِالتَّحَرِّي فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ يُعْدَمُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا يُعْدَمُ الْمِيزَانُ وَالْقَبْضَةُ فَلَيْسَتْ بِمِقْدَارٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْمُسَاوَاةُ لِتَعَذُّرِ بَقَائِهَا عَلَى شَكْلٍ وَاحِدٍ وَهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ الْمُعْتَادِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ التَّحَرِّيَ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ جَائِزٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي يَسِيرِهِ دُونَ كَثِيرِهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ يَتَعَذَّرُ فِيهِ التَّحَرِّي وَيُخَافُ فِيهِ الْخَطَأُ وَقِلَّةُ الْإِصَابَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ يَرْضَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا أَنَّهُ لَا يُخَافُ فِيهِ التَّفَاضُلُ الَّذِي فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّحَرِّي فَقَدْ جَوَّزَهُ مَالِكٌ فِي الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ وَالْبَيْضِ بِالْبَيْضِ وَاللَّحْمِ بِاللَّحْمِ أَمَّا الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا إنَّهُ يَتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ الدَّقِيقِ دُونَ وَزْنِ الْخُبْزِ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بَعْضُهُ أَرْطَبُ مِنْ بَعْضٍ فَلَا تَصِحُّ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ بِالْوَزْنِ وَهَذَا لَا يَكَادُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي اعْتِبَارِهِ بِالرُّطُوبَاتِ الْبَاقِيَةِ فِي حَالِ الِادِّخَارِ وَلِذَلِكَ مَنَعَ التَّمْرَ الْقَدِيمَ بِالْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ الْمَطْعُومُ مَعَ الرُّطُوبَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ غَالِبًا كَالْفُولِ الْمَبْلُولِ وَالْقَمْحِ الْمَبْلُولِ وَالْعَجِينِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسَاوِي وَالثَّانِي أَنْ يُؤْكَلَ بِوُجُودِهَا غَالِبًا كَرُطُوبَةِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْخُبْزِ وَخَلِّ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالْمَخِيضِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسَاوِي طَارِئَةً كَانَتْ أَوْ أَصْلِيَّةً فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ وَزْنًا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَحَرِّي الدَّقِيقِ فَإِنَّهُ قَدْ صَارَ جِنْسًا آخَرَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَخِيضِ كَيْلًا وَلَا يُتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ اللَّبَنِ وَيَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ كَيْلًا وَلَا يُتَحَرَّى مَا فِيهِ مِنْ التَّمْرِ وَرُبَّمَا كَانَ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ وَاتَّفَقَ ظُهُورُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْهُمْ فِي أَحَدِهِمَا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِهِ وَظُهُورُ الْقَوْلِ الثَّانِي فِي فَرْعٍ آخَرَ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ لَهُمْ كَثِيرٌ فَيَجِبُ تَتَبُّعُهُ وَرَدُّ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَصْلِهِ. وَقَدْ رَوَى فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَعْكِ بِالْخُبْزِ مُتَفَاضِلًا مُتَمَاثِلًا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْقَدِيدِ بِالنِّيءِ عَلَى التَّحَرِّي ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَدِيدَ النِّيءَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا صَنْعَةٌ تُخْرِجُهُمَا أَوْ تُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ أَصْلِهِ وَالْكَعْكُ وَالْخُبْزُ قَدْ وُجِدَتْ فِيهِمَا صَنْعَةٌ أَخْرَجَتْهُمَا عَنْ أَصْلِهِمَا كَخَلِّ التَّمْرِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى فِيهِ الْمُمَاثَلَةَ وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) : وَقَوْلُهُ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمُزَابَنَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَجْهَلَ قَدْرَ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْصِدُ إلَى غَبْنِ صَاحِبِهِ فِي مَبْلَغِ التَّمْرَتَيْنِ وَإِلَى أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِي وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَبِيعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَضَرْبٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَأَمَّا مَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ حُكْمِهِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ، وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ يَابِسُهُ بِرُطَبِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَتَنَجَّزُ فِيهِ وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْض؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ وَلَا يَجُوزُ رُطَبُهُ بِيَابِسِهِ وَلَا رُطَبُهُ بِرُطَبِهِ وَلَا يَابِسُهُ بِيَابِسِهِ جُزَافًا فِيهِمَا وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ بِالْكَيْلِ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ التَّفَاضُلُ فِي أَحَدِهِمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَبِيعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْعُومًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الْجُزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ اُبْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّرُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ النَّوَى أَوْ الْقَضْبِ أَوْ الْعُصْفُرِ أَوْ الْكُرْسُفِ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الْقَزِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ لَا يَعْلَمُ كَيْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا وَزْنَهُ وَلَا عَدَدَهُ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ كِلْ سِلْعَتَك هَذِهِ أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ أَوْ اُعْدُدْ مِنْهَا مَا كَانَ يُعَدُّ فَمَا نَقَصَ عَنْ كَيْلِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا لِتَسْمِيَةٍ يُسَمِّيهَا أَوْ وَزْنِ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا أَوْ عَدَدِ كَذَا وَكَذَا فَمَا يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوَفِّيَك تِلْكَ التَّسْمِيَةَ وَمَا زَادَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ لِي أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا وَلَكِنَّهُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْغَرَرُ وَالْقِمَارُ يَدْخُلُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ أَخْرَجَهُ وَلَكِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ مَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ أَخَذَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا نَقَصَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهْيُ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ وَجْهُ الْمُحَاقَلَةِ فِيهَا أَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْمُشْتَرَاةَ مِنْهَا فِي اكْتِرَائِهَا إنَّمَا هِيَ لِمَنْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ حِنْطَةً فَهُوَ يُؤَوَّلُ إلَى بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ جُزَافًا بِجُزَافٍ أَوْ جُزَافًا بِكَيْلٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُكْتَرِي حِنْطَةٌ وَاَلَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ حِنْطَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا مُسْتَقْصًى فِي كِتَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ التَّفْسِيرُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ فِي لُغَةٍ وَلَا شَرْعٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ فَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْعَيْنِ لُغَةً وَلَا شَرْعًا. (ش) : قَوْلُهُ وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ يُرِيدُ أَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ وَأَنَّ اسْمَ الْمُحَاقَلَةِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَأَمَّا اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ فَعَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مَبْلَغُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَقَدْ سُمِّيَ ذَلِكَ مُزَابَنَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِطَعَامٍ كَيْلًا» وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى هَذَا اسْمُ الْمُزَابَنَةِ وَاقِعٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَمَعْنَاهَا مُتَقَارِبٌ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْمُزَابَنَةِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا وَاسْمَ الْمُحَاقَلَةِ خَاصٌّ فِي الزَّرْعِ وَالْمُخَاضَرَةِ خَاصٌّ فِي الْخُضْرَةِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ إنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

هِبَةٍ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ فَهَذَا يُشْبِهُ الْقِمَارَ، وَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا مِنْ الْأَشْيَاءِ فَذَلِكَ يَدْخُلُهُ. قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الثَّوْبُ أَضْمَنُ لَك مِنْ ثَوْبِك هَذَا كَذَا وَكَذَا ظِهَارَةَ قَلَنْسُوَةٍ قَدْرُ كُلِّ ظِهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا الشَّيْءُ يُسَمِّيهِ فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوَفِّيَكَهُ وَمَا زَادَ فَلِي أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَضْمَنُ لَك مِنْ ثِيَابِك هَذِهِ كَذَا وَكَذَا قَمِيصًا ذَرْعُ كُلِّ قَمِيصٍ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِي أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْجُلُودُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أَقْطَعُ جُلُودَك هَذِهِ نِعَالًا عَلَى إمَامٍ يُرِيهِ إيَّاهُ فَمَا نَقَصَ مِنْ مِائَةِ زَوْجٍ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي بِمَا ضَمِنْت لَكَ. وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عِنْدَهُ حَبُّ الْبَانِ: أَعْصِرْ حَبَّك هَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا فَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَهُ وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْ ضَارَعَهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الْخَبْطُ أَوْ النَّوَى أَوْ الْكُرْسُفُ أَوْ الْكَتَّانُ أَوْ الْقَضْبُ أَوْ الْعُصْفُرُ أَبْتَاعُ مِنْك هَذِهِ الْحِنْطَةَ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ خَبْطٍ بِخَبْطٍ مِثْلَ خَبْطَةٍ أَوْ هَذَا النَّوَى بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ نَوًى مِنْ مِثْلِهِ وَفِي الْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ وَالْكَتَّانِ وَالْقَضْبِ مِثْلُ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ) . جَامِعُ بَيْعِ الثَّمَرِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرًا مِنْ نَخْلٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ حَائِطٍ مُسَمًّى أَوْ لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ مُسَمَّاةٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ يُؤْخَذُ عَاجِلًا يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَةِ زَيْتٍ يَبْتَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ كُلَّ مَالِهِ مِقْدَارٌ يُبَاع بِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ بِيعَ مِنْهُ مَعْلُومٌ بِمَجْهُولٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالثَّانِي مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ الْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي وَهُوَ مُجْرَى فِي الْمَنْعِ مُجْرَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَيَدْخُلُهُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مَعَ إمْكَانِ التَّفَاضُلِ وَالتَّسَاوِي الْغَرَرُ وَالْقَصْدُ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِأَنْ يَغْبِنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَبَيَّنَ التَّسَاوِي بِالتَّحَرِّي أَوْ تَبَيَّنَ التَّفَاضُلُ جَازَ وَذَلِكَ لِلْبُعْدِ عَنْ قَصْدِ الْمُخَاطَرَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الطَّعَامُ وَالْمُصَبَّرُ كِلْ صُبْرَتَك هَذِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجُزَافِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَتَاهُ مَنْ قَالَ لَهُ اضْمَنْ لِي مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ مِقْدَارَ كَذَا وَكَذَا فَمَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَيَّ وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ الْمُخَاطَرَةِ وَالْمُقَامَرَةِ وَأَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَأَنَّ الَّذِي يَبِيعُ الْجُزَافَ بِالْمَكِيلِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ آلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ فِي صُبْرَةٍ صُبْرَةٌ مِثْلُهَا مِنْ جِنْسِهَا لَا يَعْلَمُ مُمَاثَلَتَهَا لَهَا وَلَا فَضْلَهَا عَلَيْهَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ غَبْنَهُ فِي كَيْلِهَا بِجِنْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي يُعْطِيهِ أَفْضَلَ فَقَدْ ضَمِنَ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ صُبْرَتِهِ عَمَّا قُدِّرَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَقَدْ كَانَ لَهُ الْفَضْلُ فَلِذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ الْمَكِيلَ فِي الْجُزَافِ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَمِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْجُزَافِ مِنْهُ بِالْجُزَافِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْجُزَافَ بِالْجُزَافِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْقَصْدُ فَيُعْلَمَ أَنَّ غَرَضَهُ عَنْ الْمَبْلَغِ وَالْمُخَاطَرَةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ.

[جامع بيع الثمر]

مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَيُعْطِيهِ ذَهَبَهُ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ لَهُ مِنْهَا فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ انْشَقَّتْ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ. قَالَ مَالِكٌ، وَأَمَّا كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا يُشْتَرَى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إذَا حُلِبَ وَالرُّطَبِ يُجْنَى فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ فَنِيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظْرَةٌ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ بَيْعِ الثَّمَرِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا مِنْ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَشْرَعُ فِي قَبْضِهِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ قَبْضُهُ بِأَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَكَوْنُ اللَّبَنِ فِي الْغَنَمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُ ثَمَرِ الْحَائِطِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْغَنَمِ لَبَنٌ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» ، وَأَمَّا لَبَنُ الْغَنَمِ فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مَائِعٌ طَاهِرٌ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ غَالِبًا فَجَازَ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَهَا كَمَاءِ الْعُيُونِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ هَذِهِ أُنْثَى ذَاتُ لَبَنٍ فَجَازَ أَنْ يُسْتَبَاحَ أَخْذُهُ بِالْمُعَارَضَةِ عَلَيْهِ دُونَهَا كَالطَّيْرِ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ إذَا كَانَ يُوجَدُ عَاجِلًا يَشْرَعُ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الثَّمَنَ يُرِيدُ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ النُّضْجِ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَمَامِ النُّضْجِ وَالْإِرْطَابِ كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُؤَخِّرُ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ طَلَبًا لِلْإِرْطَابِ أَوْ لِبَقَاءِ النَّضَارَةِ فِيهَا لِيُؤَخَّرَ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِنَضَارَتِهَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي تَأَخُّرِهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَهَذَا فِيمَا يَشْرَعُ فِيهِ مِنْهُ، وَأَمَّا اتِّصَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَخْذًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ أَوْ لِبَقَاءِ حَلَاوَةِ مَا يَحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَأَمَّا الصُّوفُ يُشْتَرَى عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ بِقَدْرِ مَا يَنْظُرُ فِي جَزِّهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مُدَّةً لَا يَزِيدُ الصُّوفُ فِي مِثْلِهَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ الْعَشَرَةَ أَيَّامٍ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ شِرَاءَ الثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْوَجْهَيْنِ وَبَقِيَ تَبْيِينُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ إذَا اشْتَرَى مِنْهُ أَصْوُعًا مَعْرُوفَةً فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهُ عَلَى حَالِهِ وَصِفَتِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهُ بَعْدَ تَغَيُّرِ صِفَتِهِ فَأَمَّا أَخْذُهُ عَلَى حَالِهِ بُسْرًا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ أَصْوُعِ تَمْرٍ مِنْ صُبْرَةٍ أَوْ اشْتِرَاءِ أَصْوُعِ رُطَبٍ أَوْ بُسْرٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَإِنْ اشْتَرَطَ إبْقَاءَهُ إلَى تَغَيُّرِ صِفَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ حَالَ بُسْرِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ رُطَبًا أَوْ إلَى أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا فَإِنْ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ رُطَبًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْإِرْطَابَ إنَّمَا هُوَ نُضْجٌ وَلَيْسَ فِيهِ نُقْصَانٌ مِنْ الْقَدْرِ وَلَا زِيَادَةٌ وَلَا تَغَيُّرُ مَعْنًى أَكْثَرَ مِنْ النُّضْجِ فَجَازَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَ أَخْذَهُ تَمْرًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ حِينَ الْإِرْطَابِ وَاشْتَرَطَهُ تَمْرًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِفَتَهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ جُفُوفِهِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ يَلْحَقُهُ فِي الْمِقْدَارِ وَالصِّفَةِ وَذَلِكَ مُؤَثِّرٌ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ تَغَيُّرُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ إذَا أَفْرَكَ يُفْسَخُ فِيهِ الْبَيْعُ وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّغَيُّرَ يَلْحَقُهُ فِي الْمِقْدَارِ وَالصِّفَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ صَغِيرًا وَاشْتَرَطَ عِظَمَهُ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّرْعِ يُبَاعُ إذَا أَفْرَكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَرُدَّ؛ لِأَنَّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ لَا يَفُوتُ بِذَهَابِ الْعَيْنِ وَيُرَدُّ مِثْلُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَغَيُّرَهُ لَا يَتَفَاوَتُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُنْقَدْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَهُ تَمْرًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ مَعَانٍ إنْ وُجِدَتْ لَزِمَهُ الصِّفَةُ وَإِنْ عُدِمَتْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ وَلَعَلَّهُ قَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ لِهَذَا الْجِنْسِ مِنْ التَّمْرِ صِفَةً مُعْتَادَةً إنْ وُجِدَ عَلَيْهَا لِلْإِصَابَةِ فِي التَّجْفِيفِ وَمُحَاوَلَتِهِ وَسَلَامَتِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَاهَاتِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ عُدِمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ لِمُبَالَغَةٍ فِي التَّجْفِيفِ أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ أَوْ يُعْتَبَرُ بِمَعْنًى فِي مُدَّةِ التَّجْفِيفِ كَانَ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ بِالْخِيَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا اشْتَرَاهُ كَيْلًا، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ جُزَافًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ الْحَائِطِ وَيَشْتَرِطَ أَخْذَهُ تَمْرًا إلَّا لِمَنْ اشْتَرَاهُ جُزَافًا فَأَمَّا بِالْكَيْلِ فَلَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا شِرَاءُ لَبَنِ الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ مَكِيلَةً مِنْ لَبَنِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَشْرَعَ فِي أَخْذِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَ مَا يَقْبِضُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا يَبْقَى لَبَنُ تِلْكَ الْغَنَمِ إلَى مِثْلِهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ اللَّبَنِ مِقْدَارًا يَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ الْغَنَمِ لَا يَقْصُرُ عَنْهُ فِي الْأَغْلَبِ وَمِثْلُ هَذِهِ الشُّرُوطِ يُعْتَبَرُ فِي شِرَاءِ أَصْوُعٍ مِنْ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ لَبَنَهَا أَجْمَعَ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي سَوَائِمِ الْغَنَمِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي إبَّانِ اللَّبَنِ وَلِذَلِكَ يُضْرَبُ أَجَلٌ يُعْلَمُ أَنَّ لَبَنَهَا لَا يَنْقَطِعُ إلَى مِثْلِهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَتَهَا إلَى مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِيعَابِ أَنَّ الْمَقْثَأَةَ تُشْتَرَى بِأُصُولِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ مَنَافِعِهَا وَالْغَنَمُ لَمْ تُشْتَرَ رِقَابُهَا وَإِنَّمَا اُشْتُرِيَتْ مَنْفَعَةٌ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَضْرِبَ لِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ أَجَلًا يَتَقَدَّرُ بِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ قَدْ عَرَفَا قَدْرَ حِلَابِهَا حِينَ التَّبَايُعِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَدْرَ لَبَنِهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْوَامِ وَقُوَّتِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا فَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ قَدْرُ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْعَهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ وَقَعَ لَمْ أَفْسَخْهُ إذَا كَانَ فِي الْإِبَّانِ وَعُرِفَ وَجْهُ حِلَابِهَا وَالْغَرَرُ فِيهَا وَفِي الْعَدَدِ سَوَاءٌ وَهُوَ فِي الْوَاحِدَةِ أَثْقَلُ، وَجْهُ إجَازَتِهِ اعْتِبَارُهُ بِالْكَثِيرِ وَوَجْهُ نَفْيِهِ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ يَلْحَقُهَا التَّغَيُّرُ وَالنُّقْصَانُ وَالزِّيَادَةُ فَيَتَبَيَّنُ الْغَرَرُ، وَالْغَنَمُ الْكَثِيرَةُ يَحْمِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَلَا يَظْهَرُ فِي جُمْلَتِهَا تَغَيُّرٌ بِزِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَيَبْعُدُ الْغَرَرُ فِيهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اكْتَرَى نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً لِلسَّقْيِ أَوْ لِلْحَرْثِ أَشْهُرًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا عَرَفَ وَجْهَ حِلَابِهَا وَكَانَ الْإِبَّانُ، وَفَرَّقَ شُيُوخُنَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَنْعِ بِأَنَّ اللَّبَنَ فِي مَسْأَلَةِ النَّاقَةِ تَبَعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعَمَلُ وَالْمَقْصُودَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاةِ اللَّبَنُ فَأَثَّرَ فِي الْغَرَرِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا أَفْسَخُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يَبْتَاعَ وَمَا يُحْرَزُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ يُظَنُّ بَعْدُ مُؤَثِّرٌ فِي الْعَقْدِ كَجَائِحَةِ الثَّمَرَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ كَرِوَايَةِ زَيْتٍ يَبْتَاعُ مِنْهَا رَجُلٌ بِدِينَارٍ أَوْ بِدِينَارَيْنِ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ مِنْهَا، قِيَاسٌ صَحِيحٌ فِي شِرَاءِ مَكِيلَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ عَلَى شِرَاءِ مَكِيلَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْمَكِيلَةُ الَّتِي تُشْتَرَطُ وَلَوْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ تَخْتَلِفَ أَجْزَاؤُهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَنَمًا أَوْ نَخْلًا وَاشْتَرَى مِنْهَا عَدَدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ خِيَارًا لَكَانَ شَرِيكًا فِي الْجُمْلَةِ بِقَدْرِ عَدَدِ مَا اشْتَرَى مِنْ عَدَدِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ انْشَقَّتْ الرَّاوِيَةُ فَذَهَبَ زَيْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا ذَهَبُهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَطَ الْكَيْلَ عَلَى الزَّيْتِ وَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ الْمُبْتَاعُ بِالْكَيْلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ لَمْ يَتَنَاهَ صَلَاحُهَا وَالْمُسْلَمُ فِيهِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ بِالْعَقْدِ الْحَاضِرِ وَالثَّوْبُ وَالصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَالثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَابِسَةً وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَأَمَّا مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ فَضَمَانُهُ قَبْلَ تَوْفِيَتِهِ بِذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَسْلِيمِهِ لَا يَسْتَطِيعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ إلَّا بَعْدَ التَّوْفِيَةِ كَاَلَّذِي فِي الذِّمَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يُذْرَعُ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ ابْتَاعَ دَارًا غَائِبَةً مُذَارَعَةً أَوْ حَائِطًا عَلَى عَدَدِ النَّخْلِ فَهَلَكَتْ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ بَائِعِهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ وَالْحَوَائِطَ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا عَلَى الذَّرْعِ وَكَانَ ذَلِكَ وَجْهَ اسْتِيفَائِهَا تَعَلَّقَتْ بِضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يُوَفِّيَهَا إيَّاهُ بِالْعَدَدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَتَقَدَّرُ بِهِ الْمَبِيعُ فَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي تَوْفِيَتِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهُنَا أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ فَحَاجَتُهَا إلَى بَقَائِهَا فِي الْأَصْلِ، وَتَغْذِيَتُهَا بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الضَّأْنِ يُشْتَرَى صُوفُهَا فَيُصَابُ مِنْهَا أَكْبُشٌ قَبْلَ أَنْ تُجَزَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِبَيْعٍ أَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِ ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مُتَغَذِّيَةٌ بِأَصْلِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَالثَّمَرَةِ. 1 - (فَرْعٌ) وَبِمَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؟ حَكَى أَصْحَابُنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ بِأَنْ يُصَبَّ غَيْرُ الْمَكِيلِ فِي إنَاءِ الْمُبْتَاعِ فَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَيْلِ وَقَبْلَ تَفْرِيغِهِ فِي إنَاءِ الْمُبْتَاعِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا تَوَلَّى كَيْلَهُ الْبَائِعُ أَوْ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ تَوَلَّى كَيْلَهُ الْمُبْتَاعُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَفِي الْوَاضِحَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْكَيْلَ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا يَتَوَلَّاهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ فَكَانَتْ حَالُهُ حَالَ الْبَائِعِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتِمُّ بِوَفَاءِ الْكَيْلِ إذَا تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تَفْرِيغِ الْكَيْلِ فِي إنَائِهِ عَمَلٌ بَعْدَ تَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْوَزْنِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَيْلِ وَهَذَا فِيمَا اُشْتُرِيَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَأَمَّا مَا يُوزَنُ بِظُرُوفِهِ فَيَقْبِضُهُ الْمُبْتَاعُ لِيُفْرِغَهُ ثُمَّ تُوزَنُ الظُّرُوفُ فَإِنَّ قَبْضَهُ لِلظُّرُوفِ عَلَى ذَلِكَ قَبْضٌ لِلزَّيْتِ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُفْرِغَ الظُّرُوفَ فَهُوَ مِنْهُ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) وَهَا هُنَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَسْلِيمِ إنَاءٍ مَمْلُوءٍ بِزَيْتٍ فَيَأْخُذَهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى أَنْ يُمْلَأَ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَكْتَالَ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فَهَذَا قَبْضٌ وَالضَّمَانُ مِنْ الْمُبْتَاعِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الْإِنَاءِ وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا جُعِلَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَاسْتَعْجَلَ الْمُبْتَاعُ الْقَبْضَ قَبْلَ التَّقْدِيرِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ اشْتَرَى زَرْعًا عَلَى الذَّرْعِ فَهَلَكَ قَبْلَ الذَّرْعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يُقَدَّرُ بِهِ بَاقٍ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ عَلَيْهِ وَلَا رِضًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ بِغَيْرِهِ فَلَا تَعَلُّقَ بِحَقِّ التَّوْفِيَةِ بِعَيْنِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ فَدَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ فَقَالَ لَهُ خُذْهَا وَزْنًا فَإِنْ كَانَتْ وَفَاءً فَهِيَ لَك وَمَا زَادَ فَارْدُدْهُ وَمَا بَقِيَ أُوفِيكَهُ فَهَلَكَتْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ مِنْ قَابِضِهَا إذَا قَبَضَهَا عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَالرَّهْنِ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْوَدِيعَةِ كَانَتْ مِنْ الدَّافِعِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَائِمَةً فَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي هِيَ لَهُ وَقَالَ لَهُ رَبُّهَا فَمَا وَجَدْت مِنْ قَائِمٍ فَهُوَ لَك فَإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ فِيهَا قَائِمًا فَهِيَ مِنْ الدَّافِعِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ قَبَضَهَا عَلَى الْقَضَاءِ لَا يَشُكُّ فِيهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَضَاءِ لَكَانَ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ مَا دَفَعَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مَسْأَلَةِ مَالِكٍ فِي الَّذِي دَفَعَ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ إلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ لِيَقْتَضِيَ مِنْهَا وَاحِدًا يَخْتَارُهُ فَيَضِيعُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ إلَّا وَاحِدًا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَشُكَّ أَنَّ فِيهَا وَازِنًا وَأَمَّا إنْ جَهِلَ ذَلِكَ وَقَالَ ضَاعَتْ قَبْلَ الْوَزْنِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا يَكُونُ مُتَقَاضِيًا وَهُوَ مُصَدَّقٌ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ فِيهَا إلَّا وَازِنًا وَلَا وَزَنَهَا حَتَّى ضَاعَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّنَانِيرُ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّ أَنَّ فِيهَا دِينَارًا وَازِنًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ خَاصَّةً وَهَكَذَا قَالَ لِي مَنْ كَاشَفْتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالْعَبْدِ الْحَاضِرِ وَالثَّوْبِ وَكَالْمَبِيعِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ جُزَافًا فَإِنَّ ضَمَانَهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ خِفَافٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَخَذَ بِهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَعَمِلُوا بِمُضْمَنِهِ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ نَاقِلِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ تَلَفُ الْعِوَضِ الْعَيْنُ فِيهِ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ أَصْلُ ذَلِكَ عَقْدُ النِّكَاحِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ لِعَيْنِهِ وَجِنْسِهِ إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ شَرَطَ رُكُوبَ دَابَّةٍ بَاعَهَا يَوْمًا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا شَرْطٌ سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ هِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ مَاتَتْ بِيَدِهِ قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِيَدِ الْبَائِعِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا شَرَطَ رُكُوبَهَا مُدَّةً وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِضَمَانِهِ إلَى انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَفِّي الْمَبِيعَ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا شَرَطَ فِيهِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَصْبَغُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي ضَمَانِهِ، وَمَا شَرَطَ فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَقٌّ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا شَرَطَ لِلْبَائِعِ مَنْ يَصِحُّ بِمُدَّتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُبْتَاعِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَهَلْ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الرُّكُوبِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَسَحْنُونٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً أَوْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمَيْنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الثَّمَنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ بِذِمَّةِ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُبْتَاعِ وَجَعَلَ مَنْفَعَتَهَا مِنْ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ بَعْضَ الثَّمَنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِيفَاءُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ رَجَعَ بِثَمَنِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ مِنْ الرُّكُوبِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَا يَجُوزُ فَهِيَ مِمَّنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَقَبْضُ الْمُبْتَاعِ لَهَا قَبْلَ شَرْطِ الْبَائِعِ قَبْضٌ يَضْمَنُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا مُشْتَرًى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إذَا حُلِبَ وَالرُّطَبِ يُسْتَجْنَى فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ حُكْمَ هَذَا حُكْمُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يُتَنَجَّزُ قَبْضُهُ وَهُوَ مَرْئِيٌّ مُشَاهَدٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ جُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ اللَّبَنِ إذَا حُلِبَ يُرِيدُ أَنْ يَبْدَأَ اللَّبَنَ فِي الْغَنَمِ وَيَعْرِفَ لَبَنَهَا وَيَسْتَجْنِيَ الرُّطَبَ فَيَنْظُرَ الْمُبْتَاعُ إلَى قَدْرِ مَا يُجْنَى مِنْهُ يَوْمًا فَيَشْتَرِطَ قَبْضَهُ فَيَصْلُحَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، وَمِنْ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ أَخِّرْ عَنْك هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فَمَا جَنَيْته مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ فَأَنَا آخُذُهُ مِنْك ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَظَرَ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَرِ وَعَرَفَ مِقْدَارَ مَا يَتَعَجَّلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَوْ ضَرَبَ لِذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا يَظْهَرُ مَا يُرَطَّبُ إلَيْهِ وَلَا يَعْرِفُ قِلَّتَهُ مِنْ كَثْرَتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَهَذَا حُكْمُ اللَّبَنِ إذَا عَرَفَ قَدْرَهُ وَضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مَا قَدَّمْت. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ فَنِيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى رَدَّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ ذَهَبِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ لَهُ يُرِيدُ أَنْ يُخْطِئَا فِي حَزْرِهِمَا فَلَا يَكُونُ فِي الْحَائِطِ مَا تَبَايَعَا أَوْ تُصِيبُهُ جَائِحَةٌ تَذْهَبُ بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِبَقِيَّتِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ شَرْطَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَذْهَبَ بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَمُنِعَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُرَى أَنَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَرَةِ تَمَامَ حَقِّ الْمُبْتَاعِ مِنْهَا فَإِنْ قَصُرَتْ الثَّمَرَةُ عَمَّا ابْتَاعَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ مُعَيَّنًا تَلِفَ بَعْضُهُ قَبْلَ الْبَعْضِ فَمَضَى الْبَيْعُ فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ وَفَاتَ وَبَطَل فِيمَا بَقِيَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيمِ أَوْ عَلَى الْكَيْلِ فَفِي الْمُزَابَنَةِ فِي الثَّمَرَاتِ التَّرَاجُعُ عَلَى الْكَيْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّرَاجُعُ عَلَى الْقِيمَةِ فِي الَّذِي يَبْتَاعُ لَبَنَ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَيَحْلُبُهَا أَيَّامًا ثُمَّ تَمُوتُ أَوْ يَمُوتُ بَعْضُهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ التَّمْرِ مَا يَسْلَمُ فِيهِ لِيُؤْخَذَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَلَى حِسَابِ الْكَيْلِ وَإِذَا شَرَطَ أَخْذَهُ فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ تَخْتَلِفُ فِيهَا قِيمَةُ الثَّمَرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُرَاعَى ذَلِكَ التَّقْوِيمُ كَمَسْأَلَةِ اللَّبَنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً بِمَا بَقِيَ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا وَإِنْ فَارَقَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَقَدْ نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِاَلَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ حِصَّتِهِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا شَاءَ مِنْ السِّلَعِ مَطْعُومًا أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي ذَلِكَ تَمْرًا وَرُطَبًا أَكْثَرَ مِنْ الْمَكِيلَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ وَأَقَلَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الْقَبْضُ دُونَ التَّأْخِيرِ فَإِنْ أَخَذَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَأْخُذُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَا يُمْكِنُ تَعَجُّلُ قَبْضِهِ كَثَمَرَةٍ بَدَا صَلَاحُهَا وَلَمْ يَحِلَّ جِدَادُهَا أَوْ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَمَلِ صَانِعٍ أَوْ خَادِمٍ يَكُونُ فِيهَا عُهْدَةٌ أَوْ مُوَاضَعَةٌ أَوْ بَيْعٌ عَلَى الْخِيَارِ فَهَذَا كُلُّهُ مَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْإِجَازَةِ وَالْكِرَاءِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَحَكَى عَنْهُمَا الْمَنْعَ فِي شِرَاءِ الْخِيَارِ وَشِرَاءِ الْمُوَاضَعَةِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي تَسْتَجِدُّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَقَدْ يُعَبِّرُ عَنْهُ أَصْحَابِنَا بِمَا عَبَّرَ بِهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ يُرِيدُ أَنَّ الدَّيْنَ الْأَوَّلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي فُسِخَ فِيهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ تَوَسُّعٌ فِي عِبَارَةٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ دَنَانِيرُ مُتَعَلِّقَةٌ بِذِمَّتِهِ فَلَمَّا نَقَلَهَا إلَى مَعْنًى ثَانٍ فِي ضَمَانِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ جَارِيَةٍ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ أَصَابَهَا جَائِحَةٌ فَهِيَ مِنْ بَائِعِهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا بَقِيَتْ مَشْغُولَةً بِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِهِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَرَةِ وَالْجَارِيَةِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ أَوَّلًا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِالدَّنَانِيرِ خَاصَّةً وَهِيَ الْآنَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ بَرَاءَتِهَا إنْ سَلِمَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ الْجَارِيَةُ أَوْ بَقَاءِ الدَّنَانِيرِ فِيهَا إنْ أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ انْتِقَالَهَا مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالدَّنَانِيرِ إلَى الِاشْتِغَالِ بِثِيَابٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذَا عَيْنٌ وَلَيْسَ بِدَيْنٍ وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ الْحَائِطَ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ النَّخْلِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَالْكَبِيسِ وَالْعِذْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ تَمْرُ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخَلَاتِ يَخْتَارُهَا مِنْ نَخْلَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَنَعَ ذَلِكَ تَرَكَ تَمْرَ النَّخْلَةِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَمَكِيلَةُ تَمْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَأَخَذَ مَكَانَهَا تَمْرَ نَخْلَةِ مِنْ الْكَبِيسِ وَمَكِيلَةُ تَمْرِهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ أَوْ أَخَذَ الْعَجْوَةَ الَّتِي فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَتَرَكَ الَّتِي فِيهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ مِنْ الْكَبِيسِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَجْوَةَ بِالْكَبِيسِ مُتَفَاضِلًا. قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ صُبَرٌ مِنْ التَّمْرِ قَدْ صَبَّرَ الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعِذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ مِنْهُ بِالذِّمَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ اسْتِعْجَالِ قَبْضِهِ مَا فِيهِ مِنْ حَقِّ التَّوْفِيَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَكْثُرُ فَيَحْتَاجُ فِي كَيْلِهِ إلَى الْمُدَّةِ وَيَحْتَاجُ إلَى إعْدَادِ مَكَان يُجْعَلُ فِيهِ أَوْ سَفِينَةٍ فَإِذَا شَرَعَ فِي ذَلِكَ وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ فِي الِاسْتِيفَاءِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ وَشَهْرًا إذَا اتَّصَلَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْبَائِعِ لِمَنْفَعَةِ اسْتِخْدَامٍ أَوْ لِتَوَثُّقٍ إلَى أَنْ يُشْهِدَ أَوْ يَبْقَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ فَإِنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ حَبْسَهَا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلَا أَفْسَخُ بِهَا الْبَيْعَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظْرَةٌ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ التَّأْخِيرَ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَبْرَأُ بِالْعَقْدِ فَعَادَ إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَيَدْخُلُهُ التَّأْجِيلُ فِي الْمُعَيَّنِ وَهُوَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا يُرِيدُ أَنَّ الْأَجَلَ وَالتَّأْخِيرَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ بَيْعٌ إلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيَكُونُ الْبَيْعُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَصْلُحُ فِيهِ طَوِيلُ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ سَلَامَتَهُ إلَيْهِ فَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ أَوْ لَا يُسَلَّمُ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَمَا كَانَ حَاضِرًا وَلَا يَتَيَقَّنُ صِحَّةَ تَسْلِيمِهِ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ سَلَامَتَهُ إلَى أَجَلٍ أَنَّ ذِمَّتَهُ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَالِهِ بَاقِيَةٌ بَعْدَهُ تَنُوبُ عَنْهُ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُعَيَّنُ الْمَبِيعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِفَوَاتِهِ بَدَلٌ يَنُوبُ مَنَابَهُ فَافْتَرَقَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُعَيَّنَ إلَيْهِ وَيَشْتَرِطَ بَقَاءَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا يَتَغَيَّرُ مِثْلُهُ إلَيْهَا غَالِبًا وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِوَجْهِ مَنْفَعَةٍ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبُ أَوْ إمْسَاكِهِ عَلَى وَجْهِ التَّزَيُّنِ بِالْإِشْهَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ إذْ الْغَالِبُ مِنْ الْبَائِعِ بَقَاءُ صِفَتِهِ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فَإِذَا اشْتَرَطَ بَقَاءَهُ لِغَيْرِ عِوَضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَجُوزُ بَقَاءُ الْأَرْضِ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ اشْتِرَاطُ السَّنَةِ فِي الدَّارِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَكُرِهَ مَا يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا رُكُوبُ الدَّابَّةِ فَجَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ اسْتِثْنَاءَ رُكُوبِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ تَجْوِيزَ رُكُوبِهَا يَوْمَيْنِ فِي السَّفَرِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ رُكُوبَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّابَّةَ يُسْرَعُ إلَيْهَا التَّغَيُّرُ وَلَا سِيَّمَا دَوَابُّ الْكَدِّ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهَا تَدْبَرُ وَتَتَغَيَّرُ وَتَضْعُفُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ دَوَابِّ الْجِمَالِ وَالرُّكُوبِ خَاصَّةً لَجَازَ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ سَفَرًا.

عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ فَيَأْخُذُ أَيَّ تِلْكَ الصُّبَرِ شَاءَ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الرُّطَبَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيُسْلِفُهُ الدِّينَارَ مَاذَا لَهُ إذَا ذَهَبَ رُطَبُ ذَلِكَ الْحَائِطِ. قَالَ مَالِكٌ يُحَاسَبُ صَاحِبُ الْحَائِطِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ إذَا كَانَ أَخَذَ بِثُلُثَيْ دِينَارٍ رُطَبًا أَخَذَ ثُلُثَ الدِّينَارِ وَاَلَّذِي بَقِيَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِينَارِهِ رُطَبًا أَخَذَ الرُّبْعَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ أَوْ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِينَارِهِ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَائِطِ مَا بَدَا لَهُ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً سِوَى التَّمْرِ أَخَذَهَا بِمَا فَضَلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ تَمْرًا أَوْ سِلْعَةً أُخْرَى فَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا أَوْ يُؤَاجِرَ غُلَامَهُ الْخَيَّاطَ أَوْ النَّجَّارَ أَوْ الْعُمَّالَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ وَيَسْتَلِفَ إجَارَةَ ذَلِكَ الْغُلَامِ أَوْ كِرَاءَ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ أَوْ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَرُدُّ رَبُّ الرَّاحِلَةِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ إلَى الَّذِي سَلَّفَهُ مَا بَقِيَ مِنْ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ أَوْ إجَارَةِ الْعَبْدِ أَوْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ يُحَاسِبُ صَاحِبَهُ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ اسْتَوْفَى نِصْفَ حَقِّهِ رَدَّ عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ يَرُدُّ إلَيْهِ مَا بَقِيَ لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي التَّمْرِ رُطَبِهِ وَتَمْرِهِ فَإِذَا كَانَتْ صُبَرُهُ مُخْتَلِفَةَ الْمَكِيلَةِ أَوْ غَيْرَ مُتَيَقَّنَةِ التَّسَاوِي فَقَدْ بَاعَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْتِيَاعَهَا قَدْ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّبَرِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا فَإِذَا عَيَّنَ مِنْهَا صُبْرَةً فَقَدْ تَرَكَ مَا تَنَاوَلَهُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمَّا أَخَذَ مِنْ الصُّبْرَةِ الَّتِي تَخَيَّرَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مُبْتَاعَ التَّمْرِ قَدْ يَأْخُذُ صُبْرَةَ الْعَجْوَةِ وَيُعَيِّبُهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا وَيَأْخُذُ بَدَلًا مِنْهَا الْكَبِيسَ أَوْ الْعِذْقَ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْبَائِعُ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ التَّفَاضُلُ فِي التَّمْرِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَكْثُرُ لِتَرْجِيحِ الْحَوْزِ وَالِاخْتِيَارِ حُمِلَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا اُشْتُرِيَ عَلَى ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ مَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ إذَا اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُهُ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مِمَّا لَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَثْمَانُ لَمْ يَجُزْ الِاخْتِيَارُ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَإِنْ اتَّفَقَتْ أَثْمَانُهُ وَأَجْنَاسُهُ فَلَا بَأْسَ بِالِاخْتِيَارِ فِي ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أَيُّهُمَا شِئْت يُرِيدُ وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ شَرَطَ الْخِيَارَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ اخْتِيَارَ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَجُوزُ فِي عَبْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا مُعَيَّنٍ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَصْلُهُ قَفِيزٌ مِنْ صُبْرَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ اخْتَارَ مُعْظَمَ الْجُمْلَةِ أَوْ اشْتَرَاهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الِاخْتِيَارُ إلَّا فِي الْيَسِيرِ مِنْ الْجُمْلَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَصِيرُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ وَمَا يَبْقَى بِيَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ اخْتَارَ مُعْظَمَ الْجُمْلَةِ دَخَلَ الْغَرَرُ مَا يَصِيرُ إلَى الْمُبْتَاعِ الْجَهَالَةُ بِمَا يَبْقَى بَعْدَ اخْتِيَارٍ أَكْثَرَ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَإِذَا كَانَ لِلْمُبْتَاعِ اخْتِيَارُ مُعْظَمِ الْجُمْلَةِ دَخَلَ الْغَرَرُ كَمَا يَبْقَى لِلْبَائِعِ فَلَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عَقْدٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ عَشَرَةً يَخْتَارُهَا مِنْ غَنَمٍ فَوَّتَهَا قَبْلَ اخْتِيَارِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ عَشَرَةً مِنْ الْأُمَّهَاتِ دُونَ الْأَوْلَادِ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي أَنَّ الْوَطْءَ يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْلَادُ لِمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْأُمَّهَاتُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْخِيَارِ فَبِأَنْ يَكُونَ فِي الِاخْتِيَارِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ ابْتَاعَ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ طَعَامًا مِنْ تَمْرِهِ إذَا فَنِيَ

ص (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ التَّسْلِيفُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا يُسْلِفُ فِيهِ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُسَلَّفُ مَا سُلِّفَ فِيهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إلَى صَاحِبِهِ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ أَوْ الْمَسْكَنَ أَوْ يَبْدَأُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الرُّطَبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إلَى صَاحِبِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا أَجَلٌ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أُسْلِفُك فِي رَاحِلَتِك فُلَانَةَ أَرْكَبُهَا فِي الْحَجِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ فَإِنَّهُ إذَا صَنَعَ ذَلِكَ كَانَ إنَّمَا يُسْلِفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ تِلْكَ الرَّاحِلَةَ صَحِيحَةً لِذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ وَإِنْ حَدَثَ فِيهَا حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ عِنْدَهُ. قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضِ مِنْ قَبْضِ مَا اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَكْرَى فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ وَأَخَذَ أَمْرًا مَعْلُومًا وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَيَقْبِضَهُمَا وَيَنْقُدَ أَثْمَانَهُمَا فَإِنْ حَدَثَ بِهِمَا حَدَثٌ مِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ أَخَذَ ذَهَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ. قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ تَكَارَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَقَدْ عَمِلَ بِمَا يَصْلُحُ لَا هُوَ قَبْضُ مَا اسْتَكْرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ وَلَا هُوَ سَلَفٌ فِي دَيْنٍ يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمْرُ الْحَائِطِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ التَّمْرِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ تَمْرًا مُعَيَّنًا فَلَمَّا عُدِمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا اشْتَرَى اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْ تَمْرِ ذَلِكَ الْحَائِطِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ فِي تَمْرِ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَفَسَخَ مَا وَجَبَ لَهُ عَنْ دَيْنِ الْغَيْرِ فِي دَيْنِ تَمْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَكِيلَةِ الَّتِي فَسَخَ فِيهَا الْبَيْعَ أَوْ أَقَلَّ يُتَنَجَّزُ أَخْذُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَتَهُ أَوْ يُؤَاجِرَهُ عَبْدَهُ الْخَيَّاطَ وَيَقْبِضَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَمُوتَ الرَّاحِلَةُ أَوْ الْعَبْدُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى قَلِيلِ مَا اسْتَوْفَى وَكَثِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِالِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضِ فَسَوَاءٌ اسْتَوْفَى أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْلِفَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ مَا سُلِّفَ فِيهِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ الرَّاحِلَةِ أَوْ الْمَسْكَنِ أَوْ يَبْدَأَ بِأَخْذِ مَا سَلَّمَ فِيهِ مِنْ الرُّطَبِ لَا يَصْلُحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا أَجَلٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّأْخِيرَ الْبَيِّنَ الَّذِي يَكُونُ فِي مِثْلِهِ الْغَرَرُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأَيَّامَ الَّتِي لَا غَرَرَ فِيهَا، وَأَمَّا التَّمْرَةُ مِنْ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَضُرَّ بِالْقَبْضِ ذَلِكَ أَجَلًا وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَرِيبٌ. (فَصْلٌ) : وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ فِي الرَّاحِلَةِ الْمُعَيَّنَةِ يَحُجُّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ مِنْ الزَّمَانِ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْكَنِ أَوْ الْعَبْدِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا يُسْلِفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ تِلْكَ الرَّاحِلَةُ صَحِيحَةً عِنْدَ الْأَجَلِ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ وَإِلَّا رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ وَكَانَتْ سَلَفًا عِنْدَهُ خَصَّ هَاهُنَا الْمَنْعَ بِالنَّقْدِ دُونَ الْعَقْدِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ النَّقْدَ فِي رَاحِلَةٍ اكْتَرَاهَا بِعَيْنِهَا لِيَرْكَبَهَا بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالْأَمْرِ الْقَرِيبِ فَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا بَأْسَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَكْتَرِيَهَا لِيَرْكَبَهَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ مَا لَمْ

[بيع الفاكهة]

بَيْعُ الْفَاكِهَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ مِنْ رَطْبِهَا أَوْ يَابِسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَيْبَسُ فَيَصِيرُ فَاكِهَةً يَابِسَةً تُدَّخَرُ وَتُؤْكَلُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَصْلُحُ إلَى أَجَلٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ رَطْبًا كَهَيْئَةِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْجَزَرِ وَالْأُتْرُجِّ وَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ وَإِنْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ وَيَكُونُ فَاكِهَةً قَالَ فَأَرَاهُ خَفِيفًا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْقُدْ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ. فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُدْهُ الْكِرَاءَ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَكُونُ مَرَّةً كِرَاءً وَمَرَّةً سَلَفًا وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّ الْغَرَرَ مُتَعَلِّقٌ بِاكْتِرَاءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُقْبَضُ إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ وَهَذَا الْمَعْنَى بَاقٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ عَرِيَتْ مِنْ النَّقْدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضِ مِنْ قَبْضِ مَا اسْتَأْجَرَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيَنْقُدُ ثَمَنَهُ وَيَقْبِضُهُ فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ أُحْرِزَ مِنْهُ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ بِالْقَبْضِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً يَرْكَبُهَا بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ عَبْدًا يَسْتَخْدِمُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فِيهِ وَلَوْ قَبَضَهُ مَعَ تَعَاقُدِ الْكِرَاءِ عَلَيْهِ لَزَالَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْغَرَرِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ إذَا اسْتَأْجَرَ لِخِدْمَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ قَبْضُ بَاقِي الْخِدْمَةِ. وَقَدْ يُجَوِّزُ مَالِكٌ اسْتِئْجَارَهُ لِعِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ تَضْمَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ عَمَلِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ إبَاقٍ مِمَّا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى سَيِّدِهِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا عِوَضًا مِنْ عَمَلِهِ الْكِرَاءَ وَالْقَبْضُ بِعَيْنِهِ قَامَ بِعَيْنِهِ مَقَامَ الْقَبْضِ بِجَمِيعِ مَنْفَعَتِهِ فِي نَفْيِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْغَرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَحَرَّزَ بِهِ فِيهِ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ إنَّهُ مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا مُعَيَّنًا لَا يَقْبِضُهُ إلَى سَنَةٍ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَاهُ فَقَبَضَهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ جَازَ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ مِنْ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لِلْمُبْتَاعِ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ قُلْت إنَّ الْمُصَحِّحَ لِهَذَا الْمَعْنَى قَبْضُ الْمَبِيعِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [بَيْعُ الْفَاكِهَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ الْفَوَاكِهِ رَطْبِهَا أَوْ يَابِسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ تَوْفِيَتِهِ بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ وَنَصَّ عَلَى الْفَوَاكِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِيُلْحِقَهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الطَّعَامِ الْمُقْتَاتِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا يَدًا بِيَدٍ يُرِيدُ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّنَاجُزِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِنْسِ وَإِنْ اخْتَصَّ بِهِ التَّفَاضُلُ وَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا وَشَرَطَ فِيهِ الْمُنَاجَزَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَيْبَسُ فَيَصِيرُ فَاكِهَةً يَابِسَةً يُدَّخَرُ وَيُؤْكَلُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ إذَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا جَعَلَ هَاهُنَا عِلَّةَ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ الْيُبْسَ وَالِادِّخَارَ لِلْأَكْلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَ مَالِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاقْتِيَاتُ وَأَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ لِلِاقْتِيَاتِ وَعَلَى حَسَبِ هَذَا تَخْتَلِفُ أَجْوِبَتُهُ وَأَجْوِبَةُ أَصْحَابِنَا فِي فَرْعِ مَسَائِلِ هَذَا النَّوْعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ رَطْبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِرْبِزِ وَالْأُتْرُجِّ

[بيع الذهب بالورق عينا وتبرا]

بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ عَيْنًا وَتِبْرًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا وَكُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ يَيْبَسُ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ مَا يُدَّخَرُ وَيَكُونُ فَاكِهَةً يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْفَاكِهَةَ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَمَا يَبِسَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَاكِهَةً بَعْدَ الْيُبْسِ فَهَذَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُزَابَنَةِ أَجَازَ مَالِكٌ فِيهَا التَّفَاضُلَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ قَالَ: الْبِطِّيخُ وَالْخِرْبِزُ وَالْقِثَّاءُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْخَوْخُ وَالرُّمَّانُ وَالْإِجَّاصُ وَعُيُونُ الْبَقَرِ وَالْمَوْزُ فَهَذَا كُلُّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ إذَا كَانَ رَطْبًا كُلُّهُ وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ الْخَوْخُ وَالرُّمَّانُ وَالْإِجَّاصُ وَعُيُونُ الْبَقَرِ مِمَّا يُدَّخَرُ وَيَيْبَسُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ إنْ كَانَ رَطْبًا كُلَّهُ. [بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ عَيْنًا وَتِبْرًا] (ش) : قَوْلُهُ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الْمُرَاطَلَةِ بِالذَّهَبِ وَالْمُبَادَلَةِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا أَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْعِوَضِ فِيهَا مَنْ عَقَدَهَا فَإِنْ عَقَدَ هُوَ الصَّرْفَ وَوَكَّلَ مَنْ يَقْبِضُ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَصْرِفُ وَيَقْبِضُ هُوَ فَابْنُ الْمَوَّازِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا فَارَقَ الَّذِي عَقَدَ الصَّرْفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ مَنْ عَقَدَ الصَّرْفَ قَدْ فَارَقَ مَنْ صَارَفَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي فَسَادِهِ مُفَارَقَةُ الْعَاقِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَقَدَ الصَّرْفَ وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَأَحَالَ عَلَيْهِ مَنْ يَقْبِضُ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَضَاهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمُصَارِفِ لَهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَحَالَ بِجَمِيعِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِبَعْضِهَا وَرَوَى زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُفْسَخُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَارِقَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحَالِ بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ ثَبَتَ دَيْنُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الصَّرْفِ أَنْ يَقْبِضَ الْعَاقِدُ الْعِوَضَ وَعِنْدَ أَشْهَبَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ سَوَاءٌ قَبَضَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ وَالْفَرْقُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّرْفِ أَنَّ الصَّرْفَ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ سُرْعَةَ الْقَبْضِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ لِنَفْسِهَا لَا لِمَعْنًى غَيْرِهَا وَالْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَبْضُ فِيهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى عَقْدِ الْإِقَالَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِي الْإِقَالَةِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهَا لِئَلَّا يَئُولَ إلَى فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ دِينَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ صَرَفَاهُ مِنْ رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى قَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَانْقَلَبَ هُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ قَبَضَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الصَّرَّافَ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْحُلِيُّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةٌ فِي الدِّينَارِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ بَاعَ جَمِيعَهُ فَجَازَ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَلَمْ يُفْسِدْهُ مُفَارَقَةُ صَاحِبِهِ الصَّرَّافَ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ دِينَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَلَى قَبْضِهِ جَازَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ إذَا اشْتَرَكَا فِي الدَّرَاهِمِ قَبْلَ الصَّرْفِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدَفَعَ الْآخَرُ إلَيْهِ مِثْلَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا بِذَلِكَ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقَبْضُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنْ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» ظَاهِرُ لَفْظِ آنِيَةٍ يَقْتَضِي صِحَّتَهَا وَبَقَاءَ صِيَاغَتِهَا وَيُؤَكِّدُ هَذَا الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا بَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ اتِّخَاذِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَلْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ وَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَيْعِهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِتْلَافِ صِيَاغَتِهَا اقْتَضَى ذَلِكَ بَيْعَهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَذَلِكَ مَعْنَى اتِّخَاذِهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي آنِيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ زِنَتُهَا أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا يُزَكِّي وَزْنَهَا فَجَعَلَ لِلصِّيَاغَةِ قِيمَةً وَذَلِكَ يَقْتَضِي إبَاحَتَهَا وَقَالَ فِي الصَّرْفِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُصَاغُ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ كَالْأَبَارِقِ وَالْمَدَاهِنِ وَالْمَجَامِرِ وَالْأَقْدَاحِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ كَرَاهِيَةَ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا أَوْ كَرَاهِيَةَ اسْتِعْمَالِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ كَرَاهِيَةَ اتِّخَاذِهَا فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي تَحْرِيمِهِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا فَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مَا تَقَدَّمَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا وَكُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا» يَقْتَضِي مَنْعَ الزِّيَادَةِ فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْهُ وَسَوَاءٌ تِبْرُهُ وَمَسْكُوكُهُ وَمَصُوغُهُ وَجَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ فِي وُجُوبِ التَّسَاوِي وَتَحْرِيمِ التَّفَاصُلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا اعْتِبَارَ بِالسِّكَّةِ وَلَا بِالصِّيَاغَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْمَصُوغَةُ أَدْوَنَ ذَهَبًا وَالتِّبْرُ أَفْضَلَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ تَبَعٌ مَلْغِيٌّ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ كَالْجَوْدَةِ وَلَوْ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ ذَهَبٌ مَصُوغٌ أَوْ مَسْكُوكٌ فَأَرَادَ أَنْ يَقْبِضَهُ عَنْهُ تِبْرًا أَفْضَلَ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَتْ حَقًّا لَهُ ثُمَّ تَرَكَهَا عِوَضًا عَنْ جَوْدَةِ الذَّهَبِ التِّبْرِ فَدَخَلَ ذَلِكَ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّهُ صِيَاغَةٌ وَذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرَاطَلَةُ فَإِنَّ الصِّيَاغَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ أَفْضَلْتُمَا فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهُمَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عِلَّتُهُمَا الْوَزْنُ وَالدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْكُحْلَ فِيهِ الرِّبَا أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ الرِّبَا فِي مَصُوغِهِ لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَصُوغِهِ كَالتُّرَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ الْوَزْنَ لَمَا جَازَ أَنْ يُسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لَمْ تُعْلَمْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَسْلِيمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمَوْزُونِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُمَا عِلَّةُ الرِّبَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَرُدَّا» أَمَرَهُمَا بِرَدِّ الْبَيْعِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا عَنْ فَوَاتِهِ وَالذَّهَبُ الْمَبِيعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَصُوغٌ وَغَيْرُ مَصُوغٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْمَصُوغِ فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ الْبَيْعُ فِيهِ بِوَجْهٍ وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ فَاسِدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَهُ مِثْلٌ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ عَيْنِهِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ. 1 - ، وَأَمَّا الْمَصُوغُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنْ بَاعَهُ جُزَافًا أَنَّهُ تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ سَيْفًا عَلَى قَبْضَتِهِ الْأَكْثَرُ لَمْ تُفِتْهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَيُفِيتُهُ الْبَيْعُ وَالتَّلَفُ أَوْ قَلَعَ قَبْضَتَهُ فَيَرُدُّ قِيمَتَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ وَاَلَّذِي حَكَى مُحَمَّدٌ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ تُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُلِيِّ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَفَاتَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ كَصُبْرَةِ الْقَمْحِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَيْنَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَمَّا كَانَتْ عَيْنُهُ مَوْجُودَةً وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُقَوَّمُ بِهِ وَلَا يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَأَمَّا نَقْصُهُ فَقَدْ غَيَّرَ عَيْنَ الْمَبِيعِ لَمَّا أَدْخَلَ نَقْصًا فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ خَاصَّةً فَإِنْ قُلْنَا إنَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ بَيْعٍ فَاسِدٍ. فَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ فَرْعُ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الصِّحَّةِ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي فَوَجَبَ نَقْضُهُمَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَفُتْ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَصُوغَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا» يُرِيدُ إيجَابَ التَّسَاوِي وَتَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِجِنْسِهِ وَبَدَلُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَزْنًا وَالثَّانِي عَدَدًا فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا التَّسَاوِي وَلَا تَجُوزُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ وَلَا بِمُسَامَحَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ الْآخَرَ يُقَسَّطُ عَلَى الذَّهَبِ وَالزِّيَادَةِ الَّتِي مَعَهَا فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي دَارَ السِّكَّةِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِمْ فِضَّةً وَزْنًا وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ وَزْنًا دَرَاهِمَ وَيُعْطِيهِمْ أُجْرَةَ الْعَمَلِ فَقَالَ مَرَّةً أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَى الدَّرَاهِمِ وَتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى الِاسْتِعْجَالِ وَانْحِفَازِ الْمُسَافِرِ لِلْمُرُورِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الِانْفِرَادِ وَيَخَافُ إنْ غَابَ عَنْهُ ذَهَبُهُ أَنْ لَا يُعْطَاهُ وَيُمْطَلَ بِهِ وَالضَّرُورَةُ الْعَامَّةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ صَارَ الضَّرْبُ بِكُلِّ بَلَدٍ وَاتَّسَعَ الْأَمْرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً فَإِنْ كَانَ بَيْعًا فَفِيهِ التَّفَاضُلُ فِي الذَّهَبِ وَإِنْ كَانَ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ وَسَلَفٌ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأَمَّا الصَّائِغُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَهُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُبَادَلَةُ بِالْعَدَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَوْزَنَ مِنْ بَعْضٍ فِي الدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْرُوفِ وَالتَّفَضُّلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَبْنِيَا عَلَى الْوَزْنِ وَلِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ تَقْدِيرَانِ الْوَزْنُ وَالْعَدَدُ فَإِنْ كَانَ الْوَزْنُ أَخَصَّ بِهِ أَوْلَى فِيهِ إلَّا أَنَّ الْعَدَدَ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَمِلَ فِيهِ عَلَى الْعَدَدِ جُوِّزَ يَسِيرُ الْوَزْنِ زِيَادَةً عَلَى سَبِيلِ الْمَعْرُوفِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَيَمْنَعُ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَرِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ لَمَّا كَانَ لِلثَّمَرَةِ تَقْدِيرَانِ أَحَدُهُمَا الْكَيْلُ وَالْآخَرُ الْخَرْصُ وَالتَّحَرِّي جَازَ الْعُدُولُ عَنْ أَوَّلِهِمَا إلَى الثَّانِي لِلضَّرُورَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا سَوَاءً فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاضِلَةً فِي الْجَوْدَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْوَازِنَةُ أَدْنَى ذَهَبًا أَوْ أَفْضَلَ فَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فَضْلَ صَاحِبِهِ فِي زِيَادَةِ وَزْنِ ذَهَبِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَازِنَةُ أَفْضَلَ ذَهَبًا فَإِنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ إنَّمَا جَازَتْ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَعْيَانُهَا وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَالْعَرِيَّةِ لَمَّا كَانَ طَرِيقُهَا الْبَدَلَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا غَيْرُ مِثْلِ الثَّمَرَةِ لَا أَفْضَلَ وَلَا أَدْوَنَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْبُعْدُ عَنْ التُّهْمَةِ لِكَوْنِ فَضْلِ الْجَوْدَةِ وَالْوَزْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ غَيْرَ مُجَرَّدِ التَّفَضُّلِ. (فَرْقٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ الْجَدَادِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْعَرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَتِنَا عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فَوِزَانُهُ أَنْ يَعْقِدَا بَيْعَ الْعَرِيَّةِ عَلَى غَيْرِ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ دِينَارًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ عَيْنًا وَوَزْنًا قَالَ وَيُعْلِمُ صَاحِبَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي فَنَهَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى دَابَّةٍ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرْفٌ وَلَا بَدَلٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي كَثِيرِ الذَّهَبِ الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ هَذَا حُكْمَهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ كَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِنْ التِّبْرِ وَالْمَسْكُوكِ وَالْمَصُوغِ وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ يَسِيرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الشُّفُوفَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي يَسِيرِ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» فَإِنَّهُ مَنَعَ النَّسَا فِيهَا وَالْعَقْدَ عَلَى غَائِبٍ حِينَ الْعَقْدِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ مَا غَابَ عَنْ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ وَفَائِدَةُ أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْعِوَضَيْنِ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُحَالٌ أَنْ يُشْتَرَطَ حُضُورُهُمَا الْعَقْدَ وَيُؤَخَّرَ قَبْضُهُمَا. (ش) : مَنَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ بَيْعِ الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ غَيْرَ مَصُوغٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ السَّعْدَيْنِ مِنْ مَنْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْعِ الْآنِيَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَمُرَاجَعَةُ الصَّائِغِ لَهُ فِي ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ إنَّمَا صَدَرَ عَلَى ذَهَبَيْنِ غَيْرِ مَصُوغَيْنِ فَإِنَّ حُكْمَ الْمَصُوغِ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةً مِمَّنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى قَوْلِهِ فَرَجَا أَنْ يَجِدَ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُؤَالُهُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ دَلِيلٌ عَلَى التَّوَاضُعِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْبَيَانِ بِحَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعْمَالِ النَّظَرِ فِيهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا لِيَذْكُرَ حُكْمَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا اسْمٌ لِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ كُلِّ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ مَصُوغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَصُوغٍ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي هَذَا الْإِنَاءِ مِائَةُ دِينَارٍ ذَهَبًا وَفِي هَذَا الْحُلِيِّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَرِقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَضْرُوبًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ عَامٌّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ مَصُوغَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مَصُوغَيْنِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ اسْمًا لِلْمَضْرُوبِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ قَاسَ الْمَصُوغَ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الْمُبَايَعَةَ وَالْمُبَادَلَةَ وَالْقَضَاءَ فَأَمَّا الْمُبَايَعَةُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ فِي الْأَغْلَبِ بِمُعَاوَضَةِ الْعُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَالْعَرْضُ بِالْأَثْمَانِ، وَأَمَّا الْأَثْمَانُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَإِنَّ لَهَا اسْمًا أَخَصَّ وَإِنْ بِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَاسْمُ الصَّرْفِ أَخَصُّ بِهِ وَإِنْ بِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِجِنْسِهِ فَاسْمُ الْمُبَادَلَةِ وَالْمُرَاطَلَةِ أَخَصُّ بِهِ وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاطَلَةَ تَكُونُ وَزْنًا وَالْمُبَادَلَةَ تَكُونُ عَدَدًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدْ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ سَلَفٍ وَقَضَاءً عَنْ غَيْرِ سَلَفٍ فَإِنْ كَانَتْ عَنْ سَلَفٍ وَأَسْلَفَهُ ذَهَبًا عَدَدًا قَضَاهُ مِثْلَ عَدَدِهِ وَوَزْنِهِ كَانَ هَذَا مَعْنَى الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ عَدَدًا وَوَزْنًا فَإِنْ قَضَاهُ مِثْلَ عَدَدِهِ أَوْ أَدْوَنَ أَوْ أَنْقَصَ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبْرَةَ السَّلَفِ بِالْعَدَدِ، وَالنَّقْصُ فِي الْوَزْنِ صِفَةٌ مِنْ صِفَةِ الدِّينَارِ لَا اعْتِبَارَ لَهَا فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِهِ فِي كُلِّ وَزْنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَجُوزُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرَةُ فِي قَضَاءِ السَّلَفِ وَإِنْ قَضَاهُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِ فِي مِثْلِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ لَا أُسَاكِنُك بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا تَبِيعَ ذَلِكَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَزْنِهِ يَجِبُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْيَسِيرُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي قَضَاءِ السَّلَفِ مَعْفُوٌّ عَنْ يَسِيرِهَا دُونَ كَثِيرِهَا وَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَكْثَرَ وَزْنًا أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَقَلَّ وَزْنًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي الْمُغَابَنَةَ وَذَلِكَ يَنْفِي الْجَوَازَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ السَّلَفُ وَزْنًا فَقَضَاهُ مِثْلَ وَزْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَأَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ يُبْطِلُ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فَمَتَى كَانَ التَّعَامُلُ بِالْوَزْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعَدَدِ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فِي مِثْلِ عَدَدِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَدَدِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ قَضَاهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً فَقَدْ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرُّجْحَانَ الْيَسِيرَ وَكَرِهَهُ فِي الْكَثِيرِ كَالْعِشْرِينِ دِينَارًا فِي الْمِائَةِ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ فِي مِثْلِ الدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ وَالْإِرْدَبِّ مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِرْدَبَّيْنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ وَلَا عَادَةٍ وَوَجْهُ تَجَوُّزِ الْيَسِيرِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ السَّلَفَ لِمِثْلِهِ فَتَبْعُدُ التُّهْمَةُ بِهِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِالسَّلَفِ فَيَمْتَنِعُ لِلذَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَنْفَصِلَ مِنْهُ وَلَا تَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ مِنْ السَّلَفِ فِي قَضَائِهِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى غَيْرِ سَلَفٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا ثَبَتَ مِنْهُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ مُقَدَّرًا بِالْعَدَدِ أَوْ الْوَزْنِ فَإِنْ ثَبَتَ مُقَدَّرًا بِالْعَدَدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَعْنًى قَدْ ثَبَتَ بِهِ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ كَالْوَزْنِ وَإِنْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مُقَدَّرًا بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ الْوَزْنُ وَالْعَدَدُ بَطَلَ حُكْمُ الْعَدَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ مُقَدَّرًا بِالْوَزْنِ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْوَزْنِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ إذَا كَانَ مِثْلَ صِفَةِ مَا ثَبَتَ لَهُ أَوْ أَفْضَلَ وَجَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ وَزْنًا وَأَدْوَنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَفْضَلَ وَزْنًا وَأَدْوَنَ صِفَةً وَلَا أَفْضَلَ صِفَةً وَأَنْقَصَ وَزْنًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَدْخُلُهُ مِنْ التَّفَاضُلِ بِصُورَةِ التَّشَاحِّ وَالتَّغَابُنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهُ عَدَدًا فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ أَفْضَلَ عُيُونًا وَوَزْنًا كَالْقَائِمَةِ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ عُيُونًا وَأَقَلَّ وَزْنًا كَالْفُرَادَى مِنْ الْمَجْمُوعَةِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ عُيُونًا وَأَقَلَّ وَزْنًا لَمْ يَجُزْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَدِّهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي الْعَدَدِ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّعَامُلِ بِهَا عَدَدًا وَمَنَعَ قَطْعَهَا فَكَانَ ذَلِكَ مَنْعًا مِنْ التَّفَاضُلِ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ دِينَارٍ آخَرَ قَلَّمَا يُوجَدُ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَنَصَّ عَلَى أَقَلِّ الزِّيَادَةِ لِيُنَبِّهَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَكْثَرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَنْعَ لِمَنْ رَآهُ بَاعَ دِينَارًا بِدِينَارٍ فَخَصَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ بِالْمَنْعِ كَمَا رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نَبِيعُ تَمْرَ الْجَمْعِ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ» . (ش) : مَا ذَهَبَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَاءُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ مُعَاوِيَةُ مِنْ بَيْعِ سِقَايَةِ الذَّهَبِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَرَى فِي ذَلِكَ مَا رَآهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ تَجْوِيزِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ نَقْدًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ جَوَّزَ التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْمَصُوغِ مِنْهُ وَغَيْرِهِ لِمَعْنَى الصِّيَاغَةِ وَقَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِعْلَهُ مِنْ تَجْوِيزِهِ التَّفَاضُلَ فِي الذَّهَبِ وَاحْتَاجَ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فَلَيْسَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ صَرْفُهُ عَنْ رَأْيِهِ الَّذِي رُوِيَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ لَك فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ مَا أَوْتَرَ إلَّا بِوَاحِدَةٍ قَالَ أَصَابَ إنَّهُ فَقِيهٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَرَى الْقِيَاسَ مُقَدَّمًا عَلَى أَخْبَارِ الْآحَادِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَذَلِكَ لِمَا يَجُوزُ عَلَى الرَّاوِي مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ السَّهْوَ وَالْغَلَطَ يَجُوزُ فِيهِ عَلَى النَّاظِرِ الْمُجْتَهِدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجُوزُ عَلَى النَّاقِلِ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرَى تَقْدِيمَ أَخْبَارِ الْآحَادِ إلَّا أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْمَضْرُوبِ بِالْمَضْرُوبِ دُونَ الْمَصُوغِ بِالْمَضْرُوبِ وَرَأَى أَنَّ الصِّيَاغَةَ مَعْنًى زَائِدٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْفَضْلِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي قِرْطَاسٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُجْعَلُ الْقِرْطَاسُ عِوَضًا لِلْمِائَةِ الْأُخْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ أَنِكَارٌ مِنْهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ التَّعَلُّقَ بِرَأْيٍ يُخَالِفُ النَّصَّ وَلَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ مِنْ مُعَاوِيَةَ عَلَى التَّأْوِيلِ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ مِنْهُ عَلَى رَدِّ الْحَدِيثِ بِالرَّأْيِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا إلَّا الْمَصُوغَ بِالْمَضْرُوبِ وَفِيهِ نَقْلُ النَّهْيِ فَيَمْتَنِعُ التَّأْوِيلُ وَالتَّخْصِيصُ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ مُعَاوِيَةَ مَا أَرَى بِمِثْلِ هَذَا بَأْسًا عَلَى تَجْوِيزِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ وَقَوْلُهُ لَا أُسَاكِنُك بِأَرْضٍ أَنْتَ فِيهَا مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَاظِهَارٌ لِهَجْرِهِ وَالْبُعْدِ عَنْهُ حِينَ لَمْ يَأْخُذْ بِمَا نُقِلَ إلَيْهِ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُظْهِرُ الرُّجُوعَ عَمَّا خَالَفَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَدِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَلَى مَعْنَى رَفْعِ مَا يُنْكَرُ إلَى الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ عِنْدَهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا يَبِيعَ ذَلِكَ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ أَمْرِ حُكَّامِهِ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَالتَّبْصِيرِ لَهُمْ بِصَوَابِ الْأَحْكَامِ وَقَوْلُهُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْجُزَافِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ يَحْرُمُ فِيهِ الْجُزَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَعَهُ التَّسَاوِي وَالْجَهْلُ فَالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي هَذَا لِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ قِلَّةِ التَّسَامُحِ بِيَسِيرِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مُعَاوِيَةَ مَا رَاجَعَ بِهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِمَا احْتَمَلَ مِنْ التَّأْوِيلِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

شَيْئًا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ مَنَعَ مِنْ تَأَخُّرِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الصَّرْفِ عَنْ حَالِ النَّقْدِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْأَجَلَ فِي الصَّرْفِ وَالْعَقْدِ عَلَى تَأْخِيرِ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ النَّاجِزَ هُوَ مَا نَجَزَ الْقَبْضُ فِيهِ حَالَ الْعَقْدِ وَالْغَائِبُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا غَابَ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ حَالَ الْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي كُمِّ الصَّيْرَفِيِّ أَوْفَى تَابُوتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا غَابَ عَنْ الْحُضُورِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِيهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِالنَّاجِزِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُشَاهَدَةَ لَقَالَ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِمُشَاهَدٍ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الصَّيْرَفِيِّ عَلَى دِينَارٍ بِدَرَاهِمَ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الدِّينَارَ فَيَخْلِطُهُ بِذَهَبِهِ أَوْ فِي تَابُوتِهِ ثُمَّ يُخْرِجُ الدَّرَاهِمَ وَيَتْرُكُ الدِّينَارَ حَتَّى يُخْرِجَ الدَّرَاهِمَ وَيَحْضُرَ الْعَيْنَانِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمُنَاجَزَةِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ أَخْذَ الدِّينَارِ وَتَغْيِيبِهِ ثُمَّ إخْرَاجَ الدَّرَاهِمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الْمُنَاجَزَةِ بَلْ هِيَ مِنْ أَفْعَالِ التَّأْخِيرِ وَصِفَةِ التَّبَايُعِ فِيمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّقَابُضُ وَالتَّنَاجُزُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَعَاقَدَا الصَّرْفَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمَا مَا عَقَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَسْلَفَ أَحَدُهُمَا دِينَارًا وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى تَقَابَضَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَقَدَ الصَّرْفَ عَلَى غَائِبٍ لَمْ يَكُنْ حَاضِرَ الصِّفَةِ فَيَعْقِدُ عَلَيْهِ وَلَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إمْكَانِ مَا يَقْبِضُهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِيهِ وَيُصَحِّحُهُ مِنْ التَّنَاجُزِ وَالتَّقَابُضِ حَالَ الْعَقْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الدِّينَارَ وَاسْتَسْلَفَ الْآخَرُ الدَّرَاهِمَ فَتَنَاقَدَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ شَيْئًا قَرِيبًا كَحَلِّ الصُّرَّةِ وَلَا يَقُومُ لِذَلِكَ وَلَا يَفْتَرِقَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ عَقْدَ الصَّرْفِ قَدْ تَنَاوَلَ غَائِبًا وَالْفَسَادُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَالْفَسَادِ فِيهِمَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الَّذِي حَضَرَ عِوَضَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَسْتَسْلِفَ يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارِفٌ بِنَاجِزٍ وَعَقَدَ الصَّرْفَ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ بِمَثَابَتِهِ فَهُوَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إنَّك أَرَدْت الِاسْتِسْلَافَ لَا فَسَادَ مَا انْعَقَدَ بَيْنَنَا مِنْ الصَّرْفِ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا أُصَدِّقُك كَمَا لَوْ أَسْلَفَهُ دَنَانِيرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ الِانْتِفَاعَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُلُولَ مَا فِي الذِّمَّةِ يَقُومُ مَقَامَ حُضُورِ مَا هِيَ مَشْغُولَةٌ بِهِ وَالْقَبْضُ يَتَنَجَّزُ فِيهِ بِإِبْرَائِهَا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ فِيهَا ذَهَبًا قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّنَاجُزِ فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهَا يَقُومُ مَقَامَ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِيهَا إلَى أَجَلِهَا وَلَا بَأْسَ إذَا حَلَّ أَجَلُهُمَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كُنْت أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حُلُولَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِيهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَنَانِيرُ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ حَالَّةٌ جَازَ أَنْ يَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا لِمَا ذَكَرْنَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْغَاصِبُ إذَا غَصَبَ دَنَانِيرَ ثُمَّ لَقِيَ صَاحِبَهَا وَقَالَ إنَّ ذَهَبَك فِي دَارِي فَصَارَفَهُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا غُصِبَ مِنْ الذَّهَبِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَيَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْغَصْبِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَرَوَى فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْمُودِعِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَارِفَ بِهِ إلَّا عِنْدَ حُضُورِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمُودِعِ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالِاسْتِسْلَافِ وَمَالِكًا لِذَلِكَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ صَحَّ أَنْ يَعْتَقِدَ عِنْدَ الصَّرْفِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَسْلَفَهَا فَتَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ ثُمَّ يُصَارِفُ فِيهَا وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْحُلِيِّ قَوْلٌ وَاحِدٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّهْنُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ وَالصَّاعُ بِالصَّاعِ وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ قَطْعُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ جَائِزٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَعَلُّقُ الرَّهْنِ بِضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ جَوَازُهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ يُرِيدُ الْمَنْعَ مِنْ التَّفَرُّقِ قَبْلَ التَّنَاجُزِ بِالتَّقَابُضِ وَإِنْ قَرُبَ فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ وَقْتِ الصَّرْفِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ هَذَا إذَا كَانَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَسَادِ وَإِنْ عَرَا عَنْ ذَلِكَ الْعَقْدُ فَاخْتَارَا ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ طَرَأَ عَلَى الْعَقْدِ الْفَسَادُ لِعَدَمِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ وَتَمَامِهِ بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالتَّنَاجُزِ وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْآخَرُ حَتَّى احْتَاجَا إلَى التَّفَرُّقِ وَالتَّحَاكُمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالتَّأَخُّرُ الْيَسِيرُ مِنْ أَحَدِ عِوَضَيْ الصَّرْفِ يَقُومُ مَقَامَ تَأَخُّرِ جَمِيعِهِ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى بَطَلَ بَعْضُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ جَمِيعُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَجْمَعَ الصَّفْقَةُ حَلَالًا وَحَرَامًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ جَمِيعُهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَرَأَيْت لِزِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْدَلُسِيِّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سَلَّمَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ حِنْطَةً فَقَضَى فِيهَا خَمْسِينَ وَأَخَذَ خَمْسِينَ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهَا مَا قَضَى ثَمَنَهُ وَيَبْطُلُ مَا أَخَذَ ثَمَنَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الصَّفْقَةِ مَا يَخُصُّ بِهِ الْفَسَادَ وَيَصِحُّ مِنْهَا مَا عَرَا عَنْ الْفَسَادِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا أَصْلُ الرِّبَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الزِّيَادَةُ يُقَالُ أَرْبَيْت عَلَى كَذَا بِمَعْنَى زِدْت عَلَيْهِ فَمَعْنَى ذَلِكَ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الزِّيَادَةَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الْعَيْنِ وَالزِّيَادَةُ هِيَ الرِّبَا الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَنَهَى عَنْهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : قَوْلُهُ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ يُرِيدُ مُتَسَاوِيَيْنِ وَقَوْلُهُ الصَّاعُ بِالصَّاعِ يُرِيدُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُبَاعُ كَالِئٌ بِنَاجِزٍ يُرِيدُ مُؤَخَّرًا بِمُعَجَّلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْجِنْسَيْنِ إذَا جَمَعَهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا رِبَا إلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَقْتَضِي أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِيهِمَا عِنْدَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَقَوْلُهُ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ يَقْتَضِي أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَهُ فِي الْمَطْعُومِ أَنَّهُ مَطْعُومٌ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ الرِّبَا عِنْدَهُ فِي الْخُضَرِ الْمَوْزُونَةِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ الْمَكِيلَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ قَطْعَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ يُرِيدُ قَطْعَ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ وَالدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْطَعَهَا لِيَبِيعَهَا مُقَطَّعَةً فَإِنَّهُ مِنْ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ إلَى إدْخَالِ الْغِشِّ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَتْ صِغَارًا أَدْخَلَ بَيْنَهَا الْمَغْشُوشَ وَتَسَامَحَ النَّاسُ بِإِنْفَاقِ الْيَسِيرِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَخَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ تَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي قَرْضُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ عَدَدًا لِمُنْفِقِهَا عَدَدًا فَتَبْقَى عِنْدَهُ مَا قَدْ قَرَضَ مِنْهَا حَبَّةً مِنْ كُلِّ مِثْقَالٍ فَيَسْتَعْضِلُ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغِشِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ وَازِنٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغُشَّ بِنَقْصِهِ أَوْ يَغُشَّ بِإِدْخَالِ الدَّاخِلِ فِي جَوْدَتِهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُؤَدَّبُ كَاسِرُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَدَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ وَغِشٌّ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ قَطْعٌ كَسَائِرِ مَا يُغَشُّ فِيهِ مِنْ الْأَعْوَاضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ وَالدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ فَأَمَّا مَا قَدُمَ قَطْعُهُ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ قَطْعِهِ أَمْ لَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دِرْهَمٍ فَلَا بَأْسَ بِقَطْعِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمُدَوَّرٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْقَرْضَ الْكَثِيرَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيْزِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْغِشِّ مِنْ الْقَرْضِ الصَّغِيرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَبِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى التَّبَايُعِ بِكُسُورِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَمَنْ ابْتَاعَ بِكَسْرِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ فِي مَوْضِعِ الصِّحَاحِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دِينَارًا يَسْتَثْنِي مِنْهُ جُزْءًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ جُزْءًا مِنْ الْوَرِقِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى جُزْءًا مِنْ الذَّهَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيمَنْ اشْتَرَى بِعِشْرِينَ قِيرَاطًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ بِمِثْقَالٍ غَيْرِ رُبْعِ مِثْقَالٍ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الدِّينَارِ الصَّحِيحِ غَالِبًا وَيُوجَدُ عَلَى ذَلِكَ الْوَزْنِ كَثِيرًا كَالْقِيرَاطِ وَالْقِيرَاطَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِنَقْصِهِ مِنْ الدِّينَارِ الصَّحِيحِ إلَّا نَادِرًا وَإِذَا نَقَصَ مِنْهُ خَرَجَ إلَى حَدِّ الْمَجْمُوعَةِ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ الصَّحِيحِ كُلِّفَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُ أَوْ كُلِّفَ مَنْ هُوَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَقْطُوعًا وَفِي ذَلِكَ تَرْكُ بَعْضِ حَقِّهِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُبَايَعَةُ بِدِينَارٍ إلَّا سُدُسًا إلَى أَجَلٍ جَازَ ذَلِكَ وَقُضِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ تَبَرَّعَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ دِينَارٍ لِيَبْقَى لَهُ سُدُسٌ مِنْ دِينَارٍ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْقَابِضُ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِسَلَفِ سُدُسِ دِينَارٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُسْتَثْنَى وَرِقًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كَانَ حَالًّا جَازَ ذَلِكَ فِي أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَخْتَلِفَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فِي التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ يَتَّفِقَا فِي ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَلَفَا مِثْلُ أَنْ يُتَعَجَّلَ الدِّينَارُ وَالسِّلْعَةُ وَيُتَأَجَّلَ الدِّرْهَمُ أَوْ تُتَعَجَّلَ السِّلْعَةُ وَالدِّرْهَمُ وَيُتَأَجَّلُ الدِّينَارُ أَوْ تَتَعَجَّلُ السِّلْعَةُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيُتَعَجَّلَ الْآخَرُ مُفْرَدًا فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَنْعُهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ تَعْجِيلِ الدِّينَارِ وَتَأْخِيرِ السِّلْعَةِ وَالدِّرْهَمِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَمَعْنَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الصَّرْفَ الْيَسِيرَ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ لِلْمَبِيعِ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي التَّعْجِيلِ وَالتَّأْجِيلِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْيَسِيرَ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ لِلصَّرْفِ لَهُ حُكْمُ الصَّرْفِ وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْفِضَّةَ الْيَسِيرَةَ مَعَ السِّلْعَةِ بِالذَّهَبِ لَا يَكُونُ صَرْفًا لِقِلَّتِهَا لَا يَصْلُحُ التَّأْخِيرُ فِيهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ تَغْلِيبُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ اتَّفَقَا فِي التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِيرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُتَعَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَتُتَأَجَّلَ السِّلْعَةُ أَوْ تُتَعَجَّلَ السِّلْعَةُ وَيُتَأَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَإِنْ تُعَجِّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَتَأَجَّلَتْ السِّلْعَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ وَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ جَائِزٌ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ التَّنَاقُدَ وُجِدَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ فَلَمْ تَمْتَنِعْ مُخَالَفَةُ الثَّوَابِ لَهُمَا مِنْ الْجَوَازِ كَمَا لَوْ تُعُجِّلَ الثَّوْبُ وَتَأَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ تَعَجَّلَتْ السِّلْعَةُ وَتَأَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي إجَازَتِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْن الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا تَعَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ وَتَأَخَّرَتْ السِّلْعَةُ فَقَدْ وُجِدَ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا وَكَمُلَ فَوَجَبَ أَنْ يُتَعَجَّلَ مَا مَعَهُمَا مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُتَعَجَّلْ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِتَأَخُّرِ الْقَبْضِ فِي بَعْضِ أَعْوَاضِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا إذَا تُعُجِّلَتْ السِّلْعَةُ وَتَأَجَّلَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَإِنَّ ذِمَّةَ بَائِعِ الثَّوْبِ لَيْسَتْ بِمَشْغُولَةٍ بِدِرْهَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَذِمَّةَ مُشْتَرِي الثَّوْبِ مَشْغُولَةٌ بِدِينَارٍ غَيْرِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَرْفٌ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ غَيْرِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الدِّينَارِ فَتَأَخُّرُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَدِّرَ النَّقْصَ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ يَخْتَلِفُ بِهَا قَدْرُ مَا يُنْقِصُ الدِّينَارَ عِنْدَ الْأَجَلِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ لِقِلَّةِ مَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُ الْأَسْوَاقِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فِي الدِّينَارِ. 1 - (فَرْعٌ) وَكَمْ قَدْرُ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ فِي الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ وَمَنَعَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فِي الثَّلَاثَةِ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ تَبَعًا وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى جُزْءًا مِنْ الذَّهَبِ فَقَدْ يَسْتَثْنِيهِ بِلَفْظِ الذَّهَبِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قُضِيَ عَنْ الْمُبْتَاعِ بِالذَّهَبِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى كَثِيرًا، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ إلَّا سُدُسًا أَوْ إلَّا خُمُسًا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ لِمَا تَقَدَّمَ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سِلْعَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا عِنْدَ الْأَجَلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ صَرْفَ نِصْفَيْنِ عِنْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُجْبَرُ عِنْدَ الْأَجَلِ عَلَى دَفْعِ الدِّينَارِ إنْ اخْتَارَ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَلَا يَضُرُّ اشْتِرَاطُ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى تَعَامُلِهِمَا وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْوَرِقِ فَقَدْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الذَّهَبَ وَيَرُدُّ هُوَ عَلَيْهِ الْمُسْتَثْنَى وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يُعْتَبَرَ بِسِعْرِ الدِّرْهَمِ حِينَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِالْمُسْتَثْنَى بِالْمَبْلَغِ وَيُرَاعَى تَأْثِيرُهُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَالْمَكِيلِ يُسْتَثْنَى مِنْ الصُّبْرَةِ أَوْ ثَمَرَةِ الْحَائِطِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَمَا نَحَا إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي قَوْلِهِ إنَّ الِاعْتِبَارَ بِمِقْدَارِ الدَّرَاهِمِ حِينَ الْعَقْدِ دُونَ وَقْتِ الِاقْتِضَاءِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ صَحِيحَ الدِّينَارِ هُوَ مَا يَنْقُصُ مِنْهُ الْقِيرَاطُ وَالِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَمَا يَنْقُصُ مِنْهُ أَرْبَعَةُ قَرَارِيطَ وَخَمْسَةٌ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَجْمُوعَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ بِمِثْقَالٍ غَيْرِ سُدُسٍ قُضِيَ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ وَمَنْ بَاعَ بِمِثْقَالٍ غَيْرِ قِيرَاطٍ قُضِيَ لَهُ بِالدِّينَارِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِالدَّرَاهِمِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ نِسْبَةُ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ بِمِثْقَالٍ إلَّا دِرْهَمًا وَإِلَّا دِرْهَمَيْنِ فَقَدْ بَاعَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ بِدِينَارٍ غَيْرِ قِيرَاطَيْنِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحِيحِ فَلَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِثْنَاءِ تَأْثِيرٌ فِي تَغَيُّرِ صِفَةِ الدِّينَارِ وَإِذَا بَاعَ بِدِينَارٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَقَدْ بَاعَ بِدِينَارٍ صَحِيحٍ وَلَوْ اسْتَثْنَى بِلَفْظِ الدَّرَاهِمِ لَأُخِذَ مَجْمُوعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ بِدِينَارٍ غَيْرِ رُبْعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَيَجْعَلُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَجْمُوعِ فَكَانَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِالدَّرَاهِمِ تَأْثِيرٌ فِي تَغَيُّرِ صِفَةِ الدِّينَارِ فَدَخَلَ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الصَّرْفِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ. (فَرْعٌ) فَإِذْ قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ فَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِائَةَ ثَوْبٍ كُلُّ ثَوْبٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ دِينَارٌ يُكْتَبُ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَوَّمَ الدِّينَارُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الصَّرْفِ يَوْمُ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ قَبْلَ أَوَانِهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَانَ الْأَجَلُ فَدَفَعَ إلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ وَأَخَذَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهُوَ صَرْفٌ مُسْتَأْخَرٌ عَنْ الْعَقْدِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ جُزَافًا إذَا كَانَ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا قَدْ صِيغَ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَعْدُودَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَعْدُودَةُ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جُزَافًا حَتَّى يَعْلَمَ وَيَعُدَّ فَإِنْ اشْتَرَى ذَلِكَ جُزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ حِينَ يَتْرُكَ عَدَدَهُ وَيَشْتَرِيَ جُزَافًا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا مَا كَانَ يُوزَنُ مِنْ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ جُزَافًا وَإِنَّمَا ابْتِيَاعُ ذَلِكَ جُزَافًا كَهَيْئَةِ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّتِي تُبَاعُ جُزَافًا وَمِثْلُهَا يُكَالُ فَلَيْسَ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ جُزَافًا بَأْسٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ يَوْمَ الْعَقْدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا إلَى أَجَلٍ فَأَمَّا مَنْعُهُ بِالْأَجَلِ فَإِنَّهُمَا إنْ قَوَّمَا الدَّرَاهِمَ بِالذَّهَبِ حِينَ الْعَقْدِ دَخَلَهُ مِنْ الْفَسَادِ مَا تَقَدَّمَ بِمَا احْتَجَّ بِهِ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ وَإِنْ أَخَّرَا ذَلِكَ دَخَلَهُ مِنْ الْفَسَادِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ مَنْعِ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ أَيْضًا مَا يَدْخُلُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا كَثُرَتْ كَثُرَ قَدْرُهَا مِنْ الدِّينَارِ وَاخْتَلَفَ ذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ فَاخْتِلَافُ أَسْوَاقِهَا مُؤَثِّرٌ فِي قَدْرِ النَّاقِصِ مِنْ الدِّينَارِ جَهَالَةً. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمًا فَدَفَعَ إلَيْهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِرْهَمًا أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا وَأَخَذَ مِنْهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ حَتَّى يُقْبِضَهُ إيَّاهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ سُدُسَ دِينَارٍ فَنَقَدَهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِالرُّبْعِ دِينَارٍ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الدِّينَارَ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الدِّينَارَ وَقَبَضَ مِنْهُ رُبْعَ دِينَارٍ وَبَقِيَتْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ يَجُوزُ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنَّ نَقْصَ الدِّينَارِ الْخَامِسِ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ دُونَ جِنْسِ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَامَا تَقْدِيرَهُ بِجِنْسِ الدِّينَارِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَيَدْخُلُهُ النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّجَاوُزُ فَلَزِمَ بِذَلِكَ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ وَقَبْضُ الدِّينَارِ فَأَشْبَهَ الْعِوَضَ وَوَجَبَ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي الصَّرْفِ إذَا ثَبَتَ لِلْعَقْدِ حُكْمُ الصَّرْفِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ عَلَى مَشْهُورِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الثَّوْبَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ غَيْرَ رُبْعِ دِينَارٍ فَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ النَّقْصُ مِنْ الدِّينَارِ الْخَامِسِ بِجِنْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ بَائِعَ الثَّوْبِ دَفْعُ رُبْعِ الدِّينَارِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي تَحْقِيقِ النَّقْصِ بِهِ إلَى تَقْوِيمٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلرُّبْعِ الَّذِي يَنْقُصُ مِنْ الدِّينَارِ حُكْمُ الْعِوَضِ وَلَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْمُسْتَثْنَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ إلَّا دِينَارًا فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَخَذَ دِينَارًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جُزَافًا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ تِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنْ كَانَ مَعْدُودًا مِمَّا لَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ كَثِيرَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجُزَافُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا لَا قَدْرَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْجَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَصِغَارِ الْحِيتَانِ وَمَا قَالَهُ يُنْتَقَضُ بِصُبَرِ الْحِنْطَةِ وَجُزَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْمِسْكِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَتْ بِمَعْدُودَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْزُونَةٌ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَتَحْتَاجُ الْكَرَاهَةُ إلَى دَلِيلٍ كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَعَلَّلَا ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا بِحَيْثُ يَحْرُمُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ عَدَدًا فَيَرْغَبُ فِي الْخِفَافِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْمِائَةِ بِالْوَزْنِ مِنْهَا مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ عَدَدًا وَتُنْفَقُ مُفْرَدَةً فَتَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ وَيُنْفَقُ مِنْهَا الْوَاحِدُ فِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ خَاتَمًا وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنَّ مَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ الذَّهَبُ بِدَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَمَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ بِالْوَرِقِ مِمَّا فِيهِ الْوَرِقُ نَظَرَ إلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الْوَرِقِ الثُّلُثَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ عِنْدَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمْلَةِ فَيَرْغَبُ النَّاسُ فِي خِفَافِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا بِيعَتْ جُزَافًا دَخَلَهُ الْغَرَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَبْلَغِ فِي الْوَزْنِ وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْمَبْلَغِ فِي الْعَدَدِ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ، وَأَمَّا الْجُزَافُ فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْغَرَرُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَبْلَغُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَلَمَّا قَلَّ الْغَرَرُ فِيهَا جَازَ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ يَقْتَضِي جَوَازَهَا جُزَافًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ عَدَدًا وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْوَزْنِ خَاصَّةً وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي فِيمَنْ شَرَطَ فِي الْإِقَالَةِ عَيْنَ دَرَاهِمِهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ حَاضِرَةٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَعْيَانَهَا وَلِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَيْرَهَا. وَقَالَ فِي كِرَاءِ الرَّوَاحِلِ وَمَنْ اكْتَرَى رَاحِلَةً بِدَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا وَلَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ النَّقْدَ وَلَا اشْتَرَطَهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ أَعْطَاهُ غَيْرَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي تَعْيِينَهَا وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا وَهَذَا يَنْفِي التَّعْيِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20] قَالَ الْفَرَّاءُ الثَّمَنُ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ وَالْفَرَّاءُ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الثَّمَنَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ كَانَ هَذَا الِاسْمُ مُنْطَلِقًا عَلَى هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْمَالِ وَيَخْتَصُّ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَتَعَيَّنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ثَمَنٌ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ أَصُلَةُ إذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَالْجُزَافُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْهُ الْمُقَدَّرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْكُحْلِ وَالْحَرِيرِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْهُ الْجُزَافُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْهُ فِي الذِّمَّةِ الْمُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا جُزَافًا كَسَائِرِ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ تِبْرُهُ وَمَصُوغُهُ جُزَافًا لَمَّا كَانَ يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَى ذَلِكَ جُزَافًا فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ مِنْ الْجُزَافِ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ وَزْنُهُ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا لَا يَتَقَدَّرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا مَا يُوزَنُ مِنْ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ جُزَافًا كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ تَعَلَّقَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بِظَاهِرِ هَذَا فِي مَنْعِهِمَا ذَلِكَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِكَوْنِهِمَا مَعْدُودَيْنِ وَتَجْوِيزُهُمَا ذَلِكَ فِي التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ بِالْوَزْنِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ الْجُزَافُ فِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الْعَدَدُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي صِحَاحِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّرُ بِالْعَدَدِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ اشْتَرَى مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ خَاتَمًا وَفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ بِجِنْسِ مَا هُوَ حُلِيٌّ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الْحُلِيِّ مُبَاحًا فِي الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ كَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَخَاتَمِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِيهِ حِلْيَةُ الْفِضَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحُلِيِّ النِّسَاءِ يَكُونُ فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ» ، وَأَمَّا الْمُصْحَفُ وَالسَّيْفُ وَالْخَاتَمُ لِلرِّجَالِ مُحَلًّى شَيْءٌ مِنْهُ بِالذَّهَبِ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ وَالسَّيْفِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْخَاتَمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ خَاتَمَ النِّسَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي خَاتَمِهِ مِسْمَارَ ذَهَبٍ أَوْ يَخِيطَ بِقَبْضَتِهِ مِنْهُ حَبَّةً أَوَحَبَّتَيْنِ لِئَلَّا يَصْدَأَ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ مِنْ مَحْضِ الذَّهَبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ فِي حُلِيِّ الرِّجَالِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ فِي حُلِيِّ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَوَاتِمِهِمْ وَلَا يَجُوزُ فِي خَوَاتِمِ الرِّجَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى بَيْعِهِ فِي خَوَاتِمِ الرِّجَالِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّيْفَ وَالْمُصْحَفَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُحَلَّى بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّحَلِّي بِهِ مُشَارَكَةٌ لِلنِّسَاءِ وَلَا مُسَاوَاةٌ لَهُنَّ فِي بَابِ التَّحَلِّي بِهِ، وَأَمَّا الْخَاتَمُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَحَلَّى بِهِ النِّسَاءُ كَمَا يَتَحَلَّى بِهِ الرِّجَالُ فَمُنِعَ الرِّجَالُ مِنْ الذَّهَبِ وَأُبِيحَ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ بَابَ التَّحَلِّي مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ، وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّحَلِّي بَلْ بَابُهُ مَمْنُوعٌ وَهُوَ اتِّخَاذُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ مِمَّا لَيْسَ بِحُلِيٍّ لِلْجَسَدِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَمْنُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَكَاحِلِ وَالْمَجَامِرِ وَالْمَدَاهِنِ مِنْهُ مَا يَخُصُّ الْمُصْحَفَ لِتَعْظِيمِ أَمْرِهِ كَمَا فِي مَفَاتِيحِ الْكَعْبَةِ وَالْكِسْوَةِ دُونَ سَائِرِ الْبُيُوتِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَظُّمِ وَذَلِكَ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حُلِيِّ الْمُصْحَفِ فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ ذَلِكَ بِأَوْعَبَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَضَافَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَنَاطِقَ وَالْأَسْلِحَةَ كُلَّهَا إذَا كَانَتْ مُفَضَّضَةً فَهِيَ كَالسَّيْفِ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ تَبَعًا لِقِيمَةِ الْمُحَلَّى وَبِمَا تَكُونُ الْمُوَازَنَةُ مِنْ الْحُلِيِّ بِقِيمَتِهِ أَوْ وَزْنِ مَا فِيهِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُوَازَنَةَ بِوَزْنِ الْحُلِيِّ وَقِيمَةِ الْمُحَلَّى وَقَدْ رَأَيْته نَصًّا لِبَعْضِ شُيُوخِ الْقَرَوِيِّينَ وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ ثَابِتٌ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ الثُّلُثَ وَقِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ الثُّلُثَيْنِ فَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ قِيمَةِ الْحُلِيِّ دُونَ وَزْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَجَوُّزًا فِي عِبَارَةٍ فَهَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يُعْتَبَرُ فِي تَحْلِيلِ بَيْعِ الذَّهَبِ وَتَحْرِيمِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بِوَزْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ كَالتَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَمْ الْمِقْدَارُ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ كَانَ تَبَعًا وَإِذَا تَجَاوَزَهُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي النَّصِّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَنَّ الثُّلُثَ وَمَا دُونَهُ فِي حُكْمِ التَّبَعِ وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِتَبَعٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَعْطَى دِرْهَمًا وَأَخَذَ نِصْفَهُ دِرْهَمًا صَغِيرًا قَدْ كُنَّا نَكْرَهُهُ وَنَحْنُ نُجِيزُهُ الْآنَ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التُّسْعُ النِّصْفَ فَأَقَلَّ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ التَّبَعِ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنَى الضَّرُورَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ النِّصْفَ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ} [المزمل: 3] وَأَنَّ النِّصْفَ بَدَلٌ مِنْ الْقَلِيلِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَأَنْ يَكُونَ الْحُلِيُّ مُرْتَبِطًا بِالْمُحَلَّى ارْتِبَاطًا فِي إزَالَتِهِ مَضَرَّةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ الْمَبِيعِ وَتَمْيِيزِهِ إلَّا بِمَضَرَّةٍ لَاحِقَةٍ فَأَمَّا مَا كَانَ فِي نَقْصِهِ كَسْرٌ لِصِيَاغَتِهِ كَالْفُصُوصِ الْمَصُوغِ عَلَيْهَا الْحُلِيُّ، وَالْمَصَاحِفِ الَّتِي فِيهَا مَسَامِيرُ الْفِضَّةِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ الَّتِي تَسْتَمِرُّ فِي حَائِلِهِ وَجَعْبَتِهِ فَهَذَا مِمَّا يُبِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْقَلَائِدِ الَّتِي لَا يَفْسُدُ غَيْرُ نَظْمِهَا بِتَمَيُّزِ قَلَائِدِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا فِي الْإِبَاحَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا كَمُلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ جَازَ أَنْ يُبَاعَ الْمُحَلَّى فِيهِ بِجِنْسِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُلِيِّ فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ بِالْفِضَّةِ وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ جَازَ بَيْعُهُ بِهِ وَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَدًا بِيَدٍ يَقْتَضِي التَّنَاجُزَ وَمَنْعَ دُخُولِ التَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ بِجِنْسِهِ إلَى أَجَلٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَنْعُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ خِلَافًا لِرَبِيعَةَ فِي تَجْوِيزِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ لِلْأَجَلِ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي الْفَسَادِ مَا لَيْسَ لِلتَّفَاضُلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا النِّسَاءُ فَلِذَلِكَ أَثَرٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْأَجَلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمُحَلَّى ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ هُمَا تَبَعٌ لِمَا هُمَا فِيهِ مِنْ الْمُحَلَّى فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ بَيْعُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا حُلِّيَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَلْيُبَعْ بِأَقَلِّهِمَا إنْ كَانَ الثُّلُثُ فَدُونَ يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ كَانَ نِقَارِيًّا بِيعَ بِالْعَرَضِ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا يُبَاعُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ أَشَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ مَا حُلِّيَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ سَيْفٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ مِمَّا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَمْرَانِ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ بِالتَّبَعِ وَوَجْهُهُ أَنَّ بَيْعَهُ بِنِصْفِهِ مَعَ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ يَجُوزُ فَبِأَنْ يَجُوزَ بِغَيْرِ صِنْفِهِ مَعَ تَجْوِيزِ التَّفَاضُلِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَمْرَانِ مِنْ الْمَكْرُوهِ أَحَدُهُمَا بَيْعُ الْعَيْنِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَالثَّانِي اجْتِمَاعُ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) فَإِذْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ تَبَعًا جَازَ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ أَوْ بِوَرِقٍ فَجَوَّزَ بَيْعَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَعًا لِلْمُحَلَّى وَالْمَفْهُومُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُرَاعَى بَعْدَ كَوْنِهَا تَبَعًا لِلْمُحَلَّى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَتَكُونُ الْعَيْنُ تَبَعًا لِلْمَبِيعِ وَالْقَلِيلُ مِنْهُمَا تَبَعًا لِلْكَثِيرِ فَإِذَا بِيعَ بِأَقَلِّهِمَا صَارَ إلَى حُكْمِ الصَّرْفِ مَعَ التَّبَعِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا وَالْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَبِيعِ بِيعَ بِالتَّبَعِ وَلَا يُبَاعُ بِالْآخَرِ وَإِنْ تَجَاوَزَ التَّبَعَ لَمْ يُبَعْ إلَّا بِعَرَضٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا بَيْعُهُ بِغَيْرِ صِنْفِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ جَائِزٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَصَرْفٌ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَدْ اسْتَخَفَّ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. فَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُقْتَضَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُقْتَضَى الْآخَرِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَالْبَيْعِ وَذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الصَّرْفِ أَنَّ عَدَمَ التَّنَاجُزِ فِي الْمَجْلِسِ يُفْسِدُهُ وَالْبَيْعُ لَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ لَازِمًا وَالْبَيْعُ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ لَازِمًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ لَازِمَانِ لَا يَتَنَافَيَانِ؛ لِأَنَّ التَّنَاجُزَ مِنْ لَازِمِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحَّانِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ وَهِيَ الْأَشْهَرُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ التَّبَعُ مُلْصَقًا بِالْمَبِيعِ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ إلَّا بِضَرَرٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْمَبِيعِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُلِيُّ غَيْرَ مُبَاحِ الِاتِّخَاذِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ يُبِيحُ بِهَا الْعِلْمُ بِجِنْسِهِ، وَالتَّفَاضُلُ يَحْرُمُ فِيهَا فَبِأَنْ يُبِيحَ بَيْعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مَعَ إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِمَنْعِ الصَّرْفِ وَالْبَيْعِ فِي عَقْدٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ فَإِنْ وَقَعَ فَقَدْ قَالَ عِيسَى يُرَدُّ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ فَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَتْ الْمُبْتَاعَ قِيمَتُهَا وَتُرَادَّا الْعَيْنَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِقِيمَتِهِ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ فِي بَعْضِ الدَّنَانِيرِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِدِينَارٍ غَيْرِ رُبْعٍ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ إلَّا الصِّحَاحُ فَيُعْطِيهِ بِالرُّبْعِ دِينَارٍ دَرَاهِمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اتَّفَقَ حُكْمُهُمَا مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُمَا وَاخْتَلَفَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُمَا وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ أَحَدِهِمَا

[ما جاء في الصرف]

مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِمَا عَقْدٌ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْمَلَهُمَا التَّعْجِيلُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْآخَرِ وَقَدْ بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مَعَ أَحَدِهِمَا عَرْضٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكَمْ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَجُوزُ مِنْ الصَّرْفِ مَعَ الْبَيْعِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ الصَّرْفُ مَعَ الْبَيْعِ فِي الْيَسِيرِ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ فَيَجْرِي فِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الدِّينَارِ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَبَعًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الدِّينَارَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَأْخُذُ لَحْمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ تُعَجَّلَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَقَلِّ الدِّينَارِ وَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الصَّرْفُ يَشْتَمِلُ عَلَى دِينَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ التَّبَعِ إلَّا الْيَسِيرُ أَوْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الصَّرْفِ إلَّا الْيَسِيرُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدِّينَارِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْحُكْمُ لِلتَّبَعِ فَيَكُونُ مِنْهُ لِلصَّرْفِ أَقَلُّ مِنْ دِينَارٍ فَإِنْ بَلَغَ الدِّينَارَ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الدَّنَانِيرِ وَالْحَاجَةِ إلَى أَنْ يَزْدَادَ فِي الثَّمَنِ مِقْدَارُ الدِّينَارِ يَجِبُ عَلَى هَذَا قَصْرُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى بَلَدٍ لَا يَجْرِي فِيهِ إلَّا الصَّحِيحُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الصَّقَلِّيِّينَ إنَّ الرُّبَاعِيَّ الَّذِي يُبْتَاعُ بِهِ عِنْدَهُمْ يَجْرِي مَجْرَى الدِّينَارِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْحُكْمُ لِلصَّرْفِ، وَالسِّلْعَةُ تَبَعٌ فَكَمْ الْيَسِيرُ مِنْهَا حُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ مَنَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ دُونَ تَحْدِيدٍ. [مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ دَلِيلٌ عَلَى تَجْوِيزِ عِوَضِ الدِّينَارِ وَمُرَاوَضَةِ مُتَبَايِعِهِمَا فِي صَرْفِهِمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ أَوْ مَعْرِفَةِ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْعَطَاءُ وَقَوْلُهُ فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْمُصَارَفَةِ لِمَنْ لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ مُتَّجِرًا، وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ مُتَّجِرًا أَوْ صِنَاعَةً فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمَلَ بِالصَّرْفِ إلَّا أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ أَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِيهِ حَتَّى عَقَدَا الصَّرْفَ فَأَخَذَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا لِيَعْلَمَ جَوْدَتَهَا ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ خَازِنُهُ مِنْ الْغَابَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَأْخِيرَ الدَّرَاهِمِ خَاصَّةً وَيَقْبِضَ هُوَ الدَّنَانِيرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إقْرَارَ الدَّنَانِيرِ بِيَدِ مَالِكِهَا حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنُهُ مِنْ الْغَابَةِ فَيَتَقَابَضَا يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ يُرِيدُ لَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكُمَا عَقْدٌ حَتَّى يَنْتَجِزَ مَا بَيْنَكُمَا مِنْ التَّقَابُضِ ثُمَّ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقَابُضَ فِيهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُمَا بَلْ يَقْتَرِنُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ الْعِوَضِ بِقَوْلِهِ هَاءَ وَلِذَلِكَ فَهِمَ مِنْهُ عُمَرُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ تَعْجِيلَ التَّقَابُضِ فَأَمَّا التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ عُمَرُ وَمَا جَوَّزَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرْكُهُ التَّأْوِيلَ وَالْمُرَاجَعَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دَلِيلٌ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الصَّرَّافُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى صَرَّافٍ قَرِيبٍ مِنْهُ يُرِيهِ إيَّاهَا وَيَزِنُهَا عِنْدَهُ أَوْ عَقَدَ مَعَهُ الصَّرْفَ عَلَى ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا قَرُبَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَا لِقُرْبِهِمَا فِي حُكْمِ الْمُتَجَالِسَيْنِ، وَأَمَّا أَنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ حَتَّى يُرَى أَنَّهُ افْتِرَاقٌ مِنْ الْمُتَصَارِفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اسْتَوْجَبَ رَجُلٌ سِوَارَيْ ذَهَبٍ بِمِائَةٍ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهِمَا فَإِنْ رَضِيَهُمَا أَهْلُهُ رَجَعَ بِهِمَا فَاسْتَوْجَبَهُمَا مِنْهُ وَإِلَّا رَدَّهُمَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَهَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِي الصَّرْفِ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ وَجُوِّزَ التَّأْخِيرُ فِيهِ بَعْدَ عَقْدِهِ عَلَى النَّقْدِ وَهُوَ أَيْضًا بَعِيدٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُوَاعَدَةَ فِي الصَّرْفِ وَتَقْرِيرِ الثَّمَنِ دُونَ عَقْدٍ وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ إنْ رَضِيَهُمَا أَهْلُهُ رَجَعَ فَاسْتَوْجَبَهُمَا مِنْهُ فَذَكَرَ أَنَّ الْإِيجَابَ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ تَقْرِيرِ الثَّمَنِ وَمَعْرِفَةِ مَا يَتْبَعُ الصَّرْفَ إنْ رَضِيَهَا أَهْلُهُ لِمَا كُلِّفَ الطَّلَبُ وَمَعْرِفَةُ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجْعَلْ إلَيْهِ عَقْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الصَّرْفَ يُنَافِي الْخِيَارَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ وَالنَّقْدِ فِي الْمَجْلِسِ وَالْخِيَارُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يَدْخُلُهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُدَّةٍ تَتَأَخَّرُ عَنْ حَالِ الْعَقْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بِيعَ حُلِيٌّ فِي تَرِكَةٍ فَابْتَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بَعْضَهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَاصَّا بِهِ مِمَّا لَهُ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يُنْجِزَ الْقِسْمَةَ فِي الْمَجْلِسِ بِإِثْرِ الِابْتِيَاعِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لَيْسَ بِقِسْمَةٍ مُتَنَجَّزَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ سَائِرُ الْمِيرَاثِ لَرَجَعَ عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ فَلَمَّا لَمْ يَتَنَجَّزْ الْقَبْضُ فِيهِ دَخَلَهُ التَّأْخِيرُ فِي الصَّرْفِ فَأَبْطَلَهُ وَلَوْ قَالَ مُبْتَاعُ الْحُلِيِّ: أَمْسِكْ ثَمَنَ حِصَّتِي مِنْهُ وَارْفَعْ الْبَاقِيَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ وَقَالَ بِإِثْرِهَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ خَالَفَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُفَاصَلَةَ وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحُلِيِّ الْمَبِيعِ بِإِمْسَاكِ قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْهُ وَدَفْعِ الْبَاقِي فَقَدْ وُجِدَ التَّنَاجُزُ بَيْنَهُمَا فَصَحَّ الْعَقْدُ وَلَا يُؤَثِّرُ وَزْنُهُ لِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إذَا جَازَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا بِإِثْرِ دَفْعِهِ لَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ افْتِرَاقُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ بِغَلَبَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا مِثْلَ أَنْ يَقْبِضَ الصَّرَّافُ الدَّنَانِيرَ وَيَمْنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْمٍ اشْتَرَوْا قِلَادَةَ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا بِدَرَاهِمَ نَقْدًا وَقَالُوا نَزِنُ الدَّرَاهِمَ وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَفَصَلُوا الْقِلَادَةَ وَتُقَاوَمُوا اللُّؤْلُؤَ أَوْ بَاعُوا الذَّهَبَ فِيمَا وَضَعُوا أَرَادُوا نَقْضَ الْبَيْعِ لِتَأَخُّرِ النَّقْدِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا تُنْقَضُ لِتَأَخُّرِ النَّقْدِ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَوْا عَلَى النَّقْدِ زَادَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِتَأْخِيرِهِمْ وَصُنْعِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مَغْلُوبٌ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ تَأْخِيرَ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ النَّقْدَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ النَّقْدُ فَإِذَا عُدِمَتْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ وَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ وَيَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ أَلْزَمَهُ ثَمَنَ الْقِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ ثُمَّ تَعَدَّوْا عَلَى إتْلَافِهَا لِيُؤَدُّوا إلَيْهِ الْقِيمَةَ فَلَزِمَهُمْ الثَّمَنُ كَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى الْخِيَارِ وَادَّعَى تَلَفَهُ فَاتُّهِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ رَدَّ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ دُونَ الْقِيمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» قَالَ ابْنُ ثَابِتٍ فِي غَرِيبِهِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ بِالْمَدِّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي النَّقْدَ مَعَ الْعَقْدِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَاءَ وَهَاءَ تَنُوبُ عَنْ الْعَقْدِ وَالنَّقْدِ لِقُرْبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ النَّقْدُ عَنْ الْعَقْدِ وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَكُونَا مَعًا مِثْلَ الدِّرْهَمَيْنِ أَوْ يَكُونَ النَّقْدُ مُتَّصِلًا بِتَمَامِ الْعَقْدِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ مَعَ كَوْنِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَمَا هُوَ حُكْمُهُ مِنْ الْقُرْبِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا إنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا طُولُ مَجْلِسٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ أَمْرٍ إلَى أَمْرٍ غَيْرِهِ وَمِنْ الصَّرْفِ إلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا فَأَرَادَ رَدَّهُ اُنْتُقِضَ صَرْفُ الدِّينَارِ وَرَدَّ إلَيْهِ وَرِقَهُ وَأَخَذَ إلَيْهِ دِينَارَهُ وَتَفْسِيرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرْهُ وَهُوَ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوْ الشَّيْءِ الْمُتَأَخِّرِ فَلِذَلِكَ كَرِهَ ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفَ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلًا بِآجِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ مُخْتَلِفَةٌ أَصْنَافُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا صَرْفٌ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِ عَنْ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَامَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ النَّقْدِ اتِّصَالُهُ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ مِنْ حُكْمِهِ حُضُورُ الْعِوَضَيْنِ حَالَ الْعَقْدِ وَالنَّقْدِ فَأَمَّا الْعَقْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا حُضُورُهُمَا حِينَ الْعَقْدِ فَلَازِمٌ أَيْضًا وَلَوْ أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ عَقَدَا الصَّرْفَ بِحَضْرَةِ الْعِوَضَيْنِ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا الدَّنَانِيرَ فَأَنْفَذهَا إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ ابْتَاعَ خَلْخَالَ فِضَّةٍ بِدَنَانِيرَ فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ أَنْفَذَ بِهَا إلَى بَيْتِهِ فَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَأَرَادَ هُوَ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ عِنْدِهِ الثَّمَنَ وَيَتْبَعَ الْبَائِعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ حَضَرَ الْخَلْخَالُ جَازَ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّ لِمُسْتَحِقِّهَا فِي ذَلِكَ الْخِيَارُ فَجَوَّزَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمْضَاءَ الْمُسْتَحِقِّ الْبَيْعَ مَعَ حُضُورِ الْخَلْخَالِ مِنْ التَّجْوِيزِ وَالنَّقْدِ وَمَنَعَ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالنَّقْدِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْغَاصِبِ يَشْتَرِي الدَّنَانِيرَ مِمَّنْ غَصَبَهَا مِنْهُ وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً بِالْغَصْبِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصَّرْفَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ لَا عَلَى الْإِجَازَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إمْضَاءَهُ كَوُجُودِ الرَّدِيءِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ إنْ رَضِيَ بِهِ الَّذِي وَجَدَ الرَّدِيءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الصَّرَّافُ الدِّينَارَ فَيُدْخِلَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ تَابُوتِهِ ثُمَّ يَقْضِيَ عِوَضَهُ وَيَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ يَقْتَضِيَ عِوَضَهُ قَبْلَ مَغِيبِهِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمُضَارَعَتِهِ مَعِيبَ مَا حُضُورُهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الصَّرْفَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاجَزَةِ وَالْمُفَاصَلَةِ فِي الْفَوْرِ فَإِذَا تَصَارَفَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا عَنْ تَنَاجُزٍ وَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ وَجَدْت عَيْبًا رَدَدْته إلَيْك فَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ هَذَا الصَّرْفَ وَإِنْ وَجَدَهَا خِيَارًا كُلَّهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدَّرَاهِمَ عَلَى وَجْهِ الْحِيَازَةِ لَهَا وَإِنَّمَا أَخَذَهَا مُؤْتَمِنًا عَلَيْهَا لِرَبِّهَا وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ عَلَى التَّصْدِيقِ فِي جَوْدَتِهَا وَوَزْنِهَا وَلَا يُفَارِقُهُ إلَّا عَلَى نِهَايَةِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الِانْتِجَازِ فَإِنْ قَبَضَهَا وَتَفَرَّقَا عَلَى رُؤْيَةٍ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْدَ يُنْتَقَضُ وَإِنْ أَصَابَهَا كَمَا قَالَ وَحَكَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَرْكِ إكْمَالِ عَمَلِ الصَّرْفِ كَمَا لَوْ ائْتَمَنَهُ دَافِعُ الدَّنَانِيرِ عَلَى انْتِقَادِهَا وَوَزْنِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِالْوَزْنِ وَالِانْتِقَادِ وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الدَّافِعِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيَمْنَعُ الِانْتِجَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مَا لَمْ يُتَنَجَّزْ فِيهِ الْقَبْضُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخَذَهَا بَعْدَ الْوَزْنِ وَالِانْتِقَادِ فَوَجَدَهَا تَنْقُصُ فَإِنَّ النَّقْصَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْصٌ فِي الْوَزْنِ وَنَقْصٌ فِي الصِّفَةِ فَأَمَّا النَّقْصُ فِي الْوَزْنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَجِدَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِهِ أَوْ يَأْخُذَ بِهِ مَا شَاءَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّ التَّنَاجُزَ وُجِدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ النَّقْصِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى ذَلِكَ النَّقْصُ فَاَلَّذِي قَالَهُ أَصْبَغُ يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ كُلُّهُ وَلَوْ نَقَصَتْ مِنْهُ حَبَّةٌ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ جَائِزٌ لَا يُنْتَقَضُ مِنْهُ إلَّا بِمِقْدَارِ ذَلِكَ النَّقْصِ إلَى تَمَامِ دِينَارٍ وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا دَخَلَ بَعْضَهُ الْفَسَادُ بِتَأَخُّرِ الْقَبْضِ تَعَدَّى إلَى مَا قُبِضَ كَمَا لَوْ عَقَدَا عَلَى ذَلِكَ الصَّرْفَ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ تَأَخُّرَ الْقَبْضِ بَعْدَ الْتِزَامِ الْعَقْدِ لَا يَتَعَدَّى إلَى جَمِيعِ الْعَقْدِ كَالْعَيْبِ يَحُدُّهُ بِبَعْضِ الدَّرَاهِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ وَجَدَ النَّقْصَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَذَلِكَ لِسَرِقَةِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَرَادَ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّقْصَ يَلْحَقُ الْعَقْدَ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ النَّقْصِ وَصَحِيحَ الْعَقْدِ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ وَرَوَيَا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ وَاخْتَارَهُ أَصْبَغُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ نَقْصٌ وُجِدَ فِي عِوَضِ الصَّرْفِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ لَهُ كَنَقْصِ الصِّفَةِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ تَأَخُّرَ الْعِوَضِ فِي الصَّرْفِ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي الْعَقْدِ كَمَا لَوْ عَلِمَ بِالنَّقْصِ فَأَخَّرَهُ وَلَا نَاقِدَ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ النَّقْضَ لَفَسَدَ الْعَقْدُ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِالنَّقْصِ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ أَنَّ الْقَلِيلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَمَعْلُومٌ فِي الْأَغْلَبِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُطْلَبُ وَلَا تَتْبَعُهُ النَّفْسُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرْكِهِ وَالتَّسَامُحِ بِهِ قَبَضَ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَهُ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَتَرَكَهُ فَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَهُ الْآنَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَإِنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِطَلَبِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لَهُ الْآنَ وَقَدْ وُجِدَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ تَرْكِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ فَكَمْ الْيَسِيرُ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الدَّانَقَ فِي صَرْفِ الدِّينَارِ يَسِيرٌ وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ أَنْ يَنْقُصَ أَلْفُ دِرْهَمٍ دِرْهَمًا، وَأَمَّا صَرْفُ الدِّينَارِ فَمَا نَقَصَ مِنْهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ كَثِيرٌ يَنْتَقِضُ الصَّرْفَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَوَازِينِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاتِّبَاعِهِ وَلَا طَلَبِهِ وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُنْتَقَضُ فَقَالَ أَصْبَغُ يُنْتَقَضُ كُلُّهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُنْتَقَضُ مِنْهُ مَا بَيْنَ النَّقْصِ وَكَمَالِ الدِّينَارِ. 1 - (فَصْلٌ) : ، وَأَمَّا النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الصِّفَةِ كَالْعَيْبِ يَجِدُهُ فِي أَحَدِ عِوَضَيْ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ نَعْلَمُهُ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ فَإِنَّ عَقْدَهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَالصَّرْفَ فِيهِ مُنْتَقَضٌ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْبَدَلَ فِيهِ جَائِزٌ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الصَّرْفَ يُنْتَقَضُ مِنْ أَصْلِهِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ وَقْتُ الْعَقْدِ فِيهِ فَيَبْطُلُ فِي الْمَعِيبِ لِتَأَخُّرِ دَفْعِ الْعِوَضِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ حِينَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْبَدَلِ عَنْ وَقْتٍ عَرَا عَنْ قَبْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالْهِبَةُ اللَّاحِقَةُ بِالصَّرْفِ لَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَدَلُ فِيهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَتَنَاقَدَا ثُمَّ وَجَدَ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يُبَدِّلُهُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الصَّرْفِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْبَيْعَ وَالصَّرْفُ تَبَعٌ لَهُ كَانَ حُكْمُهُ فِي جَوَازِ الْبَدَلِ حُكْمَ الْبَيْعِ لَا حُكْمَ الصَّرْفِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِمَنْعِ الْبَدَلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفَ الْجِنْسِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ بَيْعَهُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ كُلُّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يَذْكُرُ حِصَّةَ كُلِّ دِينَارٍ مِنْهَا وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَ جُمْلَةَ الصَّرْفِ خَاصَّةً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَقُولُ أَبِيعُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ ذَكَرَ صَرْفَ كُلِّ دِينَارٍ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِقَدْرِ دِينَارٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا ذَكَرَ جُمْلَةَ الصَّرْفِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ مِنْهُ إلَّا دِينَارٌ وَاحِدٌ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي نُقْرَةٍ يَبْتَاعُهَا جُزَافًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَجِدُ مِنْهَا مِسْمَارَ نُحَاسٍ أَوْ يَبِيعُهَا كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَيُنْتَقَضُ مِنْهَا بِقَدْرِ الْمِسْمَارِ إلَى تَمَامِ دِينَارٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يُنْتَقَضُ جَمِيعُ الصَّرْفِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّنَانِيرَ الْمُتَسَاوِيَةَ تَقْتَضِي التَّقَابُلَ وَتَمْنَعُ التَّقْسِيطَ فَلَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي نَقْضِ الْعَقْدِ لِعَيْبِ الصِّفَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا ذَكَرَ كُلَّ دِينَارٍ بِصَرْفِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ حِصَّةً فَإِنَّهُ قَدْ أَفْرَدَهُ بِالْعَقْدِ وَإِذَا سَمَّى الْجُمْلَةَ فَقَدْ شَمَلَهَا الْعَقْدُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهُ بَطَلَ جَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ قَرْضًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرُدُّ مِنْهَا أَصْغَرَ قَرْضٍ فِيهَا وَيُضِيفُ إلَى الدِّرْهَمِ الزَّائِفَ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَا يُقَابِلُ تِلْكَ الْقَرْضَةَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ قَرْضَ الْقِرَاضَةِ الْمَضْرُوبَةِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا عَلَى تَجْوِيزِ أَصْبَغَ لِذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يُقْرِضَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الزَّائِفِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ بِالنَّقْدِ وَعَلَى قَوْلِنَا لَا تَتَعَيَّنُ يَرُدُّ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ قَرْضَةَ ذَهَبٍ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الزَّائِفِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ مُخْتَلِفَةَ الْأَجْنَاسِ وَالْقِيَمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا مَصُوغًا أَسْوِرَةً وَخَلَاخِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ بِهَا دِرْهَمًا زَائِفًا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ كُلُّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ قِيَمِ الْحُلِيِّ بِالصِّيَاغَةِ يَقْتَضِي التَّقْسِيطَ وَإِذَا دَخَلَ ذَلِكَ التَّقْسِيطُ سَرَى مِنْ الدَّرَاهِمِ جُزْءٌ إلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْحُلِيِّ فَإِذَا اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ فِي الدِّرْهَمِ اُنْتُقِضَ فِي جَمِيعِ الْحُلِيِّ وَلَوْ وَجَدَ فِي جَمِيعِ الْحُلِيِّ مِسْمَارَ نُحَاسٍ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي سِوَارَيْنِ مِنْ الْحُلِيِّ اُنْتُقِضَ فِي السِّوَارَيْنِ جَمِيعًا وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرُدُّهَا كُلَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ زَوْجٍ وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ السِّوَارَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اُنْتُقِضَ الصَّرْفُ فِي أَحَدِهِمَا اُنْتُقِضَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ بَاعَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ وَلِأَنَّ النَّقْصَ لَمَّا طَرَأَ مِنْ جِهَتِهِمَا وَالْعِوَضُ الَّذِي يُقَارِبُ مُسَاوٍ لَمْ يَدْخُلْهُ التَّقْسِيطُ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْحُلِيَّ التَّقْدِيرُ وَالتَّقْوِيمُ فَإِذَا عَلِمْت قِيمَةَ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ قُوبِلَ مِنْ الدِّرْهَمِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ. وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لَزِمَ التَّقْوِيمُ وَهُوَ مَعْنَى التَّقْسِيطِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ التَّقْسِيطُ مَعَ تَسَاوِي أَجْزَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْوِيمِ وَالتَّقْسِيطِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَبِمَ يُنْتَقَضُ مَا يُنْتَقَضُ مِنْ الصَّرْفِ لِوُجُودِ الْعَيْبِ فِي أَحَدِ عِوَضَيْهِ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِإِنْفَاذِ الرَّدِّ لَا بِإِرَادَتِهِ وَلَوْ وَجَدَ عَيْبًا بِهِ فَجَاءَ لِيَرُدَّهُ فَأَرْضَاهُ الْآخَرُ لَا بَدَلَ لَهُ لَجَازَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَبِمَاذَا يَصِحُّ أَنْ يُرْضِيَهُ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ طَوْقَ ذَهَبٍ فِيهِ مِائَةُ دِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَجَاءَ لِرَدِّهِ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ بِدِينَارٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ عَنْ ذَلِكَ دِينَارًا فَلَا يَفْسُدُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمْ يَتِمَّ وَقَدْ مَنَعَهُ مِنْهُ بِمَا أَرْضَاهُ بِهِ وَلَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَهُ مِائَةَ دِينَارٍ وَدِينَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ فِي الدِّينَارِ الَّذِي أَعْطَاهُ تَأْخِيرٌ؛ لِأَنَّهُ نَقَدَهُ حِينَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِهِ كَمَا لَوْ زَادَهُ دِينَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُهُمَا مِنْ الْفَسَادِ بِإِنْ صَارَفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا وَدِينَارًا مُؤَجَّلًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي دَفَعَ إلَيْهِ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ قَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ فِيهِمَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا رَدَّ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ دَرَاهِمِهِ فَقَدْ صَارَ ثَمَنُ الطَّوْقِ

[المراطلة]

الْمُرَاطَلَةُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ رَأَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ فَيُفْرِغُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَيُفْرِغُ صَاحِبُهُ الَّذِي يُرَاطِلُهُ ذَهَبَهُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ الْأُخْرَى فَإِذَا اعْتَدَلَ لِسَانُ الْمِيزَانِ أَخَذَ وَأَعْطَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاقِيَ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَرَاهِمِهِ فَقَدْ بَاعَهُ طَوْقًا وَمِائَةَ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الصَّرْفِ وَإِنَّمَا نَسْتَثْنِي مِنْهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ دِرْهَمًا مِنْ صَرْفٍ بَعْدَ أَنْ يُفَارِقَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ أَوْ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ فَلِذَلِكَ كَرِهَ ذَلِكَ وَانْتَقَضَ الصَّرْفَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ الذَّهَبَ الزَّائِفَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ لَهُ كَانَ مَا بَدَّلَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ دَيْنًا عَلَى بَائِعِ الدَّرَاهِمِ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِ عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ إتْمَامُ الصَّرْفِ فِيهِ وَيَجِبُ نَقْضُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالطَّعَامُ كُلُّهُ عَاجِلٌ بِآجِلٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظِرَةٌ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتِّبْرُ بِالتِّبْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . [الْمُرَاطَلَةُ] (ش) : قَوْلُهُ يُرَاطِلُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ يُرِيدُ مُبَادَلَةَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهِيَ الْمُرَاطَلَةُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ إحْدَاهُمَا غَيْرُ مَسْكُوكٍ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِهِ وَالثَّانِي مَسْكُوكٌ فَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا تَرِدُ أَكْثَرُ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمُرَاطَلَةِ فَإِنَّ أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ مُطْلَقَةٌ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَعْرِفَةِ الْوَزْنِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْجُزَافِ وَالْجُزَافُ مِنْ مَسْكُوكِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ عِنْدَهُمْ بِالْمُرَاطَلَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُرَاطَلَةُ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ وَزْنَ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ ثُمَّ يُرَاطِلَ بِهَا الْآخَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ وُزِنَتْ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ ثُمَّ وُزِنَ بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلُهَا بِتِلْكَ الصَّنْجَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا تُيُقِّنَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَقَدْ عَرِيَ عَنْ الْجُزَافِ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ مُرَاطَلَةً أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَ وَزْنُ الذَّهَبَيْنِ سَوَاءً عَيْنًا بِعَيْنٍ وَإِنْ تَفَاضَلَ الْعَدَدُ وَالدَّرَاهِمُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي مُرَاطَلَةِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ الْعَدَدُ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ الْوَزْنُ سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَجْمُوعَةً أَوْ فُرَادَى أَوْ قَائِمَةً أَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَجْمُوعَةً وَالثَّانِيَةُ فُرَادَى أَوْ قَائِمَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ إنَّمَا هُوَ بِالْوَزْنِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّعَامُلُ فِيهِ بِالْعَدَدِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لِلْعُرْفِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْوَزْنِ فِيمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّسَاوِي فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ التَّسَاوِي وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوَزْنُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ اعْتِبَارِهِ وَوَجْهُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ وَسَقَطَ حُكْمُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي فَسَادِ عَقْدٍ وَلَا صِحَّتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقًا بِوَرِقٍ فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ مِثْقَالٍ فَأَعْطَى صَاحِبَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَبِيحٌ وَذَرِيعَةٌ لِلرِّبَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى حِدَتِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمِثْقَالَ بِقِيمَتِهِ مِرَارًا؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الْمِثْقَالَ مُفْرَدًا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَأْخُذْ بِعُشْرِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ لَأَنْ يَجُوزَ لَهُ الْبَيْعُ فَذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إلَى إحْلَالِ الْحَرَامِ وَالْأَمْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُ الْعِوَضَيْنِ تِبْرًا وَالْآخَرُ مَسْكُوكًا أَوْ مَصُوغًا أَوْ تِبْرًا مِثْلَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ فِي اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بِالْوَزْنِ وَلَا اعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِسِكَّةٍ وَلَا صِيَاغَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمُرَاطَلَةِ دُونَ اقْتِضَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ وَرِقٌ وَلَا عَرَضٌ وَلَا شَيْءٌ سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْأُخْرَى وَيَكُونُ الْعَرَضُ مِنْ الْعَرَضِ أَوْ غَيْرِهِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةِ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ كَانَ الذَّهَبَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ دِينَارَيْنِ بِدِينَارٍ وَيَجْعَلَ مَعَ الدِّينَارِ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا أَوْ وَرِقًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِيَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَبِيحٌ وَمَمْنُوعٌ لِنَفْسِهِ وَلِفَسَادِ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي مَعَ الدِّينَارِ مُقَسَّطَةٌ مَعَ دِينَارِهَا عَلَى الدِّينَارَيْنِ فَيُصِيبُ كُلُّ دِينَارٍ نِصْفَ دِينَارٍ وَنِصْفَ السِّلْعَةِ وَرُبَّمَا كَانَتْ السِّلْعَةُ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الدِّينَارِ أَوْ أَقَلَّ قِيمَةً فَيُقَابِلُ أَكْثَرَ الدِّينَارَيْنِ أَوْ أَقَلَّهُمَا، وَيُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الذَّهَبِ الَّتِي مَعَ السِّلْعَةِ أَقَلُّ مِنْ وَزْنِهَا أَوْ أَكْثَرُ وَلِهَذَا مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالذَّرَائِعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَمْنُوعٌ لِلذَّرِيعَةِ إلَى الْحَرَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى وُجُوبِ الْقَوْلِ بِالذَّرَائِعِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْمِثْقَالِ قِيمَتَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُفْرَدًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِرَارًا لِيُجِيزَ الْبَيْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ لِيُجِيزَ الْمَحْظُورَ الْمَمْنُوعَ بِالشَّرْعِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ دِينَارًا رَدِيئًا بِدِينَارَيْنِ جَيِّدَيْنِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْطِيَهُ بِذَلِكَ الدِّينَارِ نِصْفَ دِينَارٍ جَيِّدٍ جَعَلَ مَعَ الدِّينَارِ مَا يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارِ الْجَيِّدِ مِرَارًا وَجَعَلَهُ ثَمَنًا لِلدِّينَارِ الْجَيِّدِ فَيَكُونُ فِي الظَّاهِرِ قَدْ أَعْطَاهُ دِينَارًا رَدِيئًا بِدِينَارٍ جَيِّدٍ وَأَعْطَاهُ السِّلْعَةَ بِالدِّينَارِ الْآخَرِ الْجَيِّدِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَعْطَاهُ الدِّينَارَ الرَّدِيءَ بِنِصْفِ دِينَارٍ جَيِّدٍ وَأَخَذَ السِّلْعَةَ بِدِينَارٍ وَنِصْفٍ مِنْ الذَّهَبِ الْجَيِّدِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ ذَلِكَ الدِّينَارَ مُفْرَدًا لَمْ يَأْخُذْهُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ الدِّينَارَ الرَّدِيءَ الَّذِي مَعَ السِّلْعَةِ لَوْ بَاعَهُ مُفْرَدًا لَمْ يُعْطِهِ بِهِ الدِّينَارَ الْجَيِّدَ مِنْ الدِّينَارَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إلَيْهِ السِّلْعَةَ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى أَخْذِ بَعْضِ دِينَارٍ جَيِّدٍ بِدِينَارٍ رَدِيءٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ مُدَّيْ عَجْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُفْرَضُ فِيمَنْ بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ إنَّ مَنْ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي قِرْطَاسٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَيُحْتَسَبُ بِالْقِرْطَاسِ فِي مِائَةِ دِينَارٍ وَتَكُونُ الْمِائَةُ بَاقِيَةً مِنْ الْمِائَتَيْنِ بِالْمِائَةِ الَّتِي فِي الْقِرْطَاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخَرَزِ وَافِرَادِ الذَّهَبِ لِيُمْكِنَ بَيْعُهُ وَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ الْخَرَزِ لَمَا احْتَاجَ إلَى وَزْنِهِ ثُمَّ قَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ إفْرَادِهِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَتَحَقَّقَ فِيهِ الْوَزْنُ بِالْوَزْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّهَبَيْنِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُرَاطِلُ الرَّجُلَ وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ الْعَيْنَ الْجِيَادَ وَيَجْعَلُ مَعَهَا تِبْرًا ذَهَبًا غَيْرَ جَيِّدَةٍ وَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَهَبًا كُوفِيَّةً مُقَطَّعَةً وَتِلْكَ الْكُوفِيَّةُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ. قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الذَّهَبِ الْجِيَادِ أَخَذَ فَضْلَ عُيُونِ ذَهَبِهِ فِي التِّبْرِ الَّذِي طُرِحَ مَعَ ذَهَبِهِ وَلَوْلَا فَضْلُ ذَهَبِهِ عَلَى ذَهَبِ صَاحِبِهِ لَمْ يُرَاطِلْهُ صَاحِبُهُ بِتِبْرِهِ ذَلِكَ إلَى ذَهَبِهِ الْكُوفِيَّةِ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ كَمِثْلِ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ وَمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ كَبِيسٍ فَقِيلَ لَهُ هَذَا لَا يَصْلُحُ فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْعَجْوَةِ لِيُعْطِيَهُ صَاعًا مِنْ الْعَجْوَةِ بِصَاعَيْ حَشَفٍ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ مِنْ الْبَيْضَاءِ بِصَاعَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَنَقُولُ هَذَا لَا يَصْلُحُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَجَعَلَ صَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ الْبَيْعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ بَيْضَاءَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّاعُ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ لِفَضْلِ الشَّامِيَّةِ عَلَى الْبَيْضَاءِ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ التِّبْرِ. قَالَ مَالِكٌ فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ كُلُّهُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبْتَاعَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَعَ الصِّنْفِ الْجَيِّدِ مِنْهُ الْمَرْغُوبِ فِيهِ الشَّيْءُ الدَّنِيءُ الْمَسْخُوطُ لِيُجَازَ بِذَلِكَ الْبَيْعُ، وَيَسْتَحِلَّ بِذَلِكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ صَاحِبُ ذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ بِذَلِكَ فَضْلَ جَوْدَةِ مَا بِيعَ فَيُعْطِي الشَّيْءَ الَّذِي لَوْ أَعْطَاهُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَهْمُمْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ مِنْ أَجْلِ الَّذِي يَأْخُذُ مَعَهُ لِفَضْلِ سِلْعَةِ صَاحِبِهِ عَلَى سِلْعَتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الرَّدِيءِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِهِ فَلْيَبِعْهُ عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يَجْعَلَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ تَسَاوَيَا أَوْ اخْتَلَفَا فَلَا يَجُوزُ دِينَارٌ وَدِرْهَمٌ بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ الدِّينَارَانِ مُتَسَاوِيَانِ وَالدِّرْهَمَانِ كَذَلِكَ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضِ الذَّهَبِ مَا لَيْسَ بِذَهَبٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْمَلَهُمَا بَيْعٌ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَأَحَدُ الذَّهَبَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِمِقْدَارِ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ لَمْ تَجُزْ الْمُرَاطَلَةُ وَلَا الْمُبَايَعَةُ كُلُّهَا وَإِنْ عَلِمَ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ مِنْ جِنْسِ الذَّهَبِ الْمُفْرَدَةِ مُسَاوِيَةً لَهَا فِي الْجَوْدَةِ وَالنَّفَاقِ أَوْ لَا تَكُونُ إحْدَاهُمَا مُسَاوِيَةً لَهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الذَّهَبُ الَّتِي مَعَهَا أَفْضَلَ أَوْ أَدْوَنَ وَهَذَا لَا وَجْهَ فِيهِ لِمَنْعِ الذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ مُسَاوَاةَ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ الذَّهَبَ الَّتِي فِي عِوَضِهَا تَنْفِي التُّهْمَةَ الَّتِي تَلْحَقُ مِنْ جِهَةِ التَّقْسِيطِ فَمَوْجُودٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ التَّقْسِيطُ عَلَى وَجْهِ

[العينة وما يشبهها وفيها أبواب]

الْعِينَةُ وَمَا يُشْبِهُهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالذَّرِيعَةِ وَالتُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ فَيَبْعُدُ أَيْضًا وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ رَدَاءَةُ أَحَدِ الذَّهَبَيْنِ مِنْ غِشِّ نُحَاسٍ فِيهَا وَإِنَّمَا هِيَ الرَّدَاءَةُ فِي غِشِّ الذَّهَبِ فَإِنْ كَانَتْ مَغْشُوشَةً بِنُحَاسٍ لَمْ تَجُزْ الْمُرَاطَلَةُ بِهَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَنَّ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الذَّهَبِ الْمُفْرَدَةِ بِالذَّهَبِ الْمُفْرَدَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسَاوِيَةٍ لَهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الذَّهَبَانِ أَفْضَلَ أَوْ أَدْنَى مِنْ الذَّهَبِ الْمُفْرَدَةِ أَوْ يَكُونَ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُفْرَدَةِ وَالثَّانِيَةُ أَدْنَى مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ أَوْ أَدْنَى فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَفْضَلَ وَالْأُخْرَى أَدْنَى فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْسِيطِ الذَّهَبِ الْمُفْرَدَةِ عَلَى الذَّهَبَيْنِ اللَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَفْضَلُ مِنْهَا وَالْأُخْرَى أَدْنَى مِنْهَا فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إلَى التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ أَوْ يُمْنَعُ ذَلِكَ لِلتُّهْمَةِ فِي قَصْدِ ذَلِكَ فَتَقْوَى التُّهْمَةُ هُنَا دُونَ أَنْ تَكُونَ إحْدَى الذَّهَبَيْنِ مُسَاوِيَةً لَهَا وَالْأُخْرَى أَفْضَلَ وَأَدْنَى فَإِنَّ التُّهْمَةَ تَضْعُفُ فِيهِمَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ دَرَاهِمُ سُودٌ بِدَرَاهِمَ بِيضٍ دُونَهَا وَمَعَ السُّودِ فِضَّةٌ كَفِضَّةِ الْبِيضِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِنَقْصِ السِّكَّةِ يُرِيدُ أَنَّ نَقْصَ السِّكَّةِ فِي فِضَّةِ الْبِيضِ إنَّمَا سُومِحَ فِيهِ لِفَضْلِ السُّودِ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ فَرَاعَى السِّكَّةَ مَعَ التَّنَاجُزِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعِينَةُ وَمَا يُشْبِهُهَا وَفِيهَا أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا اسْتَفَادَهُ بِالِابْتِيَاعِ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى عَلَى الطَّعَامِ عَقْدَا بَيْعٍ لَا يَتَخَلَّلُهُمَا اسْتِيفَاءٌ بِالْكَيْلِ إنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ مَوْزُونًا لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِفَادَةِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَكُونُ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَمْيِيزِ مَا يُصَحِّحُ قَبْضَ الْبَيْعِ الثَّانِي. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ) . الْمَبِيعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَطْعُومٌ وَغَيْرُ مَطْعُومٍ فَأَمَّا الْمَطْعُومُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَقِسْمٌ لَا يَجْرِي فِيهِ فَأَمَّا مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَهَذَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ بِعُرْفِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا مَنْ رَأَى التَّخْصِيصَ بِعُرْفِ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّعَامِ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْحِنْطَةُ دُونَ غَيْرِهَا وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ مَضَيْت إلَى سُوقِ الطَّعَامِ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا سُوقُ الْحِنْطَةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَطْعُومٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَاَلَّذِي يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ نَقْدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَغَيْرِ الْمَطْعُومِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِإِجْرَاءِ هَذَا الْحُكْمِ فِي الْمُقْتَاتِ خَاصَّةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا أَجْرَيْنَاهُ فِي كُلِّ مَطْعُومٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا

[الباب الثاني في تمييز ما يختص به من وجوه الاستفادة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ حُكْمِ الرِّبَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْمَطْعُومِ الْمُقْتَاتِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَلِكَ الْمَعْدُودُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَطْعُومٍ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِهَذَا الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ كُلَّ مَا بِيعَ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي كَيْلٍ مَبِيعٍ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مَبِيعٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ مُخَالِفٌ لَهُ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَبِيعٌ لَيْسَ بِمَطْعُومٍ فَجَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِفَادَةِ] 1 الْعُقُودُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُعَاوَضَةٌ وَغَيْرُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمَّا الْمُعَاوَضَاتُ فَالْبَيْعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْمُصَالَحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالْمُخَالَعَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَأَصْحَابِ السُّوقِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يُؤْخَذُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا مُلِكَ بِمَهْرٍ أَوْ خُلْعٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِمَا وَقِسْمٌ يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُغَابَنَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ كَالْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَقِسْمٌ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ كَالْقَرْضِ فَأَمَّا الْبَيْعُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْمُغَابَنَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَا كَانَ أُجْرَةً لِعَمَلٍ أَوْ قَضَاءً لِدَيْنٍ أَوْ مَهْرًا أَوْ خُلْعًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ مِثْلًا لِمُتْلَفِ أَوْ أَرْشَ جِنَايَةٍ فِي مَالٍ مَضْمُونٍ أَوْ مُعَيَّنٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى مِنْهُ عَقْدَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَخَلَّلُهُمَا قَبْضٌ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ حِفْظُهُ وَحِرَاسَتُهُ وَتَوَقِّيهِ مِنْ الرِّبَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ أَهْلُ الْعِينَةِ بِذَلِكَ إلَى بَيْعِ دَنَانِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْعِينَةِ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ دَنَانِيرَ فِي أَكْثَرِ مِنْهَا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا عَلِمَ بِالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ تَوَصَّلَ إلَيْهِ بِأَنْ يَذْكُرَ حِنْطَةً بِدِينَارٍ ثُمَّ يَبْتَاعَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ دُونَ اسْتِيفَاءٍ وَلَا قَصْدٍ لِبَيْعِهِ وَلَا لِابْتِيَاعِهِ فَلَمَّا كَثُرَ هَذَا وَكَانَتْ الْأَقْوَاتُ مِمَّا يُتَعَامَلُ بِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا لِمَعْرِفَةِ جَمِيعِ النَّاسِ لِثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ وَوُجُودِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهُ مُنِعَ ذَلِكَ فِيهَا وَشُرِطَ فِي صِحَّةِ تَوَالِي الْبَيْعِ فِيهَا لِخِلَالِ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نِهَايَةُ التَّبَايُعِ فِيهَا وَإِتْمَامُ الْعَقْدِ وَلُزُومُهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ تَعَامُلُ أَهْلِ الْعِينَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَهَا يَخْفَى فِي الْأَغْلَبِ وَيَقِلُّ مُشْتَرِيهَا. (فَرْعٌ) وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ كَيْلًا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَكَرِهَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى إجَازَتِهِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ وَوَجْهُ الْإِبَاحَةِ وَالْجَوَازِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مَبِيعٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا صَحَّ أَنْ يَقَعَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِرْفَاقِ وَوَجْهِ الْمُغَابَنَةِ كَالْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ وُقُوعِهِ عَلَى الرِّفْقِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فِيهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ عَنْهُ لِزِيَادَةِ ثَمَنٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ فِي جِنْسِ ثَمَنٍ أَوْ أَجَلٍ خَرَجَ عَنْ وَجْهِ الرِّفْقِ إلَى الْبَيْعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ شَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَالْمُوَاصَلَةِ دُونَ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ الَّتِي لِمُضَارَعَتِهَا مُنِعَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مُنِعَ لِمُشَابَهَتِهِ الْعِينَةَ فَإِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ وَعَرِيَتْ مِنْ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ كَانَتْ مُبَاحَةً كَالْقَرْضِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ فَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الطَّعَامِ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَأَمَّا الْعَيْنُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الْإِقَالَةِ بِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ أَوْ قَدْرُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقَالَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مِثْلِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَهِيَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الطَّعَامِ غَيْرَ عَيْنٍ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ أَوْ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فَفِي الْوَاضِحَةِ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِالْمِثْلِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ أَرْفَعَ مِنْهُ وَلَا أَدْنَى وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا عِنْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا عِوَضٌ يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا بِعَيْنِهِ دُونَ مِثْلِهِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ كَالثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ فَفِي الْوَاضِحَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِقِيمَتِهِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ تَدْخُلْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ فِي بَدَنٍ وَيَجُوزُ إنْ دَخَلَهُ تَغَيُّرُ أَسْوَاقٍ وَوَجْهُ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِقَالَةَ إنَّمَا هِيَ فِي مَعْنَى حِلِّ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَيْهِ ثَمَنَهُ وَلَا مِثْلَهُ لَمْ تَكُنْ إقَالَةً وَكَانَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ ثَمَنًا لِعَمَلٍ فِي إجَارَةٍ جَازَ أَنْ يُقِيلَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَإِنْ عَمِلَ بَعْضَ الْعَمَلِ جَازَ أَنْ يُقِيلَهُ مِمَّا بَقِيَ دُونَ مَا عَمِلَ رَوَاهُ كُلَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ الْآخَرُ مِثْلًا لِلْأَوَّلِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْإِقَالَةَ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِيهِ بَعْدَ فَوَاتِهِ كَالثَّوْبِ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَفِي الْوَاضِحَةِ وَلَا تَبِعْ طَعَامَك مِنْ كِتَابَةٍ مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا تَافِهًا بِيعَ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِالرِّفْقِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَرَّرَ عَلَى الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ وَيَلِيَهُ الْبَيْعُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ الذِّمَّةَ مِنْ الطَّعَامِ بِغَيْرِ عَقْدٍ مِثْلُ أَنْ يَلْزَمَهَا بِالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْقَرْضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْبَيْعِ إنْ كَانَ مِثْلًا لِمُتْلَفٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَخْذَ مِثْلَ الطَّعَامِ فِي الْغَصْبِ يَتَوَالَى عَلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهُمَا قَبْضٌ فَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لَمَا جَازَ أَنْ يَتَوَالَيَا عَلَيْهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَعَامٌ يُؤْخَذُ عِوَضًا عَلَى وَجْهِ الْمُشَاحَّةِ وَتَرْكِ الْإِرْفَاقِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ دُونَ قَبْضِ أَصْلِ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعُقُودِ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَالَى عَلَى الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ

[الباب الأول في تمييز ما يختص به هذا الحكم من المبيعات]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَاوَضَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا مَعْنَى الْعِينَةِ الَّتِي لَهَا مُنِعَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ وَلَا وَارِثُهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهُ بِالْمِيرَاثِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَاجِزًا بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي إبَاحَةِ الْبَيْعِ فِيهِ وَإِنْ وَهَبَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ ابْتَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ رَوَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ وَكَذَلِكَ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ قَضَاءً مِنْ سَلَفٍ قَالَ وَأَخَفُّهُ عِنْدِي الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَحَلْته عَلَى طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ أَقْرَضْته إيَّاهُ أَوْ قَضَيْته إيَّاهُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِمَا اُسْتُفِيدَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَمْنَعُ مَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا قَرْضٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تَعْرَى عَنْ الْعِوَضِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَمْنَعْ مِنْ الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا مُعَاوَضَةٌ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَكُونُ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً] 1 ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً يَصِحُّ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي الطَّعَامِ فَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْكَيْلِ وَالتَّوْفِيَةِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ وَالتَّوْفِيَةِ فِي الْمَوْزُونِ وَفِي التَّحَرِّي فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى مِقْدَارِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ وَتَوْفِيَتِهِ إنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ الْبَائِعُ الْمُبْتَاعَ وَتَسْلِيمُ الْمُبْتَاعِ إيَّاهُ لَازِمٌ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُ التَّوْفِيَةِ قَبْلَ هَذَا فَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ فَصْلًا بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ فَإِنْ عَقَدَا عَقْدًا مِنْ بَيْعٍ فِي طَعَامَيْنِ فِي ذِمَّتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَتَقَاضَيَا بِهِمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ اتَّفَقَ رَأْسُ مَالِهِمَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ جَازَ ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاضَيَا بِالطَّعَامِ آلَ أَمْرُهُمَا إلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَقَدْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ عَقَدَا بَيْعٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْعَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَعَلَى مَعْنَاهُ مِنْ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا قَبْضٌ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَآلَ أَمْرِهِمَا إلَى الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ الثَّانِي رَدَّ إلَى الْأَوَّلِ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْإِقَالَةِ، وَالْعُقُودُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا بِاللَّفْظِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالْمَعْنَى وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى مَا وُجِدَ مِنْهُمَا السَّلَمُ وَالْإِقَالَةُ وَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ جَازَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ قَرْضٍ جَازَ ذَلِكَ حَلَّ أَجَلُهُمَا أَوْ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَرْضَيْنِ فِي الطَّعَامِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَحَلَّ أَجَلَاهُمَا جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَرْضِ بِالْبَيْعِ جَائِزٌ فِي الطَّعَامِ فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ وَقَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ مَعَ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ يَمْنَعُ الْمُقَاصَّةَ بِمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَالْمُقَاصَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجَلَانِ وَاحِدًا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حُلُولِهِمَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّتَيْنِ تَبْرَآنِ مِنْهُمَا دُونَ زِيَادَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَلَّ مِنْ الْأَجَلَيْنِ أَجَلُ الْقَرْضِ وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُ السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ السَّلَمِ وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُ الْقَرْضِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُقَاصَّةٌ بِمَا حَلَّ فِيمَا لَمْ يَحِلَّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا كَمَا لَوْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ السَّلَمِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَرْضَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ أَجَلُهُ الْمُقْتَرِضَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَالِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمُسَلِّفَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ الْقَرْضِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْبَرُ فَكَانَ

[الباب الرابع في تمييز ما يصحح قبض البيع الثاني]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أُصُولِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا تَجُوزَ عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَكْثَرُ تَمَسُّكًا بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الْمُتَسَلِّفَ فَهُوَ يَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا اُشْتُرِيَ جُزَافًا فَإِنَّ اسْتِيفَاءَهُ بِتَمَامِ الْعَقْدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْفِيَةٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَخَرَّجُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَامٌّ فِيهِ وَفِي الْمَكِيلِ إلَّا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِيهِ بِتَمَامِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَنْعُ وَالْحَدِيثُ خَاصٌّ فِي الْمَكِيلِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَنْقُلَهُ أَوْ يَأْخُذَهُ فَعَلَّقَ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا مُصَبَّرًا جُزَافًا فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ نَقَدَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى تَمْرًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ اسْتِيفَاؤُهُ لَمْ يُوجَدْ لِاتِّفَاقِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْجَامِحَةِ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى الْوَقَارُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ عَلَى الْجُزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالثَّوْرِيُّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ لَبَنَ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا شَهْرًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَحْلُبَهُ نَهَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ النَّهْيَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُضْمَنْ مِنْ الطَّعَامِ؛ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَمْيِيزِ مَا يُصَحِّحُ قَبْضَ الْبَيْعِ الثَّانِي] أَمَّا قَبْضُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الطَّعَامَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُسَلِّمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ كَذَلِكَ قَبْضُ زَوْجَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي قَدْ بَانَ بِالْحِيَازَةِ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ اسْتَوْفَى كَيْلَةً مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً وَاسْتِيفَاءُ مَنْ وُهِبَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ قَرْضُهُ يُبِيحُ لَهُ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مَحَلَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُؤْمَرُ بِانْتِقَالِهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ جُزَافًا. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا وَرَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْت الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ فَلَمَّا كَانَ الِاسْتِيفَاءُ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ يَتِمُّ بِتَمَامِ اللَّفْظِ بِالْبَيْعِ. وَقَدْ رَأَيْت لِابْنِ عَبْدُوسٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا يَقْتَضِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَ عَدَدِ نَخَلَاتٍ بِلَا كَيْلٍ أَنَّ لَهُ بَيْعَ ذَلِكَ قَبْلَ جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي ضَمَانِهِ بِالْبَيْعِ فَذَلِكَ قَبْضٌ فَاقْتَضَى قَوْلُهُ أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ هُوَ الْقَبْضُ، وَأَمَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَتَاعِ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ التَّوْفِيَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ تَرْكِهِ مَنْعَ ذِي الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّخْلِيَةَ عَلَى التَّوْفِيَةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى ضَرْبِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ لِيَتَبَيَّنَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ وُجُودِ التَّوْفِيَةِ بِالتَّخْلِيَةِ فَشُرِعَ نَقْلُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ عَمَلٌ ظَاهِرٌ فِيهِ بَعْضُ أَفْعَالِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ فِيهِ أَيْضًا نُقِلَ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان إلَّا أَنَّهُ نَقْلٌ يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْجُزَافِ عَلَى الْبَائِعِ عَمَلٌ فَجَازَ لِذَلِكَ بَيْعُهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الثِّمَارِ عَلَى رُءُوسِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ فَبَاعَ حَكِيمٌ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا تَبِعْ طَعَامًا ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّخْلِ لِمَنْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَجِدَّهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ الْعَمَلُ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يَنْقُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ وَهَذَا لَمَّا كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُبْتَاعِ لَمْ يُبْطِلْ الْبَيْعَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَائِعِ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمَبْسُوطِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ لِمَنْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوفِهِ حَقَّ تَوْفِيَتِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ كَالْمَكِيلِ بَعْدَ الْكَيْلِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ نَقْلِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَعِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَقْدِيمِ نَقْلِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَرَّرَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ لِيَخْرُجَ بِتَرْكِهِ وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ فَإِنْ فَاتَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ لَمْ يُرَدَّ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمُزَنِيَّة ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِمَنْ اشْتَرَى الطَّعَامَ جُزَافًا أَنْ يَبِيعَهُ بِنَظِرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَيْنَا إذَا اشْتَرَيْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَا تَبِيعُوهُ مَكَانَهُ الَّذِي اشْتَرَيْتُمُوهُ فِيهِ حَتَّى يَنْقُلَهُ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَالَ مَالِكٌ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِالدَّيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ وَلَا يَرَاهُ حَرَامًا وَإِنْ وَقَعَ جَازَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِيهِ ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ. وَفِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ بِإِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَاهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ سُوقِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَلَا يَبِيعُهُ مِمَّنْ يَلْقَاهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ السُّوقَ وَقَوْلُهُمْ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ دُونَ مَا عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْوَقَارِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ ابْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ عَمَلٍ اسْتَحَقُّوهُ لِذَلِكَ فَجَازَ لَهُمْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَرْزَاقِ مِنْ طَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَرْزَاقِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَكَذَلِكَ طَعَامُ الْجَارِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا نَهَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ بِالِابْتِيَاعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَى أَنَّ مَنْ بَاعَهُ مِنْهُ مُعَاوَضَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ لَهُمْ بِهِ عَلَى عَمَلٍ اسْتَحَقُّوهُ بِهِ فَقَبَضُوهُ ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْهُمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ فَبَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَعَلَى هَذَا ابْتِيَاعُهُ جَائِزٌ مُبَاحٌ وَبَيْعُهُ مَمْنُوعٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ لَهُمْ بِهِ لِعَمَلٍ عَمِلُوهُ فَبَاعُوهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ بَاعَهُ حَكِيمٌ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا ابْتِيَاعُهُ مَمْنُوعٌ وَبَيْعُهُ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ مَا كَانَ مِنْ أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ أَوْ الْكُتَّابِ أَوْ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَصْحَابِ السُّوقِ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يُبَاعُ حَتَّى يُقْبَضَ وَمَا كَانَ مِنْ صِلَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ رَدَّ بَيْعَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَقَبَضَهُ مُبْتَاعُهُ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعَتَانِ مَمْنُوعَتَيْنِ فَقَدْ رَدَّهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْعُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ هُوَ الْمَمْنُوعُ خَاصَّةً رُدَّ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يَغِبْ الْمُبْتَاعُ عَنْ الطَّعَامِ نُقِضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ مُبْتَاعُ الطَّعَامِ الثَّمَنَ إنْ كَانَ قَضَاهُ وَبَقِيَ الطَّعَامُ لِبَائِعِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غَابَ عَلَيْهِ لِرَدِّ مِثْلِهِ وَأَخْذِ ثَمَنِهِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَاعُهُ قَدْ غَابَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِرَدٍّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُؤْخَذُ الثَّمَنُ مِنْ الْبَائِعِ فَيُبْتَاعُ بِهِ مِثْلُ طَعَامِهِ فَإِنْ قَصُرَ عَنْ مِقْدَارِ طَعَامِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْغَائِبَ مِمَّا نَقَصَ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وُقِفَ لِلْغَائِبِ يَأْخُذُهُ إنْ جَاءَ وَإِنْ كَانَ كَفَافًا أَجْزَأَ بَعْضُهَا

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَا أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ فَقَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَمَا ذَلِكَ فَقَالَا هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَرَسَ يَتَتَبَّعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ الطَّعَامَ إلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ وَيَقُولُ لَهُ مِنْ أَيُّهَا تُحِبُّ أَنْ أَبْتَاعَ لَك؟ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَك فَأَتَيَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِلْمُبْتَاعِ لَا تَبْتَعْ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَعْضٍ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ الصُّكُوكُ الرِّقَاعُ مَكْتُوبٌ فِيهَا أُعْطِيَاتُ الطَّعَامِ وَغَيْرُهَا مِمَّا تُعْطِيهِ الْأُمَرَاءُ لِلنَّاسِ فَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِعَمَلٍ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِغَيْرِ عَمَلٍ كَالْعَطَاءِ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ جَوَازَ بَيْعِ طَعَامِ الْجَارِ وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ عَطَاءٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ صُكُوكِ الْجَارِ وَهِيَ عَطَايَا مِنْ طَعَامٍ إنَّمَا نُهِيَ مُبْتَاعُهَا وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنَّمَا أَنْكَرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ مَعَهُ بَيْعَ الْمُبْتَاعِ لَهَا وَلَمْ يُنْكِرْ الِابْتِيَاعَ مِمَّنْ خَرَجَتْ لَهُ الصُّكُوكُ لَمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي كَرَاهِيَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَبَعَثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَرَسَ يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَنْ خَرَجَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ نَقْضَ الْبَيْعَتَيْنِ وَلَوْ نُقِضَ الثَّانِي خَاصَّةً لَقَالَ يَرُدُّونَهَا إلَى مَنْ ابْتَاعَهَا مِنْ أَهْلِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَتُحِلُّ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ عَلَى سَبِيلِ الْإِغْلَاظِ مَعَ عِلْمِهِ بِاحْتِمَالِ مِثْلِ هَذَا مِنْهُ لِمَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَاعَ قَدَّرَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ أَوْ قَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْلُغَ فِي مِثْلِ حَالِهِ وَاهْتَبَلَ بِأَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَسَايَرَ وَسَأَلَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُ مَرْوَانَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَصُّلِ وَالتَّبَرِّي مِنْ إحْلَالِ الرِّبَا ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ قَوْلِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الصُّكُوكَ الَّتِي أَنْفَذَهَا لِلنَّاسِ بِالْجَارِ ابْتَاعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَنَصَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى الرِّبَا الَّذِي أَنْكَرَ إحْلَالَهُ وَإِبَاحَتَهُ لِلنَّاسِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعَتَانِ فِي طَعَامٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا اسْتِيفَاءٌ وَمَا يَخْرُجُ فِي الصُّكُوكِ لَا يَكُونُ إلَّا مَكِيلًا مِنْ الطَّعَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ يَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا يَقْتَضِي نَقْضَ تِلْكَ الْبِيَاعَاتِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَدُّ إلَى مَنْ خَرَجَتْ الصُّكُوكُ بِاسْمِهِ فَقَدْ نَقَضَ الْبَيْعَتَيْنِ بَيْعُ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَيْعُ مَنْ اشْتَرَى مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ إلَّا نَقْضُ الْبَيْعِ الثَّانِي عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أَبْتَعْ لَك قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ أَبِيعَهُ مِنْك بِدِينَارَيْنِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ تَنْقُدُهَا وَهِيَ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ إيجَابًا عَلَى الْآمِرِ فَفَعَلَ فَهَذَا زِيَادَةٌ فِي السِّلْعَةِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَتْ الْآمِرَ بِعَشْرَةٍ وَسَقَطَ مَا زَادَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ وَقَعَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْآمِرَ بِعَشْرَةٍ فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ عَشْرَةً مُعَجَّلَةً وَيُعْطِيَهُ جُعْلَ مِثْلِهِ إنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الثَّانِي فَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ يَرُدُّونَهَا إلَى أَهْلِهَا إلَى مَنْ خَرَجَتْ بِاسْمِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَهْلِهَا مُسْتَحِقَّ رُجُوعِهَا إلَيْهِ فَتُرَدُّ حِينَئِذٍ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إلَى مَنْ ابْتَاعَهَا أَوَّلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنْ رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ وَصَفَ لَهُ طَعَامًا ظَنَّ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ أَرَاهُ طَعَامًا ظَنَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ قَالَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَا أَبِيعُ مِنْك طَعَامًا فَاعْتَقَدَ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَظَنَّ هُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَوْ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ أَوَّلًا أَنَّهُ يَبِيعُهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْكَرَهُ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا أَرَاهُ عَيْنَ طَعَامٍ فَبَاعَهُ قَدْرًا مِنْهُ وَالْمُبْتَاعُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ سَحْنُونٌ مِنْ سُؤَالِ حَبِيبٍ فِيمَنْ عَرَضَ قَمْحًا أَوْ زَيْتًا فِي يَدِهِ مِنْهُ فَجَاوَبَهُ رَجُلٌ مِنْهُ عَلَى أَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ قَالَ مَا عِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ هُوَ لِغَيْرِي وَأَبَى أَنْ يَبِيعَ فَقَالَ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ لِغَيْرِهِ أَوَّلًا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَقْفِزَةِ الَّتِي بَاعَ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُ مِنْهُ لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَقَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالِابْتِيَاعِ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَازِمٌ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهِ لَهُ مَا فِيهِ بَرَاءَةٌ لَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَذَهَبَ بِهِ الرَّجُلُ إلَى السُّوقِ فَجَعَلَ يُرِيهِ الصُّبَرَ لِيَبْتَاعَ لَهُ مِنْ أَيُّهَا يُحِبُّ فَتَبَيَّنَ لِلْمُبْتَاعِ بِذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ لَمَا احْتَاجَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَتَبِيعُنِي مَا لَيْسَ عِنْدَك وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الرَّجُلِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الَّذِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمِ الْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَالثَّوْبِ أَوْ الدَّابَّةِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ مُعَيَّنًا بِالْجُمْلَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَاسْمُ السَّلَمِ أَخَصُّ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَلَا حَالًّا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ بِبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ السَّلَمِ وَيَدْخُلُهُ الْمَنْعُ إذَا كَانَ مُعَجَّلًا أَوْ كَانَ مُعَيَّنًا لَيْسَ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّنَا قَدْ قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَيَكُونَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَكَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ وَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ تَسْلِيمُهُ وَمَا لَا يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالطَّائِرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ «عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي فَأَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ إسْنَادًا وَرَدَ مَوْصُولًا لِهَذَا الْمَتْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا فَأَمَّا الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ فَقَدْ تَنْعَقِدُ الْمُعَاوَضَةُ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ وَالتَّفَضُّلِ فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِصِفَتِهَا أَوْ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ فِيهَا فَإِنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِمَعَانِيهَا جَازَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعَاتِ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي يَقُولُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَهُ بِالصِّفَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهَا وَتَتَفَاوَتُ الْأَثْمَانُ بِوُجُودِهَا وَعَدَمِهَا وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالْعَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ لَا يَعْرَى مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَمَعْرِفَةِ الْجِنْسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا بِأَمَدٍ قَرِيبٍ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ بِأَمَدٍ بَعِيدٍ يُعْلِمُ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ أَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيَوَانَ لَا يَبْلُغُهُ إلَّا بَعْدَ التَّغَيُّرِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ إنَّهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ أَوْ قَرِيبَهَا فَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ عَلَى شَرْطِ النَّقْدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَنْعِ الذَّرَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ إلَى الْأَجَلِ وَكَانَ عَلَى الصِّفَةِ كَانَ بَيْعًا وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الصِّفَةِ رُدَّ رَأْسُ الْمَالِ فَكَانَ سَلَفًا فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنْ الْغَرَرِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالصِّفَةِ عَلَى شَرْطِ النَّقْدِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَامَةَ فِيهَا هِيَ الْغَالِبَةُ فَذَهَبَ الْغَرَرُ مِنْ جِهَةِ مَا يُتَوَقَّعُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا الْغَرَرُ فِيهَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمَخَافَةُ مِنْ مُخَالَفَةِ الصِّفَةِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّمَا النَّقْدُ فِيهَا إذَا كَانَ الْوَاصِفُ غَيْرَ الْبَائِعِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ الْبَعِيدَةِ عَلَى الصِّفَةِ فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا فَمَرَّةً قَالَ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ حَتَّى يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَشْتَرِطَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْهُ رِوَايَةً ثَالِثَةً وَهِيَ أَنَّ ضَمَانَ الْحَيَوَانِ وَالْمَأْكُولِ وَمَا لَيْسَ بِمَأْمُونٍ عَلَى الْبَائِعِ وَضَمَانَ الدُّورِ وَالْعَقَارِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَجَعَلَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَقَالَةً ثَالِثَةً وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا هِيَ الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ اسْتَثْنَى فِيهَا الدُّورَ وَالْعَقَارَ مِنْ سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ فِي الضَّمَانِ وَعَلَى ذَلِكَ رَوَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَبَيَّنَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مَعَ كَوْنِهِ مُتَمَيِّزًا عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الصِّفَةَ صَادَفَتْهُ حَتَّى سَلِمَ ثُمَّ تَلِفَ مِنْ بَعْدُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ تَوْفِيَةَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ فَلَمَّا لَمْ يُوَفِّهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْعِوَضَ وَالتَّلَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَأْمُونِ وَغَيْرِ الْمَأْمُونِ أَنَّ الْمَأْمُونَ عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي كَالْحَاضِرِ وَلِأَنَّ النَّقْدَ لَمَّا جَازَ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونِ دُونَ غَيْرِهِ دَلَّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي إلَّا أَحَدَ وَجْهَيْنِ الْمُخَالَفَةِ وَهِيَ مُخَالَفَةُ الصِّفَةِ وَهَذَا مِنْ مَعْنَى التَّدْلِيسِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ اشْتِرَاطَ النَّقْدِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ الْغَائِبُ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ جَازَ النَّقْدُ فِيهِ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ مِثْلُ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا اشْتَرَى فِي يَوْمِهِ وَلَا يَصِفَهُ وَلَا يَذْكُرَ جِنْسَهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ أَوْ الْعُرُوضِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت الْيَوْمَ شَيْئًا رَخِيصًا فَيَقُولَ أَرِنِي إيَّاهُ فَيَقُولَ نَعَمْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَلْزَمُ الْبَائِعَ وَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْلِيَةِ الْمُكَارَمَةُ وَلَا غَرَرَ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ عَلِمَ صِفَةَ مَا بَاعَ فَلَا غَرَرَ عَلَيْهِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ فَلَا غَرَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ التَّوْلِيَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُ الْخِيَارُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ الْمُغَابَنَةُ وَالْمُكَايَسَةُ وَمِثْلُ هَذَا مِنْ الْعُقُودِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ فِيمَا جُهِلَتْ صِفَتُهُ وَجِنْسُهُ فَإِذَا شُرِطَ الْخِيَارُ فَقَدْ صُرِّحَ بِالْمُكَارَمَةِ وَسَلِمَتْ جَنْبَةُ الْمُبْتَاعِ مِنْ الْغَرَرِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَى الْقُرْبِ مِنْ هَذَا أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ وَلِلْمُبْتَاعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ ابْتَاعَ عَيْنًا غَائِبَةً بِصِفَةٍ فَوَجَدَهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَزِمَتْهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ وُجِدَ عَلَى صِفَتِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ بَعْدَ رُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ وَإِنْ شَرَطَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الْأُصُولِ وَإِلَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَمِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي يُعْطَى النَّاسُ بِالْجَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ الطَّعَامَ الْمَضْمُونَ عَلَيَّ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَتُرِيدُ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَعْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقْضُ شَرْطِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ حَالَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالسَّلَمِ إذَا عَرَا عَنْ الْوَصْفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِلْمُبْتَاعِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَصْدِيقِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْبَائِعِ فَقَالَ لَهُ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ لَهُ وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ مَا اعْتَقَدَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ فِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِفَسْخٍ وَلَا رَدٍّ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُمَا بَيْعٌ لَأَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِرَدِّهِ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَتْبَعَهُ النَّهْيُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى فِي الْمُزَنِيَّة سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْعِينَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْعِينَةِ الْجَائِزَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِينَةُ الْمَكْرُوهَةُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلَ لِيَبْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا أَوْ مَتَاعًا إلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ لَيْسَ عِنْدِي وَلَكِنْ أَرْبِحْنِي كَذَا وَكَذَا وَأَشْتَرِيهِ لَك فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الرِّبْحِ اشْتَرَى ذَلِكَ فَهَذِهِ الْعِينَةُ الْمَكْرُوهَةُ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَهَبًا بِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ قَالَ لَهُ مَا عِنْدِي ثَمَّ ذَهَبٌ فَاشْتَرَى مِثْلَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ عِنْدِي مَا تُحِبُّ فَتَعَالَ أَبِيعُك قَالَ مَالِكٌ إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُوَاعَدَةٌ أَوْ عَادَةٌ يَعْرِضُ لَهُ بِهَا وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ ارْجِعْ إلَيَّ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا يَبْتَاعُهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ وَلَمْ يَتَرَاوَضَا عَلَى رِبْحٍ فَلَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَلَى رِبْحٍ رَضِيَاهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ كَلَامِهِمَا لَكَانَ مَكْرُوهًا قَالَ وَلَا أَفْسَخُ بَيْعَ هَذَا وَلَا الَّذِي يَقُولُ ارْجِعْ إلَيَّ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إذَا قَالَ لَهُ تَعَالَ أَشْتَرِيهِ لَك وَتُرْبِحُنِي كَذَا وَيَتَّفِقَانِ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَقَعَ رُدَّ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى رِبْحٍ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ ارْجِعْ إلَيَّ أَوْ يَقُولُ لَهُ سَأَفْعَلُ وَلَا يُوَافِقُهُ عَلَى رِبْحٍ مُقَدَّرٍ فَهَذَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُضَارَعَةِ الْحَرَامِ وَمُشَابَهَتِهِ وَخَوْفِ الْمُوَاعَدَةِ أَوْ الْعَادَةِ فِيهِ فَهَذَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى فِي الظَّاهِرِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ عَقْدًا يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا لَمَّا لَمْ يُقَرِّرَا رِبْحًا وَالثَّالِثَةُ لَا يُرَاجِعُهُ بِشَيْءٍ يُطْعِمُهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَهَذَا مُبَاحٌ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً عَرَفَ نَفَاقَهَا وَرَجَا حِرْصَ النَّاسِ عَلَى شِرَائِهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة: إنَّ الْعِينَةَ الْجَائِزَةَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْمَتَاعَ وَالْحَيَوَانَ وَالدَّوَابَّ وَالْعُرُوضَ وَيَعُدَّهَا لِمَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ وَلَا يُوَاعِدُ فِي ذَلِكَ أَحَدًا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُعِدُّهَا لِكُلِّ مَنْ جَاءَ يَطْلُبُ الِابْتِيَاعَ مِنْهُ بِنَقْدٍ وَإِلَى أَجَلٍ فَهَذِهِ عِينَةٌ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهَا. (ش) : قَوْلُ جَمِيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي يُعْطَى النَّاسُ بِالْجَارِ مَا شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَبْتَاعُهَا مِنْ أَرْبَابِهَا الَّذِينَ خَرَجَتْ لَهُمْ الصُّكُوكُ بِهَا إمَّا عَلَى صِفَةٍ يَصِفُونَهَا أَوْ عَلَى عَادَةٍ عَرَفُوهَا مِنْ طَعَامِ الصُّكُوكِ تَقُومُ مَقَامَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ فَقَدْ يَكُونُ الطَّعَامُ الْكَثِيرُ الْمَجْلُوبُ مِنْ بَلَدٍ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ فَتَتَّفِقُ أَجْزَاؤُهُ وَتَتَقَارَبُ فَيَنْقُلُ مِنْهُ الْأَجْزَاءَ وَالْأَحْمَالَ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ جِنْسُهُ إلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ الْبِلَادِ كَالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ مِنْ الْجَارِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَكَانَ جَمِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَشْتَرِيهَا مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. ثُمَّ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّاسِ سَلَمًا فِي طَعَامٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يُوَفِّيَهُمْ مِنْهُ وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ ذَلِكَ الطَّعَامُ يَأْخُذُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ سَنَةً عِنْدَ الْأَجَلِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

[ما يكره من بيع الطعام إلى أجل]

(ص) : (مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ ذُرَةً أَوْ دَخَنًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ الْقُطْنِيَّةِ أَوَشَيْئًا مِمَّا يُشْبِهُ الْقُطْنِيَّةَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْإِدَامِ كُلِّهَا الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَاللَّبَنِ وَالشَّيْرَقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُدُمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ) . مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَنْهَيَانِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مَالِكٌ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ مِنْ الرَّجُلِ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَشْتَرِي بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ ابْتَاعَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ الْمُبْتَاعَ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ هُوَ وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقْبِضَهُ وَيُوَفِّيَهُ إيَّاهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَلَا يُوَاعِدُ فِيهِ أَحَدًا وَلَا يَبِيعُ طَعَامًا يَنْوِي أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ وَرَوَاهُ فِي الْمُزَنِيَّة أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ جَائِزٌ وَلَا تَضُرُّهُ النِّيَّةُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا يَنْوِي أَنْ يَقْتَضِيَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَالَى فِي هَذَا الطَّعَامِ عَقْدَيْ بَيْعٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا قَبْضٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَبْضُ بَعْدَ الْعَقْدَيْنِ وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الْبَائِعِ فِي خَاصَّتِهِ وَلَا يُفْسَخُ بِهَذَا عَقْدُ التَّبَايُعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبَيَّنَهُ لَهُ فَهَذَا مَحْضُ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَهَذَا لَا يُجِيزُهُ أَشْهَبُ وَلَا غَيْرُهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَلَمْ تَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى شِرَاءِ طَعَامٍ لَا يَقْبِضُهُ لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ يَنْوِيَ بِشِرَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ أَنْ يُوَفِّيَ طَعَامًا قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ سَلَمٍ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة سَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّا كَرِهَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لِجَمِيلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ نَهَاهُ أَنْ يُوَفِّيَهُمْ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي ابْتَاعَ فَقَالَ كَرِهَ الْإِضْمَارَ حِينَ أَضْمَرَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ وَاتَّقَى فِيهِ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يُرَاوِدَهُ عَلَى طَعَامٍ يَبْتَاعُهُ لِقَضَائِهِ أَوْ يَسْعَى لَهُ فِيهِ أَوْ يُعِينُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَجْعَلُ لَهُ فِيهِ قَالَ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا أَوْ ذُرَةً أَوْ دَخَنًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ الْقُطْنِيَّةِ أَوَشَيْئًا مِمَّا يُشْبِهُ الْقُطْنِيَّةَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْإِدَامِ كُلِّهَا الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَاللَّبَنِ وَالشَّيْرَقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُدُمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُقْتَاتِ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصَدَ هَاهُنَا أَنْ يَذْكُرَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ جَمِيعَ الْمَطْعُومِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ] (ش) : قَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ مَا يُكْرَهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَدْخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهِيَةُ بَيْعِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ وَإِنَّمَا فِيهِ كَرَاهِيَةُ أَخْذِ الْمَطْعُومِ مِنْ ثَمَنِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ عَقْدَيْ الذَّرِيعَةِ إذَا مَنَعَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي صُورَةِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَقْضُهُمَا إذَا بَاعَ حِنْطَةً بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَخَذَ بِثَمَنِ الْحِنْطَةِ تَمْرًا فَهُوَ فِي صُورَةِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالتَّمْرِ إلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ فَهَذَا بَيْعُ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ بُيُوعَ الطَّعَامِ مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا مَا يَجُوزُ وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ وَأَنَّ هَذَا مِمَّا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَائِعِهِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا الْحِنْطَةَ إلَى أَجَلٍ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ مِنْهَا أَنْ يُبَاعَ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَأْخُذَ بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا فَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَصَدَ بَيْعَ حِنْطَةٍ بِالدَّرَاهِمِ إلَى أَجَلٍ فَبَيْعُهُ لِطَعَامِهِ عَلَى ذَلِكَ بَيْعٌ مَكْرُوهٌ لِأَجْلِ الْأَجَلِ وَلَوْلَا الْأَجَلُ مَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ ثُمَّ أَخَذَ فِيهِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا لَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَنَهْيُهُمْ عَنْ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً يَقْبِضُ بِثَمَنِهَا بَعْدَ افْتِرَاقِهِمَا تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ أَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ وَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نِسَاءً وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ طَعَامًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُقْتَاتٍ أَوْ غَيْرِ مُقْتَاتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ مَطْعُومًا بِتَمْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا إلَّا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِالنَّقْدِ فَافْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ طَعَامًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا إذَا لَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى يَقْبِضَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَخَذَ بِالطَّعَامِ طَعَامًا غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ فَلَمْ يَجُزْ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ وَافْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ صِفَةِ الطَّعَامِ الَّذِي بَاعَ وَالثَّانِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ صِفَتِهِ فَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى صِفَتِهِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَأْخُذَ مَكِيلَةَ مَا بَاعَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ أَخَذَ مَكِيلَتَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَوَّلُ إلَى الْقَرْضِ وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يُسْلِفَ إرْدَبًّا مِنْ حِنْطَةٍ فِي مِثْلِهِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ لَك أَنْ تَدْفَعَ فِيهِ الْمَبِيعَ أَوَّلًا إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَدْفَعَهُ فَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْحَرَامِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ مَا بَاعَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى أَنْ دَفَعَ إرْدَبَّ حِنْطَةٍ وَأَخَذَ عِوَضًا مِنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ إرْدَبَّيْنِ مِنْ صِفَتِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فَأَجَازَهُ مَرَّةً وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَأَبَاهُ أُخْرَى وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ. فَوَجْهُ إجَازَتِهِ ضَعْفُ التُّهْمَةِ فِي تَسْلِيفِ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ مِنْ جِنْسِهِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُودٌ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ وَمَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهُ لِيَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمُسَلَّفِ إلَى أَجَلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَا غَيْرَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْجِنْسِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ أَوْ فِي النَّوْعِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْمَحْمُولَةِ وَالسَّمْرَاءِ أَوْ فِي الْجَوْدَةِ كَالْحِنْطَةِ الْجَيِّدَةِ بِالرَّدِيئَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الطَّعَامِ قَدْرَ مَا أَعْطَى أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْقَرْضِ لَمَّا بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَا مُتَمَاثِلَيْنِ فَإِنْ تَجَاوَزَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي النَّوْعِ أَوْ الْجَوْدَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِدَا الْقَرْضَ عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُمَا تَعَاقَدَا عَلَى الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ فَإِذَا وُجِدَ التَّفَاضُلُ فِي صِفَةٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ جِنْسٍ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْقَرْضِ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ وَحُمِلَ عَلَى مَا يُوَافِقُ مُقْتَضَاهُ فَوَجَبَ بِذَلِكَ الْفَسَادُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا نَهَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً بِذَهَبٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ بِالذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ مِنْ بَائِعِهِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الْحِنْطَةَ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّتِي بَاعَ بِهَا الْحِنْطَةَ إلَى أَجَلٍ تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ التَّمْرَ عَلَى غَرِيمِهِ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْحِنْطَةَ بِالذَّهَبِ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ التَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) . (ش) :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ النَّهْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِينَ إلَى مَنْ بَاعَ حِنْطَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ أَخَذَ بِثَمَنِهَا عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ مُبْتَاعِ الْحِنْطَةِ مِنْهُ تَمْرًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّهُ بَاعَ حِنْطَةً بِتَمْرٍ إلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَبَاعَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ تَمْرًا عِنْدَ الْأَجَلِ بِدِينَارٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِنْطَةِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَتَقَاضَيَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَرُدُّ التَّمْرَ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَلْ يُؤَدِّي دِينَارَ التَّمْرِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ ثَمَنَ قَمْحِهِ وَإِنْ رَدَّ إلَيْهِ ذَلِكَ الدِّينَارَ بِعَيْنِهِ كَمَا لَا تَسْتَعْمِلُ غَرِيمَك بِدَيْنِك عَلَيْهِ لَكِنْ تَسْتَعْمِلُهُ بِدِينَارٍ تَدْفَعُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْضِيك إيَّاهُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ شُبْهَةَ الذَّرِيعَةِ فَإِذَا نُقِضَ لَمْ يَبْقَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مَا يُفْسِدُهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِالْمُقَاصَّةِ فَإِذَا مَنَعْنَا الْمُقَاصَّةَ وَأَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهِ صَحَّ الْعَقْدَانِ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَمِرُّ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مَمْنُوعَةً لِنَفْسِهَا أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ ثَمَنُ طَعَامٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ تَمْرًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الذَّرِيعَةِ فَتَكُونُ الْمُقَاصَّةُ حِينَئِذٍ مَمْنُوعَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ فِي نَفْسِهَا مَمْنُوعَةً لِلذَّرِيعَةِ إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ فَتَكُونُ الْمُقَاصَّةُ حِينَئِذٍ ذَرِيعَةً إلَى الذَّرِيعَةِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا عَلَى مَنْعِ ذَرِيعَةِ الذَّرِيعَةِ فَأَمَّا عَلَى تَجْوِيزِ ذَرِيعَةِ الذَّرِيعَةِ فَيَجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ يَأْخُذَ بِالتَّمْرِ تَمْرًا لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى بَيْعِ حِنْطَةٍ بِتَمْرٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ مَنَعْنَا الْمُقَاصَّةَ فَإِنَّمَا نَمْنَعُهَا؛ لِأَنَّهَا ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْحِنْطَةِ تَمْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَحَالَ مُشْتَرِي الطَّعَامِ بَائِعَهُ بِثَمَنِ الطَّعَامِ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ طَعَامًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مُبْتَاعِ الطَّعَامِ مَالَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَ طَعَامًا وَأَخَذَ فِي ثَمَنِهِ طَعَامًا كَمَا لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالذَّهَبِ الَّذِي بَاعَ بِهَا حِنْطَةً تَمْرًا مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الذَّهَبَ وَيُحِيلَهُ عَلَى مُبْتَاعِ الْحِنْطَةِ بِالذَّهَبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقَدْرِ ذَلِكَ الذَّهَبِ تَمْرًا وَيَتَعَلَّقَ الثَّمَنُ بِذِمَّتِهِ ثُمَّ يُحِيلَهُ بِهِ عَلَى مُبْتَاعِ الْحِنْطَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ تَمْرًا حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ ثَمَنُ التَّمْرِ بِذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ثَمَنُ التَّمْرِ مَا لَهُ مِنْ الذَّهَبِ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ الْحِنْطَةِ عَلَى مُبْتَاعِ الْحِنْطَةِ فَمَا أَرَاهُ أَرَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ ثَمَنِ الْحِنْطَةِ تَمْرًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً بِتَمْرٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ يُحِيلُهُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ جَوَازِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّهُ اشْتَرَى تَمْرًا لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهِ ثُمَّ أَحَالَهُ بِذَلِكَ التَّمْرِ عَلَى مُبْتَاعِ الْحِنْطَةِ وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُحِيلَهُ مُبْتَاعُ الْحِنْطَةِ بِثَمَنِهَا عَلَى رَجُلٍ فَيَأْخُذَ مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ تَمْرًا فَلَمْ يُجَوِّزْهُ وَجَوَّزَ أَنْ يَبْتَاعَ التَّمْرَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ حَتَّى يَتَعَلَّقَ ثَمَنُ التَّمْرِ بِذِمَّتِهِ مَعَ كَوْنِ ذِمَّةِ مُبْتَاعِ الْحِنْطَةِ مَشْغُولَةً مِنْ ثَمَنِ حِنْطَةٍ آلَ إلَى تَمْرٍ لَا أَنَّ ثَمَنَ التَّمْرِ آلَ إلَى حِنْطَةٍ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْحَوَالَةُ فِي ثَمَنَيْهِمَا بَعْدَ ثُبُوتِهِمَا فِي الذِّمَّةِ عَيْنًا، وَأَمَّا الَّذِي أَحَالَهُ مُبْتَاعُ الْحِنْطَةِ عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ بِثَمَنِهَا تَمْرًا فَإِنَّ ثَمَنَ الْحِنْطَةِ نَفْسَهُ آلَ إلَى تَمْرٍ فَيَفْسُدُ بِذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَلَوْ وَكَّلْتُ مَنْ يَقْبِضُ التَّمْرَ فَقَبَضَهُ فَأَتْلَفَهُ جَازَ لِي أَنْ آخُذَ مِنْهُ بِهِ طَعَامًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ التُّهْمَةَ تَبْعُدُ فِي ضَيَاعِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْوَكِيلِ وَتَغْرِيمِهِ إيَّاهُ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنُ عِنْدَ الْوَكِيلِ بِالتَّعَدِّي فَخَالَفَ حُكْمَ ثَمَنِ الطَّعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى بَائِعِ الْحِنْطَةِ دَرَاهِمُ فَأَحَالَهُ بِهَا عَلَى مُبْتَاعِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُحَالِ إلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُحِيلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُبْتَاعَ الْحِنْطَةِ دَفَعَ بِثَمَنِهَا حِنْطَةً فَفَسَدَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ

[السلف في الطعام وفيه أبواب]

السَّلَفُ فِي الطَّعَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا عَنْ مَالِكٍ وَهُمَا مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الذَّرِيعَةِ ضَعِيفَانِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ فِي التُّهْمَةِ أَنْ أَبِيعَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً لِيُحِيلَنِي بِالثَّمَنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ عَلَى رَجُلٍ فَيَأْخُذَ مِنْهُ بِهِ تَمْرًا أَوْ أُحِيلُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ بِهِ تَمْرًا. وَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ لِلْمُسَلِّمَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ السَّلَمِ دُونَ الْآخَرِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ أَنْ يُسْلِفَ لِمُبْتَاعِ غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ قَدْ مَنَعَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِثْقَالِ لِلْمَسْأَلَةِ أَوْ يَكُونُ مَنَعَهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا لَا لِلذَّرِيعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ابْتَعْت مِنْهُ حِنْطَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ أَخَذْت مِنْهُ كَفِيلًا فَدَفَعَ إلَيْك الْكَفِيلُ الثَّمَنَ أَوْ دَفَعَهُ إلَيْك رَجُلٌ مُتَبَرِّعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَبْتَاعُ الْحِنْطَةَ طَعَامًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ وَمِنْ صِنْفِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُتَبَرِّعَ أَقْرَضَا الْمُبْتَاعَ وَقَضَيَا عَنْهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ وَاَلَّذِي لَهُمَا عِنْدَهُ لَيْسَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَا أَقْرَضَاهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَفْتَقِرَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ إلَى إحَالَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ إنَّمَا عَامَلَا الْبَائِعَ وَوَجَبَ لَهُمَا قِبَلَهُ مَا أَحَالَهُمَا بِهِ وَلَوْلَا إحَالَتُهُ مَا تَبَعَا الْمُبْتَاعَ بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهِ فَصَارَ مَا يُطْلَبُ بِهِ الْمُبْتَاعُ هُوَ نَفْسُ ثَمَنِ الطَّعَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى لَك طَعَامًا لَا يَعْرِفُ كَيْلَهُ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إتْلَافِهِ لَهُ جَازَ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ إتْلَافُهُ لَهُ فَقَدْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فَلَا تُهْمَةَ فِي أَخْذِك بِالْقِيمَةِ طَعَامًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الطَّعَامُ وَالْمُتْلِفَ قَدْ تَيَقَّنَ لُزُومَ الْقِيمَةِ لَهُ وَلَوْ غَابَ عَلَيْهِ اُتُّهِمَ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَهُ وَدَفَعَ بِهِ طَعَامًا مَا سَوَاءٌ كَانَ الْإِتْلَافُ الْمَذْكُورُ بِحَرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ انْتِفَاعِ الْمُتَعَدِّي بِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [السَّلَفُ فِي الطَّعَامِ وَفِيهِ أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي كَوْنُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وكونه مَوْصُوفًا] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّ السَّلَفَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَرْضِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى السَّلَمِ فَأَمَّا الْقَرْضُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى وَصْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ إلَّا مِثْلَ مَا أَعْطَى فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَاهُنَا الْقَرْضَ، وَأَمَّا السَّلَمُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَفَ إلَّا بِالْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلِلسَّلَمِ سِتَّةُ شُرُوطٍ وَنَحْنُ نُفْرِدُ لِكُلِّ شَرْطٍ مِنْهَا بَابًا فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (الْبَابُ الثَّانِي فِي كَوْنِهِ مَوْصُوفًا) . وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيَهُ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُ أُسَلِّمُ إلَيْك فِي مِثْلِ هَذَا فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي زَيْتٍ أَيَأْخُذُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَطْبَعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ صِفَتِهِ قَالَ لَا يَصْلُحُ قَالَ أَصْبَغُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ غَائِبًا فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ خَلْفَ مِثْلِهِ وَفِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ أَيُرِيهِ ثَوْبًا فَيَقُولُ لَهُ عَلَى صِفَةِ هَذَا أَوْ يَجْتَزِئُ بِصِفَتِهِ قَالَ إنْ أَرَاهُ فَحَسَنٌ وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ الصِّفَةُ فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَهُوَ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي تَجْوِيزَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَتَجْوِيزَهُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْلَى وَأَحْرَى. فَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ اعْتِبَارَ صِفَاتِ الْمِثْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَوْصَافِهِ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَإِذَا بَعُدَ هَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهُوَ فِي الثِّيَابِ أَبْعَدُ وَهُوَ فِي الْحَيَوَانِ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الثِّيَابِ وَوَجْهُ إبَاحَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ وَصْفُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَإِذَا أَرَادَهُ مَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ مُمَاثَلَتِهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِخْلَالُ فِي السَّلَمِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ ذِكْرُهَا فِي السَّلَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا عَلَى السَّلَامَةِ مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَصِفَهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي ثَمَنِهِ وَلَا يُوجِبُ رَغْبَةً فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَا لَمْ يُضْبَطْ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَأَنْ يَخْتَلِفَ فِيمَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُقْرَضَ وَيُسَلَّمَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا وَلَا سَلَمًا وَلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ وَالثَّالِثُ أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْقَرْضِ وَالسَّلَمِ فِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْت لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مَهْرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا سَلَمًا وَقَرْضًا كَالثِّيَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا» كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ كَالثِّيَابِ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَنَّ الْحَيَوَانَ مَعْنًى يَكُونُ بَدَلًا عَنْ سَلَفٍ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ كَالطَّعَامِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَقُولَ فَارِهًا وَإِنَّمَا يَصِفُهُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا فَإِذَا أَتَاهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ فَيُذْكَرُ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ لَحْمُ ضَأْنٍ أَوْ مَاعِزٍ وَيُوصَفُ بِالسَّمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاخْتِلَافِ الْأَسْنَانِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ لَزِمَ ذِكْرُهُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَذْكُرُ مَوْضِعَ اللَّحْمِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ بِمَوَاضِعَ مِنْ الشَّاةِ مِنْ صَدْرٍ أَوْ فَخِذٍ أَوْ جَنْبِهِ ذَكَرَهُ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ امْتِزَاجِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ دُونَ تَفْصِيلٍ وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ النَّاسِ مَكَانًا مِنْهُ عَلَى مَكَان فَعَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطَابَةِ لَهُ وَغَيْرُهُ يَخْتَارُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا يَخْتَارُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ آحَادَ أَعْيَانِهِ مَعَ تَسَاوِيهِ فِي الصِّفَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ الْأَغْرَاضُ فِيهِ لَزِمَ بَيَانُهُ كَالْجِنْسِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا السَّمَانَةُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبِ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ سَمِينًا فَإِنْ ذَكَرَ وَسَطًا مِنْ السَّمَانَةِ فَحَسَنٌ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ أَنْ يَقُولَ سَمِينًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَكُونُ لَهُ السِّمَنُ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ وَالثَّمَنُ فِي اللَّحْمِ بِاخْتِلَافِهِ حَتَّى أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ السِّمَنِ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَضْعَافُ مَا لِلْكَثِيرِ مِنْ الْمَهْزُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِ بِالصِّفَةِ فَيَصِفُ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ فَإِذَا مَيَّزَهُ بِهَذَا الِاسْمِ أَجْزَأَهُ عَنْ أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَ السَّمَانَةِ. (مَسْأَلَةٌ) :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّلَمُ فِي الْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ جَائِزٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ وَيَحْتَاجُ مِنْ الصِّفَاتِ إلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ اللَّحْمُ وَيَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا أَوْ مُتَوَسِّطَةً إذَا سَلَّمَ فِيهَا عَدَدًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّرَرِ وَالْفُصُوصِ خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالصِّفَةِ فَيُوصَفُ لَوْنُهُ وَصَفَاؤُهُ وَصُورَتُهُ مِنْ طَوِيلٍ أَوْ مُدَحْرَجٍ وَإِمْلَاسٍ وَتَضْرِيسٍ وَوَزْنُهُ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذَا مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ بِاخْتِلَافِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْأَبْيَضِ الصَّافِي فِي الْمُدَحْرَجِ الَّذِي وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَبَيْنَ آخَرَ يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي تُوصَفُ بِالْبَيَاضِ وَالطُّولِ وَامْتِلَاءِ الْجِسْمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَارِيَةٍ أُخْرَى لَا تُوصَفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الرَّقِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا سَلَمًا كَالثِّيَابِ وَالطَّعَامِ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَضَرْبٌ مُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِ السَّلَمِ فِيهِ وَهُوَ تُرَابُ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضْبَطُ بِصِفَةٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ تُرَابَ مَعَادِنِ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ إلَى عَمَلٍ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَوْجُودًا عَلَى هَيْئَتِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكُحْلِ وَذَلِكَ مِمَّا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ. (فَصْلٌ) : وَضَرْبٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الْمَطْعُومِ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ جِنْسُهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَيْثُ يَحْصُلُ النَّوْعَانِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُجْلَبُ إلَيْهِ الصِّنْفَانِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الصِّنْفَانِ كَالْأَنْدَلُسِ الَّتِي يَقْرَبُ فِيهَا أَحَدُهُمَا وَرُبَّمَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصِفَهُ بِجِنْسِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَصِفَهُ بِذَلِكَ إذَا ذَكَرَ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافُ هَذَا أَنْ يَبْطُلَ السَّلَمُ بِتَرْكِ ذِكْرِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِالْأَنْدَلُسِ بِاخْتِلَافِ نَوْعِ الطَّعَامِ اخْتِلَافًا بَيِّنًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يُجْلَبُ إلَيْهِ الْجِنْسَانِ كَالْجَارِ وَالْحِجَازِ فَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يَصِفَهَا بِنَوْعِهَا وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ النَّوْعُ الْوَاحِدُ كَمِصْرِ الَّتِي حِنْطَتُهَا كُلُّهَا بَيْضَاءُ مَعَ السَّلَامَةِ وَالشَّامِ الَّتِي حِنْطَتُهَا سَمْرَاءُ فَهَلْ يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِمِصْرَ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ رَوَاهَا ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَجْهُ الرَّوِيَّةِ الْأُولَى أَنَّ السَّلَمَ يَخْتَصُّ بِبَلَدِ الْعَقْدِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ ذِكْرُهُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهُ فَإِذَا وَجَبَ ذِكْرُ صِفَاتِهِ وَجَبَ ذِكْرُ أَجْنَاسِهِ كَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ حَيْثُ تَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ فَهَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُفْسَخُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذِهِ مَوْضِعٌ يَلْزَمُ فِيهِ ذِكْرُ الْجِنْسِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدُ السَّلَمَ الْإِخْلَالُ بِهِ كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْجِنْسَانِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْبَلَدِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ وَعَلَيْهِ يَجِبُ حَمْلُ السَّلَمِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِذِكْرِ الْجِنْسِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِظْهَارِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ فَإِذَا أَخَلَّ بِذِكْرِهِ وَكَانَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ ذَلِكَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ مِنْهُ الْجَيِّدُ وَالْوَسَطُ وَالرَّدِيءُ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَلْ يُفْسِدُ الْعَقْدَ تَرْكُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ حَيْثُ يَحْصُلُ الطَّعَامُ فَيَفْسُدُ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ فِي مَوْضِعِ مَحْصَدِهِ يَكُونُ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فَيَخْتَلِفُ بِذَلِكَ الثَّمَنُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ يُجْلَبُ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُفْسَخُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَتَى لَمْ يَصِفْهُ بِالْجَوْدَةِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ غَالِبَ أَمْرِ الطَّعَامِ تَسَاوِيهِ حَيْثُ يُجْلَبُ إلَيْهِ فِي السُّفُنِ كَالْحِجَازِ وَجَدَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُخْلَطُ فِي السُّفُنِ وَيَتَسَاوَى فَلَا يُفْسِدُ السَّلَمَ تَرْكُ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُ مُتَسَاوٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ طَعَامَ السُّفُنِ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَيَكُونُ مِنْ طَعَامِ الْحِجَازِ وَجُدَّةَ مَا يُجْلَبُ فِي الْفُقَاعِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الطَّيِّبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَمَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ مِنْ الْقَمْحِ مَعَ إطْلَاقِ الصِّفَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُهُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ فِيهِ إطْلَاقُ الصِّفَةِ رَجَعَ مِنْهُ إلَى غَالِبِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ رَجَعَ مِنْهُ إلَى الْوَسَطِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَ لَهُ غَالِبٌ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ أَنْ لَا يَصِحَّ السَّلَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُجْزِئُهُ مِنْ الصِّفَةِ بِالْجَوْدَةِ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقُولَ غَايَةً فِي الْجَوْدَةِ قَالَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا مَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الصِّفَةِ بِالْجَوْدَةِ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا حَتَّى يَقُولَ غَايَةَ الْجَوْدَةِ وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَصِفْهُ بِالْغَايَةِ بَطَلَ السَّلَمُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ السَّلَمِ لَا تَبْلُغُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَوْصُوفِ مَبْلَغَ الرُّؤْيَةِ لَهُ وَإِنَّمَا يَبْلُغُ بِهِ مُعْظَمَ مَقَاصِدِهِ وَيُجْزِئُ فِي صِفَاتِ الرَّقِيقِ أَنْ يَقُولَ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ الطُّولِ فَإِنْ وَصَفَهُ بِسَوَادِ الْعَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ السَّوَادِ وَإِنْ وَصَفَ الثَّوْبَ بِالرِّقَّةِ فَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ الرِّقَّةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالْمُتَوَسِّطِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ غَايَتَهُ وَلَا يُقَالُ غَايَةَ التَّوَسُّطِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ مَا قَالَهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ بِغَايَةِ الطِّيبِ مَا لَا يُوجَدُ أَطْيَبُ مِنْهُ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُ وَلَا يَكَادُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ غَايَةٌ فِي الطِّيبِ وَأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَأَفْضَلُ مِنْهُ مِمَّا يُوصَفُ بِغَايَةِ الطِّيبِ لَزِمَهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي وَصْفِهِ الطِّيبُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُجْزِئُ وَصْفُهُ بِجَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ دُونَ ذِكْرِ الْغَايَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ الْعَامُّ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَيْسَ لَهُ الْخَاصُّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْجَيِّدِ خَاصٌّ بَالِغٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالطِّيبِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ شَرَطَهُ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَا دَفَعَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ صِفَةُ السَّلَمِ لَزِمَ الْمُسَلِّمَ قَبْضُهُ فَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي جَيِّدٍ وَأَتَى بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ لَزِمَهُ قَبْضُهُ وَكَذَلِكَ الْوَسَطُ وَالرَّدِيءُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتَصِفُهُ بِالنَّقَاءِ وَالْغَلْثِ أَوْ التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ الْقَمْحَ وَيَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهِ فَإِنْ أَخَلَّ بِذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْدَةَ أَوْ التَّوَسُّطَ أَوْ الرَّدَاءَةَ فَهَلْ يَبْطُلُ السَّلَمُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَلْثَ عَيْبٌ فَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ السَّلَامَةِ مِنْهُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الْغَلْثَ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْلُوَ طَعَامٌ مِنْهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ وَالرُّطَبِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ فِيهِ وَوُصِفَ بِالْجَوْدَةِ أَوْ التَّوَسُّطِ أَوْ الرَّدَاءَةِ فَعَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْحِنْطَةِ وَيَدْخُلُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَدْخُلُ فِي الْحِنْطَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالنَّقَاءِ؛ لِأَنَّ التَّمْرَ لَا غَلْثَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْحَشْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ وَيَسْلَمُ أَكْثَرُ التَّمْرِ مِنْهُ وَيَلْزَمُ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ الْحَشْفِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ إلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَسْتَبِدُّ التَّمْرُ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ مِنْهُ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِالنَّوْعِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَهَذَا حُكْمُ الزَّبِيبِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَسَائِرِ

[الباب الثالث أن يكون المسلم فيه مقدرا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطَانِيِّ وَالْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ عَلَى اخْتِلَافِ أُصُولِهَا مِنْ حَرِيرٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ فَأَنْ يَصِفَ صِقَالَتَهُ وَخِفَّتَهُ وَرِقَّتَهُ وَجِنْسَهُ وَأَصْلَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ وَزْنَهُ وَلَا أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَحْقِيقُ الْوَزْنِ مَعَ اشْتِرَاطِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فَإِذَا وَفَّاهُ الْمِقْدَارَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالصَّفَاقَةِ فَقَدْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَدَخَلَ فِيهِ قَدْرُ الْوَزْنِ وَمَا يَقْرَبُ مِنْهُ فَأَمَّا تَحْقِيقُهُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُقَدَّرًا] وَهُوَ مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ دُونَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ جُزَافًا غَيْرَ مُقَدَّرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِالتَّقْدِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَالتَّعْيِينِ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْ الْمَكِيلِ يُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَعْدُودِ يُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَوْزُونِ يُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ وَمَا كَانَ يَتَقَدَّرُ بِالذَّرْعِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا يُقَدَّرُ بِالذَّرْعِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ اللَّحْمَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِالتَّحَرِّي كَمَا يُبَاعُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ تَحَرِّيًا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِمْكَانِ إنَّمَا قَصَدَ بِالتَّحَرِّي التَّخَاطُرَ وَالْحَزْرَ الَّذِي يُنَافِي السَّلَمَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ تَحَرِّيًا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ مُفَسَّرًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صُوفُ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّرُ بِالْوَزْنِ دُونَ عَدَدِ الْجَزَزِ؛ لِأَنَّ الْجَزَزَ تَخْتَلِفُ فَمِنْهَا الْكَبِيرَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَلَهُ مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَيْضُ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلٍ فَلَا يُسَلَّمُ فِيهِ إلَّا بِالْعَدَدِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَمَّا الرُّمَّانُ وَالسَّفَرْجَلُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تُبَاعُ عَدَدًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الْكَيْلُ فِيهَا مَعْرُوفًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسَلَّمُ فِيهَا عَدَدًا أَوْ كَيْلًا وَلَا يُسَلَّمُ فِيهَا وَزْنًا قَالَ وَيَذْكُرُ مِقْدَارَهُ. فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي بَيْعِهَا هُوَ الْعَدَدُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِغَيْرِهِ وَكَانَ مَجْهُولًا فِيهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ كَثِيرَهَا لَا يَكَادُ يَتَأَتَّى فِيهِ كَيْلٌ وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالتَّوَسُّطِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَدَدَ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِهِ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ التَّسَاوِي وَالتَّسَاوِي قَلِيلٌ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَهِيَ الرُّمَّانُ وَالسَّفَرْجَلُ وَالتُّفَّاحُ فَكَانَ الْعَدَدُ فِيهَا مِنْ أَبْوَابِ الْخَطَرِ فَأَمَّا صَغِيرُ التُّفَّاحِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا عَظُمَ مِنْهُ وَمِنْ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ فَالْعَدَدُ فِيهِ أَظْهَرُ كَالْأُتْرُجِّ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِالْوَزْنِ كَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْمَوْزُ وَالْكُمَّثْرَى وَرُءُوسُ الْغَنَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا الْجَوْزُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الرُّمَّانِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْوَجْهَانِ مُمْكِنَانِ ظَاهِرَانِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبِ بِجَوَازِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ جَائِزٌ. (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا مَا صَغُرَ مِنْ الْفَاكِهَةِ كَعُيُونِ الْبَقَرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْقَرَاسْيَا وَالزُّعْرُورِ وَالْمُضَارِعِ فَإِنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالْأَحْمَالُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْهُ الْعَدَدُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يُسَلَّمُ فِيهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ عَلَى عُرْفِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا مَا صَغُرَ وَكَانَ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ كَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَقُلُوبِ الصَّنَوْبَرِ فَإِنَّهُ لَا يُسَلَّمُ فِيهِ إلَّا كَيْلًا حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ وَلَا يُسَلَّمُ فِيهِ عَدَدًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ بِعَدَدِهِ لِصِغَرِهِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَهُ بِبَلَدِ السَّلَمِ حُمِلَ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ الَّتِي تُدَّخَرُ فَبِالْكَيْلِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ الْبِلَادِ مَا لَمْ تُطْحَنْ فَإِذَا طُحِنَتْ فَخَلَصَ قَلْبُ الْأَرْزِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ أَوْ جَرِيشُهَا فَإِنَّ عُرْفَهُ بِمُعْظَمِ الْبِلَادِ الْوَزْنُ وَعُرْفَهُ بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ

[الباب الرابع أن يكون السلم مؤجلا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَيْلُ وَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ فِي السَّلَمِ بِعُرْفِ بَلَدِ السَّلَمِ فَإِنَّ غَيْرَهُ مَجْهُولٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبَاعُ طَعَامٌ بِقَصْعَةٍ أَوْ قَدْحٍ غَيْرِ مِكْيَالِ النَّاسِ وَهُوَ فَاسِدٌ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَمَا يُسَلَّمُ فِيهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ أَوْ أَشَدَّ وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ وَقَالَ غَيْرُهُ يُفْسَخُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَطَبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلَّمُ فِيهِ وَزْنًا أَوْ أَحْمَالًا وَحُزُمًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ مِنْ ذَلِكَ بِكُلِّ بَلَدٍ عَلَى مَا جَرَى عُرْفُ بَيْعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَأَمَّا الْجُذُوعُ وَالْخَشَبُ فَإِنَّهَا تَتَقَدَّرُ بِالذَّرْعِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالِارْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْغَرَضُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَمَّا الْبُقُولُ وَالْقَصِيلُ فَإِنَّهَا تَتَقَدَّرُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْحُزُمِ وَالْقَبْضِ وَالْأَحْمَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّرَ بِذَرْعِ الْأَرْضِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَشْهَبُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمَنْعِ بِأَنَّ صَفَاقَتَهُ وَخِفَّتَهُ لَا تُضْبَطُ بِالصِّفَةِ وَهَذَا عَلَى صِحَّتِهِ نَاقِصُ الْعِبَارَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ بِذَرْعِ الْأَرْضِ يَخْتَصُّ بِأَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ حَوْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَقَارِبَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ وَالثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْبُقْعَةُ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ الْحَوْمَةُ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْقِرْبَةِ الصَّغِيرَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّيَابِ بِذَرْعِ الْأَرْضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسَلَّمُ فِي الثِّيَابِ كُلِّهَا بِالذَّرْعِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ إلَّا بِهِ فَإِنْ شَرَطَ ذِرَاعَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَغْبِنَ أَخَذَ مِنْهُ مِقْدَارَ ذِرَاعِهِ إلَى أَنْ يَجِيءَ أَجَلُ السَّلَمِ فَإِنْ شَرَطَا ذِرَاعًا وَلَمْ يُعَيِّنَا ذِرَاعَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى ذِرَاعٍ وَسَطٍ قَالَ أَصْبَغُ هُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ الْفَسْخُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الذِّرَاعَ مَا لَمْ يُعَيَّنْ يُعَلَّقُ بِالْوَسَطِ وَصَحَّ بِذَلِكَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْعَقْدِ وَجْهٌ مِنْ الصِّحَّةِ حُمِلَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مَجْهُولٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَيْسَ لِأَهْلِهَا ذِرَاعٌ مُعَيَّنٌ جَرَى عُرْفُ التَّبَايُعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذِرَاعٌ مُقَدَّرٌ كَذِرَاعِ الرَّشَّاشِ لِأَهْلِ قُرْطُبَةَ وَالذِّرَاعِ الْمَالِكِيِّ بِبَعْضِ الْبِلَادِ حُمِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ مُؤَجَّلًا] أَمَّا الشَّرْطُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مُؤَجَّلٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ إلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَوْ يَوْمٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي جَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ فِي السَّلَمِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَجَلِ أَنَّ مَا اخْتَصَّ بِالسَّلَمِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ كَعَدَمِ التَّعْيِينِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا التَّأْجِيلُ كَالْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالسَّلَمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُقْضَى بِبَلَدِ السَّلَمِ وَضَرْبٌ يُقْضَى بِغَيْرِهِ فَأَمَّا مَا يُقْضَى بِبَلَدِ الْعَقْدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مِقْدَارِ أَجَلِ السَّلَمِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَى الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إلَى الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّلَمَ لَمَّا اقْتَضَى الْأَجَلَ لِئَلَّا يُتَيَقَّنَ فِيهِ انْتِفَاعُ الْمُسَلَّمِ لِمُشَابَهَةِ الْغَرَضِ احْتَاجَ أَنْ يَكُونَ إلَى أَمَدٍ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا عَدِمَ شَرْطَ الصِّحَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مِقْدَارُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا فَلَوْ كَانَ اعْتِبَارُ مُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا أَسْوَاقُ الْعُرُوضِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ السَّلَمِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي الْعَيْنِ وَلَوَجَبَ أَنْ تَخْتَلِفَ آجَالُ السَّلَمِ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ فَإِنَّ مِنْ السِّلَعِ مَا يَكْثُرُ تَغَيُّرُ أَسْوَاقِهِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهَا مَا يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا كَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ تَغَيُّرَ الْأَسْوَاقِ فِي ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ عُرْفِ الْبِلَادِ وَمَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّمَا قَدَّرَ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ وَتَقْدِيرُ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُرْفُ الْبِلَادِ وَمُقْتَضَى مَا عُلِمَ مِنْ أَسْوَاقِهَا فَإِنَّهُ يَغْلِبُ تَغَيُّرُهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَعُرْفُ مِصْرَ كَعُرْفِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَوَجْهُ الْأَجَلِ فِي الْبِيَاعَاتِ أَنْ يُبَيِّنَ بِمَا يُمْكِنُ تَبْيِينُهُ بِهِ وَجَرَتْ بِمِثْلِهِ الْعَادَةُ فَيَقُولُ إلَى أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ إلَى آخِرِهِ أَوْ إلَى يَوْمِ كَذَا مَضَتْ مِنْهُ أَوْ بَقِيَتْ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ يَحِلُّ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ فَأَمَّا إنْ قَالَ يُوَفِّيهِ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَطَّارِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا إنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَلَيْسَ بِأَجَلٍ مَحْدُودٍ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى آخِرِهِ غَيْرَ أَنَّ السَّلَمَ لَا يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ وَيُكْرَهُ بَدْءًا فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَنَفَذَ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْجِدَادِ وَالْحَصَادِ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَجَلٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ مَعْلُومٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا فِي السَّلَمِ وَالْبُيُوعِ الْمُؤَجَّلَةِ أَصْلُهُ إذَا أَجَّلَهُ بِسَنَةٍ أَوْ بِشَهْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ فِي الْآجَالِ إلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ إذَا كَانَ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْرُوفًا لَا يَخْتَلِفُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ خُرُوجِ الْعَطَاءِ فَإِذَا حَلَّ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَلَّ الْأَجَلُ خَرَجَ الْعَطَاءُ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُهُمْ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. 1 - (فَصْلٌ) : ، وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي تَغَيُّرَ بَلَدِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَهَذَا تَجَوُّزٌ فِي عِبَارَةٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ مُدَّةِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ أَجَلٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ حَالٍّ يُؤَجَّلُ بِالرِّيفِ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْوَاقِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ كَاخْتِلَافِهَا بَعْدَ الْآجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يُجَهِّزُونَ الْأَمْتِعَةَ إلَى الْبِلَادِ رَجَاءَ اخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ كَمَا يُؤَخِّرُونَ السِّلَعَ إلَى الْأَجَلِ وَجَازَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَرَّرْنَا فِيهِ قِيَاسًا فَنَقُولُ إنَّ هَذَا مَعْنَى عُرْفِهِ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ فَجَازَ السَّلَمُ إلَيْهِ كَالْأَجَلِ الْبَعِيدِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ عَقَدَا عَلَى ذَلِكَ عَقْدًا صَحِيحًا وَجَبَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى مَكَانِ الْقَضَاءِ مَتَى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِقْدَارٌ تُقْطَعُ فِيهِ الْمَسَافَةُ فَإِنْ أَبَى مِنْ الْخُرُوجِ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي الْمُسَلَّمَ مَا سُلِّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعِهِ أَوْ الِاسْتِنَابَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ. (فَرْعٌ) فَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ بَعْدَ أَنْ قَصَدَ خَارِجًا إلَى مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ تَوْكِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْزِلَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فَيَبْطُلُ سَفَرُ الْمُسَلِّمُ أَوْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَنْ سَلَّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ عَزْلُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسَلِّمِ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ كَمَا يَقُولُ فِي التَّوْكِيلِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ وَكَمَا يَقُولُ فِي الْوَكِيلِ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَقَيَّدَتْ عَلَيْهِ الْمَقَالَاتُ لَمْ يَكُنْ لِمُوَكِّلِهِ عَزْلٌ إلَّا بِرِضَا مَنْ يُخَاصِمُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ جَازَ

[الباب الخامس أن يكون المسلم فيه موجودا حين الأجل]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجَلَ وَوَجَدَ الْمُسَلِّمُ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ التَّسْلِيمِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى بَلَدِ التَّسْلِيمِ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا وَهِيَ أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَتَسَاوَتْ حَالُهُمَا فِي الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ، وَالْعُرُوضُ تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا وَلَيْسَتْ بِأُصُولٍ فِي الْأَثْمَانِ وَلَا قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَلَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُ بِغَيْرِ بَلَدِ السَّلَمِ وَلِذَلِكَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ عَيْنٍ جَازَ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَيَلْزَمُ مَنْ هُوَ لَهُ قَبْضُهُ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ عَيْنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ إلَّا بِرِضَا مَنْ هُوَ لَهُ وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْأَجَلِ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ مَوْضِعُ تَسْلِيمِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَذْكُرَا مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ لِزَوَالِ التَّخَاصُمِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَيَدْخُلَانِ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ حُكْمَهُ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ سَلَّفَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَ الْقَضَاءِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ كَمَا يَقْتَضِي إطْلَاقُ الْبَيْعِ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ لَا يَذْكُرَا مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَذْكُرَاهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ لَزِمَ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ دَفْعُهُ فِي بَلَدِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَزِمَ الْمُسَلِّمَ قَبْضُهُ هُنَاكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ التَّسْلِيمُ مِنْهُ وَقَدْ شَرَطَا بَلَدَ التَّسْلِيمِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَلَزِمَ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ سُوقٌ بِذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ ذَلِكَ السُّوقُ مَوْضِعَ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَصُّ بِقَاعِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ يُوَفِّيهِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُوَفِّيهَا بِدَارِ الْمُسَلِّمِ كَانَ لَهَا سُوقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا إنْ أَقَرَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّخِذَا مَوْضِعًا فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ حَيْثُ قُبِضَتْ الدَّرَاهِمُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَوْضِعَ الْعَقْدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَلَدَ النَّقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ تَعْيِينِ الْبَلَدِ وَتَعْيِينُهُ يَقْتَضِي تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ ذَلِكَ الْبَلَدِ كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ دَفْعَ مَا شَاءَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمَّا كَانَ مَحَلُّ دَفْعِهِ مَوْضِعَ سُوقِهِ وَمُعْظَمُ نَفَاذِهِ وَمَوَازِينِهِ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُهُ بِمَوْضِعِ سُوقِهِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِصِفَاتِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ إيصَالُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ اقْتَضَى ذَلِكَ إيصَالَهُ إلَى مَنْزِلِهِ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَالْمَاءِ لَمَّا كَانَ عَلَى بَائِعِهِ إيصَالُهُ لَزِمَهُ إيصَالُهُ إلَى مَنْزِلِ الْمُبْتَاعِ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا إطْلَاقَ الْعَقْدِ وَادَّعَى الثَّانِي اشْتِرَاطَ مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ ادَّعَى خِلَافَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا شَرَطَا مَوْضِعًا لِلْقَضَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِهِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ عَقْدِ السَّلَمِ وَادَّعَى الثَّانِي غَيْرَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي مَوْضِعِ السَّلَمِ لِمُوَافَقَتِهِ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِلْقَبْضِ أُحْلِفَا وَفُسِخَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْقَضَاءِ مَحْدُودًا بِحَدٍّ يَقْرَبُ كَالْفُسْطَاطِ أَوْ الْفَيُّومِ أَوْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَأَمَّا إنْ تَبَاعَدَتْ أَقْطَارُهُ كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ إنَّ مِصْرَ مَا بَيْنَ نَجْدٍ إلَى أُسْوَانَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ تَبَاعُدِ الْأَقْطَارِ وَتَفَاوُتِ الْأَسْفَارِ لِتَبَاعُدِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِقَبْضِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعُودُ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الْقَبْضِ وَخَطَرِ الْغَرَرِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ الْأَجَلِ] 1

[الباب السادس أن يكون الثمن نقدا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ الْأَجَلِ) ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ الْأَجَلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الْأَجَلِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعْدُومًا حِينَ الْأَجَلِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ وَالْبَيْعِ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّسْلِيمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَانَ الْأَجَلُ وَعُدِمَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بِجَائِحَةٍ اسْتَأْصَلَتْهُ أَوْ غَفْلَةٍ مِنْ مُسَلِّمِهِ حَتَّى فَاتَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ السَّلَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ التَّسْلِيمَ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ وُجُودَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَصْلُ ذَلِكَ الزَّمَانُ الَّذِي بَيْنَ وَقْتِ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ الْأَجَلِ. [الْبَابُ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا] 1 (الْبَابُ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا إلَخْ) ، وَأَمَّا الشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ فِي حُكْمِ النَّقْدِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَتَأَخُّرِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَكَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ وَثَمَنُهُ مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ السَّلَمِ أَفْضَلُ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ بِالشَّرْطِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِيهِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لِمَعْنًى فِي الْعِوَضِ وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ وَالثَّمَنُ مِنْ شَرْطِهِ التَّعْجِيلُ فَكَمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بِتَأْخِيرِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْكَالِئِ فَكَذَلِكَ الثَّمَنُ الَّذِي مِنْ شَرْطِهِ التَّعْجِيلُ لَا يُفْسِدُهُ التَّأَخُّرُ عَنْ مَجْلِسِ الْقَبْضِ وَلَا بِتَأَخُّرِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا يَدْخُلُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْكَالِئِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَأَخُّرُهُ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِنَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَى أَجَلِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَجُوزُ تَأَخُّرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ هَذَا الْمِقْدَارَ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْضُهُ بِالشَّرْطِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ الْبَعِيدِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ صَحَّ أَنْ يَقُولَ بِتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّأْجِيلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ حُكْمُ التَّأْجِيلِ لَجَازَ تَأَخُّرُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَأَخُّرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إلَى أَجَلِ السَّلَمِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يُفْسِدُ السَّلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يُفْسِدُ السَّلَمَ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّعَاقُدِ عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهَا إلَيْهِ آلَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَقْدَهُمَا سَلِمَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُفْسِدُهُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا تَأْخِيرَ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَفْسُدْ السَّلَمُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَحَدُهُمَا فَسَدَ السَّلَمُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَرَّ لِيُفْسِدَ السَّلَمَ فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِإِفْسَادِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْفَارَّ مِنْ الْأَدَاءِ فِي الصَّرْفِ لَا يُبْطِلُ الصَّرْفَ وَإِذَا لَمْ يَفِرَّ أَحَدُهُمَا فَقَدْ رَضِيَا بِإِفْسَادِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَفْسُدَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ عَيْنًا إلَى أَجَلٍ فَبَانَ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ عَرَضًا مُعَيَّنًا أَوْلَى وَأَحْرَى؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ السَّلَمُ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا مُعَيَّنًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا

بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ سُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ وَالدُّورِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يُفْسَخْ كَالْحَيَوَانِ وَالدُّورِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي السَّلَمِ عَبْدًا وَتَأَخَّرَ الشَّهْرَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهِيَةً وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إذَا كَانَ عَيْنًا بَطَلَ السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالسَّلَمُ مَكْرُوهٌ وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُغَابَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَهُوَ مِنْ الْمُسَلِّمِ وَيَفْسُدُ السَّلَمُ فَإِذَا بَقِيَ بِيَدِهِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بِأَنْ يَدَّعِيَ صِنَاعَةً وَيُبْطِلُ السَّلَمَ مَتَى شَاءَ وَكَرِهَ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ مُدَّةً لَا يَصِحُّ الْخِيَارُ فِيهَا فِي السَّلَمِ، وَأَمَّا مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَهَلَاكُهُ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ السَّلَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ فَالْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ وَيَدْفَعَ جَمِيعَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ مَا كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ لَزِمَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ قَبْضُهُ وَدَفْعُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ فَقَدْ مَنَعَ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ مِنْ مَقْصُودِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إلَى أَجَلِهِ وَلِهَذَا التَّأْخِيرِ تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ فَصَارَ ذَلِكَ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ إنْ شَاءَ أَنْ يُبْطِلَهُ أَبْطَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ وَإِنْ كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ جِهَةِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسَلِّمِ فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارٌ فِي فَسْخِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ السَّلَمِ بِزَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا بِثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٌ فِي الذِّمَّةِ وَمُضَافٌ إلَى بَلْدَةٍ فَأَمَّا الْمُطْلَقُ فِي الذِّمَّةِ فَمِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ فِي قَمْحٍ أَوْ تَمْرٍ وَيَصِفُهُ بِصِفَةٍ وَلَا يَشْتَرِطَ مِنْ تَمْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَالثَّانِي أَنْ يُضِيفَهُ إلَى بَلَدِهِ فَيَقُولَ مِنْ قَمْحِ مِصْرَ أَوْ الشَّامِ أَوْ تَمْرِ الصَّفْرَاءِ أَوْ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إلَى مَوْضِعٍ صَغِيرٍ لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُ ثَمَرَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ ذَلِكَ الْحَائِطِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ لِبَائِعِ التَّمْرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالثَّانِي أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إلَى مَوْضِعٍ كَبِيرٍ كَثِيرِ التَّمْرِ وَالزَّرْعِ يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ مِثْلَ وَادِي الْقُرَى وَخَيْبَرَ فَهَذَا يَجُوزُ عَقْدُ السَّلَمِ فِيهِ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ أَوْ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ سَأَلْت ابْنَ أَبِي أَوْفَى عَنْ السَّلَفِ فَقَالَ كُنَّا نُسَلِّفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ إلَى قَوْمٍ لَا نَدْرِي أَعِنْدَهُمْ أَمْ لَا» وَابْنُ أَبْزَى قَالَ مِثْلَ يَعْنِي ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِقَالَةَ فِي الطَّعَامِ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ عَقْدًا وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ خَرَجَ عَنْ الْإِقَالَةِ إلَى الْبَيْعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَهُوَ إذَا عَقَدَ الْإِقَالَةَ بِمِثْلِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ نَدِمَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِلْبَائِعِ أَقِلْنِي وَأَنْظُرُكَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعْت إلَيْك فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الطَّعَامُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ أَخَّرَ عَنْهُ حَقَّهُ عَلَى أَنْ يُقِيلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعَ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ حَلَّ الْأَجَلُ وَكَرِهَ الطَّعَامَ أَخَذَ بِهِ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا الْإِقَالَةُ مَا لَمْ يَزْدَدْ فِيهِ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الْإِقَالَةُ إذَا فَعَلَا ذَلِكَ بَيْعًا وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِي الْإِقَالَةِ وَالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ مَا لَمْ يَدْخُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ قَبَضَ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَيْنٍ مُخَالِفٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِلذَّرِيعَةِ إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ مَا أَظْهَرَاهُ مِنْ الْعَقْدِ لَغْوًا وَقَدْ بَاعَ الطَّعَامَ قَبْلَ قَبْضِهِ بَعْدَمَا ابْتَاعَهُ بِهِ فَخَرَجَ عَنْ الْإِقَالَةِ إلَى الْبَيْعِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ مَطْعُومًا مُعَيَّنًا عَلَى الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مَكَانَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ أَوَّلًا بِمَا أَخَذَهُ آخِرًا قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخَذَ نِصْفَهُ عَلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا خَيْرَ فِيهِ وَهُوَ سَوَاءٌ مِثْلُ الَّذِي تَقَدَّمَ وَيُحْمَلُ هَذَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ قَالَ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ بِدِينَارٍ قَمْحًا ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِنِصْفِهِ عَدَسًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ زَيْتًا فَلَمْ تَسَعْهُ بَطَّتُهُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا بَقِيَ طَعَامًا أَوْ يَرْتَجِعَهُ فَلَا يُعْجِبُنِي وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يَدْخُلُهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا تَنْبَغِي الْإِقَالَةُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَهَبَهُ أَوْ وَرِقَهُ أَوْ ثَمَنَهُ بِعَيْنِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ ذَهَبَهُ أَوْ وَرِقَهُ نَفْسَ ثَمَنِهِ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ أَوْ يَكُونُ الثَّمَنُ تِبْرًا أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا فَيَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُلِيِّ أَنْ يُقِيلَهُ إلَّا بِنَفْسِ مَا دَفَعَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ بِذَهَبِهِ أَوْ وَرِقِهِ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ وَسِكَّتِهِ عَلَى قَوْلِ أَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ سَلَّمَ إلَى رَجُلٍ دَنَانِيرَ فِي طَعَامٍ فَأَقَالَهُ مِنْهُ وَدَنَانِيرُهُ فِي يَدِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا أَنَّ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: أَوْ ثَمَنَهُ بِعَيْنِهِ يُرِيد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ كَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ فَهَذَا لَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ إلَّا بِنَفْسِ ذَلِكَ الثَّمَنِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ الْإِقَالَةَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ بِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ تَكُونَ الْإِقَالَةُ بِهِ فَيَكُونُ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَذَرِيعَةً إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ النَّدَمَ قَدْ يَلْحَقُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَتَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِقَالَةُ لِلرِّفْقِ بِصَاحِبِهِ وَيَصِحُّ مِنْهُ طَلَبُ الرِّبْحِ أَوْ النَّمَاءِ وَيَصِحُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ مِنْ الْقَرْضِ لِلْمُقْتَرِضِ إلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ أَحْوَالِ الْإِقَالَةِ رِفْقُ أَحَدِ الْمُتَقَايِلَيْنِ بِصَاحِبِهِ فَلِذَلِكَ حُمِلَتْ عَلَى أَغْلَبْ أَحْوَالِهَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِقَالَةِ أَنْ تَكُونَ بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ شَامِيَّةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مَحْمُولَةً بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّفَ فِي صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ خَيْرًا مِمَّا أَسْلَفَ فِيهِ أَوْ أَدْنَى بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي حِنْطَةٍ مَحْمُولَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ شَعِيرًا أَوْ شَامِيَّةً وَإِنْ سَلَّفَ فِي تَمْرِ عَجْوَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ صَيْحَانِيًّا أَوْ جَمْعًا وَإِنْ سَلَّفَ فِي زَبِيبٍ أَحْمَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَسْوَدَ إذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ إذَا كَانَتْ مَكِيلَةُ ذَلِكَ سَوَاءً بِمِثْلِ كَيْلِ مَا سَلَّفَ فِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعُقِدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِقَالَةِ أَنْ يُقِيلَهُ مِمَّا نَدِمَ فِيهِ وَيُعِيدَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مَا أَوْجَبَ النَّدَمَ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَلَّا بِنَقْضِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ نَقْضُ بَيْعٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بِصَرِيحِ الْإِقَالَةِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ مِثْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ الْمُسَلَّمِ فَيَقُولُ اشْتَرِ بِهَا طَعَامًا فَكُلْهُ لِي حِينَ الْأَجَلِ ثُمَّ اسْتَوْفِهِ فِي حَقِّك فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَصْلُحُ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ عِنْدَ الْأَجَلِ مِثْلَ دَنَانِيرِهِ فَقَالَ اشْتَرِ بِهَا طَعَامَك أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الدَّنَانِيرَ فَقَالَ اشْتَرِ بِهَا طَعَامًا فَاكْتَلْهُ لِي ثُمَّ اسْتَوْفِهِ مِمَّا لَك لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَا طَعَامَك جَازَ ذَلِكَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا قَالَ اكْتَلْهُ لِي لَمْ يُمَلِّكْهُ الثَّمَنَ وَلَمْ تَجُزْ مِنْهُ إقَالَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ الَّذِي عُجِّلَ فِي السَّلَمِ يُؤَجَّلُ فِي الْإِقَالَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَجَلَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ يَطْلُبُ الِارْتِفَاقَ بِهِ إلَى حُلُولِ السَّلَمِ فَإِذَا تَعَجَّلَ فِي السَّلَمِ وَتَأَجَّلَ فِي الْإِقَالَةِ فَقَدْ ازْدَادَ فِي الْإِقَالَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَيُغَيِّرُ مَوْضُوعَهَا وَيَنْقُلُهَا إلَى الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَمْنُوعٌ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْفَسَادِ وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ طَعَامٌ مُؤَجَّلٌ فَفَسَخَهُ فِي غَيْرِ مُؤَجَّلٍ إلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الزِّيَادَةُ بِنَسِيئَةٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَيْءٍ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِقَالَةٍ بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ النَّسِيئَةَ مِمَّا يَزْدَادُهُ مِنْ أَخَذُوا نَسْأَلُهُ فِي دَفْعِ مَا عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ تُغَيِّرُ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَيُقِيلُهُ عَلَى تِسْعَةٍ فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ ازْدَادَ فِي الْإِقَالَةِ دِرْهَمًا أَوْ يُقِيلُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا يَزْدَادُ الْمُبْتَاعُ مِنْ الْبَائِعِ دِرْهَمًا وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَقَالَ لَهُ ابْتَعْ بِهَذَا طَعَامَك لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ عَنْ حُكْمِ الْإِقَالَةِ وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَقَالَ لَهُ ابْتَعْ بِهَذَا طَعَامَك فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْإِقَالَةِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الذَّرِيعَةِ وَتَبْعُدُ فِيهِ التُّهْمَةُ وَبُعْدُ التُّهْمَةِ يَمْنَعُ تَأْثِيرَ الذَّرِيعَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَسْلَمَ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ الْأَجَلِ نَوْعًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ أَدْنَى فِي مِثْلِ كَيْلِهِ فَيَأْخُذُ مِنْ الْحِنْطَةِ الشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَنْوَاعَ الذَّهَبِ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَدَلِ وَلَيْسَ مِنْ الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ جَازَ بَدَلُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَقُصِرَ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُبَايَعَةِ لَمَا قَصُرَ عَلَى الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ مُعَاوَضَةٍ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مُبَادَلَةً وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَجُوزُ أَخْذُهُ بَدَلًا مِنْهُ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ يَأْخُذُ مِنْهُ أَفْضَلَ مِمَّا لَهُ أَوْ أَدْنَى، وَأَمَّا مَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَنْهُ فَلَا يَأْخُذُ تَمْرًا مِنْ قَمْحٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِيفَائِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ دَخَلَهُ بَيْعُ الطَّعَامِ نِسَاءً. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَدْنَى نَوْعًا مِثْلَ أَخْذِ عَشَرَةِ أَرَادِبَ شَعِيرًا مِنْ عِشْرِينَ إرْدَبًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الْقَمْحِ وَلَوْ أَخَذَ الْعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ عَنْ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ قَمْحًا ثُمَّ وَهَبَهَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ إرْدَبٍّ تَمْرًا فَأَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ إرْدَبًّا مَحْمُولَةً إنْ كَانَ إنَّمَا صَالَحَ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَايَعَةِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ إرْدَبًّا مَحْمُولَةً ثُمَّ حَطَّ عَنْهُ الثَّانِيَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَجَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى أَجَلٍ مِائَةُ إرْدَبٍّ تَمْرًا فَلَمَّا حَانَ الْأَجَلُ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ إرْدَبًّا مَحْمُولَةً ثُمَّ وَهَبَهُ الْبَاقِيَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا أَشَدُّ وَأَقْوَى وَأَرْفَعُ مِنْ الْجَوْدَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فِي النَّوْعِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَبَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ نَوْعِهِ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الَّذِي عِنْدَهُ الْقَرْضُ أَوْ السَّلَمُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِثْلَ تِلْكَ الْمَكِيلَةِ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ حَتَّى قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ الَّذِي لَهُ إلَى الْجِنْسِ الَّذِي أَخَذَهُ وَذَلِكَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَيَدْخُلُهُ فِي الْقَرْضِ طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَيَدْخُلُهُ فِي السَّلَمِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ الْوَرِقُ مِنْ الذَّهَبِ وَالذَّهَبُ مِنْ الْوَرِقِ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْحِنْطَةَ مِنْ الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَيَأْخُذَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْعَلْسَ مِنْ جِنْسِهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ مِنْهَا، وَيَأْخُذُ أَنْوَاعَ التَّمْرِ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ وَيَأْخُذُ عَنْ نَوْعِ مَا لَا يُسْتَحْيَا مِنْ الطَّيْرِ نَوْعًا آخَرَ عَلَى تَحَرِّي الْوَزْنِ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَقَلَّ عَدَدًا فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْعَدَدِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِهِ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّيْرَ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِاخْتِلَافِ نَوْعِهِ وَيَتَفَاوَتُ فَلَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ عَدَدًا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ اللَّحْمُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى تَحَرِّي مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ وَالْمُسَاوَاةِ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ التَّحَرِّيَ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَتَسَاوَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي سَلَّمَ إلَيْهِ فِيهَا قَدْرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَأْخُذُ الدَّقِيقَ مِنْ الْحِنْطَةِ فِي الْبَيْعِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْقَرْضِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَجْهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجِيزُ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ وَيَرَى التَّمَاثُلَ بِالْوَزْنِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ مِقْدَارٍ إلَى مِقْدَارٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى التَّمَاثُلَ فِيهِمَا إلَّا بِالْكَيْلِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.

[بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما]

بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامِهِ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ سُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَهْلَ الْغُلَامِ إذَا كَانَ قُوتُهُمْ مِنْ عِنْدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إمَّا لِأَنَّهُمْ رَقِيقٌ لَهُ أَوْ لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ غُلَامُهُ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الِاقْتِرَاضِ حَتَّى يُعِيدَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِأَهْلِهِ أَهْلَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمْ مَوَالِي نَفَقَتِهِ وَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْغُلَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مِمَّنْ يَسْعَى عَلَيْهِمْ وَيَنْضَوِي إلَيْهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَابْتَعْ بِهِ شَعِيرًا يَقْتَضِي جَوَازَ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ حَقِيقَةَ الْبَدَلِ وَهُوَ أَخَصُّ بِهِ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ يُرِيدُ الْمِثْلَ فِي الْمِقْدَارِ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الصِّفَاتِ مُحَالٌ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ وَنَهْيُهُ عَنْ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا مِثْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّعِيرِ وَأَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَوَجَدُوا بِالْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ أَفْضَلَ مِنْ مَكِيلَتِهَا فَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُمْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحِنْطَةَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ، وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ، وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ، وَكَانَ حَرَامًا، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْأُدُمِ كُلِّهَا إلَّا يَدًا بِيَدٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ فَلَا يُبَاعُ مُدُّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ، وَلَا مُدُّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ، وَلَا مُدُّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْأُدْمِ كُلِّهَا إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ إنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ لَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلُ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ السُّلْتُ عَنْد مَالِكٍ لَك هُوَ مِنْ جِنْسِهِمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ أَجْنَاسٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَرُمَ فِيهَا التَّفَاضُلُ وَدَلِيلُنَا أَيْضًا أَنَّهُ مُقْتَاتٌ تَسَاوَتْ مَنْفَعَتُهُ فَوَجَبَ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَمَا لَوْ كَانَ بُرًّا كُلَّهُ أَوْ شَعِيرًا كُلَّهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعَلَسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الزَّكَاةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأَرُزُّ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَرَوَى زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ الذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأَرُزُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِمَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ انْفِصَالُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ فِي الْمَنْبَتِ، وَالْمَحْصَدِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ بَعْضِ الْبِلَادِ بِاِتِّخَاذِ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ مَنَافِعِهَا، وَأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَسْتَحِيلُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِعُمُومِ الِاتِّخَاذِ لَهُمَا كَالشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ، وَاسْتِحَالَةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ وَالسُّلْتِ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَقَارُبُ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقُطْنِيَّةُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا فَمَرَّةً قَالَ إنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَمَرَّةً قَالَ هِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَاللَّيْثُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي لِاخْتِلَافِهَا فِي الصُّورَةِ وَالْمَنَافِعِ، وَعَدَمِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْبِلَادِ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك طَعَامًا يَقْتَضِي أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الطَّعَامِ عِنْدَهُمْ كَانَ يَقْتَضِي الْحِنْطَةَ، وَأَتَى بِذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّعَامِ لِتَغَايُرِ الْأَسْمَاءِ، وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ سَعْدٍ وَقَوْلُ ابْنَ مُعَيْقِيبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا تَأْخُذْ الْأَمْثِلَةَ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَلَا يُعْلَمْ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ مَعَ مَا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنْ لَا تُبَاعَ الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَلَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَلَا الْحِنْطَةُ بِالتَّمْرِ، وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ، وَلَا الْحِنْطَةُ بِالزَّبِيبِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلُ لَمْ يَصْلُحْ، وَكَانَ حَرَامًا، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْأُدُمِ كُلِّهَا إلَّا يَدًا بِيَدٍ) . (ش) :، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مَطْعُومٌ بِمَطْعُومٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَطْعُومٌ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلُ ذَلِكَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ اخْتَصَّ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ بِالْمُقْتَاتِ، وَكَانَ تَحْرِيمُ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ الْمَطْعُومِ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ أَوْسَعُ بَابًا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ يَخْتَصُّ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَتَأْخِيرَ التَّقَابُضِ يَتَعَلَّقُ بِالْجِنْسَيْنِ، وَلِذَلِكَ جَازَ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَمْ يَجُزْ فِيهِمَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَعَمُّ مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي مَبِيعِ جُمْلَةٍ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَا كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ الطَّعَامِ يُرِيدُ بِهِ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي تَبْيِينِ مَعْنَى الْجِنْسِ، وَالثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْجِنْسَ تَارَةً يَكُونُ جِنْسًا مُنْفَرِدًا مِنْ الْأَصْلِ يُفَارِقُ غَيْرَهُ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجْنَاسِ بِنَفْسِهِ كَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ، وَتَارَةً يَكُونُ جِنْسًا بِالصِّنَاعَةِ كَالْخُبْزِ وَالْخَلِّ الَّذِي لَا يُفَارِقُ أَصْلَهُ، وَيَتَغَيَّرُ عَنْ جِنْسِهِ بِالصِّنَاعَةِ وَالْعَمَلِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ جِنْسًا بِنَفْسِهِ كَالتَّمْرِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ فَإِنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتِّينُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا يَيْبَسُ، وَمِنْهُ مَا لَا يَيْبَسُ فَإِنَّ حُكْمَ جَمِيعِهِ حُكْمُ غَالِبِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَيْبَسُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدِي أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ أَبْيَضِهِ وَأَسْوَدِهِ، وَالْعِنَبُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ مَا يُزَبَّبُ، وَمَا لَا يُزَبَّبُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَلَا بَيْنَ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَزَيْتُونُ الشَّامِ، وَزَيْتُونُ مِصْرَ نَوْعٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَإِنْ كَانَ زَيْتُونُ مِصْرَ لَا زَيْتَ فِيهِ، وَزَيْتُونُ الشَّامِ فِيهِ الزَّيْتُ، وَلَبَنُ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ جِنْسٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَإِنْ كَانَ لَبَنُ الْإِبِلِ لَا زُبْدَ فِيهِ، وَلَبَنُ سَائِرِ الْأَنْعَامِ فِيهِ الزُّبْدُ، وَالْأَنِيسُونُ وَالشَّمَارُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ الْكَمُّونَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ حَكَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي إذَا قُلْنَا إنَّهَا مِنْ الطَّعَامِ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِهَا، وَتَبَايُنِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَإِنَّهَا لَا تَتَمَازَجُ فِي مَنْبَتٍ وَلَا مَحْصَدٍ، وَلَا يُجْزِئُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي شَيْءٍ، وَلَا تَتَقَارَبُ فِي صُورَةٍ، وَإِنَّمَا يَجْمَعُهَا اسْمُ الْكَمُّونِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الْكَمُّونِ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشُّونِيزِ أَظْهَرُ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْفُلْفُلُ وَالْكَرَاوْيَا، وَحَبُّ الْكُزْبَرَةِ، وَالْقِرْفَةِ، وَالسُّنْبُلُ، وَالْقُرْطُمُ، وَالْخَرْدَلُ فَأَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبُغَ، وَحَكَاهُ فِي التَّوَابِلِ عَنْ مَالِكٍ، وَالثُّومُ، وَالْبَصَلُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا تَغَيُّرُ الْجِنْسِ بِالصِّنَاعَةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا صِنَاعَةٌ تُخْرِجُ الْمَصْنُوعَ عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ، وَالثَّانِي صِنَاعَةٌ تَجْمَعُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ مِنْ أَصْلِهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٍ يَكُونُ بِالنَّارِ، وَقِسْمٍ بِغَيْرِ نَارٍ فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِالنَّارِ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَنْفَرِدَ الصِّنَاعَةُ بِتَأْثِيرِ النَّارِ دُونَ إضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يَنْقُصُ عِبْرَةَ الْمَصْنُوعِ فِيمَا جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَقَلْيِ الْحِنْطَةِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ، وَسَائِرِ مَا يُقْلَى مِنْ الْحُبُوبِ فَإِنَّهَا لَا يَنْقُصُ كَيْلُ الْمَغْلِيِّ، وَهُوَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ فَهَذَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّارِ كَالْأَمْرِ الثَّابِتِ فِيهِ، وَالْمَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ بِخِلَافِ شَيِّ اللَّحْمِ وَطَبْخِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَيْنِ الْمَشْوِيِّ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ، وَإِذْهَابِ أَجْزَاءِ رُطُوبَتِهِ كَتَزْبِيبِ الْعِنَبِ، وَتَيْبِيسِ التَّمْرِ وَالتِّينِ فَلَا تُغَيِّرُ الْجِنْسَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ بِالنَّارِ يَقْتَرِنُ بِهَا مَا تَتِمُّ الصِّنَاعَةُ بِهِ مِنْ مِلْحٍ وَإِبْزَارٍ وَزَيْتٍ وَخَلٍّ وَمَرَقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا انْضَافَ إلَيْهِ مِنْهُ مَا تَكُونُ النِّهَايَةُ الْمُعْتَادَةُ مِنْ عَمَلِهِ، وَسُمِّيَ صِنَاعَةً كَالْأَبْزَارِ وَالْمَرَقَةِ فِي طَبْخِ اللَّحْمِ وَالْمَاءِ وَالْمِلْحِ فِي الْخُبْزِ فَهَذَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ تَغْيِيرُهُ بِالنَّارِ، وَبِمَا يُضَافُ إلَيْهِ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ نِهَايَةِ عَمَلِهِ فَأَمَّا الْخُبْزُ فَلِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَاءَ وَالْمِلْحَ هُوَ النِّهَايَةُ مِنْ عَمَلِهِ فِي الْأَغْلَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نَقْصًا مِنْ وَزْنِهِ دَقِيقًا، وَأَمَّا طَبْخُ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ نَقْصًا، وَلَيْسَ بِالْغَايَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ صِنَاعَةٍ فَلَمْ تَكُنْ صِنَاعَةٌ فِيهِ، وَلَا جِنْسًا مَخْصُوصًا مِنْهُ. (فَرْعٌ) وَاخْتِلَافُ مَا يُطْبَخُ بِهِ لَيْسَ بِاخْتِلَافِ جِنْسٍ فِيهِ كَالْقَلِيَّةِ بِالْخَلِّ وَالْقَلِيَّةِ بِالْمَرَقِ وَالْقَلِيَّةِ بِالْعَسَلِ وَالْقَلِيَّةِ بِاللَّبَنِ كُلُّ ذَلِكَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهُ لِاخْتِلَافِ مَا قُلِيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ اللَّحْمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي يَكُونُ تَغَيُّرُهُ بِغَيْرِ نَارٍ مِمَّا يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الْمُدَّةِ، وَيَنْتَقِلُ إلَى قَلْيِ الطَّعَامِ الثَّابِتِ لَهُ بِنِهَايَةِ النُّضْجِ كَتَخَلُّلِ الْعَصِيرِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ طُولِ الْمُدَّةِ فَلَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا نُرَاعِي فِي الْجِنْسِ الْمَنَافِعَ، وَالْمَقَاصِدَ فَإِذَا بِيعَ الْعَصِيرُ بِالْعِنَبِ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَصِيرًا مِنْ وَقْتِهِ أَوْ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعِنَبِ الْعَصِيرُ فَيَدْخُلُهُ الْمُزَابَنَةُ وَالتَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَإِذَا بِيعَ الْعِنَبُ بِالْخَلِّ، وَالْخَلُّ لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْعِنَبِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ الْعِنَبِ كَمَا لَا يُقْصَدُ الْخَلُّ بِشِرَاءِ التَّمْرِ، وَلَا يُقْصَدُ التَّمْرُ بِشِرَاءِ الْخَلِّ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا لِبُعْدِ تَغَيُّرِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ الطَّعَامِ الثَّابِتِ بِنِهَايَةِ النُّضْجِ فَلِأَنَّهُ غَايَةُ الثَّمَرَةِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْهَا فَلَا يُخْرِجُهَا وُجُودُهُ عَنْ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ جِنْسِهَا، وَالْمُحَقِّقِ لَهَا فِيهِ، وَأَمَّا مَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ضِدٌّ لَهُ كَالْحُمُوضَةِ وَالتَّخَلُّلِ فِي الْعَصِيرِ فَإِنَّهُ مُغَيِّرٌ لِلْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ بِسَبِيلٍ بَلْ يَمْنَعُهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ طَعْمٍ لِلْأَصْلِ، وَيَحْدُثُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُهَا، وَإِنَّمَا نَصَّ مَالِكٌ عَلَى خَلِّ التَّمْرِ ثُمَّ قَاسَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ خَلَّ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ فَجَوَّزَهُ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي إنْ كَانَ يَطُولُ كَالتَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ بِالطُّولِ دُونَ الطَّعْمِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَدِينَةِ لَا يَحِلُّ خَلُّ التَّمْرِ، وَلَا خَلُّ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ، وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ التَّمْرِ بِالْعِنَبِ، وَخَلِّ الْعِنَب بِالتَّمْرِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِ الطَّعْمِ صِنَاعَةً تُغَيِّرُ الْجِنْسَ، وَرَوَى أَبُو زَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ لِلْمُزَابَنَةِ، وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ بِالْقَمْحِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا عَلَّلْنَا بِالطُّولِ فَلَا يَصِحُّ خَلُّ التَّمْرِ بِنَبِيذِهِ مُتَفَاضِلًا رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَّلَ بِتَقَارُبِ الْمَنَافِعِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِتَقَارُبِ انْتِقَالِهَا، وَإِلَّا فَمَنَافِعُهَا، وَأَغْرَاضُهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ خَلُّ التَّمْرِ بِنَبِيذِ الزَّبِيبِ، وَأَمَّا إذَا عَلَّلْنَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّعْمِ، وَاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَلِّ بِالنَّبِيذِ مُتَفَاضِلًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعِ بِالْقَمْحِ، وَهَذَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ التَّسَاوِي، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ طَعْمِ الْأَصْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِتَغَيُّرِ الْجِنْسِ، وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ تَغَيُّرِ الطَّعْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فِي الصِّنَاعَةِ الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْءِ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْنَاسِهِ فِي الْأَصْلِ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الصِّنَاعَةُ تُغَيِّرُ الْأَجْنَاسَ، وَتُصَيِّرُهَا جِنْسًا وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِ أُصُولِهَا وَاتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا تُخْرِجُهُ إلَيْهِ الصِّنَاعَةُ مِنْهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الْعِنَبِ وَخَلِّ الْعَسَلِ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَخَلُّهَا كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة وَكَذَلِكَ كُلُّ خَلٍّ اخْتَلَفَتْ أَصْنَافُهُ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هَذِهِ الْآخِرَةُ خَطَأٌ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا، وَفِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ إنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَإِنَّ لُحُومَهَا وَأَلْبَانَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَبِيذُ التَّمْرِ وَنَبِيذُ الْعِنَبِ فَفِي كِتَابِ أَبِي الْفَرَجِ مِنْهَا صِنْفَانِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّمْرُ وَالْعِنَبُ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالِانْتِبَاذُ لَيْسَ بِصِنَاعَةٍ تُغَيِّرُ الْجِنْسَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَبِيذُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ نَبِيذِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ نَبِيذُ الْعِنَبِ مِنْ جِنْسِ نَبِيذِ التَّمْرِ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ مِنْ جِنْسِ نَبِيذِ الْعِنَبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعِنَبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ التَّمْرِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَسَاوِي النَّبِيذَيْنِ فِي الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الِانْتِبَاذُ صَنْعَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِتَجْوِيزِ الْفُقَّاعِ بِالْقَمْحِ، وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ الِانْتِبَاذِ صَنْعَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخُبْزُ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي خُبْزِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْأَرُزِّ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ إنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَأَمَّا خُبْزُ الْقُطْنِيَّةِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَكَى عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخُبْزَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمُعْتَادُ فِيهَا التَّأَدُّمُ بِهَا، وَلِذَلِكَ قَارَبَتْ مَا يُخْتَبَزُ غَالِبًا مِنْ الذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ حُبُوبٌ تُتَّخَذُ خُبْزًا فَإِذَا

[الباب الثاني في ما يقع التماثل به في المقادير]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَارَبَتْ مَنَافِعُ خُبْزِهَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا كَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَصِحُّ عِنْدِي أَنْ نَبْنِيَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أُصُولِهِمَا مِنْ الْقَطَانِيِّ هَلْ هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ سَوِيقَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُبْزِهَا أَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ خُبْزًا غَالِبًا، وَتُتَّخَذُ سَوِيقًا غَالِبًا، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّ خُبْزَ الْقُطْنِيَّةِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِخُبْزِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأَرُزِّ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ تُتَّخَذُ خُبْزًا غَالِبًا، وَهَذِهِ لَا تُتَّخَذُ فِي الْغَالِبِ خُبْزًا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْخُبْزَ صِنْفٌ يَجُوزُ التَّمَاثُلُ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ التَّمَاثُلُ فِيهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ تَمَاثُلُ الدَّقِيقِ فِي الْخَبْزَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَقَالَهُ أَصْبُغُ فِي هَرِيسَةِ الْقَمْحِ بِالْأَرُزِّ الْمَطْبُوخِ، وَهَذَا عِنْدِي عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّمَاثُلُ فِيهِ بِالْوَزْنِ، وَيُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ دُونَ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ قَدْ غَيَّرْته عَنْ جِنْسِ أَصْلِهِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ أَصْلُهُ، وَهُوَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَمَا جَازَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ لِاخْتِلَافِهِمَا حَالَ الِادِّخَارِ، وَلَمَا جَازَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ لِاخْتِلَافِهِمَا حَالَ الْإِرْطَابِ أَوْ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجُفُوفِ، وَلَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ النَّبِيذِ بِالنَّبِيذِ مُتَسَاوِيًا عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ التَّسَاوِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ تَحَرِّي تَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوَجَبَ مِثْلُ هَذَا فِي الْخَلِّ بِالْخَلِّ، وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الطَّحْنُ فَلَيْسَ بِمُغَيِّرٍ لِلْجِنْسِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْجِنْسُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ الطَّحْنَ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ الْجِنْسَ كَفَتِّ الْخُبْزِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ يُغَيِّرُ الْجِنْسَ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مُتَسَاوِيًا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْمَنْعُ، وَالْأُخْرَى الْإِبَاحَةُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَوْجِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الطَّحْنَ لَيْسَ بِجِنْسٍ فَوَجَبَ التَّمَاثُلُ فِيهِ بِالْكَيْلِ الَّذِي يُعْتَبَرُ بِهِ، وَعَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَمَنْ كَوْنِهِمَا قَمْحًا أَوْ دَقِيقًا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا اخْتِلَافًا يُوجِبُ عَدَمَ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا حَالَ تَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَمِنْ كَوْنِهِمَا قَمْحًا أَوْ دَقِيقًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِمَا كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْإِبَاحَةِ أَنَّ الْكَيْلَ مَعْنًى يُعْتَبَرُ بِهِ التَّمَاثُلُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَاعَى فِيهِ كَثْرَةُ أَجْزَاءِ الْمَكِيلِ، وَقُلْتهَا كَالتَّمْرِ الصَّغِيرِ بِالتَّمْرِ الْكَبِيرِ كَيْلًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُمَا لِاخْتِلَافِ الْحَالَتَيْنِ فَيَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ، وَيُمْنَعُ عَلَى وَجْهٍ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ فِي وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ كَيْلًا لَا وَزْنًا، وَلَا تَحَرِّيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ وَزْنًا، وَلَا يَجُوزُ كَيْلًا، وَوَجْهُ اعْتِبَارِ وَزْنِ الْمَكِيلِ أَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الْكَيْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ فَإِذَا وَصَلَ إلَى التَّمَاثُلِ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُبِيحَ لِبَيْعِ الْمُقْتَاتِ بِجِنْسِهِ التَّمَاثُلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ مِقْدَارُهُ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ كَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ الْمَكِيلِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَا يَقَعُ التَّمَاثُلُ بِهِ فِي الْمَقَادِيرِ] 1 أَمَّا مَا يَقَعُ التَّمَاثُلُ بِهِ فِي الْمَقَادِيرِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ فِي الشَّرْعِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ فِي الشَّرْعِ فَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ مِقْدَارٌ مَشْرُوعٌ فَكَالْكَيْلِ فِي الْحُبُوبِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْأَوْسُقَ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ، وَحُكْمُ الْحُبُوبِ حُكْمُهَا فِي اعْتِبَارِ نُصُبِ الزَّكَاةِ، وَكَانَ الْكَيْلُ مَشْرُوعًا فِيهَا، وَكَذَلِكَ شَرَعَ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَشَرَعَ فِي إخْرَاجِ فِدْيَةِ الْأَذَى فَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ بِجِنْسِهِ بِغَيْرِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ يُعْدَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ مُعْتَادٌ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ مِنْ أَحَدِهِمَا فَأَمَّا مَا لَهُ مِقْدَارٌ مُعْتَادٌ مِنْهُمَا فَهُوَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَخْتَلِفَ مِقْدَارُهُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهَا فَأَمَّا مَا لَا يَخْتَلِفُ فَمِثْلُ اللَّحْمِ الَّذِي يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ فِي كُلِّ

[ما كان شيئا واحدا من الطعام أي الجنس الواحد لا يجوز التفاضل فيه وفيه بابان]

[مَا كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا مِنْ الطَّعَامِ أَيْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ وَفِيهِ بَابَانِ] [الْبَاب الْأَوَّل فِي تَبْيِينِ مَعْنَى الْجِنْسِ] (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا اخْتَلَفَ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ زَبِيبٍ، وَصَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ سِمْسِمٍ فَإِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ مِنْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ مَالِكٌ، وَلَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ، وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ بِالتَّمْرِ جُزَافًا قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَا اخْتَلَفَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَهُ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا اشْتِرَاءُ ذَلِكَ جُزَافًا كَاشْتِرَاءِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ جُزَافًا، وَقَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إنَّك تَشْتَرِي الْحِنْطَةَ بِالْوَرِقِ جُزَافًا وَالتَّمْرَ بِالذَّهَبِ جُزَافًا فَهَذَا حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلَدٍ، وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ عِبْرَتُهُ الْوَزْنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ التَّسَاوِي فِيهِ بِمِقْدَارِ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ مَا يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ كُلُّ بَلَدٍ مِنْ الْحُبُوبِ الْمُقْتَاتَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا مَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ، وَتَقْدِيرُهُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ الْبِلَادِ فَكَالسَّمْنِ وَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ الَّذِي عَادَاتُ بَعْضِ الْبِلَادِ فِيهِ الْوَزْنُ، وَبَعْضُهَا الْكَيْلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا لَا يَتَقَدَّرُ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ فَكَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ عِنْدَ مَنْ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ، وَالْمَقَاصِدُ مِنْهُ فَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيهِ فَهَذَا الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ لَا بَأْسَ بِصَاعَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِصَاعٍ مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا يَحِلُّ يُرِيدُ أَنَّهُ، وَإِنْ جَازَ فِيهِ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْجِنْسِ مِنْ الْمَطْعُومِ فَلَا يَجُوزُ الْأَجَلُ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَلَا مُتَفَاضِلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ ذَلِكَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَطْعُومَيْنِ دُونَ مُرَاعَاةِ جِنْسٍ، وَلَا مُسَاوَاةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْحِنْطَةَ فَأَتْلَفَهَا ثُمَّ أَقَالَهُ؛ قَبْلَ قَبْضِ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ مِثْلَهَا جَازَ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْمَالُ أَنَّهُ حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي مِثْلِ هَذَا يَضْعُفُ، وَالتُّهْمَةُ تَبْعُدُ، وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا بَلَغَهُ حُكْمُ الذَّرَائِعِ حَيْثُ تَتَيَقَّنُ التُّهْمَةُ أَوْ تَقْوَى، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مِنْهُ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فَأَقَالَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَرَدَّ إلَيْهِ مِثْلَهُ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ غَيْرَ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا تَحِلُّ صُبْرَةُ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ، وَذَلِكَ قَدْ يُرِيدُ أَنَّ الصُّبْرَةَ مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ فَإِذَا كَانَ الْعِوَضَانِ مَجْهُولَيْ الْقَدْرِ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي فِيهِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْبَيْعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْمَنُ التَّحْرِيمَ فِيهِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يُعْلَمَ إبَاحَتُهُ فَلَا يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي يَسِيرِهِ، وَلَا كَثِيرِهِ فَمَتَى عَجَزَ عَنْ كَيْلِهِ بَطَلَتْ الْمُبَادَلَةُ بِخِلَافِ الذَّهَبِ فِي الدَّنَانِيرِ الْقَائِمَةِ الَّتِي يَجُوزُ بَدَلُ الدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ إذَا كَانَا نَاقِصَيْنِ بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ وَازِنَيْنِ؛ لِأَنَّ لِلدَّنَانِيرِ عِبْرَةً غَيْرَ الْوَزْنِ، وَهُوَ الْعَدَدُ فَصَحَّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ مَا، وَأَمَّا الْحِنْطَةُ فَلَا عِبْرَةَ لَهَا غَيْرُ الْكَيْلِ فَلَا يَجُوزُ الْمُبَادَلَةُ فِيهَا إلَّا بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّحَرِّي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْوَزْن، وَمَنْ جَوَّزَهُ فِي الْمَكِيلِ فَفِي قَدْرٍ لَهُ كَيْلٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَلَا بَأْسَ بِصُبْرَةِ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّفَاضُلَ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ فَالْجَهْلُ التَّسَاوِي فِيهِمَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ الْعِلْمُ بِالتَّفَاضُلِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلَا يَجُوزُ بَعْضه بِبَعْضٍ جُزَافًا مَعَ تَجْوِيزِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَيْنِ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ فِيهِمَا، وَتَبَايَنَ أَمْرُهُمَا لَمْ تَتَقَصَّدْ الْمُغَابَنَةُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ، وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا ثُمَّ بَاعَهَا جُزَافًا وَكَتَمَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَيْلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جُزَافًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي إنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا، وَلَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَ مِنْ الْكَيْلِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضًا غَيْرَ الْغَبْنِ فِي الْقَدْرِ هُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ مَنْفَعَةِ مَا أَعْطَى لِمَنْفَعَةِ مَا أَخَذَ، وَإِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَتَقَارَبَا كَانَ الْأَظْهَرُ إنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَبْنَ صَاحِبِهِ فِي الْقَدْرِ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمُخَاطَرَةِ الَّتِي تَمْنَعُ الْبَيْعَ، وَالْمُبَادَلَةَ فَإِذَا تَفَاوَتَتْ الْمَقَادِيرُ حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ جَازَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ مَعْنَى الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِزِيَادَةِ الْكَيْلِ وَنَقْصِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَا شَتْرَائِهِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ جُزَافًا بِمَعْنَى أَنَّ اشْتِرَاءَ الْحِنْطَةِ بِالتَّمْرِ جُزَافًا لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَائِزٌ كَاشْتِرَاءِ الْحِنْطَةِ جُزَافًا بِالذَّهَبِ كَانَ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَكَذَلِكَ مَا قِسْنَا عَلَيْهِ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ فَبَاعَهَا جُزَافًا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ تُبَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُبَاعَ عَلَى الْكَيْلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشَرَةَ أَرَادِبَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَارَ كُلُّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرَادِبَ فَالْبَيْعُ لَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا إلَّا عَشَرَةَ أَرَادِبَ، وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا تِسْعَةَ أَرَادِبَ كَانَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَهَا جُزَافًا عَلَى مَا قَالَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ ابْتَعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ ثَمَنٌ لِجَمِيعِهَا، وَإِنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَنَاوَلَ جَمِيعَهَا، وَلَمْ يَبِعْ عَلَى قَدْرِ مَا يُعْتَبَرُ بِهِ زِيَادَتُهَا عَلَيْهِ أَوْ نَقْصُهَا عَنْهُ، وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَرْئِيٌّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَزْرُ، وَيَقِلُّ فِيهِ الْغَرَرُ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى الْمُخَاطَرَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَجَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ كَالْحِنْطَةِ أَوْ مَوْزُونٍ كَاللَّحْمِ أَوْ مَعْدُودٍ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ مِمَّا الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ أَعْيَانِهِ، وَلَا آحَادِهِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ، وَلَا مَعْدُودٍ مِمَّا الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ؛ لِأَنَّ آحَادَهُ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُفْرَدَ بِالنَّظَرِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِحَالِهِ، وَسَلَامَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَقِيمَتِهِ فِي نَفْسِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْأُتْرُجَّ وَالْبِطِّيخَ الْمُخْتَلِفَ الْمَقَادِيرِ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْمَبْلَغَ خَاصَّةً، وَلِذَلِكَ يَتَأَتَّى حَزْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ ثَمَنُ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ لَوَجَبَ عَلَى طَرِيقِهِمْ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ عَلَّلْنَا الْجَوَازَ بِرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِبَيْعِ الْجُزَافِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا وَاحِدًا مِنْهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَزْرُ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُتَبَايِعَانِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَخْفَى أَمْرُهُ، وَمَبْلَغُهُ عَلَى التَّحْقِيقِ فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَرْئِيًّا، وَأَمَّا الْغَائِبُ الَّذِي لَمْ تَتَقَدَّمْ رُؤْيَتُهُ أَوْ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى حَزْرُهُ. وَقَدْ فَسَّرَهُ سَحْنُونٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَزْرَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَجُوزُ فَلَا يَصْلُحُ الْجُزَافُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى شَهَادَةٌ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الدَّارُ الْغَائِبَةُ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا مُذَارَعَةً، وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَإِنَّ مَعْنَى الْجُزَافِ أَنْ لَا يَعْلَمَ مِقْدَارَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ خَرَجَ عَنْ الْجُزَافِ، وَصَارَ مَعْلُومًا فَيَجِبُ أَنْ يُكَالَ أَوْ يُعْرَفَ، وَالْمُبْتَاعُ فِيهِ الْبَائِعُ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِمَعْرِفَتِهِ دُونَ الْآخَرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ الْغَرَرُ فَلَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَاعَ جُزَافًا مَا يُعْلَمُ قَدْرُ كَيْلِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِعِلْمِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَبِيعُك مِلْءَ هَذِهِ الْغِرَارَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ كَيْلَهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُفْسَخُ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى الْإِبَاقِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ التَّفَاوُتُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِقْدَارٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيُطَالِبُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِقْدَارٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيَعُولُ الْمُبْتَاعُ عَلَيْهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْجُزَافِ عَلَى اللُّزُومِ وَالرِّضَا بِالْخَطَرِ وَكِتْمَانِ مَا عُلِمَ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاقِ فَإِنْ لَمْ يَبِنْ عَلَيْهِ بَلْ الْمُبْتَاعُ لَمْ يُسْأَلْ الْبَائِعُ عَنْ قَدْرِ إبَاقِهِ، وَلَوْ بَنَى مَعَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي اللُّزُومِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِبَاقِ، وَكِتْمَانِ مَا قَدْ عُلِمَ مِنْهُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزَافِ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ الْبَيْعَ، وَكَتَمَ صَاحِبُهُ فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِي فِي حَوْزِهِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، وَلَوْ عَلِمَ بِأَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ لَمَا ابْتَاعَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَإِذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَقَدْ عَلِمَ مِنْ عَيْبِ النَّقْصِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِذَا اسْتَوَى عِلْمُهُمَا فِي ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ائْتَمَنَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ ظَاهِرٌ عُوِّلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عُوِّلَ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ عَلَى الصِّحَّةِ فَكَانَتْ لَهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُسَاوَى عِلْمُهُمَا فِي عَدَمِ الْعَيْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ مَا جُوزِفَ بِمِقْدَارِهِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فِي اعْتِبَارِهِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى يُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ مَعْنَيَانِ يُعْتَبَرُ بِهِمَا فَبَيْعٌ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَجُوزِفَ فِي الْآخَرِ مَعَ عِلْمِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِمِقْدَارِهِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ بِهِ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ بَيْعٌ كَالدَّرَاهِمِ الَّتِي تُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ فَبِيعَتْ فِي بَلَدٍ تُجْزِئُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِأَحَدِهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَعْدُودُ فَإِنْ كَانَتْ مَقَادِيرُهُ لَا تَتَفَاوَتُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مَقَادِيرُهُ، وَتَتَفَاوَتُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْأُتْرُجِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْعَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ عَدَدَهُ جُزَافًا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا عَرَفَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَدَدَهُمَا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْغَرَضَ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ عَدَدِهِ فَإِذَا انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِ الْقَمْحِ أَوْ مَعْرِفَةِ وَزْنهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ مَا يَتَقَدَّرُ بِهِ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ كَيْلِ الْقَمْحِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الْجُزَافُ صُبْرَةً فِي الْأَرْضِ، وَيَكُونُ إنَاءً مَمْلُوءًا كَالْعِدْلِ الْمَمْلُوءِ قَمْحًا، وَالْبَيْتِ الْمَمْلُوءِ تَمْرًا فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْجُزَافِ لَهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهَلْ يَكُونُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا مَجْهُولًا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسَائِلَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مِنْ بَابِ الْجُزَافِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْعِدْلِ الْمَمْلُوءِ قَمْحًا، وَالْبَيْتِ الْمَمْلُوءِ تَمْرًا إذَا أَمْكَنَ حَزْرُ الْمَبِيعِ، وَتَقْدِيرُهُ بِمَعْرِفَةِ طُولِ الْبَيْتِ وَعَرْضِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَغِلَظِ جُدُرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ سَلَّةً مَمْلُوءَةً عِنَبًا أَوْ تِينًا، وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَ مِنْهُ مِلْءَ هَذَا الْعِدْلِ مِنْ الْقَمْحِ وَالْعِدْلُ لَا قَمْحَ فِيهِ أَوْ يَمْلَأُ لَهُ هَذَا الْبَيْتَ تَمْرًا أَوْ هَذِهِ الْقَارُورَةَ ذَهَبًا أَوْ هَذِهِ السَّلَّةِ عِنَبًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا جُزَافٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْجُزَافُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ قَدْرَ كَيْلِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ مِنْ طَعَامٍ لَا يَجُوزُ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْهُ جَوَازَهُ فِي سَلَّةِ التِّينِ وَالْعِنَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مِثْلَهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِي الْخُبْزِ قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ، وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ يَتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ أَعْدَالِ الْقَمْحِ بِأَنْ قَالَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي سُلُلِ التِّينِ، وَلَا يَجُوزُ فِي سُلُلِ الْقَمْحِ فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْجُزَافِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَرْئِيًّا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ فَلِذَلِكَ جَازَ فِي الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْكَيْلِ قَدْرٌ مَعْرُوفٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْقَمْحِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْكَيْلِ قَدْرًا مَعْرُوفًا فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ. وَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْعِدْلِ الْمَمْلُوءِ مِنْ الْقَمْحِ، وَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ صُبْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِلْءَ هَذَا الْعَدْلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ، وَفِيهِ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَا خِلَافَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ بِحَيْثُ لِلنَّاسِ كَيْلٌ مَعْلُومٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي التِّبْنِ وَالْعَلَفِ بِحَيْثُ لَا كَيْلَ لِلنَّاسِ، وَوَجْهُ مَنْعِهِ الْقَصْدُ إلَى الْغَرَرِ لِلْعُدُولِ عَنْ الْمَقَادِيرِ الْمَعْرُوفَةِ، وَابْتِيَاعِ صُبْرَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ فَهَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يُفْسَخُ، وَقَالَ غَيْرُهُ يُفْسَخُ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مَجْهُولِ الْقَدْرِ فَلَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ أَصْلُ ذَلِكَ الصُّبْرَةُ، وَوَجْهُ إيجَابِ الْفَسْخِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْحَزْرُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ فَمَنْعُ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَصْلُ ذَلِكَ الْجُزَافِ فِي الثِّيَابِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْوَزْنِ، وَلَا الْمَوْزُونِ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ الْكَيْلِ الْمَعْرُوفِ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ بِغَيْرِ الْكَيْلِ أَوْلَى فَأَمَّا بَيْعُ الْمَكِيلِ عَدَدًا بِمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ كَالرُّطَبِ فَإِنَّ مَالِكًا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا أَجَازَهُ بِصُبْرَةٍ بِجَمِيعِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْمَبِيعَ بِمَا لَا يَتَقَدَّرُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا لَوْ بِيعَ الْمَكِيلُ بِالْوَزْنِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ الْكَيْلُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا. (فَصْلٌ) : وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جُزَافًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ يُرِيدُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمَعْدُودَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكِيلِ فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَهُ الْبَائِعُ فَبَاعَهُ جُزَافًا، وَلَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي بِعِلْمِهِ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَالْعَيْبِ الَّذِي لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ بِهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ، وَلَا يَفْسُدُ بِذَلِكَ الْبَيْعُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الَّذِي يُفْسِدُ الْبَيْعَ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ الْمُبْتَاعِ لِعِلْمِ الْبَائِعِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ فَيُقَدَّمُ فِي ابْتِيَاعِهِ عَلَى هَذَا الْغَرَرِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي مَسْأَلَتِنَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ يُرِيدُ عَنْ كِتْمَانِ عِلْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ بِمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ جُزَافًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودِ فَيَبِيعَهُ عَلَى ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي قُرْصٍ بِقُرْصَيْنِ عَدَدًا، وَلَا عَظِيمٍ بِصَغِيرٍ عَلَى الْجُزَافِ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ مَعْدُومٌ فِيهِمَا، وَأَمَّا التَّحَرِّي فِيهِمَا فَيَصِحُّ إذَا تَحَرَّى تَسَاوِيهِمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ يَتَحَرَّى مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّقِيقِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي تَحَرِّي الْخُبْزِ دُونَ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنَا، وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يُوزَنَ، وَيَكُونُ الْمَوْزُونُ أَبَيْنَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا رَأَى غَبْنًا فِي تَحَرِّي الدَّقِيقِ لَمْ يَصِحَّ وَزْنُ مَا فِي الْقُرْصَيْنِ مِنْ الدَّقِيقِ بَلْ ذَلِكَ أَقْعَدُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ تَحَرِّيَ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّقِيقِ يَشُقُّ، وَيَكَادُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَلَوْ كَثُرَ الْقَوْلُ بِهَذَا فِي الْمَذْهَبِ لَكَانَ عِنْدِي أَصَحَّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 -

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ مُدُّ زُبْدٍ وَمُدُّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ، وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي يُبَاعُ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ وَصَاعًا مِنْ حَشَفٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ حِين قَالَ لِصَاحِبِهِ إنَّ صَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِيُجِيزَ بَيْعَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ صَاحِبَ اللَّبَنِ اللَّبَنَ مَعَ زُبْدِهِ لِيَأْخُذَ فَضْلَ زُبْدِهِ عَلَى زُبْدِ صَاحِبِهِ حِينَ أَدْخَلَ مَعَهُ اللَّبَنَ قَالَ مَالِكٌ وَالدَّقِيقُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَصَ الدَّقِيقَ فَبَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ جَعَلَ نِصْفَ الْمُدِّ مِنْ دَقِيقٍ وَنِصْفِهِ مِنْ حِنْطَةٍ فَبَاعَ ذَلِكَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي وَصِفْنَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ فَضْلَ حِنْطَتِهِ الْجَيِّدَةِ حِينَ جَعَلَ مَعَهَا الدَّقِيقَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ تَحَرِّيًا فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْقَدِيدِ، وَالْمَشْوِيِّ فَجَوَّزَهُ أَوَّلًا عَلَى التَّحَرِّي ثُمَّ مَنَعَ مِنْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ فَأَمَّا مَنْعُ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَلَى التَّسَاوِي بِالْوَزْنِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ الرُّطُوبَةِ قَدْ عَدِمَتْ فِي الْآخَرِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسَاوِي فِيهِمَا كَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَأَمَّا بِالتَّحَرِّي فَإِنَّ التَّحَرِّيَ يَتَعَذَّرُ فِي ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ، وَلَا يَكَادُ يُوَصِّلُ إلَى حَقِيقَتِهِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ عَلَى التَّحَرِّي. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ اللَّبَنَ وَالزُّبْدَ مِمَّا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَاتٌ، وَلِأَنَّ السَّمْنَ يُدَّخَرُ، وَهُوَ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ بَيْعُ مُدَّيْ زُبْدٍ بِمُدِّ زُبْدٍ، وَمُدِّ لَبَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَسَاوِي مُدَّيْ الزُّبْدِ مَعَ مَا فِي اللَّبَنِ مِنْ الزُّبْدِ وَالزُّبْدِ الَّذِي مَعَهُ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَكَيْفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَضْلُ مُدَّيْ الزُّبْدِ عَلَى مَا فِي اللَّبَنِ مِنْ الزُّبْدِ، وَمَا مَعَهُ مِنْ الزُّبْدِ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِاللَّبَنِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ كَالسَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ أَوْ يَكُونُ مِنْهُ مَا يُدَّخَرُ كَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ فَأَمَّا مَا يُقْتَاتُ مِنْهُ، وَلَا يُدَّخَرُ مِنْهُ كَالْبَيْضِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَالرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الرِّبَا يَجْرِي فِيمَا يُقْتَاتُ، وَلَا يُدَّخَرُ تَعَدَّى إلَى الْبَيْضِ، وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجْرِي الرِّبَا فِي الْمُقْتَاتِ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ جَازَ فِيهَا التَّفَاضُلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا ثَلَاثَةُ أَصْوُعٍ مِنْ عَجْوَةٍ بِصَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ، وَصَاعِ حَشَفٍ فَلَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْآخِذَ لِلْكَبِيسِ قَصَدَ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ عَجْوَةً بِصَاعَيْنِ مِنْ كَبِيسٍ لِفَضْلِ الْكَبِيسِ فَأَعْطَى مِنْهَا صَاعَ حَشَفٍ لِيُجِيزَ الْبَيْعَ بِذَلِكَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا إذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ صِفَاتُهُ فَإِنَّ الْمُرَاعَى فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُ كَالتَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ بِالْعَجْوَةِ وَالْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ بِالْكَيْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي بَعْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ دُونَ بَعْضٍ فَيُتَجَوَّزُ فِي بَعْضِهِ لِبَعْضٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ تَقْسِيطِ الْعِوَضِ الْآخَرِ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَذَلِكَ عِلَّةُ الْفَسَادِ فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ جَمِيعُهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَقُسِّطَتْ عَلَيْهِ الْعِوَضُ الْآخَرُ لَتَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي التَّقْسِيطِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ الْمُنْفَرِدِ، وَبَعْضُهُ أَدْوَنَ مِنْهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعَ اخْتِلَافِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُنْفَرِدِ أَوْ أَدَوْنَ مِنْهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَقْسِيطَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ فِي أَجْزَائِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَدَلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ مِثْلُ مُدِّ حِنْطَةٍ، وَمُدِّ شَعِيرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ يَكُونُ الْمُدُّ الَّذِي مَعَ الشَّعِيرِ أَدَوْنَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ كَوْنَ أَحَدِ

[جامع بيع الطعام]

جَامِعُ بَيْعِ الطَّعَامِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ الطَّعَامَ يَكُونُ مِنْ الصُّكُوكِ بِالْجَارِ فَرُبَّمَا ابْتَعْت مِنْهُ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ فَأُعْطِيَ بِالنِّصْفِ طَعَامًا فَقَالَ سَعِيدٌ لَا، وَلَكِنْ أَعْطِ أَنْتَ دِرْهَمًا، وَخُذْ بَقِيَّتَهُ طَعَامًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِوَضَيْنِ أَدْوَنَ أَجْزَاءَ مِنْ الْعِوَضِ الْآخَرِ تُبِيحُ فِيهِمَا الْمُبَادَلَةُ كَالذَّهَبَيْنِ بِالذَّهَبِ يَكُونُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّهَبَيْنِ أَدَوْنَ مِنْ الذَّهَبِ الْمُنْفَرِدِ أَوْ أَجْوَدَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّقْسِيطَ فِيهِمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ بَيْنَ أَبْعَاضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، وَأَبْعَاضِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَدَلِ، وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَادَلَهُ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ دَقِيقٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ وَمُدِّ دَقِيقٍ أَوْ مُدَّ حِنْطَةٍ وَمُدَّ شَعِيرٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ وَمُدِّ شَعِيرٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَنْعُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلَ مُدِّ حِنْطَةٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ نَعْلَمُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. [جَامِعُ بَيْعِ الطَّعَامِ] (ش) : قَوْلُهُ إنِّي أَبْتَاعُ طَعَامًا يَكُونُ فِي الصُّكُوكِ بِالْجَارِ يُرِيدُ مِنْ الصُّكُوكِ الَّتِي تَخْرُجُ بِالْأَعْطِيَةِ لِأَهْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ الْمَحْضَةِ دُونَ وَجْهٍ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ فَيَبِيعُهَا فَكَانَ هَذَا يَبْتَاعُهَا، وَيَتَّجِرُ فِيهَا فَرُبَّمَا ابْتَاعَ الْجُمْلَةَ مِنْهَا بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ إمَّا لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى سِعْرٍ مَا فَأَدَّى الْحِسَابَ فِي الْجُمْلَةِ إلَى دِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ. وَإِمَّا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهَذَا الْعَدَدِ حِينَ لَمْ يُجِبْ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ بِدِينَارٍ، وَلَا رَضِيَهُ الْمُبْتَاعُ بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فَاتَّفَقَا عَلَى دِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صِحَاحًا فَكَانَ مَنْ اسْتَحَقَّ عَلَى آخَرَ نِصْفَ دِرْهَمٍ أَخَذَ بِهِ عَرْضًا لِعَدَمِ الْإِنْصَافِ فَأَرَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنْ يَدْفَعَ طَعَامًا بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَاضِيَهُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ أَوْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَا الصَّرْفَ، وَيَتَقَايَلَا بِمِقْدَارِ النِّصْفِ دِرْهَمٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَمَغِيبِ الْمُبْتَاعِ عَلَيْهِ، وَقَالَ إنَّهُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَثَرِ قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ لَهُ سَعِيدٌ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ دِرْهَمٍ إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ فَكَرِهَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا أَوْ طَعَامًا بِطَعَامٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ دِرْهَمٍ وَرِقًا أَوْ غَيْرَ الطَّعَامِ فَمَا كَانَ بِذَلِكَ بَأْسٌ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ مِنْ وَجْهِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بِدِينَارٍ قَمْحًا فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ لَمْ يَجِدْ إلَّا دِينَارًا نَاقِصًا فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِينَارًا نَاقِصًا فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ بِدِينَارٍ لَحْمًا فَلَمْ يَجِدْ إلَّا دِينَارًا نَاقِصًا فَقَالَ لَهُ خُذْ مِنْ اللَّحْمِ بِنِصْفِ الدِّينَارِ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْفَسَادِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ أَوَاقْتِضَاءُ طَعَامٍ مِنْ طَعَامٍ، وَالتَّفَاضُلُ فِي الطَّعَامِ، وَالتَّفَاضُلُ فِي الْوَرِقِ. وَيَدْخُلُ بَعْضَ الْقَبْضِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ إنَّمَا كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِصَاحِبِهِ لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ فَبِعْنِي الطَّعَامَ الَّذِي لَك عَلَيَّ إلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ صَاحِبُ الطَّعَامِ هَذَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ فَيَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ فَبِعْنِي طَعَامًا إلَى أَجَلٍ حَتَّى أَقْضِيَك فَهَذَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِيهِ طَعَامًا ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ فَيَصِيرُ الذَّهَبُ الَّذِي أَعْطَاهُ ثَمَنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ الطَّعَامُ الَّذِي أَعْطَاهُ مُحَلَّلًا فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ إذَا فَعَلَاهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أَعْطَاهُ مِنْ تِلْكَ الْحِنْطَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ حِنْطَةً مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ دِينَارٌ وَحِنْطَةٌ، وَبِفِضَّةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيزُ الْإِقَالَةَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، وَلَكِنْ أَرَى الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ لَمَّا أَقَالَهُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ حِصَّةٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَأَعْطَاهُ لَمَّا قَايَلَ مِنْ الذَّهَبِ فِضَّةً قَبْلَ قَبْضِ الطَّعَامِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ثَمَنَ مَا يُقِيلُهُ مِنْهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي رَدَّ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدِّينَارِ، وَمِنْ النِّصْفِ الدِّرْهَمِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيلَهُ مِنْهُ بِفِضَّةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى هَذَا فِي فَسَادِ الْإِقَالَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِهِ فَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ، وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدِي، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَحِيحٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ مِنْ مَنْعِ الذَّرَائِعِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَمَا يَقْتَضِيه تَعْلِيلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَبَضَ الطَّعَامَ، وَغَابَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا مِنْهُ بِزَعْمِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ، وَأَحَدُهُمَا ذَهَبٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْقَمْحِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ جِنْسِهِ كَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالتَّمْرِ وَالْقُطْنِيَّةِ فَإِنْ أَعْطَاهُ بِالنِّصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ جِنْسِهِ كَالشَّعِيرِ أَوْ السُّلْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ شَعِيرٌ وَدِينَارٌ بِحِنْطَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِنْطَةِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ حِنْطَةً بِدِينَارٍ وَزَبِيبٍ، وَهَذَا يَجُوزُ إذَا وُجِدَ التَّنَاجُزُ وَالْقَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَأَمَّا إنْ أَعْطَاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ شَعِيرًا أَوْ سُلْتًا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَجَازَ، وَأَمَّا إنْ غَابَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مِنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ طَعَامًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَبِيعُوا الْحَبَّ فِي سُنْبُلِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ مِنْ بَابِ النَّهْي عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ؛ لِأَنَّ سُنْبُلَهُ إذَا ابْيَضَّ فَقَدْ يَبِسَ مَا فِيهِ مِنْ الْحَبِّ فَأَمَّا وَقْتُ الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ، وَهُوَ حَالُ إفْرَاكِهِ فَإِنَّ سُنْبُلَهُ لَمْ يَبْيَضَّ بَعْدُ، وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ أَنَّ الثَّمَرَةَ تُبَاعُ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرَتِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الِادِّخَارِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَاقٌ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الِادِّخَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَشْتَرِي مِنْك طَعَامًا أَقْضِيك مِنْهُ سَلَمَك فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ يُرِيدُ فَسْخَهُ فِي عَيْنٍ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ بِمِثْلِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْإِقَالَةِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي طَعَامِ السَّلَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ الْمُؤَجَّلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلِغَرِيمِهِ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِثْلُ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِغَرِيمِهِ أُحِيلُك عَلَى غَرِيمٍ لِي عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّعَامِ الَّذِي لَك عَلَيَّ بِطَعَامِك الَّذِي لَك عَلَيَّ قَالَ مَالِكٍ إنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ ابْتَاعَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُحِيلَ غَرِيمَهُ بِطَعَامٍ ابْتَاعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ سَلَفًا حَالًّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحِيلَ بِهِ غَرِيمَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنْزَلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يُنْزِلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُسْلِفُ الدَّرَاهِمَ النَّقْصَ فَيَقْضِي دَرَاهِمَ وَازِنَةً فِيهَا فَضْلٌ فَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ دَرَاهِمَ نَقْصًا بِوَازِنَةٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ أَسْلَفَهُ وَازِنَةً، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ نَقْصًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَأَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخُرُصِهَا مِنْ التَّمْرِ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ بَيْعٌ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَأَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ طَعَامًا بِرُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ كَسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ بِذَلِكَ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ طَعَامًا بِكَسْرٍ مِنْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يُعْطِي دِرْهَمًا، وَيَأْخُذُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى الْكَسْرَ الَّذِي عَلَيْهِ فِضَّةً، وَأَخَذَ بِبَقِيَّةِ دِرْهَمِهِ سِلْعَةً فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ قَرْضٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا لِيَقْضِيَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى بَيْعِ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِنْ ابْتِيَاعٍ، وَلِلرَّجُلِ عَلَى آخَرَ مِثْلُ طَعَامِهِ مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحِيلَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَانِ فِي طَعَامٍ وَاحِدٍ دُونَ اسْتِيفَاءٍ، وَلَيْسَتْ الْحَوَالَةُ بِفَاصِلٍ بَيْنَ الْبَيْعَيْنِ بَلْ تُؤَكِّدُ مَعْنَاهُمَا، وَتَجْمَعُهُمَا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّعَامِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الطَّعَامَيْنِ مِنْ قَرْضٍ لَجَازَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تُحِيلَ مَنْ لَهُ قِبَلَك طَعَامٌ مِنْ قَرْضٍ عَلَى مَنْ لَك عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ بَيْعٍ، وَتُحِيلُ مَنْ لَهُ طَعَامٌ مِنْ بَيْعٍ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ قَرْضٍ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الْمُحَالَيْنِ أَنْ يَبِيعَ مَا أُحِيلَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَتَّصِلُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُحَالِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الطَّعَامَ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (ش) :، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا بِكَسْرٍ مِنْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ بِذَلِكَ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا يُبِيحُ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ عَنْهُ مَنْدُوحَةً أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الطَّعَامَ بِهِ نَقْدًا أَوْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ دِرْهَمًا كَامِلًا، وَيَأْخُذُ بِبَقِيَّتِهِ مَا شَاءَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِكَسْرِ الدِّرْهَمِ طَعَامًا، وَيَدْفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمًا كَامِلًا، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عَلِمَا أَنَّ كَسْرَ الدِّرْهَمِ لَا يُوجَدُ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ يَتَوَقَّعُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ بَقِيَّةَ دِرْهَمَهُ مَا شَاءَ مَتَى شَاءَ أَوْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، وَلَوْ عَقَدَا الْبَيْعَ

[الحكرة والتربص وفيه أبواب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ بِرُبُعٍ أَوْ بِثُلُثٍ أَوْ بِكَسْرٍ مَعْلُومٍ سَعْلَةً مَعْلُومَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سِعْرٌ مَعْلُومٌ، وَقَالَ الرَّجُلُ آخُذُ مِنْك بِسِعْرِ كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ يَقِلُّ مَرَّةً وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَلَمْ يَفْتَرِقَا عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا جُزَافًا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ ذَلِكَ إلَى الْمُزَابَنَةِ، وَإِلَى مَا يُكْرَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ إلَّا الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) . الْحُكْرَةُ وَالتَّرَبُّصُ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا لَا يَعْمِدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضُولٌ مِنْ أَذْهَابٍ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتَكِرُونَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٌ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبَدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بَقِيَّةُ الدِّرْهَمِ نَسَاءً إلَى أَجَلٍ مَالِكَانِ ذَلِكَ بَيْعًا وَسَلَفًا مَمْنُوعًا. (ش) :، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضَعَ عِنْدَ الرَّجُلِ دِرْهَمًا، وَيَأْخُذَ مِنْهُ بِبَعْضِهِ مَا شَاءَ، وَيَتْرُكَ عِنْدَهُ الْبَاقِيَ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَهُ مُهْمَلًا، وَذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ آخُذُ بِهِ مِنْك كَذَا وَكَذَا مِنْ التَّمْرِ أَوْ كَذَا وَكَذَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يُقَدِّرُ مَعَهُ فِيهِ سِلْعَةً، وَيُقَدِّرُ ثَمَنَهَا قَدْرًا مَا وَيَتْرُكُ ذَلِكَ حَالًّا يَأْخُذُهُ مَتَى شَاءَ أَوْ يُؤَقِّتُ لَهُ وَقْتًا مَا فَهَذَا جَائِزٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَهُ فِي سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ بِسِعْرِهِ عَقْدًا عَلَى ذَلِكَ يَبِيعُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، وَذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ بَاعَ طَعَامًا جُزَافًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مَكِيلَةً مَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي الْبَيْعِ، وَذَلِكَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ دَخَلَ الْغَرَرُ الْمَبِيعَ، وَبَعُدَ عَنْ الْحَزْرِ وَالتَّحَرِّي فَتَلْحَقُهُ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَاسْتَثْنَى مِقْدَارَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ بِيَسِيرٍ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْجُمْلَةِ فَيَتَأَتَّى حَزْرُ مَا فِيهَا، وَتَحَرِّيهِ فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَاهُ، وَأَجْرَيْنَا الِابْتِيَاعَ بَعْدَ الْعَقْدِ هَذَا الْمَجْرَى لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى اسْتِثْنَاءِ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَكِيلَةِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ فِي رُءُوس الشَّجَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. [الْحُكْرَةُ وَالتَّرَبُّصُ وَفِيهِ أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الِاحْتِكَارِ وَحُكْمِهِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا يُرِيدُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الِاحْتِكَارِ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهَا غَلَاءُ الْأَسْعَارِ وَقِلَّةُ الْأَقْوَاتِ وَضِيقُهَا عَلَى الْمُتَقَوَّتِينَ بِهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِادِّخَارَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي أَقْوَاتِهِمْ، وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا بَيَانُ مَعْنَى الِاحْتِكَارِ وَحُكْمُهُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْنَعُ فِيهِ الِادِّخَارُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاحْتِكَارِ الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِكَارِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الِاحْتِكَارِ وَحُكْمِهِ) . إنَّ الِاحْتِكَارَ هُوَ الِادِّخَارُ لِلْمَبِيعِ، وَطَلَبُ الرِّبْحِ بِتَقَلُّبِ الْأَسْوَاقِ فَأَمَّا الِادِّخَارُ لِلْقُوتِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الِاحْتِكَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ احْتِكَارَ الْأَقْوَاتِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّرَبُّصِ بِالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ رَجَاءَ الْغَلَاءِ قَالَ مَا عَلِمْت فِيهِ بِنَهْيٍ، وَلَا أَعْلَمُ بِهِ

[الباب الثاني في بيان معنى الوقت الذي يمنع فيه الادخار]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَأْسًا يَحْبِسُ إذَا شَاءَ وَيَبِيعُهُ إذَا شَاءَ، وَيُخْرِجُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ قِيلَ لِمَالِكٍ فَمَنْ يَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيُحِبُّ غَلَاءَهُ قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَبْتَاعُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ إلَّا، وَيُحِبُّ غَلَاءَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ بِمَنْ يَشْتَرِي فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ قُوتِهِ، وَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مَوْضِعِ الِابْتِيَاعِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَوْضِعِ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْفُسْطَاطِ لِلرِّيفِ أَوْ بِالرِّيفِ لِلْفُسْطَاطِ أَوْ يَشْتَرِيَ بِمَوْضِعٍ مِنْ الرِّيفِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ اشْتَرَى بِالْفُسْطَاطِ لِلرِّيفِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِالْفُسْطَاطِ كَثِيرًا فَلَا يُضَيِّقُ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ قَلِيلًا يُضَيِّقُ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَوْ عِنْدَ أَهْلِ الرِّيفِ مَا يُغْنِيهِمْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُمْنَعُونَ ذَلِكَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفُسْطَاطَ عُمْدَةُ الْإِسْلَامِ، وَمُجْتَمَعُ النَّاسِ فَإِذَا تَسَاوَتْ حَالُهُ، وَحَالُ الْأَطْرَافِ مُنِعَ الِانْتِقَالُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَ فَسَدَتْ الْأَرْيَافُ وَالْجِهَاتُ، وَلَا تَفْسُدُ الْجِهَاتُ مَعَ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ قِيَامَهَا بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ بِالرِّيفِ، وَالْكَثْرَةُ بِالْمِصْرِ جَازَ اقْتِيَاتُ أَهْلِ الْأَرْيَافِ مِنْهُ بِالْإِخْرَاجِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ جَلْبَ الطَّعَامِ إلَى الْمِصْرِ، وَادِّخَارَهُ بِهَا إنَّمَا هُوَ عِدَّةٌ لِلْمِصْرِ وَأَرْيَافِهِ وَجِهَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمِصْرِ قَلِيلًا يُخَافُ مِنْ شِرَاءِ أَهْلِ الْأَرْيَافِ لَهُ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُ مَضَرَّةٌ مُنِعُوا مِنْ إخْرَاجِهِ لِتَسَاوِي الْحَالَيْنِ فَإِنْ ابْتَاعُوهُ، وَأَكَلُوا بِالْمِصْرِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُهُمْ لِلضُّرِّ وَالْهَلَكَةِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إضْعَافِ الْمِصْرِ بِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إتْلَافِ الْجِهَتَيْنِ كَانَتْ مُرَاعَاةُ بَقَاءِ الْمِصْرِ أَوْلَى. [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْنَعُ فِيهِ الِادِّخَارُ] 1 إنَّ لِذَلِكَ حَالَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَالُ ضَرُورَةٍ وَضِيقٍ فَهَذَا حَالٌ يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ الِاحْتِكَارِ، وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي حَالُ كَثْرَةٍ وَسَعَةٍ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ احْتِكَارِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يَعِيبُهُ مَنْ مَضَى، وَيَرَوْنَهُ ظُلْمًا مَنَعَ التَّجْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا بِالنَّاسِ، وَلَا بِأَسْوَاقِهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ احْتِكَارَ الطَّعَامِ يُمْنَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ فَلَا يُمْنَعُ احْتِكَارُهُ إلَّا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ دُونَ وَقْتِ السَّعَةِ، وَجْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُمْنَعَ فِي وَقْتِ السَّعَةِ مَنْعُ أَهْلِ الِاحْتِكَارِ مَنْفَعَةٌ لَا مَضَرَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي إبَاحَتِهَا، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِي مَنْعِهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعُوا الشُّرْبَ مِنْ الدِّجْلَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ مُطَّرِفٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْقَطَانِيِّ وَالْحُبُوبِ الَّتِي هِيَ لِلْقُوتِ وَالْعُلُوفَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا هَذَا الْمَنْعُ، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالزَّبِيبُ وَالتِّينُ وَشَبَهُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْحِ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ. [الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا يُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِهِ] فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَجَمِيعِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَيُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِهِ مَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِمَصَالِحِ النَّاسِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الْمَضَرَّةِ عَلَيْهِمْ بِاحْتِكَارِهِ كَالطَّعَامِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَا يُمْنَعُ مِنْ الِاحْتِكَارِ] 1 أَمَّا مَا يُمْنَعُ مِنْ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ صَارَ إلَيْهِ بِزِرَاعَتِهِ أَوْ جِلَابِهِ بِهِ فَهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِهِ، وَلَا مِنْ اسْتِدَامَةِ إمْسَاكِهِ مَا شَاءَ كَانَ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ أَوْ غَيْرَهَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَبِيعُ هَذَا مَتَى شَاءَ، وَيُمْسِكُ إذَا شَاءَ بِالْمَدِينَةِ، وَغَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَنْ صَارَ إلَيْهِ الطَّعَامُ بِابْتِيَاعٍ بِالْبَلَدِ فَإِنَّ الْمَنْعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي وَقْتَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْتَاعَهُ فِي وَقْتِ ضَرُورَةٍ. وَقَدْ

[التسعير علي ضربين وفيه ثلاثة أبواب]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانِ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْحُكْرَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَبْتَاعَهُ فِي وَقْتِ سَعَةٍ، وَجَوَازِ الشِّرَاءِ ثُمَّ تَلْحَقُ النَّاسَ شِدَّةٌ، وَضَرُورَةٌ إلَى الطَّعَامِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِذَا كَانَ الْغَلَاءُ الشَّدِيدُ، وَعِنْدَ النَّاسِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ أَيُبَاعُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَا سَمِعْته، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ، وَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِلْغَلَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ بِإِخْرَاجِهِ إلَى السُّوقِ فَيُبَاعَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ شِرَاؤُهُ لِيَكُونَ عُدَّةً لِلنَّاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ احْتَكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ احْتِكَارُهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ يَتُوبُ، وَيُخْرِجُهُ إلَى السُّوقِ، وَيَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَا يَزْدَادُ فِيهِ شَيْئًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ قَدْ تَعَلَّقَ بِشِرَائِهِ لِحَقِّ النَّاسِ، وَأَهْلِ الْحَاجَةِ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ أَوَّلًا حِين ابْتِيَاعِهِ إيَّاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ فِعْلِهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُخْرَجُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَهْلِ السُّوقِ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ثَمَنُهُ فَبِسِعْرِهِ يَوْمَ احْتِكَارِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَصُرِفَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبَدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ جَلَبَ فِي قَلْبِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ بَرْدِهِ وَقَلْبِ الصَّيْفِ وَشِدَّةِ حَرِّهِ فَيَلْقَى النَّصَبَ فِي سَفَرِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِنْ كَبَدِهِ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ يَجْلِبُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ فَأَضَافَ كَبِدَهَا إلَيْهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ لَهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ، وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّ عُمَرَ يَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَ إجْبَارَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَأَضَافَ الْمَشِيئَةَ إلَى اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] فَلَا يَشَاءُ الْجَالِبُ الْبَيْعَ وَالْإِمْسَاكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [التَّسْعِير عَلَيَّ ضربين وَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَانَ يَبِيعُ دُونَ سِعْرِ النَّاسِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِسِعْرِ النَّاسِ أَوْ يَقُومَ مِنْ السُّوقِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالتَّسْعِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَنْ حَطَّ مِنْ سِعْرِ النَّاسِ أُمِرَ أَنْ يَلْحَقَ بِسِعْرِهِمْ أَوْ يَقُومَ مِنْ السُّوقِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِينَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ) . وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ السِّعْرِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ فَإِذَا انْفَرَدَ عَنْهُمْ الْوَاحِدُ أَوْ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ بِحَطِّ السِّعْرِ أُمِرَ مَنْ حَطَّهُ بِاللَّحَاقِ بِسِعْرِ النَّاسِ أَوْ تَرْكِ الْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ زَادَ فِي السِّعْرِ وَاحِدٌ أَوْ عَدَدٌ يَسِيرٌ لَمْ يُؤْمَرْ الْجُمْهُورُ بِاللَّحَاقِ بِسِعْرِهِ أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ لَيْسَ السِّعْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَا بِمَا تُقَامُ بِهِ الْمَبِيعَاتُ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ حَالُ الْجُمْهُورِ، وَمُعْظَمُ النَّاسِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقَامُ النَّاسُ لِخَمْسَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى قَدْرِ الْأَسْوَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِالتَّسْعِيرِ مِنْ الْبَائِعِينَ] 1

[الباب الثالث فيما يختص بالتسعير من المبيعات]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِينَ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ أَهْلِ السُّوقِ وَالْبَاعَةِ فِيهِ، وَأَمَّا الْجَالِبُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يُمْنَعُ الْجَالِبُ أَنْ يَبِيعَ فِي السُّوقِ دُونَ بَيْعِ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبِيعُونَ مَا عَدَا الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ إلَّا بِمِثْلِ سِعْرِ النَّاسِ، وَإِلَّا رَفَعُوا كَأَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَالِبَ يُسَامَحُ، وَيُسْتَدَامُ أَمْرُهُ لِيَكْثُرَ مَا يَجْلِبُهُ مَعَ أَنَّ مَا يَجْلِبُهُ لَيْسَ مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ، وَهُوَ يُدْخِلُ الرِّفْقَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجْلِبُهُ فَرُبَّمَا أَدَّى التَّحْجِيرُ عَلَيْهِ إلَى قَطْعِ الْمِيرَةِ، وَالْبَائِعُ بِالْبَلَدِ إنَّمَا يَبِيعُ أَقْوَاتَهُمْ الْمُخْتَصَّةَ بِهِمْ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْعُدُولِ بِهَا عَنْهُمْ فِي الْأَغْلَبِ، وَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْرَةِ وَقْتَ الضَّرُورَةِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا بَائِعٌ فِي السُّوقِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحُطَّ عَنْ سِعْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِسِعْرِ النَّاسِ كَأَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ فَأَمَّا جَالِبُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبِيعُ كَيْفَ شَاءَ إلَّا أَنَّ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حُكْمُ أَهْلِ السُّوقِ، وَإِنْ أَرْخَصَ بَعْضُهُمْ تُرِكُوا إنْ قَلَّ مَنْ حَطَّ السِّعْرَ، وَإِنْ كَثُرَ الْمُرْخِصُونَ قِيلَ لِمَنْ بَقِيَ إمَّا أَنْ تَبِيعَ كَبَيْعِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لِلطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فِي دَارٍ بِسِعْرِ السُّوقِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَيَنْبَغِي فِي الطَّعَامِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السُّوقِ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُ فِي الدُّورِ إعْزَازٌ لَهُ، وَسَبَبٌ إلَى غَلَائِهِ، وَتَطَرُّقٌ لِيَبِيعَهُ الْبَائِعُ كَيْفَ شَاءَ بِدُونِ سِعْرِ أَهْلِ السُّوقِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَلِكَ فِي السُّوقِ فَإِنْ كَانَ جَالِبًا فَلْيَبِعْهُ فِي السُّوقِ أَوْ فِي الدَّارِ إنْ شَاءَ عَلَى يَدِهِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالتَّسْعِيرِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ) . أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ الَّتِي لَا تُكَالُ، وَلَا تُوزَنُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْمِثْلِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ، وَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْقِيمَةِ، وَيَكْثُرُ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي أَعْيَانِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَمَاثِلًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ فِيهِ عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مُتَسَاوِيًا فِي الْجَوْدَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَ صِنْفُهُ لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ بَاعَ الْجَيِّدَ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ سِعْرِ مَا هُوَ أَدْوَنُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْمِقْدَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ التَّسْعِيرِ فَهُوَ أَنْ يُحَدَّ لِأَهْلِ السُّوقِ سِعْرٌ لِيَبِيعُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَجَاوَزُونَهُ فَهَذَا مَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَرْخَصَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي صَاحِبِ السُّوقِ يُسَعِّرُ عَلَى الْجَزَّارِينَ لَحْمَ الضَّأْنِ ثُلُثَ رِطْلٍ، وَلَحْمَ الْإِبِلِ نِصْفَ رِطْلٍ، وَإِلَّا خَرَجُوا مِنْ السُّوقِ قَالَ إذَا سَعَّرَ عَلَيْهِمْ قَدْرَ مَا يَرَى مِنْ شِرَائِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ يَقُومُوا مِنْ السُّوقِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ بَلْ اُدْعُوا اللَّهَ ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ بَلْ اللَّهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ إجْبَارَ النَّاسِ عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا تَطِيبُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ ظُلْمٌ لَهُمْ مُنَافٍ لِمِلْكِهَا لَهُمْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ إغْلَاءِ السِّعْرِ عَلَيْهِمْ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْبَيْعِ بِغَيْرِ السِّعْرِ الَّذِي يَحُدُّهُ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ رِبْحًا، وَلَا يَسُوغُ لَهُ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ. [الْبَيْعِ بِغَيْرِ السِّعْرِ الَّذِي يَحُدُّهُ الْإِمَامُ وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ] (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّسْعِيرُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ

[الباب الثاني في ذكر من يسعر عليهم]

مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَالسَّلَفِ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ) . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ وُجُوهَ أَهْلِ سُوقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيُحْضِرَ غَيْرَهُمْ اسْتِظْهَارًا عَلَى صِدْقِهِمْ فَيَسْأَلُهُمْ كَيْفَ يَشْتَرُونَ، وَكَيْفَ يَبِيعُونَ فَيُنَازِلُهُمْ إلَى مَا فِيهِ لَهُمْ، وَلِلْعَامَّةِ سَدَادٌ حَتَّى يَرْضَوْا بِهِ قَالَ: وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى التَّسْعِيرِ، وَلَكِنْ عَنْ رِضًا، وَعَلَى هَذَا أَجَازَهُ مَنْ أَجَازَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِهَذَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَصَالِحِ الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ، وَيَجْعَلُ لِلْبَاعَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّبْحِ مَا يَقُومُ بِهِمْ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ إجْحَافٌ بِالنَّاسِ، وَإِذَا سَعَّرَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ رِضًا بِمَا لَا رِبْحَ لَهُمْ فِيهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى فَسَادِ الْأَسْعَارِ، وَإِخْفَاءِ الْأَقْوَاتِ، وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ] 1 أَمَّا مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُمْ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ، وَأَمَّا الْجَالِبُ فَلَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ مَا يَجْلِبُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَصْلُ الْقُوتِ، وَهُوَ الْقَمْحُ أَوْ الشَّعِيرُ فَهَذَا لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ، وَلَا بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ وَأَمْكَنَهُ إذَا اتَّفَقُوا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا جَالِبُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَاللَّحْمِ وَالْبَقْلِ وَالْفَوَاكِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِيه أَهْلُ السُّوقِ لِلْبَيْعِ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَهَذَا أَيْضًا لَا يُسَعَّرُ عَلَى الْجَالِبِ وَلَا يُقْصَدُ بِالتَّسْعِيرِ، وَلَكِنَّهُ إذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّوقِ عَلَى سِعْرٍ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِهِ، وَإِلَّا فَأُخْرِجَ عَنْهُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّسْعِيرُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ] 1 قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا فِيمَا عَدَا الْقُطْنِ وَالْبَزِّ، وَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ التَّسْعِيرُ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُمْكِنُ تَسْعِيرُهُ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا. [مَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَالسَّلَفِ فِيهِ] (ش) : قَوْلُهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ إذَا تَبَايَنَتْ الْأَغْرَاضُ فِيهِ، وَقَدَّمْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْإِبِلِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْجَمَلُ مَشْهُورًا بِالْقُوَّةِ عَلَى الْحَمْلِ مَا يُنَافِيه غَايَةُ فِي بَابِهِ جَازَ بَيْعُهُ إلَى أَجَلٍ بِعِشْرِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِبِلِ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ بِعِشْرِينَ إلَّا لِأَنَّهُ غَايَةٌ فِي بَابِهِ، وَإِنَّ الْعِشْرِينَ لَيْسَتْ فِي الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا مُتَقَدِّمٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ حَوَاشِي الْإِبِلِ الَّتِي لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ، وَلَا تُشَارِكُ فِيهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوَفِّيهَا صَاحِبُهَا بِالرَّبَذَةِ) . (ش) : قَوْلُهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِيهَا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الرَّاحِلَةَ الَّتِي أَخَذَ غَايَةٌ فِي الْحَمْلِ، وَالرَّاحِلَةُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ، وَكَذَلِكَ الْبَدَنَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يُوَفِّيه إيَّاهَا بِالرَّبَذَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَيَّنَ مَوْضِعَ قَضَاءِ السَّلَمِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَزِمَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْخِلْقَةِ وَالِاسْمِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الْخِلْقَةِ وَالتَّسْمِيَةِ، وَلَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا.

الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلَهُ، وَزِيَادَةُ دَرَاهِمَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلَهُ، وَزِيَادَةُ دَرَاهِمَ الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَدًا بِيَدٍ، وَالدَّرَاهِمُ إلَى أَجَلٍ قَالَ، وَلَا خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلَهُ، وَزِيَادَةُ دَرَاهِمَ الدَّرَاهِمُ نَقْدًا، وَالْجَمَلُ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ أَخَّرْت الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ نَقْدًا مِنْ غَيْرِ الْمُقْتَاتِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فِيهَا فَإِنَّ مَنْ بَاعَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَفْسُدُ ذَلِكَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ زِيَادَةٍ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ بَعْدَ أَنْ يَتَعَجَّلَ الْمُتَجَانِسَانِ فَإِنْ تَأَجَّلَ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَهَذَا عَقْدُ هَذَا الْبَابِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَجَّلْ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهِمَا فَقَدْ سَلِمَا مِنْ السَّلَفِ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ، وَإِذَا تَأَجَّلَ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ مَا تَعَجَّلَ فَقَدْ صَارَ سَلَفًا، وَازْدَادَ أَحَدُهُمَا فِيهِ مَا أَفْسَدَ السَّلَفَ. (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْتَاعَ الْبَعِيرُ النَّجِيبُ بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنْ الْحَمُولَةِ مِنْ حَاشِيَةِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ إذَا اخْتَلَفَتْ فَبَانَ اخْتِلَافُهَا، وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَك فَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْت مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ إذَا انْتَقَدَتْ ثَمَنَهُ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ الْبَعِيرُ النَّجِيبُ بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنْ الْحَمُولَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّجِيبِ جِنْسًا مِنْ الْإِبِلِ يَخْتَصُّ بِهَذَا الِاسْمِ، وَأَكْثَرُهَا يُرْكَبُ بِالسُّرُوجِ؛ لِأَنَّهَا لِلْمَشْيِ السَّرِيعِ، وَلَيْسَتْ لِلْحَمْلِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْإِبِلِ يُقَالُ لَهَا الْبُخْتُ كَمَا يُقَالُ لِغَيْرِهَا الْهُجُنُ، وَيُقَالُ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّجِيبِ الْفَارِهَ الْقَوِيَّ عَلَى الْحَمْلِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ نَجِيبٌ، وَفَرَسٌ نَجِيبٌ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي جِنْسِهِ فَيَكُونُ هَذَا وَصْفًا لِذَلِكَ الْجَمَلِ دُونَ وَصْفِ نَوْعِهِ وَلَا جِنْسِهِ فَالْحَمُولَةُ مِنْ الْإِبِلِ هُوَ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْهَا دُونَ مَا يُرَادُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ خَاصَّةً وَحَوَاشِيهَا أَدْوَنُهَا، وَلَيْسَتْ بِوَصْفِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهَا بِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاشِي، وَهَذَا أَظْهَرُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَعِيرُ الْفَارِهُ النَّجِيبُ الْقَوِيُّ عَلَى الْحَمْلِ الْمُتَنَاهِي فِيهِ بِالْبَعِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْمِلَانِ إلَّا أَنَّهُمَا مِنْ دُونِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ وَالْمُؤَجَّلُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّجِيبَ مِنْ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَيُوصَفُ بِأَنَّهُ حَمُولَةٌ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَأَمَّا الْإِبِلُ فَمَا كَانَ فِيهِ النَّجَابَةُ، وَالرِّحْلَةُ صِنْفٌ فَجَمَعَ بَيْنَ النَّجَابَةِ وَالرِّحْلَةِ، وَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْأَنْوَاعِ، وَوَصَفَهَا بِالنُّجُبِ وَالْبُخْتِ وَالْعِرَابِ وَالْهُجُنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْحَمُولَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فَضْلُ نَجَابَةٍ وَلَهَا فَضْلُ عَمَلٍ تَحْمِلُ الْقِبَابَ وَالْمَحَامِلَ يُسَلَّمُ فِي حَوَاشِي الْإِبِلِ يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ لَهَا قُوَّةٌ عَلَى الْحَمْلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا تِلْكَ النَّجَابَةُ فِي خَلْقِهَا كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ فِي جَرْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَتَاقِ الْخَيْلِ فِي صُورَتِهِ لَكِنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي الْبَعِيرِ حُسْنُ الْخِلْقَةِ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ لَكَانَ أَبْيَنَ كَالْفَصَاحَةِ فِي الْعَبْدِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ التِّجَارَةِ كَانَتْ أَبَيْنَ فَإِنْ انْفَرَدَتْ الْفَصَاحَةُ لَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ، وَإِنْ انْفَرَدَتْ التِّجَارَةُ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ فَكَذَلِكَ النَّجَابَةُ وَالْحَمُولَةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ قَطِيعٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ نَسْلِ فَحْلٍ وَاحِدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَوْعُهَا وَاحِدًا فَإِذَا اخْتَلَفَتْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الْحَمْلِ فَبَانَ اخْتِلَافُهَا جَازَ أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ

[ما لا يجوز من بيع الحيوان]

(ص) : (مَالِكٌ، وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَوَصَفَهُ وَحَلَّاهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ، وَاَلَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . مَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلٍ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتِجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا اشْتَبَهَتْ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَتَقَارَبَتْ فِيهَا، وَهِيَ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَسَوَاءٌ كَانَ جِنْسُهَا وَاحِدًا بِأَنْ تَكُونَ هُجُنًا كُلَّهَا أَوْ عِرَابًا كُلَّهَا أَوْ بُخْتًا كُلَّهَا أَوْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا فَكَانَ بَعْضُهَا هُجُنًا، وَبَعْضُهُ عِرَابًا أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْنَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهَا وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ يُرِيدُ نِهَايَةَ التَّسَاوِي، وَهُوَ أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي جِنْسِ الْخِلْقَةِ وَنَوْعِهَا وَالصَّبْرِ عَلَى طُولِ السَّيْرِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْحُمُولَةِ، وَهِيَ الرِّحْلَةُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ عِلَّةَ مَنْعِ التَّفَاضُلِ بِأَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلَّ مَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ،. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جِنْسَ الْخِلْقَةِ وَتَمَامَهَا مُؤَكِّدٌ لِلْقُوَّةِ عَلَى الْحَمْلِ كَالْفَصَاحَةِ فِي الْعَبْدِ مَعَ التِّجَارَةِ قَالَ فَإِذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْت يُرِيدُ مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلَا يُشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْهُ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ يُرِيدُ أَنَّ تُسَاوِيَهُمَا، وَاتِّفَاقَ الْأَغْرَاضَ فِيهِمَا يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْبَيْعِ إلَى حَدِّ الْغَرَضِ الَّذِي يُنَافِي التَّفَاضُلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْت مِنْهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ إذَا انْتَقَدَتْ ثَمَنَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا بَعْدَ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَطْعُومَاتِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ فِي الْجُزَافِ، وَعَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ تَحْقِيقٌ لِمَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْإِقَالَة، وَرُبَّمَا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ مُعَامَلَتِهِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا انْتَقَدَتْ ثَمَنَهُ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ بِدَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ وَالْعَرَضُ مُؤَجَّلًا أَوْ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِمُؤَجَّلٍ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ فِي بَيْعِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَيَدْخُلُهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَيُسْلَمُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، أَوْ لَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السَّلَفَ فِي الْحَيَوَانِ بِالْحِلْيَةِ وَالصِّفَةِ جَائِزٌ لَازِمٌ، وَيَلْزَمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمُ قَبْضَهَا فَإِنْ كَرِهَهَا وَاسْتَغَلَّاهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعِرَاقِ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ] (ش) : قَوْلُهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ الْحَبَلُ هُوَ الْحَمْلُ، وَالْحَبَلَةُ الْجَنِينُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ حَمْلُ الْجَنِينِ الَّذِي فِي بَطْنِ النَّاقِهِ يُنْتِجُ ثُمَّ تَحْمِلُ فَيَحِلُّ الْبَيْعُ بِانْقِضَاءِ حَمْلِهِ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ يَتَقَدَّرُ بِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ هُوَ الْجَنِينُ الثَّانِي فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَقْصُودٌ بِالْعَقْدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَاَلَّذِي يُدْخِلُ الْفَسَادَ فِيهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا الْجَهَالَةُ بِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِبُعْدِهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْبَيْعِ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ أَوْ يُنْتِجَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ) . (ص) : (مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ، وَرَضِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهُ لَا قَرِيبًا، وَلَا بَعِيدًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لَأَنْ يُنْتَفَعَ بِالثَّمَنِ، وَلَا يَدْرِي هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا فَلِذَلِكَ كُرِهَ ذَلِكَ، وَلَا بَأْس بِهِ إذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا فِي بَطْنِهَا أَوْ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ جِدًّا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ شِرَاءُ سِلْعَةٍ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، وَكَرِهَهُ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ، وَلَا أَفْسَخُهُ إلَى سِتِّينَ سَنَةً أَوْ تِسْعِينَ سَنَةً. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَالْمَضَامِينُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ) . (ش) : قَوْلُهُ لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ يَدًا بِيَدٍ عَلَى مَا يَثْبُتُ فِي الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ التَّفَاضُلِ مَا لَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ عِلَّةُ الرِّبَا عِنْدَنَا فِي الْبُرِّ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الطَّعْمُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ، فَصَارَتْ لَفْظَةُ الرِّبَا مَقْصُورَةً عَلَى هَذَا الْحُكْمِ بِعُرْفِ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّمَا نَهَى مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثَةِ الْمَضَامِينُ، وَالْمَلَاقِيحُ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ، وَقَالَ غَيْرُ مَالِكٍ الْمَضَامِينُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَأَكْثَرُ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ مِنْ جَنِينٍ، وَلَا مَا فِي ظَهْرِ هَذَا الْفَحْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْمِلُهُ الْبَائِعُ عَلَى نَاقَتِهِ فَإِذَا أَنْتَجَتْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَ فَحْلَهُ عَلَى نَاقَةِ الْمُشْتَرِي فَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَعَلَيْهِ يَتَأَوَّلُ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ» ، وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُنْزِيَهُ عَلَى نَاقَتِهِ أَكْوَامًا مَعْدُودَةً عَدَدَهَا يَسِيرٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ مَعْلُومٌ مُعَيَّنٌ، وَالْأَكْوَامُ مَعْلُومَة فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْغَرَرِ وَلَا الْجَهَالَةِ. (ش) : وَقَوْلُهُ، وَلَا يَشْتَرِي الْحَيَوَانَ الْغَائِبَ الْمُعَيَّنَ بِالنَّقْدِ قَرِيبًا، وَلَا بَعِيدًا هَذِهِ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيمَا قَرُبَ دُونَ مَا بَعُدَ فَعَلَى هَذَا لَهُ رِوَايَتَانِ فِي الْقُرْبِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَبِيعٌ غَائِبٌ يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ كَالْبَعِيدِ الْغِيبَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَوَجْهُهَا أَنَّ مَا قَرُبَ يَقِلُّ فِيهِ الْغَرَرُ لِقُرْبِ إمْكَانِ قَبْضِهِ، وَإِنْ دَخَلَهُ نَقْصٌ عُرِفَ وَقْتُ نَقْصِهِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ حَاضِرَ الْبَيْعِ بَلْ قَدْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْمَبِيعُ غَائِبٌ فِي دَارِ الْبَائِعِ وَمَخْزَنِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ، وَالنَّقْدُ فِيمَا كَانَ عَلَى الْبَرِيدِ وَالْبَرِيدَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ عَلَى الْيَوْمِ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً الْبَرِيدَ وَالْبَرِيدَيْنِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ لَا يَنْقُدُ فِي الطَّعَامِ يَكُونُ عَلَى نِصْفِ يَوْمٍ حَتَّى يَقْرُبَ جِدًّا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْبَيْعُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ أَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ رَآهُ الْمُبْتَاعُ فَأَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي مُدَّةٍ لَا يَكَادُ الْمَبِيعُ يَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا هَذَا قَوْلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَمْ يُفَرِّقْ فِي قَوْلٍ، وَإِنَّمَا قَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يَتَغَيَّرُ فِي طُولِ الْمُدَّةِ عَمَّا عَرَفَهُ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ تَقَادَمَ تَقَادُمًا يَتَغَيَّرُ فِيهِ فَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ أَنَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ الرُّؤْيَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَعْوَامٍ مِمَّا تَتَغَيَّرُ فِيهَا السِّلَعُ فَلَا تُبَاعُ إلَّا بِشَرْطِ أَنَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَبْقَى عَلَى حَالِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ كَالثِّيَابِ، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ سِنَّهُ يَتَغَيَّرُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ، وَلَيْسَ الْحَوْلِيُّ كَالرُّبَاعِيِّ وَالْجِذَعُ كَالْقَارِحِ فِيهِنَّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِيهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْحَوْلِيُّ الرُّبَاعِيَّ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً، وَفَارَقَ الْجَذَعُ الْقَارِحَ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ رَأَى عَبْدًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا يُنْقَضُ، وَهُوَ بَيْعٌ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ رَأَى فَهَذَا إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ قِصَارِ الْمُدَدِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهُ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَسْنَانُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرَطَ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ رَآهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَذَلِكَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ لِقَوْلِهِ فِي عَشَرَةِ أَعْوَامٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَضْرِبَ لِقَبْضِهِ أَجَلًا رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ قَرِيبًا، وَلَا بَعِيدًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ إنْ أَجَّلَ قَبْضَهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّرٌ تَقْدِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَسَافَةُ مَا بَيْنَ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَبَلَدِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي الْأَجَلُ الَّذِي يَضْرِبَانِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ سَمَّيَاهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَ الْمَبِيعِ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ يَسْتَوْفِيه فِيهِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُبْتَاعُ الْمَبِيعَ حَيْثُ شَرَطَا بَيْنَهُمَا حَمْلَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ قَبْضَهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ حَمْلُهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ أَجْلِ الضَّمَانِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَضَمَّنَهُ لَهُ الْبَائِعُ فِي حَمْلِهِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِغَرَضِ الْمُبْتَاعِ مَعَ مَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْغَرَرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ الْيَسِيرَةُ الَّتِي لَا غَرَرَ فِيهَا غَالِبًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ جَائِزٌ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ لِمَا يَخْتَصُّ بِغَرَضِ الْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّعَامَ مَضْمُونٌ عَلَى الْكَرْيِ إذَا غَابَ عَلَيْهِ، وَانْفَرَدَ بِحَمْلِهِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَحُكْمُ هَذَا الضَّمَانِ حُكْمُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَبِذَلِكَ يَخْتَصُّ هَذَا بِنَوْعٍ مِنْ الطَّعَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ كَالثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْعُرُوضِ الْمَنْقُولَةِ أَوْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالْأَرْضِ وَالدُّورِ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَالْأَشْجَارِ فَأَمَّا مَا يُنْقَلُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا آلَ إلَيْهِ حَالُهُ مُنْذُ زَالَ عَنْ بَائِعِهِ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يَنْتَهِيَ خَبَرُهُ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ ضَيَاعِهِ، وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ النَّقْدِ جَازَ لِسَلَامَةِ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ فَجَوَّزَ ذَلِكَ فِيهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى النَّقْدِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَشْهَبُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، وَالْعُرُوضِ لِسُرْعَةِ اسْتِحَالَتِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَإِمْكَانِ نَقْصِهَا فَإِذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى ثِقَةٍ أَنَّهُ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَدْ هَلَكَ أَوْ دَخَلَهُ نَقْصٌ أَوْ يَدْخُلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ سَلَفًا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ

بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فَقُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَرَأَيْت رَجُلًا اشْتَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يَتَكَرَّرُ فَقَدْ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الْمَبِيعَ فَهُوَ ثَمَنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ كَانَ عِنْدَهُ سَلَفًا يَرُدُّهُ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ، وَأَمَّا الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ فَإِنَّهَا مَأْمُونَةٌ لَا يَدْخُلُهَا فِي الْأَغْلَبِ نَقْصٌ وَلَا زِيَادَةٌ وَلَا تَغَيُّرٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ فَالْبَائِعُ إنَّمَا يَقْبِضُ الثَّمَنَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ كَالْمَبِيعِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُؤَجَّلَ بِهِ عَيْبٌ يُوجِبُ عَلَيْهِ رَدَّ الثَّمَنِ لَمَّا كَانَ يَقِلُّ وَيَنْدُرُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مُعَيَّنٌ بَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِشَرْطِ النَّقْدِ كَالْحَيَوَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ وَرَضِيَهُ يُرِيدُ أَنَّ الْمُبْتَاعَ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَةُ الْمُشْتَرِي لَهُ يُرِيدُ أَنَّ لِلرُّؤْيَةِ تَأْثِيرًا فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعًا إلَّا بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ صِفَةٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلِلْمُبْتَاعِ خِيَارُ النَّظَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ حَالَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَصْلِهِ إذَا قَالَ بِعْتُك مَا فِي يَدَيَّ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَالْمُكَايَسَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُكَارَمَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَلْزَمُ الْمَوْلَى دُونَ الْمُوَلِّي، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ ابْتَعْت سِلْعَةً رَخِيصَةً فَيَقُولَ لَهُ آخَرُ وَلِّنِيهَا فَيَقُولَ قَدْ فَعَلْتُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ هِيَ دَابَّةٌ أَوْ جَارِيَةٌ أَوْ ثَوْبٌ ابْتَعْته بِكَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ فَقَدْ عَرَا عَنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ الَّذِي جَهِلَ صِفَتَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَالْبَائِعُ الَّذِي لَزِمَهُ الْبَيْعُ عَالِمٌ بِهِ وَمَكَارِمٌ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا بَيْعُ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَة بِصِفَةِ الْبَائِعِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ عَلَى مَا وَصَفْت لَزِمَ الْمُبْتَاعُ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْعَ مَا لَمْ يُرَ، وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ جَوَازُ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ضَمَانِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ أَوَّلًا هِيَ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، وَبِهِ قَالَ مُطَّرِفٌ وَابْنُ وَهْبٍ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هِيَ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْرُطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَكَانَ مِنْ الْمُبْتَاعِ كَالْحَاضِرِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّقْدِ فِيهِ مَخَافَةَ تَغَيُّرِهِ فَكَانَ مِنْ الْبَائِعِ كَالْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِالْمُوَاضَعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ مِنْ الرِّبَاعِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا مِنْ الْبَائِعِ قَالَ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَجْمَعُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ تَوْفِيَةٍ بِعَدَدٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ فِي أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَمَا كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ كَالْحَاضِرِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِي الرِّبَاعِ الْغَائِبَةِ إذَا بِيعَتْ بِوَصْفٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا بِيعَتْ بِوَصْفِ غَيْرِ الْبَائِعِ فَأَمَّا إذَا بِيعَتْ بِوَصْفِ الْبَائِعِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِي الصِّفَةِ لِيَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ إلَى وَقْتِ رُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي لَهَا، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الشِّرَاءُ مُعْتَادًا، وَكَثُرَ فِيهِ الْغَرَرُ مُنِعَ مِنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ النَّقْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مَضْمُونًا مَوْصُوفًا يُرِيدُ فِي السَّلَمِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغَائِبَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ.

[بيع الحيوان باللحم]

شَارِفًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ فَقَالَ سَعِيدُ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيَنْحَرَهَا فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْت مِنْ النَّاسِ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَكَانَ ذَلِكَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ] (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ، وَإِبْطَالَ مَا، وَقَعَ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ إنَّ كُلَّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْمُرْسَلِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، وَالرِّبَا بَيْعُ الشَّيْءِ بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَالشَّيْرَجِ بِالسِّمْسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ فَأَمَّا ذَلِكَ فَفِي اللَّحْمِ النِّيءِ، وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ أَشْهَبَ كَرِهَهُ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْحَيَوَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْنَاسٍ ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ الَّتِي هِيَ مُبَاحَةُ الْأَكْلِ كُلُّهَا جِنْسٌ، وَالطَّيْرُ كُلُّهُ جِنْسٌ، وَالْحِيتَانُ كُلُّهَا جِنْسٌ، وَأَمَّا الْجَرَادُ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا جِنْسٌ رَابِعٌ رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ. وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَتْ بِلَحْمٍ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ ضَأْنٍ وَلَا مَعْزٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَحْشِيِّهَا، وَإِنْسِيِّهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ بِحَيِّ الطَّيْرِ، وَحَيِّ الطَّيْرِ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَ مَالِكٍ تَفْسِيرَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ إلَّا مِنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ لِمَوْضِعِ الْمُزَابَنَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ الطَّيْرِ وَذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْجِنْسُ كَالْحُبُوبِ وَالْأَثْمَارِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِيمَا كَانَ أَكْلُهُ مُبَاحًا، وَأَمَّا مَا حَرُمَ أَكْلُهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَيُقَالُ إنَّ فِيهِ مِنْ جِنْسِ هَذَا اللَّحْمِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ بِلَحْمٍ جِنْسِهِ كَالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِلَحْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ لِلْعَرَبِ بِأَكْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا غَيْرُ اللَّحْمِ، وَأَمَّا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهَا بِاللَّحْمِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَهَا الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا غَيْرُ الْأَكْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا لَا يُقْتَنَى فَحُكْمُهُ حُكْمُ اللَّحْمِ فِي بَيْعِهِ بِالْحَيَوَانِ مِثْلُ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُدَّخَرُ، وَلَا يُتَّخَذُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِدَجَاجٍ وَلَا إوَزٍّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يَصْلُحُ اقْتِنَاؤُهُ وَاِتِّخَاذُهُ دَاجِنًا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ كَالْكَسِيرِ الَّذِي لَا يَحْيَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ حَيَوَانٌ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَحْيَا، وَيَتَنَاسَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا فَجَازَ بَيْعُهُ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ كَالدَّاجِنِ. (فَرْعٌ) فَإِذْ قُلْنَا إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ فَمَا الْحَالُ الَّتِي يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ الشَّارِفِ وَالْكَسِيرِ بِالْحَيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ كُلُّ شَارِفٍ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الَّذِي قَدْ شَارَفَ الْمَوْتَ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ، وَأَمَّا الشَّارِفُ الَّذِي يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ وَيَرْجِعُ فَلَا. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَكُونُ مَا يُرْجَى فِيهِ صُوفٌ حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّحْمِ قَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ التَّيْسُ الْخَصِيُّ كَاللَّحْمِ بِخِلَافِ الشَّارِفِ وَالْكَسِيرِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْكَبْشَ الْخَصِيَّ، وَالتَّيْسَ الْخَصِيَّ لَيْسَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ اللَّحْمِ يُرِيدَانِ التَّيْسَ الْخَصِيَّ وَالْكَبْشَ الْخَصِيَّ يُتَّخَذَانِ لِلسِّمَنِ وَالزِّيَادَةِ فِي اللَّحْمِ، وَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْحَيِّ مَعَ جِنْسِهِ،. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِي لَحْمٍ بِشَاةٍ إلَى أَجَلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلَّبَنِ، وَلَا صُوفَ، وَإِنْ اُسْتُحْيِيَتْ لِلسِّمَنِ قَالَ أَصْبَغُ إذَا كَانَ مِثْلُهَا يُقْتَنَى بِالرَّعْيِ لِلسِّمَنِ فَلَا بَأْسَ

[بيع اللحم باللحم]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ إذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مَثَلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ فِيهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكَبْشِ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى لِلْعَجَلَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَهِيَ فِي الذُّكُورِ الْفَحْلَةُ، وَفِي الْإِنَاثِ الدَّرُّ، وَالنَّسْلُ جَائِزٌ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الصُّوفِ وَالسِّمَنِ مَنَافِعُ فِي الْحَيَوَانِ لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حَالِ حَيَاتِهِ فَإِذَا كَانَتْ فِيهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيِّ مَعَ الْحَيِّ، وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ كَانَتْ فِيهِ مَنَافِعُ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَرَاعَيَا جَوَازَ حَيَاتِهِ وَإِمْكَانَ بَقَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَقُلْنَا إنَّ حُكْمَ هَذَا الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُسْتَحْيَا حُكْمُ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَنَعَ مِنْهُ مَرَّةً، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَخَفَّفَهُ أُخْرَى فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ. فَوَجْهُ كَرَاهِيَتِهِ تَنَاوَلَ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ تَعَذَّرَ بَقَاؤُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ فَيَتَعَذَّرُ التَّمَاثُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ الْآخَرِ، وَوَجْهُ تَخْفِيفِهِ أَنَّهُ لَحْمٌ بَرِّيٌّ فَجَازَ بِلَحْمٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فَإِنَّ التَّمَاثُلَ يَكُونُ فِيهِ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ إلَّا بِالتَّحَرِّي، وَإِنَّمَا يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةُ أُصُولٍ أَحَدُهَا جَوَازُ بَيْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ، وَالثَّانِي جَوَازُ التَّحَرِّي فِي الْعِوَضَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَالثَّالِثُ صِحَّةُ التَّحَرِّي فِي الْحَيِّ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ] 1 ِ اللَّحْمُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي أَوْ التَّفَاضُلُ هُوَ اللَّحْمُ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا فِي بَيْعٍ وَطَبْخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ عَظْمٍ، وَغَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَظْمُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَذَلِكَ كَنَوَى التَّمْرِ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّمْرِ مَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكَرِشُ وَالْكَبِدُ وَالْقَلْبُ وَالرِّئَةُ وَالطِّحَالُ وَالْكُلْيَتَانِ وَالْحُلْقُومُ وَالشَّحْمُ وَالْخُصْيَتَانِ وَالرُّءُوسُ وَالْأَكَارِعُ فَلَا يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ، وَمَا عَلِمْت مَالِكًا كَرِهَ أَكْلَ الطِّحَالِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّحْمِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوزَنْ إذَا تَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مَثَلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ لَحْمَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ جِنْسٌ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَلَحْمَ الطَّيْرِ جِنْسٌ آخَرُ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَلَحْمَ الْحِيتَانِ جِنْسٌ ثَالِثٌ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنْسَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْأَمْرُ فِي الْجَرَادِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلَيْ مَالِكٍ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جِنْسٌ رَابِعٌ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِلَحْمٍ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ أَشْهَبَ لَا بَأْسَ بِالْجَرَادِ مُتَفَاضِلًا فَأَخْرَجَهُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُقْتَاتًا أَوْ مُدَّخَرًا، وَإِذَا جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ بِلَحْمِهِ جِنْسٌ مَخْصُوصٌ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْبُخْتَ وَالْعِرَابَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَالْبَقَرَةَ وَالْجَوَامِيسَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَالضَّأْنَ وَالْمَاعِزَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا إنَّ اللُّحُومَ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَلُحُومُ الطَّيْرِ وَلُحُومُ الْحِيتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُرَاعَاةِ الْمَنَافِعِ وَالْأَغْرَاضِ، وَإِذَا كَانَ وَجْهُ اسْتِعْمَالِهِ مُخَالِفًا لِوَجْهِ اسْتِعْمَالِ لَحْمِ الْوَحْشِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَا جِنْسَيْنِ كَلَحْمِ الْحِيتَانِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّا قَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ أُصُولِ الْأَقْوَاتِ، وَجَعَلْنَاهَا أَجْنَاسًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَلِفَةً لَمَّا اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ اسْتِعْمَالِهَا فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَثَلُهُ،. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي نَحْوِ هَذَا فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ جِنْسًا وَاحِدًا لِتَقَارُبِ وُجُوهِ اسْتِعْمَالِهَا، وَلِتَشَاكُلِ صُوَرِهَا فَإِنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الْجِنْسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَجْنَاسِ الْحُبُوبِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَحْمُ الطَّيْرِ مُخَالِفًا لِذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ وَمُنَافَاتِهَا لَهَا فِي الصُّورَةِ، وَلِذَلِكَ فَرَّقْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِيتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا حَكَمْنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ حَرُمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَمَا حَكَمْنَا لَهُ بِالْجِنْسَيْنِ جَازَ بَيْنَهُمَا التَّفَاضُلُ، وَاعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِي اللَّحْمِ وَكُلِّ مَوْزُونٍ مِنْ الْخُبْزِ الْوَزْنُ، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِالتَّحَرِّي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَغَيْرِهَا أَنَّ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَالْبِيضَ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضِ تَحَرَّيَا دُونَ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ التَّحَرِّيَ فِي ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى قِسْمَتِهِ وَمُبَادَلَتِهِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، وَحَيْثُ لَا تُوجَدُ الْمَوَازِينُ فَجَازَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ عَدَمِهَا مَعَ الْوُصُولِ بِذَلِكَ إلَى التَّمَاثُلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجَازَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ كَالْبَوَادِي وَالْأَسْفَارِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بِوَجْهٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّحَرِّيَ فِي جِهَةٍ لِمَعْرِفَةِ الْمَوْزُونِ كَالْوَزْنِ لِمَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ فَأَشْبَهَتْ الْوَزْنَ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الطَّعَامِ غَيْر الْآدَامِ لِمَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ تَحَرَّيَا، وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ وَالزَّيْتُ، وَإِنَّمَا تُقْسَمُ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا مَثَلًا بِمِثْلٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ التَّمَاثُلُ فِيهِ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيهِ التَّحَرِّي لِتَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَمَا يَجُوزُ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْعَدَدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي لِإِمْكَانِ ذَلِكَ فِي الْمَعْدُودِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْمَكِيلِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْكَيْلِ الْمَعْهُودِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ التَّحَرِّي فِيهِ لِقِلَّتِهِ، وَلِقُرْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا تَعَذَّرَ التَّحَرِّي فِيهِ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي قَلِيلِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْبَيْضِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّي يُحِيطُ بِهِ، وَلَا خَيْرَ فِي كَثِيرِهِ إلَّا بِالْوَزْنِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ كَشَاةِ مَذْبُوحَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيهَا إلَّا بِالتَّحَرِّي فَإِنْ كَانَتَا بِجِلْدَيْهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ فِيهِمَا غَيْرَ مَسْلُوخَتَيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَلَمْ يُعْجِبْ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَوَّازِ قَوْلُ أَصْبَغَ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ وَجِلْدٌ بِلَحْمٍ وَجِلْدٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَحْمٌ يُؤْكَلُ مَسْعُوطًا كَسْرًا مُعْتَادًا، وَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مَغِيبٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا إذَا قُلْنَا إنَّ الْجِلْدَ لَحْمٌ، وَلَوْ لَمْ نَقُلْهُ لَكَانَ قَدْ رُئِيَ بَعْضُهُ فِي مَذْبَحِهِ فَإِذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ فَكَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَيِّ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يُبَاعُ مَا لَا يُقْتَنَى مِنْ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ بِجُزْءٍ مِنْ صِنْفِهِ إلَّا تَحَرِّيًا مِثْلًا بِمِثْلٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْجِلْدِ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْحَيِّ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا لَا يَحْيَا مِنْ الطَّيْرِ بِاللَّحْمِ تَحَرِّيًا قَالَ أَصْبَغُ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ بَعْدُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَعَذُّرُ التَّحَرِّي فِي اللَّحْمِ الْحَيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَعَذُّرُ التَّحَرِّي فِيهِمَا لِاخْتِلَافِهَا بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ،. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعَ الشَّارِفِ الْمَكْسُورِ بِاللَّحْمِ، وَلَمْ يُرَاعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مَنْعِ الْمَجْفُوفِ وَالنِّيءِ بِالتَّحَرِّي فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اللَّحْمُ النِّيءُ بِالْقَدِيدِ، وَإِنْ تَحَرَّى فِيهِ التَّمَاثُلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْلَغُ التَّمَاثُلُ فِيهِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ أَجَازَهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَكَذَلِكَ النِّيءُ بِالْمَكْمُورِ، وَكَذَلِكَ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ بِالنِّيءِ. فَوَجْهُ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَحْمٌ فَجَازَ فِيهِ التَّحَرِّي مَعَ اخْتِلَافِ حَالَةِ أَصْلِ ذَلِكَ الْحَيِّ وَالْمَذْبُوحِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ اخْتِلَافَ

[ما جاء في ثمن الكلب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْوُحُوشِ كُلِّهَا اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَرَى لُحُومَ الطَّيْرِ كُلَّهَا مُخَالِفَةً لِلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَالْحِيتَانِ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ) . مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» يَعْنِي بِمَهْرِ الْبَغْيِ مَا تُعْطَاهُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ رِشْوَتَهُ، وَمَا يُعْطَى عَلَى أَنْ يَتَكَاهَنَ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ ثَمَنَ الْكَلْبِ الضَّارِي وَغَيْرِ الضَّارِي لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَجِبُ فِيهِ التَّمَاثُلُ بِالْجُفُوفِ وَالرُّطُوبَةِ يَمْنَعُ التَّحَرِّيَ فِيهِ كَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ لَحْمَ الْحِيتَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لِمَا قُلْنَاهُ، وَيَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّفَاضُلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا الْأَجَلُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسْئًا كَالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَكَذَا حُكْمُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّحْمِ كَالشَّارِفِ وَالْكَسِيرِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ غَيْرُ اللَّحْمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ، وَهُوَ طَعَامٌ فَلَا يَجُوزُ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ الْحَيَوَانُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِغَيْرِ اللَّحْمِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَا أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ لَكِنَّهُ أَثَّرَتْ الْحَيَاةُ فِيهَا لَمَّا تَسَاوَى الْغَرَضَانِ فِيهَا مَا أَثَّرَ التَّسَاوِي فِي بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتُونِ حَبًّا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ الزَّيْتِ مُتَمَاثِلٌ، وَلَا يَجِبُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُون مِنْ الزَّيْتِ مُسَاوٍ لِلزَّيْتِ الْمُنْفَرِدِ، وَلَمَّا أَثَّرَ فِي ذَلِكَ التَّمَاثُلُ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ. [مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ] (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ثَمَنَ الْكَلْبِ الْمَنْهِيَّ عَنْ اتِّخَاذِهِ فَيَتَنَاوَلُ نَهْيُهُ الْبَائِعَ عَنْ أَخْذِ ثَمَنِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهَذَا يَمْنَعُ نَفْعَهُ، وَأَمَّا الْكَلْبُ الْمُبَاحُ اتِّخَاذِهِ، وَهُوَ كَلْبُ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ وَالصَّيْدِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَيَتَأَوَّلُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ بِثَمَنِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رَوَى أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ» فَأَبَاحَ اتِّخَاذَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا، وَإِذَا أَبَاحَ اتِّخَاذَهُ جَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْكَلْبِ الضَّارِي فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا مَكْرُوهٌ، وَيَصِحُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَمَنْ قَتَلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَعَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ قِيمَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَانَ عَلَى مُسْتَهْلِكِهِ قِيمَتُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ مَهْرِ الْبَغْيِ يُرِيدُ مَا تُعْطَاهُ الزَّانِيَةُ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَهُوَ مَا يُعْطَاهُ الْكَاهِنُ لِتَكَهُّنِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَلِأَنَّ التَّكَهُّنَ مُحَرَّمٌ، وَمَا حَرُمَ

[السلف وبيع العروض بعضها ببعض]

السَّلَفُ وَبَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ آخُذُ سِلْعَتَك بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ تَرَكَ الَّذِي اشْتَرَطَ السَّلَفَ مَا اشْتَرَطَ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ جَائِزًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّوْبَ مِنْ الْكَتَّانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَفْسِهِ حَرُمَ عِوَضُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ. [السَّلَفُ وَبَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ] (ش) : مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا، وَأَشْبَهَهَا مَا رَوَى أَيُّوبُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ» وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ الْإِسْنَادِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عُقُودِ الْبِرِّ وَالْمُكَارَمَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِوَضٌ فَإِنْ قَارَنَ فَقَدْ فَرَضَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ، وَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْعِوَضِ فَيَخْرُجُ مِنْ مُقْتَضَاهُ فَبَطَلَ وَبَطَلَ مَا قَارَنَهُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَمَا نَفَاذُهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَالْبَيْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِتَنَافِي حُكْمَيْهِمَا. (فَصْلٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْنِي ثَوْبًا بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ أُدْرِكَتْ السِّلْعَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ أَوْ بَعْدَ مَا قَبَضَهَا، وَقَبْلَ أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ، وَقَدْ غَابَ الْبَائِعُ عَلَى الثَّمَنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ، وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَنَّ مَغِيبَ الْبَائِعِ عَلَى الثَّمَنِ يَتِمُّ بِهِ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ السَّلَفُ الَّذِي أَفْسَدَ الْعَقْدَ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَعْنَى الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَقْبِضْ السَّلَفَ، وَكَانَ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ هُوَ الْمُبْتَاعُ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِطُهُ الْبَائِعُ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَحْنُونٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ حُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ لَوْلَا مَا اشْتَرَطْتُهُ مِنْ السَّلَفِ مَا رَضِيت بِذَلِكَ الثَّمَنَ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ السَّلَفَ فَلَهُ الْقِيمَةُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثَّمَنَ، وَالسَّلَفَ، وَإِنْ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعُ السَّلَفَ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مَا بَلَغَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ قَائِمَةً، وَلَمْ يَغِبْ الْمُقْتَرِضُ عَلَى الْقَرْضِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ مُشْتَرِطَ الْقَرْضِ إنْ تَرَكَهُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَرَكَ الْقَرْضَ قَالَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ فَسَدَ عَقْدُهُ بِاشْتِرَاطِ السَّلَفِ كَالْبَيْعِ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّ مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَخَمْرًا وَخِنْزِيرًا فَقَالَ أَنَا أَدَعُ الْخَمْرَ أَنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِطَ السَّلَفِ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ، وَمُشْتَرِطُ الْخَمْرِ غَيْرُ مُخَيَّرٍ يُوَازِنُ مَسْأَلَةَ السَّلَفِ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُك الثَّوْبَ بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى إنْ شِئْتَ أَنْ تَزِيدَنِي زِقَّ خَمْرٍ زِدْتنِي، وَإِنْ شِئْت تَرَكْته ثُمَّ تَرَكَ زِقَّ خَمْرٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ أَخَذَهُ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَاَلَّذِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَرْضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِ الْمُقْتَرِضِ، وَالْمَبِيعُ لَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى اخْتِيَارِهِ بَلْ يَلْزَمُ مُشْتَرِيهِ قَبْضَهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ رَأَى قَوْلَهُ، وَلَمْ يَفْهَمْهُ.

أَوْ الشَّطَوِيِّ أَوْ الْقَصَبِيِّ بِالْأَثْوَابِ مِنْ الْأَتْرِيبِيِّ أَوْ الْقَسِّيِّ أَوْ الزِّيَقَةِ أَوْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ الْمَرْوِيِّ بِالْمَلَاحِفِ الْيَمَانِيَّةِ وَالشَّقَائِقِ، وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ الْوَاحِدَ بِالِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ يَدًا بِيَدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ نَسِيئَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَخْتَلِفَ فَيُبَيِّنَ اخْتِلَافَهُ فَإِذَا أَشْبَهَ بَعْضَ ذَلِكَ بَعْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْهَرَوِيِّ بِالثَّوْبِ مِنْ الْمَرْوِيِّ أَوْ الْقُوهِيِّ إلَى أَجَلٍ أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَيْنِ مِنْ الْفَرْقَبِيِّ بِالثَّوْبِ مِنْ الشَّطَوِيِّ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَشْتَرِي مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْت مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ إذَا انْتَقَدَتْ ثَمَنَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالثَّوْبِ مِنْ الْكَتَّانِ مِنْ الشَّطَوِيِّ أَوْ الْقَصَبِيِّ بِالْأَثْوَابِ مِنْ الْأَتْرِيبِيِّ أَوْ الْقَسِّيِّ أَوْ الزِّيَقَةِ يُرِيدُ أَنَّ رَقِيقَ الْكَتَّانِ، وَهِيَ الشَّطَوِيَّةُ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْقَصَبِيِّ وَالْفَرْقَبِيِّ وَالْقَسِّيِّ لَا بَأْسَ بِهِ بِغَلِيظِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ، وَهِيَ الْأَتْرِيبِيُّ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْقَسِّيِّ وَالزِّيَقَةِ وَالْمَرِيسِيَّةِ إلَى أَجَلٍ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِي جِنْسِهِ مِنْ الثِّيَابِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَا خَالَفَهُ فِي جِنْسِهِ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهَا بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ؛ لِأَنَّهَا الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ رَقِيقُهُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَالْقُوهِيّ، وَالْعَدَنِيُّ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِغَلِيظِهِ، وَهِيَ الشَّقَائِقُ وَالْمَلَاحِفُ الْيَمَانِيَّةُ الْغِلَاظُ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْوَاضِحَةِ إنَّ ثِيَابَ الْقُطْنِ صِنْفٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جَوْدَتُهَا وَأَثْمَانُهَا وَبُلْدَانُهَا، وَكَانَتْ هَذِهِ عَمَائِمُ وَهَذِهِ أَرْدِيَةٌ وَشُقَقٌ لِتَقَارُبِ مَنَافِعِهَا قَالَ إلَّا مَا كَانَ مِنْ وَشْيِ الْقُطْنِ وَالصَّنْعَانِيِّ وَالسَّعِيدِيِّ وَالْعَصْبِ وَالْحِبَرِ وَالْمُشَطَّبِ وَالْمُسَيَّرِ وَشِبْهِهِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ فَبَيَاضُ ثِيَابِ الْقُطْنِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، وَمَا اخْتَلَفَ أَيْضًا فِي الرَّدَاءَةِ وَالْجَوْدَةِ وَالْغِلَظِ وَالرِّقَّةِ فَتَبَايَنَ وَتَبَاعَدَ فِي نَفْعِهِ وَجَمَالِهِ فَإِنَّهُمَا صِنْفَانِ يَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ إلَى أَجَلٍ فَجَعَلَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بِمَعْنَيَيْنِ بِالصَّبْغِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ بِالصَّبْغِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ؛ لِأَنَّ ثِيَابَ الْكَتَّانِ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ تُسْتَعْمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَّا ثِيَابُ الْحَرِيرِ فَصِنْفٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهَا وَجَوْدَتُهَا وَصَنْعَتُهَا مِنْ أَرْدِيَةٍ وَأَخْمُرٍ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ ثِيَابُ الْخَزِّ وَثِيَابُ الشَّقِيقِ إلَّا ثِيَابَ وَشْيِ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهَا بِثِيَابِ بَيَاضِ الْحَرِيرِ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَجَعَلَ الصِّنْفَ فِي الْحَرِيرِ يَخْتَلِفُ بِالصَّبْغِ وَالْبَيَاضِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَهُ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَثِيَابُ الْحَرِيرِ صِنْفٌ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ فِي الْغِلَظِ وَالرِّقَّةِ، وَثِيَابُ الصُّوفِ وَالْمِرْعِزَاءِ كُلُّهَا صِنْفٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْبُلْدَانُ وَالثَّمَنُ فَلَا يَجُوزُ كِسَاءُ مِرْعَزٍ بِكِسَاءَيْنِ مِنْ الصُّوفِ إلَى أَجَلٍ، وَلَا بِالْجِبَابِ، وَلَا مَسَاسَارَى بِمِصْرِيَّيْنِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَنْوَاعُ صِنْفِهَا مِثْلُ الطِّيقَانِ الطِّرَازِيَّةِ بِالْجُبَبِ الْمِرْعَزِيَّةِ، وَمِثْلُ الْقُطْنِ بِالْبُسُطِ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ ثِيَابٌ تَتَبَايَنُ فِي الرِّقَّةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا صِنْفٌ فِي خِلَافِهِ مِثْلُ ثَوْبِ قُطْنٍ فِي ثِيَابِ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَشْيٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ خَزٍّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ تَسَاوَتْ فِي الْجَمَالِ وَالرِّقَّةِ لِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ، وَقَدْ غَلَطَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ الْمُوَطَّأَ فَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْكَتَّانَ وَالْقُطْنَ صِنْفًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ فَضْلٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجْعَلُ ثِيَابَ الْقُطْنِ صِنْفًا، وَثِيَابَ الْكَتَّانِ صِنْفًا آخَرَ وَأَشْهَبُ يَجْعَلُهَا صِنْفًا وَاحِدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ حَتَّى يَخْتَلِفَ فَيُبَيِّنُ اخْتِلَافَهُ يُرِيدُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ جِنْسٍ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالصَّبْغِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إذَا أَشْبَهَ بَعْضَ ذَلِكَ بَعْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مَعَ الْأَجَلِ يُرِيدُ مِثْلَ قَوْلِنَا الْعَدَنِيِّ وَالْمَرْوِيِّ وَالْهَرَوِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاءُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا

[السلفة في العروض]

السُّلْفَةُ فِي الْعُرُوضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفًا فَسَلَّفَ فِيهِ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا صَارَ الْمُشْتَرِي إنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَانْتَفَعَ بِهَا فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ، وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا فَصَارَ أَنْ رَدَّ إلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ، وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفَاضُلُ مَعَ الْأَجَلِ لِتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي فِي مَعْنَى الْجِنْسِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْرُبُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ التَّفَاضُلَ مَعَ التَّسَاوِي فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ خَالَفَ النَّاسُ كُلَّهُمْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِقُبْطِيَّةٍ بِقُبْطِيَّتَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الشَّطَوِيُّ مَا عُمِلَ بِشَطَا، وَهُوَ مِنْ الْكَتَّانِ، وَالْأَتْرِيبِيُّ مَا عُمِلَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ يُقَالُ لَهَا أَتَرِيبُ، وَالْقَسِّيُّ بِالْقَسِّ كُورَةٌ مِنْ كُوَرِ مِصْرَ، وَالزِّيَقَةُ مَا عُمِلَ بِصَعِيدِ مِصْرَ، وَهِيَ ثِيَابٌ غَلِيظَةٌ، وَالْيَمَانِيَّةُ مَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْبُرُودِ، وَالصَّنْعَانِيِّ كُلُّهُ، وَالشَّقَائِقُ مِنْ الْأَبْرَادِ الصِّفَاقُ الضَّيِّقَةُ. [السُّلْفَةُ فِي الْعُرُوضِ] (ش) : قَوْلُهُ عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ قَالَ مَالِكٌ السَّبَائِبُ غَلَائِلُ ثَمَانِيَةٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا ذَلِكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي دَفْعَ إلَيْهِ فِيهَا فَيَدْخُلُهُ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلًا، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَنْ يُرِيدَ بَيَانَ مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ. وَقَدْ قَالَ عِيسَى سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَقَالَ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى» فَرِبْحُهُ حَرَامٌ قَالَ وَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ الْعُرُوض وَالْحَيَوَانُ وَالثِّيَابُ فَإِنَّ رِبْحَهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ حَلَالٌ، وَمِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مِنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ أَنْ يَبِيعَ لِرَجُلٍ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ يَبْتَاعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بَيْعَك بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُك مَا ابْتَعْت بِالْخِيَارِ لَا تَبِعْهُ حَتَّى تُعْلِمَ الْبَائِعَ، وَيَشْهَدَ أَنَّك رَضِيته فَإِنْ تَعْلَمْهُ فَرِبْحُهُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْت بِعْتُ بَعْدَ أَنْ اخْتَرْت صُدِّقْتَ مَعَ يَمِينِك، وَكَذَلِكَ الرِّبْحُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا خَلَا الْمَطْعُومَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ بَائِعِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ عَدَدٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ مَا يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَكُلُّ مَا لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ مِنْ الدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَتَعَلَّقَ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَطْعُومَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَاجِبًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ الْمُسَبَّبُ بِهِ إلَى الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ حِينَ وُرُودِ النَّهْيِ فَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَهَذَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إذَا كَانَ مَوْصُوفًا إلَى أَجَلٍ يُسَمَّى ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ أَوْ بَعْدَمَا يَحِلُّ بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إلَّا الطَّعَامُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يُقْبَضُ ذَلِكَ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ، وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ، وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ إلَّا بِعَرْضٍ يَقْبِضُهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ لَمْ تَحِلَّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ لَهَا بَيِّنٌ خِلَافُهُ يَقْبِضُهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَامٌّ فَحُمِلَ عَلَى عُمُومِهِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ فَجَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَنَافِعِ الْأَعْيَانِ فِي الْإِجَارَاتِ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ فَجَازَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْعِتْقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ أَوْ عُرُوضٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ يُرِيدُ مَا دَامَ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ دِينَارًا، وَأَخَذَ مِنْهُ بِهِ دِينَارَيْنِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيْعِهِ بِمِثْلِهِ يَعُودُ إلَى مَعْنَى الْقَرْضِ فَإِذَا بَاعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ بَعُدَ عَنْ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُفْعَلُ لَا يَقْصِدُ أَحَدٌ أَنْ يُسَلِّفَ دِينَارَيْنِ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ بِكُلِّ مَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِي السَّلَفِ فِيهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ ثِيَابًا فُرْقُبِيَّةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ بِثِيَابِ قُطْنٍ مَرْوِيَّةٍ أَوْ هَرَوِيَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَجَعَلَ الْفَرْقَبِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ رَقِيقِ الْكَتَّانِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ الرَّقِيقَةِ لِاخْتِلَافِهَا فِي جِنْسِ الْأَصْلِ، وَسَيَتِمُّ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ سَلَّفَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فِي حَيَوَانٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَبَعْدَهُ بِعَرَضٍ يُعَجِّلُهُ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ مَجْلِسِ السَّلَمِ، وَالثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِقَا، وَقَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ، وَالثَّالِثُ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ فَأَمَّا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِمَّا يُعْرَفُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا شَاءَ، وَإِنْ نَقَدَهُ دَنَانِيرَ، وَأَخَذَ دَرَاهِمَ أَوْ أَخَذَ دَنَانِيرَ أَكْثَرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِ دَنَانِيرِهِ أَكْثَرَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إعْطَاءَ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ فَيَصِحُّ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَهَبِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَقَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الْحَيَوَانِ الْمُسْلَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ رَأْسَ الْمَالِ فَيَتَحَذَّرُ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَإِنَّمَا يُرَاعَى مَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِيمَا بَاعَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا بَاعَهُ بِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِيمَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ التَّنَاجُزِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا بَاعَ بِهِ نَقْدًا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ، وَمَا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ النَّقْدِ فَلَا يَفْسُدُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا مَا يُفْسِدُ بَيْعَ النَّقْدِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَمَا قَبَضَهُ ثَمَنًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّأْخِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ الْقَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَبَعْدَهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاتِّفَاقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُ مِمَّا يُمْكِنُ قَبْضُهُ لِوَقْتِهِ كَالثَّوْبِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهِ إلَّا مِثْلَ ذَهَابِهِ إلَى الْبَيْتِ، وَإِمَّا أَنْ يُفَارِقَهُ وَيَطْلُبَهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّتِهِ فَنَقَلَهُ إلَى ثَوْبٍ مَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فُسِخَ الْبَيْعُ إنْ عَمِلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِينَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ فَلْيُلِحَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ حَقَّهُ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ تَعْجِيلَ الْقَبْضِ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهِ إلَّا قَدْرَ مَا يَأْتِي فِي مِثْلِهِ بِحَمَّالِ يَحْمِلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ فِيهِ الْأَيَّامُ وَالشَّهْرُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ إذَا شَرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الْقَبْضِ الْمُعَجَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَخَذَ مِنْ دَيْنِهِ سُكْنَى دَارٍ أَوْ زِرَاعَةِ أَرْضٍ مَأْمُونَةٍ أَوْ عَمَلًا يَعْمَلُهُ لَهُ فَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ، وَكِلَاهُمَا رَوَى قَوْلَهُ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ ذِمَّةَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَإِذَا عَارَضَ مِنْهُ سُكْنَى دَارٍ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ مُدَّةِ السُّكْنَى فَانْتَقَلَتْ ذِمَّتُهُ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَالُهَا مُرْتَقَبًا إنْ اُسْتُوْفِيَتْ مُدَّةُ السُّكْنَى بَرِئَتْ، وَإِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الدَّيْنِ فَصَارَتْ مَشْغُولَةً عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ مَشْغُولَةً، وَذَلِكَ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ أَنْ يَشْغَلَ الذِّمَّةَ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مَشْغُولَةً بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ ثَمَرَةً قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، وَيَتَأَخَّرُ جُذَاذُهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ قَبْضَهُ لِرَقَبَةِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِهِ لِمَنَافِعِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ زَادَهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى طُولِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَى الْأَجَلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ بَعْدَ سَلَمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حَائِكًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَهُ مَالِكٌ فَإِنْ زَادَهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى الصَّفَاقَةِ وَالطُّولِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى فَاشْتَرَى الصِّفَةَ الثَّانِيَةَ بِالْأُولَى وَالزِّيَادَةَ، وَإِنْ زَادَهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْعَرَضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرَضٍ فِي هَذَا فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا فِي مُرَاعَاةِ مَا سَلَّمَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالثَّانِي مُرَاعَاةُ مَا بَاعَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَأَمَّا رَأْسُ الْمَالِ فَلَا يُرَاعَى مَعَ بَائِعٍ أَجْنَبِيٍّ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ دَنَانِيرَ، وَيَبِيعَ بِوَرِقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْبَيْعِ مِنْ زَيْدٍ مَا اُبْتِيعَ مِنْ عَمْرٍو كَبَيْعِ النَّقْدِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا بَاعَ بِهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الْمَبِيعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِلَّا دَخَلَهُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِوَضٌ لِمَا يَبِيعُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَيَدْخُلُ بَيْعُهُمَا التَّأْخِيرُ فَيُفْسِدُ ذَلِكَ مَا يُفْسِدُ السَّلَمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَقْبِضُ ذَلِكَ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ قَبُحَ، وَدَخَلَهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْمُسْلِمُ الْمُبْتَاعَ مِنْهُ بِثَمَنِ مَا بَاعَهُ مِنْهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَخَلَهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا هُوَ كَالِئٌ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْهُ، وَتَبْقَى الذِّمَّتَانِ مُشْتَغِلَتَيْنِ بِالْعِوَضَيْنِ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ تَأَجَّلَ الْعِوَضَانِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذِهِ الْبِيَاعَاتِ غَيْرُ جَائِزَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا بَيْعُ مَا يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ قَبْلَ قَبْضِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ يُرِيدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ بِعَرَضٍ يُؤَخِّرُهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ جَمِيعُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ بَلْ بَيْعُ ثَوْبٍ إلَى أَجَلٍ بِحَيَوَانٍ عَلَى بَائِعِهِ إلَى أَجَلٍ أَدْخَلَ فِي بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا بِعْتَ دَيْنَك عَلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدَهَا عِنْدَهُ، وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَابًا دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَثْوَابُ أُعْطِيَك بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَابِي هَذِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيه قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَابًا لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلٍ بِثَمَنٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ أَيْضًا إلَّا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَمَنْ وَلَّيْتَهُ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالثَّمَنِ يَوْمًا، وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ، وَهُوَ كَالصَّرْفِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ أَوْ فِيمَا بَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَكَمَا قَالَ فَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ يَبِيعُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ مَعْفُوٌّ عَنْ يَسِيرِهِ، وَلِذَلِكَ يَتَأَخَّرُ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ هَذَا الْمِقْدَارَ، وَيُحْتَاطُ فِي الطَّعَامِ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَأَمَّا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ فَلَا يُعْفَى مِنْهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ سَلَّفَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ جِنْسِهَا أَدْوَنَ مِنْهَا يَقْتَضِي أَنَّ رَقِيقَ الْكَتَّانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ حَتَّى يَكُونَ لِلثَّوْبِ مِنْهُ ثَمَنُ الثَّوْبَيْنِ لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ كَمَا إنَّ غَلِيظَهُ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِرَقِيقِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ، وَتَفَاوَتَتْ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ بِاخْتِلَافِ أَثْمَانِهِ لَكَانَ مِنْ الْكَتَّانِ أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ مِنْ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْخَزِّ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَدْوَنَ مِنْ ثِيَابِهِ، وَلَا أَفْضَلَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسْلَمُ الْجِنْسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ فِي أَخْذِهِ الْأَدْوَنَ ضَعْ وَتَعَجَّلَ، وَيَدْخُلُهُ فِي أَخْذِهِ الْأَفْضَلَ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي الْبَيْعِ فَأَمَّا الْقَرْضُ وَالْمُؤَجَّلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَدْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَفْضَلُ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعْجِيلَ الْقَرْضِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الضَّمَانَ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُطَّهُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُهُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُقْرِضِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْ ثِيَابِهِ وَأَدْنَى وَأَكْثَرَ عَدَدًا فَإِنْ أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِنْ ثِيَابِهِ وَدِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ عَيْنًا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَدْ آلَ أَمْرُهُمَا إلَى عَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِعَرْضٍ وَعَيْنٍ مِنْ جِنْسِهِ مُؤَجَّلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَرَضًا جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرَضًا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ فِي الْعَرْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَعْطَاهُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَدْوَنَ مِنْ عَرَضِهِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَبَعِيرًا أَوْ دِرْهَمًا لَجَازَ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى حَيَوَانٍ وَثِيَابٍ وَدِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ رَأْسُ السَّلَمِ عَيْنًا فَأَخَذَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ الْأَجَلِ أَفْضَلَ مِنْ ثِيَابِهِ، وَزَادَ عَيْنًا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ لَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنٌ مُعَجَّلٌ، وَعَيْنٌ مُؤَجَّلٌ بِعَرَضٍ مُعَجَّلٍ فَإِنَّ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَمَّا كَانَ يَسِيرًا ضَعُفَتْ فِيهِ التُّهْمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَزِيدَ الْمُسْلِمُ دِرْهَمًا، وَيَأْخُذَ أَفْضَلَ مِمَّا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَا سَلَمَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ دُونَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَا يَفْتَرِقَانِ قَبْلَ قَبْضِهِمَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُسْلِمِ لِفَضْلِ مَا أَخَذَ عَلَى مَا كَانَ لَهُ جَازَ أَنْ تَتَأَخَّرَ الزِّيَادَةُ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، وَلَا فَسْخُ عَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ مُعَجَّلٌ مَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَابْتَاعَ الزِّيَادَةَ

[بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن]

بَيْعُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُوزَنُ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ النُّحَاسِ وَالشَّبَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ وَالْحَدِيدِ وَالْقَضْبِ وَالتِّينِ وَالْكُرْسُفِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ رِطْلٌ حَدِيدٌ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ، وَرِطْلٌ صَفَرٌ بِرِطْلَيْ صَفَرٍ قَالَ مَالِكٌ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ مِثْلَ الرَّصَاصِ وَالْآنُكِ، وَالشَّبَّةِ وَالصُّفْرِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي قَبَضَهَا بِثَمَنٍ مُؤَخَّرٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَقِيَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ السَّلَمِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ الْأَجَلُ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَ مَالَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْفَعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ أَرْفَعَ فَهِيَ زِيَادَةٌ لِطَرْحِ الضَّمَانِ، وَإِذَا أَخَذَ أَدْوَنَ فَهُوَ وَضْعٌ لِتَعْجِيلِ الْحَقِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَ مَالِهِ، وَلَا أَرْفَعَ، وَلَا أَوْضَعَ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ مَا يَدْخُلُهُ فِي أَرْفَعَ وَأَدْنَى؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَضَعَ الْمَسَافَةَ لِيَتَعَجَّلَ لَهُ حَقَّهُ، وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ زَادَهَا لِيَزُولَ عَنْهُ الضَّمَانُ فَيَدْخُلُهُ الْوَجْهَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنْ أَخَذَ الْمِثْلَ قَبْلَ الْأَجَلِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمِلْكِ تَأْثِيرٌ إلَّا مِثْلَ تَأْثِيرِ الْأَجَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَ لَمْ يَمْنَعْ قَبْضَ الْمِثْلِ فَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. [بَيْعُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يُوزَنُ] (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِمَّا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ، وَلَا ثَمَنٍ كَالْحِنَّاءِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ يَدًا بِيَدٍ، وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مَعَ الْأَجَلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الْآخَرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ كَالرَّصَاصِ وَالْآنُكِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ يُرِيدُ بِالتَّشَابُهِ تَقَارُبُ الْمَنَافِعِ مَعَ تَقَارُبِ الصُّورَةِ كَالْآنُكِ وَالرَّصَاصِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْقَصْدِيرِ فَإِنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْبَابِ، وَكَذَلِكَ الشَّبَّةُ وَالصُّفْرُ وَالنُّحَاسُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالْحَدِيدُ لَيِّنُهُ وَذَكِيرُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِالْعَمَلِ فَإِذَا عُمِلَ الْحَدِيدُ سُيُوفًا أَوْ سَكَاكِينَ أَوْ النُّحَاسُ أَوَانِيَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ أَصْنَافًا بِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ وَالصُّوَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ نَقْدًا مُتَفَاضِلًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا مَا ذَكَرُهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْفُلُوسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْعُهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْعُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ السِّكَّةَ فِي النُّحَاسِ صِنَاعَةٌ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَصْلِهِ فَلَمْ تَنْقُلْهُ مِنْ إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ إلَى تَحْرِيمِهِ كَصِنَاعَتِهِ طُسُوتًا وَأَوَانِيَ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ أَنَّ السِّكَّةَ نَوْعٌ يَخْتَصُّ بِالْإِثْمَانِ فَوَجَبَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ كَجِنْسِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَنْ نَسَبَ مَالِكًا فِي هَذَا الْقَوْلِ إلَى الْمُنَاقَضَةِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ وَجْهَ الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ إذَا قَبَضْت ثَمَنَهُ إذَا كُنْت اشْتَرَيْته كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ اشْتَرَيْته جُزَافًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْك إذَا اشْتَرَيْته جُزَافًا، وَلَا

[النهي عن بيعتين في بيعة]

النَّهْيُ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْك إذَا اشْتَرَيْته وَزْنًا حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا) . (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِمَّا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ، وَلَا ثَمَنٍ كَالْحِنَّاءِ، وَقَوْلِهِ وَمَا اشْتَرَيْت مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ إذَا قَبَضْت ثَمَنَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَك بَيْعُهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مَا لَمْ تَسْتَوْفِهِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، كَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَيْعِ حَتَّى تُوَفِّيَهُ فَصَارَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ جُزَافًا جَازَ بَيْعُهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ يَكُونُ فِي ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِضَمَانِ الْبَائِعِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا فِي الْمَبِيعِ الْحَاضِرِ الَّذِي هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْغَائِبُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى وَالْخَبَطِ وَالْكَتَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلَافُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ، وَمَا اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْحَصْبَاءُ وَالْقُصَّةُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ، وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ رِبًا) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ مَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ، وَلَا ثَمَنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ مُتَسَاوِيًا مُتَفَاضِلًا، وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ إلَى أَجَلٍ،. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَكُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الْحَصْبَاءُ وَالْقُصَّةُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ إلَى أَجَلٍ رِبًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ التُّرَابَ الْأَبْيَضَ وَالتُّرَابَ الْأَسْوَدَ صِنْفَانِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْجِيرُ وَالتُّرَابُ الْأَبْيَضُ قَالَ، وَكَذَلِكَ الْعُمُدُ بِالصَّخْرِ وَالْكَذَّانُ بِالرُّخَامِ وَالْجَنْدَلُ بِالْحِجَارَةِ وَالْحِجَارَةُ بِالْحَصْبَاءِ قَالَ فَهَذَا كُلُّهُ مُخْتَلِفٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلُ إلَى أَجَلٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَا اسْتَوَتْ مَنَافِعُهُ كَالْجَنْدَلِ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ، وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَى أَجَلٍ رِبًا يُرِيدُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ إلَى أَجَلٍ فَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَنْفَعَةً أَوْ عَمَلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [النَّهْيُ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ] (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَقَالَ الْفُقَهَاءُ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ عَقْدُ الْبَيْعِ بَيْعَتَيْنِ عَلَى أَنْ لَا تَتِمَّ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدَةٌ مَعَ لُزُومِ الْعَقْدِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ مِثْلَ أَنْ يَتَبَايَعَا هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ، وَهَذَا الْآخَرُ بِدِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ، وَقَدْ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ أَوْ لَزِمَ أَحَدُهُمَا فَهَذَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ بَيْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَقَدَ بَيْعَةً فِي الثَّوْبِ الَّذِي بِالدِّينَارَيْنِ، وَبَيْعَةً أُخْرَى فِي الثَّوْبِ الَّذِي بِالدِّينَارِ، وَلَمْ تَجْمَعْهُمَا صَفْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا، وَيُوصَفُ بِأَنَّهُ فِي بَيْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى الْبَيْعَتَيْنِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِنَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ نَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ الْوَاحِدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَنَهْيُهُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْدِرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ أَحَدَهُمَا بِالدِّينَارِ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَخَذَ الثَّانِيَ وَدَفَعَ دِينَارَيْنِ فَصَارَ إلَى أَنْ بَاعَ ثَوْبًا وَدِينَارًا بِثَوْبٍ وَدِينَارَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِدِينَارٍ، وَقَدْ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ أَوْ لَزِمَ الْبَائِعَ فَحَقِيقَةُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمَكْرُوهٌ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِفَ الثَّوْبَانِ كَانَا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ صِنْفَيْنِ اتَّفَقَ الثَّمَنُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْ صِنْفَيْنِ فَأَمَّا إذَا كَانَا مِنْ صِنْفٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ يَسِيرٌ فَهَذَا لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كُلُّ ثَوْبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الْجَوْدَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَبِهِ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ السِّلْعَتَانِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ تُسْلِمَ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْخَيْلِ السَّابِقَةِ أَوْ مِنْ رَقِيقِ الثِّيَابِ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ حَوَاشِي الْخَيْلِ وَغَلِيظِ الثِّيَابِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تُسْلَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى إلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكَادُ يَقَعُ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ لِخِيَارِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ الْكَتَّانِ، وَيَكُونَ أَحَدُهُمَا شُقَّةً، وَالْآخَرُ ثَوْبًا مُفَصَّلًا بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ فِيهِمَا الْأَغْرَاضُ فَقَدْ يَأْخُذُ الْأَدْوَنَ الْمُشْتَرِي لِغَرَضِهِ فِيهِ، وَيَأْخُذُ الْأَجْوَدَ لِفَضْلِهِ فَيَدْخُلُ هَذَا الْغَرَرُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَمَا الَّذِي يُخْرِجُ هَذَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَلَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالدَّلِيلِ لِتَعَرِّيه مِنْ الْغَرَرِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيْعَتَيْنِ مَقْصُودَةً لِجِنْسِهَا مُخْتَصَّةً كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِغَرَضٍ غَيْرِ غَرَضِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِ إذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنَانِ أَوْ اخْتَلَفَ الْمَبِيعَانِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِتَبَايُنِ الْجُودَةِ الَّتِي لَا يَتَسَاوَى مَعَهَا الثَّمَنُ فِيهَا فَإِذَا تَسَاوَى الثَّمَنَانِ، وَتَسَاوَتْ الْجُودَةُ أَوْ تَقَارَبَتْ تَقَارُبًا يَكُونُ فِي مَعْنَى التَّسَاوِي فَإِنَّهُ لَا تَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيْعَتَيْنِ بِغَرَضٍ فَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ لِمَنْ اشْتَرَى قَفِيزَ حِنْطَةٍ مِنْ صُبْرَةٍ أَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَلَا بَيْعُ كِسْرَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَشَرَةَ أَكْبُشٍ يَخْتَارُهَا مِنْ عِشْرِينَ كَبْشًا مُعَيَّنَةً، وَإِنْ كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ لَا يَكَادُ أَنْ يَتَّفِقَ تَسَاوِيهِمَا، وَلَكِنَّهُ يَتَقَارَبُ كَثِيرٌ مِنْهَا مَعَ تَسَاوِي الْغَرَضِ فِيهَا أَوْ تَقَارُبِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ فَمَنْ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَبَضَهُمَا عَلَى أَنْ يَخْتَارَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مُدَّةً مَا ضَرَّ بِذَلِكَ فَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ الْهَالِكُ الْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا، وَالسَّالِمُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ نِصْفَ التَّالِفِ مِنْهُمَا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ بَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَ ثَمَنِهِ قَالَ وَقَالَهُ لِي مَنْ كَاشَفْتُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي النَّوَادِرِ، وَإِذَا غَابَ عَلَى الثَّوْبَيْنِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُمَا، وَأَمَّا فِي الْعَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْهَالِكِ، وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي، وَاَلَّذِي عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي أَوْ يَرُدَّهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَبَضَهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يَضْمَنْ إلَّا بِقَدْرِ مَالِهِ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قِبَلَ رَجُلٍ دِينَارٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ لِيَرَاهَا وَيَأْخُذَ وَاحِدًا مِنْهَا فَضَاعَتْ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَخَذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثِّيَابِ بِالْخِيَارِ فَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمَا فَضَاعَ الثَّوْبَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا ضَاعَ مِنْهُمَا، وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا ابْتَاعَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَقَدْ تَنَاوَلَهُمَا الْبَيْعُ أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهُمَا، وَإِذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَخْتَارَهُ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ تَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا وَقَبْضُ الْآخَرِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْك إلَى أَجَلٍ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكَرِهَهُ، وَنَهْي عَنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ الْمَحْضَةِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ لِيَزِنَهَا وَيَأْخُذَ مِنْهَا وَاحِدًا فَضَاعَتْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشُكَّ أَنَّ فِيهَا وَازِنًا فَأَمَّا إذَا جَهِلَ ذَلِكَ، وَضَاعَتْ قَبْلَ الْوَزْنِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ أَنَّ فِيهَا وَازِنًا، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَيُعْطِيه ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ يَخْتَارُ أَحَدَهَا فَيَذْكُرُ أَنَّهُ تَلِفَ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا قَالَ سَحْنُونٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ تَلَفَهُ إلَّا بِقَوْلِهِ لِمَعْنَى رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ فِيهَا مَا يَكُونُ وَفَاءً لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا عَرَفَ أَنَّ فِيهَا وَفَاءً لَحَقِّهِ ضَمِنَ مِنْهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِي إنَّمَا دُفِعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ الْوَدِيعَةِ الْمَحْضَةِ بِخِلَافِ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِالْخِيَارِ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَإِنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِكِلَا الثَّوْبَيْنِ حَتَّى يَخْتَارَ، وَعَلَى ذَلِكَ قَبَضَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا حَقَّهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَيْرَ دِينَارٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَفَاءٌ عَنْ حَقِّهِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَيْضًا أَنَّهُ إنَّمَا قَبَضَهُ لِيَخْتَارَ فَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَسِلْعَةٍ أَخَذَهَا بِشِرَاءٍ الْخِيَارُ لِرَبِّهَا، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهَا ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِالْخِيَارِ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَضَاعَ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ ثَمَنِهِ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِالثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الثَّوْبِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِي، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهَا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الْمَعِيبِ إنْ دَخَلَ أَحَدَهُمَا عَيْبٌ، وَنِصْفَ الْبَاقِي السَّالِمِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي، وَغَرِمَ نِصْفَ ثَمَنِ التَّالِفِ، وَإِنْ أَرَادَ إمْسَاكَ الْبَاقِي فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ اخْتِيَارُهُ، وَهُوَ فِي مُدَّةِ الِاخْتِيَارِ جَازَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْبَاقِيَ فَيَضْمَنَ نِصْفَ الْأَوَّلِ لِمَا قَبَضَهُ لِلِاخْتِيَارِ، وَغَابَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فَيَكُونَ اخْتِيَارُهُ مُتَعَلِّقًا بِالتَّالِفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَلَفَ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ جَمِيعَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَعْدَ مُدَّةِ الْخِيَارِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فِي غَيْرِ مُدَّةِ الِاخْتِيَارِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ نِصْفُ الثَّوْبِ التَّالِفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الثَّوْبَ الْبَاقِيَ فَيَصِيرَ إلَيْهِ ثَوْبٌ وَنِصْفٌ، وَإِنَّمَا ابْتَاعَ ثَوْبًا وَاحِدًا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَضْمَنُ نِصْفَ التَّالِفِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي النَّوَادِرِ إنْ أَخَذَ الْبَاقِي كَانَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَالتَّالِفُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَالتَّالِفُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ. (فَصْلٌ) : وَلَوْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إنَّمَا ضَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَنْ اخْتَرْتُ الْبَاقِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَيَحْلِفُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّالِفِ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْبَائِعِ ثُمَّ ادَّعَى هَلَاكَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُهُ، وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَضْمَنُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَكَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَخْتَارُهُمَا أَوْ يَرُدُّهُمَا فَلَيْسَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (ش) : قَوْلُهُ ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ أَدْخَلَهُ فِي بَابِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ لِلْبَعِيرِ بِالنَّقْدِ إنَّمَا يَشْتَرِيه عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مُبْتَاعَهُ بِأَجَلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَصَارَ قَدْ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ بَيْعٍ تَضَمَّنَ بَيْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْأُولَى، وَهِيَ بِالنَّقْدِ، وَالثَّانِيَةُ الْمُؤَجَّلَةُ، وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إلَى أَجَلٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ بِالنَّقْدِ قَدْ بَاعَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِالْأَجَلِ الْبَعِيرَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَفِيهَا سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ لَهُ الْبَعِيرَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّفَهُ عَشَرَةً فِي عِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَانٍ تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، وَالْعِينَةُ فِيهَا أَظْهَرُ مِنْ سَائِرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ عِيسَى سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ تَفْسِيرِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَقَالَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ وَأَصْلٍ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ مَكْرُوهُهُمَا أَنْ يَتَبَايَعَا بِأَمْرَيْنِ إنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ غَرَرًا قَالَ عِيسَى فَالْأَوَّلُ أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِدِينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَهَذَا إنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ حَرَامًا، وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ فَهَذَا إنْ فَسَخْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَ غَرَرًا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ وَقَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ الْبَعِيرَ فَيَبِيعَهُ مِنْهُ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ إلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الثَّمَنَ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهُ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ السِّلَعُ فَيَكُونَ لِبَائِعِهِ قِيمَتُهَا نَقْدًا أَوْ بِمَا ابْتَاعَهَا هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ الِاثْنَا عَشَرَ، وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ ضَامِنًا لِلسِّلْعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَوَرَّعَ عَنْ أَخْذِ مَا ازْدَادَ، وَقَالَ عِيسَى، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْسَخَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَتَكُونَ فِيهَا الْقِيمَةُ لِبَائِعِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنَانِ، وَاخْتَلَفَ الْبَيْعَتَانِ بِالنَّقْدِ وَالتَّأْجِيلِ فَقَدْ وَضَحَ أَنَّهُمَا بَيْعَتَانِ تَضَمَّنَتْهُمَا بَيْعَةٌ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَقَطْ فَبِأَنْ لَا يَجُوزُ مَعَ اخْتِلَافِ الثَّمَنِ، وَاخْتِلَافُهُمَا بِالنَّقْدِ وَالْأَجَلِ أَوْلَى، وَفَسَّرَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِأَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْهُمَا إنْ أَنْفَذَ الْبَيْعَ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَقَدْ أَخَذَ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مُؤَجَّلَةً يَتْرُكُهَا، وَإِنْ أَنْفَذَ الْبَيْعَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مُؤَجَّلَةً فَقَدْ أَخَذَهَا بِعَشْرَةٍ نَقْدًا تَرَكَهَا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الذَّرِيعَةِ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ قَدْ اخْتَارَ أَوَّلًا إنْفَاذَ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ، وَعَدَلَ إلَى الْآخَرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ مَعَ التَّرْجِيحِ فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ، وَحَاجَتُهُمَا إلَيْهِمَا أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَقَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةَ الْفَسَادِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِخِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْبَائِعِ لِخِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ أَوْ رَدَّ السِّلْعَةَ فَهُوَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَالَ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ لَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ صِنْفُ الثَّوْبَيْنِ أَوْ اتَّفَقَا إذَا اخْتَلَفَ الثَّمَنَانِ أَوْ اتَّفَقَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَهُمَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَا فِي ذَلِكَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ حَالُ الْمُسَاوَمَةِ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِمَ الْآخَرَ فِي عَدَدِ سِلَعٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَثْمَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَتَى الْبَائِعُ بِلَفْظِ الْإِيجَابِ لَمْ يَثْبُتْ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الثَّوْبَ إنْ شِئْت بِدِينَارٍ أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ بِدِينَارٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَلْزَمَ الْبَيْعَ فِي أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ خِيَارٍ فَهُوَ إيجَابٌ فَاسِدٌ قَالَهُ مَالِكٌ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ رِوَايَةُ أَشْهَبَ الْأُولَى عَنْ مَالِكٍ أَصَحُّ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي قَدْ أَخَذْتُ لَكَانَ قَبُولًا فَاسِدًا لِاسْتِنَادِهِ إلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ الْعَجْوَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الصَّيْحَانِيَّ عَشْرَةَ أَصْوُعٍ أَوْ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الشَّامِيَّةَ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ قَدْ وَجَبَتْ لِي إحْدَاهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا فَهُوَ يَدْعُهَا، وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ الْعَجْوَةِ أَوْ تَجِبُ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ فَيَدْعُهَا، وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا نَهَى عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّعَامِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِيجَابِ الْفَاسِدِ، وَلِتَعَرِّيه مِنْ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالْمُسَاوَمَةِ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَمَّدٌ، وَبَيَّنَهُ فِي التَّفْسِيرِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ، وَلَفْظُ الْإِيجَابِ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْهَا بِكَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولَ لَهُ هِيَ لَك بِكَذَا قَالَ عِيسَى، وَكَذَلِكَ أَعْطَيْتُكهَا بِكَذَا أَوْ بِعْتُكهَا بِكَذَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِإِيجَابٍ، وَإِنَّمَا تَلَفَّظَ بِلَفْظِ الْمُسَاوَمَةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ بِدِينَارٍ، وَأَبِيعُ هَذَا الْآخَرَ بِدِينَارَيْنِ أَوْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي بِكَمْ سِلْعَتُك هَذِهِ فَيَقُولُ بِدِينَارٍ نَقْدًا فَيَقُولُ لَهُ، وَبِكَمْ تَبِيعُهَا إلَى أَجَلٍ فَيَقُولُ بِدِينَارَيْنِ فَاشْتَرَى بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ لَزِمَهُمَا مَعَ تَسَاوِي الثَّوْبَيْنِ وَالثَّمَنَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِأَحَدِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا إلَّا عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ، وَدُخُولُ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَعُودُ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ قَفِيزَ قَمْحٍ مِنْ جُمْلَةِ صُبْرَةٍ فِيهَا أَقْفِزَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ وَالنَّقْدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا بِأَحَدِهِمَا لَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَمَتَى اخْتَلَفَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ بِالْجِنْسِ أَوْ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ أَوْ بِالنَّقْدِ وَالتَّأْجِيلِ فَهُوَ مِنْ مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الَّذِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الْعَجْوَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ الصَّيْحَانِيّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ جِنْسِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَلَمَّا كَانَ أَحَدُ التَّمْرَيْنِ صَيْحَانِيًّا، وَعَشَرَةُ أَصْوُعٍ، وَالْآخَرُ عَجْوَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا دَخَلَهُ الْفَسَادُ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ، وَمِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الْمَطْعُومِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَدْرٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ لَهُ ابْتَعْ هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَشْرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ، وَإِنْ شِئْت مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ، وَعَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْآخَرِ فَبَاعَ الْأَوَّلَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ الثَّانِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ اسْتِيفَاءٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ تَمْرَ حَائِطِهِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ الْبَائِعُ ثَلَاثَ نَخَلَاتٍ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَدْ يُشْبِهُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا شَرْطَانِ فِي شَرْطٍ بِأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ احْمِلْ كِتَابِي هَذَا إلَى بَلَدِ كَذَا فَإِنْ بَلَغْتَهُ فِي يَوْمَيْنِ فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ تَأَخَّرْت عَنْ ذَلِكَ فَلَكَ كَذَا الْأَقَلُّ مِنْهُ فَهَذَانِ شَرْطَانِ فِي شَرْطٍ، وَهُوَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ.

[بيع الغرر]

(بَيْعُ الْغَرَرِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ قَدْ ضَلَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَبَقَ غُلَامُهُ وَثَمَنُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا فَيَقُولَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُ مِنْك بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُبْتَاعُ ذَهَبَ مِنْ الْبَائِعِ ثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ذَهَبَ مِنْ الْمُبْتَاعِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ وَفِي ذَلِكَ عَيْبٌ آخَرُ أَنَّ تِلْكَ الضَّالَّةَ إنْ وُجِدَتْ لَمْ يُدْرَ أَزَادَتْ أَمْ نَقَصَتْ أَمْ مَا حَدَثَ بِهَا مِنْ الْعُيُوبِ فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُخَاطَرَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الْغَرَرِ] (ش) : «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» يَقْتَضِي فَسَادَهُ، وَمَعْنَى بَيْعِ الْغَرَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا كَثُرَ فِيهِ الْغَرَرُ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ الْبَيْعُ يُوصَفُ بِبَيْعِ الْغَرَرِ فَهَذَا الَّذِي لَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ، وَأَمَّا يَسِيرُ الْغَرَرِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ عَقْدِ بَيْعٍ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْلُو عَقْدٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي فَسَادِ أَعْيَانِ الْعُقُودِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَهَلْ هُوَ مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَمْنَعُ الصِّحَّةَ أَوْ مِنْ حَيِّزِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَمْنَعُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْغَرَرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ وَالْعِوَضِ، وَالْأَجَلِ فَأَمَّا الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ فَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولَ الصِّفَةِ حِينَ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَجِنَّةِ وَاشْتِرَاطِهَا قَالَ مَالِكٌ لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ الرَّمَكَةَ عَلَى إنَّهَا عُقُوقٌ، وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ وَالْإِبِلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهَا عَقُوقٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ حِينَ اسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالسَّلَمِ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ سِوَى الْإِبِلِ الْمُهْمَلَةِ فِي الرَّعْيِ فَإِنْ رَآهَا الْمُبْتَاعُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ الْمَهَارَاتُ وَالْفِلَاءُ الصِّغَارُ بِالْبَرَاءَةِ، وَهِيَ كَبَيْعِ الْآبِقِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُبَاعُ الْإِبِلُ الصِّغَارُ، وَمَا لَا يُوجَدُ إلَّا بِالْإِرْهَاقِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُوجَدُ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَرٌ، وَزَادَ الْعُتْبِيَّةَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِيهَا مِنْ الْعُيُوبِ قَالَ كَبَيْعِ الْغَائِبِ بِغَيْرِ صِفَةٍ، وَأَنْكَرَ هَذَا أَصْبَغُ، وَقَالَ إنَّمَا يُكْرَهُ لِصُعُوبَةِ أَخْذِهَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ، وَلَكَانَ بَيْعُ الْغَائِبِ وَغَيْرِهِ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا لَا يُعْلَمُ جَائِزًا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِيعَتْ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ بِغَيْرِ الْبَرَاءَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ مَنْعُ هَذَا الْبَيْعِ فَالْمَبِيعُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ الْغَرَرُ، وَمَا يُخَافُ مِنْ تَعَذُّرِ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ الْمُبْتَاعُ بِالْقَبْضِ كَالْآبِقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ يَكُونُ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَيَكُونُ الْغَرَرُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ حَالِهِ كَالْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ لِمَرَضٍ يَمْرَضُ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ مِنْ الْغَرَرِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَتَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ الْجَهَالَةِ فِي الثَّمَنِ أَنَّ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِمَا يُعْطِي فِيهَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْتُك إيَّاهَا بِمَا شِئْت ثُمَّ سَخِطَ مَا أَرْسَلَ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُ إنْ فَاتَ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَدَّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهِ الْمُكَارَمَةُ، وَتَعْلِيقُ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِ الْمَتَاعِ فَأَشْبَهَ هَذَا الثَّوْبَ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّلَفُّظِ بِالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ فَجُعِلَ لِلَّفْظِ تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَارِهِ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ رَوَى ابْن الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، وَلَا أَفْسَخُهُ إنْ وَقَعَ، وَقَالَ أَصْبَغُ هُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ مَجْهُولَةٌ، وَيُفْسَخُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا إنَّ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ وَالْغَرَرِ اشْتِرَاءَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنْ النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يُدْرَ أَيَكُونُ حَسَنًا أَمْ قَبِيحًا أَمْ تَامًّا أَمْ نَاقِصًا أَمْ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَفَاضَلُ إنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى كَذَا فَقِيمَتُهُ كَذَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي بَيْعُ الْإِنَاثِ، وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ثَمَنُ شَاتَيْ الْغَزِيرَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَهِيَ لَك بِدِينَارَيْنِ، وَلِي مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَلَا الْجُلْجُلَانِ بِدُهْنِ الْجُلْجُلَانِ، وَلَا الزُّبْدُ بِالسَّمْنِ؛ لِأَنَّ الْمُزَابَنَةَ تَدْخُلُهُ، وَلِأَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْحَبَّ وَمَا أَشْبَهَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ مُخَاطَرَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ فَذَلِكَ غَرَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ، وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ؛ لِأَنَّ الْبَانَ الْمُطَيَّبَ قَدْ طُيِّبَ وَنَشَّ وَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْغَرَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ فَمِثْلُ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ الْعِوَضَيْنِ ابْتَاعَ أَوْ بَاعَ، وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْحَصَاةِ، وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ تَكُونُ حَصَاةٌ بِيَدِ الْبَائِعِ فَإِذَا سَقَطَتْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْعُرْبَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْغَرَرِ بِالْأَجَلِ فَأَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا أَوْ بَعِيدًا فَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ إلَى مَوْتٍ أَوْ إلَى مَيْسَرَةٍ أَوْ إلَى أَنْ يَبِيعَ الْمَبِيعَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَيْعُ مِنْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ عَلَى التَّقَاضِي، وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَنَحْوِهِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَى ذَلِكَ فِيمَا جَرَى بَيْنَهُمْ تَقَاضِيهِ مُقَطَّعًا قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ تَأَخَّرَ بَعْدَ مَا عُرِفَ مِنْ وَجْهِ التَّقَاضِي أَغْرَمَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ فَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَيْعَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ مِثْلَ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَفْسَخُهُ إلَّا مِثْلُ الثَّمَانِينَ وَالتِّسْعِينَ، وَلَا بَأْسَ بِهِ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً، وَإِنَّمَا أَشَرْت إلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ ذَلِكَ بِإِشَارَةٍ يَسِيرَةٍ، وَهُوَ مُسْتَوْعَبٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِيفَاءِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ بَيْعَ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ مِنْ النِّسَاءِ وَالدَّوَابِّ فَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ» قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الذُّكُورِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَضَامِينُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ، وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ، وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ مُتَعَذِّرُ التَّسْلِيمِ، وَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَإِفْسَادُهُمَا إذَا اجْتَمَعَا أَوْكَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ بَيْعٌ نُقِضَ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْجَنِينُ، وَيَقْبِضُهُ الْمُبْتَاعُ، وَيَفُوتُ عِنْدَهُ فَإِنْ فَاتَ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي جَمْعُهُمَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلَا يَفُوتُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَزِمَ الْمُبْتَاعَ قِيمَتُهُ يَوْمَ حُكِمَ بِقَبْضِهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي الْمِلْكِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى جَمْعِهِمَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ إمَّا بِأَنْ يَبْتَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخِرِ، وَإِلَّا بِيعَا عَلَيْهِمَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : أَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَاتَهُ الْحَامِلَ وَيَسْتَثْنِيَ جَنِينَهَا فَعَلَى مَا قَالَهُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمَبِيعِ مَبِيعٌ مَعَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جُمْلَتِهِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِذَا تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَرْئِيَّةَ إذَا اُسْتُثْنِيَ مَجْهُولٌ مُتَنَاهِي الْجَهَالَةِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي بَاقِي الْجُمْلَةِ جَهَالَةٌ تَمْنَعُ صِحَّةَ عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَيْهَا. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَذَلِكَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ مَجْهُولٌ، وَهُوَ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي لِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ فَهَذَا غَرَرٌ، وَمُخَاطَرَةٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدُهُمَا الْأَكْثَرَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ أَكْثَرُ لِمَا يَأْخُذُ مِنْهُ فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الْمُخَاطَرَةِ، وَالْمُقَامِرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْفَسَادِ، وَهُوَ التَّفَاضُلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ إنْ ذَلِكَ بَيْعٌ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِرِبْحٍ إنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّلَعِ، وَإِنْ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِنُقْصَانٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَهَبَ عَنَاؤُهُ بَاطِلًا فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا عَالَجَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ نُقْصَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَعَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ، وَبِيعَتْ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً يَبُتُّ بَيْعُهَا ثُمَّ يَنْدَمَ الْمُشْتَرِي فَيَقُولَ لِلْبَائِعِ ضَعْ عَنِّي فَيَأْبَى الْبَائِعُ، وَيَقُولَ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءُ وَضَعَهُ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَا بَيْعَهُمَا، وَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُتَحَرَّى التَّسَاوِي فِيهِمَا، وَلَا يَصِحُّ التَّحَرِّي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الزَّيْتُونِ أَقَلُّ مِنْ الزَّيْتِ الْآخِرِ أَوْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَبْلُغُ بِتَحَرِّي الزَّيْتُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاءُ حَبِّ الْبَانِ بِالسَّلِيخَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ حَبِّ الْبَانِ هُوَ السَّلِيخَةُ قَالَ عِيسَى السَّلِيخَةُ هِيَ عُصَارَةُ حَبِّ الْبَانِ، وَهُوَ الزَّيْتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ فَمَنَعَ حَبَّ الْبَانِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطْعُومًا، وَلَا فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ عِنْدَ تَقَارُبِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي السَّلِيخَةِ وَحَبِّ الْبَانِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَتَّانِ بِالْغَزْلِ جُزَافًا أَوْ أَحَدِهِمَا جُزَافًا، وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا شَيْءَ مِمَّا لَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا مَعَ تَجْوِيزِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا فِيمَا يَتَقَارَبُ فَأَمَّا لَوْ دَفَعَ رَطْلَ صُوفٍ بِعَشَرَةِ أَرْطَالٍ مَغْزُولَةٍ يَدًا بِيَدٍ لَجَازَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِحَبِّ الْبَانِ بِالْبَانِ الْمُطَيَّبِ؛ لِأَنَّ الْمُطَيَّبَ قَدْ طُيِّبَ وَنَشَّ وَتَحَوَّلَ عَنْ السَّلِيخَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَالنَّشُّ هُوَ التَّطْيِيبُ جَعَلَ النَّشَّ فِي الْبَانِ صَنْعَةً يَخْرُجُ بِهَا عَنْ جِنْسِ السَّلِيخَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُطَيَّبَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا نِهَايَةَ الصِّنَاعَةِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً عَلَى أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بَيْعِهِ بِرِبْحٍ إنْ كَانَ فِيهِ، وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا جِنْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رِبْحٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ قَضَاهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجِدَ فَهُوَ فِي حِلٍّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حَرَامٌ وَيُرَدُّ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ زَادَ فِي ثَمَنِهَا لِلْجَهْلِ بِالْأَجَلِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ بِالْوُجُودِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلِلْمَتَاعِ فِي هَذَا أُجْرَةٌ بِقَدْرِ مَا عَالَجَ ذَلِكَ، وَلِلْبَائِعِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ إنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُمَا مِنْ الْإِجَارَةِ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِبَيْعِ الْمُبْتَاعِ لَهَا فَلِلَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ الثَّمَنُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَكَانَ لِلْمُبْتَاعِ أُجْرَةُ مَا حَاوَلَ مِنْ بَيْعِهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهَا إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ، وَإِنْ وُجِدَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ فِيمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ يُوجَدُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَمْ يَدْخُلْهَا مَا يُغَيِّرُ صِفَتَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ نَدِمَ مُشْتَرِي سِلْعَةٍ، وَسَأَلَ الْوَضِيعَةَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْ، وَلَا نُقْصَانَ عَلَيْك فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ سَلِمَ أَوَّلًا مِمَّا يُفْسِدُهُ ابْتِدَاءً. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ، وَذَلِكَ لَازِمٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَمَلَهُ بِمَا غَرَّهُ بِهِ عَلَى بَيْعِ سِلْعَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا الْتَزَمَ لَهُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الْبَائِعُ وَالسِّلْعَةُ بَائِرَةٌ فَأَرَادَ الْمُبْتَاعُ حَمْلَهَا عَلَى وَجْهِ السُّوقِ لَمَّا أَمِنَ النُّقْصَانَ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْبَيْعَ الْمُعْتَادَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ، وَطَلَبِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ إلَى مَا يَكْثُرُ بِهِ النُّقْصَانُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ بَاعَ حِينَ الْبَيْعِ فَزَعَمَ أَنَّهُ نَقَصَ

[الملامسة والمنابذة]

(الْمُلَامَسَةُ وَالْمُنَابَذَةُ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» قَالَ مَالِكٌ وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرَهُ وَلَا يَتَبَيَّنَ مَا فِيهِ أَوْ يَبْتَاعَهُ لَيْلًا، وَلَا يَعْلَمَ مَا فِيهِ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ ثَوْبَهُ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ عَلَى غَيْرِ تَأَمُّلٍ مِنْهُمَا وَيَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا بِهَذَا فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي السَّاجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ أَوْ الثَّوْبِ الْقِبْطِيِّ الْمُدْرَجِ فِي طَيِّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا حَتَّى يَنْشُرَا وَيَنْظُرَا إلَى مَا فِي أَجْوَافِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُمَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهُوَ مِنْ الْمُلَامَسَةِ قَالَ مَالِكٌ، وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ مُخَالِفُ لِبَيْعِ السَّاجِ فِي جِرَابِهِ وَالثَّوْبِ فِي طَيِّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَمَعْرِفَةِ ذَلِكَ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَمَا مَضَى مِنْ عَمَلِ الْمَاضِينَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ الْجَائِزَةِ وَالتِّجَارَةِ بَيْنَهُمْ الَّتِي لَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْسًا؛ لِأَنَّ الْأَعْدَالَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى غَيْرِ نَشْرٍ لَا يُرَادُ بِهِ الْغَرَرُ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُلَامَسَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الثَّمَنِ مَا أَنْكَرَهُ صَاحِبُهُ قَالَ عِيسَى يُصَدَّقُ وَيُوضَعُ عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ مُنْكَرٍ يُعْلَمُ بِهِ كَذِبُهُ، وَأَنَّهُ حَابَى فِي الْبَيْعِ فَيَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا قَصَرَ بِهِ عَنْ ثَمَنِهَا، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُعْرَفُ مَا بَاعَ بِهِ إلَّا يَدَّعِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ أَنَّهَا تُبَاعُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا زَعَمَ وَيُصَدَّقُ. [الْمُلَامَسَةُ وَالْمُنَابَذَةُ] (ش) : «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» يَقْتَضِي فَسَادَهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بَيْعَ مُلَامَسَةٍ وَمُنَابَذَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ لِصِفَاتِهِ إلَّا لَمْسَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ بِيَدِ صَاحِبِهِ حَتَّى يَنْبِذَهُ إلَيْهِ وَاللَّمْسُ لَا يَعْرِفُ بِهِ الْمُبْتَاعُ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّذِي يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهَا، وَيَتَفَاوَتُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَأَمَّا لَوْ أَمْكَنَهُ الْبَائِعُ مِنْ تَقْلِيبِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَنَعَ الْمُبْتَاعُ بِلَمْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعَ مُلَامَسَةٍ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُدْرَجًا فِي جِرَابِهِ فَوَصَفَهُ لَهُ، وَكَانَ عَلَى أَنْ يَنْشُرَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ يَنْشُرُهُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الثَّوْبَ الْمُدْرَجَ فِي جِرَابِهِ كَالسَّاجِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُصَانُ بِغِلَافٍ أَوْ جِرَابٍ يَكُونُ فِيهِ فَلَا يَظْهَرُ شَيْءٌ مِنْهُ أَوْ الثَّوْبِ الْقِبْطِيِّ الَّذِي دُرِجَ عَلَى طَيِّهِ، وَإِنْ ظَهَرَ ظَاهِرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِالصِّفَةِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ بَيْعَ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ بِأَنَّ بَيْعَهَا عَلَى ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِكَثْرَةِ ثِيَابِ الْأَعْدَالِ وَعِظَمِ الْمُؤْنَةِ فِي فَتْحِهَا وَنَشْرِهَا، وَيَصِحُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّاجُ الْمُدْرَجُ فِي جِرَابِهِ وَالثَّوْبُ الْقِبْطِيُّ الْمُدْرَجُ فِي طَيِّهِ يَمْنَعُ الْمُبْتَاعَ مِنْ نَشْرِهِمَا، وَلَا يُوصَفَانِ لَهُ بِصِفَتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ دُونَ صِفَةٍ يَلْزَمُهَا الْبَائِعُ، وَبَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ إنَّمَا هُوَ بَيْعُهَا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْبَرْنَامَجُ مِنْ صِفَتِهَا الْمُسْتَوْعِبَةِ لِمَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا الَّتِي تَخْتَلِفُ الْأَثْمَانُ وَالْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهَا فَلِذَلِكَ جَازَ بَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ السَّاجِ فِي الْجِرَابِ وَالْقِبْطِيِّ الْمَطْوِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ وَلَا رُؤْيَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ وَمَنْعِ الرُّؤْيَةِ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي رَدِّهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصِّفَةَ تَنُوبُ عَنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السِّلَعِ لَا يَنْظُرُونَ إلَيْهَا، وَلَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّ حَبِيبًا سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ ابْتَاعَ مِائَةَ شَاةٍ أَوْ مِائَتَيْنِ أَيَجُسُّ جَمِيعَهَا فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجُسَّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَقُولَ لِلْبَائِعِ إنَّ مَا لَمْ أَجُسَّ مِثْلَ مَا جَسَسْت

[بيع المرابحة]

(بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْبَزِّ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ ثُمَّ يَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا آخَرَ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ فِيهِ أَجْرُ السَّمَاسِرَةِ وَلَا أَجْرُ الطَّيِّ وَلَا الشَّدِّ وَلَا النَّفَقَةِ وَلَا كِرَاءُ الْبَيْتِ فَأَمَّا كِرَاءُ الْبَزِّ فِي حُمْلَانِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ، وَلَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مَنْ يُسَاوِمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ رَبَّحُوهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الْقِصَارَةُ، وَالْخِيَاطَةُ وَالصِّبَاغُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ يُحْسَبُ فِيهِ الرِّبْحُ كَمَا يُحْسَبُ فِي الْبَزِّ فَإِنْ بَاعَ الْبَزَّ، وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِمَّا سَمَّيْت أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ فِيهِ رِبْحٌ فَإِنْ فَاتَ الْبَزُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُحْسَبُ، وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ رِبْحٌ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْبَزُّ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَكُونَ كَالْبَيْعِ عَلَى الصِّفَةِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى جَمِيعًا، وَتَوَاصَفَا السِّمَنَ فَقَطْ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِيمَنْ بَاعَكُمْ أَخْفَافًا أَوْ بَزًّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَا عَدَدَهَا فَهَذِهِ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ سَحْنُونٍ وَمَسْأَلَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ يَقْتَضِي الشَّرْطَ، وَإِلَّا فَهُوَ وِفَاقٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْأَعْدَالَ تَلْحَقُ الْمَشَقَّةَ وَالْمُؤْنَةَ بِإِعَادَتِهَا إلَى حَالِهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْحَالِ إلَّا بِالْأُجْرَةِ، وَصَانِعٍ يَتَوَلَّى ذَلِكَ، وَالسَّائِمُونَ يَتَكَرَّرُونَ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَسُومُ، وَيَنْظُرُ إلَى الْمُبْتَاعِ يَشْتَرِيهِ فَرُبَّ إنْسَانٍ لَا يُوَافِقُهُ وَآخَرَ يُوَافِقُهُ، وَلَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ الَّذِي يُرْضِي الْبَائِعَ، وَتَرَكَ الْمُبْتَاعَ دُونَ شَدٍّ وَإِعَادَةٍ إلَى الْحَالِ الْأُولَى تُغَيِّرُهُ، وَتَذْهَبُ بِجَمَالِهِ، وَتُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ تَرَكَ دُونَ أَنْ يُعَادَ إلَى الشَّدِّ تَغَيَّرَ، وَإِنْ أُعِيدَ إلَى الشَّدِّ بَعْدَ رُؤْيَةِ كُلِّ مُسَاوِمٍ لَهُ، وَرُبَّمَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ، وَطَالَ لَحِقَتْ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ، وَعَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ، وَالنَّفَقَةُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جَازَ أَنْ تَقُومَ الصِّفَةُ مَقَامَ رُؤْيَةِ الْمُبْتَاعِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ الْمُدْرَجُ فِي جِرَابِهِ، وَإِنَّ إخْرَاجَهُ مِنْهُ، وَنَظَرَهُ إلَيْهِ وَرَدَّهُ فِيهِ لَيْسَتْ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَلِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ فَلَا تَلْحَقُ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ، وَتَكَرَّرَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ بَيْعِهِ عَلَى الرُّؤْيَةِ إلَى بَيْعِهِ عَلَى الصِّفَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ غَيْرَ مُجَرَّدِ الْغَرَرِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِيَدِهِ لَا مَضَرَّةَ فِي نَشْرِهِ وَتَقْلِيبِهِ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الرُّؤْيَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ الرُّؤْيَةِ إلَى الصِّفَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ مَنْ قَدِمَ بِمَتَاعٍ فَبَاعَهُ مُرَابَحَةً لَا يُحْسَبُ فِيهِ أَجْرُ السَّمَاسِرَةِ، وَلَا أَجْرُ الطَّيِّ وَلَا الشَّدِّ وَلَا النَّفَقَةُ، وَلَا كِرَاءُ بَيْتٍ يُرِيدُ بِأَجْرِ السَّمَاسِرَةِ مِنْ كُلْفَةِ شِرَاءِ الْمَتَاعِ وَكَذَلِكَ أَجْرُ طَيِّهِ وَشَدِّهِ إعْدَالًا وَنَفَقَةُ التَّأْجِيرِ وَكِرَاءُ بَيْتِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكِرَاءُ رُكُوبِهِ لَا يُحْسَبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ثَمَنِ الْمَتَاعِ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ قَامَتْ عَلِيَّ بِكَذَا، وَلَوْ بَيَّنَ وَقَالَ لَا بَيْعَ مُرَابَحَةٍ إلَّا أَنْ أَعُدَّهَا فِي الثَّمَنِ، وَآخُذَ لَهُ رِبْحًا لَجَازَ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا كِرَاءُ الْبَزِّ فِي حَمْلِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ، وَلَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ إلَّا أَنْ يُعْلِمَ الْبَائِعُ مَنْ يُسَاوِمُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ يُرِيدُ أَنَّ حَمْلَ الْبَزِّ مِنْ بَلَدِ ابْتِيَاعِهِ إلَى بَلَدِ بَيْعِهِ مِمَّا يُحْسَبُ فِي ثَمَنِهِ، وَلَا يَجْعَلْ لَهُ حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ فِيمَا بَاعَ لِرِبْحٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، وَهَذَا حُكْمُ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فَيَكُونَ عَلَى مَا شَرَطَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصِّبَاغِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْفَتْلِ وَالْكِمَادِ وَالتَّطْوِيَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ وَالطِّرَازِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ يُحْسَبُ لَهُ الرِّبْحُ كَمَا يُحْسَبُ لِلْبَزِّ فَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُحْسَبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يُقْسَمُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَقِسْمٌ يُحْسَبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يُقْسَمُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَقِسْمٌ يُحْسَبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَيُقْسَمُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا يُتَّخَذُ بِسَبَبِ الْبَزِّ غَالِبًا، وَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَّخَذَ لِغَيْرِهِ كَكِرَاءِ بَيْتٍ وَنَفَقَةِ الْمَتَاعِ وَكِرَاءِ رَكُوبَةٍ، وَضَرْبٌ جَرَتْ عَادَةُ الْمُبْتَاعِ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَنِيبُ فِيهِ غَالِبًا بِأُجْرَةٍ كَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ الْمَتَاعَ، وَعَلَى أَنْ يَطْوِيَهُ لَهُ، وَيَشُدَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَفْعَلَهُ التَّاجِرُ لِنَفْسِهِ فَالْعِوَضُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي رِبْحِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ هُوَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُبْتَاعَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَحْسِبَ فِي الثَّمَنِ أُجْرَتَهُ، وَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُ، وَكِرَاءُ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنْ يُخَزِّنَهُ التَّاجِرُ فِي بَيْتِ سُكْنَاهُ فَإِنَّمَا يُعَامَلُ عَلَى الْمُعْتَادِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُحْسَبْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُهُ، وَلَا رِبْحُهُ، وَأَمَّا مَا لَيْسَتْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ، وَعَادَتُهُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا بِأُجْرَةٍ كَكِرَاءِ حَمْلِهِ وَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ فَهَذَا يُحْسَبُ فِي الثَّمَنِ، وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ فِي الْمَبِيعِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، وَأَمَّا مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ فِي الْمَبِيعِ كَالْقِصَارَةِ، وَالْخِيَاطَةِ وَالصِّبْغِ وَالطِّرَازِ فَهَذَا يُحْسَبُ فِي الثَّمَنِ، وَلَهُ حَظُّهُ مِنْ الرِّبْحِ لَمَّا كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَنَفْسِ الْمَتَاعِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى إلَّا بِوَاسِطَةٍ أَوْ سِمْسَارٍ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ فَيُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ قَالَ، وَأَمَّا اكْتِرَاءُ الْمَنَازِلِ فَإِنْ كَانَ اكْتَرَاهَا لِيَسْكُنَ فِيهَا، وَيَأْوِيَ إلَيْهَا فَالْمَتَاعُ تَبَعٌ، وَلَا يُحْسَبُ كَمَا لَا تُحْسَبُ النَّفَقَةُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ اكْتَرَاهُ لِيُحْرِزَ فِيهِ الْمَتَاعَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ بِغَيْرِ رِبْحٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ الْبَزَّ، وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِمَّا سَمَّيْت أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ فِيهِ رِبْحٌ وَفَاتَ الْبَزُّ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يُحْسَبُ، وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ فُسِخَ بَيْعُهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا قَالَهُ مَعَ الْإِبْهَامِ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ فُسِخَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَفُتْ، وَالْبَائِعُ يَقُولُ لَا أَبِيعُ إلَّا بِمَا سَمَّيْت مِنْ الثَّمَنِ، وَالرِّبْحِ، وَالْمُبْتَاعُ يَقُولُ لَا أَحْسِبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَا أَجْعَلُ حَظًّا مِنْ الرِّبْحِ لِمَا لَا حَظَّ لَهُ مِنْهُ فَيُفْسَخُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَتَّفِقَا عَلَى أَمْرٍ يَجُوزُ مِنْ أَمْرٍ يَرْضَى أَحَدُهُمَا بِمَا شَاءَ الْآخَرُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِحَطِّ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّبْحِ، وَالثَّمَنِ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعَ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَاتَتْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُحْسَبُ لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ الْقِيمَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَا يُزَادُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ طَرْحِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْقُصُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْكَذِبِ، وَلَا فِي لَفْظِهِ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ، وَإِنَّمَا أَبْهَمَ لَفْظَهُ، وَلِذَلِكَ حَكَمَ فِي الشَّرْعِ بِرَدِّهِ إلَيْهِ مَعَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ اللَّازِمِ فَذَلِكَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِذَا لَمْ تَفُتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ تَصْرِيحٌ بِالْكَذِبِ، وَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظٍ لَهُ عُرْفٌ فِي الشَّرْعِ، وَحُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ فَلِذَلِكَ رُدَّ فِي الْفَوَاتِ إلَى الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا قَدْ أَظْهَرَ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِالْعَقْدِ فَرُدَّ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ زَادَ فِي الثَّمَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالزِّيَادَةُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً مُضَافَةً إلَيْهِ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ نَمَائِهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُضَافَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ بِالنَّمَاءِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ زِيَادَةٌ فِي الْعَيْنِ، وَزِيَادَةٌ فِي الْقِيمَةِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ فَمِثْلُ سِمَنِ الْحَيَوَانِ، وَوِلَادَتُهُ وَأَثْمَارُ الشَّجَرِ، وَنَبَاتُ الصُّوفِ عَلَى الْغَنَمِ، وَحُدُوثُ اللَّبَنِ فِي الْأَنْعَامِ، وَاسْتِغْلَالُ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالرَّقِيقِ فَأَمَّا السِّمَنُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ حَوَالَةُ أَسْوَاقٍ، وَيَمْضِي مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مَا لَا يَخْلُو مِنْ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَابَحَةً وَيَحْتَمِلُ عَلَى مَنْعِهِ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَنْ يَمْنَعَ أَيْضًا ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْوِلَادَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ فَتَلِدُ عِنْدَهُ فَيَبِيعُهَا مُرَابَحَةً، وَلَا يُبَيِّنُ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدَّ أَوْ التَّمَاسُكَ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ أَسْوَاقَهَا قَدْ حَالَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيمَا قَدْ حَالَتْ أَسْوَاقُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فَإِنْ بَقِيَتْ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ حَتَّى حَالَتْ أَسْوَاقُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ، وَالْأَمَةُ إذَا بَقِيَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ حَتَّى وَلَدَتْ فَقَدْ بَقِيَتْ مُدَّةً حَالَتْ فِيهَا أَسْوَاقُهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الَّذِي يَبْتَاعُ غَنَمًا فَتَلِدُ عِنْدَهُ لَا يَبِيعُ حَتَّى يُبَيِّنَ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ إلَى أَنْ تَلِدَ تَحُولُ سَوَاءٌ بَاعَهَا بِوَلَدِهَا أَوْ بِغَيْرِ وَلَدِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ وَلَدَتْ الْغَنَمُ عِنْدَهُ لَمْ يَبِعْ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا أَوْلَادَهَا، وَهَذَا فِي الْغَنَمِ الْكَثِيرَةِ، وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُقَالَ لِمَا تَتَكَامَلُ وِلَادَتُهَا حَتَّى تَحُولَ أَسْوَاقُهَا، وَأَمَّا الشَّاةُ الْوَاحِدَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ النَّاقَةُ أَوْ الْأَمَةُ فَإِنَّ وِلَادَتَهَا قَدْ تَكُونُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا تَحُولُ فِي ذَلِكَ أَسْوَاقُهَا فَيَجِبُ عَلَى هَذَا جَوَازُ بَيْعِهَا دُونَ تَبْيِينٍ إنْ لَمْ يُنْقِصْ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ يُرِيدُ أَنَّ الْوِلَادَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ ذَلِكَ هِيَ مَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْحَمْلِ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إثْمَارُ الشَّجَرِ وَكِرَاءُ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اشْتَرَى حَوَائِطَ، وَاغْتَلَّهَا أَعْوَامًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ رَقِيقًا أَوْ دُورًا فَاكْتَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ زَمَانًا إذَا لَمْ تَحُلْ الْأَسْوَاقُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَلَا يُبَيِّنُ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ فَيُبَيِّنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ إلَّا وَتَخْتَلِفُ الْأَسْوَاقُ فَأَمَّا إثْمَارُ الشَّجَرِ وَاسْتِغْلَالُهَا أَعْوَامًا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا بَعْدَ الْأَعْوَامِ؛ لِأَنَّ أَسْوَاقَهَا لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا فِي أَعْوَامٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا يُسْرِعُ التَّغْيِيرُ إلَيْهَا فِي أَنْفُسِهَا، وَأَمَّا إجَارَةُ الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا أَسْوَاقُهَا غَالِبًا، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَنْعَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا جَزُّ أَصْوَافِ الْغَنَمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ اشْتَرَاهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهَا الصُّوفُ إلَّا مُدَّةً تَتَغَيَّرُ فِيهَا الْأَسْوَاقُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ اشْتَرَاهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ بَعْضَ مَا اشْتَرَاهُ، وَبَاعَ الْبَاقِيَ مُرَابَحَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ وَلَدَتْ الْإِنَاثُ فَبَاعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبِيعَهَا وَيُمْسِكَ أَوْلَادَهَا أَوْ يَبِيعَهَا مَعَ أَوْلَادِهَا فَإِنْ بَاعَهَا وَأَمْسَكَ أَوْلَادَهَا، وَلَمْ تَفُتْ فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَحْبِسَ أَوْ يَرُدَّ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَلَدَ، وَيَلْزَمَهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ بَعْدَ أَنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ فَاتَتْ وَكَانَتْ أَسْوَاقُهَا حَالَتْ إلَى زِيَادَةٍ فَلَا يُزَادُ فِيهَا، وَيَمْضِي الْبَيْعُ، وَإِنْ حَالَتْ بِنُقْصَانٍ قَالَ سَحْنُونٌ هِيَ كَمَسْأَلَةِ الْكَذِبِ، وَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْأَوْلَادِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ لِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ عَلَى أَصْلِهِمْ، وَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبَاعَهَا دُونَ الْوَلَدِ فَالْوَلَدُ فِيهَا عَيْبٌ فَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ، وَإِنْ حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَنَقَصَتْ نَقْصًا خَفِيفًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ رَضِيَا بِذَلِكَ أُجْبِرَا عَلَى جَمْعِهِمَا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ فَاتَتْ بِعِتْقٍ فَإِنْ حَطَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثَّمَنَ بَعْدَ إلْغَاءِ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَرِبْحِهِ فَلَا يُزَادُ أَوْ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْقُصُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ مَرْجِعُهُ إلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ حِصَّةَ الْعَيْبِ وَرِبْحَهُ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْقِيمَةِ فِي هَذَا، وَلَوْ بَاعَهَا مَعَ وَلَدِهَا فَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ فَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ أَوْ الْإِمْسَاكُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَإِنْ فَاتَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَكَانَتْ أَسْوَاقُهَا زَادَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا قِيمَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُبْتَاعِ فِي عَيْبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْوَاقُهَا نَقَصَتْ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلُهُ قَدْ تَبَيَّنَ عَيْبُ الْوَلَدِ حِينَ بَاعَهُ مَعَ أُمِّهِ لَا يُجْزِئُهُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ عِنْدَهُ وَلَدَتْ فَهُوَ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا، وَأَخْبَرَ بِالزَّوْجِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ عِنْدَهُ حَدَثَ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُبَيِّنُ يُرِيدُ أَنَّ ابْنَ عَبْدُوسٍ يَقُولُ إنْ فَاتَتْ لَزِمَ الْبَائِعُ أَنْ يَحُطَّ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَرِبْحَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْوَجْهُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً فَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ ثُمَّ بَاعَ مُرَابَحَةً، وَبَيَّنَ الْعَيْبَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ مِنْ السِّلْعَةِ بِعَشَرَةٍ، وَهُوَ إنَّمَا اشْتَرَى بِالْعَشَرَةِ مَا بَاعَهُ مِنْ السِّلْعَةِ، وَمَا تَلِفَ عِنْدَهُ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِعَشَرَةٍ، وَبَاعَ إحْدَاهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِعَشَرَةٍ فَعَلَى هَذَا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ تَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا يَصِيرُ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَرِبْحِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَرِبْحِهَا فَلَا يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا يَصِيرُ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَرِبْحِهِ دُونَ إلْغَاءِ قِيمَةِ الْعَيْبِ وَرِبْحِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فَهِيَ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ بِالزِّيَادَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَحَالَتْ أَسْوَاقُهَا لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ زَادَتْ الْأَسْوَاقُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الطَّرِيِّ أَرْغَبُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ زَادَتْ أَسْوَاقُهَا، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُرَاعِيَ اخْتِلَافَ الْأَسْوَاقِ مَنْ لَا يُرَاعِي اخْتِلَافَ الْعَيْنِ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ عَلَى شِرَائِهِ، وَالشِّرَاءُ مُخْتَصٌّ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ دُونَ زِيَادَةِ الْعَيْنِ وَنَقْصِهَا، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَ السِّلْعَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً يَدُلُّ عَلَى غَلَاءِ شِرَائِهَا، وَعَلَى زُهْدِ النَّاسِ فِي عَيْنِهَا فَإِنْ حَالَتْ أَسْوَاقُهَا إلَى زِيَادَةٍ، وَتَعَذَّرَ بَيْعُهَا مَعَ ذَلِكَ مَعَ تَعْرِيضِهَا لِلْبَيْعِ فَذَلِكَ أَدَلُّ عَلَى الزُّهْدِ فِي عَيْنِهَا، وَإِنَّ الْمُبْتَاعَ لَهَا قَدْ غَلِطَ فِي قِيمَتِهَا، وَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا مِنْ حَالِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَكْتُمَ عَنْ بَائِعِهِ إيَّاهَا مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ دَاخِلُ ابْتِيَاعِهِ فَيَجِبُ لَهُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ صِفَتِهِ مَا عَرَفَهُ بَعْدُ بَائِعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا إنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ تَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ فَإِنْ حَالَتْ فِي الْقُرْبِ إلَى نَقْصٍ فَلَا بَيْعَ مُرَابَحَةٍ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ حَالَتْ بِزِيَادَةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الزِّيَادَةِ أَعْجَبُ إلَى أَنْ لَا يَبِيعَ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ قُرْبِ الْمُدَّةِ وَطُولِهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ أَرْغَبُ فِي الطَّرِيِّ وَجَوَّزَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ طَالَ لُبْثُهَا عِنْدَهُ فَلْيُبَيِّنْ حَالَ سُوقِهَا أَوْ لَمْ يَحُلْ فَجَعَلَ الْمَانِعَ طُولَ اللُّبْثِ أَوْ التَّغَيُّرَ إلَى النَّقْصِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْمَبِيعِ فَإِنْ فَاتَتْ رَدَّ الْقِيمَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي زِيَادَةِ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ فَأَمَّا النَّقْصُ مِنْ ذَلِكَ فَمَانِعٌ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَذَهَبَ عِنْدَهُ ضِرْسُهَا أَوْ أَصَابَهَا عَيْبٌ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَلِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ أَوْ الْإِمْسَاكُ مَا لَمْ تَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا حَدَثَ النَّقْصُ مِنْ انْتِفَاعِ الْبَائِعِ بِهِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً فَيَفْتَضَّهَا أَوْ ثَوْبًا فَيَلْبَسَهُ أَوْ دَابَّةً فَيُسَافِرَ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ عَبْدُوسٍ إنْ بَاعَ الْجَارِيَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ افْتَضَّهَا فَحَطَّهُ الْبَائِعُ مَا يَنُوبُ الِافْتِضَاضَ وَرِبْحَهُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ بِخِلَافِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ إنَّهَا بِكْرٌ، وَإِنَّمَا حُجَّةُ الْمُبْتَاعِ أَنَّ الْبَائِعَ زَادَ فِي الثَّمَنِ فَهِيَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَشْبَهُ، وَيُفِيتُهَا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فَإِنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَالْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَائِعِ قِيمَةَ الِافْتِضَاضِ وَرِبْحَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الثَّمَنَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مُفْتَضَّةً يَوْمَ قَبَضَهَا مَا لَمْ يُزِدْ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ يُنْقِصْ عَنْهُ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الِافْتِضَاضِ وَرِبْحِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَأَصْلُ جَوَابِهَا لِأَشْهَبَ، وَمِثْلُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُشْتَرِي لِغَنَمٍ عَلَيْهَا صُوفٌ فَجَزَّ أَصْوَافَهَا، وَبَاعَ مُرَابَحَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ، وَاشْتَرَى ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَسَافَرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ رَأَى الْغَنَمَ مَجْزُوزَةً، وَرَأَى الثَّوْبَ مَلْبُوسًا، وَالدَّابَّةَ قَدْ عَجِفَتْ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْهُ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ لِلزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي عُرِفَ بِهِ كَانَ ثَمَنَ مَا بِيعَ مِنْهُ، وَمَا ذَهَبَ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْمَتَاعَ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْوَرِقِ، وَالصَّرْفُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَيَقْدَمُ بِهِ بَلَدًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَوْ يَبِيعُهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى صَرْفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي بَاعَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ابْتَاعَهُ بِدَرَاهِمَ، وَبَاعَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ ابْتَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَبِدَرَاهِمَ، وَكَانَ الْمَتَاعُ لَمْ يَفُتْ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ فَاتَ الْمَتَاعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ الْبَائِعُ، وَيُحْسَبُ لِلْبَائِعِ الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَى مَا رَبِحَهُ الْمُبْتَاعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الْمَتَاعَ بِالذَّهَبِ وَالصَّرْفِ عَلَى قَدْرِ مَا يَبِيعُهُ، وَالصَّرْفُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مُرَابَحَةٌ هَذَا السُّؤَالُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِيَ بِذَهَبٍ، وَيَبِيعَ بِذَهَبٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّرْفُ فِي وَقْتَيْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، وَالثَّانِي مَا أَجَابَ عَنْهُ، وَأَنْ يَبْتَاعَ بِذَهَبٍ فَيَبِيعَ بِوَرِقٍ أَوْ يَبْتَاعَ بِوَرِقٍ فَيَبِيعَ بِذَهَبٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ الصَّرْفُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِمَا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ مَا لَمْ يَفُتْ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَلْزَمَهُ إيَّاهُ بِمَا نَقَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمْ يُرِدْ الشِّرَاءَ بِهَذِهِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَى بِغَيْرِهَا لَكِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِمَا ظَهَرَ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ ابْتَاعَ بِغَيْرِ مَا أَظْهَرَ إلَيْهِ، وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَا ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَجِيءَ أَكْثَرُ مِمَّا رَضِيَ بِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ فِي هَذَا قِيمَةً كَمَا فَعَلَ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَحَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا فَوْتٌ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ فَاتَتْ ضُرِبَ الرِّبْحُ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْمُشْتَرِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ فَدَفَعَ فِي ذَلِكَ عَرْضًا أَوْ بَاعَ بِعَرْضٍ فَدَفَعَ عَيْنًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إذَا بَيَّنَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى أَيُّهُمَا شَاءَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبِيعُ عَلَى عَرْضٍ بِصِفَةٍ أَوْ طَعَامٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَلَى قِيمَةٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَبِيعُ عَلَى عَرْضٍ، وَلَا طَعَامٍ مَوْصُوفٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ فِي الذِّمَّةِ طَعَامًا مُعَجَّلًا بِبَيْعٍ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عِنْدِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُ الْعَرْضُ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ الْبَائِعُ مُرَابَحَةً مِثْلَهُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى مَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَقٍّ قَدْ لَزِمَهُ، وَالشُّفْعَةُ حُجَّةٌ عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكِيلٍ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ بِقِيمَةٍ دُونَ مِثْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمُرَابَحَةِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى قِيمَةِ ثَوْبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ هَذِهِ السِّلْعَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ، وَقَالَ يَبِيعُ مُرَابَحَةً قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ ثُمَّ يَنْقُدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى شِرَاءِ الْبَائِعِ فَإِذَا نَقَدَ عَلَى غَيْرِ مَا عَقَدَ بِهِ فَلَمْ يَتِمَّ بَيْعُهُ إلَّا بِمَا نَقَدَ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَلَ لِلْمُشْتَرِي فَيَتَوَصَّلُ الْبَائِعُ إلَى عَيْنِهِ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ، وَقَدْ نَقَدَ غَيْرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَا عَقَدَ بِهِ أَفْضَلَ، وَحَابَى هُوَ فِيمَا نَقَدَ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْعِ الْمُكَايَسَةِ، وَالِاجْتِهَادُ دُونَ بَيْعِ الْمُحَابَاةِ فَإِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فَعَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَحَالَ بِالثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ بَاعَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمَنْ ابْتَاعَ بِأَجَلٍ فَبَاعَ مُرَابَحَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْبَيْعُ مَرْدُودٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ شَاءَ الْمُبْتَاعُ، وَهَذَا خِلَافُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يَفُتْ يُنْقَضُ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبَضَهَا بِلَا رِبْحٍ، وَهُوَ نَحْوُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا فَاتَتْ، وَزَادَ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنْ فَاتَتْ قُوِّمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنُ بِالنَّقْدِ فَإِنْ كَانَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْكَذِبِ لَهُ قِيمَتُهَا مَا لَمْ تُجَاوِزْ عَشَرَةً، وَرِبْحَهَا أَوْ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَرِبْحِهَا، وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ هَذَا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ لِلْبَائِعِ الرِّضَا بِالسِّلْعَةِ إنْ لَمْ تَفُتْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْمَغَارِبَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ الْقِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالنَّقْدِ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ، وَهَذَا يَنْحُو إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ غَيْرَ أَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ تَمْنَعُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ تَفُتْ بِنَقْصٍ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهَا. وَقَدْ حَلَّ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَغَارِبَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ سَوَاءٌ أَخَّرَ بَعْدَ الشِّرَاءِ النَّقْدَ أَوْ اشْتَرَى عَلَى التَّأْجِيلِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ لَمْ يَجْعَلْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَسْأَلَةِ الْكَذِبِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَى سِلَعًا فَبَاعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَكِيلَةٍ، وَلَا مَوْزُونَةٍ أَوْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَكِيلَةٍ أَوْ مَوْزُونَةٍ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلَانِ يَشْتَرِيَانِ الْبَزَّ فَيَقْسِمَانِهِ لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا شَمَلَهُمَا عَقْدُ بَيْعٍ فَلَا يَخْتَصُّ بَعْضُهَا بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ التَّقْوِيمِ، وَالتَّقْوِيمُ قَدْ تَدْخُلُهُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِيَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ بِهِ، وَقَدْ عَلَّلَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْمُبْتَاعِ أَنَّ الْجُمْلَةَ يَرْغَبُ فِيهَا فَيُزَادُ فِي ثَمَنِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جُلَّ صَفْقَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا بَقِيَ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى الثَّوْبَيْنِ بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمْته، وَهُوَ أَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ إنْ شَاءَ مَا لَمْ تَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ كَانَ الثَّوْبَانِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى صِفَةٍ، وَاحِدَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ إلَى تَقْوِيمٍ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصِّفَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ أَوْ اسْتَحَقَّ رَجَعَ بِمِثْلِهِ فَأَشْبَهَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمُعَيَّنَ لَا يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ مُرَابَحَةً دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَسَاوِي الثَّمَنِ فِي التَّقْسِيطِ مَعَ تَسَاوِي أَجْزَائِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الْمَكِيلَ فَيَجِدُ بِالْيَسِيرِ مِنْهُ عَيْبًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ، وَيُمْسِكَ السَّلَمَ إنْ شَاءَ ذَلِكَ الْبَائِعُ، وَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْأَكْثَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي الْكَثْرَةِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمُ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُرَابَحَةِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً يُتَجَوَّزُ لَهُ فِيهَا دِرْهَمٌ زَائِفٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ مَا نَقَدَ فِيهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ نَقْدَهُ مُعْتَبَرٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ كَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْقَدُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ أَحَدٌ الْأَمْرَيْنِ فَلِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وَهَبَهُ الْمُبْتَاعُ بَعْضَ الثَّمَنِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا وَهَبَهُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَضِيعَةً مِنْ الثَّمَنِ فَحَطَّ الْبَائِعُ ذَلِكَ عَنْ الْمُبْتَاعِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ فَإِنْ أَبَى الْبَائِعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهَا، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا وَهَبَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ لِأَجَلِ الْبَيْعِ مِثْلَ أَنْ يَهَبَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ أَوْ بِصِفَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ أَنْ يَحُطَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَعَلَى هَذَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً، وَلَا يُبَيِّنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْبَائِعَ مُرَابَحَةً يَحُطُّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ دِينَارًا، وَقَدْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِالْبَيْعِ أَوَّلَ يَوْمٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِائَةُ دِينَارٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ أَحَبَّ ضُرِبَ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى التِّسْعِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ فِي الَّذِي بَلَغَتْ سِلْعَتُهُ، وَفِي رَأْسِ مَالِهِ وَرِبْحِهِ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِينَارًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا حُطَّ عَلَى وَجْهِ الْوَضِيعَةِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَحُطُّهُ ذَلِكَ دُونَ مَا لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَقَالَ أَصْبَغُ بَلْ يَحُطُّهُ إيَّاهُ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْبَائِعَ مُرَابَحَةً إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرًا مَا فَإِنْ حَطَّ عَنْ الْمُبْتَاعِ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ مِنْ الرِّبْحِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ هِبَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إسْقَاطُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ مَا يُقَابِلُ الْهِبَةَ مِنْ الرِّبْحِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ لِأَجْلِ مَا وَضَعَ عَنْ الْمُبْتَاعِ لِلْهِبَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَحُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي إذَا حُطَّتْ عَنْهُ الْهِبَةُ كَمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْهِبَةُ. (ش) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ يُرِيدُ قَامَتْ عَلَيْهِ بِابْتِيَاعِ مُكَايَسَةٍ وَاجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ مَخْصُوصٌ بِمَا مَلَكَهُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ دُونَ مَا مَلَكَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَإِنْ مَلَكَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهَا رَجَاءً فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ فَبَاعَهَا بِثَلَاثِينَ فَأَقَالَ مِنْهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنْ أَقَالَك مِنْ سِلْعَتِهِ فَلَا بَيْعَ مُرَابَحَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْإِقَالَةِ حَتَّى تَبِينَ فَتَفْسِيرُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْإِقَالَةِ إنَّهَا نَقْضُ بَيْعٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهَا بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ مِنْ عُقُودِ الْمُكَارَمَةِ وَالْمُسَامَحَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مُرَابَحَةً مَا مُلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ مَخْصُوصٌ بِمَا مُلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَالْمُكَايَسَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِرِبْحِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِرِبْحِ دِرْهَمَيْنِ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً، وَلَا يُبَيِّنُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ ابْتِيَاعَهُ لِلسِّلْعَةِ بِرِبْحٍ مِنْ عُقُودِ الْمُكَايَسَةِ، وَهَذَا مِنْهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَبِيعَهَا بِرِبْحٍ ثُمَّ يَرَى إنْ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَجْهَ رِبْحٍ لِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فِي عَيْنِهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ الْوَاضِحَةِ إذَا أَقَالَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اشْتَرَاهَا بِرِبْحٍ فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ حَتَّى يُبَيِّنَ قَالَهُ مَالِكٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَبْضَعَ فِي سِلْعَةٍ اُشْتُرِيَتْ لَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَبِيعَ، وَلَا يُبَيِّنَ قَالَ سَحْنُونٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ رَضَاهُ بِمَا اشْتَرَى لَهُ حِينَ رَآهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ الْغِبْطَةِ، وَأَنَّهُ لَا غَبْنَ عَلَيْهِ فِيهَا أَوْ رَأَى الْغَبْنَ فِيهَا، وَرَضِيَهَا لِغَرَضٍ لَهُ فِيهَا فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لَا غَبْنَ عَلَيْهِ فِيهَا وَرَضِيَهَا فَهُوَ كَشِرَائِهِ لَهَا لَا يَبِيعُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى مَنْ تَوَلَّى شِرَاءَهَا وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ إنَّمَا رَضِيت بِاجْتِهَادِك وَمَيْزِك فَلَا أَرْضَى بِمَا تَنَاوَلَ غَيْرَك شِرَاءَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي يَبِيعُ سِلْعَةً مُرَابَحَةً قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ غَلِطَ، وَظَنَّ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ فَبَاعَ بِذَلِكَ ثُمَّ جَاءَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ قَالَ قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ ثُمَّ جَاءَ الْمُبْتَاعَ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِتِسْعِينَ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ وَرَدَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ السِّلْعَةُ أَوْ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَ فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَيَلْزَمَ ذَلِكَ الْبَائِعَ أَوْ يَرُدَّهَا فَيَلْزَمَ ذَلِكَ الْبَائِعَ، وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَقُولَ آخُذُهَا بِتِسْعِينَ وَرِبْحَهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ بَاعَ رَجُلٌ سِلْعَةً مُرَابَحَةً فَقَالَ قَامَتْ عَلِيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ جَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَامَتْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا خُيِّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى حِسَابِ مَا رَبِحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ السِّلَعَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ رَبُّ السِّلْعَةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَاءَ رَبُّ السِّلْعَةِ يَطْلُبُ الْفَضْلَ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنْ يَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ، وَهِيَ لَمْ تَبْلُغْ مِنْهُ بِذَلِكَ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعَ بِالتِّسْعِينَ وَرِبْحِهَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَأَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالتَّخْيِيرِ قَالَ سَحْنُونٌ إنْ لَمْ تَفُتْ بَدَأَ الْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحْبِسَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَإِنْ رَدَّ خُيِّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَحُطَّ الْكَذِبَ، وَرِبْحَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعَيْبِ يَجِدُهُ الْمُبْتَاعُ فَيَحُطُّ عَنْهُ قِيمَتَهُ الْبَائِعُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ أَنَّ الْعَيْبَ قَائِمٌ بَعْدَ الْحَطِيطَةِ، وَلَا يَبْقَى بَعْدَ حَطِيطَةِ الْكَذِبِ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ السِّلْعَةِ، وَيَصِيرُ كَالْعَيْبِ يَذْهَبُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ خُيِّرَ الْبَائِعُ فَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهَا مِنْهُ، وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قِيمَتُهَا يَوْمَ بَاعَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَوْمَ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَاعَى الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّمَا حَمَلَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ هُوَ يَوْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَأْوِيلِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ ضَمَانَ السِّلْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْبَائِعِ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَهُوَ يُرَجِّحُ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ وَتَأْوِيلِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي تَبَيَّنَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ مُرَاعًى، وَأَنَّ يَوْمَ الْقَبْضِ هُوَ يَوْمُ الْعَقْدِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ فِي مَسْأَلَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فِيمَنْ اطَّلَعَ عَلَى سِلْعَةٍ بَاعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى زِيَادَةٍ فِي ثَمَنِهَا قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ بِمِثْلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَوَجْهٌ وَاضِحٌ، وَإِذَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْعٌ يَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ عَقْدٌ عَرَا عَنْ الْفَسَادِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِيَوْمِ الْعَقْدِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ الصَّحِيحَةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَبِمَاذَا تَفُوتُ السِّلْعَةُ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهَا تَفُوتُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ طَرْدَ مَذْهَبِهِ فِي تَشْبِيهِ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فَظَاهِرُهَا أَنَّهَا مِنْ الْبُيُوعِ الصَّحِيحَةِ فَلَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ خُيِّرَ الْبَائِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مَا سَمِعَ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي الْأَسْمَاءِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فَوَاتَ السِّلْعَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ ابْتَاعَ أَوْ تَذْهَبُ مِنْ يَدِهِ أَوْ يَزِيدُ فِي بَدَنِهَا أَوْ تَنْقُصُ قِيلَ لَهُ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ قَالَ هُوَ فَوَاتٌ أَيْضًا فَنَصَّ أَوَّلًا عَلَى تَغْيِيرِ الْعَيْنِ وَفَوَاتِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَلْحَقَهُ بِمَا تَقَدَّمَ. (ش) : قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً مُرَابَحَةً عَلَى أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ ثُمَّ جَاءَهُ الْعِلْمُ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي رَدَّ الْجَارِيَةِ أَوْ يُضْرَبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ تَبَيَّنَ غَلَطُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ

[البيع على البرنامج]

(الْبَيْعُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقَوْمِ يَشْتَرُونَ السِّلْعَةَ الْبَزَّ وَالرَّقِيقَ فَيَسْمَعُ بِهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ الْبَزُّ الَّذِي اشْتَرَيْت مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَتْنِي صِفَتُهُ، وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَك أَنْ أُرْبِحَك فِي نَصِيبِك كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُرْبِحُهُ، وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ مَكَانَهُ فَإِذَا نَظَرَ إلَيْهِ رَآهُ قَبِيحًا، وَاسْتَغْلَاهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إذَا كَانَ ابْتَاعَهُ عَلَى بَرْنَامَجٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQسِلْعَتِهِ قَائِمَةً، وَلَا يَلْزَمُ الْمُبْتَاعُ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَمْ يَرْضَ بِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَاتَتْ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْبَائِعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ يُرِيدُ الْمِائَةَ وَعِشْرِينَ عَلَى حِسَابِ مَا رَبِحَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمِائَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ رَبُّ السِّلْعَةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا أَتَى بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ تَخْيِيرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى النَّدْبِ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَبْلُغَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي ظَهَرَ وَرِبْحَهُ، وَلَا يُنْقِصُهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعْنَى لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَ الْبَائِعَ الْقِيمَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَهِيَ عَشَرَةٌ وَمِائَةٌ فَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ أَوْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضَرْبِ الرِّبْحِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السِّلْعَةَ لَمَّا فَاتَتْ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا عَقْدٌ سَالِمٌ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ دُونَ الْفَوَاتِ كَانَ بَدَلَ تِلْكَ السِّلْعَةِ قِيمَتُهَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنْ قَصُرَتْ الْقِيمَةُ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ رِبْحِهِ فَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ قَدْ كَانَ رَضِيَ بِهِ دُونَ أَنْ يَظْهَرَ مَا ظَهَرَ مِنْ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ظَهَرَ وَرِبْحِهِ فَلَا حُجَّةَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَضِيَ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنَهُ فَإِنْ أَعْطَى الثَّمَنَ الَّذِي ظَهَرَ وَرِبْحَهُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقُولُ لَمْ أَكُنْ أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِقِيمَتِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَغَلِطَ الْبَائِعُ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَلَبِسَهُ حَتَّى أَبْلَاهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْعُتْبِيَّةِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ قَطَعَهُ الْمُبْتَاعُ فَهُوَ لَهُ بِثَوْبِهِ، وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَقْطُوعًا دُونَ غُرْمِ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ رَسُولُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَلَمْ أُرِدْ ثَوْبًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْمُرَابَحَةِ، وَمَسْأَلَةُ الْعُتْبِيَّةِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ عَلِيٍّ إنَّمَا هِيَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ، وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ فِي مَسْأَلَةِ مُسَاوَمَةٍ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ إنَّمَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِينَارًا فَإِذَا فَاتَ عِنْدَهُ الثَّوْبُ بِلُبْسٍ أَوْ قَطْعٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إلَى الْقِيمَةِ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَرِبْحِهِ فَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ أَوْ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي ظَهَرَ آخِرًا أَوْ رِبْحِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْصَى مَطْلَبِ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الَّذِي بَاعَ مُسَاوَمَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى اشْتِرَاطِ رِبْحٍ وَلَا نَجَاةٍ عَنْ خَسَارَةٍ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي نِصْفَ الْعَبْدِ بِمِائَةٍ، وَيَشْتَرِي رَجُلٌ آخَرُ نِصْفَهُ الْآخِرِ بِمِائَتَيْنِ، وَيَبِيعَانِهِ مُرَابَحَةً فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ ثُلُثَ الثَّمَنِ، وَلِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ ثُلُثَيْ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَاعَا مُسَاوَمَةً لَكَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فِي مَاذَا يَثْبُتُ بِمَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِقَوْمٍ حَضَرُوا شِرَاءَهُ، وَأَمْرٍ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ، وَالثَّوْبُ حَاضِرٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يَرَى مِنْ حَالِ الثَّوْبِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنَّهُ يُشْبِهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا دَفَعَهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْبَيْعُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقَدَّمُ لَهُ أَصْنَافٌ مِنْ الْبَزِّ، وَيَحْضُرُهُ السَّوَامُّ، وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ بَرْنَامَجَه، وَيَقُولُ فِي كُلِّ عِدْلِ كَذَا وَكَذَا مِلْحَفَةٌ بَصْرِيَّةٌ وَكَذَا وَكَذَا رَيْطَةً سَابِرِيَّةً ذَرْعُهَا كَذَا وَكَذَا، وَيُسَمِّي لَهُمْ أَصْنَافًا مِنْ الْبَزِّ بِأَجْنَاسِهِ وَيَقُولُ اشْتَرُوا مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَيَشْتَرُونَ الْأَعْدَالَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ ثُمَّ يَفْتَحُونَهَا فَيَسْتَغِلُّونَهَا وَيَنْدَمُونَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ الَّذِي بَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ مُوَافِقًا لِلْبَرْنَامَجِ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْمِ يَشْتَرُونَ الْبَزَّ وَالرَّقِيقَ فَيَبِيعُهُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الرَّقِيقَ غُيِّبَ غَيْبَةً بَعِيدَةً يَشُقُّ عَلَى الْمُبْتَاعِ غَالِبًا التَّوَجُّهُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِمْ مُمْكِنٌ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَلَا يَنُوبُ عَنْهَا الْوَصْفُ، وَإِنَّمَا يَنُوبُ عَنْهَا إذَا كَانَ يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا مَانِعٌ مِنْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ تَغَيُّرِ طَيٍّ وَشَدٍّ يَلْحَقُ فِيهِ مُؤْنَةٌ وَنَفَقَةٌ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ نَضَارَةِ الثَّوْبِ وَهَيْئَتِهِ الَّتِي تَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عِنْدَهُ فِي الدَّارِ حَاضِرَةً عَلَى الصِّفَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَيْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا مَضَرَّةٌ، وَشَرَطَا تَرْكَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَهُ الْبَائِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الثِّيَابُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً مَشْدُودَةً فِي أَعْدَالِهَا بِحَيْثُ يَشُقُّ حَلُّهَا، وَيُحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي رَدِّهَا إلَى شِدَادِهَا مَعَ مَا يَلْحَقُهَا فِي الْحَمْلِ وَالشَّدِّ وَتَكْرَارِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُشْتَرٍ يُرِيدُ رُؤْيَتَهَا مِنْ الِابْتِذَالِ لَهَا، وَالْإِذْهَابِ لِكَثِيرٍ مِنْ حُسْنِهَا، وَلَا بُدَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِنْ تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ. وَرُوِيَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عَيْنٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ عَلَى الصِّفَةِ فَجَازَ فِي الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ أَصْلُهُ السَّلَمُ الْمَضْمُونُ فِي الذِّمَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ عَلَى الصِّفَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّهُ، وَإِنْ اسْتَغَلُّوهُ إذَا فَتَحُوا الْمَتَاعَ مَا وَجَدُوهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَتَاعَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ عَلَى صِفَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَصْلُ ذَلِكَ السَّلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ الْمَتَاعَ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ قَدْ بَلَغَنِي صِفَتُهُ وَأَمْرُهُ فَهَلْ لَك أَنْ أُرْبِحَك لَفْظٌ فِيهِ اخْتِصَارٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ، وَأَمَّا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَدَّعِيَ مِنْ الصِّفَةِ إذَا نَظَرَ إلَى الْمَتَاعِ مَا شَاءَ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ عَلَى صِفَةِ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ شَرِيكًا لِلْقَوْمِ مَكَانَهُ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً شُرَكَاءَ اشْتَرَكُوا فِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ فَبَاعَ مِنْهُمْ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ فَصَارَ الْمُبْتَاعُ شَرِيكًا لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ بِحِصَّةِ مَنْ بَاعَ مِنْهُ، وَيَكُونُ هَذَا حُكْمُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ فَتْحِ الْمَتَاعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا نَظَرُوا إلَيْهِ فَرَأَوْهُ قَبِيحًا، وَاسْتَغَلُّوهُ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُمْ دُونَ خِيَارٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ مَعَ مُوَافَقَةِ الْبَرْنَامَجِ مِنْ أَقْبَحِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْبَرْنَامَجُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى هَذَا دَخَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ كُلُّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَإِنَّ الصِّفَاتِ قَدْ تَتَّفِقُ، وَيَكُونُ بَعْضُهَا أَمْثَلَ مِنْ بَعْضٍ، وَمِثْلُ هَذَا يَعْتَرِي الْمَرْئِيَّ فَقَدْ يَرَى الْمَتَاعَ فَيَحْسُنُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فَيَقْبُحُ عِنْدَهُ، وَلَا يُثْبِتُ ذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ خِيَارًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : هَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ قَدِمَ بِأَصْنَافٍ مِنْ الْبَزِّ فَيَقْرَأُ بَرْنَامَجَهُ عَلَى السَّوَامِّ، وَيَذْكُرُ عَدَدَ مَا فِي كُلِّ عَدْلٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَأَجْنَاسِهَا وَذَرْعِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ

[بيع الخيار]

(بَيْعُ الْخِيَارِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ، وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا بَيْعَيْنِ تَبَايَعَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَوْعِهَا وَثَمَنِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ الثَّمَنِ مَا يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ مِنْ الصِّفَاتِ فِي السَّلَمِ فَإِنْ وَافَقَ الْمَتَاعُ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ أَنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَاتِ كُلُّ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهَا وَتَتَفَاوَتُ الْأَثْمَانُ لِأَجْلِهَا، وَتَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِي الْعَيْنِ، وَتَكْثُرُ بِحَسَبِ عَدَمِهَا وَوُجُودِهَا، وَهُوَ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَقُولُ اشْتَرُوهُ مِنِّي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ فَأَمَّا إنْ بَاعَهُ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِ الْمُرَابَحَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ، وَهَذَا تَدْخُلُهُ الْخَدِيعَةُ. [بَيْعُ الْخِيَارِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَسَاوِمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنَّمَا يُوصَفَانِ بِذَلِكَ حَقِيقَةً حِينَ مُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ، وَمُحَاوَلَتِهِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِالْقَوْلِ، وَمَعْنَى تَفَرُّقِهِمَا عَلَى هَذَا كَمَالُ الْبَيْعِ بِإِتْمَامِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ تَفَرُّقَهُمَا قَدْ حَصَلَ بِأَنْ اسْتَبَدَّ الْمُبْتَاعُ بِمَا ابْتَاعَهُ، وَالْبَائِعُ بِثَمَنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّفَرُّقُ بِالِانْحِيَازِ إلَى الْمَعَانِي وَالتَّبَايُنِ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَفَرُّقَهُمْ فِي الْأَدْيَانِ وَمُبَايَنَةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَسَاوِمَيْنِ لَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يُكْمِلَا الْبَيْعَ قَالَ بِهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا مَنْ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا التَّبَايُعُ، وَانْقَضَى بَيْنَهُمَا بِإِتْمَامِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَأَنَّهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُوصَفَانِ بِأَنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ، وَإِنَّمَا يُوصَفَانِ بِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِمَانِ، وَمَعْنَى مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِالْأَبْدَانِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَنْ يَزُولَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَيُفَارِقُهُ بِذَاتِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالنِّكَاحِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» يَقْتَضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى تَأْوِيلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ عَلَى صَاحِبِهِ مُدَّةً مُقَرَّرَةٍ يَثْبُتُ مِثْلُهَا فِي الْمَبِيعِ، وَلَا يُقَدَّرُ الْخِيَارُ بِمُدَّةٍ فَيَقْضِي فِيهَا بِالْوَاجِبِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ إنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ إلَّا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حُكْمُ الْبُيُوعِ اللُّزُومُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إلَّا الْبَيْعَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِيَارُ فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ عَلَى حَسَبِ مَا شُرِطَ، وَمَعْنَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ أَوْ الرَّدَّ فَيَخْتَارَ فَيَنْقَطِعَ بِذَلِكَ الْخِيَارِ وَيَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارِ إلَّا أَنْ يُوقَفَ عَلَى قَطْعِ الْخِيَارِ بَعْدَهُ، وَاللَّفْظُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِيهِ لَا قَطْعُهُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ أَجِزْ أَوْ رُدَّ لَا يَجِبُ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ الْبَيْعُ بِأَنَّهُ بَيْعُ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْخِيَارِ إنَّمَا يَطْرَأُ بَعْدَ كَمَالِ الْعَقْدِ، وَعَلَى تَأْوِيلِ مَالِكٍ يُوصَفُ بَيْعُهُمَا بِأَنَّهُ بَيْعُ خِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَطٌ فِيهِ، وَمُنْعَقِدٌ عَلَى حُكْمِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ثَابِتَةٌ فِي الشَّرْطِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَقْصُرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا خِيَارٌ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرَّدُّ فَلَمْ يَقْصُرْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْخِيَارُ بِالْبَيْعِ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُدَّةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَالِاخْتِيَارِ لَهُ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ مَعَ تَسَرُّعِ اسْتِحَالَةِ الْمَبِيعِ، وَإِبْطَاءِ ذَلِكَ فِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ فِي الدَّارِ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ، وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ مِنْ النَّظَرِ إلَى حِيطَانِهَا وَأُسُسِهَا وَمَرَافِقِهَا وَاخْتِبَارِ جِيرَانِهَا وَمَكَانِهَا إلَى مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُهْلَةِ مَعَ كَوْنِهَا مَأْمُونَةً لَا تُسْرِعُ إلَيْهَا الِاسْتِحَالَةُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْخَمْسَةُ الْأَيَّامُ وَالْجُمُعَةُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْأَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَالْخَمْسَةُ، وَلَا أَفْسَخُهُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَفْسَخُهُ فِي الشَّهْرِ، وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعَبْدِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ فِي الشَّهْرِ، وَأَبَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَجْهُ إجَازَتِهِ فِي الشَّهْرِ أَنَّ الرَّقِيقَ ذُو مَيْزٍ، وَرُبَّمَا سَتَرَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْعُيُوبِ الَّتِي تُزْهَدُ فِيهِ، وَيُسْتَعْمَلُ مَا يُرْغَبُ فِيهِ مُدَّةً فَيَجِبُ أَنْ يُسْرِعَ فِيهِ مِنْ مُدَّةِ الشَّرْطِ مَا لَا يَكَادُ أَنْ يُسْتَرَ فِيهِ أَمْرُهُ غَالِبًا، وَإِنْ رَامَ سِتْرَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الِاخْتِبَارِ الْمُدَّةُ إلَّا أَنَّ التَّغَيُّرَ يُسْرِعُ إلَيْهِ فَمَنَعَ ذَلِكَ طَوِيلُ الْمُدَّةِ، وَالشَّهْرُ مُدَّةٌ يَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَرْكَبُ الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ السَّيْرَ عَلَيْهَا الْبَرِيدَ وَالْبَرِيدَيْنِ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّقِيقِ أَنَّهَا لَا تُمَيَّزُ فَتُكْتَمُ أَخْلَاقُهَا وَأَحْوَالُهَا فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ يُخْتَبَرُ حُسْنُ أَخْلَاقِهَا وَسَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ رُكُوبَ الدَّابَّةِ الْيَوْمَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى حَسَبِ مَا يَرْكَبُ النَّاسُ فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ وَسَيْرِ الْبَرِيدِ وَالْبَرِيدَيْنِ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ تَفَاسِيرَهَا، وَصَبْرَهَا فِي حَالِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ تُضَافَ إلَى ذَلِكَ اللَّيْلَةُ لِيَخْتَبِرَ أَكْلَهَا وَحَالَهَا فِي وُقُوفِهَا وَوَضْعِ آلَتِهَا عَلَيْهَا وَنَزْعِهَا عَنْهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنَّمَا يُسْرِعُ التَّغَيُّرُ إلَيْهَا، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ الْخِيَارُ فِي الدَّابَّةِ الْيَوْمَ وَالثَّلَاثَةَ كَالثَّوْبِ مِنْ غَيْرِ رُكُوبٍ، وَإِنَّمَا شَرَطَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْيَوْمَ لِلرُّكُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الثَّوْبُ فَفِي الْوَاضِحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْيَوْمَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، وَلَمْ يَضِقْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِبَاسُ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَرَطَ اسْتِخْدَامَ الرَّقِيقِ، وَرُكُوبَ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ اخْتِبَارَ الرَّقِيقِ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالتَّصَرُّفِ وَاخْتِبَارِ الدَّابَّةِ بِالرُّكُوبِ، وَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَا يُخْتَبَرُ بِاللِّبَاسِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ مِنْهُ قَدْرُ مَا يُعْرَفُ بِهِ طُولُهُ أَوْ قِصَرُهُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْفَاكِهَةُ كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْتَشِيرُونَ فِي مِثْلِ هَذَا فَفِيهِ مِنْ الْخِيَارِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا فِيمَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ فَأَمَّا مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ فَلَا يَغِيبُ الْمُشْتَرِي عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغِيبُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ غَيْرَهُ مَكَانَهُ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَارَةً سَلَفًا أَنَّ رَدَّهُ تَارَةً بَيْعًا إنْ أَبَى رَدَّهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْخِيَارُ فِي السَّلَمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِيهِ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَالثَّلَاثَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لِمَعْنَى السُّؤَالِ وَالْمَشُورَةِ مَعَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ تَغَيُّرٌ فَصَارَ كَالثَّوْبِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ كَثِيرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ دُونَ كَثِيرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ، وَلَمْ يُقَرِّرْ الْمُدَّةَ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ، وَحُكِمَ فِي ذَلِكَ بِمِقْدَارِ مَا تُخْتَبَرُ بِهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَهُ قَدْرٌ فِي الشَّرْعِ، وَذَلِكَ قَدْرُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِذَا أَخَلَّا بِذِكْرِهِ فَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْمَعْرُوفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ لَوْ زَادَا عَلَيْهِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا مَا زَادَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا شَرَطَا مِنْ مُدَّةِ الْخِيَارِ مَا لَا يَجُوزُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ أُجِّلَ لِمَا يَجُوزُ لَهُ الْخِيَارُ تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا، وَلَا تَفُوتُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ تَبَاعَدَ أَجَلُ الْخِيَارِ الْمُشْتَرَطِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْقَضَى وَمَضَى بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَالْبِنَاءُ فَوْتٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ خُرُوجِ وَقْتِ الْخِيَارِ، وَرَوَى ذَلِكَ الْعُتْبِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ بِنَاءَ الْمُبْتَاعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَالْخِيَارُ لِغَيْرِهِ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْخِيَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَبَنَى لَعُدَّ ذَلِكَ مِنْهُ إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَنَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَذَلِكَ فَوْتٌ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ابْتَاعَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَإِنَّ مُصِيبَتَهُ مِنْ الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَتِمُّ فِيهَا بَيْعٌ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا تَلِفَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً، وَشَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَرِوَايَةُ الْعُتْبِيِّ عَنْهُ أَحْسَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْعُتْبِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ السِّلْعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَلَمْ يَكُنْ نَمَاؤُهَا وَنُقْصَانُهَا لَهُ فَلَا تَفُوتُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ، وَلَا يَضْمَنُ ضَيَاعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهَا بِذَلِكَ فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَقَدْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَتَفُوتُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَيَكُونُ ضَمَانُهَا مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ قَبَضَهَا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ فَهُوَ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ إلَى خَمْسِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ إنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إلَى مَا يَجُوزُ فِيهِ الْخِيَارُ، وَيَشْتَرِطُ النَّقْدُ فَقَالَ فِي هَذَا ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ أَجَلِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ هَاهُنَا صَحِيحٌ لَمْ يَفْسُدْ بِهِ الْعَقْدُ. 1 - (فَرْعٌ) ، وَمَا حَدَثَ بِالْمَبِيعِ مِنْ نَمَاءٍ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَالْوَلَدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْوَلَدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ لِلْبَائِعِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا كَالسَّمْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ كَالْمَالِ يُوهَبُ لِلْعَبْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لِلْبَائِعِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، وَاتَّفَقَا عَلَى جَمْعِهِمَا فِي مِلْكٍ، وَإِلَّا نُقِضَ الْبَيْعُ، وَمَنْ اشْتَرَى عَشْرَ جِوَارٍ مِنْ مِائَةٍ يَخْتَارُهُنَّ فَلَمْ يَخْتَرْ حَتَّى وَضَعْنَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْأُمَّهَاتِ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِ التَّفْرِقَةِ، وَقِيلَ لَا يُفْسَخُ، وَالْوَلَدُ لِلْبَائِعِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكٍ أَوْ يَبِيعَانِ، وَهَذَا مُوَافَقَةٌ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَشْهَبَ، وَكَانَ يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ يَخْتَارُ الْأُمَّهَاتِ، وَتَكُونُ أَوْلَادُ مَا اخْتَارَ مَعَهَا بِمَنْزِلَةِ سَمْنِ أَجْسَامِهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ اشْتَرَى عَشَرَ شِيَاهٍ مِنْ مِائَةٍ يَخْتَارُهَا فَوَلَدَتْ إنَّهُ يَخْتَارُ الْأُمَّهَاتِ دُونَ الْأَوْلَادِ قَالَ أَشْهَبُ، وَقَدْ وُضِعَتْ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا إنْ اخْتَارَ الْبَيْعَ، وَتَارَةً يَكُونُ سَلَفًا إنْ رَدَّ الْبَيْعَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ السَّلَفُ لِلتَّخْيِيرِ فِي بَيْعٍ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مِنْ عُقُودِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي تَبْطُلُ الْمُعَاوَضَةُ إذَا قَارَنَتْهَا كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَفِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا سَحْنُونٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَرْعٌ) فَإِنْ عَجَّلَ النَّقْدَ عَلَى الطَّوْعِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْعَقْدِ جَازَ إلَّا فِي السَّلَمِ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَجْهُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَطَوَّعَ بِالنَّقْدِ فِيهِ ثُمَّ أَرَادَ الْإِجَازَةَ فُسِخَ الثَّمَنُ الَّذِي تَطَوَّعَ بِنَقْدِهِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ فِي بَيْعٍ مُعَيَّنٍ، وَتَطَوَّعَ بِتَعْجِيلِ النَّقْدِ صُرِفَ الثَّمَنُ الَّذِي تَبَرَّعَ بِتَقْدِيمِهِ فِي عَيْنٍ يَتَعَجَّلُ قَبْضَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِمَّا يَكُونُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إجَازَةٌ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَنْ يَهَبَ مَا اشْتَرَاهُ بِالْخِيَارِ أَوْ تَكُونَ جَارِيَةٌ فَيُدَبِّرَهَا أَوْ يُكَاتِبَهَا أَوْ يُؤَجِّرَهَا أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا أَوْ يَطَؤُهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ إجَازَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُهُ فَكَانَ فِعْلُهُ لَهُ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ تَمَلُّكًا كَانْتِزَاعِ مَالِ عَبْدِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا جَرَّدَ الْجَارِيَةَ لِيَنْظُرَ إلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارٍ إلَّا أَنْ يُجَرِّدَهَا مُتَلَذِّذًا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا فَذَلِكَ رِضًا بِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ وَإِنَّمَا خَالَفَ أَشْهَبُ ابْنَ الْقَاسِمِ فِي تَزْوِيجِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فَهُوَ رِضًا عِنْدَهُمَا. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ رَهَنَ الْعَبْدَ أَوْ أَجَرَهُ أَوْ زَوَّجَهُ أَوْ أَسْلَمَهُ إلَى خَبَّازٍ أَوْ طَبَّاخٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ سَاوَمَ بِهِ لَكَانَ اخْتِيَارًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قُطْع يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ ضَرَّ بِهِ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا فَإِنْ فَعَلَهُ خَطَأً رَدَّ مَعَهُ مَا نَقَصَهُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي غَيْرِهَا، وَيَحْلِفُ إنْ اُتُّهِمَ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَكُونُ الْإِجَارَةُ وَلَا الرَّهْنُ وَلَا السَّوْمُ بِهَا وَلَا الْجِنَايَاتُ وَلَا إسْلَامُهُ إلَى الصِّنَاعَاتِ، وَلَا تَزْوِيجُهُ الْعَبْدَ إجَازَةً مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَتَزْوِيجِ الْعَبْدِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْهُ هَذَا رِضًا بِالْعَبْدِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَعَانٍ لَا يَفْعَلُهَا الْإِنْسَانُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ إلَّا فِيمَنْ تَمَلَّكَهُ فَلَا يُحْمَلُ أَمْرُهُ عَلَى التَّعَدِّي بَلْ عَلَى عَمَلِ مَا لَهُ فِعْلُهُ، وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ فَمِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، وَمِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ كَالْمُسَاوَمَةِ وَتَسْلِيمِهِ فِي الصِّنَاعَاتِ لِيَخْتَبِرَ قَبُولَهُ لَهَا وَنَفَاذَهُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ عَلَى أَنَّهُ أَمْضَى الْبَيْعَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ لِاخْتِيَارِ الْمَبِيعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ قَطَعَ ذَنَبَهَا الْمُبْتَاعُ أَوْ وَدَجَهَا أَوْ غَرَّ بِهَا أَوْ سَافَرَ بِهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ إجَازَةٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ وَلَوْ رَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ رَكِبْتهَا لِأَخْتَبِرَهَا، وَلِذَلِكَ شَرَطَ الْخِيَارَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ السِّلْعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَخْتَارَ فَإِنْ بَاعَ فَلَيْسَ بَيْعُهُ اخْتِيَارًا أَوْ لِرَبِّ السِّلْعَةِ أَنْ يُجِيزَ فَيَأْخُذَ الثَّمَنَ أَوْ يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ إنْ قَالَ بِعْته بَعْدَ الرِّضَا صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ بِعْته قَبْلَ أَنْ أَرْضَى فَالرِّبْحُ لِلْبَائِعِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ رِضًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْهُ بِالرِّبْحِ الَّذِي بَاعَ بِهِ فَيَقُولُ إنَّهُ لِي؛ لِأَنَّك بِعْتَ قَبْلَ الرِّضَا فَالرِّبْحُ لِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْبَائِعُ يُنْكِرُ الرِّضَا، وَيُرِيدُ الرَّدَّ، وَفِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الْبَائِعُ يَدَّعِي رِضَاهُ بِالْبَيْعِ، وَيَمْنَعُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِلْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ إنَّ الرِّضَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِالْمُسَاوَمَةِ، وَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَجَمَ الْعَبْدَ أَوْ حَلَقَهُ عَلَى الْمِشْطِ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ مَنْ يُخَضِّبُ يَدَ الْجَارِيَةِ أَوْ يُضَفِّرُ رَأْسَهَا بِالْغَاسُولِ إلَّا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ الْجَارِيَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يَكُونُ رِضًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُبْتَاعِ أَوْ لَهُمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْتَقِلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مُرَاعَاةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ أَبِيعُك عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلَانًا فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَرِهَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلَانًا إنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ إنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إيجَابٌ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ فَلَمْ يَنْتَقِلْ بِهِ الْمِلْكُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِيجَابُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقَبُولِ بَعْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بِيَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ مِنْهُ، وَإِنْ هَلَكَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِ الْمُبْتَاعِ لَقَدْ ذَهَبَ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ فَأَشْبَهَ الرَّهْنَ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا يَضْمَنُ فِي الْوَاضِحَةِ يَضْمَنُ بِالثَّمَنِ دُونَ الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ، وَيَدَّعِيَ ضَيَاعَهُ لِيَأْخُذَ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ كَانَ بَائِعُهُ لَا يُبِيحُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ إلَيْهِ بِقِيمَةٍ إلَّا بِمَا شَرَطَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَتَى قَبَضَهُ عَلَى ثَمَنٍ يَصِحُّ ضَمِنَهُ بِهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ عَلَى غَيْرِ ثَمَنٍ لَمْ يَضْمَنْهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : خِيَارُ الشَّرْطِ مَوْرُوثٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمَوْرُوثٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] ، وَهَذَا الْحَقُّ مِمَّا تَرَكَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْوَارِثِ، وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا خِيَارٌ ثَبَتَ لِإِصْلَاحِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَارِثِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ إبْطَالُ خِيَارِهِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ نَظَرَ السُّلْطَانُ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ ضَرَرٌ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ لَهُ الْإِجَازَةُ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَرُدَّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ، وَرَدَّ الْبَيْعَ فَيَقَعُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَلَا النَّظَرُ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ لِقُرْبِ مَا يُرْجَى مِنْ إفَاقَتِهِ، وَإِنَّمَا الْحَجَرُ عَلَى مَنْ يَطُولُ أَمْرُهُ، وَيَبْعُدُ وَقْتُ إفَاقَتِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي يَخَافُ فِيهَا ضَيَاعَ مَالِهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ النَّظَرُ كَانَ السُّلْطَانُ هُوَ الْقَائِمَ عَنْهُ، وَالْآخِذُ لَهُ بِمَالِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ لِنَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا أَرَادَ مِنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يَفْسَخَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْآخَرُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُفْتَقَرْ حَالَ الْعَقْدِ إلَى رِضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ إلَى حُضُورِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَخْتَرْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَمِنْ الْغَدِ، وَقُرْبِ ذَلِكَ فَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا قَالَ مَالِكٌ أَرَأَيْت أَنَّ مَنْ مَرِضَ أَوْ حُبِسَ أَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ إذَا مَضَتْ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيِهَا فَلَا رَدَّ لَهُ فَإِنْ رَدَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا فَذَلِكَ لَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ فِي تَحْدِيدِ وَقْتِ الْخِيَارِ نَوْعًا مِنْ الْغَرَرِ فَقَدْ يَعُوقُ الْعَائِقُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ الِالْتِزَامِ أَوْ الرَّدِّ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَمَا أَثَّرَ الْغَرَرُ فِي الْبَيْعِ كَانَ مَمْنُوعًا، وَلِذَلِكَ مُنِعَ فِي السَّلَمِ أَنْ يُرِيَهُ حِنْطَةً، وَيُسْلِمَ إلَيْهِ فِي مِثْلِهَا، وَمَنْ جَوَّزَهُ لَمْ يُلْزِمْ السَّلَمَ إلَيْهِ إلَّا مَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا لِتَعَذُّرِ وُجُودِ مِثْلِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ اشْتِرَاطَ الْمَدَدِ يَقْتَضِي تَوْقِيتَهَا، وَالْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا كَأَجَلِ الدَّيْنِ، وَعُهْدَةِ الثَّلَاثِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِهِ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَالسِّلْعَةُ بِيَدِهِ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهَا فَالسِّلْعَةُ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إمْضَاءُ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي لَنَفَذَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرَّدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا عَلَى حَسَبِ هَذَا يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتهَا مِنْك بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ إنْ شِئْت فَأَعْطِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ، وَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ بِاَللَّهِ مَا بِعْت سِلْعَتَك إلَّا بِمَا قُلْت فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهَا إلَّا بِمَا قُلْت فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَائِعَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَشُورَةَ فُلَانٍ وَخِيَارَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُبْتَاعُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَحَدِ وَجْهَيْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ لِتَأَمُّلِ الْمَبِيعِ وَاخْتِبَارِهِ، وَقَدْ يَكُونُ هُوَ مِمَّنْ لَا يُبْصِرُ فَيَشْتَرِطُ خِيَارَ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ هُوَ يُبْصِرُ، وَيَشْتَرِطُ اسْتِعَانَتَهُ بِهِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرَطُ مَشُورَتَهُ، وَاخْتِيَارَهُ حَاضِرًا أَوْ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَشْتَرِي عَلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ قَبْضَهُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا بَاعَ الْبَائِعُ وَاشْتَرَطَ مَشُورَةَ فُلَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَرُدَّهُ قِبَل نَظَرِ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَمَنْ خَلَعَ وَكَالَةَ وَكِيلٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ عَلَى أَنْ يَسْتَأْمِرَ فُلَانًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ هَذَا، وَقَوْلُهُ كَمَنْ خَلَعَ وَكَالَةَ وَكِيلٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْمَارَ لَيْسَ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ وَالتَّسْلِيطِ عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْمُشَاوِرَةِ وَالِاسْتِئْمَارِ اسْتِعْلَامُ رَأْيِ الْمُشِيرِ، وَمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ لِلْمُسْتَشِيرِ بِمُوَافَقَتِهِ لَهُ أَوْ مُخَالَفَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْوَكِيلَ الَّذِي فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَمَلُ خَلَعَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يُفَوَّضْ لَهُ شَيْءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ شَرَطَ الْبَائِعُ خِيَارَ أَجْنَبِيٍّ فَقَدْ سَوَّى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ بَيْنَ الْمَشُورَةِ وَالْخِيَارِ، وَقَالَ إنَّ لِمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْأَخْذَ أَوْ الرَّدَّ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَلَا رَدَّ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا بِرَأْيِ مَنْ اشْتَرَطَ خِيَارَهُ أَوْ مَشُورَتَهُ كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ، وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الَّذِي يَبِيعُ السِّلْعَةَ، وَيَسْتَثْنِي أَنْ يَسْتَشِيرَ فُلَانًا فَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا تَمَّ بَيْعُهُمَا فَقَالَ الْبَيْعُ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ، وَلِلْمُبْتَاعِ إنْ أَجَازَهُ الَّذِي اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نَظَرَهُ، وَلَا يَنْفَعُ أَحَدُهُمَا نَدَمُهُ، وَهَذَا لَيْسَتْ فِيهِ اسْتِشَارَةٌ فَقَطْ بَلْ قَدْ جُعِلَ إلَيْهِ الْإِمْضَاءُ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَا إلَيْهِ الْخِيَارَ وَالرِّضَا، وَقَدْ سَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا إنْ جَعَلَا إلَى أَجْنَبِيٍّ الرَّدَّ وَالْإِمْضَاءَ إنَّهُمَا قَدْ تَخَاطَرَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يُعْجِبُهُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَائِعِ يَبِيعُ عَلَى رِضَا أَجْنَبِيٍّ أَوْ خِيَارِهِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ أَوْ فُلَانٌ جَازَ الْبَيْعُ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمَا الْبَيْعَ جَازَ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَهُ ابْنُ لُبَابَةَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَشُورَةِ وَالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الْمُبْتَاعِ فَقَالَ إنْ شَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَشُورَةَ أَجْنَبِيٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ دُونَ الْمُشَاوَرَةِ، وَإِنْ شَرَطَ رِضَاهُ أَوْ عَلَى خِيَارِهِ فَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرُدَّهُ، وَلَا يُجِيزَهُ حَتَّى يَرْضَى فُلَانٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا شَرَطَ خِيَارَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ رِضَاهُ كَانَ لَهُ الِاخْتِيَارُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَالَ الْبَائِعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَهُ عَزْلُ مَنْ جَعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَمْلِكْ الْمَبِيعَ بَعْدُ، وَلَمْ يُوجِبْ لَهُ فِيهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ إنَّمَا شَرَطَ اخْتِيَارَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُ الْغَيْرِ عَمَّا لَا يَمْلِكُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ، وَشَرَطَ خِيَارَ حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ قَرِيبِ الْغَيْبَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ دُونَهُ بِخِلَافِ الَّذِي يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ، وَتَوْجِيهُهُ يَقْرُبُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّ خِيَارَ الْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ كَانَ كُلُّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ، وَيَتَقَرَّرْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَقَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ فَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا مَالِكٌ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ إنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْتهَا مِنْك بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ إنَّهُ يَبْدَأُ بِالْبَائِعِ فَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت أَنْ تُسَلِّمَهَا لِلْمُبْتَاعِ بِمَا قَالَ وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّك بِعْتهَا مِنْهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ خُذْهَا بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَإِلَّا فَاحْلِفْ بِأَنَّك اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ بِخَمْسَةٍ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدُهُمَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا بِأَظْهَرَ مِنْ دَعْوَى الْآخَرِ لَكِنْ قَدَمَ الْبَائِعُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ أَوْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ أَقْدَمُ مِنْ مِلْكِ الْمُبْتَاعِ، وَالْإِيجَابُ الَّذِي مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْمُبْتَاعِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ تَكُنْ يَمِينُهُ يَمِينًا يَسْتَحِقُّ بِهَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ يَمِينُهُ يَمِينًا تَمْنَعُ الْمُبْتَاعَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ السِّلْعَةِ لِمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ إنْ حَلَفَ، وَيُقَوِّي دَعْوَاهُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ نُكُولُ الْمُبْتَاعِ اسْتَحَقَّ بِهَا الثَّمَنَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِذَا حَلَفَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَيْضًا أَخْذَ السِّلْعَةِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا هِيَ لِمُقَاوَمَةِ يَمِينِ الْبَائِعِ، وَلِتَقْوَى دَعْوَاهُ بِمِثْلِ مَا قَوَّى بِهِ الْبَائِعُ دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ فَإِذَا تَكَافَأَتْ الْيَمِينَانِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْآخَرِ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ اقْتَضَتْ يَمِينُهُ أَنْ لَا يُخْرِجَ السِّلْعَةَ مِنْ يَدِهِ بِخَمْسَةِ مَثَاقِيلَ، وَالْمُبْتَاعُ اقْتَضَتْ يَمِينُهُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا فَسْخُ مَا بَيْنَهُمَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا يُفْسَخُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ بِنَفْسِ التَّخَالُفِ يُنْتَقَضُ التَّبَايُعُ، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا تَحَالَفَا ثُمَّ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ فَذَلِكَ لَهُ، وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ إنَّ الْحَلِفَ إذَا لَزِمَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَيَعْقُبُهُ فَسْخٌ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَا خِيَارَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَاللِّعَانِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا أَنَّ الْخِيَارَ قَدْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ بِنَفْسِ اخْتِلَافِهِمَا، وَلِذَلِكَ خُيِّرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ، وَلَيْسَ فِي أَيْمَانِهِمَا مَا يَقْطَعُ خِيَارَهُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا كَانَتْ لِتُقَوِّيَ دَعْوَاهُ، وَيَمِينُ الْمُبْتَاعِ لِتُقَاوِمَ يَمِينَ الْبَائِعِ، وَتَمْنَعَهُ مِنْ أَخْذِ السِّلْعَةِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَنُحَرِّرُ مِنْ هَذَا قِيَاسًا فَنَقُولُ إنَّ هَذَا خِيَارٌ لِلْبَائِعِ ثَبَتَ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ بَاقِيًا لَهُ مَا لَمْ يَفْسَخْ بَيْعَهُمَا أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ تَحَالُفِهِمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بِيَمِينِ الْبَائِعِ قَدْ انْتَقَلَ الْخِيَارُ إلَى الْمُبْتَاعِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُمْضِيَ السِّلْعَةَ لِلْبَائِعِ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى نُكُولِهِ بَلْ لَا يُعْذَرُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ هَذَا إلَّا بِالْيَمِينِ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ كَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ يَمِينِهِ، وَكَانَ لَهُ رَدُّهُ لِمُقَاوَمَةِ يَمِينِهِ يَمِينَ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْخِيَارُ لَهُ دُونَ الْبَائِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَكَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا نُقِلَتْ الْيَمِينُ إلَى الْمُبْتَاعِ فَإِنْ حَلَفَ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِالْخَمْسَةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَوَّى جَنْبَتَهُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولِ الْبَائِعِ، وَلَوْ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يَتَرَادَّانِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَدَتْ مُجْمَلَةً دُونَ ذِكْرِ يَمِينٍ، وَقَدْ حَمَلَهَا قَوْمٌ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ لِمَا قَالَ الْبَائِعُ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ إلَّا مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ لِاسْتِحْقَاقِ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا نَكَلَ عَنْهَا ثُمَّ نَكَلَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَهُ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ يَمِينٌ أُخْرَى، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ إسْقَاطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ، وَيَأْخُذَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسِّلْعَةَ بِالْخَمْسَةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا، وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا فَقُضِيَ لَهُ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ فَنَكَلَ فَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَإِنَّهُ يَزِنُ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ لِنُكُولِهِ دُونَ يَمِينِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ نَكَلَ عَنْهَا الْمُدَّعِي الَّتِي رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ أَوَّلًا لَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ، وَلَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعِي لَاسْتَحَقَّ الْبَرَاءَةَ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْبَائِعَ لَوْ حَلَفَ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ، وَلَوْ أَحْلَفَ الْمُبْتَاعَ لَاسْتَحَقَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ فَإِحْدَى الْيَمِينَيْنِ غَيْرُ الْأُخْرَى، وَإِذَا نَكَلَ الْمُبْتَاعُ وَجَبَ أَنْ تُرَدَّ يَمِينُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ قَطُّ فِي جَنْبَتِهِ يَمِينٌ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ بِهَا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَوَّلًا يَمِينٌ إذَا أَتَمَّهَا قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ إمَّا أَنْ تَحْلِفَ، وَتُسْقِطَ عَنْ نَفْسِك مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ تَنْكُلَ فَيُقْضَى لَهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ قَبْضِ السِّلْعَةِ وَقَبْلَ فَوْتِهَا فَاَلَّذِي رَوَاهُ أَشْهَبُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَأَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إذَا تَفَرَّقَا، وَقَدْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ مَا تَقَدَّمَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السِّلْعَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى صِفَتِهَا فَكَانَ حُكْمُهَا أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا وَلَا تَأْثِيرَ لِقَبْضِهَا بِانْفِرَادِهِ كَمَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ جَنْبَةَ الْمُبْتَاعِ قَدْ قَوِيَتْ بِالْقَبْضِ، وَلِلْيَدِ تَأْثِيرٌ فِي ثُبُوتِ الْأَيْمَانِ فِي جَنْبَةِ ذِي الْيَدِ كَمَا لَوْ تَدَاعَى رَجُلَانِ حَقًّا هُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَسَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَرَادَّانِ مَا لَمْ تَفُتْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ حَوَالَةِ أَسْوَاقٍ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ أَبَدًا، وَإِنْ تَلِفَتْ السَّاعَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْفَوَاتِ يُوجِبُ الْفَسْخَ فِي عَيْنِ السِّلْعَةِ وَرَدَّ عَيْنِهَا إلَى الْبَائِعِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ بَعْدَ تَلَفِهَا، وَإِنَّمَا يَرُدُّ بَدَلَهَا، وَهُوَ الْقِيمَةُ فَيُقَرِّرُ بِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ غَارِمٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا حُكْمُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ إنَّ هَذِهِ إحْدَى حَالَتَيْ السِّلْعَةِ فَوَجَبَ إذَا اخْتَلَفَ مُتَبَايِعَاهَا فِي ثَمَنِهَا أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا كَحَالَةِ الْوُجُودِ فَيَتَقَرَّرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مَا لَمْ يَقْبِضْ السِّلْعَةَ، وَيَفْتَرِقَانِ فَإِذَا فَارَقَهُ الْمُبْتَاعُ، وَقَدْ قَبَضَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، وَبِهَا يَأْخُذُ سَحْنُونٌ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ أَبَدًا، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي النَّوَادِرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، وَاتَّفَقَا عَلَى جِنْسِهِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا بِدِينَارٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بِطَعَامٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ إذَا اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ أَبَدًا، وَتُرَدُّ الْقِيمَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى جِنْسٍ لِكَوْنِ الْبَائِعِ يَدَّعِي زِيَادَةً يُنْكِرُهَا الْمُبْتَاعُ، وَقَدْ صَدَّقَهُ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَا أَوْ يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا مَا يُشْبِهُ يَعْنِي بَعْدَ فَوْتِهَا بِيَدِ الْمُشْتَرِي فِي سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا أَتَيَا بِمَا يُشْبِهُ، وَإِنْ أَتَى أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُرَاعِي مَعَ بَقَاءِ السِّلْعَةِ فِي وَقْتٍ يُحْكَمُ بِالتَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا يُشْبِهُ أَوْ بِمَا لَا يُشْبِهُ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي ذَلِكَ عِنْدَ فَوَاتِهَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُبْتَاعِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِنَّ مَذْهَبَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبَ مُرَاعَاةُ قَوْلِ مَنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ دُونَ مَنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مِمَّا لَا يُحْكَمُ فِيهَا بِالتَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ، وَالْقَوْلَانِ مَوْجُودَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُمَا فِيمَنْ اكْتَرَى رَاحِلَةً بِمِصْرَ، وَنَقَدَ مِائَةً فَلَمَّا بَلَغَا الْمَدِينَةَ قَالَ اكْتَرَيْت إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُكْرَى إلَى الْمَدِينَةِ بِمِائَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرَى فِي الْمِائَةِ الَّتِي قَبَضَ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنَّهُ لَمْ يُكْرِ إلَى مَكَّةَ بِالْمِائَةِ، وَعَلَى الْمُتَكَارَى الْيَمِينُ فِي الْمِائَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرَى فِي الْكِرَاءِ، وَيُقْسَمُ مَا بَيْنَ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ فَيَكُونُ لِلْمُكْرَى بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ مِصْرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ، وَذَلِكَ إذَا أَتَيَا جَمِيعًا بِمَا يُشْبِهُ فَإِنْ أَتَى الْمُكْرِي بِمَا يُشْبِهُ دُونَ الْمُكْتَرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَحَيْثُ مَا يَجِدُ لِابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا لَا يَجِدُهُ يُرَاعِي مَا يُشْبِهُ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْغَيْرُ، وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَالسِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ لَمْ تَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ، وَهَاهُنَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ لِقَبْضِ الثَّمَنِ تَأْثِيرٌ فِي مَحَلِّ الْيَمِينِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى ذَلِكَ قَوْلٌ آخَرُ بِمُرَاعَاةِ الْقَبْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ حَالَتْ أَسْوَاقُ السِّلْعَةِ بِيَدِ الْبَائِعِ، وَقَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ السِّلْعَةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ بَقِيَّةُ السِّلْعَةِ، وَغَرِمَ بَقِيَّةَ الثَّمَنِ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّشَارُكِ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ ضَرَرٌ فَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ، وَالدَّابَّةِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَبَايَعَا طَعَامًا فَقَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك خَمْسَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْت مِنْك سِتَّةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَرَادَّانِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ كُلُّهُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ ابْتَعْت مِنْك أَرْبَعَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ، وَحَلَفَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ فَإِنْ حَلَفَ صُدِّقَ الْبَائِعُ فِيمَا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ، وَيُصَدَّقُ الْمُبْتَاعُ فِيمَا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ التَّحَالُفَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْبَيْعَ ثَبَتَ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ، وَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ لَثَبَتَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَكِنْ لِحُلُولِ الْأَجَلِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ تَأْثِيرٌ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْغَارِمِ مَعَ يَمِينِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَرَادَّانِ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ سِتَّةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَا بَاعَهُ إلَّا خَمْسَةً ثُمَّ الْمُبْتَاعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ خَمْسَةٍ أَوْ الْفَسْخِ، وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ دِينَارًا، وَدَفَعَ خَمْسَةَ أَرَادِبَ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك بِالدِّينَارِ الَّذِي قَبَضْته الْخَمْسَةَ الْأَرَادِبَ الَّتِي دَفَعْت إلَيْك، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ ابْتَعْت مِنْك بِهِ سِتَّةَ أَرَادِبَ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْبَائِعُ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ بِقَبْضِهِ الدِّينَارَ، وَأَنْكَرَ هَذَا يَحْيَى بْنُ عُمَرَ، وَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، وَلَمْ تَفُتْ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الدِّينَارَ لَمَّا كَانَ

[ما جاء في الربا في الدين]

(مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى السَّفَّاحِ أَنَّهُ قَالَ بِعْت بَزًّا لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَنْقُدُونِي فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا آمُرُك أَنْ تَأْخُذَ هَذَا، وَلَا تُؤْكِلُهُ قَالَ مَالِكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصٍ بْنِ خَلَدَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَيُعَجِّلُهُ الْآخَرُ فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَنَهَى عَنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَصَارَ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ قَدْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ فَوْتًا فِي بَيْعِهِمَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَبْضُ يُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِقَبْضِ الدِّينَارِ دُونَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَالْفَسْخَ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَا غَابَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَا قَبَضَهُ مِنْ الْآخَرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمُهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ خَمْسَةَ أَرَادِبَ، وَلَمْ يَدْفَعْ الدِّينَارَ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِينَارٍ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي سُدُسِ دِينَارٍ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَانَ قَبْضُهُ فَوْتًا فَيُصَدَّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ، وَأَنَّ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ مَا ابْتَاعَ مِنْهُ إلَّا سِتَّةَ أَرَادِبَ بِدِينَارٍ فَيَجِبُ لِلْخَمْسَةِ أَرَادِبَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِينَارٍ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ الدِّينَارَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا قَبَضَ الْبَائِعُ الدِّينَارَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِعَيْنِهِ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الطَّعَامَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ الَّذِي قَبَضَ الدِّينَارَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى فَوَاتِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْمُبْتَاعُ الطَّعَامَ فَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنَّمَا يَدَّعِي الْمُبْتَاعُ زِيَادَةً عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ إنْكَارُ هَذَا، وَاخْتِيَارُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا. (فَرْقٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَمِ أَنَّهُ قَدْ قَالَ إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ سَلَّمْت إلَيْك مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ، وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ سَلَّمْت إلَيَّ مِائَةَ دِينَارٍ فِي خَمْسِينَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِقُرْبِ تَبَايُعِهِمَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ عَلَيْهِ السَّلَمُ مَعَ يَمِينِهِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ حَمْلًا عَلَى سَلَمِ النَّاسِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّقْدِ وَمَسْأَلَةِ السَّلَمِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ كَمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَاسْتَوَيَا، وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَقَبْلَ تَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الطَّعَامِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَيَثْبُتُ بَيْنَهُمَا حُكْمُ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ. (فَرْقٌ) وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَبَيْنَ الْمُعَيَّنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَالثِّيَابُ وَالْحَيَوَانُ بِأَعْيَانِهَا فَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ لِفَوَاتٍ يَلْحَقُهَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَ بَائِعِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِيهَا لَمَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّةِ مَنْ بَاعَهَا حُكْمُنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حُكْمُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَهْلَ دَارِ نَخْلَةَ عَرَضُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ أَجَلَ دَيْنِهِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُمْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي فَإِنْ قَضَى أَخَذَ وَإِلَّا زَادَهُ فِي حَقِّهِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الْأَجَلِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ فَيَضَعَ عَنْهُ الطَّالِبُ، وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبَ قَالَ وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحَلِّهِ عَنْ غَرِيمِهِ، وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِي حَقِّهِ قَالَ فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ نَقْدًا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ قَالَ مَالِكٌ هَذَا بَيْعٌ لَا يَصْلُحُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنْقُدُوهُ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَنْقُدُوهُ جِنْسَ مَا لَهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ مُؤَجَّلَةً فَيَدْفَعُونَ إلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ خَمْسِينَ دِينَارًا، وَيَحُطُّ عَنْهُمْ خَمْسِينَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهُ، وَلَا تُؤْكِلُهُ يُرِيدُ تُطْعِمُهُ غَيْرَك، وَمَعْنَى ذَلِكَ تَحْرِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَيُؤْكِلَهُ مَعَ كَوْنِهِ مُبَاحًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَأَجَازَهُ النَّخَعِيُّ وَزُفَرُ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي ذَلِكَ، وَأَصَحُّهَا الْمَنْعُ، وَدَلِيلُنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْا مِنْهُ الْمِائَةَ الْمُؤَجَّلَةَ بِخَمْسِينَ مُعَجَّلَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِوَجْهَيْنِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَيْنِ، وَيَدْخُلُهُ سَلَفٌ لِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَفُوهُ خَمْسِينَ يَقْبِضُهَا مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ خَمْسِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الْأَجَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّنَانِيرِ أَوْ مِمَّا يَجُوزُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَالدَّرَاهِمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْأَجَلِ بِدَنَانِيرَ دَرَاهِمَ مِثْلَ قِيمَتِهَا وَلَا أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَرِقٌ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِدَنَانِيرَ قَبْلَ الْأَجَلِ عُرُوضًا مُعَجَّلَةً تَكُونُ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ دَنَانِيرِهِ أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَآلَ أَمْرِهِ إلَى شِرَاءِ عَرْضٍ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةً، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. (ش) : قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَنْ يَقُولَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ عِنْدَ أَجَلِهِ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي يُرِيدُ يَزِيدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الدَّيْنِ لِيَزِيدَهُ فِي الْأَجَلِ فَعَلَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ قِيلَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] نَزَلَتْ فِي هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ سَلَفٌ لِنَفْعٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِي دَيْنِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي عِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي يَضَعُ مِنْ دَيْنِهِ، وَيَتَعَجَّلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُهُ بَعْدَ مَحَلِّ أَجَلِهِ وَيَزِيدُهُ يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا الْعِوَضُ لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَضَعَ قَبْلَ أَجَلِهِ سَلَفٌ عَلَى أَنْ وَضَعَ، وَاَلَّذِي أَخَّرَ لِلزِّيَادَةِ أَسْلَفَ عَلَى أَنْ زَادَ فَهُوَ تَأْخِيرٌ لِعِوَضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ مُعَجِّلًا مَا قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ دَيْنِهِ، وَاَلَّذِي يُؤَخِّرُ بَعْدَ الْأَجَلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَلَى أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَعَجَّلُ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ تَبْرَأُ الذِّمَّتَانِ، وَيَتَنَجَّزُ مَا بَيْنَهُمَا، وَاَلَّذِي يُؤَخِّرُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَيَنْقُلُ دَيْنَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ تَبْقَى ذِمَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَشْغُولَةً، وَيَنْتَقِلُ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

[جامع الدين والحلول]

يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى إلَى الْأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ، وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَلَا يَصْلُحُ، وَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالَ لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إمَّا أَنْ تَقْضِيَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا، وَإِلَّا زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَزَادُوهُمْ فِي الْأَجَلِ) . (جَامِعُ الدَّيْنِ وَالْحُلُولِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ إلَى أَجَلٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ سِلْعَةً تُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ الْأَوَّلَ، وَإِنَّمَا قَضَاهُ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ، وَزَادَ خَمْسِينَ دِينَارًا فِي دَيْنِهِ لِتَأْخِيرِهِ بِهِ عَنْ أَجَلِهِ فَهَذَا يُشْبِهُ مَا تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي زِيَادَتِهِمْ فِي الدُّيُونِ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِهَا لِيُؤَخِّرُوا بِهَا، وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَ مِنْهُ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَخَمْسِينَ مُؤَجَّلَةٍ لِيُؤَخِّرَهُ بِالْمِائَةِ الَّتِي حَلَّتْ لَهُ عَلَيْهِ، وَوُجُوهُ الْفَسَادِ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْعُ فَفِي الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا إيَّاهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَإِنْ فَاتَتْ رَدَدْتهَا إلَى قِيمَتِهَا نَقْدًا، وَفَسَخْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ قَدْ دَخَلَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ فَوَجَبَ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ رُدَّ إلَى الْقِيمَةِ، وَكَانَا عَلَى أَجَلِهِمَا فِي الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَسَخْت الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يُرِيدُ الَّذِي انْعَقَدَ فِي السِّلْعَةِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [جَامِعُ الدَّيْنِ وَالْحُلُولِ] (ش) : قَوْلُهُ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ الْمَطْلُ» هُوَ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَلَا يَكُونُ مَنْعُ مَا لَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ مِنْ الدُّيُونِ مَطْلًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَطْلًا بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَتَأْخِيرِ مَا بِيعَ عَلَى النَّقْدِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ الْقَضَاءِ قَدْ جَاءَ التَّشْدِيدُ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ، وَوَصَفَهُ بِالظُّلْمِ إذَا كَانَ غَنِيًّا خَاصَّةً، وَلَمْ يَصِفْهُ بِذَلِكَ مَعَ الْعُسْرِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَمَطَلَ بِمَا قَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَقَدْ ظَلَمَ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ، وَتُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ ظَالِمًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ، فَعِرْضُهُ التَّظَلُّمُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَطَلَنِي وَظَلَمَنِي» ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُقُوبَتُهُ سِجْنُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «إذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَوَالَةُ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الْأَصْلَ بِالْحَوَالَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ، وَالْحَوَالَةُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَجَلٍ آخَرَ مِثْلِهِ فَيُحِيلُ بِهِ غَرِيمُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ فَلْيَتْبَعْ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ إنَّ الْحَوَالَةَ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا اُسْتُثْنِيَتْ الْعَرِيَّةُ، وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ فِي الْحَوَالَةِ عِنْدِي أَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إذَا قُلْنَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحِيلَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ، وَمَعْنَى الْحَوَالَةِ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَحِيلَ عَلَى غَرِيمِ غَرِيمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ غَرِيمَهُ، وَيَقُولُ لَهُ اقْضِنِي حَقِّي وَشَأْنَك بِصَاحِبِك، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُهُ الِاسْتِحَالَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْلُ حَقٍّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَاءَ الْمُحَالُ أَنْ يَسْتَحِيلَ بِحَقِّهِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي ذَلِكَ بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ دَاوُد لَا تَصِحُّ حَوَالَتُهُ إلَّا بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي ذَلِكَ رِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي ذَلِكَ رِضَا الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى مَنْ لَهُ هُوَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا اسْتِنَابَةُ مَنْ يَقْضِي هَذَا الْحَقَّ كَالْوَكِيلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَرَطَ الْمُسْتَحِيلُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَوْلٌ ثَابِتٌ، وَلَهُ شَرْطُهُ إنْ أَفْلَسَ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَوَالَةَ صَحِيحَةٌ وَقَدْ شَرَطَ فِيهَا سَلَامَةَ ذِمَّتِهِ، وَلَهُ شَرْطُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَحَالَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ بَيْعُ الدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُحَالِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُحِيلِ، وَيَحُولُ الْحَقُّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَيْنٌ تَحْصُلُ الْمُعَاوَضَةُ بِهِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْتِزَامَهُ لِلْحَوَالَةِ يُثْبِتُ حَقَّ الْمُحَالِ فِي ذِمَّتِهِ، وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ، وَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ فَهُوَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مُحَرَّمٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَالَ يَبِيعُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنٍ يُثْبِتُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَتَبْقَى ذِمَّةُ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ مَشْغُولَتَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْحَوَالَةِ، وَلَزِمَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ الَّذِي طَرِيقُهُ الْمَعْرُوفُ، وَلَا يَشْغَلُ ذِمَّةَ الضَّامِنِ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ وَالرِّفْقِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ، وَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَصْلُحُ إلَّا مِنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحِيلَ تَبْرَأُ ذِمَّتَهُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَلْزَمُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِ دَيْنٍ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْهُ ثَوْبَك، وَالثَّمَنُ عَلَيَّ فَهَذَا مِثْلُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعْطِهِ مِنْ مَالِك كَذَا، وَهُوَ لَك عَلَيَّ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الثَّمَنِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ رُجُوعٌ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَقَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ شَرْطَ الْمُلَاءَةِ مَعْنًى فِي الْحَوَالَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ رُجُوعٌ لَمَا كَانَ لِشَرْطِ الْمَلَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ تَلَفَ دَيْنِهِ بِإِفْلَاسِهِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ حَوَالَةٌ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحَالِ رُجُوعٌ عَلَى الْمُحِيلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَحَالَهُ بِثَمَنِ سِلْعَةٍ بَاعَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحَوْلُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُحِيلُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْهُ قَالَ، وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْحَوْلُ سَاقِطٌ، وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مَا احْتَالَ بِهِ لَرَجَعَ عَلَيْهِ مِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يُنْقَضُ فِي حَقِّ الْمُحَالِ بِاسْتِحْقَاقِ سِلْعَةٍ لَمْ يُعَاوِضْ بِهَا هُوَ فِيمَا قَبَضَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبَ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ ثَبَتَ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ، وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحَقُّ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَ الْمُحَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ عَقْدٌ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْمُحَالُ مَا كَانَ لِلْمُحِيلِ فَبِاسْتِحْقَاقِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ يَسْتَحِقُّ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ رَدَّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْمُحَالِ دَفَعَهُ إلَى الْمُحِيلِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ بِقَبْضِ ثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بِيعَ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَيِّتٍ مَتَاعُهُ، وَقَبَضَ غُرَمَاؤُهُ مِنْ مُتَوَلِّي الْبَيْعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لِحَوَالَتِهِمْ عَلَيْهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مَا بِيعَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِمِائَةٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ، وَأَحَالَهُ بِهَا، وَأَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ، وَابْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إنْ قَبَضَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ، وَفَاتَ عِنْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قَبَضَهَا الْمُتَصَدِّقُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا، وَلَمْ تَفُتْ بِيَدِ الْمُعْطِي أَخَذَهَا مِنْهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ غَيَّرَ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ مِنْ حَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمَ بِإِفْلَاسِهِ كَانَ لِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ» فَلْيَتْبَعْ فَشَرْطُ الْمُلَاءَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مَلِيءٍ، وَلِأَنَّ إفْلَاسَ الْغَرِيمِ عَيْبٌ فِيمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَإِذَا دَلَّسَ بِهِ الْمُحِيلُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ غَرَّهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ أَمْرَ الْمُحِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ لِمَالِكٍ فَعَلَى الْغَرِيمِ شَيْءٌ قَالَ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ كَانَ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ أَحْلَفَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَرْضَى بِمِثْلِ هَذَا أُحْلِفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ مِنْهُ مَا يَغُرُّهُ بِهِ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَيْنِ سَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا السِّلَعُ الْمَعِيبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْبَائِعُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَيْبَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي نَفْسِ الْعِوَضِ، وَفَلَسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي مَحَلِّ الْعِوَضِ لَا فِي نَفْسِ الْعِوَضِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ فَلَا يَرْجِعُ مِنْ الْعُيُوبِ إلَّا بِمَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ، وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهُ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِفَلَسِهِ، وَلَا غَرَّ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَعَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ الْمُحَالُ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الذِّمَمَ مِمَّا ظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ فَصَارَتْ كَالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بَاطِنُهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ دَلَّسَ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَمِينَ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْفَلَسِ فَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ، وَلَعَلَّهُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ قَبْلَ هَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْ مِنْ فُلَانٍ سِلْعَتَك هَذِهِ، وَعَلَى حَقِّك، وَقَالَ الْآخَرُ لِفُلَانٍ اعْمَلْ عَمَلَ كَذَا، وَحَقُّك عَلَيَّ، وَفِي الْوَاضِحَةِ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْ نَاكِحٍ صَدَاقَهُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهِ فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِسَبَبِهِ عَقْدٌ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهِيَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَمَالَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ الْحَمَالَةِ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَلَهَا حُكْمُ الْحَوَالَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَهِيَ حَمَالَةٌ فَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ فَلِسَ فِي حَيَاتِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَحَالَ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَشَرَطَ إنِّي بَرِيءٌ بِذَلِكَ، وَشَقَّ صَحِيفَتَهُ قَالَ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَهُ شَرْطُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا إنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْمُحَالَ فَإِنَّ الْمُحَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَالَ عَلَيْهِ لَوْ قَضَاهُ لَرَجَعَ بِمَا قَضَاهُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَشَرَطَ فِي الْحَوَالَةِ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَحِلْنِي عَلَيْهِ، وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ إنْ عَلِمَ الْمُحَالُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ فَرَضِيَ بِالْحَوَالَةِ، وَأَبْرَأَ الْمُحِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِإِثْرِ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا لَك بِمَا لَك قِبَلَ فُلَانٍ فَخَرِّقْ ذِكْرَ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَاطْلُبْنِي دُونَهُ، وَلَمْ تَكُنْ حَوَالَةٌ مِنْ دَيْنٍ كَانَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْقَابِلِ فَأَشْهَدَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَشَقَّ الصَّحِيفَةَ وَطَلَبَهُ بِذَلِكَ الْحَقِّ حَتَّى أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَمِّلَ وَعَدَ الْغَرِيمَ أَنْ يُسْلِفَهُ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْضِيَ عَنْهُ فَقَدْ اتَّفَقَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْفَلَسِ فَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقَةٌ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُهُ خِلَافُ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا عَلِمَ الْمُحَالُ، وَأَبْرَأَ حُكْمَ الْحَوَالَةِ الْمُحْصَنَة، وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فَلَسًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُمْ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ مَعَ الْيَسَارِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ عَلَيَّ حَقُّك وَدَعْ صَاحِبَك لَا تُكَلِّمْهُ فَإِنَّ الْحَقَّ عَلَيَّ فَإِنْ كَانَ الْمُحِيلُ مَلِيئًا فَالْمُحَالُ بِالْخِيَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحِيلِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَ الْمُحَالُ الْمُحِيلَ مِنْ دَيْنِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا بِأَنْ يَتَعَذَّرَ قَبْضُهُ مِمَّنْ يَضْمَنُ دَفْعَهُ إلَيْهِ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ دَيْنُهُ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَعَلُّقًا مِنْ أَجْلِ مُعَاوَضَةٍ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقًا مِنْ جِهَةِ مُكَارَمَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِالْفَلَسِ وَلَا بِالْمَوْتِ وَلَزِمَتْهُ مَعَ الْيَسَارِ مُدَّةَ الْخِيَارِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إبْرَاءٌ فِي انْتِقَالِهِ إلَى مُطَالَبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِيثَاقَ مِنْ حَقِّهِ، وَالْكَفَّ عَنْ مُطَالَبَتِهِ مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ إلَى مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَكَارِمٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مَا لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عُلِمَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْغَرِيمِ مُقَابَحَةٌ وَمُعَادَاةٌ وَامْتِنَاعًا بِسُلْطَانٍ فَقَالَ الطَّالِبُ لِمَنْ اسْتَحَالَ عَلَيْهِ لَا أَطْلُبُ بِهِ غَرِيمًا، وَحَقِّي عَلَيْك فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ الشَّرْطُ جَائِزٌ، وَحَقُّهُ عَلَيْهِ حَضَرَ الْغَرِيمُ أَوْ غَابَ فِي عُدْمِهِ، وَمَلَائِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى غَرِيمِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَا وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي الْقَبِيحِ الْمُطَالَبَةِ أَوْ ذِي السُّلْطَانِ، وَنَحْنُ نَرَاهُ فِي كُلِّ أَحَدٍ إذَا بَيَّنَ، وَحَقَّقَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهِيَ حَمَالَةٌ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا فِي غَيْبَةِ الْغَرِيمِ أَوْ عُدْمِهِ حَتَّى يُسَمِّيَ الْحَوَالَةَ، وَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَقِّهِ دُونَ الْغَرِيمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْغَرِيمِ، وَيَثْبُتُ لِمَا عَقَدَاهُ حُكْمُ الْحَوَالَةِ بِالتَّلَفُّظِ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ الْغَرِيمَ ذَهَبَ بِصَاحِبِ الْحَقِّ إلَى غَرِيمٍ لَهُ فَأَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَأَمَرَ الْغَرِيمَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ فَيَقْضِيهِ الْبَعْضُ أَوْ لَا يَقْضِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ تَقَاضَاهُ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلطَّالِبِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاحْتِيَالٍ، وَيَقُولُ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَكْفِيَك التَّقَاضِي، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَقِّ أَنْ يَقُولَ أُحِيلُك بِحَقِّك عَلَى هَذَا أَوْ أَبْرَأُ إلَيْك بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَحَلْت رَجُلًا عَلَى غَرِيمٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْك ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ مَا أَحَلْته بِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَسْأَلُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ إنِّي رَجُلٌ أَبِيعُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ سَعِيدُ لَا تَبِعْ إلَّا مَا آوَيْت إلَى رَحْلِك) ـــــــــــــــــــــــــــــQسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَابَلَ مَا لَك عَلَيْهِ فَهُوَ حَوْلٌ، وَهُوَ فِي الْبَاقِي حَمِيلٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَلَوْ أَحَلْته، وَلَا شَيْءَ لَك عَلَى الْمُحَالِ ثُمَّ قَضَيْت الْمُحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ فَلِسَ أَوْ مَاتَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْك، وَإِنْ قُلْت كَانَتْ حَمَالَةً ثُمَّ صَارَتْ حَوْلًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْحَوَالَةِ مَعْنَاهُ الْحَمَالَةُ ثُمَّ دَفَعَ الْمُحِيلُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا لَا يُؤَدِّيهِ عَنْهُ بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَمَالَةِ، وَهَذَا لَا يَنْتَقِلُ بِمَا عَقَدَاهُ إلَى الْحَوَالَةِ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِيلَ مِنْ مُعَجَّلٍ عَلَى مُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِيلَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعَجَّلٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ دَيْنُهُ قَدْ حَلَّ فَاسْتَحَالَ مِنْهُ عَلَى مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَجَّلِ بِالْمُعَجَّلِ حَوَالَةٌ جَائِزَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ، وَإِذَا اسْتَحَالَ مِنْهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْهُ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنْ أَفْلَسَ الْمُحِيلُ فَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا كَانَ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا لَمْ تَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَإِذَا أُحِيلَ مِنْهُ عَلَى دَيْنٍ مُعَجَّلٍ فَهُوَ مِنْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ، وَإِذَا أُحِيلَ بِهِ عَلَى دَيْنٍ مُعَجَّلٍ فَهُوَ مِنْ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك، وَالدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَمِ، وَالذِّمَمُ لَا تَتَمَاثَلُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ لَمَا جَازَتْ الْحَوَالَةُ إلَّا مَعَ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَمَنْ أَخَذَ بِدَيْنِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَأَجْوَدُ أَوْ أَرْدَأُ لِتَعَذُّرِ تَمَاثُلِ الذِّمَمِ، وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى. (ش) : قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ لَا تَبِعْ إلَّا مَا آوَيْت إلَى رَحْلِك يُرِيدُ مَا قَدْ قَبَضْته، وَصَارَ عِنْدَك، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِمَّنْ يُدَايِنُ النَّاسَ، وَيَبِيعُ مِنْهُمْ بِالدَّيْنِ فَنَهَاهُ عَنْ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ أَوْ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ مُوَافَقَةِ الْمُبْتَاعِ مِنْهُ عَلَى بَيْعِهِ مِنْهُ بِثَمَنٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَيَشْتَرِيهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَبْضُهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ، وَيُوَلِّي قَبْضَهُ الْمُبْتَاعَ مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْ هَذَا السَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ اشْتَرَاهُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ ثَمَنَهُ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ فِي ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ مِنْهُ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ لَا تَبِعْ إنِّي كُنْت مِنْ أَهْلِ هَذَا الصِّنْفِ، وَعَرَفْت بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا مَا قَدْ تَقَدَّمَ ابْتِيَاعُك لَهُ، وَصَحَّ مِلْكُك لَهُ، وَتَمَّ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ الذَّرِيعَةِ الَّتِي يُخَافُ عَلَيْك مُوَاقَعَتُهَا، وَتَعَلَّقَ تَبَايُعُك بِهَا، وَلَا تَعَلُّقَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِبَيْعِك مَا تَقَدَّمَ مِلْكُك لَهُ، وَقَبْضُك إيَّاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي بِالنَّقْدِ أَوْ يَكُونَانِ عَلَى التَّأْجِيلِ أَوْ يَكُونُ الْأَوَّلُ بِالنَّقْدِ وَالثَّانِي بِأَجَلٍ أَوْ يَكُونُ الْأَوَّلُ بِالْأَجَلِ، وَالثَّانِي بِالنَّقْدِ فَإِنْ كَانَ جَمِيعًا بِالنَّقْدِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ هَذَا الثَّوْبَ، وَلَا يُعَيِّنُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ أَوْ يَقُولُ اشْتَرِهِ لِنَفْسِك فَإِنْ قَالَ اشْتَرِ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، وَهُوَ لِي بِأَحَدَ عَشَرَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ النَّاسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ بِالنَّقْدِ كُلِّهِ، وَهُمَا حَاضِرَانِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ دَخَلَهُ تَأْخِيرٌ، وَدَخَلَتْهُ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الِابْتِيَاعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَهُوَ لِي بِأَحَدَ عَشَرَ، وَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَجَعَلَهُ ثَمَنًا لِلْمَبِيعِ كُرِهَ ذَلِكَ، وَمُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبْتَاعَهُ لِنَفْسِهِ بِعَشْرَةٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِأَحَدَ عَشَرَ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الَّذِي يَقُولُ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا، وَأَنَا أُرْبِحُك فِيهَا كَذَا أَوْ أَنَا أُرْبِحُك فِيهَا، وَلَا يُسَمِّي شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الرِّبْحِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِهِ بِعَشْرَةٍ، وَلَك دِينَارٌ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَضَمَانُهُ مِنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّينَارَ جُعْلًا لِلْمَأْمُورِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ بِظَاهِرِهِ وَلَا بِصَرِيحِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ لِفَقْدِ التَّمْيِيزِ إذَا كَانَ الْبَيْعَانِ بِالنَّقْدِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَيَجِبُ فَسْخُ الْبَيْعِ الثَّانِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ لَهُ ابْتَعْ لِي هَذَا الثَّوْبَ، وَأَنَا أَبْتَاعُهُ مِنْك بِرِبْحٍ كَذَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ جُعْلٌ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ إلَى أَجَلٍ، وَقَوْلُ الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ ابْتَعْ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ، وَهِيَ لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ فَإِنْ اسْتَوْجَبَهَا الْآمِرُ، وَالثَّمَنُ نَقْدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ جُعْلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْتَقِدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ نَقَدَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنْ نَقَدَهُ بِشَرْطٍ رُدَّ إلَى جُعْلٍ مِثْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالسَّلَفِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِهَا فَظَاهِرُهُ مِلْكُ الْآمِرِ لَهَا، وَأَنَّ الِابْتِيَاعَ لَهُ، وَلَمَّا اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اشْتَرِهَا لِي لِتَبِيعَهَا مِنِّي شَرْطٌ فِي رِوَايَةِ الْعُتْبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَسْتَوْجِبَهَا لِلْبَائِعِ فَيَكُونُ ضَمَانُهَا مِنْهُ، وَيَكُونُ مَا زَادَهُ مِنْ الدِّينَارَيْنِ جُعْلًا لِلْمَأْمُورِ فِي تَنَاوُلِ ابْتِيَاعِهَا لَهُ، وَشَرْطٌ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ النَّقْدَ؛ لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَانَ بَيْعًا وَسَلَفًا مُشْتَرَطًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ اشْتَرِهَا لِنَفْسِك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْهُ لَمْ يَحْتَمِلْ هَذَا الْجُعْلُ، وَكَانَ قَدْ بَاعَ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ، وَلَا مُؤَجَّلٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْسَخُ الشِّرَاءُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْبَيْعَتَانِ إلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهُ ابْتَعْ، وَإِنْ كَانَتْ الْبَيْعَةُ الْأُولَى بِالنَّقْدِ، وَالثَّانِيَةُ إلَى أَجَلٍ فَهَذِهِ أَشَدُّ الْوُجُوهِ فَسَادًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْعِينَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا فَيَقُولَ ابْتَاعَهُ لَك فَيُرَاوِضَهُ عَلَى الرِّبْحِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيَبِيعَهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْعِينَةُ الْمَكْرُوهَةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ ابْتَعْ لِي سِلْعَةَ كَذَا، وَأُرْبِحُك فِيهَا كَذَا إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ دَفَعَ ذَهَبًا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ ابْتَعْ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ، وَهِيَ لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ مُؤَجَّلَةً أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إيجَابَهَا لِلْآمِرِ عَلَى أَنْ يَنْتَقِدَهَا عَنْهُ لِلْمَأْمُورِ، وَيَبِيعَهُ مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَتْ الْآمِرَ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، وَيَسْقُطُ مَا زَادَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا حِينَ قَالَ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا وَقَعَ لَزِمَتْ السِّلْعَةُ الْآمِرَ بِعَشْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي نَقَدَ عَنْهُ الْمَأْمُورُ، وَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ السِّلْعَةَ بِدِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ يُسَلِّفَهُ الْمَأْمُورُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي السِّلْعَةِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ هَذَا يُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ يُرِيدُ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَالسَّلَفُ فَتَرْجِعُ السِّلْعَةُ إلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْبَائِعِ فِيهَا قَدْ لَزِمَ فَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ حُكِمَ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَسْلَفَهُ الْمَأْمُورُ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ تُعَجَّلُ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ كَانَ بِسَبَبِ عِوَضٍ قَدْ بَطَلَ، وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ، وَإِنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِجَارَةِ قَدْ كَمُلَ، وَفَاتَ نَقْصُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيَلْزَمُ الْآمِرَ السِّلْعَةُ، وَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا الَّذِي اسْتَسْلَفَهُ، وَجُعْلُ مِثْلِ الْمَأْمُورِ فِيمَا ابْتَاعَ بِهِ، وَنَحْوَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قَالَ اشْتَرِهَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، وَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْك بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا إلَى سَنَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لَزِمَتْ الْآمِرَ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّ مُبْتَاعَهَا ضَمِنَهَا قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ بَاعَهَا الْمَأْمُورُ مِنْ الْآمِرِ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا فَكُرِهَ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ الْمَوْعِدِ، وَلَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ بَيْعٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَرَّعَ الْمَأْمُورُ عَنْ الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَيُقْتَضَى لَهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الَّذِي يَقُولُ اشْتَرِ هَذَا الْمُبْتَاعَ، وَأَنَا ابْتَاعَهُ مِنْك بِرِبْحٍ يُسَمِّيهِ إلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ تِلْكَ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَمَّا السُّوقُ يَرْجُو نِفَاقَهُ، وَأَمَّا الْحَاجَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُخْلِفُهُ الْبَائِعُ عَنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيُرِيدُ الْمُشْتَرِي رَدَّ تِلْكَ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ لَهُ، وَأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ جَاءَ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يُكْرَهْ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَلٍ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنْ يُرَاعِيَ عَدَمَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ وَلُزُومَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْعِدِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ ذَكَرَ الرِّبْحَ وَسَمَّاهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى اللُّزُومِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَهُوَ الَّذِي يُنْقَضُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ اشْتَرِ هَذَا الْمَتَاعَ أَبْتَاعُهُ مِنْك بِرِبْحٍ إلَى أَجَلٍ، وَلَمْ يَتَرَاوَضَا عَلَى رِبْحٍ يُرِيدُ لَمْ يَقْطَعَا سَوْمًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَإِلَّا يَفْسَخُهُ إنْ نَزَلَ فَرَاعَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَمَ ذِكْرِ تَقْدِيرِ الرِّبْحِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ سِلْعَةَ كَذَا، وَأَنَا أُرْبِحُك أَكْثَرَ أَوْ قَالَ أُرْبِحُك، وَلَمْ يُسَمِّ رِبْحًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَرَاهِيَةَ مِنْ أَجْلِ الْمَوْعِدِ فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ الْعَادَةَ أَوْ الْمَوْعِدَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ لَيْسَ عِنْدِي، وَلَكِنْ عُدْ إلَيَّ أَشْتَرِهِ لَك، وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ أَجْلِهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ، وَلَا عَادَةَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِأَجَلٍ، وَالثَّانِي بِالنَّقْدِ، وَهُوَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِآخَرَ ابْتَعْ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَنَا أَبْتَاعُهَا مِنْك بِنَقْدٍ بِعَشَرَةٍ أَوْ لَمْ يَقُلْ لِي فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، وَكَرِهَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَأَنَّ الْمُبْتَاعَ الْآخَرَ أَقْرَضَ الْأَوَّلَ عَشَرَةً لِيَدْفَعَهَا عَنْهُ عِنْدَ الْأَجَلِ إلَى بَائِعِ السِّلْعَةِ، وَيَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ خَمْسَةً. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ قَالَ ابْتَعْهُ لِي لَزِمَ الْآمِرَ مَا ابْتَاعَ لَهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَهُ نَفْسَهُ بِأَقَلَّ نَقْدًا، وَلَا بِأَكْثَرَ تَأْخِيرًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَشَرَةَ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ رُدَّتْ إلَيْهِ الْعَشَرَةُ، وَبَقِيَتْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الْآمِرِ إلَى الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اشْتَرِهِ لِي يَقْتَضِي مِلْكَ الْآمِرِ لَهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ اشْتَرِهَا، وَلَا تَقُلْ لِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ اشْتَرِهَا لِنَفْسِك بِخَمْسَةَ عَشَرَ مُؤَجَّلَةً، وَأَشْتَرِيهَا مِنْك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ فِي الَّذِي يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ يُرِيدُ بِالشِّرَاءِ هَاهُنَا السَّلَمَ فَمَنْ أَسْلَمَ فِي سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لِغَرَضٍ كَانَ لَهُ فِيهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ فَيُخْلِفُهُ الْبَائِعُ عِنْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ اسْتِغْنَاءِ الْمُسْلِمِ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْمُسْلِمَ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا أَخَّرَ الدَّيْنَ عَنْ مَحِلِّهِ لَمْ تَجِبْ بِذَلِكَ اسْتِحَالَةُ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَلَا نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا نَقْضُ الْعَقْدِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ ثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ لِيَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْغَدِ إلَى مَوْضِعٍ اُضْطُرَّ إلَى الْخُرُوجِ إلَيْهِ فَيُخْلِفُ الْكَرْيَ، وَيَفِرُّ بِدَابَّتِهِ، وَيُكْرِيهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَقَدْ اسْتَغْنَى الْمُكْتَرِي عَنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا رُكُوبُ الدَّابَّةِ، وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ الَّذِي عَقَدَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ رَفَعَ الْمُكْتَرِي أَمْرَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَكَانَ اكْتَرَى مِنْهُ رَاحِلَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ اكْتَرَى عَلَى الْكَرِيِّ رَاحِلَةً فَخَرَجَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ اكْتَرَى مِنْهُ رَاحِلَةً مُعَيَّنَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ عَلَيْهِ رَاحِلَةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْكِرَاءِ أَوْ يَنْقُدُ إلَى الْكَرِيِّ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِانْتِظَارِهِ، وَاخْتَارَ الْمُكْتَرِي الْفَسْخَ فُسِخَ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْكِرَاءُ لَمْ يَتَقَدَّرْ بِزَمَانٍ فَإِنْ تَقَدَّرَ بِزَمَانٍ فَإِنَّ الْكِرَاءَ بِفَوَاتِ الزَّمَنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ أَوْ بِنَفْسِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ كَالْكِرَاءِ مِنْ مَصْرَ إلَى إفْرِيقِيَةَ أَوْ الشَّامِ فَهَذَا لَا يَفُوتُ بِمَغِيبِ أَحَدِ الْمُتَكَارِيَيْنِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَالْكِرَاءُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا ثَابِتٌ مَا لَمْ يَفْسَخْهُ إمَامٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِبَّانَ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ بِإِبَّانٍ لَا يُمْكِنُ إلَّا فِيهِ كَاكْتِرَاءِ السُّفُنِ فِي الْبَحْرِ، وَالثَّانِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مَا مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الْعَمَلِ لَا يُمْكِنُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْإِبَّانِ كَاكْتِرَاءِ الْحَاجِّ إلَى مَكَّةَ وَاكْتِرَائِهِمْ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْإِبَّانِ لَا بِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى السَّلَمِ فِي الرُّطَبِ لِيُقْبَضَ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْ إبَّانِ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ، وَهَلْ يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْإِبَّانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي، وَهُوَ اكْتِرَاءُ الْحَاجِّ إلَى مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْكِرَاءَ يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَهُ إبَّانٌ فَوَجَبَ أَنْ تَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ كَكِرَاءِ السُّفُنِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ إنْ نَقَدَ الْكِرَاءَ فِي الْحَجِّ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْكِرَاءُ إلَى عَامٍ قَابِلٍ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فَجَازَ فَسْخُهُ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فِي الْحَجِّ فَقَالَ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ بَقِيَ إلَى قَابِلٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْكِرَاءَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ بِالْفَسْخِ كَالْكِرَاءِ لِأَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْأَيَّامِ لِلْكِرَاءِ إنَّمَا هِيَ أَنْ يَتَقَدَّرَ الْعَمَلُ بِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا عِنْدِي لَا يَنْفَسِخُ بِخُرُوجِ أَوَّلِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِغَيْبَةِ الْمُكْتَرِي عَنْهُ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَاتَهُ الْحَجُّ عَلَى السَّيْرِ الْمُعْتَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَلَّمَ فِي ضَحَايَا لِيُوَفِّيَ بِهَا عِيدَ الْأَضْحَى فَغَابَ عَنْهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَأَتَاهُ بِهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْأَضْحَى فَقَدْ قَالَ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ يَبْطُلُ السَّلَمُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ سَلَّمَ فِي الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فَفَاتَ إبَّانُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ قَبْضِ بَعْضِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَتَأَخَّرُ إلَى إبَّانِهِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بَقِيَّةَ رَأْسِ مَالِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ أَوْ يُعَجِّلَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنْ طَلَبَ التَّأْخِيرَ مِنْهُمَا فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى التَّعْجِيلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، وَمَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى قَابِلٍ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ مَنْ شَاءَ الْمُحَاصَّةَ فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى التَّأْخِيرِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ إلَى قَابِلٍ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ سَحْنُونٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ ثَبَتَ بَيْنَهُمَا، وَلَزِمَ فِي الْأَعْيَانِ فَلَا يَنْتَقِلُ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِمَا كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْبَائِعُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ مَسْأَلَةُ الْكِرَاءِ لِلْحَجِّ أَنْ تَكُونَ مُخَالِفَةً لِهَذِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّتْ بِالشَّرْعِ، وَهَذِهِ لَا تَتَوَقَّتْ بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا تَتَوَقَّتُ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْقَضَاءِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَالِفَهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ عَلَى الْمَنَافِعِ مُخَالِفَةٌ لِلْعُقُودِ عَلَى الْأَعْيَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِفَوَاتِ الْإِبَّانِ، وَلِذَلِكَ فُسِخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَرَاكِبِ بِفَوَاتِ الْإِبَّانِ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَرْكَبًا أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهِ فَفَاتَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ مِنْهَا عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ مِمَّا يَخْتَصُّ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، وَالْأَعْيَانُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ عُقُودَهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى اللُّزُومِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَعْدَمُهُ لِكَثْرَةِ جِنْسِهِ وَسَعَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَشْهَبَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا الْفَسْخُ وَالتَّعْجِيلُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عِوَضًا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ مَا يُخَيَّرُ فِيهِ فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ مِنْ عَشْرِ نَخَلَاتٍ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُبْتَاعُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يُعَاوِضَهُ فِي رُطَبِ عَامٍ قَابِلٍ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ تَأْخِيرِ دَيْنِهِ وَبَيْنَ إبْقَاءِ ثَمَرَتِهِ عَلَيْهِ إلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَكْتَالُهُ ثُمَّ يَأْتِيهِ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَيُخْبِرُ الَّذِي يَأْتِيهِ أَنَّهُ قَدْ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَوْفَاهُ فَيُرِيدُ الْمُبْتَاعُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ بِكَيْلِهِ إنَّ مَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِنَقْدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ حَتَّى يَكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الَّذِي إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا، وَتَخَوُّفٌ أَنْ يُدَارَ ذَلِكَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَامٍ قَابِلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ بَقَاؤُهَا إلَى عَامٍ آخَرَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِتَأْخِيرِ مَالِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي كِرَاءِ السُّفُنِ. وَقَدْ اتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ كَالْعَيْبِ يَجِدُهُ بِالْمَبِيعِ فَلَهُ رَدُّهُ، وَلَهُ إبْقَاؤُهُ، وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً مِنْ أَعْلَى الرَّقِيقِ فَتَوَاضَعَاهَا ثُمَّ أَطْلَعَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا لَكَانَ لَهُ الرِّضَا بِهَا، وَانْتِظَارُ قَبْضِهَا إذَا انْقَضَتْ مُوَاضَعَتُهَا أَوْ رَدَّهَا الْآنَ مُعَجَّلًا فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ، وَهَذَا حُكْمُ كِرَاءِ السُّفُنِ إذَا فَاتَ إبَّانُ جَرْيِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ الْفَسْخُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْقَائِلِينَ بِالتَّخْيِيرِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ شَاءَ التَّأْخِيرَ فَذَلِكَ لَهُ، وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ شَاءَ التَّعْجِيلَ فَذَلِكَ لَهُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ مَنْ أَرَادَ التَّأْخِيرَ بِالتَّعْجِيلِ كَمَا يَلْحَقُ مَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ بِالتَّأْخِيرِ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَلَمُهُمَا بِعَيْنٍ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يَنْتَقِلَانِ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي نَقْلِهِمَا عَنْهُ مَضَرَّةٌ لَاحِقَةٌ لِمَنْ كَرِهَ التَّعْجِيلَ، وَنَقَلَ عَيْنَ الْمَبِيعِ إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ إذَا اسْتَوَتْ الضَّرُورَةُ كَانَ الْبَقَاءُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ أَوْلَى كَمَا يَلْزَمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ ضَرُورَةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعْجِيلِ فَالضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالتَّأْخِيرِ مُخْرِجٌ عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ فَكَانَتْ مُرَاعَاتُهُ أَوْلَى مِنْ ضَرَرٍ لَا يُخْرِجُ عَنْ حُكْمِ الْعَقْدِ بَلْ يُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِتَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضِيقِ حَالِهِ، وَلَكِنَّهُ ضَرَرٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَلَا يُغَيَّرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ. (فَرْعٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَةِ رَأْسِ مَالِهِ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا تَرَاضَيَا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَخِّرَ أَوْ يُعَجِّلَ فَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ فِي التَّخْيِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّرَرَ يَخْتَصُّ بِهِ فِي تَأْخِيرِ مَا لَهُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهُ، وَهَذَا غَالِبُ الْحَالِ فَكَانَ الْخِيَارُ مُخْتَصًّا بِهِ كَمُكْتَرِي السَّفِينَةِ وَوَاجِدِ الْعَيْبِ بِالْمَبِيعِ فِيهِ الْمُوَاضَعَةُ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا الْبَيْعُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ إنْ تَحَاسَبَا فَجَائِزٌ أَنْ يَأْخُذَ بِبَقِيَّةِ رَأْسِ مَالِهِ مَا شَاءَ مُعَجَّلًا حَاشَا الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُهُ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ اقْتِضَاءٌ طَعَامٍ مُعَجَّلٍ فِي طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى قَابِلٍ بِالثَّمَرَةِ فَتَرَكَهَا، وَأَخَذَ مَكَانَهَا طَعَامًا كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ خَفَّفَهُ أَصْبَغُ فِي الطَّعَامِ عَلَى إقْرَارٍ مِنْهُ بِالْمَعْنَى فِيهِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَأْخُذُ فِيمَا لَا يُقْطَعُ إبَّانُهُ مِنْ الْعِنَبِ زَبِيبًا أَوْ عِنَبًا شَتْوِيًّا رَطْلًا بِرَطْلَيْنِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَّمَ فِي لَحْمِ ضَأْنٍ فَانْقَطَعَ إبَّانُهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِبَاقِي سَلَمِهِ لَحْمَ بَقَرٍ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ نَقْدًا يَقْبِضُ جَمِيعَهُ مَكَانَهُ فَأَمَّا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ مَا شَاءَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا الْمُحَاسَبَةُ فِيمَا لَيْسَ لِحَائِطٍ بِعَيْنِهِ، وَرَوَى عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْكَاتِبِ إنَّمَا يَقَعُ مَا ذَكَرَهُ إذَا حُكِمَ بِالْفَسْخِ أَوْ أَشْهَدَ بِالْفَسْخِ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ لَحْمًا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِلْخِلَافِ الَّذِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا فِيهِ خِلَافٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ أَوْ إشْهَادٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ لَا اعْتِبَارَ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.

هَذَا الْوَجْهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ، وَلَا وَزْنٍ فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ شِرَاءَ الطَّعَامِ بِالنَّقْدِ إذَا رَضِيَ الْمُبْتَاعُ أَنْ يُصَدِّقَ الْبَائِعَ فِي كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ إنْ كَانَ مَوْزُونًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِ اسْتِثْقَالَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ إذَا بِيعَ بِالتَّأْخِيرِ، وَالذَّرِيعَةُ فِيهِ أَبْيَنُ فَعَلَى تَأْوِيلِ مَالِكٍ لَا يَتَعَلَّقُ كَرَاهِيَتُهُمْ لَهُ بِالنَّقْدِ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ بِالنَّقْدِ دُونَ النَّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَصْدِيقِهِ فِيمَا ابْتَاعَ بِالنَّقْدِ وَجْهٌ بَيِّنٌ مِنْ الذَّرِيعَةِ إلَى أَمْرٍ مَكْرُوهٍ، وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الذَّرِيعَةَ فِي التَّأْخِيرِ أَبْيَنُ، وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي النَّقْدِ وَجْهًا مِنْ الذَّرِيعَةِ لَيْسَ يُفْتَى بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا مَا سُمِّيَ لَهُ كَيْلُهُ أَوْ حَضَرَ كَيْلَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ عَلَى الْكَيْلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّصْدِيقُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ بَائِعِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اكْتَالَهُ حَتَّى يَكِيلَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْكَيْلُ فَيَفْسَخُ الْبَائِعُ مِنْهُ إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى مَا لَا يَرْضَى الْمُبْتَاعُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا عَلَى الْكَيْلِ رَجَعَ بِالتَّصْدِيقِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي إلَى الْكَيْلِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَهُ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَأَسْقَطَ عَنْ الْبَائِعِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْكَيْلِ وَالضَّمَانِ، وَالرُّجُوعِ بِالنَّقْضِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ نَقْصِ الْكَيْلِ فَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ يُؤَثِّرُ التَّصْدِيقُ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا بَعْدَ أَنْ تَرَكَهَا لِلْبَائِعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ التَّصْدِيقِ فِيمَا اشْتَرَى عَلَى الْكَيْلِ، وَفِيمَا اشْتَرَى عَلَى التَّصْدِيقِ يَكِيلُهُ إنْ هُوَ بِحَضْرَةِ بَيِّنَةٍ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ، وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ وُجِدَ نَقْصًا لَا يَكُونُ مِنْ نَقْصِ الْكَيْلِ مِمَّا يُشْبِهُ الْغَلَطَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ، وَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ فَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ أَنَّهُ بَاعَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ كَيْلِهِ، وَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ، وَرَجَعَ بِمَا نَقَصَ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ زِيَادَةً فِي الْكَيْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا كَيْلًا سَمَّاهُ فَوَجَدَهَا تَزِيدُ فَلْيَرُدَّ الزِّيَادَةَ، وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا عَلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ كَانَ النَّقْصُ، وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ نَقَصَتْ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ كَذَلِكَ إذَا زَادَتْ رَدَّ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا عَلَى التَّصْدِيقِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَبِيعُهُ هُوَ حَتَّى يَغِيبَ عَلَيْهِ وَيَكِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بَيْعُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ، وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَأَصْبَغُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الذَّرِيعَةَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ صَدَّقَ الْبَائِعَ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ أَحْضَرَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ كَيْلَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْهُ فَلَا يَضُرُّهُ التَّصْدِيقُ، وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ اكْتَالَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ زِقًّا فِيهِ سَمْنٌ بِقَمْحٍ جُزَافًا، وَزَعَمَ بَائِعُ الزِّقِّ أَنَّ فِيهِ عَشَرَةَ أَقْسَاطٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كُرِهَ أَنْ يَأْخُذَ السَّمْنَ بِقَوْلِ صَاحِبِهِ، وَبِهِ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ، وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ غَيْرِ نَاجِزٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَبِرَ كَيْلَهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّصْدِيقَ مَعْنًى يَخْرُجُ بِهِ الطَّعَامُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَالْكَيْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا بِيعَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ إلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الْمَنْعِ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَاعُ تَجُوزُ فِي بَعْضِ الْكَيْلِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ رَجَاءَ التَّأْخِيرِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ هَدِيَّةِ الْمِدْيَان، وَمَنْ ابْتَاعَ بِنَقْدٍ فَقَدْ سَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فَهُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ مَا يُتْرَكُ لِلْبَائِعِ مِنْ نَقْصِ الْكَيْلِ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ إلَى أَجَلٍ، وَيُصَدِّقُهُ الْبَائِعُ عَلَى كَيْلِهِ إذَا كَانَ يَكِيلُهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ وَلَا حَاضِرٍ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَا عَلَى مَيِّتٍ، وَإِنْ عَلِمَ الَّذِي تَرَكَ الْمَيِّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا يَتِمُّ قَالَ: وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَيْنًا عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ ذَهَبَ الثَّمَنُ الَّذِي أَعْطَى الْمُبْتَاعُ بَاطِلًا قَالَ مَالِكٌ، وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا عَيْبٌ آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ ذَهَبَ ثَمَنُهُ بَاطِلًا فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقُرْبِ قَالَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ عَلَى الْمَيْلِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا يَتَأَخَّرُ كَيْلُهُ الْأَيَّامَ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ إلَى بَلَدٍ يَبْلُغُهُ لَمْ يَجُزْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ، وَنَقْصَهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ مَا يُوفِيهِ النَّقْصَ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنْ قَرُبَ، وَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فَمَا نَقَصَ، وَفَّيْتُكَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ سَوَاءٌ شَرْطَاهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُدُهُ إلَّا قَدْرَ مَا لَا يَشُكَّانِ فِيهِ، وَرَوَى فِي الْمُدَوَّنَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ شَرْطٍ قَالَ؛ لِأَنَّهُ إنْ نَقَصَ الطَّعَامُ كَانَ قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ ذِكْرَ حَقٍّ لِلْبَائِعِ بِشَيْءٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَيَدْخُلُهُ بَابٌ آخَرُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ الْفَسَادِ، وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ بِأَنْ لَا يَكْتُبَ ذِكْرَ الْحَقِّ حَتَّى يَكْتَالَهُ أَوْ يُبَيِّنَ فِي ذَلِكَ الْحَقَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى التَّصْدِيقِ فِي كَيْلِهِ، وَأَمَّا الْأَبْوَابُ الْأُخَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ الْفَسَادِ فَلَعَلَّهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (ش) :، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْغَائِبِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِشُهُودٍ عُدُولٍ أَوْ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا بِدَعْوَى الْبَائِعِ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَعْوَى الْبَائِعِ لَهُ فَلَا خَوْفَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ لِجَوَازِ أَنْ يُنْكِرَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَيَبْطُلَ ذَلِكَ كَشِرَاءِ الْآبِقِ، وَإِنْ نَقَدَ فِيهِ دَخَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَنْكَرَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِمَا نَقَدَ فِيهِ، وَإِنْ نَقَدَ الْبَيْعَ فِيهِ كَانَ ثَمَنًا لِمَا اشْتَرَاهُ فَيَكُونُ تَارَةً بَيْعًا، وَتَارَةً سَلَفًا، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةِ عُدُولٍ فَهَلْ يَجُوزُ شِرَاؤُهُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَائِبٌ رَوَى دَاوُد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ، وَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ حَيٌّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ثَبَتَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ لَا أُحِبُّهُ إلَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا بِعْت الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ، وَالْيَوْمَيْنِ فَقَطْ، وَلَا يُؤَخِّرُ الْغَرِيمُ إذَا بِعْته مِنْهُ إلَّا مِثْلَ ذَهَابِهِ إلَى الْبَيْتِ، وَأَمَّا أَنْ تُفَارِقَهُ ثُمَّ تَطْلُبَهُ فَلَا يَجُوزُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْمُبْتَاعِ إذَا كَانَ غَيْرُهُ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَالْيَسِيرُ مِنْهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِذَا بِعْته مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَهُوَ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ مَا لَا يُمْكِنُ الْقَبْضُ إلَّا بِهِ فَإِنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ يَسِيرًا فَبِقَدْرِ مَا يَأْتِي بِمَنْ يَحْمِلُهُ، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا كَثِيرًا جَازَ ذَلِكَ مَعَ اتِّصَالِ الْعَمَلِ فِيهِ، وَلَوْ اتَّصَلَ شَهْرًا قَالَهُ أَشْهَبُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ حَاضِرًا أَوْ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ كَالشَّيْءِ يَكُونُ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ مَخْزَنِهِ أَوْ حَانُوتِهِ فَيَذْهَبَانِ مِنْ فَوْرِهِمَا لِقَبْضِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ حَلَّ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَحِلَّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يَدْخُلُهُ مِنْ التَّأْخِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ مِنْ أَجْلِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ مَغِيبِ الْمَبِيعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِكِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْعَهُ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إجَازَتَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَعْنًى يُعْتَبَرُ بِهِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَبْرَأُ بُرْءًا تَامًّا فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَخَذَ بِهِ جَارِيَةً تَتَوَاضَعُ أَوْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ لَا يَبِيعَ الرَّجُلُ إلَّا مَا عِنْدَهُ، وَأَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْعَيْنَةِ إنَّمَا يَحْمِلُ ذَهَبَهُ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا فَيَقُولَ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَمَا تُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَك بِهَا فَكَأَنَّهُ يَبِيعُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ فَلِهَذَا كُرِهَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تِلْكَ الدُّخْلَةُ وَالدُّلْسَةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمْرًا يَتَأَخَّرُ، وَوَجْهُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهَا إلَّا بِقَبْضِ الرِّقَابِ، وَذَلِكَ قَدْ وُجِدَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالثَّوْبِ يَصْبُغُهُ أَوْ يَخِيطُهُ أَوْ الْحِنْطَةِ يَطْحَنُهَا أَوْ يُكْرِي لَهُ مِنْهُ أَرْضًا فَقَدْ مَنَعَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ إلَّا الْعَمَلَ الْيَسِيرَ، وَالدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ حَلَّ لَمْ يَجُزْ فِي يَسِيرٍ، وَلَا فِي كَثِيرٍ، وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فِي دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ أَخَافُ أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يَغِيبَ فَيَتَأَخَّرَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَصِيرَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ لَهُ، وَلَا يَكُونُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ عَلَيْهِ فَيَفْسَخُهُ فِي غَيْرِهِ، وَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْقَى إلَى الْأَجَلِ، وَأَمَّا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ دَيْنُهُ الْحَالُ فِي الْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ لَا يَبْقَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الِاسْتِئْجَارِ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا يُضَارِعُ بَيْعَ الدَّيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ مِنْ عُرُوضٍ يَقْضِيكَهَا بِبَلَدٍ فَتَلْقَاهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَتَرَاضَيْتُمَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَالَك عَلَيْهِ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ لَا أَفْضَلَ، وَلَا أَدْوَنَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ كَانَ دَيْنُك مِنْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ قَبْلَ الْأَجَلِ مِثْلُهُ، وَيَجُوزُ فِي الْقَرْضِ أَجْوَدُ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ إذَا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ لَمْ يَخْلُ مِنْ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ، وَأَزِيدُك أَوْ ضَعْ، وَتَعَجَّلْ، وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ قَبْلَ السَّلَمِ جَازَ قَبْلَ الْأَجَلِ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَدْوَنُ، وَلَا أَفْضَلُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَجُوزُ فِي الْقَرْضِ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَدْوَنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَتَعَجَّلَهُ فَيَدْخُلُهُ ضَعْ وَتَعَجَّلْ. (ش) : هَذَا عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مِنْ وُجُوهِ فَسَادِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ إنْ عَمِلَ أَهْلُ الْعَيْنَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إلَى سَلَفِ دِرْهَمٍ فِي دِرْهَمٍ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ هَذِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَشْتَرِي لَك بِهَا مَا شِئْت أَبِيعُهُ مِنْك بِخَمْسَةَ عَشَر دِينَارًا إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ عَشَرَةً نَقْدًا بِخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك بِسَبَبِ الذَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ لِمَا كَانَ يَتَكَرَّرُ قَصْدُهُ، وَإِلَّا فَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك مَمْنُوعٌ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِك عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ ابْتَاعَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ فَقَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» ، وَهَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَإِذَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ عَلَى الْحَوْلِ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَتَضَمَّنَ خُرُوجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَعَلَى أَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّلَمَ فِي الظَّاهِرِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ لِبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَيُطْلَبُ عَقِيبَ الْبَيْعِ بِقَضَائِهِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا. (فَرْقٌ) وَفَرْقٌ بَيْنَ شِرَاءِ مَا عِنْدَ الْبَائِعِ وَبَيْنَ السَّلَمِ فِيهِ أَنَّ السَّلَمَ اخْتَصَّ بِالتَّأْجِيلِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْبَيْعُ يَخْتَصُّ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ، وَمَا اخْتَصَّ بِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّصْحِيحِ لِلْعَقْدِ كَالْأَجَلِ فِي السَّلَمِ وَفَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ يُنَافِي التَّعْيِينَ فِي الْمَبِيعِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ فَضَمَانُهُ إلَى الْأَجَلِ، وَالْبَيْعُ يُنَافِي عَدَمَ التَّعْيِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِهِ، وَتَفَاوُتِ ثَمَنِهِ مَعَ كَوْنِهِ حَالًا عَلَيْهِ فَلَا يَجِدُ السَّبِيلَ إلَى تَسْلِيمِهِ.

[ما جاء في الشركة والتولية والإقالة]

(مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ) (ص) : (مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ، وَيَسْتَثْنِي ثِيَابًا بِرُقُومِهَا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى فَإِنِّي أَرَاهُ شَرِيكًا فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اُشْتُرِيَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قُبِضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ، وَلَا وَضِيعَةٌ، وَلَا تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ، وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إقَالَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ أَصْنَافًا مِنْ الْبَزِّ، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا ثِيَابًا بِمَا رُقِمَ عَلَيْهَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ رَقْمُ جِنْسٍ مَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ النَّوْعِ الَّذِي اسْتَثْنَى مِنْهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الِاخْتِيَارَ أَوْ لَا يَشْتَرِطَ شَيْئًا فَإِنْ اسْتَثْنَى الِاخْتِيَارَ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا اسْتَثْنَى الِاخْتِيَارَ الْأَكْثَرَ مِنْهُ، وَهُوَ بَائِعٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا فَهُوَ شَرِيكٌ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ جَمِيعِ عَدَدِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي اسْتَثْنَى مِنْهُ ثَلَاثِينَ ثَوْبًا فَيَسْتَثْنِي مِنْهَا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا فِي ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمَتَاعِ بِالثُّلُثِ لَهُ ثُلُثُهُ، وَلِمَنْ ابْتَاعَهُ ثُلُثَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَفْضَلُهُمَا، وَلَا أَدْنَاهُمَا لَتَفَاوُتِ أَثْمَانِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْ الثِّيَابِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي الرُّقُومِ إمَّا؛ لِأَنَّ الرَّقْمَ بِمَعْنَى النَّوْعِ، وَإِمَّا لِغَلَاءِ أَوْ رُخْصِ، وَإِمَّا أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَقَمَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ وَاحِدٍ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ تَعْيِينًا، وَلَا اخْتِيَارًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِعَدَدِ مَا اسْتَثْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ لَأَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ بِأَنْ يُولِيَ أَحَدًا جُزْءًا مِنْهُ أَوْ يُولِيَهُ جَمِيعَهُ أَوْ يَقْبَلَ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى رَبِيعَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، وَأَرْخَصَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِنْ عُقُودِ الْمُكَارَمَةِ فَاسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ كَمَا اسْتَثْنَى بَيْعَ الْعَرِيَّةِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ بِالنَّقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ وَلَا، وَضِيعَةٌ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ النَّقْدُ أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى النَّقْدِ، وَتَكُونُ عَلَى ذَلِكَ الشَّرِكَةُ أَوْ التَّوْلِيَةُ أَوْ الْإِقَالَةُ، وَلَوْ كَانَ النَّقْدُ الْأَوَّلُ عَلَى التَّأْجِيلِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ الْبَيْعِ، وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ نَقْصٌ وَلَا زِيَادَةُ غَيْرِ مَا انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَكَادُ الرَّقْمُ يَتَسَاوَى، وَلَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَرِكَةٌ، وَلَا تَوْلِيَةٌ، وَلَا إقَالَةٌ لِعَدَمِ تَسَاوِي الرَّقْمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِالنَّقْدِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ بِالنَّقْدِ دُونَ تَأْخِيرٍ، وَلَا زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ، وَلَا نَقْصٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ إلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْمَحْضِ الْمُنَافَى لِلْمُكَارَمَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ وَاَلَّذِي يَمْنَعُ أَنْ يَمْلِكَ بِهِ الطَّعَامَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ أَوْ زِيَادَةُ ثَمَنٍ أَوْ نَقْصٌ مِنْهُ فَلَيْسَ بِشَرِكَةٍ، وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إقَالَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ أَحَدِهِمَا صَارَ بَيْعًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا تَكُونُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقًا فَبَتَّ بِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشْرِكَهُ فَفَعَلَ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعًا ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا فَإِنَّ الْمُشْرِكَ يَأْخُذُ مِنْ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ، وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيْعَهُ الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْرِكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَك عَلَى الَّذِي ابْتَعْت مِنْهُ، وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ، وَفَاتَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَشَرْطُ الْآخَرِ بَاطِلٌ، وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَانْقُدْ عَنِّي، وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك إنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حِينَ قَالَ اُنْقُدْ عَنِّي، وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسَلِّفُهُ إيَّاهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ، وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ أَوْ فَاتَتْ أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ لَهُ فَهَذَا مِنْ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِقَالَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ إلَّا عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا نُقْصَانَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا تَأْخِيرٌ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ الْمُسْلَمِ أَوْ يَكُونُ الْمَبِيعُ مِنْهُ الطَّعَامُ ثُمَّ قَدْ أَخَّرَ بِثَمَنِهِ ثُمَّ أَقَالَ مِنْهُ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ اشْتَرَكَ أَوْ وَلَّى عَلَى التَّعْجِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ عُقُودِ الْمُكَارَمَةِ إلَى الْمُبَايَعَةِ الْمَحْضَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُغَابَنَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إيقَاعُهَا فِي طَعَامٍ بِيعَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ مِنْ أَنْ لَا يَقَعَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ فَلَا يَقَعُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بَزًّا أَوْ رَقِيقًا فَبَتَّ شِرَاءَهُ يُرِيدُ اشْتَرَاهُ عَلَى الْقَطْعِ دُونَ الْخِيَارِ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِ رَجُلًا بِأَنْ بَاعَهُ نِصْفَهُ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، وَنَقَدَ الثَّانِي صَاحِبَ السِّلْعَةِ يُرِيدُ الْبَائِعَ جَمِيعَ ثَمَنِ السِّلْعَةِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّ دَافِعَ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الْأَوَّلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ عَلَى بَائِعِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَكَوْنُهُ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ عُهْدَةَ الشَّرِيكِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَشْرَكَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَعَدَمُ الشَّرْطِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ بِأَنَّهُ بَيْعٌ مُسْتَأْنَفٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَك عَلَى الَّذِي ابْتَعْت مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ الشَّرْطَ يَصِحُّ فِي الْوَقْتَيْنِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَقَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا مُفَارَقَةً بَيِّنَةً، وَيُقْطَعُ مَا كَانَا فِيهِ مِنْ الْبَيْعِ وَمُذَاكَرَتِهِ، وَقَبَضَ مِنْهُ حَقَّهُ أَوْ أَخَّرَهُ بِهِ فَانْبَتَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَشْرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَيْعَ قَبْلَ هَذَا أَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ صَحَّ مَا شَرَطَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرَطِ وَالْمُولِي، وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَرْطِهِ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَانْقُدْ عَنِّي، وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اُنْقُدْ عَنِّي اشْتِرَاطُ سَلَفٍ يُسَلِّفُهُ ثَمَنَهَا لِيَكْفِيَهُ هُوَ مُؤْنَةَ بَيْعِهَا، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ دُونَهُ فَقَدْ جَعَلَ جُعْلَهُ فِي الِانْفِرَادِ بِبَيْعِ السِّلْعَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا يُسْلِفُهُ الْآخِرُ مِنْ ثَمَنِهَا إلَى أَنْ يَبِيعَهَا وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفَهُ، وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَى هَذَا السَّلَفِ بِأَنَّ السِّلْعَةَ لَوْ هَلَكَتْ لَرَجَعَ الْمُسْلِفُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَسْلَفَهُ مِنْ ثَمَنِهَا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَاهُ السَّلَفُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا مُقَارَضَةٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا الْعَقْدِ، وَيُدْخِلُهُ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ مَا وُجِّهَ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَقَعَ هَذَا فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا، وَلِلْمُسَلِّفِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا أَسْلَفَهُ نَقْدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاعَ السِّلْعَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي وَجَبَ بِهِ عَلَيْهِ قَدْ نُقِضَ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِفُ قَدْ بَاعَ السِّلْعَةَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِيمَا بَاعَ مِنْ نَصِيبِ الْمُتَسَلِّفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ صَحِيحًا لَهُمَا جَمِيعًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَسَادُ فِي الْإِجَارَةِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ سِلْعَةً فَوَجَبَتْ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَأَنَا أَبِيعُهَا لَك جَمِيعًا كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَجْلِ السَّلَفِ فَالسَّلَفُ مَرْدُودٌ، وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ لِشَرِيكِهِ، وَلَهُ رِبْحُ حِصَّتِهِ مِنْ السِّلْعَةِ وَلِشَرِيكِهِ رِبْحُ حِصَّتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ظَهَرَ عَلَى هَذَا قَبْلَ النَّقْدِ لَأَمْسَكَ الْمُسْلِفُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِفَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ الْمُسْلِفُ عَمِلَ فِي حِصَّتِهِ دُونَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَكَانَ عَلَى شَرِيكِهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حِصَّتِهِ أَوْ يَسْتَأْجِرَ الْمُسْلِفُ اسْتِئْجَارًا مُسْتَأْنَفًا صَحِيحًا. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً، وَثَبَتَ لَهُ مِلْكُهَا ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ أَشْرِكْنِي فِي نِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَأَنَا أَبِيعُ لَك جَمِيعَهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَهُ النِّصْفَ الَّذِي أَشْرَكَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَبِعَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ يَتَنَاوَلُ بَيْعَهَا إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا فَلَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ، وَالسِّلْعَةَ مَعْلُومَةٌ، وَعَمَلَ الشَّرِيكِ فِي بَيْعِهَا مَعْلُومٌ، وَوَجْهَ تَنَاوُلِهِ فِي ذَلِكَ مَعْلُومٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اللُّزُومِ، وَمَقْصُودُهُمَا وَاحِدٌ فَلَا يَتَنَافَيَانِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَ الْجُعْلُ، وَالْبَيْعُ فِي عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْبَيْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّزُومِ فَهُمَا يَتَنَافَيَانِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِجَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ شُرُوطًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ لِمُدَّةِ الْبَيْعِ أَجَلًا فَيَقُولَ عَلَى أَنْ أَبِيعَ لَك النِّصْفَ الثَّانِيَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجَلِ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَصْلِ الْكِتَابِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ نِصْفَ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ الْمُشْتَرِي النِّصْفَ الثَّانِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَهُوَ أَحْرَمُ لَهُ. فَوَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْأَجَلِ، وَيَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ أَنَّ عَدَمَ الْأَجَلِ يُبْطِلُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْجُعْلَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِنَ الْبَيْعَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا ضَرَبَ الْأَجَلَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَصَحَّ مُقَارَنَتُهَا لِلْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَى مُعَيَّنًا لَا يَقْبِضُهُ إلَّا إلَى الْأَجَلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّتَ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ بِالشَّرِكَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْعَيْنِ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ إجَارَةُ بَيْعِهِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَبَاعَ السِّلْعَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ نِصْفَ الثَّوْبِ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ شَهْرًا، وَكَانَ قِيمَةُ بَيْعِهِ إيَّاهُ شَهْرًا دِرْهَمَيْنِ فَصَارَ ثَمَنُ الثَّوْبِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فَبَاعَهُ فِي نِصْفِ الشَّهْرِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ إجَارَةِ الْمُدَّةِ، وَذَلِكَ نِصْفُ سُدُسِ ثَمَنِ نِصْفِ الثَّوْبِ، وَذَلِكَ رُبُعُ سُدُسِ قِيمَةِ الثَّوْبِ كُلِّهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ بِذَلِكَ ثَمَنًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ قَائِمًا فَيَكُونَ لَهُ شَرِيكًا بِهِ فِيهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا بَاعَ الْأَجِيرُ نِصْفَ الْمُسْتَأْجَرِ، وَبَقِيَ نِصْفُهُ الَّذِي بِيعَ مِنْهُ، وَاسْتُؤْجِرَ بِهِ بِيَدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ مِمَّا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ مِمَّا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا كَالطَّعَامِ وَالْحِنَّاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقْبِضُ الطَّعَامَ، وَيُغَابُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَبِيعُ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَيَرُدُّ طَعَامًا قَدْ غَابَ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُهُ السَّلَفُ وَالْإِجَارَةُ.

[ما جاء في إفلاس الغريم وفيه أبواب]

(مَا جَاءَ فِي إفْلَاسِ الْغَرِيمِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي إفْلَاسِ الْغَرِيمِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ» الْفَلَسُ هُوَ عَدَمُ الْمَالِ، وَهُوَ الْإِعْسَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ مَجْهُولًا فَلَسُهُ أَوْ مَعْلُومًا فَلَسُهُ أَوْ مَعْلُومًا غِنَاهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْفَلَسِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُحْبَسُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ حَتَّى يَسْتَبِدَّ أَمْرَهُ لَعَلَّهُ غَيَّبَ مَالَهُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ، وَيُحْبَسُ النِّسَاءُ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ فِي الدَّيْنِ فِي اللَّدَدِ وَالتُّهْمَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِعْسَارِ يُنَافِيهِ إقْرَارُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عِوَضَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُوسِرٌ بِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ خِلَافُ مَا يَدَّعِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ السِّجْنَ لِتَحَقُّقِ حَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ ادَّعَى الْفَقْرَ، وَظَاهِرُهُ الْغِنَى، وَأَقَامَ بَيِّنَةً فِي الْفَقْرِ، وَلَمْ تُزَكَّ بَيِّنَتُهُ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِ حَمِيلٌ وَسِجْنٌ حَتَّى تُزَكَّى بَيِّنَتُهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا لِمَنْ تَفَالَسَ، وَيَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ، وَوَعَدَ بِالْقَضَاءِ فَلْيُؤَخِّرْهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا يَرْجُو لَهُ، وَلَا يَعْجَلْ عَلَيْهِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ إنْ سَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ أُخِّرَ، وَيُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا بِهِ سُجِنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعَذُّرَ الْقَضَاءِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَإِذَا أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ، وَسَأَلَ النَّظِرَةَ إلَى مِثْلِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى الْمُطَالِبِ لَهُ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَفِّقَهُ مِثْلَ هَذَا التَّأْخِيرِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ سَمَّاكٌ لِرَجُلِ عَلَيْهِ سَمَكٌ فَسَأَلَ الصَّبْرَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَصِيدَ قَالَ يَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي رِوَايَتِهِ الْحَمِيلَ، وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْحَمِيلُ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْأَجَلُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ إلَّا بِحَمِيلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّمَّاكُ عَدِيمًا يُعْلَمُ أَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَجِدُ قَضَاءً إلَّا مِنْ تَصَيُّدِهِ فَيَتْرُكُ، وَالتَّصَيُّدَ لِأَنَّهُ الْوَجْهُ الَّذِي يُسْلِمُ إلَيْهِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمُدَّةُ سَجْنِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فَقَالَ يُحْبَسُ فِي الدُّرَيْهِمَاتِ الْيَسِيرَةِ قَدْرَ نِصْفِ شَهْرٍ، وَفِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي الْوَسَطِ مِنْهُ شَهْرَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُجِنَ عَلَى وَجْهِ اخْتِبَارِ حَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ الَّذِي يُخْتَبَرُ مِنْ أَجْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَيُحْبَسُ الْوَصِيُّ فِيمَا عَلَى الْأَيْتَامِ مِنْ دَيْنٍ إذَا كَانَ لَهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِي دَيْنِ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَهُ بِيَدِهِ مَالٌ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَبَضَ لَهُ مَالًا، وَلَا يَعْلَمُ بَقَاءَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَيُحْبَسُ الْأَبُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُحْبَسُ الْأَبُ فِي دَيْنِ الْوَلَدِ يُرِيدُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَطْلُبُهُ بِهِ، وَأَمَّا تَرْكُهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَضَرَرٌ يَلْحَقُ الْوَلَدَ، وَغَيْرَهُ يَطْلُبُهُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ فِي الدَّيْنِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَيُحْبَسُ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ فِي الدَّيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرْمَةُ وَالْمَنْزِلَةُ إلَّا الْوَالِدَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَجْلِ حُرْمَتِهِ وَقَرَابَتِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْأُبُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَيُحْبَسُ سَائِرُ الْقَرَابَاتِ مِنْ الْأَجْدَادِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُحَلِّفُهُ، وَيُطْلِقُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ الشُّهُودُ إنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، وَيَنْقَضِي أَمْرُ السِّجْنِ، وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِلْمِ فَعَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَاطِنِ بِالْبَتِّ كَالرَّجُلِ يَسْتَحِقُّ الدَّارَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ لَهُ عَلَى عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَوْتَهُ فَيَحْلِفُ هُوَ عَلَى الْبَاطِنِ بِالْبَتِّ وَالْقَطْعِ أَنَّهُ مَا فَوَّتَهُ. 1 - (فَصْلٌ) وَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ فَلَسُهُ، وَعُلِمَ عُدْمُهُ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يُحْبَسُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فَلَا يُحْبَس حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يُؤَاجِرُ الْمُفْلِسُ فِي دَيْنِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ دُونَ عَمَلِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. (فَصْلٌ) وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ غِنَاهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرَ أَمْرِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيَّةِ يُحْبَسُ حَتَّى يُوَفِّيَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَهَذَا لَا يُصْرَفُ، وَلَا يُعَجَّلُ سَرَاحُهُ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ ثُمَّ يَدَّعُونَ ذَهَابَهَا، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ سُرِقَ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا أُحْرِقَ لَهُ مَنْزِلٌ، وَلَا أُصِيبَ بِشَيْءٍ. 1 - (فَصْلٌ) وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فَلَسُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَيَحْجُرُ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْسِمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَيُعَجِّلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَهَذَا مَعْنَى تَفْلِيسِهِ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا، وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَقَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ لِيُفْلِسَ لَهُمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ إنْ كَانَتْ غِيبَةً قَرِيبَةً فَيَكْتُبُ إلَيْهِ، وَيَكْشِفُ عَنْ أَمْرِهِ لِيَعْرِفَ مَلَاءَهُ مِنْ عُدْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْرِفَ فِي الْعُدْمِ وَالْيَسَارِ أَوْ يَجْهَلَ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلِسَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ عَرَفَ يَسَارَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُفَلَّسُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُفَلَّسُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَعْرُوفُ الْمَلَاءَةِ فَلَا يُفَلَّسُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَالَ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ لَا يُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ، وَلَا يُعْرَفُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إفْلَاسَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُفَلِّسُهُ الْحَاكِمُ، وَيَقْضِي دُيُونَ الْحَاضِرِينَ، وَتَحَاصُّوا بِمَا عُلِمَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ لِغَائِبٍ، وَلَا يُؤَخَّرُونَ لِاسْتِبْرَاءِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَاقِيَةٌ، وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ ذَهَبَتْ فَلِذَلِكَ يُسْتَأْنَى بِهِمْ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ جَمِيعُ غُرَمَائِهِ تَفْلِيسَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ لِلْقَائِمِ تَفْلِيسَهُ وَسَجْنَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلطَّالِبِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِسْقَاطِ غَيْرِهِ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا لَوْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ دَيْنَهُ لَمْ يَلْزَمْ غَيْرَهُمْ أَنْ يَهَبَهُ دَيْنَهُ أَيْضًا، وَلِمَنْ أَبَى تَفْلِيسَهُ أَنْ يُحَاصَّ لِلْقَائِمِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ، وَيُقِرَّ بِيَدِ الْمُفْلِسِ مَا كَانَ لَهُ بِالْمُحَاصَّةِ، وَلَيْسَ لِلْقَائِمِ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي دَيْنِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَفْلِيسَهُ يَقْتَضِي تَحَاصَّ غُرَمَائِهِ فِي مَالِهِ فَمَنْ أَقَرَّ حِصَّتَهُ بِيَدِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ

[الباب الأول في حكم إقرار المفلس قبل التفليس وبعده]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَأْنَفَ مُعَامَلَتَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُ مَا عَامَلَهُ بِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا إذَا قَامَ مَنْ أَرَادَ إقْرَارَ حِصَّتِهِ بِيَدِهِ، وَطَلَبَ الْمُحَاصَّةَ، وَأَمَّا مَنْ أَمْسَكَ عَنْ الطَّلَبِ، وَعَلِمَ بِالتَّفْلِيسِ، وَتَقَاسَمَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ، وَهُوَ حَاضِرٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إنْ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ أَوْ يَكُونَ لَهُ سُلْطَانٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ، وَأَمْسَكَ عَنْ الطَّلَبِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاضٍ بِذَلِكَ، وَمُسَوِّغٌ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ مَالِهِ رِضًا بِطَلَبِ ذِمَّتِهِ مَعَ خَرَابِهَا أَوْ رِفْقًا بِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ سُكُوتِهِ عَمَّا أَعْتَقَ الْمُفْلِسُ ثَمَّ يُرِيدُ الْقِيَامَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ تَفْلِيسِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ قَالَ: وَإِذَا قَامَ غُرَمَاؤُهُ فَأَمْكَنَهُمْ مِنْ مَالِهِ يَتَّبِعُونَهُ، وَيَقْتَسِمُونَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَفْلِيسِ السُّلْطَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ لَا يَتَعَدَّى الْمُفْلِسَ، وَغُرَمَاءَهُ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ثَبَتَ بَيْنَهُمْ، وَمَعْنَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَامِلِهِ بَعْدَ التَّفْلِيسِ أَحَقَّ بِيَدِهِ مِمَّنْ فَلَّسَهُ، وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِمَّا كَانَ بِيَدِهِ رَوَاهُ أَصْبَغُ، وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا إذَا وَجَدُوا لَهُ مَالًا تَحَاصُّوا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُ شَيْئًا فَتَرَكُوهُ فَتَدَايَنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِتَفْلِيسٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: وَلَوْ بَلَغُوا بِهِ السُّلْطَانَ فَفَلَّسَهُ لَكَانَ هَذَا تَفْلِيسًا لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْ كَشْفِ حَالِهِ مَا لَا يَبْلُغُهُ غُرَمَاؤُهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ غُرَمَاءَهُ يَبْلُغُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغُهُ السُّلْطَانُ رَأَيْته تَفْلِيسًا، وَلَكِنْ لَا آخُذُ بِهِ خَوْفَ أَنْ لَا يَبْلُغُوا ذَلِكَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ وَبَعْدَهُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ مَا لَا يُنْتَزَعُ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَا يُحْجَزُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي دُيُونِ الْمُفْلِسِ بَعْدَ الْفَلَسِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تَقَعُ فِيهِ الْمُحَاصَّةُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ وَبَعْدَهُ] 1 ُ أَمَّا إقْرَارُ الْمُفْلِسِ وَبَيْعُهُ لِمَالِهِ وَقَضَاؤُهُ عَنْ بَعْضِ غُرَمَائِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ إنْ قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ أَوْ رَهَنَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ لَا يَدْخُلُونَ، وَذَلِكَ مَاضٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ وَجْهُ قَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ عِتْقٌ بِغَيْرِ إذْنِ غُرَمَائِهِ فَأَشْبَهَ الَّذِي قَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِتَفْلِيسِهِ أَوْ الْمَرِيضَ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَخُوفَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي مَالِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ دَيْنَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا فَطِنَ الْمُقْتَضَيْ بِاسْتِغْرَاقِهِ، وَبَادَرَ الْغُرَمَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ الْغُرَمَاءُ قَدْ تَشَاوَرُوا كُلُّهُمْ فِي تَفْلِيسِهِ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ بَعْدُ فَخَالَفَ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ فَقَضَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ يَدْخُلُ مَعَهُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ إذَا تَشَاوَرُوا فِي تَفْلِيسِهِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّحَاصِّ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمْ فِيهِ فَمَنْ اقْتَضَى مِنْهُمْ شَيْئًا شَارَكَهُ فِيهِ الْآخَرُونَ كَمَا لَوْ بَاعُوا مِنْهُ بِعَقْدٍ، وَاحِدٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُدُوا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِاشْتِرَاكُ بِإِنْفَاذِ التَّفْلِيسِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَالتَّفْلِيسُ الَّذِي يَمْنَعُ قَبُولَ إقْرَارِهِ فِيمَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْلِيسِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَبَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ حِينَئِذٍ بِدَيْنٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ مَا كَانَ قَائِمَ الْوَجْهِ مُنْبَسِطَ الْيَدِ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ فَأَقَرَّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ مِنْ

[الباب الثاني فيما يقر بيده من ماله ولا يقبضه الغرماء في ديونهم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ فَأَرَاهُ فَاسِدًا، وَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إقْرَارُهُ لِلْأَجْنَبِيِّينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دُيُونُ غُرَمَائِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ ثَابِتَةً بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا هِيَ بِإِقْرَارٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَبِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرُبَ بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ دَيْنُهُمْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَرُدَّ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَإِذَا أَقَرَّ لِقَوْمٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إقْرَارُهُ لِلْآخَرِينَ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْأَوَّل قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا يُدْخِلُ النَّقْصَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا أَقَرَّ الْمُفْلِسُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِغُرَمَائِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يُحَاصُّ سَائِرَ غُرَمَائِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِمَنْ يَثْبُتُ دَيْنُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي وَقْتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ نَقْصًا عَلَى مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِالْبَيِّنَةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَقَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الْإِقْرَارِ كَالسَّفِيهِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ كَانَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمُفْلِسُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ تَقَاضِيًا لَهُ وَمُدَايَنَةً وَخُلْطَةً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، وَيُحَاصِصُ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُخَالَطَةِ لَهُ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاصَّ بِهِ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَإِنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ إقْرَارُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَ إقْرَارُهُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إذَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ بَيِّنَةٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَدْ أَحَاطَ بِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِمَالِهِ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَفْلِيسُهُ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ فَجَازَ إقْرَارُهُ كَسَائِرِ الْمُتَصَرِّفِينَ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا حُكْمُ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ، وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لِبَعْضِ مَا بِيَدِهِ هَذَا إقْرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ الْمُفْلِسُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يُصَدَّقُ فِي الدَّيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إقْرَارٌ يُدْخِلُ عَلَى الْغُرَمَاءِ النَّقْصَ فَلَمْ يَجُزْ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ فِي مَا لِي وَدِيعَةٌ أَوْ قِرَاضٌ، وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّ أَصْبَغَ قَالَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ، وَلَمْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ زَادَ أَصْبَغُ، وَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يُقَرُّ بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَقْبِضُهُ الْغُرَمَاءُ فِي دُيُونِهِمْ] (الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يُقَرُّ بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَقْبِضُهُ الْغُرَمَاءُ فِي دُيُونِهِمْ) فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُتْرَكُ لَهُ مَا فِيهِ نَفَقَةٌ لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَلِعِيَالِهِ وَكِسْوَةٌ لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَفِي كِسْوَةِ زَوْجَتِهِ شَكٌّ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُتْرَكُ لَهُ قَدْرُ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ كِسْوَةُ زَوْجَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُتْرَكُ لَهُ لُبْسُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَزَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ الْأَيَّامَ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَدْرَ الشَّهْرِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إنْ كَانَ الَّذِي يُوجَدُ لَهُ قَدْرُ نَفَقَتِهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ فَلْيُتْرَكْ لَهُ يَعِيشُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ لِبَاسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَرَّى مِنْهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ سِتْرِهِ وَكَشْفِ عَوْرَتِهِ فَيُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ مِمَّا جَرَتْ عَادَتُهُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرُ لَا يُعَاوَضُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَيَّامِ لِنَفْسِهِ وَلِبَنِيهِ الصِّغَارِ إلَى أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي وَجْهِ نَفَقَتِهِ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لِلْهَلَاكِ دُونَ فَوْتٍ غَيْرُ جَائِزٍ، وَكَذَلِكَ إخْرَاجُهُ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ، وَأَمَّا كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا مَالِكٌ، وَصَرَّحَ سَحْنُونٌ بِأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، وَلَهَا كِسْوَةٌ سِوَاهَا مِمَّا يَمْلِكُهَا، وَهِيَ مِمَّا يَطُولُ بَقَاؤُهُ، وَيَدُومُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالنَّفَقَةِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْأَيَّامِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ

[الباب الثالث في ضمان ما يتحاص فيه الغرماء من ماله]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَثَاثِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعُرُوضِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَيُبَاعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَأْنَى فِي بَيْعِ رِيعِهِ بِسُوقِ الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَالْمُدَّةُ الْيَسِيرَةُ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض وَالْحَيَوَانُ أَسْرَعُ بَيْعًا، وَمَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَعَ تَسَرُّعِ التَّغَيُّرِ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَصِفَةُ بَيْعِهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا تَوَقَّفَ النَّاسُ عَنْ الزِّيَادَةِ إلَّا عِنْدَ تَوَقُّعِ إمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَإِذَا أَمْضَى الْبَيْعَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزِّيَادَةِ فَكَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَبِيعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لِيَكُونَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ يَعْلَمُ وَقْتَ فَوَاتِهَا فَلَا يُؤَخِّرُهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَيُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ سَرِيرَهُ وَقُبَّتَهُ وَمُصْحَفَهُ وَخَاتَمَهُ قَالَهُ مَالِكٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ كُتُبِهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تُبَاعُ عَلَيْهِ كُتُبُ الْعِلْمِ قَالَ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُجِيزُ بَيْعَهَا فِي الدَّيْنِ، وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا فَإِنَّ مَالِكًا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا لِأَنَّ طَرِيقَهَا النَّظَرُ، وَلَيْسَ بِمَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهَا، وَجَوَّزَ بَيْعَ الْمُصْحَفِ لِصِحَّةِ مَا فِيهِ، وَقَدْ أَبَاحَ بَيْعَهَا الْجُمْهُورُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِيعَتْ كُتُبُ ابْنِ وَهْبٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَصْحَابُنَا مُتَوَافِرُونَ فَمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا تُؤَجَّرُ أُمُّ وَلَدِ الْمُفْلِسِ، وَيُؤَاجِرُ مُدَبَّرَهُ، وَتُبَاعُ كِتَابَةُ مُكَاتَبِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَد إنَّمَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَإِنَّ خِدْمَتَهُ لِلْمُفْلِسِ، وَهُوَ يَعُودُ مَالًا فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ كِتَابَةُ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ مُؤَجَّلٌ يُطْلَبُ بِهِ الْمَكَاتِبُ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا سَلَّمَ فِيهِ مِنْ الْعُرُوضِ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ عَلَى اعْتِصَارِ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ، وَلَا عَلَى الْأَخْذِ بِشُفْعَةٍ لَهُ فِيهَا فَضْلٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ هِبَةٍ تُوهَبُ لَهُ أَوْ وَصِيَّةٍ يُوصَى لَهُ بِهَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَوْ بَذَلَ لَهُ رَجُلٌ السَّلَفَ وَالْعَوْنَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ وَرِثَ أَبَاهُ فَالدَّيْنُ أَوْلَى بِهِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ الدَّيْنِ فَيَعْتِقَ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ لَعَتَقَ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوهَبْ لَهُ لِيَبِيعَهُ الْغُرَمَاءُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ الْعِتْقَ. (مَسْأَلَةٌ) وَالْمَرْأَةُ الْمِدْيَانَةُ تُفَلَّسُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَلَيْسَ لِغُرَمَائِهَا أَخْذُ مَهْرِهَا فِي دَيْنِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ كَالدِّينَارِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْضِيَهُمْ جَمِيعَ صَدَاقِهَا، وَتَبْقَى بِلَا جِهَازِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجِهَازِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَمْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا رَهِقَ الرَّجُلَ دَيْنٌ فَزَعَمَ فِي جَارِيَةٍ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْهُ رَوَى عِيسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ يَكُونَ قَدْ فَشَا هَذَا قَبْلَ ادِّعَائِهِ أَوْ كَانَ يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَإِلَّا بِيعَتْ لِلْغُرَمَاءِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتَحَاصُّ فِيهِ الْغُرَمَاءُ مِنْ مَالِهِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتَحَاصُّ فِيهِ الْغُرَمَاءُ مِنْ مَالِهِ) الْمَالُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُوقِفَ لِذَلِكَ أَوْ بِيعَ لَهُ بَعْضُ مَا وُجِدَ لَهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَمُطَرِّفٌ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَصِحُّ الْقَضَاءُ فِيهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقِسْمَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ عَيْنًا، وَكَانَ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ مِثْلَهُ فِي صِفَتِهِ فَأَمَّا إنْ كَانَ دَيْنُهُ عُرُوضًا فَقَدْ قَالَ يُتَحَاصُّ بِقِيمَتِهِ، وَيَشْتَرِي لَهُ بِذَلِكَ مِثْلَ عُرُوضِهِ فَاَلَّذِي يُحَاصُّ بِهِ الْعَيْنُ فَلِذَلِكَ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حِينَئِذٍ تَفَرَّدَ بِمِلْكِهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ نُقِلَ إلَى

[الباب الرابع في حكم المحاصة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ الصِّفَةِ إنْ كَانَ بِيعَ بِهِ عَرْضٌ، وَإِذَا كَانَ مَالُهُ طَعَامًا، وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ طَعَامًا فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا، وَإِنَّمَا وُقِفَ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ فَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا وُقِفَ لِلْبَيْعِ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَعَلَى هَذَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْغُرَمَاءُ يَضْمَنُونَ الْعَيْنَ، وَالْمُفْلِسُ يَضْمَنُ غَيْرَهُ، وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّ الْمُفْلِسَ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ حَتَّى يَقْتَسِمَهُ الْغُرَمَاءُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْغُرَمَاءَ يَضْمَنُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَهُمْ وُقِفَ، وَبِسَبَبِهِمْ مُنِعَ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ فَضَمَانُهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُفْلِسِ بِهِ تَعَلُّقٌ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِهِمْ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ حَقَّ التَّوْفِيَةِ بَقِيَ فِيهِ فَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُفْلِسِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الْعَيْنِ سِلْعَةً بَعْدَ التَّوْقِيفِ لِمَنْ رِبْحُهَا؟ فَقَالَ لِلْمُفْلِسِ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ قِيلَ لَهُ فَكَيْفَ رِبْحُهُ لَهُ، وَضَمَانُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ؟ فَسَكَتَ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ الْمُحَاصَّةِ] 1 ِ أَمَّا حُكْمُهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى كُلِّ دَيْنٍ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٍ أَجَلُهُ بِالْفَلَسِ، وَيُحَاصُّ صَاحِبُهُ لِغُرَمَائِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّ الْفَلَسَ مَعْنًى يُفْسِدُ الذِّمَّةَ فَاقْتَضَى حُلُولَ الدُّيُونِ كَالْمَوْتِ، وَمَالَهُ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَبْقَى إلَى أَجَلِهِ، وَيُبَاعُ لِغُرَمَائِهِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ لِأَنَّ خَرَابَ الذِّمَّةِ لَا يُوجِبُ حُلُولَ الدُّيُونِ الَّتِي لَهَا، وَإِنَّمَا يُوجِبُ حُلُولَ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهَا كَخَرَابِهَا بِالْمَوْتِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ مُتَمَاثِلًا كَالْعَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ غَيْرِ مُتَمَاثِلٍ، فَإِنْ كَانَ مُتَمَاثِلًا وَكَانَ جَمِيعُهُ عَيْنًا صَيَّرَ مَالَهُ عَيْنًا، وَيُقَاسِمُهُ الْغُرَمَاءُ بِأَنْ يَعْلَمَ مَا لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُجْمَعُ ثُمَّ يَنْظُرُ كَمْ مِقْدَارُ مَا وُجِدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ النِّصْفَ أَخَذَ كُلُّ غَرِيمٍ نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَاتَّبَعَهُ بِالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ مَتَى أَيْسَرَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَدْفَعُ فِيمَا لَهُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ أَنَّ إصَابَتَهُ بِالْمُحَاصَّةِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ كَطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا كَانَ مَالُهُ طَعَامًا، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ دُفِعَ إلَى غُرَمَائِهِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَتَحَاصُّونَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَهُمْ كَالْعَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ، وَعَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ كَانَ مَالُهُ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَصْرِفُهَا إلَّا أَنْ يَصْرِفَهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ بِمَا تَسْوَى بِرِضَاهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ، وَيُجْمَعُ إلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ فِي لُزُومِ بَيْعِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهَا تَحَاصَّوْا فِيهَا بِصَرْفِهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عُرُوضًا فَاشْتَرَى بَعْضُ الْغُرَمَاءِ شَيْئًا مِمَّا بِيعَ عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ مِنْ الْمُحَاصَّةِ. (فَصْلٌ) وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ غَيْرَ مُتَمَاثِلٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ عُرُوضٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ حَيَوَانٌ وَعَيْنٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَنْ أَفْلَسَ، وَعَلَيْهِ عُرُوضٌ وَحَيَوَانٌ أُسْلِمَ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُحَاصُّ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ اشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا شَرَطَهُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ حَاصَّ بِقِيمَتِهِ فَمَا أَصَابَهُ بِذَلِكَ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ مَا بَلَغَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْقِيمَةِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ السَّلَمُ فِي وَصِيفٍ فَدَفَعَ لَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ نِصْفَ وَصِيفٍ خُيِّرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نِصْفَ وَصِيفٍ، وَيُتَّبَعُ الْمُفْلِسُ بِنِصْفِ وَصِيفٍ إذَا أَيْسَرَ وَبَيْنَ أَنْ يُتْرَكَ حَتَّى يَيْسَرَ صَاحِبُهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ وَصِيفًا كَامِلًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ وَيَتَّبِعَهُ بِنِصْفِ وَصِيفٍ أَوْ يَهَبَهُ

[الباب الخامس فيما تقع فيه المحاصة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَقِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَصَابَهُ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ فَأَقَلَّ فَيَكُونَ إقَالَةً جَائِزَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. (فَرْعٌ) وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقِيمَةِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْمُحَاصَّةِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْ حَلَّ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَأَخَّرَ الشِّرَاءُ حَتَّى غَلَا سِعْرُهُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّهُ لَا تَرَاجُعَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا التَّحَاسُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْلِسِ فَفِي زِيَادَةِ ذَلِكَ أَوْ نُقْصَانِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِالْقِسْمَةِ قَدْ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِمَا صَارَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ، وَصَارَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِ فَزِيَادَتُهُ وَنُقْصَانُهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ مِنْ السَّلَمِ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي السَّلَمِ فَإِنْ كَانَ وَصَفَ الطَّعَامَ بِأَنَّهُ جَيِّدٌ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَشْتَرِي لَهُ أَدْنَى مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ، وَقَدْ قِيلَ أَوْسَطُ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ مَعَ التَّشَاحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تَقَعُ فِيهِ الْمُحَاصَّةُ] ُ وَأَمَّا مَا تَقَعُ فِيهِ الْمُحَاصَّةُ فَهُوَ كُلُّ دَيْنٍ ثَابِتٍ قَدْ لَزِمَ ذِمَّتَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحَاصَّ غُرَمَاءَ الزَّوْجِ بِصَدَاقِهَا أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا فَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا تُحَاصُّ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ لَهُ إسْقَاطُ بَعْضِهِ بِطَلَاقِهَا، وَلَهُ إثْبَاتُهُ بِاسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا تَأْثِيرَ لِطَلَاقِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ حَاصَّتْ الْغُرَمَاءَ بِمَا وَجَبَ لَهَا مِنْهُ، وَهُوَ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا جَمِيعَهُ كَانَ لَهَا نِصْفُهُ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي دَيْنٌ لَهَا عَلَيْهِ تُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا نِصْفَهُ. فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَقَدْ كَانَ نَقَدَهَا خَمْسِينَ، وَبَقِيَ لَهَا خَمْسُونَ مُؤَخَّرَةٌ، وَفَلِسَ الزَّوْجُ فَلْتَرُدَّ نِصْفَ النَّقْدِ، وَتُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِيمَا تَرُدُّ بِنِصْفِ الْمَهْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ أَفْلَسَ فَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا، وَهُوَ قَائِمٌ الْوَجْهُ فَقَدْ أَوْجَبَ لَهَا مَا أَخَذَتْ، وَتَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ فَلَسِهِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَمَّا إنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْفَلَسِ فَجَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَحِيحٌ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ، وَمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَقَدَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ نَقَدَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ فَهَذَا إنَّمَا سَلَّمَهُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ جَمِيعِ صَدَاقِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَالِ فَلَسِهِ كَانَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ التَّرَاجُعِ. وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَلَسِ فَلَمْ يَنْتَجِزْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَا مُحَاصَّةَ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْمُعَجَّلِ، وَبَقِيَ نِصْفُ الْمُؤَجَّلِ إلَى أَنْ يَجِيءَ أَجَلُهُ، وَأَمَّا إنْ تَقَاصَّا فِي ذَلِكَ، وَرَضِيَ الزَّوْجُ بِتَرْكِ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا فِي الْمُعَجَّلِ فَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَا تَرْجِعُ هِيَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ صَدَاقِهَا، وَلَا أَنَّهُ حَقٌّ لِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُ مَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ قَضَاهَا دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ مُعَامَلَةٍ لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ سَبَبِهَا شَيْءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ صَالَحَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى شَهْرٍ فَأَفْلَسَتْ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ لَهُ عَلَيْهَا قَدْ اسْتَوْفَتْ مَا عَاوَضَتْ بِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا ثَوْبًا قَبَضَتْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالْمُطَلَّقَةُ الْحَامِلُ لَا تَضْرِبُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ فِي الْعِصْمَةِ لَا تَضْرِبُ بِنَفَقَتِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَيْنٍ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ أَوْ نَفَقَةٍ عَلَى وَلَدٍ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ، وَاسْتَوْفَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْوَاضَهَا، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ دُونَ أَنْ يُرْفَعَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ لَمْ يُحَاصَّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَفَعَتْ إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهَا تَضْرِبُ بِهِ فِي الْفَلَسِ، وَهَلْ تَضْرِبُ بِهِ فِي الْمَوْتِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً تُحَاصُّ بِهِ فِي الْمَوْتِ كَالْفَلَسِ. وَقَالَ مَرَّةً تُحَاصُّ بِهِ فِي الْفَلَسِ دُونَ الْمَوْتِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَازِمٌ لِذِمَّتِهِ لِمَعْنًى مَاضٍ قَدْ اسْتَوْفَاهُ تَجِبُ الْمُحَاصَّةُ بِهِ فِي الْفَلَسِ فَوَجَبَتْ الْمُحَاصَّةُ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا طَرِيقُهُ النَّفَقَاتُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ جُمْلَةً، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ، وَلِذَلِكَ لَا يُحَاصُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ لَزِمَتْ، وَثَبَتَتْ أَسْبَابُهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْرِبُ بِنَفَقَتِهِمْ فِي مَوْتٍ وَلَا فَلَسٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْوَلَدُ كَالزَّوْجَةِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا نَفَقَةٌ لَا تَجِبُ إلَّا مَعَ الْيَسَارِ فَلَا يُحَاصُّ بِهَا الْغُرَمَاءُ كَالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ تَلْزَمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَإِذَا كَانَتْ لِأَمْرٍ مَاضٍ فِي وَقْتٍ يَلْزَمُ الْأَبَ النَّفَقَةُ وَجَبَ أَنْ يُحَاصَّ بِهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمٍّ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَالْأَبُ يَوْمَئِذٍ مَلِيءٌ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِهِمَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَوْمَ الْإِنْفَاقِ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ لِلْمُنْفِقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ لَا يَضْرِبُ بِهِمَا فِي مَوْتٍ، وَلَا فَلَسٍ قَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ قُدِّرَتْ بِحُكْمٍ أَوْ تَسَلَّفَ وَهُوَ مَلِيءٌ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهَا تَضْرِبُ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهَا الْمَاضِيَةَ فَإِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُضْرَبَ بِهِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالْمَسْجُونُ فِي دَيْنِ امْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ، وَلَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سُجِنَ لِلتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ تُمْنَعْ لَذَّتَهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَلَوْ سُجِنَ الزَّوْجَانِ فِي حَقٍّ لَمْ يُمْنَعَا أَنْ يَجْتَمِعَا إذَا كَانَ السِّجْنُ خَالِيًا، وَلَوْ كَانَ فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ حُبِسَ الزَّوْجُ مَعَ الرِّجَالِ، وَحُبِسَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا مَسْجُونَانِ فَلَمْ يُقْصَدْ لِكَوْنِهَا مَعَهُ إدْخَالُ الرَّاحَةِ عَلَيْهِ وَالرِّفْقُ بِهِ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِذَلِكَ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا وَجَبَ السِّجْنُ عَلَيْهِمَا لَمْ يُمْنَعَا الِاجْتِمَاعَ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأَبَوَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَاتِ فِي السِّجْنِ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ فِي الْحُقُوقِ مِمَّنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَلَا مِمَّنْ يَخْدُمُهُ، وَإِنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَاحْتَاجَ إلَى أَمَةٍ تَخْدُمُهُ، وَتُبَاشِرُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاشِرُ غَيْرُهَا، وَتَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ مَعَهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْعَهُ مِمَّا تَدْعُوهُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ يُفْضِي بِهِ إلَى الْهَلَاكِ وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ وَالْعَنَتِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَيُمْنَعُ الْمَسْجُونُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَلَا يَخْرُجُ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ بِحَجَّةٍ حَنِثَ بِهَا أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قِيَم عَلَيْهِ بِأَنْ حُبِسَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ، وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهَا لِعِبَادَةٍ لَا يَفُوتُ وَقْتُهَا قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَوْمَ نُزُولِهِ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى أَوْ عَرَفَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْبَسُ بَعْدَ النَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَاسْتَحْسَنَ إذَا اشْتَدَّ مَرَضُ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ أَخِيهِ، وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ أَقْرِبَائِهِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ، وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قَرَابَتِهِ رَوَى ذَلِكَ كُلُّهُ ابْنُ سَحْنُونٍ، وَهَذَا سَائِغٌ لِمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالِاسْتِحْسَانِ فَأَمَّا الْقِيَاسُ، وَالنَّظَرُ فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ أَنْكَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِحْسَانَ مَنَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» حَمَلَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَا بِذَلِكَ فِي الْبَائِعِ الْمُفْلِسِ يَجِدُ مَتَاعَهُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحُكْمِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا الْمَالِكِيُّونَ وَالْحَنَفِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُسْنَدٌ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فَلَسَ الْمُبْتَاعِ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى صِفَتِهِ، وَعَدَمَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ يُوجِبُ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ، وَيَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهُمَا بِمَاذَا ثَبَتَتْ السِّلْعَةُ لِلْبَائِعِ، وَالثَّانِيَةُ فِيمَا تَثْبُتُ فِيهَا لِصَاحِبِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِيمَا تَثْبُتُ فِيهَا لِلْغُرَمَاءِ، فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ السِّلْعَةُ لِلْبَائِعِ، وَأَنْ يَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، وَقَالَ الْمُفْلِسُ هِيَ لَهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ عَلَى الْحَقِّ بَيِّنَةٌ فَقَالَ عِنْدَ التَّفْلِيسِ هَذَا مَتَاعُ فُلَانٍ فَقِيلَ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْلِفُ بَائِعُ الْعَبْدِ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا قَامَتْ بِأَصْلِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ قَبْلَ الْفَلَسِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ إقْرَارَهُ لَهُمْ بِذَلِكَ جَائِزٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَعَلَّ هَذَا فِي الصُّنَّاعِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ وَاحِدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِي غَيْرِهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَالصُّنَّاعُ لَا يَتَعَلَّقُ مَا سُلِّمَ إلَيْهِمْ بِذِمَمِهِمْ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ إنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ مَا ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الشُّهُودُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِعَبْدٍ أَوْ سِلْعَةٍ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِهَا بَعْدَ التَّفْلِيسِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِ الْحَقِّ، وَافْتَرَقَ بِذَلِكَ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ لَهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي حُجَّةَ الْبَائِعِ لَا سِيَّمَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُكَذِّبُ قَوْلَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعٍ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ عَلَى عِلْمِهِمْ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْبَائِعُ، وَأَخَذَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا لَزِمَتْهُ، وَعَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ فِيمَا يَقُولُ، وَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِعَيْنِ الْعَبْدِ فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَحَلَفَ أَنَّهُ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ، وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا وَبَيْنَ تَسْلِيمِهَا، وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِثَمَنِهَا سَوَاءٌ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ إلَّا سِلْعَتُهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْمُحَاصَّةِ بِثَمَنِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ السِّلْعَةَ قَدْ مَلَكَهَا الْمُفْلِسُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَمَّا غَابَتْ ذِمَّتُهُ، وَدَخَلَ الثَّمَنَ النَّقْصُ كَانَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَيَرْجِعَ بِسِلْعَتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُدَهُ، وَيُحَاصَّ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ فِي الْإِفْلَاسِ مَعْنًى يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ إلَّا سِلْعَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ جَمِيعَ ثَمَنِهَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَلَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ الثَّمَنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَفْدُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ، وَلَكِنْ يَفْدُوهَا بِثَمَنِهَا فِي مَالِ الْمُفْلِسِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهَا بِالثَّمَنِ حَتَّى يَزِيدُوا عَلَى الثَّمَنِ زِيَادَةً يَحُطُّونَهَا عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفْلِسِ مِنْ دَيْنِهِمْ وَتَكُونُ لَهُمْ السِّلْعَةُ لَهُمْ نَمَاؤُهَا، وَعَلَيْهِمْ تَوَاهَا، وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهِ تَصَيُّرِ الْمِلْكِ إلَى الْمُفْلِسِ فَيَكُونُ الْمُصَيَّرُ أَحَقَّ بِهَا، وَالثَّانِي فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا فَأَمَّا الْبَابُ الْأَوَّلُ فَبِأَيِّ وَجْهٍ صَارَتْ السِّلْعَةُ إلَى الْمُفْلِسِ مِنْ وُجُوهِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْ صَيَّرَهَا إلَيْهِ أَحَقَّ بِهَا، فَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ عَبْدًا أَوْ سِلَعًا قَبَضَتْهَا ثُمَّ أَفْلَسَتْ، وَقَدْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِنِصْفِ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ وَهَبَ لِثَوَابٍ فَتَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ ثُمَّ فَلِسَ فَإِنَّ الْوَاهِبَ أَحَقُّ بِهَا كَالْبَيْعِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْغُرَمَاءُ قِيمَتَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَازِينَ شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمَّ فَلِسَ فَأَهْلُ الْمَغْنَمِ الَّذِينَ بَاعُوهُ أَوْلَى بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ سَهْمِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ شَرْطًا قَالَ وَذَلِكَ إذَا كَانَ شِرَاؤُهُ مِنْهُمْ خَاصَّةً بِمِقْدَارِ مَا صَارَ لَهُ وَلَهُمْ دُونَ الْجَيْشِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَمْ يَحُلْ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، فَأَمَّا إنْ حِيلَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ عَلَى حَقِّهِ فَالْمُحَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إذَا احْتَالَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْتَرِ مِنْ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ إذْ لَيْسَتْ بِسِلَعٍ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ إنَّمَا هِيَ غَنَائِمُ يَبِيعُهَا السُّلْطَانُ لِلْخُمُسِ وَالْجَيْشِ، وَالْمُحِيلُ لَيْسَ بِبَائِعٍ، وَإِنَّمَا أُحِيلَ بِدَيْنٍ فَهُوَ، وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَ أَصْبَغُ، وَادَّعَى أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ يَقُومُ مَقَامَ مَنْ أَحَالهُ سَوَاءٌ يَكُونُ أَحَقَّ بِمَا زَادَ ثَمَنُهُمْ عَلَى سَهْمِهِ عَلَى مَا كَانَ اشْتَرَى يَوْمَ الشِّرَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَفْلَسَ الْبَائِعُ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ الْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِالسِّلْعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ الْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِثَمَنِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهَا، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِدَيْنٍ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَجِدَ ثَمَنَهَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبَضَهَا قَبْضًا يَتَمَلَّكُ بِهِ كَانَ كَالرَّهْنِ بِيَدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا لَهُ فِيهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِعَيْنِ سِلْعَتِهِ الَّتِي سَلَّمَ لَا بِمَا سُلِّمَ إلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ ثُمَّ أَفْلَسَ الْبَائِعُ فَوَجَدَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ الرَّدُّ أَحَقَّ بِهِ، وَأَشَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمَا دَفَعَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إنْ وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نَقْصٌ لِلْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وَجْهِ تَصَيُّرِ الْمِلْكِ إلَى الْمُفْلِسِ فَيَكُونُ الْمُصَيَّرُ أَحَقَّ بِهَا) وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ فَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهَا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا هِيَ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ زَيْتَهُ لِأَنَّهَا سِلْعَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا فِي فَلَسِ الْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ غَيْرُ مَزْجِهَا بِمَا هُوَ مِثْلُهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَلْطَ الرَّجُلِ مِلْكَهُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَبَيْعُهُ يَخْرُجُهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَنْقُلُ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِ مِلْكِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُبْتَاعِ فَبِأَنْ لَا يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَزْجِ أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ أَشْهَبَ فِي قَوْمٍ اكْتَرَوْا إبِلًا، وَدَفَعُوا الثَّمَنَ ثُمَّ فَلِسَ الْجَمَّالُ، وَوُجِدَتْ دَنَانِيرُ أَحَدِهِمْ بِيَدِ الْجَمَّالِ بِعَيْنِهَا أَشْهَدُ عَلَيْهَا أَنَّ دَافِعَهَا لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا بِخِلَافِ السِّلْعَةِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ بَعْضَهُ وَفَرَّقَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ مَا فَرَّقَ الْمُبْتَاعُ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَجَدَ بِعَيْنِهِ فَإِنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا فَأُحِبُّ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَيَكُونُ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى صَرَّافٍ مِائَةَ دِينَارٍ قَبَضَهَا فِي كِيسِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ مَكَانَهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَالثَّانِي مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» يُرِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي حُكْمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ شَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْحَقِّ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ حُكْمِ الْفَلَسِ لِأَنَّهُ فِي فَلَسِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ، وَفِي مَوْتِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلْسِ، وَهُمَا سَوَاءٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمُبْتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَلَيْسَتْ بِأَصَحَّ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ثِقَةٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ حَظَّ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِ مَالِهِ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَانْفِرَادِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ أَنَّ فِي الْفَلَسِ الذِّمَّةُ بَاقِيَةٌ يَرْجِعُ الْغُرَمَاءُ إلَيْهَا، وَيَنْتَظِرُونَ الِاقْتِضَاءَ مِنْهَا، وَفِي الْمَوْتِ تَبْطُلُ الذِّمَّةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِحَقِّ بَاقِي الْغُرَمَاءِ عَنْ مَالٍ قَدْ مَلَكَهُ غَرِيمُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُمْ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا إذَا مَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يُوقِفَ لِلْبَائِعِ سِلْعَتَهُ، وَأَمَّا إنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُفْلِسِ السُّلْطَانُ يُوقِفُ مَالَهُ، وَيُوقِفُ مِنْهُ سِلْعَةً لِبَائِعِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ السِّلْعَةَ لِبَائِعِهَا إذَا وَقَفَهَا لَهُ السُّلْطَانُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَلَيْسَ إيقَافُ الْمَالِ إيقَافًا لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا الْبَائِعُ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا فِي حَيَاةِ الْمُبْتَاعِ، وَأَبَى ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى الْكَيْلِ فَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا فَبَاعَ بَعْضَهَا ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَبِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ سِلْعَتَيْنِ ثُمَّ يُفْلِسُ الْمُبْتَاعُ فَيَجِدُ الْبَائِعُ إحْدَى السِّلْعَتَيْنِ، وَقَدْ فَاتَتْ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْبِضُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهَا ثُمَّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَةَ بِمَا يُصِيبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِمَا يُصِيبُ الْفَائِنَةَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الَّتِي وَجَدَ، وَحَاصَّ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ مَا بَقِيَ مِنْ سِلْعَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذْ السِّلْعَةَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ قَبْضَهُ لِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَدْ سَلِمَ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ الْعَيْبِ فِي أَخْذِ الْعِوَضَيْنِ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الذِّمَّةَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا بِقِيمَةِ الثَّمَنِ عَيْبُ الْفَلَسِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الثَّمَنِ يَتَقَسَّطُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيَدْخُلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ غَزْلًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ بُقْعَةً مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَى عَمَلًا بَنَى الْبُقْعَةَ دَارًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ ثَوْبًا ثُمَّ أَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَ ذَلِكَ فَقَالَ رَبُّ الْبُقْعَةِ أَنَا آخُذُ الْبُقْعَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، وَلَكِنْ تُقَوَّمُ الْبُقْعَةُ وَمَا فِيهَا مِمَّا أَصْلَحَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَنْظُرُ كَمْ ثَمَنُ الْبُقْعَةِ وَكَمْ ثَمَنُ الْبُنْيَانِ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ ثُمَّ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْبُنْيَانِ قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ قِيمَةُ الْبُقْعَةِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقِيمَةُ الْبُنْيَانِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ الثُّلُثُ، وَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ الثُّلُثَانِ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْغَزْلُ وَغَيْرُهُ مِمَّا أَشْبَهَهُ إذَا دَخَلَهُ هَذَا وَلَحِقَ الْمُشْتَرِيَ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ عِنْدَهُ، وَهَذَا الْعَمَلُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا مَا بِيعَ مِنْ السِّلَعِ الَّتِي لَمْ يُحْدِثْ فِيهَا الْمُبْتَاعُ شَيْئًا إلَّا أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ نَفَقَتْ، وَارْتَفَعَ ثَمَنُهَا فَصَاحِبُهَا يَرْغَبُ فِيهَا، وَالْغُرَمَاءُ يُرِيدُونَ إمْسَاكَهَا فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا رَبَّ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ، وَلَا يَنْقُصُوهُ شَيْئًا، وَبَيْنَ أَنْ يُسْلِمُوا إلَيْهِ سِلْعَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ نَقَصَ ثَمَنُهَا فَاَلَّذِي بَاعَهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ، وَلَا تَبَاعَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ يُحَاصُّ بِحَقِّهِ، وَلَا يَأْخُذُ سِلْعَتَهُ فَذَلِكَ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ ضَرُورَةُ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مِنْهُ عَبْدًا، وَرَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ الْعَبْدِ أَوْ رُبْعُهُ فَقَدْ لَحِقَهُ ضَرُورَةُ الشَّرِكَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ فَلِذَلِكَ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَ، وَيَرْجِعَ فِي سِلْعَتِهِ أَوْ يُسَلِّمَهَا وَيُحَاصَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْغُرَمَاءَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا فَأُحِبُّ أَنْ يَرُدَّهُ، وَيَقْبِضَ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَيَكُونُ فِيمَا لَمْ يَجِدْ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ لَهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجِدَ سِلْعَتَهُ كُلَّهَا، وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَ، وَيَأْخُذَ سِلْعَتَهُ أَوْ يُسَلِّمَهَا، وَيُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ، وَوَجَدَ بَعْضَ السِّلْعَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِمَّا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا وَجَدَ مِنْ السِّلْعَةِ، وَيُمْسِكُ الْبَاقِيَ، وَيَرْجِعُ فِيمَا وَجَدَ مِنْ سِلْعَتِهِ، وَيَتَمَسَّكُ بِمَا يُصِيبُ مَا فَاتَ مِنْ السِّلَعِ مِمَّا كَانَ قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ، وَيُحَاصُّ بِبَقِيَّتِهِ الْغُرَمَاءَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ ثَلَاثَةَ أَرْؤُسٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ أَحَدِهِمْ نِصْفُ الثَّمَنِ وَالْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الثَّمَنِ، وَالْآخَرِ خُمُسُ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَفُضُّ الْمِائَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا فُضَّتْ عَلَى الْأَرْؤُسِ الثَّلَاثَةِ فَيُصِيبُ الَّذِي قِيمَتُهُ النِّصْفُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَيُصِيبُ الَّذِي قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ أَعْشَارٍ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ، وَيُصِيبُ الْآخَرُ سِتَّةَ دَنَانِيرَ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ حُسِبَ عَلَيْهِ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَحَاصَ بِمَا بَقِيَ، وَمَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ رَدَّ مَا وَقَعَ لَهُ، وَأَخَذَهُ إنْ شَاءَ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْغُرَمَاءُ بَقِيَّةَ ثَمَنِهِ، وَحَاصَّ بِمَا بَقِيَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا قَبَضَهُ عَنْ جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَيَقْبِضُ عَلَى ذَلِكَ فَمَا أَصَابَ مِنْهُ مَا فَاتَ حُسِبَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِبَقِيَّتِهِ، وَمَا أَصَابَ مِنْهُ مَا أَدْرَكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ، وَيَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ أَوْ يَتْرُكَ مَا أَدْرَكَ، وَيُحَاصَّ بِمَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الَّذِي يَبِيعُ الْبُقْعَةَ وَالْغَزْلَ فَيَبْنِي الْمُشْتَرِي فِي الْبُقْعَةِ، وَيَنْسِجُ الْغَزْلَ ثُمَّ يُفْلِسُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ يَوْمَ الْحُكْمِ فِيهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة، وَقَالَ يُقَوَّمُ جَمِيعُ الْبُنْيَانِ جُمْلَةً، وَلَا يُقَوَّمُ جِدَارًا أَوْ خَشَبَةً خَشَبَةً، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَا قِيمَةُ هَذِهِ الدَّارِ مَبْنِيَّةً فَتُعْرَفُ قِيمَتُهَا ثُمَّ يُقَالُ مَا قِيمَةُ الْبُقْعَةِ بَرَاحًا لَا بِنَاءَ فِيهَا فَيَكُونَانِ فِيهَا شُرَكَاءَ؛ صَاحِبُ الْبُقْعَةِ بِقِيمَةِ بُقْعَتِهِ، وَصَاحِبُ الْبُنْيَانِ بِقِيمَةِ بُنْيَانِهِ، رَوَاهُ عِيسَى عَنْ يَحْيَى عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ نَافِعٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ زِيَادَةً فِي الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لَا يُفِيتُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ جُلُودًا فَيَدْبُغَهَا الْمُبْتَاعُ أَوْ ثِيَابًا فَيَصْبُغَهَا أَوْ يُقَصِّرَهَا فَإِنَّ الْبَائِعَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ، وَيُشَارِكَ الْغُرَمَاءَ بِقِيمَتِهَا، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى هَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَغَيَّرَتْ تَغَيُّرًا لَا سَبِيلَ أَنْ تَعُودَ إلَى صِفَتِهَا الْأُولَى فَكَانَ ذَلِكَ فَوْتًا فِيهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَيْنَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا زِيدَ فِيهَا عَمَلٌ، وَأُضِيفَ إلَيْهَا مَعْنًى كَالنَّسْجِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمُشَارَكَةِ فِيمَا يُشَارِكُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَكُونُ الْغُرَمَاءُ شُرَكَاءَ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَقِيمَةِ النَّسْجِ فِي الْغَزْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُونَ شُرَكَاءَ بِقَدْرِ مَا زَادَ الصَّبْغُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الصَّبَّاغِ يَدْفَعُ الثَّوْبَ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يُفْلِسُ رَبُّهُ إنَّ الصَّبَّاغَ يَكُونُ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِمَا زَادَ فِيهِ الصَّبْغُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ صَنَعَ فِيهِ مَا يَجُوزُ لَهُ، وَأَنْفَقَ فِيهِ نَفَقَةً فَيَجِبُ أَنْ يُشَارِكَ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ مَا أُضِيفَ إلَى الثَّوْبِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَهُ الصَّبَّاغُ بِثَوْبٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْفَلَسَ مَعْنًى يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ فِي رَدِّ الثَّوْبِ إلَى بَائِعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُشَارِكَ بِمَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّبْغِ وَالْعَمَلِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اشْتَرَى زُبْدًا فَعَمِلَهُ سَمْنًا أَوْ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أَوْ خَشَبَةً فَعَمِلَهَا بَابًا أَوْ تَابُوتًا أَوْ كَبْشًا فَذَبَحَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَوْتٌ، وَلَيْسَ لِبَائِعِهِ إلَّا الْمُحَاصَّةُ بِخِلَافِ الْعَرْصَةِ تُبْنَى، وَالْغَزْلِ يُنْسَجُ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْجُلُودِ تُقْطَعُ نِعَالًا إنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ، وَأَمَّا الثِّيَابُ تُقْطَعُ فَلَا أَدْرِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَزْلِ يُنْسَجُ أَنَّ النَّسْجَ عَمَلٌ وَصِنَاعَةٌ مُعْتَادَةٌ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ فَيُعْتَبَرُ، وَهُوَ مِمَّا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ فِي الْغَالِبِ، وَلِذَلِكَ كَانَ فَوْتًا، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى قَمْحًا فَخَلَطَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَ لِصَاحِبِ الْقَمْحِ أَنْ يَأْخُذَ قَمْحَهُ، وَلَوْ خَلَطَهُ بِقَمْحٍ رَدِيءٍ مُسَوَّسٍ مَغْلُوثٍ لَكَانَ ذَلِكَ فَوْتًا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَ حَائِطٍ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ ثُمَّ فَلِسَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ التَّمْرُ فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَهُ بِحَقِّهِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَأَجَازَهُ مَرَّةً، وَمَنَعَهُ أُخْرَى وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَشْهَبُ أَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ مَالِهِ، وَإِنَّمَا تَبْقَى الذَّرِيعَةُ إلَى بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَإِلْزَامُ ذَلِكَ بِحُكْمٍ يَنْفِي الذَّرِيعَةَ، وَتَبْعُدُ التُّهْمَةُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ أَصْبَغُ إثْبَاتُ حُكْمِ الذَّرِيعَةِ، وَإِنْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ، وَهَذَا أَصْلُ اخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُ، وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلَ تُشْبِهُ ذَلِكَ، وَيُبْنَى الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَائِعِ أَخْذَ سِلْعَتِهِ إذَا فَلِسَ الْمُبْتَاعُ هَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ أَوْ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ ابْتِدَاءُ بَيْعٍ رُوعِيَ فِيهِ مِنْ الذَّرَائِعِ مَا يُرَاعَى فِي عُقُودِ الْبَيْعِ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ نَقْضُ بَيْعٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى مُرَاعَاةِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عَبْدٍ أَبَقَ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَرْضَى بِالْعَبْدِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَاصَّ بِقِيمَتِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ أَخَذَهُ وَرَدَّ مَا حَاصَّ بِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِ الْآبِقِ أَخْذُهُ بِالثَّمَنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ بَيْعٍ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْآبِقِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ ابْتَاعَ قَمْحًا فَزَرَعَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ فَأَمَّا الَّذِي زَرَعَهُ فَبَيِّنٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ الَّتِي بَاعَهَا قَدْ تَلِفَتْ، وَالْقَمْحُ الَّذِي نَبَتَ عَيْنٌ أُخْرَى، وَلَيْسَ فِي الْفَوَاتِ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا، وَأَمَّا مَنْعُ ذَلِكَ فِي الَّذِي طَحَنَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ، وَالثَّانِي ارْتِجَاعُ الْبَائِعِ عَيْنَ مَالِهِ بِشِرَاءٍ حَادِثٍ فَلِذَلِكَ مَنَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى أَنَّ تَفْرِيقَ الْأَجْزَاءِ مَانِعٌ مِنْ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِيهِ وَمُفِيتٌ لَهُ كَقَطْعِ الثَّوْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا اخْتَلَطَ مَا ابْتَاعَهُ مِنْ قَمْحٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ دَابَّةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ أَوْ الدَّابَّةَ وَوَلَدَهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَرْغَبَ الْغُرَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَيُعْطُونَهُ حَقَّهُ كَامِلًا وَيُمْسِكُونَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِمَا، وَعُرِفَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَخْذَهُ مِنْ جُمْلَةِ الطَّعَامِ قَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا خَلَطَهُ فَقَدْ فَاتَ، وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَهَذَا قَدْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَائِعٌ مُدْرِكٌ لَعَيْن مَالِهِ فِي فَلَسِ غَرِيمِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِسِوَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ جَمَاعَةٍ فَخَلَطَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَائِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إلَى الصَّرَّافِ يَخْلِطُهَا بِكِيسِهِ ثُمَّ يُفْلِسُ مَكَانَهُ، وَالْبَزُّ يَشْتَرِيهِ فَيَرْفَؤُهُ، وَيَخْلِطُهُ بِبَزِّ غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ وَأَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ خَلْطَهُ بِمَالٍ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ فَبِأَنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ خَلْطُهُ بِمَالِ بَائِعٍ أَحْرَى وَأَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُفْسِدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا يُفْسِدُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُفْسِدًا لَهُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ خَلَطَ مَا اشْتَرَى بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ زَيْتَ الْفُجْلِ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ أَوْ الْقَمْحِ بِالْمَغْلُوثِ جِدًّا أَوْ الْمُسَوَّسِ حَتَّى يَفْسُدَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيتُهُ، وَأَمَّا إنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْسِدُهُ بَلْ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ عَسَلًا، وَمِنْ آخَرَ حَرِيرَةً يَلُثُّهَا بِالْعَسَلِ ثُمَّ يُفْلِسُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ يَتَحَاصَّانِ فِي ثَمَنِهَا بِقِيمَةِ هَذَا مِنْ قِيمَةِ هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ وَقَفَ عَنْهَا مُحَمَّدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذَهَا وَوَلَدَهَا لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ كَالسِّمَنِ، وَالنَّمَاءُ الْحَادِثُ فِي الْعَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ، وَنَمَاءٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَثَمَرِ الشَّجَرِ وَصُوفِ الْغَنَمِ وَلَبَنِ الْأَنْعُمِ وَغَلَّةِ الدُّورِ وَالْعَبِيدِ، فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَإِنْ حَدَثَ الْوَلَدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذَهُ مَعَ أُمِّهِ عَلَى مَا ذَكَرَ أَوْ تَرَكَهَا مَعَ وَلَدِهَا، وَمُحَاصَّةُ الْغُرَمَاءِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بَاعَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَبِعْهُ فَإِنْ كَانَ بَاعَ الْأَوْلَادَ وَوَجَدَ الْأُمَّ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يُسْلِمَهَا، وَيُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ، وَذَكَرَهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ، وَرَوَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى الْأُمِّ وَالْوَلَدِ فَيَأْخُذُ الْأُمَّ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيُحَاصُّ بِمَا أَصَابَ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّمَنِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا كَانَ نَمَاءٌ حَدَثَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهُ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالْغَلَّةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ وَأَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ بَاعَهُ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ بِالْغَلَّةِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْوَلَدَ وَحْدَهُ لَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَالْمُحَاصَّةُ بِقِيمَةِ الْأُمِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمَّا وَجَدَ النَّمَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ لَمْ يَبِعْ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ، وَلَكِنَّهُ تَلِفَ فَإِنْ كَانَ تَلِفَ عَلَى وَجْهٍ لَا عِوَضَ فِيهِ كَالْمَوْتِ وَالْإِبَاقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَبَقِيَ الْوَلَدُ أَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ الْأُمُّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ التَّرْكُ وَالْمُحَاصَّةُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ إسْلَامُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ أَمَةً فَعَمِيَتْ أَوْ اعْوَرَّتْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِمَّا أَخَذَهَا الْبَائِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ أَسْلَمَهَا قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يَخْلَقُ أَوْ يَدْخُلُهُ فَسَادٌ كَالْأَمَةِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إنْ تَلِفَ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ الْعِوَضُ مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ جَانٍ فَإِنْ أَخَذَ لَهُ عَقْلًا فَهُوَ مِثْلُ بَيْعِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ لَهُ عَقْلًا فَهُوَ مِثْلُ الْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ

مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْت لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَانِي عَلَيْهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَدَثَ الْوَلَدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا لَوْ بِيعَا جَمِيعًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سِلْعَتَيْنِ بِيعَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وُجُودِ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ النَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَ الْبَيْعِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ مَوْجُودًا حِينَ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ نُبَيِّنُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ قَالَ أَصْبَغُ قَدْ حَانَ جِزَازُهُ فَجَزَّهُ الْمُبْتَاعُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَكَانَ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ لَمْ يَجُزَّهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ مَعَ الرِّقَابِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ جَزَّهُ الْمُبْتَاعُ وَلَمْ يَفُتْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعَ الْغَنَمِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ ثُمَّ فُلِّسَ قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ إلَّا قِيمَتُهُ بِقِسْطِ الثَّمَنِ عَلَى الصُّوفِ وَرِقَابِ الْغَنَمِ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِمَا لِلصُّوفِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْغَنَمَ بِبَاقِي الثَّمَنِ أَوْ يُسْلِمَهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالسِّلْعَتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الثَّمَرَةُ تُبَاعُ مَعَ الْأَصْلِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَكِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَدْ أُبِّرَتْ فَيَقْضِي لَهُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ، وَلَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا رَاعَى ابْنُ حَبِيبٍ الْإِبَارَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَتْبَعُ النَّخْلَ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ لَهَا عَلَى هَذَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ فُلِّسَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يَجُدَّ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَصْلَ، وَقِيلَ مَا لَمْ تَيْبَسْ، وَرُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ، وَالثَّانِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ مَا دَامَتْ الثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ لَمْ تُجَدَّ، وَلَمْ تُبَعْ فَهِيَ كَالْوَلَدِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَهَا مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ كَالنَّمَاءِ الْحَادِثِ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ قَدْ وُجِدَتْ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ لِلْبَائِعِ قِيمَةُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لِارْتِجَاعِ الْمَبِيعِ حُكْمَ الْعَقْدِ، وَهَذَا ثَمَرٌ قَدْ انْفَصَلَ مِنْ أَصْلِهِ فَوَجَبَ عِوَضًا عَنْ ثَمَرَةٍ مُزْهِيَةٍ فَلَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْقِيمَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّجَرِ عِنْدَ الْبَيْعِ ثَمَرٌ، وَلَا عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ صُوفٌ ثُمَّ اسْتَغَلَّهَا الْمُشْتَرِي مُدَّةَ أَعْوَامٍ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ الْأُصُولَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً فِي الشَّجَرِ، وَالصُّوفُ بَاقٍ عَلَى الْغَنَمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ فِي النَّخْلِ يَوْمَ التَّفْلِيسِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَتْ فَهِيَ لِلْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا حَلَّ مِنْ غَلَّةِ دَارٍ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْبَائِعِ أَخْذَهَا بِثَمَرِهَا مَا دَامَتْ فِي النَّخْلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ حَازَ أَفْرَادَهَا فَكَانَ لَهَا حُكْمُهَا كَاَلَّتِي جُدَّتْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَغَيْرَ مُفَارِقَةٍ لَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ فَكَانَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهَا فِي الْفَلَسِ كَنَمَاءِ الْأَغْصَانِ مَا لَمْ يَطِبْ مِنْ الثَّمَرِ، وَصُوفِ الْغَنَمِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الصُّوفُ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ يَكُونُ قَدْ تَمَّ عِنْدَ الْمُفْلِسِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لِلْغُرَمَاءِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الصُّوفَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ فِي بَيْعِ الْغَنَمِ وَالثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةُ فَلَا يَكُونُ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما يجوز من السلف]

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِهِ إيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْرًا مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُك فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْت، وَلَكِنْ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْبِضَ مَنْ أَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ الْحَيَوَانِ مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى جَمَلًا رُبَاعِيًّا خِيَارًا مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ» ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ خَيْرًا مِنْهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْتَسْلِفِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ، وَلَا وَأْيٍ، وَلَا عَادَةٍ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ] (ش) : قَوْلُهُ «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا» يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ثُبُوتِ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَازَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَمَّا يَسْتَقْرِضُهُ الْمُسْتَقْرِضُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ مِثْلَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَوَافَقَنَا عَلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَ مِنْهُ فِي السَّلَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالْقَرْضُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا، وَغَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَطْلُبَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَلِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَدْفَعَهُ مَتَى شَاءَ قَبْلَ الْأَجَلِ إذَا كَانَ عَيْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقْرَضَهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ إلَى الْأَجَلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ وَجْهُ مَنْفَعَةٍ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقْرَضَهُ عَرْضًا. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ» لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَرِضُ الْبَكْرَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ اقْتَرَضَهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَقَوْلُ أَبِي رَافِعٍ «لَمَّا جَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ» يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنَّ مَا أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَ مِنْهُ الرَّجُلَ كَانَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ ثُمَّ صَارَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْتِيَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَضَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْهَا كَمَا يَسْتَقْرِضُ وَالِي الْيَتِيمِ عَلَى مَالِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَمْوَالِ الْمَسَاكِينِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا أَخَذَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيَكُونُ فَضْلُ الشَّيْءِ صَدَقَةً عَلَيْهِ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ حُلُولِهَا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ اسْتَقْرَضَ لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ رَجُلٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَيَقْضِيهِ قَرْضَهُ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقْبِضُ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحُلُولِ لَتَعَجَّلَهَا وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُقْرِضَ، وَلَوْ شَاءَ لَعَجَّلَهَا اقْتِرَاضًا لَمَّا احْتَاجَ أَنْ يَقْضِيَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ، وَلَوْ تَعَلَّقَ مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَا أَبْعَدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْبَكْرُ الَّذِي قَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ إمَّا بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَصَارَ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْغَارِمِينَ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِمَّنْ احْتَاجَ إلَى بَيْعِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ أَصْحَابُهُ بِهِ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ فَقَالُوا لَا نَجِدُ إلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ قَالَ اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَحَفِظَ أَبُو رَافِعٍ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَحَفِظَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشِّرَاءَ. (ش) : قَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَسْلَفَهُ الدَّرَاهِمَ

[ما لا يجوز من السلف]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَالَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ يَعْنِي حُمْلَانَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَيْرًا مِنْهَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي الصِّفَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابِلِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ نَقْصٌ فِي وَجْهٍ آخَرَ مِثْلُ أَنْ يُسْلِفَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ رَدِيئَةَ الذَّهَبِ فَيَقْضِيَهُ ثَمَانِيَةً جَيِّدَةَ الذَّهَبِ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَسْكُوكَةٍ رَدِيئَةِ الذَّهَبِ فَيَقْضِيَهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ التِّبْرِ الْجَيِّدِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ فَيُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَى أَجَلٍ لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَتْ الْفَضِيلَةُ فِي الْقَدْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إقْرَاضُهُ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا فَإِنْ كَانَ إقْرَاضُهُ وَزْنًا فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعَدَدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْوَزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَسِيرَ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ أَقْرَضَهُ عَدَدًا جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَدَدِ أَفْضَلَ وَزْنًا مِثْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَنْصَافًا فَيَقْضِيَهُ مِائَةً وَازِنَةً لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي الْجِنْسِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْعَدَدِ إلَّا الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَضَاهُ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَكْثَرَ وَزْنًا أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَقَلَّ وَزْنًا لَمْ يَجُزْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الرَّجُلِ أَفْضَلَ مِمَّا سَلَّفَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطٍ وَلَا عَادَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْرِيَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَادَةٍ يَكُونُ الْقَرْضُ مِنْ أَجْلِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي إنْكَارًا لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ أَوْ لِعَادَةٍ يَرْجُوهَا لَمَا أَنْكَرَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَأَمَّا الشَّرْطُ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ، وَأَمَّا الْعَادَةُ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ أَيْضًا، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فَيَكْرَهَانِهِ وَلَا يَرَيَانِهِ حَرَامًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الْعَادَةَ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَصْدُ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ زِيَادَتَهُ كَالشَّرْطِ، وَلِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ إذَا أَقْرَضَ لِهَذَا الرَّجَاءِ الَّذِي اعْتَادَهُ فَقَدْ دَخَلَ عَمَلَهُ الْفَسَادُ وَالتَّحْرِيمُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَا أَقْرَضَهُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الْقَرْضِ، وَلِذَلِكَ أَبْدَى ابْنُ عُمَرَ مَعْنَى الْجَوَازِ فِي الزِّيَادَةِ، وَقَالَ إنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وَأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي زَادَهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَرْطٍ، وَلَا عَادَةٍ، وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَرِضَاهُ بِإِسْدَاءِ الْمَعْرُوفِ إلَى مَنْ أَقْرَضَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّذِي أَسْلَفَ طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ تَبْيِينٌ لِوَجْهِ الْمَنْعِ وَمُقْتَضِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ زِيَادَةً فِي قَرْضِهِ، وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَالَهُ حَمْلٌ كَالطَّعَامِ وَسَائِرِ الْمَتَاعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ فَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ جَازَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْقَضَاءِ حَيْثُ الْتَقَيَا رَوَاهُ عَبْدُ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةُ الْمُقْتَرَضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ قَضَاءً فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّبَايُعِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِازْدِيَادِ فِيهِ فَإِنْ لَقِيَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْقَضَاءِ فِيهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِثْلَ الَّذِي يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك أَوْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فِي دَرَاهِمَ مِثْلِ الصَّفَائِحِ الَّتِي يَدْفَعُهَا رَجُلٌ لِآخَرَ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ لِيَقْضِيَهُ إيَّاهَا بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَنْعُ، وَرَوَى أَبُو الْفَرْجِ الْجَوَازَ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَضْرِبَ لِذَلِكَ أَجَلًا أَوْ لَا يَضْرِبَ أَجَلًا فَإِنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا جَازَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي أَسْلَفْت رَجُلًا سَلَفًا، وَاشْتَرَطْت عَلَيْهِ فَضْلًا مِمَّا أَسْلَفْته فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَلِكَ الرِّبَا قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِك فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِك، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ فَذَلِكَ الرِّبَا، قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته، وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ الَّذِي أَسْلَفْته فَأَخَذْته أُجِرْت، وَإِنْ أَعْطَاك أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك، وَلَك أَجْرُ مَا أَنْظَرْته مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إلَّا قَضَاءَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ فَهُوَ رِبًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَيْثُمَا لَقِيَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَلَيْهِ الدِّينُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَضَاءِ لِمَا شَرَطَ مِنْ الْبَلَدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ هِيَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا، وَلَا تُقَوَّمُ بِغَيْرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ لَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ وَالْجِنْسِ، وَقَدْ لَزِمَ مِنْهُ مَا لَا يُغَيَّرُ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمَبِيعَاتِ فَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْهُمَا أَنْ يَقْضِيَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَقَوْلُهُ فَأَيْنَ الْحَمْلُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ ازْدَادَ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ الْحَمْلُ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فَأَيْنَ الْحَمْلُ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ أَرَادَ بِهِ الضَّمَانَ وَالْحَمْلَ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ وَالضَّمَانِ فِي مُدَّتِهِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَمْ يَمْنَعْ الضَّمَانُ فِي مُدَّةِ الِاقْتِرَاضِ مِنْ صِحَّةِ الْقَرْضِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الِانْتِفَاعِ بِمَا اقْتَرَضَهُ الْمُقْتَرَضُ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَأَمْرٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْطِ وَزِيَادَةٌ لَهَا قَدْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ الرَّجُلِ إنِّي أَسْلَفْت سَلَفًا، وَاشْتَرَطْت عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته، وَمُجَاوِبَةُ ابْنِ عُمَرَ لَهُ عَلَى هَذَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْسِرَ وَجْهَ الْفَضِيلَةِ بِأَنَّهُ رِبًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْفَضِيلَةِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْوَزْنِ أَوْ الْجَوْدَةِ أَوْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ الْفَضِيلَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَرْضِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَمَا تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ طَلَبًا لِلْخُرُوجِ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ، وَاسْتِرْشَادًا لِمَا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الرِّبَا الَّذِي قَدْ تَوَرَّطَ فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ السَّلَفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ سَلَفٌ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ يُرِيدُ لَك مَا لِمَنْ أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ مِنْ الثَّوَابِ، وَسَلَفٌ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِك يُرِيدُ أَنَّك تَقْصِدُ بِهِ اسْتِرْضَاءَهُ، وَتَطْيِيبَ نَفْسِهِ فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِك يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَك رِضَاءَهُ، وَطَيِّبَ نَفْسِهِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَ فِيهِمَا ازْدِيَادٌ، وَالثَّالِثُ أَنْ تُسْلِفَ أَخَاك لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ يُرِيدُ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ هَذَا السَّائِلُ مِنْ شَرْطِ الزِّيَادَةِ فَيَأْخُذُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخَبِيثُ عِوَضًا عَنْ الطَّيِّبِ، وَهُوَ الْحَلَالُ الَّذِي أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ طَيِّبًا قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّبَا فَجَاوَبَهُ ابْنُ عُمَرَ بِتَبْيِينِ وَجْهِ تَحْرِيمِ مَا أَخْبَرَهُ عَنْ تَحْرِيمِهِ، وَفَصَّلَ لَهُ وُجُوهَ السَّلَفِ لِيَكْشِفَ لَهُ عَنْ مَعَانِيهَا وَبَيَّنَ لَهُ طَيِّبَهَا مِنْ خَبِيثِهَا. (فَصْلٌ) ثُمَّ قَالَ لَهُ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ الشَّرْطَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيفَةِ، وَلَا يَعْتَقِدَ الطَّلَبَ لَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ إسْقَاطَ الشَّرْطِ جُمْلَةً، وَهَكَذَا مَنْ أَسْلَفَ رَجُلًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِ زِيَادَةً، وَكَانَ قَرْضُهُ مُؤَجَّلًا كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقَرْضَ جُمْلَةً لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ، وَيُعَجِّلُ قَبْضَ مَالِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، وَيُبْقِيَهُ عَلَى أَجَلِهِ دُونَ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ، وَيُبْطِلَ شَرْطَهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته، وَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ، وَلَيْسَ لَك غَيْرُهُ، وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ الَّذِي أَعْطَيْته فَأَخَذْته أُجِرْت نَدْبٌ إلَى الْخَيْرِ وَالتَّنَاهِي فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ فِي ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إلَى حَلَالِ مَا لَا يَحِلُّ فَلَا يَصْلُحُ، وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَيُصِيبَهَا مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا بِعَيْنِهَا فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَحِلُّ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ، وَلَا يُرَخِّصُونَ فِيهِ لِأَحَدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ لَا يَأْخُذَ أَدْوَنَ مِنْ الَّذِي أَعْطَى كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ إنْ سَامَحَ وَتَجَاوَزَ وَأَخَذَ أَدْوَنَ مِمَّا أَعْطَى فَذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ لِأَنَّهُ يُضِيفُ إلَى أَجَلِ الْقَرْضِ أَجَلَ التَّجَاوُزِ. (فَصْلٌ) فَإِنْ أَعْطَاك أَفْضَلَ مِمَّا أَعْطَيْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يُعْطِيَك مِنْ أَجْلِ شَرْطِك، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَطْلُبَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ، وَإِنَّهُ قَدْ أَبْطَلَهُ، وَتَرَكَهُ، وَإِنْ زَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَزِيدُهُ شُكْرًا لَهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرَهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَلَا تَشْتَرِطْ إلَّا قَضَاءَهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ زِيَادَةً وَلَا مَنْفَعَةً، وَلَا شَيْئًا إلَّا قَضَاءَ مِثْلِ مَا أَعْطَى قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَشْتَرِطُ أَفْضَلَ مِنْهُ يُرِيدُ زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ يُرِيدُ قَلِيلَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ زِيَادَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَإِنَّهَا رِبًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الزِّيَادَةَ رِبًا، وَلَكِنْ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الرِّبَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَظَاهِرُهُ الزِّيَادَةُ الْمَمْنُوعَةُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالْبَيْعُ لَا يَخْلُو مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْأَغْلَبِ، وَلَكِنْ لَفْظُ الرِّبَا يَخْتَصُّ بِالْمَمْنُوعِ. (ش) : وَقَوْلُهُ مَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِصِفَةٍ وَتَحْلِيَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَسْلَفَهُ مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْحِلْيَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ مِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَجْهُولَ الصِّفَةِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا رُوِيَ،. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَوْلُهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْوَلَائِدِ فَإِنَّهُ يُخَافُ مِنْ ذَلِكَ الذَّرِيعَةُ إلَى إحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَرْضُ الْجَوَارِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ الْمَازِنِيِّ إبَاحَةُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ حَظْرِ الْفُرُوجِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بَعْدَ أَخْذِهِ بِسَاعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ مَا كَانَ عَلَى صِفَتِهِ فَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِجَارِيَةِ غَيْرِهِ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِلْفُرُوجِ الْمَحْظُورَةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ لِلْمُسْتَقْرِضِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ عَمَّتَهُ أَوْ خَالَتَهُ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَسْلَمُ مِمَّا قَالَهُ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ اسْتِقْرَاضُ الْجَوَارِي، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ خَاصَّةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ اقْتَرَضَ رَجُلٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَنْعَهُ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ بِعَيْنِهَا مَا لَمْ يَطَأْهَا، وَيُفْسَخُ الْقَرْضُ، وَاخْتَلَفُوا إذَا وَطِئَهَا فَقَالَ مَالِكٌ تَفُوتُ بِالْوَطْءِ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْمُسْتَقْرِضِ، وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرُدُّهَا، وَيَرُدُّ مَعَهَا عَقْدَهَا، وَإِنْ حَمَلَتْ رَدَّهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَقِيمَةَ وَلَدِهَا حَيًّا يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَيَرُدُّ مَعَهَا مَا نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَزِمَهُ مِثْلُهَا فَإِنْ عَدِمَ مِثْلَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ عُقُودَ التَّمْلِيكِ تَفُوتُ عِنْدَنَا مَعَ بَقَاءِ الْأَعْيَانِ، وَلَمَّا دَفَعَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ الْجَارِيَةَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَاتَتْ بِالْوَطْءِ الَّذِي مَنَعَ الْقَرْضَ مِنْ أَجْلِهِ فَلَوْ أَجَزْنَا لَهُ رَدَّهَا لَكُنَّا قَدْ أَتْمَمْنَا الْقَرْضَ الْفَاسِدَ وَالْمَقْصُودَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ، فَلَمَّا وُجِدَ مَعْنَى الْمَنْعِ وَفَاتَ رَدُّهَا بِذَلِكَ أَوْجَبْنَا لَهُ قِيمَتَهَا، وَإِذَا وَجَبَتْ قِيمَتُهَا بَطَلَ جَمِيعُ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُ يَوْمَ قَبَضَهَا.

[ما ينهى عنه في المساومة والمبايعة وفيه أبواب]

(مَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» . وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إلَى السَّائِمِ، وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الذَّهَبِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَةَ السَّائِمِ فَهَذَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالسَّوْمِ بِالسِّلْعَةِ تُوقَفُ لِلْبَيْعِ فَيَسُومُ بِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ السَّوْمَ عِنْدَ أَوَّلِ مَنْ يَسُومُ بِهَا أُخِذَتْ بِشَبَهِ الْبَاطِلِ مِنْ الثَّمَنِ، وَدَخَلَ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ الْمَكْرُوهُ، وَلَمْ يَزَلْ الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُنْهَى عَنْهُ فِي الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُبَايَعَةِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَشْتَرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ اشْتَرَيْت، وَشَرَيْت بِمَعْنَى بِعْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] . وَقَالَ {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ إنَّمَا النَّهْيُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، وَنَحْوَ هَذَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي زَيْدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَيْسَ لِلْحَدِيثِ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا عِنْدِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَكَادُ يَدْخُلُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ أَنْ يَزِيدَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ لِلْحُطَيْئَةِ وَبِعْت لِذُبْيَانَ الْعَلَاءَ بِمَالِكَا يُرِيدُ اشْتَرَيْت قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُمْنَعُ الْبَائِعُ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إذَا كَانَ قَدْ رَكَنَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ، وَوَافَقَهُ فِي ثَمَنِ سِلْعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَمَامُ الْعَقْدِ فَيَأْتِي مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ عَلَى وَجْهِ غَيْرِ الْإِرْخَاصِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَمَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْإِرْخَاصَ مُسْتَحَبٌّ مَشْرُوعٌ فَإِذَا أَتَى مَنْ يَبِيعُ بِأَرْخَصَ مِنْ بَيْعِ الْأَوَّلِ فَلَا مَنْعَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَذَلِكَ إرْخَاصٌ عَلَى مُتَلَقِّيهَا غَيْرَ أَنَّ فِيهَا إغْلَاءً عَلَى أَهْلِ الْأَسْوَاقِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَقِّي. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» يُرِيدُ الْمُسْلِمَ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ شَرْطًا فِيمَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِإِظْهَارِ قُبْحِ فِعْلِهِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ بِالْأُخُوَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ الْمُقَابَحَةَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي رَكَنَ إلَى بَيْعِهِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا لَهُ عَهْدٌ، وَذِمَّةٌ كَالْمُسْلِمِ أَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ وَقَعَ وَسَامَ رَجُلٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيَعْرِضُهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُفْسَخُ، وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ، وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ يُفْسَخُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ يُؤَدَّبُ يُرِيدُ لِمَنْ عَصَى بِهَذَا الْفِعْلِ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ، وَنَدَبَهُ لِمَنْ مَنَعَهُ مِنْهُ وَظَلَمَهُ فِيهِ، وَزَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْأَدَبِ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مَنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ الزَّجْرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ يُفْسَخُ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهْيٌ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ يَعْرِضُهَا عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةً زَادَتْ لَهُ أَعْطَاهُ النَّفَقَةَ مَعَ الثَّمَنِ فَإِنْ نَقَصَتْ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَبِيعَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً كَانَ لِلْأَوَّلِ الْعِوَضُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَلِفَتْ، وَلَمْ تُؤْثَرُ زِيَادَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا، وَهَذَا وَجْهٌ يَتَلَخَّصُ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إذَا كَانَ قَدْ ذَكَرَ الْبَائِعُ إلَى السَّائِمِ مِمَّا يَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ مُبَايَعَتَهُ، ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الشِّرَاءِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِحَالَةِ الِاتِّفَاقِ دُونَ أَشَدِّ الْمُسَاوَمَةِ، وَوَقْتِ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ عَلَى مَا قَالَ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ مَنَعَ مِنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ مَتَاعٍ مَعَ تَبَايُنِ مَا بَيْنَهُمَا وَتَبَاعُدِهِمَا لَفَسَدَتْ بِذَلِكَ حَالُ كُلِّ بَائِعٍ فَمَا كَانَ أَحَدٌ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ بَيْعِ السِّلْعَةِ إلَّا سَاوَمَهُ بِهَا، وَأَعْطَاهُ عُشْرَ ثَمَنِهَا فَإِذَا خَرَجَ عَلَى غَيْرِ الْمُسَاوَمَةِ بِهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَمَنْعٌ مِنْ بَيْعِ سِلْعَتِهِ إلَّا بِالْيَسِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا مِمَّنْ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْلِ مُسَاوَمَتِهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ، وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِلسُّلْطَانِ فِيمَا بِيعَ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَيِّتٍ يَتَأَنَّى ثَلَاثًا عَسَى بِزَائِدٍ أَنْ يَزِيدَ، وَفِي بَيْعِ الْعَقَارِ يُنَادِي عَلَيْهِ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِصِفَتِهِ وَنَعْتِهِ وَتَسْمِيَةِ مَا فِيهِ فَإِذَا بَلَغَ مُنْتَهَاهُ عَلَى أَحَدٍ اسْتَأْنَاهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الْإِيجَابِ يَكُونُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلسُّلْطَانِ لَا لِلْمُبْتَاعِ فَإِنْ زِيدَ عَلَيْهِ قَبِلَهُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ فَإِذَا أَوْجَبَهُ ثُمَّ جَاءَ مَنْ يَزِيدُ لَمْ تُقْبَلْ زِيَادَتُهُ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ بِسِلْعَتِهِ يَسُومُ بِهَا مَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا أَوْ يَجْلِسُ بِهَا فِي حَانُوتٍ أَوْ مَكَان فَمَنْ مَرَّ بِهِ سَاوَمَهُ عَلَيْهَا فَهَذَا إذَا رَكَنَ إلَى الْمُبْتَاعِ فَهُوَ الَّذِي نُهِيَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى بَيْعِهِ أَحَدٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَهُ عَلَى الْمُسَاوِمَةِ، وَمَنْ فَارَقَهُ، وَلَمْ يُوجِبْهُ أَوْ رَدَّ مَا أَعْطَاهُ مِنْ السَّوْمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَهُ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَبَيْعُ الْمُزَايَدَةِ هُوَ الرَّجُلُ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ يَمْشِي بِهَا عَلَى مَنْ يَشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ، وَيَطْلُبُ زِيَادَةَ مَنْ يَزِيدُ فِيهَا فَهَذَا لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهَا قَبْلَ الْإِيجَابِ، وَيَلْزَمُ مَنْ زَادَ فِيهَا شِرَاؤُهَا بِمَا زَادَ، وَإِنْ فَارَقَهُ بِغَيْرِ الْإِيجَابِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ عَلَى أَنَّهُ إنْ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَهُ بِمَا زَادَ فِيهَا، فَإِذَا أَوْقَع الْإِيجَابَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَقِّي مَنْ يَجْلِبُ السِّلَعَ فَيَبْتَاعُ مِنْهُمْ قَبْلَ وُرُودِ أَسْوَاقِهَا، وَمَوَاضِعِ بَيْعِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّلَقِّي فِيمَا بَعُدَ عَنْ مَوْضِعِ الْبَيْعِ أَوْ قَرُبَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْحَاضِرَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِيهِ مُضِرَّةٌ عَامَّةٌ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ مَنْ تَلَقَّاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا غَلَّاهَا عَلَى النَّاسِ وَانْفَرَدَ بِبَيْعِهَا، فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِيَصِلَ بَائِعُوهَا بِهَا إلَى الْبَلَدِ فَيَبِيعُونَهَا فِي أَسْوَاقِهَا فَيَصِلُ كُلُّ أَحَدٍ إلَى شِرَائِهَا وَالنَّيْلِ مِنْ رُخْصِهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَكَذَلِكَ فِيمَا قَرُبَ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ خُرُوجِ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الْإِصْطَبْلِ مَسِيرَةَ مِيلٍ، وَنَحْوِهِ أَيَّامَ الْأَضْحَى يَتَلَقَّوْنَ الْغَنَمَ يَشْتَرُونَهَا قَالَ هَذَا مِنْ التَّلَقِّي، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الضَّحَايَا مَتَى تَرِدُ سُوقَهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَلَفٌ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ مَا جُلِبَ إلَى سُوقِ بَيْعِهِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ كَالْبُعْدِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَبْلِيغِهِ الْأَسْوَاقَ، وَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا مَا كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ تَبْلِيغُهُ الْأَسْوَاقَ كَالْفَوَاكِهِ وَالثِّمَارِ الَّتِي يَلْحَقُ أَهْلَ الْأُصُولِ ضَرَرٌ بِتَفْرِيقِ بَيْعِهَا وَمُحْتَاجُونَ إلَى بَيْعِهَا جُمْلَةً مِمَّنْ يَجْنِيهَا أَوْ يُبْقِيهَا فِي أَصْلِهَا، وَيُدْخِلُهَا إلَى الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى بِقَدْرِ مَا يَتَأَتَّى لَهُ مِنْ بَيْعِهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْأَجِنَّةِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْفُسْطَاطِ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ يَخْرُجُ إلَيْهَا التُّجَّارُ فَيَشْتَرُونَهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْمِلُونَهَا فِي السُّفُنِ إلَى الْفُسْطَاطِ لِلْبَيْعِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ هُوَ مِنْ التَّلَقِّي. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ التَّلَقِّي، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي التُّجَّارِ يَشْتَرُونَ الْغَنَمَ مِنْ الرِّيفِ فَيَسِيرُونَ عَلَى مِثْلِ مِيلٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي مَرَاعِيهَا، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ إدْخَالُهَا كُلِّهَا أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِمْ فَيَبِيعُونَهَا فَيُدْخِلُهَا الْمُشْتَرِي قَلِيلًا قَلِيلًا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّلَقِّي. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَرَاهُ مِنْ التَّلَقِّي وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا وَجْهُ بَيْعِ الْجَلَّابِ لَهَا، وَتَلْحَقُهُ الْمَضَرَّةُ فِي أَخْذِهِ بِإِدْخَالِهَا، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إفْسَادِهَا وَتَغَيُّرِهَا، وَطُولِ مَقَامِهِ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَمَا أُرْسِيَ بِالسَّاحِلِ مِنْ السُّفُنِ بِالتُّجَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ الرَّجُلُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ فَيَبِيعُهُ بِهَا إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الضَّرَرَ وَالْفَسَادَ فَلَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُكْرَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُنْتَهَى سَفَرِ الْوَارِدِ فَلَا يُكَلَّفُ سَفَرًا آخَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ السَّفَرَانِ فِي الْبَرِّ، وَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السِّلَعِ فَيَتَلَقَّاهَا وَيَشْتَرِيهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَسْوَاقَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَرِدَ خَبَرُهَا قَبْلَ أَنْ تَرِدَ فَيَشْتَرِيَهَا مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ قَبْلَ وُصُولِهَا، وَالثَّالِثُ أَنْ تَمُرَّ بِمَنْزِلِهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى أَسْوَاقِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ جَاءَهُ طَعَامٌ أَوْ بَزٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَوَصَلَ إلَيْهِ خَبَرُهُ وَصِفَتُهُ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُخْبَرُ بِذَلِكَ فَيَشْتَرِيهِ مِنْهُ رَجُلٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ التَّلَقِّي، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ شِرَاءُ السِّلَعِ قَبْلَ وُصُولِهَا الْأَسْوَاقَ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ عَلَى هَذَا بِوُصُولِ السِّلَعِ وَوُصُولِ بَائِعِهَا، وَلَوْ وَصَلَتْ السِّلَعُ السُّوقَ وَلَمْ يَصِلْ بَائِعُهَا فَخَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يَتَلَقَّاهُ وَيَشْتَرِيهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَهْبِطَ إلَى الْأَسْوَاقِ وَيَعْرِفَ الْأَسْعَارَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ التَّلَقِّي الْمَمْنُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إذَا مَرَّتْ بِمَنْزِلِهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى أَسْوَاقِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ بِطَرَفِ الْمِصْرِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ مَرَّتْ بِهِ السِّلَعُ وَمَنْزِلُهُ بِقُرْبِ الْمِصْرِ الَّذِي هَبَطَ إلَيْهِ بِتِلْكَ السِّلَعِ، وَمِنْ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَمِثْلُ الْعَقِيقِ مِنْ الْمَدِينَةِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا لِلْأَكْلِ وَلِلْقِنْيَةِ أَوْ لِيَلْبَسَ أَوْ لِيُضَحِّيَ أَوْ يُهْدِيَ وَنَحْوُهُ فَأَمَّا لِلتِّجَارَةِ فَلَا، وَلَا يَبْتَاعُهَا مَنْ مَرَّتْ بِبَابِ دَارِهِ فِي الْبَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ التِّجَارَة. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِيمَا كَانَ لَهُ سُوقٌ قَائِمٌ مِنْ السِّلَعِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سُوقٌ فَإِذَا دَخَلَتْ بُيُوتَ الْحَاضِرَةِ وَالْأَزِقَّةَ جَازَ شِرَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ السُّوقَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا بَلَغَتْ السِّلْعَةُ مَوْقِفَهَا ثُمَّ انْقَلَبَ بِهَا بَائِعُهَا، وَلَمْ تُبَعْ أَوْ بَاعَ بَعْضَهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مَنْ مَرَّتْ بِهِ أَوْ مِنْ دَارِ بَائِعِهَا مِنْ الْوَاضِحَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْجَالِبِ بِبُلُوغِهِ السُّوقَ، وَعَرْضِهَا فِيهَا لِلسِّلَعِ، وَانْتَقَلَ إلَى حُكْمِ الْمُحْتَكِرِ، وَذَلِكَ مُبَاحٌ يَشْتَرِي مِنْهُ حَيْثُ شَاءَ. (فَصْلٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ التَّلَقِّي مِنْ إنْسَانٍ فَلِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُنْهَى فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ يُنْزَعُ مِنْهُ مَا ابْتَاعَ فَتُبَاعُ لِأَهْلِ السُّوقِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنْ يُرَدَّ شِرَاؤُهُ، وَتُرَدَّ عَلَى بَائِعِهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَجْهُ فَسَادٍ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّلَقِّي الْحَرَجُ لِمَنْ فَعَلَهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ أَخْذَ مَا اشْتَرَاهُ، وَانْتِزَاعَهُ مِنْهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ حَظًّا فِيمَا اشْتَرَوْهُ كَمَا لَوْ حَضَرُوا مُسَاوَمَتَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ، وَمَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَهَذَا قَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ السِّلْعَةَ تُعْرَضُ لِأَهْلِ السُّوقِ فَمَا رَبِحَ فَهُوَ بَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ

[الباب الأول في تعيين البادي الذي يمنع من البيع له]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ وَضَيْعَةٍ فَعَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْفَسْخِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تُرَدُّ عَلَى بَائِعِهَا فَإِنْ فَاتَ أُمِرَ مَنْ يَقُومُ بِبَيْعِهَا لِصَاحِبِهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ فَاتَ بَائِعُهَا فَإِنْ كَانَ الْمُتَلَقِّي لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ تُرِكَتْ لَهُ وَزُجِرَ، وَإِنْ كَانَ اعْتَادَ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ فَإِنْ كَانَ لَهَا سُوقٌ وَقَوْمٌ رَاتِبُونَ لِبَيْعِهَا فَلَهُمْ أَخْذُهَا بِالثَّمَنِ أَوْ تَرْكُهَا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَهْلٌ رَاتِبُونَ عُرِضَتْ فِي السُّوقِ بِثَمَنِهَا لِعَامَّةِ النَّاسِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَأْخُذُهَا بِذَلِكَ تُرِكَتْ لَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهَا التُّجَّارُ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ كَأَحَدِهِمْ. وَقَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَزَادَ بِالْحِصَصِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي أَنْ يَرْجِعَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا أَخَذَهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا قُدِّمَ لَهُ مَنْ يَبِيعُ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ إنْ كَانَتْ زِيَادَةً فَلَهُ، وَإِنْ نُقْصَانًا فَعَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ السُّوقَ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَدِمَ بِقَمْحٍ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إنْ وَجَدْت بَيْعًا فِي الطَّرِيقِ، وَإِلَّا بَلَغْت الْفُسْطَاطَ قَالَ لَا يَبِيعُ فِي الطَّرِيقِ، وَيَبِيعُ بِالْفُسْطَاطِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قَرْيَةً بِهَا سُوقٌ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ فِيهَا فَثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْعِ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ الْبُيُوعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُفْسَخُ لِفَسَادِهِ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا فُسِخَ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنْ فَاتَ فَسْخُهُ بِفَوَاتِ بَائِعِهِ عُرِضَ عَلَى مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ تُرِكَ لَهُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَيُعَاقَبُ مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ تَلَقِّي السِّلَعِ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ سِجْنٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إخْرَاجٍ مِنْ السُّوقِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَطِيبُ لِلْمُتَلَقِّي رِبْحٌ مَا تَلْقَى فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ لَحْمِ مَا تَلَقَّى، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فَقَالَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَعْيِينِ الْبَادِي الَّذِي يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ لَهُ] (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَا تَنَاجَشُوا» سَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا، وَقَوْلُهُ «وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ مِنْهَا فِي تَعْيِينِ الْبَادِي الَّذِي يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ لَهُ وَالثَّانِي فِي التَّصْرِيفِ الَّذِي يُمْنَعُ لَهُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ لَهُ إذَا وَقَعَ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَعْيِينِ الْبَادِي الَّذِي يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ لَهُ) أَمَّا الْبَادِي الَّذِي مُنِعَ مِنْ الْبَيْعِ لَهُ فَإِنَّ أَهْلَ الْبَوَادِي ضَرْبَانِ ضَرْبٌ أَهْلُ عَمُودٍ وَضَرْبٌ أَهْلُ مَنَازِلَ وَاسْتِيطَانٍ فَأَمَّا أَهْلُ الْعَمُودِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ مُرَادُونَ بِالْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي النَّهْي عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي هُمْ الْأَعْرَابُ أَهْلُ الْعَمُودِ لَا يُبَاعُ لَهُمْ، وَلَا يُشْرَى عَلَيْهِمْ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْأَسْعَارَ فَيُوشِكُ إذَا تَنَاوَلُوا الْبَيْعَ لِأَنْفُسِهِمْ اُسْتُرْخِصَ مِنْهُمْ مَا يَبِيعُونَ لِأَنَّ مَا يَبِيعُونَهُ أَكْثَرُهُ لَا رَأْسَ مَالٍ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرُوهُ، وَإِنَّمَا صَارَ إلَيْهِمْ بِالِاسْتِغْلَالِ فَكَانَ الرِّفْقُ بِمَنْ يَشْتَرِيهِ أَوْلَى مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْحَوَاضِرِ هُمْ أَكْثَرُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ مَوَاضِعُ الْأَئِمَّةِ فَيَلْزَمُ الِاحْتِيَاطُ لَهَا وَالرِّفْقُ بِمَنْ يَسْكُنُهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَهْلَ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْأَثْمَانَ وَالْأَسْوَاقَ، وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَرَوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْعُتْبِيُّ عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدَائِنِ يَبِيعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يُشْبِهُونَ أَهْلَ الْبَادِيَةِ فَلَا يُبَاعُ لَهُمْ، وَلَا يُشْرَى عَلَيْهِمْ قَالَ: وَإِنْ كَانُوا أَيَّامَ الرَّبِيعِ فِي الْقُرَى، وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ عَلَى الْمِيلَيْنِ مِنْ الْقَرْيَةِ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِالسِّعْرِ فَلَا يُبَاعُ لَهُمْ، وَيَنْقَسِمُ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْبَدْوِيُّ لَا يُبَاعُ لَهُ عَرَفَ السِّعْرَ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالْقَرَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الْأَسْعَارَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا لَمْ يُبِعْ لَهُ. (فَرْعٌ) وَمَا قَدْرُ الْقَرْيَةِ الَّتِي تُبِيحُ الْبَيْعَ لَهُ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا نَهْيَ

[الباب الثاني في التصرف الذي يمنع له]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْبَيْعِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِيدَ أَيْ وَمَا أَشْبَهَهَا لِأَنَّ هَذِهِ مَدَائِنُ وَكُوَرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ كُوَرٌ وَحَوَاضِرُ لِأَهْلِهَا مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَسْعَارِ وَالْأَسْوَاقِ، وَلَيْسَ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ إلَّا الْإِضْرَارُ بِهِمْ دُونَ مَنْفَعَةٍ تُجْتَلَبُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَبِيعُ مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ، وَلَا مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدَائِنِ يَبِيعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُون خَفِيفًا. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اغْتِرَابَهُمْ، وَبُعْدَ أَوْطَانِهِمْ يَقْتَضِي جَهْلَهُمْ بِالْأَسْعَارِ فَمَنَعَ مَنْ يَعْرِفُهَا مِنْ الْبَيْعِ لَهُمْ لِيَرْخُصَ بِذَلِكَ مَا جَلَبُوهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُرْمَتَهُمْ مُتَسَاوِيَةٌ، وَبِأَيْسَرِ مَقَامٍ فِي الْبَلَدِ يَعْرِفُونَ الْأَسْعَارَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُخْفِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَا فَائِدَةَ لِكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يُمْنَعُ لَهُ] 1 أَمَّا مَا يَمْنَعُ مِنْهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَدْوِيِّ لَا يَبِيعُ لَهُ الْحَضَرِيُّ، وَلَا يَشْتَرِي عَلَيْهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ فِي أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ يُشْبِهُونَ الْبَادِيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا قَدِمَ الْبَدْوِيُّ فَأَكْرَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ الْحَضَرِيُّ بِالسِّعْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الْبَدْوِيُّ إلَى الْحَضَرِيِّ بِمَتَاعٍ يَبِيعُهُ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الشِّرَاءُ لِلْبَدْوِيِّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبِيعُ لَهُ، وَلَا يَشْتَرِي وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِرْخَاصَ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ، وَلِذَلِكَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي طَلَبًا لِرُخْصِ مَا يَبِيعُ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ يَسْتَرْخِصُ لَهُ مَا يَشْتَرِيهِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَبِيعُهُ الْبَدْوِيُّ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ بِالْغَلَّةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُخْصِهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ، وَمَا يَشْتَرِيهِ حُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُ الْحَضَرِيِّ فَلِذَلِكَ خَالَفَ بَيْعَهُ شِرَاؤُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ تَخُصُّهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْحَضَرِيُّ لِلْبَدْوِيِّ كَالْبَيْعِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ لَهُ إذَا وَقَعَ] 1 َ قَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ حَضَرَ الْبَدْوِيُّ أَوْ بَعَثَ سِلْعَتَهُ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ، وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ فِي بَيْعِ الْمِصْرِيِّ لِلْمَدَنِيِّ وَبَيْعِ الْمَدَنِيِّ لِلْمَصْرِيِّ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَسْخَهُ إذَا بَاعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ سَالِمٌ مِنْ الْفَسَادِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمَعْنَى الِاسْتِرْخَاصِ، وَلِذَلِكَ لَا يَعُودُ بِالْفَسْخِ لِأَنَّ الْبَدْوِيَّ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ فَلَا يَرْخُصُ بِفَسْخِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُؤَدَّبُ، وَرَوَى زُونَانُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُزْجَرُ وَلَا يُؤَدَّبُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَكْرُوهِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ مَضَرَّةٌ عَامَّةٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِيهَا فَكَانَ حُكْمُهُ الْأَدَبَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الزَّجْرَ فِي ذَلِكَ كَافٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ التَّسْعِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «وَلَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ» التَّصْرِيَةُ حَبْسُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَبْسِ الْمَاءِ يُقَالُ صَرَيْته وَصَرَّيْتُهُ وَالْمُصَرَّاةُ هِيَ الْمُحَفَّلَةُ لِأَنَّ اللَّبَنَ حَفَلَ فِي ضَرْعِهَا، وَالْحَافِلُ الْعَظِيمَةُ الضَّرْعِ. (فَصْلٌ) فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، يُرِيدُ أَنَّ التَّصْرِيَةَ تَدْلِيسٌ وَنَقْصُ اللَّبَنِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ الْبَيْعِ نَقْصٌ فَلِلْبَائِعِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمْسَاكُ أَوْ الرَّدُّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِتَدْلِيسٍ، وَنَقْصُ اللَّبَنِ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَلَيْسَ لِلْمُبْتَاعِ الرَّدُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ، وَهُوَ يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ «فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ» يُرِيدُ بَعْدَ التَّصْرِيَةِ «فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الرَّدَّ بِالتَّصْرِيَةِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا وَجْهٌ يَرُدُّ بِهِ إلَّا بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَازِمًا، وَوَجْهُ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْمُبْتَاعَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا بِالْحَلْبِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَعْنَى التَّدْلِيسِ سَتْرُ الْعَيْبِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي التَّصْرِيَةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَتَرَ مَا فِي شَاتِه أَوْ نَاقَتِهِ مِنْ قِلَّةِ اللَّبَنِ عَمَّا ابْتَاعَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ فِيهَا، وَعَلَى ذَلِكَ اشْتَرَاهَا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ نَقْصُهَا عَنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ جَعَّدَ الْبَائِعُ شَعْرَ جَارِيَتِهِ فَاشْتَرَاهَا الْمُبْتَاعُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ حَلَبَ ثَلَاثًا لَزِمَتْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمَّا سُئِلَ أَيَرُدُّهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ إذَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَبَرَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا حُلِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَعَ الرَّدَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ «بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا» ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَلْبَةَ الثَّانِيَةَ لَا يُعْلَمُ بِهَا حَالُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَقْصُ اللَّبَنِ لِاخْتِلَافِ الْمَرْعَى، وَلِأَنَّ التَّحْفِيلَ يُقَلَّلُ لَبَنَهَا فِي الْحَلْبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا حَقِيقَةُ أَمْرِهَا بِالثَّالِثَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ بِهَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ اشْتَرَى غَنَمًا غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَحَلَبَهَا فَلَمْ يَرْضَ حِلَابَهَا فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَعْلَمْ حِلَابَهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوَى عِلْمُهَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ جُزَافًا كَالْبَائِعِ لِصُبْرَةِ الطَّعَامِ فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ قَدْرَ مَا يُحْلَبُ فَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعَ فَإِنْ كَانَ فِي إبَّانِ لَبَنِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ الرَّدُّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ صُبْرَةً جُزَافًا قَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا فَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ فِي إبَّانِ لَبَنِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ عَرَفَ قَدْرَ لَبَنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَاةَ لَبَنٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهَا حُلِبَتْ أَوْ لَمْ تُحْلَبْ إذَا كَانَتْ شَاةَ لَبَنٍ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ فِي ثَمَنِهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي كَثْرَتِهِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تُبَعْ لِشَحْمِهَا وَلَحْمِهَا وَلَا لِنِتَاجِ مِثْلِهَا ذَلِكَ اللَّبَنَ، وَإِنَّمَا بَيْعُهُ لِلَبَنِهَا فَلَهُ الرَّدُّ إذَا كَتَمَهُ الْبَائِعُ قَدْرَ اللَّبَنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْصِدْ بِابْتِيَاعِهِ اللَّبَنَ، وَإِذَا كَانَتْ فِي إبَّانِ لَبَنِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلَبَنِهَا فَرُوعِيَ ذَلِكَ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَتْ إبِلًا أَوْ بَقَرًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ الْبَقَرُ يُطْلَبُ مِنْهَا اللَّبَنُ مِثْلُ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْغَنَمِ فَهِيَ بِمَنْزِلَتِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ قِسْطًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَتُجَرَّبُ الشَّاةُ فَإِنْ كَانَتْ تَحْلُبُ مَا شَرَطَهُ لَهُ، وَإِلَّا رَدَّهَا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فِي أَنَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ تُرَدُّ فَبِأَنْ تُرَدَّ فِي هَذَا أَوْلَى، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الشَّرْطِ فَإِذَا ثَبَتَ بِهَا الرَّدُّ فَبِأَنْ تُرَدَّ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ أَبْيَنُ أَوْلَى. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ لَهُ التَّصْرِيَةُ أَمْسَكَهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْت لِمَالِكٍ أَتَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ قَالَ نَعَمْ، وَإِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا سَمِعْت أَوْ لَا حَدَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَشْهَبُ، وَقَالَ جَاءَ مَا يُضَعِّفُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ، وَسَأَلْت عَنْهُ مَالِكًا فَكَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ لَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ، وَقَدْ أَكَلَ لَبَنَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَوَجْهُ رَدِّ الصَّاعِ أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي فِي الضَّرْعِ حَالَ التَّحْفِيلِ مَبِيعٌ مَعَ الشَّاةِ، وَإِذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ أَوْ تَغَيَّرَ بِالْحَلْبِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عِوَضًا مِنْهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّجْشِ» قَالَ وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَلَيْسَ فِي نَفْسِك اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِيَ بِك غَيْرُك) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالصُّوفِ عَلَى الْغَنَمِ، وَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَرُدُّهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَا يَرُدُّ عِوَضًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا الصَّاعُ عِوَضٌ عَنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ خَاصَّةً، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَبَنٌ حُلِبَ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَمْ يَرُدَّهُ الْمُبْتَاعُ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَاللَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ضَعَّفَهُ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مَا رُوِيَ أَنَّ «الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ» ، وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ «الْغَلَّةِ بِالضَّمَانِ» لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ حَدِيثَ الْغَلَّةِ عَامٌّ، وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ خَاصٌّ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى حَدِيثِ الْغَلَّةِ مَعَ أَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا هِيَ مَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ دُونَ مَا اشْتَرَاهُ مَعَ الْبَيْعِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ صَاعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِهِ لِرَفْعِ التَّخَاصُمِ فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهِ، وَادَّعَى الْبَائِعُ مِنْ اللَّبَنِ أَكْثَرَ مِمَّا يُظْهِرُهُ إلَيْهِ الْمُبْتَاعُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَى وَقْتِ الْحَلْبِ فِي الْأَغْلَبِ مَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ فَحَكَمَ فِي عِوَضِ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَرْفَعُ الْخِصَامَ، وَيَحْسِمُ الدَّعَاوَى، وَهُوَ صَاعٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ، وَهَذَا كَمَا «حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ» لَمَّا كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ غَالِبًا ذَكَرُهُ مِنْ أُنْثَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ فِي الْأُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ، وَقَضَى فِي جَنِينِ الْأَمَةِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَنِينَيْنِ لَتَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا يَرُدُّ إلَّا صَاعًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّ الْغَنَمَ أَطْيَبُ لَبَنًا وَالْإِبِلَ أَكْثَرُ لَبَنًا وَالْبَقَرَ أَكْثَرُ لَبَنًا مِنْ الْغَنَمِ، وَأَطْيَبُ لَبَنًا مِنْ الْإِبِلِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَتْ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ عَدَدًا قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ بِوَجَدْت لِبَعْضِ شُيُوخِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ يَرُدُّ لِجَمِيعِهَا صَاعًا وَاحِدًا، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ «لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ يَرُدُّ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَاعًا لَرَأَيْت لَهُ وَجْهًا. (فَرْعٌ) وَمِمَّاذَا يَكُونُ الصَّاعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ، وَجَدْته فِي كِتَابِي مَنْ اشْتَرَى شَاةً أَوْ نَاقَةً مُصَرَّاةً فَلَهُ إذَا حَلَبَهَا أَنْ يَرُدَّهَا، وَمَكِيلَةَ مَا حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ تَمْرًا أَوْ قِيمَتَهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ التَّمْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ» ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي صَاعِ التَّمْرِ أَنَّهُ خَصَّ التَّمْرَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُ كَانَ أَغْلِبَ قُوتِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ غَالِبَ قُوتِهِمْ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ بَدَلَ الصَّاعِ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ عَلَيْهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَصَارَ ثَمَنًا قَدْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ فَلَا يَفْسَخُهُ فِي اللَّبَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْ اللَّبَنِ حِينَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ إقَالَةً، وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : نَهْيُهُ عَنْ النَّجْشِ يَقْتَضِي فَسَادَهُ

(جَامِعُ الْبُيُوعِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَحْرِيمَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ بِسِلْعَتِهِ مَنْ يُرِيدُ مَنْفَعَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ شِرَاءَهَا، وَلَعَلَّهُ قَدْ وَافَقَك عَلَى أَنَّ مَا زِدْت غَيْرَ لَازِمٍ لَك لِيَقْتَدِيَ بِك غَيْرُك فَيَزِيدَ بِزِيَادَتِك أَوْ لِيَبْلُغَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَوْلَا زِيَادَتُك لَمْ يَبْلُغْهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ إنَّ أَصْلَ النَّجْشِ الِاسْتِثَارَةُ لِشَيْءٍ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلصَّائِدِ نَاجِشٌ لَمَّا كَانَ يُثِيرُ الصَّيْدَ فَكَانَ الزَّائِدُ فِي السِّلْعَةِ يُثِيرُ غَيْرَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلزِّيَادَةِ فِيهَا، وَيُرِيهِمْ الْحِرْصَ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى وَجْهِ النَّجْشِ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَا لَمْ تَفُتْ فَإِنْ فَاتَتْ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا مَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِمَّا ابْتَاعَهَا بِهِ فَلَا تُزَادُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ دَسَّ مَنْ يَزِيدُ فِي سِلْعَتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ أَنَّ بَيْعَهُ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهَا الْمُبْتَاعُ بِالثَّمَنِ فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا دَسَّهُ الْبَائِعُ أَوْ أَحَدُ سَبَبِهِ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ شَرِيكِهِ أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِهِ، وَلَا أَمْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَنْ اخْتِيَارِهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ الزَّائِدُ فِي السِّلْعَةِ زَادَ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ وَالرَّغْبَةِ فِيهَا لَا عَلَى وَجْهِ النَّجْشِ لِأَنَّ النَّجْشَ إذَا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَ الْبَيْعُ عَلَى وَجْهِ الْخِلَابَةِ وَالْغِشِّ لِلْمُبْتَاعِ فَلَا يَسُوغُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ قَدْ صَنَعَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ أَعْطَيْت بِسِلْعَتِي كَذَا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ حَدِيثًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَطَاءُ قَدِيمًا فَكَتَمَ قِدَمَهُ، وَالْمُبْتَاعُ يَظُنُّهُ حَدِيثًا فَلَا، وَكَذَلِكَ النَّجْشُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أُعْطِيَهُ بِقُرْبِ الْمُسَاوَمَةِ فَهُوَ صَادِقٌ، وَلَا خِلَابَةَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدِيمَ الْعَطَاءِ، وَتَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النَّجْشِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالنَّجْشُ مِنْ جِهَتِهِ أَنْ يَكْذِبَ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولَ أُعْطِيت فِيهَا مَا لَمْ يُعْطَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ قَالَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ مَا أُعْطِيت بِسِلْعَتِك زِدْتُك دِينَارًا فَقَالَ أَعْطَانِي بِهَا فُلَانٌ مِائَةً فَزَادَهُ وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ فُلَانٌ مَا أَعْطَيْته إلَّا تِسْعِينَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَلَوْ شَاءَ لَثَبَتَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ عَلَى إعْطَاءِ فُلَانٍ دُونَ ذَلِكَ فَيَرُدُّ الْبَيْعَ إنْ شَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أُعْطِيت بِهَا مِائَةً فَصَدَّقَهُ، وَزَادَهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَدَّقَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ إنْكَارُ الْمُسَاوِمِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ كَرِهَ بَيْعِي فَجَحَدَ مَا أَعْطَانِي فَلَا يَنْقُصُ بَيْعُهُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَأَمَّا فِي نَقْصِهِ فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَاعُ لِرَجُلٍ حَاضِرٍ كُفَّ عَنِّي لَا تَزِدْ عَلَيَّ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَأَمَّا الْأَمْرُ الْعَامُّ فَلَا يُرِيدُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ شِرَاءَهَا أَوْ مُعْظَمِهِمْ، وَأَمَّا الْوَاحِدُ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ فِي ثَمَنِهَا عَلَى قِيمَتِهَا أَوْ تَبْقَى مُنَافَسَةٌ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ كُفَّ عَنِّي، وَلَك نِصْفُهَا، وَرَآهُ مِنْ الدُّلْسَةِ، وَكَرِهَ لِلْقَوْمِ يَجْتَمِعُونَ لِلْبَيْعِ فَيَقُولُونَ لَا تَزِيدُوا عَلَى كَذَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَذَى الْبَائِعِ وَحَطِّ بَعْضِ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ أَنَّ سِلْعَةً بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمْ لِآخَرَ إذَا تَقَاوَمْنَاهَا فَاخْرُجْ مِنْهَا بِرِبْحٍ لِيَقْتَدِيَ بِك صَاحِبُنَا، وَالْعَبْدُ بَيْنِي وَبَيْنَك فَفَعَلَ، وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَفِي الْوَاضِحَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ الْبَيْعُ مَرْدُودٌ، وَلَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا أَصْبَغُ، وَلَمْ يَرَهُ مِنْ النَّجْشِ، وَبِهِ أَقُولُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِزِيَادَتِهِ إنَّمَا أَمْسَكَ عَنْ الزِّيَادَةِ لِرُخْصِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ هَذَا مَعْنَى فِعْلِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ كَالنَّجْشِ.

[جامع البيوع]

أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ إذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ إذَا جِئْت أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلْ الْمُقَامَ بِهَا، وَإِذَا جِئْت أَرْضًا يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلْ الْمُقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ الْبُيُوعِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ «رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ» يُقَالُ إنَّهُ مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ جَدُّ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةٌ فَغَيَّرَتْ لِسَانَهُ، وَغَيَّرَتْ بَعْضَ مَيْزِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ» ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْبَيْعِ وَضَعْفِهِ عَنْ التَّحَرُّزِ فِيهِ. وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ إذَا تَبَايَعَ النَّاسُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يُخْبِرُ بِسِعْرِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيهِ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ أَضَاعَ مَالَهُ كَمَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَقَدْ أَضَاعَ مَالَهُ قَالَ: وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْغَبْنِ فِي الْأَثْمَانِ فَكَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْخِيَارِ كَالْعَيْبِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْحَدِيثِ عَامًّا فِي كُلِّ أَحَدٍ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ لَا خِلَابَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَعْلَامِ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَخْبُرُ الْأَثْمَانَ، وَعَلَى وَجْهِ الْإِعْلَامِ لِلنَّاسِ بِهَذَا الْحُكْمِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْفُذُ خِلَابَةُ الْخَالِبِ عَلَى مَغْبُونٍ مُسْتَسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مِنْ جَهَلَةِ الْبَيْعِ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَهُمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيَحْصُلُ عِنْدِي ابْتِيَاعُهُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ فَيَكُونُ قَوْلُ لَا خِلَابَةَ لِمَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الشِّرَاءِ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُرَابَحَةً فَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِيَاعُهُ بِالْخِيَارِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُهُ، وَيَقُولُ مَعَ ذَلِكَ لَا خِلَابَةَ بِمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَتَحَرَّزُ مِنْ اسْتِخْدَاعِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ، وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةً» ، وَلَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ لَهُ بِهَذَا، وَحَجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ بِغَيْرِ الْخِيَارِ، وَأَعْلَمَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُ أَنْ يَقُولَ لَا خِلَابَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَعْذَارِ إلَى مَنْ يُبَايِعُهُ لِيَتَوَقَّى خَدِيعَتَهُ أَهْلُ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ لَا لِيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ خُدِعَ، وَلَكِنْ لِئَلَّا يُقْدِمَ عَلَى خَدِيعَتِهِ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ، وَكَانَ قَلِيلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا خِلَابَةَ فِي صِفَةِ النَّقْدِ، وَفِي وَفَاءِ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ، وَاسْتِيفَائِهِمَا فَمَنْ غَبَنَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ حَالَةُ جَمِيعِ النَّاسِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «قُلْ لَا خِلَابَةَ» الْخِلَابَةُ الْخِدَاعُ، وَلَيْسَ مِنْ الْخِدَاعِ أَنْ يَبِيعَ الْبَائِعُ بِالْغَلَاءِ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمُشْتَرِي بِرُخْصٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَابَةُ أَنْ يَكْتُمَهُ عَيْبًا فِيهَا، وَيَقُولَ إنَّهَا تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى بِهَا. وَقَدْ رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَّا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَبَا، وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» ، وَلِذَلِكَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ» لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَدِيعَةِ فِي الْبَيْعِ، وَإِظْهَارُ النَّاجِشِ لِلْمُبْتَاعِ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا، وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَهَا.

بِهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إنْ بَاعَ سَمْحًا إنْ ابْتَاعَ سَمْحًا إنْ قَضَى سَمْحًا إنْ اقْتَضَى) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ أَوْ الْبَزَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ جُزَافًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدَدًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إذَا جِئْت أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَطِلْ الْمُقَامَ بِهَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُبَارَكَ لَهُمْ فِيمَا يَكِيلُونَهُ وَيَزِنُونَهُ فَمَنْ أَطَالَ الْمُقَامَ بِهَا نَالَهُ مِنْ بَرَكَةِ عَمَلِهِمْ وَبُورِكَ لَهُ إذَا عَمِلَ بِعَمَلِهِمْ كَمَا يُبَارَكُ لَهُمْ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ وَالْعَدْلُ شَائِعًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ إذَا كَانَ جَارِيًا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ وَظُهُورِهِ حَتَّى يَعُمَّ جَمِيعَهُمْ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ سَائِرَ أَحْوَالِهِمْ جَارِيَةٌ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ إذَا جِئْت أَرْضًا يَنْقُصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ فَأَقْلِلْ الْمُقَامَ بِهَا يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ قَدْ عَاقَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَجْلِهَا أُمَمًا وَأَهْلَكَهُمْ بِسَبَبِهَا فَحَذَّرَ الْمُقَامَ بِبَلَدٍ يَكُونُ هَذَا فِيهِمْ، وَيَشِيعُ فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَحَذَّرَ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَنَالُهُ مَعَهُمْ مَا يَذْهَبُ مِنْ بَرَكَةِ مَالِهِ، وَيَصْرِفُهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّقْصَ فِي ذَلِكَ يُذْهِبُ بَرَكَةَ الْبَيْعِ فَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْمُقَامِ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] . وَقَالَ تَعَالَى مَا قَالَ رَسُولُهُ شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ فَقَالَ {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85] وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ ظُهُورَ الْمُنْكَرِ، وَعُمُومَهُ مِمَّا يُحْذَرُ تَعْجِيلُ عُقُوبَتِهِ. وَقَدْ «قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ، وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» فَهَذَا مَعَ الصَّالِحِينَ فَكَيْفَ مَعَ قِلَّتِهِمْ أَوْ مَعَ عَدَمِهِمْ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا بِفَضْلِهِ وَيَتَغَمَّدَ زَلَلَنَا بِرَحْمَتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إنْ بَاعَ سَمْحًا إنْ ابْتَاعَ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّمَاحَةِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الْمُسَامَحَةَ فِي الثَّمَنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ، وَلَا يُشْطِطْ بِطَلَبِ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَيَتَجَاوَزُ فِي النَّقْدِ، وَأَنْ يُنْظِرَ بِالثَّمَنِ. وَقَدْ رَوَى رِبْعِيٍّ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا عَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ كُنْت أُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ قَالَ فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» ، وَفِي الْوَاضِحَةِ تُسْتَحَبُّ الْمُسَامَحَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ تَرْكَ الْمُكَايَسَةِ فِيهِ إنَّمَا هِيَ تَرْكُ الْمُوَارَبَةِ وَالْمُضَاجَرَةِ وَالْكَزَازَةِ وَالرِّضَا بِالْإِحْسَانِ وَيَسِيرِ الرِّبْحِ، وَحُسْنُ الطَّلَبِ بِالثَّمَنِ قَالَ وَيُكْرَهُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فِي التَّبَايُعِ، وَلَا يُفْسَخُ بِهِ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ لِشَبَهِهِ بِالْخَدِيعَةِ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ الْخَدِيعَةُ فِيهِ الْأَلْغَازُ بِالْيَمِينِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ وَالْحَلِفُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ يُلْغَزْ، وَرُوِيَ أَنَّ الْبَرَكَةَ تُرْفَعُ مِنْهُ بِالْيَمِينِ، وَالْمُسَامَحَةُ مِنْ الْمُبْتَاعِ فِي أَنْ يَقْضِيَ أَفْضَلَ مِمَّا يَجِدُ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ أَفْضَلَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ، وَيُعَجِّلُ الْقَضَاءَ، وَلَا يَبْلُغُ الْمَطْلَ فَهُوَ قَوْلُهُ سَمْحًا إنْ قَضَى، وَلَا يُعَنِّفُ فِي سُرْعَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَدْ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا جُزَافًا، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدَدًا يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُعَدُّ عَدَدًا يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ كَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكَادُ جُمْلَةٌ مِنْهَا تَتَّفِقُ آحَادُهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلَا تَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ فَهَذَا إذَا وُجِدَتْ مِنْهُ جُمْلَةٌ فَأَكْثَرُهَا تَتَّفِقُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ فَيَبِيعُهَا، وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً فَقَالَ إنْ بِعْتهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُك بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَك شَيْءٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إذَا بَاعَ أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إنْ قَدَرْت عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْت بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا، وَكَذَا فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصِفَاتُ آحَادِهَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهَا فَهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الْجُزَافِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ كَالْحِنْطَةِ أَوْ مَوْزُونٍ كَاللَّحْمِ أَوْ مَعْدُودٍ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ مِمَّا الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ أَعْيَانِهِ، وَلَا آحَادِهِ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ، وَلَا مَوْزُونٍ مِمَّا الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ لِأَنَّ آحَادَهَا تَحْتَاجُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَالْمَعْرِفَةِ بِصِفَتِهَا، وَقِيمَتِهَا فِي نَفْسِهَا. فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يَكُونُ الْجُزَافُ فِيمَا يُعَدُّ عَدَدًا يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يَسْهُلَ عَدَدُهُ لِقِلَّتِهِ، وَلَا يُقَدَّرُ بِكَيْلٍ، وَلَا وَزْنٍ، وَلَكِنَّهُ لِسَبَبِ عِلَّةٍ مُنِعَ الْجُزَافُ فِيهِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَتَفَاوُتِ قِيمَتِهِ فِي الْأَغْلَبِ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُزَافَ يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يُرِيدُ الْمَعْدُودَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَبْلَغُهُ بِالْعَدَدِ كَمَا يَتَعَذَّرُ الْمَكِيلُ بِالْكَيْلِ وَالْمَوْزُونُ بِالْوَزْنِ، وَلَا يُقَدَّرُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخَيْلُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَلَيْسَ لَهَا قَدْرٌ تَتَقَدَّرُ بِهِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ بِيعَتْ الْخَيْلُ، وَشُقَقُ الْكَتَّانِ إذَا كَثُرَتْ بِالْعَدَدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدَدَ مِقْدَارٌ لَهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يَشُقُّ تَقْدِيرُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُجْعَلُ لَهَا ثَمَنٌ وَاحِدٌ، وَيَكُونُ زِيَادَةُ ثَمَنِ بَعْضِهَا بِنُقْصَانِ ثَمَنِ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وَزْنِهِ جَمِيعًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَعْدُودِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَرَرُ فِي مَبْلَغِهِ، وَالْحَيَوَانُ وَالْعَرْضُ يَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ مَبْلَغِهَا، وَمُنْتَهَى عَدَدِهَا، وَالثَّانِيَةُ مِنْ وَجْهِ اخْتِلَافِ صِفَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ فِي تِلْكَ الْجُمْلَةِ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَا مِنْ الدَّنِيءِ فَمُنِعَ الْجُزَافُ فِيهِ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ، وَأُبِيحَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لِقِلَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ فِي الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِالصَّوَابِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ مَنْ أَعْطَى لِرَجُلٍ سِلْعَتَهُ، وَقَالَ لَهُ إنْ بِعْتهَا بِثَمَنِ كَذَا فَلَكَ دِينَارٌ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ قَوْله تَعَالَى {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَمِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْعَامِلِ فَلَوْ ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ اقْتَضَى ذَلِكَ اللُّزُومَ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ عَمَلُ الْجُعْلِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْجُعْلَ بِتَمَامِهِ كَقَوْلِهِ إنْ بِعْت لِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَلَكَ دِينَارٌ أَوْ إنْ بِعْته فَلَكَ دِينَارٌ، وَلَا يُسَمَّى ثَمَنًا، وَإِنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ أَوْ بِبَعِيرِي الشَّارِدِ فَلَكَ دِينَارٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَجُوزُ الْجُعْلُ فِي عَمَلٍ إنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بَقِيَ لِلْجَاعِلِ فِيهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إنْ عَمِلْت لِي شَهْرًا فَلَكَ كَذَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك، وَمَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْجَاعِلِ، وَالثَّانِي أَنْ يَعْمَلَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا فِي رَدِّ عَبْدِهِ الْآبِقِ أَوْ جَمَلِهِ الشَّارِدِ أَوْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي غَيْرِ أَرْضِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ الْجُعْلُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى مَا قَلَّ، وَكَثُرَ لِأَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَرَكَ الْعَمَلَ لَا يَبْقَى بِيَدِ الْجَاعِلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ إتْمَامُ الْعَمَلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ فَإِذَا حَفَرَ فِي مِلْكِ الْجَاعِلِ ثُمَّ تَرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهُ انْتَفَعَ الْجَاعِلُ بِمَا عَمِلَهُ دُونَ عِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْجُعْلِ يُجْعَلُ لِلْخَصْمِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإدْرَاكِ مَا يُخَاصِمُ عَنْهُ فِيهِ، وَلِلطَّبِيبِ عَلَى إبْرَاءِ الْعَلِيلِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا عَلَى بَيْعِ ثِيَابٍ أَوْ رَقِيقٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا قَلَّ دُونَ مَا كَثُرَ، وَجَوَّزَ مَالِكٌ الْجُعْلَ فِي شِرَاءِ كَثِيرِ الثِّيَابِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَرَى شَيْئًا كَانَ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا فِي الْبَيْعِ لَجَازَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ ثِيَابًا، وَقَالَ كُلَّمَا بِعْت لِي ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ فَلَكَ كَذَا أَنَّهُ جَائِزٌ. وَقَدْ رَوَى أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُجْعَلُ لَهُ فِي الرَّقِيقِ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ فِي كُلِّ رَأْسٍ يَبِيعُ دِرْهَمٌ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ لَمْ يَبِعْ لَا يَصْلُحُ قَالَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بَيْعَ الْجُمْلَةِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَبِيعَ مِنْهُمْ مَنْ شِئْت لَجَازَ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ، وَمِثْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَهَذَا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجُعْلِ حَتَّى يَبِيعَ جَمِيعَهَا، وَلَوْ شَرَطَ مِثْلَ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِائَةَ ثَوْبٍ، وَلَهُ دِينَارٌ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِ جَمِيعَهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ يَقْتَضِي أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِشَرْطٍ، وَالشِّرَاءُ يَقْتَضِي إنَّ لَهُ بِحِسَابِ مَا يَشْتَرِي، وَذَلِكَ عُرْفٌ جَارٍ بَيْنَهُمْ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الْبَيْعِ مُعَيَّنٌ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيمَا يَشْتَرِي فِي الْأَغْلَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ أَنْ لَا يُنْقَدَ الْجُعْلُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ الْأَجَلُ فِي الْجُعْلِ، وَلَا النَّقْدُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَتِمُّ مَا جُعِلَ لَهُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ مَا قَبَضَ، وَقَدْ يَتِمُّ فَيَصِيرُ لَهُ فَتَارَةً يَكُونُ جُعْلًا، وَتَارَةً يَكُونُ سَلَفًا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَازِمًا لِلْعَامِلِ، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكْثُرُ الْغَرَرُ فِي الْعَمَلِ، وَيَتَفَاوَتُ فَلَوْ لَزِمَهُ رَدُّ الْآبِقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَدُّ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَعَظُمَتْ فِيهِ الْمَشَقَّةُ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَاعِلَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَيَلْزَمُهُ إذَا شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ لِلْجَاعِلِ إخْرَاجُهُ، وَلِلْمَجْعُولِ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ، وَلَوْ جَعَلَ لَهُ جُعْلًا فِي رَدِّ آبِقٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ، وَشَخَصَ فِيهِ فَلَهُ جَمِيعُ الْجُعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَلَا شَخَصَ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَهُ أَصْبَغُ، وَهَذَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ جَعَلَ فِي آبِقٍ جُعْلًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِتْقِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ فَلَهُ جُعْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْجَاعِلُ عَدِيمًا فَذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ، وَجَبَ لَهُ الْجُعْلُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ إنْ كَانَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْقُدُومِ فَكَمَا قَالَ: وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ لَزِمَهُ جُعْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَبْدَهُ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُ الْعَبْدِ حَتَّى يَأْخُذَ جُعْلَهُ مَبْدَأً عَلَى الْغُرَمَاءِ كَالرَّهْنِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ يَكُونَ مُعَيَّنًا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ فَمَنْ قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ هَذِهِ الدَّنَانِيرُ أَوْ هَذَا الثَّوْبُ فَجَائِزٌ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ لَهُ هَذَا الْعَبْدُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَغَيَّرُ، وَتُسْرِعُ الْحَوَادِثُ إلَيْهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ إنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا جُعِلَ لَهُ عَلَيْهِ الْجُعْلُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْجُعْلُ الْجَائِزُ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ يَبِعْ أَوْ لَمْ يَجِدْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ لَهُ الْجُعْلَ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفِيهِ غَرَرٌ كَثِيرٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَعَادَ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا عَقَدَ وَقَعَ عَقْدُ الْجُعْلِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ نِصْفُهُ فَإِنْ جَاءَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَلَا إجَارَةَ، وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّ فِي الْجُعْلِ الْفَاسِدِ إجَارَةَ الْمِثْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ الْجُعْل إذَا انْعَقَدَ قَبْلَ الْعَمَلِ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ فَإِنَّمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مَا يُجْعَلُ عَلَى مِثْلِ الْمَجْعُولِ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَوْ ظَهَرَ مِنْهَا يَوْمَ الْجُعْلِ، وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مَشَقَّةِ عَمَلٍ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطِي السِّلْعَةَ فَيُقَالُ لَهُ بِعْهَا، وَلَك كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ كَثْرَتِهِ أَوْ قِلَّتِهِ أَوْ خِفَّتِهِ، وَالْإِجَارَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا عَمِلَ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ دُونَ مَا كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الْعَقْدُ مَخْرَجَ الْجُعْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، وَإِنْ أَتَى بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ وَتَعَبِهِ وَطُولِ مَسَافَةِ طَلَبِهِ فَوُجِدَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا تَنَوَّعَ إلَى صِحَّةٍ وَفَسَادٍ فَإِنَّ فَاسِدَهُ يُرَدُّ إلَى صَحِيحِهِ، وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبُيُوعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْإِجَارَةَ هِيَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ الْجُعْلُ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ لِلْعَامِلِ فَإِذَا وَقَعَ فَاسِدًا، وَفَاتَ رُدَّ إلَى الْإِجَارَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لِأَصْحَابِنَا فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، وَإِلَى أَجْرِ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ فِي الَّذِي يَقُولُ مَنْ جَاءَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ هَذِهِ الدَّابَّةُ إنْ وَجَدَهُ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ جَاءَ بِهِ أَوْ لَمْ يَجِئْ بِهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إذَا شَخَصَ فِيهِ فَيَجِيءُ عَلَى مِثْلِ هَذَا بَيْنَ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ فَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ جُعْلَ مِثْلِهِ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يُجْعَلُ لِمِثْلِهِ فِي عَنَائِهِ وَنَهْضَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَنُفُوذِهِ فِي مِثْلِ رَدِّ ذَلِكَ الْآبِقِ إنْ جَاءَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ سَوَاءٌ جَاءَ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْإِجَارَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ شَهْرًا إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ إنْ بَاعَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ أَخَذَ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ مِنْ الشَّهْرِ، وَإِنْ انْقَضَى الشَّهْرُ، وَهُوَ بِسُوقِهِ، وَلَمْ يَبِعْهُ فَلَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْ لِي ثَوْبِي، وَلَك مِنْ كُلِّ دِينَارٍ جُزْءٌ مِنْهُ أَوْ دِرْهَمٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا يَبِيعُهُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَعْلُومًا كَانَ جُعْلُ الْعَامِلِ مَجْهُولًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَجْهُولًا لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَمَلَ لَمَّا كَانَ مَجْهُولًا كَانَ الْعَامِلُ بِالْخِيَارِ فِي تَرْكِهِ مَتَى شَاءَ فَتَقِلُّ مَضَرَّتُهُ لِأَنَّهُ إذَا رَأَى مَا يُكْرَهُ مِنْ مَشَقَّةِ الْعَمَلِ كَانَ لَهُ التَّرْكُ، وَالْجُعْلُ فِي جَنْبَةِ الْجَاعِلِ لَازِمٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ مَضَرَّةِ غَرَرِهِ إذَا شَاءَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ بَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ وَأَصْبَغَ، وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْته بِعَشَرَةٍ فَلَكَ مِنْ عَدَدِ دِينَارٍ رُبْعُهُ أَوْ عُشْرُهُ أَوْ لَك مِنْهُ دِرْهَمٌ جَازَ لِأَنَّ الْجُعْلَ حَصَلَ مَعْلُومًا فَذَلِكَ جَائِزٌ فِيهِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ إلَّا سُدُسُ الْعَشَرَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ جُعْلَهُ الْجُزْءَ الْمُسَمَّى مِنْ الْعَشَرَةِ فَمَا زَادَ مِنْ الثَّمَنِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ غَيْرُ الْبَيْعِ مِمَّا يَسْتَحِقُّ فِيهِ الْأُجْرَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، وَلَك دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ كَانَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ لَمْ تَبِعْهُ فَلَكَ دِرْهَمٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هِيَ إجَازَةٌ، وَهِيَ جَائِزَةٌ إنْ ضَرَبَ لَهَا أَجَلًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدِّرْهَمَ لَزِمَهُ بَاعَ أَوْ لَمْ يَبِعْ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِلْعَمَلِ أَجَلًا كَانَ عَلَى نِهَايَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّهُ يَعْرِضُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَقَدْ اسْتَوْجَبَ الدِّرْهَمَ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْته فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ لَمْ تَبِعْهُ فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ، وَهَاتَانِ إجَارَتَانِ فِي إجَارَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْهُ فَمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَكَ لِأَنَّ الْجُعْلَ مَجْهُولٌ قَدْ دَخَلَهُ الْغَرَرُ قَالَهُ مَالِكٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ قَالَ إنْ بِعْت الْيَوْمَ هَذَا الثَّوْبَ فَلَكَ دِرْهَمٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْوَاضِحَةِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مَتَى شَاءَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَتْرُكَهُ تَرَكَهُ، وَقَدْ قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا أَرَاهُ جَائِزًا، وَهُوَ جُلُّ قَوْلِهِ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ مِنْ أَنَّ الْجُعْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا، وَهَذَا إنْ لَزِمَهُ الْعَمَلُ فَعَمِلَ يَوْمَهُ أَجْمَعَ، وَلَوْ يَبِعْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ سَقَطَ عَنْهُ عَمَلُ سَائِرِ النَّهَارِ يُشِيرُ إلَى الْغَرَرِ مَعَ اللُّزُومِ. وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجُعْلِ، وَالْإِجَارَةِ يَتَقَدَّرُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ، وَالثَّانِي بِالزَّمَنِ فَإِذَا تَقَدَّرَ بِالْعَمَلِ فِي الْجُعْلِ، وَالْإِجَارَةِ جَازَ، وَإِذَا تَقَدَّرَ بِالزَّمَنِ جَازَ فِي الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا فِي الْجُعْلِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى اللُّزُومِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ الْجُعْلِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَمَتَى فَاتَهُ اللُّزُومُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْجَوَازِ، وَأَنَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمُدَّةِ تَرَكَ فَلَا يَفْسُدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ يُرَاعِي الْعَمَلَ بَعْدَ الزَّمَنِ فَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ الْعَمَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَنِ حَتَّى يُكْمِلَ وَيَسْتَوْفِيَ جُعْلَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَدْ بَطَلَ التَّوْقِيتُ بِالزَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَمَا قُدِّرَ مِنْ الزَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْمَلُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ فَيَنْتَفِعُ الْجَاعِلُ بِعَمَلِهِ ثُمَّ يَمْنَعُ إتْمَامَ الْعَمَلِ فَذَهَبَ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ فِي الْيَوْمِ، وَبَعْدَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ مِنْ الْغَلَّةِ بِحَيْثُ يَتَيَقَّنُ إنَّهُ يُمْكِنُ غَالِبًا إكْمَالُهُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الزَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ تَعْلِيقِهِ بِزَمَنٍ يَنْقَضِي فِيهِ الْعَمَلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَك دِرْهَمٌ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ بِقُلَّةٍ مِنْ مَاءٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ الْعَمَلُ بِالْيَوْمِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِالْإِتْيَانِ بِالْقُلَّةِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْقَرِيبِ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْهُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِالْيَوْمِ لِئَلَّا يَأْتِيَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ يُؤَخِّرَ إتْيَانَهُ بِهَا عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا يَطْحَنُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ فَوَجَدَهُ يَطْحَنُ إرْدَبًّا وَاحِدًا رَدَّهُ فَظَاهِرُ هَذَا تَجْوِيزُهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ إنَّمَا سُئِلَ مَالِكٌ فِي الْفَرَّانِينَ يَسْتَأْجِرُونَ الْأُجَرَاءَ، وَيَطْرَحُونَ عَلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ طَرِيحَةً مَعْلُومَةً يُسْتَأْجَرُ الْأَجِيرُ شَهْرًا يَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ طَرِيحَةً مَعْلُومَةً بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَفْرُغُ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا يَحْتَمِلُ لِذَلِكَ النَّظَرَ لِأَنَّ الطَّرِيحَةَ أَمَدٌ، وَالْيَوْمُ أَمَدٌ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي عَقْدٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ الرَّجُلَ يَحْمِلُهُ إلَى مِصْرٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَمَدًا، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَا ضُرِبَ مِنْ الزَّمَنِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ لِلْعَمَلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى التَّرَاضِي لَا يَكُونُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَمَدٌ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ ذَلِكَ الْعَقْدِ لِمَعْرِفَتِهِمَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفَرَاغِ مِنْهُ مَعَ الرِّفْقِ، وَيَتَّفِقُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْوَصْفِ لِعَمَلِهِ، وَمِقْدَارُ نَهْضَتِهِ فِيهِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ ذِكْرُ الزَّمَنِ، وَوَصْفُ مِقْدَارِ الْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ ابْتَعْ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ الْكَثِيرَةَ إلَى أَجَلِ كَذَا، وَلِي كَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى شِئْت تَرَكَتْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، وَإِنْ نَقَدَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَصْلُحُ فِيهِ النَّقْدُ، وَلَمْ تَقَعْ الْإِجَارَةُ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ شُرِطَ فِيهَا الْخِيَارُ فَاقْتَضَى إطْلَاقَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَلَك أَنْ تَتْرُكَ مَتَى شِئْت إنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجُعْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَامِلِ فَإِنْ بَاعَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ انْقَضَى الْيَوْمُ، وَهُوَ مُحَاوِلٌ الْبَيْعَ، وَلَمْ يَبِعْ فَلَهُ الدِّرْهَمُ كَامِلًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ، وَبَعْدَهُ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ فَإِنْ عَمِلَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَمْ يَبِعْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَهُ الْجُعْلُ أَجْمَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَكْتَرِي الدَّابَّةَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اكْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَبِهَذَا قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَطَاوُسٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِمِثْلِ مَا أَكْرَاهَا بِهِ، وَأَقَلَّ، وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَلَى مِلْكِهِ كَبَائِعِ الْأَعْيَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهَا أَنْ يُؤَاجِرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِمَّا يَصِحُّ بَدَلَ مَنَافِعِهِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاعِينِ، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَإِجَارَتُهُ قَرْضُهُ، وَالْأُجْرَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِيهِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ لَا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُسْتَأْجَرَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ يَضَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْتَرِيهَا وَيَحْمِلُ، وَلَهُ غَرَضٌ بِأَنْ يَرَى النَّاسَ أَنَّ مَعَهُ مَالًا كَثِيرًا فَيُتَاجِرَ وَيُنَاكِحَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَكُونُ الْمَالِكُ مَعَهُ لِئَلَّا يُنْفِقَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيُعْطِيَهُ بَدَلَهَا وَيَزِيدَهُ الْأُجْرَةَ فَيَكُونَ قَرْضًا بِعِوَضٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا مَنَعَ اسْتِئْجَارَهَا لِمَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَا أَبَاحَ اسْتِئْجَارَهَا بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ لِمَنْفَعَتِهَا الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لِيَمُدَّ عَلَيْهَا الْحِبَالَ، وَيَبْسُطَ الْغَسَّالُ الثِّيَابَ عَلَيْهَا، وَمَا جَرَى مُجْرَى ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ لِلْمُكْرِي فَسْخَهُ لِلْعَدْلِ مِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ حَمَّالًا لِسَفَرٍ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ أَوْ يَمْرَضَ فَلَهُ الْفَسْخُ أَوْ يَكْتَرِيَ دَارًا ثُمَّ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ دُكَّانًا يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَكَانَ لَازِمًا بِالشَّرْعِ كَالْبَيْعِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُكْرِي فَسْخَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُكْتَرِي فَسْخَهُ لِأَنَّهُ كَالْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَضْمُونَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُقْصَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا كَالْأَعْيَانِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ إجَارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنٍ، وَإِجَارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ فَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَيْنِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً مُعَيَّنَةً، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً يَأْتِيهِ بِهَا يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَمَلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، وَلَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ دَابَّةً مَوْصُوفَةً فِي ذِمَّتِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مَنَافِعَهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ كِرَاءً مَضْمُونًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْيِينَ يُنَافِي الضَّمَانَ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَةَ يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِهَا، وَالْكِرَاءُ بِعَيْنِهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ مَنَافِعُهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا لَا يَقُومُ غَيْرُهَا فِي ذَلِكَ مَقَامَهَا، وَالْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْكَرِيِّ فَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لِلْمُكْتَرِي عَلَى الْكَرِيِّ مِنْ ثَمَنِ الْمَنَافِعِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنَافِعَ دَابَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ ذَلِكَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكِرَاءَ عَلَى الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يَتَقَدَّرُ عَمَلُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ بِالْعَمَلِ، وَبِالزَّمَنِ فَالْعَمَلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ارْكَبْ هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الرَّمْلَةِ أَوْ إلَى مِصْرَ أَوْ إلَى بَرْقَةَ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرَةُ بِالثَّمَنِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا شَهْرًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَا يَكْتَرِي عَلَيْهِ بِأَحَدِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَيْنِ لِيَكُونَ لِلْعَمَلِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ، وَإِلَّا كَانَ مَجْهُولًا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ التَّقْدِيرَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا عَاوَضَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةَ الْمَحْضَةَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهَا حَتَّى تَحْضُرَ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ اشْتَرَطَ تَأْخِيرَ النَّقْدِ إلَى الْبُلُوغِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّقْدَ لَا يَجُوزُ فِيهَا حَتَّى تَحْضُرَ فَإِذَا حَضَرَتْ جَازَتْ حِينَ النَّقْدِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْطِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَهَلْ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ رُكُوبِهَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْغَرَرَ الْيَسِيرَ جَائِزٌ فِي الْعُقُودِ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ النَّقْلِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِهَا السَّلَامَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ فِي الْمُعَيَّنِ إلَى شَهْرٍ، وَابْتِيَاعِهِ إلَى شَهْرَيْنِ الْمَنَافِعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَلَا مَوْجُودَةٍ، وَلِعَدَمِ التَّعْيِينِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ التَّأْخِيرِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي تَعْجِيلَ النَّقْدِ، وَالْإِجَارَةُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ النَّقْدِ حَتَّى تُسْتَوْفَى الْمَنَافِعُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْمَنَافِعِ فِي الْعَقْدِ تَأْثِيرًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَفِي الْبَيْعِ إنْ عُجِّلَ دَخَلَهُ تَارَةً بَيْعٌ، وَتَارَةً سَلَفٌ، وَإِنْ أُخِّرَ فَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيمَا بَعُدَ، وَيَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَنْقُدَ الْكِرَاءَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ إنَّهُ مُدَّةٌ يَكْثُرُ فِيهَا تَغْيِيرُ الْحَيَوَانِ لَا سِيَّمَا مَعَ اسْتِخْدَامِ صَاحِبِهِ لَهُ، وَإِتْعَابِهِ إيَّاهُ فِيمَا يُرِيدُهُ، وَيُعْجِبُهُ فَيَحْتَاجُ بِتَغَيُّرِهِ إلَى رَدِّ الْكِرَاءِ فَيَكُونُ تَارَةً كِرَاءً وَتَارَةً سَلَفًا. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْكِرَاءِ فِي مَنَافِعِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَ النَّقْدِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ نَدَبَ إلَى تَعْجِيلِ قَضَاءِ حَقِّهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُعَوَّضُ عَلَيْهِ دُونَ ذِكْرِ تَأْجِيلٍ فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَّا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَثْمُونِ كَالْأَعْيَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ عُرْفٌ مِنْ نَقْدٍ أَوْ تَأْخِيرٍ حَمَلُوا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَكُلَّمَا عَمِلَ جُزْءًا مِنْ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ بِقَدْرِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً بِأَنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ بِعَمَلِ شَهْرٍ بِثَوْبٍ فَإِنْ كَانَ كِرَاءُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ عَلَى النَّقْدِ أُجْبِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّوْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالنَّقْدِ لَمْ تَصْلُحْ الْإِجَارَةُ، وَلَا الْكِرَاءُ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ النَّقْدَ، وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ مَبِيعٌ مُعَيَّنٍ لَا يُقْبَضُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْعُرُوضُ، وَالطَّعَامُ فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْكِرَاءُ بِهَذَا كُلِّهِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ سُنَّةُ النَّاسِ مِنْ التَّأْخِيرِ فَهُوَ عَلَى التَّعْجِيلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّأْخِيرُ تَصْرِيحًا، وَقَالَهُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا حُكْمَ لِلْعُرْفِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ، وَالْحُكْمُ لِلْعُرْفِ الصَّحِيحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ شَرَطَ أَنْ يُمْسِكَهُ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ إنْ كَانَ يُمْسِكُ الثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ أَوْ الْخَادِمَ لِيَخْدُمَ أَوْ الدَّابَّةَ لِيَرْكَبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَحْبِسَ ذَلِكَ لِلِاسْتِيثَاقِ لِلْإِشْهَادِ أَوْ نَحْوَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَلَا أَفْسَخُ بِهِ الْبَيْعَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قِصَرُ الْمُدَّةِ وَقِلَّةُ الْغَرَرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ. (فَصْلٌ) فَأَمَّا الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَجَّلًا بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ هَذَا حُكْمُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ مِنْهَا إلَّا عَلَى مَوْجُودٍ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهِ فِيمَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعْتَبَرُ بِقَوْلِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ فِي الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَى مَنَافِعِهَا إنَّمَا هُوَ تَعْيِينٌ لِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَكَذَلِكَ عَلَى مَنَافِعِ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ إلَى أَجَلٍ عَلَى تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ قَالَ مَالِكٌ إذَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا كَالْمُتَكَارِي إلَى غَيْرِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلْيُقَدِّمْ مِنْهُ الدِّينَارَيْنِ، وَنَحْوَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَضْمُونِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ الرُّكُوبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا قَدَّمَ إلَيْهِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ الدَّنَانِيرَ حَتَّى يَأْتِيَ بِالظَّهْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَمْ مِنْ مُكْرٍ يَهْرَبُ بِالْكِرَاءِ أَوْ يَتْرُكُ أَصْحَابَهُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ تَأْخِيرَ النَّقْدِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ أَكْثَرَ الْكِرَاءِ أَوْ ثُلُثَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِتَأْخِيرِ النَّقْدِ وَنَقْدِهِ الدِّينَارَ، وَنَحْوَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَجَلًا بَعْدَ تَبْلِيغِ الْحُمُولَةِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْكِرَاءِ لِلْحَجِّ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْكِرَاءِ لِغَيْرِ الْحَجِّ وَآخِرُ مَا قَالَهُ فِيهِ الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ الْعَامَّةِ الشَّامِلَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ حَالًا وَشَرَعَ فِي الرُّكُوبُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْدٍ لِأَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ قَدْ تَعَجَّلَ وَأَخَذَهُ فِي الرُّكُوبِ وَتَمَادِيهِ فِيهِ يَقُومُ مُقَامَ اسْتِعْجَالِهِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْمَقَاثِي وَالْمِبْطَخَةِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَمْ يُخْلِفْ أَكْثَرَهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ لِسَابِقِهِ وَتَتَابُعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمَرْكُوبُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَرَّفَ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ فَالْمُشَاهَدُ يُشَارُ إلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ اكْتَرَيْتُك هَذِهِ الرَّاحِلَةَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ، وَالْمَوْصُوفُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِلْحَمْلِ وَمَا يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، وَالذَّكَرُ أَصْعَبُ مِنْ الْأُنْثَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَتَعَيَّنُ الدَّابَّةُ وَلَا السَّفِينَةُ بِكَوْنِهَا فِي مِلْكِ الْمُكْتَرِي وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَكْتَرِي مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا وَلَهُ دَابَّةٌ أَوْ سَفِينَةٌ أَحْضَرَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ غَيْرَهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَحْمِلُنِي عَلَى هَذِهِ فَهَلَكَتْ بَعْدَ أَنْ رَكِبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ غَيْرِهَا وَذَلِكَ عَلَى الضَّمَانِ وَمَتَى اشْتَرَطَ أَنِّي أُكْرِيكَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِهَلَاكِهَا أَوْ يُكْرِي مِنْهُ جُزْءًا مِنْ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَالتَّعْيِينِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ أَيَّدَهُ اللَّهُ: وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمُونَ مَوْصُوفٌ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ تَوَاصَفَا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْكِرَاءِ ثُمَّ أَحْضَرَهُ مَا فِي مِلْكِهِ قَضَاءً عَنْ الْمَضْمُونِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَا تَوَاصَفَا شَيْئًا فَيَكُونَ مَا أَحْضَرَ مِنْ الرَّاحِلَةِ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ يَقُومُ مُقَامَ الْوَصْفِ لِمَا عَقَدَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِحْضَارُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ يَحْمِلُنِي عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ وَلَمْ يُسَمِّهَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِشَيْءٍ مَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ الْعَقْدِ فِيهِ إلَّا عَلَى الْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَإِنْ عُيِّنَتْ لِذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ كَالْوَصْفِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ تَتْلَفُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَخِيَاطَةِ قَمِيصٍ بِعَيْنِهِ فَتَهْلِكُ الْغَنَمُ، وَيَحْتَرِقُ الثَّوْبُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَا يَنْفَسِخُ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُوَفِّيَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَيَأْتِيَ إنْ شَاءَ بِغَنَمٍ مِثْلِهَا، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ الَّتِي تُسْتَوْفَى فِيهَا الْإِجَارَةُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ قَالَ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَوْ كَانَ يَخْتَصُّ الِاسْتِيفَاءُ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لَمَا لَزِمَ مِنْ جِهَةِ الْمُكْتَرِي لِأَنَّ لَهُ بَيْعَ مَتَاعِهِ وَغَنَمِهِ بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أَحَدُ الْمَحَلَّيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجَارَةِ فَتَصِحُّ بِعَيْنِهِ كَالْعَيْنِ الَّتِي تُسْتَوْفَى فِيهَا مِنْ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَلِذَلِكَ إذَا عَيَّنَ مَنْ يَرْكَبُهَا أَوْ الْقَمِيصَ الَّذِي يَخِيطُهُ أَوْ الْغَنَمَ الَّتِي يَرْعَاهَا يَجِبُ أَنْ تَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ فِي الضِّئْرِ تُسْتَأْجَرُ لِرَضَاعِ صَبِيٍّ وَالطَّبِيبِ لِعِلَاجِ مَرِيضٍ أَوْ قَلْعِ ضِرْسٍ إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ وَبَرِئَ الْمَرِيضُ فَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجِنْسِ، وَلَا تَخْتَلِفُ أَعْيَانُهُ كَحَمْلِ الْقَمْحِ، وَحَمْلِ الشَّعِيرِ، وَحَمْلِ الشُّقَّةِ فَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينَهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ حَمْلِ قَمْحٍ وَحَمْلِ قَمْحٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ فِي مِثْلِ وَزْنِهِ، وَلَا تَسْتَضِرُّ الدَّابَّةُ بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا إلَّا مِثْلَ اسْتِضْرَارِهَا بِالْآخَرِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ أَحْضَرَ مَتَاعًا اكْتَرَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْيِينًا لَهُ، وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَعُدُّوهُ، وَلَا يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُبَدِّلْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلَ فَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَا تَسَاوَتْ حَالُهُ فِي أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ فَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَتَاعُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذًا جَمِيعُ الْإِجَارَةِ، وَيَأْتِي بِمِثْلِ الْمَتَاعِ يُحْمَلُ لَهُ إنْ شَاءَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ شَرَطَ تَعْيِينَهُ، وَأَنْ لَا يَعْدُوَهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَنْ شَرَطَ فِي مَضْمُونٍ أَنَّهُ مَتَى عَيَّنَهُ ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ بَطَلَ الْحَقُّ بِبُطْلَانِهِ، وَفَسَدَ الْعَقْدُ لِلشَّرْطِ الْمُدْخِلِ لِلْغَرَرِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَضْمُونِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ بِالِاسْتِيفَاءِ دُونَ الْإِحْضَارِ لِلِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ فِي عَدَدٍ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَحْضَرَهُ صُبْرَةً مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَتَلِفَ قَبْلَ الْكَيْلِ أَنَّهُ يَبْطُلُ السَّلَمُ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُبْطِلُ السَّلَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى وَصْفِ الرَّاكِبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَجْسَامَ فِي الْأَغْلَبِ مُتَقَارِبَةٌ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينِهِ بِالْوَصْفِ، وَلَا بِالرُّؤْيَةِ فَإِنْ جَاءَ بِرَجُلٍ فَادِحٍ عَظِيمِ الْخَلْقِ خَارِجٍ عَنْ الْمُعْتَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ إلَّا بِالْمُعْتَادِ دُونَ النَّادِرِ. (فَصْلٌ) وَالضَّرْبُ الثَّانِي ضَرْبٌ تَخْتَلِفُ أَعْيَانُهُ بِتَبَايُنِ أَغْرَاضِهِ كَالْعَلِيلِ يَسْتَأْجِرُ الطَّبِيبَ عَلَى عِلَاجِهِ، وَالْمُرْضِعُ تَسْتَأْجِرُ الضِّئْرَ عَلَى رَضَاعِهِ، وَالْمُعَلِّمُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهُ عَلَى مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَتَفَاوُتِهِمْ فِي أَمْرَاضِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْأَطْفَالِ فِي كَثْرَةِ الرَّضَاعِ وَقِلَّتِهِ مَعَ مَشَقَّةِ تَنَاوُلِ أَحْوَالِ بَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَالصَّنَائِعَ يَتَفَاوَتُونَ فِي التَّعْلِيمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الذَّكَاءِ وَقَبُولِ التَّعَلُّمِ. (فَصْلٌ) وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ تَخْتَلِفُ أَعْيَانُهُ اخْتِلَافًا يَسِيرًا كَالْغَنَمِ وَالْمَاشِيَةِ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا مَنْ يَرْعَاهَا وَيَحْفَظُهَا فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَسُكُونِهَا وَأُنْسِهَا، وَلَيْسَ بِكَبِيرِ اخْتِلَافٍ فَفِي مِثْلِ هَذَا الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ لِتَقَارُبِ أَحْوَالِ الْجِنْسِ مِنْهَا، وَأَمَّا صِفَةُ الْعَقْدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَصْلُحُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ إلَّا بِشَرْطِ خَلَفِ مَا هَلَكَ مِنْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَالْحُكْمُ يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَالصِّفَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَصَادِ زَرْعٍ فِي بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إنْ هَلَكَ الزَّرْعُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِجَارَةُ قَائِمَةٌ، وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مِثْلِهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ اخْتِلَافُ حَالِ الْبُقَعِ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَتَغَيُّرِ الْمِثْلِ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَقْرُبُ، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ رِفْقٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ عَمَلَ الْحَصَادِ لَا يَخْتَلِفُ فِي الزَّرْعِ فَلِذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ عَلَى حَصَادِهِ كَحَمْلِ الْأَحْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[كتاب المساقاة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) (مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ) (ص) : مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ يَوْمَ الْفَتْحِ أُقِرُّكُمْ فِيهَا مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ قَالَ فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيًّا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا لَهُ هَذَا لَك، وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] [مَا جَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ «قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ يَوْمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ» يُرِيدُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ حَيْثُ وَجَبَ تَفَرُّغُ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ قَالَ كَذَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَفَعَلَ كَذَا يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ فِي الْأَيَّامِ الْمُضَافَةِ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» يَقْتَضِي أَنَّ النَّخْلَ صَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ خَيْبَرَ، وَلِذَلِكَ كَانَ لَهُمْ بِالْعَمَلِ بَعْضُ الثَّمَرَةِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي افْتِتَاحِ خَيْبَرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً لِمَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا خَيْبَرَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً» ،. وَقَالَ آخَرُونَ افْتَتَحَهَا بَعْضَهَا عَنْوَةً، وَبَعْضَهَا صُلْحًا، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، وَالْكَثِيبَةِ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ قَالَ مَالِكٌ، وَالْكَثِيبَةِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ عِرْقٍ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كَانَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْبَرَ نِصْفُهَا فَكَانَ النِّصْفُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَ النِّصْفُ الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْكَثِيبَةُ وَالْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ وَوَجْرَةُ، وَالنِّصْفُ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ بِطْلَةُ، وَالشِّقُّ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ أَنَّهُمْ تَخَلَّوْا عَنْ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ فَعَلَى هَذَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. (مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ، وَكَانَ سَبِيلُ ذَلِكَ سَبِيلَ النَّضِيرِ، وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَدَكَ، وَمَا كَانَ مِنْ خَيْبَرَ بِقِتَالٍ، وَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ مَنْ غَابَ عَنْهَا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُمْ بِهَا يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: 20] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَظَاهِرُ قَوْلِهِ «أُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْمُسَاقَاةِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ بَعْدَ وَصْفِ الْعَمَلِ وَالِاتِّفَاقِ مِنْهُ عَلَى مَعْلُومٍ بِعِبَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَمَنَعَ جَوَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى خَيْبَرَ لِيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» ، وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ التَّمْرَ نَوْعُ مَالٍ يَزْكُو بِالْعَمَلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ فَجَازَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ عَلَى مُدَّةٍ يَلْزَمُ الْعَقْدُ فِي جَمِيعِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِي مِقْدَارٍ مِنْهَا فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَبَعَّضَ، وَكَذَلِكَ كُلَّمَا شَرَعَ الْعَامِلُ فِي عَامٍ لَزِمَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَسَاقِيَانِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْخِيَارِ فِيمَا بَعْدَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ دَارِهِ عَلَى شَهْرٍ بِدِينَارٍ أَوْ كُلَّ عَامٍ بِدِينَارَيْنِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى الْعَمَلِ، وَأَنْ يَتْرُكَهُ مَا شَاءَ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْكُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْرَعْ الْعَامِلُ فِي عَمَلِ سَنَتِهِ فَتَلْزَمُهُ تِلْكَ السَّنَةُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَلْزَمُ أُجْرَةُ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا جَعَلَاهُ عَمَلًا عَلَى حِسَابِ الْأُجْرَةِ مِنْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ مُقَرَّرٍ يَلْزَمُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لَزِمَهُمَا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ حِسَابِ مَا قَرَّرَاهُ، وَلَهُمَا أَنْ يَزِيدَا مَا شَاءَا مِمَّا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ أَرَادَ مِنْهُمَا التَّرْكَ فَذَلِكَ لَهُ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا، وَجَمِيعُ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَالسَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ الْأُولَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ فِيهِ، وَيَكُونَ الْخِيَارُ فِيمَا بَعْدَهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ تَحْدِيدُ جُزْءِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ غَيْرَ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُسَاوَاةُ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ فَنَقَلَهُ الرَّاوِي عَلَى هَذَا اللَّفْظِ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُهُ الْمُسَاوَاةُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ النِّصْفَ» وَأَبُو بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَقْتَضِي مَعَ ذَلِكَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحَوَائِطِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقِيَهُ حَائِطَيْنِ عَلَى النِّصْفِ جَمِيعًا أَوْ عَلَى الثُّلُثِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَائِطِينَ نَخْلًا، وَفِي الْآخَرِ أَصْنَافُ الشَّجَرِ، وَيَكُونَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ سَقْيًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا بَعْلًا، وَبَعْضُهَا سَقْيًا فَإِنْ كَانَ عَلَى مُسَاقَاةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَى خَيْبَرَ كُلَّهَا عَلَى النِّصْفِ، وَفِيهَا الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ بِمَعْنَى حُكْمِ الْقِرَاضِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَلَمَّا جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ جِنْسَيْنِ مِنْ الْعَيْنِ وَرِقًا، وَذَهَبًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ جَازَ مِثْلُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ عَمَلٌ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ رُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَاقَدَهُ السَّنَتَيْنِ بِأَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعَ السَّنَتَيْنِ فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا بَقِيَ، وَلَا يُفْسَخُ مَا بَقِيَ. وَقَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُسَاقَاةُ جَمِيعِ السَّنَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ بَعْضَهَا بِسَبَبِ بَعْضٍ فَقَدْ يُنْفِقُ فِي أَوَّلِ عَامٍ لِيَسْتَغِلَّ أَعْوَامًا فَإِذَا لَزِمَهُ بَعْضُ الْأَعْوَامِ لَزِمَهُ جَمِيعًا. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ فِي عُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ جَازَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا فِي الْقِرَاضِ لِأَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَعَقْدُ الْمُسَاقَاةِ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِذَا عَقَدَ مَعَهُ فِي حَائِطٍ عَلَى النِّصْفِ ثُمَّ عَقَدَ مَعَهُ فِي حَائِطٍ آخَرَ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ بِالْآخَرِ فَجَازَ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ لِلْخَرْصِ» ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ خَرْصِهِ لَهُمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي زَاهِيهِ خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَامًا ثُمَّ قُتِلَ بِمُؤْتَةِ فَقَدِمَ غَيْرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ خَرْصَ أَمْوَالِ الْمُسَاقَاةِ لِمَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِ غَلَّةِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَنَخْلِهَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُصْرَفُ إلَّا إلَى الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، وَأَمَّا غَلَّةُ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُعْطِيهَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَخْرُصُهَا لِيَمِيزَ حَقَّ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْت عِيسَى عَنْ فِعْلِ «ابْنِ رَوَاحَةَ إذَا كَانَ يَخْرُصُ تَمْرَ خَيْبَرَ الَّذِي أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَيْدِي الْيَهُودِ مُسَاقَاةً ثُمَّ يَقُولُ لَهُمْ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي فَكَانُوا يَأْخُذُونَ» أَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُسَاقِيَيْنِ وَالشَّرِيكَيْنِ فَقَالَ لَا يُعْمَلُ بِذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ اقْتِسَامُهُ إلَّا كَيْلًا إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمَا إلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى حَمَلَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ الْخَرْصَ لِلْقِسْمَةِ خَاصَّةً، وَإِذَا كَانَ الْخَرْصُ لِلزَّكَاةِ لَزِمَ إخْرَاجُهَا مِنْ جَمِيعِ ثَمَرِ الْحَائِطِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِحَالِ مَالِكِ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَصْلِ مُسْلِمًا حُرًّا فَالزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَرْصُ لِلْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ اخْتِلَافُ حَاجَتِهِمَا إلَيْهِ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْكُلُوهُ رُطَبًا، وَالصَّحَابَةُ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ إلَّا تَمْرًا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الشُّرَكَاءِ فِي الْحَائِطِ تَخْتَلِفُ حَاجَتُهُمْ إلَى الثَّمَرَةِ فَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ الْبَيْعَ، وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ أَكْلَهُ رُطَبًا، وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ أَكْلَهُ تَمْرًا إنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ قِسْمَتَهُ بَيْنَهُمْ بِالْخَرْصِ، وَإِنْ اتَّفَقَتْ حَاجَتُهُمْ فَإِنْ أَرَادَ جَمِيعُهُمْ الْبَيْعَ أَوْ أَكْلَهُ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمْ بِالْخَرْصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْقِسْمَةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي حَمَلَهُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ إلَيْهِمْ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْخَارِصِ لِيَضْمَنُوا حِصَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بِالثَّمَرَةِ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِ الْعَرِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَخْرُصَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَكُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ الثَّمَرِ مَا أَوْجَبَهُ الْخَارِصُ عَلَيْهِمْ عَلَى سُنَّةِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَوَائِطِ لَهُمْ فَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي عَلَى سَبِيلِ التَّحْقِيقِ لِصِحَّةِ خَرْصِهِ فَيَقُولُ لَهُمْ إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَأْخُذُوا الثَّمَرَةَ عَلَى أَنْ تُؤَدُّوا زَكَاةَ مَا خَرَصْته عَلَيْكُمْ، وَإِلَّا فَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنْ الْفَيْءِ بِمِثْلِ مَا يُشْتَرَى بِهِ فَيَخْرُجُ هَذَا الْخَرْصُ الَّذِي خَرَصَهُ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِسِعْرِ التَّمْرِ فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ لِتَحَقُّقِهِمْ صِحَّةَ قَوْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ خَرْصُ الثَّمَرَةِ لَا قِسْمَةَ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ هَذَا النِّصْفُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي وَلَكُمْ هَذَا الْآخَرُ عَلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ لَهُمْ فِي النِّصْفَيْنِ لِيَأْخُذُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا لِتَحَقُّقِهِ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الَّذِي يَسَّرَ لَهُمْ وَيَخُصُّهُمْ بِهِ إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمْ، وَأَقْرَبُ لِمَسَاكِنِهِمْ أَوْ أَبْعَدُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ عَلَيْهِمْ أَوْ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَوْ لِأَنَّهُمْ فَرِحُوا بِهِ، وَسَأَلُوهُ إيَّاهُ بَيْنَ ذَلِكَ، إنْ وَقْتَ طِيبِ النَّخْلِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ لَيْسَ بِوَقْتِ قِسْمَةِ ثَمَرَةِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِلِ أَخْذَهَا، وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا حَتَّى يَجْرِيَ الصَّاعُ أَوْ الْوَزْنُ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَرْصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ إلَّا بِمَعْنَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْحَاجَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (فَصْلٌ) وَالظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ لِجَمَاعَتِهِمْ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاقَاةِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْحَاجَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ سَاقَى جَمِيعَهُمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي جُمْلَةِ الْحَوَائِطِ، وَلَمْ يَخُصَّ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِحَائِطٍ أَوْ حَوَائِطَ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ قَدْ «سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ عَلَى مُسَاقَاةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى النِّصْفِ، وَفِيهَا الْجَيِّدُ وَالدَّنِيءُ» ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ فِي هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقَدَ عَلَى جَمِيعِهَا عَقْدًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَالِبِ الْحَالِ يَخْتَلِفُ مَا عُوقِدُوا عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْحَوَائِطِ مَعَ جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَأَقَلَّ، وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَ فِيهِ جَمَاعَةً. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ يَسَارٍ كَانَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ لِيَخْرُصَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودَ أَضَافَ الْخَرْصَ إلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا يَخُصُّهُ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَإِنْفَاذِهِ لِيَخْرُصَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَأَنَّهُ تَكَرَّرَ إنْفَاذُهُ إلَيْهِمْ لِهَذَا الْمَعْنَى لِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِهَذَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ، وَفِيهَا الْبَيَاضُ فَمَا ازْدَرَعَ الرَّجُلُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ فَذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ اُشْتُرِطَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمُؤْنَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْك كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ الْمُؤْنَةُ كُلُّهَا، وَالنَّفَقَةُ، وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّأْنِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ عَالِمًا بِثَمَرِ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَمَا يَنْقُصُ بِالْجُفُوفِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «فَجَعَلُوا لَهُ حُلِيًّا، وَقَالُوا هَذَا لَك وَخَفِّفْ عَنَّا» أَرَادُوا بِذَلِكَ التَّخْفِيفَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ فِي الْخَرْصِ، وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا التَّخْفِيفُ الْيَسِيرُ فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُقَاسَمَةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْمُسَاوَاةُ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الزَّكَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إلَيَّ» يُرِيدُ لِكُفْرِهِمْ وَإِظْهَارِهِمْ الْعَدَاوَةَ وَالْمُخَالَفَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِلْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ أَنْبَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] ثُمَّ قَالَ «وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى الْحَيْفِ عَلَيْكُمْ» يُيَئِّسُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ حَيْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ مَحَبَّتِهِ فِيهِمْ وَسَعْيِهِ لَهُمْ. (فَصْلٌ) قَوْلُهُ «وَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَإِنَّهُ سُحْتٌ» يُرِيدُ حَرَامًا، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْيَهُودَ بِأَكْلِهَا فَقَالَ {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] . وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] فَرَامُوا أَنْ يَسْتَنْزِلُوا ابْنَ رَوَاحَةَ لِمَا عَلِمُوا مِنْ وَرَعِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَحَرَصُوا أَنْ يُدْخِلُوهُ فِيمَا يَتَلَبَّسُونَ بِهِ مِنْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ وَأَكْلِ السُّحْتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109] . وَقَالَ {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] فَعَصَمَهُ اللَّهُ وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109] . (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُمْ «بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْإِقْرَارَ بِالْحَقِّ وَالرُّجُوعَ إلَى الِاعْتِرَافِ بِهِ إمَّا لِتَعْجِيلِ الْخِزْيِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ لِيَتَخَلَّصُوا بِهِ مِمَّا ظَنُّوا أَنَّهُ يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ إذَا أَرَوْهُ الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِهِ، وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَسْكُتَ عَنْ الْبَيَاضِ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ هُوَ لِصَاحِبِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ زِرَاعَةٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ تَرْكٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ إنْ تَشَاحَّا عِنْدَ الزِّرَاعَةِ فَذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ، وَذَلِكَ وَقْتُ الِاشْتِرَاطِ وَاسْتِيفَاءِ الْجُفُوفِ وَتَبْيِينِهَا فَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَكُونُ لَهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَ الْعَامِلِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاوَلَهُ اشْتِرَاطُهُ، وَهُوَ نِصْفُ الثَّمَرَةِ دُونَ سَائِرِ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَلِذَلِكَ انْفَرَدُوا بِمَسَاكِنِهَا وَمَسَارِحِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْطَى خَيْبَرَ لِيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» عَلَى مَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدَيْنِ أَوْ عَلَى مَكَانَيْنِ أَوْ زَمَانَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى مَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَا قَدْ سَاقَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَيْنِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْقَطِعُ مَاؤُهَا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ لَا أَجِدُ مَا أَعْمَلُ بِهِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْعَيْنِ اعْمَلْ وَأَنْفِقْ، وَيَكُونُ لَك الْمَاءُ كُلُّهُ تَسْقِي بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُك بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْت فَإِذَا جَاءَ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقْت أَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ لَمْ يَعْلَقْ الْآخَرَ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى زَرَعَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ مَا زَرَعَ الْعَامِلُ فَهُوَ لَهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالثِّمَارِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَهُوَ لِلْعَامِلِ كَالْمُرَاحِ وَالْمَسْكَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْحَرْثِ وَالْعَمَلِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِالْعَامِلِ كَالثَّمَرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الشَّرْطُ فَإِنَّ فَضْلَ ذَلِكَ مُلْغًى لِلْعَامِلِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْمُسَاقَاةِ يَخْتَصُّ بِالثَّمَرِ، وَمَا لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَفَرْعٌ ظَاهِرٌ حِينَ الْمُسَاقَاةِ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فَعَلَى وَجْهِ ارْتِفَاقِ الْعَامِلِ مَا بَيْنَ الْأُصُولِ مِنْ الْبَيَاضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ عِنْدِ الْعَامِلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهَا ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ فِي خَيْبَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَهُمْ فِي الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ عَلَى النِّصْفِ» . (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا، وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَذْرُ كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجُوزُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ، وَالْمَنْفَعَةَ كُلَّهَا عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَمِيعُ الزَّرْعِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ زِيَادَةً يَنْفَرِدُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا فَاشْتَرَطَ الْعَامِلُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَقَدْ أَبَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَرِهَهُ أَصْبَغُ مَرَّةً ثُمَّ أَجَازَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَطَ بَعْضَهُ كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمُسَاقَاةِ ازْدَادَهَا الْعَامِلُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِلْغَاءِ لِأَنَّ الْإِلْغَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي جَمِيعِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ اشْتَرَطَ أَرْضًا هِيَ تَبَعُ الْمُسَاقَاةِ فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَاهُ جَمِيعًا، وَالتَّوْجِيهَانِ لِأَصْبَغَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَيَاضُ بَيْنَ أَثْنَاءِ السَّوَادِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَبَعٌ لِمِلْكِ صَاحِبِ الْأَصْلِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ اسْتَثْنَى الْعَامِلُ الْبَيَاضَ فِيمَا يَجُوزُ زَرْعُهُ ثُمَّ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ الْبَيَاضِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ جَيِّدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ إيَّاهُ إلَّا عَمَلَ السَّوَادِ فَلَمَّا ذَهَبَ السَّوَادُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْكِرَاءِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَجَزَ الدَّاخِلُ عَنْ الْعَمَلِ عَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهِ فِي الْبَيَاضِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ فِي زَرْعٍ، وَفِي وَسَطِهِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ فَاشْتَرَطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَالنَّخْلِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً تَبَعًا لِأَرْضِ الزَّرْعِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيَاضِ النَّخْلِ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُلْغِيَ لِلدَّاخِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا سَاقَاهُ زَرْعًا فِيهِ شَجَرٌ تَبَعًا لِلزَّرْعِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بِخِلَافِ الْبَيَاضِ بَيْنَ النَّخْلِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ لَا لِلْعَامِلِ كَمُشْتَرِي الدَّارِ فِيهَا نَخْلٌ يَشْتَرِطُ ثَمَرَتَهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا كَانَ الْعَامِلُ يَسْقِي ذَلِكَ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَلْغَى كَنَوْعٍ مِنْ الشَّجَرِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ أَرْضٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّبَعُ لِلنَّخْلِ فَجَازَ أَنْ يَلْغَى كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بَذْرَهَا، وَزِرَاعَتَهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَعْرُوفُ. (ش) : رَوَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَاءِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَغُورُ أَنَّ كُلَّ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ لَمْ يَقْسِمَا أَصْلَهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ أُصُولٍ أَوْ أَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ زَرَعُوهُ جَمِيعًا فَانْهَدَمَتْ الْبِئْرُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اعْمَلْ مَعَ صَاحِبِك أَوْ بِعْ حِصَّتَك مِنْ الْأَصْلِ، وَالْمَاءِ أَوْ قَاسِمْهُ الْأَصْلَ فَخُذْ حِصَّتَك، وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْمَلَ عَمِلَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ، وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمَا كَانَ لَهُ الْمَاءُ كُلُّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ شَرِيكُهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَيَرْجِعَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ مُثْمِرٌ فِي أَرْضٍ لَهُمَا فَإِنَّ الْآبِيَ يُجْبَرُ عَلَى عَمَلِ حِصَّتِهِ أَوْ يَبِيعُهَا مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدَةً، وَالْمَاءُ وَاحِدًا فَمَنْ أَبَى مِنْهُمَا الْعَمَلَ فَذَلِكَ لَهُ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ اعْمَلْ، وَلَك الْمَاءُ كُلُّهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ تَنْهَدِمُ فَيَأْبَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبْنِيَ فَيُقَالَ لَهُ ابْنِ مَعَ شَرِيكِكَ أَوْ قَاسِمْهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ يَقُولَانِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي بِئْرٍ لَيْسَ عَلَيْهَا مَا يُجْنَى لَا زَرْعٌ، وَلَا نَخْلٌ، وَلَا غَيْرُهُ فَأَمَّا مَا كَانَ بِئْرًا أَوْ عَيْنًا عَلَيْهِمَا مَا يُجْنَى فَإِنْ أَبَى الْعَمَلَ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ مَعَهُ كَالسُّفْلِ لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لِآخَرَ فَيَنْهَدِمُ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يُقَالُ لِلْآبِي إمَّا أَنْ تَعْمَلَ، وَإِمَّا أَنْ تَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إذَا كَانَ مَا يُسْقَى بِالْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ مَقْسُومًا فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا أَنْ يَبْنِيَ بَنَى، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ، وَقَاسَهُ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّارِ تَنْهَدِمُ، وَقَاسَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ شَرِيكَهُ فِي الْعَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ لِقِسْمَةِ الْأَصْلِ كَمَا لَا يَقْدِرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ عَلَى بُنْيَانِ عُلْوِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَبْنِيَ صَاحِبُ السُّفْلِ، وَصَاحِبُ الدَّارِ يَقْدِرُ بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ عَلَى بُنْيَانِ حِصَّتِهِ مِنْ الْقَاعَةِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَشَاعًا يَقْدِرُ عَلَى مُقَاسَمَتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ الْآبِي أَنْ يَعْمَلَ مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ يُقَاسِمَهُ فَيَعُودَ إلَى حُكْمِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ. وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَسْقِيَانِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ قِسْمَتُهُ كَثَمَرَةِ نَخْلِهَا أَوْ زَرْعِ أَرْضِهَا فَهُوَ الَّذِي يُجْبَرُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْعَمَلِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ مَعَهُ فَرَاعَى فِي هَذَا بَقَاءَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا رُوعِيَ حَقُّ الطَّالِبِ الَّذِي يَرُدُّ الْعَمَلَ فَإِنَّ الْمَضَرَّةَ تَلْحَقُهُ إذَا انْفَرَدَ زَرْعُهُ وَثَمَرَتُهُ كَمَا تَلْحَقُهُ حَالَ الِاشْتِرَاكِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً عَلَى مَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآبِي فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الثَّلَاثَةِ إلَّا ضَرْبَ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْمَاءِ كُلِّهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ شَرِيكُهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَقَدْ صَارَ مُنْفِقًا مَعَهُ، وَزَالَتْ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ إبَايَتُهُ مِنْ النَّفَقَةِ. (فَرْعٌ) فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ قَدْ اغْتَلَّ مِنْهَا غَلَّةً كَثِيرَةً قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ حِصَّةَ الْآبِي مِمَّا أَنْفَقَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَا لِلْعَامِلِ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ، وَيَكُونُ لِلْآبِي بِقَدْرِ مَا كَانَ بَقِيَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْعَامِلِ دُونَ الْآبِي حَتَّى يُعْطِيَ قِيمَةَ مَا عَمِلَ قَالَ عِيسَى، وَبِهَذَا الْقَوْلِ رَأَيْت ابْنَ بَشِيرٍ يَحْكُمُ، وَبِهِ أَخَذَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَا يُحَاصُّهُ بِمَا عَمِلَ فِيمَا أَنْفَقَ فَإِذَا اسْتَوْفَى ذَلِكَ رَجَعَ الْآبِي فِي حَظِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّ مِقْدَارَ مَا كَانَ بَقِيَ مِنْ مَنَافِعِ الرَّحَا مِنْ هِنْدٍ وَآلَةٍ لِأَصْبَغَ فِيهِ فَمَنْ اخْتَارَ الْعَمَلَ فَعَلَيْهِ بَاقِيهِ لِلْآبِي، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْعَامِلِ غَلَّتَهُ مَعَ حِصَّتِهِ مِمَّا بَقِيَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ عِيسَى أَنَّ حِصَّةَ الْآبِي لَمْ يَكُنْ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَلَا غَلَّةَ لَهَا إلَّا بِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ فَكَانَتْ غَلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْعَامِلِ حَتَّى يُعْطِيَهُ الْآبِي حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ كَرَقَبَةِ الْعَيْنِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّحَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ كُلُّهَا وَالْمُؤْنَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِيَدِهِ إنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ بِبَعْضِ الثَّمَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إجَارَتُهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا يَعْرِفُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَيَقِلُّ ذَلِكَ أَمْ يَكْثُرُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مُقَارِضٍ أَوْ مُسَاقٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الْمَالِ، وَلَا مِنْ النَّخْلِ شَيْئًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِذَلِكَ يَقُولُ أُسَاقِيك عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي فِي كَذَا وَكَذَا نَخْلَةً تَسْقِيهَا، وَتَأْبُرُهَا، وَأُقَارِضُك فِي كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَيْنَ بَاقِيَانِ عَلَى مِلْكِ الْآبِي حِصَّتُهُ مِنْهَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ مَا أَنْفَقَهُ الْعَامِلُ فِي ذَلِكَ إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ، وَاخْتِيَارُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فَإِنَّ الَّذِي يَرُدُّ سَلَفًا لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ سَلَفُهُ رَجَعَ الْآبِي إلَى اسْتِيفَائِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ، وَاخْتِيَارِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فَإِنَّ الَّذِي يَرُدُّ الْآبِي إلَى الْعَامِلِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَمَلِ يَوْمَ يَدْخُلُ مَعَهُ لَا يَوْمَ عَمَلِهِ، وَلَا مَا يَنُوبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحِدْثَانِهِ قَالَهُ عِيسَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْإِنْفَاقُ لَهُ فَإِنَّ لِلْآبِي الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ لَهُ رِقْبَته وَغَلَّته هـ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ رَقَبَتَهُ وَغَلَّتَهُ لِلْعَامِلِ كَانَتَا فَكَانَ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَعَلَيْهِ النَّقْصُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الثَّانِي فَيَجِبُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَنْفَقَ فِي الْبُنْيَانِ عَلَى وَجْهِ السَّدِّ لَهُ لِأَنَّ الْآبِيَ يُحْتَسَبُ لَهُ بِغَلَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ تَلْزَمُهُ تِلْكَ النَّفَقَةُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَبْنٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا غَارَ مَاءُ عَيْنِ الْمُسَاقِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَقَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فَإِنْ أَنْفَقَ الْعَامِلُ عَلَى سَدِّهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا أَنْفَقَ إلَّا مَا لِلْمُتَعَدِّي مِنْ النَّقْصِ، وَلَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ فَسَّرَهُ تَفْسِيرًا حَسَنًا فَقَالَ يَتَوَخَّى قَدْرَ مَا لِرَبِّ الْحَائِطِ مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ طَرْحِ مُؤْنَتِهِ فِيهَا إلَى وَقْتِ بَيْعِهَا يَتَكَلَّفُ أَنْ يُعَجِّلَ ذَلِكَ، وَيُنْفِقَهُ فَإِنْ أَعْدَمَ قِيلَ لِلْعَامِلِ أَنْفِقْ ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَتَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَرِ رَهْنًا بِيَدِك فَذَلِكَ، وَإِلَّا فَيُسَلِّمُ الْحَائِطَ إلَى رَبِّهِ، وَلَا شَيْءَ لَك، وَلَا لَهُ عَلَيْك. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ لِيَزْرَعَهَا فَانْهَارَتْ بِئْرُهَا أَوْ غَارَ مَاؤُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَرْعٌ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا شَيْئًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَانِعٌ طَرَأَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ إصْلَاحُهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَلَافَى بِذَلِكَ شَيْئًا، وَهِيَ لِلْمُكْتَرِي، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا زَرْعٌ، وَإِنَّ الَّذِي يَلْزَمُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا كِرَاءَ تِلْكَ السَّنَةِ دُونَ سَائِرِ السِّنِينَ يُقَوَّمُ ذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَتْ قِيَمُ السِّنِينَ أَوْ عَلَى السَّوَاءِ إنْ تَسَاوَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي لَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ أَنْفَقَ فِي إصْلَاحِ ذَلِكَ كِرَاءَ تِلْكَ السَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهُ فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُنْفِقَهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَفْلَسَ قِيلَ لِلْمُكْتَرِي أَنْفِقْهُ سَلَفًا مِنْ عِنْدِك لَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ سَنَةٍ لِأَنَّ السَّنَةَ الْبَاقِيَةَ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا شَيْئًا فَلَمْ يَلْزَمْ إنْفَاقُ كِرَائِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ كِرَاءُ السَّنَةِ الَّتِي قَدْ زَرَعَ فِيهَا لِيُحْيِيَ زَرْعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ الْأَوَّلُ الْمَاءَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ، وَلَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا بِعَمَلِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَمَلِ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ الْمَاءَ كُلَّهُ مَا اسْتَقَرَّ بِعَمَلِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ مَاءِ الْعَيْنِ مَا بَقِيَ مِنْهُ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَمَا زَادَ بِالْعَمَلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَا يُوصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ لِقِلَّتِهِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَاءِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ انْقَطَعَ مَاءُ الْعَيْنِ، وَهَذَا إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ ذَهَابِ جَمِيعِهِ، وَقَالَ إنَّ مَا قَضَى بِالْمَاءِ كُلِّهِ لِلْعَامِلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْفَقَ يُرِيدُ أَنَّ بِنَفَقَتِهِ عَادَ الْمَاءُ مَعَ إنْفَاقِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يَعُدْ الْمَاءُ بِنَفَقَتِهِ لَانْفَرَدَ بِالْخَسَارَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْآبِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَقْتَضِي انْفِرَادَهُ بِضَمَانِ النَّفَقَةِ، وَالْعِلَّةُ تَمْنَعُ الضَّمَانَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ حَتَّى يُشَارِكَهُ الْآخَرُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُبَدِّلَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَيَعُودَ إلَى حِصَّتِهِ مِنْ الْمَاءِ لِمِلْكِهِ لِلْأَصْلِ.

وَكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُك عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا قَالَ لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَكُونُ أَجِيرًا لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جَنْبَةِ الْعَامِلِ بِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَمَاءِ الثَّمَرَةِ، وَيَبْقَى لَهُ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ جَدِّ الثَّمَرَةِ عَيْنٌ ثَابِتَةٌ لِيَنْتَفِعَ بِهَا، وَكُلُّ بُقْعَةٍ فِي الْحَائِطِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ نَوْعٌ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلِهِمْ فِي الْحَائِطِ فَإِذَا اُشْتُرِطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلٌ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا لَا يَصِحُّ فِي الْقِرَاضِ لِأَنَّ الْقِرَاضَ أَصْلٌ لِلْمُسَاقَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إجَارَتُهُ مَعْنَاهُ إنَّهُ إذَا خَرَجَ عَنْ شَبَهِ الْمُسَاقَاةِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الَّتِي يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا جَمِيعُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ، وَبَعْضُهُ، وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْإِنْفَاقِ أَوْ بَعْضُهُ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْإِجَارَةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُقَدَّرَةِ، وَالْمُسَاقَاةُ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِجُزْءٍ مَذْكُورٍ أَوْ بِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ، وَهُوَ قَدْرٌ مَجْهُولٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى أَوْسُقٍ مُقَدَّرَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ فَمَا أَفْسَدَ الْإِجَارَةَ مِنْ ذَلِكَ صَحَّحَ الْمُسَاقَاةَ، وَمَا صَحَّحَ الْمُسَاقَاةَ أَفْسَدَ الْإِجَارَةَ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ سُنَّةَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ جَمِيعُ الْعَمَلِ، وَجَمِيعُ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالدِّلَاءِ وَالْحِبَالِ وَالْآلَاتِ مِنْ حَدِيدٍ، وَغَيْرِهِ لَا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ السِّقَاءِ فَيَسْتَعِينُ بِهِ الْعَامِلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَآلِ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا إلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْعَامِلِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ مَعْلُومًا فَمَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ قَامَ مَقَامَ الْوَصْفِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ مِنْ عَدَدِ الْحَرْثِ وَالسَّقْيِ، وَسَائِرِ الْعَمَلِ فَإِنْ قَصَرَ عَمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ فِيمَنْ سَاقَى حَائِطَهُ عَلَى أَنْ يَحْرُثَهُ ثَلَاثَ حَرْثَاتٍ فَيَحْرُثَهُ حَرْثَتَيْنِ قَالَ يَنْظُرُ جَمِيعَ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ وَقَطْعٍ وَجَنْيٍ فَيَنْظُرُ مَا عَمِلَ هُوَ مِمَّا تَرَكَ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ الثُّلُثَ حُطَّ ثُلُثُ نَصِيبِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي مُقَابَلَةِ جَمِيعِ الْعَمَلِ فَإِذَا تَرَكَ بَعْضَهُ حُطَّ مِنْ الْعِوَضِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَ مِنْ الْعَمَلِ قَدْ وُجِدَ لَهُ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ السَّقْيِ فَيُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُحَاسِبُهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ الْحَائِطَ مَا احْتَاجَ مِنْ السَّقْي، وَلَا يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَإِذَا سَقَاهُ الْمَطَرُ أَوْ السَّيْلُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى سَقْيٍ آخَرَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأُجَرَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أُجَرَاءُ اسْتَأْنَفَ الْعَامِلُ اسْتِئْجَارَهُمْ، وَأُجَرَاءُ كَانُوا فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ فَأَمَّا مَنْ اسْتَأْنَفَ الْعَامِلُ اسْتِئْجَارَهُمْ فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِيهِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ أُجْرَتِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَعَلَى الْعَامِلِ رَمُّ قَصَبَةِ الْبِئْرِ وَحِبَالِهِ وَقَوَادِيسِهِ، وَمُؤْنَةُ الْمَاءِ وَالْحَدِيدُ لِعَمَلِهِ فَإِذَا انْقَضَى عَمَلُهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ تَتَكَرَّرُ، وَكَذَلِكَ مَا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ إصْلَاحُهُ، وَهُوَ مِنْ الْآلَاتِ الْمَوْصُوفَةِ فِي الْعَمَلِ، وَكَانَتْ مِنْ الَّذِي يَلْزَمُ الْعَامِلَ، وَمَا كَانَ عَمَلًا ثَابِتًا كَالْبِنَاءِ الَّذِي يَبْقَى، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ مَرَّةً لِخَرَابٍ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لِاسْتِئْنَافِ عَمَلٍ فَذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ فَهِيَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. (مَسْأَلَةٌ) وَعَلَى الْعَامِلِ فِي الثَّمَرِ جِدَادُهُ بَعْدَ أَنْ يُثْمِرَ، وَفِي التِّينِ وَالْكَرْمِ قِطَافُهُ، وَتَيْبِيسُهُ فِي مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَصَادُ الزَّرْعِ، وَدَرْسُهُ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْعَامِلِ تَهْذِيبُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالِ اسْتِقَامَةٍ، وَالصِّفَةُ الَّتِي يُدَّخَرُ عَلَيْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَأَمَّا الزَّيْتُونُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْعَامِلِ عَصْرُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ غَالِبُ عَمَلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَمُنْتَهَى عَمَلِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُسَاقِي شَدُّ الْحِظَارِ، وَخَمُّ الْعَيْنِ وَسَرْوُ الشَّرَبِ وَإِبَارُ النَّخْلِ وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَجَذُّ الثَّمَرِ هَذَا، وَأَشْبَاهُهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَاقِي شَطْرَ الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءً عَمَلَ جَدِيدٍ يُحْدِثُهُ فِيهَا مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ ضَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا أَوْ احْفِرْ لِي بِئْرًا أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا أَوْ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا إذَا طَابَ الثَّمَرُ وَبَدَا صَلَاحُهُ، وَحَلَّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ قَدْ رَآهُ، وَرَضِيَهُ فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ ثَمَرٌ أَقَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ جَنْيُهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّ جَنَاهُ صَبْرُهُ عَلَى صِفَةٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَيُدَّخَرُ عَلَيْهَا غَالِبًا. (ش) : قَوْلُهُ مِمَّا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ شَدُّ الْحِظَارِ، وَالْحِظَارُ هُوَ مَا يُحْظَرُ بِهِ عَلَى الْحَظِيرَةِ، وَهُوَ الْحَائِطُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الزَّرْبَ فَمَا اثْتَلَمَ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ سَدُّ ذَلِكَ الثُّلْمِ، وَيُرْوَى سَدُّ الْحِظَارِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَرْخِيَ رِبَاطُهُ فَيَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ شَدَّهُ، وَخُمُّ الْعَيْنِ تَنْقِيَتُهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ كَنْسُهَا وَسَرْوُ الشَّرَبِ هُوَ الْكَنْسُ وَالشَّرَبُ الْحَوْضُ حَوْلَ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ لِيَبْقَى فِيهِ الْمَاءُ بَعْدَ السَّقْيِ قَالَ زُهَيْرٌ يَخْرُجْنَ مِنْ شَرَبَاتٍ مَاؤُهَا طُحُلٌ ... عَلَى الْجَزُوعِ يَخَفْنَ الْغَمَّ وَالْغَرْقَا وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يُنْمِي الثَّمَرَةَ، وَيُوَصِّلُ إلَى صَلَاحِهَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي سَرْوِ الشَّرَبِ سَوْقُ الشَّرَبِ، وَهُوَ جَلْبُ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَرْوُ الشَّرَبِ تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الشَّجَرِ وَتَحْصِينُ حُرُوفِهَا وَمَجِيءِ الْمَاءِ إلَيْهَا، وَزَمُّ الْقُفِّ، وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يُفْرَغُ فِيهِ الدَّلْوُ، وَيَجْرِي مِنْهُ إلَى الضَّفِيرَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ سَرْوَ الشَّرَبِ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا خَمُّ الْعَيْنِ، وَزَمُّ الْقُفِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. (مَسْأَلَةٌ) وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ إصْلَاحَ الْقُفِّ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ حَرْفُ الْقُفِّ وَإِصْلَاحُ كَفِّ الزَّرْنُوقِ قِيمَتُهُ الدُّرَيْهِمَاتُ أَوْ الدِّينَارُ، وَهُوَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَامِلِ إصْلَاحُ كَسْرِ الزَّرْنُوقِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى صِلَةٍ لَهَا قِيمَةٌ وَثَمَنٌ كَبِيرٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ عَصْرَ الزَّيْتُونِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَصْرُ الزَّيْتُونِ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُقَاسِمَهُ الزَّيْتُونَ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ عَصْرَ حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّهُ مُنْتَهٍ كَالْجِدَادِ لِأَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعْظَمَ مَا يُدَّخَرُ بَعْدَ الْعَصْرِ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ رَبِّ الْحَائِطِ الزَّكَاةَ عَلَى الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ فَأُجِيزَ، وَكُرِهَ وَإِجَازَتُهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَحَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الْجَلَّابِ، وَعَنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ بَلَغَ الْحَائِطُ الزَّكَاةَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ لِي مَالِكٌ يَجُوزُ فِي اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ، وَهَذَا عِنْدِي مِثْلُهُ وَجْهُ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْعَامِلِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَهُ عَلَى الْعَامِلِ فَقَدْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ، وَلِلْعَامِلِ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَهُ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ، وَمَنْعُ اشْتِرَاطِهِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَرُ الْحَائِطِ الزَّكَاةَ فَلِرَبِّ الْمَالِ مِنْ حِصَّةِ الْعَامِلِ الزَّكَاةُ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ عَلَى تِسْعَةِ أَجْزَاءٍ لِلْعَامِلِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الْحَائِطِ خَمْسَةٌ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقْسِمُ الثَّمَرَةَ عَشَرَةَ أَقْسَامٍ لِلْعَامِلِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الْحَائِطِ خَمْسَةٌ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْجُزْءَ الثَّانِيَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقُرْبِ عَلَى مِيلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ مُؤْنَةٌ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ زِيَادَةً عَلَى الْعَامِلِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَالًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إبَارُ النَّخْلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَغَيْرُهُ هُوَ تَذْكِيرُهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ التَّلْقِيحُ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ جَمِيعُ عَمَلِ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ، وَكَذَلِكَ الْجِدَادُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ شَطْرَ الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ جَائِزَةٌ عَلَى أَيِّ جُزْءٍ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ جَمِيعُ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَجْوِيزِ الْقِرَاضِ عَلَى جَمِيعِ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ ابْتِدَاءً عَمَلٌ جَدِيدٌ مِنْ بِئْرٍ يَحْفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ لِانْخِفَاضِهَا لَا يَصِلُ مَاؤُهَا حَيْثُ يُرِيدُ فَيَبْنِي حَوَالَيْهَا بُنْيَانًا يَرْفَعُهُ فَيَصِلُ مِنْ أَعْلَى ذَلِكَ الْبُنَيَّانِ إلَى حَيْثُ يُرِيدُهُ قَالَ أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ يَأْتِي بِهِ مِنْ عِنْدِهِ مَعْنَاهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ غَرْسًا يَأْتِي بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَغْرِسُهُ فِي أَرْضِهِ وَحَائِطِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَجَزْت الْمُسَاقَاةَ، وَأَبْطَلْت الشَّرْطَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ قَالَ مَالِكٌ، وَلَوْ شُرِطَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَطْ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْغَرْسِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْحَائِطِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا تَعْظُمُ فِيهِ النَّفَقَةُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أُجِيزَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ قَالَ عِيسَى إنْ كَانَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ مِنْ الْعَمَلِ دُونَ الْأَصْلِ رُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ، وَلَوْ أَتَى الْعَامِلُ بِالْوُدِّيِّ لَرُدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيُعْطَى قِيمَةُ غَرْسِهِ مَقْلُوعًا كَمَا لَوْ جَاءَ بِهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ أَوْ ظَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا يَعْظُمُ فِيهَا النَّفَقَةُ الظَّفِيرَةُ مَحْبِسُ الْمَاءِ كَالصِّهْرِيجِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ النَّفَقَةَ فِيهَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا إلَّا إصْلَاحٌ يَسِيرٌ كَجَبْرِ بَعْضِ حُرُوفِهَا جَازَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَالْمُسَاقَاةُ بَيْنَهُ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ، وَيَبْقَى بَعْدَ الْجِدَادِ مِمَّا يَلْزَمُ رَبَّ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ يَسِيرِهِ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَثِيرِهِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٍ فِيهِ مُجَرَّدُ الْعَمَلِ، وَقِسْمٍ يَأْتِي الْعَمَلُ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ الْعَمَلِ فَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يَسِيرَهُ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ بِالْمَنْعِ فَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيٍّ احْفِرْ لِي بِئْرًا أَوْ احْفِرْ لِي عَيْنًا بِنِصْفِ ثَمَرَةِ حَائِطِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ عِنْدَنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي كُلِّ أَصْلٍ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ تِينٍ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ فِرْسِكٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ نِصْفَ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُسَاقَاةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الزَّرْعِ إذَا خَرَجَ وَاسْتَقَلَّ فَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعِلَاجِهِ فَالْمُسَاقَاةُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا جَائِزَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» مَعْنَاهُ أَنَّ عَمَلَ الْمُسَاقَاةِ مُخْتَصٌّ بِالثَّمَرَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَعْدَ تَمَامِ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إجَارَةً بِثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَحَلَّ بَيْعُهُ فَقَالَ لَهُ اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِعَمَلٍ مَعْرُوفٍ بِنِصْفِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَدَا صَلَاحُهُ لَصَحَّتْ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الثَّمَرَةِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا بِثَمَرَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ فِي ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي أَعْمَالٍ تَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ، وَيُكَلَّفُ فِيهَا مُؤْنَةٌ، وَنَفَقَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَصْلِ كُلِّ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ أَوْ زَيْتُونٍ أَوْ تِينٍ أَوْ فِرْسِكٍ يُرِيدُ الْخَوْخَ قَالَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا شَجَرٌ مُثْمِرٌ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا كَانَتْ الثِّمَارُ بَعْلًا لَا تُسْقَى، وَإِنَّمَا فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ الْحَرْثُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُسَاقَاتُهَا جَائِزَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَرْثَ عَمَلٌ تَزْكُو بِهِ الثِّمَارُ، وَلَا تَزْكُو دُونَهُ فَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَمَلِهِ كَالسَّقْيِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ تَجُوزُ مُسَاقَاةُ شَجَرِ الْبَعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَمَلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ لِأَنَّ لَهَا حِرَاسَةً وَجِدَادًا فَجَعَلَ الْمُسَاقَاةَ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَرْثِ، وَصَحَّحَ الْمُسَاقَاةَ بِالْحِرَاسَةِ وَالْجِدَادِ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ فِي الزَّرْعِ. (فَرْعٌ) وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ، وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ كُلُّهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا جَاءَ فِي كَثِيرِ الْجِنْسِ جَازَ فِي قَلِيلِهِ كَالْإِجَارَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَاخْتُلِفَ فِي مُسَاقَاةِ الْمَرْسِينِ، وَهُوَ الرَّيْحَانُ يُرِيدُ الْآسَ فَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَهُ أَصْبَغُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ أَجَازَهُ، وَثَبَتَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ مَنْعَهُ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالْمَوْزِ وَالْقَصَبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَشْجَارُهُ ثَابِتَةً، وَإِنَّمَا تُقْطَعُ مِنْهَا أَغْصَانُهَا الثَّابِتَةُ كَالسِّدْرَةِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قِيلَ إنَّ أُصُولَهُ تَعْظُمُ، وَتُقِيمُ السَّنَتَيْنِ، وَيُجَدُّ الشِّتَاءَ وَالصَّيْفَ، وَلَيْسَ لَهُ إبَّانٌ فَيُجَدُّ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَإِذَا كَانَ يُجَدُّ هَكَذَا كُلَّ وَقْتٍ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا بَدَا أَوَّلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَتَجُوزُ مُسَاقَاةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْقُطْنِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِهَذِهِ أَصْلًا بَاقِيًا وَسَاقًا ثَابِتًا فَصَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ دُونَ عَجْزٍ عَنْ الشَّجَرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الزَّرْعِ إذَا اسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ، وَعَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ بَذْرٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ لَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَوَاءٌ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَعْجِزْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بَعْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَذْرٌ قَالَ فَإِنْ وَقَعَ فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا طَلَعَ وَعَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَسْتَقِلَّ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ صَاحِبُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزَّرْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَمُدَّةُ الْعَمَلِ فِيهِ يَسِيرَةٌ، وَالنَّخْلُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَيُسْتَدَامُ الْعَمَلُ فِيهَا أَبَدًا، وَإِلَّا تَلِفَتْ فَدَوَامُ الْعَمَلِ فِيهَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَجْزِ عَنْهَا لِأَنَّ الزَّرْعَ إنَّمَا يَسْتَدِيمُ الْعَمَلُ فِيهِ مُدَّةً يَسِيرَةً إنْ شَاءَ تَرَكَ الْأَرْضَ أَوْ أَخَّرَهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّفْ تَعَبًا، وَلَا عَمَلًا فِيهَا فَلِذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتَصَّتْ الْمُسَاقَاةُ بِالشَّجَرِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَلَمْ تَجُزْ فِي الزَّرْعِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِعَدَمِهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فِيهِ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ مَا جَازَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ جَازَتْ لِغَيْرِ الْعَجْزِ كَالنَّخْلِ. (فَرْعٌ) وَمَعْنَى الْعَجْزِ عَنْ الزَّرْعِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ عَمَلِهِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ أَوْ يَنْمُو أَوْ يَبْقَى فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاءٌ فَقَدْ يَكُونُ عَاجِزًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْأُجَرَاءِ قِيلَ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ سَيْحًا قَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَاجِزٌ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ إذَا عَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ عَمَلِهِ، وَهُوَ يَعْمَلُ، وَلَهُ عَمَلٌ وَمُؤْنَةٌ إنْ تُرِكَ خِيفَ عَلَيْهِ التَّلَفُ جَازَتْ مُسَاقَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَمَلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ وَلَا حِرَاسَةٌ، وَهُوَ يَعْمَلُ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ، وَأَمَّا الشَّجَرُ الْبَقْلُ فَتَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَمَلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ لِأَنَّ لَهَا حِرَاسَةً وَجِدَادًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ لِأَنَّ فِيهِ دِرَاسَةً وَحَصَادًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحَصَادَ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْحِرَاسَةُ وَالنَّخْلُ يَحْتَاجُ إلَى حِرَاسَةٍ مُنْذُ يَصِيرُ بَلَحًا كَبِيرًا إلَى أَنْ يَصِيرَ تَمْرًا يَتَسَرَّعُ النَّاسُ إلَيْهِ وَالزَّرْعُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ إلَّا مَخَافَةَ الْمَوَاشِي، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُهَا، وَأَمَّا الْحَرْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الزَّرْعِ، وَهُوَ إنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشَّجَرِ فَقَدْ تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَعْلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ مِنْ الْمُؤْنَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ شَجَرُ الْبَقْلِ، وَإِنْ تُرِكَ خِيفَ أَنْ يَضِيعَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُؤْنَةٌ وَلَا عَمَلٌ فِيهِ لَمْ تَجُزْ مُسَاقَاتُهُ إنَّمَا يَقُولُ احْفَظْهُ لِي وَاحْصُدْهُ وَأَدْرُسُهُ لَك عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الشَّجَرِ الْبَقْلِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ، وَفِي النَّخْلِ إذَا قَالَ لَهُ احْفَظْهُ لِي وَجُدَّهُ، وَلَك نِصْفُهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يَنْمُو إلَّا بِالْعَمَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ لِمَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَمَلُ يَلْزَمُ فِيهِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَشْجَارِ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حَرْثٍ وَتَقْسِيمٍ وَسَدِّ حِظَارٍ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ الْبَعْلِ، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إلَّا بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ عَنْ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ بَعْلًا فَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَمَلٍ إلَى أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَتِلْكَ حَالٌ لَا تَجُوزُ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ مَعَ أَنَّ الزَّرْعَ تَقْصُرُ مُدَّتُهُ، وَلَا يُسْتَدَامُ الْعَمَلُ فِيهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَا كَانَ بِمَثَابَةِ الزَّرْعِ مِمَّا الْغَرَضُ فِي حَبِّهِ دُونَ بَقْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكَمُّونِ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْعُصْفُرِ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكَمُّونِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَجَرَةٍ بَاقِيَةٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نُوَّارُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمَقَاثِي فَجَوَّزَ مَالِكٌ فِيهَا الْمُسَاقَاةَ كَالتِّينِ وَالْجُمَّيْزِ وَالْقُطْنِ وَالْمَقَاثِي، وَإِنْ كَانَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَلَعَلَّ هَذَا الْجَوَازُ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَأَصْلُهُ ثَابِتٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْقَصَبِ الْحُلْوِ وَالْمَوْزِ الَّذِي يَبْقَى لَهُ أَصْلٌ بَعْدَ أَخْذِ ثَمَرَتِهِ، وَكَذَلِكَ الزَّعْفَرَانُ وَالرَّيْحَانُ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَحْبَاقِ، وَالْبَقْلُ وَالْقَصَبُ وَالْقُرْطُ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ الْمُسَاقَاةَ فِيهِ، وَعَلَّلَ فِي الْوَاضِحَةِ تَجْوِيزَ الْمُسَاقَاةِ فِي الْمَقَاثِي لِتَفَاوُتِ طِيبِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ بُطُونَهَا لَا تَنْفَصِلُ، وَشَبَّهَهُ بِالتِّينِ الَّذِي يَطِيبُ بَعْضُهُ بَعْدَ بَعْضٍ قَالَ وَلَيْسَ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ كَالْقَصَبِ يُرِيدُ أَنَّهُ تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ كَتَمَيُّزِ بُطُونِ الْقَصَبِ وَالْمَوْزِ وَأَمَّا الْقُطْنُ فَإِنْ كَانَ يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقَاثِي وَالْعُصْفُرِ، وَإِنْ كَانَ يَبْقَى أَصْلُهُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الْعَادِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ. (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْمَوْزُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْمَوْزِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكُلُّ مَا يُجَذُّ وَيَخْلُفُ مِثْلُ الْقَصَبِ وَالْمَوْزِ وَالْقُرْطِ، وَشَبَهِهِ مِنْ الْبُقُولِ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ فِيهِ مَعَانٍ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَنْعِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سَاقٌ كَالشَّجَرِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَلَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ الَّذِي إنَّمَا يُوجَدُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ إذَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا تَصْلُحُ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ مِمَّا تَحِلُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ طَابَ وَبَدَا صَلَاحُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَاقَى صَاحِبُ الْأَصْلِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إيَّاهُ، وَيَجُذَّهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُعْطِيهِ إيَّاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسَاقَاةِ إنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يُجَذَّ النَّخِيلُ إلَى أَنْ يَطِيبَ الثَّمَرُ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ سَاقَى ثَمَرًا فِي أَصْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ بِعَيْنِهَا جَائِزَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخِذَ لَمْ يَبْقَ أَصْلٌ يَخْلُفُ، وَالْمَوْزُ يَبْقَى لَهُ أَصْلٌ، وَهَذَا حُكْمُ مَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْزِ فِي ذَلِكَ كَالْقَصَبِ وَالْقَرَطِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) الْمُغْيِبَةُ كُلُّهَا مِمَّا لَا يُدَّخَرُ فَهُوَ كَالْبَقْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَكَذَلِكَ الرَّيَاحِينُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاةٌ فِي الْبُقُولِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا أَوَّلُهَا كَالْمَوْزِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْمَقَاثِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ نَبَاتٌ وَاحِدٌ يَتَقَارَبُ طِيبُهُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الزَّعْفَرَانُ وَالرَّيْحَانُ وَالْبَقْلُ وَالْقَصَبُ وَالْقَرَطُ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَجَعَلَ قَصَبَ السُّكَّرِ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَرَآهُ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْبَقْلُ مِثْلُ الْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَاللُّفْتِ وَالْبَصَلِ، وَشَبَهِهِ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ إذَا ظَهَرَ مِنْ الْأَرْضِ، وَعَجَزَ صَاحِبُهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدٍّ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الْبِطِّيخِ، وَالْأُصُولِ الْمُغَيَّبَةِ كُلِّهَا عَجَزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا أَوْ لَمْ يَعْجِزْ فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ لَا يُسَاقَى شَيْءٌ مِنْ الْبُقُولِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْكُزْبَرَ وَالْقَطَفَ وَالْخُضَرَ الَّتِي تُؤْكَلُ فَإِنَّ تِلْكَ إذَا اسْتَقَلَّتْ جَازَ بَيْعُهَا، وَإِلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَشَارَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْ وَرِقِهِ دُونَ بَذْرٍ يَكُونُ فِيهِ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا مُسَاقَاةَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْأُصُولِ الْمُغَيَّبَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا أَنْ لَا تَظْهَرَ مِنْ الْأَرْضِ، وَالْمُسَاقَاةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَا كَانَ ظَاهِرًا عَلَى الْأَرْضِ، وَبِذَلِكَ يَخْتَصُّ السَّقْيُ بِالشَّجَرِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الزَّرْعِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ، وَوَجْهُ تَجْوِيزِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ أَصْلٌ، وَلِلْعَمَلِ فِيهِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا، وَتُنَالُ ثَمَرَتُهُ فِيهَا، وَلَا يَبْقَى لَهُ مَا يُجْلَبُ كَالزَّرْعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إذَا ظَهَرَ وَعَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَمَنَعَ مِنْهُ فِي الْوَاضِحَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ كَالزَّرْعِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ مِمَّا يُخْلِفُ أَصْلُهُ كَالْمَوْزِ وَالْقَصَبِ. (ش) : قَوْلُهُ لَا تَحِلُّ الْمُسَاقَاةُ فِي شَيْءٍ تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إذَا طَابَ ثَمَرُهُ وَحَلَّ بَيْعُهُ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُ ثَمَرَتِهِ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِذَا حَلَّ بَيْعُهُ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ فَلَمْ تَجُزْ الْمُسَاقَاةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَعْجِيلُ نَفْعِهِ بِبَيْعِهِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَلِلْأَشْجَارِ أَحْوَالٌ حَالٌ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا ثَمَرَةٌ، وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» فَعَقَدَ مُسَاقَاةً لِأَعْوَامٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ فِي النَّخْلِ حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ أَوْ لَا تَكُونَ فِيهَا ثَمَرَةٌ فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرَةٌ فَقَدْ تَنَاوَلَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مِنْ الْأَعْوَامِ، وَثَمَرَةُ تِلْكَ الْأَعْوَامِ مَعْدُومَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ الْعَامَ بَعْدُ ثَمَرَةٌ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَقْدُ عَامًا إلَّا وَثَمَرَتُهُ مَعْدُومَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَتِلْكَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ دُونَ خِلَافٍ بَيْنَ مَنْ يَجُذُّهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ، وَلَمْ تَجُزْ مُسَاقَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ فِي إزْهَاءِ الثَّمَرَةِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَيُرْجَعُ إلَى الْمُسَاقَاةِ، وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ مَا لَمْ تَفُتْ، وَلَا يَكُونُ إجَارَةً، وَمَعْنَى الْإِجَارَةِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَتَضَمَّنُ أَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الدَّاخِلِ النَّفَقَةَ عَلَى رَقِيقِ الْحَائِطِ، وَجَمِيعَ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ مِنْ الْمُؤَنِ وَالنَّفَقَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا، وَلَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَلَا تَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ لِأَنَّ مَا يُعْطَاهُ الْمُسَاقَى غَيْرُ مَكِيلٍ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ ثَمَرِ حَائِطٍ وَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ بِهِ وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الْمُسَاقَاةَ فِي الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ كَاَلَّذِي يَبْدُو صَلَاحُهُ مِنْ التِّينِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْجَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ سَاقَى حَائِطًا قَدْ أَزْهَتْ ثَمَرَتُهُ لِهَذِهِ السَّنَةِ وَسِنِينَ بَعْدَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُفْسَخُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تُجَدَّ الثَّمَرَةُ أَوْ بَعْدَمَا جَدَّهَا لِأَنَّهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ لَهُ نَفَقَتُهُ الَّتِي أَنْفَقَ، وَعَمَلُ مِثْلِهِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ النَّفَقَةُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَمَا أَنْفَقَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ عَمِلَ فِي النَّخْلِ بَعْدَمَا جَدَّ الثَّمَرَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ السَّنَتَيْنِ كِلَيْهِمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ فِي الْحَائِطِ، وَالنَّخْلُ قَدْ يَنْقُصُ حَمْلُهَا فِي عَامٍ، وَيَزِيدُ فِي آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ السَّنَتَيْنِ ظَلَمَ أَحَدَهُمَا، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي يُرْجَعُ فِيهَا إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ الْعَامِلُ فَإِذَا عَمِلَ لَمْ يُفْسَخْ، وَمَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَيُفْسَخُ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَجَعَلَ الْفَوَاتَ بِابْتِدَاءِ الْعَمَلِ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أُدْرِكَ قَبْلَ مَجِيءِ ثَمَرَةِ قَابِلٍ فُسِخَ، وَأَخَذَ إجَارَةَ مِثْلِهِ وَنَفَقَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى أَتَتْ ثَمَرَةُ قَابِلٍ لَمْ يُفْسَخْ إلَى بَقِيَّةِ السَّنَتَيْنِ فَجَعَلَ الْفَوَاتَ بِظُهُورِ ثَمَرَةِ عَامٍ مِنْ أَعْوَامِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ هَذَا فِي قَوْلِهِ إنَّهُ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الثَّمَرَةِ الْمُزْهِيَةِ، وَتَكُونُ إجَارَةً لِأَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ عَقْدَ إجَارَةٍ، وَعَقْدَ مُسَاقَاةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ ازْدِيَادٌ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا يُجَوِّزُهُ سَحْنُونٌ إذَا انْفَرَدَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْحَائِطِ تَكُونُ فِيهِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ حَلَّ بَيْعُ بَعْضِهَا، وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُ سَائِرِهَا فَجَمَعَ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَزْهَى فِي الْحَائِطِ الْأَقَلَّ جَازَتْ، وَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ فِيهِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ جَمْعُ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا قَدْ أَزْهَى مِنْ الثَّمَرَةِ فَاسِدٌ فَفَسَدَ مَا قَارَبَهُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَاقَى فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وُقُوعَ الْعَقْدِ بَعْدَ جَدِّ الثَّمَرَةِ الَّتِي أَزْهَتْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَعْقِدَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَكُونُ أَوَّلُهُ بَعْدَ الْجِدَادِ لِلثَّمَرَةِ الْمُزْهِيَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ فِي عَامٍ أَوَّلَ الْعَامِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ مَعَ قُرْبِ الْمُدَّةِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ إجَارَةٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ بَدَلَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا تَجُوزُ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّ الْعَقْدَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسَاقِيهِ ثَمَرًا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ إيَّاهُ، وَيَجُدَّهُ لَهُ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسَاقَاةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ، وَلَيْسَ فِي وَقْتِ الْمُسَاقَاةِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمُسَاقَاةُ مَا بَيْنَ أَنْ يُجَدَّ النَّخْلَ إلَى أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُهُ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا تِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي تُثْبِتُ لِمَا انْعَقَدَ فِيهَا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ حُكْمَ الْمُسَاقَاةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتِلْكَ الْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّ مُسَاقَاةَ مَا حَلَّ بَيْعُهُ مِنْ الثِّمَارِ إجَارَةٌ أَنَّ مُسَاقَاتِهِ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تُعْقَدَ فِيهَا الْإِجَارَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ سَاقَى حَائِطًا يَعْمَلُ فِيهِ بِثَمَرَةِ حَائِطٍ آخَرَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَمَرَةُ الْآخَرِ قَدْ أَزْهَتْ فَهِيَ إجَارَةٌ فَإِنْ لَمْ تُزْهِ فَهِيَ مُسَاقَاةٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْمَعْلُومَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَقِلُّ مَرَّةً، وَيَكْثُرُ مَرَّةً، وَرُبَّمَا هَلَكَ رَأْسًا فَيَكُونُ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَدْ تَرَكَ كِرَاءً مَعْلُومًا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِهِ، وَأَخَذَ أَمْرًا غَرَرًا لَا يَدْرِي أَيَتِمُّ أَمْ لَا فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرَ السَّفَرِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ قَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ هَلْ لَك أَنْ أُعْطِيَك عُشْرَ مَا أَرْبَحُ فِي سَفَرِي هَذَا إجَارَةً لَك فَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَلَا يَنْبَغِي قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ، وَلَا أَرْضَهُ وَلَا سَفِينَتَهُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ لَا يَزُولُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا، وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا شَيْءَ فِيهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِمَالِهِ اللَّفْظَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلِإِبْطَالِ الْعَقْدِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنَّمَا مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُسَاقَاةَ مَا أَزْهَى، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إجَارَةً لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ لَا يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا إلَى جِدَادِ الثَّمَرَةِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يُقَاسِمَهُ، وَلَا يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِهِ إلَّا عِنْدَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ الْجِدَادِ، وَهُوَ فِي الْإِجَارَةِ لَوْ شَرَطَ هَذَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِبَعْضِهِ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقَاسِمَ، وَيَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِهِ مَا شَاءَ فَإِنْ اُعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي بَيْعِ أَحَدِ الْمُسَاقِيَيْنِ لِسَهْمِهِ فَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ، وَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَدِّ فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ وَقَعَتْ عَلَى التَّقِيَّةِ فَلَمَّا احْتَاجَ إلَى الْبَيْعِ، وَاسْتَضَرَّ بِمَنْعِهِ سُومِحَ بِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ. (ش) : قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسَاقَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا يُرِيدُ أَنَّ مَا حَلَّ بَيْعُهُ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لَا يَحِلُّ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ نَمَائِهِ الْخَارِجِ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ لَا تَجُوزُ مُسَاقَاةُ الْأَرْضِ الَّتِي يَجُوزُ كِرَاؤُهَا لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا وَهِيَ الثَّمَرَةُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ تُكْرَى لِغَيْرِ مَنْفَعَتِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْشُرَ عَلَيْهَا ثِيَابًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ يَحِلُّ لِصَاحِبِهَا كِرَاؤُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَثْمَانِ يُرِيدُ، وَمَا أَشْبَهَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ كِرَاؤُهَا بِكَثِيرٍ مِمَّا يُعَاوَضُ بِهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يُعْطِي أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ رُبْعِهِ يَدْخُلُهُ الْغَرَرُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ الْبَيْضَاءَ بِجُزْءٍ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الرُّبْعَ لَا يَدْرُونَ قَدْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقِلُّ مَرَّةً، وَرُبَّمَا تَلِفَ جَمِيعُهُ، وَيَكْثُرُ أُخْرَى، وَالْكِرَاءُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لَا سِيَّمَا فِيمَنْ تُمْكِنُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ لِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى مَنَافِعِ الثِّمَارِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِثُلُثِ مَا يَرْبَحُ فِي سَفَرِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِئْجَارِهِ بِإِجَارَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ «كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالنِّصْفِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا عِوَضٌ فِي الْإِجَارَةِ مَجْهُولٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا كَالْجُزْءِ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُخَابَرَةُ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْجُزْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْخَبَرُ حَرْثُ الْأَرْضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِطَعَامٍ مُقَدَّرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ عَمِّهِ «ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا قُلْت مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ قُلْتُ نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبْعِ، وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ قَالَ لَا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا وَأَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا قَالَ رَافِعٌ قُلْت سَمْعًا وَطَاعَةً» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ هُوَ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ الَّتِي اُكْتُرِيَتْ لَهَا، وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ الطَّعَامُ الْخَارِجُ فَإِذَا اكْتَرَاهَا مِنْهُ بِطَعَامٍ فَهُوَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ غَيْرِ مَقْبُوضٍ، وَلَا مُقَدَّرٍ. (مَسْأَلَةٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي اكْتَرَى بِهِ الْأَرْضَ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ كَالْحَبِّ وَالتَّمْرِ أَوْ مِمَّا لَا تَنْبُتُهُ كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يُكْرَى بِشَيْءٍ إذَا أُعِيدَ فِيهَا نَبَتَ، وَتُكْرَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا تُنْبِتُ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَغَيْرُهُ لَا تُكْرَى بِالْحِنْطَةِ، وَأَخَوَاتِهَا وَتُكْرَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَطْعُومٍ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَرِهَ مَالِكٌ اكْتِرَاءَهَا بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ مُؤَجَّلٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرْضًا لَا تُنْبِتُ ذَلِكَ الشَّيْءَ كَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ فِي أَرْضٍ لَا تُنْبِتُهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَجْهُ كَرَاهِيَتِهِ عِنْدِي مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ» ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» ، وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا طَعَامٌ فَلَمْ يَجُزْ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِهِ كَالْقَمْحِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ فَجَازَ أَنْ تُكْرَى بِهِ كَالْحَطَبِ وَالْجُذُوعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ إنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُكْرَى بِهِ الْأَرْضُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ النَّبَاتِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَالْكَتَّانِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَشِيشِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِالْخَضِرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ مِنْ الْكَلَأِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُزْرَعُ، وَلَا مِنْ الطَّعَامِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مِمَّا تَنْبُتُهُ الْأَرْضُ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُكْرَى بِهِ كَالْقَمْحِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِئَلَّا يُعْطِيَك مِمَّا تُنْبِتُ أَرْضُك أَوْ يَدْخُلَهُ الْجُزَافُ الْمَجْهُولُ بَيْنَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَمَا تُنْبِتُهُ أَرْضُك فَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تُنْبِتُ ذَلِكَ الْجِنْسَ فَقَدْ أَمِنْت ذَلِكَ كُلَّهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْكَتَّانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالثِّيَابِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ عَنْ جِنْسِ الْأَصْلِ فَلَيْسَ هُوَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا بَأْسَ أَنْ تُكْرَى بِالْجُذُوعِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ وَالْعُودِ، وَبِأَصْلِ شَجَرٍ لَا يُثْمِرُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَاهَا بِأَرْضٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا أَجَازَهُ بِالْخَشَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي يُزْرَعُ، وَهَذَا الَّذِي يَنْتَقِضُ بِالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ فَإِنَّهُ لَا يُزْرَعُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِهِمَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَلَا أَرْضَهُ، وَلَا سَفِينَتَهُ إلَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ يُرِيدُ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ حَزْرٍ إنْ كَانَ قَرِيبًا غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالذِّمَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ يُكْرِي أَرْضَهُ بِجُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ فَإِنَّ مَا تُخْرِجُهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الصِّفَةِ، وَلَا الْقَدْرِ، وَلَا مَرْئِيٌّ يُنْظَرُ إلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ يُكْرِيهَا يُرِيدُ أَنَّ النَّخْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مَنْفَعَتَهَا الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا، وَهِيَ الثَّمَرَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَإِذَا بَدَا، وَجَازَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ، وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا أَنَّهَا تُسَاقَى السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَكْثَرَ قَالَ، وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْت، وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنْ السِّنِينَ مِثْلُ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ لَمَّا جَازَ أَنْ تُبَاعَ مَنْفَعَتُهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا، وَهِيَ الزِّرَاعَةُ فِيهَا، وَاكْتِرَاؤُهَا لِلزَّرْعِ قَبْلَ الصَّلَاحِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَاقَاةُ فِيهَا. (ش) : قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ عَقْدٌ لَازِمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَقْدٌ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ بَعْدَ عَقْدِهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَكَانَ، وَرَثَتُهُ مَكَانَهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا انْعَقَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رُجُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ، وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْجِدَادِ لَبَطَلَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَلَيْسَ كَالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ فِي عَيْنِ السَّقْيِ تَغُورُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يُنْفِقَ، وَيَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ رَهْنًا بِيَدِهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَامِلِ يَنْدَمُ فَيَسْأَلُ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَيَأْبَى صَاحِبُ الْحَائِطِ أَنْ يُقِيلَهُ فَيُعْطِيَهُ عَلَى ذَلِكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي اللُّزُومَ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ قَبْلَ الْعَمَلِ لَمَا لَحِقَهُ نَدَمٌ، وَلَا سَأَلَ إقَالَةً، وَلَا زَادَ لِذَلِكَ مِائَةً، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِلْعَمَلِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُسَاقَاةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إذَا عَقَدَاهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا حَتَّى يُتِمَّ أَجَلَهَا. (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ جَازَ أَنْ يُعْقَدَ لَوْ جَائِب عِنْدَهُ كَاكْتِرَاءِ الْأَرْضِ، وَمَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ إلَّا عَقْدًا مُطْلَقًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَجَائِبُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ. (مَسْأَلَةٌ) وَوَجَائِبُهُ بِالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُجْرَةَ الْعَامِلِ لَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي يَعْمَلُ فِي أَصْلِهَا بِجُزْءٍ مِنْهَا فَكَانَ الْعَمَلُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ قِسْمَتُهَا كَرِبْحِ الْقِرَاضِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالسِّنِينَ يُرِيدُ مِنْ الْجِدَادِ إلَى الْجِدَادِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ إنَّ النَّخْلَ يَجُوزُ أَنْ يُسَاقَى لِسَنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَكْثَرَ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ جِدًّا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَشْرِ سِنِينَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسِينَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَمَا لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا فَلَا بَأْسَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ أَخَذَ النَّخْلَ مُسَاقَاةً ثَلَاثَ سِنِينَ فَعَمِلَ فِي النَّخْلِ سَنَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُتِمَّ أَجَلَ الْمُسَاقَاةِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا قَبْلَ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يَتَتَارَكَا بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْعَامِلُ شَيْئًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ النَّخْلَ إلَى غَيْرِهِ مُسَاقَاةً فَإِذَا رَدَّهَا إلَى رَبِّهَا فَقَدْ سَاقَاهُ فِيهَا، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يَزِيدَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَكُونُ زِيَادَةً مِنْ أَحَدِ الْمُسَاقِيَيْنِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لَهُ اُخْرُجْ، وَأُعْطِيكَ قِيمَةَ مَا أَنْفَقْتَ وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْمُسَاقَاةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْعَامِلُ النَّخْلَ مُسَاقَاةً إلَى رَبِّ الْحَائِطِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَخَذَهُ مَا لَمْ تَطِبْ الثَّمَرَةُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَمَا لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْجُزْءَ الْبَاقِيَ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ حَتَّى يَحْتَاجَ الْعَامِلُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ حَائِطٍ آخَرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ فَهِيَ مُسَاقَاةٌ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ لَمَّا عَمِلَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ فَيَبْقَى لِلْعَامِلِ فِي الْحَائِطِ سُدُسٌ أَوْ رُبْعٌ كَمَا يَبْقَى لِصَاحِبِ الْحَائِطِ إذَا سَاقَى غَيْرَهُ فَإِذَا سَاقَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَاقِي إنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي سَاقَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَا وَرِقٍ يَزْدَادُهُ وَلَا طَعَامٍ، وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقِيَ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا يَزِيدُهُ إيَّاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا تَصْلُحُ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُقَارِضُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يَصْلُحُ، إذَا دَخَلَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوْ الْمُقَارَضَةِ صَارَتْ إجَارَةً، وَمَا دَخَلَتْهُ الْإِجَارَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ بِأَمْرِ غَرَرٍ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ أَوْ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْجُزْءِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِلْعَامِلِ جُزْءًا زَائِدًا مِنْ حَائِطٍ آخَرَ عَلَى جَمِيعِ ثَمَرِ حَائِطِ الْمُسَاقِي، وَرَوَى ابْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَعْمَلْ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ عَمِلَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ سَارِقٌ مُبَرِّحٌ يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يَقْطَعَ النَّخْلَ، وَيَذْهَبَ بِالثَّمَرَةِ أَوْ يُخَرِّبَ الدَّارَ، وَيَبِيعَ أَبْوَابَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ مِنْ رَجُلٍ مُفْلِسٍ، وَالْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ بِفَلَسِهِ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمُسَاقِيَ شَرِيكٌ فِي أَصْلِ الثَّمَرَةِ، وَالشَّرِيكُ لَا يَسْتَطِيعُ شَرِيكُهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ لِمَا يَظْهَرُ فِيهِ مِنْ خِيَانَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَا تَنْفَسِخُ الْمُسَاقَاةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَسَاقِيَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ عَمِلَ وَرَثَتُهُ إنْ كَانُوا أُمَنَاءَ كَمَا كَانَ صَاحِبُهُمْ يَعْمَلُ فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ كَانَ مَالُ الْمَيِّتِ لَازِمًا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ أُمَنَاءَ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِمْ، وَيَأْتُونَ بِأَمِينٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْعَامِلِ سَرِقَةٌ أَوْ إغَارَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ تَعَلَّقَتْ الْمُسَاقَاةُ بِذِمَّتِهِ وَمَالِهِ، وَلَزِمَتْهُ أَكْثَرَ مِنْ لُزُومِهَا لِلْوَرَثَةِ فَلَوْ اطَّلَعَ فِي النَّخْلِ عَلَى قِلَّةِ حَمْلٍ وَضَعْفٍ لَزِمَتْهُ الْمُسَاقَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا اُطُّلِعَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ، وَالْوَرَثَةُ لَا تَتَعَلَّقُ الْمُسَاقَاةُ بِأَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إنْ كَرِهُوهَا، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُلْزَمْ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِسَرِقَتِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ أُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا جَائِحَةَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَخْرُجَ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ، وَرَوَى عَنْهُ سَعْدٌ إنْ بَلَغَتْ الْجَائِحَةُ الثُّلُثَ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَسْقِيَ الْحَائِطَ كُلَّهُ أَوْ يَخْرُجَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ عِلَاجِهِ وَنَفَقَتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فَلَمْ يُفْسَخْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بِالْجَائِحَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَمَلَهُ عِوَضٌ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ فَإِذَا أُجِيحَتْ كَانَ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجَائِحَةُ شَائِعَةً فِي الْحَائِطِ فَأَمَّا إذَا أُجِيحَتْ جِهَةٌ، وَسَلِمَتْ أُخْرَى فَيَلْزَمُ الْمُسَاقَاةُ فِيمَا سَلِمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ أَخْذِ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ قَالَهُ مُحَمَّدٌ. (ش) : قَوْلُهُ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الَّذِي سَاقَاهُ يَعْنِي الْعَامِلَ شَيْئًا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَا وَرِقٍ، وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ يَزْدَادُهُ يُرِيدُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ شَيْئًا يَزْدَادُهُ غَيْرَ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ يُرِيدُ مِمَّا نَقَصَهُ خَارِجًا عَنْ الْعَمَلِ فِي الْحَائِطِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي الْحَائِطِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ فِيهِ عِوَضٌ عَنْ الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلثَّمَرَةِ عِوَضٌ غَيْرُ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَقَبْلَ ظُهُورِهَا، وَلَا يَزْدَادُ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَ الْمُسَاقَاةَ بَيْعٌ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ شَيْئًا لَكَانَ ذَلِكَ عِوَضًا مِنْ بَيْعِ عَمَلِهِ فَاجْتَمَعَ عَقْدُ مُسَاقَاةٍ وَبَيْعٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ عَقَدَا مُسَاقَاةً عَلَى جُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فِيهِ أَشْهُرًا فَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا سَقَى لَمْ يُصْلَحْ، وَإِنْ كَانَ مُلْغًى فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَيَدْخُلُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ازْدِيَادِ صَاحِبِ الْحَائِطِ مِنْ الْعَامِلِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ أَوْ الْكَرْمُ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ فَتَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَكُونُ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَائِطِ سَقَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ سَقْيِهِ فَقَدْ بَاعَهُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَإِنْ أَلْغَاهُ فَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَاقَى مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَزْدَادُ صَاحِبُ الْحَائِطِ مِنْ الْعَامِلِ شَيْئًا كَذَلِكَ لَا يَزْدَادُ الْعَامِلُ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَنْعَقِدُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عِوَضٌ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَزْدَادَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأُجْرَةِ مِمَّا لَا يَلْزَمُهُ بِعَقْدِ الْمُسَاقَاةِ يَسِيرُ الْعَمَلِ فِي الثَّمَرَةِ فَأَمَّا مَا ازْدَادَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ لِأَنَّ ازْدِيَادَ صَاحِبِ الْحَائِطِ مِنْ الْعَمَلِ يُخْرِجُهُ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَازْدِيَادُ الْعَامِلِ مِنْ صَاحِبِ الْحَائِطِ يُخْرِجُهُ إلَى أَنْ يُقَارِنَ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ عَقْدُ إجَارَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِتُنَافِيهِمَا، وَلَوْ جَازَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْأَشْجَارِ لَمَا جَازَتْ فِيهَا الْمُسَاقَاةُ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ يُنَافِيهَا الْغَرَرُ وَالْمُسَاقَاةُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِيمَا فِيهِ الْغَرَرُ فَلَمْ يَجُزْ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْإِجَارَةِ وَالْجُعْلِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الْبَيَاضَ مَعَ النَّخْلِ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ تَبَعًا لِلنَّخْلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ مِنْ الْجُمْلَةِ وَالنَّخْلُ ثُلُثَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلنَّخْلِ فَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّخْلِ يَكُونُ تَبَعًا لِلْبَيَاضِ فِي الْكِرَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ الثُّلُثَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا إنْ قَصُرَ عَلَى الثُّلُثِ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا قَوْلًا وَاحِدًا أَوْ مَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا الثُّلُثُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَمَرَّةً جَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَكُونُ تَبَعًا، وَمَرَّةً جَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يَكُونُ تَبَعًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ جَعَلَ الثُّلُثَ فِيهِ حَدًّا بَيْنَ مَا يَجُوزُ، وَبَيْنَ مَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ وَهِبَةِ الزَّوْجَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَحُكْمُ مَا لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ مَعَ مَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِيهِ حُكْمُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مَعَ النَّخْلِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُسَاقَى الْحَائِطُ، وَفِيهِ مِنْ الْمَوْزِ مَا فِيهِ تَبَعٌ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى سِقَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُلْغَى لِأَحَدِهِمَا. (فَرْعٌ) وَفِيمَا يُرَاعَى الثُّلُثُ مِنْ الْبَيَاضِ الظَّاهِرُ مِنْ أَقْوَالِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُلْغَى، وَفِيمَا شُرِطَ عَلَى حُكْمِ الْمُسَاقَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنَّمَا يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ كُلِّهَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا فَأَمَّا إذَا أُلْغِيَ فَإِنَّمَا يُرَاعَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِحِصَّةِ الْعَامِلِ خَاصَّةً وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ أَنَّ مَا صَارَ لِلْعَامِلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْحِصَّةِ إذَا لَمْ يُلْغَ. (مَسْأَلَةٌ) وَصِفَةُ اعْتِبَارِ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَإِلَى غَلَّةِ النَّخْلِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهَا، وَيَسْقُطُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ الْإِنْفَاقِ عَلَى الثَّمَرَةِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أُضِيفَتْ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ كِرَاءَ الْأَرْضِ تَبَعٌ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى ثَمَانِيَةٍ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْجُمْلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ إلْغَاؤُهُ لِلْعَامِلِ فَهَذَا إنْ عَمِلَ الْعَامِلُ حَتَّى تَكْمُلَ الْمُسَاقَاةُ فَهُوَ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أُلْغِيَ لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْحَائِطِ بِجَائِحَةٍ أَصَابَتْهُ، وَقَدْ زَرَعَ الْعَامِلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَشْرَسَ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْبَيَاضِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ عَمَلِ الْحَائِطِ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِكِرَاءِ مِثْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ فِيهَا نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ فَكَانَ الْأَصْلُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ، وَالْبَيَاضُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ فِي ذَلِكَ الْكِرَاءُ، وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَصْلَ، وَفِيهِ الْبَيَاضُ، وَتُكْرَى الْأَرْضُ، وَفِيهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ يُبَاعُ الْمُصْحَفُ أَوْ السَّيْفُ، وَفِيهِمَا الْحِلْيَةُ مِنْ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ أَوْ الْقِلَادَةُ أَوْ الْخَاتَمُ فِيهِمَا الْفُصُوصُ، وَالذَّهَبُ بِالدَّنَانِيرِ، وَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الْبُيُوعُ جَائِزَةً يَتَبَايَعُهَا النَّاسُ، وَيَبْتَاعُونَهَا، وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إذَا هُوَ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي عَمِلَ بِهِ النَّاسُ، وَأَجَازُوهُ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ تَبَعًا لِمَا هُوَ فِيهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّصْلُ أَوْ الْمُصْحَفُ أَوْ الْفُصُوصُ قِيمَتُهُ الثُّلُثَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَالْحِلْيَةُ قِيمَتُهَا الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى سِقَاءِ الْحَائِطِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَقَالَ أَصْبَغُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى النِّصْفِ، وَشَرَطَ لِلْعَامِلِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْبَيَاضِ جَازَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا انْعَقَدَتْ بِجُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ يَجُزْ كَالْحَائِطَيْنِ أَوْ بَعْضِ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَمِيعُ الْبَيَاضِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِجُزْءِ الْمُسَاقَاةِ فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ جُزْءًا أَكْثَرَ مِنْ جُزْأَيْهِ فِي الْمُسَاقَاةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ أَخَذَ زَرْعًا مُسَاقًى قَدْ عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَمَعَهُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ تَبَعًا لِلزَّرْعِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْبَيَاضِ مَعَ الْأُصُولِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ تَصِحُّ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ كَاَلَّذِي مَعَ النَّخْلِ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ سَاقَى زَرْعًا عَجَزَ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَفِيهِ نَخْلٌ تَبَعٌ لِلزَّرْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَاقِيَ ذَلِكَ مُسَاقَاةً وَاحِدَةً قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّرْعُ تَبَعًا لِلنَّخْلِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ أَنْ يَجْمَعَ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ فِي الْمُسَاقَاةِ فَإِذَا كَانَتْ النَّخْلُ تَبَعًا لِلزَّرْعِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَعْجِزَ صَاحِبُ الزَّرْعِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ الزَّرْعُ تَبَعًا لِلنَّخْلِ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ الزَّرْعِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَلْ يَجُوزُ إلْغَاءُ النَّخْلِ الَّتِي هِيَ تَبَعٌ لِلزَّرْعِ لِلْعَامِلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُ بِخِلَافِ الْبَيَاضِ مَعَ النَّخْلِ، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ ذَلِكَ لِلْعَامِلِ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ لِلشَّجَرِ كَأَصْنَافٍ مِنْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْغَى صِنْفٌ مِنْهَا لِلْعَامِلِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُلْغَى لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ، وَإِذَا كَانَ تَبَعًا كَمُكْتَرِي الدَّارِ فِيهَا نَخْلٌ هِيَ تَبَعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ تُلْغَى الْمُؤَنُ لِلْعَامِلِ إذَا كَانَتْ تَبَعًا لِلْحَائِطِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ يَكُونُ فِيهَا يَسِيرُ النَّخْلِ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْكِرَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ جَوَازُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ ثَمَرَةُ النَّخْلِ الثُّلُثَ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْيَسِيرِ، وَأَبَى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الثُّلُثَ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي يَسِيرِ الْغَلَّةِ مَعَ الْأَرْضِ فِي الْكِرَاءِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْيَسِيرِ فَمَرَّةً يَجْعَلُ الثُّلُثَ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ، وَمَرَّةً يَجْعَلُهُ أَوَّلَ الْكَثِيرِ، وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَحَرُمَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا تَحْرُمُ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ الْبَيَاضِ وَالنَّخْلِ وَأَمَّا إذَا أُفْرِدَتْ النَّخْلَ بِالْمُسَاقَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْكِرَاءِ، وَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ الْمُسَاقَاةَ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُسَاقُوا الْأَرْضَ، وَفِيهَا الْبَيَاضُ وَتُكْتَرَى الْأَرْضُ، وَفِيهَا الْيَسِيرُ مِنْ الْأَصْلِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ شَائِعٌ دُونَ نَكِيرٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إلَيْهِ عَامَّةٌ لِتَعَذُّرِ انْفِصَالِ الْأَرْضِ مِنْ الشَّجَرِ، وَالشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ غَالِبًا، وَحَاجَةُ النَّاسِ إلَى الِاسْتِنَابَةِ فِي عَمَلِهَا فَمَا جَازَتْ إجَارَتُهُ كَانَتْ

[الشرط في الرقيق في المساقاة]

(الشَّرْطُ فِي الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي عَمَلِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةُ يَشْتَرِطُهُمْ الْمُسَاقَى عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عُمَّالُ الْمَالِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ لِلدَّاخِلِ إلَّا أَنَّهُ تَخِفُّ عَنْهُ بِهِمْ الْمُؤْنَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الْمَالِ اشْتَدَّتْ مُؤْنَتُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاقَاةِ فِي الْعَيْنِ، وَالنَّضْحِ وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقِي فِي أَرْضَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِ، وَالْمَنْفَعَةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنٍ وَاثِنَةٍ غَزِيرَةٍ، وَالْأُخْرَى بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِخِفَّةِ مُؤْنَةِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ مُؤْنَةِ النَّضْحِ، قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ وَالْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْيَسِيرُ مِمَّا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِجَارَةُ، وَمَا جَازَتْ مُسَاقَاتُهُ كَانَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْيَسِيرُ مِمَّا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إذَا هُوَ بَلَغَهُ كَانَ حَرَامًا أَوْ قَصُرَ عَنْهُ كَانَ حَلَالًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ حَدٌّ يُبَيِّنُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا هَذَا التَّحْدِيدُ بِاجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ فِي جَعْلِهِمْ الثُّلُثَ فِي حَيِّزِ التَّبَعِ لِلثُّلُثَيْنِ أَوْ فِي حَيِّزِ مَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فِيهَا نَخْلٌ ثَمَرَتُهَا تَبَعٌ لِكِرَاءِ الدَّارِ فَتَهَدَّمَتْ الدَّارُ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ طَابَتْ، وَكَانَتْ تَبَعًا لِمَا سُكِنَ فَهُوَ لِلْمُكْتَرِي، وَعَلَيْهِ ثُلُثَا الْكِرَاءِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَطِبْ فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ عَلَى الْمُكْتَرِي ثُلُثُ الْكِرَاءِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَابَتْ الثَّمَرَةُ، وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِمَا سُكِنَ فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ، وَقَدْ فَسَدَ فِيهَا الْبَيْعُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ الثَّمَرَةُ رَاجِعَةٌ إلَى صَاحِبِهَا طَابَتْ أَوْ لَمْ تَطِبْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا إذَا طَابَتْ، وَكَانَتْ تَبَعًا لِمَا سُكِنَ فَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَسْخُ مِنْ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ بِمَا صَحَّ مِنْ الْكِرَاءِ لَجَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الثَّمَرَةَ قَدْ تَبِعَتْ مَا فُسِخَ مِنْ التَّبَايُعِ كَمَا تَبِعَتْ مَا جَازَ مِنْهُ فَلَمَّا فُسِخَ مَا هِيَ تَبَعٌ لَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ، وَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهَا لِذَلِكَ فَسَدَ جَمِيعُهَا. [الشَّرْطُ فِي الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي عَمَلِ الرَّقِيقِ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَهُمْ الْعَامِلُ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ يُرِيدُ الرَّقِيقَ الَّذِينَ كَانُوا عُمَّالَ الْحَائِطِ وَقْتَ الْمُسَاقَاةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ إخْرَاجَهُمْ إذَا كَانُوا فِيهِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ وَلَكِنْ لَوْ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ دَفَعَ الْحَائِطَ مُسَاقَاةً لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْعَامِلِ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ رَفْعِ الْإِلْبَاسِ عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا يَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ سَنَةً إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ الْغَنَمَ إنْ مَاتَتْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى لَهُ مِثْلَهَا وَهَذَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَكَانَ هَذَا حُكْمُهُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ إقْرَارِ رَبِّ الْحَائِطِ لَهُ بِأَنَّهُمْ فِي حَائِطِهِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعَامِلِ يَجْهَلُ فَلَا يَسْتَثْنِي مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ دَوَابَّ وَرَقِيقٍ وَيَقُولُ صَاحِبُ الْحَائِطِ إنَّمَا سَاقَيْتُك بِغَيْرِ دَوَابَّ وَلَا رَقِيقٍ إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ هَذَا، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إخْرَاجُ دَوَابِّهِ فَقَدْ صَارَ مُدَّعِيًا لِمَا لَا يَجُوزُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَجْهَلَ الْعَامِلُ فَلَا يُقِرُّ صَاحِبُ الْحَائِطِ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ وَلَا يُشْهِدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ فِي الْحَائِطِ وَأَنَّهُمْ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لَمْ يَكُونُوا فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ كَانُوا فِيهِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ رِوَايَةَ عِيسَى عَنْ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إلَّا أَنْ يُمْضِيَ رَبُّ الْحَائِطِ الرَّقِيقَ فَتَلْزَمُ الْمُسَاقَاةُ إلَى أَجَلِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى حَسَبِ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِطْلَاقِ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ: فِي الْمُزَنِيَّة لَا يَكُونُ الرَّقِيقُ، وَالدَّوَابُّ لِلْعَامِلِ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَالْعَقْدُ لَازِمٌ صَحِيحٌ وَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الْأُجَرَاءِ، وَالدَّوَابِّ، وَالدِّلَاءِ، وَالْحِبَالِ، وَالْأَدَاةِ مِنْ حَدِيدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ يَوْمَ السِّقَاءِ يَسْتَعِينُ بِهِ الْعَامِلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ إنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ لَمْ يَجُزْ، وَاحْتَجَّ عِيسَى لِقَوْلِهِ بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَقُولَ لَوْ اشْتَرَطْتُمْ عَلَى مَا سَاقَيْتُك إلَّا عَلَى أَقَلَّ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى إخْرَاجِ الرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ احْتَجَّ لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَ إخْرَاجَهُمْ فَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ إخْرَاجَ مَنْ فِيهِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة لَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ قَدْ كَانَ يَقُولُهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَأَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْعَقْدِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ قَدْ شَرَطَ إخْرَاجَهُمْ لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ إمَّا أَنْ يُوَافِقَهُ الْعَامِلُ عَلَى ذَلِكَ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَيُرَدُّ بَعْدَ الْعَمَلِ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَإِمَّا أَنْ يُنْكِرَ الْعَامِلُ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ قَدْ شَرَطَ إبْقَاءَهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْعَامِلُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ أَنْكَرَ الشَّرْطَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَصَاحِبُ الْحَائِطِ يَدَّعِي الْفَسَادَ وَلَوْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْحَائِطِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا وَادَّعَى أَنَّهُ اعْتَقَدَ إخْرَاجَهُمْ لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا ادَّعَاهُ وَكَانُوا لِلْعَامِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ فِي الْحَائِطِ أُجَرَاءُ فَأُجْرَتُهُمْ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِطَ إنَّمَا أَخَذَهُ الْعَامِلُ مُسَاقَاةً عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا حِينَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ بِعَمَلِ الْعُمَّالِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْأُجَرَاءِ، وَالدَّوَابِّ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ حَائِطَهُ مُسَاقَاةً وَيَسْتَثْنِي مَاءَهُ الَّذِي يُسْقَى بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْأُجَرَاءِ، وَالدَّوَابِّ مِمَّنْ هُوَ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ فَعَلَيْهِ خَلَفُ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَقَاءَهُمْ فِي الْحَائِطِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ وَقْتٌ مِنْ أَوْقَاتِ الْمُسَاقَاةِ مِنْهُمْ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمْ إلَّا مَعَ بَقَائِهِمْ فَإِنْ عُدِمُوا لَزِمَ صَاحِبَ الْحَائِطِ الْإِتْيَانُ بِعِوَضِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ يُعِينُهُ عَلَى الْخِدْمَةِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى عَمَلٍ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَكِنْ تَعَيَّنَ لِهَؤُلَاءِ الْأُجَرَاءِ، وَالْعُمَّالِ، وَالدَّوَابِّ بِالتَّسْلِيمِ، وَالْيَدِ كَاَلَّذِي يَكْتَرِي رَاحِلَةً مَضْمُونَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ إحْدَى رَوَاحِلِهِ إلَى الرَّاكِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا. وَالثَّانِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الرَّقِيقُ، وَالدَّوَابُّ بِالْعَقْدِ وَيَكُونَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ خَلَفُ ذَلِكَ إنْ تَلِفَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الرَّقِيقِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ ثَابِتٌ بِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الْعِوَضُ فِيهِمْ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ مُسْتَأْجَرًا لِجَمِيعِ الْعَامِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا لِبَعْضِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْهُ مَنْ يُتِمُّ الْعَامَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَتِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْعَقْدِ لِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ فِي الْحَائِطِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ أَوْ بِمَعْنَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اسْتَعْمَلَ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الْحِبَالِ، وَالدِّلَاءِ، وَالْآلَةِ حَتَّى خَلِقَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَعَلَى الْعَامِلِ خَلَفُ ذَلِكَ وَلَوْ سُرِقَ ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ خَلَفُهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ لِتِلْكَ، وَقَدْ رَأَيْته لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ شُيُوخِنَا، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ خَلَفَ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَنَفَقَةُ الْأُجَرَاءِ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ عَلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْمَالِ فِي غَيْرِهِ وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَامِلِ دُونَ صَاحِبِ الْحَائِطِ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُجْرَةَ مَعْنًى لَزِمَ رَبَّ الْحَائِطِ قَبْلَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَكَذَلِكَ أَثْمَانُ الدَّوَابِّ، وَالرَّقِيقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهَا مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَبِهِ يَتِمُّ الْعَمَلُ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَمَلِ الطَّارِئِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَرَطَ النَّفَقَةَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحَةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ الطَّارِئَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْعَامِلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمْ عُمَّالُ الْمَالِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمْ لِلدَّاخِلِ إلَّا بِخَفِيفِ الْعَمَلِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا عُمَّالَ الْمَالِ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى حِينِ الْعَقْدِ فَظُهُورُ الْمَالِ وَقُوَّتُهُ وَكَثْرَةُ عِمَارَتِهِ إنَّمَا كَانَ بِعَمَلِهِمْ وَلَهُمْ فِيهِ تَأْثِيرٌ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ الْحَائِطِ وَنَمَاؤُهُ فَلَا يَجُوزُ لِذَلِكَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ السَّقْيِ وَسَائِرِ مَا يَتَّصِلُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ تَخْتَلِفُ بِمَا أَثَّرَهُ الْعَامِلُ فِي الْحَوَائِطِ فَإِذَا قَوِيَ الْحَائِطُ بِالْعَمَلِ وَضَعُفَ بِقِلَّتِهِ كَمَا يَقْوَى بِالسَّقْيِ وَيَضْعُفُ بِعَدَمِهِ وَتَخْتَلِفُ رَغْبَةُ الْعَامِلِ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ الرَّقِيقِ كَمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْسَاكُ بِالْمَاءِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ، وَالدَّوَابُّ فِي الْحَائِطِ حِينَ الْمُسَاقَاةِ وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَصَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى اسْتِمْسَاكِ صَاحِبِ الْحَائِطِ لَهُمْ وَمَتَى يَكُونُ إخْرَاجُهُمْ يُبِيحُ الِاسْتِمْسَاكَ لَهُمْ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا مُحَرَّرًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَنْ تَجِدَ أَحَدًا يُسَاقِي فِي أَرْضَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِ، وَالْمَنْفَعَةِ أَحَدُهُمَا بِعَيْنٍ وَاثِنَةٍ غَزِيرَةٍ، وَالْأُخْرَى بِنَضْحٍ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّ الْأَرْضَيْنِ إذَا تَسَاوَتَا فِي طِيبِ الْأَرْضِ وَقُوَّةِ النَّخْلِ وَكَثْرَةِ غَلَّتِهِمَا إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا لِسَقْيِهَا نَضْحٌ مَأْمُونٌ غَزِيرٌ لَا يُتَكَلَّفُ عَمَلٌ فِي إخْرَاجِهِ، وَالسَّقْيِ بِهِ، وَالثَّانِيَةُ سَقْيُهَا نَضْحٌ يَتَكَلَّفُ فِيهِ الْمُؤْنَةَ يَأْخُذُهُمَا نَسَقًا وَاحِدًا فِي عَقْدَيْنِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا لِمَكَانِ الْآخَرِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِخِفَّةِ الْعَمَلِ وَشِدَّتِهِ تَأْثِيرًا مَقْصُودًا فِي الْمُسَاقَاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلًا لِصَاحِبِ الْحَائِطِ يَعْمَلُهُ الْعَامِلُ فِي غَيْرِ الْحَائِطِ وَفِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ اشْتِرَاطُ كَثِيرِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ لَوْ عَمِلَ فِي الْحَائِطِ أَقَلَّ السَّنَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا ثُمَّ سَاقَاهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْعَامِلُ قِيمَةَ مَا عَمِلَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَاشْتِرَاطُ الْعُمَّالِ الَّذِينَ فِي الْحَائِطِ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ قِيمَةِ مَا عَمِلَ فِيهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الْوَاثِنَةُ الثَّابِتُ مَاؤُهَا الَّتِي لَا تَغُورُ وَلَا تَنْقَطِعُ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ يَحْيَى وَغَيْرِهِ الْوَاتِنَةُ بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بِنُقْطَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبَيْنِ الْوَاتِنُ الدَّائِمُ، وَفِي الْحَدِيثِ أَمَّا تَيْمَاءُ فَعَيْنٌ جَارِيَةٌ وَأَمَّا خَيْبَرُ فَمَاءٌ وَاتِنٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَاثِنًا بِالثَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بِثَلَاثِ نُقَطٍ، وَحَكَى صَاحِبُ الْعَيْنِ الْوَاثِنُ الْمُقِيمُ بِالثَّاءِ بِثَلَاثِ نُقَطٍ وَلَمْ يَذْكُرْ وَاتِنًا بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ بِنُقْطَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الرِّوَايَتَانِ وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ وَانِيَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّفْسِيرَ. (ش) : قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُسَاقَى أَنْ يَعْمَلَ بِعُمَّالِ الْحَائِطِ فِي غَيْرِهِ يُرِيدُ مَنْ وُجِدَ فِي الْحَائِطِ مِنْ الرَّقِيقِ فَاشْتَرَطَهُمْ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ وَجَبَ لَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحَائِطِ يُرِيدُ مِنْ حَوَائِطِهِ الَّتِي يَمْلِكُهَا أَوْ حَائِطِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ اتَّخَذَهَا مُسَاقَاةً أَوْ عَمِلَ فِيهَا بِأُجْرَةٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّقِيقُ لِلْعَامِلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ حَيْثُ شَاءَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِمْ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْحَائِطِ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَعْمَلَ مَنْ شَاءَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي سَاقَاهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ فَعَلَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَلَا يَتَغَيَّرُ شَيْءٌ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ زَادَ فِي الْوَاضِحَةِ وَيُفْسِدُ هَذَا الشَّرْطُ الْمُسَاقَاةَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ فِيهَا يُنَافِي صِحَّتَهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَفَسَدَتْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا يَعْمَلُ بِهِمْ فِي الْحَائِطِ لَيْسُوا فِيهِ حِينَ سَاقَاهُ إيَّاهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الَّذِي دَخَلَ فِي مَالِهِ بِمُسَاقَاةٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا يُخْرِجُهُ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا مُسَاقَاةُ الْمَالِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ، ثُمَّ يُسَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَاقَاةُ وَفَاتَتْ بِالْعَمَلِ فَقِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُرَدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِلَّذِي سَاقَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ رَقِيقًا لَيْسُوا فِي الْحَائِطِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَمَلَهُمْ فِي حَائِطِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ازْدِيَادٌ يَزْدَادُهُ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ مِمَّا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْهُ مَا لَهُ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُسَاقَاةِ ازْدِيَادِ أَحَدِ الْمُتَسَاقِيَيْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي جَمِيعَ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «الْيَهُودَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُقِرَّهُمْ عَلَى أَنْ يَكُفُّوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَلِأَنَّنَا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ صَاحِبِ الْحَائِطِ إخْرَاجَ مَنْ فِي الْحَائِطِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ لِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُ مَنْ لَيْسَ فِي الْحَائِطِ أَحْرَى وَأَوْلَى. (فَرْعٌ) وَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ مِنْ ذَلِكَ التَّافِهَ الْيَسِيرَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كَالْعَبْدِ، وَالدَّابَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: وَذَلِكَ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ صَغِيرًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ جَمِيعَ الْعَمَلِ وَوَجْهُ الْجَوَازِ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَاقِيَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى صَاحِبِهِ الْيَسِيرَ مِمَّا يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ كَمَا يَشْتَرِطُ صَاحِبُ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ سَدَّ الْحِظَارِ، وَالنَّفَقَةِ الْيَسِيرَةِ فِي الظَّفِيرَةِ، وَالْقُفِّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْغُلَامَ، وَالدَّابَّةَ فَإِنَّ مِنْ حُكْمِ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ بَقَاءَهُ فِي الْحَائِطِ مُدَّةَ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنْ مَاتَ أَخْلَفَ ذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ شَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُخْلِفَهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَا بَاقٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْغُلَامِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خُلْفُهُ فَقَدْ اشْتَرَطَ عَمَلَهُ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ غُلَامَهُ مَعَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْغُلَامِ فِيهِ جَازَ اشْتِرَاطُ عَمَلِ رَبِّ الْحَائِطِ فِيهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بِيَدِ الْعَامِلِ كَالْقِرَاضِ وَعَمَلُ رَبِّ الْحَائِطِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ: إنَّ هَذَا اشْتِرَاطُ عَمَلِ عَامِلٍ وَاحِدٍ فِي حَائِطٍ كَبِيرٍ فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ أَجِيرٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُرَدُّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا قَدْ أَجَازَ اشْتِرَاطَ عَمَلِ الدَّابَّةِ، وَالْغُلَامِ فَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ مِنْ أَجْلِ الْيَدِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَرَامِ لَمَّا جَوَّزَ ذَلِكَ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مُسَاقَاةٌ تُزِيلُ يَدَ الْعَامِلِ فَرُدَّتْ إلَى الْإِجَارَةِ كَمَا لَوْ شَرَطَ صَاحِبُهُ بَقَاءَ الْحَائِطِ فِي يَدِهِ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ إخْرَاجَ أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِ الْمَالِ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسَاقَاةِ إبْقَاءُ مَنْ كَانَ مِنْ خُدَّامِ الْمَالِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ إنَّمَا تَكُونُ فِيهِ عَلَى حَالِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِعَمَلِ الْعُمَّالِ صَارَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهَا وَبِإِخْرَاجِ الْمُعَيَّنِ عَنْ الْحَائِطِ نَقْصٌ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْحَائِطِ الَّذِي يَعْمَلُ فِي جُمْلَتِهِ، وَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ ابْنُ نَافِعٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الرَّقِيقِ أَحَدًا فَلْيُخْرِجْهُ أَوْ يُدْخِلَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيُدْخِلْهُ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ، ثُمَّ يُسَاقِي عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّقِيقَ مِنْهُ أَوْ يُدْخِلَ

[كتاب كراء الأرض]

(ص) : (قَالَ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْلِفَهُ) . (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ) (مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، قَالَ حَنْظَلَةُ فَسَأَلْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ فَقَالَ أَمَّا بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الْحَدِيثَ الَّذِي يَذْكُرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَقَالَ أَكْثَرَ رَافِعٌ وَلَوْ كَانَ لِي مَزْرَعَةٌ أَكَرَيْتُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ مِنْ غَيْرِ رَقِيقِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الْحَائِطِ. (ش) : قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الرَّقِيقِ يُرِيدُ مِنْ رَقِيقِ الْحَائِطِ الَّذِينَ كَانُوا فِيهِ يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ شَرْطِ الْعَامِلِ فِي الْعَقْدِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَالدَّابَّةِ، وَالْأَجِيرِ فِي الْحَائِطِ الْكَبِيرِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ غَابَ بِإِبَاقٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَلَى رَبِّ الْحَائِطِ خُلْفُهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُمْنَعُ مِنْ خَدَّامِ الْحَائِطِ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى تَخْفِيفِ الْعَمَلِ عَنْهُ مُدَّةَ الْمُسَاقَاةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَيَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَائِطِ الْعِوَضُ مِنْهُمْ إنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ لَيْسَ بِعِوَضٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَثْنًى مِمَّا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَيَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَائِطِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ ثَمَرِ ذَلِكَ الْعَامِ بِخِلَافِ أَرْضِ السَّقْيِ بِغَوْرِ مَاءِ بِئْرِهَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا كِرَاءَ سَنَةٍ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ يَغُورُ بِئْرُ الْحَائِطِ أَوْ يَنْهَارُ فَإِنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يُنْفِقَ فِي ذَلِكَ قِيمَةَ حِصَّةِ رَبُّ الْحَائِطِ مِنْ ثَمَرَةِ ذَلِكَ الْعَامِ لَا زِيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ. (فَرْقٌ) فَعَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ ضُرُوبٍ ضَرْبٌ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَائِطِ وَالدَّارِ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَبُنْيَانِ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ وَغَوْرِ الْعَيْنِ لِلْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي يَلْزَمُ صَاحِبَ الْحَائِطِ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ مَنْفَعَةَ سَنَةٍ كَالنَّفَقَةِ عَلَى عَيْنِ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ أَوْ الْحَائِطِ الْمُسَاقَى، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى مَا كَانَ بَلَغَ ذَلِكَ مَا بَلَغَ كَرَقِيقِ حَائِطِ الْمُسَاقِي وَدَوَابِّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِئْرِ، وَالْعَيْنِ أَنَّ الرَّقِيقَ، وَالدَّوَابَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْإِتْيَانَ بِهِ مِنْ عَمَلِ الْحَائِطِ وَإِنَّمَا لَزِمَ بَقَاؤُهُمْ فِي الْحَائِطِ لِسَقْيِ الْحَائِطِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ عَلَى الْعَامِلِ عَمَلُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا زَالُوا مِنْ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ الْعَامِلُ عَمِلَ مَا زَادَ عَلَى عَمَلِهِمْ مَعَ عَدَمِ عَمَلِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ، وَالسُّفْلِ يَلْزَمُ صَاحِبَ السُّفْلِ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَبْنِيَ لِتَمَكُّنِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ مِنْ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ دُونَ أَنْ يَبْنِيَ صَاحِبُ السُّفْلِ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ عَمَلِهِ عَلَى مَا كَانَ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَاءُ الْعَيْنِ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْإِتْيَانُ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامِلِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْحَائِطِ الْإِتْيَانُ بِهِ لِيَسْتَوْفِيَ لِلْعَامِلِ مَنْفَعَةً وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ، وَالزِّرَاعَةِ فِي اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ إصْلَاحُ ذَلِكَ بِذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَدْخَلَهُ الْعَامِلُ فِي الْحَائِطِ مِنْ غُلَامٍ أَوْ أَجِيرٍ أَوْ دَابَّةٍ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَلَى الْعَامِلِ عِوَضُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ انْعَقَدَتْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ. [كِتَابُ كِرَاءِ الْأَرْضِ] [مَا جَاءَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» عَامٌّ فِي كُلِّ مَا تُكْرَى بِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَأَتَى مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعِ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجُمْلَةِ ذَهَبَ طَاوُسٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ لِلْمَنْعِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ لَمْ يَنْقُلْ لَفْظَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى غَيْرِ الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ اسْتِئْجَارُهَا لِمَنْفَعَتِهَا الْمَقْصُودَةِ لَجَازَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهَا كَالنَّخْلِ وَلَمَّا لَمْ تَجُزْ الْمُسَاقَاةُ فِيهَا جَازَ اسْتِئْجَارُهَا كَالدَّوَابِّ وَسَائِرِ مَا يُسْتَأْجَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ حَنْظَلَةَ فَسَأَلْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، فَقَالَ أَمَّا بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى إبَاحَتِهِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ مَالِكٌ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرُ رَبِيعَةَ فَإِنَّهُ مَنَعَهُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا جَازَ اسْتِئْجَارُهُ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ جَازَ اسْتِئْجَارُهُ بِالْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ كَالرَّوَاحِلِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِكُلِّ مَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ وَلَا ثَابِتٍ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَا لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ لِسَالِمٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُ: يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ رَأَيْت الْحَدِيثَ الَّذِي يُذْكَرُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ يُرِيدُ قَوْلَهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ وَيَتَنَاوَلُ عُمُومَ ذَلِكَ لِلْمَنْعِ مِنْ كِرَائِهَا بِذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَغَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ أَكْثَرَ رَافِعٌ يُرِيدُ أَنَّهُ رَوَى مِنْ النَّهْيِ مَا مُنِعَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُمْنَعْ وَإِنَّ النَّهْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ لَكِنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْعُمُومِ أَوْ نَقَلَ اللَّفْظَ عَلَى مَا سَمِعَهُ، وَلَمْ يَنْقُلْ مَعَهُ مَا يَمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ أَوْ مَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ لِي مَزْرَعَةٌ أَكَرَيْتهَا عَلَى مَعْنَى تَجْوِيزِ الْكِرَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى مَعْنَى تَجْوِيزِ إكْرَائِهَا بِكُلِّ عِوَضٍ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَرَى اكْتِرَاءَهَا جَائِزًا فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْعِوَضِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ وَسَكَتَ عَنْ اكْتِرَائِهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ حَدَّثَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ «فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إلَى رَافِعٍ وَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلْته فَقَالَ» نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ «فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْت إنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَشَيْءٍ مِنْ التِّينِ» وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ كُنْت أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَتَرَكَ اكْتِرَاءَ الْأَرْضِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَدْ عَلِمْت إنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنْ التِّينِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِهِ فَأَقَرَّهُ» بَلْ هُوَ نَفْسُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ عَمِّهِ «أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ثَبَتَ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» فَقَدْ تَنَاوَلَ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ إلَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذُو الْفَهْمِ بِالْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِزْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ عِلَّةَ ذَلِكَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ رَافِعٍ قَالَ «كُنَّا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا وَكُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمَّاةٌ لِسَيِّدِ الْأَرْضِ فِيمَا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلِيمُ الْأَرْضِ مِمَّا تُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى مَاتَ قَالَ ابْنُهُ فَمَا كُنْت أَرَاهَا إلَّا لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَنَا بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا قَالَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا بَلَغَهُ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ امْتَنَعَ مِنْهُ وَجَوَّزَهُ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ عَلَى مَا جَوَّزَهُ ابْنُهُ سَالِمٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْتَنَعَ مِنْهُ جُمْلَةً لَمَّا خَشِيَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مَنْعٌ عَامٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ يُكَارِي أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ اكْتَرَاهَا مُسَاقَاةً وَذَلِكَ بِأَنْ يُكْرِيَهَا مِنْهُ بِدِينَارٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَلَا يَحُدُّ فِي ذَلِكَ أَعْوَامًا وَلَكِنَّهُ يُطْلِقُ فِيهَا الْقَوْلَ وَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ جَائِزٌ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ هُوَ بَاطِلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى أَنْ يَكُفُّوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ شَطْرُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ مَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ جَازَ الْعَقْدُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْهُ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَشْتَرِي مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا لِكِرَاءِ مَا مَضَى وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّقْدِيرِ فِي الْكِرَاءِ يُنَافِي اللُّزُومَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ لَتَأَبَّدَ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلْكِرَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْأَوْجَبِيَّةُ وَاحِدَةٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهَذَا إذَا قَالَ: كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فِي السَّنَةِ بِكَذَا أَوْ فِي الشَّهْرِ بِكَذَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَوْ الشَّهْرَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لِمُطَرِّفِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَتُهُمَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ شَهْرٍ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ فِي الشَّهْرِ بِكَذَا فَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ لَازِمٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ كَانَ أَوْ آخِرِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ شَهْرٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ إلَّا كَتَعْيِينِ غَيْرِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لَازِمًا كَالثَّانِي وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَا قُدِّرَ بِهِ الْكِرَاءُ أَقَلُّ مَا يَجِبُ لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُقْتَضَاهُ اللُّزُومُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا قُدِّرَ بِهِ الْكِرَاءُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَقَدَهُ الْكِرَاءُ فَقَدْ لَزِمَهُمَا مِقْدَارُ مَا نُقِدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ قَدْ قَطَعَ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ الْخِيَارِ، وَأَخْرَجَهُ إلَى اللُّزُومِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَوْ اكْتَرَى مِنْهُ سَنَةً مُعَيَّنَةً عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ جَازَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ عَقَدَ الْكِرَاءَ بِأَنِّي قَدْ اكْتَرَيْت هَذِهِ الْأَرْضَ سَنَةً أَوْ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْكِرَاءِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ لِلسَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اكْتَرَاهَا سَنَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَتَى سَكَنَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ اكْتَرَاهَا بَعْدَ مُضِيِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْسِبُ بَقِيَّةَ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي ذَهَبَ بَعْضُهُ ثُمَّ يَحْسِبُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ، ثُمَّ يُتِمُّ عَلَى الْأَيَّامِ الْأُولَى شَهْرًا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الْعَامِ شَهْرٌ وَاحِدٌ عَلَى الْأَيَّامِ وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَرْضًا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ الْعَامَ كُلَّهُ فِيهَا الْبُقُولُ، وَالْخُضَرُ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكْتَرِيَ مُشَاهَرَةً وَمُسَانَاةً، وَإِنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ الزَّرْعِ فَأَوَّلُ سِنِيهَا مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خُضْرَةٌ أَوْ زَرْعٌ فَمِنْ وَقْتِ تَخْلُو، وَآخِرُ عَامِهَا عَلَى ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدُّورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ بَلَدٍ عُرْفٌ فِي الْكِرَاءِ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَرْضِ فَيَكُونُ إطْلَاقُ الْكِرَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي إنَّمَا تُزْرَعُ مُدَّةً كَأَرْضِ النِّيلِ وَمَا أَشْبَهَهَا، فَأَوَّلُ سَنَتِهَا وَقْتَ زِرَاعَتِهَا وَوَقْتُ الزَّرْعِ لِلْحَرْثِ إنْ كَانَتْ أَرْضًا يُقَدِّمُ لَهَا الْحَرْثَ وَآخِرُ عَامِهَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ رَفْعُ الزَّرْعِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعَامِ شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ فِيهِ بِالزَّرْعِ فَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَحْرُثَ فِيهَا زَرْعًا إلَّا بِكِرَاءٍ مُؤْتَنَفٍ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ لِمَا بَقِيَ شَيْءٌ وَلِرَبِّهَا حَرْثُهَا لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ وَلَوْ زَرَعَهَا الْمُكْتَرِي، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَجِيبَةَ تَنْقَضِي قَبْلَ تَمَامِ زَرْعِهِ بِالْأَيَّامِ، وَالشَّهْرِ فَرُبَّمَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ حَرَثَ أَرْضَهُ وَأَفْسَدَ زَرْعَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّهُ وَأَخَذَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ كِرَاءِ الْمِثْلِ وَبِحِسَابِ كِرَاءِ الْوَجِيبَةِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَصَفَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّهُ مَنْعُهُ مِنْ الزِّرَاعَةِ لِانْقِضَاءِ عَامِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ الْعَامَ كُلَّهُ وَأَتَى آخِرُ الْعَامِ وَلِلْمُكْتَرِي فِيهَا زَرْعٌ أَوْ بَقْلٌ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَزَرْعُهُ وَلَا يَقْلَعُهُ وَيَتْرُكُ ذَلِكَ حَتَّى يَتِمَّ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ اكْتَرَاهَا مِنْهُ وَاخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِنَا: إنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ إنَّهُ مُتَضَادٌّ؛ لِأَنَّ كِرَاءَ مِثْلِ أَرْضِهِ مَفْهُومُهُ مَا يُسَاوِي أَرْضَهُ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ حِسَابِ مَا اكْتَرَى أَوْ أَكْثَرَ وَقَوْلُهُ عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ اكْتَرَاهَا يَقْتَضِي الِاعْتِبَارَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَقْدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ كِرَاءِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ وَلَكِنْ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كِرَاءُ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي لَهُ كِرَاءٌ مِنْ حِسَابِ مَا كَانَ اكْتَرَى. وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَ مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَ السَّنَةِ يَخْتَلِفُ فِي كَثْرَةِ الْكِرَاءِ وَقِلَّتِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ كِرَاؤُهَا فِي الشِّتَاءِ، وَالصَّيْفِ وَاحِدًا فَكِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إنَّمَا أَرَادَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ السَّنَةَ كُلَّهَا فَيُعْتَبَرُ كِرَاؤُهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ السَّنَةِ وَلَكِنَّهُ عَلَى حِسَابِ مَا اكْتَرَى فَإِنْ اكْتَرَاهَا مِنْهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَتِلْكَ الْمُدَّةُ وَإِنْ كَانَتْ شَهْرًا وَاحِدًا فَحِصَّتُهُ مِنْ كِرَاءِ السَّنَةِ الرُّبْعُ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِ وَآخِرُ وَقْتِ الْغَلَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ دِينَارَانِ وَنِصْفُ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ. وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ خَارِجَةً عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَ فِي وَقْتٍ كَانَ لَهُ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَدْ اسْتَحَقَّهَا بِالْكِرَاءِ وَلَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا الزَّرْعُ فَلِذَلِكَ أُسْنِدَتْ الْمُدَّةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ إلَى هَذِهِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِهَا ثَبَتَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ مُدَّةُ تَعَدٍّ وَظُلْمٍ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ فِيهَا كِرَاءُ الْمِثْلِ أَوْ يَأْمُرُهُ بِقَلْعِ مَا زَرَعَ وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَإِنَّ الْغَيْرَ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَزْرَعَ حِينَ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ شُهُورِهِ مُدَّةً يَتِمُّ فِيهَا زَرْعُهُ فَإِذَا زَرَعَ فَقَدْ تَعَدَّى فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا يَجِبُ لَهُ عَلَى حِسَابِ مَا مَضَى فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ إذَا عَمِلَهَا بِحِسَابِ مَا مَضَى، وَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ الْمُكْتَرِيَ أَرْضَ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ أَنْ يَعْمِدَ إلَى انْقِضَاءِ الْوَجِيبَةِ فَجَازَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ فَلَهُ كِرَاءُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يُرِيدَانِ الْأَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ الْمِثْلِ أَوْ عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ اكْتَرَى، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ تَمَامَهُ إلَّا بِالْوَجِيبَةِ بِأَمْرٍ بَعِيدٍ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ أَوْ يَتْرُكَ وَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ كِرَاءِ الْوَجِيبَةِ أَوْ كِرَاءِ الْمِثْلِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لَهُ أَنْ يَعْمِدَ إلَى انْقِضَاءِ الْوَجِيبَةِ، ثُمَّ حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمَنْعِ وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ الْقَوْلُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمِدَ مَا تَيَقَّنَ أَنَّ وَرَقَتَهُ تَتِمُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْوَجِيبَةِ وَلَوْ تَبَايَعَا عِنْدَ الزِّرَاعَةِ لَوَجَبَ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ. 1 - / (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ فَغَرَسَهَا فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا شَجَرُ الْمُكْتَرِي فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً أَوْ يَأْمُرَ الْمُكْتَرِيَ بِقَلْعِهَا وَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَا أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ أَمْرٌ يَكْمُلُ فِيهِ وَتَخْلُو الْأَرْضُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْقَلُ وَيَحُولُ، وَالشَّجَرُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَلَوْ لَزِمَ بَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ لَاسْتَحَقَّ صَاحِبُهُ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْكِرَاءِ الَّذِي مُقْتَضَاهُ أَنْ يَنْقَضِيَ بِانْقِضَاءِ أَمَدٍ إلَى حَدِّ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لَمْ يَخْلُ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجْبِرَ الْمُكْتَرِي عَلَى قَلْعِ شَجَرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِهِ وَكَانَ لَهُ إبْقَاؤُهَا حَتَّى تَتِمَّ ثَمَرَتُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَرْضَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَأْمُونَةٌ وَغَيْرُ مَأْمُونَةٍ، فَأَمَّا الْمَأْمُونَةُ فَهِيَ أَرْضُ النِّيلِ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ أَرْضُ الْمَطَرِ عِنْدِي بَيِّنًا كَبَيَانِ أَرْضِ النِّيلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَكَادُ تَخْتَلِفُ فَالنَّقْدُ جَائِزٌ خِلَافًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْضِ النِّيلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ مَنَافِعِهَا الِاسْتِيفَاءُ فَجَازَ الْكِرَاءُ فِيهَا كَسُكْنَى الدُّورِ، قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْآبَارِ، وَالْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَخْلُفُ إلَّا فِي الْغِبِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْلُفُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَالنِّيلُ أَبْيَنُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأُصْبَغُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَقَدْ قِيلَ لَهُمَا أَنَّ أَرْضَ الْأَنْدَلُسِ أَرْضُ مَطَرٍ وَلَا تَكَادُ تَخْلُفُ، فَقَالُوا لَا يَنْعَقِدُ فِيهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا الْمَطَرُ الَّذِي يُحْرَثُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهَا الرِّوَاءُ بِخِلَافِ أَرْضِ النِّيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْمَأْمُونَةِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ تَكْفِيَهَا سَقْيَةٌ وَاحِدَةٌ تُرْوَى بِهَا كَأَرْضِ النِّيلِ فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَلَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الْمُتَكَرِّرُ وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَأْمُونَةَ هِيَ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا السَّقْيُ بِوَجْهٍ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ النِّيلِ بِمَأْمُونَةٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْهَا السَّقْيُ كَمَا يَنْقَطِعُ الْمَطَرُ عَنْ أَرْضِ الْمَطَرِ لَكِنَّهَا تُفَارِقُهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْمُونَةٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ عِنْدَ الْعَقْدِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ مَنْفَعَتُهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمَطَرِ لَمْ يَجِبْ لَهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ إلَّا مَعَ الْمَطَرِ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُهُ مُعْتَادًا لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ بِعَدَمِ الْمَطَرِ يَجِبُ رَدُّهُ فَيَكُونُ تَارَةً كِرَاءً إنْ نَزَلَ الْمَطَرُ وَتَارَةً سَلَفًا إنْ عَدِمَ الْمَطَرُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَقَدَ بِشَرْطٍ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ فِيمَنْ اكْتَرَى أَرْضَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَهِيَ أَرْضُ مَطَرٍ وَانْتَقَدَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً فَهِيَ كِرَاءٌ وَسَلَفٌ يُفْسَخُ مَا لَمْ يُفْتِ فَإِنْ حَرَثَهَا لِقَلِيبٍ أَوْ زَرْعٍ فَذَلِكَ فَوْتٌ وَيُقَاصُّهُ بِكِرَاءِ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ سَائِرِ السِّنِينَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَقَدَهُ بِشَرْطٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَإِنْ نَقَدَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَقَدْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ ذَلِكَ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ لَزِمَهُ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فَيُقَاصُّهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِرَاءِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِيهَا وَلَا يَقْضِيهِ غَيْرَهَا وَيَتْرُكُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ يَأْخُذُ بِهِ مَنْفَعَةَ أَرْضٍ فَيُؤَدِّي إلَى فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ فَمَتَى يَلْزَمُ النَّقْدُ؟ رَأَيْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّ كِرَاءَ الْأَرْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ حَتَّى يَتِمَّ زَرْعُهُ وَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ، وَالْمَأْمُونَةُ مِنْ الْمَطَرِ فَيَنْقُدُهُ إذَا رُوِيَتْ وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ الَّتِي تُزْرَعُ بُطُونًا فَيَنْقُدُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ بَطْنٍ مَا يُنْوَ بِهِ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ كُلِّ بَطْنٍ مَا يَنْوِ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُمَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيَحْتَاجُ هَذَا إلَى تَأَمُّلٍ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فِي أَرْضِ الْمَطَرِ إلَّا بَعْدَ مَا تُرْوَى وَتُمَكَّنُ مِنْ الْحَرْثِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا غَيْرَ الْمَأْمُونَةِ فَإِنَّ الْمَأْمُونَةَ يَصْلُحُ النَّقْدُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تُرْوَى وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ أَرَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الرَّيَّ الْمُبَلِّغَ وَعَلَى ذَلِكَ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ النَّقْدُ فِي أَرْضِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرْوَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَبِهَا يَتِمُّ الزَّرْعُ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ هَذَا حُكْمُهُ، فَهِيَ الْمَأْمُونَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَا كَانَ تَوَالِي الْمَطَرِ عَلَيْهَا مُعْتَادًا لَا يَكَادُ أَنْ يُخْلِفَ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَتَابُعِهِ فِي إتْمَامِ الزَّرْعِ فَلَا يَلْزَمُ النَّقْدُ بِنَفْسِ الرَّيِّ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ النَّقْدُ بِالرَّيِّ الْمُبَلِّغِ وَأَمَّا أَرْضُ الْخُضَرِ الَّتِي تُزْرَعُ بُطُونًا، فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْقُدَ أَوَّلَ كُلِّ بَطْنٍ مَا يَنُوبُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَنْقُدُ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ بَطْنٍ مَا يَنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي يَكْفِيهَا أَوَّلَ سَقْيَةٍ لِتَمَامِ الْبَطْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهِيَ الَّتِي أَرَادَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَرْضِ النِّيلِ إذَا قُصِدَ بِهَا الزَّرْعُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مُتَابَعَةِ السَّقْيِ فَهِيَ الَّتِي عَنَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ وَهِيَ الَّتِي تُشْبِهُ السُّكْنَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَ مَا زُرِعَ فِيهَا يَتِمُّ بِأَوَّلِ رَيٍّ لَزِمَ النَّقْدُ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ فِي أَرْضِهِ فَقَدْ قَبَضَ ذَلِكَ الْمُكْرِي الْأَرْضَ إذَا جَعَلْنَاهَا قَابِضَةً فَلَزِمَهُ النَّقْدُ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى تَوَالِي الْمَطَرِ وَتَتَابُعِهِ فَلَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ فَلَمْ يَلْزَمْ النَّقْدُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْكِرَاءِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَرْضِ الْمَأْمُونَةِ مِنْ النِّيلِ، وَالسَّيْحِ أَوْ الْمَطَرِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ أَمَانُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ الَّتِي يَتَخَلَّفُ مَطَرُهَا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ قَبْضِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْجَائِزِ مِنْ تَرْكِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فَمَتَى يُنْقَدُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فِيهَا إلَّا إذَا رُوِيَتْ وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ فَإِذَا قَبَضَ الْأَرْضَ، وَقَدْ رُوِيَتْ لَزِمَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ نَقْدُ الْكِرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَتِمُّ زَرْعُهَا إلَّا بِالْمَطَرِ أَرْضَ نِيلٍ كَانَتْ أَوْ أَرْضَ مَطَرٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُدُهُ الْكِرَاءَ حَتَّى يَتِمَّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةَ السَّقْيِ وَجَبَ الْكِرَاءُ نَقْدًا، فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْكِرَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِتَمَامِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالرَّيِّ الْمُبَلِّغِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُنْتَقِيَةَ وَاَلَّتِي ظَاهِرُهَا، وَالْغَالِبُ فِيهَا إمْكَانُ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضَةِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ قَبْلَ إبَّانِ الْحَرْثِ وَتُكْرَى الْعَشْرَ سِنِينَ وَأَكْثَرَ مَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ كَأَرْضِ الْمَطَرِ الَّتِي تُرْوَى مَرَّةً وَتَعْطَشُ أُخْرَى فَأَجَازَ الرُّوَاةُ اكْتِرَاءَهَا قَبْلَ إبَّانِ الْحَرْثِ إذَا لَمْ يُنْقَدْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تُكْتَرَى إلَّا قُرْبَ الْحَرْثِ مَعَ وُقُوعِ الْمَطَرِ، وَالرَّيِّ وَيَكُونُ مُبَلِّغًا لَهُ أَوْ لِأَكْثَرِهِ مَعَ رَجَاءِ وُقُوعِ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ اكْتِرَاؤُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَخَافَةَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ التَّمَكُّنُ مِنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ فَإِنَّ مَا يُؤْثَرُ مَخَافَةَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَعْجِيلِ النَّقْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ وَقْتِ الْعَمَلِ إلَّا مُجَرَّدُ التَّحْجِيرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَظْهَرُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَارَى أَرْضًا لَهَا مَا لَيْسَ فِي مِثْلِهِ مَا يَكْفِي زَرْعَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ وَجْهِ الْغَرَرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَرْضِ الْمَطَرِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ مَا يُرَى فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُبَلِّغُ زَرْعَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَرْضُ الْمَطَرِ إنْ لَمْ يَأْتِ مِنْ الْمَطَرِ مَا يُبَلِّغُ زَرْعَهُ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ قَالَ وَلَوْ تَكَارَيَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكْفِهِ مَا رَأَى مِنْ الْمَاءِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْكِرَاءِ فَإِنَّهُ أَيْضًا خَطَأٌ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يَتِمُّ بِهِ الزَّرْعُ لَمْ يُكْرَهْ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ الْمَاءَ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا تَخَاطَرَا فِي تَمَامِ الزَّرْعِ بِهِ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْمَطَرُ فَمَاؤُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا يُكْتَرَى عَلَى التَّبْلِيغِ وَلَا يَعْلَمُ الْمُكْتَرَى مِنْ حَالِ الْمَطَرِ إلَّا مَا يَعْلَمُهُ الْمُكْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الْخَطَرِ الْمَانِعِ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَهَذَا كَبَيْعِ الْآبِقِ الَّذِي لَا يُتَيَقَّنُ تَسْلِيمُهُ أَوْ بَيْعِ الْمَهْرِ الصَّعْبِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ قَبْضَهُ رُدَّ إلَيْهِ الثَّمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا حِنْطَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا مَضَرَّتُهُ مَضَرَّةُ الْقَمْحِ أَوْ أَقَلُّ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا مَضَرَّتُهُ أَشَدُّ مِنْ مَضَرَّةِ الْقَمْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا تُسْتَوْفَى بِهِ الْمَنَافِعُ فِي الْإِجَارَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ الْعَيْنُ الَّتِي يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْمَنَافِعُ وَجِنْسُ الْعَيْنِ الَّتِي يُسْتَوْفَى بِهَا كَحِمْلِ الرَّاحِلَةِ وَإِنَّمَا تَتَعَيَّنُ الرَّاحِلَةُ وَيَتَعَيَّنُ جِنْسُ الْحِمْلِ لِيَمْتَنِعَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ وَلَا يَمْتَنِعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُكْتَرِي مِمَّا هُوَ مِثْلُهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ زَرَعَهَا مَا ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ الشَّعِيرِ فَلِرَبِّهَا كِرَاءُ الشَّعِيرِ وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ بِالضَّرَرِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَنَاوَلَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلِرَبِّهِ بِقَدْرِ مَا زَادَ مَعَ مَا عُقِدَ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ اكْتِرَاءُ دَابَّةٍ مِنْ بَغْدَادَ إلَى حُلْوَانَ فَيَتَعَدَّى بِهَا إلَى الرِّيِّ فَإِنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ بَغْدَادَ إلَى حُلْوَانَ وَكِرَاءُ الْمِثْلِ مِنْ حُلْوَانَ إلَى الرِّيِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ لِلزَّرْعِ لَهَا بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ فَذَهَبَ مَاؤُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعٌ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي إصْلَاحِ ذَلِكَ كِرَاءَ عَامِهِ ذَلِكَ وَلَا غَيْرِهِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَعَبْدُ الْمُلْكِ بْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِدَامَةُ الْكِرَاءِ لِعَدَمِ مَا اكْتَرَى مِنْ الْمَاءِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ كَمَا لَوْ اكْتَرَى دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَانْهَدَمَ بِنَاؤُهَا وَلَيْسَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا إصْلَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزْرَعْ فِيهَا بَعْدُ فَلَمْ يُتْلِفْ لَهُ إلَّا مَا لَا يُتْرَكُ الْإِنْفَاقُ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ أَنْفَقَ فِيهَا الْمُكْتَرِي فَهُوَ مُصَدِّقٌ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ رَبَّهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَيُؤَدُّونَهُ نَقْدًا، وَإِنْ حَبَسَهُ فِي الْكِرَاءِ جَازَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ أَنْفَقَ فِيهَا الْمُكْتَرِي فَهُوَ مُصَدَّقٌ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ رَبَّهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا بِدَيْنٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ الْأَرْضَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي كِرَاءِ السَّنَةِ الْأُولَى مَا يُصْلِحُ بِهِ مَا فَسَدَ مِنْ الْمَاءِ أَوْ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فُسِخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ يُقَالُ لِلْمُكْتَرِي أَنْفِقْ مَا زَادَ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ عَلَيْك بَعْدَ الْوَجِيبَةِ فِي أَنْ يَأْمُرَك بِقَلْعِ مَا لَك فِيهِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ يُعْطِيَك قِيمَتَهُ وَكِلَاهُمَا يَئُولُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ الْمُكْتَرِي لَمْ يُرِدْ أَنْ يُنْفِقَ مَا زَادَ عَلَى كِرَاءِ السَّنَةِ فَاحْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ وَبَدَأَ بِالْإِنْفَاقِ وَهُوَ يَظُنُّ بُلُوغَ الْمُرَادِ عَلَى كِرَاءِ السَّنَةِ فَاحْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا زَرَعَ لَزِمَ رَبَّ الْأَرْضِ الْعَمَلُ بِكِرَاءِ أَوَّلِ عَامٍ سَوَاءٌ انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ، فَإِنْ كَانَ انْتَقَدَ وَأَعْدَمَ بِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قِيلَ لِلْمُزَارِعِ أَنْفِقْهُ مِنْ مَالِك سَلَفًا لَك إنْ شِئْت، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ هَذَا الْحَقُّ بِإِنْفَاقِ هَذَا الْعَامِ اخْتَصَّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ بَاقِيًا عِنْدَ الزَّارِعِ أَنْفَقَهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ صَاحِبِ الْأَرْضِ لَزِمَهُ إنْفَاقُهُ، فَإِنْ أَعْدَمَ بِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يُسَلِّفَهُ إيَّاهُ وَيَتَّبِعَهُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُعْلَمُ كِرَاءُ ذَلِكَ الْعَامِ بِتَقْوِيمِ السِّنِينَ إنْ كَانَتْ تَخْتَلِفُ فَيُنْفِقُ مَا يُصِيبُ هَذَا الْعَامَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ يُخْرِجُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ لِثَلَاثِ سِنِينَ ثُلُثَ الْكِرَاءِ إنْ اكْتَرَاهُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا، وَلَا يُقَوِّمُ الْعَيْنَ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا فَإِنَّمَا يُخْرِجُ فِيهِ كِرَاءَ تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ الصَّفْقَةِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ إلَى أَجَلِهِ كَمَا لَوْ بِيعَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَحَبَّ الزَّارِعُ أَنْ لَا يُنْفِقَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ فَذَلِكَ لَهُ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ لَهُ بِالزِّرَاعَةِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي اقْتِضَائِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَرْضِ فَحَالُهُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ زَرَعَ وَذَهَبَ بِالْعَيْنِ أَوْ الْبِئْرِ قَبْلَ تَمَامِ الزَّرْعِ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِذَهَابِ الْمَاءِ فَلَا كِرَاءَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَ الْكِرَاءَ لَزِمَ صَاحِبَ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ رَدُّهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ فَذَلِكَ عَنْ الزَّارِعِ مَوْضُوعٌ وَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ وَكَانَ قَدْ حَصَدَ شَيْئًا لَهُ قَدْرٌ وَمَنْفَعَةٌ أَعْطَى مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَأْتِهِ مِنْ الْمَطَرِ مَا يَتِمُّ بِهِ زَرْعُهُ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَثُرَ الْمَطَرُ فَقَتَلَ الزَّرْعَ) فَإِنْ كَانَ فِي إبَّانِ الْحَرْثِ، وَفِي وَقْتٍ لَوْ انْقَطَعَ وَزَالَ الْمَاءُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُرِيدَ زِرَاعَتَهَا فَلَمْ يَنْكَشِفْ الْمَاءُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الزِّرَاعَةِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ تَغْرَقَ الْأَرْضُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فِيهَا فَالْكِرَاءُ لَازِمٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبَعْضُهُ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ بَعْدَ إبَّانِ الزِّرَاعَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ:

[كتاب القراض]

(ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَكْرَى مَزْرَعَتَهُ بِمِائَةِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ) . (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْقِرَاضِ) (مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، ثُمَّ قَالَ لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْت، ثُمَّ قَالَ بَلَى هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفَكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا فَقَالَا وَدِدْنَا ذَلِكَ فَفَعَلَ وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأَرْبَحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إلَى عُمَرَ قَالَ أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا، لَوْ نَقَصَ الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَدَّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا فَقَالَ عُمَرُ قَدْ جَعَلْته قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ زَرَعَ فَجَاءَهُ بَرْدٌ فَأَذْهَبَ زَرْعَهُ فَإِنَّ الْكِرَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ جَرَادٌ أَوْ جَلِيدٌ وَغَرِقَتْ الْأَرْضُ فِي غَيْرِ إبَّانِ الزِّرَاعَةِ فَتَلِفَ الزَّرْعُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَطْعُومَاتِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِأَرْضٍ أُخْرَى خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَجَازَ الْعَقْدُ عَلَى إحْدَاهُمَا بِالْأَحْرَى كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ. [كِتَابُ الْقِرَاضِ] [مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفَكُمَاهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْفَعَتَهُمَا بِالسَّلَفِ وَمِنْ مُقْتَضَاهُ ضَمَانُهُمَا الْمَالَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لِمَحْضِ الرِّفْقِ فَإِذَا قَصَدَ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ دَخَلَ الْفَسَادُ فَإِذَا أَسْلَفَ رَجُلٌ رَجُلًا مَالًا لِيَدْفَعَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَقَصَدَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْمُتَسَلِّفِ خَاصَّةً فَهُوَ جَائِزٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَنْفَعَةِ الْمُتَسَلِّفِ، فَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ إلَيْهِ حَيْثُ لَقِيَهُ بِبِلَادِ السَّلَفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يُؤَمَّرُ فِيهَا أُجْبِرَ الْمُسَلِّفُ عَلَى قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمُسَلَّفِ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ دَفَعَهُ خَاصَّةً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَجِّلَهُ لَزِمَ الْمُسَلِّفَ قَبْضُهُ كَالْأَجَلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَتَهُ بِالسَّلَفِ بِأَنْ يَقْصِدَ إحْرَازَ مَالِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ إلَى بَلَدِ الْقَضَاءِ كَالسَّفَاتِجِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَرَوَى أَبُو الْفَرْجِ جَوَازَ السَّفَاتِجِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ، وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهَا إذَا قَصَدَ الْمُسَلِّفُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّفُ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ أَبٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَلِّفَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِيُحْرِزَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي، وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَتِيمِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ مِنْ الِارْتِفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالٍ يَلِي عَلَيْهِ كَالسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ السَّلَفُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فُسِخَ فِي الْأَجَلِ وَالْبَلَدِ وَأُجْبِرَ الْمُتَسَلِّفُ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَالِ وَأُجْبِرَ الْمُسَلِّفُ عَلَى قَبْضِهِ وَبَطَلَ الْأَجَلُ بِهِ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالْبَيْعِ بِأَجَلٍ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُعَجَّلًا. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِعْلَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَعَلَ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ الْمُفَوِّضَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَسْلَفَهُ وَأَسْلَفَهُمَا إيَّاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ فِي الْأَقْضِيَةِ وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِأَبِي مُوسَى النَّظَرُ فِي الْمَالِ بِالتَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِذَا أَسْلَفَهُ كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ تَعَقُّبُ فِعْلِهِ فَتَعَقَّبَهُ وَرَدَّهُ إلَى الْقِرَاضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا قَالَا لَا تَعَقُّبَ مِنْهُ لِأَفْعَالِ أَبِي مُوسَى وَنَظَرَ فِي تَصْحِيحِ أَفْعَالِهِ وَتَبْيِينَ لِمَوْضِعِ الْمَحْظُورِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى عُمَرَ أَنَّ أَبَا مُوسَى لَمْ يُسَلِّفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَيْشِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لِابْنَيْهِ مَوْضِعَ الْمُحَابَاةِ فِي مَوْضِعِ فِعْلِ أَبِي مُوسَى فَلَمَّا قَالَا لَا أَقَرَّا بِالْمُحَابَاةِ فَقَالَ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا يُرِيدُ أَنَّ تَخْصِيصَهُمَا بِالسَّلَفِ دُونَ غَيْرِهِمَا إنَّمَا كَانَ لِمَوْضِعِهِمَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَتَوَرَّعُ مِنْهُ عُمَرُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِمَنْفَعَةٍ مِنْ مَالِ اللَّهِ لِمَكَانِهِ مِنْهُ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُبَالِغُ فِي التَّوَقِّي مِنْ هَذَا، وَلِذَلِكَ قَسَمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَقَلَّ مِمَّا قَسَمَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَكَانَ يُعْطِي حَفْصَةَ ابْنَتَهُ مِمَّا يَصْلُحُ إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ مَنْ يُعْطِي، فَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ فَفِي حِصَّتِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ نَقْضٌ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى وَتَغْيِيرٌ لِسَلَفِهِ بِرَدِّ رِبْحِ الْمَالِ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَى أَصْلِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا كَرِهَ تَفْضِيلَ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا قَوْلُنَا إنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَسْلَفَ الْمَالَ وَأَسْلَفَهُمَا إيَّاهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَتِهِمَا وَأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ بِيَدِهِ لِوَجْهِ التَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِنَّ لِعُمَرَ تَعَقُّبَ ذَلِكَ وَالتَّكَلُّمَ فِيهِ وَالنَّظَرَ فِي ذَلِكَ لَهُمَا وَلِلْمُسْلِمِينَ بِوَجْهِ الصَّوَابِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي الْمُبْضِعِ مَعَهُ الْمَالُ يَبْتَاعُ بِهِ لِنَفْسِهِ وَيَتَسَلَّفُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يَضْمَنَهُ رَأْسُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي عَرْضِهِ وَابْتِيَاعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَكَانَ أَحَقَّ بِمَا ابْتَاعَهُ بِهِ، وَهَذَا إذَا ظَفِرَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ بَيْعِ مَا ابْتَاعَهُ، فَإِنْ فَاتَ مَا ابْتَاعَهُ بِهِ فَإِنَّ رِبْحَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَخَسَارَتَهُ عَلَى الْمُبْضَعِ مَعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ الْمُرَاجَعَةِ بِرًّا بِأَبِيهِ وَانْقِيَادًا لَهُ وَاتِّبَاعًا لِمُرَادِهِ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَرَاجَعَهُ طَلَبًا لِحَقِّهِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مَالٌ قَدْ ضَمِنَاهُ وَلَوْ دَخَلَهُ نَقْصٌ لَجَبَرْنَاهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ إعْرَاضٌ عَنْ حُجَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ يَضْمَنُ الْبِضَاعَةَ إذَا اشْتَرَى بِهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ دَخَلَهَا نَقْصٌ جَبَرَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ رِبْحَهَا لِرَبِّ الْمَالِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا عَلَى وَجْهِ مَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عُمَرُ لَمْ يَسْأَلْهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ وَمَا عُرِفَ مِنْ حَالِ عُمَرَ وَاسْتِشَارَتِهِ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحُكْمَ بِالْفَتْوَى إذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ اسْتِشَارَتُهُ وَجَرَتْ بِذَلِكَ عَادَتُهُ، وَالْقِرَاضُ الَّذِي أَشَارَ بِهِ أَحَدُ نَوْعَيْ الشِّرْكَةِ يَكُونُ فِيهِمَا الْمَالُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَالْعَمَلُ مِنْ الثَّانِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَاهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشِّرْكَةِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَهُوَ جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ أَنْوَاعِهِ، وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ يَزْكُو بِالْعَمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ النَّمَاءِ الْخَارِجِ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَزْكُو إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ التِّجَارَةَ وَيَقْدِرُ عَلَى تَنْمِيَةِ مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهَا مِمَّنْ يُنَمِّيهَا فَلَوْلَا الْمُضَارَبَةُ لَبَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا فَلِذَلِكَ أُبِيحَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ مِنْ مِثْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي التَّنْمِيَةِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ جَعَلْته قِرَاضًا عَلَى سَبِيلِ التَّصْوِيبِ لِمَا رَآهُ هَذَا الْمُشِيرُ، وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، وَإِنَّمَا كَانَ إظْهَارًا لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَرَاهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ مِنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَإِنَّمَا جَوَّزَ عُمَرُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ عَمِلَا فِي الْمَالِ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ وَعَلَى وَجْهٍ يُعْتَقَدُ أَنَّ فِيهِ الصِّحَّةَ دُونَ أَنْ يُبْطِلَا فِيهِ مَقْصُودًا لِمَنْ يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْطَلَ عَلَيْهِمَا عَمَلُهُمَا فَرَدَّهُمَا إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِمَا وَكَانَ قِرَاضُ مِثْلِهِمَا النِّصْفَ فَأَخَذَ عُمَرُ النِّصْفَ مِنْ الرِّبْحِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ النِّصْفَ الثَّانِيَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْطَى جَدَّ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَالًا قِرَاضًا لَفْظَةُ الْإِعْطَاءِ تَقْتَضِي تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ وَائْتِمَانَهُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ سُنَّةُ الْقِرَاضِ وَلَوْ شَرَطَا بَقَاءَ الْمَالِ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَإِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ سِلْعَةً وَزَنَ وَإِذَا بَاعَ قَبَضَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنًى قَدْ أَخْرَجَهُمَا عَنْ صُورَةِ الْقِرَاضِ وَمَعْنَاهُ فَمَنَعَ ذَلِكَ صِحَّتَهُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِيَدِ الْعَامِلِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَنًا عَلَى الْمَالِ فَمَا أَخْرَجَ الْقِرَاضَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِرَاضًا وَيَجْعَلُهُ إجَارَةً مَجْهُولَةَ الْعِوَضِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَمِلَ مَعَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْكَثِيرِ دُونَ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ أُنْفِقَ فِي الْقِرَاضِ عَلَى مَا أُنْفِقَ فِيهِ فَلِذَلِكَ أَثَرٌ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ فِيمَا لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهُ الْحَاضِرُ مِثْلُ أَنْ يُعَيِّنَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي قَبْضِ دَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِصَدِيقِهِ أَوْ يُعَيِّنَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْقِرَاضَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُفْسَخُ الْقِرَاضُ لِكَثِيرِهِ دُونَ شَرْطٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ قَدْ سَلِمَ مِنْ الشَّرْطِ وَلَيْسَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ بِقَوِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَكَادُ يُفْعَلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ تَشَارُكَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ بِمَالٍ آخَرَ جَعَلَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَيْنِ عَقْدَانِ مُقْتَضَى أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُقْتَضَى الْآخَرِ فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَشَارَكَا بَعْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الِاشْتِرَاكِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً لَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُهُ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ إنْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ وَلَا وَأْيٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أُصْبَغَ قَالَ خُيِّرَ فِيهِ وَعَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي أَقْوَالِهِمْ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ سَلِمَ عَقْدُ الْقِرَاضِ مِنْ الْفَسَادِ، وَذَلِكَ أَنْ يَعْقِدَاهُ عَلَى مَا يُوجِبُ تَصَرُّفَ

[ما يجوز في القراض]

مَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (مَالِكٌ: وَجْهُ الْقِرَاضِ الْمَعْرُوفِ الْجَائِزِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ الْمَالَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَنَفَقَةُ الْعَامِلِ مِنْ الْمَالِ فِي سَفَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا يُصْلِحُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ الْمَالِ إذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ إذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَبِّ الْمَالِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ عَمِلَا عَلَيْهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ إذَا عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ لِعَقْدٍ صَارَ عَمَلًا كَثِيرًا بَطَلَ ذَلِكَ الْقِرَاضُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَيَجُوزُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ رَأْسُ الْمَالِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَعْقِدَ الْقِرَاضَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْكُ الْقِرَاضِ فِيهَا إذَا اسْتَدْرَكَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَرْطًا يُنَافِي الْقِرَاضَ فَكَأَنَّمَا شَرَطَاهُ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَ الْعَامِلُ بِالْقِرَاضِ وَلَزِمَهُمَا أَمْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا إبْطَالُهُ فَمَا اُلْتُزِمَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَا شُرِطَ مِنْ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا عَادَ مَالُ الْقِرَاضِ إلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي أَخَذَهُ الْعَامِلُ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْقِرَاضِ دَنَانِيرَ فَيَصِيرُ دَرَاهِمَ فَيَشْتَرِكَانِ بِالدَّرَاهِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَعُونَةُ الْغُلَامِ، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ الْعَامِلُ خِدْمَتَهُ فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الْمَعُونَةِ فِيهِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ إجَازَتُهُ أَنَّ هَذَا مَالٌ تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ نَمَائِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ خِدْمَةَ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ كَثِيرًا كَالْمُسَاقَاةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَخْتَصُّ بِالْخِدْمَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَائِطِ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ مِنْ الْخُدَّامِ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ الْخَادِمُ، وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْخَادِمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا عَمِلَ فِي مَالِهِ نُظِرَ فِيهِ بِالْحِفْظِ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَوْ جَعَلَ غُلَامَهُ أَوْ وَكِيلَهُ مَعَهُ لِيَحْفَظَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِمُجَرَّدِ الْخِدْمَةِ وَالْمَعُونَةِ وَلَوْ أَعَانَهُ بِغُلَامِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَجْزَاءٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا عِنْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ كَالْمُسَاقَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِلْعَامِلِ أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ بِالشَّرْطِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْقِرَاضُ فَاسِدًا إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ إذَا شَرَطَا الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ صَارَ قِرَاضًا وَإِذَا شَرَطَاهُ لِرَبِّ الْمَالِ صَارَ بِضَاعَةً. (فَصْلٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَذْكُرَا مِقْدَارًا أَوْ يَقُولَ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ لَك فِي الرِّبْحِ شِرْكًا أَوْ شِرْكَةً ذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا قَالَ عَلَى أَنَّ لَك شِرْكَةً فِي الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا قَالَ عَلَى أَنَّ لَك شِرْكًا فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ النِّصْفُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الشِّرْكَةَ لَمَّا احْتَمَلَتْ النِّصْفَ وَغَيْرَهُ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ إنْ لَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا بَيْنَهُمَا وَعَمَلُ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الشِّرْكَةِ يَقْتَضِي تَسَاوِيَ الشَّرِيكَيْنِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيَانٍ فَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ رَجُلَانِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا مَزِيَّةً. [مَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) :

(ص) : (مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُتَقَارِضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا) . (ص) : (مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ قَارَضَهُ بَعْضَ مَا يَشْتَرِي مِنْ السِّلَعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ الْمَالَ الْقِرَاضَ وَيَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْلُ الضَّمَانِ عَنْ مَحَلِّهِ بِإِجْمَاعٍ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُهُ أَبَدًا، وَلِذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا أَوْ يَمِينًا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ وَيُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَبَاقِي الْفَصْلِ سَيَرِدُ بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَيِّنَ الْعَامِلُ رَبَّ الْمَالِ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ إذَا كَانَتْ مَعُونَتُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ الْمَحْضِ وَلَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بِيَدِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمَعُونَةُ يَسِيرَةً مَعَ كَوْنِ الْمَالِ الَّذِي يُقْرِضُهُ بِيَدِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا أَنْ يُبْضِعَ مَعَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ الْقَلِيلُ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا قَلَّ مِنْهُ لِشَرْطِ وَجْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ: إنَّ الْيَسِيرَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِسَبَبِهِ وَيَكُونُ زِيَادَةً مَقْصُودَةً فِيهِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذِكْرَهُ وَاشْتِرَاطَهُ فِي الْعَقْدِ ازْدِيَادٌ فِي الْقِرَاضِ عَلَى الْعَامِلِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مَقْصُودًا فِيهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ مَالِكٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَحَمَّلُ مَالَ الْقِرَاضِ لِكَثْرَتِهِ فَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْعَامِلُ وَمَالُ الْقِرَاضِ نَاضٌّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلُّ الْعَقْدِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَالِ الْعَقْدِ وَكُلُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ حَالَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ مَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بَاقِيًا عَلَى صِفَتِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَدْ شَغَلَهُ الْعَامِلُ فِي تِجَارَةٍ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا وَقْتٌ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ انْتِزَاعُهُ مِنْ الْعَامِلِ فَتَبْعُدُ التُّهْمَةُ فِيهِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَعُونَةُ رَبِّ الْمَالِ لِلْعَامِلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ إذَا كَانَ الْمَالُ بِيَدِ الْعَامِلِ بِأَنْ أَرَادَ الْعَامِلُ أَنْ يُبْضِعَ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِنْ الْعَامِلِ بَعْضَ مَا ابْتَاعَهُ مِنْ السِّلَعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ لِإِبْقَاءِ الْمَالِ بِيَدِهِ أَوْ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْمُقَاسَمَةِ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَى مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ بِنَقْدٍ أَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمَا يَتَبَايَعُ بِهِ النَّاسُ فَقَدْ سَلِمَا مِنْ التُّهْمَةِ وَوُجُوهِ الْفَسَادِ فَجَازَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِيَأْخُذَهَا مِنْ الْقِرَاضِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا خَيْرَ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ سِلَعًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبْتَاعَهَا بِمَالِ الْقِرَاضِ أَوْ لِنَفْسِهِ فَإِنْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ لِلْقِرَاضِ بِمَالِ الْقِرَاضِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ أَنَّهُ خَفَّفَهُ إنْ صَحَّ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَرَاهِيَتَهُ، وَكَذَلِكَ الصَّرْفُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا صَحَّ الْبَيْعُ مِنْهُمَا جَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا يَحْذَرُ مِنْ تَغَابُنِ الْعَامِلِ لَهُ وَزِيَادَتِهِ فِي ثَمَنِ سِلْعَتِهِ فَيَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى أَخْذِ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَرُبَّمَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ نَقْصًا يَحْتَاجُ الْعَامِلُ إلَى جَبْرِهِ بِعَمَلِهِ، وَإِنْ ابْتَاعَ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّبَايُعَ لَمْ يَقَعْ فِي مَالِ التِّجَارَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي ذَلِكَ فَسَادًا فِي عَقْدِهَا كَمُبَايَعَةِ الْأَجْنَبِيِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ابْتَاعَ الْعَامِلُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَعْضَ سِلَعِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْقِرَاضِ أَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ اسْتِدَامَتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ خِلَافًا لِلَّيْثِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ وَإِلَى غُلَامٍ لَهُ مَالًا قِرَاضًا يَعْمَلَانِ فِيهِ جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ مَالٌ لِغُلَامِهِ لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي تَجْوِيزِهِمَا ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا قُلْنَاهُ إنَّ الْقِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَاوِي وَمُبَاعَدَةِ الِازْدِيَادِ مِنْ الْعَامِلِ فَإِذَا بَاعَ مِنْهُ سِلَعًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقِسْمَةِ فَيَزْدَادُ مِنْهُ لِلْقِرَاضِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ وَتَكُونُ أَيْضًا مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْقِرَاضُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ عِنْدَ التَّفَاضُلِ فَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ، وَأَمَّا بِالتَّأْخِيرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ وَكَأَنَّهُ نَحَا بِهِ نَاحِيَةَ الرِّبَا، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْتِيَاعَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ بِمِثْلٍ فَأَقَلَّ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ سَمِعْت أَصْحَابَ مَالِكٍ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعُمْدَتُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ الْعَامِلِ هُوَ الَّذِي وَجَبَ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عِنْدَهُ لِزِيَادَةٍ يَزْدَادُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُشَابِهُ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ عَيْنٌ فَيَتْرُكُهُ عِنْدَهُ لِيَزِيدَهُ فِيهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ بَيْعَ ذَلِكَ الْعَرْضِ وَتَحْصِيلَ ثَمَنِهِ فَإِذَا بَاعَهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّمَنَ الْمُؤَجَّلَ فِيمَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ، وَفِي عَمَلِهِ وَيَضْمَنُ مَعَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى الضَّمَانِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ فَأَقَلَّ ضَعُفَتْ التُّهْمَةُ وَإِذَا كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ مِنْهُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّفَاضُلِ بَعْدَ أَنْ يَرْضَى بِأَخْذِهِ رَبُّ الْمَالِ، فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ بِالنَّقْدِ جَازَ بَيْعُهُ بِأَجَلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ تُهْمَةٍ تُوجَدُ فِيهِ مَعَ التَّأْجِيلِ تُوجَدُ مَعَ النَّقْدِ فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ بَيْعَهَا بِالنَّقْدِ لَمْ يَمْنَعْ بَيْعَهَا بِالتَّأْجِيلِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ مَالَ الْقِرَاضِ وَرَجُلٍ آخَرَ لِيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ يَكُونُ مَعَ الْعَامِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَامِلًا مَعَهُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَالثَّانِي يَكُونُ خَادِمًا لِلْمَالِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَلَيْهِ وَحَافِظًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ عَامِلًا فِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا تَاجِرَانِ أَمِينَانِ فَهُوَ جَائِزٌ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَرِيكٌ لَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ، وَالْعَمَلِ فِيهِ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْقِرَاضِ كَالْأَجْنَبِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ مُقَارَضَةِ الِاثْنَيْنِ أَنْ يَتَسَاوَى حَظُّهُمَا مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخِرِ السُّدُسُ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ النِّصْفُ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِهِمَا ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِأَبْدَانِهِمَا فَلَا يَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِيمَا يَعُودُ نَوْعُهُ عَلَيْهِمَا كَالشَّرِكَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْأَبْدَانِ. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الْعَامِلَيْنِ أَبْصَرَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَامِلُ الْأَجْنَبِيُّ أَبْصَرَ مِنْ غُلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الشَّرِيكَيْنِ فِي التِّجَارَةِ تُسَاوِيهِمَا فِي الْبَصَرِ بِالْعَمَلِ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ كَالْمُعَلِّمَيْنِ، وَالطَّبِيبَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَبْدُ لِخِدْمَةِ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيُعِينُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْفَظُ الْمَالَ مِنْهُ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ لِغُلَامِهِ لَا يَكُونُ الرِّبْحُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ مَا أَبْرَزَتْهُ لِلْغُلَامِ الْقِسْمَةُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ إلَّا بِالِانْتِزَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ لِلسَّيِّدِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فَسَادًا فِي الْقَرْضِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِالْحِصَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا إلَى عَامِلٍ عَلَى أَيِّ جُزْءٍ اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ فَلَا يَبْطُلُ الْقِرَاضُ بِإِضَافَةِ حِصَّةِ أَحَدِ الْعَامِلَيْنِ إلَى حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَبْطُلُ إذَا كَانَ الْعَامِلُ نَائِبًا عَنْ رَبِّ الْمَالِ فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ لَهُ وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ

[ما لا يجوز في القراض]

مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ، ثُمَّ يُقَارِضَهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ السَّيِّدُ فَإِنَّمَا يَنُوبُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَلُهُ لَهُ، وَهُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعَامِلِينَ يَمْلِكُونَ حِصَّتَهُمْ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَسَائِلَ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ بِالْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، وَالتَّسْلِيمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَلَكَ دِينَارٌ فَإِنَّنَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَالتَّسْلِيمِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الرِّبْحَ بِظُهُورِهِ كَصَاحِبِ الْمَالِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي رِبْحِ مَالِ الْقِرَاضِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بِظُهُورِهِ اعْتَبَرْنَا فِي الزَّكَاةِ بِحَالِ الْعَامِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى السَّيِّدِ بِالِانْتِزَاعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ صَحَّ مِنْهُ الْمِلْكُ كَالْحَرْثِ. [مَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ الدَّيْنَ بِيَدِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ وَيَدْخُلَهُ مَا قَالَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ لِلتَّأْخِيرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى بِالْجُزْءِ الْيَسِيرِ مِنْ أَجْلِ بَقَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ فَيَفْتَضِحَ بِإِحْضَارِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا رَضِيَ بِمِثْلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْقِرَاضُ بِالدَّيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُحْضِرُ الْمَالَ، وَالثَّانِي أَنْ يُحْضِرَهُ، فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ أَدْخَلَ الْفَسَادَ عَلَى مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِهِ بِالدَّيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْقِرَاضُ وَأَنْ يَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ أَحْضَرَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَبُّ الْمَالِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيمَنْ غَصَبَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، ثُمَّ رَدَّهَا فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَا أَقْبِضُهَا وَلَكِنْ أَعْمَلُ بِهَا قِرَاضًا إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ أَحْضَرَ الْمَالَ تَبَرُّعًا فَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ اتَّفَقَ مَعَهُ عَلَى إحْضَارِ الدَّيْنِ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ، وَلَوْ جَاءَ بِدَيْنِهِ مُتَبَرِّعًا قَاضِيًا لَهُ فَتَرَكَهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا أَقَامَ إحْضَارَهُ مَقَامَ قَبْضِهِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِجَوْدَتِهِ وَوَزْنِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ بِالِانْتِقَادِ وَالْوَزْنِ فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهِ كَاَلَّذِي لَمْ يُحْضِرْهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ، وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ فِي غَيْرِ الْعُتْبِيَّةِ إنْ نَزَلَ مَضَى وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ قُورِضَ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ غَيْرُ رَأْسِ مَالِهِ مَضْمُونًا كَاَلَّذِي لَمْ يُحْضِرْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَالٌ قَدْ حَضَرَتْ عَيْنُهُ وَعُلِمَتْ بَرَاءَةُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِذَا رَدَّهُ إلَيْهِ قِرَاضًا فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ مِنْهُ. 1 -

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنْ الْقِرَاضِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إلَّا فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ، وَالسِّلَعِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُقَارَضَةَ بِهَا حَتَّى تُحْضَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ غَيْرِ الثِّقَةِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ إذَا كَانَ الْمُودِعُ ثِقَةً وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ الْمُودِعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِرَاضِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي مَنْعِ الْمُقَارَضَةِ بِهَا، وَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْعَدْلِ الثِّقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوَثِّقُ بِقَوْلِهِ هِيَ عِنْدِي لَمْ أَتَصَرَّفْ فِيهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ لَهُ فَصَحَّ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ نَفْسِهِ قِرَاضًا كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ الْقِرَاضُ الْوَدِيعَةِ مَضَى، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَيُصَدَّقُ الْمُودَعُ فِي ضَيَاعِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ وَدِيعَةً لِصَاحِبِهَا بِيَدِ الْمُودِعِ النَّائِبَةِ عَنْ يَدِهِ، وَلَوْ أَحْضَرَهَا لَارْتَفَعَتْ الْكَرَاهِيَةُ فِيهَا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِهَا لِبَقَاءِ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ رَأْسِ الْمَالِ بَلْ هُوَ عَلَى مَا عَقَدَا عَلَيْهِ وَقَبَضَ الْعَامِلُ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا فَمَتَى رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ جُبِرَ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَالِ بِالرِّبْحِ، فَإِنْ فَضَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْجَبْرِ فَضْلَةٌ فَذَلِكَ جَمِيعُ الرِّبْحِ، وَلَوْ اتَّفَقَا بَعْدَ النَّقْصِ عَلَى إسْقَاطِ مَا هَلَكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَاسْتِئْنَافِ الْقِرَاضِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الْمَالِ بَقِيَّةَ مَالِهِ قَبْضًا صَحِيحًا، ثُمَّ يَدْفَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهِ قِرَاضًا مُسْتَأْنَفًا، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُمَا إذَا تَحَاسَبَا فَأَقَرَّا مَا بَقِيَ بَعْدَ الْخَسَارَةِ رَأْسَ مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَقَاضِيًا صَحِيحًا وَمَا عَقَدَاهُ مِنْ الْقِرَاضِ عَقْدًا مُسْتَأْنَفًا أَحْضَرَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْبَارِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُفَاضَلَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْقِرَاضِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يَقْبِضَ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ وَمَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إلَى أَنْ يَزِيدَ الْعَامِلُ فِي حَظِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا يَقْتَضِيهِ عِنْدَ الْقِرَاضِ مِنْ جَبْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَسَارَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا جَائِزٍ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ تَقَعُ فِي ذَلِكَ بِالْقَوْلِ دُونَ الْقَبْضِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ اللَّازِمَةَ تُفْسَخُ بِالْقَوْلِ فَبِأَنْ تُفْسَخَ بِهِ الْجَائِزَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَلَا يَدْخُلُ أَسْوَاقَهَا تَغْيِيرٌ فَلِذَلِكَ يَصِحُّ الْقِرَاضُ بِهَا فَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ الْعَامِلُ الْعَرْضَ قَرْضًا وَقِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَيَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فَيَرْبَحُ مِائَةً فَيَرُدُّهُ وَقِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَيَصِيرُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا يَحْصُلُ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ، وَقَدْ لَا يَرْبَحُ فَيَرُدُّهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَيَبْقَى بِيَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَمْسُونَ فَيَأْخُذُ نِصْفَهَا، وَهُوَ لَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْقِرَاضُ بِالْفُلُوسِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ أَجَازَ الْقِرَاضَ بِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَصْلٍ فِي الْأَثْمَانِ، وَلِذَلِكَ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْعَيْنِ فِي تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ وَبَيْعِهَا بِالْعَيْنِ نَسَاءً فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا كَالْعُرُوضِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَصَحَّ الْقِرَاضُ بِهَا كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ الْقِرَاضُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ الْبُيُوعِ مَا لَا يَجُوزُ إذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ فَأَمَّا الرِّبَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا الرَّدُّ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّقَارِ أَخَفُّ، وَالْفُلُوسُ كَالْعُرُوضِ، وَهَذَا مُقْتَضَى فَسَادِ الْقِرَاضِ وَيَكُونُ لَهُ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَفِيمَا نَضَّ مِنْ ثَمَنِهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ. وَقَالَ أُصْبَغُ هِيَ كَالنِّقَارِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ نَحْوَهُ وَتُرَدُّ فُلُوسًا مِثْلَهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْفُلُوسَ لَا يَحْرُمُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَإِذَا وَقَعَ الْقِرَاضُ بِهَا وَجَبَ فَسْخُهُ كَالْعُرُوضِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا ثَمَنٌ يُتَعَامَلُ بِهِ فَلَا يُفْسَخُ الْقِرَاضُ إذَا وَقَعَ بِهِ كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نِقَارُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ الْقِرَاضِ بِهَا، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ إجَازَةَ ذَلِكَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى مَنْعَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا فِي بَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالتَّمْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَكَانَ الْقِرَاضُ بِهَا مَمْنُوعًا كَالْعُرُوضِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهَا عَيْنٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَصَحَّ الْقِرَاضُ فِيهَا كَالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ وَوَقَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ يَحْيَى رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَا يَفْسَخُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَذَلِكَ عِنْدِي يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى تَوْجِيهٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ قِيمَتَهُ لَا تَتَفَاوَتُ وَلَا يَدْخُلُهَا مِنْ حِوَالَةِ الْأَسْوَاقِ إلَّا مَا يَقْرُبُ مِمَّا يُدْخِلُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُفْسَخْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمَصُوغُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ قَدْ غَيَّرَتْ حُكْمَهُ وَأَلْحَقَتْهُ بِالْعُرُوضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَلَّ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِهَا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغِشُّ عَلَى النِّصْفِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِالسِّكَّةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا فَإِذَا كَانَتْ سِكَّةَ التَّعَامُلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ عَيْنًا وَصَارَتْ أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاضَ بِالْفُلُوسِ فَكَيْفَ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهَا، وَإِنْ اُعْتُرِضَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ انْقَطَعَ فَتَسْتَحِيلُ أَسْوَاقُهَا فَمِثْلُ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ إذَا قُطِعَ التَّعَامُلُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِنْ الْبُيُوعِ بُيُوعًا مَكْرُوهَةً، فَإِنْ فَاتَ أَمْضَى عَقْدَهُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَمْ يُغَيَّرْ كَبَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ أَفْرَكَ وَقَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ أَنْ أَزْهَى يُؤْخَذُ كَيْلًا بَعْدَ أَنْ يُثْمِرَ قَالَ ذَلِكَ عِيسَى، وَزَادَ فِيهِ أَنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَا إذَا فَاتَ نَظَرٌ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ أُعْطِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُنْقَصْ مِمَّا أَخَذَ شَيْئًا، وَإِنْ هِيَ أَدْرَكَتْ، وَلَمْ تَفُتْ فَأَسْقَطَ الْبَائِعُ شَرْطَهُ مَضَى الْبَيْعُ وَلَزِمَهُمَا وَأَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ إلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ الْمَكْرُوهَةِ فَقَطْ بَلْ هُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ، وَكَذَلِكَ مَا يُرَدُّ فِيهِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ كَبَيْعِ الْأَمَةِ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ. قَالَ عِيسَى: وَأَمَّا الَّذِي لَا يَفُوتُ فَالْبَيْعُ الْحَرَامُ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِذَا فَاتَ رُدَّ إلَى الْقِيمَةِ مَا بَلَغَتْ فَفِي قَوْلِ عِيسَى إنَّمَا يَمْضِي مِنْ الْبُيُوعِ بِالثَّمَنِ إذَا فَاتَ مَا كَانَ مَكْرُوهًا، وَلَمْ يَكُنْ حَرَامًا، وَأَمَّا الَّذِي يُرَدُّ إلَى الْقِيمَةِ حِينَ الْقَبْضِ فَهُوَ الْحَرَامُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ إنْ كَانَ بَيْعٌ كَانَ فَسَادُهُ لِعَقْدِهِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْيَانُهَا وَكَابْتِيَاعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَالْبَيْعِ عَلَى

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَلَقِّي السِّلَعِ، فَإِنْ فَاتَ يَمْضِي بِالثَّمَنِ وَمَا كَانَ فَسَادُهُ فِي أَحَدِ عِوَضَيْهِ كَبَيْعِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بَعْدَ الْفَوَاتِ إلَى الْقِيمَةِ وَجْهُ مَا قَالَهُ عِيسَى مَا حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ كَيْلًا مِنْ التَّمْرِ مِنْ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ قَدْ أَزْهَى أَنَّهُ يُرَدُّ لِلْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَكْرُوهِ مَا لَمْ يَفُتْ فَإِذَا فَاتَ أَمْضَى كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ الْمَكْرُوهَةِ إلَّا أَنَّهَا عَلَى صِفَاتِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهَا تُعَادُ فِي الْوَقْتِ لِلْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى أَكْمَلِ صِفَاتِهَا فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ تُعَدْ. وَأَمَّا الْبَيْعُ الْحَرَامُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إنْفَاذُهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ التَّغَابُنُ فِيهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْلَكْ بِالْعَقْدِ كَالصَّلَاةِ إذَا عَرِيَتْ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهَا تُعَادُ أَبَدًا، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي عَقْدِهِ كَانَ فِيهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى وَإِذَا كَانَ فَسَادُهُ فِي عِوَضِهِ كَانَ فِيهِ بَعْدَ الْفَوَاتِ الْقِيمَةُ كَالنِّكَاحِ. (فَصْلٌ) : قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَالِكٌ مِنْ مَقَالَتِهِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقِرَاضِ إلَى ذِكْرِ الْبُيُوعِ وَمَا اُخْتُلِفَ مِنْ ذِكْرِ مَكْرُوهِهَا وَحَرَامِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اعْتَزَى فِيهِ أَنَّ لِلْقِرَاضِ مَكْرُوهًا وَحَرَامًا كَالْبُيُوعِ لَهَا مَكْرُوهٌ وَحَرَامٌ فَمَكْرُوهُ الْقِرَاضِ مَا كَانَ مِنْهُ إذَا فَاتَ بِالْعَمَلِ يَرُدُّ فِيهِ الْعَامِلُ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ مِثْلُ الْمُقَارِضِ بِالسِّلْعَةِ، وَالْمُقَارِضِ عَلَى الضَّمَانِ، وَالْمُقَارِضِ يَشْرِطُ أَوْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ الْمَالَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَهَذَا وَشِبْهُهُ مَكْرُوهُ الْقِرَاضِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَكْرُوهِ الْبَيْعِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ الْبَائِعُ فِي مَكْرُوهِ الْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ إذَا كَانَ أَدْنَى مِنْ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ الْمُقَارِضُ فِي مَكْرُوهِ الْقِرَاضِ وَيُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَحَرَامُ الْقِرَاضِ مَا كَانَ مِنْهُ يُرَدُّ الْمُقَارِضُ بَعْدَ الْعَمَلِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْبُيُوعِ الْحَرَامِ يَرْجِعُ عِنْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ إلَى قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دُونَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الَّتِي قَالَهَا مَالِكٌ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ فِي إيرَادِ مَسْأَلَةِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِإِثْرِ مَسَائِلِ الْقِرَاضِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَمْثِيلُ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ بِالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِرَاضِ الْحَرَامِ، وَالْمَكْرُوهِ مُتَنَازَعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاضَ الْفَاسِدَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ بِهِ إذَا فَاتَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الظَّاهِرُ إنَّهُ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُرَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ يُرَدُّ بَعْضُ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَعْضُهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ بِهَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ نَافِعٍ وَمُطَرِّفُ وَأَصْبَغُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ يَشْتَرِطُهَا أَحَدُهُمَا فِي الْمَالِ دَاخِلَةٌ فِيهِ لَيْسَتْ بِخَارِجَةٍ عَنْهُ وَلَا خَالِصَةٍ لِمُشْتَرِطِهَا فَذَلِكَ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْمَالِ أَوْ خَالِصَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يُرَدُّ إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ وَكُلُّ خَطَرٍ وَغَرَرٍ يَتَعَامَلَانِ عَلَيْهِ خَرَجَا فِيهِ عَنْ سَنَةِ الْقِرَاضِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ أَجِيرٌ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ طَالَ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ زِيَادَةٍ ازْدَادَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ حُكِيَ عَنْ عِيسَى مَا تَقَدَّمَ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ شُبْهَةَ كُلِّ عَقْدٍ وَفَاسِدَهُ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى صَحِيحِهِ إذَا فَاتَ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْإِجَارَاتِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي التَّقْسِيمِ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنِ مُزَيْنٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ أَنْ لَوْ قَالَ كُلُّ قَرْضٍ أُوقِعَ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ وَوُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ إذَا وَقَعَ وَفَاتَ وَمَا كَانَ حَرَامًا لَمْ

[ما يجوز من الشرط في القراض]

مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ بِمَالِي إلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَنْهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِاسْمِهَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا أَوْ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى مَنْ قَارَضَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ غَيْرَهَا كَثِيرَةً مَوْجُودَةً لَا تَخْلُفُ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ أَبَدًا، وَإِنْ فَاتَ كَانَ فِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَلَكِنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَصَدَ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْمَكْرُوهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ كَمَا أَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يَقْصِدْ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ مِنْهَا. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِنَا قِرَاضُ الْمِثْلِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ أَنَّ قِرَاضَ الْمِثْلِ مُتَعَلِّقٌ بِنَمَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلَهُ حِصَّتُهُ فِي مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ وَأَمَانَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ قِرَاضَ الْمِثْلِ حِصَّةً ثَابِتَةً مَعَ وُجُودِ الرِّبْحِ وَعَدَمِهِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْجُزْءُ الَّذِي يُعَامَلُ مِثْلُهُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ الْمَالِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِذِمَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ بِإِجَارَةِ ثَابِتَةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ خَسَارَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبِ إنَّ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ. (فَرْقٌ) وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامِلَ فِي قِرَاضِ الْمِثْلِ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ إلَى أَنْ يَنِضَّ الْمَالُ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ قَبْضُ دَيْنِهِ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَبَيْعُ عُرُوضِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ إثْبَاتُ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ إنْ جَحَدَهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَهَا الْعَامِلُ. [مَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ بِسِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ بِالْحَيَوَانِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَهُ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْقَى لَهُ مِنْ السِّلَعِ مَا لَا يُعْدَمُ التِّجَارَةُ فِيهَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا وَقْتَ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ أُقَارِضُك عَلَى أَنْ لَا تَشْتَرِيَ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ كَثِيرَةً مَوْجُودَةً وَلَا تُعْدَمُ التِّجَارَةُ فِيهَا وَلَا تُعْدَمُ هِيَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْحَيَوَانِ، وَالطَّعَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَدْ تَعْدَمُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ تَتَعَذَّرُ التِّجَارَةُ بِهَا لِقِلَّتِهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ لَمْ تَجُزْ الْمُقَارَضَةُ بِهَا وَعَقْدُ الْقِرَاضِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا اشْتَرَطَ مَا يُنَافِي عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ عُرُوضًا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ النَّمَاءُ وَالرِّبْحُ، وَإِذَا قَالَ لَا تَشْتَرِ إلَّا هَذَا الثَّوْبَ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْدَمَ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ رِبْحٌ فَيَبْطُلَ مَقْصُودُ الْقِرَاضِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الْقِرَاضَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ قِرَاضٍ وَقَعَ فَاسِدًا مِمَّا يَرُدُّ فِيهِ الْعَامِلَ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ مَتَى عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبْتَاعَ بِالْمَالِ شَيْئًا فُسِخَ، وَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ ابْتَاعَ بِالْجَمِيعِ كَانَ فَسْخُهُ الْمَنْعَ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْعَمَلِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهْمًا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا تَفْرِيعَ وَإِذَا قُلْنَا يُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ وَابْتَاعَ بِبَعْضِ الْعَيْنِ سَلَفًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فَعِنْدِي إنْ اشْتَرَى بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا خَطْبَ لَهُ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِالْكَثِيرِ وَبَقِيَ الْكَثِيرُ فَهُوَ

[ما لا يجوز من الشرط في القراض]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ وَنِصْفَهُ لِصَاحِبِهِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا سَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَلَالٌ، وَهُوَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَكِنْ إنْ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَمَا فَوْقَهُ خَالِصًا لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاضُ الْمُسْلِمِينَ) . مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ الْعَامِلِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ خَالِصًا دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يَكُونُ مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا سَلَفٌ وَلَا مِرْفَقٌ يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارَضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَزْدَادُهُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إجَارَةً وَلَا تَصْلُحُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَخْذِهِ الْمَالَ أَنْ يُكَافِئَ وَلَا يُوَلِّي مِنْ سِلْعَتِهِ أَحَدًا وَلَا يَتَوَلَّى مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَإِذَا وَفَرَ الْمَالُ وَحَصَلَ عَزْلُ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ لَمْ يَلْحَقْ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنْ الْوَضِيعَةِ، وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ، وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ مِنْ نِصْفِ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ وَيَتْرُكُ الْبَاقِيَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ اشْتَرَطَ مِنْ الْمُتَعَامِلَيْنِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْلُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ حِصَّةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَدَدًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ ذَلِكَ الْعَدَدُ أَنْ يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ الرِّبْحِ فَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَظٌّ مِنْ الرِّبْحِ، وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقِرَاضِ إلَّا عَلَى حَظٍّ مِنْ الرِّبْحِ فَلِذَلِكَ كَانَ الرِّبْحُ عَلَى الْأَجْزَاءِ لَا عَلَى الْعَدَدِ، فَإِنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْأَجْزَاءِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ مُقَدَّرًا بِالْعَدَدِ، وَلَوْ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَقْدَ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَجْزَاءِ فَإِذَا اشْتَرَطَ فِيهِ عَدَدًا مُسْتَثْنًى أَدْخَلَ الْجَهَالَةَ فِي الْأَجْزَاءِ الْمُشْتَرَطَةِ وَلَا يُعْلَمُ حِينَئِذٍ كَمْ مِقْدَارُهَا وَلَا يَعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْأَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَمْ يَتَقَدَّرْ بِجُزْءٍ وَلَا بِعَدَدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرْطِ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَعَامِلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّبْحِ شَيْئًا لَا يُفْضِي إلَى الْأَجْزَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مَعَ الْقِرَاضِ بَيْعٌ وَلَا كِرَاءٌ وَلَا عَمَلٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَمِلَ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ لَازِمَةٌ وَعَقْدُ الْقِرَاضِ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَالْجَوَازُ ضِدُّ اللُّزُومِ فَلَمَّا تَنَافَى مُقْتَضَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ مُقْتَضَاهُ وَيُوجِبُ فَسَادَهُ وَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْآخَرُ لِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَقَعَ بَيْعٌ وَقِرَاضٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ يُفْسَخُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ وَيُعْمَلُ فِي الْقِرَاضِ ثُمَّ يَتَقَارَضَانِ قِرَاضًا صَحِيحًا إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ سِلْعَةٌ الْبَيْعَ، وَقَدْ عُمِلَ فِي الْمَالِ فُسِخَ الْبَيْعُ وَكَانَ أَجِيرًا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ وَعُمِلَ فِي الْمَالِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَهُ قِيمَةُ سِلْعَتِهِ وَيُرَدُّ فِي الْقِرَاضِ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَيَكُونُ نَمَاءُ الْمَالِ لِرَبِّهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا كَالصَّانِعِ يَأْخُذُ الْقِرَاضَ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ فَاتَ فَهُوَ أَجِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُمَا عَلَى قِرَاضِهِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَيَكُونُ فِي الْمَالِ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ دُونَ اشْتِرَاطِ عَمَلِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا سَلَفَ وَلَا مِرْفَقَ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّلَفَ طَرِيقُهُ اللُّزُومُ، وَكَذَلِكَ عُقُودُ الْمَرَافِقِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُنَافِي عُقُودَ الْجَوَازِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَرِبْحُ السَّلَفِ لِلْعَامِلِ، وَهُوَ فِي الْمِائَةِ الْأُخْرَى أَجِيرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ فِي قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا يُعَيِّنُ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا عِوَضٍ إلَّا لِمُجَرَّدِ الْمَعْرُوفِ، وَالْمِرْفَقِ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَهُ فِيهِ وَلَا يَعُودُ بِفَسَادِ الْقِرَاضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِمَعْنَى الْقِرَاضِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْقِرَاضِ. (فَصْلٌ) : وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَقَارَضَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ زِيَادَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ غَيْرِ رِبْحِ الْقِرَاضِ كَانَتْ مَعَ الْقِرَاضِ إجَارَةً إنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْعَامِلُ، وَإِنْ اشْتَرَطَهُ صَاحِبُ الْمَالِ فَإِنَّهُ عَمَلٌ وَعَيْنٌ مَعْلُومٌ بِعَيْنٍ مَجْهُولٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَنْ اشْتَرَطَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مَا أَدْخَلَ الْفَسَادَ فِي الْعَقْدِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَابْتِدَاؤُهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ فَسَخَ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ وَاسْتَأْنَفَ عَقْدًا صَحِيحًا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا بَعْدَ الْعَمَلِ فَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إنْ أَبْطَلَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ مُشْتَرِطُهُ صَحَّ الْعَقْدُ وَتَمَادَيَا عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى بَعْدَ الْعَمَلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ دَخَلَ الْقِرَاضَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ صَارَ إجَارَةً وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ مَعْلُومٍ يُرِيدُ إنْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ فَهُوَ إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْقِرَاضِ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْعَمَلِ حَقُّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يُتَرَقَّبُ خُرُوجُهُ مِنْ النَّمَاءِ فَإِذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ ذَهَبًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَهَبٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ عِوَضِهَا مَعْلُومًا فَإِذَا كَانَ بَعْضُ عِوَضِهَا مَجْهُولًا مُتَرَقَّبًا مِنْ النَّمَاءِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ عَلَى التِّجَارَةِ بِالْمَالِ وَبَيْنَ الْقِرَاضِ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ يَسْتَأْجِرُهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ فِي مَالِهِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مُعَيَّنٍ مَقْبُوضٍ أَوْ مُقَدَّرٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ، فَإِنْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي النَّمَاءِ الْمُتَرَقَّبِ لَمْ يَجُزْ وَمَعْنَى الْقِرَاضِ أَنْ يُعَامِلَهُ مُعَامَلَةً جَائِزَةً لِيَعْمَلَ فِي مَالِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ الْمُتَرَقَّبِ فَإِنْ صُرِفَ شَيْءٌ مِنْ عِوَضِ الْعَمَلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ

(ص) : (مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ سِنِينَ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ قَالَ وَلَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّكَ لَا تَرُدُّهُ إلَى سِنِينَ لِأَجَلٍ يُسَمِّيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَكُونُ إلَى أَجَلٍ وَلَكِنْ يَدْفَعُ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ إلَى الَّذِي يَعْمَلُ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَالْمَالُ نَاضٌّ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا تَرَكَهُ وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ، وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى يُبَاعَ الْمَتَاعُ وَيَصِيرَ عَيْنًا، فَإِنْ بَدَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَرُدَّهُ، وَهُوَ عَرْضٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَبِيعَهُ فَيَرُدَّهُ عَيْنًا كَمَا أَخَذَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي أَخَذَ الْمَالَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَعَ أَخْذِهِ الْمَالَ أَنْ يُكَافِئَ وَلَا يُوَلِّي مِنْ سِلْعَتِهِ أَحَدًا وَلَا يَتَوَلَّى مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ إلَّا أَنْ يُكَافِئَ مِنْهُ مَنْ أَسْدَى إلَيْهِ مَعْرُوفًا يَخْتَصُّ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَافَأَ مِنْهُ أَحَدًا بِمَعْرُوفٍ أَسْدَى إلَيْهِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ وَحُسْنِ النَّظَرِ لَجَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ أَحَدًا سِلْعَةً يَرْجُو فِيهَا نَمَاءً وَرِبْحًا، وَأَمَّا إذَا وَلَّاهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَهُوَ نَفْعٌ يُقْصَدُ مَعَ الْمُكَايَسَةِ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهَذَانِ الْفَصْلَانِ إذَا كَانَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَاجَرَةِ فَلِلْعَامِلِ فِعْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِهَا، وَلَوْ اشْتَرَطَهَا لَمَا فَسَدَ بِذَلِكَ الْقِرَاضُ، وَإِنْ كَانَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُمَا وَيُفْسِدُ ذَلِكَ الْعَقْدَ، وَإِنْ فَعَلَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَانَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِ الْعَامِلِ، وَأَمَّا أَنْ يَتَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ سِلْعَةً فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِبَعْضِ النَّمَاءِ الْحَاصِلِ فِي الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهُ وَيَلْزَمَهُ الْعَامِلُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا حَضَرَ الْمَالُ وَحَصَلَ عَزْلُهُ، ثُمَّ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا يُرِيدُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْإِخْرَاجِ فِي قِسْمَةِ الْقِرَاضِ رَأْسُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُسَلَّمَ إلَى صَاحِبِهِ وَيَصِيرَ فِي قَبْضِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْرَأَ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِذَا سُلِّمَ إلَى صَاحِبِهِ وَتَصَيَّرَ فِي قَبْضِهِ كَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَهُ رِبْحٌ حَاصِلٌ فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى مَا سَمَّيَا فِي الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ وَيَجْرِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ دُونَ أَنْ يَحْضُرَ رَأْسُ الْمَالِ أَوْ حَضَرَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّ تِلْكَ قِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ دَخَلَ الْمَالَ نَقْصٌ رُدَّ مِنْ الرِّبْحِ مَا يُجْبَرُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِهِ قَالَهُ عِيسَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ لَهُ رِبْحٌ أَوْ دَخَلَتْهُ وَضِيعَةٌ لَمْ يَلْحَقْ الْعَامِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا مِمَّا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا مِنْ الْوَضِيعَةِ، وَذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ بَعْدَ إخْرَاجِ رَأْسِ الْمَالِ وَرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ رِبْحٌ يُقَسَّمُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خُسْرَانٌ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِ رَدُّ شَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ سَافَرَ فِيهِ سَفَرًا يَقْتَضِي الْإِنْفَاقَ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ لِمَالِ الْقِرَاضِ مِنْ كِرَاءِ حَمْلٍ وَإِجَارَةِ نَشْرٍ وَطَيٍّ، وَقَوْلُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِهِ يُرِيدُ مَالَ الْقِرَاضِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ إلَّا فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَقِّتَ الْقِرَاضَ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ قَبْلَهَا، وَإِنْ عَادَ الْمَالُ عَيْنًا، وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَقَدْ كَمُلَ الْقِرَاضُ فَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَا يَعْمَلُ بِهِ إذَا كَانَ عَرْضًا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ فَلَمْ يَتَوَقَّتْ بِمُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ كَالشَّرِكَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَلَمْ يُوَقَّتْ بِزَمَنٍ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَمْنَعُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ إنْ وَقَعَ فَسَخْتُ الشَّرْطَ وَأَثْبَتُّهُمَا

[زكاة القراض]

زَكَاةُ الْقِرَاضِ (ص) : (مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ لِمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَضْلًا مِنْ الرِّبْحِ ثَانِيًا فِيمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ حِصَّةِ الزَّكَاةِ الَّتِي تُصِيبُهُ مِنْ حِصَّتِهِ) . (ص) : (مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مَنْ قَارَضَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ لِرَجُلٍ يُسَمِّيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ أَجِيرًا بِأَجْرٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قِرَاضِهِمَا قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ هُوَ حَسَنٌ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ فَهُوَ أَجِيرٌ، وَالرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَالضَّمَانُ مِنْهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ بَدَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْضِيَهُ بَعْدَ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ يَلْزَمُ بِتَغَيُّرِ عَيْنِ الْمَالِ وَاَلَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ عَمَلٌ مُعْتَادٌ فَفِي مِثْلِهِ يَرْجِعُ بِهِ الْمَالُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْنِ لِتَمَكُّنِ الِانْفِصَالِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ بِأَنْ يَبْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً أُخْرَى أَوْ يَسْتَأْنِفَ بِهِ تِجَارَةً ثَانِيَةً، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقِرَاضَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ الَّتِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَقَعُ الِانْفِصَالُ فِيهِ إلَّا وَهُوَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي انْعَقَدَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعُودَ الْمَالُ عَيْنًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي انْعَقَدَ بِهَا الْقِرَاضُ فَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلَانِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ مَا كَانَ عَيْنًا فَإِذَا غَيَّرَهُ فِي سِلْعَةٍ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمَالُ عَيْنًا فَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ بِهِ وَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ تَرْكُهُ بِيَدِهِ إذَا صَارَ عَرْضًا لِيَتَخَلَّصَ لِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ الَّتِي لَهَا عَمَلٌ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ يَصِيرَ الْمَالُ عَيْنًا يُرَدُّ مِنْهُ رَأْسُ الْمَالِ وَيَتَخَلَّصُ بَعْدَ ذَلِكَ الرِّبْحُ لِتَصِحَّ الْمُقَاسَمَةُ فِيهِ. [زَكَاةُ الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةَ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعُودُ إلَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَدَدًا مِنْ الرِّبْحِ يَنْفَرِدُ بِهِ ثُمَّ تَطْرَأُ الْقِسْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرُبَّمَا اسْتَغْرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَدَدُ جَمِيعَ الرِّبْحِ فَيَسْقُطُ حَظُّ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ مَعَ وُجُودِهِ وَاشْتِرَاطِهِ لَهُ، وَذَلِكَ يُنَافِي الْجَوَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةَ الرِّبْحِ مِنْ حِصَّتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ التَّتَارُكُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ جُزْءًا شَائِعًا فَكَانَ جَائِزًا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ النِّصْفَ وَرُبْعَ الْعُشْرِ وَلِلْعَامِلِ النِّصْفُ غَيْرُ رُبْعِ الْعُشْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ الزَّكَاةَ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ زَكَاةَ الرِّبْحِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِطَ زَكَاةَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فِي حِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ زَكَاةَ الْمَالِ مِنْ رَأْسِ الرِّبْحِ فَقَدْ قَالَ عِيسَى لَا يَجُوزُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ جَوَازَ ذَلِكَ وَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجَهَالَةِ، وَالْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي رَأْسِ مَالِهِ فِي قِلَّتِهِ أَوْ كَثْرَتِهِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ لَزِمَ رَبَّ الْمَالِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ زَكَاةَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَزَكَاةَ الرِّبْحِ مِنْهُ، ثُمَّ تَقَعُ الْقِسْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا شَرَطَ الْعَامِلُ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهِ زِيَادَةَ جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ وَلَا تَأْثِيرَ لِتَخْصِيصِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ كَمَا لَوْ شَرَطَ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ الضَّمَانَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ الْقِرَاضُ عَلَيْهِ وَمَا مَضَى مِنْ رِبْحِ سَنَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَإِنَّمَا الْمَالُ عَلَى شَرْطِ الضَّمَانِ كَانَ قَدْ ازْدَادَ فِي حَقِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ أَجْلِ مَوْضِعِ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى غَيْرِ الضَّمَانِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ لَمْ أَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الْقِرَاضِ بَاطِلٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ هَذَا التَّعْيِينَ فَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَالِ سُنَّتُهُ التَّصَرُّفُ وَطَلَبُ الِاسْتِرْخَاصِ فَإِذَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَنَصَّ عَلَى الِابْتِيَاعِ مِنْ مُعَيَّنٍ فَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ إلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُعَيَّنِ يَبْتَاعُ مِنْهُ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ أُجْرَتُهُ بِضَمَانِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ مَجْهُولٌ وَمِقْدَارَهُ مَجْهُولٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُوسِرًا لَا تَعْدَمُ عِنْدَهُ السِّلَعُ وَالْمَتَاجِرُ أَوْ مُعْسِرًا يَعْدَمُ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَالَهُ عِيسَى وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَمْنَعُ وُجُودَ النَّمَاءِ غَالِبًا وَيَعْتَمِدُ عَلَى اخْتِيَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ جُمْلَةً أَوْ مِنْ مُبَايَعَتِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا يُرْجَى بَعْدَهُ رِبْحٌ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُفْسَخُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ صُحِّحَ بِمَا يَصِحُّ بِهِ الْقِرَاضُ الْفَاسِدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا فِي حَانُوتٍ مُعَيَّنٍ) وَأَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إلَّا بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ حَيْثُ عَقَدَا الْقِرَاضَ وَكَانَ لَا يُعْدَمُ فِيهِ التِّجَارَةُ الَّتِي يَقْصِدَانِ لِعِظَمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَثْرَةِ مَتَاجِرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَتَاجِرُ تُعْدَمُ فِيهِ لِصِغَرِهِ لَمْ يَجُزْ فَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِ الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لِيَتَّجِرَ بِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ لِيَبِيعَ فِيهِ مَا يَحْمِلُ إلَيْهِ وَيَجْلِبُ مِنْهُ مَا يَشْتَرِي فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ التِّجَارَةَ بِبَلَدٍ يُعْلَمُ وُجُودُهَا بِهِ أَبَدًا كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ بَلَدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ قِرَاضًا يَذْهَبُ بِهَا إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ بِعَيْنِهِ لِيَشْتَرِيَ بِهَا مَتَاعًا وَيَقْدُمَ بِهَا إلَى الْمَدِينَةِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِهَا وَشَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ قِرَاضُ النَّاسِ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَرَوَى أَصْبُغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتَهُ فِيمَنْ قَارَضَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبُحَيْرَةِ أَوْ الْفَيُّومِ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا قِيلَ لَهُ فَالْمَكَانُ بَعِيدٌ مِثْلُ بَرْقَةَ وَإِفْرِيقِيَّةَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا يَشْتَرِي بِهَا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا اشْتِرَاطٌ عَلَى الْعَامِلِ سَفَرًا بِعَيْنِهِ وَرُبَّمَا عَدِمَ التِّجَارَةَ وَالرِّبْحَ فِيهِ لِكَسَادِ سُوقٍ أَوْ انْقِطَاعِ طَرِيقٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ التِّجَارَةَ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ التِّجَارَةِ لَا يَكَادُ يَخْلُفُهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْمَعْهُودِ فَجَازَ أَنْ يُقْصَرَ الْعَامِلُ عَلَيْهِ كَالتُّجَّارِ فِي الْبَزِّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ لَا يَقْتَضِي ضَمَانَ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَمَانَةَ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَلِذَلِكَ إذَا شَرَطَ نَقْلَ الضَّمَانِ عَنْ مَحَلِّهِ بِإِجْمَاعٍ اقْتَضَى ذَلِكَ فَسَادَ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ، فَإِنْ ادَّعَى ضَيَاعَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ صُدِّقَ، وَإِنْ ادَّعَى رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا دَفَعَ الْقِرَاضَ عَلَى الضَّمَانِ وَجَبَ فَسْخُهُ مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَرُدَّ فِيمَا قَدْ مَضَى مِنْهُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحْصِيلِ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى هَيْئَتِهِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي رَدِّ جَمِيعِ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى غَيْرِ ضَمَانٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ادَّعَى خَسَارَةً وَكَانَ وَجْهُ مَا ادَّعَاهُ مَعْرُوفًا بِأَنْ يَكُونَ مَنْ سَافَرَ مِثْلَ سَفَرِهِ أَوْ تَجَرَ مِثْلَ تِجَارَتِهِ أَصَابَهُ

[القراض في العروض]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْتَاعَ بِهِ إلَّا نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ أَوْ نَسْلَ الدَّوَابِّ وَيَحْبِسُ رِقَابَهَا قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِرَاضِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعَهُ كَمَا يُبَاعُ غَيْرُهُ مِنْ السِّلَعِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُقَارِضُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا يُعِينُهُ بِهِ عَلَى أَنْ يَقُومَ مَعَهُ الْغُلَامُ فِي الْمَالِ إذَا لَمْ يَعُدْ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْمَالِ لَا يُعِينُهُ فِي غَيْرِهِ) . الْقِرَاضُ فِي الْعُرُوضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا إلَّا فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْمُقَارَضَةُ فِي الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ الْمُقَارَضَةَ فِي الْعُرُوضِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ صَاحِبُ الْعَرْضِ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ فَبِعْهُ فَمَا خَرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ فَاشْتَرِ بِهِ وَبِعْ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَقَدْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْمَالِ فَضْلًا لِنَفْسِهِ مِنْ بَيْعِ سِلْعَتِهِ وَمَا يَكْفِيهِ مِنْ مُؤْنَتِهَا، أَوْ يَقُولَ اشْتَرِ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ وَبِعْ فَإِذَا فَرَغْت فَابْتَعْ لِي مِثْلَ عَرْضِي الَّذِي دَفَعْت إلَيْك، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْعَرْضِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْعَامِلِ فِي زَمَنٍ هُوَ فِيهِ نَافِقٌ كَثِيرُ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَرُدَّهُ الْعَامِلُ حِينَ يَرُدُّهُ وَقَدْ رَخُصَ فَيَشْتَرِيهِ بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعَامِلُ قَدْ رَبِحَ نِصْفَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ يَأْخُذُ الْعَرْضَ فِي زَمَانٍ ثَمَنُهُ فِيهِ قَلِيلٌ فَيَعْمَلُ فِيهِ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ يَغْلُو ذَلِكَ الْعَرْضُ وَيَرْتَفِعُ ثَمَنُهُ حِينَ يَرُدُّهُ فَيَشْتَرِيهِ بِكُلِّ مَا فِي يَدِهِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ وَعِلَاجُهُ بَاطِلًا فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ نَظَرَ إلَى قَدْرِ أَجْرِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْقِرَاضَ فِي بَيْعِهِ إيَّاهُ وَعِلَاجِهِ فَيُعْطَاهُ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَالُ قِرَاضًا مِنْ يَوْمِ نَضَّ الْمَالُ وَاجْتَمَعَ عَيْنًا وَيُرَدُّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ أَوْ كَانَ وَجْهُهُ مَعْرُوفًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُعْرَفُ فَرَوَى ابْنُ أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ ضَامِنٌ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ نَخْلًا يُوقِفُ رِقَابَهَا وَيَكُونُ رِبْحُهَا ثِمَارَهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يُعَامَلُ عَلَيْهِ الْمُقَارِضُ هُوَ التِّجَارَةُ دُونَ السَّقْيِ، وَالْقِيَامِ عَلَى النَّخْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ سَقْيِ النَّخْلِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا غَيْرَ مُقَدَّرَةٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكُونَ حِصَّةً مِنْ ثَمَرَةِ ذَلِكَ النَّخْلِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ، وَالثَّمَرَةُ عِوَضًا عَنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ، وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ عَلَى الدَّوَابِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ نَسْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَزْكُو بِغَيْرِ عَمَلٍ كَالْمَاشِيَةِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ الْعَامِلُ بِالرِّقَابِ الرِّبْحَ فَيَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقِرَاضِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَالْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَزْرَعَ مِثْلَ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ كَثِيرًا غُلَامًا يُعِينُهُ فِيهِ بِالْخِدْمَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَوْ اشْتَرَطَ خِدْمَةَ الْغُلَامِ فِيمَا يَخُصُّ الْعَامِلَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَالْمُسَاقَاةِ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ الْغُلَامَ يُعِينُهُ فِي السَّقْيِ وَالْخِدْمَةِ. [الْقِرَاضُ فِي الْعُرُوضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقِرَاضُ إلَّا بِالْعَيْنِ

[الكراء في القراض]

الْكِرَاءُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ مَتَاعًا فَحَمَلَهُ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ فَبَارَ عَلَيْهِ وَخَافَ النُّقْصَانَ إنْ بَاعَ فَتَكَارَى عَلَيْهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَبَاعَ بِنُقْصَانٍ فَاغْتَرَقَ الْكِرَاءُ أَصْلَ الْمَالِ كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ وَفَاءٌ لِلْكِرَاءِ فَسَبِيلُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ بَعْدَ أَصْلِ الْمَالِ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهُ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتِّجَارَةِ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يُتْبِعَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُتْبَعُ بِهِ رَبُّ الْمَالِ لَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي قَارَضَهُ فِيهِ فَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يُحَمِّلَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَارَضَهُ بِعَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَرْضَ فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُهُ فَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا يَكُونُ الثَّمَنُ رَأْسَ الْمَالِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُسْتَأْنَفٌ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الْقِرَاضِ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ هُبُوبُ الرِّيَاحِ وَنُزُولُ الْمَطَرِ وَاسْتِدْلَالٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا قِرَاضٌ وَإِجَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي عَقْدٍ لِاخْتِلَافِ مُقْتَضَاهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ هَذَا الْعَرْضَ عَلَى الْقِرَاضِ يَكُونُ الْعَرْضُ رَأْسَ الْمَالِ تَرُدُّ إلَيَّ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ مِثْلَهُ فَمَا فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ رِبْحٌ بَيْنِي وَبَيْنَك فَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ الْغَرَرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَرْضَ فِي وَقْتِ رُخْصِهِ وَيَرُدَّهُ فِي وَقْتِ غَلَائِهِ، فَيَذْهَبُ رَبُّ الْمَالِ بِرِبْحِ الْمَالِ أَوْ يَأْخُذُهُ فِي وَقْتِ نَفَاقِهِ وَيَرُدُّهُ فِي وَقْتِ كَسَادِهِ فَيَشْتَرِيهِ بِبَعْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَيُقَاسِمُهُ الْبَعْضَ الْآخَرَ دُونَ أَنْ يُنَمِّيَ بِعَمَلِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ بِمَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهُ وَيَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ نَفَاقُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقِرَاضُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْعَيْنِ وَجَبَ أَنْ يُصَحَّحَ بِهِ عِنْدَ الْفَوَاتِ فَيَكُونَ الْقِرَاضُ مِنْ وَقْتٍ صَحَّ الثَّمَنُ وَحَصَلَ بِيَدِ الْعَامِلِ وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِرَاضُ بِهِ لِوَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُصَحَّحُ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَيُرَدُّ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ لَمْ يُرَدَّ إلَى الْبَيْعِ الصَّحِيحِ. (فَرْعٌ) وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي ذَلِكَ قِسْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ إذَا أَعْطَاهُ عَرْضًا بِقِيمَتِهِ وَجَعَلَا تِلْكَ الْقِيمَةَ رَأْسَ الْمَالِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَظْهَرُ إلَيَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصَدَ إلَى أَنْ يَعْمَلَ بِالثَّمَنِ وَيَكُونَ مَا قَوَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ أَنَّهُ أَجِيرٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُشْتَرَطَةٌ إمَّا لِرَبِّ الْمَالِ وَإِمَّا لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ بِالْعَرْضِ فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ ثَمَنٌ قَالَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَهُ حُكْمُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا إنَّهُ أَجِيرٌ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ فِيهَا زِيَادَةٌ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ بِنَقْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرُدَّهُ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ يَرُدَّهُ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ لِلْعَامِلِ. [الْكِرَاءُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَطْلَقَ يَدَ الْعَامِلِ مِنْ مَالِهِ عَلَى رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ دُونَ غَيْرِهِ فَكُلُّ مَا عَمِلَ فِيهِ الْعَامِلُ مِنْ عَمَلٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ عَادَ ذَلِكَ بِخُسْرَانٍ أَوْ رِبْحٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِيهِ دُونَ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ لَحِقَ الْعَامِلَ بَعْدَ ذَلِكَ غُرْمٌ بِسَبَبِ مَالِ الْقِرَاضِ فَهُوَ مُلْتَزِمٌ مُتَعَدٍّ فِي الْتِزَامِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ.

[التعدي في القراض]

التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ رِبْحِ الْمَالِ أَوْ مِنْ جُمْلَتِهِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ، ثُمَّ نَقَصَ الْمَالُ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ مِنْ مَالِهِ فَيُجْبَرُ بِهِ الْمَالُ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الْمَالِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ بِيعَتْ الْجَارِيَةُ حَتَّى يُجْبَرَ الْمَالُ مِنْ ثَمَنِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التَّعَدِّي فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَبْتَاعَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيلَادِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ جَارِيَةٌ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَيَطَؤُهَا فَتَحْمِلُ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقِيمَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ ثَمَنِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَدَّى عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ وَبِهِ فَاتَتْ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَطِئَهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْحَمْلِ لَمْ يَمْنَعْهَا الْوَطْءُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا إلَى الْقِرَاضِ فَإِذَا فَاتَتْ بِالْحَمْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ رَدَّهَا إلَى الْقِرَاضِ وَكَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحَمْلِ أَكْثَرَ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ أَكْثَرَ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ ابْتِدَاءِ التَّفْوِيتِ فِيهَا، وَالْوَطْءُ كَانَ سَبَبَ فَوَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا أَكْثَرَ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ أُتْلِفَ بِالتَّعَدِّي، وَقَدْ رَضِيَ بِضَمَانِهِ حِينَ وَطِئَهَا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَسَلَّفَ ثَمَنَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا فَتَعَدَّى عَلَى جَارِيَةٍ مِنْ الْقِرَاضِ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ وَيُتْبِعَهُ بِقِيمَتِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْوَطْءِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَلَا مِمَّا نَقَصَهَا الْوَطْءُ شَيْءٌ وَبَيْنَ أَنْ تُبَاعَ عَلَيْهِ جَمِيعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ حِصَّتُهُ مِنْهَا إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُ مَا بِيعَ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ النَّصِيبِ الَّذِي بِيعَتْ عَنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ اتَّبَعَتْهُ بِذَلِكَ النُّقْصَانِ بِنَصِيبِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا وَأَتْبَعَهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَالَهُ عِيسَى، وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ أَشْهَبَ فَإِنَّهُ مَنْ ضَمِنَ قِيمَةَ أَمَتِهِ بِالْوَطْءِ مِنْ شَرِيكٍ أَوْ مُقَارِضٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهَا عَلَيْهِ يَوْمَ الْحُكْمِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَلَدٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَكُونُ يَوْمَ الْوَطْءِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ فِيهَا مَا كَانَ مِنْ نَمَاءٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَاعَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ وَرَاعَى أَشْهَبُ يَوْمَ الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا وَتَسَلَّفَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا فَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ تُبَاعَ لَهُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَسَلَّفَ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْعَدَمِ بِقِيمَتِهَا وَلَا تُبَاعُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّنْمِيَةِ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَبْضَعَ مَعَهُ مَالًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ مَا وَجَدَ لَهُ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا أَوْ ثَوْبًا يَخْتَصُّ بِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَسْلَفَ عَيْنًا وَعَلَيْهَا وَقَعَ تَعَدِّيهِ فَكَانَ مَا اشْتَرَى فِيهِ لِلْمُتَعَدِّي لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَسَبَّبَ بِحُرْمَةِ الْعِتْقِ، فَإِذَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فَلَمْ أَمْنَعْ صَاحِبَ الْمَالِ مِنْ عِوَضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ جَارِيَةً، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَطْلُبَ الرِّبْحَ فَإِذَا حَكَمْت لَهُ بِالْقِيمَةِ فَقَدْ مَضَى لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُودِعُ الْوَدِيعَةِ جَارِيَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِ فِي يُسْرٍ وَلَا عُسْرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ الْقِرَاضِ، وَالْبِضَاعَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تُوضَعْ عِنْدَهُ لِلتَّنْمِيَةِ فَيَكُونُ قَدْ قَصَدَ إلَى إبْطَالِ غَرَضِ صَاحِبِهَا عَنْهَا، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عِنْدَهُ لِلْحِفْظِ، وَتَسَلُّفُهَا لَا يُنَافِي حِفْظَهَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ بِيعَتْ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ أَخَذَهَا وَقَضَاهُ مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُقَارِضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ أَوْ النُّقْصَانِ بِحِسَابِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يَتَسَلَّفَهَا، الْوَدِيعَةُ وَالْقِرَاضُ إنَّمَا دُفِعَا إلَيْهِ لِلتَّنْمِيَةِ فَإِذَا تَسَلَّفَهَا فَقَدْ قَصَدَ إلَى إبْطَالِ غَرَضِ صَاحِبِ الْمَالِ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَاعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ أَوْ الْبِضَاعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَلَوْ ابْتَاعَ الْوَدِيعَةِ ثَوْبًا لِنَفْسِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ رَبُّهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَمْ تَحْمِلْ أَوْ تَسَلَّفَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَلَمْ تَحْمِلْ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الَّذِي تَسَلَّفَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْوَطْءِ أَوْ يُلْزِمُهُ إيَّاهَا بِالثَّمَنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ لَكَانَ لَهُ رَدُّهَا إلَى مَالِ الْقِرَاضِ فَلَمَّا فَاتَتْ بِالْوَطْءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْفَوْتِ أَوْ يُسَوِّغَ الِاسْتِسْلَافَ فَيُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُبَاعُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ فَاتَ اسْتِرْجَاعُهَا إلَى مَالِ الْقِرَاضِ بِالْوَطْءِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي أَسْقَطَتْ الْحَدَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ، وَلَمْ يَفُتْ بَيْعُهَا عَلَيْهِ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ عَاجِلًا يَبِيعُهَا بِهِ أَوْ مُؤَجَّلًا يَتْبَعُهُ بِهِ، وَهَذَا حُكْمُ الْبِضَاعَةِ إذَا ابْتَاعَ بِهَا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَفُوتُ بِالْوَطْءِ رَدُّهَا إلَى الْبِضَاعَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ إذَا تَعَدَّى فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، وَالشِّرَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا مَا هُوَ نَقْدٌ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِنَقْدٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَغَيْرِ صَاحِبِ مَالِ الْقِرَاضِ فَيُرِيدُ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَهَذَا لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَلَا اشْتِرَاطَ حِينَ عَقْدِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ حِينَ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَتُهُ إذَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ قَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ يَقْصِدَا فِيهِ اسْتِقْرَارَ الرِّبْحِ لِقِلَّةِ مَالِ الْقِرَاضِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ الْآخَرِ وَجْهُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ اسْتِقْرَارَ الرِّبْحِ بِمَالِ الْعَامِلِ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ أَشَدُّ تَأَتِّيًا، وَالْأَرْبَاحَ أَغْزَرُ وَأَمْكَنُ وَإِذَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يَمْنَعُ الْعَقْدُ وُجُودَهُ فِيهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ اشْتِرَاطَ رَبِّ الْمَالِ لَهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا رِبْحَ مَالِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ اشْتِرَاطَ رَبِّ الْمَالِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا رِبْحَ مَالِهِ النَّقْدِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ لَهُ فِعْلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ اشْتِرَاطُهُ غَيْرَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَشَرْطُ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ فَهَلْ يُفْسَخُ أَمْ؟ لَا قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ أَخَذَ قِرَاضًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ أَوْ عَلَى إنْ شَاءَ خَلْطَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ الْأَوَّلُ أَشَدُّ، فَإِنْ فَعَلَا لَمْ يُفْسَخْ بِهِ الْقِرَاضُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُسَلِّفَهُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا يَزِيدُهُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ) فَهَذَا هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ،. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ رَبَّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بِيعَتْ السِّلْعَةُ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ أَوْ لَمْ تُبَعْ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ وَيَقْتَضِي مَا أَسْلَفَهُ فِيهَا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَارِضُ شَرِيكًا لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ مَا زَادَ الْعَامِلُ فِيهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ مَا أَسْلَفَهُ الْعَامِلَ رَبُّ الْمَالِ صَبَغَ بِهِ الثِّيَابَ أَوْ قَصَّرَهَا فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ قِرَاضًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ إنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ، وَإِنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنْ الرِّبْحِ، ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا أَقْرَضَهُ فَيَكُونَ عَلَى الْقِرَاضِ أَوْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهُ بِمَا أَدَّى وَيَكُونَ الرِّبْحُ وَالْخَسَارَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ رَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا أَدَّى فَيَكُونَ رَبُّ الْمَالِ شَرِيكًا بِهِ لِمَالِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ كَانَ نَمَاءٌ أَوْ نَقْصٌ قُصِرَ عَلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ وَرَأْسِ الْمَالِ أَوْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثِّيَابَ الَّتِي طَرَّزَهَا وَقَصَّرَهَا بِمَالِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ شَرِيكًا لَهُ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ مِنْ قِيمَةِ الثِّيَابِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا صَرَفَ مَا صَبَغَ بِهِ وَقَصَّرَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْلَفَهُ رَبُّ الْمَالِ لِيُلْحِقَهُ بِالْقِرَاضِ، فَإِنْ رَضِيَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْقِرَاضِ، وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَامِلُ شَرِيكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَهُ وَصَرَفَهُ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ وَطَلَبِ الرِّبْحِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثِّيَابَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهَا بَلْ عَمِلَ فِيهَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا أَسْلَفَ رَبَّ الْمَالِ وَقَبَضَ صَاحِبُ الْمَالِ السَّلَفَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعَ ذَلِكَ الْمَالَ الَّذِي طَرَّزَ بِهِ وَصَبَغَ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكَانَ شَرِيكًا بِهِ لِمَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي أَنْ يُلْحِقَهُ بِالْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِي ذَلِكَ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَإِنْ أَبَى رَبُّ الْمَالِ مِنْ قَبُولِ السَّلَفِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ الثِّيَابَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى بِخَلْطِ مَالِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ لَهُ خَلْطُ مَالِهِ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَا أَسْلَفَهُ اكْتَرَى بِهِ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ الْعَامِلَ لَا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا، وَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ دَيْنٌ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّبْغَ يُحْسَبُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَهُ حَظٌّ مِنْ الرِّبْحِ لِمَنْ بَاعَ مُرَابَحَةً، وَالْكِرَاءُ لَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ سِلْعَةٍ قَائِمَةٍ فِي الْبَزِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ شَرِيكًا بِالسِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا أَضَافَ إلَى مَالِ الْقِرَاضِ مَا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا كَالصَّبْغِ، وَالْقِصَارَةِ فَذَهَبَ الْمَالُ إلَى قَدْرِ مَا أَضَافَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مَنْعُهُ إلَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ بِهِ شَرِيكًا كَالْكِرَاءِ فَتَلِفَ الْمَالُ إلَّا بِقَدْرِ الْكِرَاءِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ثَمَنَ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ، هُوَ بِهِ شَرِيكٌ، وَالْكِرَاءُ سَلَفٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَنْهُ مَا لَزِمَهُ كَمَنْ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْقِرَاضِ، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُنْفِقَ، وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا ثُمَّ دَفَعَهُ الْعَامِلُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ فَعَمِلَ فِيهِ عَلَى الْقِرَاضِ دُونَ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَنْقُصْ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ دَخَلَهُ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَدَخَلَهُ نَقْصٌ بِيَدِ الثَّانِي فَالْأَوَّلُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ بِذَلِكَ التَّعَدِّي. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دَخَلَهُ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ، فَإِنْ دَخَلَتْهُ زِيَادَةٌ وَكَانَ أَعْطَاهُ عَلَى مِثْلِ مَا أَخَذَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِرَاضِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُقَاسِمُ الْعَامِلَ الثَّانِي عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُقَاسِمُ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَالِ لَوْ قَاسَمَ صَاحِبَهُ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَى الثَّانِي وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الثَّانِي مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَالِ وَرِبْحِهِ وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ نَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي ظَهَرَ عِنْدَهُ وَأَسْلَمَهُ إلَى الْعَامِلِ الثَّانِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ دَخَلَ الْمَالَ نَقْصٌ بِيَدِ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الرِّبْحِ فَرَبِحَ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ بِيَدِ الثَّانِي مَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِمَّا بِيَدَيْهِ مِنْ الْقِرَاضِ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ نَقَصَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلنُّقْصَانِ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاسْتَسْلَفَ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ مَالًا وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ إنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَشْرَكَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِهَا، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ الْمَالِ كُلَّهُ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِكُلِّ مَنْ تَعَدَّى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الْغَيْرِ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ مَا صَارَ إلَى الْعَامِلِ الثَّانِي مِنْ الْمَالِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِينَ فَيَضِيعَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ أَرْبَعُونَ وَيَدْفَعَ إلَى الْعَامِلِ الثَّانِي أَرْبَعِينَ فَصَارَتْ بِعَمَلِ الثَّانِي مِائَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ ثَمَانِينَ وَنِصْفَ مَا بَقِيَ بِاسْمِ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ وَيَأْخُذُ الْعَامِلُ الثَّانِي الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بِبَقِيَّةِ مَالِهِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي حَقِّهِ سِتُّونَ لَهُ مِنْهَا النِّصْفُ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ رَأْسُ الْمَالِ مَا بِيَدِ الْعَامِلِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ ثُمَّ يَأْخُذُ نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ ثُمَّ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ أَتْلَفَ الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ أَخْذِهَا مِنْهُ فَيَكْمُلُ لَهُ مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ نَقْدٍ رَجَعَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ، وَقَدْ أَخَذَ سَبْعِينَ فَيَكْمُلُ عِنْدَهُ رَأْسُ مَالِهِ وَرِبْحُهُ تِسْعِينَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَصْلَ الْمَالِ وَرِبْحَهُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْمَالِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْعَامِلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ عَلَيْهِ، وَيَدُ الْعَامِلِ لَيْسَتْ بِيَدٍ تَمْلِكُ وَلَا مُسَلَّمٌ إلَيْهَا بِحَقٍّ بَلْ إنَّمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَالُ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَصْلِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَتْلَفَ الْأَرْبَعِينَ مِنْهُ وَرِبْحُهُ لِصَاحِبِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْأَصْلِ إنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطَهُ مِنْ الرِّبْحِ، ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَجَعَلَ صَاحِبَ الْمَالِ مُقَدَّمًا بِأَخْذِ مَالِهِ بِأَصْلِ عَقْدِ الْقِرَاضِ وَمَا شَرَطَهُ فِيهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَهُ الْعَامِلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ إنَّ الْمَالَ بِيَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَكَانَ أَحَقَّ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رِبْحِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَصَاحِبُ الْمَالِ فِي الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ الْعَامِلُ الثَّانِي عَلَى غَيْرِ الْجُزْءِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَهُ الْأَوَّلُ عَلَى النِّصْفِ فَيَدْفَعَهُ إلَى الثَّانِي عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ ضَامِنٌ عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِنْ رَبِحَ الثَّانِي فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى بِثُلُثَيْ الرِّبْحِ بِجَمِيعِ نِصْفِ الرِّبْحِ وَلِلْعَامِلِ الثَّانِي النِّصْفُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بِالسُّدُسِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ إنَّ الْعَامِلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِثُلُثَيْ الرِّبْحِ ثُمَّ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ بِتَمَامِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ رَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ شَرْطُهُ مِنْ الرِّبْحِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْعَامِلَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَكُونُ لِلَّذِي عَمِلَ شَرْطُهُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ مَا شَرَطَهُ فَيَأْخُذُ هَذَا مَا شَرَطَ أَيْضًا مِنْ بَاقِي الْمَالِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ مِنْ تِجَارَتِهِ فَيَأْخُذَهُ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَبَضَ الثَّانِي رَأْسَ الْمَالِ كَامِلًا فَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِمَّا بَقِيَ زَائِدَةً. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ وَفِيهِ نَمَاءٌ وَتِجَارَةٌ الْأَوَّلُ، فَيَأْخُذُ الثَّانِي مَالَهُ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي رَبِحَهُ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبْحِ الَّذِي لَهُ وَلِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِمَّا بَقِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَأَمَّا لَوْ أَخَذَهُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَدْ نَقَصَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ مَا تُسْتَوْفَى مِنْهُ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حِصَّتِهِ عَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَتَعَدَّى مَا أَمَرَ بِهِ وَاسْتَسْلَفَ لِيَنْفَرِدَ بِرِبْحِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنَّ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى

[ما يجوز من النفقة في القراض]

مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْمِلُ النَّفَقَةَ فَإِذَا شَخَصَ فِيهِ الْعَامِلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَكْتَسِيَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ قَدْرِ الْمَالِ وَيَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضُ مُؤْنَتِهِ وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْلَمُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا، مِنْ ذَلِكَ تَقَاضِي الدَّيْنِ وَنَقْلُ الْمَتَاعِ وَشَدُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُقَارِضِ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَكْتَسِيَ مِنْهُ مَا كَانَ مُقِيمًا فِي أَهْلِهِ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ النَّفَقَةُ إذَا شَخَصَ فِي الْمَالِ وَكَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ النَّفَقَةَ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ مُقِيمٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَلَا كِسْوَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِرَاضِ الَّذِي عَقَدَاهُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَيُضَمِّنَهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ رَبِحَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ ضَمِنَهُ الْعَامِلُ لِلتَّعَدِّي، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى وَجْهِ التَّنْمِيَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ إلَى مَا يَنْفَرِدُ بِمَنْفَعَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وَجْهَ نَظَرٍ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ يَكُونُ الدَّافِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي دَفَعَهُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ لَهُ تَعَدِّيَهُ وَيُضَمِّنَهُ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي اشْتَرَى السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ إنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ مَالٌ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَتَعَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَسْلَفَهُ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً يَنْفَرِدُ بِهَا فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي السِّلْعَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِ الْقِرَاضِ فَيَكُونُ رِبْحُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى حُكْمِ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ الْقِرَاضَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ لَفْظَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِي السِّلْعَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا رِبْحٌ وَبِذَلِكَ يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهَا شِرْكٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يُلْزِمُهُ إيَّاهَا وَيُضَمِّنُهُ ثَمَنَهَا، وَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ فِيهَا وَيَكُونُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مَعَ مَالِ الْقِرَاضِ، وَيَكُونُ بِأَنْ يَنْزِعَ مِنْهُ مَالَ الْقِرَاضِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ جَمِيعَ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَغْرَمَهُ الثَّمَنَ صَارَ عَيْنًا فَكَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مُعْظَمُ مَالِ الْقِرَاضِ عُرُوضًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَتِمَّ عَمَلُهُ فِيهِ. [مَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَكَانَ يَعْمَلُ بِهِ فِي الْحَضَرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانِ الْعَامِلِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِيهِ وَلَا كِسْوَةَ وَلَا مُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُ بِهِ لِلْعَمَلِ بِالْمَالِ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْمُؤْنَةَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ شَغَلَهُ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ فَأَوْجَبَ مُقَامَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَهْلٌ بِبَلَدٍ آخَرَ مُسْتَوْطِنًا لِلْجِهَتَيْنِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مَا أَقَامَ بِالْمَالِ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، وَرَوَى ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ فِي الَّذِي لَهُ أَهْلٌ بِبَلَدِ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَهْلٌ حَيْثُ يُسَافِرُ إلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مُقَامِهِ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانِ لَهُ فَكَانَتْ لَهُ فِيهَا النَّفَقَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ تِجَارَتُهُ فِي السَّفَرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرَبِ كَالْحَجِّ، وَالْغَزْوِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْفَارِ الْقُرَبِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرَبِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مَالِ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِرَاضِ ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ التِّجَارَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ النَّفَقَةُ فِيهِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ تُقْطَعُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ، وَالْقُرْبَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُخْلِصَ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ وَالْغَرَضُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِسَبَبٍ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ لَهُ كَالسَّفَرِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِيطَانِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ مَعْنَاهُ التِّجَارَةُ فِي الْحَجِّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا سَفَرٌ مَقْصِدُهُ بِمَالِ الْقِرَاضِ إلَى مَوْضِعِ غَيْرِ اسْتِيطَانٍ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي كَثِيرِهِ كَمَا لَوْ أَرَادَ سَفَرًا مَعَ السَّفَرِ لِلْقِرَاضِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّفَرُ مِنْ أَسْفَارِ الْقُرْبَةِ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ حَاجَةً مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي بَلَدٍ فَلَمَّا تَجَهَّزَ أَعْطَاهُ رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا فَأَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ مَعَهُ فَهَلْ لَهُ نَفَقَةٌ فِي مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ لَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِيهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَالٌ حَصَلَتْ تَنْمِيَتُهُ بِسَفَرٍ عَرَا عَنْ الْقُرْبَةِ، وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْوَطَنِ فَكَانَتْ نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِيهِ كَمَا لَوْ سَافَرَ إلَى أَهْلِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ هَذَا الْمَالِ فَلَمْ تَكُنْ نَفَقَةُ الْعَامِلِ فِيهِ كَمَا لَوْ سَافَرَ إلَى أَهْلِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ النَّفَقَةُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِمَالٍ لِلتِّجَارَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تُفَضُّ عَلَى الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ نُظِرَ إلَى قَدْرِ نَفَقَتِهِ فِي طَرِيقِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِائَةً وَكَانَ مَالُ الْقِرَاضِ تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ مِنْ نَفَقَتِهِ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا وَعَلَيْهِ عُشْرُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ سَافَرَ بِمَالِ الْقِرَاضِ إلَى بَلَدٍ هُوَ بِهِ مُسْتَوْطِنٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الذَّهَابِ وَلَهُ النَّفَقَةُ فِي الْإِيَابِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ غَرَضَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى أَهْلِهِ مَنَعَهُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي رُجُوعِهِ إلَّا تَنْمِيَةَ الْمَالِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّفَرُ إلَى الْغَزْوِ فَإِنَّ غَرَضَهُ فِي الذَّهَابِ الْغَزْوُ وَغَرَضَهُ فِي الرُّجُوعِ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدِ الْكُفْرِ فَمَنَعَ ذَلِكَ النَّفَقَةَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ بِبَلَدِ صَاحِبِ الْمَالِ وَأَهْلٌ حَيْثُ يُسَافِرُ أَنَّ لَهُ النَّفَقَةَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي مُقَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الذَّهَابِ وَلَا الْإِيَابِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ قَدْ تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ بِالْمَالِ قَرِيبًا مِثْلُ دِمْيَاطَ فِي مِثْلِ مَنْ يَخْرُجُ لِشِرَاءِ صُوفٍ أَوْ سَمْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْمُقَامَ لِشِرَاءِ الْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا الشَّهْرَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ سَفَرٌ، وَإِنْ قَرُبَ الْمَكَانُ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ وَيَكْتَسِي فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَأْكُلُ وَلَا يَكْتَسِي وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ يَكْتَرِي مِنْهُ مَرْكُوبًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّفَقَاتِ الَّتِي تَخْتَصُّ لِقَرِيبِ الْمُدَدِ يَلْزَمُ هَذَا السَّفَرَ لِقُرْبِهِ كَالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي قَرِيبِ السَّفَرِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي كِسْوَةً لِيَوْمٍ وَلَا لِيَوْمَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ بَعِيدًا فَلِلْعَامِلِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ مُؤْنَتُهُ الْمُعْتَادَةُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَكِرَاءِ مَسْكَنٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ وَحِجَامَةٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَغَسْلِ ثَوْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا الْإِنْسَانُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحِجَامَةِ، وَالْحَمَّامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي حِجَامَةٍ وَحَمَّامٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ مُسَافِرٌ فِي حَضَرٍ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَصْلُهُ مَا يَأْكُلُ وَيَكْتَسِي بِهِ وَأَمَّا الدَّوَاءُ فَلَيْسَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى مُعْتَادِ الْعَادَةِ، وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعْتَادَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَحَالِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَفَقَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا كَثْرَةُ الْمَالِ وَقِلَّتُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا حَالُ مَنْ يُنْفَقُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَخَرَجَ بِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِنْ الْقِرَاضِ وَمِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِ الْمَالِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَإِنَّ الَّذِي يَلْزَمُ مَالَ الْقِرَاضِ مِنْ كِسْوَةِ الْعَامِلِ كِسْوَةُ مِثْلِهِ فِي مُقَامِهِ وَسَفَرِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الَّذِي لَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ الَّتِي لَوْلَا الْخُرُوجُ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ يَبْطُلُ بِالنَّفَقَةِ لِلْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُدْخِلُهُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ فِي الْمَالِ. (فَرْعٌ) وَكَمْ مَبْلَغُ الْمَالِ الْكَثِيرِ؟ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْقِرَاضِ، وَالْبِضَاعَةِ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ أَرْبَعِينَ أَنَّ نَفَقَةَ الْعَامِلِ وَالْمُبْضِعِ مَعَهُ وَكِسْوَتَهُمَا فِي بَعِيدِ السَّفَرِ وَفِي السَّفَرِ الْقَرِيبِ نَفَقَتُهُ دُونَ كِسْوَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَالُ يَسِيرًا لَا يَحْتَمِلُ مُؤْنَةَ الْعَامِلِ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْعَامِلِ فِيهِ نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ فِي بَعِيدِ السَّفَرِ وَلَا قَرِيبِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الْيَسِيرَ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَقَةَ وَلَا يُقْصَدُ بِسَبَبِهِ السَّفَرُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَحْتَمِلُ النَّفَقَةَ فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ أَجِيرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اشْتَرَطَ زِيَادَةً لَا يَقْتَضِيهَا مُطْلَقُ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَ الْقِرَاضُ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مِنْ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ خَالِصًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضُ مُؤْنَتِهِ يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى حِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا سُنَّةُ هَذَا الْمَالِ فِي الْقِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِنْ الْأَعْمَالِ أَعْمَالٌ لَا يَعْمَلُهَا الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَعْمَلُهَا يُرِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْأَعْمَالِ لَا يَعْمَلُهَا الْمُقَارِضُ مِنْ الْقِصَارَةِ، وَالصَّبْغِ، وَالْخِيَاطَةِ، وَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَعْمَلَهَا الصُّنَّاعُ وَمِنْهَا مَا لَا يَعْمَلُهَا مِثْلُ الْمُقَارِضِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ أَكْثَرَ النَّاسِ عَمَلُهَا كَالشَّدِّ، وَالطَّيِّ، وَالنَّقْلِ فَمِثْلُ هَذَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْعُمَّالِ مَنْ لَهُ الْحَالُ، وَالْمَعْرُوفُ، وَالتَّصَاوُنُ فَيُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتَقَاضِي الدَّيْنِ يُرِيدُ حَقَّهُ، وَالْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَأَمَّا قَبْضُهُ فَهُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبْضَ الْأَجِيرِ الْمَأْمُونِ الدَّرَاهِمَ الْيَسِيرَةَ فَيَأْتِيهِ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إذَا سَافَرَ الْعَامِلُ بِمَالِ الْقِرَاضِ وَبِمَالٍ آخَرَ وَأَنْشَأَ السَّفَرَ لَهُمَا فَإِنَّ نَفَقَتَهُ وَمُؤْنَتَهُ مُقَسَّطَةٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ كَانَ بِسَبَبِهِمَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُطْلَقِ عَقْدِ الْقِرَاضِ هَلْ يَقْتَضِي السَّفَرَ بِالْمَالِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْعَامِلِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اسْمَ الْعَقْدِ مَأْخُوذٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ السَّفَرَ فَمُحَالٌ أَنْ يُنَافِيَهُ مُطْلَقُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا وَجْهٌ مَقْصُودٌ مِنْ وُجُوهِ التَّنْمِيَةِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَأْذُونٌ لَهُ فِي الشِّرَاءِ بِعَقْدٍ جَائِزٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ السَّفَرُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ كَالْوَكِيلِ عَلَى الشِّرَاءِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ أَمَّا الْمَالُ الْيَسِيرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ سَفَرًا بَعِيدًا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الْيَسِيرَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْفَاقَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَقْتَضِ سَفَرًا يُنْفِقُ الْعَامِلُ فِيهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما لا يجوز من النفقة في القراض]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ مَعَهُ مَالُ قِرَاضٍ فَهُوَ يَسْتَنْفِقُ مِنْهُ وَيَكْتَسِي أَنَّهُ لَا يَهَبُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا وَلَا غَيْرَهُ وَلَا يُكَافِئُ فِيهِ أَحَدًا فَأَمَّا إنْ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ حَلَّلَهُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُحَلِّلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا لَهُ مُكَافَأَةٌ) . الدَّيْنُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بِدَيْنٍ فَرَبِحَ فِي الْمَالِ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ قَالَ إنْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ الْمَالَ وَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَبِيهِمْ مِنْ الرِّبْحِ فَذَلِكَ لَهُمْ إذَا كَانُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ كَرِهُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَخَلُّوا بَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ وَبَيْنَهُ لَمْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقْتَضُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ إذَا أَسْلَمُوهُ إلَى رَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ اقْتَضَوْهُ فَلَهُمْ فِيهِ مِنْ الشَّرْطِ وَالنَّفَقَةِ مِثْلُ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ ثِقَةٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الْمَالَ فَإِذَا اقْتَضَى جَمِيعَ الْمَالِ وَجَمِيعَ الرِّبْحِ كَانُوا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْهِبَةِ مِنْهُ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يُعْطِي مِنْهُ سَائِلًا وَلَا غَيْرَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي مِنْهُ مَنْ سَأَلَ الدَّرَاهِمَ وَالثِّيَابَ وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ الْكِسْوَةَ، وَالْقِطْعَةَ لِلسَّائِلِ الرَّاضِي بِالدُّونِ الْمُتَكَفِّفِ لِلنَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَّا إنْ اجْتَمَعَ هُوَ وَقَوْمٌ فَجَاءُوا بِطَعَامٍ وَجَاءَ هُوَ بِطَعَامٍ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاسِعًا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَرُفَقَاؤُهُ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الرُّفَقَاءِ أَنْ يَتَخَارَجُوهُ فِي النَّفَقَاتِ فَيُخْرِجُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَتَعَاوَنُ فِيهِ ثُمَّ يُنْفِقُونَ مِنْهُ فِي طَعَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَشْمَلُهُمْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَأْكُلُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ وَمَنْ يَصُومُ فِي يَوْمٍ دُونَ رُفَقَائِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَدْعُوا الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِتَوَلِّي طَعَامَهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَشْغَلُهُ عَمَّا هُوَ بِسَبَبِهِ مِنْ أَمْرِ سَفَرِهِ، فَإِذَا تَرَافَقَ جَمَاعَةٌ تَوَلَّى كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مِنْ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ وَلِأَصْحَابِهِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ الصَّحَابَةُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ إلَى هَلُمَّ جَرًّا لَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَفَضُّلًا مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ إنَّ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ الْجَمَاعَةُ جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِطَعَامٍ فَأَكَلُوا جَمِيعًا فِي سَفَرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَفَضُّلًا مِنْ الْعَامِلِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَفَضُّلًا إذَا أَتَى بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَنْمِيَةٌ لِمَالِ التِّجَارَةِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ إمَّا بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ وَيُمْضِيَ فِعْلَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَحْتَسِبَ بِقَدْرِ التَّفَضُّلِ عَلَى نَفْسِهِ. [الدَّيْنُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَامِلَ إذَا تُوُفِّيَ بَعْدَ أَنْ يَشْغَلَ مَالَ الْقِرَاضِ فَإِنَّ حَقَّ عَمَلِهِ فِيهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ

) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُمْ فِي الْمَالِ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ عَنْ مَوْرُوثِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَشَغْلُ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِهِ أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ إنْ أَرَادُوا الْعَمَلَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ لِمَوْرُوثِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ حَلُّوا مَحَلَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بِهِ زَادَهُ وَكِسْوَتَهُ أَوْ اكْتَرَى رَاحِلَةً لِيُسَافِرَ ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ) فَإِنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَيَأْخُذَ مَا ابْتَاعَ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ إنْ دَخَلَ ذَلِكَ نَقْصٌ عَمَّا ابْتَاعَهُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقُولُوا لَا بُدَّ أَنْ نَعْمَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَوْرُوثَهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَدَمِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ سَافَرَ بِهِ، وَلَمْ يَبْتَعْ بِهِ شَيْئًا فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ لِرَبِّ الْمَالِ إنْ مَاتَ وَقَدْ سَافَرَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ وَإِنْ الْتَزَمَ نَفَقَتَهُ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا أَشْخَصَ بِالْمَالِ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّ نَفَقَتَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ فِي مَالِ الْقِرَاضِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ لَيْسَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ مَقْصُودٌ وَتَصَرُّفٌ مُعْتَادٌ لِلتِّجَارَةِ فَمُنِعَ أَخْذُ مَالِ الْقِرَاضِ كَالشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَالَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَخْذُهُ أَصْلُهُ إذَا لَمْ يُسَافِرْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا اشْتَرَى سِلَعًا فَبَاعَهَا بِرِبْحٍ يُرِيدُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي أَنْ يَبِيعَ بِالدَّيْنِ وَالْعَرْضِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَبْتَاعَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِدَيْنٍ لَمْ تَخْرُجْ تِجَارَتُهُ عَنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَإِذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ خَرَجَ عَمَلُهُ عَنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَيَعُودُ ذَلِكَ بِالْجَهْلِ بِرَأْسِ مَالِ الْقِرَاضِ بِزِيَادَةٍ يَزْدَادُهَا عَلَى الْعَامِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَبِيعَ بِنَسِيئَةٍ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَمْ يَقْتَضِ مُطْلَقُهُ الْأَجَلَ كَالْوَكَالَةِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَرَطَ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عَمَلٍ عَلَى الْعَامِلِ اشْتَرَطَهُ رَبُّ الْمَالِ، وَالثَّانِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ بَاعَ بِهِ، ثُمَّ فَسَخَا الْقِرَاضَ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ قَبْضُ الدُّيُونِ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ خَسَارَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَزِمَهُ قَبْضُ الدُّيُونِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا دَيْنٌ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَزِمَ الْعَامِلَ قَبْضُهُ أَصْلُهُ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَالَ يُرِيدُ هَلَكَ الْعَامِلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا بَاعَ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقْبِضُوا ذَلِكَ الْمَالَ وَلَهُمْ فِيهِ شَرْطُ أَبِيهِمْ يُرِيدُ مِنْ قَدْرِ الرِّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ إنْ وَجَبَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا كَانُوا أُمَنَاءَ عَلَى ذَلِكَ وَصِفَةُ الْعَامِلِ الَّذِي يَرْفَعُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَى مِثْلِهِ عَالِمًا بِالْعَمَلِ فِيهِ، وَالْحِفْظِ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَامِلِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْمُونًا وَلَمْ يَكُنْ بَصِيرًا بِالْعَمَلِ، وَالتِّجَارَةِ خَسِرَ فِي الْمَالِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِأَمَانَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ، وَلَمْ يَأْتُوا بِأَمِينٍ وَأَرَادُوا تَرْكَ الْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ رِبْحِهِ شَيْءٌ وَلَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَسَارَتِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَا كُلِّفُوا قَبْضَهُ وَلَا صَرْفَهُ عَيْنًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَامِلِ إذَا شَغَلَ الْمَالَ بِسِلَعٍ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْمَالِ حَتَّى يُصَيِّرَهُ عَيْنًا أَنَّ الْعَامِلَ قَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَلْتَزِمُوا إنَّمَا لَهُمْ مَا تَرَكَ مَوْرُوثُهُمْ مِنْ حَقٍّ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مَا تَرَكَ مِنْ عَمَلٍ، وَدَيْنُ الْعَامِلِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، كَمَا لَهُ اسْتِيفَاءُ مَالِهِ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[البضاعة في القراض]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ فَمَا بَاعَ بِهِ مِنْ دَيْنٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إنْ بَاعَ بِدَيْنٍ فَقَدْ ضَمِنَهُ) . الْبِضَاعَةُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفًا أَوْ أَبْضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ أَبْضَعَ مَعَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ لِإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا أَوْ لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَةً، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ أَوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِيُقِرَّ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ أَوْ إنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ لَأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ وَلَا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ، وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ) . السَّلَفُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ قِرَاضًا إنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفًا قَالَ لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ، ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إيَّاهُ إنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصْلُحُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَبِيعَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ بِهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ إنْ كَانَتْ فِيهِ خَسَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَ بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا؛ لِأَنَّ تَعَدِّيَهُ فِي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ الرِّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبِضَاعَةُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَبْضَعَ أَحَدُهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ أَوْ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ بِشَرْطٍ كَانَ فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا فِي الْقِرَاضِ لَيْسَتْ مِنْ الرِّبْحِ فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَكِنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فِي الْمَالِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ وَكَانَ ذَلِكَ لِإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا وَمَوَدَّةٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لِإِبْقَاءِ الْقِرَاضِ وَاسْتِدَامَتِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْهُدْنَةِ لِإِبْقَاءِ الْقِرَاضِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْعَامِلِ يُسَافِرُ بِمَالِ الْقِرَاضِ فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا أُنْفِقُ مِنْ مَالِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا بِعَدٍّ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ الشُّخُوصِ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ عَيْنًا بِعَدٍّ فَفِيهِ تُهْمَةٌ. [السَّلَفُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) :

[المحاسبة في القراض]

الْمُحَاسَبَةُ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الْمَالِ غَائِبٌ قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ حَتَّى يُحْسَبَ مَعَ الْمَالِ إذَا اقْتَسَمَاهُ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُتَقَارَضَيْنِ أَنْ يَتَحَاسَبَا وَيَتَفَاصَلَا، وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ فَيَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ إذَا عَمِلَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ مُدَّةً، ثُمَّ أَخْبَرَ رَبَّ الْمَالِ بِمَبْلَغِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ قَبْضًا نَاجِزًا، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ قِرَاضًا فَعَلَ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَهُ نَقْصٌ، فَيُؤَخِّرَهُ عَنْهُ لِيَضْمَنَ لَهُ النَّقْصَ فِيهِ فَيَدْخُلَهُ السَّلَفُ لِلزِّيَادَةِ وَيَدْخُلَهُ أَيْضًا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ؛ لِأَنَّ لِلْقِرَاضِ بَعْضَ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْخَسَارَةَ فِيهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَوْ ادَّعَى تَبْرِئَةً لَمْ يَضْمَنْ وَإِذَا أَسْلَفَهُ إيَّاهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَحْضَرَ الْعَامِلُ الْمَالَ فَسَأَلَ صَاحِبَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ، ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إنْ شَاءَ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ حُضُورَ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِهِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. [الْمُحَاسَبَةُ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ وَحَضْرَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ حِصَّتَهُ مِنْهُ مُقَاسَمَةٌ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَاسَمَا رِبْحَ الْقِرَاضِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُحَصَّلَ رَأْسُ الْمَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ حَضَرَ الْمَالُ وَصَاحِبُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ أَوْ تَقَاسَمَا الرِّبْحَ وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَقَاءَ الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَبَضَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا قَبْضُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الصِّحَّةِ فِي الْقِرَاضِ أَنْ يُجْبَرَ رَأْسُ الْمَالِ بِرِبْحِهِ، وَلَوْ أَمْضَيْنَا مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مَا قَسَمَاهُ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى أَنْ يُجْبَرَ بِهِ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ إنْ دَخَلَهُ نَقْصٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَوْ شَرَطَاهُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ عَمِلَا ذَلِكَ فَمَنْ قَبَضَ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ، ثُمَّ نَقَصَ رَأْسُ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا قَبَضَ لِيَجْبُرَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ رَدُّ الرِّبْحِ عَلَى مَا بَنَيَا عَلَيْهِ عَقْدَ الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ حِينَ عَقَدَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَبَقِيَ الْبَاقِي بِيَدِ الْعَامِلِ عَلَى الْقِرَاضِ فَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهِيَ الْآنَ شِرْكَةٌ لَا تَصْلُحُ إلَّا أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ فَقَدْ بَقِيَ الْبَاقِي مِلْكًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَمَلُهُ عَنْ رَأْسِ مَالٍ فَهُمَا شَرِيكَانِ وَمُقْتَضَى الشِّرْكَةِ عَمَلُ الشَّرِيكَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الْقِسْمَةِ أَنْ يُحْضِرَ الْمَالَ فَيَأْخُذَ صَاحِبُ الْمَالِ مِنْ الْعَيْنِ مِثْلَ مَا دَفَعَ أَوْ يَأْخُذَ بِهِ سِلْعَةً إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ عَيْنًا أَوْ سِلَعًا إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ زَادَ ابْنُ مُزَيْنٍ لَا رِبْحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالُ حُضُورَ صِحَّةٍ وَيَأْخُذَهُ صَاحِبُهُ أَخْذَ مُفَاصَلَةٍ وَقَطْعٍ لِمَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ قِرَاضًا فَهُوَ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الْقِرَاضِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ فَأَمَّا أَنْ يَحْضُرَ وَيَقْبِضَهُ صَاحِبُهُ قَبْضًا عَلَى غَيْرِ صِحَّةٍ وَمُفَاصَلَةٍ بِانْقِطَاعٍ، ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي الْفَوْرِ قِرَاضًا فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يُقْبَضْ، وَهُوَ قِرَاضٌ وَاحِدٌ يُجْبَرُ الْآخِرُ بِالْأَوَّلِ إنْ جَاءَتْ فِيهِ وَضِيعَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ تَشَاحَّا أَوْ شَحَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَأْخُذْ صَاحِبُ الْمَالِ إلَّا مِثْلَ مَا أَعْطَى وَعَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطَلَبَهُ غُرَمَاؤُهُ فَأَدْرَكُوهُ بِبَلَدٍ غَائِبًا عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ وَفِي يَدَيْهِ عَرْضٌ مُرْبِحٌ بَيِّنٌ فَضْلُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يُبَاعَ لَهُمْ الْعَرْضُ فَيَأْخُذُونَ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ شَيْءٌ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ فَيَأْخُذَ مَالَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى شَرْطِهِمَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَتَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ، ثُمَّ عَزَلَ رَأْسَ الْمَالِ وَقَسَمَ الرِّبْحَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ وَطَرَحَ حِصَّةَ صَاحِبِ الْمَالِ فِي الْمَالِ بِحَضْرَةِ شُهَدَاءَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ لَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الرِّبْحِ إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ شَيْئًا رَدَّهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَرُدَّ جَمِيعَ الْمَالِ فَيَتَفَاسَخَانِ جَمِيعَ الرِّبْحِ بَعْدَ اقْتِضَاءِ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ مَالِهِ سِلْعَةً يَجُوزُ سَلَمُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ الرِّبْحِ عُرُوضًا عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمَالُ دُيُونًا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ عُرُوضًا فَسَلَّمَ ذَلِكَ الْمَالَ إلَى رَبِّ الْمَالِ بِرِضَاهُ بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ صَيَّرَ الْعَامِلُ الْمَالَ عُرُوضًا، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى الْمُقَاسَمَةِ فَقَالَ الْعَامِلُ أَنَا آخُذُ الْعُرُوضَ وَلَك عَلَيَّ رَأْسُ مَالِكَ أَوْ لَك رَأْسُ مَالِكَ وَحِصَّتُك مِنْ الرِّبْحِ كَذَا. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِغُرَمَاءِ الْعَامِلِ بَيْعُ الْمَالِ أَوْ أَخْذُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْمُتَيَقَّنِ فِيهِ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ مِلْكٌ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يَقْبِضَ صَاحِبُ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَيُقَاسِمَهُ الرِّبْحَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَامَ غُرَمَاءُ رَبِّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ وَهُوَ غَائِبٌ وَالْمَالُ عَيْنٌ قَضَى الْغُرَمَاءُ دَيْنَهُمْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَدُفِعَ إلَى الْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ سِلَعًا لَمْ يُحْكَمْ لَهُمْ بِالْبَيْعِ حَتَّى يُرَى لِلْبَيْعِ وَجْهٌ وَلَا يُبَاعُ لَهُمْ مِنْهُ دَيْنٌ حَتَّى يُقْبَضَ، وَلَوْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ تَعْجِيلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْعَامِلِ وَغُرَمَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ عِيسَى وَإِنَّمَا عَيْبَةُ صَاحِبِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ بِضَاعَةً فَلَمَّا قَدِمَ بَلَدَ الِابْتِيَاعِ قَامَ عَلَيْهِ غُرَمَاءُ صَاحِبِ الْمَالِ فَأَثْبَتُوا دَيْنَهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُمْ بِتَقَاضِي الْبِضَاعَةِ فِي دُيُونِهِمْ وَيَكْتُبُ لِلْمُبْضِعِ مَعَهُ بَرَاءَةً، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلِذَلِكَ لَا يُبَاعُ الْمَالُ لِغُرَمَائِهِ وَيُبَاعُ لِغُرَمَاءِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَلَا يَنْفَعُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى فِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ، فَإِنْ تَجَرَ فِيهِ فَرَبِحَ فَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ الرِّبْحِ، وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَيُجْبَرُ بِهِ نَقْصُهُ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ حِصَّتُهُ مِنْ رِبْحِهِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ يَتَسَلَّفُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَتَجَرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى حُكْمِ الْقِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ هَذِهِ حِصَّتُك مِنْ الرِّبْحِ، وَقَدْ أَخَذْتُ لِنَفْسِي مِثْلَهُ وَرَأْسُ مَالِكَ وَافِرٌ عِنْدِي قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يُحْضِرَ الْمَالَ كُلَّهُ فَيُحَاسِبَهُ حَتَّى يُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ وَافِرٌ وَيَصِلَ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرُدَّ إلَيْهِ الْمَالَ إنْ شَاءَ أَوْ يَحْبِسَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ حُضُورُ الْمَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَدْ نَقَصَ فِيهِ فَهُوَ يَجِبُ أَنْ لَا يَنْزِعَ مِنْهُ وَأَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدِهِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ الرِّبْحُ إلَّا بَعْدَ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبْضِ صَاحِبِهِ لَهُ؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَالرِّبْحُ تَبَعٌ فِي الْقِسْمَةِ لِرَأْسِ الْمَالِ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ

[جامع ما جاء في القراض]

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِعْهَا. وَقَالَ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ لَا أَرَى وَجْهَ بَيْعٍ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ قَالَ لَا يُنْظَرُ فِي قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، فَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ بَيْعٍ بِيعَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ رَأَوْا وَجْهَ انْتِظَارٍ اُنْتُظِرَ بِهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَعَمِلَ فِيهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي وَافِرٌ فَلَمَّا أَخَذَهُ بِهِ قَالَ قَدْ هَلَكَ عِنْدِي مِنْهُ كَذَا وَكَذَا لِمَالٍ يُسَمِّيهِ، وَإِنَّمَا قُلْت لَك ذَلِكَ لِكَيْ تَتْرُكَهُ عِنْدِي قَالَ لَا يَنْتَفِعُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ عِنْدَهُ وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ. قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ إنْكَارُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ رَبِحْت فِي الْمَالِ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ وَرِبْحَهُ فَقَالَ مَا رَبِحْت فِيهِ شَيْئًا وَمَا قُلْت ذَلِكَ إلَّا لَأَنْ تُقِرَّهُ فِي يَدَيَّ فَذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَيُؤْخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ وَصِدْقُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهِ رِبْحًا فَقَالَ الْعَامِلُ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ لِي الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ لَك الثُّلُثَ قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَمِينُ إذَا كَانَ مَا قَالَ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا يَتَقَارَضُ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَإِنْ جَاءَ بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ وَلَيْسَ عَلَى مِثْلِهِ يَتَقَارَضُ النَّاسُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرُدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْتَضَى الْقِرَاضِ أَنْ يُجْبَرَ رَأْسُ الْمَالِ بِالرِّبْحِ، وَلَوْ عَقَدَا الْقِرَاضَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِيهِ حَتَّى يُرَدَّ إلَى صَاحِبِهِ وَيَصِيرَ بِيَدَيْهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ مِنْ كَوْنِهِ أَمَانَةً بِيَدَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الْعَامِلِ سِلْعَةً مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبْطَالٌ لِعَمَلِهِ وَإِتْلَافٌ لِمَا يَبْقَى لَهُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْقِرَاضُ قَدْ لَزِمَهُمَا عَلَى وَجْهِ مَا دَخَلَا فِيهِ بِالشِّرَاءِ وَالْعَمَلِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِكَاكُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَعْهُودِ مِنْ التِّجَارَةِ وَطَلَبِ التَّنْمِيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ دَيْنًا دَايَنَ بِهِ الْعَامِلُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ ذَلِكَ وَتَعْجِيلَ مَالِهِ وَأَبَاهُ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآبِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ دَعَا إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الْقِرَاضِ، وَالتِّجَارَةِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْمَالَ بَاقٍ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ قَدْ رَبِحَ فِيهِ، فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْخَسَارَةَ أَوْ ضَيَاعَ الْمَالِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا لَمْ يُقْبَلْ) مُجَرَّدُ إنْكَارِهِ وَأُخِذَ بِأَوَّلِ إقْرَارِهِ، فَإِنْ أَتَى بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ وَجْهُ مَا ادَّعَاهُ وَقَامَتْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ يُرِيدُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْخَسَارَةِ أَوْ ضَيَاعِ الْمَالِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنْكَرَ الْقِرَاضَ جُمْلَةً فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ادَّعَى رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الرَّدِّ وَإِلَّا غُرِّمَ وَلَيْسَ مَنْ ادَّعَى الضَّيَاعَ مِثْلَ مَنْ ادَّعَى الْقَضَاءَ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ إلَّا يَمِينُهُ وَيَبْرَأُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ادَّعَى الضَّيَاعَ بَعْدَ إنْكَارِ الْقَبْضِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ عِيسَى يُصَدَّقُ وَيُغَرَّمُ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ قِرَاضَ مِثْلِهِ دُونَ صَاحِبِ الْمَالِ، وَالثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُشْبِهُ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَدَّعِيَ الْعَامِلُ مَا لَا يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَدْفَعَ إلَى رَبِّ السِّلْعَةِ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَوَجَدَهَا قَدْ سُرِقَتْ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بِعْ السِّلْعَةَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ كَانَ لِي، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْك؛ لِأَنَّك أَنْتَ ضَيَّعْت، وَقَالَ الْمُقَارِضُ بَلْ عَلَيْك وَفَاءُ حَقِّ هَذَا إنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِك الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا إلَى الْبَائِعِ وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضُ إنْ شِئْت فَأَدِّ الْمِائَةَ الدِّينَارِ إلَى الْمُقَارِضِ، وَالسِّلْعَةُ بَيْنَكُمَا وَتَكُونُ قِرَاضًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى، وَإِنْ شِئْت فَابْرَأْ مِنْ السِّلْعَةِ، فَإِنْ دَفَعَ الْمِائَةَ دِينَارٍ إلَى الْعَامِلِ كَانَتْ قِرَاضًا عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاضِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَبَى كَانَتْ السِّلْعَةُ لِلْعَامِلِ وَكَانَ عَلَيْهِ ثَمَنُهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَكُونُ دَعْوَى صَاحِبِ الْمَالِ يُشْبِهُ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يُشْبِهُ، فَإِنْ ادَّعَى الْعَامِلُ مَا يُشْبِهُ وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ مَا لَا يُشْبِهُ أَوْ ادَّعَيَا جَمِيعًا مَا يُشْبِهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رِبْحِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ مَا يُشْبِهُ دُونَ الْعَامِلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَهِدَ لَهُ، وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ، فَإِنْ جَاءَ بِأَمْرٍ يُسْتَنْكَرُ لَمْ يُصَدَّقْ وَرُدَّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَا إنَّ الرِّبْحَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّيَا لِمَنْ الثُّلُثَانِ حِينَ الْعَقْدِ، ثُمَّ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قِرَاضُ مِثْلِهِمَا يُشْبِهُ مَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ أَوْ مَا يَدَّعِيَانِ جَمِيعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَغَارِبَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ جُعِلَ الثُّلُثُ لِلْعَامِلِ مِنْهُمَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْعَامِلَ لَهُ الْيَدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَالَ وَرِبْحَهُ عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِضَى رَبِّ الْمَالِ بِذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ رِضَاهُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَالْبَاقِي ثَابِتٌ عَلَى مِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ رَبُّ الْمَالِ يُشْبِهُ قِرَاضَ الْمِثْلِ دُونَ مَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْبَيِّنَةَ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَكُونُ لَهُ الثُّلُثَانِ دُونَ يَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يُشْبِهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَحْلِفَانِ وَيُرَدَّانِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُرَدَّانِ إلَيْهِ دُونَ يَمِينٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَالنِّيَّةُ عِنْدِي غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُرَدَّا فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُعْقَدَ الْقِرَاضُ وَلَا يَذْكُرَا حِصَّةَ أَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا الثُّلُثَيْنِ لِمُعَيَّنٍ فَقَدْ عَادَ ذَلِكَ بِجَهَالَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ مَجْهُولَةً وَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النِّيَّةِ شَيْئًا فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِ عَلَى تَحْقِيقِهَا، وَلَوْ صَدَّقَهُ صَاحِبُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا أَخَذَ الْمَالَ قِرَاضًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدَيْنٍ أَوْ بِنَقْدٍ، فَإِنْ اشْتَرَاهَا بِدَيْنٍ لِلْقَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْعَامِلُ ثُمَّ نَقَدَ فِيهَا مَالَ الْقِرَاضِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تُقَوَّمُ السِّلْعَةُ الَّتِي اشْتَرَى بِدَيْنٍ بِنَقْدٍ فَيَكُونُ الْعَامِلُ بِذَلِكَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي سِلْعَةٍ وَاحِدَةٍ اشْتَرَاهَا بِدَيْنٍ وَنَقَدَ فِيهَا مَالَ الْقِرَاضِ، وَإِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فَتَبْقَى الْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا غَيْرَ مُجَاوَبٍ عَنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَيْنٍ بِمِائَةٍ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَنَقَدَ فِيهَا حِينَ الْأَجَلِ مِائَةً مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَامِلَ يَضْمَنُ مَا فَضَلَ مِنْ الْمِائَةِ دِينَارٍ عَنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَالسِّلْعَةُ عَلَى الْقِرَاضِ، وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُتَقَارِضَيْنِ إذَا تَفَاصَلَا فَبَقِيَ بِيَدِ الْعَامِلِ مِنْ الْمُبْتَاعِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ خَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ خَلَقُ الثَّوْبِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ تَافِهًا يَسِيرًا لَا خَطْبَ لَهُ فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا أَفْتَى بِرَدِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ ثَمَنٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الدَّابَّةِ أَوْ الْجَمَلِ أَوْ الشاذكونة أَوْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُرَدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يُقَوَّمُ الدَّيْنُ فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْمِائَةِ دِينَارٍ الْمُؤَجَّلَةِ فَمَا فَضَلَ عَنْ الْمِائَةِ دِينَارٍ النَّقْدُ عَنْ قِيمَةِ الْمِائَةِ الْمُؤَجَّلَةِ فَعَلَى الْعَامِلِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ بَاعَهَا الْعَامِلُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ فِيهَا فَرَبِحَ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّبْحَ، وَالْوَضِيعَةَ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ وَكَيْفَ يَأْخُذُ رِبْحَ مَا يَضْمَنُهُ الْعَامِلُ فِي ذِمَّتِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ لَمْ يَتَعَلَّقْ ثَمَنُهَا بِذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحُهَا وَلَمَّا اخْتَصَّتْ بِذِمَّةِ الْعَامِلِ وَضَمَانِهِ كَانَ لَهُ رِبْحُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ اشْتَرَى بِنَقْدٍ فَلَمْ يَنْقُدْ حَتَّى تَلِفَ الْمَالُ الَّذِي بِيَدِهِ فَهَذَا الَّذِي قَالَ إنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ بِعْ السِّلْعَةَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَهُوَ لِي، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ كَانَ عَلَيْك؛ لِأَنَّك ضَيَّعْت الْمَالَ فَلَا حُجَّةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِهِ بِعْ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلِي لِأَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَقُولَ إذَا تَعَلَّقَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ بِذِمَّتِي دُونَ مَالِكَ فَلَا حَظَّ لَك مِنْ الرِّبْحِ، وَلَا حُجَّةَ لِلْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا بِمَالِك الَّذِي أَعْطَيْتنِي فَإِنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ صَدَقْت فَلَا تَطْلُبْ مِنِّي غَيْرَهُ فَإِنَّنِي لَمْ آذَنْ لَكَ تَتَّجِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِي غَيْرَ مَا دَفَعْتُهُ إلَيْك فَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُك فِي غَيْرِهِ وَإِذَا طَلَبْتنِي بِغُرْمِ مَا نَقَصَ فَقَدْ حَوَّلْت تَصَرُّفَك مِنْ مَالِي فِي غَيْرِ مَالِ الْقِرَاضِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمُشْتَرِيَ أَدَاءُ ثَمَنِهَا عَلَى الْبَائِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُهْدَةَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِسِوَاهُ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ مَخْرَجٌ عَنْ مَالِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْقِرَاضُ إنْ شِئْت فَأَدِّ الْمِائَةَ يُرِيدُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى الْعَامِلُ بِدَيْنٍ فَتَكُونُ السِّلْعَةُ عَلَى مَا شَرَطْتَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَإِنْ شِئْت فَابْرَأْ مِنْ السِّلْعَةِ يُرِيدُ أَنْ لَا حَظَّ لَك فِي رِبْحِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْك مِنْ نَقْصِ ثَمَنِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ الْعَامِلُ السِّلْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ ثَمَنَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُتْلِفَ فَرَبِحَ فِيهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاضِ اشْتَرَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ وَعَلَى أَنْ يَنْقُدَ مِنْهُ، وَالْمَالُ الَّذِي عُوِّلَ عَلَى النَّقْدِ مِنْهُ بَاقٍ حِينَ الْبَيْعِ وَظُهُورِ الرِّبْحِ فَكَانَ الْبَيْعُ لِلْقِرَاضِ، وَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِهِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَامِلَ إذَا رَدَّ الْمَالَ وَكَانَ قَدْ سَافَرَ سَفَرًا اكْتَسَى فِيهِ وَتَجَهَّزَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ جِهَازِهِ وَكِسْوَتِهِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ لِلْعَامِلِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَخَلَقِ الْجُبَّةِ، وَالْقِرْبَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَكَذَلِكَ الْغِرَارَةُ، وَالْإِدَاوَةُ قَالَ سَحْنُونٌ وَمَا كَانَ مِنْ الثِّيَابِ تَافِهًا خَلَقًا تُرِكَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلثِّيَابِ بَالٌ بِيعَتْ وَرُدَّ ثَمَنُهَا فِي الْمَالِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَعَانِي تُتْرَكُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ وَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ كِسْوَةٍ أَوْ تَكُونُ طَالِقًا حَامِلًا فَتَضَعُ وَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ كِسْوَةٍ فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ بَالٌ رُدَّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ وَإِذَا كَانَ يَسِيرًا لَا قَدْرَ لَهُ كَانَ بَيْعًا لِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ عَمِلَ فِي الْمَالِ عَمَلًا يَسِيرًا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَقْلِ مَتَاعٍ أَوْ عَمَلٍ خَفِيفٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ عِوَضٌ، وَلَوْ عَمِلَ فِيهِ الصَّنَائِعَ، وَالرُّقُومَ لَكَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا إلَّا أَنْ يَتَحَلَّلَ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُ وَيُعْلِمَهُ بِصِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، فَإِنْ جَعَلَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي حِلٍّ مِنْهُ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا رَدَّ إلَيْهِ مِنْهُ حَقَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الأقضية]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ) (التَّرْغِيبُ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ] [التَّرْغِيبُ فِي الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ عَلَى مَعْنَى الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِصِفَةِ الْبَشَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا يَعْلَمُ الْمُحِقَّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مِنْ الْمُبْطِلِ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَالُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ الْغَيْبِ إلَّا مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، وَلَمَّا كَانَتْ الدُّنْيَا دَارَ تَكْلِيفٍ وَكَانَتْ الْأَحْكَامُ تَجْرِي عَلَى ذَلِكَ أَجْرَى فِي غَالِبِ أَحْكَامِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَحْوَالِ سَائِرِ الْحُكَّامِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْكَاذِبِ مِنْهُمَا، وَقَالَ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَتَنَازَعُونَ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا تَنَازُعًا يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ فَيُخَاصِمُهُ فِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَاكِمُ فِي زَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الْأُمَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ بِالرِّئَاسَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا هُوَ أَوْ مَنْ قَدَّمَهُ لِذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَقَوْلُهُ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وَقَوْلُهُ {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ الْقَاضِي وَالثَّانِي فِي مَجْلِسِهِ وَأَدَبِهِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي) فَأَمَّا صِفَاتُهُ فِي نَفْسِهِ فَإِحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا بَالِغًا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مُفْرَدًا، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَالْخَامِسَةُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَالسَّادِسَةُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، وَالسَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا. فَأَمَّا اعْتِبَارُ الذُّكُورَةِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْقِصَاصِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَاضِيَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَمْرٌ يَتَضَمَّنُ فَصْلَ الْقَضَاءِ فَوَجَبَ أَنْ تُنَافِيهِ الْأُنُوثَةُ كَالْإِمَامَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ عِنْدِي عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ قُدِّمَ لِذَلِكَ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ وَلَا بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ امْرَأَةٌ كَمَا لَمْ يُقَدَّمْ لِلْإِمَامَةِ امْرَأَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدًا مُفْرَدًا فَمَعْنَاهُ أَنْ لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ قَاضِيَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالنَّظَرِ فِي قَضِيَّةٍ وَلَا قَبُولُ بَيِّنَةٍ وَلَا انْفِرَادٌ بِإِنْفَاذِ حُكْمٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي زَاهِيهِ وَالْحَاكِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُ حَاكِمٍ فَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فَيَكُونَانِ جَمِيعًا حَاكِمًا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا أَنْ يُسْتَقْضَى فِي الْبَلَدِ الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالنَّظَرِ فِي مَا يُرْفَعُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أُشْرِكَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ وَلَا بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَقَدْ قَامَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ عَدَدٌ مِنْ الْحُكَّامِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْفَرِدُ بِحُكْمِهِ الَّذِي يُرْفَعُ إلَيْهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَذَاهِبَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْأَغْرَاضَ مُتَبَايِنَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّفِقَ رَجُلَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَا يَرَى أَحَدُهُمَا خِلَافَ مَا يَرَاهُ الْآخَرُ، وَإِذَا أُشْرِكَ بَيْنَ الْحَاكِمَيْنِ دَعَا ذَلِكَ إلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَسَائِلِ وَيُوقَفُ نُفُوذُهُمَا كَالْإِمَامَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْحَكَمَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْحَكَمَانِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ بِوِلَايَةٍ، وَإِنْ اتَّفَقَا نَفَذَ حُكْمُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا وَحُكْمُ غَيْرِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ وَهَذَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ وَامْتِنَاعِ نُفُوذِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَوْنِ الْأَعْمَى حَاكِمًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْقَضَاءِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِ الْقَضَاءِ وَإِنْفَاذِ الْأَحْكَامِ، وَالْحَاكِمُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَنْظُرَ لِكُلِّ مَنْ يَطْلُبُ عِنْدَهُ مَطْلَبًا مِنْ مَطَالِبِ الْحَقِّ، وَالْأَعْمَى وَإِنْ كَانَ يُمَيِّزُ الْأَصْوَاتَ فَلَا يُمَيِّزُ إلَّا صَوْتَ مَنْ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ صَوْتُهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِشَهَادَةٍ مِمَّنْ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ فَقَدْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ قَبْلَ هَذَا وَيُزَكَّى عِنْدَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا يُعْلَمُ هَلْ هَذَا الْمُزَكَّى عِنْدَهُ هُوَ الَّذِي زَكَّى بِالْأَمْسِ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ يُجْرَحُ عِنْدَهُ بَعْدَ التَّزْكِيَةِ فَلَا يَدْرِي هَلْ هُوَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ يَبْقَى عَلَى عَدَالَتِهِ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً مِنْ الْغَدِ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى وَقَدْ غَابَ مُعَدِّلُوهُ فَلَا يَدْرِي هَلْ هُوَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ الْأُمِّيَّ وَهُوَ يُبْصِرُ وَيُمَيِّزُ فَكَيْفَ بِالْأَعْمَى وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجِيزُ شَهَادَتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اعْتِبَارُ إسْلَامِهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ حُرِّيَّتِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَهَا لِلنَّظَرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُ نَاقِصُ الْحُرْمَةِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ فِي الْإِمَامَةِ كَالْمَرْأَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اعْتِبَارُ كَوْنِهِ عَالِمًا فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْعَالَمِ الْعَدْلِ وَاَلَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَةَ الْمُجْتَهِدِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُسْتَقْضَى مَنْ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا فِقْهَ لَهُ أَوْ فِقْهٍ لَا حَدِيثَ عِنْدَهُ وَلَا يُفْتِي إلَّا مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِشَيْءٍ سَمِعَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَمَعَ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] فَأَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ يَتَفَكَّرُوا وَيَعْتَبِرُوا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ تَبْيِينُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُمْ التَّفَكُّرُ فِي أَحْكَامِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يَرَى شَيْئًا، وَبِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ إنَّهُ لَا يُفْتِي مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا سَمِعَ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ فَتْوَى صَاحِبِ الْمَقَالَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِعَدَمِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَالِمٌ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ أَوْ رَجُلٌ مَرْضِيُّ الْحَالِ غَيْرُ عَالِمٍ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ يُسْتَقْضَى الْعَدْلُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَشِيرُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَيَجْتَهِدُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ عِلْمٌ وَوَرَعٌ فَعَقْلٌ وَوَرَعٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِالْوَرَعِ يَعِفُّ فَإِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ وَجَدَهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْعَقْلَ لَمْ يَجِدْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ

[الباب الثاني في مجلسه وأدبه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ الْفَاسِقِ، وَإِنْ طَرَأَ الْفِسْقُ بَعْدَ انْعِقَادِهَا انْفَسَخَتْ وِلَايَتُهُ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَجُوزُ حُكْمُ الْمَسْخُوطِ مَا لَمْ يَجُرْ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا يَطْرَأُ مِنْ الْفِسْقِ لَا يَفْسَخُ وِلَايَتَهُ حَتَّى يَفْسَخَهَا الْإِمَامُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ دَعْوَى الْخُصُومِ وَسَمَاعِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ شَاهِدٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهَادَتَهُ فَيَعْرِضُهَا عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْتُبُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيقِ الْحَالِ عَلَى النَّاسِ وَتَعَذُّرِ سَبِيلِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يَكْتُبُ حَاكِمًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا عَدْلًا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ وَالْآخَرُ الْمَنْعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْمُرْسَلِينَ وَأَفْضَلَ الْحُكَّامِ كَانَ لَا يَكْتُبُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِرَاءَةِ الْعُقُودِ وَيَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَهَذِهِ حَالُ مَنْ لَا يَكْتُبُ مِنْ الْحُكَّامِ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فِي الْأَغْلَبِ وَيُقَيَّدُ عَنْهُ الْمَقَالَاتِ وَلَا يُبَاشِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ لِلْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَجْهًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيقِ طُرُقِ الْحُكُومَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُسْتَقْضَى وَلَدُ الزِّنَا؟ قَالَ سَحْنُونٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَقْضَى وَلَا يَحْكُمُ فِي حَدِّ زِنًا قَالَ كَمَا لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَطَهَارَةِ أَحْوَالٍ فَلَا يَلِيهَا وَلَدُ الزِّنَا كَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يُسْتَقْضَى الْفَقِيرُ إذَا كَانَ أَعْلَمَ مَنْ بِالْبَلَدِ وَأَرْضَاهُمْ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يَغْنَى وَيُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي دِينِهِ وَلَا عِلْمِهِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُزَالَ حَاجَتُهُ لِيَتَفَرَّغَ لِلْقَضَاءِ وَلِيَكُونَ أَسْلَمَ لَهُ مِنْ مُقَارَفَةِ مَا يُخِلُّ بِحَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَقْضَى الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْمَقْطُوعُ فِي السَّرِقَةِ إذَا كَانَ الْيَوْمَ مَرَضِيًّا مِنْ كِتَابِ أَصْبَغَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِمَّا يَمْنَعُ وِلَايَتَهُ قَدْ ظَهَرَ إقْلَاعُهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ حَسُنَ إسْلَامُهُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَحْكُمُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ جَوَّزَ ذَلِكَ أَصْبَغُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ وَمَنَعَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي مَجْلِسِهِ وَأَدَبِهِ] 1 ِ أَمَّا مَجْلِسُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ مَالِكٌ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَرْضَى بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَيَصِلُ إلَيْهِ الضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَلَا يُحْجَبُ عَنْهُ أَحَدٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] إلَى قَوْلِهِ {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [ص: 22] وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى فِي الْمَسْجِدِ» . (فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي رِحَابِهِ الْخَارِجَةِ قَالَ مَالِكٌ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْحَائِضُ قَالَ وَحَيْثُمَا جَلَسَ الْقَاضِي الْمَأْمُورُ أَجْزَأَهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَنْزِلِهِ وَحَيْثُ أَحَبَّ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ حَيْثُ جَمَاعَةُ النَّاسِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِكَثْرَةِ النَّاسِ حَتَّى يَشْغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّظَرِ وَالْفَهْمِ فَلْيَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَشْغَلُهُ وَاِتَّخَذَ سَحْنُونٌ بَيْتًا فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَقْعُدُ فِيهِ لِلنَّاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ فِي الطَّرِيقِ فِي مَمَرِّهِ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ عَرَضَ وَاسْتُغِيثَ إلَيْهِ فِيهِ فَلَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ وَيَنْهَى فَأَمَّا الْحُكْمُ الْفَاصِلُ فَلَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ يَمْشِي، وَقَالَ أَيْضًا لَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ يَمْشِي إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا الضَّرْبُ الْكَثِيرُ إلَّا الْيَسِيرُ كَالْخَمْسَةِ أَسْوَاطٍ وَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ تُبَاشِرُ سَيَلَانَ الدَّمِ وَالتَّأْثِيرَ فِي الْأَجْسَامِ، وَالْمَسَاجِدُ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّأْمِينِ وَالرَّحْمَةِ فَيَجِبُ أَنْ تُنَزَّهَ عَنْ مِثْلِ هَذَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَتَّخِذُ الْقَاضِي أَوْقَاتًا يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ عَلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسَ بِالضَّيِّقِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَلَا فِي الْأَسْحَارِ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ وَيُرْفَعَ إلَيْهِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَيَنْهَى وَيَسْجُنَ فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ مِمَّا شَخَّصَ فِيهِ الْخُصُومَ فَلَا. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَلَا إشْخَاصُ الْخُصُومِ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا إحْضَارُ الْخُصُومِ وَتَقْيِيدُ الْمَقَالَاتِ وَإِحْضَارُ الْبَيِّنَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تَفُوتُ وَيَلْحَقُ الْمَطْلُوبَ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي يُخَافُ فَوَاتُهَا وَيَطْرَأُ مِنْهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى النَّظَرِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ النَّظَرَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِذَا أَرَادَ النَّظَرَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِمَا يُدَّعَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مَا لَا يُخَافُ فَوَاتُهُ، وَقَدْ شُرِّعَتْ الْآجَالُ فِي الْقَضَاءِ بِالْحُقُوقِ وَالْإِمْهَالِ وَاسْتِقْصَاءِ الْحُجَجِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْقَضَاءَ بِاللَّيْلِ وَفِي وَقْتٍ يَشُقُّ نَقْلُ الْبَيِّنَاتِ وَالتَّفَرُّغُ لِلْإِدْلَاءِ بِالْحُجَجِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْعَادَةِ فِي عَمَلِ الْقُضَاةِ وَلَا يَكَادُ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى الْحُكْمِ لِلطَّالِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ فَيَقْضِيَ النَّهَارَ كُلَّهُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلْيَقْعُدْ لِلنَّاسِ فِي سَاعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُكْثِرَ فَيُخْطِئَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ إذَا دَخَلَهُ هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ ضَجَرٌ شَدِيدٌ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ جُوعٌ يُخَافُ عَلَى فَهْمِهِ مِنْهُ الْإِبْطَاءُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيُقَالُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ جَائِعٌ وَلَا أَنْ يَشْبَعَ جِدًّا فَإِنَّ الْغَضَبَ يَحْضُرُ الْجَائِعَ، وَالشَّبْعَانُ جِدًّا يَكُونُ بَطِيئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِهِ فِي فَهْمِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ فَكُلُّ حَالَةٍ مَنَعَتْهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حُجَجِ الْخُصُومِ كَمَا يَمْنَعُهُ الْغَضَبُ كَانَ لَهُ حُكْمُهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ بِمَوَاقِعِ الْحُجَجِ وَأَهْدَى إلَى إيرَادِ مَا يَحْتَاجُ مِنْ ذَلِكَ وَأَشَدَّ تَبْيِينًا لِمَا يَحْتَجُّ بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ اللَّحَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْفِطْنَةُ وَاللَّحْنُ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ الْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ تَعَلَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُقْضَى بِعِلْمِهِ وَهَذَا التَّعَلُّقُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِمَا سَمِعَ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ وَلَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَنْفِيهِ، فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ مَا عَلِمَهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى حُجَّةِ الْخَصْمِ وَلَا إلَى مَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ فَإِذَا اقْتَضَتْ حُجَّتُهُ أَوْ مَا شَهِدَ بِهِ بَيْنَهُمَا خِلَافَ مَا عَلِمَهُ مِنْ الْأَمْرِ امْتَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ وَشَهِدَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ بِمَا فِي عِلْمِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاكِمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَحْكُمُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا بِعِلْمِهِ عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِ غَيْرِهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ أَوْ غَيْرِهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالُوا وَكَذَلِكَ مَا وُجِدَ فِي دِيوَانِهِ مِنْ إقْرَارِ الْخُصُومِ مَكْتُوبًا، وَجَوَّزَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَيَقْتَضِي الْعُمُومُ أَنْ يُجْلَدَ وَإِنْ عَلِمَ الْحَكَمُ بِصِدْقِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ فِي مُلَاعَنَةٍ لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ كَانَ عَلِمَ كُفْرَهُمْ لِمَا انْفَرَدَ بِذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَعْصُومٍ مُنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ لِيَبْعُدَ عَنْ التُّهْمَةِ وَتَعَلَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَعَلَّقَ الْقَضَاءَ بِمَا يُسْمَعُ وَتَأَوَّلَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا يُسْمَعُ مِنْهُ مِنْ اهْتِدَائِهِ إلَى مَوَاقِعِ حُجَّتِهِ وَعَجَزَ الْآخَرُ عَنْ إيرَادِ مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ وَمَا عَلِمَهُ الْحَاكِمُ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَى مَا يَسْمَعُ مِمَّنْ يَقْضِي لَهُ بَلْ قَدْ يَعْلَمُ مِنْ حُقُوقِهِ مَا لَا يَسْمَعُهُ مِنْهُ وَيَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمُهُ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا عَلَّقَ الْحُكْمَ بِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي لَهُ بِمَا بَيَّنَهُ فِي خُصُومَتِهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِمَوَاقِعِ حُجَجِهِ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تُلْزِمُ الْحَاكِمَ الْقَضَاءَ لَهُ بِهَا وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي مَجْلِسِ نَظَرِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِمَّا عَلِمَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ خَاصَّةً وَلِلشَّافِعِيِّ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ بِدَعْوَى دُونَ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا قَدَّرَ الْحُكْمَ بِأَحَدِهِمَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فَحَكَمَ بِعِلْمِهِ وَسَجَّلَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَهُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ لِمَا سَمِعَ مِنْهُ مِنْ إظْهَارِ حُجَّةٍ أَوْجَبَتْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَى بَاطِلٍ عَجَزَ الْمُحِقُّ عَنْ إنْكَارِهِ أَوْ إنْكَارِ حَقٍّ عَجَزَ الْمُحِقُّ عَنْ إثْبَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَلَا يُبِيحُهُ لَهُ، وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قِطْعَةً مِنْ الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَقَدْ يُوصَفُ الشَّيْءُ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَيَكُونُ سَبَبًا لَهُ، وَلِذَلِكَ يُوصَفُ الشُّجَاعُ بِالْمَوْتِ قَالَ الشَّاعِرُ يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعُذْرِ وَالْتَمِسُوا ... وَجْهًا يُنْجِيكُمْ إنِّي أَنَا الْمَوْتُ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْمَوْتُ يُرِيدُ أَنَّهُ سَبَبٌ بِشَجَاعَتِهِ وَقِلَّةِ سَلَامَةِ مَنْ يُحَارِبُهُ مِنْ الْمَوْتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ وَلَا يُغَيِّرُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ شَاهِدَيْ زُورٍ بِأَنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً زَوْجَةٌ لَهُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ يُحِلُّهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ لَهُ بِزُورٍ بِأَنَّ زَوْجًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَأَنَّ هَذَا تَزَوَّجَهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَمَا يُدْرِيك فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ إنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَهُ إنَّمَا يَقْطَعُ لَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى لَهُ بِحَقٍّ هُوَ لِأَخِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ اخْتَصَمَ إلَيْهِ يَهُودِيٌّ وَمُسْلِمٌ فَقَضَى عُمَرُ لِلْيَهُودِيِّ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَإِنَّمَا يُقْضَى فِيهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُقِدَتْ لَهُمْ الذِّمَّةُ لِتَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ إلَّا فِيمَا يَخُصُّهُمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُونُوا ذِمَّةً وَكَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ فَإِنْ أَمْكَنَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَهُمْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ نَفَذَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ أَمْرُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَعْنَى الصُّلْحِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَحْكَامُ أَهْلِ الْكُفْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ كَيَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ يَكُونَا عَلَى دِينَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ فَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا نَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا عُقِدَتْ لَهُمْ عَلَى أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُهُمْ بَيْنَهُمْ فَإِنْ رَضِيَا جَمِيعًا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَرْضَ أَسَاقِفَتُهُمْ بِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ إلَّا بِرِضَى الْخَصْمَيْنِ وَرِضَى أَسَاقِفَتِهِمْ فَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمَانِ وَأَبَى الْأَسَاقِفَةُ أَوْ رَضِيَ الْأَسَاقِفَةُ وَأَبَى ذَلِكَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بَيْنَهُمَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ الْحَاكِمُ حَكَمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا لَمْ يَعْرِضْ لَهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الرِّضَى بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ وَبَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42] ، وَأَمَّا إنْ كَانَا عَلَى دِينَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَفِي النَّوَادِرِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لِاخْتِلَافِ مِلَّتَيْهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي طَرِيقَةِ التَّخَاصُمِ وَالتَّطَالُبِ بِالْحُقُوقِ الَّتِي سُلِّمَتْ بِرِضَى الطَّالِبِ لَهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ التَّظَالُمِ كَالْغَصْبِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِلَّتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْيَهُودِيِّ لِعُمَرَ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَقَدْ قَضَيْت لِي بِمَا هُوَ حَقٌّ لِي عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَقَدْ قَصَدْت الْحَقَّ فِي حُكْمِك هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ عَلَى حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَضَرْبُهُ الْيَهُودِيَّ لَمَّا قَالَ لَهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ وَقَوْلُهُ لَهُ وَمَا يُدْرِيك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُ فِيهِ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ غَلَبَةُ الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ وَالْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ وَمَا يُدْرِيك يُرِيدُ مَا يُدْرِيك أَنَّهُ كَمَا حَلَفْت عَلَيْهِ وَقَطَعْت بِهِ فَأَنْكَرَ عَلَى الْيَهُودِيِّ الْحَلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي ضَرْبَهُ وَعُقُوبَتَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى الْقَطْعِ فِي أَمْرٍ يَظُنُّهُ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ تَكُونُ الْقَضِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ صَحِيحَةً لَكِنَّهَا فِي الْبَاطِنِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ الْآخَرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُهُ لَمَّا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَعْلَمُ هُوَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فِي شَرْعِ الْمُسْلِمِينَ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا حُكْمٌ إنَّمَا شُرِعَتْ بِاجْتِهَادِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُهُ لِمَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَقْسَمَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ

[ما جاء في الشهادات وفيه أبواب]

مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِيهِ أَبْوَاب (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا أَوْ يُخْبِرَ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقَّ لِحُكْمِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى بَاطِنِهِ وَمُعْتَقَدِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَادَفَ الْحَقَّ فِي يَمِينِهِ هَذِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرْبُهُ لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّزْكِيَةَ لَهُ وَالْإِطْرَاءَ لَمَّا حَكَمَ لَهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنْ الْمَكْرِ وَالْخِلَابَةِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأَدَّبَهُ عَلَى مَا بَادَرَ إلَيْهِ مِنْهُ وَظَنَّ أَنَّهُ يَجُورُ عَلَيْهِ لِيَزْجُرَ الْحُكَّامُ مَنْ سَلَكَ مَعَهُمْ هَذَا السَّبِيلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْيَهُودِيِّ إنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إلَّا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ فَإِذَا تَرَكَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَهُودِيُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ شَاهَدَ الْحُكْمَ بِمِثْلِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَنَّهُ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الشَّرَائِعُ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى اجْتِهَادِ عُمَرَ وَقَصْدِهِ الْحَقَّ بِأَنْ حَكَمَ لَهُ بِمَا يَعْرِفُ هُوَ أَنَّهُ حَقُّهُ وَعَلِمَ ذَلِكَ بِمَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا قَضَى بِالْحَقِّ يُرِيدُ قَصْدَهُ وَبَيَّنَهُ بِحُكْمِهِ كَانَ مَعَهُ مَلَكَانِ يُسَدِّدَانِهِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ إنْ زَاغَ عَنْ ذَلِكَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ فَلَا يُوَفَّقُ لِلْحَقِّ فَأَمْسَكَ عَنْهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا تَصْدِيقًا لَهُ وَإِمَّا أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْ أَدَبِهِ مَا أَقْنَعَهُ وَمَا قَالَهُ الْيَهُودِيُّ لَا يَبْعُدُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] ، وَقَدْ رَوَى فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثًا لَيْسَ بِذَلِكَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا عُمَرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ» . [مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الشَّاهِدِ شَهَادَةٌ لِرَجُلٍ لَا يَعْلَمُ بِهَا فَيُخْبِرُهُ بِهَا وَيُؤَدِّيهَا لَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَضَرْبٌ هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ، فَأَمَّا مَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَعَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ لَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ زَادَ أَصْبَغُ وَالسَّرِقَةِ فَهَذَا تَرْكُ الشَّهَادَةِ بِهِ لِلسَّتْرِ جَائِزٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهُزَالٍ هَلَّا سَتَرْته بِرِدَائِك» وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَكْتُمُوهُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَشْهَدُوا بِهَا إلَّا فِي تَجْرِيحِهِ إنْ شَهِدَ عَلَى أَحَدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُ حَقِّهِ، وَالْمَسَاجِدُ وَالْقَنَاطِرُ وَالطُّرُقُ فَهَذَا عَلَى الشَّهَادَاتِ يَقُومُ الشَّاهِدُ فِيهَا وَيُؤَدِّيهَا مَتَى رَأَى ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ بِهَا وَلِلشَّاهِدِ فِي ذَلِكَ حَالَانِ حَالٌ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَحَالٌ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ بِهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُبَادِرَ بِأَدَائِهَا لِيَحْصُلَ لَهُ أَجْرُ الْقِيَامِ وَلِيَقْوَى أَمْرُهَا لِكَثْرَةِ عَدَدِ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَلِأَنَّ فِي قِيَامِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ بِهَا رَدْعًا لِأَهْلِ الْبَاطِلِ وَإِرْهَابًا عَلَيْهِمْ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَنَاوَلَ هَذَا عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» وَيَكُونُ مَعْنَى الْإِتْيَانِ بِهَا هُنَا أَدَاؤُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ تَرَكَ الْقِيَامَ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَقُومُ بِهَا غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَقَوْلِهِ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّهَادَةِ مِنْ فُرُوضِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ لَقَدْ جِئْتُك لِأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلَا ذَنَبٌ فَقَالَ عُمَرُ وَمَا هُوَ فَقَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَإِذَا قَامَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ سَقَطَ فَرْضُهَا عَنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَإِذَا تَرَكَ الْقِيَامَ بِهَا جَمِيعُهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ إذَا كَانَ الْحَقُّ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُهُ مِثْلُ أَنْ يَرَى مِلْكَ رَجُلٍ يُبَاعُ أَوْ يُوهَبُ أَوْ يُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي الشَّاهِدِ حِينَ رَأَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْ بِعِلْمِهِ فِيهِ قَالَ غَيْرُهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا لَا يَعْلَمُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَانَ لِلشَّاهِدِ الْقِيَامُ بِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ كَالْحَوَالَةِ وَالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْعُرُوض وَالْحَيَوَانُ وَالرِّبَاعُ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ أَضَاعَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ شَهَادَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يَكُونُ جُرْحَةً فِي الشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا كَتَمَهَا وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا بَطَلَ الْحَقُّ فَكَتَمَ ذَلِكَ حَتَّى صُولِحَ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا يَجِبُ لَهُ أَوْ حَتَّى نَالَتْهُ بِكِتْمَانِ شَهَادَتِهِ مَعَرَّةٌ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ فَعَلِمَ ضَرُورَتَهُ إلَى شَهَادَتِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهَا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ بِكِتْمَانِهِ إيَّاهَا فَهِيَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ تَرَكَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَأْتِي شَهَادَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَأْوِيلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَأْتِي بِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ فَيُخْبِرَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَأْتِيهِ لِأَدَائِهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا سُئِلَ أَدَاءَهَا بَادَرَ بِذَلِكَ فَأَسْرَعَ إلَيْهِ وَلَمْ يُحْوَجْ إلَى تَكْرَارِ السُّؤَالِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يُعْطِيك قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ وَيُجِيبُك قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ سُرْعَةَ عَطَائِهِ وَسُرْعَةَ جَوَابِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْحَاكِمَ فَيُؤَدِّيَهَا عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُهَا مِنْهُ إذَا لَمْ يَقُمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِهَا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» . وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِيثِ الْيَمِينُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ. (ش) : قَوْلُهُ جِئْتُك بِأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلَا ذَنَبٌ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ هَذَا مِمَّا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْكَثْرَةَ فَيَقُولُ هَذَا جِنْسٌ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ إذَا أَخْبَرْت عَنْ كَثْرَتِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُرِيدُ بِهِ الْأَمْرَ الْمُبْهَمَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَلَا يُهْتَدَى لِإِصْلَاحِهِ فَيُقَالُ لَيْسَ لِهَذَا الْأَمْرِ أَوَّلٌ وَلَا آخِرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُبْهَمٌ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ يُتَنَاوَلُ مِنْهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَثْرَةَ فِي كَثْرَةِ شُهُودِ الزُّورِ، وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ عِظَمَ الْفَسَادِ بِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى لَا يُهْتَدَى لِإِصْلَاحِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا يُرِيدُ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِهِمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَلَوْ كَانَتْ بِأَرْضِهِمْ قَدِيمًا لَمْ يَصِفْهَا الْآنَ بِالظُّهُورِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصِفُهَا بِالدَّوَامِ أَوْ بِالْبَقَاءِ وَالتَّزَايُدِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ بِهِ وَلَا عَهْدُهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ قَبْلَ إخْبَارِ هَذَا الْمُخْبِرِ وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَنِهِ وَرَآهُ وَكَانُوا عُدُولًا بِتَعْدِيلِ اللَّهِ إيَّاهُمْ وَإِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وقَوْله تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] الْآيَةَ وَبِهَذَا كَانَ التَّعْدِيلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ إنَّ نَاسًا كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نُؤَاخِذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا لَمْ نُؤَمِّنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ حَسَنَةً فَلَمَّا كَانَ هَذَا حُكْمَ الصَّحَابَةِ كَانَ الْأَمْرُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ صَحَابِيٍّ وَهُمْ عُدُولٌ فَلَمَّا أُخْبِرَ عُمَرُ بِمَا أُحْدِثَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَوَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَظُنُّ الْأَمْرَ عَلَى مَا عَهِدَ فَلَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى شَاهِدٍ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ فَإِنْ كَانَ لِنِسْيَانٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهَا لِفِسْقِهِ، فَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَدَائِهَا، فَأَمَّا إنْ أَقَرَّ بِتَعَمُّدِ شَهَادَةِ الزُّورِ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْلَدُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُضْرَبُ بِالسَّوْطِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْرِبُهُ الْقَاضِي قَدْرَ مَا يَرَى، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يُكْشَفُ عَنْ ظَهْرِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُوجِعًا. (فَرْعٌ) وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُطَافُ بِهِ وَيُشْهَرُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُطَافُ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْجَمَاعَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُشْهَرُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْحِلَقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَجَالِسِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ يُسْجَنُ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَا أَرَى الْحَلْقَ وَالتَّسْخِيمَ. (فَرْعٌ) وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا زَادَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَإِنْ تَابَ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَوَى عَلِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ وَأَظُنُّهُ لِمَالِكٍ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ مِمَّا يُسَرُّ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ صَلَاحِ حَالِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا نَوْعُ فِسْقٍ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَالْقَذْفِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِالصَّلَاحِ وَالدَّءُوبِ فِي الْخَيْرِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ حَالَ عَدَالَةٍ فِي الظَّاهِرِ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ مَعَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ عَدَالَةٍ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ تَوْبَةٌ إلَّا بِزِيَادَةِ خَيْرٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ شَهَادَةِ الزُّورِ مِنْهُ كَالْقَاذِفِ إذَا كَانَ عَدْلًا حِينَ قَذَفَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُحْبَسُ، وَالْأَسْرُ الْحَبْسُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يُمْلَكُ مِلْكَ الْأَسْرِ لِإِقَامَةِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إلَّا بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ جَمِيعُهُمْ عُدُولٌ أَوْ بِالْعَدْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ فَكُلُّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ حُكِمَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُعْرَفَ فِسْقُهُ وَحَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ الثَّالِثَ آخِرُ الْقُرُونِ الَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ فَلَا يَكْفِي فِي عَدَالَتِهِمْ مُجَرَّدُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِسْلَامِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وَقَالَ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَهَذَا شَرْطُ اعْتِبَارِ الرِّضَى وَالْعَدَالَةِ وَذَلِكَ مَعْنًى يَزِيدُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَلَى إظْهَارِهِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعَدَالَةَ لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ كَانَ الْجَهْلُ بِوُجُودِهَا مِثْلَ الْعِلْمِ بِعَدَمِهَا كَالْإِسْلَامِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ مَا بَلَغَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الْعَدَالَةِ وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبُولَ شَهَادَةِ مُسْلِمٍ عُلِمَ مِنْهُ فِسْقٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلِلشَّاهِدِ صِفَاتٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّى مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَدْلًا عَارِفًا بِالشَّهَادَةِ وَصِفَةِ تَحَمُّلِهَا الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا إقَامَتُهَا مُتَحَرِّزًا فِيهَا، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْبُلُوغَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهَذِهِ صِفَةُ الْبَالِغِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا إلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ وَيَتَحَرَّجُ مِنْ الْإِثْمِ فَيَشْهَدُ بِالْحَقِّ وَيَتَوَقَّى الْبَاطِلَ وَالصَّغِيرُ لَا يَأْثَمُ بِشَيْءٍ وَلَا يَخَافُ عُقُوبَةً فَلَا شَيْءَ يَرْدَعُهُ مِنْ كِتْمَانِ الْحَقِّ وَالشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْعَقْلَ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ مَعْنًى يُنَافِي التَّكْلِيفَ كَالصِّغَرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي ابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَحْتَلِمْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ ابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَحْتَلِمْ وَلَا بَلَغَ السِّنَّ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ غَالِبًا إلَّا مُحْتَلِمٌ فَأَشْبَهَ ابْنَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَدْ يَبْلُغُهَا مَنْ لَا يَحْتَلِمُ وَاحْتَجَّ ابْنُ وَهْبٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ الْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا أَجَازَهُ لَمَّا رَآهُ مُطِيقًا لِلْقِتَالِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ سِنِّهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ لِلْبُلُوغِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْحُرِّيَّةَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ شَهَادَةُ الْعَبْدِ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ نَقْصٌ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ فَنَافَى الشَّهَادَةَ كَالْكُفْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْإِسْلَامَ خِلَافًا لِمَنْ جَوَّزَ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ حَالَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانُوا مَجُوسًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلِقَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ حَضَرٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ فَلَمْ تَجُزْ فِيهَا شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ كَحَالِ الْإِمَامَةِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة: 106] {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ - ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ} [المائدة: 107 - 108] . قَالُوا فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بِدَاءٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ بِيَدٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ فَلَمَّا قَدِمَا فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِذَهَبٍ فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَجَدُوا الْجَامَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] » وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ لَا تَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُمْ. وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] يُرِيدُونَ قَبِيلَكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونَانِ شَهِيدَيْنِ وَيَكُونُ حُكْمُهُمَا مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ اسْتِحْلَافِهِمَا. وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يُنَافِي الشَّهَادَةَ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحْلِفُوا وَلَوْ كَانُوا شُهُودًا لَمْ يُسْتَحْلَفُوا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الشَّاهِدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ يَمِينٌ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ فَيَحْضُرَ مَوْتَهُ مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ لَا يَحْضُرُهُ غَيْرُهُمَا، فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَتُهُ مَا غَابَ عَلَيْهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَذَلِكَ وَيَحْلِفُ الشَّاهِدَانِ إنَّهُمَا لَصَادِقَانِ، فَإِنْ غُيِّرَا وَوُجِدَ لَطْخٌ أَوْ لَبْسٌ أَوْ شَبَهٌ حَلَفَ الْأَوْلَيَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَاسْتَحَقَّا وَأَبْطَلَا أَيْمَانَ الشَّاهِدَيْنِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْحَالِفُ شَاهِدًا وَيَقُولُ الْحَالِفُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ يَعْنِي عَلَى الْيَمِينِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْعَدَالَةُ تُنَافِي الْكُفْرَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى مُسْلِمٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى كَافِرٍ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْحَرْبِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ التَّحَمُّلِ فَلَوْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ عَبْدٌ كَافِرٌ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأُعْتِقَ وَكَمُلَتْ لَهُ صِفَاتُ الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ تَحَمَّلَهَا فِي حَالِ عَدَالَةٍ ثُمَّ أَدَّاهَا فِي حَالِ فِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِ فِي حَالِ فِسْقِهِ ثُمَّ أَدَّاهَا مَنْ عَلِمَهَا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ الْعَدَالَةَ لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِصِفَاتِهِمْ وَقْتَ إشْهَادِهِ عَلَى شَهَادَتِهِ قَالَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ قَالَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِهَا عِنْدَ الْحُكْمِ فَرَدَّهَا لِمَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي ثُمَّ زَالَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهَا لَهُمَا، وَلَوْ أَدَّيَاهَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَا، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ إنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِصِغَرٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ قُبِلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ أَوْ تُهْمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ لِزَوْجَتِهِ بِشَهَادَةٍ فَتُرَدُّ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لَهَا فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنًى فِيهِ أَوْجَبَ رَدَّهَا فَلَمْ يَجُزْ قَبُولُهُ فِيهَا، وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالْفِسْقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا شَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ لِتَحَمُّلِهَا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ الْغَلَطُ فِيهَا وَتَرْكُ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّزًا فِيهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّزًا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ التَّخَيُّلُ مِنْ أَهْلِ التَّخْيِيلِ فَيَشْهَدُ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَعْلَمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُوَلًّى عَلَيْهِ؟ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ تَجُوزُ إنْ كَانَ عَدْلًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أَخَذَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبِكْرِ فِي الْمَالِ حَتَّى تُعَنِّسَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِحِفْظِ الْمَالِ وَتَثْمِيرِهِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ مَعَ الْعَدَالَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّاهِدِ أَنْ يَعْرِفَ التَّحَرُّزَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّحَرُّزِ فِي حِفْظِ مَالِهِ وَلَا يَوْثُقُ بِهِ فِي ذَلِكَ فَبِأَنْ لَا يَوْثُقُ بِهِ فِي أَدَاءِ شَهَادَتِهِ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ: أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَعْرِفُ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُ وَقِسْمٌ يَعْرِفُ فِسْقَهُ وَقِسْمٌ يَجْهَلُ أَمْرَهُ، فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ عَدَالَتَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَدْفَعٌ فِيهَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ بِالْعَدَالَةِ، وَعِنْدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاكِمِ مَنْ مَعْرِفَتُهُ مِثْلُ مَا عِنْدَ مَنْ يُعَدِّلُهُ فَهَذَا الَّذِي عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ الرَّجُلَ وَكَانَ يُزَكِّيهِ عِنْدَ غَيْرِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا فَهَذَا الَّذِي يَسَعُهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَعْرِفُ فِسْقَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْرِفَ الْحَاكِمُ فِسْقَهُ وَالثَّانِي أَنْ يُجْرَحَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ مَحْظُورًا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْعَمَلِ بِالرِّبَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْعُو إلَى بِدْعَتِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقُرَّاءِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إلَّا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُمْ يَتَحَاسَدُونَ كَالضَّرَائِرِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْقُرَّاءِ بِالْأَلْحَانِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا تَجُوزَ، وَالْبَخِيلُ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ فَمَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ بِبَخِيلٍ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ شَهَادَةَ الْبَخِيلِ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْضِيَّ الْحَالِ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاقِطُ الْمُرُوءَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ. وَكَذَلِكَ تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ يَتْرُكُ وَاجِبًا كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمَشْرُوعُ لَهَا، وَأَمَّا تَرْكُ الْجُمُعَةِ فَجُرْحَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَرْكِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ جُرْحَةٌ كَالصَّلَاةِ مِنْ الْفَرِيضَةِ فَتَرْكُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَيُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهَذَا ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَكُونُ جُرْحَةً حَتَّى يَتْرُكَهَا ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَةً وَمِثْلُهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّهَا لَا تُبْطِلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَهَاوُنُهُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا قَالَ سَحْنُونٌ فَمَنْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ مُتَّصِلَ الْوَفْرِ قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَلَا شَهَادَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ يُرِيدُ إذَا تَرَكَ الْحَجَّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَرْكُ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ بِمَا كَانَ مِنْهُ يَتَكَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَمَا قَدْ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِنْ أَخَلَّ أَحَدٌ بِفِعْلِهِ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ شَهَادَتَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النور: 22] وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٌ أَصْوَاتُهُمَا فَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ الْمُتَأَلِّي أَنْ لَا يَفْعَلَ الْمَعْرُوفَ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ عَلَيْهِ يَمِينَهُ بِذَلِكَ إنْكَارًا اقْتَضَى إقْلَاعَهُ عَنْهُ وَتَوْبَتَهُ مِنْهُ فَمَنْ أَصَرَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَجَبَ رَدُّ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخْبَرَهُ بِالْفَرَائِضِ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أُنْقِصُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِنَافِلَةٍ وَلَا يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ وَلَكِنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ عِنْدَمَا أَخْبَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وُجُوبِهِ، وَإِنْ أَجَازَ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهِ النَّفْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ زِيَادَةً تُفْسِدُهُ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّيهَا خَمْسًا وَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا وَيُنْقِصَ مِنْهَا مَا لَا يُخِلُّ بِصِحَّتِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَنْ جَهِلَ الْحَاكِمُ أَمْرَهُ فَلَا يَعْرِفُهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَنَاوَلَ شَهَادَةَ مَا يُعْدَمُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَدْلِ فِيهِ فِي الْأَغْلَبِ أَوْ مَا لَا يُعْدَمُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَأَمَّا مَا يُعْدِمُ ذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا مِثْلُ شَهَادَةِ أَهْلِ الرُّفْقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَخْتَصُّ بِمُعَامَلَاتِ السَّفَرِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ قَضَاءٍ وَمَا

[الباب الأول في عدد المزكين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجَرَى مَجْرَى ذَلِكَ، فَأَمَّا بَيْعُ الْعَقَارِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا فِي السَّفَرِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا الْعُدُولُ وَكَذَلِكَ مَا شَهِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ الضَّرْبَ كَالسَّرِقَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالزِّنَا وَالْغَصْبِ الْمُوجِبِ لِلضَّرْبِ فَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَهْلُ الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ التَّوَسُّمِ فِي الْأَمْوَالِ لِصَلَاحِ السَّفَرِ وَاتِّصَالِ السُّبُلِ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: 82] ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ قَبُولِ أَهْلِ الرُّفْقَةِ وَمَنْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا غَيْرُهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يُقْبَلُونَ عَلَى التَّوَسُّمِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَوَسَّمَ فِيهِمْ الْحَاكِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْمُرُوءَةَ وَالْعَدَالَةَ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ تَجْرِيحِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى غَيْرِ الْعَدَالَةِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ تَجْرِيحِهِ كَالصِّبْيَانِ، وَإِنْ ارْتَابَ السُّلْطَانُ رِيبَةً قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ قَطْعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ جَلْدَ ظَهْرٍ فَلْيَتَوَقَّفْ وَيَتَثَبَّتْ فِي تَوَسُّمِهِ فَإِنْ ظَهْرَ لَهُ نَفْيُ تِلْكَ الرِّيبَةِ وَإِلَّا أَسْقَطَهُمْ، وَلَوْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَدَدٌ لَا تَوَسُّمَ إنَّ الَّذِينَ قُبِلُوا بِالتَّوَسُّمِ عَبِيدٌ أَوْ مَسْخُوطُونَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِمْ وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْضُ مَا قِيلَ أَمْسَكَ عَنْ إمْضَاءِ شَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ حَكَمَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا تَرَدُّدَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى صِفَةٍ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّينَ] 1 (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَا يُعْدَمُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَدْلِ فِيهِ غَالِبًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إلَّا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ تَعْدِيلُ الشُّهَدَاءِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ سُمِّيَ لَهُ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُسَمَّ وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّينَ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُزَكَّى وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْعَدَالَةِ وَمَا يَلْزَمُ الْمُزَكَّى مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي لَفْظِ التَّزْكِيَةِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَكْرَارِ التَّعْدِيلِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّينَ) وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ تَزْكِيَةٌ عَلَانِيَةٌ وَتَزْكِيَةٌ سِرِّيَّةٌ، فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجْزِئُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَهَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَعْدِلُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ فِي تَعْدِيلِهِمْ مَا يَجُوزُ فِي تَعْدِيلِ غَيْرِهِمْ اثْنَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ لِجَمِيعِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْحَاكِمِ رَجُلٌ عَرَفَ دِينَهُ وَفَضْلَهُ وَمَيَّزَهُ وَتَحَرُّزَهُ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ سِوَى الْحَاكِمِ فَيَبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَكْتَتِمُ بِذَلِكَ، فَإِذَا كَلَّفَهُ الْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّفَ لَهُ حَالَ شَاهِدٍ تَسَبَّبَ إلَى ذَلِكَ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ ثُمَّ يُعْلِمُ الْحَاكِمَ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذِهِ تَزْكِيَةُ السِّرِّ. (فَرْعٌ) وَكَمْ عَدَدُ الْمُزَكِّينَ فِي السِّرِّ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ فِي السِّرِّ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْبَلُ فِي السِّرِّ إلَّا اثْنَانِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ انْفِرَادَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا شَهَادَةٌ فِي تَعْدِيلٍ كَتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْأَفْضَلُ فِي التَّعْدِيلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِتَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ تَعْدِيلِ السِّرِّ، وَقَدْ يُجْزِي تَعْدِيلُ السِّرِّ عَنْ تَعْدِيلِ

[الباب الثاني في صفة المزكى]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَلَانِيَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعْدِيلَ السِّرِّ لَا يَجْتَزِي فِي ذَلِكَ السَّائِلُ إلَّا بِالْخَبَرِ الْفَاشِي الْمُتَكَرِّرِ الْمُتَحَقِّقِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ لِلْمُسْتَخْبِرِ، وَلِذَلِكَ لَا يُعْذَرُ فِيهِ إلَى أَحَدٍ، وَأَمَّا تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ فَلَا يَقْوَى قُوَّةَ مَا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، وَلِذَلِكَ يُعْذَرُ فِيهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى لِيَسْتَوِيَ فِي تَعْدِيلِهِ السِّرُّ وَالْجَهْرُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ الْفَضْلِ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ بِمُطَالَبَتِهِ بِالتَّزْكِيَةِ وَالتَّوَقُّفِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ حَتَّى يُزَكَّى فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَالَتُهُ بِالسُّؤَالِ فِي السِّرِّ عَنْ أَمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْهُ إلَّا الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ اُضْطُرَّ فِي أَمْرِهِ إلَى تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ وَاجْتُزِئَ بِهَا فِي الَّذِي لَمْ تُشْتَهَرْ عَيْنُهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَكَّى فِي السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُزَكَّى] (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُزَكَّى) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا حَتَّى يُعْرَفَ وَجْهُ التَّعْدِيلِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْأَبْلَهِ مِنْ النَّاسِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي التَّعْدِيلِ إلَّا الْمُبَرَّزُ النَّافِذُ الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي عَقْلِهِ وَلَا يُسْتَزَلُّ فِي رَأْيِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْرِفَةَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَمَعْرِفَةَ الْجَائِزِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا يَخْفَى وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا آحَادُ النَّاسِ وَأَهْلُ الْمَيْزِ وَالْحِذْقِ مِنْهُمْ، وَأَمَّا دَفْعُ عَقْدٍ إلَى شَاهِدٍ يَشْهَدُ فِيهِ بِمَا يُشْهِدُهُ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَلِكَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يَبْعُدُ مِنْ الْخَطَأِ وَالْمُخَادَعَةِ لِمَنْ لَهُ أَقَلُّ مَعْرِفَةٍ وَأَيْسَرُ جُزْءٍ مِنْ التَّحَرُّزِ. (فَرْعٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَدَّلَانِ غَيْرَ مَعْرُوفَيْنِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُزَكَّيَانِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا جَازَ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَرِيبَ قَدْ يَكُونُ مَجْهُولَ الْحَالِ فِي الْبَلَدِ فَلَا يَعْرِفُ عَدَالَتَهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْحُكْمَ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُعْرَفَ بِهِ، وَأَمَّا الْمُسَاكِنُ بِالْبَلَدِ فَحَالُهُ فِي الْأَغْلَبِ مَعْلُومَةٌ كَحَالِ الْمُزَكَّى لَهُ فَلَا يُقْبَلُ فِي تَزْكِيَتِهِ إلَّا أَهْلُ الْعَدَالَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْعَدَالَةِ وَمَا يَلْزَمُ الْمُزَكَّى مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ] 1 مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْحَاكِمُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَطْلُبُ فِيهِ التَّزْكِيَةَ قَالَ سَحْنُونٌ يُزَكِّيهِ عِنْدَهُ مَنْ يَعْرِفُ بَاطِنَهُ كَمَا يَعْرِفُ ظَاهِرَهُ، مَنْ صَحِبَهُ الصُّحْبَةَ الطَّوِيلَةَ وَعَامَلَهُ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قَالَ مَالِكٌ كَانَ يُقَالُ لِمَنْ مَدَحَ رَجُلًا أَصَحِبْته فِي سَفَرٍ أَخَالَطْته فِي مَالٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَصْحَبُ الرَّجُلَ شَهْرًا فَلَا يَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا لَا يُزَكِّيهِ بِهَذَا وَهُوَ كَبَعْضِ مَنْ يُجَالِسُك وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِبَارٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الشَّاهِدِ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِعَدَالَةٍ وَلَا فَسَادٍ إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ يَحْضُرُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ سَحْنُونٌ يَعْرِفُهُ بِظَاهِرٍ جَمِيلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَادِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَيَطْلُبُ فِيهِ التَّزْكِيَةَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يُزَكِّيهِ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّزْكِيَةَ تَفْتَقِرُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ الْمُزَكَّى مِنْ حَالِ الشَّاهِدِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَارِفَ بَعْضَ الذَّنْبِ كَالْأَمْرِ الْخَفِيفِ مِنْ الزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ عَدَالَتِهِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا تُذْكَرُ عُيُوبُهُمْ يَكُونُ عَيْبُهُ خَفِيفًا وَالْأَمْرُ كُلُّهُ حَسَنٌ وَلَا يُعْصَمُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ اللَّاعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا مِمَّنْ لَا يُقَارِفُ شَيْئًا مِنْ الْعُيُوبِ مَا قُبِلَتْ لِأَحَدٍ شَهَادَةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَشْهُورُ الْعَيْنِ وَالِاسْمِ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْمُزَكَّى مَعْرُوفُ الْعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ

[الباب الرابع في لفظ التزكية وحكمها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ فَلَا يُزَكَّى إلَّا عَيْنُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَصِحُّ أَنْ يُزَكِّيَ الْمُزَكِّي رَجُلًا لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ. وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ زَكَّاهُ عَلَى عَيْنِهِ وَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَقِلُّ وَيَنْدُرُ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ تَزْكِيَتُهُ لَهُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَاخَلَةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَالْمُعَامَلَةِ الطَّوِيلَةِ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُ اسْمَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِكُنْيَةٍ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبَّاسٍ أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ لَقَبٌ قَدْ رَضِيَهُ كَأَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسْمُهُ مِسْكِينٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو وَأَشْهَبُ لَقَبٌ، وَكَذَلِكَ سَحْنُونٌ اسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ وَسَحْنُونٌ لَقَبٌ فَمِثْلُ هَذَا يُمْكِنُ فِيهِ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَقُولُ إنَّ الْجَهْلَ بِاسْمِهِ يُؤَثِّرُ فِي تَزْكِيَتِهِ، وَإِنَّمَا يَقِلُّ مَعَ مَا شُرِطَ مِنْ سَبَبِ مَعْرِفَتِهِ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي لَفْظِ التَّزْكِيَةِ وَحُكْمِهَا] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي لَفْظِ التَّزْكِيَةِ وَحُكْمِهَا) قَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي الْمُزَكَّى يَقُولُ لَا أَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا قَالَ مَالِكٌ وَيَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَلَا يَجُوزُ هَذَا قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ هُوَ صَالِحٌ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ لَفْظُ الْعَدْلِ وَالرِّضَى. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ كُلُّ لَفْظٍ كُنِّيَ بِهِ عَنْ الْعَدْلِ وَالرِّضَى فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْعَدْلِ وَالرِّضَى لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ مِنْ الْعَدْلِ وَالرِّضَى حَتَّى يَجْمَعَهُمَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَعْنَى الْعَدَالَةِ وَأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَفْظُ الْعَدَالَةِ وَالرِّضَى فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ يُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ أَرَاهُ عَدْلًا رِضًى وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَأَعْلَمُهُ عَدْلًا رِضًى جَائِزَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إذَا قَالَ لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَدْلًا رِضًى قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حَتَّى يَقُولَ إنَّهُ عَدْلٌ رِضًى وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ التَّعْدِيلَ إخْبَارٌ عَمَّا يُعْتَقَدُ فِيهِ مِنْ الصِّدْقِ لِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الْمَرْضِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى مَغِيبِهِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ التَّزْكِيَةُ وَأَنَّ الرِّضَى وَالْعَدَالَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِهِ وَذَلِكَ مَقْطُوعٌ بِهِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَكْرِيرِ التَّعْدِيلِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَكْرِيرِ التَّعْدِيلِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ) قَدْ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَشْهَدُ فَيُزَكَّى ثُمَّ يَشْهَدُ ثَانِيَةً قَالَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ النَّاسُ كُلُّهُمْ سَوَاءً مِنْهُمْ الْمَشْهُورُونَ بِالْعَدَالَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْمِصُ مِنْهُ النَّاسُ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ أَمَّا الَّذِي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فَإِنَّهُ يُؤْتَنَفُ فِيهِ تَعْدِيلٌ ثَانٍ، وَأَمَّا الْمَشْهُورُ بِالْعَدَالَةِ فَالتَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ يُجْزِئُ فِيهِ حَتَّى يُجْرَحَ بِأَمْرَيْنِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَيْهِ ائْتِنَافُ تَعْدِيلٍ إلَّا أَنْ يَغْمِزَ فِيهِ بِشَيْءٍ أَوْ يَرْتَابَ مِنْهُ وَلَا يَزِيدُهُ طُولُ ذَلِكَ إلَّا خَيْرًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورِ الْعَيْنِ وَلَا مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَحْوَالٌ خَفِيَتْ عَنْ الْمُعَدِّلِينَ وَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ تَجْرِيحُهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِخَفَاءِ عَيْنِهِ وَقِلَّةِ الْعِلْمِ بِهِ فَيُؤْتَنَفُ فِيهِ التَّعْدِيلُ لِيُحَقَّقَ أَمْرُهُ وَيُسْتَبْرَأَ حَالُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ بِتَعْدِيلِهِ بَاقٍ لَا يَنْقُضُهُ التَّجْرِيحُ وَالِارْتِيَابُ فَلَا يَلْزَمُ تَجْدِيدُ حُكْمٍ آخَرَ فِيهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُؤْتَنَفُ فِيهِ التَّعْدِيلُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ شَهِدَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ زَمَانِ الْخَمْسِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا فَلْيُسْأَلْ عَنْهُ الْمُعَدِّلُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ عُدِّلَ مَرَّةً أُخْرَى وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ الثَّانِيَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْأَشْهُرِ وَشِبْهِهَا وَلَمْ يَطُلْ جِدًّا لَمْ يُكَلَّفْ تَزْكِيَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَ فَلْيَكْشِفْ عَنْهُ ثَانِيَةً طَلَبَ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ

[للشهادة حالان]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسَّنَةُ كَثِيرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ الَّذِي يُكَلَّفُ تَعْدِيلَهُ؟ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ مَنْ يُعَدِّلُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ فَلَا يَقْبَلُهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا يَطْلُبُ التَّزْكِيَةَ مِنْ الشَّاهِدِ وَذَلِكَ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ الْحُكْمَ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ يُعَدِّلُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُكَلِّفُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ يُزَكِّيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَإِنْ زَكَّاهُ وَإِلَّا رَدَّ شَهَادَتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُ لَمْ يَرْضَهُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْخَصْمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّجُلُ يُخَاصِمُ الرَّجُلَ فِي الْأَمْرِ الْجَسِيمِ مِثْلُهُ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ وَالْحِقْدَ فَمِثْلُ هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى خَصْمِهِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ وَفِي غَيْرِهِ، وَإِنْ خَاصَمَهُ فِيمَا لَا خَطْبَ لَهُ كَثَوْبٍ قَلِيلِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُوجِبُ عَدَاوَةً فَإِنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا يُخَاصِمُهُ فِيهِ جَائِزَةٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْخَصْمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَكِيلُ، وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْوَجْهَانِ عِنْدِي مُحْتَمَلَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَدُوَّ الْمُخَاصِمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَكِيلَ عَلَى خُصُومَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مَا يُخَاصِمُ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَامَ بِهِ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ وَيُخَاصِمُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّاسَ قَدْ جُبِلُوا عَلَى أَنَّ مَنْ خَاصَمَ فِي شَيْءٍ أَنَّ لَهُ إتْمَامَهُ وَالنَّفَاذَ فِيهِ فَلَا يُؤْمَنُ عَلَى هَذَا الْمُخَاصِمِ أَنْ يَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ مَا يَنْفُذُ بِهِ فِيمَا يُحَاوِلُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ قَائِمٍ بِهِ لَمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ وَالْقَائِمُ بِهِ لَا يَجُرُّ بِهِ مَنْفَعَةً إلَى نَفْسِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ خُصُومَتَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ بِالتُّهْمَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْخُصُومَةُ قَبْلَ الْحُكْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فَالصَّوَابُ عِنْدِي الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْخُصُومَةُ فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ بِهَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ الْخُصُومَةِ فَهِيَ جَائِزَةٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا وَأَدَّاهَا فِي حَالِ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِالْقُرْبِ مِنْهَا فَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا مُدَّةٌ لَا تَلْحَقُ فِي مِثْلِهَا التُّهْمَةُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْعَدَاوَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الْعَدَاوَةُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إنَّ الشَّهَادَةَ مَاضِيَةٌ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا. (فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ يُرِيدُ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا، وَأَمَّا تَحَمُّلُهَا فَمُعْتَبَرٌ بِوَقْتِ أَدَائِهَا. [لِلشَّهَادَةِ حَالَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ] 1 وَلِلشَّهَادَةِ حَالَانِ: حَالُ تَحَمُّلٍ وَحَالُ أَدَاءً وَإِنِّي أُفْرِدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ) أَمَّا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: تَحَمُّلُ نَقْلِهَا مِنْ الْأَصْلِ، وَالثَّانِي تَحَمُّلُ نَقْلِهَا عَنْ الشُّهُودِ، وَالثَّالِثُ تَحَمُّلُ نَقْلِ حُكْمِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَأَمَّا تَحَمُّلُ نَقْلِهَا مِنْ الْأَصْلِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْمَعَ لَفْظَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالشَّهَادَةِ لَهُ أَوْ إقْرَارَهُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابٍ، فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَسْمَعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ فَهُوَ إذَا وَعَاهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُمْ بِالشَّهَادَةِ غَيْرُهُ وَتَجُوزُ عَلَى هَذَا شَهَادَةُ الْأَعْمَى خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ مَا تَحَمَّلَ حَالَ الْعَمَى وَلِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي يَدَيْهِ إلَى أَنْ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ مَعْرِفَةُ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ جَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا مَعَ الْعَدَالَةِ كَالْمُبْصِرِ وَالْأَعْمَى يَعْرِفُ ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الصَّوْتِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ بِمَعْرِفَةِ صَوْتِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى حَقِّهِ بِمَعْرِفَةِ صَوْتِ مُبَايِعِهِ وَالْمُقْتَرِضِ مِنْهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ نَافِعٍ وَسَحْنُونٌ سَوَاءٌ وُلِدَ أَعْمَى أَوْ عَمِيَ بَعْدَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعِ جَمِيعَ مَا شَهِدَ بِهِ فَإِنْ كَانَ نَسِيَ مِنْهُ مَا لَا يُخِلُّ بِمَا حَفِظَ فَلْيَشْهَدْ بِمَا حَفِظَ وَتَيَقَّنَهُ دُونَ مَا يَشُكُّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَسِيَ مَا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا لِمَا حَفِظَ وَمُغَيِّرًا لِحُكْمِهِ فَلَا يَشْهَدُ بِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْإِقْرَارِ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ غَيْرَهُ بِمَا فِيهِ إقْرَارٌ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالرَّجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ وَلَمْ يُشْهِدَاهُ فَيَدْعُوهُ أَحَدُهُمَا إلَى الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَسْتَوْعِبَ كَلَامَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَخَافَةَ الِاسْتِغْفَالِ وَالتَّحَيُّلِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْكَلَامَ وَلَمْ يَفُتْهُ مَا يَخَافُ أَنْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ لَا يَشْهَدُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مَا يُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَلَمْ يَشْهَدْ السَّامِعُ لَا يَشْهَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاذِفًا. وَقَالَ أَشْهَبُ هَذِهِ رِوَايَةٌ فِيهَا وَهْمٌ وَلْيَشْهَدْ بِمَا سَمِعَ مِنْ إقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقِرُّ فَلْيُعْلِمْهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَقْوَالُ أَصْحَابِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ الْمُخْتَفِي عَلَى الْإِقْرَارِ إذَا كَانَ الْمُقِرُّ مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ يُخْدَعَ أَوْ يُسْتَضْعَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا يُذْكَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْخَلْوَةِ يُقِرُّ وَيَجْحَدُ عِنْدَ الْبَيِّنَةِ فَعَسَى أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَرَى ذَلِكَ ثَابِتًا وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الشَّعْبِيَّ وَشُرَيْحًا كَانَا لَا يُجِيزَانِ ذَلِكَ فَظَاهِرُ مَا جَاوَبَ بِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ الْأَخْذُ بِهَا فِي الْمَنْعِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَحَاسَبَانِ بِحَضْرَةِ رَجُلَيْنِ وَيَشْتَرِطَانِ عَلَيْهِمَا أَنْ لَا يَشْهَدَا بِمَا يُقِرَّانِ بِهِ فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا فَيَطْلُبُهُمَا الْآخَرُ بِالشَّهَادَةِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَمْتَنِعَانِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَلَا يُعَجِّلَا فَإِنْ اصْطَلَحَ الْمُتَدَاعِيَانِ وَإِلَّا فَلْيُؤَدِّيَا الشَّهَادَةَ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ لَا أَرَى بِامْتِنَاعِهِمَا مِنْ الشَّهَادَةِ بَيْنَهُمَا بَأْسًا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَاكِمِ بِمَا سَمِعَ مِنْ الْخُصُومِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ اثْنَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا سَأَلَ الْمُسْتَفْتِي فَقِيهًا عَنْ أَمْرٍ يُنَوَّى فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ أَسَرَّ بِهِ بَيِّنَةً لَمْ يُنَوَّ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَأَتَتْهُ الزَّوْجَةُ تَسْأَلُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَوْ شَهِدَ لَمْ يَنْفَعْهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى غَيْرِ الْإِشْهَادِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ مِمَّا لَا رُجُوعَ لَهُ عَنْهُ ثُمَّ أَنْكَرَ فَلْيَشْهَدْ بِهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَقِيهِ بِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَى مَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَخْتُومٍ أَوْ مَخْتُومًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخْتُومٍ فَعِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَقَيَّدَتْ بِهِ الشَّهَادَةُ فِي آخِرِ الْعَقْدِ إنْ كَانَ يَقْرَأُ أَوْ يُقْرَأُ لَهُ إنْ كَانَ أُمِّيًّا أَوْ أَعْمَى لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ مُوَافَقَةَ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ لِمَا شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مَخْتُومًا فَفِي الْمَعُونَةِ لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى شُهُودٍ كِتَابًا مَطْوِيًّا، وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ هَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهُمْ لِلشَّهَادَةِ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ إذَا كَتَبَ كِتَابًا إلَى حَاكِمٍ وَخَتَمَهُ وَأَشْهَدَ الشُّهُودَ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ فَعَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ وَالْأُخْرَى أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ بِهِ إلَّا أَنْ يَقْرَؤُهُ وَقْتَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ. فَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا فِي كِتَابٍ عَرَفُوهُ فَصَحَّ تَحَمُّلُهُمْ لِلشَّهَادَةِ

[الباب الثاني في حال أداء الشهادة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَصْلُهُ إذَا قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ لِذَلِكَ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ كِتَابًا إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ يَقْرَأَ الْكِتَابَ فَيَتَّبِعَ مَا فِيهِ» قَالَ وَوَجْهُ الْمَنْعِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا يَشْهَدُونَ بِهِ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي حَالِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي حَالِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) أَمَّا حَالُ الْأَدَاءِ فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي شَهَادَةً حَفِظَهَا فَحُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لَهَا حِينَ الْأَدَاءِ إمَّا لِأَنَّهُ اسْتَدَامَ حِفْظَهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُ قَيَّدَهَا فِي كِتَابٍ يَذْكُرُهَا مِنْهُ حَالَ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يَتَفَقَّدُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي كِتَابٍ عَقَدَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِهِ عَقْدًا بِمَا عُلِمَ فِي الشَّاهِدِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يُسَمِّيهِ أَصْحَابُ الْوَثَائِقِ عَقْدَ اسْتِرْعَاءٍ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهِدَ مَنْ تَسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَذَا ثُمَّ يَكْتُبُ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ وَيُسَلِّمُ الْعَقْدَ إلَى صَاحِبِهِ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَدُعِيَ الشَّاهِدُ إلَى الشَّهَادَةِ لَزِمَ الشَّاهِدَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِجَمِيعِهِ وَيَذْكُرُ ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهِ أَدَّى الشَّهَادَةَ عَلَى عُمُومِهَا، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضَهُ شَهِدَ بِمَا ذُكِرَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَشْهَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى عَقْدِ تَبَايُعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إقْرَارٍ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ حِفْظُهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهِ فَإِنْ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَيَعْرِفُ خَطَّهُ وَلَا يَسْتَرِيبُ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابِ فِي مَحْوٍ وَلَا بَشْرٍ وَلَا إلْحَاقٍ فَلْيُؤَدِّ الشَّهَادَةَ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا، وَإِنْ اسْتَرَابَ بِشَيْءٍ فَلَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِيمَا شَهِدَ عَلَى حَقِّهِ بِمَعْرِفَةِ صَوْتِ مُبَايِعِهِ وَالْمُقْتَرِضِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ فَإِنْ مَيَّزَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أُشْهِدَ وَلَا أَنَّهُ كَتَبَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ فَلَا يَشْهَدُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا يَشْهَدُ، وَإِنْ عَرَفَ خَطَّهُ ثُمَّ يَذْكُرُ الشَّهَادَةَ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى أَكْثَرِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ دِينَارٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ بِقَوْلِهِ الْآخَرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ أَنَّهُ كَتَبَ شَهَادَتَهُ وَعَرَفَ خَطَّهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ مَا فِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَشْهَدُ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّيهَا كَمَا عَلِمَ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ فِي كِتَابٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ وَلَا يَذْكُرُ كُلَّ مَا فِي الْكِتَابِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَمْ يَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْوًا وَلَا لَحْقًا وَلَا مَا يَسْتَنْكِرُهُ وَرَأَى الْكِتَابَ خَطًّا وَاحِدًا فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْكِتَابِ شَيْئًا وَلَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْ هَذَا بُدًّا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَصِفَةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَشْهَدُ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّيهَا كَمَا عَلِمَ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالشَّهَادَةِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالشَّهَادَةِ إلَى مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَامِلٌ وَيُورِدُهُ لِيَعْمَلَ بِهِ وَأَشَارَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْإِخْبَارِ بِمَا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ فَلَا يَعْمَلُ بِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي شَهَادَةِ مَنْ رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ وَلَا يَذْكُرُهَا يَرْفَعُهَا إلَى الْإِمَامِ عَلَى وَجْهِهَا وَلْيَقُلْ هَذَا كِتَابٌ شَبِيهُ كِتَابِي وَأَظُنُّهُ إيَّاهُ وَلَا أَذْكُرُ شَهَادَةً وَلَا أَنِّي كَتَبْتهَا يَحْكِي ذَلِكَ وَلَا يُقْضَى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ وَعَرَفَ خَطَّهُ فَقَدْ يَضْرِبُ عَلَى خَطِّهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ يَشْهَدُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ إلَّا خَطَّهُ فَيَقُولُ إنَّ مَا فِيهِ حَقٌّ وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ الشَّهَادَةِ شَيْئًا، وَقَدْ عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَرْتَبْ فِي شَيْءٍ فَلَا يَقْبَلُهَا. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَقُولُ أَشْهَدُ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا، وَلَوْ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ رَأَيْت أَنْ يُجِيزَ شَهَادَتَهُ إذَا عَرَفَ أَنَّ الْكِتَابَ خَطُّ يَدِهِ قَالَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ حَتَّى

[محل نقل الشهادة عن الشهود وفيها بابان]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْرِفَ خَطَّهُ مَعْرِفَةً صَحِيحَةً لَا يَشُكُّ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَ الْمَالِ فَذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ يُعَرِّفُهُ الشَّاهِدُ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ وَمَا أَرَى ذَلِكَ يَنْفَعُ. وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ عَلَى عِدَّةِ الْمَالِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَ الْمَالِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أُشْهِدَ مَعَ مَعْرِفَةِ خَطِّهِ وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا هُوَ الْخِلَافُ فِيمَنْ قَيَّدَ شَهَادَتَهُ بِاسْتِرْعَاءٍ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِمَالٍ وَعَدَدِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ نَسِيَ فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَيِّدَ شَهَادَتَهُ إلَّا عَلَى مَعْلُومٍ عِنْدَ تَقْيِيدِ شَهَادَتِهِ. فَإِذَا نَسِيَ بَعْدَ ذَلِكَ تَيَقَّنَ مَا تَضَمَّنَهُ الْعَقْدُ أَوْ بَعْضَهُ وَذَكَرَ تَقْيِيدَهُ لِلشَّهَادَةِ وَعَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْهَا إلَّا عَلَى مَعْلُومٍ احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إجَازَةُ شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ صِحَّتَهَا، وَالثَّانِي رَدُّ شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ غَيْرُ ذَاكِرٍ لَهُ. وَقَدْ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ وَأَثْبَتَ مَنْ أَشْهَدَهُ فِي دَارٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ أَنَّهَا الَّتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَثْبُتَ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ حَرْفًا حَرْفًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ اسْتِرْعَاءٍ، وَأَمَّا مَا شَهِدَ فِيهِ مِنْ الْعُقُودِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَصَفُّحُهُ وَلَا قِرَاءَتُهُ وَلَا يَتَصَفَّحُ مِنْهُ إلَّا مَوْضِعَ التَّقْيِيدِ لِلشَّهَادَةِ، وَلِذَلِكَ شُهِدَ عَلَى الْحُكَّامِ بِالسِّجِلَّاتِ الْمُطَوَّلَةِ الَّتِي فِيهَا الْأَوْرَاقُ وَلَا يُقْرَأُ إلَّا فِي الْمُدَدِ الطُّوَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ النَّفَرُ الْكَثِيرُ لِلْإِشْهَادِ مِنْهُ، وَإِنْ لَزِمَ كُلَّ إنْسَانٍ قِرَاءَتُهُ وَتَصَفُّحُهُ وَتَحَفُّظُهُ لَتَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ فِيهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِرَاءَتُهُ وَلَا مَعْرِفَةُ مَا فِيهِ حِينَ تَقْيِيدِ شَهَادَتِهِ فَبِأَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ حِينَ الْأَدَاءِ أَوْلَى، وَمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا غَيْرُ لَازِمٍ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَهَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمَعْلُومِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا لَمْ يُعْلَمْ وَالْآيَةُ لَا تَتَضَمَّنُ حُكْمَ هَذَا وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّاهِدَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ صِحَّةِ تَقْيِيدِهِ الشَّهَادَةَ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّازِمِ فِي ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُكْمِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ وَيَقْطَعُ بِهِ فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَأَمَّا مَنْ دُعِيَ إلَى شَهَادَةٍ فَلَمْ يَذْكُرْهَا زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ عِنْدَ الْقَاضِي لَا أَذْكُرُهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَشَهِدَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ كَانَ مُبَرَّزًا لَا يُتَّهَمُ وَلَمْ يَمُرَّ مِنْ طُولِ الزَّمَنِ مَا يُسْتَنْكَرُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ قَالَ أَخِّرُونِي لِأَتَفَكَّرَ وَأَنْظُرَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ مُبَرَّزًا، وَإِنْ قَالَ مَا عِنْدِي عِلْمٌ ثُمَّ رَجَعَ فَأَخْبَرَ بِعِلْمِهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ وَأَجَازَهَا ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمُبَرَّزِ فِي الْقُرْبِ وَجْهُ إجَازَتِهَا أَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنْ لَا عِلْمَ لَهُ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَهُ فَإِذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عِلْمُهُ بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا لَوْ تَقَيَّدَتْ شَهَادَتُهُ فِي عَقْدٍ أُشْهِدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَنْسَى ذَلِكَ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْعَقْدِ وَرَأَى خَطَّهُ يَذْكُرُ شَهَادَتَهُ وَجَازَ أَدَاؤُهُ لَهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِرَدِّهَا إنَّ قَطْعَهُ بِنَفْيِ عِلْمِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ وَلَا سَبَبٌ يَتَذَكَّرُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا هَذَا إذَا سُئِلَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ سُئِلَ الْمَرِيضُ عِنْدَ نَقْلِهَا عَنْهُ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ قَالَ كُلُّ شَهَادَةٍ أَشْهَدُ بِهَا بَيْنَكُمَا زُورٌ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَلْيَشْهَدْ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ قَالَ لِخَصْمٍ مَا أَشْهَدُ عَلَيْك بِشَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يَضُرُّهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَهَذَا عِنْدَ الْحُكْمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا وَعَدَهُ أَنْ لَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ إلَى الْوَاجِبِ مِنْ إقَامَتِهَا عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ نَسِيَ الشَّهَادَةَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَأَدَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ شَهِدَ وَحَلَفَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. [مَحَلُّ نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَفِيهَا بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ مُعَيَّنِينَ] ، وَأَمَّا مَحَلُّ نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الشُّهُودِ فَفِيهَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا نَقْلُهَا عَنْ شُهَدَاءَ مُعَيَّنِينَ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي نَقْلِهَا عَنْ شُهَدَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ مُعَيَّنِينَ) فَأَمَّا نَقْلُهَا عَنْ الْمُعَيَّنِينَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُنْقَلُ عَنْهُ مُتَيَقِّنًا لِمَا أَشْهَدَ بِهِ غَيْرَ شَاكٍّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ نَسِيَهُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهَا عَنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَنُصُّ شَهَادَتَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهَا عَنْهُ حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخْبِرَ قَدْ تَرَكَ التَّحَرُّزَ وَالِاسْتِيعَابَ لِلشَّهَادَةِ وَالْمُؤَدِّي لِلشَّهَادَةِ يَتَحَرَّزُ فِيهَا وَيُؤَدِّيهَا أَدَاءً يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِهَا وَأَدَاءُ الشَّاهِدِ شَهَادَتَهُ إلَى مَنْ يَنْقُلُهَا عَنْهُ كَأَدَائِهَا إلَى الْحَاكِمِ، وَلَوْ أَنَّ الْحَاكِمَ سَمِعَهُ يَنُصُّ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعَمَلُ بِهَا فَكَذَلِكَ النَّاقِلُ لَهَا عَنْهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يُشْهِدْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ هَذَا عِنْدِي الْخِلَافَ الَّذِي بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِيمَنْ سَمِعَ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ بِشَهَادَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي أَوْ عُزِلَ فَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَنْقُلُ الشَّهَادَةَ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ يَنْقُلُ ذَلِكَ إذَا سَمِعَهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَتَكُونُ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ قَالَ أَصْبَغُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يُشْهِدَهُ أَوْ يُشْهِدَ عَلَى قَبُولِ الْقَاضِي لِتِلْكَ الشَّهَادَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ أَصْبَغُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَنْ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَرِيضِ الْحَاضِرِ إذَا كَانَتْ غَيْبَةُ الشَّاهِدِ بَعِيدَةً حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَتَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً صَحِيحَةً رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ وَلَمْ أَرَ بِالْمَدِينَةِ قَطُّ امْرَأَةً قَامَتْ بِشَهَادَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّهَا تُحْمَلُ عَنْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهَا مِنْ السَّتْرِ عُذْرٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الْجُمُعَةِ فَأَبَاحَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ عَنْهَا كَالْمَرَضِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْغَيْبَةُ الْقَرِيبَةُ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا تُنْقَلُ شَهَادَتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَغِيبَ عَنْ مَكَانِهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَ مَوْضِعِهِ وَمَوْضِعِ الْقَاضِي مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَيَصِحُّ نَقْلُهَا عَنْهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ عَلَى مِثْلِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ السِّتِّينَ مِيلًا وَنَحْوَهَا لَمْ يُشَخَّصْ الشُّهُودُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَيُشْهَدُ عِنْدَهُ مَنْ يَأْمُرُ بِهِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَكْتُبُ بِمَا أَشْهَدُوا لَهُ بِهِ عِنْدَهُ إلَى الْقَاضِي قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَنْقُلُ عَنْهُمْ الشَّهَادَةَ إذَا بَعُدَتْ غَيْبَتُهُمْ مَنْ يَعْرِفُ الْغَيْبَةَ بَعْدَ مُدَّةٍ لَا بِأَثَرِ غَيْبَتِهِمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ بِأَثَرِ غَيْبَتِهِمْ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَا يُؤْمَنُ رُجُوعُهُمْ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ بَرِيدَيْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ أَغْنِيَاءَ يَجِدُونَ نَفَقَةً وَرُكُوبًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَقُومُ لَهُمْ بِذَلِكَ الْمَشْهُودُ لَهُ فَإِنْ فَعَلَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَذَلِكَ إذَا كَانَ أَمْرًا خَفِيفًا فَإِنْ كَثُرَ لَمْ أُجِزْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّشْوَةِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا تَلْزَمُ الْمَشْهُودَ لَهُ وَيَلْزَمُ الشَّاهِدَ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْقِيَامِ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] ، وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشُّهُودُ نَفَقَةً وَلَا مَرْكُوبًا جَازَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُؤْنَةٌ لَا تَلْزَمُ الشُّهُودَ فَلَمْ تُبْطِلُ شَهَادَتُهُمْ تَكْلِيفَ الْمَشْهُودِ لَهُ كَسَائِرِ نَفَقَاتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُنْهِضَ الشُّهُودُ إلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لِيُعَايِنُوا حُدُودَ أَرْضٍ وَصِفَتَهَا فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبُوا دَوَابَّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَيَأْكُلُوا طَعَامَهُ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مِنْ سُؤَالِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الشَّاهِدِ يَأْتِي مِنْ الْبَادِيَةِ يَشْهَدُ لِرَجُلٍ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ فِي ضِيَافَتِهِ حَتَّى يَخْرُجَ لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَهَذَا خَفِيفٌ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُعْتَادٌ دُونَ مُكَارَمَةٍ مَشْرُوعَةٍ يَتَقَارَضُ فِيهَا النَّاسُ وَلَعَلَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ كَانَ جَرَى بَيْنَهُمْ قَبْلَ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ

[الباب الثاني في نقل الشهادة عن غير معينين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَاخْتَارَهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّهِ وَلَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَيَحْلِفُ الطَّالِبُ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ. وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ قَوِيَّةٌ فِي الْحُكْمِ بِهَا وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ لِلْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَسْمَعَهُ يَنُصُّ شَهَادَتَهُ تِلْكَ وَلَا يُسَوَّغُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً حَيْثُ يَجُوزُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً حَيْثُ يَجُوزُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَهُ أَصْبَغُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهَا نَاقِصَةُ الرُّتْبَةِ كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ قَالَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُقِرَّ يَنُصُّ إقْرَارَهُ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ وَجْهُ الْمَنْعِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أَرَى أَنْ يُقْضَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ بِمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ الضَّرْبِ عَلَى الْخُطُوطِ، وَقَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى يُجِيزُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى طَابِعِ الْقَاضِي وَرَأَى مَالِكٌ أَنْ لَا تَجُوزَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ مَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يُحْكَمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُحْكَمُ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ فَيَسْتَحِقَّ حَقَّهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ كَامِلَةٌ تَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى لَفْظِ الْمُقِرِّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ فَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُحْكَمُ لَهُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالثَّانِيَةُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى مَا يَثْبُتُ بِهِ إقْرَارُ الْمُقِرِّ بِالْمَالِ فَأَشْبَهَتْ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا تَتَنَاوَلُ الْمَالَ، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَعْنًى يُجَرُّ إلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ) أَمَّا نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا تَقَادَمَ زَمَنُهُ تَقَادُمًا يَبِيدُ فِيهِ الشُّهُودُ وَتُنْسَى فِيهِ الشَّهَادَاتُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَتَخْتَصُّ بِمَا لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ الْمَوْتُ فِيهِ كَالْمَوْتِ وَالنَّسَبِ وَالْوَقْفِ الْمُحَرَّمِ، فَأَمَّا الْمَوْتُ فَإِنَّمَا يُشْهَدُ فِيهِ عَلَى السَّمَاعِ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ، وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْبِلَادِ أَوْ الشَّهَادَةُ بِبَلَدِ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ السَّمَاعَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ شَهَادَةِ السَّمَاعِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ، وَلِذَلِكَ لَا يُؤَدِّي شَهَادَتَهُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ سَمَاعًا فَاشِيًا مَا يَنُصُّهُ مِنْ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا إذَا تَوَاتَرَ الْخَبَرُ حَتَّى وَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ فَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى عِلْمِهِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَأَنَّ فُلَانًا ابْنَهُ يَرِثُهُ فَلَا يُطْلِقُونَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ شَهَادَةَ سَمَاعٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، فَأَكْثَرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَلَا يَجْرِ بِذَلِكَ وَلَاءٌ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ نَسَبٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ انْتَشَرَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، فَمِثْلُ هَذَا يَجْرِ بِهِ الْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ يُرِيدُ إذَا بَلَغَ مِنْ التَّوَاتُرِ بِحَيْثُ يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ فَيَشْهَدُ عَلَى عِلْمِهِ وَلَا يُضِيفُ شَهَادَتَهُ إلَى السَّمَاعِ وَفِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَفَنَشْهَدُ أَنَّك ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا نَعْرِفُ أَبَاك وَلَا أَنَّك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُهُ إلَّا بِالسَّمَاعِ قَالَ نَعَمْ يُقْطَعُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّسَبِ إلَّا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَوَاتُرِ الْخَبَرِ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِثْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَيَثْبُتُ بِهَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ غَيْرُ الشَّهَادَةِ بِالْعِلْمِ الْوَاقِعِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ مَعْنَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي السَّمَاعِ مِنْ عَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يَقُولُ الشَّاهِدُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَهْلَ الْعَدْلِ فِيمَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ فَلَمْ تَخْتَصَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَذَاهِبِ شُيُوخِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا شُهِدَ لِلْمَرْأَةِ بِضَرَرِ زَوْجِهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْخُلْعِ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إلَّا عَنْ الْعُدُولِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَنْ لَفِيفِ الْقَرَابَةِ وَالْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا كَالنِّسَاءِ وَالْخَدَمِ فَهَذَا أَيْضًا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ فَيَجِبُ أَنْ يَشْهَدَا بِعِلْمِهِمَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمَا مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ الَّذِي لَا يُرَاعَى فِيهِ عَدَالَةٌ وَلَا إسْلَامٌ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ عَلَى فُشُوِّ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى الرَّضَاعِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ بِالْوَلَاءِ وَالْمَوَارِيثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَنْتَقِلُ كَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْوَقْفِ الْمُؤَبَّدِ وَذَكَرَ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ بِالنِّكَاحِ قَوْلَيْنِ قَالَ فَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَا يَتَغَيَّرُ إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَأَشْبَهَ الْوَلَاءَ وَالْوَقْفَ الْمُؤَبَّدَ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّنَقُّلِ فِيهِ فَكَانَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْلَاكِ وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ يُقْطَعُ بِهَا فِي الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالصَّدَقَاتِ الَّتِي طَالَ زَمَنُهَا، وَالصَّدَقَاتُ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْوَقْفِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِيمَا تَقَادَمَ عَهْدُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْحِيَازَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْأَحْبَاسِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا أُمُورٌ تَتَقَادَمُ وَيَبِيدُ شُهُودُهَا فَصَحَّتْ الشَّهَادَةُ فِيهَا عَلَى السَّمَاعِ كَالْأَحْبَاسِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي غَائِبٍ قَدِمَ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَأَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ فَأَتَى مَنْ هَذِهِ فِي يَدِهِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى السَّمَاعِ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ هُمْ أَوْ مَنْ نَقَلُوا عَنْهُ مِنْ الْعُدُولِ أَنَّهَا لِأَبِ الْحَائِزِ أَوْ لِجَدِّهِ بِشِرَاءٍ مِنْ أَبِ الْقَائِمِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ بِصَدَقَةٍ مَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى مَاتَ وَوَرِثَهَا وَرَثَتُهُ وَيَذْكُرُونَ وَرَثَةَ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا فَإِنْ قَالُوا نَعْلَمُ أَنَّهَا بِيَدِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ لَا يَعْلَمُونَ بِمَاذَا لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا النِّكَاحُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ جُلُّ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ فِي النِّكَاحِ إذَا انْتَشَرَ خَبَرُهُ فِي الْجِيرَانِ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَسَمِعَ الزِّفَافَ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلَانَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَمْ يَحْضُرْ النِّكَاحُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ يَسْمَعُ النِّيَاحَةَ وَرُبَّمَا لَمْ يَشْهَدْ الْجِنَازَةَ فَإِذَا كَثُرَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فَيَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَلَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ، وَكَذَلِكَ النَّسَبُ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي يُوَلَّى الْمِصْرَ وَلَا يَحْضُرُ وِلَايَتَهُ إلَّا بِمَا يَسْمَعُ مِنْ النَّاسِ وَرُبَّمَا رَآهُ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَلْيَشْهَدْ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ قَوْمٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَحُوزُهَا بِالنِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا قَبْلَ أَنْ يُولَدَ الشُّهُودُ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ أَدْخَلَهَا شَيْخُنَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ سَبَبَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ بِالْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ لَا يُضِيفُهَا الشَّاهِدُ إلَى سَمَاعِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ بِالْعِلْمِ يُضِيفُهَا إلَى عِلْمِهِ. (فَرْعٌ) إذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنْ شَرْطِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ السَّمَاعِ حَتَّى يَقُولَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَا وَلَا يُسَمُّوا مَنْ سَمِعُوا مِنْهُ فَإِنْ سَمَّوْا خَرَجَتْ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. (فَرْعٌ) وَيُجْزِئُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ رَجُلَانِ وَمَا كَثُرَ أَحَبُّ إلَيْنَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى السَّمَاعِ وَفِي الْقَبِيلِ مِائَةٌ مِنْ أَنْسَابِهِمْ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا بِأَمْرٍ يَفْشُو وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا شَيْخَيْنِ قَدِيمَيْنِ قَدْ بَادَ جِيلُهُمَا فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ تَخْتَصُّ بِمَا تَقَادَمَ مِنْ الزَّمَانِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ تَجُوزُ فِي الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَنَحْوِهَا لِتَقَاصُرِ أَعْمَارِ النَّاسِ قَالَهُ أَصْبَغُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُقْبَلُ فِي الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً شَهَادَةٌ عَلَى السَّمَاعِ إلَّا فِيمَا تَقَادَمَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا ظَنِينٍ فَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ الْمُتَّهَمُ الَّذِي يُظَنُّ بِهِ غَيْرُ الصَّلَاحِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ هُوَ الْمُتَّهَمُ فَكُلُّ مَنْ اُتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ بِمَيْلٍ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ إلَّا أَنَّ التُّهْمَةَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا رَدُّ الشَّهَادَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِجَرِّ الْمَالِ، وَالثَّانِي لِدَفْعِ الْمَعَرَّةِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي جَرِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي كَثْرَةِ مَالِهِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ يَنَالُهُ مَعْرُوفُهُ، فَأَمَّا مَنْ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ لَهُ خَاصَّةً أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ خَاصَّةً فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لِنَفْسِهِ هِيَ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ شَهِدَ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلَيْنِ لَهُمَا مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَالِ لِصَاحِبِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا فَإِنَّ النِّصْفَ الَّذِي لِشَرِيكِهِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَلَوْ قَبَضَهُ شَرِيكُهُ لِسَاهِمِهِ فِيهِ فَقَدْ عَادَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ اقْتَسَمَا الْحَقَّ قَبْلَ الشَّهَادَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَهِدَ شَهَادَةً لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ غَيْرَ وَصِيَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً وَكَانَ لَهُ فِيهَا مَالٌ كَثِيرٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَبِهَذَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ لَهُ فِيهِ حَظٌّ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ غَيْرِ الْوَصِيَّةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَخْتَصُّ بِهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَتَصِحُّ لِغَيْرِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ لَمْ تُبْطِلْ بَعْضَهَا تُهْمَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ جَمِيعُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِغَيْرِهِ دُونَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهَا فِي الْقَلِيلِ فَكَمُّ الْقَلِيلِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي شَاهِدَيْنِ أَوْصَى إلَيْهِمَا رَجُلٌ وَأَشْهَدَهُمَا فِي ثُلُثِهِ أَنَّ ثُلُثَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَثُلُثَهُ لِجِيرَانِهِ وَثُلُثَهُ لَهُمَا هَذَا يَسِيرٌ وَيَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا مِمَّا لَهُ بَالٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ وَصِيَّةٍ لِحَقٍّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَلِغَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي لَهُ يَسِيرٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ لَمْ يُتَّهَمْ عَلَيْهِ فَإِذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ إذَا أَجَزْنَاهَا أَنَّ الْمُتَوَفَّى مُتَيَقَّنٌ انْتِقَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ إلَّا بَعْدَ سَلَامَتِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَوَقْتُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQانْتِقَالِهِ إلَى الْوَرَثَةِ وَإِلَى الْمُوصَى لَهُ بِهِ وَاحِدٌ وَهُوَ وَقْتُ وَفَاتِهِ فَلَمْ تَتَنَاوَلْ الْوَصِيَّةُ إخْرَاجَ شَيْءٍ عَنْ مِلْكٍ مُتَقَرِّرٍ، وَإِنَّمَا تَنَاوَلَتْ تَوَجُّهَهُ إلَى جِهَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ فَإِنَّمَا شُهِدَ بِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الدَّيْنِ لِضَعْفِ حَالِ الْمِلْكِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ وَفَوْتِهِ فِي الدَّيْنِ، وَلِذَلِكَ لَوْ شُهِدَ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَحُكِمَ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ شُهِدَ عَلَى حَيٍّ أَنَّهُ وَهَبَ مَالَهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَمَا حُكِمَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ يَرْغَبُ فِي كَثْرَةِ مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْغَبَ فِي كَثْرَةِ مَالِهِ لِلشَّفَقَةِ وَالْقَرَابَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لِمَا يَخْتَصُّ بِالشَّاهِدِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَكَشَهَادَةِ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ قَالَ وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ عُمَرَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ شَهَادَةُ الْأَبَوَيْنِ لِلْوَلَدِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَهَذَا مَذْهَبُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَرُوِيَ عَنْ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا. وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَالْأَخْذِ بِهِ وَلَا نَعْلَمُ بِتُهْمَةٍ أَقْوَى مِنْ كَلَفِ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ وَمَحَبَّةِ الْأَبْنَاءِ فِي الْآبَاءِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ لِلتُّهْمَةِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ تَكُونُ مَحَبَّتُهُ لِبَنِيهِ تَرْبُو عَلَى مَحَبَّتِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ تُقَارِبُهَا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ اهـ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ نَفَاهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ اسْتِمَالَتَهُ لِيَسْتَلْحِقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الَّذِي لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ مِنْ ذِي الْقَرَابَةِ الْأَبَوَانِ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَالْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ وَرَاءَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْقَرَابَاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجُوزُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى شَرْطٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الشَّرْطِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا وَقِيلَ يَجُوزُ إذَا لَمْ تَنَلْهُ صِلَتُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ فِي الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرَّزًا فَيَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَرَابَةَ الْأُبُوَّةِ وَالنُّبُوَّةِ آكَدُ وَالتُّهْمَةَ فِيهِمْ أَقْوَى وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِبَسْطِ هَؤُلَاءِ فِي مَالِ بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ فَإِنَّ الزَّوْجَ يُنْفِقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَيَنْبَسِطُ فِي مَالِهَا، وَالْأُخُوَّةُ لَا تَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَلَا يَخْلُو فِي الْأَغْلَبِ مِنْ الْإِشْفَاقِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْغِنَى فَلِذَلِكَ رُوعِيَ فِي الْأُخُوَّةِ أَحَدُ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرَابَةِ وَالْمَوَالِي فِي الرِّبَاعِ الَّتِي يُتَّهَمُونَ بِجَرِّهَا إلَيْهِمْ أَوْ إلَى بَنِيهِمْ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَهُ مِثْلُ حَبْسِ مَرْجِعِهِ إلَيْهِمْ أَوْ إلَى بَنِيهِمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ امْرَأَتِهِ وَلَا لِأَبِيهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِابْنِ زَوْجِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ وَلَا لِزَوْجَةِ ابْنِهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُك لَهُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُك لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَك؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ قَوِيَّةٌ فِي مَنَافِعِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ وَفْرُهُ وَفْرَ الشَّاهِدِ وَغِنَاهُ غِنًى لَهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ قَوِيَّةٌ فِي مَنَافِعِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ غِنَاهُ غِنًى لِلشَّاهِدِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ جَائِزَةٌ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَنْ يُرْغَبُ فِي غِنَاهُ لِمَنْفَعَتِهِ فَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْأَبُ يَجِبُ عَلَى ابْنِهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ أَوْ أَجِيرٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَ لَهُ جَرَّ إلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا وَالزَّوْجَةُ تَنْبَسِطُ فِي مَالِ زَوْجِهَا فَتَجُرُّ إلَى نَفْسِهَا بِذَلِكَ نَفْعًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ يَنَالُهُ مِنْهُ مَعْرُوفٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْمَعْرُوفُ مُتَكَرِّرًا مُعْتَادًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْرُوفُ مُتَعَيِّنًا، فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ الْمُعْتَادُ فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ الْقَرَابَةُ كَالْأَخِ يَكُونُ فِي عِيَالِ أَخِيهِ أَوْ تَحْتَ نَفَقَتِهِ أَوْ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ مَعْرُوفُهُ فَهَذِهِ تُهْمَةٌ تُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ لَهُ، وَأَمَّا الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ الَّذِي يَنَالُهُ مَعْرُوفُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ مَقْبُولَةٌ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا مَقْبُولَةٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَخِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ يَقْتَرِنُ بِالْأُخُوَّةِ وَالْقَرَابَةِ فَتَقْوَى التُّهْمَةُ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ الْمَعْرُوفِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ وَذَا الْمَعْرُوفِ لَوْ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ إلَّا شَهَادَةُ مَنْ لَا يَنَالُهُ مَعْرُوفُهُ لَرُدَّتْ لَهُ شَهَادَاتُ أَكْثَرِ النَّاسِ وَلَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَهُ مَعْرُوفَهُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّنْ يَنَالُهُ مَعْرُوفُهُ وَيَتَكَرَّمُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُقْبَلْ لَهُ شَهَادَةٌ كَالْأَخِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَعْرُوفُ الْمُعَيَّنُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَدَامًا وَالثَّانِي أَنْ يَخْتَصَّ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ، فَأَمَّا الْمُسْتَدَامُ فَكَشَهَادَةِ الْعَامِلِ لِرَبِّ الْمَالِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنْ كَانَ شَغَلَ الْمَالَ فِي سِلَعٍ فَشَهَادَتُهُ لَهُ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَشَهَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ، وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ عَيْنًا فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَشَهَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إذَا شَغَلَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَخَذُهُ فَارْتَفَعَتْ التُّهْمَةُ وَمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ يَدِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ضَعِيفٌ فِي التُّهْمَةِ لِبُعْدِ الْأَمَدِ وَعَدَمِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ كَوْنَ الْمَالِ بِيَدِ الْعَامِلِ وَجْهٌ لِكَسْبِهِ فَيُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى بَقَائِهِ بِيَدِهِ لِفَقْدِهِ وَبُعْدِ التُّهْمَةِ مَعَ غِنَاهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ مَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الشَّاهِدِ دَيْنٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ غَنِيًّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ زَادَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لِأَنَّهُ كَالْأَسِيرِ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَدْ قَرُبَ مَحِلُّهُ فَهَذَا حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ جَائِزَةٌ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى الْغَنِيِّ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَسْتَضِرَّ بِإِزَالَةِ هَذَا الْمَالِ عَنْهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْعَظِيمَ يَلْحَقُهُ بِتَعْجِيلِ قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْهُ وَلَهُ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ فِي تَأْخِيرِهِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ يُشْبِهُ قُوَّتَهُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ فَأَنْ يَقْصِدَ حِينَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ يَصِلَهُ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يُحَابِيَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قَالَ هَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ التُّهْمَةِ لِدَفْعِ الْمَعَرَّةِ فَمِثْلُ أَنْ يُعَدِّلَ الرَّجُلُ ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ فَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّعْدِيلَ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَجْلِبٌ بِشَهَادَتِهِ الْجَاهَ وَالرِّفْعَةَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي نَقْلِ شَهَادَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ نَقْلَ شَهَادَةٍ، وَلَوْ ابْتَغَى تَعْدِيلَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا النَّاقِلِ لَوَجَدَ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّعْدِيلَ مَقْبُولٌ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَالتَّعْدِيلُ مَرْدُودٌ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَمُطَرِّفٌ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ لَهُ بِوَجْهٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا التَّعْدِيلَ إنَّمَا حَقِيقَتُهُ الْإِعْلَامُ بِخَبَرِهِ فَإِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ يُزَكَّى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ فَلَا تُهْمَةَ تَلْحَقُ فِي ذَلِكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ تَعْدِيلَ الْأَبِ ابْنَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِيَسِيرِ الْمَالِ وَمَا يُوجَدُ تَعَدِّيهِ مِنْ الْجَاهِ وَالرِّفْعَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ فَبِأَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِهِ فَشَهَادَتُهُ لَهُ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَعْدِيلُ الْأَخِ لِأَخِيهِ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي الْمَالِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ تَعْدِيلُهُ مَرْدُودٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي الْمَالِ جَازَ تَعْدِيلُهُ لَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ تَعْدِيلَهُ بِهِ شَرَفٌ وَجَاهٌ يَتَعَدَّى إلَيْهِ بِخِلَافِ

[القضاء في شهادة المحدود]

الْقَضَاءُ فِي شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ رَجُلٍ جُلِدَ الْحَدَّ أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقَالُوا نَعَمْ إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي يُجْلَدُ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ الَّذِي هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى مَالِكِهِ. [الْقَضَاءُ فِي شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ جُلِدَ الْحَدَّ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْحُدُودِ الَّتِي يُجْلَدُ فِيهَا مِنْ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ إلَّا أَنَّ إيرَادَهُ هَهُنَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَمْلَهُ عَلَى عُمُومِهِ ثُمَّ يُسْتَدَلَّ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَيَجْعَلَهُ أَصْلًا لِجَمِيعِ الْجِنْسِ، وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ الْقَذْفَ وَحْدَهُ وَيَقْصِدَ بَيَانُ حُكْمِهِ بِالْآيَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا؛ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَكُلُّ مَا يُوجِبُ الْجَلْدَ حَدًّا يُوجِبُ التَّفْسِيقِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ يُنَافِي قَبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فَكُلُّ مَنْ قَذَفَ الْمُحْصَنَاتِ وَلَمْ يُثْبِتْ مَا قَذَفَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الْقَذْفِ وَوَجَبَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بِهِ وَالْحُكْمُ بِفِسْقِهِ فِي الظَّاهِرِ إلَيْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ أَوْ مُشْتَبَهًا عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَتَى يُحْكَمُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُجْلَدَ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْكِتَابَيْنِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إنْ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ وَحَقَّ عَلَيْهِ الْقَذْفُ، وَلَوْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْجَلْدِ وَبَعْدَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ قَاذِفًا بِأَنْ يُكْمِلَ الْجَلْدَ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَوْ أَقَرَّ الْمَقْذُوفُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ مَا قَذَفَهُ بِهِ لَسَقَطَ الْجَلْدُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ النَّكَالُ وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ قَاذِفًا وَذَلِكَ يَمْنَعُ التَّفْسِيقَ بِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ يَتِمُّ بِعَجْزِهِ عَنْ إثْبَاتِ مَا قَذَفَ بِهِ وَالْحَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْهِيرٌ لَهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ كَالْكَفَّارَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يُوجِبُ النَّكَالَ وَالتَّعْزِيرَ دُونَ الْحَدِّ فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ كَانَتْ حَالُهُ حَسَنَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ نَكَالُ الشَّتْمِ أَوْ نَحْوُهُ فَلَا تُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِمَشْهُورِ الْعَدَالَةِ إلَّا أَنَّهُ مَقْبُولٌ وَأَتَى بِالْأَمْرِ الْعَظِيمِ مِمَّا فِيهِ النَّكَالُ الشَّدِيدُ فَلْيُنْظَرْ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْهُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَمِنْهُ مَا لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِهِ عَلَى قَدْرِ الشَّاتِمِ، وَقَدْرِ مَا أَتَى بِهِ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ يُعْمَلُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ وَإِمْضَائِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ الْأَمْرَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي جُلِدَ جَلْدَ الْحَدِّ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ تَجُوزُ شَهَادَتِهِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مَنْ جُلِدَ فِي حَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ قَذْفٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَلْدِ الْحَدِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْآيَةِ وَهُوَ

[القضاء باليمين مع الشاهد]

الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَى الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا هَلْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَقَالَا نَعَمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] إلَى {رَحِيمٌ} [النور: 5] فَاسْتَثْنَى مَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَابَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا تُرْفَعُ عَنْهُ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَقِّبٌ لِجَمِيعِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ فَيُعْرَفُ صَلَاحُ حَالِهِ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ حَالِ الْفِسْقِ وَالْتِزَامِ أَحْوَالِ الْعَدَالَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ فَالتَّزَيُّدُ فِيهِ حَتَّى يُعْرَفَ زِيَادَةُ صَلَاحِ حَالِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالصَّلَاحِ فَمَعْرِفَةُ ظُهُورِ التَّزَيُّدِ تَطُولُ وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالسُّوءِ؛ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْخَيْرِ لَا يَتَبَيَّنُ مَزِيدُهُ فِيهِ إلَّا بِالتَّزْدَادِ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ كَانَ هَاهُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ ازْدَادَ خَيْرًا وَصَلَاحًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَوْبَتِهِ وَلَا مُؤَثِّرًا فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ رُجُوعُهُ عَنْ قَذْفِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِصَلَاحِ حَالِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ وَلَا يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ تُبْ، وَلَوْ قَالَ تُبْت لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَا أَتُوبُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ تُبْتُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يَنْقُلُهُ عَنْ حَالَةِ الْفِسْقِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَوْبَتُهُ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ وَبَلَغَنِي عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ نَحْوُهُ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ تَوْبَةٌ مِنْ ذَنْبٍ فَكَانَتْ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا كَانَتْ بِالْأَقْوَالِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا بِالْقَوْلِ وَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ كَالرِّدَّةِ لَمَّا كَانَتْ قَوْلًا كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْهَا بِتَكْذِيبِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْقَذْفِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ أَوْ زِنًى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِهِ وَصْمَةٌ أَوْ تَوَرُّطٌ فِي أَمْرٍ حَرَصَ أَنْ يُلْحِقَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ لِيُسَاوُوهُ وَيُنْفَى عَنْهُ مَعَرَّةُ ذَلِكَ فَيَهْتَمُّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا وَافَقَهُ لِيُسَاوِيَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَنَا بِعَدَالَتِهِ يَنْفِي مِثْلَ هَذِهِ التُّهْمَةِ عَنْهُ فَإِذَا قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ وَجَبَ أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَتَهُ فِي الْقَذْفِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بِهِمَا فِيمَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعِيَ وَقَضَى لَهُ بِهِ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْحِجَازِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الَّذِي جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَتَهُ وَحْدَهُ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ فَالْجَوَابُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ كَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ. وَهَذَا إذَا ثَبَتَ حُكْمٌ اخْتَصَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَصَّ فِي أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَاتِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يُشِيرُونَ إلَيْهِ لَمْ يَشْهَدْ فِيهِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ لِلنَّبِيِّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبَ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ شَاهَدَهُ، وَإِنَّمَا شَهِدَ لَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ مَنْ يُخَالِفُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَجْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلْيَمِينِ، وَحَدِيثُنَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ كَانَ جَعَلَ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ مَعَ شَهَادَةِ الْمُدَّعِي فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا تَأْثِيرَ لِشَهَادَتِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ يُفِيدُ كَوْنَهُمَا مِمَّا قَضَى بِهِ وَأَنْ يَكُونَ قَضَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمُوهُ لَقَالَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدِ أَوْ قَضَى بِالْيَمِينِ وَرَدَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا مِنْ جَنْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى مَا يَتَأَوَّلُونَهُ الْيَمِينُ فِي غَيْرِ جَنْبَةِ الشَّاهِدِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا إنَّهَا مَعَهُ بَلْ هِيَ نَاقِضَةٌ لَهُ وَمُبْطِلَةٌ لِشَهَادَتِهِ فَإِنْ قِيلَ نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ حَيَوَانًا فَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا يُنْكِرُهُ الْبَائِعُ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا وَحْدَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْبَيْعَ بِالْبَرَاءَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اشْتَرَى عَلَى الْبَرَاءَةِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِالرَّدِّ بِشَاهِدِهِ مَعَ يَمِينِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالتَّمْيِيزِ مَعَ الشَّاهِدِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ عَنْ عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَسْتَوِي النَّاسُ فِي عِلْمِهَا لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا شَاهِدَانِ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَعَمْتُمُوهُ قَضِيَّتَانِ ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ عِنْدَكُمْ وُجُودُ الْعَيْبِ وَثَبَتَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي بَرَاءَتُهُ مِمَّا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الْتِزَامِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ، وَهَاتَانِ قَضِيَّتَانِ قَضَى فِي إحْدَاهُمَا بِالشَّاهِدِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْيَمِينُ بِهَا وَقَضَى فِي الثَّانِيَةِ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدُ بِهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْيَمِينُ فِي جَنْبَتِهِ ابْتِدَاءً كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ فِي تَصْحِيحِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْأَمْرُ بِهِ إظْهَارٌ لِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَأَئِمَّتِهِمْ وَأَعْلَامِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْحَقِّ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُحْلِفَ الْمَطْلُوبَ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَقْتَطِعُ الْحُقُوقَ بِيَمِينِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُعَيَّنٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: غَيْرُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَمُوَلًّى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَسَاوَوْا فِي الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَانْفَرَدَ بِالْحَقِّ قَبْلَ شَاهِدِهِ وَاسْتُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ وَارِثُ الْمَيِّتِ صَغِيرًا وُقِفَ لَهُ حَقُّهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ فَيَحْلِفَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْيَمِينَ وَبِهَذَا قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ ثَبَتَ الْيَمِينُ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَيَّنٌ يُرْجَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْيَمِينِ فَانْتَظَرَ ذَاكَ أَصْلُهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ فَإِذَا حَلَفَ أَبْقَى الْحَقَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُعَيَّنًا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ فَيَسْتَحِقَّ حَقَّهُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنْ فَاتَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِهِ لِلصَّبِيِّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيُتْرَكُ عِنْدَهُ الْحَقُّ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَصَارَ مِمَّنْ يَحْلِفُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ لَمَّا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَخَذَ حَقَّهُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَكَلَ الصَّبِيُّ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ بِذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَتْ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْمَطْلُوبِ يَمِينُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ لِتَقَدُّمِهَا فِي الرُّتْبَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ هَذِهِ لِضَرُورَةِ تَوَقُّفِ تِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي صَحَّتْ يَمِينُ الْمَطْلُوبِ وَصَحَّ الْحُكْمُ لَهُ بِهَا وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ يَمِينَ الْمَطْلُوبِ لِتَوْقِيفِ الْحَقِّ بِيَدِهِ خَاصَّةً لَمَّا تَعَذَّرَتْ يَمِينُ الطَّالِبِ الَّتِي يَتَعَجَّلُ بِهَا حَقَّهُ فَإِذَا حَلَفَ الطَّالِبُ أَخَذَ حَقَّهُ بِشَاهِدِهِ وَيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ يَمِينَ الِاسْتِحْقَاقِ وَقُضِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ عَنْ هَذِهِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ أَوَّلًا يَمِينَ اسْتِحْقَاقٍ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَهَا لِلْمُدَّعِي يَمِينٌ وَلَوَجَبَ إذَا نَكَلَ عَنْهَا أَنْ لَا يَنْفُذَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي يَمِينًا بَعْدَهَا، وَلَمَّا كَانَ إذَا حَلَفَ بَقِيَ الْحَقُّ بِيَدِهِ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فَإِذَا رَشَدَ الْمُدَّعِي وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ بِالْحَقِّ لِلْمَطْلُوبِ وَعُلِمَ أَنَّهَا يَمِينُ إبْقَاءِ الْحَقِّ فَيَجِبُ إذَا رَشَدَ وَنَكَلَ الطَّالِبُ أَنْ يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ يَمِينَ الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْأَصْلُ مُتَنَازَعٌ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا غَرِمَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ كِنَانَةَ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالصَّغِيرُ بَعْدَ الرُّشْدِ وَالْبُلُوغِ رُدَّ إلَى الْمَطْلُوبِ وَنَحْوُهُ رَوَاهُ ابْنُ كِنَانَةَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ يَمِينُهُ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ ثَانِيَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْلِفُ الصَّغِيرُ إذَا كَبِرَ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى الْبَتِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يَحْلِفُ حَتَّى يَعْلَمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي يُتَيَقَّنُ لَهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَمَا يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى مَا لَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ لَا يَدْرِي هَلْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ أَوْ لَا فَيَحْلِفُ مَعَهُ عَلَى خَبَرِهِ وَيُصَدِّقُهُ كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الشَّاهِدَانِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمَا وَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ حَتَّى يَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ إنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْحَدَّ امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ وَاسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا يَسْتَيْقِنُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى حَسَبِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَلَا أَنَّهُ غَصَبَهُ كَذَا وَلَكِنْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَقَرَّ لَهُ فُلَانٌ بِكَذَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا زَادَ فِي يَمِينِهِ أَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ لَبَاقٍ وَمَا عِنْدَهُ بِهِ رَهْنٌ وَلَا وَثِيقَةٌ ثُمَّ يُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَبِيرًا فَإِنَّ الَّذِي فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ قَالَ أَصْبَغُ كَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيُؤَخَّرُ السَّفِيهُ فَإِذَا رَشَدَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ إنْ شَاءَ وَقُضِيَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ يَمِينٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ الْحُدُودُ وَالطَّلَاقُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ حَقَّهُ كَالرَّشِيدِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَنْ لَا يَحْلِفُ فِي دَفْعِ حَقٍّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ كَالصَّغِيرِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا وَيَبْقَى الْحَقُّ عِنْدَهُ فَإِنْ نَكَلَ أُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ فَإِذَا رَشَدَ السَّفِيهُ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ إلَى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَطْلُوبِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نُكُولَهُ يُضْعِفُ حَقَّهُ وَيُوجِبُ قَبْضَ الْمَالِ مِنْهُ لِحَقِّ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ فَإِذَا أَمْكَنَتْ أَيْمَانُهُمَا بِرُشْدِ السَّفِيهِ وَكِبَرِ الصَّغِيرِ اُسْتُحْلِفَا مَعَ شَاهِدِهِمَا فَإِنْ حَلَفَا نَفَذَ الْحَقُّ لَهُمَا، وَإِنْ نَكَلَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ نُكُولِهِمَا أَوَّلًا وَرُدَّ إلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ أَوَّلًا نَقَلَ الْيَمِينَ إلَى جَنْبَةِ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ تَجِبَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَنْكُلُ فَيُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَنْكُلُ بِأَنَّهُ يُقْضَى لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ، وَلَوْ رُوعِيَ وُجُوبُ الْيَمِينِ أَوَّلًا عَلَى السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ وَأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَتْ لِتَأْخِيرِ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ مِنْ الْيَمِينِ فَيُحَلِّفُ الرَّشِيدُ وَالْكَبِيرُ شَاهِدَهُمَا لَوَجَبَ إنْ نَكَلَا أَنْ تُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنْ حَلَفَ رُدَّ إلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ بِنُكُولِ الطَّالِبِ مَعَ شَاهِدِهِ، وَإِنْ نَكَلَ نَفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ نَكَلَ عَنْ يَمِينٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ السَّفِيهُ مَعَ شَاهِدِهِ حَالَ سَفَهِهِ فَإِنَّهُ إنْ حَلَفَ قَبَضَ مَا اسْتَحَقَّهُ بِيَمِينِهِ النَّاظِرِ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَقْبِضَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَبَضَهُ مِنْهُ مَنْ يَنْظُرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ شَيْئًا إلَّا مَنْ لَهُ قَبْضُهُ. (فَرْعٌ) وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ وَلَا يَمِينَ عَلَى السَّفِيهِ إذَا رَشَدَ، وَكَذَلِكَ الْبَكْرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَهَا الرُّجُوعُ إلَى الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ قَدْ حَلَفَ أَوَّلًا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَنَكَلَ عَنْهَا وَحُكِمَ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِنُكُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ كَالرُّشْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ السَّفِيهَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ نُكُولُهُ كَالصَّغِيرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَلَا يُحَاطُ بِعَدَدِهِمْ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ بِصَدَقَةٍ لِبَنِي تَمِيمٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا يُحْلَفُ مَعَ هَذَا الشَّاهِدِ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِشَهَادَتِهِ حَقٌّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَحِقُّ هَذَا الْحَقِّ فَيَحْلِفُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْحَقِّ وَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ وَقَبْضِهِ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ فِي الْحُقُوقِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمِلْكَ أَوْ الْقَبْضَ وَيُطْلَبُ مِنْهُ إنْ نَكَلَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ إلَّا أَنَّهُ يُحَاطُ بِعَدَدِهِمْ وَأُضِيفَ إلَيْهِمْ مَنْ لَا يُحْصَى مِثْلُ أَنْ يَقُولَ حَبَسْت هَذَا الْمِلْكَ عَلَى وَلَدِ زَيْدٍ وَعَقِبِهِمْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ الَّذِي يَقُولُ أَصْحَابُنَا إنَّ كُلَّ حَبْسٍ مُسْبِلٍ وَمُعَقَّبٍ فَلَا يَصْلُحُ فِيهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ نَفَذَتْ الصَّدَقَةُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَمَوْلُودِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَعْدَ كَلَامٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ وَمُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ رَوَاهَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ أَهْلِ الصَّدَقَةِ رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعَ الشَّاهِدِ وَيُثْبِتُ حَبْسًا لَهُ وَلِجَمِيعِ أَهْلِهَا، فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ إنَّمَا هِيَ فِيمَنْ ذُكِرَ بِحَصْرِ عَدَدِهِ. وَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ لِمُعَيَّنٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ أَنَّ فُلَانًا حَبَسَ عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى عَقِبِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَحِقُّ الْحَقُّ لَهُ وَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَدَدَ الشُّهُودِ وَجِنْسَهُمْ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَرَاتِبِ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَضْرُبٍ فَيَثْبُتُ الزِّنَى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . (فَرْعٌ) وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ فَرَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ فَإِنْ تَفَرَّقُوا جَازَ أَنْ يَنْقُلَ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ حَتَّى يَصِيرُوا ثَمَانِيَةً وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَقِيلَ لَا يَكْفِي إلَّا الْأَرْبَعَةُ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَتَانِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ حُدَّا وَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الزِّنَا مُغَلَّظَةٌ بِالْعَدَدِ وَاخْتُصَّتْ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِأَنْ لَا تُنْقَلَ عَنْ شَاهِدٍ لَا مَنْ لَا يَنْقُلُ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَلَّظُ نَقْلُهَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قَطَعَ اللُّصُوصُ عَلَى رُفْقَةٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا قَوْمٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ شَهَادَةِ أَرْبَعٍ فِي الْقَطْعِ وَأَمْوَالِ الرُّفْقَةِ غَيْرَ الَّذِينَ شَهِدُوا وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ جَائِزَةٌ فِي الْقَطْعِ وَفِي أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْمَالِ لَمْ يَجُزْ فِي الْقَطْعِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَلَا يُقْبَلُ بَعْضٌ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَجُوزُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ فِي الْقَطْعِ وَفِي أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْمَالِ لَمْ يَجُزْ فِي الْقَطْعِ. وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَمْوَالُ الرُّفْقَةِ دُونَ أَمْوَالِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَسِيرًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهُمْ وَيَغْرَمُ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْقَطْعِ لِمَالِهِمَا وَلَا لِغَيْرِهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَشَاهِدَانِ مِنْ الرِّجَالِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالرُّشْدِ وَالسَّفَهِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَشْهَدَهُمَا بِمَا فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا تَرْشِيدُ السَّفِيهِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ لَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فَاشِيًّا وَيَجُوزُ إفْشَاءُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَتِهِنَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إنْفَاذَ الرَّجُلَيْنِ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ يَبْعُدُ وَيَتَرَتَّبُ مَعَ كَوْنِهِ مُتَصَرِّفًا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا أَهْلُ الثِّقَةِ وَالصَّلَاحِ فَإِنَّ الرَّشِيدَ يُقْصَدُ بِمُجَالَسَتِهِ وَمُدَاخَلَتِهِ، وَلَوْ قَلَّ ذَلِكَ لَعَرَفَ النِّسَاءُ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَنْ يُدَاخِلُهُمْ فَإِذَا فَشَا ذَلِكَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ غَيْرَ الرَّجُلَيْنِ مَعَ مَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ ذَلِكَ وَفُشُوِّهِ لَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ وَقَوْلُهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَاهِرُهُ عِنْدِي جَوَازُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْفُشُوِّ وَالظُّهُورِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَجُوزَ مِنْهُنَّ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فِي رَجُلٍ فِي تَرْشِيدِهِ الْمُوجِبِ لِرَفْعِ مَالِهِ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا لِشَهَادَةِ الْمَالِ كَشَهَادَتِهِنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الْوَكَالَةِ وَعَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ فِي الْمَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْعُقُودِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ، فَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ وَلَكِنْ مَقْصُودُهَا الْمَالُ كَالْوَكَالَةِ عَلَى الْمَالِ وَالْوَصِيَّةِ بِالنَّظَرِ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يَجُوزُ نَقْلُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ قَالَ أَصْبَغُ مَعْنَاهُ عِنْدِي فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي الْوَكَالَةِ وَلَا نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا فِي إسْنَادِ الْوَصَايَا وَلَا أُجِيزُهَا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ مَقْصُودُهَا الْمَالُ كَالْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنِّي لَوْ أَجَزْت شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ فِي الْوَكَالَةِ لَأَجَزْت فِيهَا مِثْلَ هَذَا وَيَمِينًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالضَّرْبُ الْخَامِسُ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ كَالْوِلَادَةِ وَالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَعُيُوبِ الْفَرْجِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ فَإِذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا جَائِزَةٌ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى ذَلِكَ إذَا بَقِيَ بَدَنُ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشْهَدَ الرِّجَالُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَفُوتُ وَالِاسْتِهْلَالَ يَفُوتُ، وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ ذَكَرٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَرَاهُ إلَّا وَسَيَكُونُ مَعَ شَهَادَتِهِمَا يَمِينٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى مَا قَالَ أَصْبَغُ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ نَسَبًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مَالًا وَيُورَثُ بِأَدْنَى الْمَنْزِلَتَيْنِ إلَّا أَنْ يُخَافَ أَنْ لَا يَبْقَى إلَى أَنْ يَحْضُرَهُ الرِّجَالُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا فِيهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ شَهَادَتُهُمَا لَا تَجُوزُ فِي أَنَّهُ ذَكَرٌ وَأَخَذَ بِهِ أَشْهَبُ قَالَ سَحْنُونٌ الْقَوْلُ قَوْلُ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّ الْجَسَدَ لَا يَفُوتُ وَالِاسْتِهْلَالَ يَفُوتُ قَالَ سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بِمَوْضِعٍ لَا رِجَالَ فِيهِ وَيُخَافُ عَلَى الْجَسَدِ إنْ أُخِّرَ دَفْنُهُ فَتَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَذَلِكَ لِارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِحُضُورِ الرِّجَالِ فَتَسْقُطُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ وَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ سَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجِيزُ ذَلِكَ وَرَآهُ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَيَلْحَقُ بِهَذَا فَصْلٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَالْخَبَرِ كَالْقَائِفِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى بِقَائِفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ نَسَبٌ وَيُكْتَبُ إلَى الْبُلْدَانِ وَيُنْتَظَرُ أَبَدًا حَتَّى يُضَمَّ إلَيْهِ آخَرُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَقْبَلْ فِيهِ إلَّا قَوْلَ اثْنَيْنِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا بِالنَّسَبِ وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَالْخَبَرِ قَبِلَ فِيهِ قَوْلَ وَاحِدٍ وَيَلْزَمُ عِنْدِي عَلَى هَذَا أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إذَا سَأَلَهُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ عَنْ عِلْمِهِ لِذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّرْجَمَةُ لِقَوْلِ الْخَصْمِ إذَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْحَاكِمُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ أَحَدُهُمَا فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُجْزِئُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ وَالِاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيَّ وَالْمَرْأَةُ الْعِدْلَةُ تُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ لَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ النِّسَاءِ وَلَا تَرْجَمَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْرِ الْقَائِفِ، غَيْرَ أَنَّ اشْتِرَاطَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ فِي قَبُولِ التَّرْجَمَةِ مِنْ النِّسَاءِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ قُبِلَ فِيهِ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ وَالْمَرْأَةُ فَإِنَّمَا هُوَ تَجَوُّزٌ فِي عِبَارَةٍ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَا تُقْبَلُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَالْفَتْوَى فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَدَالَةُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُفْتِي وَالرَّاوِي لِلْحَدِيثِ، وَأَمَّا عُيُوبُ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يَثِقُ بِنَظَرِهِ وَعِلْمِهِ بِالْعَيْبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ، وَيَأْخُذُ فِيهِ بِخَبَرِهِ وَحْدَهُ وَبِقَوْلِ الطَّبِيبِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ إذْ لَيْسَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنَّهُ عِلْمٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ يُبْصِرُهُ مِنْ مَرْضِيٍّ أَوْ غَيْرِ مَرْضِيٍّ وَهَذَا مَا كَانَ الْمُخْتَبَرُ حَاضِرًا، فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ انْتَقَلَ إلَى بَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ قَالَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ غَابَتْ الْأَمَةُ أَوْ مَاتَتْ لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالضَّرْبُ السَّادِسُ مَا لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَهُوَ شَهَادَةُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ بِالتَّوَسُّمِ وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِيمَا لَا يَحْضُرُهُ غَيْرُهُمْ غَالِبًا مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ وَاعْتَبَرَهَا بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ سَقَطَ وَأُحْلِفَ الْمَطْلُوبُ، يُرِيدُ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْتَقِلُ مِنْ جَنْبَةِ مَنْ لَهُ أَوَّلًا لِنُكُولِهِ عَنْهَا إلَى جَنْبَتِهِ الْأُخْرَى فَإِنْ ثَبَتَ أَوَّلًا فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعِي لِقُوَّتِهَا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ فَنَكَلَ عَنْهُ انْتَقَلَتْ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ أَوَّلًا فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ انْتَقَلَتْ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَلَا فِي نِكَاحٍ وَلَا فِي طَلَاقٍ وَلَا فِي عَتَاقَةٍ وَلَا فِي سَرِقَةٍ وَلَا فِي فِرْيَةٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ الْعَتَاقَةَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ لَحَلَفَ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى مَالٍ مِنْ الْأَمْوَالِ ادَّعَاهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ حَقَّهُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ لِصَاحِبِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْيَمِينَ إذَا انْتَقَلَتْ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ حَلَفَ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا هِيَ لِذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ جَنْبَتَهُ تَضْعُفُ حِينَئِذٍ بِنُكُولِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحْكَمُ بِنُكُولِهِ مَعَ شَاهِدِ الدَّعْوَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ النُّكُولَ بِسَبَبٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَمَعْنَى تَأْثِيرِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْتَقِلُ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْيَمِينُ مِنْ خَصْمِهِ فَنَكَلَ عَنْهَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَاَللَّذَيْنِ لَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ نَكَلَ مَنْ شَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ فَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَحَلَفَ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ شَاهِدًا آخَرَ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ لَهُ إلَى الْأَوَّلِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُضَمُّ لَهُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ هَذَا وَهْمٌ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَرْأَةِ تُقِيمُ شَاهِدًا عَلَى طَلَاقٍ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ ثُمَّ تَجِدُ شَاهِدًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا نُكُولٌ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ أَصْبَغُ بِقَوْلِ مَالِكٍ يُضَافُ لَهُ الشَّاهِدُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فِي الْحُقُوقِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا فَيَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ يُصِيبَ الطَّالِبُ بَيِّنَتَهُ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَصْبَغُ وَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِي هَذِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُضَمُّ الشَّاهِدُ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُؤْتَنَفُ لَهُ الْحُكْمُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ وَنَحْوِهِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ فَنَكَلَ ثَانِيَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ تُرَدُّ الْيَمِينُ ثَانِيَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأَوَّلَ إنَّمَا سَقَطَ بِهَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ لَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ عَلَى الْحَقِّ مَرَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ شَهَادَةٌ قُبِلَتْ فِي الشَّرْعِ مَعَ شَهَادَةِ رَجُلٍ فَجَازَ أَنْ يُقْضَى بِهَا مَعَ الْيَمِينِ. (ش) : قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَمْوَالِ الْجَسِيمَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْحَائِطِ وَالرَّقِيقِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَفِي الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَمَا لَا تَحْمِلُهُ وَفِي إبْرَاءِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَمُصَالَحَتِهِ وَقَبْضِهِ وَفِي التَّبَرِّي مِنْ عَيْبِ الرَّقِيقِ وَإِقْرَارِ مَنْ يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ بِمَالٍ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِبَاطِلٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاشَرَتْ الْمَالَ وَالْعُقُودَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَعَلَّقَتْ الشَّهَادَةُ بِالْعُقُودِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِالْمَالِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى حُكْمِ قَاضٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَثْبُتُ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْقَضَاءُ وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَالِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ مَقْصُودُهَا الْمَالُ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشُيُوخِنَا فِيهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ إلَّا حَيْثُ تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ أَصْلُنَا أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ جَازَتْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ لَمْ تَجُزْ فِيهِ شَهَادَةُ وَيَمِينُ النِّسَاءِ وَتَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْلِ أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي الْمَالِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي خَطَأِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحَاتِ قَالَ أَشْهَبُ وَفِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا قَوَدَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ حَلَفَ الْمَجْرُوحُ وَاسْتَحَقَّ دِيَةَ جُرْحِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ إنَّمَا يَجِبُ بِهَا الْمَالُ وَبِهِ فَثَبَتَتْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَالشَّهَادَةِ بِالْبَيْعِ وَاخْتُلِفَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ فَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، وَرَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا يَجِبُ بِهَا مَالٌ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَمْ تَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ كَالشَّهَادَةِ بِقَتْلِ الْعَمْدِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا حَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ نَفْسٍ وَلَا مِلْكِ مَنَافِعِهَا فَأَثْبَتَتْ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا تَجُوزُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَاضِحَةِ يَجُوزُ فِيمَا صَغُرَ مِنْهَا كَالْمُوضِحَةِ وَالْأُصْبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْمَنُ عَلَى النَّفْسِ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ النَّفْسِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. قَالَ وَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُعْجِبُنِي وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِمَا يَثْبُتُ بِهَا وَوَجَدْنَا التَّغْلِيظَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ وَلَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ وَمِنْ جِهَةِ الذُّكُورَةِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ الزِّنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَفْكُ الدَّمِ وَإِتْلَافُ حُرْمَةِ الْعِرْضِ وَتَدْخُلُ بِهِ الْمَعَرَّةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْقَرَابَةِ تَغَلَّظَ بِالْوَجْهَيْنِ بِأَكْثَرِ الْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ، وَلَمَّا كَانَ قَتْلُ الْعَمْدِ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَفْكُ الدَّمِ خَاصَّةً تَعَلَّقَ بِأَقَلَّ الْعَدَدَيْنِ وَالذُّكُورَةِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَمْوَالُ أَقَلَّهَا رُتْبَةً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذُكُورَةٍ وَلَا عَدَدٍ فَثَبَتَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِالْيَمِينِ مَعَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَوَجَدْنَا الْجِرَاحَ تُنَوَّعُ نَوْعَيْنِ فَمِنْهَا مَا يَصْغُرُ وَيَقِلُّ خَطَرُهُ وَيُؤْمَنُ تَعَدِّيهِ إلَى النَّفْسِ غَالِبًا فَلَمْ يَدْخُلْهُ التَّغْلِيظُ وَثَبَتَ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَمْوَالُ وَمِنْهَا مَا عَظُمَ وَعَظُمَ خَطَرُهُ وَيُخَافُ تَعَدِّيهِ إلَى النَّفْسِ فَدَخَلَهُ التَّغْلِيظُ الَّذِي حَصَلَ فِي الْقَتْلِ لِمَا يُخَافُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِمَا دُونَ النَّفْسِ شَهَادَةٌ بِجِرَاحٍ لَا تَتَنَاوَلُ النَّفْسَ وَلَا سَفْكَ الدَّمِ فَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَيَمِينٍ أَصْلُ ذَلِكَ مَا صَغُرَ مِنْ الْجِرَاحِ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى الِاحْتِيَاطَ فِي إثْبَاتِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ كَمَا يَرَى ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ، وَإِنَّمَا تَغْلُظُ النَّفْسُ بِعَدَدِ الْأَيْمَانِ وَالْحَالِفِينَ، وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْعَدَالَةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّاهِدِ بِالْقَتْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً دُونَ الْحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْفِدْيَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ يُحْكَمُ بِهَا فِي الْأَمْوَالِ وَلَا يُحْكَمُ بِهَا فِي الْمَعَانِي الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالسَّرِقَةِ وَالْفِدْيَةِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَالشُّرْبِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْضَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْحُدُودِ وَلِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ شَهَادَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَأَمَّا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فَإِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ فَهُوَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ كَالْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ وَلَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ هِلَالُ صَوْمٍ وَلَا فِطْرٍ وَلَا حَجٍّ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْفِرْيَةُ وَهِيَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لَا تَثْبُتُ عَلَى الْقَاذِفِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لَهُ مَا قَذَفَهُ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ لَهُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ طَالَ سَجْنُهُ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَلَا ضَرْبَ عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَوْجِيهُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي حُكْمِ الشَّاهِدِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا شَتَمَهُ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْضَى فِي هَذَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَكِنْ إنْ كَانَ الشَّاتِمُ يُعْرَفُ بِالسَّفَهِ وَالْفُحْشِ عُزِّرَ قِيلَ أَفَهَلْ الشَّاتِمُ يُمَسُّ؟ قَالَ نَعَمْ وَعَسَى بِهِ أَنْ أَرَاهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا رَأَى الْمَرْءُ أَنْ يُؤَجِّلُوهُ سُنَّةً، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْمُشَاتَمَةِ دُونَ الْحُدُودِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا يُوجِبُ حُرْمَةً وَهُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَثَبَتَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْمَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ سَرَقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ وَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ رَدَّ مَا سَرَقَ، وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا لَمْ يُحَدَّ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنْ شَهِدَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ وَلَا يَجِبُ الْيَمِينُ بِهِ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ، وَلَوْ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَجُهِلَ الصَّدَاقُ ثَبَتَ قَدْرُ الصَّدَاقِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي مَالٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فَإِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَالْأَمَةُ عَلَى سَيِّدِهَا فَلَا يَمِينَ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا الزَّوْجِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إلَّا مُكْرَهَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْأَمَةُ كَذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَفْتَدِيَ الزَّوْجَةُ بِجَمِيعِ مَالِهَا تَفْعَلُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَعْتَقِدُ الزِّنَا فِي وَطْئِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِالْإِكْرَاهِ الَّذِي لَا تَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ، وَإِذَا أَمْكَنَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُ لَزِمَهَا ذَلِكَ كَاَلَّتِي تَكُونُ عَلَى الزِّنَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ إنْ أَنْكَرَ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَا الْعِتْقِ فَإِنْ نَكَلَ فَفِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا قَالَ أَشْهَبُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُحْبَسُ وَهُوَ الَّذِي يَخْتَارُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فَإِنَّ نُكُولَهُ لَا يُوجِبُ رَدَّهَا فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهَا إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا يُبْطِلُ حُكْمَهَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ هَذَا نَكَلَ عَنْ يَمِينٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِإِبْطَالِ شَهَادَةِ شَاهِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ كَمَا لَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأَمْوَالِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّى لَوْ حَكَمْت عَلَيْهِ لَحَكَمْت بِشَاهِدٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقَلَّ حَالًا مِنْ الْمَالِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الشَّاهِدَ لَيْسَ مِمَّنْ يَجِبُ أَنْ يَنْفُذَ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ مَا شَهِدَ بِهِ بِوَجْهٍ لَوْ اقْتَرَنَتْ شَهَادَتُهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَالْيَمِينُ يُوجِبُ شَهَادَتَهُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ الَّتِي تُوجِبُهَا الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ وَلَيْسَتْ بِمَنْقُولَةٍ إلَيْهِ عَنْ جَنْبَةِ مَنْ كَانَ يُحْكَمُ لَهُ بِيَمِينِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاسْتِظْهَارِ، وَإِذَا نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِهَا عَنْ مَالِكٍ لَهُ إنْ نَكَلَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النُّكُولَ يُضْعِفُ جَنْبَتَهُ وَيُقَوِّي دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الطَّلَاقَ فَإِذَا نَكَلَ فَقَدْ أَقَرَّ مِنْ ضَعْفِ جَنْبَتِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُحْبَسُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفُوا وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُحْبَسُ حَتَّى يُطَوَّلَ عَلَيْهِ وَتَطْلُقُ وَالطَّوْلُ سَنَةٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا سُجِنَ لِيَحْلِفَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ السِّجْنِ إلَّا بِمَا حُبِسَ لِأَجْلِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السِّجْنَ إنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَلِاخْتِبَارِ حَالِهِ وَالسَّنَةُ مُدَّةٌ فِي الشَّرْعِ لَمَعَانٍ مِنْ الِاخْتِبَارِ كَالْعُنَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يُسْجَنُ وَيُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ فَإِذَا انْقَضَى طُلِّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ فِي نَوَادِرِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى رُوِيَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَطَالَ سَجْنَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ فَإِنْ حَلَفَ عِنْدَ انْقِضَائِهِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَرُدَّتْ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ قَالَ يَحْيَى. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ قَاضِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَطْءِ بِمَعْنَى حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ فَضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ كَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَيَفْعَلَنَّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْهُ زَوْجَتُهُ وَيَحْكُمُ بِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى عَتَاقَتِهِ اُسْتُحْلِفَ سَيِّدُهُ مَا أَعْتَقَهُ وَبَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ إذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِشَاهِدٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أُحْلِفَ زَوْجُهَا مَا طَلَّقَهَا فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ مَالِكٌ فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَةِ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَاحِدَةٌ إنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا الْعَتَاقَةُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ لَا تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَنَى، وَقَدْ أَحْصَنَ رُجِمَ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ وَثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُوَارِثُهُ. فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ سَيِّدَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَشَهِدَ لَهُ عَلَى حَقِّهِ ذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ حَتَّى تُرَدَّ بِهِ عَتَاقَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا قَالَ، وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الْحَقِّ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ وَتُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ، أَوْ يَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مَالًا فَيُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ احْلِفْ مَا عَلَيْك مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَرُدُّ عَتَاقَةَ الْعَبْدِ إذَا ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَهَذَا أَشَدُّ مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ، وَقَدْ شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ شَاهِدٌ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ الْعَتَاقَةَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ يَحْلِفُ الْعَبْدُ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ شَاهِدِهِ فِي الْمَالِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِنَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَالِ هِيَ الشَّهَادَةُ بِطَلَبِ مَالٍ يَخْرُجُ مِنْ مُتَمَوَّلٍ لَهُ إلَى مُتَمَوَّلٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا حُكْمُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ بِالْعَتَاقَةِ لَا تَخْرُجُ إلَى مُتَمَلِّكٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَالِ يَطْلُبُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْآخَرِ فَيَشْهَدُ لَهُ بِشَاهِدٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ دَيْنًا مُعَلَّقًا بِذِمَّتِهِ أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِمَّا يُتَمَلَّكُ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُبَاشِرَ الشَّهَادَةَ مَالًا فَيُؤَدِّي إلَى عِتْقٍ أَوْ إلَى نَقْضِهِ أَوْ إلَى طَلَاقِ زَوْجِهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ أَوْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ تَجُرُّ إلَى الْمَالِ لَا يُحْكَمُ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاشَرَتْ مَعْنًى آخَرَ مِثْلَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُرِّ يَجْرَحُ الْعَبْدِ فَيَحْلِفُ سَيِّدُهُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَرْشَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ إذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ مُضْغَةً فَلْتَحْلِفْ مَعَهُمَا وَتَسْتَحِقَّ الْغُرَّةَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الضَّارِبَةِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الَّذِي شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِغَيْرِهِ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ قَالَ أَشْهَبُ وَذَلِكَ إذَا كَانَ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ ثَابِتًا وَيَكُونُ الشَّاهِدُ يَشْهَدُ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَرِثُ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى مَالٍ، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ يَثْبُتُ لِلْأَقْعَدِ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ وَرِثُوهُ عَنْهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ أَوْ مَوْلَاهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ قَالَ مَالِكٌ يُسْتَأْنَى بِالْمَالِ حَتَّى يُؤْيَسَ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ بِأَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ وَلَا نَسَبَ لَهُ يَثْبُتُ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ الْعَبْدَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ فِي الْمَالِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ إنَّهُ يَحْلِفُ كَمَا يَحْلِفُ الْحُرُّ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْلِكُ كَمَا يَمْلِكُ الْحُرُّ فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ لِيَصِلَ إلَى اسْتِحْقَاقِ مِلْكِهِ كَالْحُرِّ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ عَلَى عَتَاقَتِهِ اُسْتُحْلِفَ سَيِّدُهُ مَا أَعْتَقَهُ وَبَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ إذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِشَاهِدٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أُحْلِفَ زَوْجُهَا مَا طَلَّقَهَا فَإِذَا حَلَفَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ مَالِكٌ فَسُنَّةُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقَةِ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَاحِدَةٌ إنَّمَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا الْعَتَاقَةُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ لَا تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَنَى، وَقَدْ أَحْصَنَ رُجِمَ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ وَثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُوَارِثُهُ. فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ سَيِّدَ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَشَهِدَ لَهُ عَلَى حَقِّهِ ذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُثْبِتُ الْحَقَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ حَتَّى تُرَدَّ بِهِ عَتَاقَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنْ يُجِيزَ بِذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا قَالَ، وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الْحَقِّ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ حَقَّهُ وَتُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ، أَوْ يَأْتِي الرَّجُلُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِ الْعَبْدِ مُخَالَطَةٌ وَمُلَابَسَةٌ فَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مَالًا فَيُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ احْلِفْ مَا عَلَيْك مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَرُدُّ عَتَاقَةَ الْعَبْدِ إذَا ثَبَتَ الْمَالُ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ

يَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ إلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فَيَقُولُ لَهُ ابْتَعْت مِنِّي جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَنْتَ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا فَيُنْكِرُ ذَلِكَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عَلَى مَا قَالَ فَيَثْبُتُ لَهُ بَيْعُهُ وَيَحِقُّ حَقُّهُ وَتَحْرُمُ الْأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ فِرَاقًا بَيْنَهُمَا وَشَهَادَةُ النَّسَبِ لَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتَرَى عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنْ الْمُفْتَرِي بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلَا يَمِينٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ وَالرَّقِيقِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئًا وَلَمْ تَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْكِحُ الْأَمَةَ فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ إلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فَيَقُولُ لَهُ ابْتَعْت مِنِّي جَارِيَتِي فُلَانَةَ أَنْتَ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا فَيُنْكِرُ ذَلِكَ زَوْجُ الْأَمَةِ فَيَأْتِي سَيِّدُ الْأَمَةِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عَلَى مَا قَالَ فَيَثْبُتُ لَهُ بَيْعُهُ وَيَحِقُّ حَقُّهُ وَتَحْرُمُ الْأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ فِرَاقًا بَيْنَهُمَا وَشَهَادَةُ النَّسَبِ لَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتَرَى عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنْ الْمُفْتَرِي بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ وَمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلَا يَمِينٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ وَالرَّقِيقِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئًا وَلَمْ تَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْعَبْدَ إذَا جَاءَ بِشَاهِدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ حَلَفَ السَّيِّدُ وَبَطَلَ الْعِتْقُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي طَلَاقَ زَوْجِهَا يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الْيَمِينِ شَاهِدًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ وَيُقْضَى بِهِمَا بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّهُ مُنِعَ أَوَّلًا مِنْ الْيَمِينِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نُكُولٌ يَسْقُطُ بِهِ الشَّاهِدُ كَالصَّغِيرِ يَقُومُ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ فَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ يُوجَدُ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ بِذَلِكَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْعِلْمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى الْقَطْعِ بِذَلِكَ كَسَائِرِ مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ الْعَتَاقَةَ مِنْ الْحُدُودِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ لَوْ اتَّفَقَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ عَلَى إبْطَالِ الْعِتْقِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ فَقَالَ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] فَوَصَفَ الطَّلَاقَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ بِأَنَّهُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ يُرِيدُ لَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ لَمْ تَجُزْ فِي ذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ بِمَعْنَى أَنْ يُحْكَمَ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ وَجَبَتْ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ الْيَمِينُ وَلَيْسَتْ هَاهُنَا شَهَادَةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِهَا الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ وَهِيَ تُشْبِهُ الشَّاهِدَ الْعَدْلَ فِي الْمُقَاسَمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ بِهِ وَتَثْبُتُ لَهُ الْمَوَارِيثُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُرْمَةُ الْحُرِّيَّةِ فَتُكْمِلُ دِيَتُهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَيَثْبُتُ الْقِصَاصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَمَنْ قَذَفَهُ مَعَ الْعِفَّةِ حُدَّ، وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَوَقَعَتْ لَهُ الْحُدُودُ أَنَّ مَنْ قَذَفَهُ حُدَّ لِقَذْفِهِ مَعَ الْعِفَّةِ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَوَقَعَتْ الْحُدُودُ عَلَيْهِ وَتَتِمُّ لَهُ حُدُودُ الْحُرِّ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَرَجْمٍ فِي الزِّنَا مَعَ الْإِحْصَانِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَانٍ تَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَلِذَلِكَ اسْتَدَلَّ شُيُوخُنَا بِالْحُرِّيَّةِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا يُحْكَمُ بِهَا فِي الْعَتَاقَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَجَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ بِدَيْنٍ شَهِدَ لَهُ بِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقُّ عَلَى السَّيِّدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَرَدَّ عِتْقَ الْعَبْدِ مُحْتَجًّا بِذَلِكَ لِإِجَازَةِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْعِتْقِ فَلَيْسَ عَلَى مَا قَالَ، وَقَدْ رَدَّ الْعِتْقُ هَذَا الْوَجْهَ بِالشَّاهِدِ عَلَى السَّيِّدِ بِدَيْنٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ أَوْ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي وَنُكُولِ السَّيِّدِ هَذَا كُلُّهُ غَلَطٌ قَالَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الرَّجُلِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَالْعَبْدُ غَيْرُ جَائِزٍ سَوَاءٌ كَانَ عِتْقُهُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إتْلَافُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ مِنْهَا أَوْ عِتْقِ تَطَوُّعٍ، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُرَدَّ الْعِتْقُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَيَمِينِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُبَاشِرُ رَدَّ الْعِتْقِ وَلَا تَتَنَاوَلُهُ، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ إثْبَاتَ الدَّيْنِ فَإِذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا رَدُّ الْعِتْقِ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ إنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَثَبَتَ النَّسَبُ بِهَا، وَلَوْ شَهِدَتْ بِهِ النِّسَاءُ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْعِتْقَ يُرَدُّ بِنُكُولِ السَّيِّدِ عَنْ الْيَمِينِ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ عَتَاقَةُ الْعَبْدِ زَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَتِهِ وَلَا بِإِقْرَارِهِ إنْ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النُّكُولَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرِقَّ بِهِ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فِي عِتْقِهِ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَيَأْتِي سَيِّدُهَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ يَشْهَدُونَ أَنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَاهَا مِنْ السَّيِّدِ فَيَثْبُتُ الشِّرَاءُ وَتَحْرُمُ الْأَمَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَالنِّسَاءُ فِي هَذَا لَمْ يَشْهَدْنَ فِي نَفْسِ الْفِرَاقِ، وَإِنَّمَا يَشْهَدْنَ فِي مَالٍ جَرَّ إلَى مَا ذَكَرْت قَالَ سَحْنُونٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَتُهُنَّ فِيمَنْ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ بِالْحُرِّيَّةِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِفُلَانٍ جَازَتْ فَيَحْلِفُ بَعْضُهُنَّ وَيَرِقُّ لَهُ وَيَبْطُلُ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهُ وَتَصِيرُ حُدُودُهُ حُدُودَ عَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ قَذَفَ أَوْ قُذِفَ فَشَهِدَ امْرَأَتَانِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِغَائِبٍ أَوْ صَغِيرٍ فَالْحَدُّ قَائِمٌ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَتَى قَدِمَ الْغَائِبُ أَوْ كَبِرَ الصَّغِيرُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ رَقَبَتَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِرِقِّهِ الْآنَ لِعَدَمِ مَنْ يَدَّعِيهِ وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ فَيَبْقَى عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ إلَى أَنْ يَدَّعِيَهُ مُدَّعٍ وَيَحْلِفَ مَعَ شَهَادَتِهِمَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى أَدَاءِ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ لَحَلَفَ وَتَمَّ عِتْقُهُ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ وَيُورَثَ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ يُرِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ تُقْبَلُ وَيُحْكَمُ بِهَا دُونَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا شَيْءٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالِاسْتِهْلَالِ وَالْوِلَادَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَّا الرَّضَاعَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ فُلَانَةَ أُسْقِطَتْ حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا لِلْأَزْوَاجِ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَجُوزُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِمَّا تَحْتَ الثِّيَابِ مِنْ الْعُيُوبِ وَالْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ النَّظَرُ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى تَجْوِيزِ شَهَادَتِهِنَّ وَفِيهِ قَدْ نَصَّ اللَّهُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ حَيْثُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الرِّجَالِ فَبِأَنْ تَجُوزَ حَيْثُ لَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَلَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُهُمْ عَلَيْهِ أَوْلَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ زَوْجَتَهُ رَتْقَاءُ أَوْ بِهَا دَاءُ الْفَرْجِ قَالَ سَحْنُونٌ أَصْحَابُنَا يَرَوْنَ أَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ وَأَنَا أَرَى أَنْ يَنْظُرَ النِّسَاءُ إلَى عُيُوبِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الَّتِي فِي الْفَرْجِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي النِّكَاحِ وَأَمَرَ سَحْنُونٌ فِي صَبِيَّةٍ أَرَادَ أَوْلِيَاؤُهَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ـــــــــــــــــــــــــــــQتَزْوِيجَهَا فَأَمَرَ امْرَأَتَيْنِ عَادِلَتَيْنِ أَنْ تَنْظُرَا هَلْ أَنْبَتَتْ فَأَخْبَرَتَاهُ أَنْ قَدْ أَنْبَتَتْ فَأَذِنَ لَهُمْ فِي إنْكَاحِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَتْهَا عِلَّةٌ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ الطَّبِيبُ بَعُدَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَنْظُرُ إلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ قَالَ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُغَلَّظٍ كَنَفْسِ الْعَوْرَةِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ بِكُلِّ حَالٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إلَى نَفْسِ الْعَوْرَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَلَى الرَّضَاعِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْشُوَ عِنْدَ الْجِيرَانِ وَيَظْهَرَ وَيَنْتَشِرَ، وَالْأُخْرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْشُ قَالَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الرَّضَاعَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِهِ النِّسَاءُ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا يَكَادُ يَخْفَى أَمْرُهُ غَالِبًا بَلْ يَفْشُو فَإِذَا عَرَا مِنْ الظُّهُورِ وَالِانْتِشَارِ ضَعُفَتْ الشَّهَادَةُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ. وَقَدْ ذَكَرَ شُيُوخُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الرَّضَاعِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلَا وَجْهَيْنِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِثْلُهُ وَزَادَ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَمْرِ الْقَوِيِّ الْمُنْتَشِرِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَإِنْ ضَعُفَ فَحَقِيقٌ عَلَى الْمَرْءِ فِيهِ التَّوَقِّي وَالْحَيْطَةُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا هُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ الْمُنْعَقِدِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فِي الرَّضَاعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِيهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ بِالرَّضَاعِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا أَنْ يَفْشُوَ فِي الصِّغَرِ عِنْدَ الْمَعَارِفِ. وَقَالَ أَيْضًا لَا يُقْضَى بِقَوْلِهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الزَّوْجُ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ إنْ كَانَتْ عَادِلَةً فَإِنَّمَا يَقَعُ الْخِلَافُ مِنْهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا التَّوَقِّي مِنْهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهُ مَعَهَا بِعِلْمِ الْمَرْأَتَيْنِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا الْخَبَرُ فَاشِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِذَا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ دُونَ يَمِينِ الطَّالِبِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ الِاثْنَانِ كَالرِّجَالِ وَلَا تُجْزِئُ الْوَاحِدَةُ خِلَافًا لِلَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ فِي الْعَوْرَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ إلَى السُّرَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ الرَّجُلُ فِي مُقَابَلَةِ امْرَأَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ دُونَ أَنْ يُقَارِنَهُ شَيْءٌ فَبِأَنْ لَا يُحْكَمَ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ لِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ تُثْبِتُ الْمِيرَاثَ وَتَمْلِكُ بِذَلِكَ الْأَمْوَالَ الْعِظَامَ مِنْ الْعَيْنِ وَالرِّبَاعِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا فِي دِرْهَمٍ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا تَجُوزُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ فَيُحْكَمُ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَئُولُ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ جَسِيمَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمَآلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَاشَرَةِ فَلَوْ بَاشَرَتْ شَهَادَتُهُنَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا فِي دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنْهُنَّ حَيْثُ يَجُوزُ الرِّجَالُ إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي الْعِتْقِ وَتَجُوزُ فِيمَا يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ وَيَئُولُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

يَقُولُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ مَالِكٌ فَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا بِبَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا أَوْ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَلَكِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ عَلَى مَنْ يُجِيزُ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي إنْ عُدِمَ الرَّجُلَانِ لَا يُجْزِئُ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ عِنْدَهُمْ نَسْخٌ وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقِيَاسِ وَلَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْلِفُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَيَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ زِيَادَةٌ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا زِيَادَةً فِي نَصِّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي النَّصَّ فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي النَّصَّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ فَرَجُلٌ وَيَمِينُ الطَّالِبِ لَصَحَّ ذَلِكَ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إزَالَةُ الْحُكْمِ الثَّابِت بِشَرْعٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ لَا تُزِيلُ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بَلْ تُبَيِّنُهُ وَتُضِيفُ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ، وَلِذَلِكَ إذَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ ثُمَّ فُرِضَ الصِّيَامُ لَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصِّيَامِ نَسْخًا لِفَرْضِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ إذَا غَيَّرَتْ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَهُوَ نَسْخٌ، وَإِذَا لَمْ تُغَيِّرْهُ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ وَمَعْنَى تَغْيِيرِهِ لَهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُؤْمَرَ بِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَهَذَا نَسْخٌ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا بِشَرْعِيَّةٍ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْأَرْبَعِ، وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَتَمَّهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَسَلَّمَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يُتِمُّ بِهِمَا ظُهْرَهُ أَوْ عَصْرَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَهَذَا نَسْخٌ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَزِيدِ فَمِثْلُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْحَدِّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ يُؤْمَرَ بِهِ ثَمَانِينَ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَزِيدِ، وَلَوْ ابْتَدَأَ ضَرْبَهُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَأَتَمَّهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَأْتِي بِهَا قَبْلَ الْأَمْرِ بِالثَّمَانِينَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ الثَّمَانِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَزْعُمُهَا بِالْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَمْ تُغَيِّرْ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بَلْ يُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يُقْبَلُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ لَيْسَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَكْثَرَ الْكُوفِيِّينَ لَا يَرَوْنَ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ فِي جَنْبَةِ مُدَّعِي الْمَالِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ إيجَابُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ دُونَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِنُكُولِ الْمُنْكِرِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خِلَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَيَكْفِي فِي هَذَا مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَسَائِرَ النَّاسِ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ يَقُولُونَ بِالْمَرَاسِيلِ، وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْمَرْءَ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْقِيَاسِ وَقَطْعِ اعْتِرَاضِ

[القضاء فيمن هلك وله دين وعليه دين له فيه شاهد واحد]

الْقَضَاءُ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ لَهُمْ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَيَأْبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى حُقُوقِهِمْ مَعَ شَاهِدِهِمْ قَالَ فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ يَحْلِفُونَ وَيَأْخُذُونَ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلُ فَتَرَكُوهَا إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ لِصَاحِبِنَا فَضْلًا وَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا الْأَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا مَا بَقِيَ بَعْدَ دَيْنِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى لِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَأَبْيَنُ لِوَجْهِ تَعَلُّقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا هُوَ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقَضَاءُ فِيمَنْ هَلَكَ وَلَهُ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ فِيهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُتَوَفَّى إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ، وَلَهُ دَيْنٌ فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ الشَّاهِدِ، وَيَبْدَأُ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَإِنْ نَكَلَ الْوَرَثَةُ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَبْدَؤُنَ بِالْيَمِينِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا أَوَّلًا فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ نَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبِضُوا دَيْنَهُمْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَوَّلًا إذَا لَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ، فَإِنْ قَامُوا وَثَبَتَتْ حُقُوقُهُمْ، وَطَلَبُوا أَنْ يَحْلِفُوا فَهُمْ الْمُبْدِئُونَ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِتَرِكَتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ أَوْلَى بِالتَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَدْفَعُوا إلَى الْغُرَمَاءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَخْتَصُّونَ بِالتَّرِكَةِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ حَيًّا لَمَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا فَكَذَلِكَ مَعَ وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ مَا أَرَادُوا التَّرِكَةَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَلَمَّا كَانَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ مُبْدَئِينَ قَبْلَ الْوَرَثَةِ فِي الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حُكِمَ لَهُمْ بِصِحَّةِ دَيْنِهِمْ. (فَرْعٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ فِي تَبْدِئَةِ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ مُبْدِئُونَ بِالْأَيْمَانِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُ هَذَا، وَخِلَافُ قَوْلِ سَحْنُونٍ، وَهُوَ أَشْبَهَ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ إذَا قَامَ لِلْغُرَمَاءِ شَاهِدٌ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَحْلِفُونَ مَعَهُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ غُرَمَاؤُهُ وَاسْتَحَقُّوا قَدْرَ دَيْنِهِمْ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يَأْخُذْهُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِيَمِينٍ فَدَلَّ قَوْلُهُ أَنَّ الْغُرَمَاءَ إذَا قَامُوا بِالشَّاهِدِ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَامُوا بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ حُقُوقِهِمْ وَاسْتِحْلَافِهِمْ أَنَّهُمْ قَبَضُوا دَيْنَهُمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُمْ الْقِيَامُ بِالشَّاهِدِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْوَرَثَةُ مُبْدَءُونَ بِالْأَيْمَانِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَلَّ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يَأْخُذْهُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِيَمِينٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْضَلْ شَيْءٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) : وَإِذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ الْيَمِينِ أَوَّلًا فَحَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَبَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَحْلِفُوا، وَيَأْخُذُوهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَاوَدَةُ الْيَمِينِ؛ لِنُكُولِهِمْ عَنْهَا أَوَّلًا إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ فَضْلًا عَنْ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَنَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَيَحْلِفُونَ، وَيَأْخُذُونَ الْفَضْلَ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ نُكُولَهُمْ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ نُكُولًا عَنْ الْيَمِينِ وَتَسْلِيمِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا كَانَ امْتِنَاعًا مِنْ يَمِينٍ يَصِيرُ مَا اسْتَحَقَّ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ نُكُولًا لَهُ حُكْمُ النُّكُولِ لَمَا انْتَقَلَتْ الْيَمِينُ إلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْتَقِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يَنُوبُ فِيهَا الْوَرَثَةُ عَنْ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْغُرَمَاءُ أَيْمَانَ الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا مَا يَحْلِفُونَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلُوا حِينَئِذٍ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَاوَدَتُهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا حَلَفُوا فَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ عَلَى جَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِذَا نَكَلُوا فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُمْ مِنْهُ كَالشُّرَكَاءِ فِي الْمِيرَاثِ مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِ جَمِيعِ الدَّيْنِ مَنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ، وَثَبَتَتْ الْيَمِينُ لِغَيْرِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا عَلِمَ الْوَرَثَةُ بِالْفَضْلِ فَنَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ فَقَدْ أَبْطَلُوا حَقَّهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ ثَبَتَ لَهُمْ الْيَمِينُ عِنْدَ ظُهُورِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ حَلَفَ الْغُرَمَاءُ، وَطَرَأَ مَالٌ آخَرُ لِلْمَيِّتِ فَلَهُمْ الْأَخْذُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُ الدَّيْنِ الَّذِي فِيهِ الشَّاهِدُ إلَّا بِأَيْمَانِهِمْ قَالَهُ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَزَادَ إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَأْخُذُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ الدَّيْنِ حَلَفُوا مَعَ الشَّاهِدِ فِيهِ، وَأَرَاهُ مَعْنَى قَوْلِ أَصْبَغَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الدَّيْنِ إلَّا بِيَمِينِ الْوَرَثَةِ، وَلَا يُغْنِي يَمِينُ الْغُرَمَاءِ الَّتِي حَلَفُوا؛ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا حَلَفَ الْغُرَمَاءُ كَانَ لَهُمْ أَخْذُ دَيْنِهِمْ بِمَا حَلَفُوا عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا أَخَذُوا مِنْ غَيْرِهِ وَتَرَكُوا ذَلِكَ الدَّيْنَ فَقَدْ صَارَ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُقْرَنَ بِالشَّاهِدِ يَمِينُ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ الدَّيْنُ بِالْمِيرَاثِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ الْمَالُ لِلْمَيِّتِ تَبَيَّنَ أَنَّ أَيْمَانَ الْغُرَمَاءِ كَانَتْ لَغْوًا لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُمْ فِي الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْقَاقِهِ إلَى يَمِينٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ ظُهُورِ الْمَالِ، وَيَخْتَارُوا الْحَلِفَ وَالْأَخْذَ مِنْ الدَّيْنِ دُونَ الْمَالِ الظَّاهِرِ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَحْلِفُ هَاهُنَا إلَّا الْوَرَثَةُ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ ظَاهِرٌ يُقْتَضَى مِنْهُ الدَّيْنُ غَيْرَ الْمَالِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرَى ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمَعْلُومِ دُونَ الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوَجْهَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ جَمِيعَهُ حَقٌّ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْوِ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ فِي الْمُفْلِسِ يَحْلِفُ غُرَمَاؤُهُ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى دَيْنِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي مِثْلُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى إثْبَاتِ جَمِيعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ فَلَا مُحَاصَّةَ لَهُ مَعَ مَنْ حَلَفَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِنُكُولِهِ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ كَمَا لَوْ نَكَلَ جَمِيعُهُمْ. (فَرْعٌ) وَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ لَا مِقْدَارَ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْهُ لَوْ حَلَفَ أَصْحَابُهُ أَوْ قَامَ بِهِ شَاهِدَانِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ نَكَلَ يُعْطِي الْغُرَمَاءُ لِمَنْ حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَبَعْدَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ فَلَا تَأْثِيرَ لِمَا ادَّعَاهُ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِ الْمَيِّتِ إلَّا دَيْنُ مَنْ حَلَفَ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاصَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمْ يُنَاكِرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَمَنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ فَلَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِهِ، وَلِذَلِكَ لَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَيِّتِ مِمَّنْ يُنَاكِرُ هَذَا الْمُدَّعَى، وَعَلَيْهِ تُرَدُّ الْيَمِينُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ رَجَعَ أَحَدٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ بَعْدَ نُكُولِهِ إلَى أَنْ يَحْلِفَ، وَيَأْخُذَ حِصَّتَهُ قَالَ مُطَرِّفٌ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: لَهُ ذَلِكَ فَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ أَنَّ النُّكُولَ يُبْطِلُ حَقَّ النَّاكِلِ، وَيَمْنَعُهُ مُعَاوَدَةَ مَا نَكَلَ عَنْهُ كَمَا لَوْ نَكَلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَكُنْ تَحَقَّقْتُ الْأَمْرَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ، وَأَبْحَثَ وَقَدْ تَحَقَّقْتُهُ الْآنَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ مَعَ الشَّاهِدِ بِإِبْرَاءِ الْمَيِّتِ مِنْ دَيْنٍ يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ، وَقَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ عَلَى إبْرَائِهِ، وَيَنْفَرِدُونَ بِالتَّرِكَةِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ فِي إبْرَاءِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ فِي دَيْنٍ لَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ يَصِلُ بِهَا الْغَرِيمُ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَوَجَبَ أَنْ

[القضاء في الدعوى وفيه أبواب]

الْقَضَاءُ فِي الدَّعْوَى (ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا نَظَرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِدَعْوَى نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَخَذَ حَقَّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُسْتَوْفَى فِيهَا الْإِبْرَاءُ، وَإِثْبَاتُ الدَّيْنِ كَيَمِينِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ يَمِينَ الْغَرِيمِ عَلَى إبْرَاءِ الْمَيِّتِ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ هَذَا رَجْمًا بِالْغَيْبِ، وَإِنَّمَا حَلِفٌ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ كَحَلِفِهِ عَلَى إثْبَاتِ دَيْنٍ لَهُ. [الْقَضَاءُ فِي الدَّعْوَى وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ حَقًّا إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ أَوْ مُلَابَسَةٌ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعْوَى لَا يُوجِبُ حُكْمًا إلَّا لِوَجْهِ ضَرُورَةٍ وَاسْتِحْلَافُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَضَرَّةٌ تَلْحَقُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِالْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورَةٌ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ، وَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي الشَّرْعِ، وَبِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْقِتَالِ لَمَّا كَانَ يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ أَبْوَابٌ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي الدَّعَاوَى الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْخُلْطَةُ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالثَّانِي فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْخُلْطَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا وَالثَّالِثُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْخُلْطَةُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُلْطَةُ] 1 ُ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُلْطَةُ هُوَ الْمُدَايَنَةُ وَادِّعَاءُ دَيْنٍ مِنْ مُعَاوَضَةٍ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ كَفَالَةٌ بِحَقٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَيَلْحَقُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَمَنْ تَكَفَّلَ لَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَوْصَى أَنَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَقَالَ: إنَّ الْمَيِّتَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ إلَى الصِّدْقِ فَيُوجِبُ مِنْ ذَلِكَ مَا تُوجِبُهُ الْمُخَالَطَةُ، وَمَا قَالَهُ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ لِقَوْلِ الْمُدَّعِي عِنْدَ مَوْتِهِ تَأْثِيرًا فِي تَحْقِيقِ الدَّعَاوَى الْمُوجِبَةِ لِلْأَيْمَانِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي قَوْلِ الْمُدَّعِي دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ادَّعَى ثَوْبًا بِيَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ لَهُ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ لَهُ ثَوْبٌ أَوْ عَرَضٌ يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لَتَعَذَّرَ حِفْظُ الشُّهُودِ لَهُ وَضَبْطُهُمْ لِذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهِ، وَلَزِمَهُمْ مِنْ مُرَاعَاتِهِ مَا يَشُقُّ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ فِي مِثْلِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ خُلْطَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالصُّنَّاعُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمْ فِي صِنَاعَتِهِمْ دُونَ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّاسِ، وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تُجَّارُ السُّوقِ فَإِنَّهُمْ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلشِّرَاءِ مِنْ النَّاسِ وَالْبَيْعِ مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الصُّنَّاعَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَمَلِ وَالْمَعْمُولِ خَاصَّةً دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ مُطَالَبَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ يَبِيعُ مَتَاعًا فَيَقْتَضِي الثَّمَنَ هُوَ وَسَيِّدُهُ فَيَدَّعِي الْمُتَبَايِعُونَ قَضَاءَ السَّيِّدِ بَعْضَ الثَّمَنِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ أَنْكَرَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُخَالَطَةُ

[الباب الثاني في تفسير معنى الخلطة وتمييزها من غيرها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا هِيَ مَا حَقَّقَتْ دَعْوَى تَنَاوَلَتْ مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ لِسَبَبِهَا، وَأَمَّا مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا بِالْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهَا بِالثَّمَنِ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْيَمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى وَمَنْ أَوْصَى أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَيْنًا فَطَلَبَ الْوَرَثَةُ يَمِينَ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَأْخُذُهَا حَتَّى يَحْلِفَ وَقَدْ قُضِيَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي مِثْلِ هَذَا مَرَّةً بِالْيَمِينِ وَمَرَّةً بِلَا يَمِينٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ يُرِيدُ لَبَاقٍ لَمْ يَقْبِضْهُ وَأَمَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَحْقِيقِ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ وَجْهُ إثْبَاتِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَوَجْهُ نَفْيِ الْيَمِينِ أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ صَدَّقَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَلَمْ يَقْضِهِ أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْوَارِثِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا تَجِبُ الْيَمِينُ فِي الدَّعَاوَى مَعَ تَحْقِيقِهَا وَتَحْقِيقِ الْإِنْكَارِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَنَا أَحْلِفُ أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ حَتَّى يُحَقِّقَ يَمِينَهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خُلْطَةٌ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا فَهَلْ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُسْتَحْلَفُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ سَحْنُونٌ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا بِأَنَّ لِلتُّهْمَةِ تَأْثِيرًا فِي الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَدَّعِي أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْخَيْرِ اسْتَكْرَهَهَا أَنَّهَا تُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ نَظَرَ الْإِمَامُ فِيهِ، فَالتُّهْمَةُ تُوجِبُ مَا تُوجِبُهُ الْخُلْطَةُ مِنْ الْيَمِينِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الْعَدْلِ وَالْفَاجِرِ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تُحَقَّقُ فِيهَا الدَّعَاوَى سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْخُلْطَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا] 1 إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْخُلْطَةِ فَالْخُلْطَةُ الْمُعْتَبَرَةُ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ هِيَ: أَنْ يُسَالِفَهُ مُبَايَعَةً، وَيَشْتَرِي مِنْهُ مِرَارًا، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ السِّلْعَةَ وَالثَّمَنَ وَتَفَاصَلَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا تَكُونُ الْخُلْطَةُ إلَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يُرِيدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُسَالَفَةَ وَاتِّصَالَهَا مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ تَقْتَضِي التَّعَامُلَ، وَيَشْهَدُ لِلْبَائِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُسَلِّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ جَازَ أَنْ يُبَايِعَهُ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ السَّلَفِ فَيَثْبُتُ بَيْنَهَا بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي دُيُونِ الْمُبَايَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَثْبُتُ بَيْنَ أَهْلِ السُّوقِ مُخَالَطَةٌ بِكَوْنِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّبَايُعُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَسَحْنُونٌ قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَالْأُنْسِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ خُلْطَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّدَاعِيَ مِنْ جِهَةِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ بِسَبَبِ الْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الْخُلْطَةُ بِتَارِيخٍ قَدِيمٍ وَانْقَطَعَتْ بَقِيَ حُكْمُ الْمُخَالَطَةِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا خُلْطَةٌ وَانْقَطَعَتْ فَإِنْ ثَبَتَ انْقِطَاعُهَا لَمْ يَحْلِفْ إلَّا بِخُلْطَةٍ ثَانِيَةٍ مُجَدَّدَةٍ تَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَقَامَ فِيهَا بَيِّنَةً ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْغَدِ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا آخَرَ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْخُلْطَةِ لِانْقِطَاعِهَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى خُلْطَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ أَمْرُهَا، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ: إنَّ مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ مُخَالَطَةٍ قَدِيمَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا غَيْرَهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ فَلَا يُحَلِّفُهُ بِالْخُلْطَةِ الْأُولَى فَقَوْلُ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا تُوجِبُ الْيَمِينَ فِي دَعَاوِيهِمَا دُونَ أَنْ يَعْرِفَ سَبَبَ تِلْكَ الدَّعَاوَى، وَإِنْ عَرَفَ انْقِطَاعَ الدَّعَاوَى وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ تَجْرِي بَيْنَهُمَا يَلْزَمُ مَعْرِفَتُهَا وَمَعْرِفَةُ التَّعَامُلِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَقْتِهَا، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ الْيَمِينُ.

[الباب الثالث فيما تثبت به الخلطة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْخُلْطَةُ] ُ أَمَّا مَا تَثْبُتُ بِهِ الْخُلْطَةُ فَإِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَا، وَالْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ بِهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا بِالْخُلْطَةِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ الْيَمِينَ أَنَّهُ خَلِيطُهُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الشَّاهِدِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا أَقَامَ بِالْخُلْطَةِ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَهُ وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ ابْنُ كِنَانَةَ بِقَوْلِهِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ لَا يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ غَيْرُ الْيَمِينِ فَتَثْبُتُ بِسَبَبٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُرِيدُ مِمَّا تَقْوَى بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مَعْنًى يَثْبُتُ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ، وَلَمَّا اخْتَصَّ بِالْمَالِ ثَبَتَ بِمَا ثَبَتَ بِهِ الْمَالُ مِنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَثْبَتَ حَقَّهُ بِبَيِّنَةٍ فَدَفَعَهَا الْمَطْلُوبُ بِعَدَاوَةٍ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قِيلَ يَحْلِفُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمَرْدُودَةَ لَمَّا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيمَا شَهِدَتْ بِهِ مِنْ الْحَقِّ فَبِأَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُشْهَدْ بِهِ مِنْ الْخُلْطَةِ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ رُدَّتْ بَعْدَ الْقَبُولِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِرْثِ فِي إيجَابِ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ فِي الدِّمَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَإِذَا جَاءَهُ الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّعَاوَى إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْحَاكِمِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ كَانَ خَلِيفَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي فِي الْحَالَتَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ حُكْمِهِ وَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَإِنَّمَا اسْتَقْضَى الْقُضَاةُ حِينَ اتَّسَعَ الْأَمْرُ وَشُغِلَ الْخُلَفَاءُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَمِيرٌ غَيْرُ مُؤَمَّرٍ يُرِيدُ أَنَّهُ غَالِبٌ مَالِكٌ لِلْأَمْرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ: هُوَ كَالْخَلِيفَةِ يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا فِي جَوْرٍ أَوْ خَطَأٍ بَيِّنٍ، يُرِيدُ فَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَمَّرًا يُرِيدُ وَلَّاهُ غَيْرُهُ يُفَوِّضُ إلَيْهِ حُكُومَةً فَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ، وَلَا أَنْ يَسْتَقْضِيَ غَيْرَهُ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى يُفَوِّضَ إلَيْهِ نَصًّا فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَ قَاضِيًا، وَيَجُوزُ حُكْمُهُ وَحُكْمُ قَاضِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا كَانَ مِثْلُ وَالِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة أَوْ وَالِي الْفُسْطَاطِ أَمِيرَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَضَاءَهُ مَاضٍ وَقَضَاءَ قَاضِيهِ إلَّا فِي جَوْرٍ بَيِّنٍ. وَنَحْوُهُ رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ وَزَادَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمِيرُ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا كَانَتْ بِغَلَبَةٍ وَمَلَكَةٍ لِلْأَمْرِ فَهِيَ عَامَّةٌ، وَإِذَا وَلَّاهُ غَيْرُهُ فَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا وَلَّاهُ إيَّاهُ دُونَ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُوَلِّ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَارَةِ عَامَّةٌ فَتَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَضَى صَاحِبُ السُّوقِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَرْضِينَ، وَلِلنَّاسِ قَاضٍ أَوْ مَاتَ قَاضِيهِمْ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَالْمَجْمُوعَةِ: إنْ جَعَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمِيرُ الَّذِي يُوَلِّي الْقُضَاةَ كَأَمِيرِ مِصْرَ، وَإِفْرِيقِيَةَ وَالْأَنْدَلُسِ جَازَ قَضَاؤُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا فَقِيهًا، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ إلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَوَالِي الْمِيَاهِ إذَا جَعَلَ إلَيْهِ الْأَمِيرُ الْقَضَاءَ وَكَانَ عَدْلًا وَحَكَمَ بِصَوَابٍ جَازَ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَكِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ فَإِذَا قُدِّمَ لِلْقَضَاءِ وَالِي الْمِيَاهِ أَوْ غَيْرُهُ، وَوَجَدْنَا فِيهِ شُرُوطَ الْقَضَاءِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا صَحَّتْ أَحْكَامُهُ، وَإِنْ عُدِمَتْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ حَكَّمَ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا رَجُلًا فَقَضَى بَيْنَهُمَا فَقَضَاؤُهُ جَائِزٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَضَى بِمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَيَرَى الْقَاضِي خِلَافَهُ فَحُكْمُهُ مَاضٍ إلَّا فِي جَوْرٍ بَيِّنٍ. وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدَّمَاهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمَا بِمَا يَرَاهُ وَالْتَزَمَا ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ إلَّا بِمُوَافَقَتِهِمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ وَمُوَافَقَتِهِ هُوَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَمَتَى يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا حَكَّمَاهُ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ قَالَ أَرَى أَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ حُكْمُهُ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ قَالَ مُطَرِّفٌ: لَهُ النُّزُوعُ قَبْلَ نَظَرِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يَنْشَبَا فِي الْخُصُومَةِ عِنْدَهُ وَنَظَرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمَا فَلَا نُزُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَلْزَمُهُمَا التَّمَادِي قَالَ أَصْبَغُ: كَمَا لَيْسَ لَهُ إذَا تَوَاضَعَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا أَوْ يَعْزِلَ وَكِيلًا لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبْدُوَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُفَاتِحَهُ صَاحِبُهُ أَوْ بَعْدَ مَا نَاشَبَهُ الْخُصُومَةَ وَحُكْمُهُ لَازِمٌ لَهُمَا كَحُكْمِ السُّلْطَانِ لِمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمَا أَوْ كَرِهَ نَظَرَ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَنْظُرُ السُّلْطَانُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْضِ الْحُكْمُ فِيهِ فَإِذَا أَمْضَاهُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالتَّحْكِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَاكِمٌ خَاصٌّ وَالْوِلَايَةُ عَامَّةٌ وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِإِذْنِ مَنْ يُحْكَمُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى الْوَكَالَةِ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ تَحْكِيمُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَهِيَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ بِخِلَافِ مَا يَرْضَيَانِ بِهِ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَكُونُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ إلَّا بِمَا يَرْضَاهُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِشُرُوعِهِ فِي النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ مِنْهُمَا مِنْ أَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي الْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالتَّحْكِيمِ وَرِضَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ فَلَزِمَ بِالْقَوْلِ كَالتَّحْكِيمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْخُصُومَةَ عِنْدَ الْقَاضِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ التَّنْفِيذِ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَهَذَا الْوَكِيلُ لَا يَشْرَعُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُوَكَّلِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ عَمَّا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عَمَلِهِ دُونَ الْقَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ حَكَّمَ الْمُتَخَاصِمَانِ رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَحْكُمْ الْآخَرُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ، وَلَوْ حَكَّمَ جَمَاعَةً فَاتَّفَقُوا عَلَى حُكْمٍ نَفَّذُوهُ وَقَضَوْا بِهِ جَازَ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا حُكْمُ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ لَهُ ثَوْبًا أَوْ يُطَلِّقَانِ امْرَأَتَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ الْحُكْمُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ تَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ فَانْفَرَدَ حُكْمُهُ عَلَى الصَّوَابِ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُهُ فِي الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ رَجُلَيْنِ الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ يَحْكُمَا جَمِيعًا فِي حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ يَشْهَدُ بِهَا الشُّهُودُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَنْفُذُ أَنَّهَا إلَّا بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمَا، وَلَا أَنْ يَتَّفِقَ قَاضِيَانِ عَلَى أَنْ يَنْظُرَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِنْفَاذِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْبِلَادِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ بِأُنْدَةَ مِنْ كُوَرِ الْأَنْدَلُسِ فَتَوَلَّى التَّقْدِيمَ فِيهَا لِلْقُضَاةِ رَجُلٌ مُسْرِفٌ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِ فَقَدَّمَ ثَلَاثَةً لَا يُنَفِّذُ أَحَدُهُمْ فِيهَا قَضِيَّةً إلَّا بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا يَشْهَدُونَ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَيَكْتُبُ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ شَهِدَ ثُمَّ يَشْهَدُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الثَّانِي فَيَكْتُبُ عَلَى شَهَادَتِهِ عِنْدَنَا ثُمَّ يَشْهَدُ عِنْدَ الثَّالِثِ فَيَكْتُبُ عَلَى شَهَادَتِهِ فَيَحْصُلُ بِمَا كَتَبُوهُ شَهِدَ عِنْدَنَا فَأَمَّا أَحَدُهُمْ فَنُزِعَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا أَرَاهُ إلَّا بَلَغَهُ إنْكَارِي لِلْأَمْرِ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَأَصَرَّا وَتَمَادَيَا عَلَى ضَلَالَتِهِمَا وَسَوَّغَ لَهُمْ حُكَّامُ الْجَزِيرَةِ، وَفُقَهَاؤُهُمْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ مُرَاعَاتِهِمْ لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى لِلْقَضَاءِ، وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُحَكِّمَانِهِمَا الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ وِلَايَةٌ كَالْإِمَارَةِ وَالْإِمَامَةِ

[مسألة التحكيم وفيها بابان]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا قَامَ بِهِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَقَالُوا لِلْمُهَاجِرِينَ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ عُمَرُ لَسَيْفَانِ فِي غِمْدٍ لَا يَصْطَلِحَانِ أَبَدًا وَرَجَعَ النَّاسُ إلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ. وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّ إمَامَةَ الْخِلَافَةِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْأَحْكَامِ، وَهِيَ أَصْلُ التَّقْدِيمِ فِيهِمَا فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ يُصَلِّيَانِ بِالنَّاسِ صَلَاةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّمَ لِلنَّاسِ حَاكِمَانِ يَحْكُمَانِ جَمِيعًا فِي كُلِّ حُكْمٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا قَدَّمَ لِلْأَحْكَامِ مَنْ يَرْضَى دِينَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعِلْمَهُ وَمَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَهَذَا يُنَافِي مُقَارَنَةَ آخَرَ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ إلَّا بِمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الضَّلَالُ؛ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ وَتَقْصِيرِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَلَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَ الْوَاحِدِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ سِوَاهُ كَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ كَامِلِ الْعَدَالَةِ. فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى الشَّهَادَاتِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوَلَّ أَحَدٌ هَذَا فَيُعَوَّلُ فِيهِ عَلَيْهِ فَالْمَرْأَتَانِ لِنُقْصَانِ دِينِهِمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَامُ رَجُلَانِ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَقَامَ رَجُلٍ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَامَ حَاكِمَانِ مَقَامَ حَاكِمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَتَوْلِيَتِهِنَّ الْحُكُومَةَ فَتَقُومُ امْرَأَتَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى هَذَا مَا جَرَى بِبَلَدِنَا بِجِهَةِ الرَّقَّةِ فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا لِلْقَضَاءِ ابْنَ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ لَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ أَنْكَرْتُ هَذَا حِينَ وُقُوعِهِ. [مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ وَفِيهَا بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ] وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ وَالثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ مَنْ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ) فَأَمَّا صِفَةُ مَنْ يَحْكُمُ فَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا رَشِيدًا قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابِ ابْنِهِ لَوْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَكَذَلِكَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَسْخُوطُ وَالنَّصْرَانِيُّ قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُوَسْوِسُ، وَإِنْ أَصَابُوا الْحُكْمَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمْ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ فِي الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً فَحُكْمُهَا مَاضٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ الْمَسْخُوطُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ بَصِيرَيْنِ عَارِفَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فَإِنَّ تَحْكِيمَهُمَا وَحُكْمَهُمَا جَائِزٌ إلَّا فِي خَطَأٍ بَيِّنٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَأَشْهَبُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهِ آخُذُ. وَقَدْ وَلَّى عُمَرُ الشِّفَاءَ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمَانَ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ سُوقَ الْمَدِينَةِ، وَلَا بُدَّ لِوَالِي السُّوقِ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَوْ فِي صِغَارِ الْأُمُورِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ حَكَّمَا مَسْخُوطًا فَحَكَمَ فَأَصَابَ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْمَحْدُودُ وَالصَّبِيُّ إذَا كَانَ قَدْ عَقَلَ وَعَرَفَ وَعَلِمَ فَرُبَّ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ عِلْمٌ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ، وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْوَكَالَةِ لَمْ يُرَاعِ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فِي حُكْمٍ خَاصٍّ لَمْ يُجِزْ فِيهِ إلَّا مَنْ قَدَّمْنَا وَصْفَهُ قَبْلَ هَذَا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْحُكْمِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا) ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ يُحَكِّمَانِهِ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا، وَلَا يُلَاعِنَ قَالَهُ سَحْنُونٌ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا فِي قِصَاصٍ، وَلَا حَدِّ قَذْفٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا نَسَبٍ، وَلَا وَلَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ لَا يَقْطَعُهَا إلَّا الْإِمَامُ قَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ حَكَّمَاهُ فَحَكَمَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَيَنْهَاهُ

[القضاء في شهادة الصبيان وفيه أبواب]

الْقَضَاءُ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ وَحْدَهَا لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا أَوْ يَعْلَمُوا فَإِنْ افْتَرَقُوا فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَشْهَدُوا الْعُدُولَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا) ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّلْطَانُ عَنْ الْعَوْدَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ لَهَا قَدْرٌ فَيُحْتَاطُ لَهَا بِأَنْ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا مَنْ قَامَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ بِأَحْوَالِهِ الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِكَ لَهُ أَوْ يُؤْمَنُ فِي الْأَغْلَبِ أَمْرُهُ أَوْ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ فِي ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقَضَاءُ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْكِبَارِ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مَا رَأَيْتُ الْقُضَاةَ أَخَذَتْ إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا احْتَجَّ بِهِ شُيُوخُنَا مِنْ أَنَّ الدِّمَاءَ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ لَهَا وَالصِّبْيَانُ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِمْ يَنْفَرِدُونَ فِي مَلَاعِبِهِمْ حَتَّى لَا يَكَادَ أَنْ يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَيَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنْ اللَّعِبِ وَالتَّرَامِي مَا رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ بَيْنَهُمْ إلَّا الْكِبَارُ، وَأَهْلُ الْعَدْلِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى هَدْرِ دِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بَيْنَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الصِّحَّةِ فِي غَالِبِ الْحَالِ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مِنْهُمْ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهَا شَهَادَتُهُمْ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ] 1 ِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا دُونَ الْقَتْلِ مِنْ الْجِرَاحِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا أَجَزْتُهَا فِي الْجِرَاحِ، وَلَمْ أُجِزْهَا فِي الْحُقُوقِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ يَحْضُرُهَا الْكِبَارُ، وَلَا يَحْضُرُونَ فِي جِرَاحِ الصِّغَارِ فِي الْأَغْلَبِ، وَلَوْ حَضَرَهَا كَبِيرٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قِيلَ لَهُ فَيَلْزَمُك عَلَى هَذَا الْغَصْبُ أَنْ يَغْصِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثَوْبًا قَالَ غَيْرُهُ قَدْ يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَا لَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهَا فِي الْقَتْلِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهَا تَجُوزُ بَيْنَهُمْ فِي الْقَتْلِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ إنَّمَا أُجِيزَتْ لِلِاحْتِيَاطِ لِلدِّمَاءِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ فِي الْحُقُوقِ، وَالِاحْتِيَاطُ لِلنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْجِرَاحِ فَإِذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ لِكَثْرَةِ لَعِبِهِمْ وَتَرَامِيهِمْ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا يَكْثُرُ بَيْنَهُمْ مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ دُونَ مَا يَقِلُّ، وَيَنْدُرُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي الْحُقُوقِ وَالْغَصْبِ فَإِنَّهُ يَقِلُّ بَيْنَهُمْ، وَيَنْدُرُ حَالَ انْفِرَادِهِمْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا جُوِّزَتْ فِي الْقَتْلِ فَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ فِيهِ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ أَصْلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ شَهَادَةُ الْعُدُولِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ وَالْقَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ذَا الَّذِي تَجُوزُ شَهَادَتُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ

[الباب الثاني في تبيين الحالة التي تجوز عليها شهادتهم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ سَحْنُونٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَهَادَةِ إنَاثِهِمْ فِي الْجِرَاحِ فَلَمْ يُجِزْهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَأَجَازَهَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ: تَجُوزُ شَهَادَةُ إنَاثِهِمْ وَذُكُورِهِمْ فِي الْقَتْلِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ إنَاثِهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ: وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ صِغَارًا حَيْثُ تَجُوزُ كِبَارًا وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا تَدْعُو إلَى مَا يَكْثُرُ، وَيَتَكَرَّرُ دُونَ مَا يَقِلُّ وَيَنْدُرُ، وَحُضُورُ الْإِنَاثِ مَعَ الذُّكُورِ مِنْهُمْ يَقِلُّ لَا سِيَّمَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقِلُّ مِنْهُمْ مِثْلُ هَذَا فَلِذَلِكَ لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ وَوَجْهُ الْإِجَازَةِ أَنَّ الصِّغَارَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا انْفَرَدُوا بِحُضُورِهِ كَالذُّكُورِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ فَقَدْ رَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُمْ غُلَامٌ وَجَارِيَتَانِ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ غُلَامَانِ أَوْ غُلَامٌ وَجَارِيَتَانِ، وَلَا يَجُوزُ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ، وَلَا جَوَارٍ، وَإِنْ كَثُرْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ مَقَامُ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَانِ مَقَامُ غُلَامٍ، وَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ الْغُلَامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَكُونُ مَعَهُ قَسَامَةٌ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: وَلَا يَحْلِفُ مَعَهُ فِي الْجِرَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ مَعَهُ كَبِيرٌ عَدْلٌ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ فَيَمِينُ الْوَلِيِّ مَعَهُ كَشَاهِدٍ مَعَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ مِنْهُمْ زَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ، وَلَا شَهَادَةُ مَنْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كِبَارِهِمْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ صِغَارِهِمْ كَالْمَجَانِينِ وَالْمَخْبُولِينَ، وَإِنْ شَهِدَ أَحْرَارُهُمْ لِعَبِيدِهِمْ جَازَ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُنْظَرُ فِي الصِّبْيَانِ إلَى عَدَالَةٍ، وَلَا عَدَاوَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى عَدَالَةٍ، وَلَا جُرْحَةٍ فِيهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ لَا عَوْدَ لَهَا، وَلَا نَفْعَ فِي مَوْضِعِ الْعَدَاوَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْحَالِ مَا يَقْصِدُونَ بِهِ إلَى أَذَى مَنْ يُعَادِيهِمْ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إذَا ثَبَتَتْ الْعَدَاوَةُ لَمْ يَجُزْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَأَثَّرَ فِي إبْطَالِهَا الْعَدَاوَةُ كَشَهَادَةِ الْكِبَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَجُوزُ لِذَوِي الْقَرَابَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُنْظَرُ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَى جُرْحَةٍ، وَلَا قَرَابَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَسْقُطُ فِي الْقَرَابَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يَجْرِي مَجْرَى الْكَبِيرِ فِي الْأَبَوَيْنِ وَالْجُدُودِ وَالزَّوْجَةِ فَتُرَدُّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ بِعَدَاوَتِهِ، وَلَا عَدَالَتِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ بِقَرَابَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ بِكُلِّ وَجْهٍ وَالْقَرَابَةَ لَا تَمْنَعُهَا إلَّا عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ أَبْلَغَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ فَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعَدَاوَةُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فَبِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْهَا الْقَرَابَةُ أَوْلَى، وَأَحْرَى وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ اعْتِبَارُهَا بِشَهَادَةِ الْكِبَارِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهَا شَهَادَتُهُمْ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهَا شَهَادَتُهُمْ) هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ وَتُقَيَّدُ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فَأَمَّا الْكَبِيرُ يَكُونُ مَعَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا انْفَرَدُوا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ إنَّمَا أُجِيزَتْ بَيْنَهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالضَّرُورَةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا انْفَرَدَ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ فَقَدْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ وَصَارُوا عَلَى حَالَةٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُ أَحْكَامِهِمْ مَعَهَا فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّ صَبِيًّا قَتَلَ صَبِيًّا مُبَاغَتَةً وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَأَنَّهُمَا حَاضِرَانِ حَتَّى سَقَطَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ دُونَ أَنْ يَضْرِبَهُ أَحَدٌ أَوْ يَقْتُلَهُ فَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ تَامَّةٌ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ الْكَبِيرَيْنِ كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْأَعْدَلِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَ أَصْبَغَ هَذَا وَقَالَ: قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّ شَهَادَةَ الْكَبِيرَيْنِ أَحَقُّ، وَأَنَّهَا كَالْجُرْحَةِ لِلصِّغَارِ، وَغَيْرُ هَذَا خَطَأٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْكِبَارُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَجُزْنَ فِي الْخَطَأِ وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ قَالَهُ كُلَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَحْنُونٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ شَاهِدٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الصِّغَارِ إلَّا كَبِيرٍ مَقْتُولٍ لَمْ يَبْقَ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ بِعَصَا لَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَ سَبَبِهِ حَيَاةٌ يُعْلِمُهُمْ، وَيُلَقِّنُهُمْ الشَّهَادَةَ مِثْلَ أَنْ يُلْقِيَهُ أَحَدُ الصِّبْيَانِ مِنْ عُلُوٍّ عَظِيمٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعِيشَ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ أَوْ يُلْقِيَهُ مِنْ عُلُوٍّ فِي بَحْرٍ فَيَغْرَقُ أَوْ يَضْرِبَهُ بِسَيْفٍ ضَرْبَةً يُبِينُ بِهَا رَأْسَهُ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ تُرَاعَى الْعَدَالَةُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُمْ قَالَ مَالِكٌ إذَا شَهِدَ صَبِيَّانِ مَعَ كَبِيرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ مُطَرِّفٌ: إذَا كَانَ الْكَبِيرُ عَدْلًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مَسْخُوطًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَبْدًا لَمْ تَضُرَّ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَأَصْبَغُ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إنْ كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ وَكَانَ ظَاهِرَ السَّفَهِ وَالْجُرْحَةِ جَازَتْ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي حَضَرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَبِأَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي رَدِّ شَهَادَةِ غَيْرِهِ أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ الْآخَرِ فِي تَوَقُّفِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ صَلُحَتْ حَالُهُمْ بِحُضُورِ الْفَاسِقِ مَعَهُمْ عَنْ حَالِ الضَّرُورَةِ وَالْحَالِ الْمُتَكَرِّرَةِ إلَى حَالٍ يَنْدُرُ، وَيَقِلُّ مِنْ جَرَيَانِ مِثْلِ هَذَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مُخْتَصٌّ بِمَوْضِعٍ يَحْضُرُهُ الْكِبَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْكَبِيرُ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ بِهِ الصِّبْيَانُ بَطَلَتْ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْبَلُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّانِ وَرَجُلٌ عَلَى صَبِيٍّ، وَيُكَلَّفُ شَهَادَةَ رَجُلٍ آخَرَ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ حُضُورُ الْكَبِيرِ دُونَ اعْتِبَارِ حَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا افْتِرَاقُهُمْ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يُخَبِّبُوا فَلَا تَجُوزُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا إنَّمَا أُجِيزَتْ شَهَادَتُهُمْ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا مِنْ أَنَّهُمْ يَنْفَرِدُونَ بِاللَّعِبِ بِمَا تَكْثُرُ بِهِ الْجِرَاحُ، وَرُبَّمَا أَدَّتْ إلَى الْقَتْلِ، وَالشَّرْعُ قَدْ وَرَدَ بِحِفْظِ الدِّمَاءِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهَا بِأَنْ تَثْبُتَ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهَا غَيْرُهَا، وَمِمَّا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الضَّبْطِ وَالثَّبَاتِ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْتِقَالِ مِنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ وَمِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ، وَلَا عُلِمَتْ لَهُمْ عَدَالَةٌ يُؤْمَنُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِأَوَّلِ قَوْلِهِمْ وَمَا ضُبِطَ مِنْهُ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَأَمَّا تَفَرُّقُهُمْ مَا لَمْ تُقَيَّدْ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي شَهَادَتِهِمْ تَفَرُّقُهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يُخَبِّبُوا أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ أَوْ كِبَارٌ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُلَقِّنُوهُمْ الشَّهَادَةَ، وَيَصْرِفُوهُمْ عَنْ وَجْهِهَا أَوْ يُزَيِّنُوا لَهُمْ الزِّيَادَةَ فِيهَا أَوْ النُّقْصَانَ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَبَطَلَتْ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ فَقَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ فُلَانٌ شَجَّ فُلَانًا وَقَالَ آخَرَانِ مِنْهُمْ بَلْ شَجَّهُ فُلَانٌ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كُتُبٍ قَدَّمَ ذِكْرَهَا إلَّا كِتَابَ ابْنِ حَبِيبٍ: تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ إنَّمَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَهَاتُرٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا يَقْتَضِي فِي الْكِبَارِ الْأَخْذَ بِشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّ صَبِيًّا قَتَلَ صَبِيًّا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَإِنَّمَا أَصَابَتْهُ دَابَّةٌ قُضِيَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كِبَارًا عُدُولًا لَحُكِمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْقَتْلِ فَكَذَلِكَ هَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا رُجُوعُهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبَالِي بِرُجُوعِهِمْ إذَا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا. وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَرْجِعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَبَعْدَ أَنْ صَارُوا رِجَالًا فَيَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِشَهَادَتِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الصِّبْيَانِ بَاطِلٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَجْمُوعَةِ.

[الباب الثالث في حكم من تجوز شهادتهم]

(ص) : (مَا جَاءَ فِي الْحِنْثِ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ) فَإِنَّهُمْ إنْ شَهِدُوا بِقَتْلِ صَبِيٍّ لِصَبِيٍّ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ بِلَا قَسَامَةٍ وَقَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ سَحْنُونٌ: وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ كَامِلَةٌ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ الْقَسَامَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي سِتَّةِ صِبْيَانٍ لَعِبُوا فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ وَشَهِدَ الِاثْنَانِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ قَالَ الْقَتْلُ عَلَى الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: وَلَوْ كَانُوا كِبَارًا فَاخْتَلَفُوا هَكَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَتْ شَهَادَتُهُمْ إقْرَارًا وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّ اخْتِلَافَ شَهَادَتِهِمْ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ يَقْتَضِي التَّهَاتُرَ، وَإِبْطَالَ بَعْضِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْحِنْثِ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي إنَّمَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَانِثًا عَلَى وَجْهٍ يَأْثَمُ بِهِ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَعَدَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْبَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لَهُ، وَالْإِعْلَامِ بِتَغْلِيظِ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ آثِمًا. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ أَنَّهُ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْبَرَهُ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقَى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْمِنْبَرِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنَى التَّغْلِيظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ لِقِلَّتِهِ وَتَفَاهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ بَالٌ لَكِنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدٍ الْيَمِينُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ شَيْءٍ تَافِهٍ فَهَذَا حُكْمُهُ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ حُكْمَ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُ آثِمًا، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَتِّ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِهِ أَوْ حَلَفَ فَاقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ فَإِنَّ لِشُيُوخِنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَعِيدَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَلَا يُقَالُ لِمَنْ رَجَعَ عَنْهُ كَاذِبٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِإِخْلَافِ الْوَعِيدِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذِبًا لِمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِهَا فَعَلَى هَذَا الْوَعِيدُ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ عَاصٍ وَقِيلَ: إنَّ الْوَعِيدَ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَإِنَّ الْخُلْفَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْكَذِبِ وَذَلِكَ مُحَالٌ فِي صِفَةِ الْبَارِي - تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا الْوَعِيدُ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ الْبَارِي - تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَاقِبَهُ

[جامع ما جاء في اليمين على المنبر]

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مُطِيعٍ فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَحْلِفْ لَهُ مَكَانِي قَالَ فَقَالَ مَرْوَانُ لَا وَاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ قَالَ فَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ فَجَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ مَنْ أَرَادَ الْعَفْوَ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي إسْمَاعِيلَ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] فَوَصَفَ الْوَعْدَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ] (ش) : قَضَاءُ مَرْوَانَ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ زَيْدٌ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ إعْظَامًا لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، وَيَقُولُ أَخْشَى أَنْ يُوَافِقَ قَدَرًا فَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَيَمِينُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْيَمِينُ تُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَيْمَانِ وَتَعَلُّقِهَا بِهَا، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ فِي الْغَالِبِ مُخْتَارًا فَثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى الْحُكْمِ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّغْلِيظَ يَتَعَلَّقُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْأَمْوَالِ لِلرَّدْعِ عَنْهَا كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ تُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَتَحَرَّى بِأَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ، وَفِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ السَّاعَاتِ الَّتِي يَحْضُرُ النَّاسُ فِيهَا الْمَسَاجِدَ، وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فَفِي كُلِّ حِينٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ لَا يَحْلِفُ حِينَ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ فَأَمَّا فِي الْحُقُوقِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ حَضَرَ الْإِمَامُ اسْتَحْلَفَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: قَوْله تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: 106] ، وَهَذِهِ يَمِينٌ فِي مَالٍ فَجَازَ أَنْ يُغَلَّظَ بِالزَّمَانِ كَاللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : هَلْ تُغَلَّظُ الْأَيْمَانُ بِتَكَرُّرِ الصِّفَاتِ رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَحْلِفُونَ فِيمَا يَبْلُغُ مِنْ الْحُقُوقِ رُبُعَ دِينَارٍ، وَفِي الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَا كَانَتْ فِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ حَلَفَ هَكَذَا وَمَا رُدِّدَتْ رُدِّدَتْ هَكَذَا، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْحُقُوقِ وَالدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ، وَفِي كُلِّ مَا فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مَعْنًى تُغَلَّظُ بِهِ الْأَيْمَانُ فَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَثِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَوْعَبَ، وَلَيْسَ مَا نُورِدُ مِنْهَا بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا وَمَا يُغَلَّظُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَلَهُ غَايَةٌ لَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِبُلُوغِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَلَمْ تُغَلَّظْ بِهِ الْأَيْمَانُ فِي الْأَمْوَالِ كَتَكْرَارِ الْيَمِينِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ التَّغْلِيظِ بِالْيَمِينِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَإِنْ قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ فَقَطْ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَمِينُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّصْرَانِيِّ فِي الْحُقُوقِ سَوَاءٌ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيَحْلِفُ النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمَجُوسُ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ فَهُوَ بِالْجَامِعِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَلْ يَكُونُ تَغْلِيظُهَا بِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ فِي النَّوَادِرِ، وَلَا يَحْلِفُ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ فِي قَلِيلٍ، وَلَا كَثِيرٍ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ مَا عَلِمْت أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ كَالْأَمْصَارِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْلِفُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا فِي رُبُعِ دِينَارٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: يُرِيدُ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ تَخْرُجُ إلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي امْرَأَتَيْنِ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا فِي أَرْضٍ وَدُورٍ، وَهُمَا مِمَّنْ لَا تَخْرُجَانِ فَأَرَى أَنْ تَخْرُجَا مِنْ اللَّيْلِ إلَى الْجَامِعِ قَالَ فَسُئِلَ أَنْ يُحَلِّفَهُمَا فِي أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِمَا وَشَقَّ عَلَيْهِمَا الْخُرُوجُ إلَى الْجَامِعِ فَأَجَابَ إلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ فِي أَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَحْنُونًا هُوَ الَّذِي أَسْعَفَ سُؤَالَ السَّائِلِ فِي ذَلِكَ؛ لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَقٌّ لِلْحُكْمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعَظَّمٌ مِنْ الْمَسَاجِدِ، فَجَازَ أَنْ تُغَلَّظَ بِهِ الْأَيْمَانُ مَعَ إرَادَةِ السِّتْرِ لِمَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ كَالْجَامِعِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِأَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حَالًا، وَلِذَلِكَ يَخْتَصُّ بِأَرْفَعَ الْمَسَاجِدِ مَكَانًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا يُحْلَفُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ، وَيُحْلَفُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا إنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمِنْبَرِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَعْرِفُ الْمِنْبَرَ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ، وَإِنَّمَا أَعْرِفُ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ لِلْمَسَاجِدِ مَوَاضِعُ هِيَ أَعْظَمُ زَادَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ يَحْلِفُ حَيْثُ يُعَظَّمُ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا أَعْرِفُ الْمِنْبَرَ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَنْعَ مِنْ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ فِي مَسَاجِدِ الْآفَاقِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ عَلَى اتِّخَاذِهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهَا فَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ هَذَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْمَنَابِرِ فِي الْبِلَادِ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِمِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُحْلَفُ عِنْدَ مِنْبَرٍ مِنْ الْمَنَابِرِ إلَّا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ يُسْتَحْلَفُونَ فِيمَا لَهُ بَالٌ أَوْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِغَيْرِهَا فِي مَسْجِدِهِمْ الْأَعْظَمِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْهُ عِنْدَ مِنْبَرِهِمْ أَوْ تِلْقَاءَ قِبْلَتِهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مِنْبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقِبْلَةِ وَالْمِحْرَابِ الَّذِي أُحْدِثَ حِينَ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ حَائِطَ الْقِبْلَةِ نُقِلَ مِنْ قُرْبِ الْمِنْبَرِ حِينَ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَارَ الْمِنْبَرُ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ الْيَمِينُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ مِنْبَرِهِ وَأَمَّا الْقِبْلَةُ وَالْمِحْرَابُ فَشَيْءٌ بُنِيَ بَعْدَهُ، وَأَمَّا مَنَابِرُ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فَعِنْدَ الْمِحْرَابِ فَمَنْ حَلَفَ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِحْرَابِ بِقُرْبِ الْمِنْبَرِ، وَأَعْظَمُ شَيْءٍ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَحَارِيبُ، وَلَوْ اُتُّفِقَ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ الْمِنْبَرُ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ لَكَانَتْ الْيَمِينُ عِنْدَ الْمِحْرَابِ دُونَ الْمِنْبَرِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ لَا يُحْلَفُ عِنْدَ مِنْبَرٍ مِنْ الْمَنَابِرِ إلَّا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنِّسَاءِ فَمَنْ كَانَتْ مِنْ النِّسَاءِ تَخْرُجُ وَتَتَصَرَّفُ فَحُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرِّجَالِ وَمَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ لَا تَخْرُجُ نَهَارًا خَرَجَتْ لَيْلًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ مَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ تَخْرُجُ وَمَنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ قَالَ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَيَحْلِفُونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَالنَّصَارَى فِي بِيَعِهِمْ وَالْمَجُوسُ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ فَيُغَلَّظُ عَلَى حُكْمِ أَهْلِ كُلِّ شَرِيعَةٍ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَالْمِقْدَارُ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ الْيَمِينُ فِي الْجَامِعِ، وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُعَظَّمُ مِنْهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَمَنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَهُوَ كَانَ رُبُعَ دِينَارٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُغَلَّظُ الْأَيْمَانُ إلَّا فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّبُعَ دِينَارٍ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ كَالْعِشْرِينِ دِينَارًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تُغَلَّظُ الْأَيْمَانُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ: إنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الرَّدْعِ عَنْ الْمَالِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْقَلِيلِ مِنْهُ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ هَذَا ابْتِذَالٌ لِلْمَوْضِعِ مَعَ مَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَحْلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَعَلَى دَمٍ قَالُوا لَا قَالَ أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَكَانِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَقَدْ احْتَجَّ بِهَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ لَا تَخْرُجُ مِنْ النِّسَاءِ نَهَارًا أَوْ تَخْرُجُ لَيْلًا فَتَحْلِفُ فِي الْجَامِعِ فَفِي كَمْ تَخْرُجُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ تَخْرُجُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ لَا تَخْرُجُ فِيهِ، وَلَا تَخْرُجُ إلَّا فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ بَالٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَذَا شَخْصٌ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْمَالِ فَغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ كَالرَّجُلِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لَهَا الْقَدْرُ يَلْزَمُهَا مِنْ التَّصَاوُنِ مَا لَا يَلْزَمُ الرِّجَالَ فَلَا تَبْتَذِلُ بِالْأَيْمَانِ فِي الْجَوَامِعِ إلَّا فِي الْقَدْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَحْتَاجُ رَدْعَ مِثْلِهَا عَنْ مِثْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ ثَوْبًا فَوَجَدَ بِهِ الْمُبْتَاعُ عَيْبًا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ أَعْلَمَهُ بِهِ وَتَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ: إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْعَيْبِ رُبُعَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا فِي الْجَامِعِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ مَا تَدَاعَيَا فِيهِ، وَهُوَ قَدْرُ الْعَيْبِ، وَفِيهِ تَجِبُ الْيَمِينُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ رُبُعَ دِينَارٍ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُسْتَحْلَفُونَ إلَّا فِي الْجَامِعِ قِيلَ لَهُ أَيُسْتَحْلَفُونَ عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقَالَ بَلْ يُسْتَحْلَفُونَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِحْلَافِهِمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ، وَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ بَلْ يَحْلِفُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْعٌ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ إلَى التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ بِجَامِعٍ أَوْ عِنْدَ الْمُصْحَفِ وَقَالَ بَلْ يَحْلِفُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي يَقْضِي بِذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى أَصْلِهِ وَمَذْهَبِهِ فَيُحَلَّفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يُقَامُ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ فِيهِ الْيَمِينُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا يَحْلِفُونَ فِي الْجَامِعِ، وَلَا عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ لَا يَحْلِفُونَ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فِي طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي عَبْدٍ حَنِثَ فِي يَمِينٍ بِطَلَاقٍ فَقَالَ حَلَفْتُ بِوَاحِدَةٍ وَسَيِّدُ الزَّوْجَةِ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا حَلَفَ إلَّا بِطَلْقَةٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صَدَاقَ الزَّوْجَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَلَا يَحْلِفُ فِي عِوَضِهِ إلَّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا صِفَةُ الْحَالِفِ حَالَ يَمِينِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ الرَّجُلُ قَائِمًا إلَّا مَنْ بِهِ عِلَّةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ لَوْ اقْتَطَعُوهُ بِأَيْمَانِهِمْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَإِنَّمَا يَحْلِفُونَ جُلُوسًا إنْ شَاءُوا وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ جَالِسًا، وَلَا يَحْلِفُ قَائِمًا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مَا شُرِعَ فِيهِ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ، وَإِلْزَامُهُ الْقِيَامَ مِنْ مَعْنَى التَّغْلِيظِ فَيَجِبُ أَنْ يَلْزَمَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْلِفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ فِيمَا لَهُ بَالٌ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت أَنَّهُ يُسْتَقْبَلُ بِالْحَالِفِ الْقِبْلَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِمْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْظِيمِ الْجِهَةِ فَغُلِّظَ بِاسْتِقْبَالِهَا كَمَا غُلِّظَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمَوْضِعِ الْمُوَجَّهِ لَهَا الْمُعَظَّمِ مِنْهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الطَّهَارَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَحْلِفُ مَكَانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَغِّبَ فِي أَنْ يُقْنَعَ بِذَلِكَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْحَاكِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِ سَحْنُونٍ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الطَّالِبِ بِالْيَمِينِ، وَقَوْلُ مَرْوَانَ، وَهُوَ الْحَاكِمُ فِي قَضِيَّةِ لَا وَاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ زَيْدٌ، وَلَا غَيْرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحُقُوقِ مَقَاطِعَ مُعَيَّنَةً، وَأَنَّهُ لَا يَقْنَعُ مِنْهُ إنْ كَانَ الْحَقُّ لَهُ بِالْيَمِينِ فِيهَا أَوْ لَا يُفْتِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَقًّا لِلطَّالِبِ إلَّا بِذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ مَكَانِي فَهُوَ كَنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ فِي مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ وَغُرِّمَ إنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ بَطَلَ حَقُّهُ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا، وَبِذَلِكَ قَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْلِفُ إنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يُرِيدُ تَحْقِيقَ مَا قَالَهُ مِنْ دَعْوَى أَوْ إنْكَارٍ، وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا يَعْتَقِدُونَ إبْطَالَ مَا يَقُولُ، وَيُخَاصِمُ بِهِ، وَلَكِنْ لِتَعْظِيمِ حُرْمَةِ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْيَمِينُ مَا يَسْتَحِقُّ بِهَا حَقًّا، وَلَا يَدْفَعُ بِهَا غُرْمًا؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْيَمِينِ لَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ هُنَاكَ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَحَلَفَ فِي مَقَامِهِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ عِنْدِي لَوْ حَلَفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ دُونَ أَنْ يَقْتَضِيَهُ صَاحِبُ الْيَمِينِ لَمْ يَبَرَّ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ وَصَاحِبُ الْحَقِّ مُقْتَضِيًا لِيَمِينِهِ، وَلَوْ اقْتَضَاهُ يَمِينُهُ فِي صَحْنِ الْجَامِعِ، وَرَضِيَ بِهَا أَوْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَتْهُ يَمِينُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ يَمِينٌ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اقْتَضَى مِنْهُ مَا رَضِيَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ رِضَاهُ وَاسْتِيفَائِهِ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَاخْتِصَامُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مُطِيعٍ فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إلَى مَرْوَانَ لَا نَدْرِي مَنْ الطَّالِبُ مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَلَا هَلْ كَانَتْ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَيْفَ كَانَ حُكْمُهَا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ وَقَفَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ مَا هُوَ وَكَمْ هُوَ لَمْ يَسْأَلْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا أَطْلُبُ مِنْك هَذِهِ الدَّارَ فَبَيِّنْ مِنْ أَيْنَ هِيَ لَك فَلَا يُسْأَلُ الْمَطْلُوبُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي حَتَّى يَقُولَ: إنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِي فَهَلْ صَارَتْ إلَيْك مِنْ جِهَتِي أَوْ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ بِسَبَبِي فَيَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ الْجَوَابُ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ بِسَبَبِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَقَّقَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، وَبَيَّنَهُ لَزِمَ الْمَطْلُوبَ جَوَابُهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ. وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ سَأَلَ مَالِكًا عَمَّنْ فِي يَدِهِ دَارٌ فَيَدَّعِي رَجُلٌ أَنَّهَا لِجَدِّهِ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ، وَلَكِنْ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاك قَالَ مَالِكٌ يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ صَوَابٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَأَقَرَّ بِخَمْسِينَ وَتَأَبَّى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَشَرَةِ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ حَتَّى يُقِرَّ بِهَا أَوْ يُنْكِرَ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ. وَقَالَ: أَسْتَحْسِنُ إذَا تَمَادَى عَلَى شَكٍّ فَأَنَا أُحَلِّفُهُ أَنَّهُ مَا وَقَفَ عَنْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا أَوْ رَدَّ الْعَشَرَةَ، وَيُحْبَسُ بِهَا فَالْحُكْمُ بِلَا يَمِينٍ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّ كُلَّ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ لَا يُدْفَعُ مَعَ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُورٌ فِي يَدِهِ لَا يُقِرُّ، وَلَا يُنْكِرُ فَأَنَا أُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَتَمَادَى حَكَمْت عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَسْأَلَةِ مَالِكٍ عِنْدِي فِي الَّذِي يُصِرُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلَا يَدَّعِي شَكًّا وَمَسْأَلَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فِي الَّذِي يَقُولُ لَا أَعْلَمُ، وَيَدَّعِي الشَّكَّ وَكَانَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُتَوَجِّهَ إلَى النَّاكِلِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى يَمِينٍ فِي النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَكَلَ عَنْ هَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي أَلْزَمَهُ إيَّاهَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَّا إلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَقْتَضِي قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَيْهِ أُكْرِهَ بِالسَّجْنِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَعَنْ أَبِيهِ فَإِنْ تَمَادَى أُدِّبَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَيَقْتَضِي قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إذَا أَصَرَّ وَقَدْ أَعْذَرَ إلَيْهِ بِالْجَبْرِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ، وَيَغْرَمَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نُكُولٌ لَا يُوجِبُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى حِصَّتِهِ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ كَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ: قَدْ تَقَدَّمَتْ بَيْنِي، وَبَيْنَ الطَّالِبِ مُخَالَطَةٌ فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَدَّعِي هَذَا أُلْزِمَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ الطَّالِبَ فَإِنْ بَيَّنَ وَجْهَ طَلَبِهِ وَقَفَ الْمَطْلُوبُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَإِنْ أَبَى الطَّالِبُ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ دَعْوَاهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ لَا أَذْكُرُ ذَلِكَ السَّبَبَ أَوْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، وَيُمْنَعُ مِنْ وَجْهِ طَلَبِهِ فَإِنْ قَالَ أُنْسِيته قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَزِمَ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَإِنْ أَبَى مِنْ تَبْيِينِهِ مَعَ ذِكْرِهِ لَهُ لَمْ يُسْأَلْ الْمَطْلُوبُ عَنْ شَيْءٍ. قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ لَا يُوقَفَ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ سَبَبَ مَا يَدَّعِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَوْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَجَدَ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَإِذَا كَتَمَهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَخْرَجُ مِنْهُ فَيُرِيدُ كِتْمَانَهُ لِتَلْزَمَهُ الْيَمِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي السَّبَبَ فَأَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ وَقَالَ أَنَا أَحْلِفُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عِنْدِي مِنْ هَذَا السَّبَبِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ لَهُ عَلَيَّ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَشْهَبُ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ تُجْزِئَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ مِنْ وَجْهٍ يَطْلُبُهُ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَمْ يَطْلُبْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْلِفُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ الطَّالِبُ هَذَا آخِرُ حُقُوقِي عِنْدَك فَلَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يُسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَالطَّالِبُ قَدْ بَرِئَ مِنْهُ، وَلَكِنْ ذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى ذَلِكَ مَخَافَةَ الْإِلْغَاءِ وَالتَّأْوِيلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَسْلَفَهُ أَوْ بَاعَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ لَا حَقَّ لَك عِنْدِي حَتَّى يَقُولَ لَمْ تُسْلِفْنِي مَا تَدَّعِيهِ أَوْ لَمْ تَبِعْ مِنِّي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْت رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: فَإِنْ تَمَادَى عَلَى اللَّدَدِ سَجَنَهُ فَإِنْ تَمَادَى أَدَّبَهُ قَالَ وَكَانَ رُبَّمَا قُبِلَ مِنْهُ فِي الْجَوَابِ قَوْلُهُ مَا لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ، وَإِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ رَجَعَ آخِرًا مَالِكٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِإِجْزَاءِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ مَا لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَقَدْ ادَّعَى بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ، وَهَذَا يُجْزِئُ مِنْ الْجَوَابِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ إنِّي اشْتَرَيْت مِنْك؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَدْ اشْتَرَى مِنْهُ وَقَضَاهُ، وَلَا تَقُومُ لَهُ بَيِّنَةٌ وَالْمُدَّعِي مِمَّنْ يَغْتَنِمُ إقْرَارَهُ بِالْبَيْعِ، وَيَرْضَى بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى حَقٍّ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ قَضَاهُ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْك حَقٌّ حَتَّى يَقُولَ لَمْ أَقْبِضْ مِنْك مَا تَدَّعِيهِ مِنْ الثَّمَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ الْمُعَامَلَةَ كُلِّفَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فَمَا ادَّعَاهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدَيْهِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِحَقٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ قَالَا عَنْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قَضَاهُ فَيَحْلِفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ أَحَقَّتْ لَهُ دِينَهُ فَلَا مَعْنَى لِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ أَقْوَى مِنْ يَمِينِهِ، وَلِذَلِكَ بَرِئَ بِهَا عَنْ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ، وَيَمِينِ الطَّالِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، وَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الْيَمِينِ فِي إنْكَارِهِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَائِعِ يَجْحَدُ قَبْضَ الثَّمَنِ فَيُنْكِرُهُ الْمُبْتَاعُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ مَا لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ قَالَ بَلْ يَحْلِفُ مَا اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةَ كَذَا فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ إذَا حَلَفَ مَا لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا يَدَّعِيهِ فَقَدْ بَرِئَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَوْلَانِ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إنْكَارِهِ وَمَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ ادَّعَاهُ مِنْ حُقُوقِ نَفْسِهِ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ، وَمَا وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ قَضَاءَ أَبِيهِ الْمَيِّتِ دِينَهُ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ قَبَضَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَوْ يَدَّعِي قِبَلَ مُوَرِّثِهِ حَقًّا فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ قِبَلَهُ شَيْئًا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عِلْمَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِهِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ وَعَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ يَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ شَاهِدُ الْمَوْرُوثَةِ بِحَقٍّ فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ ذَلِكَ وَتَحْقِيقَهُ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا فِي النَّفْيِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ بَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجِبُ الْحَقُّ بِنُكُولِ الْمَطْلُوبِ عَنْ الْيَمِينِ حَتَّى يُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفَ قَالَ مَالِكٌ، وَإِذَا جَهِلَ ذَلِكَ الطَّالِبُ فَلْيَذْكُرْ لَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَحْلِفَ الطَّالِبُ إذْ لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ بِنَفْسِ النُّكُولِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ فَإِذَا نَكَلَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ جَازَ أَنْ تَنْتَقِلَ الْيَمِينُ إلَى الْجَنْبَةِ الْأُخْرَى كَالْقَسَامَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ رَدَّ الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ رَدُّهَا رَوَاهُ عِيسَى، وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ كَانَ رَدُّهُ لِلْيَمِينِ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ رَدَّهُ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ رِضًا بِيَمِينِهِ وَتَصْدِيقٌ لِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ فَلَمَّا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ حَقُّ الطَّالِبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَطْلُوبِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَلَا إبْطَالُ حَقٍّ يَثْبُتُ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي تُرَدُّ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُرَدُّ مِثْلَ أَيْمَانِ التُّهْمَةِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِالْبَرَاءَةِ ثُمَّ يَظْهَرَ الْمُبْتَاعُ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهِ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدُ دُونَ يَمِينِ الْمُبْتَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ لَا طَرِيقَةَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَلَا يُكَلَّفُ تَفَحُّمَ الْيَمِينِ عَلَى مَا لَا سَبِيلَ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ادَّعَى الْمُودَعُ ضَيَاعَ الْوَدِيعَةِ وَادَّعَى الْمُودِعُ تَعَدِّيهِ عَلَيْهَا فَالْمُودَعُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفَ قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هَاهُنَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ دُونَ تَحْقِيقٍ، وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِمَنْ يُتَّهَمُ دُونَ مَنْ لَا يُتَّهَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَقَالَ لِلْحَاكِمِ اضْرِبْ لِي أَجَلًا حَتَّى أَنْظُرَ فِي يَمِينِي، وَفِي حِسَابِي، وَأَتَثَبَّتُ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّثَبُّتَ فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ يُجَابَ إلَيْهِ فَقَدْ يَكُونُ الْحِسَابُ يَكْثُرُ، وَيَطُولُ أَمْرُهُ، وَيَتَسَامَحُ فِي الدَّعْوَى أَوْ الْإِنْكَارِ، وَيُتَحَرَّزُ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عَقْدٍ كَبَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ بِعَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يَعْلَمُونَهُ بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ

[ما لا يجوز من غلق الرهن]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ، وَفِي الرَّهْنِ فَضْلُ عَمَّا رُهِنَ فِيهِ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا رُهِنَ فِيهِ قَالَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَحِلُّ، وَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بِاَلَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَهُ، وَأَرَى هَذَا الشَّرْطَ مَفْسُوخًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُحَلِّفُهُ الْإِمَامُ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِشَيْءٍ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَيَسْتَحِقُّهُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الَّذِي فِي يَدِهِ ذَلِكَ أَمْرًا يَظُنُّ أَنَّ صَاحِبَهُ فَعَلَهُ فَيَحْلِفُ مَا فَعَلَهُ، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا يَمِينٌ لِلْحُكْمِ لَا يَصِحُّ لَهُ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ لَهُ بِالْمِلْكِ عَلَى الْبَتِّ وَالْقَطْعِ وَشَهِدَتْ فِي بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَافِهِ عَلَى الْبَتِّ فِيمَا بَقِيَ وَمَا عَسَى أَنْ يُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقْضَى لَهُ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ حَكَمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُسْتَحِقُّ أَسْبَابَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ، وَلَا يَدَّعِي خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَلْقِ الرَّهْنِ] ِ غَلْقُ الرَّهْنِ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُفَكَّ يُقَالُ غَلِقَ الرَّهْنُ إذَا لَمْ يُفَكَّ فَمَعْنَى التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ الرَّهْنُ عَلَى وَجْهٍ يَئُولُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ فَكِّهِ، وَأَنْشَدَ الرَّبَعِيُّ ، وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى رَهْنُهَا غَلَقَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّهْنَ عِنْدَ الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ، وَفِي الرَّهْنِ فَضْلُ عَمَّا رُهِنَ فِيهِ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِمَا رُهِنَ فِيهِ قَالَ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَحِلُّ، وَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بِاَلَّذِي رَهَنَ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ لَهُ، وَأَرَى هَذَا الشَّرْطَ مَفْسُوخًا) . (ش) : قَوْلُهُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَا يُمْنَعُ مِنْ فَكِّهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ عَقْدٍ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَعَنْ اسْتِدَامَتِهِ إنْ عَقَدَ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ، فَإِنْ وَقَعَ فَقَدْ قَالَ يُرْهَنُ الرَّهْنُ فِي دَيْنِهِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يَحِلُّ يُرِيدُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَهُوَ فِي دَيْنٍ ثَابِتٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَرْهَنَهُ بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالرَّهْنُ فَاسِدٌ، وَلَهُ إنْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ حُكْمُ الرَّهْنِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ سَلَمٌ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ، وَالرَّهْنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُنْقَضُ مِنْ قَرْضٍ كَانَ أَوْ مِنْ بَيْعٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْقَرْضِ تَارَةً يَكُونُ بَيْعًا وَتَارَةً يَكُونُ قَرْضًا، وَهُوَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ بِمَعْنَى فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا عَمِلَا عَلَيْهِ مِنْ غَلْقِ الرَّهْنِ، وَهُوَ بَيْعُهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْعٍ انْعَقَدَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِأَنْ يَبِيعَهُ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ دَابَّةً عَلَى أَنْ جَاءَهُ بِالثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَإِلَّا فَالدَّابَّةُ لَهُ عِوَضًا مِنْ الثَّوَابِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي بِمَا بَاعَ ثَوْبَهُ بِالْمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِالدَّابَّةِ فَيُنْقَضُ الْبَيْعُ، وَالرَّهْنُ مَا لَمْ يَفُتْ الثَّوْبُ فَيَمْضِي الثَّوْبُ بِالْقِيمَةِ، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ وَشَرْطُ الرَّهْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَلَمْ يُفْسَخْ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ، وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ قَبْلَ الْأَجَلِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ حَوَالَةِ أَسْوَاقٍ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ يُفْسَخُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا إلَى سَنَةٍ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ السَّنَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفْسَخَ غِلَاقُهُ، وَأَمَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَيَبْقَى دَيْنُهُ دُونَ رَهْنٍ فَلَا

[القضاء في رهن الثمر والحيوان]

الْقَضَاءُ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ وَالْحَيَوَانِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ رَهَنَ حَائِطًا لَهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَكُونُ ثَمَرُ ذَلِكَ الْحَائِطِ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَجَلِ أَنَّ الثَّمَرَ لَيْسَ بِرَهْنٍ مِنْ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فِي رَهْنِهِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا ارْتَهَنَ جَارِيَةً، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ارْتِهَانِهِ إيَّاهَا أَنَّ وَلَدَهَا مَعَهَا قَالَ مَالِكٌ: وَفَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَرِ، وَبَيْنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» قَالَ: وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ، وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ أَنَّ ذَلِكَ الْجَنِينَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَلَيْسَتْ النَّخْلُ مِثْلَ الْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ الثَّمَرُ مِثْلَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلِ، وَلَا يَرْهَنُ النَّخْلَ، وَلَيْسَ يَرْهَنُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَلَا مِنْ الدَّوَابِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يُرَدَّ بَعْدَ الْأَجَلِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ حَتَّى تَغَيَّرَتْ أَسْوَاقُهُ أَوْ تَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ لَزِمَهُ بِقِيمَتِهِ، وَيُقَاصُّ بِثَمَنِهِ مِنْ دَيْنِهِ، وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ فَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَهَذَا فِي السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ فَإِنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ، وَطُولَ الزَّمَانِ لَا يُفِيتُهَا وَتُرَدُّ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ، وَإِنَّمَا يُفِيتُهَا الْهَدْمُ وَالْبُنْيَانُ وَالْغَرْسُ سَوَاءٌ تَهَدَّمَتْ بِفِعْلِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ فَاتَ الرَّهْنُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْهُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ قِيلَ يَوْمَ فَاتَ وَقِيلَ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ وَقَبْلَ الْفَوَاتِ، وَإِلَيْهِ كَانَ يُرَدُّ لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَوْمَ الْأَجَلِ مَقْبُوضٌ لِلْبَيْعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا لِلْبَيْعِ لَمَا فَاتَ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَلَا زِيَادَةَ، وَلَا نُقْصَانَ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ بَعْدَ الْأَجَلِ ضَمَانَ مَا بِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا دُونَ ضَمَانِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ لَهُ غَلَّتُهُ وَخَرَاجُ ظَهْرِهِ وَأُجْرَةُ عَمَلِهِ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ، وَلَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْهَلَاكَ وَالْمُصِيبَةَ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ إنْ كَانَ الْخَرَاجُ وَالْغَلَّةُ كَانَ الْغُرْمُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَهُوَ نَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ أَيْ غَلَّتُهُ لِرَبِّهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُهُ كَوْنُهُ رَهْنًا مِنْ صَرْفِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ إلَى مَالِكِهِ الرَّاهِنِ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ هَذَا التَّفْسِيرِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْقَرْضِ وَعِوَضٌ مَجْهُولٌ فِي الْمُبَايَعَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ مَنْفَعَتُهُ، وَلَمْ يُرَدَّ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَزُلْ عَنْ الرَّاهِنِ وَغُرْمُهُ أَيْ نَفَقَتُهُ وَتَلَفُهُ إذَا ثَبَتَ تَلَفُهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ رُجُوعُهُ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ رَبُّ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ غُرْمَهُ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الْغُرْمَ الَّذِي رَهَنَ مِنْ أَجْلِهِ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ رُجُوعُ الرَّهْنِ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقَضَاءُ فِي رَهْنِ الثَّمَرِ وَالْحَيَوَانِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ رَهَنَ حَائِطًا إلَى أَجَلٍ فَأَثْمَرَ الْحَائِطُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّ ذَلِكَ الثَّمَرَ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْحَائِطِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ لِلثَّمَرَةِ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّمَاءَ مِنْ الرَّهْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَوَّلِ كَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَعَسَلِ النَّحْلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَلَّةِ الزَّرْعِ وَالرِّبَاعِ وَغَلَّةِ الْعَبِيدِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ مَا حَدَثَ مِنْهُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَسَوَاءٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الرَّهْنِ مُزْهِيَةً أَوْ غَيْرَ مُزْهِيَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: إنَّ اللَّبَنَ وَالصُّوفَ وَثَمَرَ النَّحْلِ وَالشَّجَرَ مَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَهُوَ فِي الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ الْغَلَّةُ وَالْخَرَاجُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَصْلِ فَلَمْ يَتْبَعْهُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَصْلُ ذَلِكَ مَالُ الْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَصْوَافُ الْغَنَمِ، وَأَلْبَانُهَا فَلَا تُتَّبَعُ أَيْضًا إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ كَامِلَةٍ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ كَامِلَةً يَوْمَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْحَقُهَا حُكْمُ الرَّهْنِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِالشَّرْطِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ قَدْ كَمُلَ، وَيُتَّبَعُ فِي الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ فِي النَّخْلِ تُرْهَنُ، وَفِيهَا ثَمَرَةٌ يَابِسَةٌ: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَالصُّوفِ التَّامِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الثَّمَرَةَ الْيَابِسَةَ لَا تُتَّبَعُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُتَّبَعُ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الصُّوفِ؛ لِأَنَّ الصُّوفَ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْحَيَوَانُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ لَهُ فَأَشْبَهَ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَمِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَصْلِ وَمَقْصُودَةٌ بِالْغَلَّةِ تَخْلُو مِنْهَا الشَّجَرَةُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهَا وَذَلِكَ حُكْمُ رَطْبِهَا، وَيَابِسِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ غَلَّةٌ فَلَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ فِي الرَّهْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا غَلَّةُ الدُّورِ الْمُكْتَرَاةِ وَغَلَّةُ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَهْنًا مَعَ الرِّقَابِ، وَكَذَلِكَ مَالُ الْعَبْدِ لَا يَتْبَعُهُ فِي الرَّهْنِ إلَّا بِالشَّرْطِ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ شَرَطَهُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ شَرَطَهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ لَهُ أَفَادَ بَعْدَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ غَلَّةٌ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: وَلَا مَا وُهِبَ لَهُ قَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ إلَّا أَنْ يَرْبَحَ فِي الْمَالِ الَّذِي شَرَطَهُ فَهُوَ كَمَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ ارْتِهَانُ مَالِ الْعَبْدِ دُونَهُ فَيَكُونُ لَهُ مَعْلُومُهُ وَمَجْهُولُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ إنْ قَبَضَهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَرَرَ وَالْمَجْهُولَ يَصِحُّ ارْتِهَانُهُ كَمَا يَصِحُّ إفْرَادُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ بِالِارْتِهَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَمَنْ ارْتَهَنَ جَارِيَةً، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ الرَّهْنِ فَإِنَّ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّمَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ النَّمَاءِ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَفِرَاخُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا تَلِدُهُ الْأَمَةُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا دُونَ شَرْطٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ فَأَشْبَهَ سِمَنَهَا وَمَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَوُلِدَ لِلْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْوَلَدُ رَهْنٌ مَعَ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّهُ مَالٌ لِلْعَبْدِ فَلَا تَكُونُ رَهْنًا مَعَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالْوَلَدُ نَمَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ فَكَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الرَّهْنِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ شُرِطَ فِي الْأَمَةِ أَنَّهَا رَهْنٌ دُونَ مَا تَلِدُهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا يُرْتَهَنُ الْجَنِينُ دُونَ الْأُمِّ، وَلَيْسَ الْوَلَدُ كَالثَّمَرَةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْجَارِيَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرَّهْنِ كَيَدِهَا أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا تَلِدُهُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَوْ هَذِهِ الْبَقَرَةُ أَوْ هَذِهِ الْغَنَمُ كَمَا يُرْتَهَنُ الْعَبْدُ الْآبِقُ وَالْجَمَلُ الشَّارِدُ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ بِالْبَعْضِ فَإِذَا وَلَدَتْ الْغَنَمُ كَانَ الْوَلَدُ رَهْنًا وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الرَّهْنِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُرْتَهَنَ وَلَدُهَا وَتُبَاعَ مَعَ وَلَدِهَا فَيَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ فِي حِصَّةِ الْآبِقِ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي وَصِيفٍ يُوضَعُ رَهْنًا قَالَ أَمَةٌ تَكُونُ مَعَهُ فِي الرَّهْنِ يُرِيدُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَكَانِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا

[القضاء في الرهن من الحيوان وفيه أبواب]

الْقَضَاءُ فِي الرَّهْنِ مِنْ الْحَيَوَانِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي الرَّهْنِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ يُعْرَفُ هَلَاكُهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَعُلِمَ هَلَاكُهُ فَهُوَ مِنْ الرَّاهِنِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُ الرَّهْنِ فَلَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يُرْهَنُ الصَّبِيُّ حَتَّى يُثْغِرَ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُثْغِرَ إلَّا أَنْ يُرْهَنَ مَعَ أُمِّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَفَرَّقَ مَا بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَوَلَدِ الْجَارِيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» قَالَ: وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِمَّنْ بَاعَ جَارِيَةً أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ، وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ أَنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فَهَذَا عَلَى مَا قَالَ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْجَنِينِ وَحُجَّةُ مَنْ أَرَادَ إلْحَاقَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الثَّمَرَةَ الْمَأْبُورَةَ تَتْبَعُ فِي الرَّهْنِ كَمَا يَتْبَعُ الْجَنِينُ وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤَبَّرَةٍ فَخَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ النَّخْلَ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْمُبْتَاعُ فَهِيَ فِي الْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ، وَفِي الرَّهْنِ مُخَالِفَةٌ لِلْجَنِينِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقُلُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَتْ غَلَّتُهُ لِلْمُبْتَاعِ، وَالرَّهْنُ لَا يَنْقُلُ الرَّهْنَ عَنْ مَالِكِ الرَّاهِنِ فَبَقِيَتْ غَلَّتُهُ لَهُ، وَالْجَنِينُ لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ أُمِّهِ تَبِعَهَا فِي الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ كَسِمَنِهَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهَا فِي بَيْعٍ، وَلَا رَهْنٍ قَالَ مَالِكٌ فِي جُرْحِ الْعَبْدِ الْمُرْتَهَنِ: يُؤْخَذُ لَهُ الْأَرْشُ أَنَّهُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي رَهْنِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلِ دُونَ الْأَصْلِ، وَلَا يَرْهَنُ أَحَدٌ جَنِينًا دُونَ أُمِّهِ، وَهَذَا أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ، وَبَيْنَ الْجَنِينِ إذَا سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ بِالرَّهْنِ أَوْ ثَمَرَةٍ نَبَتَتْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي نَخْلِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ ارْتِهَانُهَا سِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ طَلْعًا. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَجُوزُ ارْتِهَانُ غَلَّةِ الدَّارِ فَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْجَنِينِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا ادَّعَاهُ فِي الْجَنِينِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْفَرْقُ إلَّا عَلَى أَصْلِهِ وَمَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ مَنْ خَالَفَهُ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَنْ يَتَّبِعَا الْأَصَلَ فِي الرَّهْنِ أَوْ لَا يَتَّبِعَانِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ ارْتِهَانُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا دُونَ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْحِرْزُ فِيهَا إلَّا بِقَبْضِ الْأُصُولِ وَمَنْ ارْتَهَنَ زَرْعًا فِي أَرْضٍ دُونَ الْأَرْضِ فَإِنَّ حِيَازَتَهُ بِقَبْضِ الْأُصُولِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ: فَإِنْ فَلِسَ فَالثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ لِلْمُرْتَهِنِ دُونَ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَبْضُ الثَّمَرَةِ إلَّا بِقَبْضِ الْأَصْلِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الرَّهْنِ مِنْهُ جُمْلَةً فَلَا يَبْقَى لَهُ فِي الرَّهْنِ تَصَرُّفٌ بِوَجْهٍ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِتَعَذُّرِ الْحِيَازَةِ، وَيَبْطُلُ بَعْدَ صِحَّةِ الْحِيَازَةِ بِعَدَمِ الْحِيَازَةِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ إذْ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَحُكْمُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا صَحَّتْ بِالْحِيَازَةِ لَا تَبْطُلُ بِرُجُوعِهَا إلَى يَدِ الْوَاهِبِ، وَالرَّهْنُ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ فَلَمْ يَصِحَّ حِيَازَتُهُ إلَّا بِمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ. [الْقَضَاءُ فِي الرَّهْنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ: مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ يُعْرَفُ هَلَاكُهُ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَالِبَ أَمْرِهِ أَنَّ ضَيَاعَهُ يُعْرَفُ وَيُشْتَهَرُ، وَلَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْأَرْضِ وَالدُّورِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ بِالْمَغِيبِ عَلَيْهِ وَالسَّتْرِ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَأَمَّا الْأَرْضُ وَالرِّبَاعُ كُلُّهَا وَأُصُولُ الشَّجَرِ مِمَّا لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ فَأَمْرُهَا ظَاهِرٌ يُعْلَمُ صِدْقُ مُدَّعِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ يَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُعْلَمُ هَلَاكُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَهُوَ لِقِيمَتِهِ ضَامِنٌ يُقَالُ لَهُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ وَتَسْمِيَةِ مَالِهِ فِيهِ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَاكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQضَيَاعَهَا مِنْ كَذِبِهِ. وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَإِنَّ ادِّعَاءَ إبَاقِ الْعَبْدِ، وَهُرُوبِ الْحَيَوَانِ أَمْرٌ لَا يَكَادُ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ كَثِيرًا فِي وَقْتِ الْغَفْلَةِ، وَفِي حِينٍ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا أَخَذَهُ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ الضَّمَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ مَا قَالَ أَشْهَبُ إذَا زَعَمَ أَنَّ الدَّابَّةَ انْفَلَتَتْ مِنْهُ أَوْ الْعَبْدَ كَابَرَهُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ فَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ عُدُولٍ فَلَا يُصَدَّقُونَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ لَمْ يَثْبُتْ كَذِبُهُ وَكَانَ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّصْدِيقِ وَانْتِفَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ فَوُجُودُ غَيْرِ الْعُدُولِ كَعَدَمِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ لَهُ وَعَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ أَهْلُهُ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى مَوْتَهُ فِي الْفَيَافِي وَالْقَفْرِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بِهِ مَنْ يُعْرَفُ بِهِ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرَى وَحَيْثُ يَكُونُ النَّاسُ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ أَهْلُ الْعَدْلِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْتَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ مَاتَتْ دَابَّةٌ لَا نَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ فَوَصَفُوهَا إنْ عَرَفُوا الصِّفَةَ أَوْ لَمْ يَصِفُوهَا قَبْلَ قَوْلِهِ إنَّهَا هِيَ، وَيَحْلِفُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي يَعْلَمُ أَهْلُ الْجِهَةِ الَّتِي مَاتَتْ الدَّابَّةُ بِهَا فَإِذَا عَدِمَ ذَلِكَ عُلِمَ كَذِبُهُ فِيمَا زَعَمَهُ مِنْ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى دَابَّةً مَيِّتَةً سَأَلَ عَمَّنْ مَلَكَهَا، وَلَا يَتَبَيَّنُ صِفَتَهَا بَلْ يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا، وَيُسْرِعُ الْمَشْيَ فِي الْبُعْدِ عَنْهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ كَذِبُ مُدَّعِي ذَلِكَ فِي عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِكَمَالِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ لِأَجْلِ مَا ذَهَبَ مِنْ الرَّهْنِ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا رَهَنَ مِنْ رَاهِنِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: الرَّهْنُ كُلُّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ. وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ارْتَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ وَقَبَضَهُ كُلَّهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِصِفَةٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ دُونَ قِيمَتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ لَا يُضْمَنُ بِقِيمَةِ غَيْرِهِ كَالْوَدِيعَةِ. وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: قُلْت فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إنْ ضَاعَ فَقَالَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ قِيمَةٌ، وَلَا صِفَةٌ لِقَوْلِ الرَّاهِنِ، وَلَا الْمُرْتَهِنِ، وَلَا غَيْرِهِمَا فَهَذَا لَا طَلَبَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْعَلَ قِيمَتَهُ مِنْ أَدْنَى الرَّهْنِ. وَقَدْ ذُكِرَ لِي ذَلِكَ عَنْ أَشْهَبَ وَمَا قُلْت لَك أَوَّلًا هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ، وَأَحَقُّهُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَفِي الْحَدِيثِ إذَا عَمِيَتْ قِيمَتُهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ، وَلَا لَهُ أَصْلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ يُضْمَنُ مِنْهُ قَدْرُ الدَّيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا رُوِيَ فَوْقَ هَذَا مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا جُهِلَتْ صِفَاتُهُ، وَلَمْ يَدَّعِ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ رَاهِنٌ، وَلَا مُرْتَهِنٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إذَا ضَاعَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -.

سَمَّى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّى أَحْلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا سَمَّى الْمُرْتَهِنُ، وَبَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ الَّذِي سَمَّى الْمُرْتَهِنُ فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ مَا فَضَلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهْنِ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى صِفَةِ الرَّهْنِ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ إذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ مِنْ رَهْنٍ يَهْلِكُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يُعْلَمُ هَلَاكُهُ إلَّا بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يُرِيدُ أَنَّهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يُعْلَمَ هَلَاكُ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَنْبَرِ وَالْحُلِيِّ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْجِنْسُ مِنْ الرُّهُونِ إذَا ضَاعَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَقُومَ بِضَيَاعِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا تَقُومُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَعَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي الرَّهْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ لَا يُضْمَنُ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الرُّهُونِ وَالْإِقْرَاضِ وَالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ يَدَّعِي فِيهِ الضَّيَاعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْلَمُ فِيهِ كَذِبُ مُدَّعِيهِ غَالِبًا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ أَمْوَالِ النَّاسِ. وَالْمُرْتَهِنُ يَأْخُذُهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَيَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ فَإِذَا لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا أُلْزِمَ الْمُكْرِي ضَمَانَ مَا يَنْفَرِدُ بِحَمْلِهِ مِنْ الطَّعَامِ لِمَا خِيفَ مِنْ تَسَرُّعِ أَمْثَالِهِ إلَى أَكْلِهِ حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَإِذَا كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِمَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ ظُهُورُهُ فَبِأَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ حُكْمُهَا الضَّمَانُ، وَعَلَى ذَلِكَ أُخِذَتْ فَاسْتَوَى فِيهَا ثُبُوتُ إتْلَافِهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ خَفَاءِ ذَلِكَ كَالرَّهْنِ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ لَمَّا قُبِضَ عَلَى غَيْرِ الضَّمَانِ اسْتَوَى فِيهِ ثُبُوتُ ذَلِكَ أَوْ خَفَاءُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُ وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فِي الْبَحْرِ فِي الْمَرْكَبِ فَيَغْرَقُ الْمَرْكَبُ أَوْ يَحْتَرِقُ مَنْزِلُهُ أَوْ يَأْخُذُهُ لُصُوصٌ مِنْهُ بِمُعَايَنَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ وَقَدْ احْتَرَقَ وَقَالَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَلَا يُصَدَّقُ، وَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ يَكُونَ الِاحْتِرَاقُ أَمْرًا مَعْرُوفًا مَشْهُورًا مِنْ احْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ حَانُوتِهِ فَيَأْتِي بِبَعْضِ ذَلِكَ مُحْتَرِقًا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَدَّعِي احْتِرَاقَ الثَّوْبِ يَكُونُ عِنْدَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ سَبَبُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَقَعَ فِي نَارٍ أَوْ جَاوَرَتْهُ نَارٌ لَمْ تَتَعَدَّ إلَى غَيْرِهِ أَوْ تَعَدَّتْ إلَى يَسِيرٍ يَخْفَى مِثْلُهُ أَوْ يَدَّعِي احْتِرَاقَ ذَلِكَ بِمَا يُعْلَمُ سَبَبُهُ كَاحْتِرَاقِ الْمَنْزِلِ أَوْ الْحَانُوتِ فَإِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ سَبَبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ جَاءَ بِهِ مَحْرُوقًا إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا قَدْ عُلِمَ سَبَبُهُ كَاحْتِرَاقِ مَنْزِلِهِ أَوْ حَانُوتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ ذَلِكَ الثَّوْبَ كَانَ فِيمَا احْتَرَقَ مِنْ حَانُوتِهِ أَوْ مَنْزِلِهِ أَوْ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي تَصْدِيقِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِبَعْضِ ذَلِكَ مَحْرُوقًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ أَتَى بِبَعْضِ ذَلِكَ مَحْرُوقًا صُدِّقَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَانُوتِهِ الَّذِي احْتَرَقَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَادَّعَى احْتِرَاقَ جَمِيعِهِ فَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَفْعِهِ مِنْ الرَّهْنِ فِي الْحَوَانِيتِ حَتَّى يَكُونَ مُتَعَدِّيًا بِنَقْلِهِ عَنْهُ كَأَهْلِ الْحَوَانِيتِ مِنْ التُّجَّارِ الَّذِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِارْتِهَانِ الثِّيَابِ وَرَفْعِهَا فِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَوَانِيتِهِمْ لَا يَكَادُونَ يَنْقُلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْهَا فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُصَدَّقُوا فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ احْتِرَاقِ ذَلِكَ فِيمَا عُرِفَ وَشُوهِدَ مِنْ احْتِرَاقِ حَانُوتِهِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِذَلِكَ فِي طَرْطُوشَةَ عِنْدَ احْتِرَاقِ أَسْوَاقِهَا وَكَثُرَتْ الْخُصُومَةُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَأَنَا مَعَهُمْ بِهَا وَغَالِبُ ظَنِّي أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَظْهَرَ إلَيَّ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ أَيْمَنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ إنَّمَا قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى الضَّمَانِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خَوْفُ ضَمَانِ التَّعَدِّي، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ ضَيَاعِهِ لَا بِضَمَانٍ أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الرَّهْنِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْ احْتِرَاقِ حَانُوتِهِ وَكَانَ هَذَا الرَّهْنُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِي حَانُوتِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِهِ فِيهِ حِينَ احْتِرَاقِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَتَى الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ، وَهُوَ سَاجٌ قَدْ تَأْكُلُهُ السُّوسُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ مَا ضَيَّعَهُ، وَلَا أَرَادَ فِيهِ فَسَادًا، وَإِنْ كَانَ أَضَاعَهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَمْرِهِ حَتَّى أَصَابَهُ بِسَبَبِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: إذَا تَآكَلَتْ الثِّيَابُ عِنْدَ مُرْتَهِنِهَا أَوْ قَرَضَهَا الْفَأْرُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَضَاعَهَا ضَمِنَ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ خِلَافًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ أَمَانَةٌ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ قَبْضَ مَا يُمْلَكُ فَمَنْفَعَتُهُ لِلْقَابِضِ مُؤَثِّرَةٌ فِي الضَّمَانِ كَالشِّرَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ عَلَى حُكْمِ الِارْتِهَانِ فِي الضَّمَانِ مِنْ حِينِ يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى رَاهِنِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى فِيمَنْ سَأَلَكَ سَلَفًا فَأَعْطَاك بِهِ رَهْنًا فَتَلِفَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ السَّلَفُ إلَى الرَّاهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا بِمَعْنَى الِاسْتِيثَاقِ، وَلَوْ دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَا عَلَى الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا بِدَيْنٍ فَاسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَأَدَّاهَا كُلَّهَا إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا ثُمَّ ضَاعَ الرَّهْنُ لَمْ يُنْقِصْهُ مَا أَدَّى مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ لَوَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ ضَمَانِ الرَّهْنِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ دَيْنِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِضَمَانِهِ تَعَلُّقٌ لَكَانَ مَضْمُونًا بِدَيْنِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَهُ بِيَدِك رَهْنٌ فَوَهَبْته الدَّيْنَ ثُمَّ ضَاعَ عِنْدَك الرَّهْنُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّك تَضْمَنُهُ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ فَبَرَاءَةُ الرَّاهِنِ مِمَّا رَهَنَ بِهِ لَا تُغَيِّرُ حُكْمِهِ فِي الضَّمَانِ كَمَا لَوْ قَضَاهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَهَلْ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ قَالَ أَشْهَبُ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِيمَا وَضَعَ مِنْ حَقِّهِ لِيُقَاصَّهُ بِهِ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ شَيْءٌ أَدَّاهُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ حَقَّهُ لِيُتْبَعَ بِقِيمَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَيُّ وَقْتٍ يُرَاعَى فِي قِيمَتِهِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّهْنِ مِنْ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ وَغَيْرِهِ يَوْمَ الضَّيَاعِ لَا يَوْمَ الرَّهْنِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ ارْتَهَنَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ الرَّهْنِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَضْمَنْهُ فَلِذَلِكَ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ ضَاعَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ضَمِنَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا يَوْمَ الرَّهْنِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرَاعَى قِيمَتُهُ يَوْمَ الضَّيَاعِ فَإِنْ جُهِلَتْ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَوَّمْ الرَّهْنُ يَوْمَ الِارْتِهَانِ، وَأَمَّا لَوْ قُوِّمَ الرَّهْنُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَضَاعَ فَتِلْكَ الْقِيمَةُ تَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ زَادَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ نَقَصَا فَيُرَدُّ إلَى قِيمَتِهِ إذَا عُلِمَ بِذَلِكَ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَقْوِيمَهُمَا لِلرَّهْنِ عِنْدَ الرَّاهِنِ اتِّفَاقٌ مِنْهُمَا عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِقْرَارٌ بِذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُحْمَلَانِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ الزِّيَادَةُ فِي ذَلِكَ أَوْ النُّقْصَانُ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ بَعْدَ الضَّيَاعِ، وَيُمْنَعَانِ مِنْ إقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الضَّيَاعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ رَهْنًا ثُمَّ رَهَنَ فَضْلَهُ الْآخَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَبْلَغِ حَقِّهِ مِنْ قِيمَتِهِ، وَهُوَ فِي بَاقِيهِ أَمِينٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الثَّانِي. وَقَالَ أَشْهَبُ ضَمَانُهُ كُلُّهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ بِارْتِهَانِ الثَّانِي الْفَضْلَةَ نَقْلٌ لَهَا إلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ الثَّانِي فِيهَا؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ عَلَى يَدِ أَمِينٍ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ: أَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ بِرَهْنِ غَيْرِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ مِنْهُ كَمَا لَوْ قَضَاهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا قَبَضَ مَا عَلَى الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ، وَطَلَبِ صَاحِبُهُ قَبْضَهُ فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ حَتَّى يَقْتَضِيَهُ أَوْ يُوَافِقَهُ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى حُكْمِ الْوَدِيعَةِ فَيُقِرُّهُ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ يَبِيعُهُ مِنْهُ فَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْمَبِيعِ، وَاَلَّذِي أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ غَيْرُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ، وَلَمْ يُبْقِهِ عِنْدَهُ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقْبِضَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَقُولَ لَهُ هَذَا رَهْنُك فَاقْبِضْهُ فَيَقُولُ اُتْرُكْهُ لِي عِنْدَك وَدِيعَةً فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي انْتِقَالِهِ إلَى حُكْمِ الْوَدِيعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَرَطَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ، وَأَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ فِيهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَرْطُهُ بَاطِلٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ. وَقَالَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَشْهَبَ: شَرْطُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الشَّرْطَ إذَا انْعَقَدَ عَلَى نَقْلِ ضَمَانِهِ مِنْ مَحَلِّهِ لَمْ يَنْقُلْهُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي هَذَا أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ، وَهَذَا حُكْمُ الضَّمَانِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِقَبْضِهَا، وَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّرْطِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فِي مَحَلِّ الضَّمَانِ كَالْمَبِيعِ الْغَائِبِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ لِتَرَدُّدِ الضَّمَانِ عِنْدَهُ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَلِذَلِكَ كَانَ لِلشَّرْطِ فِيهِ تَأْثِيرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: يُقَالُ لَهُ صِفْهُ ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى صِفَتِهِ، وَيُسَمِّي مَا لَهُ فِيهِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي صِفَةِ الرَّهْنِ الَّذِي تَلِفَ، وَلَزِمَ الْمُرْتَهِنَ ضَمَانُهُ إمَّا لِتَعَدِّيهِ أَوْ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ضَيَاعِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الرُّهُونِ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى صِفَةِ الرَّهْنِ حُكِمَ بِقِيمَةِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ وَقِيمَتِهِ؛ وَصَفَهُ الْمُرْتَهِنُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا لَهُ فِيهِ يُرِيدُ إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ قَالَ ثُمَّ: يُقَوَّمُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ فَضْلٌ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ، وَإِنْ كَانَ نَقْصٌ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا سَمَّى، وَبَطَلَ عَنْهُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ نَكَلَ أَدَّى مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَارِمٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُنْكِرُهُ مِمَّا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ مِنْ صِفَةِ الرَّهْنِ، وَيَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَابَلَهُ فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ إلَى مُنْتَهَى قِيمَةِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَلِذَلِكَ جَمَعَتْ لَهُ يَمِينُهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِيَمِينِهِ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَإِنْ حَلَفَ فَكَانَ فِي الْقِيمَةِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ أَدَّى الْفَضْلَ إلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الدَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْقِيمَةِ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى مَا سَمَّاهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ دَيْنِهِ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ مَا فَضَلَ مِنْهُ عَلَى قِيمَةِ رَهْنِهِ إنْ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ وَصِفَتِهِ، وَاتَّفَقَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: قِيمَةُ الرَّهْنِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ عَشَرَةٌ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ مَا قِيمَتُهُ إلَّا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، وَيَسْقُطُ مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِهَا. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِبَقِيَّةِ قَدْرِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ عَشَرَةٌ فَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ بِيَمِينِ الْمُرْتَهِنِ أَدَّى بَاقِيَ الدَّيْنِ سَبْعَةَ دَنَانِيرَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَشْهَدُ لِقِيمَةِ

[الباب الأول في وجوب الحيازة للرهن]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْنِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى يَوْمَ يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ، وَلِذَلِكَ يَرْتَهِنُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ يَوْمَ الرَّهْنِ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ وَتَلِفَ الرَّهْنُ قَبْلَ وَقْتِ بَيْعِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْهَدْ الدَّيْنُ بِقِيمَتِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي سَمَاعِهِ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ رَهَنَ رَهْنًا بِأَلْفِ دِينَارٍ فَقَضَاهَا ثُمَّ أَخْرَجَ إلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُك ثَوْبًا وَشَيْئًا وَوَصَفَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ إذَا تَفَاوَتَ الْأَمْرُ هَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَا يُشْبِهُ، وَيَدَّعِي صَاحِبُهُ مَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي مَا يُشْبِهُ إلَّا أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ شَهَادَةِ الدَّيْنِ لِلرَّهْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الْيَمِينِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ أَنَّ قِيمَةَ رَهْنِهِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَيَحُطُّ عَنْهُ لِلدَّيْنِ عَشَرَةً، وَيَأْخُذُ عَشَرَةً بَقِيَّةَ قِيمَةِ رَهْنِهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مِثْلَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ أَعْطَى الْمُرْتَهِنَ مَا فَضَلَ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ يُرِيدُ أَنَّ الرَّاهِنَ لَمَّا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ مَا رُدَّتْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الرَّهْنِ مِنْ الْقِيمَةِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ فَيُعْطِي الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ مَا فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا عِلْمَ لِي بِقِيمَةِ الرَّهْنِ حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى صِفَتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ إذَا جَاءَ بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُشْبِهُ مِنْ صِفَةِ مَا يُرْهَنُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ عَلَى مَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي الرُّهُونِ، وَإِنَّمَا رَاعَى فِي ذَلِكَ الْأَمْرَ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِصِفَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْقِيقِ الصِّفَةِ عَلَى وَجْهٍ يَحْلِفُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ صِفَتَهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا فَإِذَا أَتَى الرَّاهِنُ بِصِفَةٍ تَبْعُدُ عَنْ مِقْدَارِهَا عِنْدَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى أَنْ يَصِفَهَا بِصِفَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الرَّهْنِ، وَهِيَ دُونَ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا بِهَا الرَّاهِنُ بِكَثِيرٍ فَيُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَسْتَنْكِرُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ سَمِعَ وَصْفَ الرَّاهِنِ ثُمَّ نَكَلَ هُوَ عَنْ الْيَمِينِ وَرُدَّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لَكَانَ لِلرَّاهِنِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يُسْتَنْكَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ حِينَ رُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يَضَعْهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا يَضْمَنُ الرَّهْنَ الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ هُوَ الْحَائِزَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ بِاتِّفَاقِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي ضَيَاعِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَأَمَّا سَائِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي شَهَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَفِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ وَكَوْنِهَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ إتْمَامِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِيَازَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحِيَازَةٍ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَكُونُ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ حِيَازَةً وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَنْ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ يَقُومُ بِالرَّهْنِ، وَيَلِي الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْلَالَ لَهُ وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي حُكْمِ الْعَدْلِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى يَدِهِ الرَّهْنُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ] 1 (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ وَكَوْنِهَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ أَوْ إتْمَامِهِ) لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ السَّفَرُ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا فِي السَّفَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ وَثِيقَةٍ صَحَّتْ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي الْحَضَرِ كَالْكَفَالَةِ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَّا بِالْحِيَازَةِ لَهُ

[الباب الثاني في صفة الحيازة وتمييزها مما ليس بحيازة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرَّهْنِ اللَّازِمَةِ لَهُ وَذَلِكَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فِيهِ فَصَارَ حُكْمُ الرَّهْنِ مُتَعَلِّقًا بِالرَّهْنِ الْمَقْبُوضِ وَإِذَا أَقَرَّ الرَّهْنَ بِيَدِ الرَّاهِنِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ، وَلَا يَهَبَهُ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ مَنْ تَرَاضَيَا بِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَصَفَ الرِّهَانَ بِأَنَّهَا رِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ، وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْقَبْضِ عَلَى مَا يَبْقَى بِيَدِ الرَّاهِنِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا جُعِلَتْ الْحِيَازَةُ شَرْطًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِمَعْنَى الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَكْفِي مِنْ حِيَازَتِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مُعَايَنَةِ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ حِينَ الْحَاجَةِ إلَى الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ رَهْنًا بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ فَلَسِهِ وَقْتَ تَعَلُّقِ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لَهُمَا إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمَا بِصِحَّتِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ أَفْلَسَ وَوُجِدَ الرَّهْنُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِيَدِ الْأَمِينِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ حَتَّى تَعْلَمَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَازَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ صَوَابٌ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا مُعَايَنَةُ الْحَوْزِ لَهَا حِينَ الِارْتِهَانِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ بِيَدِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّهْنِ لَهُ قَبْضُهُ وَحِيَازَتُهُ قَبْلَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ فِي وَقْتِهِ وَقَبْلَ فَوْتِهِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعِنْدِي لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ وُجِدَ بِيَدِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْحَوْزِ بِمَعْنَى كَوْنِ الرَّهْنِ بِيَدِهِ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الْحَوْزُ وَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَنْفَعَ هَذَا حَتَّى يُعَايِنَ تَسْلِيمَ الرَّاهِنِ لَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ سَنُورِدُهَا وَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِيَازَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحِيَازَةٍ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِيَازَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَيْسَ بِحِيَازَةٍ) فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ: فَلَنَا مِنْ الْآيَةِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَأَثْبَتَهَا رِهَانًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْآخَرُ أَنَّ قَوْلَهُ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أَمْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُوجَدَ رَهْنٌ غَيْرُ مَقْبُوضٍ وَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّاهِنَ لَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَسَلَّمَ فَصَحَّ فَيَثْبُتُ أَنَّهُ آمِرٌ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ عَقَدَ وَثِيقَةً كَالْكَفَالَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَكُونُ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحِيَازَةِ لِلرَّهْنِ أَنْ يَقْبِضَهُ الْحَائِزُ لِذَلِكَ أَمْ لَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ عَبْدًا سَنَةً أَوْ أَخَذَ حَائِطًا مُسَاقَاةً ثُمَّ ارْتَهَنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ فَلَا يَكُونُ مُحَوِّزًا لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ مَا فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً لِلْمُرْتَهِنِ كَاَلَّذِي يُخْدِمُ الْعَبْدَ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى آخَرَ فَحَوْزُ الْمُخْدَمِ حَوْزٌ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ رَهَنَ عَيْنًا كَانَ غَصَبَهَا قَبْلَ ذَلِكَ صَحَّ وَسَقَطَ ضَمَانُ الْغَصْبِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا رَهْنٌ بَقِيَ بِيَدِ مَنْ اسْتَحَقَّ قَبْضَهُ قَبْلَ الرَّهْنِ فَلَمْ يَكُنْ مَحُوزًا كَمَا لَوْ بَقِيَ بِيَدِ الرَّاهِنِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ احْتِجَاجِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَهَنَ بَيْتًا مِنْ دَارٍ بِمَا يَلِيهِ مِنْ الدَّارِ فَحَازَ الْمُرْتَهِنُ بِغَلْقٍ أَوْ كِرَاءٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ حَدَّ لَهُ نِصْفَ الدَّارِ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَإِنْ لَمْ يَحُدَّهُ، وَلَكِنَّهُ رَهَنَهُ الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ، وَنِصْفُ الدَّارَ شَائِعًا فَحِيَازَتُهُ لِلْبَيْتِ تَكْفِيهِ، وَهِيَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحِيَازَةٌ لِلْجَمِيعِ وَكَذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ فَحِيَازَةُ الْمُرْتَهِنِ بِغَلْقِ الْبَيْتِ أَنَّ غَلْقَهُ لِلْبَيْتِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ حِيَازَةٌ لَهُ، وَسَائِرُ مَا ارْتَهَنَ مِنْ الدَّارِ، وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ وَاخْتَارَ أَصْبَغُ أَنْ يَحُدَّ لَهُ مَا احْتَازَهُ مِنْ الدَّارِ بِحُدُودٍ تُضْرَبُ فِيهِ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ لَهُ حَتَّى يَتَمَيَّزَ الرَّهْنُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ إنْ حَازَ الْبَيْتَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ مُعْظَمُ الرَّهْنِ وَالْبَاقِيَ تَبَعٌ لَهُ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَبْنِيًّا عَلَى جَوَازِ حِيَازَةِ الْمُشَاعِ مَعَ غَيْرِ الرَّهْنِ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ بَقِيَّةُ الدَّارِ لِغَيْرِ الرَّاهِنِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ارْتَهَنَ الدَّارَ، وَفِيهَا طَرِيقٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَسْلُكُهَا الرَّاهِنُ وَغَيْرُهُ قَالَ: إذَا حَازَ الْبُيُوتَ لَمْ يَضُرَّهُ الطَّرِيقُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَرَاعَى فِي الْحِيَازَةِ الْبُيُوتَ دُونَ السَّاحَةِ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلْبُيُوتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ رَهْنُ الْمُشَاعِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ قَبْضُهُ بِالْبَيْعِ صَحَّ ارْتِهَانُهُ كَالْمَقْسُومِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا يَخْلُو مِنْ رَهْنِ نِصْفِ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِأَشْهَبَ مَنْ كَانَ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ أَوْ نِصْفُ دَابَّةٍ أَوْ مَا يُنْقَلُ، وَيُحَوَّلُ كَالثَّوْبِ وَالسَّيْفِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ حِصَّتَهُ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ بَيْعَ نَصِيبَهُ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ اُنْتُقِضَ الرَّهْنُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ ذَلِكَ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ، وَلَا لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى جَمِيعُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَى الْأَجَلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ عَلَى يَدِ الشَّرِيكِ، فَأَرَادَ الشَّرِيكُ بَيْعَ نَصِيبِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ بِيَدِهِ إلَى الْأَجَلِ جَازَ، وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالثَّوْبِ فِي الْغَائِبِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدِي لَا يَمْنَعُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ رَهْنَ نَصِيبٍ مِنْهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ إنْ شَاءَ بِأَنْ يُفْرِدَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِأَنْ يَدْعُوَ الرَّاهِنُ إلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّهْنِ فَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا فَإِنْ كَانَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ بَدَلٍ مِنْهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إلَّا أَنْ يَحْتَمِلَ ذَلِكَ الْقِسْمَةَ فَيُقْسَمُ وَتَصِيرُ حِصَّةُ الرَّاهِنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّ الْحَوْزَ فِيهِ يَكُونُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنْ يَحِلَّ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ مَحَلَّ الرَّاهِنِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يَتِمُّ فِيهِ الْحَوْزُ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلَ جَمِيعَهُ عَلَى يَدَيْ الشَّرِيكِ قَالَ أَشْهَبُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا رَهْنٌ لِجُزْءٍ مُشَاعٍ فَجَازَ أَنْ يُحَازَ بِأَنْ يَحِلَّ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ مَحَلَّ الرَّاهِنِ مَعَ شَرِيكِهِ كَالدَّارِ وَالْحَمَّامِ وَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ فِي الدَّارِ وَالْحَمَّامِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُمَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ وَقَالَا، وَهَذِهِ حِيَازَةُ مَا لَا يُزَالُ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا فَإِنَّ حِيَازَتَهُ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ لِجَمِيعِهِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ هُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ وَاحِدًا لَا يَنْقَسِمُ بِيعَ فَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ ثُمُنَ مَا لِلرَّاهِنِ يَتَعَجَّلُهُ مِنْ دَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ فَيُبَاعُ بِدَنَانِيرَ أَوْ يَكُونَ دَيْنُهُ دَنَانِيرَ فَيُبَاعُ بِدَرَاهِمَ وُقِفَ رَهْنًا إلَى الْأَجَلِ قَالَ: وَلَوْ رَهَنَك النِّصْفَ ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَ النِّصْفِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الرَّهْنُ إلَى أَجَلِهِ، وَيَحُوزُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ النِّصْفَ الثَّانِيَ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ لِنِصْفِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ فَرَهَنَ نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ بِيَدِ الرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُسَلِّمَ جَمِيعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ إلَى الْعَدْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالرِّبَاعِ فَإِنَّهُ إنْ رَهَنَهُ نِصْفَ دَارٍ لَهُ جَمِيعًا جَازَ ذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: فَيَقُومُ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الرَّاهِنِ يُكْرِيَانِهِ جَمِيعًا أَوْ يَحُوزَانِهِ أَوْ يَضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِمَا، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَبْضَهُ أَنْ يَحُوزَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَهَذَا إنْ أَشَارَ بِهِ إلَى الْجُزْءِ الَّذِي ارْتَهَنَ فَمُوَافِقٌ لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَإِنْ أَشَارَ بِهِ إلَى جَمِيعِ مَا رَهَنَ بَعْضَهُ فَمُخَالِفٌ لَهُ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا حِيَازَةَ فِيهِ إلَّا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ يَدِ عَدْلٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ حِيَازَةً فِي الْهِبَةِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ حِيَازَةً فِي الرَّهْنِ كَقَبْضِ الْكُلِّ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الْهِبَةَ لَمَّا كَانَتْ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا الْفَسَادُ بَعْدَ تَمَامِهَا بِالْحِيَازَةِ جَازَ أَنْ يَكْفِيَ فِيهَا مِنْ الْحِيَازَةِ قَبْضُ الْحِصَّةِ الْمَوْهُوبَةِ، وَالرَّهْنُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ بَعْدَ تَمَامِهِ بِالْحِيَازَةِ فَلَمْ تَصِحَّ حِيَازَتُهُ إلَّا بِمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْهُ جُمْلَةً. (فَرْعٌ) وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ حِصَّةً مِنْ دَارٍ ثُمَّ اكْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ حِصَّتَهُ لَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الرَّهْنَ فِي الْحِصَّةِ الَّتِي رَهَنَ، وَلِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ مِنْ سُكْنَى الْحِصَّةِ الَّتِي اكْتَرَى حَتَّى يُقَاسِمَهُ فَيَحُوزُ حِصَّةَ الرَّهْنِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَزَادَ أَشْهَبُ وَيَمْنَعُهُ الْقِيَامُ بِالْحِصَّةِ الَّتِي اكْتَرَى حَتَّى يَجْعَلَ مَا اكْتَرَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِيَدِهِ لِيَتِمَّ الْحَوْزُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَهُ لِمَنَافِعِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ لَا يَمْنَعُ مِنْ حِصَّةِ حِيَازَةِ الرَّهْنِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مِلْكُهُ لِمَنَافِعِ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ سُكْنَاهُ إيَّاهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ فَعَلَهُ فِي حِصَّةِ الرَّهْنِ لَأَبْطَلَ حِيَازَتَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ صِحَّةِ حِيَازَةِ الرَّهْنِ أَنْ تَتَّصِلَ حِيَازَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ أَحْدَثَ الرَّاهِنُ فِيهِ حَدَثًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَكُلُّ مَا فَعَلَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ نَافِذٌ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَنْفُذْ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ الْأَمَةُ أَوْ يَبِيعُهَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ، وَلَوْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِطَلَبِ حِيَازَةِ الرَّهْنِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ الرَّاهِنُ أَوْ يُحْدِثَ مَا ذَكَرْنَاهُ قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْفُذُ عِتْقُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي مِثْلُ قَوْلِنَا فَإِنْ حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَدِ عَدْلٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِإِجَارَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: قَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي سُكْنَى الدَّارِ لَخَرَجَتْ عَنْ الرَّهْنِ قَالَ هُوَ وَأَشْهَبُ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي زِرَاعَةِ الْأَرْضِ فَزَرَعَهَا، وَهِيَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ الرَّهْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عُدِمَتْ الصِّفَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ كَوْنِهِ رَهْنًا، وَهِيَ الْحِيَازَةُ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَأَكْرَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بَعْدَ أَنْ حَازَهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ الرَّهْنِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى ذِمَمِ الْوَرَثَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ ثُمَّ قَامَ الْمُرْتَهِنُ يُرِيدُ رَدَّ ذَلِكَ لِيَصِحَّ رَهْنُهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِتَحْبِيسٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قِيَامِ غُرَمَائِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعَارَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي الْعَارِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: إنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَجَّلَةً فَلَيْسَ لَهُ ارْتِجَاعُ الرَّهْنِ بَعْدَ أَنْ يُعِيرَهُ إلَّا أَنْ يُعِيرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ بَعْدَ الْأَجَلِ كَالْإِجَارَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ جُعِلَ عَلَى يَدَيْهِ إذَا أَكْرَاهُ مِنْ الرَّاهِنِ بِعِلْمِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ سَكَتَ حِينَ عَلِمَ بِذَلِكَ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ، وَلَوْ أَكْرَاهُ بِإِذْنِهِ أَوْ تَرَكَ الْفَسْخَ حِينَ أُعْلِمَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَكْرَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ

[الباب الثالث فيمن يصح وضع الرهن على يده]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْنِ لَا يَمْنَعُ تَلَافِيَهُ قَبْلَ فَوْتِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ قَبْضَهُ وَقْتَ الرَّهْنِ ثُمَّ قَامَ يُرِيدُ قَبْضَهُ قَبْلَ فَوْتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْقَبْضَ الْوَاجِبَ لِحَقِّ الرَّهْنِ قَدْ وَجَبَ أَوَّلًا فَإِذَا رَدَّهُ فَقَدْ تَرَكَ حَقَّهُ وَرَدَّهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ فَاتَ قَبْلَ الِارْتِجَاعِ بِعِتْقٍ أَوْ تَحْبِيسٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالرَّاهِنُ عَدِيمٌ رُدَّ لِعُدْمِهِ، وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ، وَلَا يُعَجَّلُ مِنْ ثَمَنِهِ الدَّيْنُ، وَلَا يُوضَعُ لَهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمُرْتَهِنِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (فَصْلٌ) : وَهَذَا فِي حِيَازَةِ الْأَعْيَانِ، وَأَمَّا الدُّيُونُ فَارْتِهَانُهَا جَائِزٌ قَالَهُ مَالِكٌ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دَيْنٌ لَهُ ذِكْرُ حَقٍّ أَوْ دَيْنٌ لَا ذِكْرَ لَهُ فَإِنْ كَانَ دَيْنٌ لَهُ ذِكْرُ حَقٍّ فَحِيَازَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذِكْرَ الْحَقِّ، وَيَشْهَدَ لَهُ بِهِ فَهَذَا جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي حِيَازَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلدَّيْنِ ذِكْرُ حَقٍّ فَهَلْ يُجْزِئُ فِيهِ الْإِشْهَادُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذِكْرُ حَقٍّ فَأَشْهَدَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَنَحْوِهِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذِكْرُ حَقٍّ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا كَانَ فِيهِ ذِكْرُ حَقٍّ جَازَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْإِشْهَادَ أَقْوَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ غَايَةُ مَا يُتَوَثَّقُ بِهِ، وَيُصْرَفُ بِهِ الْمَالُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ إعْلَامِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِرِضَاهُ فِي ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِإِعْلَامِهِ عَلَى مَعْنَى الْإِشْهَادِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كَانَ أَجَلُ الدَّيْنِ إلَى مِثْلِ أَجَلِ الَّذِي رُهِنَ بِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَجَلُ الدَّيْنِ الَّذِي رُهِنَ بِهِ أَقْرَبَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّهْنِ بَعْدَ مَحَلِّهِ رَهْنًا كَالسَّلَفِ فَصَارَ فِي الْبَيْعِ بَيْعًا وَسَلَفًا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ بِيَدِ عَدْلٍ إلَى مَحِلِّ أَجَلِ الدَّيْنِ الَّذِي رُهِنَ بِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ الرَّهْنُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَكَانَ الْأَجَلُ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَى سِلْعَةً يُرِيدُ إلَى شَهْرَيْنِ عَلَى أَنْ يُؤَخَّرَ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ أَوْ الْمُؤَجَّلِ إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَهُوَ بَيْعٌ وَسَلَفٌ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إلَى شَهْرَيْنِ فَاشْتَرَى سِلْعَةً إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَا يَقْضِي دَيْنَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِهِ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي هُوَ الرَّهْنُ إلَى أَجَلِهِ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ بِيعَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَسَلَّفَ مِنْ امْرَأَتِهِ دَرَاهِمَ وَرَهَنَهَا بِهَا خَادِمًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: أَحَبُّ إلَيَّ لَوْ جَعَلَاهَا بِيَدِ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: ذَلِكَ حَوْزٌ لَهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ إلَّا رَقَبَةَ الْبَيْتِ فَلَا يَكُونُ سُكْنَاهَا فِيهَا حَوْزًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا مَبْنِيًّا عَلَى صِحَّةِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ مَا رَهَنَهُ الزَّوْجُ أَوْ مَنْعُ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجَةِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَالْمَنْزِلَ مَنْزِلُ الزَّوْجِ فَلَا يُحَازُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَصْبَغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَصِحُّ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَصِحُّ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ) فَإِذَا كَانَ يَتِيمٌ لَهُ وَلِيَّانِ فَإِنْ رَهَنَ مِنْهُمَا رَهْنًا بِدَيْنٍ عَلَى الْيَتِيمِ فَوُضِعَ عَلَى يَدِ أَحَدِهِمَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَتِمُّ فِيهِ الْحَوْزُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا، وَلَا يَحُوزُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ارْتَهَنَ حَائِطًا فَجُعِلَ عَلَى يَدِ الْمُسَاقِي فِيهِ أَوْ الْأَجِيرِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ حَتَّى يُجْعَلَ عَلَى يَدِ غَيْرِ مَنْ فِي الْحَائِطِ، وَلْيَجْعَلْ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الْمُسَاقِي رَجُلًا يَسْتَخْلِفُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ عَلَى يَدِ مَنْ يَرْضَيَانِ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ كَانَ رَهَنَ نِصْفَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ وَالْقَيِّمِ، وَإِنْ كَانَ رَهَنَ جَمِيعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُسَاقِيَ وَالْأَجِيرَ لَمَّا كَانَا عَامِلَيْنِ لِلرَّاهِنِ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا لَهُ فَلَا

[الباب الرابع فيمن يوضع على يديه الرهن عند اختلاف المتراهنين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصِحُّ الْحِيَازَةُ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ بِيَدِ الرَّاهِنِ أَوْ بِيَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا لَوْ رَهَنَ نِصْفَ الْحَائِطِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ يَدَ الْأَجِيرِ إنَّمَا نَابَتْ عَنْ يَدِ الرَّاهِنِ بِأَمْرِهِ فَإِذَا بَقِيَ لَهُ أَمْرٌ فِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ لِبَقَاءِ بَعْضِهِ غَيْرَ مَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَائِزًا مَحُوزًا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ فَقَدْ زَالَتْ يَدُ الْأَجِيرِ عَنْ جَمِيعِ الرَّهْنِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَصَارَ الرَّهْنُ بِيَدِهِ لِمَعْنًى آخَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُوضَعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ غَيْرِ الرَّاهِنِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا وُضِعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ قَيِّمِ رَبِّهِ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُرْهَنُ بَعْضُهُ فَلَيْسَ بِحَوْزٍ، وَإِنْ رُهِنَ جَمِيعُهُ فَذَلِكَ حِيَازَةٌ إلَّا فِي عَبْدِهِ قَالَ: وَحَوْزُ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ الرَّهْنَ لَيْسَ بِحَوْزٍ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَدَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَحُوزًا مَعَ بَقَائِهِ بِيَدِ الرَّاهِنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا وَضْعُ الرَّهْنِ بِيَدِ زَوْجَةِ الرَّاهِنِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ: أَنَّهُ إنْ حِيزَ الرَّهْنُ بِذَلِكَ عَنْ رَاهِنِهِ حَتَّى لَا يَلِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْضَى فِيهِ فَهُوَ رَهْنٌ ثَابِتٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يُفْسَخُ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ: أَنَّ الزَّوْجَةَ تَحُوزُ لِنَفْسِهَا عَنْهُ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَحُوزَ لِغَيْرِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نَوْعٌ مِنْ الْحَجْرِ، وَلِذَلِكَ هِيَ مَمْنُوعَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَمْ تَحُزْ الرَّهْنَ عَلَى الزَّوْجِ كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا وَضْعُ الرَّهْنِ بِيَدِ أَخِي الرَّاهِنِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ الرَّهْنُ عَلَى يَدِ أَخِي الرَّاهِنِ وَذَلِكَ لِضَعْفِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: أَمَّا فِي الْأَخِ فَذَلِكَ رَهْنٌ تَامٌّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الرَّهْنَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُنَافَاةِ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ وَالْمُعْتَادُ مِنْ حَالِ الْأَخِ أَنْ لَا يَمْنَعَ أَخَاهُ مِنْ مِثْلِ هَذَا فَلِذَلِكَ ضَعُفَتْ حِيَازَتُهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِنَفْسِهِ بَائِنٌ عَنْهُ بِمِلْكِهِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ ابْنِ الرَّاهِنِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الِابْنُ فِي حِجْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَمَّا الِابْنُ الْمَالِكُ لِأَمْرِ نَفْسِهِ الْبَائِنُ عَنْ أَبِيهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ عَلَى يَدِ ابْنِهِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ وُضِعَ عَلَى يَدِهِ فُسِخَ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ هَذَا فِي الصَّغِيرِ، وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْبَائِنُ عَنْهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فِي الِابْنِ وَالْبِنْتِ وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَنْ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَنْ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ) فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْهِ جَازَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ، فَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فَيَرُدَّ مِثْلَهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: لَا أُحِبُّ ارْتِهَانَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ إلَّا مَطْبُوعَةً لِلتُّهْمَةِ فِي سَلَفِهَا فَإِنْ لَمْ تُطْبَعْ لَمْ يَفْسُدْ الرَّهْنُ، وَلَا الْبَيْعُ، وَيُسْتَقْبَلُ طَبْعُهَا مَتَى عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ دُونَ الْأَمِينِ وَمَا أَرَى ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَيَخْفَى فِي الْعَيْنِ فَالتُّهْمَةُ فِيهِ أَبْيَنُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ أَنَّهُ يَجُوزُ ارْتِهَانُهَا إذَا طُبِعَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَجَمِيعُ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ إذَا طُبِعَ عَلَيْهَا وَحِيلَ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ، وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ قَالَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يُؤْكَلُ وَالْعَيْنَ تُنْفَقُ، وَيُؤْتَى بِمِثْلِهَا وَالثِّيَابُ وَالْحُلِيُّ لَا يُؤْتَى بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَرَطَ كَوْنَهَا عَلَى يَدِ أَمِينٍ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَطْبَعَ مِنْهَا عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إنَّهُمَا إذَا اخْتَصَمَا فِي ذَلِكَ قِيلَ لَهُمَا اجْعَلَاهُ عَلَى يَدِ مَنْ رَضِيتُمَا فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَى بِأَحَدٍ جَعَلَهُ الْقَاضِي عِنْدَ مَنْ يَرْضَاهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا شَرَطَا مَنْ يُوضَعُ عَلَى يَدِهِ لَزِمَهُمَا ذَلِكَ

[الباب الخامس فيمن يلي الرهن ويقوم به من الإنفاق عليه والاستغلال له]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَرَضِيَا بِهِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمَا، وَلَزِمَهُمَا مَنْ رَضِيَا بِهِ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ كَمَا لَزِمَهُمَا عِنْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَائِدٌ إلَى الْحُكْمِ كَمَالٍ لِلْيَتِيمِ لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ مَالٍ لِلْغَائِبِ لَا وَكِيلَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يُوضَعَ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ إذَا أَبَاهُ قَالَ: لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ ضَمَانَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْأَمِينُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ عَلَى يَدِهِ، وَلَكِنْ عَلَى يَدِ مَنْ يَرْضَى الْمُتَرَاهِنَانِ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يُعْلِمَهُمَا بِمُؤَنِهِ ثُمَّ إنْ شَاءَ إقْرَارَهُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ جُعِلَ بِيَدِ أَفْضَلِ الرَّجُلَيْنِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ يَلِي الرَّهْنَ وَيَقُومُ بِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْلَالِ لَهُ] (الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ يَلِي الرَّهْنَ وَيَقُومُ بِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْلَالِ لَهُ) رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَلِي كِرَاءَ الرَّهْنِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَأْمِرَ الرَّاهِنَ إنْ حَضَرَ فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ مَضَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الرَّاهِنُ بِالْكِرَاءِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَلِي كِرَاءَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ وُضِعَ عَلَى يَدِهِ يَلِي ذَلِكَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ وَوَضْعَهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَقْتَضِي أَنْ يَلِيَ كِرَاءَهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَوَلِّيَهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الرَّهْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الرَّهْنُ عَلَى تَضْيِيعِ الْغَلَّةِ فَاقْتَضَى عَقْدُ الرَّهْنِ أَنْ يَلِيَ كِرَاءَهُ مَنْ وُضِعَ عَلَى يَدِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الرَّاهِنِ لَا يَقْتَضِي حِفْظَ الْمُرْتَهِنِ لِلْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي حِفْظِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَلِيَ كِرَاءَهُ وَاسْتِغْلَالَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ مَنْعُ الرَّاهِنِ مِنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ كَمَا لَهُ بِعَقْدِ الرَّهْنِ مَنْعُ الرَّاهِنِ مِنْ الْقِيَامِ بِحِفْظِ الرَّهْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُحَابِيَ فِي كِرَاءِ الرَّهْنِ فَإِنْ حَابَى ضَمِنَ الْمُحَابَاةَ وَقَضَى الْكِرَاءَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ إلَيْهِ فَإِذَا عَقَدَهُ لَزِمَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكِرَاءَ فَإِنْ حَابَى بِشَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ هِبَةٌ مِنْهُ لِلْمُكْتَرِي فَعَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي حَابَى بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ صَارَ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي كِرَاءِ الرَّهْنِ يَلْزَمُهُ فِعْلُ مَنْ وُضِعَ عَلَى يَدِهِ فِيهِ مِنْ الْعَقْدِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا حَابَى فِيهِ مِنْ قِيمَةِ مَنْفَعَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعَجِّلَ الدَّيْنَ، وَيَفْسَخَ الْكِرَاءَ فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ بِلَا وَجِيبَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُهُ، وَإِنْ كَانَ بِوَجِيبَةٍ فَلِلرَّاهِنِ فَسْخُهُ، وَإِنْ كَانَ أَجَلُهُ دُونَ أَجَلِ الدَّيْنِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ كَانَتْ وَجِيبَةً إلَى أَجَلِ الدَّيْنِ، وَأَدْوَنَ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ فَسْخُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِ الدَّيْنِ فَلَهُ فَسْخُ مَا زَادَ عَلَيْهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ بَيْنَ الْوَجِيبَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ إذَا انْعَقَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَتَقَدَّرُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ بِفَوَاتِ زَمَانٍ، وَإِنْ أُغْلِقَ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ وَقُدِّرَ بِزَمَانٍ انْفَسَخَ بِفَوَاتِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ: أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَى اللُّزُومِ فَإِذَا لَزِمَ مَا تَقَدَّرَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ فِيمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ اسْتَدَامَ بَقَاءَ الدَّيْنِ إلَى أَجَلِهِ فَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّرَ مِنْهُ بِالزَّمَانِ قَالَ أَصْبَغُ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا لَمْ أَرَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِوَجِيبَةٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَلْزَمْ الرَّاهِنَ إذَا عَجَّلَ الدَّيْنَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا تَرَكَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُكْرِيَ الدَّارَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدُّورِ الَّتِي لَهَا قَدْرٌ كَدُورِ مَكَّةَ وَمِصْرَ أَوْ كَانَ الْعَبْدُ نَبِيلًا ارْتَفَعَ ثَمَنُهُ لِخَرَاجِهِ فَيَدَعُهُ لَا يُكْرِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَجْرِ مِثْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبِيرُ كِرَاءٍ، وَمِثْلُهُ قَدْ يُكْرِي، وَلَا يُكْرِي لَمْ يَضْمَنْهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عَلَى الْكِرَاءِ يَتْرُكُ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الرَّاهِنَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي كِرَاءِ دَارِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرُبُعِهِ الَّذِي رَهَنَهُ وَذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ فَإِذَا ضَيَّعَهُ لَزِمَهُ مَا ضَيَّعَ وَتَعَدَّى بِتَرْكِهِ وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ إلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَكْرَى الرَّاهِنُ الدَّارَ بِأَمْرِ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَلَكِنْ يُكْرِيهِ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَلِيَهُ الْمُكْتَرِي، وَيَدْخُلَ مَعَهُ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ فِي حُكْمِ مَا هُوَ فِي يَدِهِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا قُلْتُ: إنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ إذَا بَاعَهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ يَبِيعُهُ لِنَقْضِ رَهْنِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ يَجُوزُ إنْ ارْتَهَنَ حِصَّةَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الطَّعَامِ فَإِنْ أَرَادَ شَرِيكُهُ قِسْمَتَهُ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أُمِرَ أَنْ يَحْضُرَ فَيُقَاسِمَ شَرِيكَهُ وَالرَّهْنُ كَمَا هُوَ بِيَدِهِ، فَهَذَا وَجْهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَيَحْتَمِلُ الْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَيْعُهُ وَمُقَاسَمَتُهُ بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِيهِ وَمُبَاشَرَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ يَدُهُ يَدُ مَنْ أَكْرَاهُ مِنْهُ فَإِذَا بَاشَرَ الرَّاهِنُ الْكِرَاءَ فَقَبَضَهُ الْمُكْتَرِي انْتَقَصَ بِذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ الرَّاهِنُ، وَإِذَا بَاشَرَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَانْتَقَلَ بِكِرَائِهِ إلَى الْمُكْتَرِي فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ فَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إنْ أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدُ الْمُعِيرِ، وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ، وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ انْتَقَلَ إلَى يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الثَّمَنَ فَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ قِسْمَةُ الطَّعَامِ لَا تَنْقُلُ الرَّهْنَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى يَدِ الرَّاهِنِ، وَلَا إلَى مَنْ يَدُهُ فِي حُكْمِ يَدِ الرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلِذَلِكَ جَازَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ الْكَرْمُ رَهْنًا بِيَدِ عَدْلٍ فَأَتَى رَبُّهُ بِحَفَّارٍ يَحْفِرُهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَا يَحْضُرُ حَفْرَهُ، وَلَا يَأْتِي بِحَفَّارٍ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهِ الْمُرْتَهِنُ، وَهُوَ يَأْمُرُ بِالْحَفْرِ وَمِنْ حَيْثُ يَبْدَأُ وَكَذَلِكَ حَرْثُ الْأَرْضِ، فَهَذَا وَجْهُ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَعَمَلُ الْحَائِطِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَرَمَّةُ الدَّارِ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الرَّهْنَ يَخْرُبُ، وَيَفْسُدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تَهَوَّرَتْ الْبِئْرُ الْمُرْتَهَنَةُ فَعَلَى الرَّاهِنِ إصْلَاحُهَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا غَرِمَ الْمُرْتَهِنُ خَرَاجَ الْأَرْضِ الْمُرْتَهَنَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا مَظْلَمَةٌ، وَكَذَا اخْتِزَانُ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مِمَّا يُخْتَزَنُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُخْتَزَنُ عَلَى الرَّاهِنِ مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ فَلَا كِرَاءَ فِيهِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَأَمَّا الرَّهْنُ يَحِلُّ بَيْعُهُ بِحَيْثُ لَا سُلْطَانَ بِهِ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَبِيعُهُ إلَّا بِجُعْلٍ فَقَدْ رَوَى عِيسَى، وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجُعْلَ عَلَى مَنْ طَلَبَ الْبَيْعَ قَالَ عِيسَى: وَمَا أَرَى الْجُعْلَ إلَّا عَلَى الرَّاهِنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَلَى الرَّاهِنِ صَرْفَ الرَّهْنِ إلَى صِفَةٍ يَقْتَضِي مِنْهَا الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَعْلُ صَرْفِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمُرْتَهَنُ فَكَفَنُهُ وَدَفْنُهُ عَلَى رَاهِنِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِنْ مُؤْنَتِهِ وَذَلِكَ لَازِمٌ لِمَالِكِهِ دُونَ مُرْتَهِنِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَهُوَ سَلَفٌ، وَلَا يَكُونُ فِي الرَّهْنِ إلَّا بِشَرْطٍ سَوَاءٌ أَنْفَقَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَيْسَ كَالضَّالَّةِ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الرَّاهِنَ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فِي غَيْبَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ هُوَ مِثْلُ الضَّالَّةِ وَالرَّهْنُ بِهَا رَهْنٌ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ مَنْعُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَهْلَكُ إنْ كَانَ حَيَوَانًا، وَيَخْرُبُ إنْ كَانَ رَبْعًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يَلْزَمُ الرَّاهِنَ الْإِنْفَاقُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ ارْتَهَنَ زَرْعًا أَوْ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَانْهَارَتْ بِئْرُهَا، وَأَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ يَكُونُ مَا أَنْفَقَ فِي رِقَابِ النَّخْلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَيَبْدَأَ بِمَا أَنْفَقَ قَبْلَ الدَّيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِصْلَاحِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي ارْتَهَنَهَا قَدْ تَغَيَّرَتْ فَلَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ بَدَلُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَيَوَانُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ نَفَقَةٌ يَحْيَا بِهَا الرَّهْنُ فَلَزِمَتْ الرَّاهِنَ كَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ، وَلَمْ يَقْضِ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَرَا الرَّهْنَ عَنْ شَرْطٍ أَوْ يَكُونَ جَعَلَ الرَّاهِنُ بَيْعَهُ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ شَرْطٌ فَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ بَيْعُهُ، وَيُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ بَيْعَهُ قَالَ، وَلَا يَبِيعُهُ إلَّا رَبُّهُ أَوْ السُّلْطَانُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَلَا يَلِي أَحَدٌ بَيْعَ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَأْبَى مِنْ الْحَقِّ فَيَبِيعُهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ شُرِطَ لَهُ بَيْعُهُ عِنْدَ الْأَجَلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ قَدْ شَرَطَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالدَّيْنِ إلَى الْأَجَلِ وَاَلَّذِي هُوَ بِيَدِهِ مُسَلَّطٌ عَلَى بَيْعِهِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَانَ عَلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ فَلَا يَفْعَلُ وَشَدَّدَ فِيهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مَا أَرَى بَيْعَهُ جَائِزًا إلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَإِنْ شُرِطَ ذَلِكَ. وَقَالَ عِيسَى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَيَصِحُّ كَالْوَكَالَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فَإِنْ بَاعَهُ نَفَذَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يُرَدَّ فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ كَانَ لَهُ بَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا أَصَابَ وَجْهَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ بِإِذْنِ رَبِّهِ. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَمْضِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ بَالٌ كَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَمَا لَهُ بَالٌ فِي الْقَدْرِ أَيْضًا فَلْيُرَدَّ إنْ لَمْ يَفُتْ فَإِنْ فَاتَ أَمْضَى إلَّا أَنْ يُعْلَمَ لَهُ صِفَةٌ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِمَّا بِيعَ بِهِ فَيُضْمَنُ الْفَضْلُ قَالَ: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: أَمَّا الْقَصَبُ وَالْقِثَّاءُ، وَمَا يُبَاعُ مِنْ الثَّمَرِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَلْيُبَعْ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ كَمَا شُرِطَ وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالدُّورُ وَالثِّمَارُ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّلْطَانِ وَقَالَ أَشْهَبُ: وَهَذَا بِمَوْضِعِ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا بَلَدٌ لَا سُلْطَانَ بِهِ فِيهِ أَوْ سُلْطَانٌ يَعْسُرُ تَنَاوُلُهُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ إذَا صَحَّ وَأُمِنَ الْغَرَرُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَحَكَى عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ اشْتِرَاءَ الْقَصَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَبْقَى مِثْلُهُ أَوْ يَنْقُصُ بِبَقَائِهِ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُوَكَّلِ عَلَى الْبَيْعِ يَبِيعُهُ، وَإِنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ رَبْعًا تَكْثُرُ قِيمَتُهُ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ فَقَدْ كُرِهَ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إذَا غَابَ رَبُّهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرَّبْعِ وَغَيْرِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ بِمَنْعِ الْبَيْعِ أَنَّهُ بَائِعٌ بِسَبَبِ نَفْسِهِ فَتَقْوَى فِيهِ التُّهْمَةُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِ الرَّهْنِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ كَالْأَجْنَبِيِّ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ فَسْخَ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: لَهُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَذِهِ وَكَالَةٌ إذَا شُرِطَتْ فِي الْعَقْدِ صَارَتْ مِنْ مُوجِبَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ فَسْخُهَا كَإِمْسَاكِ الرَّهْنِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ عَقْدُ وَكَالَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَبَيْعُ الرَّهْنِ مُخْتَلِفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَأَمَّا الْيَسِيرُ الثَّمَنِ فَيُبَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَفِي الْأَيَّامِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَفِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْفَارِهَةُ وَالدَّارُ وَالْمَنْزِلُ وَالثَّوْبُ الرَّفِيعُ فَبِقَدْرِ ذَلِكَ حَتَّى

[القضاء في الرهن يكون بين الرجلين]

(الْقَضَاءُ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ لَهُمَا رَهْنٌ بَيْنَهُمَا فَيَقُومُ أَحَدُهُمَا بِبَيْعِ رَهْنِهِ وَقَدْ كَانَ الْآخَرُ أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ سَنَةً قَالَ: إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ الرَّهْنَ فَلَا يَنْقُصُ حَقُّ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ بِيعَ لَهُ نِصْفُ الرَّهْنِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا فَأَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ خِيفَ أَنْ يَنْقُصَ حَقُّهُ بِيعَ الرَّهْنُ كُلُّهُ فَأَعْطَى الَّذِي قَامَ بِبَيْعِ رَهْنِهِ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ لَمْ يَدْفَعْ نِصْفَ الثَّمَنِ إلَى الرَّاهِنِ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ مَا أَنْظَرَهُ إلَّا لِيُوقِفَ لِي رَهْنِي عَلَى هَيْئَتِهِ ثُمَّ أُعْطِيَ حَقَّهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشْتَهَرَ، وَيُسَعَّرَ بِهِ وَرُبَّمَا نُودَى عَلَى السِّلْعَةِ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَكُلُّ شَيْءٍ بِقَدْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ تِلْكَ الْفَضْلَةِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِيمَا بَقِيَ إنْ شَاءَ تَمَسَّكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ. [الْقَضَاءُ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ الرَّجُلَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَرْتَهِنَا رَهْنًا مِنْ رَجُلٍ فَإِنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَضْمَنُ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَهُوَ فِي بَاقِيهِ أَمِينٌ يَضْمَنُهُ الرَّاهِنُ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ زَادَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِكَوْنِهِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا جُعِلَ بِيَدِ أَمِينٍ، وَلَا يَضْمَنَانِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَإِنْ قَبَضَاهُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَجْعَلَاهُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ضَمِنَاهُ، وَإِنْ جَعَلَاهُ بِيَدِ أَمِينٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْلَمَهُ إلَيْهِمَا فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِقَبْضِهِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِهِ عِنْدَ مَنْ شَاءَا فَقَدْ تَعَدَّيَا فِيهِ وَجَعَلَاهُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الرَّجُلَيْنِ إذَا ارْتَهَنَا رَهْنًا بِحَقٍّ لَهُمَا ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْتَهِنَاهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالثَّانِي أَنْ يَرْتَهِنَ أَحَدُهُمَا فَضْلَ الْآخَرِ وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا وَلَوْ ارْتَهَنَا رَهْنًا بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ سَنَةً وَقَامَ الْآخَرُ يَطْلُبُ تَعْجِيلَ حَقِّهِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقِسْمَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنْ لَمْ تُنْقِصْ قِسْمَتُهُ حَقَّ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ بِيعَ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى، وَأَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَدَرَ عَلَى قَسْمِ الرَّهْنِ بِمَا لَا يَنْقُصُ بِهِ حَقُّ الْقَائِمِ بِحَقِّهِ قُسِمَ فَبِيعَ لِهَذَا نِصْفُهُ فِي حَقِّهِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعِنْدِي إنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ إدْخَالُ الْقِسْمَةِ النَّقْصَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِذَا دَخَلَ النَّقْصُ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْآخَرِ فَتَارَةً أَظْهَرَ مُرَاعَاةَ حَقِّ الْقَائِمِ وَتَارَةً أَظْهَرَ مُرَاعَاةَ حَقِّ الْآخَرِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّهْنَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَقَدْ زَادَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ أَنَّ دَيْنَهُمَا سَوَاءٌ فَإِذَا بِيعَ نِصْفُ الرَّهْنِ فَكَانَ ثَمَنُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ قَبَضَهُ الْقَائِمُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ قَصَّرَ عَنْ الدَّيْنِ طَلَبَهُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ الرَّهْنِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ صَاحِبِهِ بِهِ، وَبَقِيَ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي أَنْظَرَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِ الَّذِي أَنْظَرَهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِهِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدًا أَوْ دَارًا فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَقَامَ عَلَيْهِ غَرِيمٌ آخَرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنْ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَمَّا رُهِنَ بِهِ بِيعَ فَقَضَى الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مُعَجَّلًا وَقَضَى الْغَرِيمُ الْآخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يُبَعْ حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُ الْمُرْتَهِنِ فَعَلَى هَذَا لَا تُبَاعُ حِصَّةُ الَّذِي تَأَجَّلَ دَيْنُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِ الَّذِي تَعَجَّلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ دَيْنِ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حِصَّةِ الَّذِي تَعَجَّلَ فَقْدٌ عَنْ دَيْنِهِ فَإِنَّمَا يُبَاعُ مِنْهُ عِنْدِي بِقَدْرِ الدَّيْنِ الْمُعَجَّلِ، وَلَا يَكُونُ مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ رَهْنًا، وَيُدْفَعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ ذَلِكَ الرَّهْنِ فَلَا دُخُولَ لِلْآخَرِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَنْقُصَ حَقُّهُ بِيعَ الرَّهْنُ كُلُّهُ فَأُعْطِيَ الَّذِي قَامَ بِبَيْعِ رَهْنِهِ مِنْ ذَلِكَ أَضَافَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِمَا كَانَ لَهُ ثَمَنُهُ، وَكَانَ بِيَدِهِ وَقَالَ: إنَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ يُبَاعُ، وَيُعْطَى مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا يُعْطَى، وَلَا يُبَيِّنُ أَيَّ قَدْرٍ يُعْطَى، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الْقَائِمَ يَأْخُذُ مِنْ نِصْفِهِ حَقَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى النِّصْفِ الَّذِي هُوَ حِصَّةُ الَّذِي أَنْظَرَهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ دَيْنَهُ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي ارْتَهَنَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُ الَّذِي أَنْظَرَهُ بِحَقِّهِ دَفَعَ نِصْفَ الثَّمَنِ إلَى الرَّاهِنِ، وَإِلَّا حَلَفَ مَا أَنْظَرْته إلَّا لِيُوقِفَ لِي رَهْنِي يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الرَّاهِنِ ثَمَنَ نِصْفِ الرَّهْنِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ ارْتَهَنَهُ الْمُؤَجَّلُ بِالدَّيْنِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَهْنٌ قَدْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِرَدِّهِ إلَى الرَّاهِنِ، وَيُنْظِرُهُ مَعَ ذَلِكَ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ يُرِيدُ أَنَّهُ مَا أَخَّرَهُ إلَّا لِيَبْقَى الرَّهْنُ وَثِيقَةً بِحَقِّهِ ثُمَّ يَقْتَضِي مِنْ ثَمَنِ حِصَّتِهِ مِنْ الرَّهْنِ دَيْنَهُ، وَهَذَا إذَا بِيعَ الرَّهْنُ بِمِثْلِ مَا لَهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا فَإِنْ بِيعَ بِعَيْنٍ مُخَالِفٍ لِلْعَيْنِ الَّذِي لَهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الرَّهْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ، وَلَا يَنْقَسِمُ، وَلَا يَرْضَى الْمُسْتَحِقُّ بِبَقَائِهِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ: إنَّهُ يُبَاعُ، وَيُعَجَّلُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّهُ إنْ بِيعَ بِمِثْلِ دَيْنِهِ فَإِنْ بِيعَ بِدَنَانِيرَ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمُ أَوْ بِيعَ بِدَرَاهِمَ وَدَيْنُهُ دَنَانِيرُ وَقَفَ لِلْمُرْتَهِنِ ذَلِكَ رَهْنًا إلَى الْأَجَلِ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِ لِمَا يُرْجَى مِنْ غَلَاءِ ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ الَّتِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبِضَهَا، وَيَرْجُو مِنْ الرِّبْحِ فِي نَقْلِهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ دَيْنِهِ مَا لَا يَرْجُوهُ الْآنَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَاعَ فَيُعَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ دَيْنَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ بِيعَ بِقَمْحٍ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ قَمْحٌ مِثْلُهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُبَاعَ بِدَنَانِيرَ وَدِينُهُ دَنَانِيرُ أَوْ يُبَاعَ بِدَرَاهِمَ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمُ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّهُ إنْ بِيعَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الْإِدَامِ أَوْ الشَّرَابِ، وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي لَهُ صِفَةً وَجِنْسًا وَجَوْدَةً فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنَّ لَهُ تَعْجِيلَهُ، وَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِيهِ مِثْلَهُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمُ كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَا فِي حُكْمِهِمَا وَكَذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ بِيعَ بِمِثْلِ حَقِّهِ فَلْيُعَجِّلْ لَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ طَعَامًا بِيعَ فَيَأْبَى أَنْ يَتَعَجَّلَهُ فَذَلِكَ لَهُ فَاعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِضَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا مُؤَجَّلًا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ بِيعَ بِطَعَامٍ مُخَالِفٍ لِمَالِهِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُوضَعُ رَهْنًا بِيَدِهِ إلَى حُلُولِ حَقِّهِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَكَذَلِكَ إنْ بَيْع بِعَرَضٍ بِمِثْلِ حَقِّهِ أَوْ مُخَالِفٍ لَهُ وُضِعَ لَهُ رَهْنًا، وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُهُ بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ لَا تَكَادُ تَصِحُّ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فَقَدْ يَجِدُ عِنْدَ الْأَجَلِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ فِيمَا يُجْزِئُ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُعْطَى حَقَّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ يَحْلِفُ، وَيُعْطَى حَقَّهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الرَّاهِنُ بِرَهْنٍ فِيهِ وَفَاءُ حَقِّ الَّذِي أَنْظَرَهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ فَبَيَّنَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُعْسِرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ أَصْلُ دَيْنِهِمَا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ جَازَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقْرِضْهُ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الْآخَرُ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَقْرَضَاهُ وَارْتَهَنَا مِنْهُ دَارًا أَوْ ثَوْبًا وَقَضَى أَحَدُهُمَا خَرَجَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَكَتَبَاهُ فِي ذِكْرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ، وَلِلْآخَرِ شَعِيرٌ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْضِيَ دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ كَتَبَاهُ بِغَيْرِ ذِكْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَكُونُ الرَّهْنُ لَهُمَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ سَيِّدُهُ، وَلِلْعَبْدِ مَالٌ: أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِرَهْنٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَنَانِيرَ كُلَّهَا أَوْ قَمْحًا كُلَّهُ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبَا بِهِ كِتَابًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَضِيَ دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ إذَا جَمَعَهُمَا أَوْ الرَّهْنَ فَقَدْ جَعَلَهُمَا مَعَ اتِّفَاقِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ فَلَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ انْتَفَتْ الشَّرِكَةُ وَتَبَايَنَتْ الْحُقُوقُ فَلَمْ يُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ قَبْضِ حَقِّهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَضْمَنَا مَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ حَقٍّ، وَلَا رَهْنٍ وَكَتَبَا حَقَّهُمَا مُفَرَّقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ ذِكْرِ الْحَقِّ يُمَيِّزُ الْحَقَّ كَمَا يُمَيِّزُهُ إفْرَادُ نَفْسِ الْحَقِّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إذَا ارْتَهَنَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْتَهِنَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ الرَّهْنِ ثُمَّ يَرْهَنُ رَجُلًا آخَرُ بَاقِيَهُ فَإِنْ كَانَ أَجَلُ الدَّيْنَيْنِ وَاحِدًا فَحُكْمُهُ مَا رَهَنَا جَمِيعَهُ مَعًا، وَإِنْ كَانَ أَجَلُهُمَا مُخْتَلِفًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِي الرَّجُلَيْنِ يُنْظِرُ أَحَدُهُمَا، وَيَتَعَجَّلُ الثَّانِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا رَهَنَ رَجُلٌ رَهْنًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدَانَ مِنْ آخَرَ وَرَهَنَهُ فَضْلَةَ ذَلِكَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ لِي أَشْهَبُ: لَهُ ذَلِكَ رَضِيَ الْأَوَّلُ أَوْ سَخِطَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إذْ هُوَ الْمَبْدَأُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ رِضَا الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْزُ لِلثَّانِي، وَإِذَا لَمْ يَرْضَ لَمْ يَتِمَّ، وَلَا تَكُونُ الْفَضْلَةُ لَهُ رَهْنًا بَلْ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَهَنَ رَهْنًا وَجَعَلَهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ رَهَنَ فَضْلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَحُوزَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا حَازَهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا لِلثَّانِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوَّلُ فَيَحُوزُ، وَيَبْدَأُ الْأَوَّلُ، وَيَكُونُ لِلثَّانِي مَا فَضَلَ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إذَا جَعَلَ الرَّهْنَ بِيَدِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ جَازَ أَنْ يَرْهَنَ فَضْلَهُ الْآخَرُ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ إذَا عَلِمَ مَنْ هُوَ عَلَى يَدِهِ لِتَتِمَّ الْحِيَازَةُ لَهُمَا وَقِيلَ عَنْ مَالِكٍ: حَتَّى يَرْضَى الْأَوَّلُ وَالْقِيَاسُ مَا قُلْتُ لَك. وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ رِوَايَةً أُخْرَى فِي رَهْنِ فَضْلَةِ الرَّهْنِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَّ أَجَلُ دَيْنِ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ أَنَّ دَيْنَ الثَّانِي يَحِلُّ قَبْلَ دَيْنِهِ بِيعَ الرَّهْنُ، وَيُعْطَى الْأَوَّلُ حَقَّهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَيُعْطَى الثَّانِي مَا فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ ثُمَّ إنْ بِيعَ بِمِثْلِ حَقِّهِ أَوْ بِخِلَافِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنَّمَا تَفْسِيرُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الرَّهْنِ يَسْتَحِقُّ نِصْفَهُ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ يَرْهَنُ فَضْلَتَهُ فَيَحِلُّ حَقُّ الثَّانِي فَيُبَاعُ لَهُ فَإِنَّهُ إذَا وَقَفَ الْأَوَّلُ مِقْدَارَ حَقِّهِ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ مَا يُوقَفُ لَهُ حَتَّى يُنْقِصَ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ حَقِّهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَكَأَنَّهُ يَرَى فِيمَا رَأَيْتُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إنَّمَا يُبَاعُ بِخِلَافِ حَقِّ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يُبَاعَ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بِيعَ بِخِلَافِهِ وَقَفَ الرَّهْنُ كُلُّهُ، وَلَمْ يَقْضِ الثَّانِي شَيْئًا فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيْعِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بِيعَ بِمِثْلِ مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَإِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَبِيعُهُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلرَّاهِنِ، وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يَرْهَنُهُ مَا يَمْلِكُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ يُرِيدُ فَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْعَبْدِ مَالُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ يَوْمَ اشْتِرَاطِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَوْ نَمَاءُ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نَمَاءَ كُلِّ مَالٍ تَبَعٌ لِأَصْلِهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَلِذَلِكَ تَبِعَهُ فِي الزَّكَاةِ، وَأَمَّا مَا أَفَادَ بَعْدَ الِارْتِهَانِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

[القضاء في جامع الرهون]

الْقَضَاءُ فِي جَامِعِ الرُّهُونِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ ارْتَهَنَ مَتَاعًا فَيَهْلِكُ الْمَتَاعُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَأَقَرَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِتَسْمِيَةِ الْحَقِّ وَاجْتَمَعَا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَتَدَاعَيَا فِي الرَّهْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَالْحَقُّ الَّذِي لِلرَّجُلِ فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِلَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِمَّا رَهَنَ بِهِ قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ اُرْدُدْ إلَى الرَّاهِنِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا رَهَنَ بِهِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ بَقِيَّةَ حَقِّهِ مِنْ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الرَّهْنِ يَرْهَنُهُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيَقُولُ الرَّاهِنُ أَرْهَنْتُكَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَقُولُ الْمُرْتَهِنُ ارْتَهَنْتُهُ مِنْك بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَالرَّهْنُ ظَاهِرٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ قَالَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ حِينَ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ عَمَّا حَلَفَ أَنَّ لَهُ فِيهِ، أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ، وَكَانَ أَوْلَى بِالتَّبْدِئَةِ بِالْيَمِينِ لِقَبْضِهِ الرَّهْنَ وَحِيَازَتِهِ إيَّاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الرَّهْنِ أَنْ يُعْطِيَهُ حَقَّهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَهْنَهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَتَأْخُذَ رَهْنَك، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ أَنَّك رَهَنْتُهُ بِهِ وَيَبْطُلُ عَنْك مَا زَادَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ حَلَفَ الرَّاهِنُ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ غُرْمُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ فِي جَامِعِ الرُّهُونِ] (ش) : أَكْثَرُ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ إذَا ضَاعَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِضَيَاعِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِضَمَانِهِ لَهُ، وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ، وَادَّعَى الرَّاهِنُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ قِيلَ لِلْمُرْتَهِنِ صِفْهُ قَالَ فَإِذَا وَصَفَهُ حَلَفَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ خَالَفَهُ فِيهَا، وَادَّعَى أَفْضَلَ مِنْهَا، وَلَوْ جَهِلَ الرَّاهِنُ الصِّفَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ: إذَا وَصَفَهُ الْمُرْتَهِنُ حَلَفَ، وَإِنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ، وَكَانَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ مَعْرِفَةَ الصِّفَةِ وَنَكَلَ الْمُرْتَهِنُ حَلَفَ الرَّاهِنُ وَقُوِّمَتْ الصِّفَةُ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا قَوَّمَهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَرُبَّمَا قَوَّمُوهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْأَكْثَرِ مِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ أَوْ يَكُونَ زَعَمَ أَوَّلًا أَنَّ قِيمَتَهَا أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ أَوْ بِمِثْلِ قَدْرِ الدَّيْنِ لَكِنَّهُ وَصَفَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِصِفَةٍ قُوِّمَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَهَذَا يَقْطَعُ دَيْنَهُ مِمَّا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ لَهُ رُدَّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يُوَفِّيَ بَقِيَّةَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَقَدْ قَالَ: إنَّ الرَّهْنَ بِمَا فِيهِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي قَالَ فِيهَا مَنْ تَقَدَّمَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ أَوْ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ أَوَّلًا بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فَلَمَّا خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الرَّاهِنُ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ قُوِّمَتْ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا أَوَّلًا فَإِنَّ عِنْدِي أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ الْأُولَى الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، وَيُحْمَلُ مَا وَصَفْنَا بِهِ الرَّهْنَ مِمَّا قَصُرَ عَنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ جَحْدُ الْبَعْضِ الْقِيمَةَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ.

الْمُرْتَهِنُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: عَشَرَةً، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: عِشْرُونَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ يَحْلِفُ حَتَّى يُحِيطُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ قَالَ: وَكَانَ مُبْدَأٌ بِالْيَمِينِ؛ لِقَبْضِهِ الرَّهْنَ وَحِيَازَتِهِ لَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَسَوَاءٌ عِنْدِي كَانَ بِيَدِهِ أَوْ وُضِعَ لَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ حَائِزَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ شَاهِدٌ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَهُوَ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ رَهْنَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْأَصْلِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّاهَا أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي سَمَّى يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي ادَّعَى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَحْلِفُ إلَّا عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ وَحَكَى عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا لَوْ ادَّعَى عِشْرِينَ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي شَهِدَ لَهُ بِهَا شَاهِدُهُ دُونَ الْعِشْرِينَ الَّتِي ادَّعَاهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ الْمُرْتَهِنَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْعِشْرِينَ أَوْ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالشَّاهِدِ أَنَّ الرَّهْنَ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَالشَّاهِدُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعِشْرِينِ فَإِنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِهَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا مِنْهَا وَلَوْ أَقَرَّ بِتَصْدِيقِ الشَّاهِدِ لَمْ يَكُنْ لِشَهَادَتِهِ تَعَلُّقٌ بِغَيْرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي شَهِدَ بِهَا فَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَحْلِفُ مَعَ الرَّهْنِ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي ادَّعَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعِشْرِينَ قِيلَ لِلرَّاهِنِ إمَّا أَنْ تَحْلِفَ وَتُسْقِطُ عَنْ نَفْسِك الْخَمْسَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِمَّا أَنْ تَنْكُلَ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَوَّلًا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَحْلِفُ الرَّاهِنُ؛ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ بَقِيَّةَ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ، وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ لَمْ يُقْضَ لِلْمُرْتَهِنِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نُكُولِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ وَجَبَتْ فِي الْخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوَّلًا عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينَ فِيهِمَا إلَى يَمِينِهِ الَّتِي لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي شَهِدَ لَهُ بِهَا الرَّهْنُ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَحَلَفَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا مَعْنَى لِيَمِينِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَهَا بِيَمِينِهِ وَشَهَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَلَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْيَمِينِ جُمْلَةً حَلَفَ الرَّاهِنُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ حَقِّهِ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ يَمِينُهُ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا الرَّهْنُ مَرْدُودَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِلْمُرْتَهِنِ ابْتِدَاءً بِشَهَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَلَمَّا نَكَلَ عَنْهَا رُدَّتْ عَلَى الرَّاهِنِ وَتَكُونُ يَمِينُهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُخْرَى يَمِينًا غَيْرَ مَرْدُودَةٍ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعَشَرَةُ بِالْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورِينَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الْخَمْسَةُ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ فِيهَا الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ نَكَلَ عَنْ يَمِينٍ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْخَمْسَةُ الْأُخْرَى فَإِنْ قُلْنَا إنَّ امْتِنَاعَ الْمُرْتَهِنِ أَوَّلًا مِنْ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا نُكُولٌ مُؤَثِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ نُكُولِ الْمُدَّعِي وَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نُكُولِهِ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْ الرَّاهِنِ؛ لِوُجُودِ نُكُولِ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ النُّكُولِ إلَّا بَعْدَ نُكُولِ الرَّاهِنِ لِمَا يَلْزَمُ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّرْتِيبِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ فَيَسْتَحِقَّهَا أَوْ يَنْكُلَ فَتَبْطُلَ دَعْوَاهُ بِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَقَدْ رَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ الرَّاهِنُ أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك خَمْسَةَ عَشَرَ وَآخُذُ رَهْنِي فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ عِشْرِينَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدِينَارًا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: إذَا دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ قِيمَةَ الرَّهْنِ كَانَ أَوْلَى بِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ: وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ قَدْ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى نَحْوِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمَّا تَعَلَّقَتْ بِالْعِشْرِينِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَحَلٌّ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ كَانَ مَحَلُّهَا الرَّهْنَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَقَبْلَ الْبَيْعِ لَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْعَيْنِ حَتَّى يُعْطَى مَا اسْتَوْجَبَ بِيَمِينِهِ وَذَلِكَ الْعِشْرُونَ دِينَارًا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ: أَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ دُونَ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ دُونَ عَيْنِ الرَّهْنِ فَإِذَا أَعْطَاهُ الرَّاهِنُ الْقِيمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ رَهْنِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعْطَى مَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ، وَإِلَّا بِعْت الرَّهْنَ وَدَفَعْتُ إلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ مَا ذَكَرَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَتَى تُرَاعَى قِيمَةُ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَإِنْ هَلَكَ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّهْنَ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الضَّيَاعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَوْمَ الرَّهْنِ فَعَلَى قَوْلِنَا بِاعْتِبَارِ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الضَّيَاعِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ فِي مَبْلَغِ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ: أَنَّ الرَّهْنَ إذَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ شَهِدَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ لِوُجُودِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَإِذَا عَدِمَ ضَمِنَ لَقِيمَتِهِ فَكَانَتْ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ عِنْدَ وُجُودِهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ عَلَى يَدِ أَمِينٍ أَوْ قَامَتْ بِضَيَاعِهِ بَيِّنَةٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الرَّهْنِ يَكُونُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ ثُمَّ يَخْتَلِفُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ رَهْنٌ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ فَكَانَ شَاهِدًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ كَاَلَّذِي يَضْمَنُ بِالْيَدِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إلَيْهِ وَلَا مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَشْهَدْ لِدَيْنِهِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَ بَقَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِأَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ مِنْ الرُّهُونِ وَلَا يُشْهَدُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ضَيَاعِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنَّ عَيْنَهُ لَا تَشْهَدُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ كَالْوَدِيعَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَلِفَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ وَحَلَّ مِنْهُ الرَّهْنُ فَأَشْبَهَ الْمُدَايَنَةَ دُونَ رَهْنٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الْعِشْرِينَ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا وَتَأْخُذَ رَهْنَك، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى الَّذِي زَعَمْتَ أَنَّك رَهَنْته بِهِ وَبَطَلَ عَنْك مَا زَادَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ إلَّا عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي إلَّا مَا قَالَ الرَّاهِنُ فَأَقَلَّ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا الرَّاهِنُ وَحْدُهُ؛ لِأَنَّ يَمِينَ الْمُرْتَهِنِ لَا تَنْفَعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَاهُنَا يَحْلِفَانِ وَيَبْدَأُ الْمُرْتَهِنُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ شَاهِدٌ لَهُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الدَّيْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ هُوَ بِمِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةً وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ إنَّمَا ارْتَهَنْته بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ مِائَةُ دِينَارٍ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ قِيمَةُ الْمِائَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا الرَّاهِنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مِائَةِ دِينَارٍ فَالرَّاهِنُ مُصَدَّقٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَتُبَاعُ بِهَا الْحِنْطَةُ فَيُوَفَّى، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَالْمُرْتَهِنُ مُصَدَّقٌ كَمَا لَوْ صَدَّقَهُ فِي كَثْرَةِ النَّوْعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ تَأْخُذَ رَهْنَك، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَتَنَاكَلَا الْحَقَّ فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ كَانَتْ لِي فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ لَك فِيهِ إلَّا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ قِيمَةُ الرَّهْنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا قِيلَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ ثُمَّ أَقَامَ تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى ثُمَّ يُعْطَى الرَّاهِنُ مَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِي فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ قَاصُّوهُ بِمَا بَلَغَ الرَّهْنُ ثُمَّ أُحْلِفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي بَقِيَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ مَبْلَغِ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ صَارَ مُدَّعِيًا عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ عَنْهُ بَقِيَّةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ مِمَّا ادَّعَى فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي قُلْت وَيَبْطُلُ عَنْك مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يُرِيدُ أَنَّ يَمِينَهُ تُسْقِطُ عَنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ لَزِمَ جَمِيعُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ كَانَ أَضْعَافُ قِيمَةِ الرَّهْنِ. وَلَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ وَلَا يَغْرَمُ إلَّا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ مُضَعِّفًا لِدَعْوَاهُ وَمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الرَّهْنُ وَغَيْرُهُ فَلَمَّا حَلَفَ الرَّاهِنُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ مَا أَقَرَّ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاهِنُ غَرِمَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ وَاضِحٌ فِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنَّمَا يَحْلِفُ أَوَّلًا عَلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، وَلِذَلِكَ إذَا نَكَلَ وَلَمْ تُرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِنُكُولِ الرَّاهِنِ عَنْهَا وَقَدْ جَعَلَ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ حُجَّتِهِ مَا قَالَهُ أَنَّ الْيَمِينَ تُرَدُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ سَلِمَ لَهُ قَالَ وَمِنْ عَيْبِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى عِشْرِينَ فَوَجَبَ لَهُ أَخْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَمِينُ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ فَنَكَلَ الْمَطْلُوبَ أَلَيْسَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الرَّاهِنِ فَيَصِيرُ يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا أَنَّ يَمِينَ الْمُرْتَهِنِ أَوَّلًا قُدِّمَتْ عَلَى مَوْضِعِهَا لِيَسْلَمَ مِنْ تَكْرِيرِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ بِهَا وَبِنُكُولِ الرَّاهِنِ بَعْدَهَا مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ اجْتَمَعَ فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعِي وَنُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهِ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ نُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ لَيْسَتْ لِاسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِيُحِقَّ الْمُرْتَهِنُ بِهَا دَعْوَاهُ دُونَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَوْ يَقْتَضِيَ مِنْهُ فَإِنَّ نُكُولَ الرَّاهِنِ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ يَقْتَضِي رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَهُوَ يَدَّعِي عِشْرِينَ فَحَلَفَ مَعَ الْعِشْرِينَ مَعَ شَاهِدِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْخَمْسَةِ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ فِي الْخَمْسَةِ يَمِينًا ثَانِيَةً يَسْتَحِقُّهَا بِهَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ أَوَّلًا ثُمَّ نَكَلَ الرَّاهِنُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حُكْمُهُمَا إذَا نَكَلَا مِثْلُ حُكْمِهِمَا إذَا حَلَفَا لَا يَلْزَمُ الرَّاهِنَ إلَّا قِيمَةُ الرَّهْنِ قَالَ: وَلَا أُلْزِمُ الرَّاهِنَ إذَا نَكَلَ غُرْمَ مَا أَعَادَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ لَمْ يَلْزَمْ غُرْمُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى مُدَّعِيهَا فَلَمَّا تَقَدَّمَ نُكُولُهُ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا تَقَدَّمَ نُكُولُ الْمُدَّعِي قَبْلَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَمِينِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَلَا يَبْعُدُ هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ نُكُولِ الْمُرْتَهِنِ وَيَمِينِ الرَّاهِنِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ نُكُولِ الْمُدَّعِي وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَمِينِهِ تَرْتِيبٌ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ وَلِهَذَا تَأْثِيرٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ الرَّهْنُ بَعْدَ نُكُولِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ إذَا تَنَاكَلَا وَقَدْ ضَاعَ الرَّهْنُ، وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قِيمَةُ الرَّهْنِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَدَيْنِي فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَقَالَ الرَّاهِنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَةُ الرَّهْنِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَدَيْنُك فِيهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ صِفْهُ؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ فَإِذَا وَصَفَهُ حَلَفَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ أَدْوَنَ مِنْ الَّذِي ادَّعَاهَا الرَّاهِنُ ثُمَّ قَوَّمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ تِلْكَ الصِّفَةَ الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْعِشْرِينَ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُرْتَهِنُ مِنْ الدَّيْنِ أُحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى ثُمَّ يُعْطَى الرَّاهِنُ مَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَنْ دَيْنِهِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ بِإِقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ وَيَمِينِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَكَانَا سَوَاءً فِي الشَّهَادَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ؛ لِيَسْقُطَ عَنْهُ مَا ادَّعَاهُ الرَّاهِنُ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ زَائِدًا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِي فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى الَّذِي يَدَّعِيهِ ثُمَّ قَاصُّوهُ بِذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ يُرِيدُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ لَا يُعْلَمُ ضَيَاعُهُ إلَّا بِقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ مِنْ سَلَمٍ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمُسَلِّمِ وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرَانِ جَائِزَيْنِ صَحَّتْ الْمُقَاصَّةُ، وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا امْتَنَعَتْ الْمُقَاصَّةُ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ دَنَانِيرَ وَرَأْسُ مَالِ الْمُسَلِّمِ دَرَاهِمَ فَلَا يَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّ مَا أَظْهَرَاهُ مِنْ السَّلَمِ مُلْغَى وَمَا آلَ أَمْرُهُمَا إلَى سَلَمِ دَرَاهِمَ فِي دَنَانِيرَ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ دَنَانِيرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ؛ لِأَنَّ مَآلَ أَمْرِهِمَا إلَى سَلَمِ دَنَانِيرَ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَنَانِيرُ الرَّهْنِ مِثْلَ دَنَانِيرَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّتْ الْمُقَاصَّةُ لِتَبْعُدَ التُّهْمَةُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَرَضًا مِنْ جِنْسِ مَا سَلَّمَ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ لَمْ تَجُزْ الْمُقَاصَّةُ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ أَوْ الزِّيَادَةُ لِحَطِّ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ عَدَدًا وَجَوْدَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَرَضًا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَفْضَلُ جُودَةً وَلَا عَدَدًا وَلَا أَقَلُّ جُودَةً وَعَدَدًا، وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا، وَالرَّهْنُ عَرَضًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ: يَجُوزُ أَنْ يَتَقَاصَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَةِ الرَّهْنِ وَهَذَا أَصْلٌ مُتَنَازَعٌ فِيهِ، وَهَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ قِيمَةُ الرَّهْنِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ وَيَجُوزُ إنْ كَانَتْ مِثْلَهُ فَأَقَلَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيمَةَ عَيْنٌ مِنْ جِنْسٍ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَيَدْخُلُهُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّهْنُ بَاقِيًا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ سَلَفِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ قَدْ تَلِفَتْ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَلْ اسْتَحَالَتْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ أُحْلِفَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ عَنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ مُدَّعٍ فِيمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ ذَلِكَ مَعَ قِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ لَمَّا لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ فِي إثْبَاتِ مَا يُقَابِلُ مِنْ دَيْنِهِ قِيمَةَ الرَّهْنِ فَأُضِيفَ إلَيْهَا الْيَمِينُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ زِيَادَةً مِنْ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ وَجُعِلَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ مَعَ إمْكَانِ إفْرَادِهَا وَجَمْعِهَا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يُقَوِّي دَعْوَاهُ فِي الزِّيَادَةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا فَإِنْ حَلَفَ الرَّاهِنُ أَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَإِنْ نَكَلَ قَوَّى نُكُولُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ يَمِينِ الْمُرْتَهِنِ بِهَا فَحُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ وَتَقَدَّمَتْ يَمِينُ الْمُرْتَهِنِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى نُكُولِ الرَّاهِنِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَمِينَيْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إحْدَاهُمَا عَلَى الصِّفَةِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى إثْبَاتِ الدَّيْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ مُنْفَصِلَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ الْأَوَّلَ تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ الثَّانِيَةُ وَلَا يُمْكِنُ النَّظَرُ فِي أَسْبَابِ الثَّانِيَةِ إلَّا بَعْدَ إنْفَاذِ الْيَمِينِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَجِبُ لِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَلَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ

[القضاء في كراء الدابة والتعدي بها]

الْقَضَاءُ فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَالتَّعَدِّي بِهَا (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَسْتَكْرِي الدَّابَّةَ إلَى الْمَكَانِ الْمُسَمَّى ثُمَّ يَتَعَدَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ وَيَتَقَدَّمُ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يُخَيَّرُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ دَابَّتِهِ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى بِهَا إلَيْهِ أُعْطَى ذَلِكَ وَيَقْبِضُ دَابَّتَهُ وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَحَبَّ رَبُّ الدَّابَّةِ فَلَهُ قِيمَةُ دَابَّتِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى مِنْهُ الْمُسْتَكْرِي وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ اسْتَكْرَى الدَّابَّةَ الْبَدْأَةَ فَإِنْ كَانَ اسْتَكْرَاهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ثُمَّ تَعَدَّى حِينَ بَلَغَ الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى إلَيْهِ فَإِنَّمَا لِرَبِّ الدَّابَّةِ نِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِرَاءَ نِصْفُهُ فِي الْبَدْأَةِ وَنِصْفُهُ فِي الرَّجْعَةِ فَتَعَدَّى الْمُتَعَدِّي بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ حِينَ بَلَغَ بِهَا الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُسْتَكْرِي ضَمَانٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكْرَى إلَّا نِصْفُ الْكِرَاءِ قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ أَمْرُ أَهْلِ التَّعَدِّي، وَالْخِلَافُ لِمَا أُخِذَ وَالدَّابَّةُ عَلَيْهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا مِنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ لَا تَشْتَرِ بِهِ حَيَوَانًا وَلَا سِلَعًا كَذَا، وَكَذَا لِسِلَعٍ يُسَمِّيهَا وَيَنْهَاهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِيهَا فَيَشْتَرِي الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ وَيَذْهَبَ بِرِيحِ صَاحِبِهِ فَإِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى مَا شَرَطَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ فَعَلَ، وَإِنْ أَحَبَّ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ ضَامِنًا عَلَى الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ وَتَعَدَّى قَالَ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا الرَّجُلُ يُبْضِعُ مَعَهُ الرَّجُلُ الْبِضَاعَةَ فَيَأْمُرُهُ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً بِاسْمِهَا فَيُخَالِفُ فَيَشْتَرِي بِبِضَاعَتِهِ غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِمَالِهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ ضَامِنًا لِرَأْسِ مَالِهِ فَذَلِكَ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ فَلَا مَعْنَى لِيَمِينِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَلِبُ بِهَا مَنْفَعَةً، وَلَا يُقْضَى لَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي الْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ يَمِينِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ صِفَةِ الرَّهْنِ بِيَمِينِ الْمُرْتَهِنِ الَّذِي هُوَ الْغَارِمُ فَإِذَا ثَبَتَتْ الصِّفَاتُ بِيَمِينِهِ قُوِّمَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فَإِذَا ثَبَتَتْ قِيمَتُهَا، وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ اُسْتُحْلِفَ الْمُرْتَهِنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ ذِكْرَ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْيَمِينُ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورِينَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَهُمَا بَلْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُقَوَّمَ الصِّفَةُ الَّتِي يُقِرُّ بِهَا الْمُرْتَهِنُ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ يَمِينًا وَاحِدَةً يَنْفِي بِهَا مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ مَا زَادَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ وَتَقَدَّمَهَا لِنُكُولِ الرَّاهِنِ فِيمَا ادَّعَاهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الدَّيْنِ زِيَادَةٌ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عِنْدِيّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقَضَاءُ فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَالتَّعَدِّي بِهَا] (ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ إلَى مَكَان مُسَمًّى ثُمَّ يَتَعَدَّاهُ بِالتَّقَدُّمِ أَمَامَهُ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَ دَابَّتِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَدَّى إلَيْهِ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَيَأْخُذُ دَابَّتَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ كَانَتْ لَهُ قِيمَةُ دَابَّتِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَدَّى مِنْهُ الْمُكْتَرِي، وَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى بِالدَّابَّةِ، وَزَادَ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّعَدِّي، وَلَحِقَهُ الضَّمَانُ، وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرُدَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّابَّةَ الْمُكْتَرِي عَلَى حَالِهَا وَالثَّانِي: أَنْ يَرُدَّهَا وَقَدْ تَغَيَّرَتْ فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى حَالِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَهَا فِي تَعَدِّيهِ إمْسَاكًا يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَمْسَكَهَا يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا يَسِيرَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْيَوْمُ وَشِبْهُهُ قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْبَرِيدِ وَالْبَرِيدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اكْتَرَاهَا بِالْأَيَّامِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا أَيَّامًا زَائِدَةً عَلَى أَيَّامِ الْكِرَاءِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَهُ الْكِرَاءُ فِي أَيَّامِ التَّعَدِّي مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّابَّةَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا التَّعَدِّي فِي عَيْنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا فَوَاتِ أَسْوَاقٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ كِرَائِهَا فِي الْأَيَّامِ الزَّائِدَةِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ حَبَسَهَا الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: الشَّهْرُ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ مِثْلُ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَيَّامًا كَثِيرَةً كَحَوْلٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَصَاحِبُهَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، وَكِرَاءِ مَا تَعَدَّى بِحَبْسِهَا فِيهِ وَبَيْنَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ دَابَّتِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ غَصَبَهُ مَنَافِعَ الدَّابَّةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، وَمِنْ مَنَافِعِهَا بَيْعُهَا فِي أَسْوَاقِهَا، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ فِيهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهَا. (فَرْعٌ) وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَهُ رَقَبَتَهَا وَحَبَسَهَا شَهْرًا أَوْ أَشْهُرًا ثُمَّ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ: أَنَّهُ لَمَّا غَصَبَهُ رَقَبَتَهَا سَقَطَتْ عَنْهُ مَنَافِعُهَا لِضَمَانِهِ رَقَبَتِهَا فَإِذَا لَمْ يَغْصِبْهُ رَقَبَتَهَا وَاسْتَخْدَمَهَا جَوْرًا وَظُلْمًا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ فِيمَا رَكِبَهَا فِيهِ وَاسْتَخْدَمَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا فِيمَا حَبَسَهَا فِيهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَبْسٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَ مَعَهُ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا فَكَأَنَّهُ رَاضٍ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا، وَكِرَاءِ الْمُدَّةِ الْأُولَى، وَلَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ الْأَكْثَرُ مِنْ حِسَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ قِيمَةِ كِرَائِهَا فِيمَا حَبَسَهَا فِيهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَبْسٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ عَلَى هَذَا فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ كِرَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقِيمَتَهَا يَوْمَ حَبْسِهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ إمْسَاكَهَا لَمَّا كَانَ بِغَيْرِ عَقْدِ كِرَاءٍ لَزِمَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي مِثْلِ مَا حَبَسَهَا فِيهِ كَمَا لَوْ تَعَدَّى بِاسْتِخْدَامِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ قَدْ تَغَابَنَ فِيهِ، فَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ غَبْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ الثَّانِي بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَالْمُتَعَدِّي قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ اسْتَدَامَ الْعَمَلَ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ وَبِنَحْوِ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِرَاءِ الْمِثْلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا كِرَاءَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ قَدْ غَصَبَ الْمَنَافِعَ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا كَالْأَعْيَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَهُ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ اسْتَكْرَى الدَّابَّةَ الْبَدْأَةَ، وَإِنْ كَانَ اسْتَكْرَاهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ثُمَّ تَعَدَّى حِينَ بَلَغَ الْبَلَدَ الَّذِي اسْتَكْرَى إلَيْهِ الدَّابَّةَ مِنْ مِصْرَ إلَى بُرْقَةَ فَلَمَّا بَلَغَ بُرْقَةَ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ لَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ إلَى بُرْقَةَ ثُمَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَةِ الدَّابَّةِ مَعَ الْكِرَاءِ إلَى بُرْقَةَ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نِصْفُهَا لِلْبَدْأَةِ وَنِصْفُهَا لِلْعَوْدَةِ ثُمَّ يَكُونُ الْخِيَارُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ النِّصْفَ فِي الْبَدْأَةِ وَالنِّصْفَ فِي الْعَوْدَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَسَافَةِ، وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْكِرَاءِ عِنْدَ النَّاسِ فِي الْبَدْأَةِ أَوْ الْعَوْدَةِ لَلَزِمَ التَّقْوِيمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ رَدَّهَا وَقَدْ تَغَيَّرَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ تَغَيَّرَتْ تَغَيُّرًا كَثِيرًا أَوْ هَلَكَتْ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ تَغَيُّرًا شَدِيدًا فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَدَّ الدَّابَّةَ، وَلَمْ يُمْسِكْهَا إلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً فَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ غَيْرَ كِرَائِهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ كِرَائِهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ عَطِبَتْ فِي مُدَّةِ التَّعَدِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَالتَّعَدِّي يَكُونُ فِي حَبْسِهَا بِقَدْرٍ مِنْ الْكِرَاءِ، وَيَكُونُ فِي أَنْ يَتَعَدَّى بِهَا مَكَانَ الْكِرَاءِ، وَيَكُونُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا مَا لَمْ تُكْتَرَ لَهُ فَأَمَّا التَّعَدِّي بِتَجَاوُزٍ مِنْ الْكِرَاءِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَمَّا التَّعَدِّي بِتَجَاوُزِ مَسَافَةِ الْكِرَاءِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ مِنْ مِصْرَ إلَى بُرْقَةَ فَيَرْكَبُهَا إلَى إفْرِيقِيَةَ فَهَذَا حُكْمُهُ فِي طُولِ الْإِمْسَاكِ، وَقَرَّبَهُ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى زَمَنِ الْكِرَاءِ إنْ رَدَّهَا سَالِمَةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْأَمَدَ إلَّا بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا خِيَارَ لِصَاحِبِهَا فِيهِ إذَا سَلِمَتْ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا إلَّا كِرَاءُ مَا زَادَ وَلَوْ زَادَ كَثِيرًا فِيهِ الْأَيَّامُ الَّتِي تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهَا سُوقُهَا مِنْ رَبِّهَا إنْ رَدَّهَا الْمُتَعَدِّي سَالِمَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ عَطِبَتْ فِي الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا. (فَرْعٌ) وَلَوْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ الْمِيلَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ ضَامِنٌ وَصَاحِبُ الدَّابَّةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ وَبَيْنَ كِرَائِهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي زِيَادَةِ الْمِيلِ وَالْمِيلَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ إنَّهُ ضَامِنٌ وَلَوْ زَادَ خُطْوَةً، وَأَمَّا مَا يَعْدِلُ النَّاسُ إلَيْهِ مِنْ الرَّاحِلَةِ فَلَا يَضْمَنُ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْعُدُولَ مُعْتَادٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ الطَّرِيقِ لِلنُّزُولِ لِرَاحَةٍ وَغِذَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا الْعُدُولُ بِتَعَدٍّ. (فَرْعٌ) وَلَوْ لَمْ يَعْطَبْ الْبَعِيرُ إلَّا بَعْدَ أَنْ رَجَعَ إلَى الْمَسَافَةِ الَّتِي اكْتَرَى لَهَا وَخَرَجَ سَالِمًا عَنْ مَسَافَةِ التَّعَدِّي فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يُجَاوِزْ الْمَسَافَةَ إلَّا بِالْيَسِيرِ مِمَّا لَا خِيَارَ فِيهِ لِصَاحِبِهَا مَعَ السَّلَامَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا إنْ زَادَ زِيَادَةً كَثِيرَةً أَيَّامًا تَتَغَيَّرُ فِيهَا أَسْوَاقُهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ فِي مَسَافَةِ الزِّيَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ عِنْدَنَا غَلَطٌ مِنْ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَعَدَّى فَتَسَلَّفَ مِنْ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّ فِيهَا مَا تَسَلَّفَهُ ثُمَّ تَلِفَتْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فَهَذَا مِثْلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ مَسَافَةِ التَّعَدِّي عَلَى قِيمَةِ كِرَاءِ مَا تَعَدَّى، وَلَيْسَ عَلَى قَدْرِ مَا تَكَارَى قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَوَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ عَمِلَ بِدَابَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا عَقْدٍ بِقَدْرِ أُجْرَةِ الْعَمَلِ فَلَزِمَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ كِرَاءٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّعَدِّي فِي الْحَمْلِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ وَالثَّانِي: حَمْلُ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ قَفِيزًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي عَطَبِ الْبَعِيرِ إذَا كَانَ الْقَفِيزُ يَسِيرًا لَا تَعْطَبُ مِنْهُ الدَّابَّةُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَرْطَالًا مُسَمَّاةً فَيَحْمِلَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَعَطِبَتْ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ يُعْطَبُ مِنْ مِثْلِهَا فَلِصَاحِبِ الدَّابَّةِ الْكِرَاءُ، وَكِرَاءُ الزِّيَادَةِ أَوْ قِيمَةُ الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي دُونَ الْكِرَاءِ فَخُيِّرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُعْطَبُ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ، وَكِرَاءُ مَا تَعَدَّى فِيهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ زَادَ فِي الْحَمْلِ وَلَوْ رَطْلًا وَاحِدًا ضَمِنَ. (فَرْقٌ) قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْمَسَافَةِ أَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمَسَافَةِ تَعَدٍّ كُلُّهُ فَلِذَلِكَ ضَمِنَهَا فِي قَلِيلِهِ، وَكَثِيرِهِ، وَزِيَادَةُ الْحَمْلِ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ تَعَدٍّ، وَإِذْنٌ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ يُعْطَبُ مِنْ مِثْلِهَا ضَمِنَ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ لَهُ كِرَاءَ الزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ فَفِي قَوْلِ مَالِكٍ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ الْقَفِيزِ الزَّائِدِ مَا بَلَغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُ قَفِيزٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي اكْتَرَى عَلَيْهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْقَفِيزُ الزَّائِدُ مِنْ سِعْرِهِ مَا أَكْرَى مِنْهُ الْعَشَرَةَ الْأَقْفِزَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا غَبَنَ صَاحِبَهُ فِي عَقْدِ الْكِرَاءِ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ كِرَاءِ مِثْلِهِ مَا بَلَغَتْ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ عَقْدٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مُرَاعَاةَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ زَائِدًا عَلَى حَمْلِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَضَرَّ مِنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ حَمَلَ غَيْرَ الْجِنْسِ الَّذِي اتَّفَقَ مَعَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مَضَرَّتُهُ كَمَضَرَّةِ مَا تَكَارَى عَلَيْهِ أَوْ أَشَدَّ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ مَضَرَّتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا بِجِنْسِ الْمَضَرَّةِ، وَلَوْ اكْتَرَى رَجُلٌ مِنْ حَمَّالٍ عَلَى حَمْلٍ بِعَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْدِلَهُ بِمِثْلِهِ مِمَّا مَضَرَّتُهُ مِثْلُ مَضَرَّتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَدَلُهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ ضَرَرًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ فَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ مَا يَضْغَطُ بِثِقَلِهِ جَانِبَيْ الدَّابَّةِ وَيَضُرُّ بِهَا أَوْ الْجَفَاءُ وَعِظَمُ الْحَمْلِ الَّذِي يَجْفُو عَلَى الدَّابَّةِ وَيَضُرُّ بِهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ اكْتَرَى عَلَى حَمْلٍ وَحَمَلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْمَضَرَّةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فِيمَنْ اكْتَرَى بَعِيرًا لِحَمْلِ خَمْسِمِائَةِ رَطْلِ بُرٍّ فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَضَرَّ بِالْبَعِيرِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهُ مِمَّنْ يَحْمِلُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ خِلَافَ مَا سَمَّى فَيَحْمِلُ الْقُطْنَ بِوَزْنِ مَا سَمَّى مِنْ الْبُرِّ، وَلَا يَحْمِلُ بِوَزْنِهِ مَا هُوَ أَضُرُّ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَحْمَالِ وَأَمَّا الرَّاكِبُ فَقَدْ يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ أَخْلَاقِ النَّاسِ مَعَ تَسَاوِي أَجْسَامِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ فِيهِ رِفْقٌ وَمِنْهُمْ مَنْ فِيهِ عُنْفٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ دَابَّةً فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فَقَدْ يَكُونُ الرَّاكِبُ أَخَفَّ مِنْ الْمُكْتَرِي وَلَعَلَّهُ أَخْرَقَ فِي الرُّكُوبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ فِي مِثْلِهِ فِي الثِّقَلِ وَالْحَالِ وَالرُّكُوبِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا وَقَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي حَالِهِ وَخِفَّتِهِ فَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ مَأْمُونٍ فَهُوَ ضَامِنٌ وَالْخِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدِي فِي ابْتِدَاءِ الْكِرَاءِ فَقَدْ اسْتَثْقَلَ مَالِكٌ لِمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبِهِ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقِيمَ فَقَدْ جَوَّزَهُ مَالِكٌ أَيْضًا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الْأَحْمَالِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ مَعَهَا صَاحِبُهَا يَتَوَلَّى سَوْقَهَا وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا وَالْحَطَّ عَنْهَا فَأَمَّا إنْ كَانَ يُسَلِّمُهَا إلَى الْمُكْتَرِي فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ سَوْقِ النَّاسِ وَرِفْقِهِمْ وَحِيَاطَتِهِمْ وَتَضْيِيعِهِمْ لَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَرَادَ مَنْ اكْتَرَى شَقَّ مَحْمَلٍ أَنْ يُعَقِّبَ آخَرَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْجَمَّالِ مَنْعُهُ قَالَ أَصْبَغُ إنْ أَعْقَبَ رَاكِبًا مُرِيحًا فَذَلِكَ، وَإِنْ أَعْقَبَ مَاشِيًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَضَرَّ وَأَثْقَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَ مَالًا قِرَاضًا فَقَالَ إنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى مَا شَرَطَا أَوْ يَكُونَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ يَضْمَنُهُ الْمُتَعَدِّي، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَظْهَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ: يُبَاعُ عَلَيْهِ مَا نَهَى عَنْ شِرَائِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَهُوَ عَلَى الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ ضَمِنَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَتَرَكَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى ذَلِكَ لَهُ عَلَى الْقِرَاضِ فَجَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَجِّلَ بَيْعَ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ رِبْحُهَا عَلَى الْقِرَاضِ وَخَسَارَتُهَا عَلَى الْعَامِلِ الْمُتَعَدِّي وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُعَجِّلَ تَضْمِينَهُ إيَّاهَا وَيَأْخُذَ مِنْهُ الْمَالَ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاضِ وَذَكَرَ فِي أَصْلِ الْمُوَطَّأِ وَجْهَيْنِ التَّضْمِينَ أَوْ الْإِبْقَاءَ عَلَى حُكْمِ الْقِرَاضِ الَّذِي كَانَا عَقَدَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي تَعْجِيلِ الْبَيْعِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ تَعَدِّي الْعَامِلِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَا أُمِرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ بَيْعٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنَّ رَبَّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِي السِّلْعَةِ عَلَى مَا شَرَطَا بَيْنَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ يُرِيدُ إنْ كَانَا شَرَطَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا الرِّبْحُ بِنِصْفَيْنِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَا الْأَقَلَّ لِأَحَدِهِمَا وَالْأَكْثَرَ لِلْآخَرِ كَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَإِنْ أَحَبَّ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يُقِرَّ السِّلْعَةَ عَلَى الْقِرَاضِ فَإِنَّمَا يُقِرُّهَا عَلَى الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ السِّلْعَةَ فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَالَ عَلَى الْقِرَاضِ فَإِنْ بِيعَتْ بِنَقْصٍ ضَمِنَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رِبْحٌ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَتْ وَضِيعَةً ضَمِنَهُ الْعَامِلُ الْمُتَعَدِّي؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بِيعَتْ بِمِثْلِ الْعَيْنِ الَّذِي

[القضاء في المستكرهة من النساء]

الْقَضَاءُ فِي الْمُسْتَكْرَهَةِ مِنْ النِّسَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَضَى فِي امْرَأَةٍ أُصِيبَتْ مُسْتَكْرَهَةً بِصَدَاقِهَا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا قَالَ يَحْيَى: سَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ الْمَرْأَةَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَالْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُغْتَصِبِ وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمُغْتَصَبَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُغْتَصِبُ عَبْدًا فَذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ ظَهَرَ الرِّبْحُ فِيهِ وَالْوَضِيعَةُ، فَلِرَبِّ الْمَالِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ وَعَلَى الْعَامِلِ جَمِيعُ الْوَضِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ الْعَمَلِ بِالْمَالِ وَهُوَ عَيْنٌ بَعْدُ فَعَمِلَ بِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ وَالْوَضِيعَةَ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِاسْمِ الْقِرَاضِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا فَالرِّبْحُ عَلَى شَرْطِ الْقِرَاضِ، وَلَا يُخْرِجُهُ مَا لَمْ يُفَوِّتْ بِذَلِكَ غَرَضًا فَإِنْ فَوَّتَ غَرَضًا كَانَ لِصَاحِبِهِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُبْضِعُ مَعَهُ لِيَشْتَرِيَ سِلْعَةً مُسَمَّاةً فَيَشْتَرِيَ غَيْرَهَا فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِمَالِهِ أَوْ يُضَمِّنَهُ إيَّاهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ قَدْ تَعَدَّى عَلَى الْبِضَاعَةِ وَمَنَعَ صَاحِبَهَا غَرَضَهُ مِنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا دُونَ صَاحِبِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْلَمَ بِتَعَدِّيهِ قَبْلَ بَيْعِ مَا اشْتَرَى بِهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنَّهُ عَلَى مَا قَالَ يُخَيَّرُ رَبُّ الْبِضَاعَةِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ الَّتِي ابْتَاعَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ بِمَالٍ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ ثَمَنَهَا، وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَمَا بَاعَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ السِّلْعَةَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمُبْضِعِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ الْبِضَاعَةَ قَالَ عِيسَى أَمَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ أَضْرِبَ عَلَيْهَا وَأُوقِفَهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي ثَمَنِهَا رِبْحٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَعَلَى الْمُبْضِعِ مَعَهُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ جِنْسٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ بِشِرَائِهِ مَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُبْضِعِ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِبْدَادُ بِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ كَالْوَدِيعَةِ وَبِهَذَا خَالَفَ الْعَامِلَ فِي الْقِرَاضِ فَإِنْ قَصَدَ رَبُّ الْمَالِ الرِّبْحَ فَلَمَّا خَالَفَهُ الْعَامِلُ أَرَادَ الِاسْتِبْدَادَ بِالرِّبْحِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ رَبَّ الْبِضَاعَةِ قَدْ أَمَرَهُ بِتَصْرِيفِهَا فِي وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا تَعَدَّى عَلَى الْبِضَاعَةِ وَأَرَادَ الِانْفِرَادَ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَالِ الْقِرَاضِ وَبِهَذَا يُخَالِفُ الْوَدِيعَةَ فَإِنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَصْرِيفِهَا لَهُ فِي مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَهَذَا الْغَرَضُ لَا يَفُوتُهُ بِتَصْرِيفِهَا فِيمَا اشْتَرَى بِهِ لِنَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَخْذُ مَا اشْتَرَى بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَاعَ الْمُبْضِعُ مَعَهُ مَا اشْتَرَى بِالْبِضَاعَةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا أَوْ اشْتَرَى بِهَا مَا أَمَرَهُ بِهِ فَتَلِفَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّهَا. وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى الْمُبْضِعُ مَعَ سِلَعِهِ لِنَفْسِهِ بِالْبِضَاعَةِ مَا بَاعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِالشِّرَاءِ فِيهِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَفُتْ الشِّرَاءُ فَكَانَ لِهَذِهِ الْبِضَاعَةِ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّفَهَا وَصَيَّرَهَا فِي ضَمَانِهِ فَلَمَّا رَدَّهَا قَبْلَ فَوَاتِ مَا أُمِرَ بِهِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حَاجَتِهِ إلَى الْبَيِّنَةِ فِي رَدِّ ذَلِكَ إلَى حَالِ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الْقَضَاءُ فِي الْمُسْتَكْرَهَةِ مِنْ النِّسَاءِ] (ش) : الْمُسْتَكْرَهَةُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَى مَنْ اسْتَكْرَهَهَا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَ الصَّدَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَدَّ وَالصَّدَاقَ حَقَّانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ وَالثَّانِي لِلْمَخْلُوقِ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَرَدِّهَا قَالَ مَالِكٌ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ صَغِيرَةً افْتَضَّهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ افْتَضَّهَا بِأُصْبُعِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ افْتَضَّ بِكْرًا بِأُصْبُعِهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ أَنَّهَا كَالْجَائِفَةِ وَفِي ذَلِكَ ثُلُثُ دِيَتِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قَدْرِ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْأَزْوَاجِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِهَا بِكْرًا مِائَةً وَمَهْرُ مِثْلِهَا ثَيِّبًا خَمْسُونَ فَيُؤَدِّي مَا نَقَصَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّهُ جُرْحٌ وَلَيْسَ بِوَطْءٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الَّذِي افْتَضَّهَا صَبِيًّا فَافْتَضَّ صَغِيرَةً بِذَكَرِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فِيهِ فِي قَوْلِنَا الِاجْتِهَادُ بَعْدَ رَأْيِ الْإِمَامِ وَرَأْيِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ حَكَمَ فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ جُرْحٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَشِينُ وَيُزَهِّدُ فِي الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ يَشِنْ الْجَسَدَ فَلِذَلِكَ صُرِفَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ النِّسَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ لَا تُمَيِّزُ وَصَغِيرَةٍ تُمَيِّزُ فَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَهَذَا حُكْمُهَا إنْ أُكْرِهَتْ وَأَمَّا إنْ أَمْكَنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا أَبَاحَتْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهَا، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي تُمَيِّزُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ أَشْهَبَ فِي الصَّبِيَّةِ تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا رَجُلًا فَيَطَؤُهَا فَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا يُخْدَعُ فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا لَا يُخْدَعُ فَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَبِمَاذَا يَثْبُتُ الْإِكْرَاهُ إنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِهِ فَهُوَ أَقْوَى مَا فِيهِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أَنَّهُ زَنَا بِهَا مُكْرَهَةً فَهَذَا الَّذِي يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ لَهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ دُونَ أَرْبَعَةٍ لَحُدُّوا بِالْقَذْفِ قَالَ أَصْبَغُ: لِأَنَّهُمَا قَطَعَا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ أَدْخَلَهَا مَنْزِلَهُ غَصْبًا فَغَابَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَصَابَنِي فَقَالَ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَهَا الصَّدَاقُ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهَا وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الشَّاهِدِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ قُوَّةُ الْأَمْرِ بِالْبَيِّنَةِ تَشْهَدُ بِاحْتِمَالِهَا مُكْرَهَةً وَالْمَغِيبُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَا بَلَّغَتْهُ مِنْ فَضِيحَتِهَا فَقَوَّى ذَلِكَ دَعْوَاهَا وَاسْتَحَقَّتْ بَيِّنَتُهَا صَدَاقَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَأَلْفَيْنَهَا بِكْرًا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ قَالَ أَمَّا أَشْهَبُ فَلَمْ يَرَ لَهَا شَيْئًا قَالَ أَصْبَغُ وَقَدْ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِالْبَكَارَةِ تَبْطُلُ مَا ادَّعَتْهُ مِنْ إصَابَتِهِ إيَّاهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النِّسَاءَ فِيمَا فِي أَرْحَامِهِنَّ مُؤْتَمَنَاتٌ وَالْحَرَائِرُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا لَهَا بِالْإِكْرَاهِ، وَلَا بِاحْتِمَالِهَا وَالْمَغِيبِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ وَهِيَ تَدْمَى إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ لَا تَدْمَى إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقَدْ فَضَحَتْ نَفْسَهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِ لَا تُحَدُّ هِيَ لِمَا رَمَتْهُ بِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنْ لَا تَدْمَى وَيَكُونَ الْمَقْذُوفُ صَالِحًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: عَلَيْهَا حَدُّ الْقَذْفِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّانِيَةَ: أَنْ تَكُونَ تَدْمَى فَهَذِهِ فِيهَا رِوَايَتَانِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تُحَدُّ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ فَهَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ رَوَاهَا ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ. فَوَجْهُ صَرْفِ الْحَدِّ عَنْهَا أَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى أَنْ تُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهَا بِمَا جَنَى عَلَيْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهَا إلَّا بِالتَّعَلُّقِ بِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ فَلَمَّا كَانَتْ مُضْطَرَّةً إلَى صَرْفِ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ عَنْ نَفْسِهَا كَانَتْ كَالرَّجُلِ يَقْذِفُ زَوْجَتَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لَمَّا كَانَ مُضْطَرًّا إلَى ذَلِكَ لِحِمَايَةِ نَسَبِهِ، وَكَانَ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ اللِّعَانِ يُقَوِّي دَعْوَاهُ وَيَصْرِفُ الْحَدَّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا تُبَلِّغُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرْأَةُ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا يُقَوِّي دَعْوَاهَا وَيَصْرِفُ الْحَدَّ عَنْهَا وَلَهَا مَعَ ذَلِكَ مَعْنَيَانِ يُقَوِّيَانِ دَعْوَاهَا أَحَدُهُمَا التَّعَلُّقُ بِهِ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ دَامِيَةً فَإِنْ اجْتَمَعَ لَهَا ذَلِكَ فَقَدْ أَتَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا فِي تَقْوِيَةِ دَعْوَاهَا فَإِنْ قَامَ ذَلِكَ مَعَ صَلَاحِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَبَتَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَجْهُ إثْبَاتِ الْحَدِّ عَلَيْهَا: أَنَّ صَلَاحَهُ الْمَشْهُورَ يَشْهَدُ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ خُلُوِّهِ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي مِنْهُ مَا يَشْهَدُ لَهَا، وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَشْهَدُ فِيهِ الْخَلْوَةُ بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا تَقُومُ مَقَامَهُ الدَّعْوَى كَخَلْوَةِ الزَّوْجِ بِالزَّوْجَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِنَفْيِ الْحَدِّ عَنْهَا مَا يَظْهَرُ بِهَا مِنْ الدَّمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ مَا حَلَّ بِهَا مَعَ تَعَلُّقِهَا بِهِ وَهَذِهِ مَعَانٍ ظَاهِرَةٌ فِيمَا تَدْعِيهِ مِنْ الظُّلْمِ لَهَا مَعَ أَنَّ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُهَا وَضَرُورَةُ صَرْفِهَا إلَى حَدِّ الزِّنَا عَنْهَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الثَّيِّبِ الَّتِي لَا تَدْمَى؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي صَرْفِ حَدِّ الزِّنَا عَنْهَا بِمَا تَتَوَقَّعُهُ مِنْ ظُهُورِ الْحَمْلِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا كَانَ مُتَّهَمًا فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ، وَلَا تُحَدُّ هِيَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا تَدْمَى سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا بِالتَّشَكِّي مَعَ مَا يَصْدُقُ مِنْ ظُهُورِ دَمِهَا يُقَوِّي دَعْوَاهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا لِإِقْرَارِهَا بِمُجَامَعَةِ الرَّجُلِ لَهَا، وَلَوْ ظَهَرَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَمْلٌ؛ لِأَنَّ مَا بَلَغَتْهُ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا بِالِاسْتِغَاثَةِ وَالتَّشَكِّي مِمَّا جَنَى عَلَيْهَا شُبْهَةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهَا فِي الْقَذْفِ فَبِأَنْ يَسْقُطَ عَنْهَا فِي حُقُوقِ الْبَارِي - تَعَالَى - أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ حَلَفَتْ حَدُّ الزِّنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْبَارِي فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا الْأَدَبُ، رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ يُعْرَفْ بِسَفَهٍ وَلَا حِلْمٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ مُتَّهَمًا أُدِّبَ أَدَبًا وَجِيعًا كَانَتْ تَدْمَى أَوْ لَا تَدْمَى قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا أَدَبَ وَلَا عِقَابَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَأَشْهَبُ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا صَدَاقَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ احْتَمَلَهَا وَخَلَا بِهَا فَيَكُونُ لَهَا الصَّدَاقُ إذَا حَلَفَتْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ مُتَعَلِّقٌ بِدَعْوَاهَا مَعَ مَا بَلَّغَتْهُ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَأَمَّا الْخُلُوُّ بِهَا فَغَيْرُ مُوجِبٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا وَلَمْ تَدَّعِ إصَابَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ صَدَاقٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يُقَوِّي دَعْوَاهَا، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهَا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى فَلَا تَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ صَدَاقًا كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْإِصَابَةَ دُونَ ثُبُوتِ الْخَلْوَةِ فَلَا يَجِبُ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ ادَّعَتْهُ مَعَ ثُبُوتِ الْخَلْوَةِ لَوَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُشْتَرَطُ يَمِينُهَا فِي اسْتِحْقَاقِهَا الصَّدَاقَ؟ أَصْحَابُ مَالِكٍ يَقُولُونَ لَا يَجِبُ لَهَا الصَّدَاقُ إلَّا بِيَمِينِهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَتَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَلَهَا الصَّدَاقُ بِلَا يَمِينٍ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا تَدْمَى أَوْ ثَيِّبًا لَا تَدْمَى وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ دَعْوَاهَا قَوِيَتْ بِمَا قَارَنَهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ بِهَا شَيْئًا إلَّا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ دَعْوَاهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا بَلَّغَتْ بِنَفْسِهَا لَمَّا أَسْقَطَ عَنْهَا حَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ الزِّنَى أَوْجَبَ لَهَا الصَّدَاقَ كَالْبَيِّنَةِ بِمَا قَارَنَهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْحُرَّةِ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الْأَمَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَيُرِيدُ بِالثَّمَنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْقِيمَةَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَمَةِ الْفَارِهَةِ تَتَعَلَّقُ بِرَجُلٍ تَدَّعِي أَنَّهُ غَصَبَهَا نَفْسَهَا قَالَ الصَّدَاقُ عَلَيْهِ لِمَا بَلَّغَتْ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ عَلَيْهَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا قَالَ يُرِيدُ فِي عَدَمِ مَا نَقَصَهَا فِي الْحَدِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي إلْزَامِهِ نَقَصَ الْأَمَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَدَاقَ الْحُرَّةِ بِهَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْأَمَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّدَاقَ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ أَبَاحَتْ لَهُ قَطْعَ يَدِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهَا فَبِإِبَاحَتِهَا الْوَطْءَ سَقَطَ الْمَهْرُ كَالْبِكْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُغْتَصِبِ، وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمُغْتَصَبَةِ يُرِيدُ عَلَى الْمُغْتَصِبِ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمُغْتَصَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَةَ فِي الزِّنَى لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْمُكْرَهُ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَسَحْنُونٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ هُدِّدَ بِالْقَتْلِ فَإِنْ فَعَلَ حُدَّ قَالَ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَشِرُ لِذَلِكَ إلَّا بِلَذَّةٍ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالظَّاهِرُ عِنْدِي خِلَافُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي الْإِنْسَانُ الْخَمْرَ وَأَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَفْعَلْهُ لِالْتِذَاذِهِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِلْإِكْرَاهِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ أَنْ لَا يَنْتَشِرَ، وَلَوْ مَلَكَهُ وَفَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ تَجَرُّعِهِ الْخَمْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَهِيهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ فِعْلُهُ وَلَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ الْتِذَاذُهُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ يُوجِبُهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا الْكُفْرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ كَذِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُغْتَصِبُ عَبْدًا فَذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ إنْ أَكْرَهَ حُرَّةً فَصَدَاقٌ، وَمَا نَقَصَ الْأَمَةَ يَغْرَمُهُ السَّيِّدُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ جِنَايَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْتِكَهُ بِالْجِنَايَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ أَوْ يُسْلِمَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ جَنَى عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَمَا لَزِمَهُ مِنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ وَنَقْصِ الْأَمَةِ فَفِي رَقَبَتِهِ وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ بِفَوْرِ مَا فَعَلَ ذَلِكَ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ تَدْمَى فَأَمَّا مَا فَعَلَ ذَلِكَ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ تَدْمَى بَعْدُ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُلْحَقُ بِرَقَبَتِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ تَسْتَحِقُّ فِيهِ الْحُرَّةُ الصَّدَاقَ بِيَمِينِهَا فَإِنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَلَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِ الْعَبْدِ عِنْدِي وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ إنَّمَا يُقْبَلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ مِنْ الْحُدُودِ بِجَسَدِهِ فَأَمَّا فِيمَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ ذِمِّيًّا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: إنْ أَكْرَهَهَا قُتِلَ كَنَقْضِ الْعَهْدِ فِي الْمُحْصَنَاتِ الْمُسْلِمَاتِ وَقَالَهُ اللَّيْثُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدْ قَتَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذِمِّيًّا اسْتَكْرَهَ مُسْلِمَةً. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا اغْتَصَبَ النَّصْرَانِيُّ حُرَّةً مُسْلِمَةً قُتِلَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ إنْ اغْتَصَبَهَا صُلِبَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اغْتِصَابَهُ الْمُسْلِمَةَ وَتَغَلُّبَهُ عَلَيْهَا نَقْضٌ لِلْعَهْدِ وَتَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا يَثْبُتُ اغْتِصَابُهُ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَقَدْ كَانَ يَقُولُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى هَذَا وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَجْهُ اعْتِبَارِ الْأَرْبَعَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ الْوَطْءُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْإِكْرَاهِ وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ لَمْ يَجِبْ الْقَتْلُ وَالْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تُحَدُّ هِيَ وَيُنَكَّلُ هُوَ وَالنَّكَالُ فِي هَذَا مِثْلُ ضِعْفَيْ الْحَدِّ وَأَكْثَرَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يُجْلَدُ جَلْدًا يَمُوتُ مِنْهُ، وَإِنْ اسْتَكْرَهَ أَمَةً مُسْلِمَةً قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا لَمْ أَقْتُلْهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِمَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَعَلَيْهِ فِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحَدِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُرَدُّ إلَى أَهْلِ ذِمَّتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا عُقِدَتْ لَهُمْ الذِّمَّةُ لِتُنَفَّذَ بَيْنَهُمْ أَحْكَامَهُمْ

[القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره]

الْقَضَاءُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعَتْ مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِمِثْلِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ فِيمَا اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتِهْلَاكِهِ الْقِيمَةَ أَعْدَلَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرَائِعَهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَتَقَرَّرَ هَذَا فِي الْحُدُودِ مُسْتَوْعَبًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [الْقَضَاءُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْحَيَوَانِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ إنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْدُودٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا مَعْدُودٍ أَنْ تَسْتَوِيَ آحَادُ جُمْلَتِهِ فِي الصِّفَةِ غَالِبًا كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ كَمَا تَسْتَوِي حُبُوبُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ مِنْ الْمَكِيلِ وَآحَادِ الْعِنَبِ الْمَوْزُونِ، وَأَمَّا جُمْلَةُ الْحَيَوَانِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ، وَإِنْ اسْتَوَى عَدَدًا فَإِنَّ آحَادَ جُمْلَتِهِ لَا تَسْتَوِي بَلْ تَتَبَايَنُ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَدَدًا مِنْ جُمْلَةِ الْبَيْضِ وَالْجَوْزِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ تَعْيِينُهَا دُونَ خِيَارٍ يَثْبُتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّعْيِينِ غَيْرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالثِّيَابُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا عَدَدًا مِنْ الْجُمْلَةِ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ بِمَعْنَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ فَيَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقِسْمَةِ عَلَى الْقِيمَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يُعْتَدُّ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ جِهَةِ أَعْيَانِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ لَهُ مِنْ جِهَةِ قِيمَتِهِ وَالْمَكِيلُ وَالْمَعْدُودُ وَالْمَوْزُونُ إنَّمَا يُقْسَمُ بِمَا يُعْتَبَرُ بِهِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْدُودٍ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ مِثْلَهُ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ صِفَاتِهِ، وَلَا يَكَادُ يَجِدُ مِثْلَ مَا أَتْلَفَ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي عَدَدِ مَبِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِإِتْلَافِهِ الْمِثْلُ كَالدُّورِ، وَقَدْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ بِحَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ» وَقَدْ كَانَ احْتَجَّ بِهِ عَلَى بَعْضِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا ثُمَّ رَأَيْت غَيْرَهُ قَدْ أَدْخَلَهُ فِي تَأْلِيفِهِ فَخِفْت أَنْ يَكُونَ قَدْ ذَهَبَ عَلَيْهِ وَجْهُ تَأْوِيلِهِ فَلِذَلِكَ أَوْرَدْتُهُ وَأَوْرَدْتُ بَعْضَ مَا كُنْتُ جَاوَبْتُ بِهِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِيهِ لَهُ لَا سِيَّمَا مِمَّا يُسْتَخْدَمُ وَيُسْتَعْمَلُ، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الَّذِي وَرَدَتْ مِنْهُ الْهَدِيَّةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ أَرْسَلَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إلَى بَيْتِ الَّتِي أَرْسَلَتْ بِقَصْعَتِهَا صَحِيحَةً وَأَبْقَى الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا تُشَعِّبُهَا وَتَنْتَفِعُ بِهَا بَدَلًا مِنْ الصَّحْفَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَصْعَتَيْنِ لِلْمَرْأَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ إذَا اتَّفَقَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الرِّضَا بِهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْقِيمَةِ إذَا أَبَيَا ذَلِكَ أَوْ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى ذَلِكَ سَدَادًا فِي الْأَمْرِ فَرَضِيَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، وَانْتَقَلَ إلَى الْأُخْرَى فَرَضِيَتْهُ، وَلَيْسَ فِي الْأَمْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْدَاهُمَا أَبَتْ ذَلِكَ فَحَكَمَ بِهِ فَالْحَدِيثُ لَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ بِوَجْهٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاسْتِهْلَاكُ الْحَيَوَانِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعُرُوضِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَهْلِكَ الْجُمْلَةَ وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَهْلِكَ الْبَعْضَ وَاسْتِهْلَاكُ الْكُلِّ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ غَصْبٌ أَوْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ غَصْبٌ فَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ غَصْبٌ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْغَصْبِ دُونَ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ الْغَصْبُ لَضَمِنَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِتَعَدِّيهِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ غَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا حَتَّى انْهَدَمَتْ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَا لَا يَصِحُّ نَقْلُهُ كَالْأَرْضِينَ وَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى يُضْمَنُ بِهِ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَضُمِنَ بِهِ مَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالْإِتْلَافِ وَالِاسْتِهْلَاكِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَإِنْ هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَصْبَ تَعَدٍّ يَضْمَنُ بِهِ الْغَاصِبُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا غَصَبَ وَيُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَفَاتَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدِ رَجُلٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ لَا عِتْقٌ فِيهَا،. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَضْمَنُ وَيَضْمَنُ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ وَجْهُ الْقَوْلِ أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِالرِّقِّ فَضُمِنَتْ بِالْغَصْبِ كَالْأَمَةِ؛ وَلِأَنَّ ابْنَهَا لَهُ حُكْمُهَا وَقَدْ جَمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَكَذَلِكَ الْأُمُّ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا بِوَجْهٍ وَلَا تُسَلَّمُ فِي جِنَايَةٍ فَلَمْ يَضْمَنْهَا بِالْغَصْبِ كَالْحُرَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ وَلَدِهَا بِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُسَلَّمُ فِي الْجِنَايَةِ وَلَا تُسْتَخْدَمُ وَوَلَدُهَا يُسْتَخْدَمُ وَيُسَلَّمُ فِي الْجِنَايَةِ، فَالْغَاصِبُ لَهُ قَدْ حَبَسَ مَنَافِعَهُ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنْ أَدْرَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يَدْخُلَهُ تَغْيِيرٌ أَوْ يَدْخُلَهُ تَغْيِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ تَغْيِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَيْنُ مَالِهِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ضَمَانِهِ تَغْيِيرُ الْأَسْوَاقِ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِنُقْصَانٍ وَلَا طُولِ مُدَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ سِنِينَ كَثِيرَةً رَوَاهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَإِنَّ تَغَيُّرَ الْأَسْوَاقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَيَوَانٍ وَلَا غَيْرِهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي عَيْنِ مَا غَصَبَهُ الْغَاصِبُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي ضَمَانِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبِيدَ وَالدَّوَابَّ حَيْثُ وَجَدَهُمْ لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ: إنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ أَوْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ مِنْهُ حَيْثُ غَصَبَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَنْتَقِلُ غَالِبًا بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ عَلَى النَّاقِلِ فَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَمَوَّنْ فِي نَقْلِهِ إلَّا مَا كَانَ يُتَمَوَّنُ فِي مَقَامِهِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي رَدِّهِ وَلَا مُؤْنَتِهِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ نُقِلَ فَثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ كَالْعُرُوضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَزُّ وَالْعُرُوضُ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ حَيْثُ غَصَبَهُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ قَالَ سَحْنُونٌ: الْبَزُّ وَالرَّقِيقُ سَوَاءٌ إنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي يَدَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ قَدْ يَنْقُصُهُ نَقْلُهُ مِنْ بَلَدِ الْغَصْبِ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ فَكَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْقِيمَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ نَقْصٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ فَلَمْ يُوجِبْ الْخِيَارَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ بِلَادِ الْغَصْبِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا نَفَقَةَ وَلَا عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ قَالَهُ أَصْبَغُ وَلِأَشْهَبَ نَحْوُهُ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ تَعَدَّى عَلَى خَشَبِ رَجُلٍ فَحَمَلَهُ مِنْ عَدْنٍ إلَى جَدَّةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ: فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَلِرَبِّ السِّلْعَةِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ إلَى عَدْنٍ أَوْ يَأْخُذَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عَلَى صِفَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَخْذُهُ وَلَمَّا نَقَلَهُ عَنْ مَكَانِهِ الْغَاصِبُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَكَان قَرِيبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَغَيُّرُ الْبَدَنِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْأَمَةِ تَتَغَيَّرُ عِنْدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَاصِبِ تَغَيُّرًا يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنَّ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَرَمُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَوْتٌ قَالَ أَشْهَبُ: سَوَاءٌ كَانَ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْهَرَمِ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا مِثْلَ انْكِسَارِ الْيَدَيْنِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ إنْ شَاءَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إذَا كَانَ مَا دَخَلَهَا مِنْ النَّقْصِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا بِفِعْلِ الْغَاصِبِ، وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ إلَّا أَخْذُهَا بِغَيْرِ أَرْشٍ أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا وَمَا نَقَصَ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَضْمَنْ مَا حَدَثَ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ بِضَمَانِ الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا نَقَصَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ فَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهَا نَاقِصَةً بِغَيْرِ أَرْشٍ أَوْ إسْلَامُهَا وَأَخْذُ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ كَالْمُبْتَدَأَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ وَلِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ وَجَدْت لِسَحْنُونٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ فِي الْعَمْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اغْتَصَبَ وَدْيًا مِنْ النَّخْلِ أَوْ شَجَرًا صِغَارًا فَغَرَسَهَا فِي أَرْضِهِ فَكَبُرَتْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لِرَبِّهَا أَخْذُهَا، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ أَوْ الرَّقِيقُ يَكْبَرُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَحْكُمُ بِقَلْعِ النَّخْلِ إذَا كَانَ مِمَّا يُعَلَّقُ إنْ قُلِعَتْ وَغُرِسَتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الرَّقِيقِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ حَيَوَانِهِ وَرَقِيقِهِ كَمَا لَوْ سَمُنَتْ وَأَمَّا النَّخْلُ وَالشَّجَرُ فَعِنْدِي أَنَّ الْغَاصِبَ إنْ كَانَ قَلَعَهَا وَقَدْ عَلِقَتْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَجَرَهُ أَوْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ثِقَةٍ أَنْ تَعْلَقَ إنْ قَلَعَهَا وَغَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَخَذَهَا مَقْلُوعَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِ لَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ الْخِيَارُ فِي مَوْضِعِ النَّقْصِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِيمَنْ غَصَبَ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا: فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا إلَّا أَخْذُهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا ذِمِّيًّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا خَمْرًا يَوْمَ الْغَصْبِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ لِمُسْلِمٍ فَقَدْ زَادَتْ بِالتَّخَلُّلِ وَلَمْ تَنْقُصْ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَيْنُ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ فَقَدْ نَقَصَتْ فِي حَقِّهِ بِالتَّخْلِيلِ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا غَابَ الْغَاصِبُ عَنْ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَطِئَهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ صَاحِبَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَسْنَا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّقِيقِ الْمَذْكُورِ، وَلَا فِي الدَّوَابِّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يُصِيبَهَا، وَذَلِكَ يُنْقِصُ ثَمَنَهَا، وَقَالَ أَصْبَغُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْجَارِيَةِ الرَّائِعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْغَصْبِ هِيَ قِيمَةُ السِّلْعَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ سَوَاءٌ زَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ نَقَصَتْ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً صَغِيرَةً تُسَاوِي مِائَةً فَلَمَّا كَبُرَتْ وَصَارَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا مَاتَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ جَرَحَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَمَاتَ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجُرْحِ، وَهَذَا إذَا مَاتَتْ بِغَيْرِ فِعْلِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهَا إنْ مَاتَتْ بِسَبَبِهِ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَهَا وَقَدْ زَالَتْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: الْقَتْلُ فِعْلٌ ثَانٍ، وَقَالَ إنَّ لَهُ أَخْذَهُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَتْلِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَلَوْ بَاعَهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ فَقَأَ الْغَاصِبُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَيْنَ الْجَارِيَةِ أَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ يَأْخُذُهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِ مَوْضِعٍ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَمَا نَقَصَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَتْلِ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ فَيَأْخُذُهَا وَمِثْلَ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَيَأْخُذُ فِي الْيَدِ مَا لَا يَأْخُذُ فِي النَّفْسِ، وَإِنَّمَا لَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْذُهَا نَاقِصَةً فَقَطْ أَوْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقَتْلِ لِسَحْنُونٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَطْعِ الْيَدِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إنَّ عَرَا الِاسْتِهْلَاكُ وَالتَّعَدِّي مِنْ الْغَصْبِ فَإِنَّمَا لَهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ تَعَدَّى فَوَطِئَ أَمَةَ رَجُلٍ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ فَحَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُهَا وَقِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي ضَمَانِهِ مِنْ يَوْمِئِذٍ وَعَلَيْهِ فِي الْغَصْبِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغَصْبِ لَا يَنْظُرُ إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَصْبَ مَعْنًى تُضْمَنُ بِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَأَمَّا التَّعَدِّي فَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى حَالَيْ الضَّمَانِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ اسْتَهْلَكَ بَعْضَ الْعَيْنِ أَوْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا نَقْصًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّ لِصَاحِبِهَا أَخْذَهَا وَقِيمَةَ مَا نَقَصَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ كَانَتْ جِنَايَتُهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَيُخَالِفُ ذَلِكَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِالْفَسَادِ الْيَسِيرِ لِتَقَدُّمِ الْغَصْبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِيمَنْ كَسَرَ قَصْعَةً أَوْ قُمْقُمًا أَوْ شَقَّ ثَوْبًا أَوْ كَسَرَ سَرْجًا فَإِنَّ فِي النَّقْصِ الْكَثِيرِ قِيمَتَهُ وَفِي الْيَسِيرِ مَا نَقَصَهُ قَالَ أَشْهَبُ: بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَعْدَ رَفْوِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي مَا يَلِيقُ بِالثَّوْبِ مِنْ خِيَاطَتِهِ أَوْ رَفْوِهِ وَهَذَا عِنْدِي إذَا كَانَ الْيَسِيرُ لَا يَبْطُلُ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ لَزِمَ الْجَانِيَ جَمِيعُ قِيمَتِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ وَأَصْبَغَ فِي الَّذِي يَقْطَعُ ذَنَبَ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ فَارِهٍ أَوْ بَغْلٍ مِمَّا يَرْكَبُ مِثْلَهُ ذَوُو الْهَيْئَاتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْغَرَضَ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ وَسَوَّى بَيْنَ الْأُذُنِ وَالذَّنَبِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّمَا فِي ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَتْلَفَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا كَمَا لَوْ أَتْلَفَ جَمِيعَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى شَاةٍ فَقَلَّ لَبَنُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ كَانَ عَظُمَ مَا يُرَادُ إلَيْهِ اللَّبَنُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إنْ شَاءَ رَبُّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا، وَأَمَّا الْبَقَرَةُ وَالنَّاقَةُ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ غَيْرَ اللَّبَنِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: إنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ فَجَعَلَ قَطْعَ الْيَدِ أَوْ فَقْءَ الْعَيْنِ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ. وَقَالَ: وَأَمَّا قَطْعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْبَهَائِمِ فَيَبْطُلُ جَعْلُ مَنَافِعِهَا أَوْ جَمِيعِهَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ، وَأَمَّا فَقْءُ الْعَيْنِ وَقَطْعُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ أَوْ كَسْرُهَا كَسْرًا يَنْجَبِرُ فِيهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا وَقَالَهُ مَالِكٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ وَفَقْءِ الْعَيْنِ: أَنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ مَا نَقَصَهُ أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ فَجَعَلَهُ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَإِنْ كَانَ صَانِعًا وَعَظُمَ قَدْرُهُ لِصَنْعَتِهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَانِعًا فَقِيمَةُ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا نَبِيلًا، وَأَمَّا فَقْءُ الْعَيْنِ فَفِيهِ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ كَانَ صَانِعًا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ كَسَرَ قَصْعَةً أَوْ سَرْجًا أَوْ قُمْقُمًا أَوْ شَقَّ ثَوْبًا أَنَّ فِي النَّقْصِ الْكَثِيرِ قِيمَتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ. وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ بَعْدَ الْعَمَى وَقَطْعِ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ بِمَكِيلَتِهِ مِنْ صِنْفِهِ، وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْعَمَلُ الْمَعْمُولُ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدَيْنِ لَمْ تَذْهَبْ أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ عَمْدًا خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِ مَا نَقَصَهُ أَوْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَهُ. قَالَ أَشْهَبُ إذَا أَذْهَبَ قَطْعُ يَدِهِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مَنَافِعِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إلَّا قِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُذْهِبْ أَكْثَرَ مَنَافِعِهِ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فَعَلَى هَذَا يَتَنَوَّعُ الْفَسَادُ عِنْدَ مَالِكٍ نَوْعَيْنِ يَسِيرٌ يَجِبُ بِهِ مَا نَقَصَ وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ، وَكَثِيرٌ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَمَرَّةٌ قَالَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ فِيمَنْ قَطَعَ رِجْلَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كُلُّهَا وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهُ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهُ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْعَبْدِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَمَا نَقَصَ أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ وَيَتَنَوَّعُ الْفَسَادُ عَنْ أَشْهَبَ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا يَسِيرٌ لَيْسَ إلَّا مَا نَقَصَ وَالثَّانِي أَنْ يَنْقُصَ الْكَثِيرُ وَلَا يَذْهَبُ أَكْثَرُ الْمَنَافِعِ فَهَذَا يَكُونُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ مُخَيَّرًا عَلَى مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ أَكْثَرَ الْمَنَافِعِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إلَّا الْقِيمَةُ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ إذَا كَانَ لَهُ تَضْمِينُهُ الْقِيمَةَ بِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ بِحَالِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ جَمِيعِهِ وَكَذَلِكَ ذَابِحُ الشَّاةِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا لَحْمًا وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ عَنْ غَيْرِ الْعَيْنِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَبَعْضَ الْقِيمَةِ وَلَا يَأْخُذَ غَيْرَ الْقِيمَةِ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْهُمَا عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً دُونَ شَيْءٍ فَذَلِكَ لَهُ، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ أَنَّهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فِي الْيَسِيرِ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ فِي الْكَثِيرِ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَمَا نَقَصَهُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ تَعَدِّيًا فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فِي الْكَيْلِ وَالصِّفَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْكَيْلِ، وَكَذَلِكَ مَا يُوزَنُ وَيُعَدُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ لِحَوْزِ صُبْرَتِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِثْلَ مَا حُوِّزَ فِيهَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ صُبْرَتِهِ حِنْطَةَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ أَقَلَّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الطَّعَامِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ غَصَبَ صُبْرَةَ قَمْحٍ فَأَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْهَا عَلَى كَيْلٍ مِنْ الْقَمْحِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَلْزَمَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ بِحُكْمٍ أَوْ صُلْحٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ كَيْلًا مِنْ الْقَمْحِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا عِشْرُونَ إرْدَبًّا وَيَأْخُذَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُصَالِحَهُ مِنْ الْمَكِيلِ عَلَى مَا لَا شَكَّ فِيهِ يُرِيدُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ خَلْخَالًا فِضَّةً وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ خَلَطَ قَمْحًا لِرَجُلٍ بِشَعِيرٍ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ طَعَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَتْلَفَ عَيْنَ طَعَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنَعَهُ الْوُصُولَ إلَى قَبْضِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَانِي مَالٌ بِيعَ الطَّعَامُ الْمَخْلُوطُ وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ طَعَامِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ قَالَ: فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ فَلِلْجَانِي، وَإِنْ نَقَصَ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبَا الطَّعَامِ أَنْ يَتْرُكَا طَلَبَ الْجَانِي وَيَأْخُذَا الطَّعَامَ وَيَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ جَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَشْتَرِكَانِ فِي الطَّعَامِ الْمُخْتَلَطِ أَحَدُهُمَا بِقِيمَةِ قَمْحِهِ وَالْآخَرُ بِقِيمَةِ شَعِيرِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ إلَّا عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَتْ مَكِيلَةَ طَعَامِهِمَا سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّفَاضُلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتْرُكَاهُ لِلْغَاصِبِ وَيَأْخُذَا الطَّعَامَ الْمُخْتَلَطَ عَلَى التَّسَاوِي وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ خَلَطَ زَيْتًا بِسَمْنٍ أَوْ سَمْنَ بَقَرٍ بِسَمْنِ غَنَمٍ يَضْمَنُ مَا ضَاعَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ وَلَوْ خَلَطَ نَوْعًا وَاحِدًا كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنًا بِعَسَلٍ أَوْ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنًا بِسَمْنٍ فَضَاعَ بَعْضُهُ ضَمِنَ مَا ضَاعَ وَمَا بَقِيَ وَلِصَاحِبَيْ ذَلِكَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بِشَطْرَيْنِ أَوْ يَدَعَاهُ وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَلَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا فِيهِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا بَاعَ ثُلُثَ سَمْنِهِ بِثُلُثَيْ عَسَلِ صَاحِبِهِ قَالَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ خَلْطَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ جِنَايَةٌ عَلَى مَنْ خَلَطَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا أَنَّ التَّسَاوِيَ الْمُحَقَّقَ فِي الْأَغْلَبِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فَإِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّفَاضُلُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عِنْدَ أَشْهَبَ إلَّا عَلَى التَّسَاوِي؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ يَحْرُمُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ جَازَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عَلَى مَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ فِيهِمَا غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ فِي مِثْلِ هَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَمَّا مَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ خَلَطَ جَوْزَ رَجُلٍ بِحِنْطَةِ آخَرَ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ ذَلِكَ بِلَا مَضَرَّةٍ عَلَى الْقَمْحِ وَالْجَوْزِ قَالَ: وَكَذَلِكَ خَلْطُ الْجَوْزِ بِالرُّمَّانِ وَالرُّمَّانِ بِالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْطُهُمَا يُفْسِدُ أَحَدَهُمَا فَيَضْمَنُ الَّذِي يَفْسُدُ بِالْخَلْطِ، وَإِنْ كَانَ يَفْسُدَانِ بِذَلِكَ ضَمِنَهُمَا، وَلَوْ تَلِفَا قَبْلَ الْفَسَادِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: كَيْفَ يَضْمَنُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَا، وَالْخَلْطُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلضَّمَانِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُهُ الْفَسَادُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَصَبَ قَمْحًا فَطَحَنَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: عَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي غَيْرِهَا: يَأْخُذُ صَاحِبُ الْقَمْحِ دَقِيقَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي طَحِينِهِ وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا مُخَالِفٌ لِأَصْلِ أَشْهَبَ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنَّ الْغَاصِبَ إذَا صَنَعَ فِيمَا غَصَبَ صِنَاعَةً لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى الْغَاصِبِ قِيمَةَ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ، وَإِلَّا ضَمَّنَهُ مَا غَصَبَهُ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا صَبَغَهُ الْغَاصِبُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ صَبْغِهِ أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَكَذَلِكَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ صِنَاعَتِهِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ مِثْلَ مَا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهَا حِنْطَةٌ وَدَرَاهِمُ بِدَقِيقٍ وَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَأَشْهَبُ يَقُولُ: إنَّ مَا يَصْنَعَهُ الْغَاصِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَبْطُلُ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ وَلَا يُعْطِيهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَيَأْخُذَ الْحِنْطَةَ وَلَا يُعْطِيهِ قِيمَةَ الطَّحْنِ. وَاتَّفَقَا فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا سَوِيقًا وَلَتَّهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَخْذُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ مَالٌ بِيعَ السَّوِيقُ فَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهِ مِثْلَ الْحِنْطَةِ فَمَا فَضَلَ فَلِلْغَاصِبِ وَمَا نَقَصَ اتَّبَعَ بِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ يُصْبَغُ وَالثَّوْبُ يُقْطَعُ وَالْعَمُودُ يَدْخُلُ فِي الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّ اسْمَ ذَلِكَ قَائِمٌ بَعْدُ، وَاسْمُ الْقَمْحِ قَدْ زَالَ وَانْتَقَلَ إلَى اسْمِ السَّوِيقِ قَالَ سَحْنُونٌ: كُلُّ مَا غُيِّرَ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ اسْمٌ غَيْرَ اسْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَهُوَ فَوْتٌ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ لِرَبِّ الْحِنْطَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا طَحَنَهَا الْغَاصِبُ سَوِيقًا أَوْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَهَا وَلَا حُجَّةَ لِلْغَاصِبِ فِي الصَّنْعَةِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَاتَّفَقَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَجَعَلَهُ ظِهَارَةً أَوْ بِطَانَةً لِجُبَّةٍ أَوْ جَعَلَهُ قَلَانِسَ فَإِنَّ لِرَبِّهِ فَتْقَهُ وَأَخْذَهُ أَوْ أَخْذَ قِيمَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ أَشْهَبَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ اسْمِهِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ صِنَاعَةٍ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَتُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَصَبَ عَمُودًا أَوْ خَشَبَةً فَأَدْخَلَهَا فِي بُنْيَانِهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا، وَإِنْ خَرِبَ الْبُنْيَانُ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ عَمِلَ الْخَشَبَةَ بَابًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعِيدَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ قَدْ انْتَقَلَ عَنْ اسْمِ الْخَشَبَةِ إلَى اسْمِ الْبَابِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْبَابِ دُونَ غُرْمِ قِيمَةِ الصَّنْعَةِ وَلَا أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيَدْفَعَ قِيمَةَ الصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ إلَى غَيْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحِنْطَةُ تُتَّخَذُ خُبْزًا وَالْجِلْدُ خِفَافًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَصَبَ فِضَّةً فَصَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ فَصَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ غَصَبَ حُلِيًّا فَكَسَرَهُ وَصَاغَ مِنْهُ حُلِيًّا آخَرَ يُخَالِفُهُ أَوْ نُحَاسًا فَصَنَعَ مِنْهُ آنِيَةً أَوْ حَدِيدًا فَصَنَعَ مِنْهُ سُيُوفًا أَوْ آنِيَةً فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ هَذَا أَخْذُ ذَلِكَ وَلَهُ مِثْلُ وَزْنِ فِضَّتِهِ وَنُحَاسِهِ وَحَدِيدِهِ وَمِثْلُ دَرَاهِمِهِ وَقِيمَةُ الْحُلِيِّ قَالَ أَشْهَبُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ الصَّنْعَةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْفِضَّتَيْنِ وَلَا أَنْ يَذْهَبَ بِصَنْعَتِهِ بَاطِلًا وَلَيْسَ كَالْحِنْطَةِ يَطْحَنُهَا سَوِيقًا؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ، وَإِنْ لَمْ يُلَتَّ جَائِزٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السَّوِيقِ مَا يَجِبُ أَنْ يَتَفَاضَلَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فِيمَنْ غَصَبَ فِضَّةً فَصَاغَهَا حُلِيًّا أَنَّ لِرَبِّهَا أَخْذَهَا أَوْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَ فِضَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِعَمَلِ ظَالِمٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّهَا إلَى مَا كَانَتْ مَعَهُ عَلَيْهِ كَالْجِذْعِ وَالْحَجَرِ يَدْخُلُ فِي الْبُنْيَانِ وَهَذَا يُخَالِفُ صَبْغَ الثَّوْبِ وَطَحْنَ الْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَهْلِكُ مِنْ أَحَدِهِمَا مَجْهُولَ الْعَدَدِ لَزِمَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمِثْلِ مَعَ الْجَهْلِ بِالْوَزْنِ لَا يَكَادُ يُسْلَمُ فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ وَالْوَرِقَيْنِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ غَصَبَ كَتَّانًا مَغْزُولًا أَوْ مَنْقُوشًا فَغَزَلَهُ ثُمَّ نَسَجَهُ ثَوْبًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ الْكَتَّانِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتِهْلَاكِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْغَزْلِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ أَشْهَبَ قَدْ انْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَدْ انْتَقَلَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا غَصَبَهُ مَعَ النَّسَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَجَدَ طَعَامَهُ بِغَيْرِ بِلَادِ الْغَصْبِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَأَخْذِ مِثْلِهِ فِي مَوْضِعِ الْغَصْبِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا أَعْرِفُ قَوْلَ أَشْهَبَ هَذَا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ بِمِثْلِهِ فِي مَوْضِعِ الْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَكُلُّ مَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ قَالَ أَصْبَغُ: إنْ كَانَ الْبَلَدُ الْبَعِيدُ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كَبَعْضِ الْأَرْيَافِ وَالْقُرَى وَيَحْمِلُ عَلَى الظَّالِمِ بَعْضَ الْحَمْلِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةٌ لَا غِبْنَ لَهَا فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ أَخْذِهِ حَقِّهِ، وَقَدْ وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ يَكُونُ نَقْصًا فِي الصِّفَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَمْلَ زِيَادَةٌ فِي الطَّعَامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطَى عَنْهَا عِوَضًا لِمَا يَدْخُلُ ذَلِكَ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِالنَّقْلِ وَاَلَّذِي نَقَلَ وَلِذَلِكَ يُجْبَرُ صَاحِبُ الطَّعَامِ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا الْمُسَامَحَةُ بِقَدْرِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ، وَإِذَا اخْتَارَهَا صَاحِبُ الطَّعَامِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَلَا يَرْفَعُ الطَّعَامَ الْمَنْقُولَ إلَى الْغَاصِبِ حَتَّى يَتَوَثَّقَ مِنْهُ قَالَ أَشْهَبُ: يُحَالُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الطَّعَامِ حَتَّى يُوَفَّى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ حَقَّهُ وَقَالَ أَصْبَغُ: يَتَوَثَّقُ لَهُ بِحَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَتْلَفَ عَسَلًا أَوْ سَمْنًا بِبَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مِثْلَهُ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمِثْلِهِ، وَلَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ قِيمَتَهُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَمْرٍ يَجُوزُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: رَبُّ الطَّعَامِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَبَرَ وَأَلْزَمَهُ الْمِثْلَ يَأْتِي بِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَلْزَمَهُ الْقِيمَةَ الْآنَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: اُخْتُلِفَ فِي هَذَا كَمَا اُخْتُلِفَ فِي الْفَاكِهَةِ يُسْلَمُ فِيهَا فَيَنْقَضِي إبَّانُهَا وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُهَا فَالصَّبْرُ حَتَّى يُؤْتِيَ بِالطَّعَامِ مِنْ هَذَا خَيْرٌ كَالصَّبْرِ حَتَّى يَأْتِيَ إبَّانُ الثَّمَرَةِ إلَى قَابِلٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَلْزَمُ الطَّالِبَ التَّأْخِيرُ فِيهِمَا. وَقَالَ أَشْهَبُ يَرُدُّ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ فِي السَّلَمِ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ، وَقَالَ فِي الطَّعَامِ: يَأْخُذُ قِيمَةَ الطَّعَامِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ الْأَمْرُ الْقَرِيبُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مِثْلُ طَعَامِهِ يَأْتِيهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ فِي تَأْخِيرِهِ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرَرٌ أَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ فِي لُجِّ بَحْرٍ أَوْ سَفَرٍ بَعِيدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيْثُ اسْتَهْلَكَهُ يَأْخُذُهُ بِهِ حَيْثُ لَقِيَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ لَا يَخْلُوَانِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ أَوْ غَيْرَ مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ فَإِنْ كَانَتَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَصُوغٍ أَوْ مَصُوغًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَصُوغٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ تِبْرًا أَوْ مَضْرُوبًا فَإِنَّ هَذَا فِيهِ الْمِثْلَ يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ ذَهَبًا، وَمِنْ الْفِضَّةِ فِضَّةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِيهَا مَوْجُودٌ غَيْرُ مَعْدُومٍ، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا عُدِمَ التَّمَاثُلُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ مَصُوغَيْنِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الصِّيَاغَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ ذَهَبًا فَقِيمَتُهُ مِنْ الْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً فَقِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ مِنْ جُمْلَةِ مَا اُسْتُهْلِكَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَالتَّمَاثُلَ مُتَعَذِّرٌ فِيهَا لَا سِيَّمَا مُرَاعَاةُ جِنْسِ فِضَّتِهَا؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تُضْرَبُ إلَّا بَعْدَ رَدِّهَا إلَى التَّمَاثُلِ فِي الْجِنْسِ، وَالتَّمَاثُلُ فِي السِّكَّةِ غَيْرُ مَعْدُومٍ، وَأَمَّا الصَّائِغُ فَلَا يَعْتَبِرُ فِي وُجُودِ مَا يَصُوغُهُ شَيْئًا بَلْ يَتَفَاوَتُ جَوْدَةُ مَا يُصَاغُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا التَّمَاثُلُ، وَكَذَلِكَ جِنْسُ مَا يُصَاغُ مِنْهُ يَبْعُدُ فِيهِ التَّمَاثُلُ فَلِذَلِكَ لَزِمَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِوَارَيْنِ لِغَيْرِهِ فَهَشَّمَهُمَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَيْسَ كَالْفَسَادِ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الصَّنْعَةَ. وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُوغَهُمَا لَهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِمَا وَفِي الْجِدَارِ يَهْدِمُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصُوغَهُمَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِمَا مَصُوغَيْنِ وَمَكْسُورَيْنِ وَلَا أُبَالِي قُوِّمَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا نَقَصَتْهُمَا الصَّنْعَةُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى الذَّهَبِ، وَإِنَّمَا تَعَدَّى عَلَى الصِّيَاغَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ. وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُوغَهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ عِنْدَهُ مِمَّا لَهَا مِثْلٌ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَهُمَا لَا أُلْزِمُهُ مِثْلَهُمَا؛ لِأَنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَهَبِهِ أَوْ أَقَلُّ وَفِي الْكَثِيرِ إنَّمَا يَصُوغُ ذَهَبَهُمَا نَفْسَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَ غَيْرُ مُتَخَلِّصٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَهَبٍ مِثْلِهِ وَيَصُوغَ مِثْلَ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَتْهُمَا الصِّيَاغَةُ أَنَّهُ نَقْصٌ طَرَأَ عَلَى الْحُلِيِّ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِرَادُهُ دُونَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى ثَوْبٍ بِتَخْرِيقٍ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ تَجَرَ بِمَالٍ اُسْتُوْدِعَهُ فَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي جَوَازِ السَّلَفِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُودِعِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ تَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ وَأَشْهَدَ فَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ وَوَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا إنَّمَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِيَحْفَظَهَا لَا لِيَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا لِيَصْرِفَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَمَّا قَبَضَهَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ مَنْ اسْتَوْدَعَ مَالًا أَوْ بَعَثَ بِهِ مَعَهُ فَلَا أَرَى أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ وَلَا أَنْ يُسَلِّفَهُ أَحَدًا وَلَا يُحَرِّكَهُ عَنْ حَالِهِ؛ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ أَوْ يَمُوتَ فَيُتْلِفَ الْمَالُ وَيُضَيِّعَ أَمَانَتَهُ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ؛ فَإِنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِي انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِهَا إذَا رَدَّ مِثْلَهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ فَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ مَا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي الْمَنْعُ مِنْهُ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرَى بِرَدِّ مِثْلِهِ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَلَا شُبْهَةَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (فَرْعٌ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ مَا تَسَلَّفَ مِنْهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا تَسَلَّفَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ اسْتَوْدَعَهَا مَصْرُورَةً فَحَلَّ صِرَارَهَا ثُمَّ تَسَلَّفَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَ جَمِيعَهَا تَلِفَتْ بَعْدَ أَنْ رَدَّ فِيهَا مَا تَسَلَّفَ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَّهَا وَلَمْ يَتَسَلَّفْ مِنْهَا وَلَوْ أَوْدَعَهَا مَنْثُورَةً لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا تَسَلَّفَ مِنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اسْتَسْلَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَرَدَّهُ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُنْفِقُ مِنْ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرُدُّ مَا أَنْفَقَ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْثُورَةً أَوْ مَصْرُورَةً وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا لَا يَبْرَأُ، وَإِنْ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ وَبِهَذَا أَخَذَ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ وَلَمْ يَأْخُذُوا بِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إذَا اسْتَوْدَعَهَا مَصْرُورَةً فَحَلَّ صِرَارَهَا ثُمَّ تَلِفَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ الرَّدِّ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اسْتَوْدَعَهَا مَنْثُورَةً ثُمَّ رَدَّ مَا تَسَلَّفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَحَكَى ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاحْتَجَّ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ تَعَدِّيهِ بِالْأَخْذِ فَإِذَا رَدَّ مَا أَخَذَ فَقَدْ زَالَ التَّعَدِّي وَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ قَالَ؛ وَلِأَنَّهُ حَافِظٌ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْأَمَانَةِ بِأَخْذِهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَرَدُّهُ إيَّاهَا لَا يُزِيلُ عَنْهُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهَا. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالرَّدِّ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالْعَسَلِ، وَكُلِّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، وَأَمَّا فِيمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنْ رَدَّ مِثْلَ الثِّيَابِ فِي الصِّفَةِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ لَمْ يُبْرِئْهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَقَدْ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَكَانَهَا ثَوْبًا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَبْرَأُ بِرَدِّ الْمِثْلِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّ الْمِثْلِ بَرِئَ، وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى أَمَانَتِهِ كَادِّعَائِهِ التَّلَفَ وَالثَّانِيَةُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَا تَسَلَّفَ قَدْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَى مَا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ رَدَّهُ بِبَيِّنَةٍ بَرِئَ، وَإِلَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ تَسَلَّفَهَا بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ تَسَلَّفَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا: يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينًا وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ هُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ تَلِفَتْ وَلَمْ آخُذْ مِنْهَا شَيْئًا لَصُدِّقَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ بِنَفْيِ الْيَمِينِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ فَلَا يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَنُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَعَلَّقَ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يُصَدَّقْ فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا تَسَلَّفَ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، وَأَمَّا مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَقِيلَ لَهُ تَسَلَّفْ مِنْهَا إنْ شِئْت فَتَسَلَّفَ مِنْهَا وَقَالَ رَدَدْتهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يُبْرِئُهُ رَدُّهُ إيَّاهَا إلَّا إلَى رَبِّهَا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ هُوَ الْمُسَلِّفُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُتَسَلِّفُ إلَّا بِرَدِّ ذَلِكَ إلَيْهِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَبْرَأُ بِرَدِّهَا إلَى الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّفَهَا فَإِذَا رَدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ يُرِيدُ إنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَا ابْتَاعَ بِهِ لَهُ وَأَنَّ الرِّبْحَ فِي ذَلِكَ لَهُ وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْغَصْبِ وَلِذَلِكَ قَالَ

[القضاء فيمن ارتد عن الإسلام]

الْقَضَاءُ فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» أَنَّهُ مِنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ مِثْلَ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ فَإِنَّ أُولَئِكَ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا وَلَمْ يُسْتَتَابُوا؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسُرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ الْإِسْلَامَ فَلَا أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ، وَلَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ قَوْلُهُمْ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ وَيُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ فِيمَا نَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ خَرَجَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ وَلَا مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَى الْيَهُودِيَّةِ وَلَا مَنْ يُغَيِّرُ دِينَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا إلَى الْإِسْلَامِ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي عُنِيَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ طَعَامًا فَبَاعَهُ بِثَمَنٍ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ أَوْ تَضْمِينِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالصِّفَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُودَعَ لَمْ يُبْطِلْ عَلَى الْمُودِعِ غَرَضَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِضَاعَةً أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً لِنَفْسِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِضَاعَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَ بِضَاعَتِهِ أَوْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رَامَ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ غَرَضَهُ مِنْ بِضَاعَتِهِ وَيَسْتَبِدَّ بِرِبْحِهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَابْتِيَاعُهُ لِنَفْسِهِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي مِنْ شَرْطِهَا التَّنَاجُزُ فِي الْمَجْلِسِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَرَاهِمَ فَصَرَفَهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ دَنَانِيرُ فَصَرَفَهَا بِدَرَاهِمَ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا مَا كَانَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا صَرَفَهَا بِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُودِعُ، فَإِنْ صَرَفَهَا لِرَبِّهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا صَرَفَهَا بِهِ، وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَصْرِفُ هَذِهِ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ بِمِثْلِ دَنَانِيرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلِرَبِّهَا وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ ضَمِنَهُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ التَّعَدِّي فِي الْعُرُوضِ الَّتِي يَكُونُ رَبُّهَا مُخَيَّرًا فِي التَّعَدِّي عَلَيْهِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ الدَّرَاهِمَ لِنَفْسِهِ صَحَّ الصَّرْفُ فِيهَا، وَإِذَا صَرَفَهَا لِصَاحِبِهَا كَانَ بِالْخِيَارِ فَمَنَعَ ذَلِكَ صِحَّةَ الصَّرْفِ فَإِنْ فَاتَ بِإِنْكَارٍ مِنْ صَارِفِهِ أَوْ مَغِيبِهِ لَمْ يَحُلَّ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ أَخْذُ عِوَضِهَا مِنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إمْضَاءٌ مِنْهُ لِصَرْفِ الْخِيَارِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ رِبْحَ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودِعِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَبِيعَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ لِلْمُودِعِ وَلَا لِلْمُودَعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ فَالرِّبْحُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِمَالٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَضَى مِنْ الْوَدِيعَةِ فَالرِّبْحُ لِلْمُودِعِ وَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ اغْتَصَبَ عَدَدًا مَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ فَلَبِسَهُ أَوْ وَهَبَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ يُرِيدُ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ أَوْ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامُهُ فِي الْقَبْضِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّهُ إلَى الْوَدِيعَةِ فَقَدْ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ تَنُوبُ عَنْ يَدِ صَاحِبِهِ فَإِذَا نَوَى رَدَّهُ وَوَجَدَ مِنْهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يُتِمُّ بِهِ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فِي الْمَصْرُوفِ لَا يَبْدَأُ إلَّا بِرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ أَوْ عَلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي إطْلَاقِ ذَلِكَ وَالْأَمْرُ أَبْيَنُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ. [الْقَضَاءُ فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ] (ش) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَعْنَاهُ فِيمَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْتَتَابُ فِيهِ كَالزَّنَادِقَةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» يَعْنِي بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ فَإِنْ تَابَ تُرِكَ فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الْمُظْهِرِ لِارْتِدَادِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو أَنْ يُسِرَّ كُفْرَهُ أَوْ يُظْهِرَهُ، فَإِنْ أَسَرَّهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى: مَنْ أَسَرَّ مِنْ الْكُفْرِ دِينًا خِلَافَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ مَنَانِيَّةً أَوْ غَيْرِهَا مِنْ صُنُوفِ الْكُفْرِ أَوْ عِبَادَةِ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ نُجُومٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلْيُقْتَلْ وَلَا تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ أَظْهَرَ كُفْرَهُ مِنْ زَنْدَقَةٍ أَوْ كُفْرٍ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ. وَرَوَى سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ وَلَا يُسْتَتَابُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَالَ سَحْنُونٌ إنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [غافر: 84] {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْبَأْسُ هَاهُنَا السَّيْفُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِذَلِكَ بِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُعْرَفُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَمَّا كَانَ الزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ عَلَى مَا أَسَرَّ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُظْهِرُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُسِرُّ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ فَلَا عَلَامَةَ لَنَا عَلَى تَوْبَتِهِ، وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ عَلَى مَا أَظْهَرَ فَإِذَا أَظْهَرَ تَوْبَتَهُ أَبْطَلَ بِهَا مَا أَظْهَرَ مِنْ الْكُفْرِ. قَالَ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاهَرَ بِالْفَسَادِ وَالسَّفَهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَصَارَ إلَى الْعَدَالَةِ وَمَنْ شَهِدَ بِالْعَدَالَةِ وَشَهِدَ بِالزُّورِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَظْهَرَ الرُّجُوعَ عَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَقَرَّ الزِّنْدِيقُ بِكُفْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِ فَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَسَى أَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَزَنْدَقَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبِ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ دِينٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا أَعْلَمُ مَنْ قَالَهُ غَيْرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالزَّنْدَقَةِ هَاهُنَا الْخُرُوجَ إلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مِثْلَ التَّعْطِيلِ وَمَذَاهِبِ الدَّهْرِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِسْرَارَ بِمَا خَرَجَ إلَيْهِ، وَالْإِظْهَارَ لِمَا خَرَجَ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ الَّذِي تَزَنْدَقَ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ يُقْتَلُ كَالْمُسْلِمِ يَتَزَنْدَقُ ثُمَّ يَتُوبُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ فَأَظْهَرَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يُقْتَلَ، وَإِنْ تَابَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5] وقَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَدٌّ وَلَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمُرْتَدِّ إذَا تَابَ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مُنْتَقِلٌ مِنْ كُفْرٍ إلَى إيمَانٍ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُفْرِ كَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ فِيهَا، وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ ثَانٍ يُسْتَتَابُ فِي الْحَالِ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ وَقَدْ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَ جُمَعٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغْرِبَةِ خَبَرٍ فَقَالَ نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ قَالَ فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ قَالَ قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَقَالَ عُمَرُ أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ عُرِضَتْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ تَخْوِيفٌ وَلَا تَعْطِيشٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُخَوَّفُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِالْقَتْلِ وَيُذَكَّرُ الْإِسْلَامَ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ بِنَوْعٍ مِنْ الْعَذَابِ فَلَمْ يُؤْخَذْ بِهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ كَالضَّرْبِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ سَبَبٌ يُقْتَلُ بِهِ الرَّجُلُ فَجَازَ أَنْ تُقْتَلَ بِهِ الْمَرْأَةُ كَالْقَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ هُمْ سَوَاءٌ يُسْتَتَابُونَ كُلُّهُمْ فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى غَيْرِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ كَاَلَّذِي بَدَّلَهُ وَهُوَ عَلَى الْإِسْلَامِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ عَنْ ضِيقٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ خَوْفٍ ثُمَّ ارْتَدَّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا عُذْرَ لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ ضِيقٍ وَقَالَ أَصْبَغُ قَوْلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ الْخَوْفِ فَهَذَا يُقْبَلُ وَأَنْكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَنْ ضِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُقْتَلُ إنْ رَجَعَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا حُكْمَ لَهُ وَهَذَا لَمَّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ كُرْهًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُ الرَّبِّ - تَعَالَى - {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5] فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، وَإِنْ دَخَلُوا الْإِسْلَامَ عَلَى ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُمْ حُكْمُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْتَلُ عَلَى الرِّدَّةِ مَنْ أَسْلَمَ عَنْ ضِيقِ خَرَاجٍ أَوْ جِزْيَةٍ أَوْ مَخَافَةٍ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُحْبَسُ وَيُضْرَبُ فَإِنْ رَجَعَ، وَإِلَّا تُرِكَ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِسْلَامَ فَلِذَلِكَ نَدْعُوهُ إلَيْهِ وَنُشَدِّدُ عَلَيْهِ فِي مُرَاجَعَتِهِ وَلَا يَبْلُغُ الْقَتْلَ لِمَا ثَبَتَ مِنْ ظَاهِرِ أَمْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ مِنْ السُّؤَالِ عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ مِنْ رَعِيَّتِهِ؛ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَهُمْ وَيَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْوَارِدِ وَالصَّادِرِ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالُهُمْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَلَافِيَ مَا ضَاعَ مِنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ هَلْ فِيكُمْ مِنْ مُغْرِبَةِ خَبَرٍ سَأَلَهُ أَوَّلًا عَنْ الْمَعْهُودِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَمَا يَعُمُّهُمْ ثُمَّ سَأَلَهُ عَمَّا عَسَى أَنْ يَطْرَأَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُسْتَغْرَبُ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَادَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ نَادِرًا عِنْدَهُمْ مِمَّا يُسْتَغْرَبُ وَلَا يَكَادُ يَسْمَعُ بِهِ وَلِذَلِكَ حَكَمَ فِيهِ أَبُو مُوسَى بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ لِمَا يَرَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَلَوْ كَانَ أَمْرًا يَكْثُرُ وَيَتَكَرَّرُ لَكَانَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي ذَلِكَ عُمَرُ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ مُوَافَقَةُ أَصْحَابِهِ فَيَشِيعُ ذَلِكَ أَوْ يَظْهَرُ مُخَالِفَةُ مَنْ أَخْطَأَ فَيَشِيعُ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ بَحْثٌ عَنْ حُكْمِهِمْ فِيهِ وَتَعَرُّفٌ لَهُ؛ لِيَأْمُرَ بِاسْتِدَامَةِ الصَّوَابِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الْخَطَأِ فَقَالَ قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِتَابَةً وَلَا غَيْرَهَا وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقْتَلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ

[القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا]

الْقَضَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ السِّمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِبَايَتِهِ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ لَكِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهِمَ مِنْهُ تَرْكَ الِاسْتِتَابَةِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى قَتْلِهِ بِنَفْسِ كُفْرِهِ. وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ اسْتِتَابَتِهِ قَوْلُ عُمَرَ هَذَا، وَأَنْ لَا مُخَالِفَ لَهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَحْمِلَ فِعْلَ أَبِي مُوسَى عَلَى أَنَّهُ قَتَلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَلَعَلَّ النَّاقِلَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ مِمَّنْ وَافَقَهُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِلَّا فَأَبُو مُوسَى وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّلَاثَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] ؛ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ قَدْ جُعِلَتْ أَصْلًا فِي الشَّرْعِ فِي اعْتِبَارِ مَعَانٍ وَاخْتِيَارُهَا فِي الْمُصَرَّاةِ وَفِي اسْتِظْهَارِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَعَهْدَةِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي، وَإِطْعَامُهُ الرَّغِيفَ كُلَّ يَوْمٍ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُوَسِّعَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ تَوْسِعَةً يَكُونُ فِيهَا إحْسَانٌ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُعْطَى مَا يَبْقَى بِهِ رَمَقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْهُ تَعْذِيبٌ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمُزَنِيَّة عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي أَنْ يُطْعَمَ الْمُرْتَدُّ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَلَكِنْ يُطْعَمُ مَا يَكْفِيهِ وَيَقُوتُهُ وَلَا يَجُوعُ، وَإِنَّمَا يُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: يَعْنِي فِي غَيْرِ تَوَسُّعٍ وَلَا تَفَكُّهٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يَقُوتُ مِنْ الطَّعَامِ بِمَا لَا يَضُرُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ يُطْعَمُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَجْعَلَ ذَلِكَ حَدًّا وَلَمْ يُرِدْ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهُ حَدًّا، وَإِنَّمَا أَشَارَ إلَى قِلَّةِ مُؤْنَتِهِ وَيَسَارَةِ وِرَاثَتِهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمَرَ اللَّهِ - تَعَالَى - يُرِيدُ بِهِ الرُّجُوعَ إلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُعْرَضُ لَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» يُرِيدُ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ اللَّهُ وَدَعَا إلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِلَّةِ الْكُفْرِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يُغَيِّرْ بِذَلِكَ دِينَهُ الَّذِي شُرِعَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ: سَوَاءٌ خَرَجَ إلَى دِينِ مَجُوسٍ أَوْ كِتَابٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إذَا بَلَغَنِي تَبَرُّؤٌ مِنْ الْأَمْرِ وَتَصْرِيحٌ بِخَطَأِ فَاعِلِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ بَعْدَهُ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَتَابَ أَهْلَ الرِّدَّةِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصِّدِّيقَ اسْتَتَابَ أُمَّ قِرْفَةَ إذْ ارْتَدَّتْ فَقَتَلَهَا فَلَعَلَّهُ قَدْ عَلِمَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَفَعَلَ أَبُو مُوسَى غَيْرَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَ أَبُو مُوسَى مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَحَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ لِغَيْرِ مَا يَرَاهُ عُمَرُ لَمْ يَبْلُغْ عُمَرُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدَّ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِأَبِي مُوسَى ذَلِكَ لِمَا جَازَ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْحُكْمَ حَتَّى يُطَالِعَهُ عَلَى قَضِيَّتِهِ، وَفِي هَذَا مِنْ فَسَادِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَتَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ مَا لَا خَفَاءَ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقَضَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا] (ش) : قَوْلُهُ «أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ» عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَامِ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُبَادَةَ كَانَ يَقُولُ إنْ وَجَدَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَيْبَرَى وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرُنِي فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى كَتَبَ إلَيَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَسْأَلُك عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَبُو حَسَنٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَضْرِبُهُ بِسَيْفٍ غَيْرِ مُصَفَّحٍ فَأَتَى هَذَا الْقَوْلُ عَلَى سَبِيلِ الْحُجَّةِ لِيُخْبِرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ غِيرَتِهِ وَالْإِظْهَارِ لِعُذْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ عَلَى مَعْنَى الْمَنْعِ لَهُ مِنْ قَتْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ وَيَصْرِفَهُ عَنْ مَنْزِلِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيَتُهُ مَعَهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ لَهُ مِنْ قَتْلِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ فِعْلِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَيْبَرَى وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرُنِي فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى كَتَبَ إلَيَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَسْأَلُك عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَبُو حَسَنٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ قَتَلَهُمَا ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ فَأَشْكَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ الْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ، وَكَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ وَتَوَقُّفِهِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ وَسُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ يَثِقُ بِعِلْمِهِ وَيَتَسَبَّبُ إلَيْهِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْئُولُ مُنَابِذًا لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا هُوَ بِأَرْضِي يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَبَلَغَهُ خَبَرُهُ وَتَقَدَّمَ الِاسْتِعْدَاءُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ حُكْمُ شَهِيرٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ أَرَادَ الْحُكْمَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: عَزَمْت عَلَيْك لَتُخْبِرُنِي عَلَى مَعْنَى تَبْيِينِ الْقِصَّةِ وَالْبَحْثِ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُ وَرُبَّمَا احْتَاجَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ إلَى أَنْ يُشَخِّصَ الْخُصُومَ فِي ذَلِكَ لِيُبَالِغَ فِي تَتْمِيمِ الْقَضِيَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَا أَبُو حَسَنٍ مِمَّا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ عِنْدَ إصَابَةِ ظَنِّهِ كَمَا أَصَابَ ظَنُّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِهِ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى ثُمَّ قَالَ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى الزِّنَى بَيْنَ الْمَقْتُولَيْنِ أُعْطِيَ بِرُمَّتِهِ يُرِيدُ سُلِّمَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولَيْنِ يَقْتَصُّونَ مِنْهُ إنْ شَاءُوا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ جَرَحَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ إنْ قَاتَلَهُ فَكَسَرَ رِجْلَهُ أَوْ جَرَحَهُ أَنَّ ذَلِكَ جُبَارٌ، وَإِنْ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى الزِّنَى بَيْنَهُمَا وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وُجُودَهُ فِي دَارِهِ أَوْجَبَ لَهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ وَالْأَذَى وَالْإِبْعَادِ فَإِنْ قَاتَلَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ خُرُوجِهِ كَانَ لَهُ مُدَافَعَتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْجِرَاحِ وَمَا أَشْبَهِهَا وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلُ عَلِيٍّ عِنْدِي ذَلِكَ فِي الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أَنَّهُ وَطِئَهَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ الثَّيِّبِ وَلَا الْبِكْرِ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمَا زَعَمَ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَّ بِهِ مِثْلَ هَذَا يَخْرُجُ عَنْ عَقْلِهِ وَلَا يَكَادُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ، وَالْجَانِي أَحَقُّ مَنْ حُمِلَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهَا، وَإِنْ كَانَا بِكْرَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة: عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْبِكْرِ وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِكْرًا إذَا كَانَ قَدْ كَثُرَ التَّشَكِّي مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: دَمُهُ هَدَرٌ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَقَدْ أَهْدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ غَيْرَ دَمٍ فِي شَبَهِ هَذَا مِنْ التَّعَدِّي. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ: يُؤَدَّبُ مَنْ قَتَلَ مِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ دُونَ الْإِمَامِ وَهَذَا فِي الثَّيِّبِ وَيُقْتَلُ فِي الْبِكْرِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ لَزِمَتْ الدِّيَةُ وَجْهُ قَوْلِ مَنْ أَهْدَرَ دَمَهُ أَنَّهُ عَمْدٌ

(الْقَضَاءُ فِي الْمَنْبُوذِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ الدِّيَةُ وَأَصِلُ ذَلِكَ مَنْ قَتَلَهُ قِصَاصًا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الثَّيِّبَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَتْلُ بِالزِّنَى وَالْإِحْصَانِ فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِ قَتْلٌ، وَإِنَّمَا عَلَى قَاتِلِهِ فِي ذَلِكَ الْعُقُوبَةُ لِافْتِيَاتِهِ فِي ذَلِكَ دُونَ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِالزِّنَى فَمَنْ قَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ كِنَانَةَ: دِيَةُ الْخَطَأِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَمَّا فَجَأَهُ مِنْ الْغَضَبِ الَّذِي سَبَبُهُ مِنْ الزَّانِي يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمَغْلُوبِ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ خَطَأً وَحَكَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَطَأٌ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لَيْسَتْ شُبْهَتُهُ بِالْقَوِيَّةِ فَأَشْبَهَ إقْرَارَ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَنَّهُ فِي مَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

[القضاء في المنبوذ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَجِئْت بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ فَقَالَ: وَجَدْتهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتهَا فَقَالَ لَهُ عَرِيفُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَك وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ فِي الْمَنْبُوذِ] (ش) : قَوْلُهُ: مَنْبُوذًا فَجِئْت بِهِ عُمَرَ، الْمَنْبُوذُ: هُوَ الْمَطْرُوحُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَجِيءُ بِهِ إلَى عُمَرَ لِيُعْلِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِيءَ بِهِ لِيَسْتَفْتِيَهُ فِي أَمْرِهِ وَلِيَسْأَلَهُ الْحُكْمَ لَهُ بِوَلَائِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: اتَّهَمَهُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ أَتَى بِهِ لِكَيْ يَفْرِضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ أَخْذِهِ لَهُ وَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى أَنْ يَفْرِضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَلِي هُوَ أَمْرَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخَافَ التَّسَرُّعَ إلَى أَخْذِ الْأَطْفَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبَذُوا حِرْصًا عَلَى أَخْذِ النَّفَقَةِ لَهُمْ وَرَغْبَةً فِي مُوَالَاتِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ لِئَلَّا يَلْتَقِطَهُ مِنْ عِيَالِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا ادَّعَى اللَّقِيطُ مُلْتَقَطَهُ فَلَا قَوْلَ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَاهُ مُلْتَقَطِهِ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَتْ هُنَاكَ شُبْهَةً تُصَدِّقُ دَعْوَاهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ بِهِ نَسَبٌ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةَ الِالْتِقَاطِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ ثَابِتٌ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ مَلَكَ أُمَّهُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُ سِنِينَ وَجَدْتهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتهَا يُرِيدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِهَذَا الْوَجْهِ لَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُحْتَمَلُ أَخْذُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مَكْرُوهًا وَبَعْضُهَا مُبَاحًا وَإِنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعٍ يَضِيعُ فِيهِ إنْ تَرَكَ فَأَخَذَهُ لِذَلِكَ وَمِنْ وُجِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ لِلْهَلَاكِ وَأَخْذُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْخُذَهُ مُلْتَقِطًا لِيُرَبِّيَهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ لِيَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ السُّلْطَانُ فَلَا ضِيقَ عَلَيْهِ فِي رَدِّهِ إلَى مَوْضِعِ أَخْذِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكُ لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِيهِ وَيُوقِنُ أَنَّهُ سَيُسَارِعُ النَّاسُ إلَى أَخْذِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَرِيفُهُ الْعُرَفَاءُ رُؤَسَاءُ الْأَجْنَادِ وَقُوَّادُهُمْ وَلَعَلَّهُمْ سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ بِهِمْ يُتَعَرَّفُ أَحْوَالُ الْجَيْشِ. وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ لَمَّا رَأَى أَنْ يَرُدَّ السَّبِيَّ إلَى هَوَازِنَ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ: إنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ» . وَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّ عُمَرَ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ وَجَعَلَ فِيهَا أَرْبَاعًا وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ عُرَفَاءَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ الْأَرْبَاعُ فِي جُنْدِ الشَّامِ وَالْأَسْبَاعُ فِي جُنْدِ الْكُوفَةِ وَالْأَخْمَاسُ فِي جُنْدِ الْبَصْرَةِ قَالَ عِيسَى: فَكَانَ الَّذِي وَجَدَ الْمَنْبُوذَ مِنْ عَرَافَةِ هَذَا الرَّجُلِ الْجَالِسِ عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لِعُمَرَ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ عَلَى مَعْنَى أَنْ يُصَدِّقَهُ عُمَرُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَرْتَابَ بِهِ أَوْ عَلَى مَعْنَى التَّبْرِئَةِ لَهُ مِمَّا عَسَى أَنْ يَتَوَقَّعَ عُمَرُ مِنْ جِهَتِهِ أَنْ يَظُنَّ الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا يُرْضِيه مِنْ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ظَنَّهَا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا الْتَقَطَهُ لِيَفْرِضَ لَهُ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَبْقَى عِنْدَهُ فَيَرَاهُ عَرِيفُهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْهُ مِنْ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّزْكِيَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ كُلُّ رَجُلٍ صَالِحٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَتَثْبُتُ عَدَالَتُهُ وَإِنَّمَا يَنْتَفِي بِهَذَا عَنْهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاحَ مِمَّا خَافَ عُمَرُ أَنْ يَكُونَ الْتَقَطَ الْمَنْبُوذَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ أَكَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ وَالِاسْتِثْبَاتِ وَقَوْلُهُ هُوَ حُرٌّ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ لَهُ بِحُكْمِهِ وَأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ وَإِنْ الْتَقَطَهُ عَبْدٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ فِيهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِرْقَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) وَاللَّقِيطُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُلْتَقَطَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ أَوْ فِي بِلَادٍ فِيهَا الصِّنْفَانِ فَإِنْ اُلْتُقِطَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ الْتَقَطَهُ نَصْرَانِيٌّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحُكْمِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الشِّرْكِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ مُشْرِكٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ مُسْلِمٌ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الدَّارِ وَالدَّارُ لِلشِّرْكِ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِيهَا حُكْمُهُ حُكْمُهُمْ فِي الدِّينِ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ حُكْمُهُ حُكْمُهُمْ فِي النَّسَبِ وَالْحَرْبِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ لِلدَّارِ تَأْثِيرًا وَلِلْمُلْتَقِطِ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ لَوْ الْتَقَطَهُ فِي كَنِيسَةٍ الْحُكْمُ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اُلْتُقِطَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الذِّمَّةِ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ إلَّا اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ الْتَقَطَهُ نَصْرَانِيٌّ فَهُوَ نَصْرَانِيٌّ. وَقَالَ أَشْهَبُ: هُوَ مُسْلِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حُكْمَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ قَدْ اسْتَوَى فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّارِ لِلْإِسْلَامِ وَغَالِبُ مَنْ فِيهَا الْكُفْرُ فَغَلَبَ حُكْمُ الْمُلْتَقِطِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ وَلِذَلِكَ لَا يُسْتَرَقُّ وَإِنَّمَا يَسْكُنُهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَك وَلَاؤُهُ يُرِيدُ تَخْصِيصَهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَلَى دِينِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي الْمَنْبُوذِ مَا ذُكِرَ مَا خُولِفَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَلَاءَ لِمُلْتَقِطِهِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيه عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ وَهُوَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَكِنَّهُ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ) . الْقَضَاءُ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْك قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ. وَقَالَ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ ذَلِكَ أَنْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ مَا يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَيْهِ لَمْ أُخَالِفْهُ لِتَقَارُبِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ وَتَرَجُّحِهَا وَلَوْ أَنَّ مَالِكًا قَدْ تَأَوَّلَ قَوْلَ عُمَرَ لَك وَلَاؤُهُ أَيْ قَدْ جَعَلْت لَك أَنْ تَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ وَالْقِيَامَ بِأَمْرِهِ وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِك وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَعَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ قَوِيًّا عَلَى مُؤْنَتِهِ وَإِمْسَاكِهِ رُدَّ إلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَا سَوَاءً أَوْ مُتَقَارِبِينَ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَضِيعَ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي أَوْلَى بِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ مُكْثُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ اللَّقِيطُ فِي ضَرَرٍ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ، وَهَذَا إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُلْتَقِطُهُ نَصْرَانِيًّا فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: يُنْزَعُ مِنْهُ لِئَلَّا يُنَصِّرَهُ أَوْ يَدْرُسَ أَمْرَهُ فَيَسْتَرِقَّهُ وَهَذِهِ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ لَا وِلَايَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَجْهُولُ النَّسَبِ فَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ اللَّقِيطُ حُرٌّ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ أَحَبَّ الَّذِي الْتَقَطَهُ أَوْ غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: مِيرَاثُ اللَّقِيطِ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِيرَاثُهُ لِمَنْ الْتَقَطَهُ إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ مَنْ وَالَاهُ فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوَلَائِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ يُرِيدُ مُؤْنَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُقَرَائِهِمْ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ التَّكَسُّبِ وَخَوْفِ الضَّيَاعِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَسْتَغْنِيَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْرُدَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ مُلْتَقِطًا لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ أَمْرُهُ وَحِفْظُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّتَهُ بِدَيْنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ أَحَدٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ اسْتَلْحَقَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ طَرْحَهُ وَهُوَ مَلِيءٌ وَإِنْ لَمْ يَطْرَحْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَنْفَقَ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ. (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ هُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ الْمَنْبُوذَ وَهُوَ الْمَطْرُوحُ مِنْ قَوْلِهِمْ نَبَذْت الشَّيْءَ إذَا طَرَحْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] إلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَنْ طُرِحَ مِنْ الْأَطْفَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ بِهِ فَيَلْتَقِطُهُ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ فَقَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ حُرٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَا مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِرْقَاقِ فَهُوَ لَاحِقٌ بِالْأَحْرَارِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَجَدْنَاهُ مِنْ الْكِبَارِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ إنَّمَا نَحْمِلُهُمْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ مَعَانِي الِاسْتِرْقَاقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَقَوْلُهُ وَهُمْ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى تَفْسِيرِ الْمَوْلَى الَّذِي أَثْبَتَهُ فِي حُكْمِ الْمَنْبُوذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[القضاء بإلحاق الولد بأبيه]

وَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمَعَةَ: احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ] (ش) : قَوْلُهَا: إنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْك عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:. أَحَدُهَا: الِاسْتِبْضَاعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يُعْجِبُهُ نَجَابَةُ الرَّجُلِ وَنُبْلُهُ وَتَقَدُّمُهُ فَيَأْمُرُ مَنْ تَكُونُ لَهُ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ أَنْ تُبِيحَ نَفْسَهَا لَهُ فَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ رَجَعَ هُوَ إلَى وَطْئِهَا حِرْصًا عَلَى نَجَابَةِ الْوَلَدِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَا زَوْجَ لَهَا يَغْشَاهَا الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ دَعَتْهُمْ وَقَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هَذَا مِنْك فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: الْبَغَايَا كُنَّ يَجْعَلْنَ الرَّايَاتِ عَلَى مَوَاضِعِهِنَّ فَمَنْ رَأَى تِلْكَ الرَّايَةَ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْضِعُ بَغْيٍ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلُهَا قَالَتْ لِبَعْضِهِمْ: هُوَ مِنْك، فَيَلْحَقُ بِهِ. وَالرَّابِعُ: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ الثَّلَاثَةَ الْأَنْوَاعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَثْبَتَ النِّكَاحَ فَلَعَلَّ مَا قَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: ابْنُ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي إنَّمَا أَرَادَ اسْتِلْحَاقَهُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ فَلَمَّا أَرَادَ عُتْبَةُ اسْتِلْحَاقَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُقِمْ لَهُ بَيِّنَةً مِنْ إقْرَارِهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ وَلَا نِكَاحَهَا أَوْ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَلْحَقُ ذَلِكَ بِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَا يَلْحَقُ بِهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ لَهُ عَلَى أُمِّهِ نِكَاحٌ أَوْ مِلْكٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّل أَنَّ الْأَسْبَابَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ وَأَكْثَرُهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ الْأَبِ بِالْوَطْءِ أَوْ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ مَانِعٌ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِلْحَاقُ إذَا كَانَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الدَّعَاوَى لَكَثُرَ تَعَرُّضُ الدَّعَاوَى فِي ذَلِكَ وَفَسَدَتْ الْأَنْسَابُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ مَلَكَ أُمَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَاهُمْ مَعَ بَقَائِهِمْ فِي مِلْكِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَ بِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بِيَدِهِ أَمَةٌ لَهَا وَلَدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدُ لَحِقَ بِهِ وَتَكُونُ الْأَمَةُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ مُسْتَلْحِقِهِ فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَمْنَعْ الدَّيْنُ الِاسْتِلْحَاقَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ مَعَ عَدَمِ الدَّيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ مَعَ الدَّيْنِ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ ظُهُورِ الْحَمْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ بَاعَهُ مَعَ أُمِّهِ ثُمَّ ادَّعَى وَهُوَ مُعْدَمٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ وَفِيهَا وَيُرَدُّ إلَيْهِ وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ دَيْنًا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أُمِّهِ وَيُرَدُّ إلَيْهِ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ تَصْدُقُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي أُمِّهِ كَحَالَةِ السِّرِّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَهُ بِالثَّمَنِ تُهْمَةٌ فِي إرَادَتِهِ اسْتِرْجَاعَ الْأَمَةِ دُونَ ثَمَنٍ وَاسْتِلْحَاقُهُ الْوَلَدَ لَا يَقْتَضِي ارْتِجَاعَهُ الْأُمَّ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَسْتَلْحِقُهُ الْمُلَاعِنُ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ارْتِجَاعَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْوَلَدِ عَرَا مِنْ التُّهْمَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ نَفْيِ مَا يُشَكُّ فِيهِ مِنْ النَّسَبِ فَكَيْفَ بِمَا يُتَيَقَّنُ انْتِفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا وَقَدْ بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ فَإِنَّهُمَا يُرَدَّانِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فِيهَا بِصَبَابَةٍ إلَيْهَا فَيُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ الْعَدَمِ وَالصَّبَابَةِ بِهَا، قَالَ أَصْبَغُ: لَا يُتَّهَمُ فِي غِنَاهُ سَوَاءٌ بَاعَهَا بِالْوَلَدِ أَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ لِمَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَلَفَهُ بِهَا تُهْمَةٌ يَمْنَعُهُ رَدَّهَا فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَصَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ لِحَقِّ النَّسَبِ مَعَ تَعَرِّيه مِنْ التُّهْمَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ إذَا صَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِلْوَلَدِ لِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ يَضْمَنُ ذَلِكَ كَوْنُ الْأُمِّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا تُهْمَةَ مَعَ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَهَا، وَلَوْ قِيلَ فِي هَذَا يَرُدُّ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الِاسْتِلْحَاقِ لِمَا بَعْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَا لَمْ يُعْتِقْهُمَا الْمُبْتَاعُ فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ الْبَائِعُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ فِيهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَلَدِ وَحْدَهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَلَاءَ نَسَبٌ ثَابِتٌ فَلَا يُرَدُّ بِالِاسْتِلْحَاقِ كَمَا لَا يُرَدُّ نَسَبٌ ثَابِتٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِهِ فَالنَّسَبُ يُبْطِلُ الْوَلَاءَ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الْوَلَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يُبْطِلْ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ فَإِنَّ عِتْقَهَا يَثْبُتُ لِلْمُبْتَاعِ وَيَرْجِعُ بِالْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُقِرٌّ لَهَا بِثَمَنِهَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَلَا يُقْبَلَانِ عَلَى نَقْلِ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُشْتَرِي وَلَدًا فَإِنْ ادَّعَاهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَدَ لَهُ وَقَدْ ضَعُفَتْ دَعْوَى الْبَائِعِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ بِبَيْعِهِ إيَّاهُ فَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَدَّعِهِ مَنْ هُوَ أَقْوَى دَعْوَى مِنْهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ تَكْذِيبُ دَعْوَاهُ. (فَصْلٌ) : وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إنَّمَا ادَّعَى هَذَا الْوَلَدَ مِنْ جِهَةِ زِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمِثْلُ هَذَا كَانَ يَلْحَقُ بِهِ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ هُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي مَسْأَلَةِ وَلَدِ زَمَعَةَ قَدْ كَانَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الزِّنَا وَهُوَ ادِّعَاءُ الْفِرَاشِ لَهُ فَإِنَّ أَمَةَ زَمَعَةَ ادَّعَى ابْنُ زَمَعَةَ لَهَا الْفِرَاشَ وَمَعْنَاهُ وَطْءُ أَبِيهِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ عِنْدَنَا فِرَاشًا بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا أُلْحِقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَمَاتَ قَبْلَ وَضْعِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ عُتْبَةُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ دَعْوَى سَعْدِ أَخِيهِ لَهُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْعَمِّ ابْنَ أَخٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَتَسَاوَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاقَ صَاحِبَهُ لِمُنَازَعَتِهِ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي دَعْوَاهُمَا فَأَدْلَى سَعْدُ بِحُجَّتِهِ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَلَمْ يَدَّعِ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا ادَّعَى أَنَّهُ عَهِدَ إلَيْهِ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ صِدْقُ سَعْدٍ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَدْلَى بِحُجَّتِهِ أَيْضًا فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَادَّعَاهُ أَخًا وَلَمْ يَدَّعِ بَيِّنَةً عَلَى اسْتِلْحَاقِ أَبِيهِ لَهُ وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ كَمَا احْتَجَّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَلَمَّا اسْتَوْعَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ فَقَالَ: هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ زَمَعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ وَلَا قَالَ: هُوَ ابْنٌ لِزَمْعَةَ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إلَى عَبْدِ بْنِ زَمَعَةَ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ أَمَةِ أَبِيهِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِهِ أَخًا لَقَضَى لَهُ بِهِ عَبْدًا وَلَكِنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَأُخُوَّتِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا تَدَّعِيهِ فِيمَا يَخُصُّك وَلَا يَصْلُحُ اسْتِلْحَاقُ الرَّجُلِ أَخًا قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَمَنْ اسْتَلْحَقَ أَخًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُوَارِثْهُ وَلَا يُسْتَلْحَقُ الْأَخُ. وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مُقِرًّا بِوَطْءِ جَارِيَةٍ فَهَلَكَ عَنْهَا أَبُوهُ وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَحْدَهُ وَلَا يَرِثُ مَعَهُ فِي حَظِّهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ أَقَرَّ بِوَلَدٍ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَرِثَ مَعَهُ فِي حَظِّهِ خَاصَّةً مَا لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا مَوْلَى عَلَيْهِ قَالَ عِيسَى وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَرِثُ شَيْئًا مِنْ حَظِّهِ وَلَا حَظِّ غَيْرِهِ وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْ حُرَّةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي حَظِّهِ، وَعَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ انْفَرَدَ بِمِيرَاثِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَسَوْدَةُ أُخْتُهُ مُسْلِمَةٌ فَلَمْ يَرِثْهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَهُ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إلَى عَبْدٍ إذْ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِمِيرَاثِ أَبِيهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَلْحَقُ الْأَبَ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِ عَبْدٍ إلَّا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ أَنَّهُ مِلْكُك لَكِنَّك قَدْ أَقْرَرْت لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِقَوْلِك فِي ذَلِكَ فِيمَا يَخُصُّك، وَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ: إنَّهُ لَك بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَك مَنْعُهُ فَإِذَا أَقْرَرْت بِهِ لِغَيْرِك فَأَنْتَ وَذَاكَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُوَ لَك أَنَّهُ بِيَدِك لَا أَنَّك تَمْلِكُهُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْهُ غَيْرُك. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ لَك عَبْدٌ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ هُوَ لَك أَخٌ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِهِ لِزَمْعَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجَدُّ فَهَلْ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْأَبِ قَالَ سَحْنُونٌ وَمَا عَلِمْت بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا. وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْأَخِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ النَّسَبَ يَلْحَقُ بِهِ فَجَازَ اسْتِلْحَاقُهُ لَهُ كَالْأَبِ فَالْجَدُّ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِلْحَاقِهِ وَالْأَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهِ وَسَائِرُ الْأَقَارِبِ مُتَّفَقٌ عَلَى نَفْيِ اسْتِلْحَاقِهِمْ فَلَا يُسْتَلْحَقُ عَمٌّ وَلَا ابْنُ عَمٍّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْقَرَابَةِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْحِقُ إلَّا الْأَبُ فَمَنْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ أَوْ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ فِي مِيرَاثِ مَنْ قَدْ تُوُفِّيَ مِمَّنْ يُوجِبُ لَهُمَا ذَلِكَ الْإِقْرَارُ مِيرَاثَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَيَتْرُكَ وَلَدًا فَيُقِرُّ ذَلِكَ الْوَلَدُ بِآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَعَهُ أَبَاهُ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا تَرَكَ مِنْ الْمَالِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَالِثٍ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِمَّا بِيَدِهِ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْآخَرُ إلَيْهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ عَدْلًا فَيَحْلِفَ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَأْخُذُ مِمَّا بِيَدِ الْآخَرِ حِصَّتَهُ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَقَرَّا لَهُ جَمِيعًا بِأَنَّهُ أَخٌ لَهُمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهَادَتِهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ فَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيُقَالُ لَهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْضَى عَلَى الْمَيِّتِ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَحْقَ بِهِ إلَّا بِشَهَادَةٍ كَامِلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ قَالَ: فُلَانٌ أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنُ عَمِّي أَوْ وَارِثِي فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يُخَالِفُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ فَمَاتَ الْمُقِرُّ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَرِثُهُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ ثُمَّ قَالَ لَا مِيرَاثَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ» وَهَذَا يَقْتَضِي إضَافَتَهُ إلَيْهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَقَدْ قُلْنَا أَنَّ نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ أَنْ يُضِيفَهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَاهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ تَوَارُثٌ عَلَى وَجْهٍ مَا وَهُوَ مَا فَضَلَ عَنْ مِيرَاثِ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي لِسَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمَنْ أَحَبَّ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا إقْرَارَهُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَابَةِ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ لَهُ الثُّلُثَ فَقَطْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ غَيْرُ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْوَارِثِ لَيْسَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْوَارِثِ وَلَيْسَ طَرِيقُهُ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَانِعٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ ثُمَّ يَمُوتُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَالِهِ بِدَيْنِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ لَأَخَذَ جَمِيعَ مَالِهِ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُمْ كُلُّهُمْ غَيْرَ ابْنِ سَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ سَحْنُونًا وَسَائِرَ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: مَنْ أَقَرَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَخٍ قَاسَمَهُ مَالَ أَبِيهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبٌ، وَلَوْ كَانَ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ لَمَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» الْفِرَاشُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هِيَ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْوَطْءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ مَا يُفْتَرَشُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ يُفْتَرَشُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَقَدْ اتَّخَذَ لَهَا فِرَاشًا، وَأَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَمَةِ الَّتِي جَعَلَ لَهَا فِرَاشًا وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَعْنَى الْفِرَاشِ الزَّوْجُ وَمَا قَالُوهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ السِّرَاجِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمِثْلِ مَا يُولَدُ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» عَامٌّ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَثْبُتُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَثَبَتَتْ بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ أَصْلُ ذَلِكَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَمَعْنَاهُ إذَا ادَّعَى وَلَدُ صَاحِبِ الْفِرَاشِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَفِي الْمُزَنِيَّة أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى سَأَلَ ابْنَ كِنَانَةَ عَنْ قَوْمٍ أَسْلَمُوا بِجَمَاعَتِهِمْ وَتَحَمَّلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَادَّعَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ زِنْيَةٍ أَيَلْحَقُ بِهِ قَالَ نَعَمْ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ مِنْ أَمَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَعَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ زَوْجُ الْحُرَّةِ فَيَكُونَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» الْعَاهِرُ هُوَ الزَّانِي. وَقَالَ عِيسَى: سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ الْعَهَرُ فِي أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ظَاهِرًا وَهُوَ الزِّنَا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ الزِّنَا مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَهُوَ آثِمٌ وَمَا كَانَ خَفِيًّا أَوْ مُتَّخِذَةً خِدْنًا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] وَأَنْزَلَ {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَانَ مَنْ عَهَرَ بِأَمَةٍ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ أَوْ حُرَّةٍ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَاَلَّذِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ أَحَقُّ بِهِ «وَقَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجَرِ لِلْعَاهِرِ» عَلَى مَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَسْتَحِقُّ بِفِعْلِهِ الرَّجْمَ لَا الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَمُ زَانِيَ الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْرُجْ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِأَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَمَّا قَصَدَ أَنْ يُثْبِتَ الزِّنَا وَالْعَهَارَةَ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَشَدِّ أَحْكَامِهِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حُكْمُهُ جَلْدُ مِائَةٍ أَوْ جَلْدُ خَمْسِينَ وَعَلَى حَسَبِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَتَنَوَّعُ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا غَيْرُ طَرْدِهِ بِالْحِجَارَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ «قَالَ لِسَوْدَةِ احْتَجِبِي مِنْهُ» مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ عَبْدٌ بِالْأُخُوَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ أَخًا لِسَوْدَةِ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبٌ وَلَا تَوَارُثٌ وَلَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأُخُوَّةِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا، وَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا فَأَقَرَّ الِابْنُ بِأَخٍ مِنْ أَبِيهِ لَأَخَذَ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حِصَّةِ الِابْنِ الْمُقِرِّ وَلَمْ يَأْخُذْ مِمَّا بِيَدِ الْأُخْتِ شَيْئًا وَلَا كَانَ لَهَا بِذَلِكَ أَخًا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا حِينَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهَا فَعَلَى هَذَا جَرَى حُكْمُ سَوْدَةَ مَعَ الَّذِي ادَّعَاهُ أَخُوهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِلزِّنَا حُكْمًا تَحْرُمُ بِهِ رُؤْيَةُ الْمُسْتَلْحِقِ لِأُخْتِهِ سَوْدَةَ فَقَالَ لَهَا احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَنَعَهَا مِنْ أَخِيهَا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِيهَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنَا فِي الْبَاطِنِ إذْ كَانَ شَبِيهًا بِعُتْبَةَ فَجَعَلَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَرَاهَا بِحُكْمِ الزِّنَى وَجَعَلَهُ أَخًا لَهَا بِحُكْمِ الْفِرَاشِ قَالُوا وَمَا حَرَّمَهُ الْحَلَالُ فَالزِّنَى أَشَدُّ تَحْرِيمًا لَهُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ فِي الْأُخُوَّةِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُؤَيِّدَهُ الزِّنَا أَكْثَرُ وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي إبْطَالِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُؤْيَةُ ابْنِ زَمَعَةَ لِسَوْدَةِ مُبَاحٌ فِي الْحُكْمِ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَهُ وَأَمَرَ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ اخْتِيَارًا قَالَ أَصْحَابُهُ: لَمَّا كَانَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَاحًا لَمَا نَهَاهَا عَنْهُ وَأَمَرَهَا بِقَطْعِ رَحِمِهِ «، وَقَدْ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَقَالَ لَهَا: هُوَ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك» مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ غَيْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنَّا» «، وَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ اُنْظُرْنَ مِنْ إخْوَانِكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَهَا أَنْ يَلِجَ عَلَيْهَا عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالشَّبَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَنْسَابِ. وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْلَمَهُمْ بِالْحُكْمِ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَكُونُ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْفِرَاشِ الْوَلَدَ وَصَاحِبُ زِنَى لَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عُتْبَةَ دَعْوَى أَخِيهِ سَعْدٍ وَلَا يَلْزَمُ زَمَعَةَ دَعْوَى ابْنِهِ عَبْدٍ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِسَوْدَةِ «احْتَجِبِي مِنْهُ» وَهَذَا أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ نَحْوُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ تَأَوُّلٌ مِنْهَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا سَعْدٌ. وَقَالَ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ نَظَرَ إلَى شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا رَآهُ مَعْنَى مُوجِبًا لِمَا ادَّعَاهُ وَقَدْ يَتَشَابَهُ النَّاسُ وَلَا تَنْتَقِلُ بِذَلِكَ أَنْسَابُهُمْ عَمَّا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الِانْتِسَابِ إلَى نَسَبٍ مَعْرُوفٍ أَوْ الْجَهَالَةُ بِالنَّسَبِ وَالْعَدَمُ لِمَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ الِاعْتِبَارُ بِالشَّبَهِ فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ وَاجِبٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَاحْتَجَّ فِيمَا ادَّعَاهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهُوَ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْته وَاحْتَجَّ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَضِيَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» وَهَذَا أَيْضًا عِنْدِي حُجَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالشَّبَهِ بَلْ أَمْضَى الْأَمْرَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مِنْ حُكْمِ اللِّعَانِ الثَّابِتِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ أَكَّدَ مَعْنَى احْتِجَابِ سَوْدَةَ مِنْهُ فَأَمَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ فَلَا كَمَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ التَّشَابُهَ إلَى عُتْبَةَ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ عَائِشَةُ عَلَى وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَتَقْوِيَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا تَامًّا، فَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَنَا أُخْبِرُك عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ فَحُشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبُرَ فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا الْأَخِيرَ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَسْبَابِ الْمُثْبِتَةِ لِلنَّسَبِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مِنْ عِلْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ الْقَافَةُ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ شَبَهٍ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لَمَا اخْتَصَّ بِعِلْمِ ذَلِكَ الْقَافَةُ وَلَوَجَبَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ وَلَا يَقْصُرَ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ الِاسْتِدْلَالِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ هَذَا مِنْ الْحُكْمِ بِالذَّرَائِعِ لِمَا تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ حَكَمَ بِالنَّسَبِ لِعَبْدٍ وَرَاعَى التَّحْرِيمَ فِي جَنَبَةِ سَوْدَةَ فَمَنَعَهُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوْلَى لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الذَّرَائِعِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا مَعْنَى الذَّرَائِعِ فِي الْبُيُوعِ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ لَوْ صَحَّ مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ قَدْ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: إنَّ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ تَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا أَبْيَنُ. وَلَوْ حَكَمَ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ زَمَعَةَ لَحَكَمَ بِإِبَاحَةِ دُخُولِهِ عَلَى سَوْدَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي وَلَدَهُ وَيُلَاعِنُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ وَيَحْرُمُ بِذَلِكَ دُخُولُهُ عَلَى بَنَاتِهِ ثُمَّ يَسْتَلْحِقُهُ فَيُلْحَقُ بِهِ وَيُبَاحُ بِذَلِكَ الدُّخُولُ عَلَى بَنَاتِهِ؟ . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ» امْتِثَالًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْتِهَاءً إلَى حَدِّهِ وَامْتِنَاعًا مِمَّا مَنَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً، وَلَوْ مَاتَتْ سَوْدَةُ لَمْ يَرِثْهَا لِمَا حَكَمَ بِهِ فِي أَمْرِهِمَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا تَامًّا، فَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَنَا أُخْبِرُك عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ فَحُشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبُرَ فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا الْأَخِيرَ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ) . (ش) : قَوْلُهُ: أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا يُرِيدُ كَمَّلَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فَذَكَرَ أَيَّامَ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَيْضَ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الْمَرْأَةِ آخِرَ الْحَدِيثِ فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَ حَيْضَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ وَلَدَتْ يُرِيدُ أَنَّهَا مَكَثَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ تَامٍّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ السِّقْطَ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَلَوْ كَانَ سِقْطًا لَمْ يُنْكِرْهُ، وَأَمَّا الْوِلَادَةُ فَلَهَا وَقْتٌ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ فَأَقَلُّ الْحَمْلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْوِلَادَةُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وقَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَمْلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الَّذِي يُرَاعَى فِي الْأَشْهُرِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: سِتَّةُ أَشْهُرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَمِقْدَارُ انْفِصَالِهَا بِالْأَهِلَّةِ فَصَاعِدًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ أَشْهُرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَهِلَّةِ بَعْضُهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَامِلَةً. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ: إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ وَطْئِهِمَا إلَّا يَوْمٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ السِّتَّةُ أَشْهُرٍ كَمُلَتْ لِوَطْءِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُرَاعَاةَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ فِي تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَقْصِهَا فَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ تُعْتَبَرَ أَيَّامُهَا بِوَقْتِ الْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ اعْتَدَّتْ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ يُعْتَبَرُ بِهِ وَيَكُونُ تَمَامُ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ ذَلِكَ الْوَقْتُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَالسِّتَّةُ الْأَشْهُرُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفًا فَنَظَرَ إلَيْهِمَا فَقَالَ الْقَائِفُ: لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ: كَانَ هَذَا لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي، وَهِيَ فِي إبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا تَعْنِي الْآخَرَ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ قَالَ: فَكَبَّرَ الْقَائِفُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْت) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُخْتَبَرُ آخِرُهَا بِالسِّقْطِ وَالْوِلَادَةِ وَأَمَّا أَوَّلُهَا فَوَقْتُ دُخُولِ الزَّوْجِ الثَّانِي أَوْ السَّيِّدِ الثَّانِي بِهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَتَى زَوْجُهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْكَرَ الْحَمْلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَذَكَرَ لَهُ مَا أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْهَدْهُ فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ لِمَا اعْتَقَدَ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ بِمِثْلِ هَذَا لِمَا قَدْ عَهِدْنَ مِنْ الْوِلَادَاتِ وَتَكَرَّرَ عَلَيْهِنَّ مِنْ ذَلِكَ فِي طُولِ الْعُمُرِ مِنْ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْبِطْ مُدَّةَ الْحَمْلِ مِنْ الْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى سُؤَالِ النِّسَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِمَ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَكِنَّهُ سَأَلَ النِّسَاءَ لِيَعْلَمَ هَلْ يَصِحُّ خَفَاءُ الْحَمْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ اسْتِيفَائِهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ مَعَ صِدْقِهَا فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ الْحَيْضِ؟ فَقَالَتْ لَهُ مِنْهُنَّ مَنْ ادَّعَتْ الْعِلْمَ أَنَا أُخْبِرُك عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنَّ زَوْجَهَا هَلَكَ عَنْهَا حِينَ حَمَلَتْ تُرِيدُ أَوَّلَ الْحَمْلِ وَقَبْلَ أَنْ يَقْوَى فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ تُرِيدُ أَنَّهَا حَاضَتْ الْحَيْضَةَ الَّتِي كَمُلَتْ بِهَا عِدَّتُهَا مَعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ فَحُشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا قَالَ عِيسَى: مَعْنَاهُ ضَعُفَ وَرَقَّ، قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى: انْحَشَّ قَالَ وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِضْعَةِ تُلْقَى عَلَى الْجَمْرَةِ فَتَنْقَبِضُ وَذَلِكَ الِانْقِبَاضُ هُوَ الِانْحِيَاشُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: حُشَّ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ إذَا يَبِسَ وَالْمَرْأَةُ مِحَشٌّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَلَمَّا أَصَابَهَا الَّذِي نَكَحَهَا وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ فِي بَطْنِهَا فَكَبُرَ يُرِيدُ أَنَّ الْوَلَدَ يَضْعُفُ بِعَدَمِ الْمَاءِ وَيَكْبُرُ وَيَقْوَى إذَا أَصَابَهُ مَاءُ الرَّجُلِ وَأُمُّ وَلَدِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا كَانَ ضَعُفَ عَنْ الْحَرَكَةِ وَصَغُرَ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَمَّا أَصَابَهُ مَاءُ الرَّجُلِ الَّذِي تَزَوَّجَ أُمَّهُ قَوِيَ عَلَى الْحَرَكَةِ وَكَبُرَ فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بِذَلِكَ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَوْلُهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنَّ سَبَبَ مَا ظَهَرَ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَمُلَ مِنْ الْوِلَادَةِ مَا قَالَتْهُ الْمَرْأَةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا الْأَخِيرُ يُرِيدُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ فِي عِدَّةٍ وَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ فِي عِدَّةٍ وَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا الْأَخِيرُ إظْهَارًا لِقَبُولِهِ عُذْرَهُمَا وَأَنَّهُ لَا يَظُنُّ بِهِمَا إلَّا الْخَيْرَ الَّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمَا وَأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ بِهِمَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ تَعَدٍّ بِجَهْلٍ أَوْ عِلْمٍ لَمَا سَلِمَا مِنْ الْعُقُوبَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ يُرِيدُ أَلْحَقَ نَسَبَهُ بِهِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي وَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ أَقَلِّ الْحَمْلِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفًا فَنَظَرَ إلَيْهِمَا فَقَالَ الْقَائِفُ: لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ: كَانَ هَذَا لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي، وَهِيَ فِي إبِلٍ لِأَهْلِهَا فَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا تَعْنِي الْآخَرَ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ قَالَ: فَكَبَّرَ الْقَائِفُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْت) . (ش) : قَوْلُهُ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُلْحِقُهُمْ بِهِمْ وَيَنْسُبُهُمْ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لِزِنْيَةٍ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَمَاعَةٍ يُسْلِمُونَ فَيَسْتَلْحِقُونَ أَوْلَادًا مِنْ زِنًى فَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا وَلَمْ يَدَّعِهِمْ أَحَدٌ لِفِرَاشٍ فَهُمْ أَوْلَادُهُمْ وَقَدْ أَلَاطَ عُمَرُ مِنْ وَلَدٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَعَهُمْ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ زَوْجُ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَفِرَاشُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ أَحَقُّ وَالْإِلَاطَةُ هِيَ الْإِلْحَاقُ قَالَ وَمَنْ ادَّعَى مِنْ النَّصَارَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا أَوْلَادًا مِنْ الزِّنَا فَلْيُلَاطُوا بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الزِّنَا فِي دِينِهِمْ فَجُعِلَ ذَلِكَ بِاسْتِحْلَالِهِمْ الزِّنَا، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَسْلَمَ الْيَوْمَ فَاسْتَلَاطَ وَلَدًا بِزِنًا فِي شِرْكِهِ فَهُوَ مِثْلُ حُكْمِ مَنْ أَسْلَمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمْ فِيمَنْ كَانَ مِنْ وِلَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ فِيمَا يَلْحَقُ مِنْ الْوَلَدِ وَأَمَّا فِي بَغَايَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ اسْتَلْحَقَ مِنْهُمْ وَلَدَ أَمَةِ مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا لَحِقَ بِهِ فَإِنْ عَتَقَ يَوْمًا كَانَ وَلَدَهُ وَوَرِثَهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ زَوْجُ الْحُرَّةِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا اسْتَحَلُّوا الزِّنَا وَأَثْبَتُوا بِهِ الْأَنْسَابَ لَمْ يُبْطِلْ تِلْكَ الْأَنْسَابَ الْإِسْلَامُ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ حُكِمَ لَهُ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعٍ ثَمَّ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي لِلْوَلَدِ مِنْ قَوْمٍ بَقُوا فِي بِلَادِهِمْ إمَّا بِأَنْ أَسْلَمُوا فَبَقُوا فِي بِلَادِهِمْ أَوْ أَقَرُّوا فِيهَا بِصُلْحٍ تَصَالَحُوا عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمُوا أَوْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ أَوْ اُفْتُتِحَتْ بِلَادُهُمْ عَنْوَةً فَأَقَرُّوا فِيهَا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَوْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ أَوْ يَكُونُوا مُتَحَمِّلِينَ عَنْ مَوَاطِنِهِمْ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانُوا أَقَرُّوا فِي بِلَادِهِمْ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ قَرْيَةٍ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً فَسَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ فَلْيَتَوَارَثُوا بِقَرَابَتِهِمْ بِالنَّسَبِ، وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ يَتَوَارَثُونَ كَأَهْلِ الصُّلْحِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِأَهْلِ مِصْرَ وَأَهْلِ الشَّامِ غُلِبُوا عَنْوَةً أَيَّامَ عُمَرَ فَمَا زَالُوا يَتَوَارَثُونَ إلَى الْيَوْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانُوا مُتَحَمِّلِينَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا فَإِنْ كَانُوا كَثِيرًا يَبْعُدُ عَنْهُمْ التَّوَاطُؤ عَلَى الْكِتْمَانِ كَأَهْلِ مِصْرَ أَسْلَمُوا أَوْ جَمَاعَةٍ لَهُمْ عَدَدٌ فَتَحَمَّلُوا إلَيْنَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ فَأَمَّا النَّفَرُ مِثْلُ سَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ فَلَا يَتَوَارَثُونَ قَالَ سَحْنُونٌ لَا أَرَى الْعِشْرِينَ عَدَدًا يَتَوَارَثُونَ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ يَتَوَارَثُونَ بِأَنْسَابِهِمْ دُونَ الْعَدَدِ الْيَسِيرِ وَاخْتَلَفَا فِي تَقْدِيرِهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعِشْرِينَ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ فِي حَيِّزِ الْيَسِيرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَتَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَتَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مَعَ أُمِّهِ مِنْ الْحَالِ الَّتِي كَانَ يُلَاطُ وَلَدُهَا بِهِ، وَلَعَلَّ عُمَرَ قَدْ فَهِمَ مِنْهَا وَجْهَ ادِّعَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ أَنَّهُ وَجْهٌ أَشْكَلَ بِهِ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فِي إفْرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَطْؤُهَا بَعْدَ الْآخَرِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطِئَ بِنِكَاحٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطِئَ بِزِنًا يَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ وَطْؤُهُمَا جَمِيعًا بِنِكَاحٍ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ وَطِئَهَا الثَّانِي قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَهُوَ لِلثَّانِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا كَانَ وَطْءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَوَطِئَ الْأَوَّلُ ثُمَّ وَطِئَ الثَّانِي بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلٌ مِنْ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِنْ وَطِئَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ دُونَ اسْتِبْرَاءٍ مِنْ وَطْءٍ الْأَوَّلِ فَأَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَزَادَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ سَوَاءٌ كَانَ سِقْطًا أَوْ تَامًّا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ وَطْئِهِمَا إلَّا يَوْمٌ فَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي اعْتِبَارِ الْأَشْهُرِ السِّتَّةِ بَيْنَ الوطئين وَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فِي وَطْءِ الْأَمَةَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الْمُتَبَايِعَيْنِ: إنْ أَسْقَطَتْ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ بَعْدَهَا أَنَّهَا تُعْتَقُ عَلَيْهِمَا وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ وَطْئِهَا وَنِصْفَ الثَّمَنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مَا حَمَلُوا عَلَيْهِ الْأَمَةَ مِنْ أَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ السِّتَّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَشْهُرِ فَكُلَّمَا أَصَابَهَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ تَحِضْ فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَمْ يَتِمَّ وَالْمُدَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَمْلِ فَكُلُّ سِقْطٍ أَوْ وَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ فَهُوَ لَهُ فَإِنْ أَكْمَلَتْ السِّتَّةَ الْأَشْهُرَ فَضَمَانُهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْهُ مَيِّتًا كَانَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُولَدُ مَيِّتًا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ كَانَ مِمَّا يُولَدُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَكِنَّهُ بَقِيَ مَيِّتًا فَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ وِلَادَتِهِ لَمْ يُدْعَ لَهُ الْقَافَةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْعَى الْقَافَةُ لِمَا وُلِدَ الْوِلَادَةَ الْمُعْتَادَةَ الَّتِي يُعْتَبَرُ بِهَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ، فَأَمَّا الْوِلَادَةُ الَّتِي لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي ذَلِكَ فَلَا مَدْخَلَ لِلْقَافَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْوَقْتِ خَاصَّةً فَمَا كَانَ قَبْلَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَمَا كَانَ بَعْدَهَا فَهُوَ لِلثَّانِي. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ السِّقْطَ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَهْرٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَلَمَّا اشْتَرَكَا فِيهِ وَتَعَذَّرَ تَمَيُّزُهُ وَإِلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ أَوْ الْقَافَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا فَيَضْمَنَانِ الْأُمَّ إذْ لَيْسَ الْتِزَامُ ذَلِكَ أَحَدَهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَمَّا كَانَ السِّقْطُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَتَمَيَّزُ أَمْرُهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ السِّقْطُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَقَارَبَ الوطئان أَوْ تَبَاعَدَا وَالْوَلَدُ حَيٌّ فَهُوَ الَّذِي يُدْعَى لَهُ الْقَافَةُ. وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالُوا: إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَدًا فَهُوَ لَهُمَا وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدِهِمَا، فَإِنْ ادَّعَاهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا لَهُمْ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُحَرِّزًا الْمُدْلِجِيَّ قَالَ فِي أَقْدَامِ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ عِلْمٍ يَلْزَمُ التَّعَلُّقُ بِهِ لَمَا سُرَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ سِقْطًا أَوْ تَامًّا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَالْوَلَدُ لَهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا قَافَةَ فِي الْأَمْوَاتِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي السِّقْطِ أَنَّهُ مِنْهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا قَافَةَ فِي الْأَمْوَاتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ وُلِدَ مَيِّتًا. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنْ مَاتَ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا دُعِيَ لَهُ الْقَافَةُ إذْ لَا يُغَيِّرُ الْمَوْتُ شَخْصَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الَّذِي يُولَدُ مَيِّتًا لَا يُدْرَى مَتَى مَاتَ. (فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَنْظُرُ الْقَافَةُ إلَى الْوَلَدِ وَالْبَاقِي مِنْ الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ لَحِقَ وَإِنْ لَمْ يُلْحِقُوهُ بِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَا بِالْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ فَلَوْلَا وَطْءُ الْآخَرِ لَلَحِقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَافَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ الْحَيِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقَافَةَ لَا تَنْظُرُ إلَى ابْنِ مَيِّتٍ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْقَافَةَ لَا تُلْحِقُ بِأَبٍ مَيِّتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ سَحْنُونٍ: إنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الِابْنِ بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ إذَا وُلِدَ حَيًّا، وَقَالَ: إنَّ الْمَوْتَ لَا يُغَيِّرُ شَخْصَهُ. فَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْأَبَ مِنْ شَرْطِ إلْحَاقِ الِابْنِ بِهِ أَنْ يَدَّعِيَهُ فَيَجِبَ أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِلْحَاقِ بِهِ مُدَّعِيًا لَهُ، فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ عُدِمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ بِهِ وَالِابْنُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ إقْرَارٍ وَلَا إنْكَارٍ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِلْحَاقِ بِهِ حَالَ مَوْتِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَتَعْلِيلِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ لَوْ كَانَ حَيًّا لَجَازَ أَنْ يَنْفِيَهُ عَنْهُ الْقَافَةُ، فَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْإِلْحَاقُ بِهِ بِالْقَافَةِ دُونَ دَعْوَاهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ بِالْقَافَةِ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْهُ أَنَّ ادِّعَاءَ الْأَبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِإِلْحَاقِ الْقَافَةِ الِابْنَ بِهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ يَجُوزُ أَنْ يُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِهِ بِدَعْوَى مُتَقَدِّمَةٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ يَلْحَقُهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الِابْنِ إذَا مَاتَ وَإِنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ حَيًّا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَدَعَا عُمَرُ قَائِفًا فَنَظَرَ إلَيْهِمَا يُرِيدُ أَنَّهُ نَظَرَ إلَيْهِمَا وَإِلَى الْوَلَدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَائِفِ الْوَاحِدِ لَمَّا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ جَوَازِ الْحُكْمِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْقَائِفُ الْوَاحِدُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا إلَّا مَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا قَائِفَانِ وَبِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْخَبَرِ عَنْ عِلْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَلِيلُ مِنْ النَّاسِ كَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِسَمَاعِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ الْحُكَّامُ فَلَمْ يَجُزْ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَاتِ. وَقَدْ قَالَ عِيسَى لَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَهْلُ الْعَدْلِ لَمَّا كَانَ طَرِيقُ ذَلِكَ عِنْدَهُ طَرِيقَ الشَّهَادَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْقَوْلِ بِالْقَافَةِ فِي أَوْلَادِ الْإِمَاءِ، وَأَمَّا أَوْلَادُ الْحَرَائِرِ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُمْ الْقَافَةُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ السَّيِّدَانِ فِي مِلْكِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا الرَّجُلُ وَلَمْ تُسْتَبْرَأْ مِنْ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي الْحُرَّةِ فَلَمَّا كَثُرَتْ أَسْبَابُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ اخْتَصَّ أَوْلَادُهُنَّ بِحُكْمِ الْقَافَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْحَقُ وَلَدَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْقَائِفِ لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ وَاطِئَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ نَصِيبٌ وَتَأْثِيرٌ وَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ شَبَهِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْعَجَلَةِ وَاعْتَقَدَ فِيهِ مِنْ التَّقْصِيرِ عَنْ النَّظَرِ الَّذِي يُلْحِقُهُ بِأَحَدِهِمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَدَعَا عُمَرُ الْمَرْأَةَ فَقَالَ أَخْبِرِينِي خَبَرَك عَلَى مَعْنَى الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ لَعَلَّهُ أَنْ يَجِدَ فِي قَوْلِهَا مَا يُقَوِّي الْحَقَّ عِنْدَهُ، أَوْ مَا يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ فَإِنَّهُ مِنْ وُجُوهِ الِاجْتِهَادِ إنْ سُئِلَ عَنْ الْحُكْمِ قَبْلَ إنْفَاذِهِ وَيَتَسَبَّبُ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ وَكُلِّ وَجْهٍ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ يَأْتِيهَا وَلَا يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّا أَنَّهُ قَدْ اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا الْآخَرُ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ تُرِيدُ أَنَّهُ أَشْكَلَ عَلَيْهَا أَيْضًا الْأَمْرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُفَارِقْهَا إلَّا وَقَدْ ظَنَّتْ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْهُ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْأَمْرَ ثُمَّ أُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ ثُمَّ وَاقَعَهَا الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَشْكَلَ عَلَيْهَا الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهَا لَعَلَّهَا لَمْ تَرَ الدَّمَ مُدَّةَ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ يَقَعُ بِهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا رَأَتْهُ دَفْعَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ تَقُلْ أَنَّهَا حَاضَتْ، وَإِنَّمَا قَالَتْ أَنَّهَا رَأَتْ الدَّمَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ اسْتِبْرَاءٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَبْرَأْ الْوَطْءُ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي إلَى نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَإِذَا وَطِئَ الثَّانِي بَعْدَ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وَأَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مُسْنَدٌ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَبَّرَ الْقَائِفُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مِنْ خَبَرِ الْمَرْأَةِ مَا يُصَدِّقُ قَوْلَهُ كَبَّرَ كَفِعْلِ الْغَالِبِ الَّذِي صَحَّ قَوْلُهُ وَتَبَيَّنَ فِعْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ وَالِ أَيَّهمَا شِئْت يَقْتَضِي أَنَّ الْغُلَامَ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَخْتَارَ وَيُمَيِّزَ وَيَكُونُ لَهُ قَصْدٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَمَةِ تَأْتِي بِوَلَدٍ مِنْ وَطْءِ الشَّرِيكَيْنِ فَيَقُولُ الْقَائِفُ لَهُ لَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَلْيُوَالِ أَيَّهمَا شَاءَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ بَلْ يُقَالُ لِلْقَافَةِ أَلْحِقُوهُ بِأَصَحِّهِمَا بِهِ شَبَهًا فَقَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ وَلَا يُتْرَكُ وَمُوَالَاةَ مَنْ أَحَبَّ. وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ لِي غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُوَالَاةُ أَحَدِهِمَا إذَا بَلَغَ وَيَبْقَى ابْنًا لَهُمَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ وَالِ مَنْ شِئْت مِنْهُمَا وَمِثْلُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مِمَّا يَشِيعُ وَيَنْتَشِرُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّسَبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَوْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى أَحَدُهُمَا فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ رَجُلًا بِنَفْسِهَا وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ، قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ فِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلَانِ امْرَأَةً لِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشِّرْكِ فِي النَّسَبِ وَيَصِحُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَتَيْنِ لِمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَجْهٌ يَخْتَصُّ مِنْهُ بِأَحَدِهِمَا رُدَّ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِ الْوَلَدِ فَوَالَى أَحَدَهُمَا وَكَانَ ابْنًا لَهُ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ قَدْ اشْتَرَكَ فِيهِ الرَّجُلَانِ وَلَكِنْ يَلْحَقُ بِأَقْوَاهُمَا شَبَهًا بِهِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي تُوجِبُ الْإِلْحَاقَ فَيَغْلِبُ ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّخْيِيرُ فَإِنَّ الْأَنْسَابَ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ النَّسَبَ أَصْلَهُ وَحَقِيقَتَهُ يَكُونُ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُخْلَقُ بِهِ فَلَمَّا ظَهَرَ إلَيْنَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُمَا قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ فَمَتَى يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَرَوَى ابْنُ يَزِيدَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا عَقَلَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ الِاخْتِيَارُ فَإِذَا عَقَلَ صَحَّ اخْتِيَارُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُنْفِقَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا. وَقَالَ أَصْبَغُ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْمُوَالَاةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْقُوفًا لَهُمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَلَزِمَهُمَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْيَدَ فَكَانَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَوَالَى أَحَدَهُمَا، قَالَ عِيسَى: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِمَا أَنْفَقَ. وَقَالَ أَصْبَغُ مَا أَنْفَقَ الَّذِي لَمْ يُوَالِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي وَالَاهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَفِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ وَالِدٌ يُوَالِيه وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَى مُسْتَحِقِّ وِلَايَتِهِ كَالْعَبْدِ يُوقَفُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمُتَدَاعِيَانِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: لَا أُوَالِي وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَالَ سَحْنُونٌ: ذَلِكَ لَهُ وَيَكُونُ ابْنًا لَهُمَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ حَالٌ لَمْ يُجْبَرْ فِيهَا فَلَمْ يَخْتَصَّ بِوَلَاءِ أَحَدِهِمَا، أَصْلُ ذَلِكَ حَالَ الصِّغَرِ وَهُمَا أَحَقُّ بِوِلَايَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا فَكَانَ ذَلِكَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَاوَى بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ وَالَاهُمَا. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَوْ عُثْمَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنْهُ، أَوْ مِمَّنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْهُ قَضَى فِي أَمَةٍ غَرَّتْ رَجُلًا بِنَفْسِهَا وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ يُرِيدُ أَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تَغُرُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا أَمَةٌ بِنَفْسِهَا وَتَزْعُمُ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَيَتَزَوَّجُهَا فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْأَرِقَّاءِ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ وَلَدَهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ بِيعَ الْأَبُ فَحُكْمُ الرِّقِّ يَلْحَقُهُ فَكَانَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَقَالَ: تَزَوَّجْتهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَقَالَ سَيِّدُهَا: بَلْ عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ، فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الزَّوْجُ مُصَدَّقٌ وَيَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلُ وَأَحْكَامُهَا ثَابِتَةٌ دُونَ إثْبَاتٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي ذَلِكَ دُونَ مُدَّعِي اشْتِرَاطِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ طَارِئٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَاسْتَحَقَّتْ بِالرِّقِّ فَلِسَيِّدِهَا أَخْذُهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ، أَوْ عُثْمَانُ إذْ قَالَ: قَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْوَلَدُ رَقِيقٌ وَلَا قِيمَةَ فِيهِمْ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَمَنْ مَلَكَ الْأُمَّ مَلَكَ وَلَدَهَا غَيْرَ أَنَّ الْأَبَ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا عَلَى حُرَّةٍ فَقَدْ تَزَوَّجَ عَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِهِ فَكَانَ لَهُ شَرْطُهُ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ مِثْلُهُمْ عِوَضُ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ مَنْ اسْتَحَقَّ حُرِّيَّتَهُمْ وَمَالِ مَنْ اشْتَرَطَهُمْ لَهُمْ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ عَلَى الْأَبِ وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قِيمَتَهُمْ

الْقَضَاءُ فِي مِيرَاثِ الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَلَهُ بَنُونَ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ قَدْ أَقَرَّ أَبِي أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ أَنَّ ذَلِكَ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الَّذِي أَقَرَّ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ يُعْطِي الَّذِي شَهِدَ لَهُ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ، قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَهْلَكَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنَيْنِ لَهُ وَيَتْرُكَ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ فَيَكُونَ عَلَى الَّذِي شَهِدَ لِلَّذِي اُسْتُلْحِقَ مِائَةُ دِينَارٍ وَذَلِكَ نِصْفُ مِيرَاثِ الْمُسْتَلْحَقِ لَوْ لَحِقَ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ أَخَذَ الْمِائَةَ الْأُخْرَى فَاسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ الْحُكْمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ وُلِدُوا. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ فِي قِيمَتِهِمْ صِفَتَهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي ضَمَانِ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْحُكْمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ حَاكِمٍ فَلَمَّا احْتَاجَ إلَى حَاكِمٍ اُعْتُبِرَتْ صِفَةُ الْمَحْكُومِ فِيهِ يَوْمَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَدْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ حِينَ التَّقْوِيمِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَوْلَادُ أَحْيَاءً فَإِنْ كَانُوا قَدْ مَاتُوا فَلَا شَيْءَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَتِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا قُتِلُوا فَأَخَذَ الْأَبُ الدِّيَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِمْ، أَوْ مَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْ دِيَتِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ الْأُمِّ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَأَخَذَ الْأَبُ فِيهِ غُرَّةً. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا الْعِوَضَ إنَّمَا أَخَذَهُ الْأَبُ بَدَلًا مِنْ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ السَّيِّدُ قِيمَتَهُمْ فَكَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ الْأَبِ مَا أَخَذَ مِنْ قِيمَتِهِمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِمْ فَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقِيمَةَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْأَبِ بِالْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَمْ يُدْرِكْ الْوَلَدُ فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ حَقٌّ فِيهِمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ أَشْهَبَ صَوَابٌ وَذَهَبَ إلَى هَذَا وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْحُكْمَ قَدْ أَدْرَكَ الدِّيَةَ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا كَمَا كَانَ يَحْكُمُ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ فَقَالَ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الْمِثْلُ وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُشْتَرِي الْبَعِيرَ، فَإِنَّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ شَيْءٌ فِي جِلْدِهِ يُرِيدُ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ: أَوْ قِيمَتَهُ وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ يُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقِيمَةَ، وَإِنَّمَا الْمِثْلُ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الْحَيَوَانِ كَانَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَهُ فِيهِ أَعْدَلَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَاثَلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ بِالنِّكَاحِ الَّذِي أَخَذَ عِوَضَهُ الْمَهْرَ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْغَارُّ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ فَزَوَّجَهُ مِنْهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ وَلِيُّهَا، وَلَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلِيٍّ لَهَا ثُمَّ زَوَّجَهُ مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا غَرَّتْ الْأَمَةُ مِنْ نَفْسِهَا فَتَزَوَّجَتْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَدَخَلَ بِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْمَهْرُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا مَا فَضَلَ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَهْرَ لَمْ يَدْخُلْهُ فَسَادٌ فَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِيهِ الْمُسَمَّى، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّقْصَ بِالرِّقِّ قَدْ وُجِدَ فِي الْعِوَضِ فَكَانَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ بِمَا فَضَلَ عَنْهُ عَلَى عِوَضِهِ مَعِيبًا بِعَيْبِ الرِّقِّ.

[القضاء في ميراث الولد المستلحق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ فِي مِيرَاثِ الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ] ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ فِي الَّذِي يُتَوَفَّى وَيَتْرُكُ وَلَدَيْنِ وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُهُ قِيلَ لَهُ: قَدْ أَقْرَرْت لَهُ بِمَالٍ فَيُنْظَرُ إلَى مَا فِي يَدَيْك مِمَّا كَانَ يَصِيرُ لَهُ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَتَدْفَعُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّك مُقِرٌّ لَهُ بِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ لَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ دِينَارٍ وَقَدْ أَخَذَهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ فَالْمِائَةُ الزَّائِدَةُ قَدْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُقَرِّ بِهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِ أَخِيهِ وَحْدِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ الْوَرَثَةِ مَنْ يَرْفَعُهُ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّسَبُ وَهَذَا إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَالثَّانِي إقْرَارٌ بِمَالٍ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَلَدًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَاسَمَهُ الْمَالَ بِاتِّفَاقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ دُونَ الْمُنْكِرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ، فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا بِأَيْدِيهِمَا وَاَلَّذِي كَانَ يَجِبُ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ السِّتِّمِائَةِ مِائَتَانِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ مِمَّا بِيَدِهِ بِمِائَةٍ وَشَهِدَ لَهُ عَلَى أَخِيهِ بِمِائَةٍ أُخْرَى مِمَّا بِيَدِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُقَرِّ لَهُ غَيْرَ مِائَةٍ وَمِنْ يَدِ الْمُنْكِرِ مِائَةً أُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخَوَانِ لَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْلُو هَذَا الْإِقْرَارُ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا فَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ عَرَضًا مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمُتَوَفَّى عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَأَخَذَ الْمُقِرُّ الْعَبْدَ وَأَخَذَ أَخُوهُ الْأَمَةَ ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ بِأَخٍ قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ فَهَذَا قَدْ أَقَرَّ بِثُلُثِ الْعَبْدِ وَثُلُثِ الْأَمَةِ وَقَدْ كَانَ لِلْمُقِرِّ قَبْلَ الْإِقْرَارِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْإِنْكَارِ فَأَقَرَّ فِي كُلِّ نِصْفٍ وَجَبَ لَهُ بِثُلُثِ ذَلِكَ النِّصْفِ وَهُوَ سُدُسُ الْعَبْدِ فَلَمَّا بَاعَ نِصْفَهُ فِي الْأَمَةِ بِنِصْفِ أَخِيهِ فِي الْعَبْدِ ضَمِنَ لِأَخِيهِ سُدُسَ قِيمَةِ الْأَمَةِ، وَأَمَّا ثُلُثُ الْعَبْدِ فَوَاجِبٌ لَهُ؛ لِأَنَّ سُدُسَهُ كَانَ بِيَدِهِ وَسُدُسَ آخِرٍ عَاوَضَ فِيهِ أَخَاهُ فَابْتَاعَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِآخَرَ فَلْيُسَلِّمْهُ إلَيْهِ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الْعَبْدِ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي سُدُسِ الْأَمَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ سُدُسَ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ فَيَصِيرُ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ وَلِلْمُقِرِّ نِصْفُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ. وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْبَصْرِيُّ: إنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُعْطِيه ثُلُثَ الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ لَهُ سُدُسَ قِيمَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ ذَلِكَ بِسُدُسٍ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لِأَخِيهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو أَيُّوبَ هُوَ الصَّوَابُ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْ الْعَبْدِ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِسُدُسِ الْأَمَةِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ أَخِيهِ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ لَمْ يَرِثْهُ، وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَخُوهُ الثَّابِتُ النَّسَبِ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يُورَثُ بِهِ إلَّا مَعَ عَدَمِ وَارِثٍ ثَابِتِ النَّسَبِ وَلِهَذَا الْمُقِرِّ أَخٌ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَرِثُهُ الْمُقَرُّ لَهُ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ لَوَرِثَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُقَرُّ لَهُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَرِثُهُ الْمُقِرُّ بِهِ وَالْمُنْكِرُ لَهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ الْمُقِرُّ مِنْ تَرِكَتِهِ بَدْءًا مِثْلَ مَا كَانَ أَعْطَاهُ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ جَحَدَهُ إيَّاهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِمَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ أُضِيفَتْ إلَى مَالِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ أَخَذَ مِنْهَا الْمُقَرُّ لَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَبَقِيَتْ خَمْسُونَ مِنْ مَالِ الْمُقَرِّ لَهُ فَوُقِفَتْ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمُنْكِرُ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَكَمُلَ بِذَلِكَ وَبِالْمِائَةِ الَّتِي كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْهُ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ تَمَامُ نَصِيبِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَإِنَّمَا الْمِائَةُ الدِّينَارِ الَّتِي بَقِيَتْ بِيَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ اسْتَكْمَلَ حَقَّهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الْأَخَوَيْنِ قَدْ شَهِدَا لَهُ بِالنَّسَبِ وَهُمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهَا، أَوْ عَلَى زَوْجِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَى الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِالدَّيْنِ قَدْرَ الَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَرِثَتْ الثَّمَنَ دَفَعَتْ إلَى الْغَرِيمِ ثَمَنَ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً وَرِثَتْ النِّصْفَ دَفَعَتْ إلَى الْغَرِيمِ نِصْفَ دَيْنِهِ عَلَى حِسَابِ هَذَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ مِنْ النِّسَاء) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى مِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى أَبِيهِ دَيْنًا أُحْلِفَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَأُعْطَى الْغَرِيمُ حَقَّهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ كُلَّهُ فَإِنْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا لَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الثَّابِتُ النَّسَبِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالْمَالِ لِوَجْهِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ لَا يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبٌ، وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ النَّسَبُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْأَنْسَابُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ مَالًا وَيَأْتِي مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ فَيُقِيمُ شَاهِدًا وَاحِدًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ دُونَ النَّسَبِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ يَنْفَصِلُ الْمَالُ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِوَلَدٍ وَاسْتَحَقَّ مَا يَتَضَمَّنُهُ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ جِهَتِهِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ هَاهُنَا مُقِرٌّ بِحَقٍّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي حَقًّا ثَابِتًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ النَّسَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهَا، أَوْ عَلَى زَوْجِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَى الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِالدَّيْنِ قَدْرَ الَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَرِثَتْ الثَّمَنَ دَفَعَتْ إلَى الْغَرِيمِ ثَمَنَ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً وَرِثَتْ النِّصْفَ دَفَعَتْ إلَى الْغَرِيمِ نِصْفَ دَيْنِهِ عَلَى حِسَابِ هَذَا يَدْفَعُ إلَيْهِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ مِنْ النِّسَاء) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ تَجْرِي مَجْرَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ تُقِرُّ بِدَيْنٍ عَلَى مَوْرُوثِهَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا تَرِثُ النِّصْفَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَهُوَ نِصْفُهُ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً تَرِثُ الثُّمُنَ؛ لِأَنَّ لِلْمَيِّتِ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ إنَّمَا عَلَيْهِمَا مِنْ الدَّيْنِ ثَمَنُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ فَوَرِثَ الرُّبُعَ لَكَانَ عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ رُبُعُهُ، وَكَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا كَانَتْ أُنْثَى تَرِثُ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ الثُّلُثَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا صَارَ إلَيْهِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةً لَهَا الثُّمُنُ فَأَقَرَّتْ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَوْرُوثَهَا دُونَهُ وَمَعَهُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَلَا يُؤَثِّرُ إقْرَارُهَا فِيمَا بِيَدِهَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ مَالِك وَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِوَارِثٍ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَجِبُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُقِرِّ بِالدَّيْنِ دَيْنَهُ، وَأَمَّا الْوَارِثُ فَإِنَّهُ وَارِثٌ مَعَ الْمُقِرِّ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ قَبْلَهُ فَلِذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ مَا يَنُوبُهُ، وَرَوَى هَذَا ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ وَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ مِنْ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ بِهِ، وَلَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرُّوا بِهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الدَّيْنُ كَالْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُقِرِّ جَمِيعُ مَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِشَهَادَتِهِ لَأُخِذَ مِنْهُ جَمِيعُ مَا بِيَدِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالدَّيْنِ فَلَمْ يَجِدْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَأَخَذَ مِمَّا بِيَدِ الْآخَرِ جَمِيعَ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا اسْتَغْرَقَ مَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ ذَلِكَ عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَخَذَ مِنْ الْمُقِرِّ جَمِيعَ حَقِّهِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْإِنْكَارَ مَعْنًى يَمْنَعُ الْمُقَرَّ لَهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَأَوْجَبَ لَهُ اسْتِيفَاءَ جَمِيعِ حَقِّهِ مِمَّنْ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ مِنْهُ مَانِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الْعَدَمِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى مِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى أَبِيهِ دَيْنًا أُحْلِفَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَأُعْطَى الْغَرِيمُ حَقَّهُ كُلَّهُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ كُلَّهُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أُخِذَ مِنْ مِيرَاثِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ قَدْرُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ وَجَازَ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ) .

[القضاء في أمهات الأولاد وفيه أبواب]

يَحْلِفْ أُخِذَ مِنْ مِيرَاثِ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ قَدْرُ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّهِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ وَجَازَ عَلَيْهِ إقْرَارُهُ) . الْقَضَاءُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ اُتْرُكُوا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ رَجُلٌ مِنْ الْوَرَثَةِ بِمِثْلِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ أَنَّ لِهَذَا الْغَرِيمِ عَلَى ابْنِهِ دَيْنًا وَكَانَ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الدَّيْنِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ إنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الشَّهَادَاتِ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ شَهَادَتِهَا حَتَّى يَكُونَ الِاثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ أَبَى الْغَرِيمُ أَنْ يَحْلِفَ اسْتَحَقَّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يَحْتَجْ فِي اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ إلَى يَمِينٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ غَيْرَ عَدْلٍ لَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْعِلْمَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ إذَا لَمْ يُرِدْ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْقَضَاءُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ يَعْزِلُونَهُنَّ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعَزْلُ عَنْهُنَّ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ فِي الْإِمَاءِ فَإِنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا لِمَنْ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا أَتَتْ بِهِ مِنْ وَلَدٍ. وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَيَعْزِلُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ حَقِيقَةَ الْعَزْلِ وَقَدْ يَغْلِبُهُ أَوَّلُ الْمَاءِ، أَوْ الْيَسِيرُ مِنْهُ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ قَالَ: كُنْت أَطَأُ وَلَا أُنْزِلُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَلَدُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْإِنْزَالِ مُتَيَقَّنٌ وَلَا يَصِحُّ مَعَهُ وَلَدٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ كُنْت أَطَأُ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ فَأُنْزِلُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ فِي الْأَمَةِ وَلَا يَلْتَعِنُ فِي الْحُرَّةِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قُرْبَ الْفَخِذَيْنِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَالِاسْتِحَالَةِ فَيَلْحَقُ مِنْهَا الْوَلَدُ وَهَذَا يَبْعُدُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِخَلْقِ وَلَدٍ مِنْ مَنِيٍّ لَمْ يَنْزِلْ فِي الرَّحِمِ لَمَا لَزِمَ مَنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ حَدٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا حَدٌّ فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَكْثُرُ فِيهِ الْوَهْمُ وَالْغَلَطُ وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُهُ الْوَاطِئُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. (فَصْلٌ) : وَالْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي يَحْتَمِلُهُ قَوْلُهُ يَعْزِلُونَهُنَّ أَنْ يُرِيدَ بِاعْتِزَالِهِنَّ فِي الْوَطْءِ الْإِزَالَةَ لَهُنَّ عَنْ حُكْمِ التَّسَرِّي عَلَى وَجْهِ الِانْتِفَاءِ مِنْ وَلَدِ الْأَمَةِ دُونَ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ وُجُودِ مَعْنًى يَصْرِفُ الْحَمْلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَبِمَاذَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِالْحَيْضِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ لَا تَبْرَأُ مِنْهُ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ وَطْءٌ لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا، أَوْ وَهَبَهَا لِامْرَأَةٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْوَطْءَ الْمُبَاحَ الَّذِي يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ لَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ الْحَيْضُ دُونَ وَطْءٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْحَمْلُ أَصْلُ ذَلِكَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْوَطْءِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ سَحْنُونٌ وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَنَا عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثٌ حِيَضٍ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْمُغِيرَةُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا اسْتِبْرَاءٌ فِي وَطْءٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَأَجْزَأَ فِي ذَلِكَ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ كَالِاسْتِبْرَاءِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْحَيْضَ إذَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ انْتِقَالٌ مِنْ الْمِلْكِ لَضَعُفَ فَلَا يَقَعُ لِلْمَرْأَةِ مِنْهُ إلَّا بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَأَمَّا الْحَيْضَةُ الْوَاحِدَةُ فَإِنَّمَا يَقَعُ الْبَرَاءَةُ بِهَا مَعَ الِانْتِقَالِ إلَى مِلْكٍ، وَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَتَتَزَوَّجُ بَعْدَهُ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ نِكَاحِ الثَّانِي فَلَا يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مِلْكِ زَوْجٍ آخَرَ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ وَأَبْعَدَ مِنْهَا أُلْحِقَ بِالْأَوَّلِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ ادِّعَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ يَمِينٌ قَالَ سَحْنُونٌ وَاَلَّذِي ثَبَتَ عِنْدَنَا عَنْ مَالِكٍ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ ادِّعَائِهِ الِاسْتِبْرَاءَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ الْيَمِينِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذَا ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مَعْنًى يُثْبِتُ لِلسَّيِّدِ حُكْمَ الِانْتِفَاءِ مِنْ الْوَلَدِ فَلَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ إثْبَاتُهُ بِالْيَمِينِ، وَكَانَ قَوْلُهُ فِيهِ مَقْبُولًا لِنَفْيِ الْوَاطِئِ أَوَّلًا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْوَطْءِ مَعْنًى يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدَ فَلَمْ يُنْفَ عَنْهُ إلَّا بِيَمِينٍ فِي الزَّوْجِيَّةِ فِي الْأَحْرَارِ لَمَّا كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِالزَّوْجِ لَمْ يَنْفِهِ إلَّا بِيَمِينٍ وَهُوَ اللِّعَانُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَلَدُهَا بِكَوْنِهَا فِي مِلْكِهِ وَلَكِنْ بِاعْتِرَافِهِ أَنَّهُ قَدْ وَطِئَهَا وَهُوَ مَعْنَى إلْمَامِهِ بِهَا فَإِذَا اعْتَرَفَ السَّيِّدُ بِوَطْءِ الْأَمَةِ وَثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ اعْتِرَافِهِ صَارَتْ الْأَمَةُ فِرَاشًا وَلَزِمَهُ كُلُّ وَلَدٍ أَتَتْ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَدْ اُسْتُبْرِئَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِالْوَطْءِ، أَوْ بِالْوَلَدِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْوَاحِدُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا، أَوْ سِقْطًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي نَفْيِ النَّسَبِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَكَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ فِي جِنْسَيْنِ فَلَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَهِدَ إقْرَارَهُ بِالْوَطْءِ شَاهِدٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، وَفِي غَيْرِهِ إذَا قَامَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ وَشَهَادَةُ امْرَأَةٍ بِالْوِلَادَةِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ قَالَ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْيَمِينُ إذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِالْوِلَادَةِ وَشَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ، أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ وَشَاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يَقْتَضِي نَفْيَ الِاسْتِرْقَاقِ فَإِذَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ لَزِمَتْ السَّيِّدَ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِهِ كَالْعِتْقِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَاهُنَا فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْإِقْرَارُ بِالْوَطْءِ، وَالثَّانِي الْوِلَادَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ النَّسَبُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ الْيَمِينُ لِضَعْفِ الْبَيِّنَتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ الْوَطْءَ وَلَكِنَّهُ أَنْكَرَ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَجَدْت مَعَهَا رَجُلًا وَصَدَّقَتْهُ، أَوْ ثَبَتَ الزِّنَا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلَا يَنْفِي الْوَلَدَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا حَتَّى يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَا يَلْحَقُ بِهِ نَسَبٌ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ وَكَانَ الْوَطْءُ الَّذِي يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ وَهُوَ وَطْءُ السَّيِّدِ أَوْلَى بِالْوَلَدِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا يُرِيدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْحَقْتُ بِالسَّيِّدِ الْمُقِرِّ بِالْوَطْءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَتَتْ بِهِ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ إلَى وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ لَزِمَهُ مَا أَتَتْ بِهِ، وَلَوْ إلَى أَقْصَى حَمْلِ النِّسَاءِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءً لَمْ يَمَسَّ بَعْدَهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ السَّيِّدِ مَنَعَ إلْحَاقَ النَّسَبِ بِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ بَعْدَهُ إلَّا وَلَدٌ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاعْتَزِلُوا بَعْدُ أَوْ اُتْرُكُوا، إعْلَامًا لَهُمْ بِأَنَّ مَا يَأْتُونَ بِهِ بَعْدُ مِنْ الْعَزْلِ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ وَلَدٌ عَنْهُمْ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّخْيِيرَ لَهُمْ بَيْنَ الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَدَعُونَهُنَّ يَخْرُجْنَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا قَدْ أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ) .

نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَدَعُونَهُنَّ يَخْرُجْنَ لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إلَّا قَدْ أَلْحَقْت بِهِ وَلَدَهَا فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً ضَمِنَ سَيِّدُهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ ثُمَّ يَدَعُونَهُنَّ بَعْدُ يَخْرُجْنَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخُرُوجَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْخِدْمَةِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهَا السَّرَارِي تَحَفُّظًا بِهِنَّ فَإِنَّ مَنْ تَسَرَّى بِأَمَةٍ مَنَعَهَا الْخُرُوجَ جُمْلَةً، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ مِمَّا يُتَّقَى عَلَيْهَا فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَخُوفَةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فِيهَا، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ يَطَأُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يُرْسِلُهَا إلَى السُّوقِ فِي حَوَائِجِهِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ تَخْرُجُ لِحَاجَتِهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ الْخُرُوجُ الْمُعْتَادُ إلَى السُّوقِ وَالْمَوَاضِعِ الْمَأْمُونَةِ الَّتِي فِيهَا جَمَاعَةُ النَّاسِ فَلَا يُمْكِنُ الِانْفِرَادُ بِهَا وَلَا مُخَادَعَتُهَا، وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا وَطِئَ أَمَةً جَعَلَهَا عِنْدَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ حَتَّى يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ، أَوْ تَحِيضَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَمَةُ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا تُسَاكِنُ أَهْلَهُ بَلْ تَتَصَرَّفُ بِالتَّكَسُّبِ لِصَنَائِعَ وَالْعَمَلِ، أَوْ تَكُونَ مَعَ جُمْلَةِ إمَائِهِ فِي غَيْرِ دَارِ سُكْنَاهُ مَعَ زَوْجِهِ صَفِيَّةَ فَإِذَا وَطِئَهَا ضَمَّهَا إلَى دَارِ زَوْجِهِ صَفِيَّةَ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا أَحْصَنُ لَهُنَّ وَأَمْكَنُ مِنْ التَّحَفُّظِ بِهِنَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّنْ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ فَإِذَا وَطِئَهَا مَنَعَهَا ذَلِكَ وَلَزِمَتْ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا مَنْعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَمْلٍ أَوْ بَرَاءَةِ رَحِمٍ بِحَيْضٍ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ عُمَرُ ثُمَّ يَدْعُونَهُنَّ يَخْرُجْنَ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ جُمْلَةً. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ ضَمِنَ سَيِّدُهَا الْجِنَايَةَ ولَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِتَسْلِيمٍ فِي جِنَايَةٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا مُعَاوَضَةٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا بِالْعِتْقِ الَّذِي يُسْقِطُ مَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمَنْفَعَةِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهَا، وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ:. أَحَدُهَا فِي مَاذَا تَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. وَالثَّانِي فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا غَيْرُهُ. وَالثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَفِي وَلَدِهَا. وَالرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا لَهَا فِي جِنَايَةٍ. وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا وَحُكْمِ وَلَدِهَا وَحُكْمِ مَالِهَا إذَا تُوُفِّيَ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَاذَا تَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِكُلِّ مَا أَسْقَطَتْهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُخَلَّقٌ وَفِيهِ تَجِبُ الْغُرَّةُ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا طَرَحَتْ دَمًا مُجْتَمِعًا، أَوْ غَيْرَ مُجْتَمِعٍ فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَإِذَا صَارَ عَلَقَةً خَرَجَ مِنْ حَدِّ النُّطْفَةِ وَالدَّمِ الْمُجْتَمِعِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ اتَّفَقَ النِّسَاءُ أَنَّهُ وَلَدٌ مُضْغَةً كَانَ أَوْ عَلَقَةً، أَوْ دَمًا، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا يُرْخِيه الرَّحِمُ بِأَنَّهُ وَلَدٌ إلَّا إذَا ظَهَرَ خَلْقُهُ وَصُورَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَ الطَّبَرِيُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مُخَلَّقَةٍ مُصَوَّرَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَمَّا الدِّمَاءُ فَقَدْ تُرْخِهَا حَيْضًا وَغَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْوَلَدِ وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] فَيَكُونُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ مِنْ نَعْتِ الصُّورَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيَقُولُ اُكْتُبْ عَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ» . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إذَا وَقَعَتْ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَيَقُولُ يَا رَبِّ مُخَلَّقَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ، فَإِنْ قَالَ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ مَجَّتْهَا الْأَرْحَامُ دَمًا، وَإِنْ قَالَ مُخَلَّقَةٌ قَالَ يَا رَبِّ

[الباب الثاني في أنه لا يجوز أن يملكها غيره ببيع ولا هبة ولا غيرها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا صِفَةُ هَذِهِ النُّطْفَةِ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى مَا رِزْقُهَا وَمَا أَجَلُهَا فَعَلَى هَذَا الْمُخَلَّقَةُ مِنْ صِفَةِ النُّطْفَةِ فَمَا كَانَ مِمَّا تُرْخِيه الْأَرْحَامُ مِمَّا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ وَلَيْسَ بِوَلَدٍ فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الدِّمَاءَ قَدْ تُرْخِيهَا الْأَرْحَامُ وَلَا يَكُونُ وَلَدًا كَالْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَدًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَلَدُ الْمُضْغَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْحَدَّ إلَّا بِمَا يَكُونُ وَلَدًا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ يَعْرِفُهُ النِّسَاءُ بِكَثْرَتِهِ وَأَحْوَالِهِ فَإِذَا كَانَ يُعْرَفُ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ كَالْمُضْغَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ السَّيِّدُ، وَقَالَ لَهَا لَمْ تَلِدِي هَذَا الْوَلَدَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الْجِيرَانِ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ بِهَا لَاحِقٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْجِيرَانُ مِنْهَا حَمْلًا وَلَا وِلَادَةً وَلَا طَلْقًا إذَا كَانَ مَعَهَا الْوَلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَتْ أَسْقَطْت، أَوْ وَلَدْت فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِامْرَأَتَيْنِ عَادِلَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِوَاحِدَةٍ إلَّا الْيَمِينُ عِنْدَ أَشْهَبَ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا غَيْرُهُ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا غَيْرُهُ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا) هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَأْيًا وَرَأَى عُمَرُ رَأْيًا عَتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَتَّى مَضَيَا لِسَبِيلِهِمَا ثُمَّ رَأَى عُثْمَانُ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت أَنَا بَعْدَ بَيْعِهِنَّ فِي الدَّيْنِ فَقَالَ عُبَيْدَةُ فَقُلْت لِعَلِيٍّ رَأْيك وَرَأْيُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيك بِانْفِرَادِك فِي الْفُرْقَةِ فَقَبِلَ مِنِّي وَصَدَّقَنِي. فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِنَّ كَانَ فِي وَقْتِ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُخَالِفُوا فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ رَأْيِي فِي بَيْعِهِنَّ فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً فَهَذَا يَقْتَضِي انْفِرَادَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ صَدَّقَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ فِي إثْبَاتِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَتَجَدَّدَ بِذَلِكَ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا فِي زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَمَّا كَشَفَ عَنْ أَمْرِهِنَّ عَبْدُ الْمَلِكِ أَخْبَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ الْمِسْوَرَ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَلَا يُعْتَقْنَ فِي ثُلُثٍ» وَفِيهِ غَضِبَ سَعِيدٌ عَلَى الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَ بِحَدِيثِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ حَدَّثَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إنَّ عُمَرَ أَعْتَقَهُنَّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا حَمَلَتْ حَرُمَ بَيْعُهَا لِأَجْلِ الْجَنِينِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَهَا وَلَا تُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَهُ فَسَرَى إلَيْهَا حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ كَمَا كَانَ يَسْرِي مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِحُرٍّ فَمَنَعَ ذَلِكَ بَيْعَهَا أَصْلُهُ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا وَهِيَ حَامِلٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ، أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ لَهَا وَهَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ حُرًّا مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ حُرٍّ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي ذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ إنْ عَتَقَ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ أَنْ تَكُونَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْآنَ وَلَدٌ كَانَ مَا تَقَدَّمَ لَهَا سِقْطٌ أَوْ وَلَدٌ وَذَكَرَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ دُونَ الْمُدَبَّرِ، قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَ أُمِّ وَلَدِ الْمُدَبَّرِ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا يُرِيدُونَ الْمُدَبَّرَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَأَيْضًا فَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَجْزَ وَلِلْمُدَبَّرِ بَيْعُهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا وَلَدَتْ بَعْدَ عَقْدِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْأَبِ إلَّا أَنَّ لِلْوَلَدِ حُكْمَ الْأَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ الْمُكَاتَبِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَازَ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعَهَا مِنْ غَيْرِ دَيْنٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا حُرِّيَّةَ لَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَقَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا إلَّا أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ قَالَ

[الباب الثالث في حكم ما بقي له من التصرف والمنفعة فيها وفي ولدها]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ حُرْمَتَهَا ضَعِيفَةٌ لِضَعْفِ حُرْمَةِ سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَيَرِقُّ بِالْعَجْزِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ وَجَازَ لَهُ بَيْعُهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِسَيِّدِهَا حُرْمَةُ الْعِتْقِ بِالْكِتَابَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدِي أَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهَا لَمْ يَكْمُلْ فَلَمْ تَحْصُلْ أُمُّ وَلَدٍ بِاسْتِيلَادِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ كَالْأَمَةِ لِلْعَبْدِ الْقِنِّ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ لِعَقْدِ عِتْقِهِ فَيَثْبُتُ لِأُمِّ وَلَدِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ كَالْعِتْقِ الْمُبَتَّلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِيهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهَا عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ لَهَا وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهَا عَنْهَا، وَوَجْهُ ثُبُوتِهَا أَنَّهُ بَيْعٌ لِابْنِهِ فِي عَقْدِ الْعِتْقِ الَّذِي يَثْبُتُ لَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِأُمِّهِ بِهِ الْحُرْمَةُ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ مَا يَمْنَعُ بِهِ سَيِّدُهُ مِنْ مَالِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ لِأُمِّهِ بِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ كَذَلِكَ الْعَبْدُ الْقِنُّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِذَا قُلْنَا تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ فَإِذَا نَفْينَا عَنْهَا حُرْمَةَ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَهَا قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي تَدْبِيرِ أَبِيهِ وَمِثْلُ هَذَا يَتَوَجَّهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي أُمِّ وَلَدِ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي انْتِزَاعِ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا تَلِدُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ التَّدْبِيرِ، أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ الْمُكَاتَبُ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ الْحَامِلِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ إنَّمَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا تَلِدُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عِتْقِ أُمِّهِ وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِمَا تَلِدُهُ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَمْلِكْهُ الْأَبُ وَقَدْ جَرَى مِنْهُ فِيهِ لِغَيْرِهِ حُرِّيَّةٌ فَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ بَلْ تُعْتَقُ عَلَى غَيْرِ الْأَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا حَمَلَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِذَا حَمَلَتْ بِنِكَاحٍ، أَوْ وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ سَبَبُ عِتْقٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا بِالْوِلَادَةِ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا بِالشِّرَاءِ كَعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا حَمَلَتْ بِنِكَاحٍ وَوَلَدَتْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ كَالرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ فَتَحْمِلُ مِنْهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِأَبِيهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَمْ تَكُنْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُعْتِقَ عَلَى جَدِّهِ وَلَمْ يَمْلِكْهُ أَبُوهُ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مَا فِي بَطْنِهَا أَنَّ شِرَاءَهُ جَائِزٌ وَتَكُونُ بِمَا تَضَعُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ ابْنَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُصِبْهُ عِتْقُ السَّيِّدِ إذْ لَا يَتِمُّ عِتْقُهُ إلَّا بِالْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي فَلَسِهِ وَيَبِيعُهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ الْوَضْعِ إنْ شَاءُوا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا، وَلَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَإِنَّمَا فِيهِ مَا فِي جَنِينِ أَمَةٍ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ فَإِنَّمَا فِيهِ جَنِينُ حُرَّةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ ابْنَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ فَهَذَا قَدْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فِي النِّكَاحِ وَوَضَعَتْهُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَكَانَتْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا لَوْ حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَنْفَعَةِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَنْفَعَةِ فِيهَا، وَفِي وَلَدِهَا) وَذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ بَقِيَ لَهُ فِي أُمِّ وَلَدِهِ الِاسْتِمْتَاعُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلرَّجُلِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يُعَنِّتَهَا فِي الْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ دَنِيئَةً، وَتُبْتَذَلُ الدَّنِيئَةُ فِي الْحَوَائِجِ الْخَفِيفَةِ مِمَّا لَا تُبْتَذَلُ فِيهِ الرَّفِيعَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: اسْتِخْدَامُهَا فِيمَا يَقْرُبُ وَلَا يَشُقُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ فِيهَا الْخِدْمَةُ وَالِاسْتِمْتَاعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ مِلْكِهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ

[الباب الرابع في حكم مالها في حياته]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ تَمْلِيكِهَا غَيْرَهُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لَهُ اسْتِخْدَامُ الْأُمِّ، وَوَجْهُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي نَفْيِ اسْتِخْدَامِهَا أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ بَيْعِهِ لَهَا وَلَا تُعْتَقُ فِي ثُلُثِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا كَالْحُرَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ دُونَ سَائِرِ الْمَنَافِعِ فَكَرِهَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ رَضِيَتْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ السَّبَبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا وَبِهَذَا أَخَذَ جَمِيعُ أَصْحَابِ مَالِكٍ. (فَرْعٌ) فَإِنْ زَوَّجَهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَفْسَخُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ وَلِيٌّ لَهَا فَجَازَ إنْكَاحُهُ لَهَا كَمَا لَوْ نَفَذَ عِتْقُهَا وَكَمُلَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إجْبَارِهَا عَلَى النِّكَاحِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَثَبَتَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَمَةٌ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَمَلَكَ إجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا ثَبَتَ لَهَا سَبَبُ حُرِّيَّةٍ يَمْنَعُهُ رَهْنَهَا وَإِجَارَتَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَهُ إجْبَارَهَا عَلَى النِّكَاحِ كَالْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ أَعْسَرَ فَهَلْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ لِلْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ أَمْ لَا وَفِي كِتَابِ الرِّقِّ لَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبَّادِ: سَأَلْت عَنْهَا يَحْيَى بْنَ عُمَرَ وَقُلْت لَهُ: تَعْمَلُ وَتُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا، قَالَ لِي: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفَقَتِهَا مَا يَكْفِيهَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ أَرَى أَنْ تُعْتَقَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَذَا قَالَ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْهُ الْأَنْدَلُسِيُّونَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: تُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ، أَوْ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَا لَا يُنْفِقُ لَهُ عَلَيْهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَرَوِيُّونَ أَنَّهَا تَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ نَفَقَتِهَا مَعَ إبْقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ بِأَنْ تُزَوَّجَ مِمَّنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَبِهَذَا فَارَقَتْ الزَّوْجَةُ فَإِنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ بِالنِّكَاحِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا بَقِيَتْ عَلَى الرِّقِّ فَجَازَ أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالْإِعْسَارِ كَالْأَمَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا غَيْرُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالزَّوْجَةِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ غَابَ عَنْهَا سَيِّدُهَا فَلَمْ يَتْرُكْ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ زَوَاجَهَا مَكْرُوهٌ وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ السَّيِّدُ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاكِمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ تُزَوَّجُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَيُزَوِّجُهَا هُوَ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَعَجَزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَالِهَا فِي حَيَاتِهِ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَالِهَا فِي حَيَاتِهِ) فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا مَا لَمْ يَمْرَضْ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ بَقَاءً تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ، وَيُبِيحُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فَكَانَ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهَا أَصْلُ ذَلِكَ الْأَمَةُ حَالَ الرِّقِّ وَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهَا إذَا مَرِضَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ انْتِزَاعُهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ مَالِهِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ إبْقَاءً عَلَى وَرَثَتِهِ لِقُرْبِ وَقْتِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ كَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهُ مَا لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَنْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَى مَالٍ بِمَوْتِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ كَالْوَارِثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَفْلَسَ السَّيِّدُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لِغُرَمَائِهِ أَخْذُ مَالِ أُمِّ وَلَدِهِ وَلَا أَنْ يُجْبِرُوا السَّيِّدَ عَلَى ذَلِكَ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ انْتِزَاعَ مَالِ أُمِّ الْوَلَدِ بِمِلْكٍ لِمَا يَمْلِكُهُ بِاخْتِيَارِهِ لِيَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا وَحُكْمِ مَالِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ] 1

[الباب الأول في ماذا تصير الأمة به أم ولد]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَاذَا تَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا وَحُكْمِ مَالِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ) أَمَّا حُكْمُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَإِنَّهَا حُرَّةٌ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ وِلَادَتُهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ فَأَمَّا إذَا تُوُفِّيَ وَهِيَ حَامِلٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ بَيِّنًا فَقَدْ تَمَّتْ حُرْمَتُهَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَالْقِصَاصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ قَدْ يَظْهَرُ الْبَطْنُ وَيَقُولُ النِّسَاءُ هُوَ حَمْلٌ ثُمَّ يَنْفُشُ فَقَالَ إذَا ظَهَرَ وَاسْتَوْفَى تَمَّتْ حُرِّيَّتُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ تُوقَفُ أَحْكَامُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُوجِبَ إكْمَالُ حُرِّيَّتِهَا بِتَيَقُّنِ الْحَمْلِ بِهَا مَعَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَدْ وُجِدَا فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِكَمَالِ حُرْمَتِهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ مِنْ انْفِشَاشِهِ كَالْحَيْضِ يُحْكَمُ بِظُهُورِهِ عَلَى وَجْهِ الْعِدَّةِ، أَوْ الِاسْتِبْرَاءِ بِانْتِفَاءِ الْحَمْلِ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ وُجُودُ الْحَمْلِ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ وَتَكَرُّرِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ قَدْ يَظْهَرُ ثُمَّ يَنْفُشُ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَمْلِ إلَّا بِالْوِلَادَةِ، أَوْ الْإِسْقَاطِ فَيَجِبُ أَنْ تُوقَفَ أَحْكَامُهَا حَتَّى يُوجَدَ أَحَدُهُمَا، أَوْ يُعْدَمَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا تُوُفِّيَ السَّيِّدُ فَمَالُ أُمِّ الْوَلَدِ تَبَعٌ لَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مُعْتَقٍ يَتْبَعُهُ مَالُهُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مِلْكٍ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ فَيَتْبَعُهُ مَالُهُ كَالْعَبْدِ يَعْتِقُهُ سَيِّدُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَهَا مِنْ حُلِيٍّ، أَوْ مَتَاعٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَهَا الْأَمْرُ الْمُسْتَنْكَرُ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ لَهَا مِنْ ثِيَابٍ إذَا عَرَفَ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُهَا وَتَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى أَصْلِ الْعَطِيَّةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مَا كَانَ فِي ابْتِذَالِهَا وَلُبْسِهَا فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهَا مِنْهُ مَا لَا يَسْتَنْكِرُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ لُبْسِهَا لَهُ وَابْتِذَالِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَنْ مِلْكٍ، وَأَمَّا مَا يُسْتَنْكَرُ مِثْلُهُ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْهِبَةَ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ أَنْ تَلْبَسَهُ وَتَتَجَمَّلَ لَهُ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ وَهَبَهُ، أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ مَلَكَتْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهَا مَا كَانَ. وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا أَعْطَاهَا سَيِّدُهَا مِنْ حُلِيٍّ وَثِيَابٍ فَذَلِكَ لَهَا إذَا مَاتَ وَمَا أَوْدَعَهَا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ كُلِّفَتْ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْفِرَاشُ وَالْحُلِيُّ وَاللِّحَافُ وَالثِّيَابُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا فَذَلِكَ لَهَا يُرِيدُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ فِي لِبَاسِهَا وَابْتِذَالِهَا فَذَلِكَ لَهَا دُونَ بَيِّنَةٍ وَلَا يَكُونُ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا جَنَتْ ضَمِنَ سَيِّدُهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَيْنَهَا رَاجِعٌ إلَى الْجِنَايَةِ، وَفِي قَوْلِهِ قِيمَتِهَا رَاجِعٌ إلَى الْوَلَدِ الْجَانِيَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا، أَوْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً لَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمُهَا بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ إسْلَامِهَا. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَقْوِيمِهَا فَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمُوَازَنَةِ خَالَفَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمُغِيرَةُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ جَنَتْ فَرَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَمَادَى الْمُغِيرَةُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْحُكْمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تُقَوَّمُ فَهَلْ تُقَوَّمُ بِمَالِهَا، أَوْ بِغَيْرِ مَالِهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ تُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهَا وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ تُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهَا، وَأَنَا أَرَى أَنْ تُقَوَّمَ بِمَالِهَا وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَمَةَ الْجَانِيَةَ إذَا لَمْ تُسَلَّمْ لِيَمْلِكَهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْجِنَايَةِ بِهَا تَعَلُّقٌ بِمَالِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ فَاقْتُصَّ مِنْهُ فَإِنَّ مَالَهُ يَبْقَى لِسَيِّدِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَلَوْ عَفَا عَنْ قَتْلِهِ وَأَسْلَمَهُ لِيُمْلَكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فَمَرَّةً قَالَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ وَمَرَّةً قَالَ لَا يَكُونُ مَالُهُ تَبَعًا لَهُ فَلَمَّا كَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ لَمْ تُسَلَّمْ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْجِنَايَةُ بِمَالِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُغِيرَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً لَقُوِّمَتْ أَمَةً فَأُسْلِمَتْ لَأُسْلِمَتْ بِمَالِهَا فَكَذَلِكَ إذَا قُوِّمَتْ وَجَبَ أَنْ تُقَوَّمَ بِمَالِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ أَنْ جَنَتْ فَتَرَكَتْ مَالًا

[القضاء في عمارة الموات وفيه أبواب]

(الْقَضَاءُ فِي عِمَارَةِ الْمَوَاتِ) (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» قَالَ مَالِكٌ وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا اُحْتُفِرَ، أَوْ أُخِذَ، أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لِلْمَجْرُوحِ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً لَقُوِّمَتْ بِغَيْرِ مَالِهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ كَانَ مَالُهَا عَبْدًا أَدَّى مِنْهُ الْأَرْشَ فَإِنْ لَمْ يَفِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ عَرَضًا خُيِّرَ سَيِّدُهَا فِي فِدَائِهِ، أَوْ إسْلَامِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُبْنَى عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ تُقَوَّمُ بِغَيْرِ مَالِهَا فَلَا تَتَعَلَّقُ عِنْدَهُ الْجِنَايَةُ بِمَالِهَا وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ تُقَوَّمُ بِمَالِهَا فَإِنَّ الْجِنَايَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَالِهَا فَإِنْ عُدِمَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَقَدْ بَقِيَ مَالُهَا وَالْجِنَايَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ فِدَائِهَا وَيَرْضَى بِإِسْلَامِهَا كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهَا تَمْلِيكًا لَهَا وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يُرِيدُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ إلَّا قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْجِنَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ جِنَايَةً وَاحِدَةً فَإِنْ تَكَرَّرَتْ جِنَايَاتُهَا فَإِنَّ تَعَقُّبَ كُلِّ جِنَايَةِ الْحُكْمِ فِيهَا بِحُكْمِ الثَّانِيَةِ، وَمَا بَعْدَهَا حُكْمُ الْأُولَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ جَنَتْ جِنَايَاتٍ قَبْلَ الْقِيَامِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَامَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَتُهَا لِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُهَا مِثْلَ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَمَّا كَانَ حُكْمًا وَاحِدًا كَانَ حُكْمُ جِنَايَاتِهَا حُكْمَ جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ جَنَتْ جِنَايَاتٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهَا إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ تَجْنِيهَا إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ جَنَتْ جِنَايَةً أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا أَدَّى الْقِيمَةَ ثُمَّ إنْ جَنَتْ أُخْرَى تَشَارَكَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي الْقِيمَةِ الْأُولَى فَرَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ مَا جَنَتْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْأَرْشَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا كُلَّمَا جَنَتْ رَجَعَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْعَبْدُ إذَا جَنَى جِنَايَةً ثَانِيَةً لَمْ يَتَحَمَّلْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا جِنَايَةً كَالْعَبْدِ الْقِنِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ إلَّا جِنَايَةَ الْأَحْرَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ لَمْ يَفْتَدِهَا السَّيِّدُ أَعْتَقْنَاهَا عَلَيْهِ وَجُعِلَتْ دِيَةُ قَتِيلِهَا عَلَى عَاقِلَتِهَا وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ تَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ عَنْهَا بِحَالِهَا يَوْمَ جِنَايَتِهَا وَهِيَ يَوْمَ جِنَايَتِهَا أَمَةٌ. وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ قُتِلَتْ خَطَأً ثُمَّ أُعْتِقَتْ لَمْ تَتَحَمَّلْ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَرْجِعُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنَايَتِهَا وَذَلِكَ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَحُكِمَ عَلَى السَّيِّدِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ عَتَقَتْ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهَا إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِهَا دُونَ ذِمَّتِهَا، وَأَمَّا إذَا جَنَتْ جِنَايَةً فَقَبْلَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ تُوُفِّيَ سَيِّدُهَا فَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَهَا مَالٌ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَلَا مَالَ لِلسَّيِّدِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ قَدْ وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ قِيَم عَلَى السَّيِّدِ أَمْ لَا. [الْقَضَاءُ فِي عِمَارَةِ الْمَوَاتِ وَفِيهِ أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ] (ش) : مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» إحْيَاءُ الْأَرْضِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عِمَارَتُهَا وَمَوْتُهَا تَبَوُّرُهَا وَعَدَمُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى وَجْهِ الزِّرَاعَةِ وَالْحَرْثِ وَالْبُنْيَانِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَوْتُ الْأَرْضِ بِمَعْنَى عَدَمِ سَقْيِهَا وَتَعَذُّرِ نَبَاتِهَا وَحَيَاتُهَا سَقْيُهَا وَظُهُورُ نَبَاتِهَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50] . وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ وَمَا بَعُدَ مِنْهُ وَلَمْ يُمْلَكْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوَاتٌ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِيمَنْ أَحْيَا مَا بَعُدَ وَقَرُبَ فَخَصَّ مِنْهُ مَنْ أَحْيَا مَا قَرُبَ بِدَلِيلٍ ظَهَرَ إلَيْهِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا بَعُدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَفْظَ الْأَرْضِ لَمَّا وَرَدَ مُنْكَرًا لَمْ يَقْتَضِ الْعُمُومَ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَا بَعُدَ دُونَ مَا قَرُبَ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا. وَقَالَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا يَحْتَمِلُ مَا رَوَى عَنْهُ سَحْنُونٌ مِنْ قَوْلِهِ الْمَعْرُوفِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ مَا يَحْتَمِلُهُ قَوْلُ سَحْنُونٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْيَاءُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ بِالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ الْإِمَامُ عَلَى وَجْهِ الْإِقْطَاعِ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لَا يُحْيِيه إلَّا بِقَطِيعَةٍ وَنَحْوِهَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا عَمُرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِمَارَةً وُرِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ الْمَوَاتُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ» يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ مِلْكَهُ لَهُ، وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ:. الْأَوَّلُ: فِي صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْمُحْيِي لَهَا وَحُكْمِهِ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي صِفَةِ الْإِحْيَاءِ. وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي حُكْمِ مَا أُحْيِيَ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ مَاتَ. وَالْبَابُ الْخَامِسُ: فِي حُكْمِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ وَالْإِبْرَازِ فِي الْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ) . قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْأَرْضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عَنْوَةٍ، أَوْ صُلْحٍ، أَوْ مِمَّا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَأَمَّا الْعَنْوَةُ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ مَوَاتٍ وَشِعَارٍ لَمْ تَعْتَمِلْ وَلَا جَرَى فِيهَا مِلْكٌ لِأَحَدٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا كَذَلِكَ أَرْضُ الصُّلْحِ مَا كَانَ مِنْهَا مَوَاتًا لَمْ يُعْمَلْ وَلَا حِيزَ بِعِمَارَةٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا، وَأَمَّا مَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَمَلَكُوهَا فَإِنَّهَا عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَهِيَ تُمْلَكُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مَحْدُودَةً وَلَهَا مَالِكٌ مَعْرُوفٌ مَخْصُوصٌ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةٍ وَلَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمَرَافِقِ وَالْمَنَافِعِ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْأَعْرَابِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا لِمَعْنَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِيمَا ذَكَرَهُ وَاحِدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَجْهٍ مُلِكَتْ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّمَا يُمْلَكُ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمِلْكِ لَهُ إمَّا بِمِلْكِ الرِّقَابِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ الْعُمُومِ، أَوْ مِلْكِ الْمَنَافِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْعَامِّ وَبِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْهَا يَتَعَلَّقُ الْمِلْكُ وَالْحُقُوقُ دُونَ الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ فَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِأَحَدٍ فَهِيَ لَهُ بِالْإِحْيَاءِ دُونَ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا كَانَ مِنْ بِئْرِ مَاشِيَةٍ فَلَا يَغْرِسُ أَحَدٌ عَلَيْهِ غَرْسًا وَلَا يُحْيِي عَلَيْهِ حَقًّا قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ مِمَّا يَمْلِكُ أَهْلُهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَمَا مَلَكَ قَوْمٌ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى وَجْهِ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ مِنْهُ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمَرَاعِي الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا. (مَسْأَلَةُ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمَوَاتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَبْعُدُ مِنْ الْعُمْرَانِ وَضَرْبٌ يَقْرُبُ فَأَمَّا مَا بَعُدَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُمْرَانِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُحْيِيه بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا مِنْ الْأَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ أَرْضٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ الْمُحْيِي فَلَمْ يَحْتَجْ فِي إحْيَائِهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ مَلَكهَا الْمُحْيِي. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَمَّرَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ مَا عَلِمْت اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بَعِيدَةً مِنْ الْعِمَارَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ إنْ عَمَّرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَهُوَ لَهُ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَقْتَطِعُ الْمَوَاتَ الْبَعِيدَ فَيُحْيِيه بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَإِنْ رَأَى أَنْ يُقِرَّهُ أَقَرَّهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخْرِجَهُ أَخْرَجَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يُحْيِيهَا أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَشْهَبَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُحْيِيهَا مَنْ شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ سَحْنُونٌ وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَاَلَّذِي يُحْيِي بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ قَدْ يَظْلِمُ فِي إحْيَائِهِ وَيَسْتَضِرُّ النَّاسُ بِذَلِكَ لِتَضْيِيقِهِ عَلَيْهِمْ فِي مَسَارِحِهِمْ وَعِمَارَتِهِمْ وَمَوَاضِعِ مَوَاشِيهِمْ وَمَرْعَى أَغْنَامِهِمْ فَاحْتَاجَ إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَدْ أَقْطَعَ عُمَرُ الْعَقِيقَ وَهُوَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِقَوْلِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ» وَذَلِكَ عَامٌّ فِيمَا قَرُبَ، أَوْ بَعُدَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لَا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُحْيِي إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَأَحْيَا رَجُلٌ أَرْضًا قَرِيبَةً مِنْ الْعُمْرَانِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ الْإِمَامُ فَإِنْ رَأَى إبْقَاءَهُ لَهُ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُزِيلَهُ وَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ، أَوْ يَبِيعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَمْضَيْته لَهُ وَلَمْ يُنْقَضْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ عَمَّرَهُ لَا يَكُونُ لَهُ بِغَيْرِ قَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يُحْيِيهِ أَحَدٌ إلَّا بِقَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ قَالَ مَا بَعُدَ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا يُعَمَّرُ إلَّا بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَمَا قَرُبَ مِنْ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ قَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْإِقْطَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ إلَّا إذَا أَبَاحَهُ لَهُ لِكَوْنِهِ أَصْلًا لَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَعَدَّى وَعَمَّرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِكَوْنِ النَّظَرِ فِيهِ لِلْإِمَامِ بَاقِيًا وَلَا يُخْرِجُهُ بِتَعَدِّيهِ فِيهِ وَسَبْقِهِ إلَيْهِ عَنْ نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ يَقْتَضِي مَذْهَبَ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُشَاوَرَةُ الْإِمَامِ وَاسْتِئْذَانُهُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعُمْرَانِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُعْطِيه قِيمَةَ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا أَوْ يُعْطِيه إيَّاهُ بَعْدَ أَمْرِهِ بِقَلْعِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ فِيهِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِيه قِيمَةَ نَقْضِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَصْرِفَهُ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِي قِيمَةَ النَّقْضِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُعْطِيه ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ الْمَالِكِ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ لَا مَضَرَّةَ فِي إحْيَائِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُحْيِي لَا يَسْتَضِرُّ أَهْلُ الْعِمَارَةِ

[الباب الثاني في صفة المحيي للأرض وحكمه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ، أَوْ يَكُونُ هُوَ أَصْلَحَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْإِمَامِ إذَا أَحْيَا بِغَيْرِ إذْنِهِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِمُجَاوَرَتِهِ، أَوْ مِمَّنْ يَكُونُ أَحْسَنَ مُجَاوَرَةً مِنْهُ. (فَرْعٌ) وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا فِي الْفَيَافِي فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِي بِالْقُرْبِ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالْإِحْيَاءِ عُمْرَانًا فَلَا يُعَمِّرُ بِقُرْبِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا حَدُّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ الْمَذْكُورَيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: مَا رَأَيْت مَنْ وَقَّتَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَا كَانَ مِنْ الْعِمَارَةِ عَلَى يَوْمٍ وَمَا لَا تُدْرِكُهُ الْمَوَاشِي فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا فَأَرَاهُ مِنْ الْبَعِيدِ، وَأَمَّا مَا تُدْرِكُهُ الْمَوَاشِي فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا، أَوْ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا مِمَّا فِيهِ الرِّفْقُ لِأَهْلِ الْعِمَارَةِ فَهُوَ الْقَرِيبُ يَدْخُلُهُ نَظَرُ السُّلْطَانِ فَلَا يَحْيَا إلَّا بِإِذْنِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَصِيحَ الصَّائِحُ مِنْ طَرَفِ الْعُمْرَانِ فَلَا يَسْمَعُ مَنْ بِالْمَوْضِعِ الْآخَرِ صَوْتَهُ، وَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِارْتِفَاقِ أَهْلِ الْعُمْرَانِ بِالْمَسْرَحِ وَالْمِحْطَبِ دُونَ سَمْعِ الصَّوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ وَيُشَاوِرُ فِيهِ أَهْلَ الْقُرَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَنْظُرُ الْإِمَامُ مِمَّا كَانَ قُرْبَ الْعُمْرَانِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى ضَرَرٌ فِي مَسْرَحٍ، أَوْ مَرْعًى أَوْ مِحْطَبٍ وَنَحْوِهِ مُنِعَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ أَمْضَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا: إنَّهُ يَنْظُرُ مَعَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مُجَاوَرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْمُزَنِيَّة فِي غَنِيٍّ اقْتَطَعَ مَوَاتًا بَعِيدًا فَأَحْيَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ، وَإِنْ أَحْيَا فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ الْعُمْرَانِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْهُ مَنَعَهُ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ أَقَرَّهُ فِي يَدَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْطِعَ الْإِمَامُ الْأَغْنِيَاءَ إذَا كَانَ قَدْ أَقْطَعَ الْفُقَرَاءَ مَا يَكْفِيهِمْ فَاعْتُبِرَ بِالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَلَعَلَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ مَقْصُورٌ عَلَى الْإِقْطَاعِ دُونَ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْأَرْضَ إلَّا بِالِارْتِفَاقِ وَالْعَمَلِ فَالْغَنِيُّ أَقْدَرُ عَلَيْهِ وَالْإِقْطَاعُ يُمَلِّكُ الْأَرْضَ دُونَ عَمَلٍ وَلَا نَفَقَةٍ فَالْفَقِيرُ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ الْغَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُحْيِي لِلْأَرْضِ وَحُكْمِهِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُحْيِي لِلْأَرْضِ وَحُكْمِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحْيِيَ لِلْأَرْضِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هِيَ لَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» . (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُحْيِي فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَأَمَّا فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ وَيُعْطِي قِيمَةَ مَا عَمَّرَ؛ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ وَالذِّمِّيُّ لَاحِقٌ لَهُ فِي الْفَيْءِ، وَكَذَلِكَ إنْ عَمَّرَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ كُلِّهِ وَالنَّجُودِ وَالْيَمَنِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا وَيُعْطَى قِيمَةَ عِمَارَتِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْفَيْءِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ وَاقْتِسَامُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْفَيْءِ مِنْ الْأَرْضِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَصِحَّ إحْيَاؤُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَفْتَتِحْ ذَلِكَ الْبَلَدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْفَيْءِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي إحْيَاءِ مَا بَعُدَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَأْذَنَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهِ لِلْمُحْيِي وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ فَمِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْذِنِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ فَمِنْ حَقِّهِمْ

[الباب الثالث في صفة إحياء الأرض]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَمْنَعَهُ وَفِي إحْيَاءِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَا قَرُبَ مِنْ مَوَاطِنِهِمْ وَعِمَارَتِهِمْ مَضَرَّةٌ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَإِنْ تَعَدَّى وَعَمَّرَ بِغَيْرِ إذْنٍ نَظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْهُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ نَقْضِهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ مَالِ مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ أَوْ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ وَلَا تَسُوغُ الْمُشَارَكَةُ إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لِأَحَدٍ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَنْعِ إحْيَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ] 1 (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكِتَابُ ابْنِ سَحْنُونٍ إحْيَاءُ الْأَرْضِ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ يُجْرِيَ عَيْنًا، وَمِنْ الْإِحْيَاءِ غَرْسُ الشَّجَرِ وَالْبُنْيَانُ وَالْحَرْثُ فَمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ إحْيَاءٌ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: إنَّ الْإِحْيَاءَ حَفْرُ الْآبَارِ وَشَقُّ الْعُيُونِ وَغَرْسُ الشَّجَرِ وَبِنَاءُ الْبُنْيَانِ وَتَسْيِيلُ مَاءِ الرَّدْغَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَقَطْعُ الْحِيَاضِ وَالْفَحْصُ عَنْ الْأَرْضِ بِمَا تَعْظُمُ مُؤْنَتُهُ وَتَبْقَى مَنْفَعَتُهُ حَتَّى يَصِيرَ مَالًا يُعْتَدُّ بِهِ، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ إحْيَاءٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّعْيُ فَلَا يَكُونُ إحْيَاءً قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: مَنْ نَزَلَ أَرْضًا فَرَعَى مَا حَوْلَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ إحْيَاءٌ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ بَاقٍ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالُ سَائِرِ الْأَرَضِينَ الْمَبُورَةِ فَلَا يَكُونُ إحْيَاءً كَالْمُبْتَنَى فِيهَا، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ بِأَنَّهُمْ قَدْ رَعَوْا وَيَنْتَظِرُونَ أَنْ يَرْعُوا وَاحْتَجَّ فِي الْمَجْمُوعِ بِالْمَعْدِنِ يَحُوزُهُ رَجُلٌ بِالْعَمَلِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَهُ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعْجِبْ سَحْنُونًا قَوْلُ أَشْهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ حَفْرُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ إحْيَاءٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَا يُعْمَلُ لِمَعْنَى إحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ لِمَنَافِعِ الْمَاشِيَةِ كَالرَّاعِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ التَّحْجِيرُ إحْيَاءً قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ فِيهِ إحْيَاءٌ لِلْأَرْضِ وَلَا مَنْفَعَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْعٌ لِغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَإِلَّا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى صِفَتِهَا قَبْلَ التَّحْجِيرِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ يُحَجِّرُ أَرْضًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعُمْرَانِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَكُونُ أَوْلَى بِهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحَجِّرُهَا لِيَعْمَلَ فِيهَا إلَى أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ لِيُمْكِنَهُ الْعَمَلُ لِيُبْسِ الْأَرْضِ، أَوْ لِغَلَاءِ الْأَجْرِ وَنَحْوِ هَذَا مِنْ الْعُذْرِ الَّذِي يُؤَخِّرُ لَهُ النَّاسُ فَذَلِكَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ يُحَجِّرُ مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْهُ مَا عَمَّرَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِيمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا وَلَمْ يُعْمِرْهَا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ بِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَرَاهُ حَسَنًا. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَنْ أَحْيَا مِنْ الْأَرَضِينَ ثُمَّ مَاتَ وَعَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَنْ أَحْيَا مِنْ الْأَرَضِينَ ثُمَّ مَاتَ وَعَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) الْأَرَضُونَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُفْتَتَحُ مِلْكُهُ وَضَرْبٌ يُتَمَلَّكُ عَنْ مَالِكٍ، فَأَمَّا مَا اُفْتُتِحَ مِلْكُهُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إقْطَاعُ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي: الْإِحْيَاءُ فَأَمَّا مَا مُلِكَ بِإِقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ الْعُتْبِيَّةُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ أَرْضًا بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ كَانَتْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا، وَيَبِيعُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ وَيُورَثُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الَّذِي يُقْطِعُهُ الْإِمَامُ أَرْضًا فَلَمْ يَقْوَ عَلَى عِمَارَتِهَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِهَا مَا لَمْ يُنْظَرْ فِي عَجْزِهِ عَنْهَا فَيُقْطِعُهَا غَيْرَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِقْطَاعَ عِنْدَهُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ الثَّانِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى عِمَارَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْمِيرَاثِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْإِقْطَاعَ إنَّمَا هُوَ إذْنٌ فِي الْإِحْيَاءِ وَمِنْ شَرْطِ ذَلِكَ الْعِمَارَةُ فَأَمَّا مَا افْتَتَحَ مِلْكَهَا بِالْإِحْيَاءِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى عَفَتْ آثَارُهَا وَهَلَكَتْ أَشْجَارُهَا وَطَالَ زَمَانُهَا ثُمَّ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ أَنَّهَا لِلثَّانِي. وَقَالَ سَحْنُونٌ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَقَدْ مَلَكَهَا وَلَا تَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ لِتَعْطِيلِهِ لَهَا، وَإِنْ عَمَرَهَا غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ

[الباب الخامس في حكم الأرض الموات والأبوار في القسمة والبيع]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْمُبَاحَ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ حَتَّى عَادَ إلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لِمَنْ يَمْلِكُهُ بَعْدَهُ كَالصَّيْدِ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ صَائِدِهِ فَيَلْحَقُ بِالْوَحْشِ فَهُوَ لِمَنْ صَادَهُ بَعْدَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ مَا لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ بِالتَّغْيِيرِ إذَا مُلِكَ بِالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّغَيُّرِ إذَا تَمَلَّكَهُ عَنْ إبَاحَةٍ كَالثِّيَابِ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالصَّيْدِ أَنَّ الصَّيْدَ لَوْ ابْتَاعَهُ ثُمَّ نَفَرَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ لَكَانَ لِمَنْ صَادَهُ بَعْدَهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا ثُمَّ تَبَوَّرَتْ فَأَحْيَاهَا غَيْرُهُ بَعْدَهُ فَإِنَّهَا لِمَنْ اشْتَرَاهَا دُونَ مَنْ أَحْيَاهَا. (فَرْعٌ) وَسَوَاءٌ أَحْيَاهَا الْأَوَّلُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِذْنُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْإِقْطَاعِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْإِقْطَاعِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا مُلِكَ مِنْ الْأَرْضِ بِشِرَاءٍ، أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، أَوْ خُطَّةٍ فَإِنَّهَا لِمَنْ مَلَكَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا وَيَبِيعُ ذَلِكَ وَيُورَثُ عَنْهُ فَإِنْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُحْيِيَ الثَّانِي مَا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ مَنْعُهُ أَوْ مَا لِلْأَوَّلِ مَنْعُهُ، وَإِنْ أَحْيَا مَا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ مَنْعُهُ فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ أَحْيَا مَا لِلْأَوَّلِ مَنْعُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُحْيِي يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَعْلَمُهُ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَعْطِهِ قِيمَةَ عِمَارَتِهِ إنْ أَبَى قِيلَ لِلْعَامِرِ أَعْطِهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ وَذَكَرَ الْمُطَرِّفُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ وَابْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لِلَّذِي عَمَرَ أَنْ يُعْطِيَ رَبَّ الْأَرْضِ قِيمَةَ أَرْضِهِ، وَلَكِنْ إذَا أَبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ عِمَارَتِهِ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا هَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ بَرَاحًا وَالْآخَرُ بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ قَائِمَةً وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَبُورَةً ثُمَّ تُقَوَّمَ عَامِرَةً فَمَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالْعِمَارَةِ فَالْعَامِلُ بِهِ شَرِيكٌ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلثَّانِي حَقًّا ثَابِتًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ قِيمَةَ حَقِّهِ كَصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ ثَابِتٌ قَدِيمٌ وَعَمَلُ الثَّانِي وَارِدٌ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ وَالْأَبْوَارِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ وَالْأَبْوَارِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ) الْأَبْوَارِ وَالشَّعَارَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِمَارَةُ وَضَرْبٌ تُحِيطُ بِهِ الْعِمَارَةُ وَضَرْبٌ يَكُونُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَّا مَا لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِمَارَةُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ لَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى قِسْمَتِهِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّعْرَاءَ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ الْقُرَى تَلْحَقُهَا الْمَاشِيَةُ فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا وَهِيَ لَهُمْ مَرَاعٍ وَمُحْتَطَبٌ فَلَا تَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَلِأَهْلِ تِلْكَ الْقُرَى قِسْمَتُهَا بَيْنَهُمْ وَأَنْكَرَ سَحْنُونٌ هَذَا. وَقَالَ الْمَعْرُوفُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ غَيْرُ هَذَا الْوَجْهِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْعُمْرَانِ أَنْ يَحْيَا بِقَطِيعَةٍ مِنْ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا قَرُبَ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحْيِيَهُ دُونَ الْإِمَامِ. وَقَالَ آخَرُونَ لَا يُحْيِيه إلَّا بِقَطِيعَةِ الْإِمَامِ فَهَذَا خَارِجٌ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ الْقِسْمَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِاسْتِحْقَاقِهَا وَمُعْظَمِ مَنَافِعِهَا، وَإِنَّمَا لِغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا أَحَاطَتْ بِهِ الْعِمَارَةُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ وَدَاوُد بْنُ سَعِيدٍ يُقْسَمُ وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَبَاهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْبُورَ وَالْمُتَّسَعَ لَيْسَ بِمَالٍ لَهُمْ وَفِيهِ حَقٌّ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَارَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَنَاخِ إبِلِهِمْ وَمَرْعَى دَوَابِّهِمْ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذِهِ الْأَبْوَارَ أَفْنِيَةُ أَهْلِ الْقُرَى وَمُحْتَطَبُهُمْ وَمَرَاعِيهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ أَحَدًا شَيْئًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُمْ كَأَفْنِيَةِ الدُّورِ فَمَنْ دَعَا إلَى الْقِسْمَةِ مِنْهُمْ فَذَلِكَ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَ الْقُرَى فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قُرَى قَدْ أَحَاطَتْ بِفَحْصٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَثْرَةِ بُورٍ تُرْعَى فِيهِ غَنَمُهُمْ وَيَحْتَطِبُونَ فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمَتُهُ وَيَبْقَى مَرْعًى لَهُمْ وَلِلْمَارَّةِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا قِسْمَتَهُ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فَإِنَّمَا يَقْسِمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرَى وَيُعْطِي كُلَّ قَرْيَةٍ مِمَّا يَلِيهَا يُسَوِّي بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ بِالسَّوَاءِ الْكَرِيمُ بِقِيمَتِهِ وَاللَّئِيمُ بِقِيمَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقُرَى مُتَّصِلَةً بِالشَّعْرَاءِ وَالْأَبْوَارِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا جَبَلٌ، أَوْ صَخْرَةٌ، أَوْ نَهْرٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ حَظٌّ إلَّا أَنْ يَقُومُوا بِبَيِّنَةٍ بِالْمِلْكِ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ جَبَلٌ أَوْ صَخْرَةٌ، أَوْ خَرْبٌ لَا تُحْرَثُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ سَحْنُونٌ فَلَوْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ السُّلْطَانَ يُقْطِعُهُمْ إيَّاهُ بَيْنَهُمْ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهِمْ مَنْ يُحْيِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكَانَ وَجْهًا وَقَدْ خَلَطَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ فَقَالَ فَادَّعَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي خَلْفَ النَّهْرِ وَالصَّخْرَةِ أَنَّ لَهُمْ فِي الشَّعْرَاءِ حَقًّا مَعَهُمْ. وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْقُرَى: إنَّ الَّذِينَ تَصِيرُ لَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ مَنْزِلِهِمْ صَادَفَ كَرْمًا، أَوْ دَنَاءَةً قَالَ سَحْنُونٌ فَصَارَ هَذَا كَإِقْرَارٍ مِنْهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الشَّعْرَاءُ تَلِي الْقَرْيَةَ وَيَقْطَعُ بَيْنَ الشَّعْرَاءِ وَبَيْنَ قُرًى أُخْرَى تُرْعَى فِيهَا مَوَاشِيهِمْ فَأَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي تَلِيهَا أَحَقُّ بِهَا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَيَقْتَسِمُهُ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ فِي الْقَرْيَةِ يَقْتَسِمُونَهَا بِالْقِسْمَةِ، أَوْ السَّهْمِ وَهَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَقْتَسِمُهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فِي الشَّعْرَاءِ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ فِيهَا وَمَا يَقْتَسِمُهُ أَهْلُ الْقُرَى فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ صَغُرَتْ الْقَرْيَةُ، أَوْ عَظُمَتْ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ الْأَبْوَارَ وَالشَّعَارَى وَيَتَشَارَكُونَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْمَسَارِحِ وَالْمَفَارِقِ بِنِسْبَةِ الْجِهَاتِ وَإِلَى ذَلِكَ يَرْجِعُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِمَعْنَى تَتَسَاوَى فِيهِ الْقُرَى قَدْ يَكُونُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الصُّغْرَى مِنْ الْمَاشِيَةِ أَمْثَالُ مَا لِلْقَرْيَةِ الْكُبْرَى فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الصُّغْرَى لِصِغَرِ قَرْيَتِهِمْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْكُبْرَى بِشَيْءٍ لِعِظَمِ قَرْيَتِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ أَوْبَارَهَا وَشَعَارَهَا بِسَبَبِ أَمْلَاكِهِمْ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَقِّهِ مِنْهَا بِالْقِسْمَةِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَ مِنْ عِمَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَ فِيهِ قَدْرُ حَقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ» حَقٌّ فَسَّرَهُ مَالِكٌ فَقَالَ إنَّ الْعِرْقَ الظَّالِمَ مَا اُحْتُفِرَ، أَوْ اُتُّخِذَ، أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ عُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ: عِرْقَانِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَهُمَا الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ، وَعِرْقَانِ فِي جَوْفِهَا الْمِيَاهُ وَالْمَعَادِنُ. وَقَالَ عُرْوَةُ: وَالْبَاطِنَانِ الْبِئْرُ وَالْعَيْنُ قَالَا فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «لَيْسَ لَهُ حَقٌّ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْبَقَاءِ فَمَنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى ظَالِمًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْقِيه وَكَانَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ غَرْسِهِ مَقْلُوعًا وَقِيمَةَ بُنْيَانِهِ مَنْقُوضًا فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَانَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يُبْقِيَهُ عَلَى مِلْكِهِ دُونَ عِوَضٍ يُعَوِّضُهُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلَا انْتِفَاعٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ أَنْبَطَ عَيْنًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى إعَادَتِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ وَيُعْطِيه قِيمَةَ مَالِهِ قِيمَةً بَعْدَ إزَالَتِهِ وَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْحَقِّ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا عَلَى مَا قَالَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[القضاء في المياه]

الْقَضَاءُ فِي الْمِيَاهِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنَبٍ يُمْسَكُ حَتَّى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ فِي الْمِيَاهِ] (ش) : قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَسَحْنُونٌ: مَهْزُورٌ وَمُذَيْنَبٍ وَادِيَانِ بِالْمَدِينَةِ، زَادَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَ مِلْكُهُمَا لِأَحَدٍ كَانَا يُسْقَيَانِ بِالسَّيْلِ فَإِذَا أَتَى السَّيْلُ سَقَى الْأَعْلَى حَائِطَهُ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه وَذَلِكَ أَنَّ الْمِيَاهَ الَّتِي تَسْقِي عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ لَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالسُّيُولِ وَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَضَرْبٌ يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَأَمَّا مَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ طَرِيقُهُ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، أَوْ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا رَجُلٌ مُعَيَّنٌ، أَوْ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا رِجَالٌ مُعَيَّنُونَ فَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ فِي أَرْضٍ لَا تُمْلَكُ مِثْلُ الْمِيَاهِ الَّتِي تَسِيلُ مِنْ شِعَابِ الْجِبَالِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ كَمَهْزُورٍ وَمُذَيْنَبٍ فَتَسِيلُ مِيَاهُهُمَا فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكَةٍ إلَى أَرْضِ مَنْ يَسْقِي بِهَا ثُمَّ يَتَّصِلُ جَرْيُهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَيُحَاذِي مَجْرَى الْمَاءِ فِي إحْدَى جَانِبَيْهِ، أَوْ فِي جَانِبَيْهِ جَمِيعًا مَزَارِعُ وَحَدَائِقُ لِلنَّاسِ وَيَسْقُونَ بِهِ فَهَذَا حُكْمُهُ أَنْ يُسْقَى بِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَذَلِكَ إذَا كَانَ إحْيَاؤُهُمْ مَعًا، أَوْ إحْيَاءُ الْأَعْلَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَهَذَا حُكْمُ النِّيلِ أَيْضًا فَإِنْ أَحْيَا رَجُلٌ مَاءَ سَيْلٍ ثُمَّ أَتَى غَيْرُهُ فَأَحْيَا فَوْقَهُ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى أَعْلَى سَيْلٍ مِنْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ وَيَسْقِي بِهِ قَبْلَ الْأَسْفَلِ الَّذِي أَحْيَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عَمَلَ الثَّانِي وَيُتْلِفُ غَرْسَهُ وَزَرْعَهُ، فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ بَعْضُ الْأَجِنَّةِ أَقْدَمَ مِنْ بَعْضٍ فَالْقَدِيمُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَاءِ قَدْ تَقَدَّمَ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ مِنْهُ بِمَا يُحْدِثُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الْجَنَّتَانِ مُتَقَابِلَتَيْنِ فَمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْلَى بِالْأَعْلَى فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا الْمَاءُ وَجْهُ ذَلِكَ تَسَاوِيهِمَا فِي وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ كَانَ الْأَسْفَلُ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الْأَعْلَى حُكِمَ لِمَا كَانَ أَعْلَى بِحُكْمِ الْأَعْلَى وَلِمَا كَانَ مِنْهُ مُقَابَلًا بِحُكْمِ الْمُقَابِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ جَرْيُ الْمَاءِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: مَا كَانَ مِنْ سُيُولِ الْمَطَرِ فِي أَرْضِ النَّاسِ الْمَعْرُوفَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَمْنَعَ مَاءَهُ وَيَحْبِسَهُ فِي أَرْضِهِ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَلَا يُرْسِلُ مِنْهُ شَيْئًا إلَى مَنْ تَحْتَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي أَرْضِهِ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَنَازَعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي أَرْضِ أَحَدٍ فَأَمَّا مَا سَالَ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ إنْ شَاءَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ سَيْلُهُ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا قَوْمٌ مُعَيَّنُونَ مِثْلَ أَهْلِ النَّهْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى إخْرَاجِ مَاءٍ مِنْهُ فَيَحْمِلُونَهُ فِي أَرْضِهِمْ، أَوْ فِي أَرْضِ مَبُورَةٍ مَلَكُوهَا لِشَقِّ سَاقِيَتِهِمْ فِيهَا وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمَائِهِمْ وَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ التَّقْوِيمِ لَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمُونَهَا بِمَا يُقْتَسَمُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يُمْلَكُ أَصْلُهُ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ هَؤُلَاءِ يَقْتَسِمُونَ مَاءَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ بِالْقَلْدِ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنْ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رَقَبَةَ الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ مِلْكٌ وَلِكُلِّ ذِي حَظٍّ فِيهَا الِانْتِفَاعُ بِحَظِّهِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي أَرْضٍ هِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَلَهُمْ شِرْبٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَصْرِفَ حِصَّتَهُ مِنْ الشِّرْبِ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَطَّلَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ لَمْ يُعَطِّلْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَالْأَرْضُ مَقْسُومَةٌ قَالَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَمُرَّ بِهِ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ عَلَى الْإِشَاعَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَصْرِفَ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِحَظِّهِمْ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْقِلْدُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْهَا أَنْ يُؤْخَذَ قَدْرٌ وَيُثْقَبَ فِي أَسْفَلِهَا ثُقْبٌ وَيَمْلَأُ مِنْ الْمَاءِ وَيَكُونُ قَدْرُ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا مِقْدَارَ مَا يَجْرِي مَاؤُهُ عَلَى ثُقْبِهِ تِلْكَ فَتُمْلَأُ وَلَا يَزَالُ صَاحِبُ الْحِصَّةِ مِنْ الْمَاءِ يَأْخُذُ مَاءَ الْعَيْنِ كُلَّهُ وَيَصْرِفُهُ فِيمَا شَاءَ إلَى أَنْ يَفْنَى مَاءُ الْقِدْرِ ثُمَّ يُمْلَأُ لِلَّذِي يَلِيه مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً بِحَسَبِ حِصَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ مَأْمُونَيْنِ، أَوْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَمَّنْ شَاءُوا، أَوْ يُؤْخَذُ قِدْرٌ فَخَّارٌ، أَوْ غَيْرُهُ يُثْقَبُ فِي أَسْفَلِهِ بِمِثْقَبٍ ثُمَّ يُرْفَعُ الْمِثْقَبُ ثُمَّ يُعَلَّقُ الْقِدْرُ وَيُجْعَلُ تَحْتَهُ قَصْرِيَّةٌ وَيُعَدُّ مَاءٌ فِي جِرَارٍ فَإِذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ صُبَّ الْمَاءُ فِي الْقِدْرِ فَسَالَ الْمَاءُ مِنْ الثُّقْبِ فَكُلَّمَا هَمَّ الْمَاءُ أَنْ يَنْصَبَّ صُبَّ حَتَّى يَكُونَ سَيْلُ الْمَاءِ مِنْ الثُّقْبِ مُعْتَدِلًا النَّهَارَ كُلَّهُ وَاللَّيْلَ كُلَّهُ إلَى انْصِدَاعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يُنَحَّى الْقِدْرُ وَيُقْسَمُ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى أَقَلِّهِمْ سَهْمًا كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا ثُمَّ يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِدْرٌ يَحْمِلُ سَهْمَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيُثْقَبُ كُلَّ قِدْرٍ مِنْهَا بِالْمِثْقَبِ الَّذِي ثَقَبَ بِهِ الْقِدْرَ الْأَوَّلَ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ السَّقْيَ عَلَّقَ قِدْرَهُ بِمَائِهِ وَصَرَفَ الْمَاءَ كُلَّهُ إلَى أَرْضِهِ فَيَسْقِي مَا سَالَ الْمَاءُ مِنْ قِدْرِهِ ثُمَّ كَذَلِكَ يَقْسِمُ فَإِنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ اسْتَهَمُّوا عَلَى ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «يُمْسَكُ حَتَّى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ» اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُرْسِلُ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْأَعْلَى جَمِيعَ الْمَاءِ فِي حَائِطِهِ وَيُسْقِي بِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ الْمَاءُ مِنْ قَاعَةِ الْحَائِطِ إلَى كَعْبَيْ مَنْ يَقُومُ فِيهِ أَغْلَقَ مَدْخَلَ الْمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ بَلَغَنَا أَنَّهُ إذَا سَقَى بِالسَّيْلِ الزَّرْعَ أَمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ شِرَاكَ نَعْلَيْهِ، وَإِذَا سَقَى النَّخِيلَ وَالشَّجَرَ وَمَا لَهُ أَصْلٌ أَمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَحْبِسَ فِي الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَمَا لَهُ أَصْلٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الرَّيِّ وَفِي الْمُزَنِيَّة عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْقِي حَتَّى يُرْوَى حَائِطُهُ ثُمَّ يُمْسِكُ بَعْدَ رَيِّ حَائِطِهِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ إلَى أَسْفَلَ ثُمَّ يُرْسِلُ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تَفْسِيرُهُ أَنْ يَجْرِيَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَاءِ فِي سَاقِيَتِهِ إلَى حَائِطِهِ قَدْرَ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِي السَّاقِيَةِ إلَى كَعْبَيْهِ حَتَّى يُرْوَى حَائِطُهُ، أَوْ يَبْقَى الْمَاءُ فَإِذَا رُوِيَ حَائِطُهُ أَرْسَلَهُ كُلَّهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ رِوَايَةُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَحْسَنُ مَا فِيهِ وَاَلَّذِي رُوِيَ مُسْنَدًا فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنْ الْحِرَّةِ يَسْقِي بِهِ النَّخْلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْقِ يَا زُبَيْرُ فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ ثُمَّ أَرْسِلْ إلَى جَارِك قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِك فَتَلَوَّنَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ الْمَاءُ إلَى الْجِدْرِ، وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: 65] الْآيَةَ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَقَدَّرَتْ الْأَنْصَارُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجِدْرِ فَكَانَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَيْنِ» . (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْحَائِطِ أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَعْدِلَ أَرْضَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى أَرْضِهِ كُلِّهَا إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُلُوُّ بَعْضِ أَرْضِهِ مَا لَا يَبْلُغُ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا بِأَنْ يَعْلُوَ فِي بَعْضِهِ قَامَتَيْنِ وَلَكِنْ إنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ سَقَى كُلَّ مَكَان مُسْتَوٍ عَلَى حِدَتِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» . (ش) : قَوْلُهُ «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَاضِحَةِ مَعْنَى ذَلِكَ فِي آبَارِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي فِي الْفَلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ فَضْلُ الْمَاءِ لَمْ يُرْعَ ذَلِكَ الْكَلَأُ الَّذِي بِذَلِكَ الْوَادِي لِعَدَمِ الْمَاءِ فَصَارَ مَنْعًا لِلْكَلَأِ. وَقَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ يَنْزِلُهَا لِلرَّعْيِ لَا لِلْعِمَارَةِ فَهُمْ وَالنَّاسُ فِي الرَّعْيِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ يَبْدَئُونَ بِمَائِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ هِيَ مَا حَفَرَهُ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عَلَى مَا عَهِدَهُ مِمَّا يَحْفِرُهُ الرَّجُلُ لِمَاشِيَتِهِ فِي الْبَرَارِي وَفَيَافِي الْقِفَارِ فَهَذِهِ الْبِئْرُ إذَا حُفِرَتْ فَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُحْفَرَ لِشُرْبِ مَاشِيَتِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهَا وَيُسَيِّحَهُ لِلنَّاسِ، فَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ مَائِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ مَا حُفِرَ مِنْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنْ حُفِرَتْ فِي قُرْبٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرِيدُ قُرْبَ الْمَنَازِلِ إذَا كَانَ إنَّمَا اُحْتُفِرَ لِلصَّدَقَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبَيْعَ أَصْلِهَا وَأَهْلُهَا أَحَقُّ بِمَائِهَا، فَإِذَا فَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ فَالنَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ قَالُوا، وَأَمَّا مَنْ احْتَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ لِبَيْعِ مَائِهَا، أَوْ لِسَقْيِ مَاشِيَتِهِ وَلَمْ يَحْتَفِرْهَا لِلصَّدَقَةِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا احْتَفَرَهُ فِي أَرْضِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى الْمِلْكِ وَإِبَاحَةِ الْبَيْعِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهَا لِلصَّدَقَةِ وَمَا اُحْتُفِرَ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ لِلْمَاشِيَةِ، أَوْ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَلَمْ يَحْفِرْهَا لِإِحْيَاءِ زَرْعٍ، أَوْ غَرْسٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَفَرَهَا لِيَكُونَ الْمُقَدَّمُ فِي مَنْفَعَتِهَا وَلِلنَّاسِ فَضْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْفِرُهَا بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ مَاؤُهَا وَلَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ إلَّا بِبَذْلِهَا فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ عَمَلُهَا دُونَ شَرْطٍ إلَى الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهَا وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ وَبِهَذَا الْحُكْمُ يُحْكَمُ لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَيَّنَ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّمْلِيكَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ وَبِهَذَا تَتَعَلَّقُ الْكَرَاهِيَةُ عِنْدِي وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَإِنْ كَانَ بِالْبُعْدِ وَحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ وَحَيْثُ يَخْشَى الِاسْتِضْرَارَ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الْآبَارِ فَأَمَّا فِي الْمَوَاجِلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَا عُمِلَ مِنْهَا فِي الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي كَمَوَاجِلِ طَرِيقِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا كَالْآبَارِ الَّتِي تُحْتَفَرُ لِلْمَاشِيَةِ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي جِبَابِ الْبَادِيَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَاشِيَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ مَائِهَا لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ، قِيلَ لَهُ: فَالْجِبَابُ الَّتِي تُجْعَلُ لِمَاءِ السَّمَاءِ قَالَ ذَلِكَ أَبْعَدُ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَنْ حَفَرَ جُبًّا فَلَهُ مَنْعُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَلَيْسَ كَالْبِئْرِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى رَعْيِ الْكَلَأِ بِالْمَاءِ فَأَشْبَهَ الْبِئْرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَوَاجِلَ لَيْسَتْ مِمَّا يُتَّخَذُ غَالِبًا لِلْمَوَاشِي لِمَا فِيهَا مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْمُؤَنِ وَغَالِبُ عَمَلِهَا لِلتَّمْلِيكِ إلَّا مَنْ أَعْلَنَ بِالصَّدَقَةِ إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا تُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَلَا يُبَاعُ مَاؤُهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُبَاعُ، وَإِنْ احْتَاجَ وَلَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يُورَثُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَرَثَةُ مُحْتَفِرِهَا أَحَقَّ بِمَائِهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ: " إنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَصَاحِبُهَا الَّذِي احْتَفَرَهَا أَوْ وَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِحَاجَتِهِمْ مِنْ مَائِهَا " قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: لَا تَقَعُ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الْمَوَارِيثُ بِمَعْنَى الْمِلْكِ وَلَا حَظَّ فِيهِ لِزَوْجِهِ وَلَا زَوْجٍ مِنْ بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، قَالَ: وَمَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ عَنْ حَظِّهِ مِنْ الشُّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ حَظَّهُ أَحَدًا وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِئْرِ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَنْ غَابَ وَأَوْصَى بِثُلُثِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ الْبِئْرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَجْهٌ مِنْ الْعَطِيَّةِ كَالْهِبَةِ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فَضْلُهَا لِغَيْرِهِ فَقَدْ اشْتَرَى مِنْ مَائِهَا مَا يَرْوِيه وَذَلِكَ مَجْهُولٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَظَاهِرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ مَوَاجِلِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَهِيَ كَالْآبَارِ الَّتِي تُحْفَرُ لِلْمَاشِيَةِ، وَقَالَ فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا أَرَى بَيْعَ ذَلِكَ حَرَامًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ:. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا بِئْرُ الْمَاشِيَةِ فَمَنْعُ فَضْلِ مَائِهَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعِ الْكَلَإِ الْمُبَاحِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلنَّاسِ مَا فَضَلَ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ لِأَشْهَبَ بِأَنَّ مَا يَشْتَرِيه مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِيهِ حَوَائِجَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَعَلَى ذَلِكَ مُنِعَ مِنْ أَنْ يُورَثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ أَشْهَبُ لَجَازَ أَنْ تُورَثَ وَتُوهَبَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا تَنْصَرِفُ الْكَرَاهِيَةُ إلَى أَنْ يَحْفِرَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ بِهِ، وَأَمَّا إذَا حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ لِفَضِيلَةٍ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ مَنْعِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَى مَنْعِ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ وَمَنْعِ هِبَتِهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ يَبْدَأُ بِالشُّرْبِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ سُنَّةٌ مِنْ تَقْدِيمِ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ لَوْ قُدِّمَ عَلَى قَوْمٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ حَمَلُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا اسْتَهَمُوا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ لِسَنَةٍ اسْتَمَرَّتْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ أُسْهِمَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ السَّبِيلُ إلَى تَقْدِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ بِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَاجِلُ حَاجَتُهُمْ مِنْ الْمَاءِ لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَهَى أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ، وَأَمَّا قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَنْعٌ فَكَانَ لَهُمْ بِحَقِّ الْيَدِ وَاجِبًا، وَأَمَّا مَا فَضَلَ مِنْهُ فَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَقَدْ كَانَ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ احْتَفَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَشْرَبُ بِهَذِهِ الْآبَارِ الْمُحْدَثَةِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّ بِئْرٍ كَانَتْ مِنْ آبَارِ الصَّدَقَةِ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ السُّقْيَا أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ مَنَعَهُمْ أَهْلُ الْمَاءِ بَعْدَ رَيِّهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ دِيَةُ قُرَاهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ مَنَعُوهُمْ حَتَّى مَاتَ الْمُسَافِرُونَ عَطَشًا كَانَتْ لَهُمْ دِيَاتُهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَاءِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ مِنْ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَسْقِيَ دَوَابَّهُ مِنْ فَضْلِ مَاءِ الْآبَارِ وَالْمَوَاجِلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ، وَقَدْ اضْطَرَّتْ دَوَابُّهُمْ إلَيْهِ وَالْمَسَافَةُ إلَى مَاءٍ آخَرَ بَعِيدَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ أُسْوَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْمِيَاهِ غَوْثٌ أَقْرَبُ مِنْ غَوْثِ السَّفَرِ فَيَكُونُ السَّفَرُ أَوْلَى بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْآبَارِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ابْنُ السَّبِيلِ أَوْلَى مَنْ شَرِبَ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ لِاضْطِرَارِهِ إلَى ذَلِكَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مِثْلُ تِلْكَ الضَّرُورَةِ لِقُرْبِ غَوْثِهِمْ وَمَحَارِمِ بِئْرِهِمْ وَهُمْ مُقِيمُونَ وَالسَّفْرُ رَاحِلُونَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي لِأَهْلِهِ بَيْعُهُ كَالْبِئْرِ يَحْتَفِرُهَا الرَّجُلُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ لِيَبِيعَ مَاءَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْ مَائِهَا إلَّا بِالثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ السَّبِيلِ لَا ثَمَنَ مَعَهُ، وَإِنْ مُنِعَ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ الْمَاءَ فَلَا يُمْنَعُ فَإِنْ مُنِعَ جَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ فِي الْمِيَاهِ مِنْ الْحِيتَانِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِرْكَةِ وَالْغَدْرِ وَالْبُحَيْرَةِ فِيهَا الْحِيتَانُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَبِيعَهَا أَهْلُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعُوا تَصَيُّدَهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا كَانَ فِي مِلْكِهِمْ، أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِمْ كَالْكَلَأِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ، أَوْ غَدِيرٌ فِيهَا سَمَكٌ فَإِنْ كَانَ طَرَحَ فِيهَا سَمَكًا فَتَوَالَدَتْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَ مَعَ الطِّينِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَصِيدُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِ الصَّيَّادُونَ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ سَحْنُونٌ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَرَاعِيَ أَرْضِهِ وَحِيتَانَ غَدِيرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ وَحَوْزِهِ وَذَلِكَ سَوَاءٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ، وَفِي حَوْزِهِ فَلَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْخُلْجِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ فَلَيْسَ لِمَنْ دَنَا إلَيْهِ بِسُكْنَاهُ وَحَقِّهِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ طَارِئًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَتَسَبَّبَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ الْمُبَاحِ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَعْيِهِ مِنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَالْمَانِعُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ يَقْصِد غَالِبًا الِانْفِرَادَ بِالْكَلَأِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَى هَذَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الذَّرَائِعِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ مَنْ قَصَدَ الْكَلَأَ وَمَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكَلَأُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَضَرْبٌ فِي الْعِمَارَةِ قَالَ مُطَرِّفٌ: فَمَا كَانَ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لَيُمْنَعَ بِذَلِكَ الْكَلَأُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ فَتَقَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْمِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَأِ، وَلَوْ جَازَتْ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَنْعِ لَمَا احْتَاجَ الْمَانِعُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَأَنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ بِهِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ الْكَلَأِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ حَمَى الْبَقِيعَ لِخَيْلِهِ» وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَمَى الرَّبَذَةَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى سَرِفًا وَالرَّبَذَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى ذَلِكَ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْخَيْلُ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا أَنَّهَا لَبِلَادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهَا إلَّا لِمَا كَانَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَيَافِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ حُقُوقِ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْهَا إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَّا مَنْعُهُمْ إيَّاهَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِمَرْعًى لِطُولِ مُقَامِهِ بِهِ، أَوْ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ مِنْ أَرْضِ الْأَعْرَابِ وَفَيَافِيهمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رَعْيِ مَاشِيَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالنَّاسِ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَلَهُمْ مَنْعُهُمْ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِمْ هُمْ مُبْدِئُونَ بِمَائِهَا وَبِرَعْيِ كَلَئِهَا وَلَهُمْ مَنْعُ فَضْلِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ يَمُوتُ صَاحِبُهَا أَنَّهَا لِوَرَثَتِهِ لَا حَقَّ فِيهَا لِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إحْيَاءِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَنْزِلُ بِهِمْ قَوْمٌ يُرِيدُونَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ لَهُمْ مِيلٌ فِي مِيلٍ لِمَرْعَى غَنَمِهِمْ وَلِقَاحِهِمْ وَمَرَابِطِ خَيْلِهِمْ وَمَخْرَجِ نِسَائِهِمْ، وَكَانَ سَحْنُونٌ يُعْجِبُهُ حَدِيثُ ابْنِ سَمْعَانَ هَذَا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ مِائَتَا ذِرَاعٍ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ الْمَرْأَةُ وَلَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ أَوْ يَمْلِكُونَ الِانْتِفَاعَ بِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهَا حَقُّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهَا وَمِلْكُهُمْ كَالْعُمْرِيِّ وَهُوَ بِخِلَافِ حَقِّ مَنْ شَرَى، أَوْ أَحْيَا، أَوْ وَرِثَ، أَوْ وَهَبَ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ لَيْسَ مِلْكُهُمْ لَهَا بِالتَّامِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَهَذِهِ الْأَحْمِيَةُ إنَّمَا كَانَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرَاضِي بِالْبَقِيعِ قَدْرَ مِيلٍ فِي سِتَّةِ أَمْيَالٍ مَا بَيْنَ مِيلٍ إلَى مِيلَيْنِ وَاسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى حِمَايَةِ الرَّبَذَةِ قَرَظَةَ بْنَ مَالِكٍ وَكَانَ مَا حَمَى مِنْهَا قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فِي مِثْلِهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ سَلَامَةَ وَحَمَى بِسَرِفٍ نَحْوًا مِمَّا حَمَى بِالرَّبَذَةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ هنبا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْقُرَى وَمَوَاضِعِ الْعِمَارَةِ فَلَا

(ص) : (عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَمَسَارِح الْقُرَى، أَوْ لِمُعَيَّنٍ كَأَرْضِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مِنْ مَسَارِحِ الْقُرَى فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهَا، أَوْ مَنَعَ ذَلِكَ فَمَنْ جَوَّزَ قِسْمَتَهَا أَجْرَاهَا مَجْرَى الْمِلْكِ الْمُعَيَّنِ، وَمَنْ مَنَعَ اقْتِسَامَهَا أَجْرَاهَا مَجْرَى مَسَارِحِ الْفَيَافِي لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ أَهْلَهَا الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا أَحَقُّ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَأَمَّا الْقُرَى وَالْأَرَضُونَ الَّتِي عَرَفَهَا أَهْلُهَا فَلَهُمْ مَنْعُ كَلَئِهَا عِنْدَ مَالِكٍ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُحْظَرًا عَلَيْهِ، أَوْ غَيْرَ مُحْظَرٍ عَلَيْهِ أَمَّا مَا كَانَ مُحْظَرًا عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّة لَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ وَمَا لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِمَاشِيَتِهِ وَدَابَّتِهِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا الْعُشْبُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إنْ كَانَ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ وَلَهُ بَيْعُ مَرَاعِي أَرْضِهِ سَنَةً بَعْدَ أَنْ يَطِيبَ وَيَبْلُغَ أَنْ يَرْعَى وَلَا يَبِيعُهُ عَامَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَأَلْت مُطَرِّفًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلَهُ مَنْعُ كَلَئِهَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيُخَلَّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، وَمِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ خِصْبِ أَرْضِهِ عَامَهُ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ أَنْ يَرْعَى فَأَيُّ خِصْبٍ يُبِيحُهُ لِلنَّاسِ وَأَيُّ خِصْبِ يَبِيعُهُ، فَقَالَ: الْخِصْبُ الَّذِي يَبِيعُهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ مَاءٌ مَرَجَهُ وَحَمَاهُ، وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَلَا لَهُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْ خِصْبِ فَدَادِينِهِ وَفُحُوصِ أَرْضِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَأَلْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ عَنْ ذَلِكَ فَسَاوَى بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِخِصْبِ أَرْضِهِ الْبَيْضَاءِ كُلِّهَا الَّتِي يَزْدَرِعُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ حِمًى وَلَا مَرَجٌ إنْ شَاءَ بَاعَ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ، أَوْ رَعَى، وَإِنَّمَا لَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا مَنْعُهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى رِعَايَتِهِ خِصْبُ الْقَنَاءِ مِنْ مَنْزِلِهِ، قَالَ أَصْبَغُ وَرَأَيْت أَشْهَبَ يُنْكِرُ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ خِصْبِ أَرْضِهِ، وَكَانَ لَا يُجِيزُ بَيْعَ الْكَلَأِ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ وَحِمَاهُ وَمَرْجِهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَأُ كَالْمَاءِ الَّذِي يُجْرِيه اللَّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا يُمْلَكُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ لِمَنْ أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ لِمَنَافِعِهِ، فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِمَّنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَا يَبِيعُهُ إلَّا أَنْ يَجْتَزَّهُ وَيَحْتَمِلَهُ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ فِي بَيْعِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لِمَنْ هُوَ فِي أَرْضِهِ كَانَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ. وَفَرَّقَ عِيسَى بَيْنَ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ يَلْحَقُهُ الْمَضَرَّةُ بِرَعْيِ عُشْبِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَيْهِ بِإِفْسَادِ حِظَارِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا عُشْبٌ لَهُ وَحَوَالَيْهَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ لَهُ يَضُرُّ بِهِ الدُّخُولُ إلَى رَعْيِهَا مِنْ مَزَارِعِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ ذَلِكَ، وَهَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الرَّعْيِ لَا مِنْ الِاحْتِشَاشِ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْحَظْرِ عَلَيْهِ كَمَا يَتَمَلَّكُهُ بِالِاحْتِشَاشِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ وَيَدِهِ، وَفَرَّقَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بَيْنَ مَرَاعِي أَرْضِهِ وَبَيْنَ عُشْبِ مَزَارِعِهِ أَنَّ مَرَاعِي أَرْضِهِ لِذَلِكَ اُتُّخِذَتْ، وَأَمَّا عُشْبُ مَزَارِعِهِ فَلَمْ تُتَّخَذْ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اُتُّخِذَتْ عِنْدَهُ لِلزَّرْعِ، وَأَمَّا الْعُشْبُ فَعَلَى حُكْمِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي مَنْعِ الْعُشْبِ جُمْلَةً أَنَّ أَصْلَهُ الْإِبَاحَةُ كَالْمِيَاهِ الَّتِي هِيَ فِي أَصْلٍ مُبَاحٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْكَلَأِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ أَنَّ الْكَلَأَ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لَيْسَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ فَصَارَتْ كَظِلَالِ الثِّمَارِ الَّتِي لَيْسَ لِأَرْبَابِ الثِّمَارِ مَنْعُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ رَهْوُ بِئْرٍ قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الْوَاضِحَةِ قَالَ مَالِكٌ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» ، وَفِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ «وَلَا رَهْوُهَا» قَالَ أَبُو الرِّجَالِ النَّقْعُ وَالرَّهْوُ الْمَاءُ الْوَاقِفُ الَّذِي لَا يُسْقَى عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ يُسْقَى عَلَيْهِ وَفِيهِ فَضْلٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ نَقْعِ بِئْرٍ، أَوْ رَهْوِهَا الْبِئْرُ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ يَسْقِي هَذَا يَوْمًا، وَهَذَا يَوْمًا وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ فَيَسْقِي أَحَدُهُمَا فَيَرْوِي نَخْلَهُ وَزَرْعَهُ فِي بَعْضِ يَوْمِهِ، أَوْ يَسْتَغْنِي يَوْمَهُ ذَلِكَ عَنْ السَّقْيِ فَيُرِيدُ صَاحِبُهُ أَنْ يَسْقِيَ بِمَائِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِمَّا لَا يَنْفَعُهُ حَبْسُهُ وَلَا يَضُرُّهُ بَذْلُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فِي حَائِطِهِ فَيَحْتَاجُ الَّذِي لَا شِرْكَ لَهُ فِي الْبِئْرِ إلَى أَنْ يَسْقِيَ حَائِطَهُ بِفَضْلِ مَائِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِ بِئْرِهِ تَهَوَّرَتْ فَيُقْضَى لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِفَضْلِ مَاءِ جَارِهِ إلَى أَنْ يُصْلِحَ بِئْرَهُ وَيَدْخُلَ حِينَئِذٍ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إصْلَاحَ بِئْرِهِ اتِّكَالًا عَلَى فَضْلِ مَاءِ جَارِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ لِي ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ هَذَا وَجْهُ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْمَاءِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ، وَلَا مَجْرَاهُ فَيُسْقَى بِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى فَمَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ عَنْ السَّقْيِ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ أَوْ يَكُونَ لَا مَنْفَعَةَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ إلَّا لِسَقْيِهَا خَاصَّةً فَإِذَا اسْتَغْنَى أَحَدُهُمَا عَنْ حِصَّتِهِ كَانَ الْآخَرُ أَوْلَى بِالِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ تَضْيِيعِهَا وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُوثِرُ ضَيَاعَهَا عَلَى انْتِفَاعِك عِنْدِي وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَنْعَ فَضْلِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا فَضَلَ مِنْ مَاءِ رَجُلٍ عَنْ زَرْعِهِ أَوْ حَائِطِهِ فَيَسْقِي جَارُهُ بِذَلِكَ الْفَضْلِ بِشُرُوطٍ:. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ زَرَعَ، أَوْ غَرَسَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ فَانْهَارَتْ الْبِئْرُ، أَوْ غَارَتْ الْعَيْنُ فَأَمَّا أَنْ يَغْرِسَ، أَوْ يَزْرَعَ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ مَاءٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِفَضْلِ جَارِهِ إلَى أَنْ يُصْلِحَ بِئْرَهُ رَوَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الرِّجَالِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ فَضْلُ الْمَاءِ،. وَقَدْ رُوِيَ لَا يُمْنَعُ رَهْوُ مَاءٍ وَالرَّهْوُ الزَّائِدُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمِيَاهَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ فَضْلُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ مُبَاحًا، وَلِذَلِكَ أَمَرَ الْأَعْلَى أَنْ يُرْسِلَ إلَى الْأَسْفَلِ مَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ الْمَاءِ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِرْسَالِ مَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِئْثَارُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُتَمَلَّكَاتِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ مَنْ دَعَتْهُ ضَرُورَةٌ إلَى فَضْلِ مَاءِ جَارِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ تَضْيِيعِهِ، أَوْ بَذْلِهِ لِغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ ثَابِتَةً فِي الْأَمْلَاكِ لَرُفِعَ الضَّرَرُ بِسَبَبِهَا وَكَانَ أَصْلُهَا الْمُشَاحَّةَ فَبِأَنْ تَثْبُتَ الْمُوَاسَاةُ فِي الْمِيَاهِ لِلضَّرُورَةِ الشَّائِعَةِ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا مَبْنِيَّةً عَلَى الْمُوَاسَاةِ أَوْلَى وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ غَرْسٍ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْنَعُ الْجَارُ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ بَيِّنَةٌ وَيَقْضِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ أَبْيَنُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فِيهَا عَامًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَخَافَ عَلَى زَرْعِهِ، أَوْ نَخْلِهِ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى زَرْعِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي فَضْلِ مَاءِ جَارِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى زَرْعِهِ فَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ كَاَلَّذِي يَضْطَرُّ إلَى الطَّعَامِ وَيَجِدُ مَالَ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَصْرِفُ عَنْهُ الضَّرُورَةَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَفْضُلَ مَاءَ صَاحِبِ الْبِئْرِ عَنْ حَاجَتِهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ فَإِنْ يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَاءَهُ وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْحَاجَةِ فَصَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقُّ بِهِ كَحَالَةِ الْغَنِيِّ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمَاءِ فَصَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقُّ أَنْ يَشْرَعَ مَنْ انْهَارَتْ بِئْرُهُ، أَوْ غَارَتْ عَيْنُهُ فِي إصْلَاحِهَا عَلَى حَسَبِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِمْكَانِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ عَلَى السَّقْيِ مِنْ مَاءِ جَارِهِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ

[القضاء في المرافق]

(الْقَضَاءُ فِي الْمَرَافِقِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَسْقِيَهَا إنْ كَانَتْ رَوَتْ حَتَّى يَبْلُغَ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي هَذَا الْمَاءِ إلَى قَدْرِ مَا نَزَلَ بِهِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ سَقَى بِذَلِكَ إلَى أَنْ يُصْلِحَ بِئْرَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَلَّذِي يَتْرُكُ إصْلَاحَ بِئْرِهِ وَاسْتِرْجَاعَ مَائِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي يَضْطَرُّ إلَى أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ مَا يَشْتَرِيه لَا يُبَاحُ أَنْ يُقِيمَ وَيَأْكُلَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى مَوْضِعِ الْوُجُودِ مَعَ شُرُوعِهِ فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَى صَاحِبِ فَضْلِ الْمَاءِ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ فِي الْمُزَنِيَّةِ عَنْ عِيسَى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِجَارِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ عِيسَى أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ جَارِهِ لِيُصْلِحَ بِهِ كَدَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَضْلُ مَائِهِ. (فَصْلٌ) : فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَهَلْ يَقْضِي لَهُ بِثَمَنِهِ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة رَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا أَتَى بِالثَّمَنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ بِلَا ثَمَنٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي إثْبَاتِ الثَّمَنِ أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ لِدَفْعِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِالْعِوَضِ كَالشُّفْعَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي نَفْيِهِ أَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْمَاءِ دُونَ انْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَا انْتِقَالِهِ إلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَلِأَنَّهُ فَضْلُ مَا يُقْضَى بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنٌ فَلَهُ فَضْلُ مَا يَكُونُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَمَنٌ سَقَيْت لَهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ بَاعَهُ كَانَ جَارُهُ الَّذِي انْقَطَعَ مَاؤُهُ أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ مُؤَثِّرٌ فِي أَنْ يَكُونَ مَنْ يَدْفَعُ بِهِ الضَّرُورَةَ أَوْلَى بِهِ كَالشُّفْعَةِ فِي الشِّرْكِ مِنْ الْأَرَضِينَ وَالرِّبَاعِ. [الْقَضَاءُ فِي الْمَرَافِقِ] (ش) : قَوْلُهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَيَكُونَ مَعْنَى الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ وَاحِدًا، وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا الْقَوْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إضْرَارُهُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخُشَنِيُّ: الضَّرَرُ هُوَ مَا لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِك فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَالضِّرَارُ مَا لَيْسَ لَك فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِك فِيهِ مَضَرَّةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الضَّرَرَ مَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ بِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ الضِّرَارَ مَا قَصَدَ بِهِ الْإِضْرَارَ لِغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الضَّرَرِ أَنْ يَضُرَّ أَحَدُ الْجَارَيْنِ بِجَارِهِ وَالضِّرَارُ أَنْ يَضُرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ كَالْقِتَالِ وَالضِّرَابِ وَالسِّبَابِ وَالْجِلَادِ وَالزِّحَامِ، وَكَذَلِكَ الضِّرَارُ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا وَغَيْرُهُ بِالْإِضْرَارِ بِجَارِهِ عَنْ أَنْ يَقْصِدَا ذَلِكَ جَمِيعًا وَلَيْسَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ، أَوْ رَدْعٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ ظُلْمٍ، وَإِنَّمَا الضِّرَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ فَأَمَّا الضَّرَرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَمِثْلُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي عَرَصَتِهِ مِمَّا يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ، أَوْ فُرْنٍ لِلْخُبْزِ أَوْ لِسَبْكِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ كِيرٍ لِعَمَلِ الْحَدِيدِ أَوْ رَحَى مِمَّا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ، وَقَالَهُ فِي الدُّخَانِ قَالَ وَأَرَى التَّنُّورَ خَفِيفًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ضَرَرَ الْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ بِالْجِيرَانِ بِالدُّخَانِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي دُورِهِمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَضُرُّ بِهِمْ وَهُوَ مِنْ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ الْمُسْتَدَامِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُنِعَ إحْدَاثُهُ عَلَى مَنْ يَسْتَضِرُّ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الرَّحَا فَإِنَّ الَّذِي يَنَالُ مِنْهَا الْجِيرَانُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إفْسَادُ الْجُدْرَانِ وَالثَّانِي صَوْتُهَا فَأَمَّا إفْسَادُ الْجُدْرَانِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بِالْجُدْرَانِ يَهْدِمُهَا فَإِنَّهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ، وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِمَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الضَّرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عِنْدِي إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْتِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ، أَوْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يُسْتَدَامُ، وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا أَوْ يُسْتَدَامُ كَحَوَانِيتِ الْكَمَّادِينَ تُتَّخَذُ عِنْدَ دَارِ الرَّجُلِ، أَوْ حَوَانِيتِ الصَّفَّارِينَ، أَوْ الرَّحَا الَّتِي لَهَا الصَّوْتُ الشَّدِيدُ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ ضَرَرٌ يَصِلُ إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ فَتَعَلَّقَ الْمَنْعُ بِهِ كَضَرَرِ الرَّائِحَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّبَّاغُ يُؤْذِي جِيرَانَهُ بِنَتِنِ دِبَاغِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُمْنَعُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْتِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا ضَرَرٌ دَائِمٌ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الضَّرَرِ الْمَمْنُوعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ ذَلِكَ الْكَنِيفُ يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فَيَضُرُّ بِجِدَارِ جَارِهِ بِمَا يَدْخُلُ مِنْ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلَلِ فِي مِلْكِ جَارِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحْدَثَ عَلَى جَارِهِ فَسَادًا فِي مَالِهِ فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْهَدْمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ أَنْدَرُ إلَى جَانِبِ جِنَانِ رَجُلٍ يَضُرُّ بِهِ تِبْنُهُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا كَانَ الْأَنْدَرُ قَبْلَ بُنْيَانِ الْجَنَّةِ لَمْ يُغَيِّرْ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبُنْيَانَ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ الْأَنْدَرِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ تِبْنِهِ فِي أَرْضِهِ كَمَا يَمْنَعُ مَاشِيَةً قَدِيمَةً مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَرْضِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ اسْتَحَقَّهَا بِالْقِدَمِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ رَفَعَ جِدَارَهُ فَمَنَعَ جَارَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِيَضُرَّ بِجَارِهِ دُونَ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُوجِبْ إدْخَالَ شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَسْتَثْبِتْ مِنْهُ فِي مِلْكِ جَارِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ عَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَبَطَلَ الْبُنْيَانُ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ يَبْنِي حَائِطًا فِي آخِرِ مِلْكِهِ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَمْنَعَ الشَّمْسَ مِنْ جَارِهِ وَيَمْنَعَ الرِّيحَ وَلَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْبُنْيَانِ، وَإِنْ مُنِعَ هَذَا فَكَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةٌ أَنْدَرًا لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَطْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّتِي تَقَادَمَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ بِقُرْبِ الْأَنْدَرِ مَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْأَنْدَرِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْبُنْيَانِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ لِلْبَانِي أَنْ يَبْنِيَ فَإِنْ مَنَعَ هُبُوبَ الرِّيحِ مُنِعَ كَمَا لَوْ مَنَعَ هُبُوبَ الرِّيحِ وَضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ دَارِ جَارِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَنْدَرِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْصِدَ مِنْهَا مَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَسُكْنَى الدَّارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اتَّخَذَ كُوًى وَأَبْوَابًا يَشْرُفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ وَعِيَالِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إذَا كَانَ يَنَالُ بِالنَّظَرِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ إذَا كَانَتْ مِنْ كُوًى لَاحِقَةٍ بِالسَّقْفِ، أَوْ مُقَارِبَةٍ لَا يَطَّلِعُ مِنْهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَطَّلِعُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ وَزَادَ لَا يُكَلَّفُ الْأَسْفَلُ أَنْ يُعَلِّي بُنْيَانَهُ حَتَّى لَا يَرَاهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَضَرَّةٌ أَحْدَثَهَا عَلَى جَارِهِ فِي مَسْكَنِهِ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا عَلَى ظَهْرِ حَوَانِيتَ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ سَطْحًا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى دَارِ رَجُلٍ فَإِنَّ بَانِيَ الْمَسْجِدِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَيَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ حَتَّى يُتِمَّ السِّتْرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ أَحْدَثَهُ الْبَانِي وَلَا يُمْكِنُ هَدْمُهُ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّجُلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ الضَّرَرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَهُ فِي دَارِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَنَى غُرْفَةً وَفَتَحَ فِيهَا أَبْوَابًا وَكُوًى يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى قَاعَةٍ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْقَاعَةِ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ هَذَا يَضُرُّ بِي إذَا بَنَيْت فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَهُ مَنْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ وَبَعْدَ أَنْ يَبْنِيَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا مَضَرَّةَ عَلَى صَاحِبِ الْقَاعَةِ فِيهِ حِينَ بِنَائِهِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الضَّرَرُ حَالَ حُدُوثِهِ لَا مَا يَئُولُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ مِنْ مَنَافِعِ صَاحِبِ الْقَاعَةِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا دَارًا فَلَيْسَ لِمَنْ بَنَى الْغُرْفَةَ أَنْ يُحْدِثَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَلَا مَا يَضُرُّهُ فِيهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ عِنْدَ إحْدَاثِ الِاطِّلَاعِ أَنَّهُ يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى مَوْضِعٍ لَا يَسْتَضِرُّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَنَى فِي الْقَاعَةِ دَارًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَمْنَعَهُ الِاطِّلَاعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ لِقِدَمِ اطِّلَاعِهِ قَبْلَ بِنَاءِ دَارِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَذْكُرُ أَنِّي رَأَيْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَهُ مَنْعُهُ إذَا بَنَى وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي أَوْرَدْته لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ وَلَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِاطِّلَاعِهِ فَإِذَا بَنَى الثَّانِي دَارًا يَضُرُّ بِهِ الِاطِّلَاعُ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ بِتَقَدُّمِ مِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الضَّرَرُ فِيمَا لَا يَتَزَايَدُ أَوْ فِيمَا يَتَزَايَدُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَزَايَدُ فَقَدْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ مَا كَانَ مِنْ الضَّرَرِ بَاقٍ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَزَايَدُ كَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَالْكُوَى وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِحُهُ مَنْ أَحْدَثَهُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَمَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فَيُمْسِكُ عَنْهُ جَارُهُ لِمَا يَقُومُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَانٍ فَمَا كَانَ يَتَزَايَدُ ضَرَرُهُ كَالْكَنِيفِ يُحْدِثُهُ فَإِنْ شَكَا جَارُهُ الضَّرَرَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ فَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ، وَكَذَلِكَ مَا يَفْتَحُهُ كَمُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ إنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ يَتَزَايَدُ فَعَلَى هَذَا الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ أَقْدَمُ مِمَّا يَضُرُّ بِهِ لَا بِغَيْرٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا أُحْدِثَ بَعْدَمَا يَضُرُّ بِهِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَالْمَنْعَ مِنْهُ حَتَّى يَطُولَ زَمَانُهُ وَيَسْتَحِقَّ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يَتَزَايَدُ أَوْ يَتَزَايَدُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُقَامَ بِمَنْعِهِ عِنْدَ إحْدَاثِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ بِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ فَتَحَ مَطْلَعًا عَلَى دَارِ غَيْرِهِ فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ سَدَّ ذَلِكَ فَطَلَبَ أَنْ يَسُدَّهَا مِنْ خَلْفِ بَابِهَا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلْيَقْلَعْ الْبَابَ وَيَسُدَّهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْبَابِ يُوجِبُ الْحِيَازَةَ بَعْدَ الْيَوْمِ يَشْهَدُونَ لَهُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذَا الْبَابَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ فَيَصِيرُ حِيَازَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ دَارًا، وَقَدْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ جَارُهُ مَطْلَعًا، أَوْ مَجْرَى مَاءٍ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ وُجُوهِ الضَّرَرِ فِيمَا لَهُ فِيهِ الْقِيَامُ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَ الْمَانِعُ لَمْ يَقُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى بَاعَهَا فَلَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ كَانَ قَدْ قَامَ فَخَاصَمَ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْحُكْمُ حَتَّى بَاعَ بَعْدَ الْقِيَامِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُومَ وَيَحِلَّ مَحَلَّهُ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ مَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ الضَّرَرَ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَأَنَّهُ بَاعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ لِمُحْدِثِهِ وَإِذَا بَاعَ بَعْدَ الْقِيَامِ فِيهِ فَقَدْ أَظْهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَاعَ الدَّارَ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ كَانَتْ فِي دَارِهِ شَجَرَةٌ إذَا صَعِدَ فِيهَا لِيَجْنِيَهَا اطَّلَعَ عَلَى دَارِ جَارِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ قَدِيمَةً، أَوْ حَدِيثَةً بِخِلَافِ الْغُرْفَةِ وَلَكِنْ يُؤْذِنُ جَارَهُ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ نَحْوَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الِاطِّلَاعُ مِمَّا يُسْتَدَامُ، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ فِي النُّدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِنَاءِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَحْصِيلُ الْمَنَافِعِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاطِّلَاعِ وَالنَّظَرِ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى سَقْفِهِ لِإِصْلَاحِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ فِي الضَّرُورَةِ، وَأَمَّا الْعَامُّ فَمِثْلُ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَهَذَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاشْتَرَى مَالِكٌ دَارًا لَهَا عَسْكَرٌ فَقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَنَاحًا بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُمْنَعُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ يَحْتَازُهَا لَا مَضَرَّةَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا تَضْيِيقَ لِفِنَائِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَضَوْءِ السِّرَاجِ وَظِلِّ الْحَائِطِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَنَى بُنْيَانًا يُطِلُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ بَنَى عَلَى شَرَفٍ يُطِلُّ مِنْهُ عَلَى مَوْرِدَةِ الْقَرْيَةِ عَلَى قَدْرِ غَلْوَةٍ، أَوْ غَلْوَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ لِإِشْرَافِ مَكَانِهِ فَقَطْ لَمْ يُمْنَعْ، وَإِنْ وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً، وَكَذَلِكَ إنْ أَطَلَّ مِنْ ذَلِكَ الشَّرَفِ عَلَى دُورِ جِيرَانِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ إذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ اطِّلَاعُهُ عَلَى الْمَوْرِدَةِ يُعْلِيه فَتْحُ بَابِهَا إلَى الْمَوْرِدَةِ، أَوْ كُوًى مُنِعَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ خَلْقِ الْبَارِي تَعَالَى وَحَالَ بُقْعَةِ الْأَرْضِ لَمْ يُمْنَعْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَقَادَمَ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنَّمَا يُغَيَّرُ الْمُحْدَثُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالضَّرَرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحْدَثٌ وَقَدِيمٌ فَأَمَّا الْمُحْدَثُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي قَنَاةٍ قَدِيمَةٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ لَا يُغَيِّرُ الْقَدِيمَ وَإِنْ أَضَرَّ بِجَارِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَفْرَانِ تُوقَدُ لَلْفُخَّارِينَ بَيْنَ دُورِ قَوْمٍ رُبَّمَا شَكَا جِيرَانُهَا دُخَانَهَا أَنَّ الْقَدِيمَ مِنْهَا لَا يَعْرِضُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ كُوَّةٌ قَدِيمَةٌ يَضُرُّ بِجَارِهِ لَا أَمْنَعُهُ مِنْ الْقَدِيمِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى نَصٍّ غَيْرِ مَا ذُكِرَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي تِبْنِ الْأَنْدَرِ فَإِنَّهُمَا مُنِعَا مِنْهُ وَيَلْزَمُهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقَنَاةِ الْقَدِيمَةِ فِي الْحَائِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ وَلَا يُقْضَى بِهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْمُطَّلِبِ يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا وَمَا أَرَاهُ إلَّا دَلَالَةً عَلَى الْمَعْرُوفِ وَإِنَّنِي مِنْهُ فِي شَكٍّ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَمْرٌ رَغَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ الْوُجُوبُ وَلَكِنَّهُ يَعْدِلُ عَنْهُ بِالدَّلِيلِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى صَاحِبِ الْجِدَارِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْجِدَارَ مِلْكٌ مَوْضُوعُهُ الْمُشَاحَّةُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنَافِعَهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَلِبَاسِ ثَوْبِهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ لَكِنَّهُ كَانَ يُوَبِّخُ مَنْ كَانَ يَتْرُكُ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِجَارِهِ وَيَشُحُّ بِحَقِّهِ فَكَانَ يَجْرِي إلَى تَوْبِيخِهِ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِمَا نَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إعْرَاضُ مَنْ كَانَ يُعْرِضُ عَنْهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى النَّدْبِ وَيَعْرِضُونَ عَنْ حَمْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ الْوُجُوبِ، وَإِنْ أَخَذُوا بِهِ بِخَاصَّةِ أَنْفُسِهِمْ وَأَبَاحُوا ذَلِكَ لِمَنْ جَاوَرَهُمْ رَغْبَةً فِيمَا رَغَّبَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُبَادَرَةً إلَى مَا نَدَبَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ عَلِمُوا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ وَيَعِيبُ مَنْ يَتْرُكُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ فَيُعْرِضُونَ عَمَّا يَدْعُوهُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ وَيُؤْثِرُونَ التَّمَسُّكَ بِمَا لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى إلْزَامَهُمْ ذَلِكَ لَحَكَمَ بِهِ وَوَبَّخَ الْحُكَّامَ عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِهِ وَلَمْ يُوَبِّخْ النَّاسَ عَلَى تَرْكِ الْإِبَاحَةِ لِمَا يَلْزَمُهُمْ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكَّامَ لَهُمْ إجْبَارُهُمْ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي عَلَى رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَمَرِّ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ لِجَارِهِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكُلُّ مَا طَلَبَهُ جَارُهُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ وَإِرْفَاقٍ بِمَاءٍ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِي طَرِيقٍ، أَوْ فَتْحِ طَرِيقٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي فِي التَّرْغِيبِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَبَاحَ لِجَارِهِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْزِعُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى جِدَارِهِ لِأَمْرٍ لَا يُرِيدُ بِهِ الضَّرَرَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ احْتَاجَ إلَى جِدَارِهِ، أَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ مَاتَ، أَوْ عَاشَ بَاعَ، أَوْ وَرِثَ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَاحِبَ الْجِدَارِ أَمْلَكُ بِجِدَارِهِ، وَقَدْ أَبَاحَ لِجَارِهِ مَنْفَعَةً كَلَّفَهُ بِهَا مُؤْنَةً وَنَفَقَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ وَمَا يَمُونُ بِمُجَرَّدِ الْإِضْرَارِ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ كَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَى الْحَضِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا رُوِيَ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا عَطِيَّةٌ يَتَكَلَّفُ مِنْ أَجْلِهَا مُؤْنَةٌ وَعَمَلٌ كَمَا لَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُعِيرَهُ شَيْئًا أَوْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقَالَا: إنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الْعَمَلُ وَالِارْتِفَاقُ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبِ وَبِنَاءِ أَسَاسِ جِدَارٍ وَالْإِرْفَاقِ بِمَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ لِمَنْ يُنْشِئُ عَلَيْهَا غَرْسًا وَيَبْتَدِئُ عَمَلًا مِمَّا قَلَعَهُ وَرَدَّهُ كَمَا كَانَ فَسَادًا، أَوْ ضَرَرًا صَغُرَتْ الْمُؤْنَةُ، أَوْ عَظُمَتْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَاشَ، أَوْ مَاتَ بَاعَ، أَوْ وَرِثَ احْتَاجَ أَوْ اسْتَغْنَى وَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّفُ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ وَلَا إنْفَاقٌ مِنْ فَتْحِ بَابٍ، أَوْ فَتْحِ طَرِيقٍ إلَى مَالِ الْآذِنِ، أَوْ أَرْضِهِ، أَوْ إرْفَاقٍ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ لِسَقْيِ شَجَرَةٍ قَدْ سُقِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ نَضَبَ مَاؤُهَا فَهَذَا لَهُ الرُّجُوعُ إذَا شَاءَ وَيَقْطَعُ مَا أَذِنَ فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ فِي فَتْحِ الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا فَتْحٌ يَدْخُلُ مِنْهُ وَيَخْرُجُ فَصَحِيحٌ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِمَا، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ مِثْلَ قَوْلِهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ عِنْدِي مَا فِيهِ عَمَلٌ وَإِنْفَاقٌ وَمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذَا أَبَاحَهُ وَأَتَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُعَارُ مِثْلُهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَهُ مَنْعُهُ إلَّا فِي الْغَرْسِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (فَرْعٌ آخَرُ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا فِيهِ إنْفَاقٌ وَعَمَلٌ مَعَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَإِنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ مَتَى شَاءَ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَرْطِ الضَّرَرِ وَالتَّغْرِيرِ بِالْعَامِلِ وَالْإِذْنُ نَافِذٌ بَعْدَ الْعَمَلِ وَهُوَ قَبْلَ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ غَيْرُ نَافِذٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِالْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عِوَضٌ فَيَرُدُّوا مَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ فِيهِ مَعَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَإِذَا قَيَّدَهُ بِأَجَلٍ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَجَلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ مَنْفَعَةً مُقَدَّرَةً بِزَمَنٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَأَبَاحَ لَهُ وَضْعَ الْخَشَبِ إبَاحَةً مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَجَلٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ عَنْهُ فِيمَنْ أَبَاحَ لِرَجُلٍ الْبِنَاءَ فِي عَرَصَتِهِ ثُمَّ أَرَادَ مَنْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ، وَقَدْ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الضَّحَّاكِ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنْ الْعَرِيضِ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ لِمَ تَمْنَعُنِي وَهُوَ لَك مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّك؟ فَأَبَى مُحَمَّدٌ فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاك مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَك نَافِعٌ تَسْقِي بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّك؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاَللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَذِنَ فِيمَا لَهُ مَنْعُهُ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ بِالْعَمَلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي عَمَلٍ يَلْزَمُهُ بِهِ التَّمَوُّنُ وَالنَّفَقَةُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ اشْتَرِ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَأَنَا أُسَلِّفُك ثَمَنَهَا. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا بَنَى ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا إنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ مَا أَنْفَقَ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا وَاخْتَارَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كُتُبِهِ لَهُ إخْرَاجُهُ وَيَأْمُرُهُ بِقَلْعِ بُنْيَانِهِ، أَوْ يُعْطِيه قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي مَنْفَعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَمَوَّنَ وَأَنْفَقَ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ إذْنُهُ سَبَبًا لِإِتْلَافِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لِمَا اقْتَرَنَ بِالْوَعْدِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِلْآذِنِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ وَالْمُعَارُ مُفَرِّطٌ حَيْثُ لَمْ يَتَوَثَّقْ بِضَرْبِ الْأَجَلِ وَبِهَذَا احْتَجَّ أَشْهَبُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إخْرَاجُهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ حَقُّهُ فَفِي نَوَادِرِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ قَالَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا دَفَعَ مَا أَنْفَقَ، وَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي كِتَابِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ كِنَانَةَ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ بُنْيَانِهِ قَائِمًا وَنَحْوَهُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِهِ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي يُمَوِّنُهُ لِسَبَبِ إذْنِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ إخْرَاجَهُ عَدَمُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ قِيمَةَ نَفَقَتِهِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ تَبْذِيرًا وَخَطَأً فَلَمْ يَجِدْهُ عَلَيْهِ إذْنُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ الْبُنْيَانَ قَدْ مَلَكَهُ بِتَمَامِهِ بِالنَّفَقَةِ وَالتَّمَوُّنِ وَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ فَعَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ بِقُرْبِ تَمَامِ بُنْيَانِهِ فَمَتَى يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اسْتَكْمَلَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ بُنِيَ لِيَسْكُنَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِطُولِهَا وَرَوَى عَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ إذَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يُعَارُ إلَى مِثْلِهِ فَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ بَانٍ وَغَارِسٍ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِإِذْنِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَمْنَعُوهُ فَلَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ قَائِمًا كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَقْتَضِي تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا تَقْتَضِي الْإِرْفَاقَ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ مُقَدَّرَةً بِالْأَجَلِ رَجَعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُمَا بِإِبْطَالِ مَا بَنَيَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمَا قِيمَتَهُ قَائِمًا كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ قَالَ؛ لِأَنَّك قَدْ أَوْجَبْت ذَلِكَ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَزِمَ لِمَا تَقَرَّرَ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ أُسَلِّفُك، أَوْ أَرْهَنُك وَلَمْ يُقَرِّرْ السَّلَفَ وَلَا الْهِبَةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَدَّرَهَا لَلَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ، أَوْ عَمَلٍ فِيهِ نَفَقَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ هَكَذَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابِي فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَفِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْمُوَطِّئَاتِ، وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ سَأَلْت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْغَنِيِّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي: كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ خَشَبُهُ عَلَى الْجَمْعِ غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ خَشَبَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

لَيَمُرُّنَّ بِهِ، وَلَوْ عَلَى بَطْنِك فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الضَّحَّاكَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ وَهُوَ الْمَاءُ يَخْتَلِجُ مِنْ شَقِّ النَّهْرِ وَالْعَرِيضُ مَوْضِعٌ، أَوْ نَهْرٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ بَيْنَ الْخَلِيجِ وَأَرْضِ الضَّحَّاكِ أَرْضٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُمِرَّهُ فِيهِ فَمَنَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الضَّحَّاكُ بِأَنْ قَالَ لَهُ لِمَ تَمْنَعُنِي وَلَك مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ مِنْهُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الضَّحَّاكُ أَنْ يُمِرَّهُ فِي أَرْضِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ بِهِ مَتَى شَاءَ وَمِثْلُ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ شُرْبِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا مَجْهُولٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا أَرْضَ حَائِطٍ لَهُ وَتُرَابَهُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَهُ الرَّجُلُ بِطُوبِهِ وَنَفَقَتِهِ فَإِذَا تَمَّ الْجِدَارُ حَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ مَا شَاءَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ مَا يَمُرُّ فِي أَرْضِك مِنْ الْمِيَاهِ إنْ كَانَ مَجْرَى الْمَاءِ مُتَّصِلًا بِأَرْضِهِ فَيَصِلُ فِي أَرْضِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ مَجْرًى عَلَى غَيْرِ أَرْضِ مُحَمَّدٍ فَأَرَادَ الضَّحَّاكُ أَنْ يَجْعَلَ مَجْرَاهُ عَلَى أَرْضِ مُحَمَّدٍ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى سَقْيِ أَرْضِهِ فَيَكُونَ مُحَمَّدٌ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَعْلَى. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُ مَاءٌ وَرَاءَ أَرْضٍ وَلَهُ أَرْضٌ دُونَ أَرْضٍ فَأَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِي أَرْضٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ كَانَ يُقَالُ يُحْدِثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةً بِقَدْرِ مَا يُحْدِثُونَ مِنْ الْفُجُورِ قَالَ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ فَلَوْ كَانَ مُعْتَدِلًا فِي زَمَانِنَا هَذَا كَاعْتِدَالِهِ فِي زَمَانِ عُمَرَ رَأَيْت أَنْ يُقْضَى لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فِي أَرْضِك؛ لِأَنَّك تَشْرَبُ مِنْهُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَلَا يَضُرُّك وَلَكِنْ فَسَدَ النَّاسُ وَاسْتَحَقُّوا التُّهَمَ فَأَخَافُ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَنْسَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَرْيُ هَذَا الْمَاءِ، وَقَدْ يَدَّعِي جَارُك عَلَيْك بِهِ دَعْوَى فِي أَرْضِك. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ نَحْوَهُ وَرَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ فَلْيَقْضِ عَلَيْهِ بِمُرُورِهِ فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَتْ أَرْضُك أُحْيِيَتْ بَعْدَ إحْيَاءِ عَيْنِهِ وَأَرْضِهِ كَانَ لَهُ الْمَمَرُّ فِي أَرْضِك وَأَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِيهَا إلَى أَرْضِهِ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُك قَبْلَ عَيْنِهِ وَقَبْلَ أَرْضِهِ فَلَيْسَ فِي أَرْضِك مَمَرٌّ إلَى عَيْنِهِ وَلَا لِعَيْنِهِ مَمَرٌّ فِي أَرْضِك إلَى أَرْضِهِ. فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ فِعْلُ عُمَرَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلِمَالِكٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: الْمُخَالَفَةُ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهَا عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَاللَّبَنُ يَتَجَدَّدُ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ وَالْأَرْضُ الَّتِي يَمُرُّ فِيهَا بِالسَّاقِيَةِ لَا يُعْتَاضُ مِنْهَا. وَالثَّانِي الْمُوَافَقَةُ لَهُ عَلَى وَجْهٍ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ زَمَنِ مَالِكٍ لِأَهْلِ زَمَنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحُكْمِ إنَّمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَنَّ أَهْلَ زَمَنِهِ قَوِيَتْ فِيهِمْ التُّهْمَةُ بِاسْتِحْلَالِ مَا لَمْ يَكُنْ يَسْتَحِلُّهُ أَهْلُ زَمَنِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَنَّ حُكْمَ ابْنِ الْخَطَّابِ تَمَثَّلَ فِي الْأَزْمِنَةِ الَّتِي يَعُمُّ أَهْلُهَا وَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَالدِّينُ وَالتَّحَرُّجُ عَمَّا لَا يَحِلُّ وَأَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يَعُمُّ أَهْلُهُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ اسْتِحْلَالُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِمْ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطُولُ الْأَمْرُ فَيَدَّعِي صَاحِبُ الْمَاءِ الْمَمَرَّ فِي أَرْضِ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِإِمْرَارِهِ فِي أَرْضِهِ فَيَدَّعِي مِلْكَ رَقَبَةِ الْمَمَرِّ وَيَدَّعِي فِيهَا حُقُوقًا فَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَضَى لَهُ بِهِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ كِنَانَةَ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَرْضُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إنَّمَا صَارَتْ إلَيْهِ بِأَنْ أَحْيَاهَا بَعْدَ أَنْ أَحْيَا الضَّحَّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ أَرْضَهُ وَمَلَكَ مَاءَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْأَخْذُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَحَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْدَلُسِيِّ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَالضِّرَارُ إدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى الْجَارِ دُونَ مَنْفَعَةٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِي حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إلَى أَرْضِهِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَقَضَى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِتَحْوِيلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ الضَّرَرَ وَأَنْكَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا أَنْكَرَ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ مِمَّنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَ عَلَى مَنْعِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ لَمَا أَقْسَمَ عَلَى مَنْعِهِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّنَا ذَكَرْنَا وُجُوهًا مِنْ مُوَافَقَةِ مَالِكٍ لِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَإِنَّمَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ لَمَّا أَقْسَمَ تَحَكُّمًا عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَفْضَلِ فَقَدْ يُقْسِمُ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَالِهِ تَحَكُّمًا عَلَيْهِ وَثِقَةً بِأَنَّهُ لَا يُحْنِثُهُ فَيَبِرُّ بِقَسَمِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَدْ أَقْسَمَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَفَّرَ هُوَ عَنْ يَمِينِهِ إكْرَامًا لَهُ وَإِيجَابًا لَا سِيَّمَا إذَا دَعَاهُ إلَى أَمْرٍ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا ذَهَبَ هُوَ إلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَاَللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ، وَلَوْ عَلَى بَطْنِك دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ دُونَ الْأَلْفَاظِ فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عُمَرَ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ عَلَى بَطْنِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ يَمِينُهُ عَلَى مَعْنَى التَّحَكُّمِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَا يَسْمَحُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَا يُتَحَكَّمُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ، وَلَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يُخَالِفُ حُكْمِي عَلَيْك بِمَا أَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ وَحَارَبْتَ وَأَدَّتْ الْمُحَارَبَةُ إلَى مَالِكٍ وَإِجْرَائِهِ عَلَى بَطْنِك لَفَعَلْتُ ذَلِكَ فِي نُصْرَةِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَ فِي حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ يَحْيَى الرَّبِيعُ السَّاقِيَةُ الظَّاهِرَةُ وَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْ مَكَانِهِ مِنْ الْحَائِطِ إلَى مَكَان هُوَ أَقْرَبُ إلَى حَائِطِهِ لِيَقْرُبَ تَنَاوُلُهُ وَتَقِلَّ مَسَافَتُهُ لِمَا يَحْتَاجُ مِنْ إصْلَاحِهِ فَقَضَى عُمَرُ بِذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمَّا مَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَرَوَى عِيسَى فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرَى لَهُ تَحْوِيلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرَوَى زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ فَلْيَقْضِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَهَذَا فِيمَا يُرَادُ تَحْوِيلُهُ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَرَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ يُرِيدُ صَاحِبُ الْحَائِطِ تَحْوِيلَ سَاقِيَتِهِ، أَوْ طَرِيقٍ لِغَيْرِهِ فِي أَرْضِهِ إلَى مَوْضِعٍ هُوَ أَرْفَقُ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي أَرْضَيْنِ لِرَجُلٍ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ فَأَرَدْت دَفْعَ الطَّرِيقِ إلَى أَرْضِي إذْ هُوَ أَرْفَقُ بِي وَبِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ الْقَرِيبَ كَقَدْرِ عَظْمِ الذِّرَاعِ وَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجْرِيَ طَرِيقًا، وَإِنْ كَانَتْ أَسْهَلَ مِنْ الْأُولَى وَإِنْ أَذِنَ بِذَلِكَ مَنْ جَاوَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى؛ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَأْذَنُ فِيهَا بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَيَأْذَنُونَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى تَحْوِيلَهَا مَنْفَعَةً لِلْعَامَّةِ فِي سُهُولَتِهَا وَقُرْبِهَا، أَوْ أَقْرَبَ وَأَسْهَلَ فَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى أَحَدٍ مَنَعَ مِنْهُ، وَإِنْ حَوَّلَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ صَوَابًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا رَدَّهُ.

[القضاء في قسم الأموال]

الْقَضَاءُ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ] (ش) : قَوْلُهُ أَيُّمَا دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفَذَتْ قِسْمَتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الظَّاهِرُ مِنْ تَأْوِيلِ ابْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا اُسْتُحِقَّتْ سِهَامُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ مَاتَ مَيِّتٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَصَارَ اسْتِحْقَاقُهُمْ لِسِهَامِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ بِهَا يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الرَّدِّ لِمَا سَلَفَ مِنْ عُقُودِهِمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَإِمْضَائِهَا عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ بُيُوعِهِمْ وَلَا أَنْكِحَتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بَلْ يُصَحِّحُ الْإِسْلَامُ الْمِلْكَ الْوَاقِعَ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَيُّمَا دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مُشْتَرَكًا فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ دُونَ مَا كَانُوا يَعْتَقِرُونَهُ وَيَقْتَسِمُونَ عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ مِثْلُ أَنْ يَرِثُوا دَارًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَقْتَسِمُونَهَا حَتَّى يَدْخُلَ عَلَى جَمِيعِهِمْ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى مَوَارِيثِ الْإِسْلَامِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَجُوسِ وَالْفُرْسِ وَالْفِرَازِيَّةِ وَكُلِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ فَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ أَنْ وَرِثُوا دَارًا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى مُقْتَضَى شَرْعِهِمْ يَوْمَ وَرِثُوهَا وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ كَانُوا، أَوْ غَيْرَ أَهْلِ كِتَابٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ كَانَتْ شَرِيعَتُهُمْ أَحْكَامُهَا ثَابِتَةٌ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا غَيَّرُوا مِنْهَا، وَقَدْ طَرَأَ عَلَيْهَا النَّسْخُ وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَحْكَامُ نِسَائِهِمْ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ غَيْرَ أَحْكَامِ نِسَاءِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لَنَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ دُونَ ذَبَائِحِ غَيْرِهِمْ وَالْمَوَارِيثُ إنَّمَا يُرَاعَى اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمَ التَّوَارُثِ لَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَرِثْهُ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ؟ ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَتِهِ يَوْمَ وَفَاتِهِ وَهُوَ يَوْمُ انْتِقَالِ الْمَالِ، وَنَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ، وَقَدْ خُصَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ ظَاهِرُهَا عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَنَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ قِسْمَتَهَا بِالِاسْتِحْقَاقِ دُونَ ضَرْبِ الْحُدُودِ وَتَمْيِيزِ مَوَاضِعِ الْحُقُوقِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ جَمِيعُهُمْ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ جَمِيعُهُمْ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ عَلَى أَصْلِ حُظُوظِهِمْ وَرَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَغْلِبُ عَلَى حُكْمِ الْكُفْرِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ كَانَا كَافِرَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَسَاغَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّهُ لَا يُقَسَّمُ إلَّا عَلَى مُقْتَضَى شَرْعِهِمْ وَإِنْ أَسْلَمَ جَمِيعُهُمْ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى صِفَتِهِ مِنْ الصِّحَّةِ وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُفْسِدُ الْبُيُوعَ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا بَيْعًا وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُفْسِدُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا تَمْيِيزَ حَقٍّ وَأَنْ تَكُونَ مَقَادِيرُ سِهَامِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ شَرْعُهُمْ يَوْمَ التَّوَارُثِ، وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ بَلْ مَعَ كَوْنِهِ الْأَظْهَرَ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظِ لِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِسْمَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ أَوْ تَمْيِيزُ حَقٍّ؟ وَلِأَصْحَابِنَا مَسَائِلُ تَقْتَضِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ وَنَحْنُ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا عِنْدَ ذِكْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ يَبِيعُ حِصَّتَهُ مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مِمَّا صَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ حِصَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي أَخَذَهُ صَاحِبُهُ وَهَذِهِ مُعَاوَضَةٌ وَمُبَايَعَةٌ مَحْضَةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِنَا إنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ: أَنَّهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بَلْ قَدْ يَجُوزُ فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالْقُرْعَةِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْبَيْعَ فَثَبَتَ أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِي ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَرِثُوا ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فَاقْتَسَمُوهُمْ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدًا فَمَاتَ عَبْدُ أَحَدِهِمْ وَاعْتَرَفَ عَبْدُ الْآخَرِ فَمَنْ مَاتَ بِيَدِهِ الْعَبْدُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَلَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيَرْجِعُ الَّذِي اسْتَحَقَّ فِي يَدِهِ الْعَبْدُ عَلَى أَخِيهِ الَّذِي بَقِيَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُهُ وَلِلَّذِي هُوَ بِيَدِهِ ثُلُثَاهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ كَالْبَيْعِ لَرَجَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ يَدَيْهِ الْعَبْدُ عَلَى أَخِيهِ الَّذِي مَاتَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ بِثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْبَيْعِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ الْقَسْمُ لَيْسَ كَالْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْأَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: قِسْمَةُ مُهَايَأَةٍ وَهِيَ أَنْ يَتَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ فَيَأْخُذَ هَذَا دَارًا يَسْكُنُهَا، وَهَذَا دَارًا يَسْكُنُهَا، وَهَذَا أَرْضًا يَزْرَعُهَا، وَهَذَا أَرْضًا يَزْرَعُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ لَيْسَتْ بِقِسْمَةِ بَيْعٍ وَقِسْمَةَ الرِّقَابِ قِسْمَةُ بَيْعٍ يَأْخُذُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ دَارًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ دَارًا أُخْرَى فَهَذِهِ قِسْمَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَمَحْصُولُهَا إنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ إحْدَى الدَّارَيْنِ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الدَّارِ الْأُخْرَى وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ قِسْمَةُ قِيمَةٍ وَتَعْدِيلٍ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّارَانِ مُخْتَلِفَتَيْ الْبِنَاءِ وَالْبُسْتَانُ الْمُخْتَلِفُ الْغِرَاسِ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ مِنْ نَخْلٍ وَشَجَرٍ فَإِنَّهَا تُعَدَّلُ بِالْقِيمَةِ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ كُلُّهُ فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ شُيُوخُنَا الْمَغَارِبَةُ أَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:. قِسْمَةُ قُرْعَةٍ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَهِيَ الَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَى الْقِسْمَةَ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ وَمُهَايَأَةٍ بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ، وَقِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلَا تَعْدِيلٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَضْرُبِ أَحْكَامٌ يَخْتَصُّ بِهَا. (فَرْعٌ) فَأَمَّا قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي الْمُتَمَاثِلِ، أَوْ الْمُتَجَانِسِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ وَشَرْحُهُ بَعْدَ هَذَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَجْمَعَ فِيهَا أَيْضًا الثَّمَنَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ بَلْ يُقَدَّرُ نَصِيبُ كُلِّ إنْسَانٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى نِهَايَةِ الْمُشَاحَّةِ وَاسْتِقْصَاءِ الْحُقُوقِ وَاخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ إلَى جَانِبِ سَهْمٍ آخَرَ مُعَيَّنٍ يُنَافِي اسْتِقْصَاءِ الْحُقُوقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَسِّمَ الْعَرْصَةَ وَتُحَقَّقَ عَلَى أَقَلِّ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا كَانَ مُتَسَاوِيًا قُسِمَ بِالذَّرْعِ وَمَا اخْتَلَفَ أَجْزَاؤُهُ قُسِمَ بِالْقِيمَةِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ، وَقَالَ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَرُبَّمَا كَانَ الْحَدُّ الْوَاحِدُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَرْصَةِ يَعْدِلُ حَدَّ شِقٍّ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الشَّجَرِ يُقَوِّمُ الْقَاسِمُ كُلَّ شَجَرَةٍ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَإِلَّا سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِيمَةِ، وَمَنْ يَحْبِسُ حَمْلَ كُلِّ شَجَرَةٍ فَرُبَّ شَجَرَةٍ لَهَا مَنْظَرٌ وَلَا فَائِدَةَ لَهَا وَأُخْرَى يَكْثُرُ حَمْلُهَا وَلَا مَنْظَرَ لَهَا وَإِذَا قُوِّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ جَمَعَ الْقِيمَةَ فَقَسَمَهَا عَلَى قَدْرِ السِّهَامِ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ فِي رِقَاعٍ وَيُجْعَلُ فِي طِينٍ أَوْ شَمْعٍ ثُمَّ يَرْمِي كُلَّ بُنْدُقَةٍ فِي حَقِّهِ فَمَنْ حَصَلَ اسْمُهُ فِي جِهَةٍ أَخَذَ حَقَّهُ مُتَّصِلًا فِي تِلْكَ الْجِهَةِ. وَقِيلَ تُكْتَبُ الْجِهَاتُ ثُمَّ يُخْرِجُ أَوَّلَ بُنْدُقَةٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَأَوَّلَ بُنْدُقَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَيُعْطَى مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ نَصِيبَهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا يَقْتَضِيه قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ تُكْتَبَ الْأَسْمَاءُ فِي رِقَاعٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ السِّهَامُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَخَوَانِ وَأُخْتٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَهَذِهِ تُقَسَّمُ الْأَرْضُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَتُضْرَبُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ يُرِيدُ يَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي رُقْعَةٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ قَالَ وَقِيلَ يَضْرِبُ بِخَمْسَةِ أَسْهُمٍ يُرِيدُ وَيَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رُقْعَتَيْنِ وَاسْمَ الْبِنْتِ فِي رُقْعَةٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا يُخْرِجُك إلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَالضَّرْبُ بِهَا يَكُونُ ضَرْبَيْنِ لَا أَكْثَرَ قَالَ وَيَسْتُرُ ثُمَّ يَتَّفِقُ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا بِأَيِّ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا أَقْرَعَ عَلَى أَيِّ الْجِهَاتِ يَبْدَأُ بِالْأَخْذِ مِنْهَا فَأَيُّ جِهَةٍ خَرَجَتْ عَمِلَ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِهَا، ثُمَّ يُؤَخِّرُ رُقْعَةً مِنْ تِلْكَ الرِّقَاعِ فَمَنْ وُجِدَ فِيهَا اسْمُهُ أُعْطِيَ أَوَّلَ نَصِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِقَدْرِ سَهْمِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ أُضِيفَ إلَيْهِ حَقُّهُ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِالسَّهْمِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ هَذَا حَقَّهُ لِئَلَّا تَدْخُلَ عَلَيْهِ مَضَرَّةُ تَفْرِيقِ حِصَّتِهِ. فَإِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ هَذَا تَمَيَّزَ حَقُّهُ وَبَقِيَ بَاقِي الْأَرْضِ بَيْنَ بَاقِي الْأَشْرَاكِ فَيَعْمَلُ لَهُمْ فِي بَاقِي الْأَرْضِ مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يَتَمَيَّزَ حَقُّ كُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ صَاحِبَ السُّدُسِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَ ابْنٍ وَزَوْجَةٍ، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَيْضًا إذَا كَانُوا أَهْلَ سَهْمٍ كَالْعَصَبَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي قَسْمِ الْأَرْضِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَصَبَةِ يُضْرَبُ لَهَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ الْعَصَبَةُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ كَأَهْلِ سَهْمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الزَّوْجَةِ مَعَ الْعَصَبَةِ أَنَّهَا تُعْطَى حَقَّهَا حَيْثُ خَرَجَ فِي طَرَفٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَبِهَذَا أَقُولُ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا حَيْثُ يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْخِلَافُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْخِلَافُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْعَصَبَةِ هَلْ هُمْ أَهْلُ سَهْمٍ، أَمْ لَيْسُوا أَهْلَ سَهْمٍ؟ وَقَدْ ذَكَرْته فِي الشُّفْعَةِ فَمَنْ جَعَلَهُمْ أَهْلَ سَهْمٍ جَمَعَ سِهَامَهُمْ فِي الْقُرْعَةِ وَأَفْرَدَ عَنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُمْ أَهْلَ سَهْمٍ لَمْ يَجْعَلْ سِهَامَهُمْ إلَّا بِحَسَبِ مَا تَجْمَعُهُ الْقُرْعَةُ أَوْ تُفَرِّقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ إنْ ثَبَتَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا غَبْنٌ فِي قِيمَةٍ أَوْ ذَرْعٍ كَانَ لِمَنْ وُجِدَتْ فِي حِصَّتِهِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ أَوْ ذَرْعٍ مُقَدَّرٍ فَإِنْ وَجَدَ فِي ذَلِكَ نَقْصًا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ بَعْدَ التَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ فَهُوَ أَنْ يَعْدِلَ الْأَرْضَ بِقَدْرِ السِّهَامِ عَلَى اخْتِلَافِهَا مَنْ كَانَ لَهُ نِصْفٌ مَيَّزَ لَهُ النِّصْفَ، وَمَنْ كَانَ لَهُ ثُلُثٌ مَيَّزَ لَهُ الثُّلُثَ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ مَيَّزَ لَهُ السُّدُسَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُتَسَاوِيَةً فَبِالذَّرْعِ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَبِالتَّقْوِيمِ أَوْ بِهِمَا ثُمَّ يَتَرَاضَوْنَ عَلَى مَا خَرَجَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ قَدْ تَسَاوَوْا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزٌ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ أَيْضًا مَتَى ظَهَرَ فِيهَا عَلَى غَبْنٍ فِي ذَرْعٍ أَوْ قِيمَةٍ كَانَ لِلْمَغْبُونِ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلَا تَعْدِيلٍ فَهُوَ أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا عُيِّنَ لَهُ وَيَتَرَاضَوْا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلَا تَعْدِيلٍ فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ أَيْضًا تَجُوزُ فِي الْمُخْتَلِفِ مِنْ الْأَجْنَاسِ، وَلَا قِيَامَ فِيهَا لِمَغْبُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا صَارَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَلَا ذَرْعٍ مُقَدَّرٍ وَلَا عَلَى أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ لَهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ أَكْثَرَ فَالضَّرْبَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ الْقِسْمَةِ أَقْرَبُ إلَى تَمَيُّزِ الْحَقِّ، وَهَذَا الضَّرْبُ أَقْرَبُ إلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : أُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَقَادِيرِ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي فِعْلِ الْقَاسِمِ بَلْ رُبَّمَا أَثَّرَ قَلِيلُ الْأَنْصِبَاءِ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِثَلَاثَةِ أَشْرَاكٍ أَرْضٌ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا وَلِلثَّالِثِ ثُمُنُهَا لَأَثَّرَ الثُّمُنُ لِصِغَرِهِ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ وَلَاحْتَاجَ بِسَبَبِهِ أَنْ يُقَسِّمَ الْأَرْضَ كُلَّهَا أَثْمَانًا، وَلَوْ انْقَسَمَتْ عَلَى النِّصْفِ بِأَنْ تَكُونَ لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا لَكَانَ الْعَمَلُ وَالْقِسْمَةُ فِيهَا أَقَلَّ فَإِذَا كَانَ قَلِيلُ الْجُزْءِ يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ مَا لَا يُؤَثِّرُهُ كَبِيرُهُ بَطَلَ أَنْ يَجِبَ عَلَى صَاحِبِ الْجُزْءِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ إلَّا عَمَلًا يَسِيرًا أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْجُزْءِ الْيَسِيرِ وَقَدْ أَثَّرَ عَمَلًا كَثِيرًا فَوَجَبَ اطِّرَاحُ ذَلِكَ وَالِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَمَلَ لِصَاحِبِ الْجُزْءِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يُقَسِّمُ أَثْمَانًا أَرْبَعَةً وَصَاحِبُ الثُّمُنِ لَا يُقَسَّمُ لَهُ إلَّا جُزْءٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ الْجُزْءُ الْكَبِيرُ يَحْتَاجُ مِنْ الْعَمَلِ وَالذَّرْعِ إلَى أَكْثَرِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجُزْءُ الصَّغِيرُ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْعَمَلِ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ أَظْهَرُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ وَالسِّهَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِسْمَةَ مُرَاضَاةٍ دُونَ تَقْوِيمٍ وَلَا تَعْدِيلٍ فَالْعَمَلُ مُتَقَارَبٌ فِيهِ إلَى أَنْ يَكُونَ إلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ طَلَبَ جَمِيعُهُمْ الْقِسْمَةَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَبَى ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ عَلَى الْآبِي وَالطَّالِبِ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَى السَّوَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا شَهِدَ الْقَاسِمُ فِي الْقِسْمَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ سَوَاءٌ قَسَمَ بِأَمْرِ قَاضٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ الْقَاضِي أَمَرَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْفَذَهُ فِيهَا فَشَهَادَتُهُ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ جَائِزَةٌ إذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْيَوْمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعَامِلُ وَالْمُحَلِّفُ وَالْكَاتِبُ وَالنَّاظِرُ إلَى الْعَيْبِ وَكُلُّ مَا لَا يُبَاشِرُهُ الْقَاضِي قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَاضِي هُوَ أَمَرَ الْقَاسِمَ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ مَنْ قَدْ دَرَجَ مِنْ الْحُكَّامِ، أَوْ قَوْمٌ تَرَاضَوْا بِهِ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا تَجُوزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ أَصْلًا وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ سِوَاهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ فِي ذَلِكَ كَفِعْلِ الْآمِرِ مُرْتَزِقًا، أَوْ غَيْرَ مُرْتَزِقٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَيْسَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا يَسْتَنِيبُ الْقَاضِي فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْإِعْذَارِ إلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَنَحْوَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَعَادَ الْكَلَامُ إلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَأَوَّلُ قَوْلِهِ أَنَّ أَحَدَ أَنْوَاعِ الْقِسْمَةِ قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ وَهُوَ أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ دَارًا وَالْآخَرُ دَارًا أُخْرَى أَوْ يَزْرَعُ أَحَدُهُمَا أَرْضًا وَيَزْرَعُ الْآخَرُ أَرْضًا أُخْرَى، وَهَذَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِسْمَةِ الرِّقَابِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَقَدْ ذَكَرَ قِسْمَةَ الرِّقَابِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ، فَأَمَّا قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَهَايَآ بِالْأَزْمَانِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَهَايَآ بِالْأَعْيَانِ، فَأَمَّا التَّهَايُؤُ بِالْأَزْمَانِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَا يَسْتَخْدِمُ أَحَدُنَا الْعَبْدَ يَوْمًا وَيَسْتَخْدِمُهُ الْآخَرُ يَوْمًا وَيَزْرَعُ أَحَدُنَا الْأَرْضَ عَامًا وَيَزْرَعُهَا الْآخَرُ عَامًا، وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَك غَلَّتُهُ يَوْمٌ وَلِي غَلَّتُهُ يَوْمٌ آخَرُ فَأَمَّا التَّهَايُؤُ عَلَى أَنْ تَكُونَ غَلَّتُهُ يَوْمًا لِأَحَدِهِمَا وَيَوْمًا لِلْآخَرِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ مُحَمَّدٌ. وَقَدْ سَهَّلَ مَالِكٌ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَكَرِهَهُ فِي أَكْثَرِ مِنْهُ وَأَجَازَهُ فِي الْخِدْمَةِ. فَوَجْهُ الْمَنْعِ مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ غَلَّتُهُ فِي يَوْمِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْهَا فِي يَوْمِ الْآخَرِ مَعَ مَا يَدْخُلُ ذَلِكَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِيمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَوَجْهُ الْإِبَاحَةِ أَنَّ الْغَرَرَ فِي ذَلِكَ قَلِيلٌ لِقِصَرِ الْمُدَّةِ وَتَقَارُبِهَا وَتَسَاوِي غَلَّتِهَا فِي ذَلِكَ فِي غَالِبِ الْحَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ أَمْوَالًا بِالْعَالِيَةِ وَالسَّافِلَةِ أَنَّ الْبَعْلَ لَا يُقَسَّمُ مَعَ النَّضْحِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْبَعْلَ يُقَسَّمُ مَعَ الْعَيْنِ إذَا كَانَ يُشْبِهُهَا وَأَنَّ الْأَمْوَالَ إذَا كَانَتْ بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي بَيْنَهُمَا مُتَقَارِبٌ فَإِنَّهُ يُقَامُ كُلُّ مَالٍ مِنْهَا ثُمَّ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ وَالْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةُ الْمَنْعِ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَرِوَايَةُ الْإِبَاحَةِ عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فِي الْخِدْمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ يَخْدُمُنِي الْيَوْمَ وَيَخْدُمُك غَدًا فَاتَّفَقُوا عَلَى تَجْوِيزِهِ فِي الْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَجُوزُ فِي مِثْلِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِي الشَّهْرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخِدْمَةِ وَالْغَلَّةِ أَنَّ الْخِدْمَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مِثْلِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ الْآخَرُ فِي مُدَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمْرٌ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِيفَاؤُهُ، وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَمَجْهُولَةٌ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى أَحَدِهِمَا اسْتِيفَاءُ مِثْلِ مَا اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ كَثُرَتْ الْمُخَاطَرَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّ التَّهَايُؤَ يُجَوِّزُ فِيهَا السِّنِينَ الْمَعْلُومَةَ وَالْأَجَلَ الْبَعِيدَ كَكِرَائِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مَأْمُونَةٌ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّهَايُؤُ فِي أَرْضِ الْمُزَارَعَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةً. (فَصْلٌ) : فَأَمَّا التَّهَايُؤُ بِالْأَعْيَانِ فَأَنْ يَسْتَخْدِمَ هَذَا عَبْدًا وَيَسْتَخْدِمَ هَذَا آخَرَ وَيَزْرَعَ هَذَا أَرْضًا وَيَزْرَعَ صَاحِبُهُ أُخْرَى فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ هَذَا فِي سُكْنَى الدُّورِ وَزِرَاعَةِ الْأَرَضِينَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ لَيْسَتْ بِقِسْمَةِ بَيْعٍ وَقِسْمَةُ الرِّقَابِ قِسْمَةُ بَيْعٍ أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ إلَّا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَعْكِسَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِذْ قَدْ أَخْرَجَتْهُ قِسْمَتُهُ إلَى أَنْ جَعَلَ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ قِسْمَةَ بَيْعٍ وَكَانَتْ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ مُرَاضَاةً كَانَ يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ إسْقَاطُ قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ التَّقْوِيمَ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ وَقِسْمَةُ الْمُرَاضَاةِ عَلَى التَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ قِسْمَةٌ جَائِزَةٌ وَأَكْثَرُ مَا يُقَسِّمُ بِهِ النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَيْسَتْ قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَنَافِعِ وَاجِبَةً يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا قَوْلٌ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قِسْمَةَ الرِّقَابِ بِالْمُرَاضَاةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا أَيْضًا أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ خَاصَّةً إذَا وَجَبَتْ. وَقَدْ أَشَارَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إلَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الصِّغَارِ فَقَالَا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً فِي كَرَمِهَا أَوْ لُؤْمِهَا قُسِّمَتْ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ تَرَاضَوْا وَهُمْ أَكَابِرُ عَلَى قِسْمَتِهَا بِالتَّحَرِّي وَالْمُرَاضَاةِ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ التَّفَاضُلِ عَلَى غَيْرِ قَيْسٍ وَلَا قِيمَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَهُ أَصْبَغُ فَشَرَطُوا فِي جَوَازِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ كَوْنَ الْمُتَقَاسِمَيْنِ أَكَابِرَ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَاغِرِ إلَّا قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه النَّظَرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ، وَجْهٌ بَيِّنٌ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْأَيْتَامِ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ أَمْوَالًا بِالْعَالِيَةِ وَالسَّافِلَةِ وَهُمَا جِهَتَانِ بِالْمَدِينَةِ وَأَشَارَ بِالْأَمْوَالِ إلَى الْأَرَضِينَ وَمَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْمَالِ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ مِنْ حَيَوَانٍ وَعُرُوضٍ وَعَيْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ عُرْفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إطْلَاقُ اسْمِ الْأَمْوَالِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ. وَقَالَ إنَّ الْبَعْلَ لَا يُقْسَمُ مَعَ النَّضْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْبَعْلِ وَالنَّضْحِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَجَعَلَ النَّضْحَ وَالْبَعْلَ جِنْسَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ يُرِيدُ قِسْمَةَ الْقُرْعَةِ الَّتِي تَكُونُ بِالْجَبْرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلُهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إلَّا بِرِضَا أَهْلِهِ بِذَلِكَ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَإِنَّمَا يَنْفِي مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إذَا أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَيَثْبُتُ الْجَوَازُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْمُرَاضَاةِ بِذَلِكَ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي زَيْتُونَةٍ وَنَخْلَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَا يَقْسِمَانِهِمَا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا وَيَعْتَدِلَا فِي الْقَسْمِ يُرِيدُ بِالْقِيمَةِ قَالَ سَحْنُونٌ تَرَكَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ وَهُوَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ تَرَاضَيَا فَقَوْلُهُمَا إلَّا أَنْ يَعْتَدِلَا بِالْقِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْقِسْمَةَ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا النَّخْلَةَ وَالْآخَرُ الزَّيْتُونَةَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَجْوِيزِ جَمْعِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي قَسْمِ الْقُرْعَةِ إذَا تَرَاضَى بِذَلِكَ الْمُتَقَاسِمَانِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهُ إذَا أَبَاهُ أَحَدُهُمَا وَذَكَرَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ تَرَاضَيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا رَضَوْا بِقَسْمِ الصِّنْفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ جَازَ وَخَالَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَمَنْ وَافَقَهُ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهُ بِذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ رَضِيَ أَهْلُهُ بِذَلِكَ جَازَتْ فِيهِ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَشْهُورِ يَكُونُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهُ بِذَلِكَ فَيَقْتَسِمُونَهُ مُرَاضَاةً دُونَ قُرْعَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنَعَ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْبَعْلِ وَالنَّضْحِ وَجَوَّزَ أَنْ يُقْسَمَ الْبَعْلُ مَعَ الْعَيْنِ يُرِيدُ مَا يُسْقَى بِالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَضْحٍ وَهُوَ السَّيْحُ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُزَكَّى بِالْعُشْرِ وَالنَّضْحُ مُخَالِفٌ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُزَكَّى بِنِصْفِ الْعُشْرِ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي الْقَسْمِ الْأَمْوَالَ الَّتِي بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مُتَقَارِبَةَ الْأَمَاكِنِ دُونَ مَا تَبَاعَدَ مِنْهَا قَالَ وَالْمَسَاكِنُ وَالدُّورُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ يُرَاعَى فِيهَا تَقَارُبُ الْأَمَاكِنِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا يُقْسَمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَصْلٌ ثَابِتٌ كَالْأَرَضِينَ وَالدُّورِ وَالْحَمَّامَاتِ وَالْأَرْحَى وَالْأَشْجَارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، فَأَمَّا الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ، فَإِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً ذَاتَ أَنْوَاعٍ وَكَانَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَأَرَادَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ جَمِيعِهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُعْطَى حِصَّتَهُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا بِشُرُوطٍ تَفْسِيرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْسَمُ لِكُلِّ إنْسَانٍ نَصِيبُهُ مِنْ كُلِّ دَارٍ أَوْ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى الْعَدَدِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ وَالْأَمَاكِنِ أَعْوَدُ بِالْمَنْفَعَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْمَضَرَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ كُلَّ دَارٍ وَكُلَّ أَرْضٍ قَلَّتْ قِيمَتُهَا وَفَسَدَ كَثِيرٌ مِنْ مَنَافِعِهَا وَلِذَلِكَ أُثْبِتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْأَمْلَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُنَمِّي قِيمَتَهَا، وَمِنْ الْأَمْرِ الْبَيِّنِ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ دَارٌ بِكَمَالِهَا أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ أَرْبَعِ دُورٍ مِنْ كُلِّ دَارٍ رُبْعُهَا فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ فِي أَمْرِجَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُعْطَى حَقَّهُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْمَعُ لِي نَصِيبِي إنْ كَانَتْ فِي نَمَطٍ وَاحِدٍ وَبَعْضُهَا أَكْرَمُ مِنْ بَعْضٍ جَمَعَ لِمَنْ طَلَبَ الْجَمْعَ حِصَّتَهُ فِي مَكَان، وَإِنْ زَادَ حَظُّهُ عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ أَخَذَ مِنْ أُخْرَى تَمَامَ حَقِّهِ فَإِذَا اُسْتُوْفِيَتْ أَنْصِبَاءُ الَّذِينَ أَرَادُوا الْجَمْعَ قَسَمَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا التَّفْرِيقَ عَلَى مَا تَرَاضَوْا بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ تُجْعَلُ سِهَامُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا وَاحِدًا وَسِهَامُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُقْرِعُ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ مَنْ يُرِيدُ التَّفْرِقَةَ جَمَعَ إلَيْهِ بَاقِيَ حُقُوقِهِمْ وَصَارَ كَحَقِّ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَحَيْثُمَا خَرَجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُرِيدُ الْجَمْعَ أَخَذَهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ الَّذِينَ أَرَادُوا التَّفْرِقَةَ كُلَّ أَرْضٍ عَلَى حِدَتِهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ الْأَرْضُ لَيْسَتْ فِي نَمَطِ قَسَّمَ الَّذِينَ أَرَادُوا التَّفْرِقَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْصِبَاءَهُمْ فِي كُلِّ أَرْضٍ ثُمَّ يَقْسِمُ الَّذِينَ أَرَادُوا الْجَمْعَ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِنْ الْجَمْعِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ يُجْعَلُ سَهْمُ مَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ هَاهُنَا بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا يُسْهَمُ لَهُمْ فِي كُلِّ أَرْضٍ وَيَجْمَعُ سِهَامَهُمْ فِيهَا وَأُعْطِيَ مَنْ أَرَادَ التَّفْرِقَةَ نَصِيبَهُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ حَيْثُ وَقَعَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَلَيْسَ هَذَا أَصْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ حَظُّ اثْنَيْنِ فِي الْقَسْمِ، وَهَذَا أَيْضًا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَشْهَبُ أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا رَضَوْا بِقَسْمِ الصِّنْفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِالْقُرْعَةِ جَازَ ذَلِكَ وَخَالَفَ فِيهِ أَصْحَابَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُرَاعَى فِيمَا يَلْزَمُ بِهِ الْجَمْعُ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا تَقَارُبُ الْمَنَافِعِ وَتَجَانُسِهَا، وَالثَّانِي تَقَارُبُ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ انْخَرَمَ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَمْ يَلْزَمْ الْجَمْعُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْأَرَضِينَ إذَا تَقَارَبَتْ وَبَعْضُهَا بِعَيْنٍ وَبَعْضُهَا بِنَضْحٍ لَمْ تُجْمَعْ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ وَكَانَتْ كُلُّهَا تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِنَضْحٍ لَمْ تُجْمَعْ، وَإِنْ تَقَارَبَ سَقْيُهَا كُلِّهَا بِنَضْحٍ أَوْ بِعَيْنٍ جُمِعَتْ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ مُرَاعَاةُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَقَدْ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنَّ الْبَعْلَ يُقْسَمُ مَعَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُقْسَمُ مَعَ السَّقْيِ، وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْحَوَائِطُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُضَمُّ مَا يُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِنَضْحٍ مَعَ الْبَعْلِ فِي الْقَسْمِ وَلَا النَّضْحِ مَعَ السَّيْحِ لِاخْتِلَافِ الْمُؤَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَرْضُ الْكَرِيمَةُ وَاللَّئِيمَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا تَدَانَتْ الْأَرْضُ فِي كَرَمِهَا وَاشْتَبَهَتْ الْحَوَائِطُ جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ إنْ تَقَارَبَتْ مَوَاضِعُهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اخْتَلَفَتْ الْعُيُونُ فِي سَقْيِهَا الْأَرْضَ وَاخْتَلَفَتْ الْأَرْضُ فِي كَرَمِهَا قُسِمَتْ كُلُّ أَرْضٍ مَعَ عُيُونِهَا عَلَى حِدَةٍ قَالَ سَحْنُونٌ أَيْضًا فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَأَمَّا الْأَرَضُونَ فِي نَمَطٍ فَتُجْمَعُ وَإِنْ تَقَارَبَتْ فِي الْكَرَمِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجْمَعُهَا. وَقَالَ عِيسَى: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْكَرِيمَةُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالْأَرْضُ اللَّئِيمَةُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ الْكَرِيمَةُ عَلَى حِدَةٍ وَاللَّئِيمَةُ عَلَى حِدَةٍ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَتَبَايُنَهَا يَقْتَضِي اخْتِلَافَهَا فِي الْجِنْسِ كَرَقِيقِ الثِّيَابِ وَغَلِيظِهَا فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدُّورِ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي الثِّيَابِ وَلَعَلَّهُ قَدْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الْقِسْمَةِ جِنْسُ الْمَنَافِعِ دُونَ تَفَاضُلِهَا وَلِذَلِكَ تُجْمَعُ ثِيَابُ الْحَرِيرِ غَلِيظُهَا وَرَقِيقُهَا مَعَ الْفِرَاءِ وَثِيَابِ الْكَتَّانِ غَلِيظِهَا وَرَقِيقِهَا وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الْمَنْعِ مُطَّرِدَةً عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الثِّيَابِ وَرِوَايَةُ الْإِجَازَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَائِطَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ الْمُشْتَبِهَيْنِ فِي السَّقْيِ أَحَدُهُمَا عَجْوَةٌ وَالْآخَرُ صَيْحَانِيٌّ يُجْمَعَانِ فِي الْقَسْمِ وَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ جَوْدَةُ الثَّمَرِ وَلَا رَدَاءَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ حِينَ الْقِسْمَةِ وَلَا ثَابِتٍ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ جَوْدَةَ الشَّجَرِ فِي أَنْفَسِهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي النَّخْلِ تَخْتَلِفُ أَلْوَانُهُ فِي الْحَائِطِ كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ وَاللَّوْنِ وَالْجُعْرُورِ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْقِيمَةِ وَيُجْمَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَظُّهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَائِطِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ، وَهَذَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِتَقَارُبِ مَنَافِعِهِ، وَأَمَّا الْأَجْنَاسُ الْمُخْتَلِفَةُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَجَرِ تُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ وَخَوْخٍ وَأُتْرُنْجٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ مُخْتَلِطَةٌ فِي جِنَانٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْقَسْمِ بِالْقِيمَةِ وَالسَّهْمِ، قَالَ سَحْنُونٌ: هُوَ اسْتِحْسَانُ الرِّفْقِ بِاجْتِمَاعِ السَّهْمِ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ هَذَا قِسْمَةً وَاحِدَةً وَزَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَثَرِ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَاكِهِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَةٍ يَحْتَمِلُ قَسْمَ كُلِّ جِنَانٍ عَلَى حِدَةٍ قُسِمَ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا تَقَدَّمَ لَهُ قَبْلُ أَنَّ مَا يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِانْفِرَادِهِ كَالنَّخْلِ مِنْهَا الْبَرْنِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّمْرِ وَضَرْبٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ أَنْوَاعَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ إذَا حَمَلْته كَالْفَوَاكِهِ وَالْجَيِّدِ مَعَ الرَّدِيءِ، وَهَذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ سَحْنُونٌ لَمَّا أَوْرَدَهُ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا التَّقْيِيدِ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ مُطَّرِدٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَمْعِهِ غَلِيظَ الثِّيَابِ وَرَقِيقَهَا وَالْفِرَاءَ مَعَ الْقُمُصِ، وَضَرْبٌ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ بِوَجْهٍ كَالْحُلِيِّ مَعَ الثِّيَابِ وَالْبَعْلِ مَعَ النَّضْحِ وَأَمَّا تَفَاضُلُ الْأَشْجَارِ فِي أَنْفَسِهَا فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الشَّجَرِ إنْ كَانَ بَعْضُهَا أَقَلَّ مِنْ بَعْضٍ وَالْأَرْضُ بَعْضُهَا أَكْرَمُ مِنْ بَعْضٍ جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ يَتَبَايَنُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِثْلَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدُّورُ فَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِالْبُنْيَانِ أَوْ بِرَغْبَةِ النَّاسِ فِي الْمَوَاضِعِ وَالزُّهْدِ فِيهَا فَأَمَّا الْبُنْيَانُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إنْ كَانَتْ إحْدَى الدَّارَيْنِ قَاعَةً لَمْ يَجْمَعْهَا فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ بِنَاءُ إحْدَى الدَّارَيْنِ أَجَدَّ مِنْ بِنَاءِ الْأُخْرَى جُمِعَ فِي الْقَسْمِ إذَا كَانَتْ فِي نَمَطٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ الدُّورُ فِي بِنَائِهَا وَتَقَارَبَتْ جُمِعْنَ فِي الْقَسْمِ فَيَجِيءُ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْلِهِمَا مُرَاعَاةُ فَصْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا إنْ كَانَتْ إحْدَى الدَّارَيْنِ عَارِيَّةً مِنْ الْبُنْيَانِ أَوْ خَرِبَةً فِي حُكْمِ الْعَارِيَّةِ لَمْ تُجْمَعْ مَعَ الْمَبْنِيَّةِ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بُنْيَانُهَا مُتَبَايِنًا فَيَقْتَضِي قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ مَقَاصِدِهِ أَنَّهُمَا لَا يُجْمَعَانِ وَهُوَ عِنْدِي طَرْدُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْبَيْعِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ وَمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ جِنْسًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ تُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ إلَّا أَنْ تَتَبَايَنَ فَيَجِبَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُجْمَعَ الْمُتَفَاضِلُ فِي الْبُنْيَانِ فِي الْقَسْمِ إلَّا أَنْ يَتَبَايَنَ فَلَا يُجْمَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْأَمَاكِنُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي نَمَطٍ وَاحِدٍ جُمِعَتْ فِي الْقَسْمِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَعْمَرَ مِنْ بَعْضٍ كَالْأَرَضِينَ فِي نَمَطٍ وَاحِدٍ وَبَعْضُهَا أَكْرَمُ مِنْ بَعْضٍ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَتْ الدُّورُ كَالْأَرَضِينَ فَقَدْ تَكُونُ الدُّورُ فِي نَمَطٍ وَنَفَاقُهَا مُخْتَلِفٌ وَمِنْ دَارِي إلَى الْجَامِعِ نَمَطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُتَبَايِنُ الِاخْتِلَافِ فَثَبَتَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ فِي النَّمَطِ الْوَاحِدِ وَيَجِبُ أَنْ يُحَقِّقَ مَعَ النَّمَطِ مَعْنَى النَّمَطِ ثُمَّ يُبَيِّنُ وَجْهَ الِاخْتِلَافِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّمَطَ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا بِمَعْنَى التَّقَارُبِ فِي الصِّفَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ الثِّيَابُ نَمَطٌ وَاحِدٌ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنْ نَمَطٍ بِمَعْنَى التَّقَارُبِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلتَّقَارُبِ فِي الصِّفَةِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ سِيَاقُ كَلَامِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالنَّمَطِ الْمَحَلَّةَ الْوَاحِدَةَ وَالرَّبَضُ الْوَاحِدُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَا بِهِ التَّقَارُبَ فِي الْمَكَانِ فَقَدْ جَعَلَ أَشْهَبُ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجَمْعِ وَمَنَعَ مِنْهُ سَحْنُونٌ إلَّا بِأَنْ يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ صِفَةً أُخْرَى وَهِيَ التَّقَارُبُ فِي رَغْبَةِ النَّاسِ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ طَرَفَيْ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْرُبُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ أَغْبَطَ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْآخَرِ لِقُرْبِهِ مِنْ مِرْفَقٍ مِنْ الْمَرَافِقِ جَامِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ أَشْهَبَ جَوَّزَ الْجَمْعَ بَيْنَ مَا تَقَارَبَتْ مَوَاضِعُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَمَاكِنِهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ كَمَا جَوَّزَ جَمْعَ الْأَرْضِ الْمُتَقَارِبَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْرَمَ مِنْ بَعْضٍ فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الثِّيَابِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي التَّفَاضُلِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَنَافِعُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَدْ تَكُونُ بَعْضُ الدُّورِ قُرْبَ السُّوقِ وَالْمِرْفَقِ، أَوْ قُرْبَ الْمَسْجِدِ وَالْأُخْرَى بَعِيدَةً مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِتَرَاضٍ بِغَيْرِ سَهْمٍ فَبَيَّنَ بَعْضَ وُجُوهِ الْمُرَاضَاةِ فِي تَفْضِيلِ الْأَمَاكِنِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ فِي نَمَطٍ وَاحِدٍ وَأَنْمَاطٍ مُتَبَاعِدَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ مِنْ الدُّورِ فَهُوَ الَّذِي تَشَاحَّ النَّاسُ فِيهِ وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ إحْدَى الدَّارَيْنِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالدَّارُ الْأُخْرَى فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى بَعِيدَةٍ مِنْ الْأُولَى إلَّا أَنَّ رَغْبَةَ النَّاسِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ فِي الْقَسْمِ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ سَوَاءٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَوْضِعِ وَالنَّفَاقِ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى افْتِرَاقِهِمَا فَذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الْأَمَاكِنِ تَسَاوِيهِمَا فِي رَغْبَةِ النَّاسِ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ وَفَرَّقَ بَيْنَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ أَنَّ الْبَلَدَ الْوَاحِدَ لَا تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ النَّاسِ فِيهِ مَعَ تَسَاوِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي النَّفَاقِ وَالْمَرَافِقِ وَتَخْتَلِفُ فِي الْبَلَدَيْنِ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَشْهَبَ يُرَاعِي فِي الْأَمَاكِنِ تَقَارُبَ الدُّورِ فِي النَّمَطِ وَيُرَاعِي سَحْنُونٌ الْقُرْبَ وَالتَّسَاوِي فِي النَّفَاقِ وَيُرَاعِي ابْنُ الْقَاسِمِ التَّسَاوِي فِي النَّفَاقِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ فِي مُرَاعَاةِ الْقُرْبِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الدَّارَيْنِ مِثْلَ مَنْزِلِي هَذَا وَمَنْزِلٍ آخَرَ بِالثَّنِيَّةِ لَمْ يُجْمَعْ فِي الْقَسْمِ بِخِلَافِ النَّخِيلِ وَالْحَوَائِطِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْبُعْدُ فِي الْأَرَضِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ الْقُرَى مُتَبَاعِدَةً الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ قُسِمَتْ كُلُّ قَرْيَةٍ مُفْرَدَةً وَإِنْ تَسَاوَتْ رَغْبَةُ النَّاسِ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدِي بِقَدْرِ مَا يُرَى مِنْ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ وَيُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ الْمُجْتَهِدُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ لِلْقُرْبِ حَدٌّ إلَّا بِقَدْرِ مَا يُرَى يَوْمَ يَقَعُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَجْمَعُ الْبَعْلَ كُلَّهُ إذَا تَجَاوَرَ فِي الْمَوْضِعِ كَالْمِيلِ وَالْمِيلَيْنِ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي أَمْلَاكٍ بَيْنَ وَرَثَةٍ مِنْهَا بِوَادِي الْقُرَى وَبِخَيْبَرِ وَبِالْفَرْعِ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهَا بِوَادِي الْقُرَى وَبِخَيْبَرِ جُمِعَ فِي الْقَسْمِ وَيُجْمَعُ مَا كَانَ بِالْفَرْعِ إلَى مَا كَانَ بِنَاحِيَتِهَا قَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ بِخِلَافِ الدُّورِ، وَقَدْ قَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَوَائِطِ الْمُتَبَاعِدَةِ بَيْنَهَا الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يُقَدَّرُ بِالْقِسْمَةِ قَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ وَلَا يَقْسِمُ حَوَائِطَ الْمَدِينَةِ مَعَ حَوَائِطِ خَيْبَرَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْمَاجِلُ وَالْحَمَّامُ وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُقَسَّمُ الْحَمَّامُ وَغَيْرُهُ مِمَّا فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا وَافَقَ مَالِكًا عَلَى قِسْمَةِ الْحَمَّامِ وَلَا سَمِعْت مَنْ يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ شَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ كِنَانَةَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ سَوَاءٌ ضَاقَ الْقَسْمُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرُهُمْ حَظًّا لَهُ انْتِفَاعٌ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ وَإِنْ قَلَّ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ فَالْقَسْمُ قَائِمٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ إنْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لِسِعَةِ سَهْمِهِ وَبَعْضُهُمْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِضِيقِ سَهْمِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَبَيْعُهُ وَقِسْمَةُ ثَمَنِهِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . وَقَالَ مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعْنَى الْآيَةِ ثُبُوتُ حَقِّهِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى السُّنَّةِ كَالْعَبْدِ الْوَاجِبِ فِيهِ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ دُونَ عَيْنِهِ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ، وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ قَدْ ذَكَرْته فِي الِاسْتِيفَاءِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُقْسَمُ الْحَمَّامُ وَلَا الْفُرْنُ وَلَا الرَّحَا وَلَا الْبِئْرُ وَلَا الْعَيْنُ وَلَا السَّاقِيَةُ وَلَا الدُّكَّانُ وَلَا الْجِدَارُ وَلَا الطَّرِيقُ وَلَا الشَّجَرَةُ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ يُقْسَمُ الْجِدَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافٍ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَعْنَى الضَّرَرِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الثَّابِتَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِثْلُ الدَّارِ الَّتِي تُقْسَمُ فَيَكُونُ مَا يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَسْكُنُ، وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمَّامًا فِي الْأَغْلَبِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْسَمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُرَاعَى مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا تُذْهِبَ الْقِسْمَةُ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ مَنْفَعَتِهِ، وَأَمَّا مَا يُرَاعِيه ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا يُقْسَمُ دُونَ ضَرَرٍ وَمِنْهُ مَا لَا يُقْسَمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَأَمَّا مَا يُقْسَمُ دُونَ ضَرَرٍ فَكَجَمَاعَةِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فَأَمَّا الْعَبِيدُ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ صِغَارُهُمْ وَكِبَارُهُمْ وَأَعْجَمِيُّهُمْ وَفَصِيحُهُمْ وَحَسَنُهُمْ وَقَبِيحُهُمْ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْهَدِيمُ وَإِنْ تَقَارَبَتْ أَثْمَانُهُمْ إذَا اعْتَدَلَتْ فِي الْقِيمَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ لِجَمَاعَةٍ فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ قَسْمَهُ إنْ اُسْتُطِيعَ أَنْ يُقْسَمَ قُسِمَ وَإِلَّا بِيعَ فَإِنْ كَانَ مِنْ جَمَاعَةِ الرَّقِيقِ مَا لَا يَنْقَسِمُ كَالْخَمْسَةِ بَيْنَ الْعَشَرَةِ لَمْ تُقْسَمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ الْخَيْلُ مَعَ الْبِغَالِ وَلَا الْبِغَالُ مَعَ الْحُمُرِ وَلَا الْإِبِلُ مَعَ الْبَقَرِ وَلَا الْبَقَرُ مَعَ الْغَنَمِ وَإِنْ اعْتَدَلَتْ الْغَنَمُ وَلَكِنْ يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْبَرَاذِينِ صِنْفٌ عَلَى حِدَةٍ وَيُقْسَمُ بِالتَّرَاضِي، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْعُتْبِيَّةِ بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنْ يُبَاعُ ذَلِكَ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ خِلَافُ هَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ وَالْمُسَاوَاةُ بِالْقِسْمَةِ كَالْأَرَضِينَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا لَا تَنْقَسِمُ آحَادُهُ فَلَا تَنْقَسِمُ جَمَاعَتُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الثِّيَابُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْبَزَّ كُلَّهُ مِنْ الْخَزِّ وَالْحَرِيرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالدِّيبَاجِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ فِي الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالْمَرْعَزِ وَالْفِرَاءِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ كُلُّ صِنْفٍ لَا يَتَحَمَّلُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمَّا الْبُسُطُ وَالْوَسَائِدُ فَلَا تُجْمَعُ مَعَ الْبَزِّ وَالثِّيَابِ وَعِنْدِي أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ الْفِرَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْبَزِّ وَأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا يُلْبَسُ مِنْ مَخِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ اللِّبَاسُ الْمَرْئِيُّ بِمَعْنَى التَّجَمُّلِ عَلَى الْجَسَدِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْبَزِّ الْأَكْسِيَةُ وَالْمَلَاحِفُ؛ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَبِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ الْبَزُّ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَهِيَ عِنْدَهُ عِلَّةُ الْجَمْعِ فِي الْقَسْمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَخَالَفَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُقْسَمُ ثِيَابُ الْخَزِّ وَالْحَرِيرِ مَعَ ثِيَابِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَلَا مَعَ الْفِرَاءِ وَلَا يُقْسَمُ الصُّوفُ وَالْمِرْعِزَّى مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَثِيَابُ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُمُصٌ وَأَرْدِيَةٌ وَعَمَائِمُ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَرَاوِيلَاتٌ، وَثِيَابُ الْخَزِّ وَالْحَرِيرُ مِنْ الْوَشْيِ وَغَيْرِهِ صِنْفٌ وَاحِدٌ إلَّا مَا كَانَ مِنْ وَشْيٍ يُرِيدُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَشْيَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَلَا يُقْسَمُ مَعَ وَشْيِ الْخَزِّ وَالْحَرِيرِ وَلْيُقْسَمْ وَحْدَهُ قَالَ وَثِيَابُ الدِّيبَاجِ صِنْفٌ لَا تُقْسَمُ مَعَ ثِيَابِ الْخَزِّ وَالْحَرِيرِ وَثِيَابُ الصُّوفِ وَالْمِرْعِزَّى صِنْفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا جُبَبٌ وَتِيجَانٌ وَفِرَاءُ الْخَزِّ فَإِنْ صِنْفٌ لَا يُضَمُّ إلَى فِرَاءِ الْفَنِلِّيَاتِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ كُلُّ مَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَا يُضَمُّ لَهُ فِي الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ قَالَ أَشْهَبُ لَوْ جُمِعَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ بَزٍّ لَوَجَبَ أَنْ يُجْمَعَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دَابَّةٍ فَيُقْسَمُ الرَّقِيقُ مَعَ الدَّوَابِّ وَالْخَيْلُ مَعَ الْحَمِيرِ وَالْإِبِلُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ فِي هَذَا أَصَحُّ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا قِسْمَةُ الزَّيْتُونَةِ وَالنَّخْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَأْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ اللُّؤْلُؤُ مَعَ الْيَاقُوتِ وَلَا الزَّبَرْجَدُ مَعَ الْيَاقُوتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، أَوْ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون جُزَافًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنْ كَانَ جُزَافًا وَكَانَ مِمَّا تَدْعُو إلَى قِسْمَتِهِ فِي رُءُوسِ شَجَرِهِ حَاجَةٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ اُتُّفِقَ عَلَى بَعْضِهَا فَمِمَّا اتَّفَقَا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمْ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُرِيدَ بَعْضُهُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْعًا وَبَعْضُهُمْ أَنْ يَأْكُلَ رُطَبًا وَبَعْضُهُمْ أَنْ يُيَبِّسَ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَهُ وَالْآخَرُ أَكْلَهُ فَقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْبَلَحِ الْكَبِيرِ وَأَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ وَلَمْ يَرَهُ اخْتِلَافَ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَبِيعُ يَجِدُ، وَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الْجَدَادِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ يُبْطِلُ الْقَسْمَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ سَحْنُونٌ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ قِسْمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جَدٍّ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَجِّلَ الْجَدَّ عَجَّلَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَخَّرَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْجَدِّ لَمَا قُسِمَ إلَّا بِالْكَيْلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إذَا أَثْمَرَ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ اقْتَسَمَاهُ بَعْدَ مَا أَزْهَى حِينَ اخْتَلَفَتْ حَاجَتُهُمَا فَتَرَكَاهُ حَتَّى أَثْمَرَ لَمْ تُنْتَقَضْ الْقِسْمَةُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ بِالْخَرْصِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَاجَةِ قَبْضٌ وَالْخَرْصُ هُوَ الْكَيْلُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ يَجُدُّ وَيُبَاشِرُ بَيْعَهُ بَلْ يَبِيعُ حِصَّتَهُ مِنْ حَائِطِهِ أَوْ جَمِيعِهِ مِمَّنْ يُبَاشِرُ ذَلِكَ وَيُحَاوِلُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ لَا يُمْكِنُهُ جَدُّهُ إلَّا حَسَبِ حَاجَتِهِ إلَى أَكْلِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَقَدَّرُ إلَّا بِحَسَبِ مَا يَبْدُو إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. (فَرْعٌ) وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَطِبْ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَهُمْ بِالْخَرْصِ قَالَ وَلَا يُقْسَمُ النَّخْلُ عَلَى حَالٍ إلَّا أَنْ يَجُدَّاهُ أَوْ يُتْرَكَ حَتَّى يَطِيبَ فَيَقْتَسِمَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ هُوَ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَهُمْ قَسْمُ بَلَحِ الْأَرْضِ الْكَثِيرِ عَلَى الْخَرْصِ، وَإِنْ لَمْ يَجُدَّ أَحَدُهُمَا إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يُتْرَكْ الْبَلَحُ حَتَّى يَزْهَى فَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَنْعَهُ قِسْمَةَ الْبَلَحِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْقِيه حَتَّى يَزْهَى. (فَرْعٌ) وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُخْرَصُ وَهُوَ النَّخْلُ وَالْعِنَبُ فَلَمْ يُجَوِّزْ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا، وَقَالَ لَا تُقْسَمُ الْفَاكِهَةُ بِالْخَرْصِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا أَهْلُهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ. وَقَدْ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَالِكًا رَخَّصَ فِيهِ فَسَأَلْته عَنْهُ فَقَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعْنَى شُرِعَ فِيهِ الْخَرْصُ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ كَالزَّكَاةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْحَاجَةَ فِي الزَّكَاةِ إلَى الْخَرْصِ إنَّمَا هِيَ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ رُطَبًا فَخَرَصَ عَلَيْهِمْ لِيَتَقَرَّرَ مِقْدَارُ الزَّكَاةِ فِي الثَّمَرَةِ وَتُطْلَقُ أَيْدِيهِمْ عَلَيْهَا وَهَذَا مَعْنَى يَخْتَصُّ بِالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا فِي سَائِرِ الثِّمَارِ كَالْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَإِبَاحَةُ الْخَرْصِ لِلْقِسْمَةِ فِي جَمِيعِهَا إذْ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا بِغَيْرِهِ. (فَرْعٌ) وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي الثِّمَارِ الْكَثِيرَةِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنَالُ بِعَجَلَةٍ وَلَا يَخْتَلِفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. (فَرْعٌ) وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فَيَأْخُذَ أَحَدُهُمَا بُسْرًا وَالْآخَرُ رُطَبًا، وَإِنْ كَانَ بِالْخَرْصِ وَلَكِنْ لَا يَقْتَسِمَانِ الرُّطَبَ وَيَقْتَسِمَانِ الْبُسْرَ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ بِالرُّطَبِ لِاخْتِلَافِ صِفَتِهِمَا وَتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ تَسَاوِيهِمَا حَالَ الِادِّخَارِ وَذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. (فَرْعٌ) وَالشَّرْطُ السَّادِسُ أَنْ يَتَحَرَّى تَسَاوِي الْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْكَيْلِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ وَالْعَجْوَةِ وَالْعِنَبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ عَلَى تَسَاوِي الْكَيْلِ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمْ قُسِمَ كُلُّ نَوْعٍ مُفْرَدًا قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ، وَإِنْ أَحَبَّا الْمُقَاوَمَةَ جَازَ ذَلِكَ، وَمَنْ طَلَبَ مِنْهُمَا الْقِسْمَةَ فَذَلِكَ لَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهَا تَمْيِيزٌ لِلْحَقِّ، وَأَمَّا لِلْمُرَاضَاةِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ مَحْضٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ فِي الْمَطْعُومِ إلَّا بِقَبْضٍ نَاجِزٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اُقْتُسِمَتْ الْأُصُولُ وَفِيهَا ثَمَرٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُزْهِيًا، أَوْ غَيْرَ مُزْهٍ فَإِنْ كَانَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَرَةُ بَلَحًا أَوْ طَلْعًا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ ذَلِكَ مَعَ النَّخْلِ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ طَلْعًا أَوْ يَكُونَ بَلَحًا حُلْوًا فَلَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ التَّفَاضُلِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد وَعِنْدِي أَنَّ مَنْعَهُ قِسْمَتَهَا مَعَ الطَّلْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا دُونَ الطَّلْعِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تُؤَبَّرْ وَلَا يَجُوزُ قِسْمَتُهَا مَعَ الطَّلْعِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْسَمُ الرِّقَابُ وَيُتْرَكُ الْبَلَحُ وَالطَّلْعُ وَأَنْكَرَ سَحْنُونٌ ذِكْرَهُ لِلطَّلْعِ، وَقَالَ إذَا لَمْ يُؤَبَّرْ لَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ كَالزَّرْعِ وَالْبُقُولِ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْخَرْصِ حَتَّى يُجَذَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يُقْسَمُ بِالتَّحَرِّي لَا زَرْعًا وَلَا حَصِيدًا وَلَا مَدْرُوسًا وَلَا مُصَبَّرًا إلَّا كَيْلًا فِيمَا يُكَالُ، أَوْ وَزْنًا فِيمَا يُوزَنُ، أَوْ عَدَدًا فِيمَا يُعَدُّ مَا خَلَا الثِّمَارَ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا وَقَالَهُ مَالِكٌ وَمِنْ أَصْحَابِهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعَلَّلَ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخَرْصُ فَلَا يَصِحُّ التَّسَاوِي فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُقْبَضُ فِي الْوَقْتِ وَعَدَمُ التَّقَابُضِ فِيهِ يُفْسِدُ قِسْمَتَهُ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَرِهَ قِسْمَةَ الْبُقُولِ بِالْخَرْصِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبِضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا صَارَ إلَيْهِ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ قِسْمَتَهُ بِالتَّحَرِّي بَعْدَ الْجَدِّ وَهُوَ يُجِيزُ التَّحَرِّي فِي الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ فَكَيْفَ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ أَزْهَتْ أُفْرِدَتْ الرِّقَابُ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ إنْ قُسِمَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ فَيَسْقِي كُلُّ وَاحِدٍ نَخْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَتُهَا لِغَيْرِهِ كَبَائِعِ ثَمَرَةِ نَخْلِهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ. وَقَالَ: الْقَسْمُ تَمْيِيزُ حَقٍّ وَالسَّقْيُ عَلَى مَنْ لَهُ الثَّمَرَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ كَالْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَسْقِيَ نِصْفَ مَا لَهُ فِي أَصْلِهِ وَنِصْفَ مَا فِي نَخْلِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي الْخَرْصِ فَتَعْدِلُ ثَمَرَةُ نَخْلَةٍ ثَمَرَةَ نَخَلَاتٍ فَيَخْتَلِفُ السَّقْيُ وَالْخَرْصُ سَوَاءٌ وَفَرَّقَ آخَرُ أَنَّ الْجَائِحَةَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْقِسْمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قَسَّمَهُ صُبُرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقْسَمَ بِمَقَادِيرِهِ أَوْ يُقْسَمَ بِالتَّحَرِّي فَإِنْ قُسِمَ بِمَقَادِيرِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي قَسْمِ الرُّطَبِ وَالثَّمَرِ وَالْعِنَبِ: إنَّهُ يُقَسِّمُ عَلَى الْأَكْثَرِ مَنْ شَأْنُهُ فِي الْبَلَدِ مِنْ الْوَزْنِ، أَوْ الْكَيْلِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَسِّمَ الْقَاضِي الزَّيْتَ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا أَيُّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بَيْعُ الزَّيْتِ بِالْكَيْلِ فَأَمَّا بِالْوَزْنِ فَأَيٌّ عَرَفَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَيْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَجَعَلَ الْأَصْلَ فِيهِ الْكَيْلَ، وَإِنْ قَسَمَ عَلَى التَّحَرِّي فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، أَوْ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ مُصَبَّرًا بِالتَّحَرِّي إلَّا كَيْلًا فِي الْمَكِيلِ، أَوْ وَزْنًا فِي الْمَوْزُونِ، أَوْ عَدَدًا فِي الْمَعْدُودِ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَةُ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْحِيتَانِ بِالتَّحَرِّي. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَيَلْزَمُ فِيهِ التَّسَاوِي وَلَا يُوصَلُ إلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّ التَّحَرِّي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ فِي نَفْسِهِ فَيُعْرَفُ بِهِ التَّسَاوِي، وَإِنَّمَا يَتَحَرَّى بِهِ الْمَوْزُونُ، أَوْ الْمَكِيلُ وَلَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ بِالتَّحَرِّي، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّحَرِّي طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَةِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلِ كَالْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسَاوِي فِي أَحَدِ الْمِقْدَارَيْنِ لَا يَمْنَعُ التَّفَاضُلَ بِالْمِقْدَارِ الثَّانِي. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَالْحِيتَانِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ بِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُقَدَّرُ بِهِ وَالْكَيْلُ لَا يُعْدَمُ، وَلَوْ بِالْحَفْنَةِ، وَإِنَّمَا يَعْدَمُ الْمَوَازِينُ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ بِالتَّحَرِّي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمَوَازِينِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يُسْلَمُ إلَيْهِ فِي أَمَدٍ يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمَوَازِينِ فِيهِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ اسْتِيفَاءُ مَا يُوزَنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَالِبًا يُوجَدُ فِيهِ الْمَوَازِينُ فَإِنْ قَالَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ بِالتَّحَرِّي. (فَرْعٌ) وَالشَّرْطُ الثَّانِي رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّسَاوِي بِالتَّحَرِّي، وَإِنَّمَا يُوصَلُ إلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا لَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُقْصَدُ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَرُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاضُلِ مَا يَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ وَيُنَافِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالْحِنَّاءِ وَالْقُطْنِ وَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِسَامُهُ تَحَرِّيًا عَلَى التَّعْدِيلِ وَالتَّفْضِيلِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الشَّكِّ فِي التَّعْدِيلِ كَالتَّبَادُلِ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْسِمَ الْحِنَّاءَ وَالْكَتَّانَ وَالْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ بِالتَّحَرِّي، وَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ وَإِجَازَتُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَسْمُ الْحِنَّاءِ وَالتِّبْنِ وَالنَّوَى وَالْكَتَّانِ وَالْمِسْكِ إلَّا كَيْلًا فِي الْمَكِيلِ، أَوْ وَزْنًا فِي الْمَوْزُونِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ التَّفَاضُلُ الْبَيِّنُ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْعَدُ فِي الْأَصْلِ وَأَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي الْبُقُولِ: قَدْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ فِي الْبُقُولِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ قِسْمَتَهَا بَعْدَ الْجَدِّ عَلَى التَّحَرِّي وَهُوَ غَيْرُ التَّحَرِّي فِي الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ فَكَيْفَ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ فِي قِسْمَةِ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَّانِ وَالْمِسْكِ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِذَا تَحَرَّى الْمُسَاوَاةَ فَهُوَ أَجْوَزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ يَجُوزُ فِيهِ التَّسَاوِي، وَقَدْ يَجُوزُ التَّسَاوِي فِيمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ التَّحَرِّيَ مَعَ عَدَمِ التَّفَاضُلِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَصْدَ الْمُخَاطَرَةُ وَالْمُغَابَنَةُ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي التَّسَاوِي وَالْقِيَاسُ عِنْدِي جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَصْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَطْعُومٍ وَغَيْرِ مَطْعُومٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَكُونُ فِيهِ السَّهْمُ يُرِيدُ لَا يُقْسَمُ بِالْقُرْعَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدِي مَا قُسِمَ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ بَدَلٌ مِنْ الْوَزْنِ وَذَلِكَ إذَا تَسَاوَتْ السِّهَامُ فِي الْجَوْدَةِ وَالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى سِهَامٍ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ مَا يَحْتَاجُ إلَى النُّقُودِ فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ التَّمَاثُلِ فِيهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَمِنْهُ مَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ وَلَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ الضَّرَرُ كَالشِّقَّةِ مِنْ الْقُطْنِ، أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الصُّوفِ، أَوْ الْحَرِيرِ، أَوْ الْخَزِّ، أَوْ الْحُلِّ أَوْ الْجِذْعِ مِنْ الْخَشَبِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا تُقْسَمُ الْخَشَبَةُ فَإِنْ قِيلَ: مِنْ الْخَشَبِ مَا يَصْلُحُ بِالْقَطْعِ، وَكَذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ مَا يَكُونُ قَطْعُهُ صَلَاحًا وَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ مَنْ أَبَاهُ، وَإِنَّمَا الْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ الرِّبَاعِ مِنْ الْأَرَضِينَ فِيمَا لَا يُحَالُ عَنْ حَالٍ وَلَا يَحْدُثُ بِالْقِسْمَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ قَطْعٍ وَلَا زِيَادَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا لَا تُقْسَمُ الْخَشَبَةُ وَلَا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا كَانَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ الْوَاحِدِ كَاللِّبَاسِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ وَحُكْمُهُ فِي مَنْعِ الْقِسْمَةِ إذَا أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْغِرَارَتَيْنِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ فَسَادُ قِسْمَتِهِمَا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَسَادٌ لَمْ أَقْسِمْهُمَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تُقْسَمُ وَجَعَلَهُمَا كَالْخُرْجِ وَجَوَّزَ أَشْهَبَ قِسْمَتَهُمَا فِي الْمَجْمُوعَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهِمَا اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا فِي الْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يُقْسَمَانِ كَالْخَرْجِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ تُسْتَعْمَلُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُمَا غَالِبًا عَلَى الدَّوَابِّ وَعَلَى ظُهُورِ الرِّجَالِ فَثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الْقِسْمَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْسَمُ فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى بَقَاءِ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الشَّرِكَةِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَتَهَاوَنُوا فِي ذَلِكَ جَازَ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدٌ

[القضاء في الضواري والحريسة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ أُجْبِرَ إشْرَاكُهُ عَلَى التَّسْوِيقِ مَعَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْبَيْعَ مَنْ دَعَا إلَيْهِ قِيلَ لِمَنْ أَبَاهُ مِنْ إشْرَاكِهِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ حِصَّتَهُ بِمَا أَعْطَى فِيهَا وَإِمَّا أَنْ تَبِيعَ مَعَهُ. [الْقَضَاءُ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ] (الْقَضَاءُ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ) قَوْلُهُ الضَّوَارِي يُرِيدُ مَا ضَرِيَتْ أَكْلَ زُرُوعِ النَّاسِ مِنْ الْبَهَائِمِ، وَالْحَرِيسَةُ: الْمَاشِيَةُ الْمَحْرُوسَةُ وَالضَّوَارِي: هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْعَوَادِي. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالرَّمَكِ الَّتِي تَعْدُو فِي زَرْعِ النَّاسِ قَدْ ضَرِيَتْ ذَلِكَ: أَرَى أَنْ تُغَرَّبَ وَتُبَاعَ فِي بِلَادٍ لَا زَرْعَ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَرَى الْغَنَمَ وَالدَّوَابَّ بِحَسَبِهَا تُبَاعُ إلَّا أَنْ يَحْبِسَهَا أَهْلُهَا عَنْ النَّاسِ يُرِيدُ إنْ اسْتَطَاعَ أَهْلُهَا أَنْ يَحْبِسُوهَا لِكَوْنِ الدَّوَابِّ مُسْتَخْدَمَةً غَيْرَ مُهْمَلَةٍ وَالْغَنَمُ يَجِبُ حِفْظُ رَعْيِهَا فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ وَوَصَلَ ضَرَرُهَا إلَى الزَّرْعِ بِيعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ مَالِكٌ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِبَيْعِهَا، وَإِنْ أُكْرِهَ رَبُّهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِضْرَارُ بِجِيرَانِهِ يَرْعَى زُرُوعَهُمْ وَإِفْسَادَ حَوَائِطِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ حِفْظَ مَاشِيَتِهِ لَمَا عُهِدَ مِنْ عُدْوَانِهَا عَلَى الزَّرْعِ وَتَعَذَّرَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى حِفْظِهَا لَمْ يُمْكِنْ إزَالَةُ ضَرَرِهَا إلَّا بِبَيْعِهَا مِمَّنْ يُكَفُّ أَذَاهَا بِذَبْحٍ أَوْ تَغْرِيبٍ إلَى بَلَدٍ لَا زَرْعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبُهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهَا فَلَهُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْحَيَوَانِ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ حِرَاسَتُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ الْأَذَى كَالنَّحْلِ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ فِي الْقَرْيَةِ يَضُرُّ بِشَجَرِ الْقَوْمِ، أَوْ يَتَّخِذُ فِيهَا بُرْجًا يَأْوِي إلَيْهِ الْعَصَافِيرُ وَالْحَمَامُ فَيُصِيبُ مِنْ فَرْخِهَا فَتَضُرُّ بِالزَّرْعِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ أَرَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ اتِّخَاذِهَا مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فِي زُرُوعِهِمْ وَشَجَرِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا طَائِرٌ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ كَمَا يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ فِي الْمَاشِيَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الدَّابَّةِ الَّتِي ضَرِيَتْ بِإِفْسَادِ الزَّرْعِ وَلَا يَحْرُسُ مِنْهَا تُبَاعُ وَتُغَرَّبُ فَالنَّحْلُ وَالْحَمَامُ أَشَدُّ، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ الطَّائِرَةُ وَالْأَوُزُّ وَشَبَهُهَا مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ فَلَا يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِإِخْرَاجِهِ وَاخْتَارَهُ ابْن حَبِيبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ وَمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ بِالْحِفْظِ الْمَعْهُودِ لَا يُؤْمَرُ أَهْلُهُ بِبَيْعِهِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ فِيمَا تَعَذَّرَ وَلَا يُمْنَعُ بِالْحِفْظِ الْمُعْتَادِ لِمُثَابَرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّحْلِ وَالطَّيْرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى عَادَةِ جِنْسِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَلَا دَفْعُ أَذَاهَا، وَقَالَ أَصْبَغُ النَّحْلُ وَالْحَمَامُ وَالدَّجَاجُ وَالْأَوُزُّ كَالْمَاشِيَةِ لَا يُمْنَعُ صَاحِبُهَا مِنْ اتِّخَاذِهَا، وَإِنْ ضَرَبَتْ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ حِفْظُ زُرُوعِهِمْ وَشَجَرِهِمْ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَزَادَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْذَى أَحَدٌ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ هَذَا مَعَانٍ لَا تَضْرِي إلَّا بِالنَّهَارِ وَلَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْ اتِّخَاذِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَنَافِعِهِمْ وَمُعْظَمُ فَوَائِدِهِمْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ اتِّخَاذِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا أَصَابَتْ الْمَاشِيَةُ الَّتِي ضَرِيَتْ بِإِفْسَادِ الزُّرُوعِ وَالْحَوَائِطِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْن الْقَاسِم مَا أَصَابَتْهُ قَبْلَ التَّقْدِيمِ إلَى أَرْبَابِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَمَا أَصَابَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنُوهُ لَيْلًا أَصَابَتْهُ، أَوْ نَهَارًا كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ قَالَ: وَإِذَا أَخَذَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا أَفْسَدَتْهُ الْمَوَاشِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ مَسْرَحٍ وَلَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرْسَالِ الْمَوَاشِي فِيهِ فَإِنَّ عَلَى أَهْلِهَا ضَمَانُ مَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَبْلَ التَّقَدُّمِ وَبَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدَ مَعْنَيَيْنِ إمَّا أَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بِالشَّرْعِ لِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ إفْسَادِ الْأَمْوَالِ وَتَضْيِيعِهَا فَلَمَّا وَجَبَ لِذَلِكَ حِفْظُ الزُّرُوعِ الَّتِي هِيَ مُعْظَمُ الْأَقْوَاتِ وَسَبَبُ الْمَعَاشِ كَانَ حِفْظُهَا بِالنَّهَارِ يَلْزَمُ أَرْبَابَ الزُّرُوعِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ رَاحَتِهِمْ وَنَوْمِهِمْ وَسُكُونِهِمْ وَلَيْسَ بِوَقْتِ رَعْيٍ لِلْمَاشِيَةِ فِي غَالِبِ الْحَالِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ أَهْلَ الزَّرْعِ إنْ أَرَادُوا حِفْظَ زُرُوعِهِمْ وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ لِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ رَعْيِ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ لَهُ مَنْ يَرْعَى نَاقَتَهُ وَدَابَّتَهُ فَإِنْ مَنَعَهَا الرَّعْيَ أَضَرَّ بِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْحِفْظَ لَهَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفَائِدَةُ الْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَاشِيَةِ فِيمَا أَصَابَتْ بِالنَّهَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ اللَّيْثُ يَضْمَنُ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ احْتَجَّ لَمَّا ذَكَّرْته بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] قَالُوا وَالنَّفْشُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّيْلِ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ التَّصْرِيحُ بِالْحُكْمِ أَنَّهُ ضَمِنَ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ الَّتِي نَفَشَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْيُ الْحُكْمِ ذَلِكَ فِي الرَّاعِيَةِ بِالنَّهَارِ إلَّا مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَيْسَ عِنْدِي بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ وَالْآيَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْ تَفْسِيرَ الْحُكْمِ وَلَا بَيَانَهُ، وَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ كَانَ مُحْظِرًا، أَوْ غَيْرَ مُحْظَرٍ عَلَيْهِ رَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَزَادَ فِي الْمُزَنِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا بِمَعْنَى مَضْمُونٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرَى أَنْ يَقْضِيَ فِيمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالزُّرُوعِ مِثْلَ الْحَوَائِطِ فِيمَا أَفْسَدَتْ الْبَهَائِمُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا ضَمَانَ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي فِيمَا أَفْسَدَتْ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ إهْمَالَهَا بِاللَّيْلِ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ رَعْيٍ مُعْتَادٍ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ مَا أَفْسَدَتْ فِيهِ كَالْقَائِدِ وَالسَّائِقِ فِيمَا أَفْسَدَتْ الدَّابَّةُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي ضَمَانُ مَا أَفْسَدَتْهُ بِاللَّيْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِمْ قِيمَةَ مَا أَفْسَدَتْ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ أَنْ يُتِمَّ، أَوْ لَا يُتِمَّ زَادَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَزَادَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قِيمَتَهُ لَوْ حَلَّ بَيْعُهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَلَا يَسْتَأْنِي بِالزَّرْعِ أَنْ يُنْبِتَ، أَوْ لَا يُنْبِتُ كَمَا يَصْنَعُ بِسِنِّ الصَّغِيرِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ مَا أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَائِمًا عَلَى أَصْلِهِ بَيْنَ رَجَاءٍ وَخَوْفٍ أَنْ يَعُوقَهُ عَائِقٌ مِنْ كَثْرَةِ مَاءٍ، أَوْ قِلَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَى ذَلِكَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَلَمَّا كَانَ قِيمَةُ هَذَا الزَّرْعِ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَالُهُ وَلَا يُحْكَمُ لِصَغِيرِهِ بِحُكْمِ كَبِيرِهِ لَزِمَ غُرْمُ قِيمَتِهِ عَلَى صِفَتِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ بِأَنْ يَخْلُفَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَخْلُفَ بِخِلَافِ السِّنِّ الَّذِي إنَّمَا يُرَاعِي الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ بِهَا فَإِذَا نَبَتَتْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا أَخَفَّ وَلَمْ يَلْزَمْ ضَمَانُهَا جُمْلَةً وَإِذَا يَئِسَ مِنْ نَبَاتِهَا لَزِمَتْ فِيهَا دِيَتُهَا دُونَ قِيمَتِهَا وَالدِّيَاتُ مُخْتَصَّةٌ بِمَا يَتْلَفُ وَلَا يَعُودُ فَلِذَلِكَ اُسْتُؤْنِيَ لِيَعْلَمَ مِنْ نَبَاتِهَا، أَوْ عَدَمِهِ مَا يَجِبُ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ دِيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي قِيمَةَ مَا أَفْسَدَتْ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ إنَّمَا عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَوَاشِي، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَرْبَابِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَسْلِيمُهَا وَلَا يَقْصُرُ الْأَرْشُ عَلَى قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ مَعَ الْقَائِدِ، أَوْ السَّائِقِ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ قَبْلَ الْحُكْمِ فِيهِ بِالْقِيمَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ الَّذِي أَفْسَدَتْهُ مِمَّا كَانَتْ فِيهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْفَعَةٌ حِينَ الرَّعْيِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لَا تَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ حِينَ رَعْيِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حِينَ الرَّعْيِ لَا يُرَاعَى فِيهِ رَجَاءٌ وَلَا خَوْفٌ مَعَ الْأَدَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ بِقَدْرِ سَفَهِهِ وَإِفْسَادِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ، وَإِنْ عَادَ لِهَيْئَتِهِ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ نَبَتَ، أَوْ لَمْ يَنْبُتْ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الزَّرْعَ لَهُ قِيمَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيُرْجَى تَزَايُدُ مَنْفَعَتِهِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي عَيْنِهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا مَا يُرْجَى مِنْ انْتِهَائِهِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ إنْ حُكِمَ عَلَيْهِ قَبْلَ نَبَاتِهِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ مِثْلِ ذَلِكَ الزَّرْعِ عَلَى قُوَّةِ الرَّجَاءِ فِيهِ، وَإِنْ نَبَتَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَصَارَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَقَدْ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ قِيمَةُ الْبَقْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَبَاتِ أَصْلِ زَرْعِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ حِينَ رَعْيِهِ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا لَهُ فِيهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ فِيهِ قِيمَةُ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَمَا تَلِفَ فَإِنَّمَا هُوَ فَائِدَةُ الْأَصْلِ الَّذِي فِي الْأَرْضِ فَهُوَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ مَا أَبْطَلَ مِنْ الْفَرْعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَبْطَلَتْ الْقِيمَةُ بِنَبَاتِهِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِقِيمَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ يَعُودُ بِالنَّبَاتِ فَتَبْطُلُ الْقِيمَةُ، أَوْ لَا يَعُودُ فَيَثْبُتُ وُجُوبُهَا كَسِنِّ الصَّبِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ وَالْحَوَائِطِ وَالْحَرْثِ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَتْ لَيْلًا فَوَطِئَتْ رَجُلًا قَائِمًا فَقَطَعَتْ رِجْلَهُ فَإِنَّهُ هَدَرٌ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَقْصِدُهُ الْمَوَاشِي غَالِبًا فَلَا تُحْرَسُ مِنْهُ. (فَصْلٌ) : وَهَذَا نَصٌّ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ عِنْدِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الزَّرْعُ، أَوْ الْحَوَائِطُ مَعَ الْمَسَارِحِ وَالْمَوَاضِعِ عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: مَوْضِعٌ تَتَدَاخَلُ فِيهِ الْمَسَارِحُ وَالْمَرَاعِي، وَالثَّانِي: أَنْ تَنْفَرِدَ الْمَرَاعِي، أَوْ الْحَوَائِطُ وَلَيْسَ بِمَكَانِ مَسْرَحٍ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ مَسْرَحٍ وَلَيْسَ بِمَوْضِعِ زَرْعٍ فَيَحْدُثُ فِيهِ إنْسَانٌ زَرْعًا فَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ زَرْعٍ وَمَسَارِحَ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حُكْمِهِ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْحُكْمُ عِنْدِي وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْحَائِطِ وَالْمَوَاشِي الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْحَدِيثِ لِلْعَهْدِ لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْمَوَاشِي إرْسَالُهَا بِالنَّهَارِ فِيهَا لَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَسْرَحًا، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ هَذَا بِالْحَدِيثِ وَأُرِيدَ بِهِ الشَّاذَّةَ مِنْ الْمَوَاشِي لِمَا قَضَى عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ بِحِفْظِهَا بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ مَا يَشِذُّ وَيَنْدُرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَكَانَ حُكْمُ مَا أَصَابَتْ بِالنَّهَارِ حُكْمَ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ زَرْعٍ دُونَ سَرْحٍ فَهَذِهِ عِنْدِي لَا يَجُوزُ إرْسَالُ الْمَوَاشِي فِيهَا وَمَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا فَعَلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي ضَمَانُهُ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمُزَنِيَّة: لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَوَاشِي أَنْ يُخْرِجُوهَا إلَى قُرَى الزَّرْعِ بِغَيْرِ ذُوَّادٍ وَلَكِنْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَذُودُوهَا عَنْ الزَّرْعِ فَإِذَا بَلَغُوا الْمَرَاعِيَ وَالْمَسَارِحَ سَرَّحُوهَا هُنَالِكَ فَمَا شَذَّ مِنْهَا إلَى الزُّرُوعِ وَالْجَنَّاتِ فَعَلَى أَصْحَابِ الزَّرْعِ وَالْجَنَّاتِ دَفْعُهَا، وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَوْضِعُ سَرْحٍ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِإِرْسَالِ مَوَاشِيهِمْ فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَأَحْدَثَ رَجُلٌ فِيهِ زَرْعًا مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي الِامْتِنَاعُ مِنْ إرْعَاءِ مَوَاشِيهِمْ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا وَمَا أَفْسَدَتْهُ مِنْ زَرْعِهِ بِاللَّيْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جَرّ الْجِنَايَةَ إلَى نَفْسِهِ حَيْثُ زَرَعَ بِمَوْضِعِ الْمَسْرَحِ وَأَرَادَ مَنْعَ النَّاسِ مِنْ مَنَافِعِهِمْ الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الدَّوَابُّ تَعْبُرُ فِي الزَّرْعِ فَتُفْسِدُهُ فَحَفَرَ رَبُّ الزَّرْعِ حَوْلَ الزَّرْعِ حَفِيرًا لِمَكَانِ الدَّوَابِّ فَوَقَعَ بَعْضُهَا فِي ذَلِكَ فَمَاتَ فَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُنْذِرْهُمْ قَالَ أَصْبَغُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ فِيمَنْ يَحْفِرُ لِلسَّارِقِ زُبْيَةً فَوَقَعَ السَّارِقُ، أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ.

لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ أَرَاك تُجِيعُهُمْ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك فَقَالَ الْمُزَنِيّ كُنْت وَاَللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ وَلَكِنْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ، أَوْ الدَّابَّةَ يَوْمَ يَأْخُذُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْعَبِيدِ مَعَ دَعْوَى الْمُزَنِيّ، أَوْ بِدَعْوَى الْمُزَنِيّ فِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ حَاطِبٍ وَطَلَبِهِ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَنَكَلَ حَاطِبٌ وَحَلَفَ الْمُزَنِيّ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ نُكُولِ حَاطِبٍ وَحَلَفَ الْمُزَنِيّ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي عَبْدٍ انْتَحَرَ حِمَارًا، وَقَالَ خِفْت أَنْ أَمُوتَ جُوعًا لَا يُقْطَعُ وَيُغَرَّمُ سَيِّدُهُ ثَمَنَ الْحِمَارِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ أَنَّ السَّيِّدَ كَانَ يُجِيعُهُ فَيَغْرَمُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ، وَإِنَّمَا غَرَّمَ عُمَرُ حَاطِبًا وَتَرَكَ قَطْعَ عَبِيدِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُجِيعُهُمْ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقِيمَةِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ بِقَطْعِ أَيْدِيهِمْ فَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْمَوَّازِ انْصَرَفَ عَنْهُ إلَى التَّقْوِيمِ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ يُجِيعُهُمْ وَعَلَى رَأْيِ أَصْبَغَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّهُ كَانَ لِلْعَبِيدِ مَالٌ فَوَقَعَ الْغُرْمُ مِنْهُ، وَقَالَ لِحَاطِبٍ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ عَبِيدِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ جَمِيعُهُ أَوْ الْكَثِيرُ مِنْهُ فَبِهِ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى السَّعْيِ وَالتَّكَسُّبِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْعَبِيدِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْ إقْرَارِ الْعَبِيدِ إلَّا مَا يَنْصَرِفُ إلَى جَسَدِهِ فَأَمَّا مَا يَلْزَمُ سَيِّدَهُ بِهِ أَمْرٌ فَلَا، فَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيُعَرَّى فِي الْقَضِيَّةِ مِمَّا يُقَوِّيهَا، وَأَمَّا إذَا اُقْتُرِنَ بِالْقَضِيَّةِ مَا يَشْهَدُ لَهَا مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ سَيِّدِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي عَبْدٍ أَصَابَ صَبِيًّا بِمُوضِحَةٍ فَأَتَى مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِهِ وَيَأْتِي مَكَانَهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ فَلْيُقْبَلْ مِنْهُ فَأَمَّا بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ كُنْت فَعَلْته فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي عَبِيدٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَهُمْ شَاتَانِ مَذْبُوحَتَانِ يَعْرِفَانِ لِجَارِهِمْ فَأَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ، وَجَحَدَ الثَّالِثُ إنَّ غُرْمَ ذَلِكَ عَلَى سَادَتِهِمْ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أُغْرِمَ حَاطِبًا لَمَّا وُجِدَتْ النَّاقَةُ بَيْنَ أَيْدِي الْعَبِيدِ وَعُرِفَ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْمُزَنِيِّ الطَّالِبِ لَهَا وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ قَالَ عِيسَى فِي الْمُدَوَّنَةِ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ سَرَقُوهَا مِنْ حِرْزِهَا وَلَمْ يَسْرِقُوهَا مِنْ الْمَرْعَى وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْحِرْزِ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَرَاك تُجِيعُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبِيدُ قَدْ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ وَاعْتَذَرُوا بِهِ لِسَرِقَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى فِيهِمْ مِنْ الضَّعْفِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ إجَاعَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ لَا يُجِيعَ رَقِيقَهُ بَلْ يُشْبِعَهُمْ الْوَسَطَ أَوْ يَبِيعَهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك يُرِيدُ بِهِ الْغُرْمَ الْكَثِيرَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ حَاطِبًا يَتَوَجَّعُ لَهُ مَعَ كَثْرَةِ مَالِهِ وَلَعَلَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ وَالتَّعْزِيرِ لِحَاطِبٍ عَلَى إجَاعَتِهِ لِرَقِيقِهِ وَإِحْوَاجِهِ لَهُمْ إلَى السَّرِقَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَسَبَبَ إتْلَافِ نَاقَةِ الْمُزَنِيّ فَرَأَى أَنْ يُغَرِّمَهُ إيَّاهَا وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ كَرَّرَ نَهْيَهُ إيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ وَحَدَّ لَهُ فِي قُوتِهِمْ حَدًّا لَمْ يَمْتَثِلْهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اتَّخَذَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَاشِيَتِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي إزَالَتِهِ فَلَمْ يُزِلْهُ وَقَتَلَ أَحَدًا أَنَّ عَلَى صَاحِبِهِ دِيَتَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ غَشَّ لَبَنًا أَوْ زَعْفَرَانًا، أَوْ مِسْكًا لَا يُهْرَاقُ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَمْ يَخُصَّ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْيَسِيرِ فَأَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَيُوجَعُ أَدَبًا هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْغَرِيمَ لِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ النَّاقَةِ لِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ كَثْرَةِ قِيمَتِهَا وَإِنَّ حَاطِبًا شَقَّ عَلَيْهِ غُرْمُ مِثْلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ سَأَلَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَصْبَغَ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ مَالِكٌ يَرْعَى عَلَى السَّيِّدِ الْغُرْمَ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ. قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ لَا فِي مَالِهِ وَلَا فِي رِقَابِ الْعَبِيدِ الْقَطْعُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْقَطْعَ نَفَذَ، وَإِنَّمَا كَانَ عُمَرُ أَمَرَ بِقَطْعِهِمْ ثُمَّ قَالَ أَرَاك تُجِيعُهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِصَرْفِهِمْ وَلَمْ يَقْطَعْهُمْ وَعَذَرَهُمْ بِالْجُوعِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ سِيرَةِ عُمَرَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ سَارِقًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ هَذَا مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَاطِبٍ قَالَ تُوُفِّيَ حَاطِبٌ وَتَرَكَ أَعْبُدًا مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ يَعْمَلُونَ فِي مَالٍ لِحَاطِبٍ بِسَوَانٍ فَأَرْسَلَ عُمَرُ فَقَالَ هَؤُلَاءِ عَبِيدُك قَدْ سَرَقُوا وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَا وَجَبَ عَلَى السَّارِقِ فَانْتَحَرُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ وَاعْتَرَفُوا بِهَا وَمَعَهُمْ الْمُزَنِيّ فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ وَرَاءَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِمْ فَجَاءَ بِهِمْ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَمَا لَوْلَا أَنِّي أَظُنُّكُمْ تَسْتَعْمِلُونَهُمْ وَتُجِيعُونَهُمْ حَتَّى لَوْ وَجَدُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ لَأَكَلُوهُ لَقَطَعْتهمْ وَلَكِنْ وَاَللَّهِ إذَا تَرَكْتهمْ لَأُغَرِّمَنَّكَ غَرَامَةً تُوجِعُك. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ لِلْعَبِيدِ أَمْوَالٌ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا كَانَ يَكُونُ غُرْمُهَا فِي أَمْوَالِ الْعَبِيدِ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي رِقَابِهِمْ مَا كَانَ مِنْ سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا فَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ إسْلَامِهِمْ، أَوْ افْتِكَاكِهِمْ بِقِيمَتِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُتْبَعُ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي تُقْطَعُ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا فِيمَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ مَالَهُ إنَّمَا صَارَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِلْمُزَنِيِّ كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك يُرِيدُ قِيمَتَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَمَّا انْتَفَى حَاطِبٌ مِنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَأَ بِالْمُزَنِيِّ لِيَعْرِفَ مُنْتَهَى مَا يَدَّعِيه ثُمَّ تَوَقَّفَ حَاطِبٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ لَهُ وَهَكَذَا وَجْهُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ مُدَّعًى عَلَيْهِ حَتَّى يُعْلَمَ مُنْتَهَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ تِلْكَ فِي قَدْرِهَا وَجِنْسِهَا فَيَصِحُّ تَوْقِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ لِيُقِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يُنْكِرَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمُزَنِيّ كُنْت وَاَللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِقِيمَتِهَا عَلَى التَّحَرِّي بِذَلِكَ، وَإِنْ ذَكَرَ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ قِيمَتِهَا وَمَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهَا بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ عَلَى مَعْنَى تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَالْإِخْبَارِ عَنْ تَيَقُّنِهِ كَمَا قَالَ وَمَا أَدْعَى مِنْ الْقِيمَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ لِلْقِيمَةِ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عُمَرُ أَنْ يُحَلِّفَهُ إمَّا؛ لِأَنَّ حَاطِبًا صَدَقَ؛ لِأَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُ بَنَى أَنْ يَأْخُذَ لَهُ مِنْ حَاطِبٍ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى مَعْنَى التَّأْدِيبِ لَهُ لِمَا جَنَاهُ بِإِجَاعَةِ رَقِيقِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْمُزَنِيّ مِنْ قِيمَةِ نَاقَتِهِ حَتَّى أَضْعَفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَأْيُ الْمُزَنِيّ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جُنِيَ عَلَيْهِ بِتَفْوِيتِ نَاقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ قِيمَتَهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَدْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي عَيْنِهَا فَفَوَّتَهُ عَيْنَهَا بِسَرِقَتِهَا وَنَحْرِهَا، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا لِاجْتِهَادِ عُمَرَ فَالْقُضَاةُ الْيَوْمَ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ عَلَى مَنْ جَنَى بِتَعَدٍّ، أَوْ غَيْرِهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا إذَا حَمَلْنَا قَوْلَ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ تَضْعِيفَ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَقَصَدَ وَجْهًا مِنْ وُجُوهٍ سَنَذْكُرُ بَعْضَهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ ظَاهِرُهُ تَضْعِيفُ الْقِيمَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْمُزَنِيّ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بِإِثْرِ

[القضاء فيمن أصاب شيئا من البهائم]

الْقَضَاءُ فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ (ص) : (الْقَضَاءُ فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ) (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ أَنَّ عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْجَمَلِ يَصُولُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَعْقِرُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُ وَصَالَ عَلَيْهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَّا مَقَالَتُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْجَمَلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثِ لَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا عَلَى تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا أَنْ يَغْرَمَ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ يَوْمَ يَأْخُذُهُ ظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى ظَاهِرَ حَدِيثِ عُمَرَ فِي تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ عَلَى الْجَانِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عُمَرُ إنَّمَا أَضْعَفَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْمُزَنِيّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ قِيمَةَ نَاقَةٍ فِي بَلَدٍ، أَوْ زَمَنٍ غَيْرِ الْبَلَدِ وَالزَّمَنِ الَّتِي سُرِقَتْ بِهِ وَالْقِيمَةُ تَتَضَاعَفُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ قِيمَةُ الْبَعِيرِ يَوْمَ أَخْذِهِ يُرِيدُ أَنَّ قِيمَتَهُ إنْ زَادَتْ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ صَاحِبُهَا قِيمَتَهُ بِتَغْيِيرِ الْأَسْوَاقِ بِانْتِقَالِ زَمَنٍ، أَوْ بِنَقْلِهِ إلَى مَكَان فَإِنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَهُ، وَلَوْ نَقَصَتْ لَكَانَ النُّقْصَانُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت لِابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ ثَمَنِ نَاقَتِهِ فَأَضْعَفَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُصَادِفَ تَضْعِيفَ الْقِيمَةِ قِيمَتُهَا الْيَوْمَ قَالَ غَيْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَرَكَ وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا إلَّا لِأَمْرٍ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ يَوْمَ أَخْذِهِ يُرِيدُ أَنَّ مَا لَحِقَهُ مِنْ نَقْصٍ فِي ضَمَانِ مَنْ أَخَذَهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ نَقْصٌ ثُمَّ هَلَكَ ضَمِنَهُ الْآخِذُ سَالِمًا مِنْ النَّقْصِ، وَإِنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا فَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ مُرَاعَاةِ النَّقْصِ إنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْآخِذِ، أَوْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ زَادَ عِنْدَ الْمُعْتَدِي فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِزِيَادَتِهِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَتُهُ يَوْمَ الْأَخْذِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الْقَضَاءُ فِيمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِمِ فَنَقَصَتْهَا جِنَايَتُهُ نَقْصًا لَمْ يَمْنَعْ مَنْفَعَتَهَا الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَذَلِكَ أَنْ تَسَاوِيَ سَالِمَةً عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَتَسَاوِيَ بِالْجِنَايَةِ ثَمَانِيَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْهَا وَذَلِكَ خُمُسُ قِيمَتِهَا، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَتْلَفْ مَنْفَعَتُهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا فَإِنْ أَتْلَفَتْ مَنْفَعَتُهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مَنْ عَمِلَ بِهَا، أَوْ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ وَالْبَقَرَةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا وَفِي شَاةِ الْقَصَّابِ مَا نَقَصَهَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْحَيَوَانِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ مَنْ صَالَ عَلَيْهِ جَمَلٌ أَوْ دَابَّةٌ فَقَتَلَهَا، أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ قَدْ خَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ تَقْتُلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ هُوَ ضَامِنٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ مَخُوفًا عَلَى نَفْسِهِ دَفْعًا لَهُ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ كَالْعَبْدِ يُرِيدُ قَتْلَ الْحُرِّ فَيَقْتُلُهُ الْحُرُّ دَفْعًا لَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الْجَمَلِ إذَا صَالَ فَقَتَلَ، أَوْ عَضَّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَمْ يَشْتَهِرْ بِذَلِكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَالنَّاسِ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ ذَلِكَ مِنْهُ، أَوْ يَكُونَ قَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى شُهِرَ بِذَلِكَ وَخِيفَ مِنْ أَجْلِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَهِرْ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فِيهِ فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي الْبَعِيرِ أَوْ الدَّابَّةِ ضَمِنَ مَا أَفْسَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَضْمَنُ رَبُّ الدَّابَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي إزَالَتِهِ، أَوْ جِيرَانِهِ فَهُوَ حُكْمٌ عَلَيْهِ بِضَمَانِ مَا يُتْلِفُهُ فَلَزِمَهُ بِذَلِكَ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ اتِّخَاذَهُ مُبَاحٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ اتِّخَاذُهُ مُبَاحًا عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِطْلَاقِ لَضَمِنَ جِنَايَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا يَضْمَنُ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَمَلِ الصَّئُولِ قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ يُدْخِلُهُ صَاحِبُهُ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَصَابَ وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ تَكُونُ فِي مَالِ صَاحِبِ الْجَمَلِ الصَّئُولِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ مُضَافٌ خَطَؤُهَا إلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ فَإِذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ تَتَجَاوَزْ مَالَ صَاحِبِهِ إلَى الْعَاقِلَةِ أَصْلُ ذَلِكَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكَلْبُ الْعَقُورُ فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي ضَمَانِ صَاحِبِهِ أَنْ يَتَّخِذَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْقِرُ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَّخِذَهُ لِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَّخِذَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ، وَالرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَأَمَّا عِلْمُهُ بِعَقْرِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَشُهِرَ بِهِ وَخِيفَ مِنْ أَجْلِهِ فَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْحَائِطِ الْمَائِلِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ الْمَخُوفِ الَّذِي بَلَغَ شِدَّةَ الْغَرَرِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ يَضْمَنُ مَا سَقَطَ عَلَيْهِ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ كَمَنْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَيَضْمَنُ إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَلْبُ إنَّمَا جَرَى ذَلِكَ لَهُ مَرَّةً، أَوْ فِي النُّدْرَةِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ فَهَذَا لَا يَضْمَنُ حَتَّى لَا يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَهُ لِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ مِثْلُ أَنْ يَتَّخِذَ كَلْبًا لِدَفْعِ السُّرَّاقِ عَنْ مَاشِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا عَقَرَ، وَلَوْ اتَّخَذَهُ لِدَفْعِ السِّبَاعِ عَنْهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّالِثُ بِأَنْ يَتَّخِذَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا فِي دَارِهِ لِمَاشِيَتِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا عَقَرَ قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهُ لِلنَّاسِ اتَّخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا يَخَافُ عَلَيْهَا فِي الدَّارِ مِنْ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ اتِّخَاذُ الْكَلْبِ لِلزَّرْعِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فِي مَوَاضِعِ رَعْيِهَا وَحَيْثُ يَدْفَعُ الذِّئَابَ عَنْهَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ إنْ اتَّخَذَهُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ لَمْ يَضْمَنْ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَمِنَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَمَلِ الصَّئُولُ قَدْ عُرِفَ بِذَلِكَ يُدْخِلُهُ صَاحِبُهُ الْمَدِينَةَ يَضْمَنُ مَا أَصَابَ فَعَلَى هَذَا إنْ عَرَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ كُلُّهَا ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ بَعْضُهَا فَعَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الدَّابَّةِ تَصُولُ تَعْدُو عَلَى الصَّبِيِّ فَتَقْتُلُهُ مَرْبُوطَةً، أَوْ تَنْفَلِتُ مِنْ رِبَاطِهَا، وَقَدْ أَعْذَرَ إلَيْهِ الْجِيرَانُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَبَطَهُ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ رَبْطُهُ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمِنُ غَالِبًا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مُبِيحًا لِاِتِّخَاذِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ الَّذِي شُهِرَ بِذَلِكَ يَتَّخِذُهُ الرَّجُلُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ لِعَقْرِ السِّبَاعِ فَهَذَا أَيْضًا إذَا عَقَرَ النَّاسَ وَآذَاهُمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُهُ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَضْمَنُ رَبُّ الدَّابَّةِ عَلَى حَالٍ تَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ، أَوْ جِيرَانُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ دَابَّةً خِيفَ ذَلِكَ مِنْهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا عُقْرٌ وَلَا شَهَرَتْ بِهِ فَيَكُونُ وِفَاقَا لِمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهَا الصَّوْلُ وَالْأَذَى فَيَكُونُ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلْبِ بِأَنَّ الْكَلْبَ مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَلَى وَجْهٍ مَا وَالْحِمَى مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِكَفِّ ضَرَرِهِ إذَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالتَّقَدُّمُ إلَى صَاحِبِ الْكَلْبِ وَالْجَمَلِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا ثَبَتَ ضَرَرُهُ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى حَالٍ كَانَ يَتَّقِي ضَرَرَهُ وَلَا يُؤْمِنُ عُقْرَهُ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ لَا يَكُونُ التَّقَدُّمُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ سُلْطَانٌ فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْعُدُولَ بِالتَّقَدُّمِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ

[القضاء فيما يعطى العمال]

(ص) : (الْقَضَاءُ فِيمَا يُعْطَى الْعُمَّالُ) (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى الْغَسَّالِ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ فَصَبَغَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: لَمْ آمُرْك بِهَذَا الصَّبْغِ، وَقَالَ الْغَسَّالُ: بَلْ أَنْتَ أَمَرْتنِي بِذَلِكَ فَإِنَّ الْغَسَّالَ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ وَالْخَيَّاطُ مِثْلُ ذَلِكَ وَالصَّائِغُ مِثْلُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَمْرٍ لَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَلْيَحْلِفْ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَإِنْ رَدَّهَا وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الصَّبَّاغُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا حُكْمٌ وَلَا يَثْبُتُ حَيْثُ يَكُونُ حَاكِمٌ إلَّا بِحُكْمِهِ، وَأَمَّا مَوْضِعٌ لَا حَاكِمَ فِيهِ فَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ مَقَامَ الْحَاكِمِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَضْطَرُّ النَّاسُ إلَيْهَا، وَهَذَا حُكْمُ مَنْ يَكُونُ التَّقَدُّمُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ فَهُوَ الْمَالِكُ وَالنَّاظِرُ لَهُ مِنْ أَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ دُونَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُ كَلْبِ الصَّيْدِ فِي دَارِهِ رَوَى مَعْنَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لَهُ اتِّخَاذُهُ فِي دَارِهِ لِحِرَاسَةِ النَّاسِ وَلَا مِمَّنْ يَسْرِقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَةِ اتِّخَاذِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ عَقْرُ السَّارِقِ وَلَا قَتْلُهُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ طَرْدُهُ وَعَقْرُ السِّبَاعِ الْمُؤْذِيَةِ فِي الزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ مُبَاحٌ وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ لِلْمَأْكَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَّا قَوْلُهُ ضَمِنَ وَلَمْ يَذْكُرْ إنْ كَانَ يُثْبِتُ ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا، وَأَمَّا إذَا صَالَ الْجَمَلُ فَقَتَلَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ، أَوْ الْجَمَلِ الصَّئُولِ وَالثَّوْرِ إنْ أَصَابُوا رَجُلًا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَى أَرْبَابِهَا وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ أَنَّ وَرَثَتَهُ يَحْلِفُونَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَةَ صَاحِبِهِمْ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَثْبُتُ مِنْ هَذَا إلَّا مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ وَأَنْكَرَ رِوَايَةَ عِيسَى فِي ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَالَ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لَا تَثْبُتُ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا غَيْرَ الْمَالِ بِوَجْهٍ فَثَبَتَتْ بِشَهَادَةِ يَمِينٍ كَالْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَصْبَغَ أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ فِي الْجَسَدِ عَلَى حُرٍّ فَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ كَمَا لَوْ جَنَاهَا إنْسَانٌ. [الْقَضَاءُ فِيمَا يُعْطَى الْعُمَّالُ] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ أَنَّ الصَّانِعَ إذَا دُفِعَ إلَيْهِ ثَوْبٌ فَصَبَغَهُ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَسَّالِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ قَدْ يُنْكِرُ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ، وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَمْ آمُرْك بِصَبْغِهِ فَإِذَا قَالَ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ لَهُ أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا الصَّبْغِ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَمَرْتُك بِهَذَا الصَّبْغِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَ أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا الصَّبْغِ وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَمَلِ، أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَقَدْ قَالَ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُفْتِ بِالْعَمَلِ، وَقَدْ تَحَالَفَا فِي صِفَةِ مَا وَقَعَ التَّبَايُعُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَحَالَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصُّنَّاعِ فِيمَا يَجُوزُهُ الصَّانِعُ بِالْفَوْتِ وَلِمَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِوَجْهِ حَقٍّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّانِعَ حَائِزٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ مَا لَهُ فِيهِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُدَّعٍ لِأَخْذِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الصَّبَّاغُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الصَّبَّاغِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَائِكِ يَقُولُ أَمَرْتنِي أَنْ أَنْسِجَ لَك سَبْعًا فِي ثَلَاثٍ، وَقَالَ صَاحِبُهُ بَلْ سَبْعًا فِي أَرْبَعٍ أَنَّ الْحَائِكَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ الْبَنَّاءُ أَمَرْتنِي أَنْ أَبْنِي بَيْتًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسًا فِي خَمْسٍ، وَقَالَ رَبُّ الْعَرْصَةِ بَلْ عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا فُسِخَ ذَلِكَ وَيَقْلَعُ الْبَنَّاءُ نَقْضَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْعَرْصَةِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا، وَإِنْ نَكَلَ الْبَنَّاءُ وَحَلَفَ صَاحِبُ الْعَرْصَةِ لَزِمَهُ مَا قَالَ الْبَنَّاءُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَائِكَ حَائِزٌ لِمَا صَارَ فِي يَدَيْهِ وَالْبَنَّاءُ لَمْ يَحُزْ الْعَرْصَةَ وَلَا مَا بَنَى فِيهَا بَلْ صَاحِبُ الْعَرْصَةِ حَائِزٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَمَلِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ فَيَقُول الصَّانِعُ عَلَّمْته بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَيَقُولُ صَاحِبُهُ اسْتَأْجَرْتُك بِدِرْهَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُفْتِ بِالْعَمَلِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ بِخِلَافِ الْبَنَّاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْصَةِ بَعْدَ الْبِنَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّانِعَ لَهُ يَدٌ عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا بِيَدِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخْرِجَ عَمَلَهُ مِنْ يَدِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ صَاحِبُ الثَّوْبِ وَالْبَنَّاءُ عَلَيْهِ يَدُ صَاحِبِ الْعَرْصَةِ فَالْبَنَّاءُ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً فِي ثَمَنِ عَمَلٍ قَدْ فَاتَ وَقُبِضَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْصَةِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ الصَّانِعُ لَمْ تَأْمُرْنِي بِشَيْءٍ، وَقَالَ صَاحِبُهُ أَمَرْتُك بِكَذَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي الْخَائِطِ يَقْطَعُ الثَّوْبَ قَمِيصًا فِي قَوْلِ صَاحِبِهِ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ فَرَمْلًا أَنَّ الْخَيَّاطَ مُصَدَّقٌ وَلَا يَضْمَنُ إذَا حَلَفَ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ قَطْعًا لَا يَلْبَسُهُ الْآمِرُ، وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ إذَا أَقَرَّ الصَّانِعُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُعْتَدٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْجَوَابُ إذَا قَالَ لَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ اقْطَعْهُ عَلَى مَا تَرَى، وَقَدْ عَرَفَ مَا يَقْطَعُ لِلرَّجُلِ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَامِلَ لَمَّا كَانَ مُصَدَّقًا مَعَ يَمِينِهِ فِي الْعَمَلِ لِمَكَانِ الْيَدِ صُدِّقَ فِي إنْكَارِ الصِّفَةِ وَكَانَ سُكُوتُ رَبِّ الثَّوْبِ عَنْ الصَّانِعِ بِمَعْنَى اصْنَعْ مَا تَرَاهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا افْتَرَقَا عَنْ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ دُونَ وَصْفٍ، وَأَمَّا إذَا افْتَرَقَا عَنْ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَيَصِفُ لَهُ مَا يُرِيدُ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مُيَسَّرٍ وَلَا يَكَادُ أَنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ الْقِسْمَيْنِ قِسْمٌ ثَالِثٌ إلَّا بِأَنْ يُفَارِقَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لِلْوَصْفِ وَيَعْتَقِدَ الصَّانِعُ أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ مَا يَتْرُكُ عِنْدَهُ غَالِبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ مُيَسَّرٍ أَنَّهُ أَقَرَّ الصَّانِعُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُتَعَدٍّ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ صِفَةٍ وَدُونَ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الْعُرْفِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِفْ لَهُ شَيْئًا فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ أَرَدْت كَذَا وَيَقُولُ الصَّانِعُ رَأَيْت هَذَا مِمَّا يَصْلُحُ لَك فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى صَانِعٍ جِلْدًا لِيَعْمَلَ لَهُ خُفَّيْنِ إذَا عَمِلَ مَا يُشْبِهُ لِبَاسَ النَّاسِ وَلِبَاسَ الرَّجُلِ لَمْ يَضْمَنْ وَلِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ قَالَ، وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُ فِي الثَّوْبِ وَعَامِلُ الْقَلَانِسِ فِي الظِّهَارَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: اُصْبُغْ ثَوْبِي هَذَا لَوْنًا فَإِنَّ أَمْرَهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ لَوْنٍ فَأَيُّ لَوْنٍ صَبَغَهُ الصَّبَّاغُ كَانَ بِهِ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِ الْآمِرِ، وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَقْتَضِي التَّفْوِيضَ لِصَنْعَتِهِ، أَوْ اُقْتُرِنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي التَّفْوِيضَ، وَلَوْ اُقْتُرِنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي لَوْنًا يَكُونُ إلَى رَبِّ الثَّوْبِ تَعْيِينُهُ لَكِنَّهُ أَخَّرَ ذَلِكَ لِوَجْهٍ رَآهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الصَّبَّاغُ يَصْبُغُ الثَّوْبَ لَوْنًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ كَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ خَادِمٍ، أَوْ جَارِيَةٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَا يَقْتَضِي التَّفْوِيضَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذْنٌ لَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفَّيْنِ وَإِذَا تَقَدَّمَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ فَإِنَّ قَوْلَ رَبِّ الثَّوْبِ اُصْبُغْ هَذَا الثَّوْبَ لَوْنًا يَقْتَضِي بِإِطْلَاقِهِ التَّفْوِيضَ إلَى الصَّبَّاغِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُورِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَمْنَعُ التَّفْوِيضَ، وَهَذَا أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ اشْتَرِ لِي خَادِمًا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ الرَّجُلَ يَشْتَرِي لَهُ خَادِمَةً وَلَا يَصِفُهَا لَهُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى لَهُ مَنْ يَكُونُ مِثْلُهَا مِنْ خَدَمِهِ لَزِمَتْ الْآمِرَ، وَهَذَا التَّخْصِيصُ بِالْعُرْفِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْلَا الْعُرْفُ لَلَزِمَهُ أَيُّ خَادِمٍ اشْتَرَى لَهُ إذَا اقْتَضَى اللَّفْظُ ذَلِكَ وَتَعَدَّى عَمَّا يَصْرِفُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَمَرْتُك بِهَذَا الصَّبْغِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الصَّبَّاغِ يَصْبُغُ الثَّوْبَ فَيَقُولُ صَبَغْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَيَقُولُ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَمَرْتُك بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ إذَا كَانَ مَا فِي الثَّوْبِ مِنْ الصَّبْغِ يُشْبِهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَتَى مِنْ ذَلِكَ بِمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى كَذِبِهِ وَيُشْبِهُ قَوْلَ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ رُدَّ إلَى إجَارَةِ الْمِثْلِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّبَّاغِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الصَّبْغِ يُشْبِهُ مَا قَالَ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَتَّفِقَا، أَوْ يَقُولُ الصَّبَّاغُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ صَبْغٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ صَبْغٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَا زَادَ مِنْ الصَّبْغِ يُشْبِهُ مَا قَالَ، وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْمَلَهُ الصَّبَّاغُ عِنْدَهُ وَيُغَيِّبُ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّوْبَ وَلَمْ يُغِبْ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الثِّيَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَلَا عِوَضٍ وَقَالَ الصَّبَّاغُ بَلْ بِأَجْرِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَإِلَّا رَدَّ أَجْرَ مِثْلِهِ قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ مُقِرٌّ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَصْبُغَهُ لَهُ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُجْرَةَ وَهَا هُنَا إنْ كَانَ ادَّعَى الصَّبَّاغُ أَجْرَ مِثْلِهِ فَلَا يَمِينَ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِهِ شَيْئًا وَإِنْ ادَّعَى الصَّبَّاغُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ حَلَفَ رَبُّ الْمَتَاعِ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ مَا زَادَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ لَمْ آمُرْكَ بِصَبْغِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ: دَفَعْتُهُ إلَيْك وَلَمْ آمُرْكَ بِصَبْغِهِ، أَوْ يَقُولَ: لَمْ أَدْفَعْهُ إلَيْك، فَإِنْ قَالَ: دَفَعْتُهُ إلَيْكَ وَدِيعَةً لَمْ آمُرْكَ فِيهِ بِعَمَلٍ، وَقَالَ الصَّانِعُ بَلْ أَمَرْتَنِي بِالْعَمَلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ إذَا صَبَغَهُ مَا يُشْبِهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْعَامِلُ مُدَّعٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْيَدَ لِلْعَامِلِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَقَرَّ صَاحِبُهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَامِلِ فِي صِفَةِ الْقَبْضِ وَلَا يَكُونُ لِلدَّافِعِ قَبْضُهُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ اتِّفَاقٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ إقْرَارَ رَبِّ الثَّوْبِ إنَّمَا هُوَ فِي تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِذْنُ فِيمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ فَقَدْ ادَّعَاهُ الْعَامِلُ وَأَنْكَرَ رَبُّ الثَّوْبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ بَيِّنَةٌ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِيمَا يُشْبِهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا رُدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ مَا ادَّعَاهُ. وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا ادَّعَى مَا يُشْبِهُ أُجْرَتَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُطُّ عَنْ نَفْسِهِ بِهَا شَيْئًا، وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِيَحُطَّ عَنْ نَفْسِهِ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ سُرِقَ مِنِّي وَلَمْ أَدْفَعْهُ إلَيْك، وَقَالَ بَلْ اسْتَعْمَلْتَنِيهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَحَالَفَانِ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ خُذْهُ مَعْمُولًا وَادْفَعْ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْعَامِلِ خُذْهُ وَادْفَعْ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَةِ عَمَلِهِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ مَتَاعِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ، أَوْ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الصَّبَّاغُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ صَاحِبِ الثَّوْبِ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ وَالصَّبَّاغُ بِمَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالصَّبْغِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْغَيْرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ وَالْعَامِلُ مُدَّعٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَعَدِّي الْعَامِلِ أَدَّتْهُمَا الْإِبَايَةُ إلَى الشَّرِكَةِ كَاَلَّذِي يَبْنِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّ

(ص) : (قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الصَّبَّاغِ يَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّوْبَ فَيُخْطِئُ بِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى رَجُلٍ آخَرَ حَتَّى يَلْبَسَهُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى الَّذِي لَبِسَهُ وَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وَذَلِكَ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَإِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ ثَوْبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّانِعَ مُدَّعٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الثَّوْبِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي التَّحَالُفِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ اخْتَارَ رَبُّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَيُعْطِيَهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الصَّبْغِ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى الصَّانِعُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَدَّى ذَلِكَ رَبُّ الثَّوْبِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الصَّبْغِ مِثْلَ مَا ادَّعَى الصَّانِعُ حَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ وَيُؤَدِّي قِيمَةَ الصَّبْغِ فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَضْمَنَهُ فَإِنْ طَاعَ الصَّبَّاغُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ فَلَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَبَى تَحَالَفَا وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّ الصَّانِعَ مُدَّعٍ فَيَحْلِفُ رَبُّ الثَّوْبِ أَنَّهُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى دَفْعِ قِيمَةِ الثَّوْبِ هَذَا قَوْلُ الصَّقَلِّيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ مِنْ شُيُوخِنَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْكِتَابِ يَقْتَضِي التَّحَالُفَ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَعَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ يَثْبُتُ التَّخْيِيرُ قَبْلَ التَّحَالُفِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْلَى وَهُوَ أَنْ يُبْدَأَ بِأَيْمَانِهِمَا قَبْلَ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بَعْدَ الْأَيْمَانِ فَحَلَفَ أَوَّلًا رَبُّ الثَّوْبِ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الصَّبْغِ وَيَحْلِفُ الصَّانِعُ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ التَّعَدِّي فَإِذَا كَمُلَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بُدِئَ بِتَخْيِيرِ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ، وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الصَّبَّاغَ يَضْمَنُ مَا أَخْطَأَ بِهِ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي بَعْضُهَا لِلْقَابِضِ لَهَا يَقْتَضِي ضَمَانَ الصُّنَّاعِ مِمَّا ضَاعَ عِنْدَهُمْ مِمَّا قَبَضُوهُ عَلَى مَا نُفَسِّرُهُ بَعْدَ هَذَا وَضَمَانُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا: وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ وَإِذْ لَا غِنَى بِالنَّاسِ عَنْهُمْ كَمَا نُهِيَ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي لِلْمَصْلَحَةِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ ضَمِنَ الْأَكْرِيَاءُ الطَّعَامَ خَاصَّةً لِلْمَصْلَحَةِ وَمَا أَدْرَكْتُ الْعُلَمَاءَ إلَّا وَهُمْ يُضَمِّنُونَ الصُّنَّاعَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَنَظَرٌ لِلصُّنَّاعِ وَأَرْبَابِ السِّلَعِ وَفِي تَرْكِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى إتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ بِالنَّاسِ ضَرُورَةً إلَى الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ أَنْ يَخِيطَ ثَوْبَهُ أَوْ يُقَصِّرَهُ، أَوْ يُطَرِّزَهُ، أَوْ يَصْبُغَهُ فَلَوْ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الصُّنَّاعِ فِي ضَيَاعِ الْأَمْوَالِ لَتَسَرَّعُوا إلَى دَعْوَى ذَلِكَ وَلَلَحِقَ أَرْبَابَ السِّلَعِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِمْ الْمَتَاعَ فَلَا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ مَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ لَا يَدْفَعُوهُ فَيَضْرِبُهُمْ فَكَانَ تَضْمِينُهُمْ خِلَافًا لِلْفَرِيقَيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لِلْأَخْذِ بِعَقْدٍ مُتَقَدِّمٍ فَلَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَلَفِهَا كَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَرَطَ الصَّانِعُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَنْفَعْهُ الشَّرْطُ. وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلضَّمَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالشَّرْطِ كَشَرْطِهِ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ شَرَطَ الضَّمَانَ فِيمَا يُسْقِطُ عَنْهُ الضَّمَانَ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ تَلَفِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفَعَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَصْدِيقُهُ فِي الضَّيَاعِ وَمِنْ شَرْطِ التَّصْدِيقِ نَفْعُهُ كَمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الِاقْتِضَاءِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ ضَامِنٌ مَعَ الْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْطَى ثَوْبَهُ لِصَانِعٍ يَعْمَلُ فِيهِ فَقَالَ يَكُونُ عِنْدِي حَتَّى آتِي فَأُعَامِلَك فِيهِ فَيَضِيعَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْعَمَلِ لَا عَلَى الْأَمَانَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرَكَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرَكِ قَوْلَانِ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُ الصَّانِعُ الْخَاصَّ وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُهُ إلَى مَكَانِهِ يَصْنَعُ فِيهِ وَاَلَّذِي يَعْمَلُ فِي حَانُوتِهِ هُوَ الْمُشْتَرَكُ قَالَ وَقَالَهُ كُلَّهُ أَصْبَغُ وَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْخَاصِّ الَّذِي يَعْمَلُ عِنْدَك فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْخَاصِّ الَّذِي لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ، وَإِنَّمَا عَمِلَ بِهَذَا خَاصَّةً فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ عِيسَى مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى رَجُلٍ يُقَصِّرُهُ، أَوْ يَخِيطُهُ، أَوْ يُرَقِّعُهُ فَضَاعَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ إذَا لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَهُ صَانِعًا وَهُوَ كَالْأَمِينِ حَتَّى يَنْصِبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ فَيَضْمَنَ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْخَاصَّ هُوَ مَنْ عَمِلَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ حَرْقٍ، أَوْ فَسَادٍ إلَّا أَنْ يَغِرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَيَضْمَنَ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ صَانِعٌ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى حُكْمِ ضَمَانِ الصُّنَّاعِ كَالْمُشْتَرَكِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ قَابِضٍ لِمَا يَصْنَعُ فِيهِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ بِالْيَدِ كَمَا لَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الصَّانِعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ عَمِلُوهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَإِنَّهُمْ ضَامِنُونَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ مِنْ عَمَلٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ صَانِعٌ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِ مَا قَبَضَهُ لِلْعَمَلِ فَكَانَ ضَامِنًا كَمَا لَوْ عَمِلَهُ بِأَجْرٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَضْمَنُ الصَّانِعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَمَرَ الثَّوْبَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ فَقَطَّهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَعَدٍّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّانِعَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِمَّا لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَإِذَا أَصَابَهُ أَمْرٌ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَصْدَهُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ يَعْمَلُ مَعَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ مَا أَصَابَهُ مِنْ عَمَلِ صَاحِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ الصَّانِعِ فَهُوَ مِنْهُ، وَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْهُمَا يَلْزَمُ الصَّانِعَ نِصْفُ مَا نَقَصَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِمَا لَكَانَ مِنْهُمَا فَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا أَصْلَحَ فِيهِ الْيَسِيرُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَجْرٍ مِثْلِ فَصِّ خَاتَمٍ وَرُقْعَةِ ثَوْبٍ، أَوْ زِرِّهِ، أَوْ سَيْرٍ فِي قِلَادَةٍ بِقِيمَتِهِ إذَا أَسْلَمَ ذَلِكَ إلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَمِنُوا مَا أَسْلَمَ إلَيْهِمْ لِلضَّرُورَةِ الْعَامَّةِ فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِذَا أَفْسَدَ الْخَيَّاطُ، أَوْ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ فَسَادًا يَسِيرًا، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُخْتَصَرِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ أَنْ يَرْفَأَهُ يُقَالُ مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ صَحِيحًا وَمَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَرْفُوًّا فَيَغْرَمُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَثُرَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهُ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَفْسَدَهُ بِخِيَاطَةٍ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَهُ صَحِيحًا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَا يَضْمَنُ مَنْ دُفِعَتْ إلَيْهِ لُؤْلُؤَةٌ لِثَقْبِهَا إذَا كُسِرَتْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ يَخْرِمُ مَوْضِعَ الثَّقْبِ، وَلَوْ تَعَدَّى الثُّقْبَ لَضَمِنَ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْسُ تُدْفَعُ لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَالرُّمْحُ لِمَنْ يُقَوِّمُهُ وَالْفَصُّ لِمَنْ يَنْقُشُهُ وَالدَّابَّةُ يُسْرِجُهَا الْبَيْطَارُ وَالسَّيْفُ يُقَوِّمُهُ الصَّقَّالُ فَيَنْكَسِرُ ذَلِكَ كُلُّهُ، أَوْ الْمَرِيضُ يُسْقَى الدَّوَاءَ، أَوْ يَكْوِيهِ الطَّبِيبُ فَيَمُوتُ مِنْ كيه، أَوْ الْخَاتِنُ يَخْتِنُ الصَّبِيَّ فَيَمُوتُ مِنْ خِتَانَتِهِ، أَوْ الْحَجَّامُ يَقْلَعُ الضِّرْسَ فَيَمُوتُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا كُلِّهِ الْغَرَرُ فَصَاحِبُهُ إذَا أَذِنَ فِي الْعَمَلِ وَعَمِلَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْعَمَلِ فَقَدْ عَرَضَهُ لِمَا حَدَثَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي أَوْ بِتَلَفٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ وَلَا تَلَفٍ مَجْهُولٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ فِي الْفَرَّانِ لَا يَضْمَنُ مَا أَحْرَقَ مِنْ الْخُبْزِ وَالْغَزْلِ؛ لِأَنَّ احْتِرَاقَهُ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ مِنْ غَلَبَةِ النَّارِ إلَّا أَنْ يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفَرِّطَ فَيَضْمَنَ، وَذَلِكَ إذَا غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَقَدْ تَعَدَّى مَنْ تَنَاوَلَ مَا لَا يُحْسِنُ، وَقَدْ فَسَدَ بِسَبَبِهِ وَعَمَلُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَالْفَرَّانُ إذَا غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْخُبْزَ وَفَرَّطَ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ التَّعَدِّي الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ، وَأَمَّا الْخَيَّاطُ تُفْسِدُ الثَّوْبَ خِيَاطَتُهُ وَالطَّاحِنُ يُفْسِدُ الْقَمْحَ طَحِينُهُ فَإِنَّ الْفَسَادَ مِنْ سَبَبِهِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْخُبْزِ لَوْ كَانَ احْتِرَاقُهُ بِسَبَبِهِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَضَمِنَ،. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَوْ احْتَرَقَ بِتَضْيِيعٍ مِنْهُ، أَوْ عَبَثٍ فِي وَقِيدٍ لَضَمِنَ، وَكَذَلِكَ فِي اللُّؤْلُؤَةِ إذَا تَنَاوَلَ ثُقْبَهَا مَوْضِعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْخَرَمَتْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ، وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَنَاوَلَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ. (فَرْعٌ) إذَا كَمُلَ ذَلِكَ فَنَرْجِعُ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى الصَّانِعِ فِي ضَمَانِ الثَّوْبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ ضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي، وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ كَمَالِ الصَّنْعَةِ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَمَامِ الصَّنْعَةِ فِيهِ ثُمَّ تَلِفَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضَيَاعِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْعَمَلَ إلَى صَاحِبِهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْعَمَلَ لَمَّا صَارَ فِي الثَّوْبِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا مِنْ صَاحِبِهِ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِيمَا يَمْلِكُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ عِوَضُ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حُصُولَ الصَّنْعَةِ فِي الثَّوْبِ لَيْسَ بِقَبْضٍ لَهَا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ لَهَا بِرُجُوعِ الثَّوْبِ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَمَامِ الصَّنْعَةِ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْعِوَضُ مِنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ادَّعَى الْفَرَّانُ احْتِرَاقَ الْخُبْزِ بِغَلَبَةِ النَّارِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْفَرَّانِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْخُبْزِ، أَوْ الْغَزْلِ مَا يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ خُبْزُ ذَلِكَ الرَّجُلِ، أَوْ غَزْلُهُ فَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ أَصْلًا وَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِقَوْلِهِ أَنَّهُ احْتَرَقَ لَضَمِنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى ضَيَاعًا وَتَلَفًا غَيْرَ مَعْلُومٍ فَهُوَ عِنْدِي عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ وَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزُ بَاقِيًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ غَلَبَتْهُ النَّارُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَصَاحِبُهُ مُدَّعٍ التَّعَدِّيَ قَالَ ذَلِكَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي ثُقْبِ اللُّؤْلُؤَةِ ثُمَّ قَالَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صَاحِبِ صَنْعَةٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَرْضِ الْفَأْرِ وَلَحْسِ السُّوسِ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الثَّوْبِ تَضْيِيعَ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِي ذَلِكَ وَالْقَصَّارُ مُصَدَّقٌ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ لَا يُلْزَمُ بِالدَّعْوَى. (فَرْعٌ) وَلَوْ تَلِفَ الْخُبْزُ عِنْدَ الْفَرَّانِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ لَهُ ضَامِنٌ وَقَدْ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ صَاحِبُهُ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَوْ تَرَكَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْفَرَّانُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ فَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ وَالْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَ خُبْزَتِهِ وَلْيُعْطِهِ مِثْلَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ أَصْغَرَ مِنْ خُبْزَتِهِ وَلَا يَأْخُذُ أَكْبَرَ مِنْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَأْخُذُ غَيْرَ خُبْزَتِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ أَنَّ الْفَرَّانَ ضَامِنٌ لِلرَّجُلَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخَاتِنُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَوْتِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يُخْطِئَ بِقَطْعِ الْحَشَفَةِ، أَوْ بَعْضِهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ وَمَا قَصُرَ عَنْ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ وَغَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ الطَّبِيبُ وَقَالِعُ الضِّرْسِ وَالْبَيْطَارُ وَيُعَاقَبُونَ مَعَ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا ادَّعَى الصَّانِعُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَتَاعِ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ سُرِقَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَهَابِ الْمَتَاعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَرَقَ بَيْتُهُ وَرَأَى ثَوْبَ الرَّجُلِ يَحْتَرِقُ فِيهِ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ هُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ قَالَ مُحَمَّدٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ النَّارَ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ، أَوْ سَيْلٌ يَأْتِي، أَوْ يَنْهَدِمُ الْبَيْتُ فَهَذَا وَشَبَهُهُ يَسْقُطُ فِيهِ الضَّمَانُ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَرْضِ الْفَأْرِ، وَادَّعَى صَاحِبُ الثَّوْبِ بِتَعَدِّي الصَّانِعِ وَتَضْيِيعِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ الصَّانِعُ مُصَدَّقٌ وَالتَّعَدِّي لَا يَلْزَمُ بِدَعْوَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، فَعَلَى هَذَا فَفِيمَا أَشْكَلَ وَجْهُ سَبَبِهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّانِعَ ضَامِنٌ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ التَّعَدِّيَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ فَوَجَبَ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمُهُ بِالتُّهْمَةِ فِي حَقِّ الصَّانِعِ أَصْلُ ذَلِكَ الْمَغِيبِ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ التَّعَدِّيَ لَا يَثْبُتُ بِالدَّعْوَى وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ التَّلَفَ ظَاهِرٌ وَهُوَ تَبَرُّؤٌ مِنْ سَبَبِ الضَّمَانِ الَّذِي هُوَ الْمَغِيبُ عَلَى الْمَصْنُوعِ، وَهَذَا فِيمَا أَشْكَلَ وَجْهُ سَبَبِهِ، وَتَيَقُّنُ السَّبَبِ كَالْحَرْقِ وَقَرْضِ الْفَأْرِ، وَأَمَّا إذَا أَشْكَلَ السَّبَبُ نَفْسُهُ فَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ غَيْرُهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْفَأْرِ يَقْرِضُ الثَّوْبَ عِنْدَ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ يَعْلَمُ فِي مَسْأَلَتِك أَنَّ الْفَأْرَ قَرَضَهُ يَضْمَنُ الْقَصَّارُ حَتَّى يَقُومَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْفَأْرَ قَرَضَهُ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ إلَيْهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ فَلَا يَضْمَنُ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي قَرْضِ الْفَأْرِ وَلَحْسِ السُّوسِ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ فَالصَّانِعُ ضَامِنٌ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَرْضُ فَأْرٍ، أَوْ لَحْسُ سُوسٍ وَلَمْ يَكُنْ ضَيَّعَ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَوْلَ مَالِكٍ وَهُوَ الضَّمَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا جَعَلَ الْخَيَّاطُ وَجْهَ الثَّوْبِ إلَى دَاخِلٍ فَإِنَّهُ يَفْتُقُهُ وَيُعِيدُهُ فَإِنْ كَانَ الْفَتْقُ يَنْقُصُهُ خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبْضِهِ، أَوْ يَأْمُرُهُ بِفَتْقِهِ وَإِعَادَةِ خِيَاطَتِهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ يَنْقُصُهُ وَيُمْنَعُ لِبَاسُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ مَقْصُودِ الْجَمَالِ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَطَاعُ تَغْيِيرُهُ وَاسْتِدْرَاكُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ الثَّوْبَ لَزِمَهُ اسْتِدْرَاكُهُ وَإِزَالَةُ مَا دَخَلَ مِنْ الْفَسَادِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَنْقُصُهُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ دَفَعَ النَّقْصَ عَنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَخْرَجَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ أَسْوَدَ رَدِيئًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ حَتَّى يُجَوِّدَهُ فَإِنْ كَانَ رَدُّهُ يُفْسِدُهُ بِأَنْ يَسْتَرْخِيَ وَيُنَكَّسَ وَجْهُهُ وَخِيفَ أَنْ يَحْتَرِقَ فَلَا يَرُدُّهُ وَيَنْظُرُ فَإِنْ أَفْسَدَهُ بِذَلِكَ فَسَادًا بَيِّنًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَسْمَرَ يُرِيدُ عِنْدِي يَوْمَ قَبْضِهِ خَامًا، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ يَسِيرًا أَعْطَاهُ رَبُّهُ قِيمَةَ الْعَمَلِ الرَّدِيءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ شَرْطَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِدْرَاكَ تَبْيِيضِهِ إذَا أَمْكَنَ مِنْ غَيْرِ إفْسَادِ الثَّوْبِ لَزِمَهُ عَمَلُهُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ الْأَوَّلَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ لَمْ يُتِمَّهُ بَعْدُ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِإِفْسَادِ الثَّوْبِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ، أَوْ يَأْخُذَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي إنْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَهُ، وَقَالَ فِي الْفَسَادِ الْيَسِيرِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَمَلِ الرَّدِيءِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ خِيَارًا فِي تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كِيلَ الْقَمْحُ عَلَى الطَّحَّانِ وَأَسْلَمَ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ ضَامِنٌ لَهُ قَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ تَضْمِينُهُ خَفِيفًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّنَّاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَمَّالِينَ فَهُوَ ضَامِنٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَمَّالَ الْمُنْفَرِدَ لِحَمْلِ الطَّعَامِ هُوَ ضَامِنٌ لَهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ضَامِنٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْطَى قَدْرَ مَا نَقَصَ دَقِيقًا عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالْكَيْلِ فَيُعْطَى مِنْ كَيْلِ الدَّقِيقِ مَا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَيْهِ بِالطَّحْنِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقَمْحِ وَلِلطَّحَّانِ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَيْهِ قَمْحُ مِثْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى طَحْنِ الْقَمْحِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِقَمْحِ مِثْلِهِ وَيَطْحَنُهُ وَتَكُونُ لَهُ الْأُجْرَةُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَضْمَنُ قَمْحًا مِثْلَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ طَحْنُهُ وَسَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ اُخْتُصَّتْ بِتِلْكَ الْعَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقَمْحِ فِي الطَّحْنِ، أَوْ لِأَنَّ الضَّيَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الطَّحَّانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا طَحَنَ الطَّحَّانُ الْقَمْحَ عَلَى النَّقْشِ فَأَفْسَدَهُ بِالْحِجَارَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ أَشْهَبَ عَلَيْهِ قَمْحُ مِثْلِهِ، وَقَالَ بِهِ أَصْبَغُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَفْسَدَ الْحَائِكُ الثَّوْبَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَضْمَنُ الْغَزْلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَجَدَ مِثْلَ الْغَزْلِ الْحَائِكُ أَتَاهُ بِهِ وَعَلَيْهِ عَمَلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَوْمَ يَقْبِضُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا هَذَا الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَضْمَنُ الْحَائِكُ؛ لِأَنَّهُ نَسَجَهُ لَهُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ الْعَرْضِ وَالطُّولِ الَّذِي شَرَطَهُ لَهُ قِيمَةُ غَزْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ، وَمَنْ اسْتَهْلَكَ غَزْلَ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ ثَوْبًا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ الْغَزْلُ وَقَالَ غَيْرُهُ أَصْلُ الْغَزْلِ الْوَزْنُ فَعَلَى مَنْ تَعَدَّى فِيهِ مِثْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ غَالِبًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ، وَإِنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الثَّوْبِ الَّذِي تَلْزَمُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَزْلَ يَتَعَذَّرُ فِيهِ التَّمَاثُلُ لِاخْتِلَافِ أَصْلِهِ وَلِاخْتِلَافِ الصَّنْعَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَقَارَبُ فَلِذَلِكَ عَدَلَ فِيهِ الْقِسْمَةُ، وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا كَمَا عَدَلَ فِي الثَّوْبِ إلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ مَذْرُوعًا لَكِنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ جِنْسُ أَصْلِهِ فِي الْجَوْدَةِ وَكَانَتْ صِنَاعَتُهُ مُخْتَلِفَةً مُتَفَاوِتَةً وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى تَمَاثُلِهِ مِنْ جِهَةِ الذَّرْعِ عُدِلَ إلَى الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ بِالْمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْغَيْرُ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ الْوَزْنُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَائِمَةٌ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ وَيَأْتِي بِغَزْلِ مِثْلِهِ فَيَنْسِجُهُ لَهُ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ غَزْلٌ مُعَيَّنٌ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْعَيْنُ وَعَدِمَتْ بَطَلَ الْعَمَلُ الْمُخْتَصُّ بِهَا وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ مَا بَنَى عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ عَدَمِ التَّمَاثُلِ فِيهِ وَتَفَاوُتِهِ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ مَا يَعْمَلُ فِيهِ وَتَفَاوَتَ وَعَدِمَتْ الْعَيْنُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْعَقْدِ وَجَبَ نَسْجُهُ كَرَضَاعِ الصَّبِيِّ وَتَعْلِيمِ الْأَعْمَالِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ نَفْسَ الْغَزْلِ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ أَعْطَاهُ الْغَزْلَ لِيَنْسِجَهُ سَبْعًا فِي ثَمَانٍ فَنَسَجَهُ سِتًّا فِي سَبْعٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْحَائِكَ قِيمَةَ غَزْلِهِ، أَوْ يَأْخُذَهُ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَجْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ عَمَلِهِ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا قَالَهُ الْفَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ النَّقْصَ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا الثَّوْبِ عَيْبٌ مِنْ الْعُيُوبِ فِي الْعَمَلِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعِوَضِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّقْصِ مِنْ جُمْلَةِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عِوَضِهِ كَالطَّعَامِ يَنْقُصُ بَعْضَ مَا اشْتَرَى مِنْ مَكِيلِهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْغَيْرِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ فِيمَا شُرِطَ وَأَجْرِ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ فَيَسْقُطُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُسَمَّى قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ. (فَرْعٌ) فَلَوْ زَادَ عَلَى الْأَذْرُعِ الْمَشْرُوطَةِ فَقَدْ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ لَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَيْبٌ وَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَهَذَا حُكْمُ مَا يُعْمَلُ فِيهِ فَأَمَّا ضَيَاعُ مَا لَا يُعْمَلُ فِيهِ عِنْدَ الصُّنَّاعِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ظَرْفٌ، أَوْ مِثَالٌ فَأَمَّا الظَّرْفُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يُسْتَغْنَى عَنْهُ مَا يَعْمَلُهُ وَقِسْمٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مَا يَعْمَلُهُ فَأَمَّا مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ الصَّانِعُ. وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ أَشْهَبَ فِي الثَّوْبِ يُدْفَعُ إلَى الصَّانِعِ فِي مِنْدِيلٍ إنْ كَانَ الثَّوْبُ رَفِيعًا يَحْتَاجُ إلَى وِقَايَةٍ ضَمِنَهُ الصَّانِعُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْهُ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مِنْدِيلَ الثَّوْبِ إذَا ضَاعَ، وَقَدْ ضَاعَ مَلْفُوفًا بِهِ، أَوْ قَدْ زَايَلَهُ إذْ لَا ضَرُورَةَ بِالثَّوْبِ إلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ الْفَرَّانُ مَا ضَاعَ مِنْ صِحَافِ الْخُبْزِ فَارِغَةً، وَلَوْ ضَاعَتْ بِمَا فِيهَا لَضَمِنَهَا مَعَ الْخُبْزِ إذْ لَا غِنَى بِالْخُبْزِ عَنْهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ الْخِلَافُ بَيْنَ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ فِي صِفَةِ الْحَاجَةِ لَا فِي مُرَاعَاةِ الْحَاجَةِ فَعِنْدَ أَشْهَبَ أَنَّ ضَمَانَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى صِيَانَةٍ عَنْ الْحَاجَةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الضَّمَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ بِمُؤَثِّرٍ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ الْمُؤَثِّرَةُ أَنْ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَتَى بِخُفَّيْنِ إلَى خَرَّازٍ يُصْلِحُ أَحَدَهُمَا فَضَاعَا فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَضْمَنُ إلَّا الَّذِي فِيهِ الْعَمَلُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِعَمَلِهِ بِهِ كَالظَّرْفِ الَّذِي يُسْتَغْنَى عَنْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ الظُّرُوفِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ حَبِيبٍ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إذَا ضَاعَ الْقَمْحُ بِقُفَّتِهِ عِنْدَ الطَّحَّانِ، أَوْ ضَاعَ عِنْدَ الْفَرَّانِ لَوْحُ الْخَبَّازِ، أَوْ قَصْعَتُهُ، أَوْ ضَاعَ عِنْدَ الصَّيْقَلِ غِمْدُ السَّيْفِ، أَوْ عِنْدَ الْخَيَّاطِ مِنْدِيلُ الثَّوْبِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَيَضْمَنُ الْمِثَالَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ ضَمَانُ الْمِثْلِ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ لَا يَضْمَنُ الْوَرَّاقُ الْأُمَّ الَّتِي يَكْتُبُ مِنْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمِثَالَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي نَفْيِ ضَمَانِ الظَّرْفِ وَإِثْبَاتِهِ فِي الْمِثَالِ أَنَّ الظُّرُوفَ لَا يَتَعَلَّقُ عَمَلُهُ بِهَا فَلَمْ يَضْمَنْهَا وَالْمِثَالُ عَمَلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَ الْمِثَالُ كَالظُّرُوفِ. 1 - (فَصْلٌ) : فَهَذَا حُكْمُ الصُّنَّاعِ وَأَمَّا الْأُجَرَاءُ فَهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ أُجَرَاءُ لِلصُّنَّاعِ وَأُجَرَاءُ لِلْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ فَأَمَّا أُجَرَاءُ الصُّنَّاعِ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَجِيرَ الْقَصَّارِ لَا يَضْمَنُ وَالْقَصَّارُ ضَامِنٌ لِمَا أَفْسَدَهُ أَجِيرُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَضْمَنُ الْأَجِيرُ لِلْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ شَيْئًا، وَهَذَا فِي الْأَجِيرِ الْمُتَصَرِّفِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَصَّارِ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ بِحَائِزٍ لِمَا يَعْمَلُهُ فَأَمَّا إنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَمَلِ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ وَيَحُوزُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ أَشْهَبَ إنْ كَثُرَ عَلَى الْغَسَّالِ الثِّيَابُ فَآجَرَ أُجَرَاءَ فَبَعَثَهُمْ إلَى الْبَحْرِ بِالثِّيَابِ فَيَدَّعُونَ تَلَفَهَا أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ، وَكَذَلِكَ أُجَرَاءُ الْخَيَّاطِ يَتَصَرَّفُونَ فِي الثِّيَابِ فَتَتْلَفُ فَهُمْ ضَامِنُونَ، وَقَالَ ابْنُ مَيْسَرَةَ، وَذَلِكَ إذَا آجَرَهُمْ عَلَى عَمَلِ أَثْوَابٍ مُقَاطَعَةٍ فَهَذَا مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُوطِعَ عَلَى عَمَلِهَا فَقَدْ صَارَ لَهُ حُكْمُ الصَّانِعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْمَلُ مُيَاوَمَةً، أَوْ مُشَاهَرَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأُجَرَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُجَرَاءُ لِلْحِفْظِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِالْعَمَلِ، وَقِسْمٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُمْ بِالْعَمَلِ فَأَمَّا مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَمَلِ فَكَصَاحِبِ الْحَمَّامِ يُوضَعُ عِنْدَهُ ثِيَابُ النَّاسِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ قَدْ أَمَرْت صَاحِبَ السُّوقِ أَنْ يُضَمِّنَ أَصْحَابَ الْحَمَّامَاتِ ثِيَابَ النَّاسِ فَيَضْمَنُونَهَا، أَوْ يَأْتُونَ بِمَنْ يَحْرُسُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ بِإِثْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ قَالَ أَيْضًا فِي كِتَابٍ آخَرَ لَا يَضْمَنُونَ، وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُشِيرُونَ إلَّا إلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ يَجْلِسُ لِحِفْظِ ثِيَابِ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَا ضَاعَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ، وَهَذَا الَّذِي أَشَارُوا إلَيْهِ لَيْسَ عِنْدِي مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ؛ لِأَنَّ أُجَرَاءَ الصُّنَّاعِ لَا يَضْمَنُونَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الصَّانِعُ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي حُكْمِ الصَّانِعِ وَصَاحِبُ الْحَمَّامِ لَيْسَ بِأَجِيرٍ مَحْضِ الْإِجَارَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْعَمَلُ وَالصِّنَاعَةُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالِاغْتِسَالِ فَيَضْمَنُ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ فِيهِ مِنْ ثِيَابِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى عَلَى الصَّانِعِ ضَمَانَ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى عَلَيْهِ ضَمَانًا فِي ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ أَجِيرًا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَمَلِ فَيَكُونُ كَالْحَمَّالِ يَسْتَأْجِرُ عَلَى الْحَمْلِ فَيَضْمَنُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَسَرُّعِهِ إلَيْهِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ الْحَمَّالِينَ بِالْخِيَانَةِ فِيهِ وَالتَّسَرُّعِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ وَهُوَ الْمَالِكُ لِأَمْرِهِ وَالْمُسْتَعْمِلُ لَهُ بِالْعَمَلِ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِخِيَانَتِهِ فِيهِ وَالتَّسَرُّعُ إلَيْهِ وَهِيَ ثِيَابُ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَغِيبُهُ عَنْ ثِيَابِهِ إلَى دَاخِلِ الْحَمَّامِ مَغِيبٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمَغِيبِ صَاحِبِ الثِّيَابِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ فِي الطَّحَّانِ يَطْحَنُ الْقَمْحَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ لَا يَضْمَنُ ظَرْفًا وَلَا قَمْحًا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ عَنْ الرَّحَى لِلزَّحْمَةِ فَيَضْمَنُ الْقَمْحَ وَظَرْفَهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرَّانُ فَجَعَلَ الْخُرُوجَ عَنْ الرَّحَى وَالْفُرْنِ مَغِيبًا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَافِظِ الَّذِي لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْعَمَلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَافِظُ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَمَلِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي التَّعَدِّي. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسْتَأْجَرِ لِيَحْرُسَ بَيْتًا، أَوْ خَيْلًا، أَوْ غَنَمًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَنَامُ فَيُسْرَقُ مَا فِي الْبَيْتِ، أَوْ يُذْهَبُ بِالْخَيْلِ، أَوْ الْغَنَمِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَجْرُهُ كَامِلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ الْأَجِيرُ إلَّا مَا ضَيَّعَ أَوْ فَرَّطَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَضْمَنُ جَمِيعَ الْحُرَّاسِ إلَّا بِالتَّعَدِّي كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ كَالْمُودَعِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الرَّاعِيَ الْخَاصَّ لَا يَضْمَنُ وَالْمُشْتَرَكُ يَضْمَنُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَمَنْ أَخَذَ بِهِ فَهُوَ حَسَنٌ فَحَمَلَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ هَاهُنَا أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَجِيرُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَ الْمَبِيعُ، أَوْ ضَاعَ ثَمَنُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحْفِظٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَمَلِ فَلَمْ يَضْمَنْ مَا ضَاعَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ كَالْمُودَعِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ضَمِنَ بِالتَّضْيِيعِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ التَّضْيِيعِ أَنْ يَتْرُكَ مَا وُكِّلَ بِهِ وَيَذْهَبُ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ النَّوْمُ وَالْغَفْلَةُ مِنْ التَّضْيِيعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَأَمَّا مَنْ تَرَكَ حِفْظَ مَا وُكِّلَ بِحِفْظِهِ وَالِاسْتِعْمَالِ لِغَيْرِهِ فَمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْحِفْظُ مَعَهُ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا الْحَارِسُ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لِحِرَاسَتِهِ بِعَمَلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ ضَاعَ مَا اُسْتُحْفِظَ، وَأَمَّا حَامِلُ الْمَتَاعِ أَوْ الطَّعَامِ يَهْلَكُ فِي الطَّرِيقِ بِفِعْلِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، وَكَذَلِكَ مَا يَعْطَبُ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبَبِ السَّفِينَةِ يَهْلَكُ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ لِلْبَيْعِ، أَوْ الشِّرَاءِ يُتْلِفُ السِّلْعَةَ، أَوْ يُتْلِفُ ثَمَنَهَا أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ فَلَا جُعْلَ لَهُ بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَهُوَ أَنْ يُوَصِّلَ إلَيْهِ مَا ابْتَاعَ لَهُ، أَوْ ثَمَنَ مَا بَاعَ لَهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ بَعَثَ مَعَهُ بِخَادِمٍ يَبْلُغُهَا بِجُعْلٍ فَنَامَ فِي الطَّرِيقِ فَذَهَبَتْ أَنَّ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ أَنَّهَا إجَارَةٌ لَيْسَتْ بِجُعْلٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ فِي الطَّرِيقِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهُ بَقِيَّةَ سَفَرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ فَلَا أَجْرَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِهِ وَمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً فَسَخَ الْإِجَارَةَ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ وَجَعَلَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَمَرَّةً أَبْقَاهَا وَجَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ كَامِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيُخْبِرَ بِعَمَلِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ عَمَلٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَعَ عَمَلِهِ عَمَلٌ فَكَالْوَكِيلِ يُخْطِئُ الطَّرِيقَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْكِرَاءُ لَهُ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ بِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ لَهُمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا بَلَغَهُمْ الْبَصِيرُ بِالدَّلَالَةِ، وَقَدْ أَخْطَأَ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا بَلَغَهُمْ إلَى أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ خَطَئِهِ، وَإِنْ غَرَّهُمْ وَهُوَ جَاهِلٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِخَيَّاطٍ إنْ كَسَانِي هَذَا الثَّوْبُ اشْتَرَيْتُهُ فَقَالَ يَكْسُوكِ فَلَمْ يَكْسُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الشِّرَاءُ لَهُ لَازِمٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْخَيَّاطِ وَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا إنْ كَانَ بَصِيرًا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَخْمِينِهِ إذَا غَرَّ بِجَهْلِهِ فَقَالَ يَضْمَنُ، وَقَالَ لَا يَضْمَنُ وَلَا أَجْرَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ الْمَدَنِيُّ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَنْقُدُ مَالًا فَوَجَدَ فِيهِ رَدِيئًا إنْ كَانَ بَصِيرًا، وَهَذَا الرَّدِيءُ مِمَّا يُخْتَلَفُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ لِبَيَانِ فَسَادِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِيمَا كَانَ يُدْرِكُهُ لَوْ اجْتَهَدَ فَلَوْ كَانَ جَاهِلًا غُرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الرَّدِيءُ بَيِّنًا لَا يَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ ضَمِنَ وَعُوقِبَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُخْتَلَفُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُجْرَتُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَا غُرْمَ عَلَى اللَّابِسِ وَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَذَلِكَ إذَا لَبِسَهُ أَيَّامًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْلَاهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي النَّوَادِرِ، وَإِنْ دَفَعَ الصَّبَّاغُ ثَوْبَ هَذَا إلَى هَذَا وَثَوْبَ هَذَا إلَى هَذَا فَإِنْ لَبِسَاهُمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى خَلِقَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ قِيمَةَ الثَّوْبِ الَّذِي لَبِسَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُقَا غَرِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ الثَّوْبُ الَّذِي لَبِسَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَسَّالِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُغَرِّمَ اللَّابِسَ، أَوْ الْغَسَّالَ فَإِنْ أَغْرَمَ اللَّابِسَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَسَّالِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ أَغْرَمَ الْغَسَّالَ رَجَعَ عَلَى اللَّابِسِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى الْغَسَّالِ مِنْ أَنَّ اللَّابِسَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ سَلَّطَهُ عَلَى لُبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَبَغَهُ لِيَلْبَسَهُ فَإِذَا رَدَّهُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ ثَوْبُهُ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى لُبْسِهِ وَالثَّوْبُ يَتَغَيَّرُ بِالْعَمَلِ فَلَمْ يُمَيِّزْهُ صَاحِبُهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لَلَحِقَ النَّاسَ الْمَشَقَّةُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ لُبْسِ ثِيَابِهِمْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مَا فِي حَالِ اللَّابِسِ أَنَّهُ مُخْطِئٌ بِإِتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالْإِتْلَافُ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ اللَّابِسِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالضَّمَانِ فَلَوْ تَعَذَّرَ وُجُودُهُ، أَوْ أَفْلَسَ لَكَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَسَّالِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ إتْلَافِ ثَوْبِهِ بِدَفْعِهِ إلَى مَنْ أَتْلَفَهُ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَتِهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا لَا يَضْمَنُ اللَّابِسُ مَا أَتْلَفَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ الْمَلْبُوسِ دِينَارَيْنِ وَقِيمَةُ الْآخَرِ دِينَارًا نَظَرَ كَمْ يَنْقُصُ ثَوْبُهُ عَنْ الثَّانِي إنْ لَوْ لَبِسَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ نِصْفَ دِينَارٍ، وَقَدْ نَقَصَ مِنْ الْمَلْبُوسِ دِينَارٌ كَانَ عَلَى اللَّابِسِ الَّذِي لَمْ يَلْبَسْ ثَوْبَهُ نِصْفُ دِينَارٍ وَنِصْفٌ آخَرُ عَلَى الْغَسَّالِ، وَإِنْ كَانَ الْمَلْبُوسُ نَقَصَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ فَلَيْسَ عَلَى اللَّابِسِ إلَّا ذَلِكَ الْأَقَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَسَّالِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَلْبُوسِ دِينَارًا وَقِيمَةُ الَّذِي لَمْ يَلْبَسْ دِينَارَيْنِ وَكَانَ ثَوْبُ اللَّابِسِ لَوْ لَبِسَهُ ذَلِكَ نَقَصَ نِصْفَ دِينَارٍ، وَقَدْ نَقَصَ الْمَلْبُوسُ رُبْعُ دِينَارٍ غَرِمَ اللَّابِسُ رُبْعَ دِينَارٍ إلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيمَةِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ نِصْفَ دِينَارٍ فَلَا يَغْرَمُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَوْ لَبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يَرْجِعُ مَنْ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْغَسَّالِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَرَجَعَ هَذَا التَّفْسِيرُ إلَى أَنَّ اللَّابِسَ إنَّمَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِتَلَفِ لِبَاسِهِ مِنْ ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَبِسَ هَذَا الثَّوْبَ فَيُقَالُ لَهُ هَبْكَ أَنَّك لَبِسْت ثَوْبَك عَلَيْك عِوَضَ مَا كَانَ يَنْقُصُهُ لُبْسُك؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ يُسَلَّمُ إلَيْك لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ مِنْ ثَوْبِك فَعَلَيْك ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى الْغَسَّالِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَتْلَفَ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الثَّوْبِ الَّذِي لَبِسَ، وَأَمَّا قَدْرُ مَا كَانَ يُتْلِفُهُ مِنْ ثَوْبِهِ لَوْ لَبِسَهُ فَلَيْسَ بِمَعْنَى الْغُرْمِ الَّذِي وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا بَقِيَ مِنْ ثَوْبِهِ لَمْ يَذْهَبْ بِلُبْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَمَعْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ فِي الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا لَبِسَهُ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ فَأَمَّا لَوْ قَطَعَهُ فَإِنَّ لِي أَنْ آخُذَ ثَوْبِي وَأُضَمِّنَهُ الْقَصَّارَ دُونَ الَّذِي قَطَعَهُ، أَوْ نَقَصَهُ الْقَطْعُ أَوْ الْخِيَاطَةُ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ آخُذَ ثَوْبِي وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا نَقَصَتْهُ الْخِيَاطَةُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلْخِيَاطَةِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَ الْقَصَّارُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الثَّوْبَ مِمَّنْ قَطَعَهُ يُجْبَرُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ مَا نَقَصَتْهُ الْخِيَاطَةُ وَالْغَاصِبُ يَرُدُّ مَا قَطَعَ وَمَا يَنْقُصُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَمَنْ وَجَدَ بِثَوْبٍ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ قَطَعَهُ رَدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى رَدِّهِ بَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَأَخْذُ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخَذَهُ قَدْ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَصَّارَ ثَوْبَهُ غَيْرَ مَقْصُورٍ أَوْ يَأْخُذَهُ وَيَغْرَمُ خِيَاطَتَهُ وَيُعْطِي الْقَصَّارَ أَجْرَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَجْرِ الْخِيَاطَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَبَى صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَدْفَعَ أُجْرَةَ الْخِيَاطَةِ فَلِلَّذِي خَاطَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ مَخِيطًا فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ، أَوْ يُضَمِّنَ الْقَصَّارَ قِيمَتَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا أَبَى صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ دَفْعِ أُجْرَةِ الْخِيَاطَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ الْقَصَّارَ فَإِنْ ضَمِنَهُ قِيلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْقَصَّارِ ادْفَعْ أُجْرَةَ الْخِيَاطَةِ لِلَّذِي خَاطَهُ وَخُذْهُ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْآخَرِ ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ الثَّوْبِ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ هَذَا بِقِيمَةِ الثَّوْبِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ الْخِيَاطَةِ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَإِنْ لَبِسَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ ثَوْبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ لُبْسُهُ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ قَالَهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَسَّالِ إلَّا أَنْ يُعْدِمَ اللَّابِسُ فَيَغْرَمُ الْغَسَّالُ وَيَتْبَعُهُ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ لَبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثَّوْبَ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ عَالَمِينَ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَةُ اللُّبْسِ وَرَجَعَ مَنْ لَهُ فَضْلٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ اسْتَوَتْ لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ فِيهِ عَمَلًا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كُلَّ مَا يُعْرَفُ صِفَةُ خُرُوجِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَشْتَرِطَ عَلَى الْبَائِعِ عَمَلَهُ كَالنَّعْلِ عَلَى أَنْ يَخْرِزَ وَالْقَمِيصِ عَلَى أَنْ يُخَاطَ وَالْقَلَنْسُوَةِ عَلَى أَنْ تُعْمَلَ وَالْقَمْحِ عَلَى أَنْ يُطْحَنَ، وَقَدْ فَرَضَ مَالِكٌ الْقَمْحَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَ النُّحَاسَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ تَوْرًا وَقِيلَ لِسَحْنُونٍ قَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شِرَاءِ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ قَمِيصًا وَالظِّهَارَةَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهَا جُبَّةً وَالْحَدِيدَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَهُ قِدْرًا، أَوْ عُودًا يَنْحِتُهُ سَرْجًا وَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، وَقَدْ جَرَى فِي مَسَائِلِ مَالِكٍ فِي الْغَزْلِ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ وَالزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ أَنَّهُ كَرِهَهُ، قَالَ إنَّمَا خَفَّفَهُ مَالِكٌ فِي الطَّحِينِ وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ عَمَّرَهُ أَيْضًا مَالِكٌ فِي الْغَزْلِ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ وَالزَّيْتُونِ عَلَى عَصْرِهِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ خَفَّفَهُ وَكُلُّ بَيْعٍ مَعَ إجَارَةٍ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ فَإِجَارَة وَكُلُّ بَيْعٍ وَشَرِكَةٍ دَاخِلَةٍ فِي الْمَبِيعِ فَأَجِزْهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْهُ فَلَا تُجِزْهَا فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يُجْهَلُ صِفَةُ الْخَارِجِ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِيمَا تُعْرَفُ صِفَةُ الْخَارِجِ مِنْهُ الْقَوْلَانِ الْمَنْعُ وَالْإِجَازَةُ الْمَعْرُوفَةُ، وَجْهُ الْإِجَازَةِ بِصِفَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ فِي غَيْرِهِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ مَبِيعٌ مُعَيَّنٌ لَا يَقْبِضُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ يَخَافُ ضَيَاعَهُ فِيهَا فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَتَلِفَ الثَّوْبُ بِيَدِ الْخَيَّاطِ، فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَضْمَنُ الْخَيَّاطُ وَيُحَطُّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَطَحْنِ الْقَمْحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مِمَّنْ يَعْمَلُ تِلْكَ الصَّنْعَةَ فَيَضْمَنُ كَالصُّنَّاعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُوَ الصَّانِعُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إلَى ضَمَانِ الصَّانِعِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الصَّانِعُ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى صَانِعٍ غَيْرِهِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ وَالْتَزَمَ إتْمَامَ الصِّنَاعَاتِ فِيمَا دُونَ أَنْ يَتَوَلَّى عَمَلَهَا، وَإِنَّمَا يَدْفَعُهَا إلَى الصُّنَّاعِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَمَلِ وَلَا مَعْرُوفًا بِتَنَاوُلِهِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الَّذِي بَاعَ الثَّوْبَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْخَيَّاطِ قَدْ الْتَزَمَ خِيَاطَتَهُ بِأُجْرَةٍ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خِطْتَهُ فَادْفَعْهُ إلَى غَسَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَاعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ خِيَاطَتَهُ، أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْغَسَّالِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِذَا قَالَ ضَاعَ عِنْدَ الْغَسَّالِ صُدِّقَ كَمَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ رَدَدْته عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ وَيُضَمِّنُهُ الْغَسَّالُ إنْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ. وَيَجِيءُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ لَا يُصَدَّقَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ رَدَدْته إلَيْك كَانَ يَجِبُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي قَوْلِهِ دَفَعْته إلَى الْغَسَّالِ إذَا أَنْكَرَ الْغَسَّالُ، وَقَدْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ إذَا قَالَ رَدَدْته إلَيْك كَالْوَكِيلِ يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ رَدَدْته إلَيْك وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ دَفَعْته إلَى الصَّانِعِ إذَا أَكْذَبَهُ الصَّانِعُ وَعَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ حَبِيبٍ هَذِهِ إنْ كَانَ الْتَزَمَ الْخَيَّاطُ الْغَسْلَ فِي ذِمَّتِهِ بِأُجْرَةٍ أَخَذَهَا مَعَ أُجْرَةِ خِيَاطَتِهِ فَهِيَ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ سَحْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا نَابَ فِي تَسْلِيمِهِ إلَى الْغَسَّالِ عَنْ الْمُشْتَرِي إمَّا بِأَنْ وَكَّلَهُ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْغَسَّالِ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا بِأَنْ اسْتَأْجَرَ هُوَ الْغَسَّالَ وَأَذِنَ لِلْخَيَّاطِ فِي تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَحُكْمُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ حُكْمُ الْوَكِيلِ وَحُكْمُهُ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ حُكْمُ مَنْ يَدْفَعُ إلَى

[القضاء في الحمالة والحول وفيه أبواب]

(ص) : (الْقَضَاءُ فِي الْحَمَالَةِ وَالْحَوْلِ) (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُحِيلُ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أَفْلَسَ الَّذِي اُحْتِيلَ عَلَيْهِ، أَوْ مَاتَ فَلَمْ يَدَّعِ وَفَاءً فَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرَّجُلُ يَتَحَمَّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ يَهْلَكُ الْمُتَحَمِّلُ، أَوْ يُفَلِّسُ فَإِنَّ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَكِيلِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَسْأَلَةِ سَحْنُونٍ أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ عَمَلًا لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ فِي عَمَلِهِ بِيَدِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الصُّنَّاعِ وَهُمْ يَتَسَاوُونَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقَضَاءُ فِي الْحَمَالَةِ وَالْحَوْلِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ عَقْدَ الْحَوَالَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ يَقْتَضِي إبْرَاءَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ فَمَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ تَلَفٍ بِمَوْتِهِ، أَوْ تَشَغَّبَ بِفَلْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُحَالِ بِذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ طَرَأَ عَلَى مَا قَدْ صَارَ إلَيْهِ حَالَ سَلَامَتِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَلَا انْتِقَالَ لَهُ عَنْهُ بِمَا يَحْدُثُ فِيهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْعَدَمُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُحِيلُ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَكَتَمَهُ وَغُرَّ مِنْهُ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ مَنْ تَحَمَّلَ لِرَجُلٍ بِمَالٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ إلَى ذِمَّةِ الْمُتَحَمِّلِ وَإِنَّمَا الْحَمِيلُ وَثِيقَةٌ مِنْ حَقِّهِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفْلَسَ الْمُحِيلُ، أَوْ مَاتَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ عَلَى غَرِيمِهِ، وَإِنَّمَا الْحَمَالَةُ مَعْنَاهَا أَنْ يَلْزَمَ الْمُتَحَمِّلَ إحْضَارُ مَا تَحَمَّلَ بِهِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ وَالزَّعَامَةُ وَالضَّمَانُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا قَالَ أَنَا لَك ضَامِنٌ، أَوْ كَفِيلٌ، أَوْ حَمِيلٌ، أَوْ زَعِيمٌ، أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي، أَوْ عَلَيَّ، أَوْ قِبَلِي فَهُوَ كُلُّهُ ضَمَانٌ لَازِمٌ فِي الْحَقِّ وَالْوَجْهِ قَالَ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَهَذَا إنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ لَهَا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَبَيَّنَ، وَأَمَّا إنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَمَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ حَمَالَةٌ بِالْوَجْهِ وَحَمَالَةٌ بِالْمَالِ فَأَمَّا الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ حَمِيلٌ بِوَجْهِ الْغَرِيمِ لِيُطَالِبَ بِالْمَالِ فَنَقُولُ أَنَّهُ وَثِيقَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ فَصَحَّ تَعَلُّقُهَا بِالْوَجْهِ كَالشَّهَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْحَمَالَةُ بِالْوَجْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنْ جَاءَ الْكَفِيلُ بِالْمُتَكَفَّلِ بِهِ بَرِئَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُ مَا تَحَمَّلَ لَهُ مِنْ إحْضَارِ وَجْهِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ لِمَجِيئِهِ بِهِ وَقْتًا فَمَتَى جَاءَ بِهِ بَرِئَ، وَإِنْ ضَرَبَ لِمَجِيئِهِ بِهِ أَجَلًا فَجَاءَهُ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ بَرِئَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ عَلَى مَا شَرَطَ فَوَجَبَ أَنْ يَبْرَأَ، وَلَوْ تَحَمَّلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَنْ يُحْضِرَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَأَحْضَرَهُ مِنْ الْغَدِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ إحْضَارِهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَبْرَأُ بِحُضُورِهِ قَبْلَهُ أَصْلُ ذَلِكَ حُضُورُهُ يَوْمَ الْحَمَالَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِحْضَارِ أَنْ يُحْضِرَهُ الْحَمِيلُ، أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَحْضَرَهُ أَجْنَبِيٌّ وَسَلَّمَهُ إلَى الطَّالِبِ لَمْ يَبْرَأْ بِذَلِكَ الْحَمِيلُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الْغَرِيمُ الطَّالِبَ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ إلَيْهِ عَنْ الْحَمِيلِ لَمْ يَبْرَأْ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ زَادَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَدَفْعِ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَكَّلَهُ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا أَشْهَدَ بِذَلِكَ لَزِمَ الطَّالِبَ وَإِنْ أَبَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّالِبُ قَبُولَهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ فَلِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ فَيَبْرَأَ الْحَمِيلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَرِيمِ وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ فَيَبْرَأَ بِذَلِكَ الْغَرِيمُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِ الْحَمَالَةِ، وَلَوْ شَرْط الْحَمِيلُ عَلَى الطَّالِبِ إذَا لَقِيت غَرِيمَك فَتِلْكَ بَرَاءَتِي فَقَدْ رَوَى حُصَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إنْ لَقِيَهُ بِمَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَقَدْ بَرِئَ وَلَهُ شَرْطُهُ، وَلَوْ لَقِيَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ الْحَمِيلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِحْضَارِ أَنْ يُحْضِرَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ حَيْثُ تُنَفَّذُ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ، وَأَمَّا إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ، أَوْ لَا سُلْطَانَ فِيهِ وَلَا حَاكِمَ، أَوْ حَالَ فِتْنَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ، أَوْ مَوْضِعٍ يَقْدِرُ الْغَرِيمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ قَالَهُ كُلُّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي دَمٍ، أَوْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ بَرِئَ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ قَدْ بَرِئْت إلَيْك مِنْهُ وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَشَأْنَك بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا تَكُونُ الْبَرَاءَةُ بِتَسْلِيمٍ مُتَمَكَّنٍ بِهِ مِنْ طَلَبِ حَقِّهِ، وَأَمَّا بِتَسْلِيمٍ لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ طَلَبِ حَقِّهِ وَاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي شَرَطَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْغَرَضِ مِنْ الْحَمَالَةِ فَلَا يَبْرَأُ بِهِ الْحَمِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الْغَرِيمُ لَسَقَطَتْ الْحَمَالَةُ عَنْ الْحَمِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَمَّلَ لِلطَّالِبِ بِإِحْضَارِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً وَنَفْسُهُ قَدْ ذَهَبَتْ لِمَوْتِهِ وَعُدِمَ بِذَلِكَ شَرْطُ التَّمَكُّنِ مِنْ إحْضَارِهَا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إنْ مَاتَ بِبَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَلْزَمَ الْحَمِيلَ إحْضَارُهُ، أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ حَانَ الْأَجَلُ فَلَمْ يُطْلَبْ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ بِغَيْرِ الْبَلَدِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا أُبَالِي مَاتَ غَائِبًا، أَوْ فِي الْبَلَدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ لَا يَغْرَمُ الْحَمِيلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يَغْرَمُ فِي مَوْتِ الْغَائِبِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا قَرُبَتْ الْغَيْبَةُ، أَوْ بَعُدَتْ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَمَاتَ قَبْلَهُ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ لَجَاءَ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجِيءَ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَالِ بِمَغِيبِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ لَهُ يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى اسْتِيفَاءِ مَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الْمَقْصُودُ الَّذِي اُتُّفِقَ عَلَيْهِ بِمَا تَعَذَّرَ مِنْ إحْضَارِهِ وَهُوَ الْمَالُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَانَ الْأَجَلُ فَطَلَبَ الْحَمِيلُ بِالْغُرْمِ، وَقَدْ غَابَ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَجِّلَ الثَّانِيَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى الطَّالِبِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلْيَغْرَمْ مَكَانَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا غَابَ الْغَرِيمُ قُضِيَ عَلَى الْحَمِيلِ بِالْغُرْمِ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ لِيَطْلُبَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ وَهْبٍ مَنْعَ التَّأْجِيلِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ وَلَا يُمْنَعُ التَّأْجِيلُ الْخَفِيفُ الْقَرِيبُ الْغَيْبَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ إنْ ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ قَرِيبٌ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ بَعِيدٌ دَخَلَتْ مَضَرَّةٌ عَلَى الطَّالِبِ وَفِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يُضْرَبُ لَهُ الْأَجَلُ الْقَرِيبُ رَجَاءَ أَنْ يُحْضِرَهُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهَا عَلَى الطَّالِبِ فَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ وَلَا يُسْتَضَرُّ الطَّالِبُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لِلْغَرِيمِ مَالٌ حَاضِرٌ فَسَأَلَ الْحَمِيلُ أَنْ يُبَاعَ لَهُ فَفِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَهُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ عَلَى مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بِيعَ مَالُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى يَوْمَيْنِ فَلَا وَلْيُكَاتِبْ حَتَّى يَبْعَثَ، أَوْ يَيْأَسَ مِنْهُ فَيُبَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَخَّرُ حَمِيلُ الْمَالِ وَهُوَ كَالْغَرِيمِ نَفْسِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُبَاعُ لَهُ الرِّبَاعُ وَغَيْرُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فِي الرِّبَاعِ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي عَشْرَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ فِيهَا، وَأَمَّا بَيْعُهَا فِي الدَّيْنِ فَقَوْلُهُ أَنَّهَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَوَفَائِهِ، مُخَالَفَةُ الْعُتْبِيَّةِ لِرِوَايَةِ يَحْيَى فِي عَشْرَتِهِ وَمُتَضَمَّنُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي بَيْعِهَا فِي الدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ غَابَ الْغَرِيمُ فَتَلَوَّمَ عَلَى الْحَمِيلِ ثُمَّ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ حَضَرَ الْغَرِيمُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَزِمَهُ الْمَالُ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الْغُرْمِ إنَّ الْغَرِيمَ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَارْتَجَعَ مَالَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ بِمَوْتِ الْغَرِيمِ يَبْرَأُ مِنْ الْحَمَالَةِ فَإِذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْحَمِيلِ بِالْمَالِ أَنَّ الطَّالِبَ إذَا حَكَمَ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ بِحَقِّهِ وَبِمَا عَجَزَ عَنْهُ الْغَرِيمُ ثُمَّ أَيْسَرَ الْغَرِيمُ رَجَعَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ حَمَالَةِ الْوَجْهِ وَهِيَ الْحَمَالَةُ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنَّ شَرْطَ حَمَالَةِ الْوَجْهِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ، أَوْ يَقُولُ لَا أَضْمَنُ لَك إلَّا الْوَجْهَ فَهَذَا لَا يَضْمَنُ إلَّا الْوَجْهَ غَابَ الْغَرِيمُ، أَوْ حَضَرَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ أَفْلَسَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا إحْضَارُهُ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْحَمَالَةِ يَضْمَنُ الْإِحْضَارَ خَاصَّةً وَأَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ طَلَبِهِ وَيُؤْمِنَّهُ مِنْ مَغِيبِهِ فَإِذَا قَيَّدَ الْحَمَالَةَ بِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ حَمَالَتُهُ بِالْمَالِ لَمْ يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا الْتَزَمَ مِنْ الْإِحْضَارِ وَجَازَتْ هَذِهِ الْحَمَالَةُ لِتَعَلُّقِهَا فِي الْجُمْلَةِ بِالْمَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ وَلَوْلَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا طَلَبُ الذِّمَّةِ لَمَا جَازَتْ هَذِهِ الْحَمَالَةُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهَا كَمَنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ دَابَّةً مُعَيَّنَةً يُحْضِرُهَا، أَوْ عَبْدًا يُحْضِرُهُ لَهُ، أَوْ ضَمِنَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ، أَوْ تَعْزِيرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالذِّمَّةِ وَلَا مَالِ إنْ طَلَبَهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَحْضَرَ الْحَمِيلُ بِالْوَجْهِ عَلَى شَرْطِ الْغُرْمِ بَرِئَ، وَإِنْ جَاءَ الْأَجَلُ فَلَمْ يُحْضِرْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إحْضَارُهُ لَا يُكَلَّفُ غَيْرُهُ مَالٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَرَوَى حُسَيْنُ بْنِ عَاصِمٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَجَّلَ فِي طَلَبِهِ آجَالًا كَثِيرَةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ طَلَبِهِ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ فَعَلَى مَا شَرَطَ. (فَرْعٌ) وَإِنْ قَالَ لَهُ الطَّالِبُ هُوَ بِمَوْضِعِ كَذَا فَاخْرُجْ إلَيْهِ فَقَدْ رَوَى حُسَيْنُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِم إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ إلَيْهِ أُمِرَ بِذَلِكَ، وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهُ لَمْ يُكَلِّفْهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَلَا الْغُرْمُ عَنْهُ وَإِنْ عَرَفَ مَكَانَهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ فِيمَا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ عَلَى مَسِيرَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ أَسْفَارِ النَّاسِ فَيَخْرُجُ، أَوْ يُرْسِلُ إلَيْهِ، أَوْ يُغَرَّمُ إلَّا فِي الْبَعِيدِ الْمُتَفَاحِشِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُرَاعَاةُ حَالِ الْحَمِيلِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْفَارِ أَوْ يَضْعُفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى مَا يُطِيقُهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مُرَاعَاةُ مَا يَتَكَلَّفُ مِنْ الْأَسْفَارِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْمَسِيرِ إلَيْهِ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ. (فَرْعٌ) وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ إلَّا أَنْ يَلْقَاهُ فَيَتْرُكَهُ، أَوْ يُغَيِّبَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَرَوَى حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ،. وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا لَقِيَهُ فَتَرَكَهُ ضَمِنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ إحْضَارَهُ دُونَ إحْضَارِ الْمَالِ، وَإِنْ غَابَ عَنْهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ، وَإِنْ تَرَكَ إحْضَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَتْلَفَ عَلَى الرَّجُلِ مَالَهُ حِينَ تَرَكَهُ الْحَمِيلُ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ إحْضَارِهِ ثُمَّ قَصَدَ إلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَسْتُرُهُ فِي بَيْتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْحَمَالَةُ بِالْمَالِ فَمَعْنَاهَا: الْتِزَامُ إيصَالِ الْمَالِ إلَى مَنْ تَحَمَّلَ لَهُ بِهِ وَلَا تَبْرَأُ بِذَلِكَ ذِمَّةُ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ يُبَرِّئُ ذِمَّةَ الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ فَلَمْ يَبْرَأْ بِهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ كَالرَّهْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي الْحَمَالَةِ بِالْمَالِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلِ فِيمَا تَصِحّ بِهِ الْحَمَالَةُ وَتَمْيِيزُهَا مِمَّا لَا تَصِحُّ بِهِ الْحَمَالَةُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ تَصِحُّ الْحَمَالَةُ عَنْهُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ عَنْهُ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا لِلطَّالِبِ مِنْ مُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ وَالْبَابُ الْخَامِسِ فِي رِفْقِ الطَّالِبِ بِالْحَمِيلِ، أَوْ الْغَرِيمِ وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي قَضَاءِ الْحَمِيلِ عَنْ الْغَرِيمِ.

[الباب الأول فيما تصح الحمالة به]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ بِهِ] ِ) الْحَمَالَةُ تَصِحُّ فِي الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهَا مِنْ الْمَجْهُولِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ وَثِيقَةٌ بِحَقٍّ فَصَحَّتْ فِي الْمَجْهُولِ كَالشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَوْصَى وَلَدَهُ أَوْ غَيْرَهُمْ أَنْ يَضْمَنُوا عَنْهُ دَيْنَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ سَمَّى الدَّيْنَ، أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ وَالْغُرَمَاءُ حُضُورٌ، أَوْ غُيَّبٌ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا لَا يَدْرِي كَمْ هُوَ وَتَرَكَ مَالًا مِنْ عَيْنٍ وَعَرْضَ لَمْ يُحْصَرْ وَلَا يَدْرِي كَمْ هُوَ فَتَحَمَّلَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ بِدَيْنِهِ إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ فَعَلَيْهِ وَحْدَهُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَانَ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ نَقْدًا، أَوْ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ صَانَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْفَضْلَ وَعَلَيْهِ النَّقْصَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَارِثُ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ لَمْ أَعْلَمْ بِهِ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ أَدَاءَ دُيُونِهِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَمْ يَخُصَّ مَا يَعْلَمُهُ دُونَ مَا لَا يَعْلَمُهُ وَالْتِزَامُ ذَلِكَ عَنْ الْمَيِّتِ، أَوْ الْمُفْلِسِ جَائِزٌ لَازِمٌ وَالْتِزَامُ الْمَجْهُولِ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَا قَضَى بِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ، أَوْ حَاضِرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ مَنْ أَوْجَبَ الْمَعْرُوفَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ وَالْكَفَالَةُ مَعْرُوفٌ فَلَزِمَتْ لُزُومَ الدَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بَايِعْ فُلَانًا وَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا بِعْته بِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ مَا بَاعَهُ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ الْمُتَحَمِّلُ عَنْهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُرَاعَى فِيهِ أَيْضًا حَالُ الْمُتَحَمَّلِ لَهُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ضَمَانَ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ وَالثَّانِي: أَنَّ ضَمَانَ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ أَلْقِ مَالَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ إطْلَاقَ مِثْلِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ لِبَائِعِ فَاكِهَةٍ يُرِيدُ مُبَايَعَةَ رَجُلٍ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَنَا ضَامِنٌ لِمَا بَايَعْت بِهِ فُلَانًا فَعَامِلْهُ بِثِيَابٍ فُرْقُبِيَّةٍ بَاعَهَا مِنْهُ، أَوْ يَوَاقِيتَ وَجَوَاهِرَ لَهَا الثَّمَنُ الْكَثِيرُ مِنْ آلَافِ الدَّنَانِيرِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ وَلَا ضَمَانَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الْأَثْمَانِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مُبَايَعَةِ مِثْلِهِ فِيمَا يَبْتَاعُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفَكُّهِ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ رَجَعَ الْحَمِيلُ قَبْلَ أَنْ يُعَامِلَهُ الْمُتَحَمِّلُ مِنْهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ لِمَنْ يُخَاصِمُ أَخَاهُ احْلِفْ عَلَى مَا تَدَّعِيه قَبْلَ أَخِي وَأَنَا ضَامِنٌ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَمِيلَ لَمَّا لَمْ يُعَامِلْ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَتَحَمَّلْ شَيْئًا مَاضِيًا وَلَاحِقًا ثَابِتًا، وَإِنَّمَا وَعَدَ بِالْحَمَالَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا وَجَدَ الدَّيْنَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يَلْزَمَ الْحَمَالَةَ بِوُجُودِ الدَّيْنِ، وَاَلَّذِي قَالَ لَهُ: احْلِفْ بِمَا تَدَّعِيه وَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ يَضْمَنُ أَمْرًا قَدْ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ فَكَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُحَقِّقَ وُجُودَهُ فِي الْمَاضِي بِيَمِينِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَضَمَّنَ دَيْنًا مَاضِيًا عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ وُجُودُ الْيَمِينِ الْمُثْبِتَةُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَتَكَفَّلَتْ لَهُ بِمَا أَدْرَكَهُ فِيهَا مِنْ دَرْكٍ لَزِمَهُ ضَمَانُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَجْهُولِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِهَا حَمِيلًا وَلَا تَجُوزُ الْحَمَالَةُ بِكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ الْعِتْقَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ عَجَّلَ عِتْقَهُ عَلَى مَالٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْحَمَالَةُ بِهِ وَمَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ غُرْمِ كِتَابَتِهِ فَغَيْرُ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ وَلَا هُوَ دَيْنٌ ثَابِتٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ فَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ حَمِيلًا لِمُعَيَّنٍ اشْتَرَيْتُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: لِأَنَّ

[الباب الثاني في ذكر ما تصح الحمالة منه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكًا قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ حَمِيلًا بِسِلْعَةٍ غَائِبَةٍ اشْتَرَيْتُهَا بَعِيدَةً كَانَتْ، أَوْ قَرِيبَةً يَجُوزُ فِيهَا النَّقْدُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَيْنَ الْمُعَيَّنِ لَا يَقْدِرُ الْحَمِيلُ عَلَى إحْضَارِهَا وَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ وَمَعْنَى الْحَمَالَةِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ الْمُتَحَمِّلِ بِهِ بِذِمَّةِ الْحَمِيلِ وَالْأَعْيَانُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِي الْحُدُودِ وَلَا التَّعْزِيرُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمُعَيَّنَيْنِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالذِّمَمِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِيهَا، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ صَانِعًا مُعَيَّنًا لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْعَمَلِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْعَمَلُ بِتِلْكَ الْعَيْنِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالذِّمَمِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ كَانَتْ خِدْمَةً فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً بِزَمَنٍ، أَوْ عَمَلٍ لَصَحَّتْ الْحَمَالَةُ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَمَالَةُ بِالْجُعْلِ حَرَامٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تُعْطِيَ الْمُتَحَمِّلَ جُعْلًا عَلَى حَمَالَتِهِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَالِمًا بِذَلِكَ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ وَرَدَّ الْجُعُلَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ وَالْجُعْلُ مَرْدُودٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْعِوَضُ كَالْقَرْضِ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: كُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَ حَرَامُهَا بِعَقْدٍ بَيْنَ الْحَمِيلِ وَالْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ عِلْمِ الطَّالِبِ فَالْحَمَالَةُ لَهُ ثَابِتَةٌ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهَا عِلْمُ الطَّالِبِ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِهِ وَمُعَامَلَتِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سَبَبِهِ وَلَا عَلِمَ بِهِ فِي الْحَمَالَةِ فَالْحَمَالَةُ ثَابِتَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى حَرَامٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا، أَوْ بَعْدَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ حَرَامٌ ذَلِكَ، أَوْ جَهِلَاهُ عَلِمَهُ الْحَمِيلُ، أَوْ جَهِلَهُ، وَقَدْ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي دَافِعِ دِينَارٍ فِي دِينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَأَخَذَ بِهِمَا حَمِيلًا الْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ حَمَالَةٍ بِأَمْرٍ فَاسِدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ اتِّبَاعٍ مِنْهُمْ لِمَالِكٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ دَفَعَ دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ أَنَّ الْحَمَالَةَ فِي ذَلِكَ سَاقِطَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ فَالْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ، وَإِنْ عَلِمَ لَزِمَتْهُ فِي دِينَارٍ مِنْ الدِّينَارَيْنِ وَبَطَلَ الرِّبَا. فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إبْطَالِ ذَلِكَ أَنَّ الْحَمَالَةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِأَحَدِ عِوَضَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ لِفَسَادِهِ بَطَلَ الْعِوَضُ مِنْهُ وَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ الْحَمَالَةُ لِمَا بَطَلَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى أَنَّ الْحَمِيلَ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ حَمَالَته رَدَّ مَا صَارَ إلَى الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِالشَّرْعِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْمُتَحَمِّلُ الْعِوَضَ فِي عَقْدٍ، وَذَلِكَ يَعْدَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إبْطَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ طَعَامًا مِنْ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْحَمَالَةَ سَاقِطَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا تَحَمَّلَ بِهِ لَا يَنْفُذُ عَلَى حَسَبِ مَا تَحَمَّلَ بِهِ فَبَطَلَتْ الْحَمَالَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ حَمِيلًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ إلَّا الْحَسَنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَثِيقَةٌ تَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فَجَازَتْ فِي الْقَرْضِ كَالشَّهَادَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْحَمَالَةُ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ صَحَّتْ الْحَمَالَةُ بِهِ مَعَ الْيَسَارِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ كَدَيْنِ الْحَيِّ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ مِنْهُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ حَمَالَتُهُ) . الَّذِي تَصِحُّ حَمَالَتُهُ كُلُّ مَالِكٍ لِأَمْرِهِ لَا حَجْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ، أَوْ كَانَ أَخْرَسَ إذَا فَهِمَ مُرَادَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ كَفَالَتُهُ إذَا فَهِمَ عَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ حَجْرٌ لَحِقَهُ وَلَحِقَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْرُهُ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَحِقَ نَفْسَهُ كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَوْلَى عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَمَالَةُ، وَأَمَّا الْبِكْرُ الَّتِي لَمْ تَعْنَسْ فَهِيَ كَالصَّغِيرِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الَّتِي عَنَسَتْ وَأُونِسَ رُشْدُهَا فِي بَيْتِ وَالِدِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَمَالَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجَدْته فِي كِتَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ هِبَتُهَا، وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا بِيَدِ أَبِيهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسْقِطْ التَّعْنِيسُ وِلَايَةَ الْأَبِ فِي الْبُضْعِ لَمْ يُسْقِطْ فِي الْمَالِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْبُضْعِ لَا تَزُولُ بِالرُّشْدِ وَالْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ تَزُولُ بِالرُّشْدِ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِحِفْظِ الْمَالِ فَإِذَا حَفِظَ الْمَالَ بِالرُّشْدِ زَالَتْ وِلَايَةُ الْمَالِ وَبَقِيَتْ وِلَايَةُ الْبُضْعِ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِحِفْظِ الْبُضْعِ مِمَّا يَغِيبُ فَمَعْنَاهَا بَاقِيَةٌ مَا بَقِيَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَالْمُسْتَغْرَقِ فِي الدَّيْنِ وَالْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ فَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ حَمَالَتُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَجُوزُ حَمَالَةُ الْعَبْدِ، وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْعَبْدِ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ مَعْنًى يُدْخِلُ فِي ذِمَّتِهِ نَقْصًا وَعَيْبًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَالْمُدَايَنَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَجْهٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَهِبَةِ مَالِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتَجُوزُ حَمَالَةُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ الدَّيْنُ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَازَتْ لَهُ حَمَالَتُهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَفْتَرِقُ مَالُهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا تَصِحُّ حَمَالَتُهُ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي الْحَمَالَةِ جَازَتْ حَمَالَتُهُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ مَعْرُوفُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ إلَى رَقِّهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا لِسَيِّدِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الرِّقِّ فَجَازَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَصْلُ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْقِنُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرِقَّ نَفْسَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ كُلِّ مَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ لِلسَّيِّدِ إكْرَاهُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَمَالَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي النَّوَادِرِ لَهُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّيِّدَ لَيْسَ لَهُ إدْخَالُ نَقْصٍ فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى ذِمَّتِهِ فَكَانَ لَهُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُسْتَغْرَقُ فِي الدَّيْنِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ حَمَالَةُ مَنْ أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ كَصَدَقَتِهِ وَتُفْسَخُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ رَدُّ عِتْقِهِ كَانَ لَهُمْ رَدُّ كَفَالَتِهِ وَهِبَتِهِ كَالْمَضْرُوبِ عَلَى يَدَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ بِهِ مَلِيًّا لَزِمَتْهُ، وَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بَطَلَتْ وَلَمْ يَكُنْ فِي الثُّلُثِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ يَفْعَلُهُ الْمَرِيضُ فَكَانَ فِي ثُلُثِهِ كَهِبَتِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجَّ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا كَفَالَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهَا فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فِي كَفَالَتِهَا فَلِلزَّوْجِ إبْطَالُ جَمِيعِهَا إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ الدِّينَارُ وَالشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَيُمْضِي الثُّلُثَ وَالزِّيَادَةَ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ إذَا حَازَتْ الْمَرْأَةُ الثُّلُثَ لَمْ يَبْطُلْ كَالْمَرِيضِ يُوصِي بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تَكَفَّلَتْ الْمَرْأَةُ بِزَوْجِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا جَمِيعَ مَالِهَا جَائِزٌ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ كَفَالَتُهَا عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كَفَالَتَهَا عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ فَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ تَبْطُلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِثُلُثِ مَالِهَا فَأَدْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الباب الثالث فيمن تصح الحمالة عنه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَنْ تَصِحُّ الْحَمَالَةُ عَنْهُ] ُ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ عَنْهُ) وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَجُوزُ عَنْ كُلِّ مَالِكٍ لِأَمْرِهِ، أَوْ غَيْرِ مَالِكٍ لِأَمْرِهِ فِيمَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَحَمَّلَ عَنْهُ حَمِيلٌ بِمَا تَقَدَّمَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهِ، أَوْ بِمَا تُسْتَقْبَلُ الْمُعَامَلَةُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِثَمَنِ مَا قَدْ ابْتَاعَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: إنْ كَانَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ مِمَّا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ لَزِمَ الْحَمِيلَ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا تَحَمَّلَ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ قَبْلَ الْحَمَالَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْحَمِيلَ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَا عَامَلَهُ الْمُتَحَمِّلُ لَهُ بِسَبَبِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَ الْحَمِيلَ الْغُرْمُ وَلَمْ يَرْجِعْ هُوَ وَلَا الطَّالِبُ عَلَى الْيَتِيمِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الدَّارُ وَالْحَائِطُ فَيُسَلِّفُهُ النَّفَقَةَ فِيهَا فَهَذَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ فَعَلَى هَذَا فَمَا يَتَحَمَّلُ بِهِ عَنْ الْيَتِيمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَلْزَمُ الْحَمِيلَ وَيَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ مَا يَلْزَمُ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقِسْمٌ يَلْزَمُ الْحَمِيلَ وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ وَهُوَ عَلَى مَا عُومِلَ بِهِ بِسَبَبِ الْحَمَالَةِ وَلَا يَلْزَمُ مَالَ الْيَتِيمِ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ سَفِيهٍ وَأَخَذَ حَمِيلًا بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ قِبَلِهِ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَالثَّمَنُ عَلَى السَّفِيهِ فَإِنَّ الْحَمِيلَ يَغْرَمُ الثَّمَنَ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَقِسْمٌ لَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ كَالْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ عَنْ مُعَامَلَةٍ قَدِيمَةٍ لَا يَلْزَمُ مَالَهُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا لِلطَّالِبِ مِنْ مُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ] 1 (الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا لِلطَّالِبِ مِنْ مُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ) لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْحَمِيلُ وَاحِدًا، أَوْ جَمَاعَةً فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَهَلْ لِلطَّالِبِ أَخْذُهُ بِجَمِيعِ الْحَقِّ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ وَغِنَاهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحَمِيلِ بِالْمَالِ لِلطَّالِبِ طَلَبُهُ فِي مَالِ الْغَرِيمِ وَحُضُورِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا يَبِيعُهُ إلَّا فِي عَدَمِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ فِي حَالِ عَدَمِ الْغَرِيمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ فِي حَالِ يَسَارِهِ كَالْغَرِيمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي عِنْدِي أَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ إلَّا مَعَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ مَحَلِّهِ كَالرَّهْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُكَلِّفَ الْحَمِيلَ مُلَازَمَةَ الْغَرِيمِ حَتَّى يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ مِنْ الْغَرِيمِ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِدَفْعِ الْحَقِّ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلْحَمِيلِ أَخْذُ الْحَقِّ إلَى الطَّالِبِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَمِيلَ لَيْسَ بِوَكِيلٍ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَرِيمَ بِمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهِ وَهُوَ إيصَالُ الدَّيْنِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَالْغَرِيمُ غَائِبٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ، أَوْ قَرِيبَهَا فَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ مَالٌ حَاضِرٌ أُغْرِمَ الْحَمِيلُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ وَاَلَّذِي لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ فَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْرَبَ تَنَاوُلُهُ كَالنَّاظِرِ، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ، أَوْ يَبْعُدَ تَنَاوُلُهُ كَالدَّارِ تُبَاعُ وَمَا يَطُولُ أَمَدُهُ وَيَكُونُ فِيهِ التَّرَبُّصُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقْرُبُ أَمَدُهُ قَضَى مِنْهُ الطَّالِبُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَبْعُدُ تَنَاوُلُهُ أَخَذَ الدَّيْنَ مِنْ الْحَمِيلِ ثُمَّ لِلْحَمِيلِ أَنْ يُبَاعَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ أَجَّلَ الْحَمِيلَ أَجَلًا قَرِيبًا وَكَرَّرَ فَإِنْ أَبَى وَإِلَّا فَعَلَ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَهُ كُلَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَالْغَرِيمُ مُعْسِرٌ كَانَ لِلطَّالِبِ أَخْذُ مَالِهِ مِنْ الْحَمِيلِ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ قَالَ الطَّالِبُ: إنَّ الْغَرِيمَ عَدِيمٌ، وَقَالَ الْحَمِيلُ: هُوَ مَلِيءٌ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ غَرِمَ الْحَمِيلُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ذِمَّةَ الْحَمِيلِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا الْحَقُّ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ بِالْمُطَالَبَةِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْحَمِيلِ الَّذِي يَدَّعِي يُسْرَهُ إظْهَارُ ذَلِكَ الْمَالِ فَيَبْرَأُ وَإِلَّا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا يَثْبُتُ مِنْ دَيْنِ الْغَرِيمِ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا مَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَرِيمِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْحَمِيلَ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَمَالَةِ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِ الْغَرِيمُ قَبْلَ الْحَمَالَةِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَا عَدْلٍ فَإِنَّ الَّذِي يُرِيدُ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْحَمِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَمَنْ قَامَ عَلَى مُنْكَرٍ بِدَيْنٍ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ إنْ لَمْ آتِك بِهِ غَدًا فَالْمَالُ عَلَيَّ، وَقَدْ سَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الطَّالِبُ بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بَعْدَ الْحَمَالَةِ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الْحَمِيلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَتَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ فَقَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ، أَوْ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمُ الْحَمِيلَ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِ الْغَرِيمِ قَبْلَ الْحَمَالَةِ قَالَهُ كُلَّهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنْكَرَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ وَأَقَرَّ بِهِ الْحَمِيلُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَغْرَمُ الْحَمِيلُ ثُمَّ إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ، وَرَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمِيلِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَرْجِعْ الْغَرِيمُ بِمَا أَدَّاهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ الْحُمَلَاءُ جَمَاعَةً تَكَفَّلُوا لَهُ بِمَالٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُطْلَقَ لَفْظُ الْكَفَالَةِ، أَوْ يَقُولَ: وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ، أَوْ لَهُ أَخْذُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْكَفَالَةِ فَأَعْسَرَ الْغَرِيمُ عِنْدَ الْأَجَلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْكُفَلَاءِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ الْمَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا تَكَفَّلُوا بِمِائَةٍ فَإِنَّمَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثُلُثِ الْمِائَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ سِوَاهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ وَبَعْضُهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَإِنْ كَانُوا مُوسِرِينَ فَإِنْ أَعْسَرَ بَعْضُهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْ الْمُوسِرِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ كَانَ لَهُمْ حُكْمُ الْحَمَالَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ إلَّا بِمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ عَنْ الْغَرِيمِ إلَى الْحَمِيلِ مِنْ الْإِعْسَارِ، أَوْ الْغَيْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ غَابَ الْحُمَلَاءُ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ فَغَرِمَ الْحَاضِرُ الْمَالَ ثُمَّ قَدِمَ الْحَمِيلَانِ وَالْغَرِيمُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْحَاضِرِ الَّذِي غَرِمَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيئًا وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ بِخِلَافِ طَالِبِ الْحَقِّ لَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْحَمِيلِ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا حَاضِرًا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَمِيلَ إنَّمَا أَخَذَ وَثِيقَةً مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ فَلَا يُطْلَبُ مَعَ تَمَكُّنِ الِاقْتِضَاءِ مِنْ الْغَرِيمِ وَالْحَمِيلِ الَّذِي غَرِمَ فِي غَيْبَةِ الْحُمَلَاءِ وَالْغَرِيمِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَإِنَّمَا غَرِمَ عَنْ الْحَمِيلِ كَمَا غَرِمَ عَنْ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ صَاحِبُهُ فِي الْحَمَالَةِ لَزِمَهُ الْغُرْمُ مَعَهُ فَلَمَّا كَانَ أَدَّاهُ عَنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ دُونَ اعْتِبَارِ حَالِ الْغَرِيمِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ أَخْذَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْحَقِّ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِحَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ شُرَكَاؤُهُ فِي الْحَمَالَةِ حُضُورًا مُوسِرِينَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّاهُ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ شَرَطَ فِي الْحَمَالَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَلِّقَ حَقَّهُ بِذِمَّةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَإِذَا عَيَّنَ حَقَّهُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ أَصْحَابِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّاهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَأَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لَهُ اتِّبَاعُ أَحَدِهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ إلَّا فِي عَدَمِ أَصْحَابِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِمْ. (فَرْعٌ) فَإِنْ شَرَطَ مَعَ شَرْطِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ فَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْ أَحَدِهِمْ كَانَ لِمَنْ أَدَّى الْحَقَّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ شَرَطُوا أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ حَقَّهُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ فَعَلَى وَجْهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ

[الباب الخامس في رفق الطالب بالغريم أو الحميل]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضٍ فَقَدْ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِحَمَالَةِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يَخْتَارَ مُطَالَبَةَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يَتَعَلَّقْ الدَّيْنُ بِحَمَالَةِ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِحَمَالَةِ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَحَمَّلَ لَهُ بِدَيْنِهِ رَجُلٌ ثُمَّ لَقِيَ الْغَرِيمَ فَأَعْطَاهُ حَمِيلًا آخَرَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ أَيَّ الْحَمِيلَيْنِ شَاءَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَحَمَّلَ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَلَى غَيْرِ رُتْبَةٍ تَقْتَضِي تَقَدُّمَ أَحَدِهِمَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ التَّخْيِيرُ فِي أَنْ يَطْلُبَهُمَا، أَوْ يَطْلُبَ أَيَّهُمَا شَاءَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَحَمَّلَ لِرَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى غَرِيمٍ ثُمَّ تَحَمَّلَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِالْحَمِيلِ فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْغَرِيمَ فَإِنْ غَابَ، أَوْ أَعْسَرَ انْتَقَلَ إلَى طَلَبِ الْحَمِيلِ الْأَوَّلِ فَإِنْ غَابَ، أَوْ أَعْسَرَ انْتَقَلَ إلَى الْحَمِيلِ الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَعَ الْحَمِيلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَحَالِهِ مَعَ الْحَمِيلِ الْأَوَّلِ وَالْغَرِيمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي رِفْقِ الطَّالِبِ بِالْغَرِيمِ أَوْ الْحَمِيلِ] (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي رِفْقِ الطَّالِبِ بِالْغَرِيمِ، أَوْ الْحَمِيلِ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ يَهَبُ حَقَّهُ الْغَرِيمَ، أَوْ الْحَمِيلَ أَوْ يُؤَخِّرُ أَحَدَهُمَا فَأَمَّا الْهِبَةُ فَإِنْ وَهَبَ الْغَرِيمُ فَقَدْ بَرِئَ الْحَمِيلُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ كَالِاقْتِضَاءِ وَلَوْ اقْتَضَى حَقُّهُ لَبَرِئَ الْحَمِيلُ فَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ، وَلَوْ وَهَبَ الْحَقَّ الْحَمِيلَ لَمْ يَرَ الْغَرِيمُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُتَحَمَّلِ لَهُ. (فَرْعٌ) وَمَنْ أَخَذَ حَمِيلًا بِثَمَنِ سِلْعَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ بِحَقِّهِ فَمَاتَ الْغَرِيمُ فَأَحَالَهُ الطَّالِبُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَالِبَ الْحَمِيلَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ مَا وُضِعَ إلَّا لِلْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى حَقِّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهَا شَيْءٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا نَظَرٌ وَرَوَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ أَخَّرَ بَعْضَ الْحَقِّ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ كَانَ مَا أَخَذَ بِالْحِصَصِ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَيَحْلِفُ مَا وُضِعَ إلَّا لِلْمَيِّتِ وَيَكُونُ عَلَى الْحَمِيلِ حِصَّتُهُ بِمَا بَقِيَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَخَذَ الْغَرِيمُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَخَذَ الْغَرِيمُ سَنَةً فَالْحَمَالَةُ ثَابِتَةٌ إلَّا أَنَّ لِلْحَمِيلِ أَنْ يَمْنَعَ التَّأَخُّرَ وَيَقُولَ: أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ فَلَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْحَمَالَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَخَّرَ الْغَرِيمُ وَهُوَ مُوسِرٌ تَأَخُّرًا بَيِّنًا فَقَدْ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ عَنْ الْحَمِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا فَلَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى الْكَفِيلِ وَأَنْ يَقِفَ عَنْهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ تَأَخُّرَ الْغَرِيمِ لَا يُنَافِي حَمَالَةَ الْحَمِيلِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إبْرَاءِ الْحَمِيلِ وَلَا يَكُونُ تَأْثِيرُهُ فِي إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْحَمِيلِ أَكْثَرَ مِنْ تَأْثِيرِهِ فِي إسْقَاطِهِ عَنْ الْغَرِيمِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِذِمَّتِهِمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ الْغَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ الْحَمِيلَ تَأْخِيرُ الْغَرِيمِ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ تَأْخِيرِهِ إبْرَاءَ الْحَمِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ عَلِمَ الْحَمِيلُ بِتَأْخِيرِهِ فَسَكَتَ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ حَلَفَ الطَّالِبُ مَا أَخَّرَهُ لَيُبَرِّئَ الْحَمِيلَ وَتَثْبُتَ لَهُ الْحَمَالَةُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ الِاعْتِرَاضِ مِنْ الْحَمِيلِ فِي تَأْخِيرِهِ رِضًا بِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَاحْتُمِلَ تَأْخِيرُ الطَّالِبِ لِلْغَرِيمِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ تَجْوِيزُهُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إبْرَاءَ الْحَمِيلِ كَانَ عَلَى الطَّالِبِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إبْرَاءَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الرِّفْقَ بِالْغَرِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ مُتَعَلِّقًا بِحَمَالَةِ الْحَمِيلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَخَّرَ الطَّالِبُ الْحَمِيلَ فَذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَا كَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَنْ الْحَمِيلِ الْحَمَالَةَ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْغَرِيمَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْيَمِينِ أَنَّ تَأْخِيرَهُ الْحَمِيلَ مُحْتَمَلٌ لِتَأْخِيرِ الْغَرِيمِ لَهُ فَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ ذَلِكَ وَلَا قَصَدَهُ. [الْبَابُ السَّادِسُ فِي قَضَاءِ الْحَقِّ] 1 (الْبَابُ السَّادِسُ فِي قَضَاءِ الْحَقِّ) فَإِنْ دَفَعَهُ الْغَرِيمُ بَرِئَ وَبَرِئَ الْحَمِيلُ، وَإِنْ دَفَعَهُ الْحَمِيلُ بَرِئَ مِنْ مُطَالَبَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَكَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْغَرِيمِ فَإِنْ كَانَ أَدَّى عَنْهُ مِثْلَ مَا عَلَيْهِ رَجَعَ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَدَّى عَنْهُ غَيْرَ مَا عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنُ دَنَانِيرَ فَيَدْفَعُ عَنْهُ الْحَمِيلُ دَرَاهِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْأَجَلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ أَحَدِ عِوَضَيْ الصَّرْفِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَجَلِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَفِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَصْحَابُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْغَرِيمِ قَدْ صَحَّ بِاِتِّخَاذِ الْمُصَارَفَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ كَاَلَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِالْمَنْعِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْغَرِيمَ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، أَوْ مَا دَفَعَ عَنْهُ فَيَدْخُلُهُ الْخِيَارُ فِي الصَّرْفِ وَفَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ الدَّنَانِيرُ وَلَكِنْ يُخْرِجُ الْغَرِيمُ الدَّنَانِيرَ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا دَرَاهِمَ فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَمِيلِ غَيْرُهَا، وَإِنْ زَادَتْ فَلَيْسَ لَهُ الْفَضْلُ، وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: الْغَرِيمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَفَعَ الدَّنَانِيرَ أَوْ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: هَذَا حَرَامٌ بَيْنَ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَمَلَ الْكَفِيلِ مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مَا بَيْنَ الْحَمِيلِ وَالْغَرِيمِ لِلدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ فِي الصَّرْفِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ بِأَنْ يُخْرِجَ الْغَرِيمُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا يَفْسُدُ مِنْ جِهَتِهِ شَيْءٌ ثُمَّ يَشْتَرِي لِلْحَمِيلِ مِنْ جِنْسِ مَا أَدَّى فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ فَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا دَفَعَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ سَلَفٌ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ فَلَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ أَنَّ هَذَا تَخْيِيرٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ كَخِيَارِ مَنْ وُجِدَ فِي عِوَضِ الصَّرْفِ زَائِفًا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ، أَوْ يُمْسِكَ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةُ ذَلِكَ الصَّرْفَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ الْكَفِيلَ طَالِبُ الْحَقِّ إذَا كَانَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَلَا شَيْءَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِالْجُزَافِ مِنْهُ أَوْ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ مِنْ حَيَوَانٍ، أَوْ عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ يَرْجِعُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُخَيَّرًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الدَّيْنِ فِي دَيْنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَلَا يَدْخُلُهُ تَخْيِيرٌ وَلَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَحَمَّلَ بِمَالٍ لِرَجُلٍ إلَى أَجَلٍ فَمَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِرَبِّ الْحَقِّ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ مَالِهِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيًّا حَاضِرًا فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ قَبْلَ الْأَجَلِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَحِلُّ الْحَقُّ بِمَوْتِهِ وَلَكِنْ يُوقَفُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ بِمَوْتِهِ وَيَتَعَجَّلُ طَلَبَهُ مِنْهُ كَالْغَرِيمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَمِيلٌ فَلَا تُطْلَبُ تَرِكَتُهُ بِالدَّيْنِ لِمَوْتِهِ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا أَصْلُ ذَلِكَ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْأَجَلِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ مُفْلِسًا فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِي مَالِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ الدَّيْنَ بِمَوْتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِي مَالِهِ كَالْغَرِيمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ عِنْدَ الْأَجَلِ، أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ هَاهُنَا يَبْدَأُ بِالْغَرِيمِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ عَدِيمًا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْحَمِيلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَرِيمَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْحَمِيلَ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَةُ الْحَمِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْغَرِيمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الْغَرِيمُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِهِ الْحَمِيلُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْغَرِيمِ رُوعِيَتْ حَالُهُ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْحَمِيلِ رُوعِيَتْ حَالُهُ فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَنَرْجِعُ إلَى تَقْسِيمِ لَفْظِ مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ الْحَمِيلُ أَوْ أَفْلَسَ فَإِنَّ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مُفْلِسًا، أَوْ أَفْلَسَ مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ

[القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب]

الْقَضَاءُ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ (ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: إذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ، أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الَّذِي ابْتَاعَهُ حَدَثًا مِنْ تَقْطِيعٍ يُنْقِصُ ثَمَنَ الثَّوْبِ ثُمَّ عَلِمَ الْمُبْتَاعُ بِالْعَيْبِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ غُرْمٌ فِي تَقْطِيعِهِ إيَّاهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ذِمَّةِ الْغَرِيمِ بِالْحَمَالَةِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْحَمِيلُ وَثِيقَةً لِحَقِّهِ كَالرَّهْنِ فَفَلَسُ الْحَمِيلِ بِمَنْزِلَةِ ضَيَاعِ الرَّهْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَوْتَ الْحَمِيلِ مَعَ كَوْنِهِ عَيْبًا لَا يُوجِبُ رُجُوعَ الطَّالِبِ عَلَى الْغَرِيمِ بَلْ لَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْ مَالِهِ دَيْنًا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يُوقِفُ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَحُكْمُ الْحَمَالَةِ بَاقٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ الْأَوَّلِ لَفْظُ الرُّجُوعِ يَقْتَضِي ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَعَلَّقَ بِمُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ أَوَّلًا وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُطَالَبَةِ الْحَمِيلِ إنْ شَاءَ فَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَمِنْهَا إذَا بَاعَ مِنْ الْغَرِيمِ سِلْعَةً أَوْ أَسَلَفَهُ مَالًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ مِنْ الْغَرِيمِ وَأَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا وَشَرَطَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا إنْ مَاتَ الْحَمِيلُ، أَوْ أَفْلَسَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْغَرِيمَ كَانَ مُفْلِسًا فَآثَرَ مُطَالَبَةَ الْحَمِيلِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَتِهِ رَجَعَ إلَى اتِّبَاعِ الْغَرِيمِ فِي ذِمَّتِهِ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ مَعْنَاهُ يَبْقَى حَقُّهُ ثَابِتًا عَلَى غَرِيمِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْحَمِيلِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ الَّتِي تُبْطِلُ حَقَّهُ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ أَرَادَهُ. [الْقَضَاءُ فِيمَنْ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ بِالثَّوْبِ حَدَثًا مِنْ تَقْطِيعٍ، أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دَلَّسَ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَوْ لَمْ يُدَلِّسْ بِهِ فَإِنْ كَانَ دَلَّسَ بِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا أَحْدَثَهُ فِيهِ الْمُبْتَاعُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ وَمِمَّا يُشْتَرَى غَالِبًا لَهُ، أَوْ يَحْدُثُ فِيهِ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَقْطِيعِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الثِّيَابِ فَمَا أَحْدَثَ الْمُبْتَاعُ مِنْ هَذَا مِمَّا يَنْقُصُ الْمَبِيعَ فَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَرُدُّ مَا نَقَصَ ذَلِكَ الْمَبِيعَ، وَلَوْ قَطَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِ ذَلِكَ الثَّوْبِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُ وَشْيٍ رَفِيعٍ فَيَقْطَعُهُ جَوَارِبَ، أَوْ رِقَاعًا فَهَذَا لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُدَلِّسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِذَلِكَ مِنْ الْفِعْلِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَبِيعِ التَّصَرُّفَ الْمُعْتَادَ فَإِذَا أَسْلَمَهُ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مَعَ مَا دَلَّسَ لَهُ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يُنْقِصُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَلِذَلِكَ يَلْزَمُ مَنْ فَعَلَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُبْتَاعُ بِالتَّدْلِيسِ، أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْمَبِيعِ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ وَأَخْذُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا نَقَصَهُ غَيْرَ صِنَاعَةٍ كَالْقَطْعِ فَإِنْ كَانَ صِنَاعَةً كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ صِنَاعَتِهِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْبَغَ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَيْبَ الْمُفْسِدَ لَمَّا حَدَثَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ كَالصَّنْعَةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّدْلِيس يَسْقُطُ عَنْهُ قِيمَةُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّ الْمَبِيعِ دُونَ غُرْمٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُ وَالرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ إذَا لَمْ يَكُنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَوْبًا وَبِهِ عَيْبٌ مِنْ حَرْقٍ، أَوْ عَوَارٍ فَزَعَمَ الَّذِي بَاعَهُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَطَعَ الثَّوْبَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، أَوْ صَبَغَهُ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ الْحَرْقُ أَوْ الْعَوَارُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيُمْسِكُ الثَّوْبَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَغْرَمَ مَا نَقَصَ التَّقْطِيعُ أَوْ الصَّبْغُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَيَرُدَّهُ فَعَلَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدْ صَبَغَ الثَّوْبَ صَبْغًا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ فَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِلَّذِي بَاعَهُ الثَّوْبُ فَعَلَ وَيَنْظُرُ كَمْ الثَّوْبَ وَفِيهِ الْخَرْقُ، أَوْ الْعَوَارُ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَثَمَنُ مَا زَادَ فِيهِ الصَّبْغُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّوْبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَعَلَى حِسَابِ هَذَا يَكُونُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ غَبْنٌ فَوَّتَهُ أَصْلَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُحْدِثْ عِنْدَهُ عَيْبًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ التَّدْلِيسَ وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ وَادَّعَى النِّسْيَانَ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى مَا قَالَ وَيُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ وَقِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ، أَوْ يُمْسِكُ الْمَبِيعَ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ حَتَّى يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ فَإِنْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي اسْتِحْلَافِهِ؛ لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِي التَّدْلِيسِ وَغَيْرِهِ حَالَةً وَاحِدَةً عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّخْيِيرَ ثَابِتًا فِي التَّدْلِيسِ وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ اسْتَحْلَفَ الْبَائِعَ فَإِنْ حَلَفَ رَدَّ الْمُبْتَاعُ مَعَ الْمَبِيعِ قِيمَةَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِتَقْدِيمِ الْيَمِينِ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْيَمِينِ فَحُكْمُ التَّدْلِيسِ يُمْنَعُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا التَّخْيِيرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِذَا حَلَفَ بَطَلَ حُكْمُ التَّدْلِيسِ وَلَزِمَ الْحُكْمُ بِالتَّخْيِيرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ التَّخْيِيرَ ثَابِتٌ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ وَلَا مَعْنَى لِلْيَمِينِ إلَّا إثْبَاتُ قِيمَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عَلَى الْمُبْتَاعِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الرَّدِّ فَإِذَا لَمْ يَخْتَرْ الرَّدَّ فَلَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْإِمْسَاكِ وَالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْقَوْلُ أُجْرِيَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إثْبَاتِ التَّخْيِيرِ مَعَ التَّدْلِيسِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أُجْرِيَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَصْبَغَ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ التَّخْيِيرِ مَعَ التَّدْلِيسِ، وَإِنَّمَا أَلْزَمَ الْمُدَّعِي النِّسْيَانَ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ تُثْبِتُ عَلَيْهِ مَا يُنْكِرُهُ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْمُبْتَاعُ صَبْغًا زَادَ فِي ثَمَنِهِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ حُكْمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ تَقْوِيمِهِ، أَوْ رَدِّهِ وَتَقْوِيمُهُ مَعِيبًا غَيْرَ مَصْبُوغٍ ثُمَّ يُقَوِّمُهُ تَقْوِيمًا ثَانِيًا مَصْبُوغًا فَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي قِيمَتِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ دَاوُد بْنُ سَعِيدِ بْنِ زُبَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة وَزَادَ فِيهَا أَنَّهُ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ بِثَمَنِ ثَوْبِهِ مَعِيبًا يُرِيدُ قِيمَتَهُ وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ يُعْتَبَرُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ. (فَرْقٌ) قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ، وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ وَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ وَأَبَى الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ صَبْغِهِ وَأَبَى هُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْتَحِقَّ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِقِيمَةِ الصَّبْغِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ، أَوْ يَرُدَّ فَيُشَارِكُ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ الثَّوْبُ مَجْبُورٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الثَّوْبُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ إذَا رَضِيَ بِدَفْعِ ثَمَنِ الثَّوْبِ كَاَلَّذِي يَجِدُ الْعَيْبَ إذَا رَضِيَ بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُ قِيمَةٌ فِي الشَّرِكَةِ مَا كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ الْآخَرُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ

[ما لا يجوز من النحل]

(مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ) (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ أَبَاهُ بَشِيرًا أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَارْتَجِعْهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَثَبَتَتْ لَهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ فِي الشَّرِكَةِ فَلَمَّا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْآخَرِ قِيمَةَ مَالِهِ وَيُخْرِجَهُ تَشَارُكًا عِنْدَ الْإِبَانَةِ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَقِيمَةِ الثَّوْبِ وَلَمَّا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَيْسَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ صَبْغِهِ وَيُخْرِجَهُ عَنْهُ لَمْ تَثْبُتْ لِلصَّبْغِ قِيمَةُ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ قِيمَتُهُ مَعَ الثَّوْبِ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ قِيمَةُ ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عِوَضَهُ وَيُخْرِجَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الثَّوْبَ بِالْعَيْبِ نَاقِصًا عَمَّا اشْتَرَاهُ فَلَوْ شَارَكَهُ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَكَانَ أَكْثَرُ مِمَّا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ لَكَانَ قَدْ رَدَّ إلَيْهِ ثَوْبَهُ نَاقِصًا بِالنَّقْصِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ بِالصَّبْغِ وَلَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ ذَلِكَ النَّقْصَ فَلِذَلِكَ جَبَرَهُ بِالصَّبْغِ وَشَارَكَ بِمَا زَادَ الصَّبْغَ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَاهُ بَشِيرًا أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا، النَّحْلُ: الْعَطِيَّةُ وَمَعْنَى نَحَلْتُ أَعْطَيْتُ وَيُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْتَفْتِيَهُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِ لِيُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَعْطَيْتُ سَائِرَ وَلَدِك مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ اسْتِفْهَامٌ عَنْ صِفَةِ هَذَا النَّحْلِ إذْ كَانَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُهُ الشَّرْعُ وَمِنْهُ مَا يُبِيحُهُ فَاسْتَوْصَفَهُ عَنْ صِفَتِهِ لِيَعْلَمَ أَمِنَ الْمُبَاحِ هَذَا، أَوْ مِنْ الْمَمْنُوعِ لِيُبَيِّنَ لَهُ حُكْمَ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ لِيَأْمُرَهُ بِارْتِجَاعِ الْمَمْنُوعِ، أَوْ إمْضَاءِ الْمُبَاحِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ بَشِيرٌ لَا، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُنْحِلْ سَائِرَ بَنِيهِ عَلَى مِثْلِ مَا نَحَلَ هَذَا، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَحَلَ سَائِرَ بَنِيهِ أَقَلَّ مِمَّا نَحَلَ هَذَا، أَوْ لَمْ يَنْحَلْهُمْ شَيْئًا، أَوْ نَحَلَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَجِعْهُ يُرِيدُ إبْطَالَ النَّحْلِ وَارْتِجَاعَهُ مِنْ ابْنِهِ الْمَنْحُولِ إلَى مِلْكِ النَّاحِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا جَوَّزَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ هِبَةً يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ اعْتِصَارُهَا فَلَمَّا كَانَتْ مَكْرُوهَةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ وَكَانَتْ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْتِ بِمَا تَفُوتُ بِهِ الْهِبَاتُ وَيَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ لَهَا أَمْرُهُ بِاسْتِدْرَاكِ ذَلِكَ بِرَدِّهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَمْنَعُهُ الشَّرِيعَةُ يُرَدُّ مَا لَمْ يَفُتْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا تَصَدَّقَ بِهِ بَشِيرٌ عَلَى ابْنِهِ كَانَ جَمِيعَ مَالِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الَّذِي نَحَلَ ابْنَهُ عَبْدًا لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْته مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْتَجِعْهُ، قَالَ مَالِكٌ: إنَّ ذَلِكَ فِيمَا أَرَى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقُلْت لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ أَيَرُدُّهُ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيُقَالُ وَقَدْ قَضَى بِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْك وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْك، وَإِنِّي كُنْت نَحَلْتُك جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْت جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاك وَأُخْتَاك فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت يَا أَبَتِ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْته إنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ أُرَاهَا جَارِيَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُزَنِيَّة. وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ عَلَى بَعْضِ وَلَدِهِ لَا أَرَاهُ جَائِزًا، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَبْقَى مِنْهُ مَا يَكْفِيه رُدَّتْ صَدَقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ بَقِيَ مَا يَكْفِيهِ لَمْ يُرَدَّ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فِي صِحَّتِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ عَلَى بَعْضِ وَلَدِهِ أَكْرَهَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَحِيزَتْ عَلَيْهِ لَمْ تُرَدَّ بَعْدُ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُرَدُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ نَحَلَ بَعْضَ وَلَدِهِ فَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ، وَقَدْ حَمَلَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مُزَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْتِرْجَاعِهِ كَرَاهِيَةً لِتَفْضِيلِ بَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: ارْتَجِعْهُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْسَخْهُ، وَإِنَّمَا نَدَبَهُ إلَى ذَلِكَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ وَلَدِهِ جَمِيعَ مَالِهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَجَوَّزَ أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ مَالِهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ إذْ قَالَ لِابْنَتِهِ عَائِشَةَ: إنِّي كُنْت نَحَلْتُك جَادٌّ عِشْرِينَ وِسْقَا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا وَهَبَ الْبَعْضَ لَمْ يُوَلِّدْ ذَلِكَ عَدَاوَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مَا يُعْطِي الْبَاقِينَ وَإِذَا أَعْطَى الْكُلَّ لَمْ يَبْقَ مَا يُعْطِي الْبَاقِينَ فَثَبَتَتْ الْأَثَرَةُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، قَالَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَوَهَبَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ نَفَذَ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا أَعْطَى الْبَعْضَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيثَارِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُعَرَّى مِنْ الْكَرَاهِيَةِ إذَا أَعْطَى الْبَعْضَ لِوَجْهٍ مَا مِنْ جِهَةٍ يُخْتَصُّ بِهَا أَحَدُهُمْ، أَوْ غَرَامَةٌ تَلْزَمُهُ، أَوْ خَيْرٌ يَظْهَرُ مِنْهُ فَيُخَصُّ بِذَلِكَ خَيْرُهُمْ عَلَى مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِذَا قُلْنَا بِالرَّدِّ فَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْإِنْسَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ غَيْرِهِ فَمُنِعَ مِنْ إتْلَافِهِ لِحَقِّ الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ فَبِأَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا بِإِمْضَاءِ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْحَدِيثِ رَدَّ عَطِيَّتِهِ إلَى الْعَدْلِ بَيْنَ وَلَدِهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ انْعَقَدَتْ الْعَطِيَّةُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا أَرَادَهَا فَلَمَّا عَلِمَ بِمَا فِيهَا رَجَعَ عَنْ إمْضَائِهَا وَرَدَّ الْعَطِيَّةَ إلَى بَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ أَعْطَاهَا ابْنَهُ عَلَى حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَمَرَهُ بِنَقْضِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ أَعْطَاهَا إيَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ مِمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ لِمُدَّةٍ مَا وَلَمْ يُعْطِ سَائِرَ وَلَدِهِ مِثْلَ ذَلِكَ لِذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَا لِغَيْرِهِ إيثَارًا لَهُ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ رَدَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَرَأَى فِي رَدِّهِ السَّدَادَ لِابْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْهِبَةُ لَمْ تَبْقَ بِيَدِهِ مَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ وَلَعَلَّهُ بَعْدُ كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَاتٌ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْعَدْلَ بَيْنَهُمْ. (ش) : قَوْلُهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَصَّهَا بِالنِّحْلَةِ دُونَ سَائِرِ أَخَوَاتِهَا وَرَأَى ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ لِبَشِيرٍ فِي مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ النُّعْمَانِ أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْته مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ أَرْجِعْهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ تَأَوَّلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ بَعْضَ الْوُجُوهِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَنَّ نِحْلَتَهُ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ إخْوَتِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْك وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْوَلَدُ فَيَبَرُّهُ بَعْضُهُمْ فَيُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَطِيَّةً مِنْ مَالِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ الْغَابَةُ مَوْضِعٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا قَبْضٌ، وَإِنَّمَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِقَوْلِ الْوَاهِبِ قَدْ وَهَبْته لَك وَفِي الصَّدَقَةِ قَدْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك وَقَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ قَدْ قَبِلْت وَأَنْ يُؤَخِّرَ الْقَبْضَ فَيَلْزَمُ وَيُجْبَرُ الْوَاهِبُ وَالْمُتَصَدِّقُ عَلَى التَّسْلِيمِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ انْعِقَادُهُ إلَى الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ يَا بُنَيَّةُ وَاَللَّهِ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْك يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ وَأَحَسَّ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ مَا تَيَقَّنَ بِهِ الْوَفَاةَ قَالَ لَهَا الْقَوْلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهَا وَالْإِعْلَامِ لَهَا بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ إمْضَاءِ هِبَتِهِ لَهَا عَدَمُ إشْفَاقِهِ عَلَيْهَا وَمَحَبَّتِهِ لَهَا وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا وَقَوْلُهُ أَحَبُّ غِنًى بَعْدِي مِنْك يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ " بَعْدِي " مِمَّنْ يَخْلُفُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي حَيَاتِهِ وَيَكُونُ مَعْنًى " بَعْدِي " غَيْرِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ جِدَادُ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرِ نَخْلِهِ إذَا جُدَّ، وَقَالَ ثَابِتٌ قَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ يَجِدُّ مِنْهَا وَيَصْرُمُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ هَذِهِ أَرْضُ جَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يُجَدُّ مِنْهَا فَعَلَى تَفْسِيرِ عِيسَى قَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا صِفَةٌ لِلثَّمَرَةِ الْمَوْهُوبَةِ فَتَقْدِيرُهُ وَهَبَهَا عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً وَعَلَى تَفْسِيرِ ثَابِتٍ قَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا صِفَةٌ لِلنَّخْلِ الَّتِي وَهَبَ ثَمَرَتَهَا فَمَعْنَاهُ وَهَبَهَا ثَمَرَةَ نَخْلٍ يَجِدُّ مِنْهَا عِشْرُونَ وَسْقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَوْ كُنْت جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك، يَقْتَضِي أَنَّ الْحِيَازَةَ وَالْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ وَأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَحُزْ مَا وَهَبَهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَتِمَّ الْهِبَةُ فَإِنْ كَانَتْ هِبَةُ الثَّمَرَةِ عَلَى الْكَيْلِ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ فِيهَا إلَّا بِالْكَيْلِ بَعْدَ الْجَدِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا لَوْ كُنْت جَدَدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ، وَإِنْ كَانَ وَهَبَهَا ثَمَرَةَ نَخْلٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْحِيَازَةُ فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَرِضَ فَقَامَ الْمُعْطِي يَطْلُبُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَبْضَهُ الْآنَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُعْطِ ذَلِكَ عَائِشَةَ لَمَّا مَرِضَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْضَى لَهُ الْآنَ بِثُلُثِهَا، وَإِنْ صَحَّ لَهُ بِبَاقِيهَا وَلَا أَرَى قَوْلَ مَنْ قَالَ تَجُوزُ كُلُّهَا مِنْ الثُّلُثِ وَلَا قَوْلَ مَنْ أَبْطَلَ جَمِيعَهَا. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَرَضَ يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ وَيَمْنَعُ الْمَوْتُ الْحِيَازَةَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ بِمَالِهِ وَيَبْقَى بِيَدِهِ إذَا تُوُفِّيَ أَخَذَ جَمِيعَهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فَمَنَعَ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَوَارِيثِ فَوَجَبَ أَنْ يُبْطِلَ وَلَمَّا كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْحِيَازَةَ كَمَا يَمْنَعُهَا الْمَوْتُ، وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَكُونُ حِيَازَةً، وَالثَّانِي: مَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ، فَأَمَّا الْحِيَازَةُ فَلَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ حَاضِرَةً مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ غَائِبَةً عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالْأَرَضِينَ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ، أَوْ يَكُونُ مِمَّا يُنْقَلُ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا عَمَلَ فِيهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَرْضِ الْمُزَارَعَةِ وَالْعَمَلِ فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ الْإِشْهَادُ فِيمَا لَا يَعْمَلُ فِيهِ حِيَازَةً فَكَالدَّيْنِ وَالشَّيْءِ الْمُهْمَلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ كَمُلَ فِيهَا الْعَقْدُ اللَّازِمُ وَلَيْسَتْ فِي يَدِ الْمُعْطِي وَلَا فِيمَا يَنُوبُ عَنْ يَدِهِ فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ فِي غَيْرِ إبَّانِ الْعَمَلِ، أَوْ فِي إبَّانِ الْعَمَلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ إبَّانِ الْعَمَلِ أَجْزَأَ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مَحْدُودَةً وَفِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَيَشْهَدُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ وَأَتَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى حُدُودِهَا وَيُشْهِدُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى قَبْضِهَا قَالَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِمَزْرَعَةٍ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْحَرْثِ وَأَشْهَدَ عَلَى الْحِيَازَةِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ شَهْرٍ وَلَمْ تُحْدِثْ الْمَرْأَةُ فِيهَا حَدَثًا وَلَا غَيْرَهُ إنْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ بَيِّنٌ مِثْلَ أَنْ يَفْجَأَ مَوْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهَا عَمَلٌ، أَوْ إجْنَاءُ شَجَرٍ، أَوْ إحْيَاءٌ، أَوْ غَرْسٌ، أَوْ إصْلَاحٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا غَيْرَ هَذَا مِنْ الْحِيَازَةِ فَأَشْبَهَتْ مَا لَا يَعْمُرُ مِنْ الْأَرْضِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ حِيَازَةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ إذَا فَاتَتْ حِيَازَتُهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَوْتِ الْوَارِثِ، أَوْ مَرَضِهِ مَرَضَ الْمَوْتِ فَأَمَّا إنْ بَقِيَ الْوَاهِبُ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ عَمَلِهَا فَلَمْ يَعْمَلْهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا تَعَرَّضَ لِعَمَلِهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِيهِ إذَا أَمْكَنَ بِالْحِيَازَةِ فِي أَرْضِ الْعَمَلِ فِيهَا فِي إبَّانِهَا فَإِذَا جَاءَ إبَّانَ عَمَلِهَا وَتَرَكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَمَلَ فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ حِيَازَتَهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَعَرَّضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْعَمَلِ فَمَنَعَهُ الْوَاهِبُ لَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الْحِيَازَةَ قَالَهُ أَصْبَغُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمْكَنَهُ مِنْ الْحِيَازَةِ التَّعَرُّضُ لِلْعَمَلِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ فَإِذَا مَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ مَانِعٌ بِيَدٍ غَالِبَةٍ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّلَبِ وَالسَّعْيِ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى حَالَةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ غَيْرُ تَارِكٍ لِلْعَمَلِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ الْعَمَلِ ضَعْفٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا عَنْ الْبَقَرِ وَالْآلَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَنْ يُكْرِيَ، أَوْ يُسَاقِيَ أَوْ يُرْفِقُ غَيْرَهُ، أَوْ يَكُونَ عَجَزَ عَنْ وُجُوهِ الْعَمَلِ كُلِّهَا فَإِنْ كَانَ لِضَعْفٍ فِي الْآلَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْكِرَاءِ وَالِاكْتِرَاءِ، أَوْ الْمُسَاقَاةِ، أَوْ الْإِرْفَاقِ وَإِحْيَاءِ الشَّجَرِ فَالصَّدَقَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا إنْ عَجَزَ عَنْ الْعِمَارَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَتَعَرَّضَ لَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ وَالْإِشْهَادُ يُجْزِي فِي هَذَا الْحَوْزِ، وَلَوْ أَقَامَتْ أَعْوَامًا وَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَعْرِضُهَا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلَا يَجِدُ مَعَ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ فَالْحِيَازَةُ بِالْإِشْهَادِ تَامَّةٌ رَوَى مَعْنَى ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَزَادَ مَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الْمُتَصَدِّقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وَهَبَهُ نَخْلًا هِبَةً مُطْلَقَةً وَفِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ فَالثَّمَرَةُ لِلْوَاهِبِ كَالْبَيْعِ وَجَوَّزَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْضَ النَّخْلِ وَالسَّقْيِ فِي مَالِ الْوَاهِبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا عَشْرَ سِنِينَ، وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا الْعَشْرَ سِنِينَ فَقَدْ وَهَبَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَطَلَتْ الْهِبَةُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ النَّخْلَ يَعْمُرُهَا الْمُعْطِي وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُعْطَى صَحَّ الْقَبْضُ وَكَمُلَتْ الْهِبَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَهَبَ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فَحَازَ الْمُعْطَى الْأُمَّهَاتِ حَتَّى تَضَعَ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ كَالنَّخْلِ يَهَبُهُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَيَحُوزُ الرِّقَابَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ صُوفُ الْغَنَمِ وَلَبَنُهَا، قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ حَازَهَا الْمُعْطَى فَذَلِكَ نَافِذٌ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْطَى، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهَا فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَلَا إدْخَالُهَا فِي الْقِسْمِ حَتَّى تَضَعَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ، قَالَ: وَأَمَّا الْأَجِنَّةُ فَلَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَقَدْ تُبَاعُ أَمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ فَإِنَّ الثَّمَرَ يُرْهَنُ وَلَا يُرْهَنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَنِينُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ نَمَاءٌ حَادِثٌ فِي الْعَيْنِ يَنْفَصِلُ مِنْهُ فَكَمُلَتْ الْعَطِيَّةُ فِيهِ بِقَبْضِ الْأَصْلِ كَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَجَّلْ الْعِتْقَ فِي الْجَنِينِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَبِأَنْ لَا تَتَعَجَّلَ فِيهِ الْهِبَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَهَبُ لِلرَّجُلِ مَا تَلِدُ جَارِيَتُهُ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَبَضَ الْجَارِيَةَ، أَوْ وَضَعَتْ لَهُ عَلَى يَدِ حَائِزٍ لَهُ كَالنَّخْلِ يَهَبُ ثَمَرَتَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا هِبَةُ ثَمَرِ النَّخْلِ فَتَجُوزُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الثَّمَرَةِ تَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ وُجُودِهَا وَقَبْلَهُ وَكَذَلِكَ الْحِيَازَةُ إذَا أَسْلَمَ الرَّقَبَةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَهَبُ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إنْ حَازَ الْمَوْهُوبُ لَهُ النَّخْلَ، أَوْ جُعِلَتْ عَلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلِهِ عِشْرِينَ سَنَةً إذَا حَازَ الْمَوْهُوبُ لَهُ النَّخْلَ، أَوْ حِيزَتْ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَبْضَ النَّخْلِ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ مِنْ حِيَازَتِهَا وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ عَلَى وَجْهِ الْعَرِيَّةِ لَا يُحَاوَلُ الْمُعَرَّى عَمَلَهَا وَلَا الِانْفِرَادُ بِهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْعَرِيَّةِ لَا يَصِحُّ حِيَازَتُهَا إلَّا بِاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ أَنْ يَطْلُعَ فِيهَا ثَمَرُهُ وَيَقْبِضُهَا الْمُعَرَّى فَإِنْ عَدِمَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعَرَّى بَطَلَ الْإِعْرَاءِ. وَقَالَ أَشْهَبُ تَجُوزُ الْحِيَازَةُ بِوُجُودِ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْإِبَارُ أَوْ تَسْلِيمُ الْعَطِيَّةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَرَّى إنَّمَا أَعْطَى الثَّمَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَطَاءً مُؤَجَّلًا لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْأَصْلِ عَنْ يَدِهِ وَلَا قَبْضِ الثَّمَرَةِ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُعَرَّى وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الرِّقَابِ لِتَصِحَّ الْحِيَازَةُ؛ لِأَنَّ عَطِيَّتَهُ لَمْ تَكُنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ سَلَّمَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إلَى الْمُعَرَّى صَحَّتْ الْحِيَازَةُ بَعْدَ أَنْ تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَضَمَّنْ عَطِيَّةً قَبْلَ وُجُودِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ وَتَبَرَّعَ بِالتَّسْلِيمِ صَحَّتْ الْحِيَازَةُ، وَكَمُلَتْ الْعَطِيَّةُ وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْإِبَارُ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ وَدُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ عِنْدِي حِيَازَةٌ فَالْخِلَافُ بَيْنَ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَدَمَ التَّأْبِيرِ عِنْدَ أَشْهَبَ يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْحِيَازَةَ مَعَ ظُهُورِ الطَّلْعِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ نَفْسِ الثَّمَرَةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يُرَاعِي مَعَ كَوْنِ الثَّمَرَةِ عَلَى صِفَةٍ يَصِحُّ حِيَازَتُهَا أَنْ يُوجَدَ قَبْضُهَا لِقَبْضِ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ أَشْهَبُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ احْتَجَّ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنَّ دُخُولَ الْمُعْطَى وَخُرُوجَهُ حِيَازَةٌ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ هُنَالِكَ نَوْعًا مِنْ الْقَبْضِ بِهِ تَكُونُ الْحِيَازَةُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا أَنَّهَا تَقْتَضِي حِيَازَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجْتَزِئَ فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ أَشْهَبُ مِنْ الْحِيَازَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُنَفِّذَ ذَلِكَ لِلْمُعَرَّى إلَّا بِقَبْضِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأَصْلِ فِي حِيَازَةِ الْمُعَرَّى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الدُّورِ فَلَا تَخْلُو الدَّارُ أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ يَسْكُنُهَا، أَوْ لَا يَسْكُنُهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَسْكُنُهَا فَلَا تَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ إلَّا بِإِخْلَاءِ الْوَاهِبِ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ سُكْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ ذَاتَ مَنَازِلَ يُسْكَنُ فِي بَعْضِهَا حِيزَتْ كُلُّهَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدًا صَاحِبَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَا دَارَيْنِ لَهُمَا فَسَكَنَا فِيهَا حَتَّى مَاتَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُلَّهُمَا فَحَازَا مَا سَكَنَا وَمَا لَمْ يَسْكُنَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ كَانَتْ دُورًا فَسَكَنَ وَاحِدَةً مِنْهَا لَيْسَتْ جُلَّهُمَا وَهِيَ تَبَعٌ حَازَ مِنْهَا مَا سُكِنَ وَمَا لَمْ يُسْكَنْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ صَغِيرًا فِي حِجْرِهِ، أَوْ كَبِيرًا حَائِزًا لِنَفْسِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَقِيَ فِيهَا بِاكْتِرَاءٍ، أَوْ إرْفَاقٍ، أَوْ إعْمَارٍ، أَوْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّ عِيسَى رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ ذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا قَبْضٌ وَلَا حِيَازَةٌ مَعَ سُكْنَى الْوَاهِبِ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاهِبَةُ زَوْجَةَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَتَمَادَى عَلَى السُّكْنَى مَعَهَا فِيهَا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْوَاهِبُ لِلزَّوْجَةِ فَيَتَمَادَى عَلَى السُّكْنَى مَعَهَا فِيهَا لَمَنَعَ ذَلِكَ صِحَّةُ الْحِيَازَةِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا عَلَى الزَّوْجِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الزَّوْجَةِ فَسُكْنَى الزَّوْجَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِيَدٍ لَهَا، وَإِنَّمَا الْيَدُ لِلزَّوْجِ فِي الْمَسْكَنِ فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَحُوزَهَا الزَّوْجُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَةِ فِيهَا وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ تَحُوزَهَا الزَّوْجَةُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِ فِيهَا وَمِثْلُ هَذَا أَنْ يَخَافَ الْوَاهِبُ فَيَخْتَفِي عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ، أَوْ يُضَيِّفُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَيَمْرَضُ فِيهَا وَيَمُوتُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمُعْطَى بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُكْنَى فِي الْحَقِيقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا عَلَى وَجْهِ السُّكْنَى بِاكْتِرَاءٍ، أَوْ إرْفَاقٍ فَإِنْ كَانَ رَجَعَ إلَيْهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ قَصَدَ إلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْهَا فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى إبْطَالِ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إذَا سَكَنَهَا بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمُعْطَى السَّنَةَ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَيْهَا الْمُعْطَى بِاكْتِرَاءٍ، أَوْ إسْكَانٍ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمُعْطَى الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَمَاتَ فِيهَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْطَى إذَا كَانَ مَالِكٌ أَمَرَهُ وَحَازَ لِنَفْسِهِ حِيَازَةً بَيِّنَةً تَبْعُدُ فِيهِ التُّهْمَةُ فَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَكَمُلَتْ فَلَا يَضُرُّهَا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ سُكْنَى الْمُعْطَى، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ رُجُوعَ الْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ السُّكْنَى وَمَوْتُهُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَغِيرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا فَحَازَ عَلَيْهِ الْأَبُ، أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَجَعَ الْأَبُ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَكْبُرُوا وَيَحُوزُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَنَةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِيرَ الْحَائِزَ لِنَفْسِهِ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ الْأَبِ الْوَاهِبِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعَدُّ رُجُوعُهُ إلَيْهَا رُجُوعًا فِي هِبَتِهِ وَالصَّغِيرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَتْ حِيَازَةُ الْأَبِ حِيَازَةً تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ الْفَسَادُ فَلِذَلِكَ تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِرُجُوعِ الْأَبِ إلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَسْكُنُهَا الْوَاهِبُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرَضِينَ غَيْرَ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْغَلْقِ وَالْقَفْلِ عَلَيْهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْحَائِزُ فِيهَا فَهُوَ تَمَامُ الْحِيَازَةِ لَهَا. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَدَفَعَ مِفْتَاحَهَا إلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهَا أَنَّ تِلْكَ حِيَازَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا الْمُعْطَى وَلَا أَسْكَنَهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ حِيَازَةَ الْأَبِ الْوَاهِبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فِيهَا بِالْإِشْهَادِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ عِنْدِي بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ السُّكْنَى بِالِاكْتِرَاءِ أَوْ الِانْتِفَاعِ الدَّائِمِ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُهْمَلَةً غَيْرَ مُغْلَقَةٍ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي كِرَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ لَرَأَيْت أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ تُزْرَعْ فِي إبَّانِ زِرَاعَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَكُلُّ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ فِيهِ بِأَنْ يَقْبِضَهُ الْمُعْطَى وَيُخْرِجَهُ عَنْ يَدِ الْمُعْطِي وَانْتِفَاعِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا مُنِعَ الْمُعْطِي مِنْ لُبْسِهِ وَانْفَرَدَ الْمُعْطَى بِلُبْسِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَتَاعِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ وَالرَّقِيقِ الَّذِي يُسْتَخْدَمُ فَقَبْضُهُ أَنْ يُمْنَعَ الْمُعْطِي مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ بِهِ، وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ خَادِمًا، أَوْ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِخَادِمٍ وَهِيَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ تَخْدُمُهَا بِحَالِ مَا كَانَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ إذَا أَشْهَدَ لَهَا بِهَذِهِ الْخَادِمِ فَتَكُونُ عِنْدَهَا كَمَا كَانَتْ فِي خِدْمَتِهَا فَهَذَا إلَى الضَّعْفِ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْهُ هِيَ خَادِمَهَا وَمَتَاعًا فِي الْبَيْتِ فَأَقَامَ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ بِأَيْدِيهِمَا فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُعْطَى يَصِحُّ مِنْهُ الْقَبْضُ لِلْخَادِمِ وَالْمَتَاعِ وَالْحِيَازَةُ لِمَا كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ الْمُعْطَى بِخِلَافِ الدَّارِ إنْ سَكَنَتْ الزَّوْجَةُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُ الزَّوْجَ إسْكَانُهَا عَلَيْهِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَطِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ إلَّا بِتَغَيُّرِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ بِالنَّقْلِ إلَى مَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُعْطَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخُرُوجِهَا عَنْ يَدِ الْمُعْطِي. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَأَمَّا مَا يُسْتَعْمَلُ مُنْفَرِدًا كَالْعَبْدِ يُخَارَجُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي امْرَأَةٍ نَحَلَتْ ابْنًا لَهَا صَغِيرًا عَبْدَهَا، وَلَهُ مَالٌ فَلَمْ يَحُزْهُ الْأَبُ وَلَا الْوَلَدُ حَتَّى مَاتَتْ الْأُمُّ إنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَأَمَّا الْغُلَامُ الَّذِي هُوَ لِلْخَرَاجِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ، وَأَمَّا الْغُلَامُ الَّذِي إنَّمَا هُوَ لِلْخِدْمَةِ فَيَخْدُمُهُ يَخْتَلِفُ مَعَهُ وَيَقُومُ فِي حَوَائِجِهِ فَإِنَّهُ حَوْزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَلَّ أَبُوهُ الْغُلَامَ وَهُوَ مَعَ أَبِيهِ لَكَانَ اخْتِلَافُهُ مَعَهُ وَخِدْمَتُهُ لَهُ حَوْزًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَإِنْ خَدَمَ الْأَبَ مَعَ الْغُلَامِ إلَى أَنْ مَاتَ الْأَبُ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بِخَادِمٍ وَابْنُهُ مِمَّا يَكُونُ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ فَالْإِشْهَادُ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَوْزٌ، وَأَمَّا الْعَبْدُ يُخَارَجُ وَالدَّارُ تُسْكَنُ وَالشَّجَرُ وَمَا هُوَ بَائِنٌ عَنْهُمَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَحُوزَهُ فَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْعَبْدِ وَيَخْرُجَ السَّيِّدُ مِنْ الدَّارِ وَيُجْنَى الشَّجَرُ وَنَحْوُ هَذَا وَأَمَّا الْعُرُوض فَبِالْقَبْضِ وَاللِّبَاسِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَحْوِ هَذَا حَوْزُهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَقَالَ أَصْبَغُ الْإِشْهَادُ حَوْزٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ اللِّبَاسَ وَلَا الْعَارِيَّةَ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا مَا وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ إنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَعَبِيدٍ فَاحْتَلَبَ الْغَنَمَ وَاعْتَمَلَ الْبَقَرَ وَاسْتَخْدَمَ الْعَبِيدَ أَمْرًا خَفِيفًا، أَوْ أَمْرًا مَمْزُوجًا مَرَّةً لِلضَّيْفِ وَمَرَّةً لِلِابْنِ وَمَرَّةً لَهُمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكُونُ حِيَازَةً وَصَدَقَةً تَامَّةً. 1 - (فَصْلٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ حَاضِرَةً بِيَدِهِ وَالْمُعْطَى حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى غَائِبَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بِيَدِ الْمُعْطَى، أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَكَانَ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى غَائِبَيْنِ عَنْ الْهِبَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْحَاضِرِ بِدَارٍ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الِابْنُ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْخُرُوجِ، وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَبْضِ وَلَعَلَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ، أَوْ وَكَّلَ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ فَرَّطَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَنْ يُبْطِلَ الْهِبَةَ كَالْحَاضِرِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْهِبَةَ قَدْ وُجِدَ طَرَفَاهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ تَفْرِيطُهُمَا فِي قَبْضِهَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا فَوَجَبَ أَنْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ أَنْفَذَهَا الْمُعْطِي إلَى الْمُعْطَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الِاجْتِهَادِ وَتَبْطُلُ بِالتَّفْرِيطِ فَجُهِلَ الْأَمْرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ كِنَانَةَ أَنَّهَا عَلَى التَّفْرِيطِ حَتَّى يَثْبُتَ الِاجْتِهَادُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَطِيَّةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ صُورَةُ تَرْكِ الْقَبْضِ فَلَا يُعْدَلُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الِاجْتِهَادَ الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَظَاهِرُهُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى غَائِبًا فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِعَبْدٍ، أَوْ دَارٍ فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ فِي سَفَرِهِ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ ابْنَتِهِ وَلَيْسَتَا مَعَهُ بَعْدُ فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ وَالْعَبْدُ يَخْدُمُهُ أَنَّهُ إنْ أَشْهَد عَلَى الْإِنْفَاذِ مَنْ يَعْرِفُ الْمَرْأَةَ، أَوْ الِابْنَةَ فَذَلِكَ نَافِذٌ، وَإِنْ أَشْهَدَ هَكَذَا مَنْ لَا يَعْرِفُهُمَا فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَوْتَ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ الْهِبَةَ أَصْلُ ذَلِكَ الْحَاضِرُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ عَدَمُ الْقَبُولِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْإِشْهَادَ بِإِنْفَاذِهَا أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مِنْ حِيَازَةِ الْهِبَةِ (فَرْعٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْهَدَايَا وَيَحْمِلُهُ مَعَهُ أَوْ يَبْعَثُ لَهُ مِنْ صِلَةٍ، أَوْ هَدِيَّةٍ إلَى غَائِبٍ فَيَمُوتُ الْمُعْطِي، أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ وُصُولِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ فَهِيَ لِلْمُعْطَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا رَجَعَتْ إلَى وَرَثَةِ الْمُعْطِي وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا رَجَعَتْ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَمَعْنَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُعْطِي بَطَلَتْ الْهَدِيَّةُ فَرَجَعَتْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطَى صَحَّتْ الْهَدِيَّةُ فَكَانَتْ لِوَرَثَتِهِ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِثْلُهُ مُفَسَّرًا أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلْمُعْطَى وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ يُفْسِدُ الْهَدِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى حَيًّا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْإِشْهَادَ يَقُومُ مَقَامَ الْحِيَازَةِ، فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ لِلْعُدُولِ حِينَ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِمْ حَتَّى يُشْهِدَهُمْ وَاَلَّذِي يُجْزِئُ مِنْ الْإِشْهَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَشْهِدُوا عَلَيَّ فَهَذَا إشْهَادٌ تَامٌّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ قَالَ لِرَسُولَيْنِ: ادْفَعَا ذَلِكَ إلَى فُلَانٍ فَإِنِّي وَهَبْته ذَلِكَ فَهِيَ شَهَادَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنِّي وَهَبْته فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ، وَإِنْ شَهِدَا بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَشْهَدَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إشْهَادًا، أَوْ يَصِلَ ذَلِكَ إلَى الْمُعْطَى فِي حَيَاةِ الْمُعْطِي. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا سَمِعَا مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَبْتِيلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ بِهَا فِي الْإِتْيَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُ مِنْ تَبْتِيلِهَا، فَقَوْلُهُ إنِّي قَدْ وَهَبْته إيَّاهَا مَعَ أَمْرِ الْحَامِلِينَ بِإِيصَالِهَا إلَى الْمُعْطَى يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ بِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي إلَّا الْقَصْدُ إلَى الْإِشْهَادِ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْعَلَ فِي أَمْرِهَا فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْعُدُولَ حِينَ الشِّرَاءِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِشْهَادَ فَإِنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْمُعْطِي فَهِيَ لَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُعْطِي وَلَا قُبِضَتْ فِي حَيَاتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ يَدِ الْمُعْطَى فَحِيَازَةُ الْمُعْطِي بِالطَّلَبِ لَهَا أَقْوَى. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِعَبْدِهِ الْآبِقِ عَلَى رَجُلٍ فَطَلَبَهُ الْمُعْطِي وَاجْتَهَدَ فَلَمْ يَجِدْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْطَى قَالَ هُوَ نَافِذٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُعْطَى فَالْإِشْهَادُ فِيهِ وَطَلَبُ الْمُعْطِي لَهُ حَوْزٌ كَالدَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَبْضِهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ عَلِمَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ صَارَ حَائِزًا لِلْمُعْطَى فَلَوْ دَفَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْمُعْطِي ضَمِنَهَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةُ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَتَبَ إلَى وَكِيلِهِ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَأَعْطَاهُ الْوَكِيلُ خَمْسِينَ وَمَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ وَكِيلَهُ بِمَنْزِلَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَأْمُورٌ بِالدَّفْعِ فَهُوَ فِيهِ نَائِبٌ عَنْ الْمُعْطِي وَالْمُودَعُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لِلْمُعْطَى صَارَ حَافِظًا لَهَا وَصَارَتْ يَدُهُ يَدَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَدَ صَحَّتْ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ الْمُعْطِي دَعْهَا لِي بِيَدِك وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ تَعُودَ يَدُ الْمُودَعِ لِلْمُعْطِي فَيَكُونُ قَابِضًا لَهُ وَحَافِظًا لِمَا أَعْطَى بِأَمْرِهِ فَتَصِحُّ بِذَلِكَ الْحِيَازَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْطَى رَجُلًا غَلَّةَ كَرْمِهِ سِنِينَ، أَوْ أَسْكَنَهُ دَارِهِ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِالرَّقَبَةِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَالصَّدَقَةُ لِلِابْنِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِأَنَّهُ جَعَلَ لِلسَّاكِنِ الْحِيَازَةَ لِابْنِهِ، وَلَوْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا، قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِيهَا وَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُوَ حِيَازَةٌ لِمَنْ أَعْطَى الرَّقَبَةَ، وَإِنْ كَانَ أَسْكَنَ ثُمَّ أَعْطَى الرَّقَبَةَ فَإِنْ رَجَعَتْ الرَّقَبَةُ وَالْمُعْطِي حَيٌّ فَهِيَ لِلْمُعْطَى وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي، أَوْ أَفْلَسَ، أَوْ مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يُرْجِعَ الرَّقَبَةَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْدَمَ رَجُلًا عَبْدًا ثُمَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَتَلَ رَقَبَتَهُ لِلْآخَرِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ يَدَ السَّاكِنِ لَيْسَتْ بِيَدِ الْمُعْطِي فَجَازَ أَنْ يَجُوزَ لِلْمُعْطَى كَمَا لَوْ كَانَ الْإِسْكَانُ وَالْعَطِيَّةُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّاكِنَ لَمَّا انْفَرَدَتْ عَطِيَّتُهُ وَتَقَدَّمَتْ وَحَازَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا لِغَيْرِهِ كَالْمُعْطِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَهَبَ مَا عِنْدَ الْمُعْطَى بِعَارِيَّةٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ إجَارَةٍ فَقَوْلُ الْمُعْطَى قَبِلْت حِيَازَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِبَلَدِ غَيْرِ الْمُعْطَى بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ذَلِكَ نَافِذٌ إذَا شَهِدَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِيَدِ رَجُلٍ يُحْسِنُ يُرِيدُ حَيَاتَهُ، أَوْ عَارِيَّةً فَيَجُوزُ لِلْمُعْطَى وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي، وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ حَوْزًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَهُ مَعَ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ لِلْمُعْطَى كَالْمُعَارِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعْطَى يَأْخُذُ عِوَضَ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَتْ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدَهُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وَهَبَهُ مَا بِيَدِ غَاصِبِهِ لَمْ تَكُنْ حِيَازَةُ الْغَاصِبِ لَهُ حِيَازَةً رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ. وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ قَبْضٌ وَحِيَازَةٌ لِلْمُعْطَى قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَيْهِ يَجُوزُ بِالْإِشْهَادِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ يَدٌ مَانِعَةٌ لِلْمُعْطَى فَلَمْ تَصِحَّ بِهَا الْحِيَازَةُ كَيَدِ الْمُعْطِي، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدٍ لِلْمُعْطِي وَإِذَا اسْتَوَتْ يَدُ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى صَحَّتْ حِيَازَةُ الْمُعْطَى كَالْأَرْضِ الْمَبُورَةِ وَالدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وَهَبْته دَيْنًا لَك عَلَى غَرِيمٍ لَك غَائِبٌ فَدَفَعْت إلَيْهِ ذَلِكَ الْحَقَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرُ حَقٍّ فَأَشْهَدْت وَقَبِلَ الْمُعْطَى جَازَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هَكَذَا يُقْبَضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَوْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ الْحَوْزُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَوْ قَالَ لَا أَرْضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وُهِبَ الْمُسْتَوْدَعُ مَا عِنْدَهُ فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ. وَقَالَ أَشْهَبُ بَلْ هِيَ حِيَازَةٌ جَائِرَةٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ بِيَدِ الْمُعْطَى فَتَأَخُّرُ الْقَبُولِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَالَ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبْته هِبَةً فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَقَبَضَهَا لِيَنْظُرَ رَأْيَهُ فَمَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ مَاضِيَةٌ إنْ رَضِيَهَا وَلَهُ رَدُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَعَثَ بِهِبَةٍ إلَى رَجُلٍ فَأَشْهَدَ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا فَتَكُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَهُ رَدُّهَا، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهِبَةَ يَمْنَعُ صِحَّتُهَا عَدَمُ الْقَبْضِ فَبِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهَا عَدَمُ الْقَبُولِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَمَعْنَى الْقَبْضِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ وَتَصِيرَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُعْطِي وَلَا إذْنِهِ فَمَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ وَيَرْضَى فَذَلِكَ حَوْزٌ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَ حَوْزٌ لِلْمُعْطَى لَيْسَ لِلْمُعْطِي مَنْعُهُ مِنْهُ فَصَحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَقُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَامَ غَرِيمُهُ فَحَازَهُ وَالْمُعْطَى غَائِبٌ فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْطَى فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ حَازَهَا بِسُلْطَانٍ، أَوْ بِغَيْرِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ تَصِحُّ الْحِيَازَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُعْطِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ بِمَسْكَنٍ فَخَزَّنَ فِيهِ الزَّوْجُ طَعَامًا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ إنَّ ذَلِكَ حِيَازَةٌ لِابْنَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا سَلَّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَحُوزَ لِابْنَتِهِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً لَهَا إلَّا أَنْ تُوَكِّلَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَبْقَ بِيَدِ الْوَاهِبِ بَلْ هِيَ عَلَى حَالَةٍ يَتَسَاوَى فِيهَا الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةُ الْحِيَازَةِ كَالدَّيْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُعْطَى وَلَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فَلَمْ تَتِمَّ حِيَازَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمُعْطِي، وَهَذَا الْأَصْلُ قَدْ أَوْجَبَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ وَاَللَّهُ

[باب فيما يمنع الحيازة ويبطل العطية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ ثُمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَخَاصَمَهُ الْمُعْطَى وَأَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَحُكِمَ لَهُ بِهَا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ الْحُكْمُ بِحَوْزٍ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُعْطِي وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى. وَقَالَ أَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ هُوَ حَوْزٌ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بِطَلَبِ سِلْعَتِهِ فِي التَّفْلِيسِ وَتَقُومُ بَيِّنَةٌ فَيَمُوتُ الْمُفْلِسُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِخَصْمِهِ، وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْمُعْطَى فَإِنَّهَا بَيَّنَتْ إقْرَارَ الْمُعْطِي، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ مَنْعَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ مَعَ طَلَبِ الْمُعْطَى لَهَا لَيْسَ بِأَثْبَتَ مِنْ إنْفَاذِهِ لَهَا فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى الْمُعْطَى، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ فَمَنْعُهُ إيَّاهَا عُذْرٌ يَصِحُّ مَعَهُ الْحِيَازَةُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمُعْطَى الْقَبُولُ وَالطَّالِبُ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ وَاَلَّذِي بَعَثَ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبُولٌ وَلَا طَلَبٌ، وَقَدْ قَضَى بِحِيَازَتِهِ لِعُذْرِ الْمَسَافَةِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا وَقَفَ الْإِمَامُ الْعَطِيَّةَ حَتَّى يَنْظُرَ فِي حُجَّتِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا كَمَا لَوْ قَامَ فِي الْفَلْسِ فِي سِلْعَتِهِ فَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِهَا حَتَّى مَاتَ الْمُفْلِسُ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ أَمَّا إدْخَالُ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَاهِبِ وَبَيْنَهَا حَتَّى لَا يَجُوزَ حُكْمُهُ فِيهَا فَيَقْضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا كَانَ يَقْضِي فِي حَيَاتِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاهِبُ مَنَعَ مِنْهَا الْمُعْطَى فَلَمْ يَطْلُبْهَا فَهِيَ بَاطِلٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ الْمُعْطِي الْهِبَةَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْبَيْعُ حِيَازَةٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ الْبَيْعُ بِحِيَازَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقُ وَحْدَهُ وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ إخْرَاجٌ عَنْ الْمِلْكِ فَأَغْنَى عَنْ الْحِيَازَةِ كَالْعِتْقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ وَيُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ حِصَّةً مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَلَيْهِ سَائِرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ فَلَمْ يُغْنِ عَنْ الْحِيَازَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وَهَبَهُ الْمُعْطِي ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْهِبَةَ حَوْزٌ، وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ حِيَازَةً؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى حِيَازَةٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ خُرُوجَ الْعَطِيَّةِ عَنْ الْمِلْكِ حِيَازَةٌ كَالْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يُغْنِ عَنْهَا غَيْرُهَا مِنْ الْهِبَاتِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا وَهَبَهُ الْمُعْطِي لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ فَهُوَ لَهُ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، أَوْ الْوَاهِبِ الْأَوَّلِ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْآخَرُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ الْأَوَّلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. [بَابٌ فِيمَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ وَيُبْطِلُ الْعَطِيَّةَ] 1 (بَابٌ فِيمَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ وَيُبْطِلُ الْعَطِيَّةَ) وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحِيَازَةِ، أَوْ يُفْلِسَ، أَوْ يَمْرَضَ مَرَضَ مَوْتِهِ فَإِذَا مَرِضَ تَوَقَّفَ عَنْ إنْفَاذِ الْهِبَةِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قُضِيَ لَهُ بِإِبْطَالِهَا، وَإِنْ صَحَّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَمْرَضْ فِي صِحَّةِ عَطِيَّتِهِ وَإِبْطَالِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ مَرَضِهِ مَبْلَغًا تَيَقَّنَ الْمَوْتَ مِنْهُ فَلَوْ كُنْت جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الْهِبَةِ لِلْوَاحِدِ يَبْطُلُ جَمِيعُهَا، أَوْ يَصِحُّ جَمِيعُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يَقْبِضْ الْأَجْنَبِيُّ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَبْطُلُ حِصَّةُ الصِّغَارِ وَحِصَّةُ الْكِبَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْرَفُ إنْفَاذُ الْحَبْسِ لِلصِّغَارِ إلَّا بِحِيَازَةِ الْكِبَارِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ نَصِيبُ الصَّغِيرِ جَائِزٌ وَيَبْطُلُ نَصِيبُ الْكَبِيرِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْجَمِيعَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي هِبَةِ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِعَدَمِ الْحِيَازَةِ بَطَلَ جَمِيعُهَا كَالْحَبْسِ، وَوَجْهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْحَبْسِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِجَمَاعَةٍ مُقْتَضَاهَا الْقِسْمَةُ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلُ بَعْضُهَا وَيَصِحُّ بَعْضُهَا وَالْحَبْسُ يُنَافِي الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ، وَإِنَّمَا تُقَسَّمُ الْغَلَّةُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُ الْحَبْسِ لِعَدَمِ الْحِيَازَةِ بَطَلَ جَمِيعُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ بِعَبْدٍ، أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي صِحَّتِهَا فَلَمْ يَجُزْ عَنْهَا حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهَا إنَّهَا بَاطِلَةٌ كَالْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً فَإِنْ بَرِئَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَى صَدَقَتِهَا، وَإِنْ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ بِمَوْتِهَا، وَقَدْ يُرْوَى هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الْحِيَازَةِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ الْحَوْزِ فَقَدْ بَطَلَتْ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَّصِلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ لَكَانَ عَلَى صَدَقَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُفْلِسُ فَإِذَا حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ حِيَازَةِ الْعَطِيَّةِ بَطَلَتْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ إنْ بِيعَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ قَصُرَ بَعْضُهُ عَنْ مَبْلَغِ الدَّيْنِ لِلتَّبْعِيضِ يُبَاعُ جَمِيعُهُ فَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَيُعْطَى مَا بَقِيَ لِلْمُتَصَدِّقِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمَّا اسْتَحَقُّوهُ مِنْ يَدِهِ فَبِيعَ لَهُمْ فِي دَيْنِهِمْ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ عَدَمِ الْحِيَازَةِ فَأَمَّا إذَا حَازَ الْعَبْدُ، وَقَدْ كَانَ تَدَايَنَ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْعَطِيَّةَ قُبِضَتْ، أَوْ لَمْ تُقْبَضْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا إنْ أَدَانَ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الدَّيْنَ أَوْلَى وَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ قَالَ أَصْبَغُ الصَّدَقَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ بَعْدَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ يَوْمُ الصَّدَقَةِ لَا يَوْمُ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَوْمَ الْحِيَازَةِ لَا يَوْمَ الْعَطِيَّةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِمُرَاعَاةِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إذَا تَقَدَّمَ لَهُ الدَّيْنُ، وَقَدْ كَانَ لَهُ وَفَاءً يَوْمَ الصَّدَقَةِ، أَوْ لَمْ يَدْرِ الدَّيْنَ قَبْلَ الصَّدَقَةِ، أَوْ بَعْدَهَا فَالصَّدَقَةُ الْمَقْبُوضَةُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَازَهَا لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ حَتَّى يَعْرِفَ خِلَافَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَغَلَّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْرِ اسْتَغَلَّ لِنَفْسِهِ، أَوْ لَهُمْ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَسْتَغِلُّهَا لِنَفْسِهِ دُونَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ عَنْهُ لَا يَدْرِي الدَّيْنَ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا الصَّدَقَةُ أَوْلَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ قَبْلَ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَازَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَكَانَ الدَّيْنُ أَوْلَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، أَوْ وَهَبَهُ فَلَمْ يَحُزْ عَنْهُ حَتَّى بَاعَهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْبَيْعَ أَوْلَى وَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ يَرُدُّ الْبَيْعَ وَيَأْخُذُ الْمُعْطَى صَدَقَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا عَلِمَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاعَهَا الْمُتَصَدِّقُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ مَا دَامَ الْمُتَصَدِّقُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْبَيْعُ مَاضٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ حِيَازَةٌ يَضْمَنُ بِهِ الْمَبِيعَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كِلَا الْعَقْدَيْنِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَكَانَ أَسْبَقُهُمَا أَوْلَى كَالْبَيْعَتَيْنِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلِ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا لَمْ أَفْسَخْ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ لَا شَكَّ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ إنْ كَانَ الْمُعْطَى حَاضِرًا فَلَمْ يَقُمْ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى رَدِّهِ وَلَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُعْطِي فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ وَأَنَّ الْبَيْعَ الْحَادِثَ قَدْ مَنَعَ مِنْ الْحِيَازَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ صَحِيحَةٌ فَإِنْ قَامَ الْمُعْطَى عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُقِرَّ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ لِكَوْنِ الْعَطِيَّةِ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ كَمَنْ بِيعَ مِلْكُهُ وَهُوَ عَالِمٌ فَلَمْ يُنْكِرْ فَلَهُ الثَّمَنُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ حِيَازَةٌ فَإِنْ قَبَضَهُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحِيَازَةِ بِمَوْتِ الْمُعْطِي كَمُلَتْ الْعَطِيَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَلِذَلِكَ قَالَ مُطَرِّفٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْطَى غَائِبًا فَقَدِمَ فِي حَيَاةِ الْمُعْطِي كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ رَدِّ الْبَيْعِ أَوْ أَخْذِ الثَّمَنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَالْعُتْبِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَعْطَاهَا الْوَاهِبُ لِرَجُلٍ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْأَوَّلُ فَإِنْ حَازَهَا الثَّانِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَتُنْزَعُ مِنْ الثَّانِي، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَالْحَائِزُ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَالِكَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْهِبَةَ الثَّانِيَةَ لَمَّا قَوِيَتْ بِالْحِيَازَةِ صَارَتْ كَالْبَيْعِ فَمَتَى قُدِّمَ الْبَيْعُ عَلَى الْهِبَةِ لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ الثَّانِيَةِ إذَا قَارَنَتْهَا الْحِيَازَةُ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ عَلِمَ بِالصَّدَقَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ، أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُفَرِّطْ وَنَدِمَ الْمُتَصَدِّقُ فَفَاجَأَهُ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إنْ أَدْرَكَهَا قَائِمَةً وَإِنْ فَاتَتْ كَانَ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا وَإِنْ فَاتَتْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً فَأَعْتَقَهُ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَنْفُذُ الْعِتْقُ وَالِاسْتِيلَادُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يَرُدُّ الْعِتْقَ وَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ الْأَمَةُ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ مِنْ التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا عِتْقُ الْمُمَلَّكِ كَالْبَيْعِ وَعَلَيْهِ فِي الْأَمَةِ الْقِيمَةُ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَاتَبَ الْوَاهِبُ الْعَبْدَ، أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى فِي خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ وَلَا كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ وَلَا رَقَبَتَهُ، وَإِنْ عَجَزَ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ قَتَلَهَا رَجُلٌ فَالْقِيمَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِ لَهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ فِي الْهِبَةِ وَمُبْطِلٌ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي رَهَنَ الْعَطِيَّةَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ فَمَاتَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَثْبُتُ الْحَبْسُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا أَحْدَثَهُ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَمَّا مَا أَحْدَثَهُ فِي الْهِبَةِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ فَبَقِيَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَثُلُثُهُ صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَقِيَتْ فِي يَدَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ عَدَا عَلَيْهَا فَبَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ وَالِابْنُ صَغِيرٌ إنَّ صَدَقَةَ الِابْنِ ثَابِتَةٌ يَأْخُذُهَا مِنْ مَالِهِ وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ حَظَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ مَالُ وَارِثٍ يُرِيدُ أَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ قَدْ تَعَلَّقَ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْحِيَازَةَ كَمَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ قَالَهُ لَمَّا تَيَقَّنَ الْوَفَاةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ تَوَقُّفًا لَهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيفِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَرَقِّبَةٌ مِمَّنْ حَازَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ صَحَّ صَحَّتْ إفَاقَتُهُ الْحِيَازَةَ. (فَصْلٌ) : قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ أَخَوَاك وَأُخْتَاك هَكَذَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ إنْ وَرَثَته مِنْ ذِكْرٍ وَقَدْ وَرِثَهُ مَعَ ذَلِكَ زَوْجُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَزَوْجُهُ بِنْتُ خَارِجَةَ وَتَرَكَ أَبَاهُ أَبَا قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنَ عَامِرٍ وَمَاتَ بَعْدَهُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ رَدَّ سُدُسَهُ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ وَعَدَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نِحَلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْت أَعْطَيْته إيَّاهُ، مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نَحَلَهَا حَتَّى يَكُونَ إنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إنَّمَا يَرِثُنِي بِالْبُنُوَّةِ أَنْتَ وَأَخَوَاك وَأُخْتَاك يُرِيدُ أَنَّ الَّذِينَ يُشَارِكُونَك فِي هَذِهِ الْعَطِيَّةِ إنَّمَا هُمْ إخْوَتُك عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيَةِ لَهَا عَمَّا صَارَ إلَى غَيْرِهَا مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ يَصِيرُ إلَيْهِمْ ذَلِكَ مِمَّنْ يَسُرُّك غِنَاهُمْ فَقَالَتْ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْته وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ لَتَرَكْته إذَا لَمْ أَسْتَحِقَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ لَتَرَكْته، وَإِنْ كَانَ لِي مِمَّنْ ذَكَرْته مِمَّنْ أُحِبُّ لَهُ الْغِنَى وَالْخَيْرَ مِمَّنْ يُشْفَقُ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا: وَإِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الْأُخْرَى لَمَّا لَمْ تَعْلَمْ لِنَفْسِهَا أُخْتًا غَيْرَ أَسْمَاءَ فَقَالَ لَهَا ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ يُرِيدُ أَنَّ حَمْلَهُ يُوجَدُ وَيُقَالُ: إنَّ اسْمَهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخَزْرَجِيِّ يَعْتَقِدُ فِيهَا أَنَّهَا جَارِيَةٌ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَذَلِكَ لِرُؤْيَا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ تَأَوَّلَ فِيهَا ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ فَوَلَدَتْ بِنْتُ خَارِجَةَ بِنْتًا سُمِّيَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نِحَلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ إخْرَاجَ الْعَطِيَّةِ مِنْ يَدِ الْأَبِ النَّاحِلِ هُوَ الْوَاجِبُ، أَوْ الْأَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ بَالِغًا مَالِكًا لِأَمْرِ نَفْسِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّ مِنْ الْعَطَايَا مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْأَبِ الْعَطِيَّةَ مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ وَمِنْهَا مَا يَصِحُّ حِيَازَتُهَا مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ الْأَبِ إلَّا أَنَّ إخْرَاجَهَا عَنْ يَدِ الْأَبِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ أَفْضَلُ وَأَبْيَنُ فِي صِحَّةِ الْحِيَازَةِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَطَايَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَيَّنُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ فَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَإِنَّهَا إنْ بَقِيَتْ بِيَدِ الْوَاهِبِ غَيْرِ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ فَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ طَبَعَ عَلَيْهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ وَيُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةِ الْعَيْنِ وَلَا مُتَعَيِّنَةٍ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَفَ أَعْيَانُهَا إذَا أُفْرِدَتْ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا إذَا خَتَمَ عَلَيْهَا وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَبْطُلُ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ خَتَمَ عَلَيْهَا الشُّهُودُ وَالْأَبُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَاضِيَةٌ وَبِهِ أَخَذَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمَدَنِيُّونَ قَالَ مُطَرِّفٌ إذَا خَتَمَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهَا الشُّهُودُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ الْمُعْطِي كَاَلَّتِي لَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا تَمَيَّزَتْ بِالْخَتْمِ عَلَيْهَا صَحَّتْ الْحِيَازَةُ فِيهَا. (فَرْعٌ) فَأَمَّا إذَا وَهَبَهُ دَنَانِيرَ فَوَضَعَهَا عَلَى يَدِ رَجُلٍ يَحُوزُهَا لَهُ فَحَدَثَ لِلرَّجُلِ سَفَرٌ وَمَاتَ فَقَبَضَهَا الْأَبُ فَمَاتَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَاضِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا حِيزَتْ مُدَّةً فَلَا يُبَالِي قَبَضَهَا الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا كَالدَّارِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ فَيَحُوزُهَا عَنْهُ سَنَةً وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَجَعَلَهَا لَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ تَسَلَّفَهَا فَمَاتَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنًا ثُمَّ قَبَضَهُ الْأَبُ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ إمْضَاءَ الْهِبَةِ بِأَنَّهَا حِيزَتْ مُدَّةً، وَشَبَّهُ ذَلِكَ بِالدَّارِ تُحَازُ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ إلَى سُكْنَاهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ تَسَلَّفَهَا بَعْدَ أَنْ حِيزَتْ عَنْهُ نَفَذَتْ الْهِبَةُ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْقَبْضِ فِي مَسْأَلَةِ السَّفَرِ وَإِنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِعُذْرِ السُّكْنَى جَائِزٌ وَلَمْ يَذْكُرْ انْتِفَاعَ الْأَبِ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ قَبْضَ الْأَبِ لِلدَّيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَسَلُّفَهُ لَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا انْتِفَاعَهُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ مَسْأَلَةَ السَّفَرِ بِمَنْ حِيزَتْ عَنْهُ الدَّارُ سَنَةً اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ حِيزَتْ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ الْحِيَازَةُ وَاقْتَضَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ قَبْضَ الْأَبِ لَهَا بَعْدَ حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ، وَإِنَّمَا يُبْطِلُهَا انْتِفَاعُ الْأَبِ بِهَا وَسَلَفُهُ إيَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحِيَازَةَ قَدْ وُجِدَتْ فِيهَا فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَبَضَهُ الْأَبُ وَمَاتَ وَهُوَ بِيَدِهِ. وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّتِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حِيَازَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِيهَا ضَعْفٌ، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ حِيَازَةُ النَّائِبِ عَنْهُ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَتَعَيَّنُ بِقَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَإِذَا اسْتَرْجَعَهَا الْأَبُ مِنْ يَدِهِ وَصَرَفَهَا فِي مَنْفَعَتِهِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَلَوْ تَسَلَّفَهَا مِنْ الْكَبِيرِ بَعْدَ أَنْ تَتِمَّ حِيَازَتُهَا لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ، أَوْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ فَجَعَلَ مَنْ يَحُوزُ لَهُمْ فَحَازَ ذَلِكَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَوُجِدَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ، قَالَ مُطَرِّفٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْأَبُ أَنَّهُ رَدَّ حِيَازَتَهَا إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِي مَنْ كَانَ يَحُوزُهَا سَفَهٌ فَإِنَّهُ يَحُوزُ ذَلِكَ إذَا أَشْهَدَ. وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ فِي أَنَّ قَبْضَهَا لِلْحِفْظِ لِلِابْنِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِشْهَادَ ضَرُورَةَ الْأَخْذِ لَهَا مِنْ الْحَائِزِ بِسَفَهِهِ وَتَتَّفِقُ أَقْوَالُهُمْ عَلَى أَنَّ لِحِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ تَأْثِيرًا فِي صِحَّةِ الْحِيَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَمَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ مَنْ قَبَضَ لِابْنِهِ الصَّغِيرَ مَا فِي يَدِهِ وَحَازَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ إذَا كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّعَامِ وَسَائِرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَّا أَنْ يَضَعَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ لَمْ تَصِحَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ قَدْ يُتْلِفُ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ، أَوْ يَتْلَفُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفُ عَيْنُهُ فَلَا يُعْلَمُ إنْ كَانَ مَا وُجِدَ هُوَ الَّذِي كَانَ وَهَبَهُ، أَوْ غَيْرُهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَهَا الْأَبُ إذَا وَضَعَهَا فِي شَيْءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَمَيَّزُ وَيُمْكِنُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَمَا يَتَمَيَّزُ عَيْنُهُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِي حِيَازَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، أَوْ مَعْدُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِدَارٍ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى بَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ الصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ وَالثَّمَنُ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَاتَ فِي دَارِ الْمُشْتَرِي وَسَوَاءٌ بَاعَهَا بِاسْمِ الْوَلَدِ، أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ بَاعَهَا لِنَفْسِهِ اسْتِرْجَاعًا لَهُ فِيهَا فَإِنْ عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ رَدَّ الْبَيْعَ وَرَجَعَتْ الدَّارُ لِلْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَسَوَاءٌ مَاتَ فِيهَا، أَوْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ الصَّدَقَةِ ثُمَّ بَاعَهَا فَسَوَاءٌ بَاعَهَا لِنَفْسِهِ اسْتِرْجَاعًا، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ لِلْوَلَدِ، مَاتَ الْأَبُ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْأَبُ شَيْئًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَأَشْهَدَ عَلَى احْتِيَازِهَا لِابْنِهِ ثُمَّ بَاعَهَا بِاسْمِ الِاسْتِرْجَاعِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي بَاعَ بَعْدَ أَنْ أَخْلَاهَا مِنْ سُكْنَاهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِحَوَانِيتَ وَمَسَاكِنَ لَهَا غَلَّاتٌ فَلَمْ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِيهَا لِلِابْنِ بِاسْمِهِ، أَوْ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ لِلِابْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَاهَا وَلَمْ يَقُلْ أَكْرَيْتُ لِابْنِي، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ إلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ يَحُوزُهُ لِابْنِهِ. وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ الْكِرَاءُ بِاسْمِ نَفْسِهِ وَعَابَهُ وَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ هَذَا خِلَافُ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ

[باب في الذين يحاز عليهم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يُسَمِّ الْغَنَمَ، أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تُعْرَفُ بِأَعْيَانِهَا وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ كَمَا يُسَمِّي أَهْلُ مِصْرِ الْخَيْلَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ: وَقَدْ كَانَ يَقُولُ إذَا ذَكَرَ عِدَّة مِنْ غَنَمِهِ، أَوْ خَيْلِهِ وَتَرَكَ ذَلِكَ شَرِكَةً فَهُوَ جَائِزٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، زَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْعَيْنَ وَالْمَسْكَنَ وَالْمَلْبُوسَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ يُرِيدُ إذَا لَبِسَهُ أَوْ سَكَنَهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حِيَازَتُهَا لِابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِوَلَدِهِ كَالرَّهْنِ الْمُشَاعِ لَوْ بَقِيَ بِيَدِ الرَّاهِنِ لَمْ تَصِحَّ الْحِيَازَةُ فِيهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَطِيَّةِ وَالرَّهْنِ أَنَّهُ يَحُوزُ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ الْعَطِيَّةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ لَهُ مَا وَهَبَ لَهُ إيَّاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ وَهَبَهُ نِصْفَ غَنَمِهِ، أَوْ نِصْفَ عَبِيدِهِ، أَوْ دَارِهِ مُشَاعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْإِبْطَالُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِجُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَرَكَ بَاقِيهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ جَعَلَ الْبَاقِيَ لِلسَّبِيلِ فَحَازَ ذَلِكَ الْأَبُ حَتَّى مَاتَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ مَا كَانَ لِلِابْنِ فَهُوَ نَافِذٌ وَيَبْطُلُ مَا كَانَ لِلسَّبِيلِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَبْطُلَ كُلُّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَلَا شَيْءَ لِلِابْنِ وَلَا لِلسَّبِيلِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَبْضَهُ لِابْنِهِ الْجُزْءَ الْمُشَاعَ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُفْرَدِ الْمُتَمَيِّزِ وَيَبْطُلُ مَا لِابْنِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُوزُ لَهُمْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ قَبْضَهُ الْجُزْءَ الْمُشَاعَ لِابْنِهِ وَبَاقِيهِ لَهُ، أَوْ رَاجِعٌ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا يَقْبِضُهُ لِابْنِهِ مِمَّا أَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ عِدَّةً مِنْ جُمْلَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إشْهَادُهُ بِالْحِيَازَةِ لِابْنِهِ حِيَازَةً، وَقَدْ رَأَيْت مَعْنَاهُ لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ لِلصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ مَا وَهَبَهُ إلَّا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ، أَوْ السُّلْطَانُ، أَوْ مَنْ يَلِيهِ فَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمٍّ، أَوْ أَخٍ، أَوْ جَدٍّ، أَوْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَحُوزُ لَهُ مَا وَهَبَهُ يَتِيمًا كَانَ، أَوْ ذَا أَبٍ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ حَوْزَ الْأُمِّ عَلَى الْيَتِيمِ الصَّغِيرِ حِيَازَةٌ فِيمَا وَهَبَتْهُ لَهُ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَكَذَلِكَ مَنْ وَلِيَ صَبِيًّا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ مِنْ قَرِيبٍ فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانُوا إنَّمَا ابْتَدَءُوا وِلَايَتَهُ مِنْ يَوْمِ الصَّدَقَةِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَأَصْبَغُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى يَتِيمٍ لَهُ، أَوْ صَغِيرٍ فِي حِجْرِهِ هَلْ يَحُوزُ لَهُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا الْأَبُ، أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ، أَوْ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً وَالْأَجْدَادُ كَالْأَبِ فِي عَدَمِهِ وَالْجَدَّاتُ كَالْأُمِّ إذَا كَانَ فِي حِجْرٍ آخَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُمْ إلَى رَجُلٍ يَلِيهِ، وَجْهَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَا يَلِي الْمَالَ بِنَفْسِهِ وَلَا قَدَّمَهُ مَنْ يَلِيه بِنَفْسِهِ فَلَمْ تَصِحَّ حِيَازَتُهُ كَابْنِ الْعَمِّ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَتْ لَهُ وِلَايَةٌ وَنَظَرٌ فَصَحَّتْ حِيَازَتُهُ لَهُ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُوصِي عَلَى وَلَدِهِ وَلَا كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ خَبَرُهُ إلَى السُّلْطَانِ فَيَلِيه أَوْ يُوَلِّي عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ وَلِيُّهُ غَيْرَهُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، أَوْ الْقَرَابَةِ فِي حُكْمِ الْوَصِيِّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَلِيَهُ وَيَحُوزَ لَهُ كَالْأَبِ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى بَعْضٍ لِقُوَّةِ سَبَبِهِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَحُوزُ عَلَى يَتِيمِهِ مَا أَعْطَاهُ فَقَدْ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ مُفْرَدَ النَّظَرِ فَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَلْيُخْرِجْهَا إلَى شَرِيكِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ قَالَ وَقِيلَ إنَّ حِيَازَتَهُ تَامَّةٌ. [بَابٌ فِي الَّذِينَ يُحَازُ عَلَيْهِمْ] (بَابٌ فِي الَّذِينَ يُحَازُ عَلَيْهِمْ) وَاَلَّذِي يُحَازُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّغِيرُ وَالْبِكْرُ الْبَالِغَةُ وَالسَّفِيهُ وَاسْمُ الْيَتِيمِ يَنْطَلِقُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشُيُوخُنَا وَقَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ، وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِيهِ فِي كِتَابِ السِّرَاجِ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنَّ حَدَّ الصِّغَرِ يُذْكَرُ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُ قَالَهُ مُحَمَّدٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فَجَعَلَ تَعَالَى إينَاسَ الرُّشْدِ شَرْطًا فِي دَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يُخَافُ عَلَيْهِ إفْسَادُ الْمَالِ وَتَأْثِيرُ الرُّشْدِ فِي حِفْظِ الْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الْبُلُوغِ فَإِذَا رَوْعِي الْبُلُوغُ فَبِأَنْ يُرَاعَى الرُّشْدُ أَوْلَى وَأَحْرَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّغِيرِ فِي الْحَجْرِ مَا لَمْ تُعَنِّسْ فَإِنْ عَنَّسَتْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِكْرِ يَحُوزُ لَهَا أَبُوهَا، وَإِنْ عَنَّسَتْ وَقَالَ أَيْضًا: إلَّا أَنْ تَكُونَ عَنَّسَتْ وَرَضِيَتْ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا بِكْرٌ ذَاتُ أَبٍ فَلَزِمَهَا حَجْرُهُ كَاَلَّتِي لَمْ تُعَنِّسْ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا بَالِغَةٌ رَشِيدَةٌ خَبِيرَةٌ بِمَصَالِحِهَا فَزَالَ عَنْهَا الْحَجْرُ كَالثَّيِّبِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَحُوزُ لَهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ التَّعْنِيسَ الْكَثِيرَ فَإِذَا بَلَغَتْ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ فَهَذِهِ تَحُوزُ لِنَفْسِهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ تَحُوزَ لِنَفْسِهَا وَهِيَ كَاَلَّتِي تَلِي مَالَهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا إلَّا بِرِضَاهَا فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ أَفْسَخْهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ حِيَازَتُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَضِيَ حَالَهَا وَجَاوَزَتْ الثَّلَاثِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا لَمْ تُعَنِّسْ جِدًّا فَتَبْلُغُ السِّتِّينَ وَنَحْوَهَا فَهَذِهِ إنْ لَمْ تَحُزْ لِنَفْسِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّعْنِيسِ الْكَثِيرُ وَهُوَ بُلُوغُ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي التَّعْنِيسِ الْأَوَّلِ بِسِنِّ الثَّلَاثِينَ وَبِمَا زَادَ عَلَيْهَا الزِّيَادَةَ الْقَرِيبَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَمْ تَبْرُزْ بَعْدُ الْبُرُوزَ التَّامَّ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا عَنَّسَتْ فِي بَيْتِ وَالِدِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ هِبَتَهَا وَلَا عِتْقَهَا وَلَمْ يُحَدَّ. وَقَالَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: الَّتِي بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً إذَا رَضِيَ حَالَهَا جَازَ فِعْلُهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الَّتِي لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ وَلَا وَلِيَّ مِنْ السُّلْطَان فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالتَّحْدِيدِ إلَّا الَّتِي بَلَغَتْ السِّتِّينَ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ التَّعْنِيسِ وَابْتِدَاءُ الشَّيْخُوخَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّفِيهُ فَهُوَ الَّذِي لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِحِفْظِ مَالِهِ، وَوَجْهُ إصْلَاحِهِ وَهَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِسْقٌ فِي دِينِهِ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يُنْظَرُ إلَى سَفَهِهِ فِي دِينِهِ إذَا كَانَ لَا يُخْدَعُ فِي مَالِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمُولَى عَلَيْهِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِهِ بِالرُّشْدِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، وَهَذَا عِنْدَنَا فِي إزَالَةِ الْحَجْرِ عَنْهُ وَأَمَّا فِي رَدِّهِ إلَى الْحَجْرِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ فِسْقُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ مَعْنًى لَا يُرَاعَى فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُرَاعَ فِي حِفْظِهِ كَحِفْظِ الْقُرْآنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَبِهِ يُعْلَمُ إصْلَاحُهُ لِلْمَالِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا حَالُهَا فِي الْحِيَازَةِ حَالُ الْحُرَّةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَطَّارِ: وَيَحُوزُ السَّيِّدُ لِأُمِّ وَلَدِهِ مَا حَبَسَهُ عَلَيْهَا لِمَا فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَحُوزُ عَطِيَّتَهُ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ يُرِيدُ أَنَّ قَضَاءَ السَّيِّدِ يَجُوزُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي مَالِهَا فَكَانَتْ مِمَّنْ يَحُوزُ عَلَيْهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي يَعْنِي لَمْ أُعْطِ أَحَدًا يُرِيدُ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ وَرَثَةَ الِابْنِ، وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْت أَعْطَيْته إيَّاهُ فَوَعَظَ عُمَرُ وَنَهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِفَاعِلِهِ وَأَنَّهُ إذَا أَعْطَى ابْنَهُ عَطِيَّةً ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا وَيَقُولُ هَذَا مَالِي وَرُبَّمَا حَجَرَ الْإِعْطَاءَ وَأَخْفَى وَثِيقَةَ

[ما لا يجوز من العطية]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَعْطَى أَحَدًا عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلَّذِي أُعْطِيهَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا قَامَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا أَخَذَهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً ثُمَّ نَكَلَ الَّذِي أَعْطَاهَا فَجَاءَ الَّذِي أُعْطِيَهَا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ عَرْضًا كَانَ ذَلِكَ، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا، أَوْ حَيَوَانًا أُحْلِفَ الَّذِي أَعْطَى مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ فَإِنْ أَبَى الَّذِي أَعْطَى أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ الْمُعْطِي، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَيْضًا أَدَّى إلَى الْمُعْطِي مَا ادَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَطِيَّةِ وَلَا يَحِلُّ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ عَطَاءً لَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ ثُمَّ يُدْرِكَ الْمَوْتُ الْأَبَ فَيُعَرِّيَهُ عَنْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ وَيَقُولَ قَدْ كُنْت وَهَبْته لِابْنِي وَهُوَ لَمْ يَبْتِلْ تِلْكَ الْهِبَةَ ثُمَّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ نُحِلَ نِحْلَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِّلَهَا حَتَّى تَكُونَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ الْمَنْحُولُ كَبِيرًا يَحُوزُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لِصَغِيرٍ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ يَحُوزُ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ يَحُوزُ لِلْكَبِيرِ غَيْرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب أَنْ يَحُوزَ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَحُوزَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْكِيلٍ، أَوْ وَجْهٍ سَائِغٍ فِي الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعَطِيَّةِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ بِهَا الثَّوَابَ وَلَا الْعِوَضَ، وَإِنَّمَا يَبْتَلُّهَا لِلْمُعْطَى دُونَ عِوَضٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا بِالْإِشْهَادِ تَثْبُتُ لِلْمُعْطِي فَلَيْسَ لِلْمُعْطِي الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَإِنَّمَا تَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ لُزُومُهُ إلَى قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا يُقْضَى بِهِ وَضَرْبٌ يُقْضَى بِهِ فَأَمَّا مَا لَا يُقْضَى بِهِ فَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ حَبْسٍ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ عَلَى مُعَيَّنِينَ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَيْنِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْبِرَّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ اللَّجَاجَ وَتَحْقِيقُ مَا نَازَعَ فِيهِ فَيُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلُّ جَارِيَةٍ أَتَسَرَّرَهَا عَلَيْك فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك، وَإِنْ وَطِئْت جَارِيَتِي هَذِهِ فَهِيَ صَدَقَةٌ عَلَيْك فَتَسَرَّرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا وَحَكَى مُحَمَّدُ عَنْ أَشْهَبَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إخْرَاجِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ بَلْ خُصُومَتُهُ لَا لِلْمَسَاكِينِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهَا كَالْأَحْبَاسِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ الْمُطَالَبَةَ بِهَا فَيُقْضَى لَهُ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً ثُمَّ نَكَلَ الْمُعْطِي يُرِيدُ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَشَهِدَ لِلْمُعْطَى شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْطِيَ أَعْطَاهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ عَرْضٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ مِثْلِ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْحُلِيِّ وَالتِّبْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَتَعَيَّنُ بِعَقْدٍ فَكَانَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُعْطِي فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فِي ذِمَّتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلرَّجُلِ: اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ فِي مَالِي مِائَةَ دِينَارٍ صَدَقَتُهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَأَمَّا الرَّجُلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى فَوَرَثَته بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى عَطِيَّتَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا، وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْأَلُ الرَّجُلَ السَّلَفَ، أَوْ الْهِبَةَ فَيَقُولُ: أَنَا أُسَلِّفُك وَأَنَا أَهَبُك فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْعِدٌ لِغَيْرِ سَبَبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّلَفُ وَالْعِدَّةُ لِغَيْرِ سَبَبٍ يَتَسَبَّبُ بِهِ وَلَا حَاجَةَ يَذْكُرُهَا فَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ رَجُلٍ بِسَبَبٍ يَتَسَبَّبُ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُرِيدُ الْحَجَّ، أَوْ السَّفَرَ، أَوْ نِكَاحًا، أَوْ شِرَاءَ سِلْعَةٍ، أَوْ هَدْمَ دَارِي وَبُنْيَانَهَا فَيَقُولَ لَهُ الرَّجُلُ: افْعَلْ ذَلِكَ وَأَنَا أُسَلِّفُك فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِسَحْنُونٍ أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَازِمَةٌ لِمَنْ وَعَدَهَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ بِالْقَوْلِ كَالنَّظْرَةِ بِالدَّيْنِ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ سَوَاءٌ قَالَ: أَنْظُرُك أَوْ أَنْظَرْتُك، وَكَذَلِكَ فِي هَذَا سَوَاءٌ قَالَ: أُسَلِّفُك أَوْ أَسْلَفْتُك سَوَاءٌ ذَكَرَ أَجَلًا لِلسَّلَفِ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَإِنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَزِمَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ فِي غِنَاهُ وَقُوَّتِهِ عَلَى السَّلَفِ يُسَلِّفُ مِثْلَ التَّسَلُّفِ فِي غِنَاهُ وَقُوَّتِهِ عَلَى الْأَدَاءِ يُرَاعَى الْأَمْرَانِ فِي ذَلِكَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُرَاعَى مَعَ ذَلِكَ قَدْرُ الدَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ مَا اسْتَسْلَفَ، أَوْ اسْتَعَارَ بِسَبَبِهِ لَا يُفْضِي إلَى التَّسَبُّبِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ أَسْلَفَ لِحَاجَةٍ ذَكَرَهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنَّ غُرَمَائِي يُلْزِمُونَنِي بِدَيْنٍ فَأَسْلِفْنِي أَقْضِهِمْ أَوْ يَقُولُ أَعِرْنِي دَابَّتَك أَرْكَبُهَا غَدًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَيَذْكُرُ حَاجَتَهُ فَيُعِدْهُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَصْبَغَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ تَسَبَّبَ لِحَاجَتِهِ، أَوْ لَمْ يَتَسَبَّبْ لَهَا إلَّا أَنْ يَتْرُكَ حَاجَتَهُ تِلْكَ فَيَسْقُطُ عَنْ الْوَاعِدِ حُكْمُ عِدَّتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَحْلِفُ الْمُعْطِي مَعَ شَاهِدِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ أَبَى الْمُعْطِي أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ أَعْطَاهُ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ حَلَفَ الْمُعْطَى أَنَّهُ مَا أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ حُكِمَ الْمُعْطِي بِهَا دُونَ يَمِينٍ لِنُكُولِ الْمُعْطَى بَعْدَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَكَلَ عَنْ يَمِينٍ رُدَّتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ كَمَنْ ادَّعَى قِبَلَ زَيْدٍ مَالًا فَلَمْ يَحْلِفْ زَيْدٌ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَنَكَلَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ ظَاهِرُهُ لَيْسَتْ لَهُ يَمِينٌ وَلَا غَيْرُهَا عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْهِبَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ مُعَيَّنَةً وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعِي أَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَوَجْهُ ذَلِكَ ضَعْفُ سَبَبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ بِاتِّفَاقٍ لَا يَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا بِسَبَبٍ يُقَوِّي الدَّعْوَى فَكَانَ يَضْعُفُ الْهِبَةَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي لُزُومِهَا وَحَاجَتِهَا عِنْدَ مَالِكٍ إلَى الْحِيَازَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْهِبَةُ الْيَمِينُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْهِبَةَ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ فِي ذِمَّةِ مُدَّعِي الصَّدَقَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِعَمْرٍو دَيْنٌ قِبَلَ زَيْدٍ فَيَطْلُبُهُ مِنْهُ فَيَقُولُ زَيْدٌ قَدْ وَهَبْتنِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَهَبَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْطِيَ يُرِيدُ إخْرَاجَ مَا عِنْدَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْغَرِيمُ فِيهِ مَا يُبَرِّئُ ذِمَّتَهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى إبْطَالِ تِلْكَ الدَّعْوَى كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي قِسْمَةً أُخْرَى إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ يَدِ الْمَوْهُوبِ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَاهِبِ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا وَهَبَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ عَرْضَا أَوْ عَيْنًا يُصَحِّحُ هَذَا التَّقْسِيمَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ عَرْضًا بِيَدِ رَجُلٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لَا يُرِيدُ ثَوَابَهَا فَمَاتَ الْمُعْطَى فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ يُرِيدُ

[القضاء في الهبة وفيه أبواب]

(الْقَضَاءُ فِي الْهِبَةِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا حُكْمُ هَذِهِ الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ثَوَابٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ هِبَةِ الثَّوَابِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ هَذِهِ الْهِبَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَوْتَ الْمُعْطَى لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الَّذِي يُبْطِلُ الْهِبَةَ عَدَمُهُ لَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْمُعْطَى فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ لَهُمْ مِنْ الْقِيَامِ بِطَلَبِهَا وَإِمْضَاءِ مَا كَانَ لَهُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَطِيَّةِ بِالْقَبْضِ قَدْ فَاتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي بَاقِي الْبَابِ. [الْقَضَاءُ فِي الْهِبَةِ وَفِيهِ أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا الْقُرْبَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا يُرِيدُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا سَوَاءٌ قُبِضَتْ مِنْهُ، أَوْ لَمْ تُقْبَضْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً رَأَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ وَلَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا كَالسِّلْعَةِ يَعْرِضُهَا لِلْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا وَقَوْلُهُ يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ مِمَّنْ ظَاهِرُ هِبَتِهِ قَصْدُ الثَّوَابِ بِأَنْ يَهَبَ لِلثَّوَابِ وَيَعْتَقِدُهُ وَلَعَلَّهُ يَعْلَمُ بِهِ غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ كَبَائِعِ السِّلْعَةِ بِقِيمَتِهَا، وَلَكِنْ إنْ وَهَبَ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ الثَّوَابَ فَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الثَّوَابَ فَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالْمَعْرُوفُ كَالشَّرْطِ. وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ. الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يَكُونُ عِوَضًا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ. الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَحْمِلُ هِبَتَهُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُقْتَضَى الْهِبَةِ مِنْ اللُّزُومِ أَوْ الْجَوَازِ. الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَفُوتُ بِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ. الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ وُجُودِ الْعَيْب بِهَا. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يَكُونُ عِوَضًا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ) اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ حَبٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ كَالْبَيْعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُوهَبَ لِلثَّوَابِ فَإِنْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ فَهِيَ هِبَةٌ مَرْدُودَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَرْضًا، أَوْ طَعَامًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يُعْجِبُنَا ذَلِكَ وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَلْيَرُدَّ الْمِثْلَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ غَيْرُ الْمَسْكُوكِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْعَيْنِ فَإِذَا كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَيْنًا فَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَتُهَا مِنْ أَصْنَافِ الْعُرُوضِ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَلَا مُؤَجَّلَةٍ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي أَعْيَانِهَا غَرَضٌ وَلَا فِيهَا مَقْصِدٌ غَيْرُ التَّصَرُّفِ فِيهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا هِبَةُ الثَّوَابِ فِيهَا يُتَاحِفُ بِهِ الْوَاهِبُ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ غَرَضٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَثْبُتُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ بَيْعُهُ صَحَّ أَنْ يُوهَبَ لِلثَّوَابِ كَالْعُرُوضِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ

[الباب الثاني فيمن تحمل هبته على الثواب من غير شرط]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّبَائِكِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ السَّفَاتِجِ وَالنَّقَّارِ وَالْحُلِيِّ الْمَكْسُورِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ لَا غَرَضَ فِي هِبَتِهِ غَيْرَ مَبْلَغِهِ فَلَا يُوهَبُ لِلثَّوَابِ، وَإِنْ وَهَبَ فَهُوَ مَرْدُودٌ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا هِبَةُ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ لِلثَّوَابِ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَجُوزُ هَذَا بِحَالٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوز بَيْعُهُ وَفِي عَيْنِهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَجَازَ أَنْ يُوهَبَ لِلثَّوَابِ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ ذَهَبَ بَعْضُهُ لَا يَتَنَاجَزُ فِيهَا قَبْضٌ، أَوْ شِرَاءُ عَرْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ تُحْمَلُ هِبَتُهُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ] (الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ تُحْمَلُ هِبَتُهُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ) الْوَاهِبُ إذَا وَهَبَ وَشَرَطَ الثَّوَابَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الثَّوَابِ اقْتَضَى ذَلِكَ الْجَوَازَ، أَوْ الْمَنْعَ، وَأَمَّا إنْ وَهَبَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ الثَّوَابَ وَطَلَبَهُ فَإِنْ كَانَتْ هِبَتُهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُوهَبُ لِلثَّوَابِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَدَعْوَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ وَهَبَ قَمْحًا، أَوْ شَعِيرًا فَفِيهِ الثَّوَابُ، وَأَمَّا الَّذِي لَا ثَوَابَ فِيهِ مِنْهُ مِثْلُ الْفَاكِهَةِ، أَوْ الرُّطَبِ يُهْدَى لِلْقَادِمِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَإِنْ قَامَ يَطْلُبُ مِنْهُ ثَوَابًا لَمْ يُعْطَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا غَرَضَ فِي أَعْيَانِهَا، وَإِنَّمَا يُوهَبُ لِلثَّوَابِ مَا يَكُونُ الْغَرَضُ فِي عَيْنِهِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، وَأَمَّا الْفَاكِهَةُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِطَلَبِ الثَّوَابِ عَلَى مَا يُوهَبُ مِنْهَا لِلْقَادِمِ وَمِثْلُهُ، وَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ تُوهَبَ عَلَى سَبِيلِ التَّآلُفِ فَكَانَتْ مَحْمُولَةً عَلَى غَالِبِ الْمُعْتَادِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ غَيْرَ ذَلِكَ فِيهَا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَطَّارِ: وَكَذَلِكَ مَا يَهَبُهُ لِلْفَقِيرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ مَنْ الْتَحَفَ كَالتَّمْرِ وَشَبَهِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْهِبَةِ وَلَا الْعِوَضَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُفْتِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا عِوَضَ لَهُ وَلَا لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَرَى لَهُ أَخْذَهُ إنْ لَمْ يَفُتْ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ الْعِوَضِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ هِبَةٍ قَدْ قُبِضَتْ مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَمْ تَفُتْ اُحْتُمِلَ وَقَوْلُهُ وَتَقُومُ بِمِلْكِهِ وَيَدِهِ حَلَفَ وَرُدَّتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِبَلَدِنَا مِنْ إهْدَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ الْكِبَاشَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ النِّكَاحِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى الثَّوَابِ وَكَذَلِكَ رَأَيْت الْقَضَاءَ فِي بَلَدِنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُهْدِيِّينَ وَالْمُهْدَى إلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ قَالَ، وَذَلِكَ كَالشَّرْطِ فَقُضِيَ لِلْمُهْدِي بِقِيمَةِ الْكِبَاشِ حِينَ قَبَضَهَا الْمُهْدَى إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْوَزْنِ فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ قُضِيَ بِوَزْنِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى إلَيْهِ بَعَثَ إلَى الْمُهْدِي قَدْرًا مِنْ لَحْمٍ مَطْبُوخٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فِي الْعُرْسِ حُوسِبَ بِهِ مِنْ قِيمَةِ هَدِيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بَلَدٍ لَا يُعْرَفُ فِيهِ هَذَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِثَوَابٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وُهِبَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَوَابًا ثُمَّ ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى نَاحِيَةِ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى فَإِنْ وَهَبَ غَنِيٌّ لِفَقِيرٍ دَابَّةً، أَوْ كَسَاهُ ثَوْبًا، أَوْ أَعْطَاهُ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صِلَتَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ وَهَبَ فَقِيرٌ لِغَنِيٍّ فَلَهُ الثَّوَابُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي فَقِيرٍ وَهَبَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ: الثَّوَابُ عَلَى الْغَنِيِّ وَهَبَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ اسْتِقْرَارُ الْعِوَضِ وَالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ مُقْتَضَاهَا الْمُكَارَمَةُ وَأَنْ تُعَوَّضَ الْمُعْطَى أَمْثَالَ مَا صَارَ إلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْفَقِيرِ وَمَوْجُودٌ فِي الْغَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً مُطْلَقَةً فَادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ عُمِلَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِيهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ، الْوَاهِبُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مَعَ يَمِينه. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا ثَوَابَ لِذِي سُلْطَانٍ فِيمَا وَهَبَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّ ذَا السُّلْطَانِ يَطْلُبُ اسْتِقْرَارَ ثَوَابٍ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَهَبُهُ أَحَدٌ لِلسُّلْطَانِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى الثَّوَابِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ مَنْ أَهْدَى إلَيْهِ فَإِنَّمَا يُقْصَدُ التَّقَرُّبُ مِنْهُ فَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ هِبَتُهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَطِيَّتَهُ وَهِبَتَهُ مَقْصُودَةٌ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُرْغَبُ التَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِسَبَبِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَا أُهْدِيَ إلَى الْفَقِيرِ فَعَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ وَمَا أَهْدَى هُوَ فَعَلَى الثَّوَابِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا ثَوَابَ عَلَى سَيِّدٍ فِيمَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ مَوْلَاهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي إلَيْهِ شُكْرًا لِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا هِبَةُ ذِي الرَّحِمِ فَلَيْسَتْ عَلَى الثَّوَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إلَّا أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ مِثْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ عِنْدَ الْوَاهِبِ فَيَهَبُهُ إيَّاهُ اسْتِقْرَارًا لِلْعِوَضِ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الثَّوَابِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَكُلُّ هِبَةٍ لَهَا وَجْهٌ غَيْرُ الثَّوَابِ فِي الْأَغْلَبِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهَا لِغَيْرِ الثَّوَابِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ فِي الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمِلْكَيْنِ مُتَمَيِّزَانِ وَأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ مَطْلُوبَةٌ بَيْنَهُمَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَقَرَّبُ إلَى الْآخَرِ بِالْهَدِيَّةِ وَيُحِبُّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ فَسَاكَنَهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ بَيَّنَتْ لَهُ بِذَلِكَ وَأَعْلَمَتْهُ بِالْكِرَاءِ وَقَالَتْ إنْ شِئْت فَأَدِّهِ، وَإِنْ شِئْت فَاخْرُجْ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي دَارِهَا ثُمَّ طَلَبَتْ كِرَاءَهَا فَلَا كِرَاءَ لَهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا اكْتَرَتْ بِهِ. وَاخْتِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْغَيْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُعْتَدَّةِ تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنٍ بِكِرَاءٍ فَطَلَبَتْ الْكِرَاءَ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ إنْ كَانَ مُوسِرًا حِينَ السُّكْنَى. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ سَكَنَتْ فِي وَقْتٍ لَا يَظُنُّ بِهِ الصِّلَةُ، وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الثَّوَابَ تَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَتَبْرَأُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهَا شَرَطَتْ مَا لَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي إنْكَارِ دَعْوَاهَا كَادِّعَائِهَا سَائِرَ الشُّرُوطِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، أَوْ الْهَدِيَّةِ فَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَاهَا الْقُرْبَةُ، وَذَلِكَ يُنَافِي الْعِوَضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الباب الثالث في مقتضى هبة الثواب من اللزوم أو الجواز]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُقْتَضَى هِبَةِ الثَّوَابِ مِنْ اللُّزُومِ أَوْ الْجَوَازِ] ِ) الَّذِي عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْهِبَةَ بِاللَّفْظِ لَازِمَةٌ لِلْوَاهِبِ فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْطِي قِيمَتَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَرْعٌ) فَإِنْ زَادَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ قَبْضِهَا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ قَبْضِهَا وَلَا مِنْ بَيْعِهَا وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ إلَّا أَنَّ لِلْوَاهِبِ مَنْعَ الْمُعْطِي مِنْ قَبْضِهَا حَتَّى يُثِيبَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مُقْتَضَى هِبَةِ الثَّوَابِ الِاسْتِسْلَامُ وَتَرْكُ الْمُشَاحَّةِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ فَكَانَ لِلْبَائِعِ إمْسَاكُ مَا بَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ قَبَضَهَا الْمُعْطَى بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعْطِي فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يَرْتَجِعُهَا حَتَّى يُثِيبَهُ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرْتَجِعُهَا وَيَتَلَوَّمُ فَإِنْ أَثَابَهُ وَإِلَّا رَدَّهَا وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَنْعِ الْوَاهِبِ الْمَوْهُوبَ مِنْ قَبْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَفُوتُ بِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْقِيمَةُ] 1 (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ فَاتَتْ الْهِبَةُ فَقَدْ لَزِمَتْ الْمُعْطَى بِالْقِيمَةِ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي تَلْزَمُ فِي الْهِبَةِ وَالثَّوَابِ عَيْنًا لَزِمَ قَبْضُهَا وَالرِّضَا بِهَا، وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ دَيْنًا مِثْلَ أَنْ يَهَبَهُ دَارًا فَيُثِيبَهُ مِنْهَا دَيْنًا فَفِي كِتَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ يَجُوزُ: حَلَّ الدَّيْنُ، أَوْ لَمْ يَحِلَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: يُرِيدُ أَنَّهُ حَوَالَةٌ وَيُرِيدُ إذَا كَانَ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْهِبَةُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا سُكْنَى دَارٍ وَلَا خِدْمَةِ عَبْدٍ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّقَبَةِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ قَبْضٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَفُوتُ بِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْقِيمَةُ) وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ وُجُودِ الْعَيْبِ بِهَا] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ وُجُودِ الْعَيْبِ بِهَا) فَإِنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يُثِيبَهُ وَقَبْلَ أَنْ تَفُوتَ فَإِنْ عَلِمَ الْوَاهِبُ بِالْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا مَعِيبَةً؛ لِأَنَّهُمَا عَالِمَانِ بِالْعَيْبِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِبَ وَهَبَهَا عَلَى أَنَّهَا مَعِيبَةٌ فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَلَهُ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً غَيْرَ مَعِيبَةٍ كَأَنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ أَسْوَاقٍ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَفَاتَتْ بِوَطْءٍ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَا تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَالْوَاهِبُ وَهَبَ عَلَى الصِّحَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَرْضَى الْمُعْطِي أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَرُدَّهُ. (مَسْأَلَة) فَإِنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ أَنْ أَثَابَهُ وَقَبْلَ الْفَوَاتِ فَلَهُ رَدُّهَا وَالرُّجُوعُ فِي الثَّوَابِ أَوْ إمْسَاكُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَثَابَهُ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِالْعَيْبِ حَتَّى فَاتَتْ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً فَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا بِذَلِكَ وَإِلَّا رَدَّهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فَوَاتَ الْهِبَةِ الْمُوجِبِ لَقِيمَتهَا بِفَوْتِ سُوقٍ، أَوْ زِيَادَةِ بَدَنٍ، أَوْ وَطْءٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا فَأَثَابَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ رَجَعَ بِقَدْرِ الْعَيْبِ مِمَّا أَثَابَهُ بِهِ إنْ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْهِبَةِ، أَوْ أَكْثَرَ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَ الْقِيمَةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُثِيبَ لَكَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْعِوَضِ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ فَلَهُ رَدُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْعِوَضِ الْمَعِيبِ مِثْلُ قِيمَةِ الْهِبَةِ فَلَا يُرَدُّ، أَوْ يَكُونُ أَقَلَّ فَتَتِمُّ لَهُ الْقِيمَةُ فَلَا يُرَدُّ قَالَ أَشْهَبُ لَهُ رَدُّهُ كَمَا تُرَدُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْ عِوَضِهِ إلَّا الْعَيْنُ فَأَخْذُهُ الْعِوَضَ شِرَاءٌ لَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ وَاخْتِيَارٌ لَهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا تَأَوَّلَ مُطَرِّفٌ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَإِنْ أَعْطَى قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى مِنْهَا فَجَعَلَ عَقْدَ الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ غَيْرَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْهِبَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهَا قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَازِمٍ لِلْوَاهِبِ وَنَحْوُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ وَإِذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا رَاضٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا يُرِيدُ يُعْطَى قِيمَتَهَا قَالَ مَالِكٌ أَمَّا ثَوَابُ مِثْلِهَا، أَوْ رَدُّهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ مَا لَمْ يَأْخُذْ مَا يُرْضِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَمَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مَا لَمْ يُعْطِ مَا هُوَ رِضًا مِنْهَا عِنْدَ النَّاسِ، وَذَلِكَ الْقِيمَةُ وَالرِّضَا مِنْهَا يُعْتَبَرُ فِي وَجْهَيْنِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ فَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَأَمَّا الْجِنْسُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ مَا أَعْطَى مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا أَثَابَهُ مِنْ السِّلَعِ مِمَّا يُثَابُ بِمِثْلِهِ فَذَلِكَ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الْهِبَةِ وَكَانَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ فِي ثَوَابِ الْهِبَاتِ بَيْنَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُثِيبَهُ حَطَبًا وَلَا تِبْنًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ هِيَ أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ إلَّا مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَعْوَاضَ الْمَبِيعَاتِ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَرِقًا وَفِي بَعْضِهَا ذَهَبًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ إبِلًا، وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يُثَابَ الْوَاهِبُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ ثَوَابِهَا مَعَ مَا ثِيبَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ مَعَ تَرْكِ قَدْرِ الثَّوَابِ وَذِكْرِ جِنْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَخْتَصَّ الثَّوَابُ بِالْعَيْنِ الَّتِي تَجْرِي فِي بَلَدِ الْهِبَةِ وَتِلْكَ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِهَا دُونَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَيْنِ وَالسِّكَكِ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ أَمْرٌ مَصْرُوفٌ إلَى اخْتِيَارِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ الْعُرْفِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا مَعَ التَّشَاحِّ، وَأَمَّا مَعَ التَّسَامُحِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لَمْ تَفُتْ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا كُلَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ الْهِبَةَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ وَهَبَهُ أَثْوَابًا فُسْطَاطِيَّةً لَمْ يَجُزْ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُثِيبَهُ مِنْهَا أَثْوَابًا فُسْطَاطِيَّةً أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَوْ وَهَبَهُ حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا حِنْطَةً وَلَا مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَكَيْلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ حُلِيًّا وَقُلْنَا بِجَوَازِ هِبَتِهِ لِلثَّوَابِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُثِيبُهُ قِيمَةَ الْحُلِيِّ عُرُوضًا وَلَا يَأْخُذُ دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ، وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّوَابِ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَقَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الْحُلِيُّ لَجَازَ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى حُلِيِّ الذَّهَبِ وَرِقًا وَعَلَى حُلِيِّ الْوَرِقِ ذَهَبًا فَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّنَاجُزِ بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَبِحَضْرَتِهَا؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَمَا فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْقِيمَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْهِبَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ يُثِيبُ عَنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَرِقًا وَعَنْ حُلِيِّ الْوَرِقِ ذَهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ قَبَضَهَا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ بِزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ فِي عَيْنِهَا فَإِنْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَ رَدُّهَا إلَى الْوَاهِبِ وَلَزِمَ الْمَوْهُوبَ قِيمَتُهَا هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ فِي الْبَدَنِ مِمَّا تَفُوتُ بِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ وَتَلْزَمُ الْمُعْطِيَ قِيمَتُهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا يُلْزَمُ بِهَا الْمُعْطَى قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ النَّمَاءُ وَالنَّقْصُ فَوْتٌ وَيُجْبَرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الثَّوَابِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لِلْمَوْهُوبِ رَدُّهَا فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَ ذَلِكَ لِلْمَوْهُوبِ فِي النَّقْصِ وَلَا لِلْوَاهِبِ فِي الزِّيَادَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَالَ لَيْسَ الرَّدُّ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا زَادَتْ، أَوْ نَقَصَتْ وَجْهُ الْقَوْلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ إنَّمَا لَزِمَتْهُ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا ذَهَبَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لَهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ كَالْبَيْعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا كَانَ لَازِمًا فِي جَنْبَةِ الْمُعْطِي دُونَ الْمُعْطَى وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُعْطَى كَانَ لَهُ تَرْكُهَا وَيَرُدُّ الْعَطِيَّةَ، وَأَمَّا النَّقْصُ فَهُوَ إتْلَافُ بَعْضِ الْعَطِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا نَاقِصَةً فَلَزِمَتْهُ بِالنُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَلَيْسَتْ بِفَوْتٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ اخْتِلَافُ الْأَسْوَاقِ فِيهَا فَوْتٌ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفَوْتَ فِيهَا كَالْفَوْتِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالرُّبَاعِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ تَئُولُ إلَى اللُّزُومِ بِالْقِيمَةِ فَكَانَ تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ مُفِيتًا لَهَا كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ هِبَةٌ يَجُوزُ رَدُّهَا فَلَمْ يُمْنَعْ رَدُّهَا حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ كَهِبَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِصَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْبَيْعُ فَوْتٌ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ الْأَسْوَاقُ فَهُوَ فَوْتٌ وَلَا رَدَّ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُهُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ مَا تَفُوتُ بِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ فَمَا يُتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ وَيَكْمُلُ بِالْقَبُولِ مَعَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ إلَى وَجْهٍ مِنْ الصِّحَّةِ لِعَدَمِ الرَّدِّ وَتَعَذُّرِهِ، وَلَوْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لَمَا وَجَبَ إمْضَاؤُهُ فَعَلَى هَذَا مَتَى وُجِدَ مَا يَفُوتُ بِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ وَتَجِبُ بِهِ الْقِيمَةُ فَقَدْ لَزِمَ الْعَقْدُ وَتَمَّ وَلَا يَثْبُتُ بِخِيَارِ الرَّدِّ زَوَالُ مَا فَاتَ بِهِ وَلَا عَدَمُهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ الْتَزَمَ قِيمَتَهَا قَبْلَ الْفَوَاتِ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، وَلَوْ الْتَزَمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَفَاتَتْ بِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ كَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. (مَسْأَلَةٌ) : الْمَوْهُوبُ لَهُ لِأَهْبِيَتِهَا فَالْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهَا كَالْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَتَهَا وَرَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقِيمَةَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْهِبَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً لِلثَّوَابِ فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ فَذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إذَا غَابَ عَلَيْهَا فَقَدْ لَزِمَهُ الثَّوَابُ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا وَلَمْ تَتَغَيَّرْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَدْ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ رَدُّهَا إنْ اخْتَارَ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَاهِبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى رَدِّهَا قَالَ مُطَرِّفٌ، وَذَلِكَ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَلْزَمُ الْوَاهِبَ بِاللَّفْظِ فَإِنَّهَا إذَا فَاتَتْ لَزِمَتْهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَلْزَمُ الْوَاهِبَ بِاللَّفْظِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا بِالْفَوَاتِ قَدْ لَزِمَتْهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا تَفُوتُ بِهِ فَإِذَا اتَّفَقَا بَعْدَ الْفَوَاتِ عَلَى الرَّدِّ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَعْنَى الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ جَازَ ذَلِكَ وَكَيْفَ صِفَتُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِمَا لَزِمَ الْمُعْطِي مِنْ الْقِيمَةِ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: يَجُوزُ إذَا رَضِيَا بِرَدِّهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ إلَّا أَنْ يُوَجِّهَهَا لَهُ عَلَى قِيمَتِهَا يُرِيدُ أَنْ يُثِيبَهَا مِنْهُ بِالْقِيمَةِ الْمَجْهُولَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ رَدَّهَا فُسِخَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّ لَهُ إمْسَاكُهَا بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْيَمِينِ بَعْدَ طَرْحِ مَا يَنُوبُ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْيَمِينِ بَعْدَ طَرْحِ مَا يَنُوبُ قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَبِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ وَاحِدٍ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَوْمَ قَبْضِهَا أَصْوَبُ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا تَلْزَمُ وَلَا تَئُولُ إلَى التَّمْلِيكِ بِزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ فَإِنَّمَا يُرَاعَى يَوْمَ الْقَبْضِ قِيمَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمُعْطَى إنَّمَا ضَمِنَهَا بِالْقَبْضِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْهِبَةَ قَدْ لَزِمَتْ

[الاعتصار في الصدقة]

الِاعْتِصَارُ فِي الصَّدَقَةِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِصَدَقَةٍ قَبَضَهَا الِابْنُ، أَوْ كَانَ فِي حِجْرِ أَبِيهِ فَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاهِبَ بِالْقَبُولِ فَإِذَا فَاتَتْ وَلَزِمَتْ الْمُعْطِي وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ لَزِمَتْ الْمُعْطِي؛ لِأَنَّ الْمُعْطَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ نَقْصُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ إذَا رَضِيَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ الْمَبِيعَ فَلَهُ مَا حَدَثَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَعَلَيْهِ النَّقْصُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ وَيُحَطُّ عَنِّي نَقْصُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ لِلْهِبَةِ لِلثَّوَابِ بِالْقَبْضِ تَأْثِيرًا فِي لُزُومِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَمْ تَفُتْ بِزِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَإِنَّمَا تَفُوتُ بِذَلِكَ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُعْطِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا يُسْتَنَدُ الْخِيَارُ إلَى الْعَقْدِ لَا إلَى الْقَبْضِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ بِالْخِيَارِ إنَّمَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ بِالْقِيمَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى فِيهِ يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ. [الِاعْتِصَارُ فِي الصَّدَقَةِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ الْمَالِكِ لِأَمْرِ نَفْسِهِ، أَوْ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ فَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ اعْتِصَارُهَا إذَا قُبِضَتْ وَحِيزَتْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا اعْتِصَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَمَا كَانَ مِنْ الْعَطِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّ الْعَطَايَا الْمُنْفَرَدَ بِهَا لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا قَالَ: قَبَضَهَا الِابْنُ، أَوْ كَانَ فِي حِجْرِ أَبِيهِ فَأَشْهَدَ لَهُ عَلَى صَدَقَتِهِ لِيَذْكُرَ أَقْوَى وُجُوهِهَا فِي حِيَازَةِ الِابْنِ الْكَبِيرِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْعَبَ وُجُوهِهَا وَهُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ فِي حِجْرِهِ فَيُقْضَى عَلَى الْإِشْهَادِ لَهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحِيَازَةَ لَهُ فَلَا اعْتِصَارَ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِمَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَيَأْخُذَهَا بِعِوَضٍ فَبِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلْقُرْبَةِ وَغَيْرِهَا كَالْهِبَةِ وَالنَّحْلِ وَالْعَطِيَّةِ فَإِنْ قُرِنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي الْقُرْبَةَ كَقَوْلِهِ هِبَةً لِلَّهِ، أَوْ لِوَجْهِ اللَّهِ، أَوْ لِطَلَبِ الْأَجْرِ، أَوْ لِصِلَةِ رَحِمِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُعْتَصَرُ هَذَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَالٌ يَخْرُجُ عَنْ وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالصَّدَقَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يُرِيدُ بِهَا الصِّلَةَ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَعْتَصِرُهَا كَالصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ، أَوْ ابْنَةٌ مُحْتَاجَانِ صَغِيرٌ فِي حِجْرِهِ أَوْ كَبِيرٌ بَائِنٌ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُون الِابْنُ الصَّغِيرُ يَصِلُهُ لِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَصَاصَةِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي هِبَتَهُ أَوْ عَطِيَّتَهُ لِابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ أَوْ الْبَائِنِ عَنْهُ إذَا كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ ظَاهِرَ هِبَتِهِ وَمَعْنَاهَا الْقُرْبَةُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يَخْلُصُهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ اعْتِصَارَهَا كَالْهِبَةِ لِلْغَنِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الصِّلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ بَلْ قَدْ يُوصَلُ الْغَنِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قَيَّدَ الْهِبَةَ، أَوْ الْعَطِيَّةَ، أَوْ النِّحْلَةَ فَقَالَ: إنِّي قَدْ سَلَّطْت عَلَيْهَا حُكْمَ الِاعْتِصَارِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الِاعْتِصَارِ لِلْأَبَوَيْنِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا «رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْت مِثْلَهُ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْتَجِعْهُ» . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَهَبَ لِابْنِهِ الْغُلَامَ ثُمَّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِارْتِجَاعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِارْتِجَاعُ بِهِبَتِهِ مِنْهُ جَائِزًا لَمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الِابْنَ قَدْ أُضِيفَ إلَى الْأَبِ مَعَ مَالِهِ فِي الشَّرْعِ فَكَانَ لِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي انْتِزَاعِ مَا بِيَدِهِ كَالْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ

(ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نِحَلًا، أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ وَيَأْمَنُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الدُّيُونُ، أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ، أَوْ ابْنَتَهُ الْمَالَ فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَإِنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ الْأَبُ، أَوْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النِّحَلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا وَيَرْفَعُ فِي صَدَاقِهَا لِغِنَاهَا وَمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا أَبُوهَا ثُمَّ يَقُولُ الْأَبُ أَنَا أَعْتَصِرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مِنْ ابْنِهِ وَلَا مِنْ ابْنَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَا يَلِي مَالَهُ إلَّا بِتَوَلِّيهِ لَمْ يَرْجِعْ فِي هِبَتِهِ كَالِابْنِ يَهَبُ أَبَاهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاعْتِصَارَ جَائِزٌ فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا فَإِنْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْهِبَةِ أَوْ النِّحْلَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يَخْلُصُهَا لِلْقُرْبَةِ فَجَازَ فِيهَا الِاعْتِصَارُ كَاَلَّتِي شُرِطَ فِيهَا الِاعْتِصَارُ. (ش) : قَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا يُرِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ فِيمَنْ نَحَلَ نَحْلًا أَوْ أَعْطَاهُ عَطَاءً لَيْسَ بِصَدَقَةٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا خُصُّ الْوَلَدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَصَرُ إلَّا الْأَبَوَيْنِ مِنْ الِابْنِ وَالِابْنَةِ صِغَارًا كَانُوا، أَوْ كِبَارًا فَأَمَّا الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمَا فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ لَا يُعْتَصَرُ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَيَرِثُ مَعَهُ الْإِخْوَةُ وَلَا يَكُونُ بِيَدِهِ بِضْعُ بَنَاتِ الِابْنِ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ يَعْتَصِرَانِ كَالْأَبَوَيْنِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِاعْتِصَارُ كَالْعَمِّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَدْلَى بِالْأُبُوَّةِ وَيُقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْأُخُوَّةِ كَالْأَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأُمَّ تَعْتَصِرُ فَإِنَّهَا لَا تَعْتَصِرُ مِنْ يَتِيمٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْهِبَةُ لِلْيَتِيمِ لِلْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ وَخَوْفِ ضَيَاعِهِ وَهَذَا مَعْنَاهُ الصِّلَةُ وَالْقُرْبَةُ فَلِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الصَّدَقَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ أُمٌّ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْيَتِيمَ إذَا كَانَ غَنِيًّا فَإِنَّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مِنْهُ كَمَا تَعْتَصِرُ مِنْ الْكَبِيرِ قَالَ مَالِكٌ لِلْأُمِّ مِنْ الِاعْتِصَارِ مَا لِلْأَبِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَجَازَ أَنْ تُعْتَصَرَ، وَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ كَالْأَبِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا تَعْتَصِرُ الْأُمُّ مِنْ الْيَتِيمِ فَوَهَبَتْ ابْنَهَا الصَّغِيرَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ، وَإِنْ كَبِرَ، وَلَوْ كَبِرَ الِابْنُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ الِاعْتِصَارُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتَعْتَصِرُ الْأُمُّ مَا وَهَبَتْ لِابْنِهَا الْكَبِيرِ لَا أَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْيُتْمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتِيمًا حِينَ الْهِبَةِ وَلَا بَعْدَهَا إلَى وَقْتِ الِاعْتِصَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُنَافِي الِاعْتِصَارَ وَقْتَ الْهِبَةِ مِنْ الْيَتِيمِ إنْ وُجِدَ قَبْلَ الِاعْتِصَارِ مَنَعَ الِاعْتِصَارَ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِ الْهِبَةِ وَيُخْرِجُهَا عَنْ حُكْمِ الْهِبَةِ إلَى حُكْمِ الصَّدَقَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُعْتَصَرَ مَا لَمْ يُحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا يُدَايِنُهُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ أَمْوَالَ النَّاسِ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ الْحَالُ لِلْمَوْهُوبِ مِنْ أَجْلِ ذِمَّتِهِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ حُقُوقُ النَّاسِ بِهَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ. (فَرْعٌ) وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مِدْيَانًا فَوَهَبَهُ الْأَبُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ ابْنَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، أَوْ ابْنَهُ الْمَرِيضَ، أَوْ الْمِدْيَانَ لَمْ يَعْتَصِرْ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْعَطِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْحَوَادِثِ قَالَ أَصْبَغُ إذَا كَانَتْ الْحَالُ وَاحِدَةً كَالْحَالِ يَوْمَ الْهِبَةِ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا مَنَعَ الِاعْتِصَارَ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْهِبَةِ يَمْنَعُهَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِبَةِ كَالْيَتِيمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مِنْ أَجْلِ الْهِبَةِ فَلَا يُمْنَعُ اعْتِصَارُهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ دَيْنٌ بِسَبَبِ الْهِبَةِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ الْغَنِيَّ الْهِبَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُدَايَنُ بِمِثْلِهَا فَأَدَانَ، أَوْ تَزَوَّجَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ ذَلِكَ يَرْفَعُ الِاعْتِصَارَ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ قَدْ قَوَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَذِهِ الْهِبَةِ حَقُّ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَايِنْ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ مِنْ أَجْلِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: أَوْ يُعْطِي الرَّجُلُ ابْنَهُ، أَوْ ابْنَتَهُ الْمَالَ فَتَنْكِحُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إنَّمَا تَنْكِحُهُ لِغِنَاهُ وَلِلْمَالِ الَّذِي أَعْطَاهُ أَبُوهُ، أَوْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَدْ نَحَلَهَا أَبُوهَا النِّحَلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِمَالِهَا وَمَا أَعْطَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ، يُرِيدُ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُقْصَدُ فِيهِ الْمَالُ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِدِينِهَا وَلِمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» فَإِذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ وَكَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَدْ تَزَوَّجَ الْآخَرَ مِنْ أَجْلِ عَطِيَّةِ أَبِيهِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُزِيلَ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ فَتَبْطُلَ زِيَادَةُ مَنْ زَادَ فِي نِكَاحِهِ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَوْ زَالَ النِّكَاحُ بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَعُودُ حُكْمُ الِاعْتِصَارِ سَوَاءٌ دَخَلَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ قَدْ عَرَّضَهُ لِذَلِكَ فَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ النَّاسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهَا كَمَا لَوْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي التِّجَارَةِ بِمَالٍ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ فِيهِ مِلْكٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْأُنْثَى. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ أَنَّ نِكَاحَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ، وَقَالَ: لِأَنَّ الْوَلَدَ الذَّكَرَ دَخَلَ فِي مَا الْمَخْرَجُ مِنْهُ بِيَدِهِ وَدَخَلَتْ الِابْنَةُ فِيمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُ بِيَدِ غَيْرِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِمَالِ الزَّوْجِ كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجِ بِمَالِ الزَّوْجَةِ بَلْ تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجَةِ بِمَالِ الزَّوْجِ أَقْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُدَايِنَةِ وَلِمَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ نِكَاحُ الِابْنَةِ يَقْطَعُ الِاعْتِصَارَ فَبِأَنْ يَقْطَعَهُ نِكَاحُ الذَّكَرِ أَوْلَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ مَرَضُ الْمُعْطِي فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَعْتَصِرُ مَرِيضٌ وَلَا يَعْتَصِرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَصِرُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَصِرُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَيْسُوا بِآبَاءٍ وَلَا يَعْتَصِرُ إلَّا الْأَبُ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا يَعْتَصِرُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ كَمَا لَوْ تَعَلَّقَتْ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ لَامْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ فَهَلْ يَعُودُ الِاعْتِصَارُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعُودُ حُكْمُ الِاعْتِصَارِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالدَّيْنِ قَالَ أَصْبَغُ مَا زَالَ بِهِ الِاعْتِصَارُ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَلَا يَعُودُ بِزَوَالِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُطَرِّفٌ مِنْ أَنَّ الْمَرَضَ لَمْ يُحْدِثْهُ الْوَلَدُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ بِسَبَبِهِ فَمَنَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعُودَ بِهِ الِاعْتِصَارُ وَوَجْهٌ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْهِبَاتِ إنَّمَا هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْبُرْءُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِاعْتِصَارَ إذَا زَالَ بِسَبَبِ لَمْ يَعْدُ بِزَوَالِهِ كَالنِّكَاحِ وَالدَّيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَتَغَيُّرُ الْهِبَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي ذَاتِهَا وَفِي قِيمَتِهَا فَإِذَا تَغَيَّرَتْ فِي قِيمَتِهَا بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الِاعْتِصَارَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ وَنَقْصُهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِفَتِهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الِاعْتِصَارَ كَنَقْلِهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَغَيُّرُهَا فِي عَيْنِهَا وَنَقْصُهَا فَلَا يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا، وَقَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ يَمْنَعُ اعْتِصَارَهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ نَقْصَ الْهِبَةِ وَزِيَادَتَهَا لَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَنَقْصِ الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَغَيُّرَ حَالِ ذِمَّةِ الْمُعْطِي يَقْطَعُ الِاعْتِصَارَ فَبِأَنْ يَمْنَعَهُ تَغَيُّرُ الْهِبَةِ فِي نَفْسِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى (فَرْعٌ)

[القضاء في العمرى وفيه أبواب]

الْقَضَاءُ فِي الْعُمْرَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعَطَاهَا أَبَدًا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَاهَا حُلِيًّا فَلَيْسَ لَهُ اعْتِصَارُهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَغَيُّرٌ فِي الْهِبَةِ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الِابْنُ فَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْوَطْءَ يَفْسَخُهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَلَمْ تَحْمِلْ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ الِاعْتِصَارُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ يُوقَفُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ فَإِنْ حَمَلَتْ بَطَلَ الِاعْتِصَارُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ مَا أُبِيحَ مِنْ تَمَامِ مِلْكِهِ وَيَكْمُلُ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَأْذَنُ لِشَرِيكِهِ فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ وَطْءَ الْمُعْطِي لَا يُوجِبُ الِانْتِزَاعَ كَوَطْءِ الْعَبْدِ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ خَلَا بِهَا الِابْنُ وَادَّعَى الْوَطْءَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ذَلِكَ اعْتِصَارَهَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَفِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَهَا مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَيَسْتَبْرِئُ إذَا غَابَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ ادَّعَى وَطْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ادِّعَاءَ الْوَطْءِ مَعَ إمْكَانِهِ بِالْخَلْوَةِ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ كَالزَّوْجِ يَخْلُو بِزَوْجَتِهِ وَتَدَّعِي عَلَيْهِ الْوَطْءَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوْ يُكَاتِبُ الْعَبْدَ وَعَلَى هَذَا عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَفَوَاتُ الْعَيْنِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ وَأَمَّا مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ، أَوْ يُعَدُّ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ خَلْطَهُ الِابْنَ بِمِثْلِهِ فَلَا سَبِيلَ لِلْأَبِ إلَى اعْتِصَارِهِ قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مَجْرَى إتْلَافِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ. [الْقَضَاءُ فِي الْعُمْرَى وَفِيهِ أَبْوَاب] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا] (ش) : مَعْنَى الْعُمْرَى هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرَ عَقِبِهِ فَسُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَعَلُّقِهَا بِالْعُمْرِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَارُ هِبَةَ الْمَنَافِعِ لَا هِبَةَ الرَّقَبَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أُعْطَى مِنْ الْمَنَافِعِ يَكُونُ لَهُ وَلِعَقِبِهِ وَلَا تَبْطُلُ لِعَقِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا تَرْجِعُ بِذَلِكَ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ فَوَجَبَ أَنْ يُنْفِذَ عَطِيَّتَهُ عَلَى مَا أَعْطَاهَا مِنْ وُجُوبِ التَّوَارُثِ فِيهَا، وَإِنْ بِتَنَقُّلِ الْمَنَافِعِ إلَى عَقِبِ الْمُعْطِي بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَنَافِعِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ دُونَ رَقَبَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَمْ يُعْطِهَا عَطَاءً وَقَعَتْ فِي الْمَوَارِيثُ وَلَا غَيْرَهُ وَلَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ:. أَحَدُهَا فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا وَمَعْنَى الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْبِيسُ وَمَنْ يَصِحُّ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي دُخُولِ الْعَقِبِ مَعَ الْمُعْطِي، أَوْ تَرْتِيبِهِ بَعْدَهُ. وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْنَى الْعَقِبِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالْبَنِينَ وَالْمَوْلَى. وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِ الْعُمْرَى. وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَسَمِ فِيهَا بِالْوِلَادَةِ وَانْتِقَالِهِ بِالْمَوْتِ. وَالْبَابُ السَّابِعُ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ. وَالْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَنْ تَعُودُ إلَيْهِ مَنَافِعُ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ وَمَنْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا وَمَعْنَى الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ فَقَدْ سُمِّيَ الْمِلْكُ عُمْرَى لِجَوَازِ أَنْ تَعَلَّقَ الْعُمْرَى بِمَنَافِعِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَاتَ إنْ كَانَ مَيِّتًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّافِعِيُّ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُعْمَرِ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ مَاتَ وَلَا عَقِبَ لَهُ فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْمِلْكِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمِلْكِ لِوَقْتٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ يَمْنَعُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِمَالِكِ رَقَبَتِهِ بِمَجِيءِ زَيْدٍ، أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْعُمْرَى أَلْفَاظًا نَحْنُ نُبَيِّنُهَا وَنَذْكُرُ مَا يَقْرَبُ مِنْهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعْنَى الْعُمْرَى هِبَةَ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَإِنْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْعُمْرَى، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَى، أَوْ وَهَبْتُك سُكْنَاهَا عُمْرَك وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك وَلِعَقِبِك سُكْنَى وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إذَا قَالَ: هِيَ لَك صَدَقَةُ سُكْنَى فَلَيْسَ لَهُ إلَّا سُكْنَاهَا صَدَقَةً دُونَ الرَّقَبَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: حَيَاتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنَّهَا عُمْرَى، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: هِيَ حَبْسٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَبْسِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لَهُمَا بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَرَجَّحَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ. فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا عُمْرَى مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْبِيسَ إنَّمَا يَقْتَضِي هِبَةَ الْمَنَافِعِ فَإِذَا قَالَ عَلَى فُلَانٍ اقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِصَاصَ الْهِبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ وَارِثٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الْمَنَافِعَ دُونَ مُدَّةِ عُمْرِهِ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْعُمْرَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّحْبِيسِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ رُجُوعِ الْمَنَافِعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّحْبِيسِ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَحْبُوسَةً عَلَى وُجُوهٍ نَصَّ عَلَيْهَا أَوَاخِرَ تَعْيِينِهَا وَإِذَا حَبَسَهَا عَلَى فُلَانٍ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ مَنَافِعُهَا عُمْرَهُ فَإِذَا انْقَضَى عُمْرُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى يَمْنَعُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ مِنْ عُمْرَى، أَوْ حَبَسَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنْ يَعُودَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ فِي ذَلِكَ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ مَا عَاشَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ تَصْرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ التَّحْبِيسِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلَّقَهُ بِهَذِهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَى فِيهَا وَالْبَيْعُ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّحْبِيسَ الْمُؤَبَّدَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَخْتَصُّ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَخْرَجِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَوْلِهِ حَبْسًا فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا حَبْسٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ قَالَ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ مُعَيَّنِينَ مِثْلَ قَوْلِهِ: دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَبَنِيهِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لَهُ بَعْدُ مِنْ وَلَدٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهَا حَبْسٌ لِتَعَلُّقِهَا بِمَجْمُوعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ فِي قَوْلِهِ هِيَ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَبَنِي تَمِيمٍ، أَوْ قُرَيْشٍ، أَوْ قَالَ حَبْسًا مُؤَبَّدًا، أَوْ حَبْسًا لَا يُبَاعُ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، أَوْ حَبْسًا صَدَقَةً عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ تَرْجِعُ مَنَافِعُهُ إلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت دَارِي مَسْجِدًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ تَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَحُمِلَتْ عَلَى مُقْتَضَاهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ حَبْسًا صَدَقَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: هِيَ عُمْرَى إنْ لَمْ يَذْكُرْ عَقِبًا وَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ مَالِكٍ

[الباب الثاني فيمن يصح التحبيس منه ومن يصح التحبيس عليه وما يصح تحبيسه]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَوْلِهِ حَبْسًا فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ حَبْسًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ حَبَسْت هَذِهِ الدَّارَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُطَرِّفٌ الْحُكْمَ إلَى مُعَيَّنٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْحَبْسُ وَيَلْزَمُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وأَشْهَبَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ دَارِي هَذِهِ عُمْرَى فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَذْكُرَ الْعُمْرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَفْظَ التَّحْبِيسِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَلَفْظُ الْعُمْرَى لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْبَةِ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا لَفْظُ التَّوْقِيفِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ لَفْظَ التَّوْقِيفِ صَرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ الْحَبْسِ فَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا أَبَدًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْعُرْفِ التَّبَتُّلُ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ وَتَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ عَلَى الدَّوَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَمْلِيكَ الرُّقْبَةِ فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَ كَالْهِبَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الَّذِي يَقُولُ مِلْكِي هَذَا صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَقُلْ حَبْسًا أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِآخِرِ الْعَقِبِ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَرَوْنَهُ حَبْسًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ ذَلِكَ بِمُعَيَّنٍ وَعَقِبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَوَّلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ عَقِبَهُ مِنْ مِلْكِهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ آخِرَ الْعَقِبِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا أَنَّهَا تَرْجِعُ إذَا انْقَرَضُوا مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ. وَرَوَى فِي الْمَوَّازِيَّة أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعَقِبِ إلَّا بِنْتٌ أَنَّ لَهَا بَيْعَ الدَّارِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَدْ رَوَى صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَكِنْ تُنْفِقُ ثَمَرَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ» فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُؤَكِّلُ صِدِّيقَهُ فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الصَّدَقَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ التَّحْبِيسُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الصَّدَقَةِ بِجَمَاعَةٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ بَعْضِ بَنِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِالْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةِ لَا يَصِحُّ فِيهَا نَقْلُهَا بِالصَّدَقَةِ عَنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ، وَهَذَا مَعْنَى الْحَبْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إذَا عَرَّا لَفْظَ الصَّدَقَةِ عَنْ لَفْظِ التَّحْبِيسِ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي تَبْتِيلَ الصَّدَقَةِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ صِفَةِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِمْ، أَوْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ مَا يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا عَرَّا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهَا لَا تَكُونُ بِمَعْنَى التَّحْبِيسِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ ظَاهِرُهَا تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَنَافِعِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَبْسَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ تَبْقَى الرَّقَبَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: مِثْلُ هَذَا، وَالثَّانِي: يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَالثَّالِثُ: يَنْتَقِلُ إلَى الْبَارِي تَعَالَى وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِ الْبَاذِلِ بِالْعَارِيَّةِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ فَلَا يَجُوزُ الْمِلْكُ عَنْ رُقْبَتِهِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ عَلَى مَنَافِعِهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ مِنْهُ وَمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ] 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ مِنْهُ، وَمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ) التَّحْبِيسُ فِي الْأَصْلِ جَائِزٌ يَلْزَمُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ وَأَصْحَابُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ يَحْكُونَ عَنْهُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ يُوصِي فِي مَرَضِهِ، أَوْ يُوقَفُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ كَالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا أَوْ سِقَايَةً فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي كَلَّمَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ مَالِكًا فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ مَالِكٌ. وَقَالَ لَهُ هَذِهِ أَوْقَافُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَلْفَهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ يُشِيرُ إلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا فِعْلُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ حِينَ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ وَرَأَى أَصْحَابُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ الِاعْتِذَارَ لِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي أَصَبْت أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ: إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ بَلْ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَحْبِيسُ عَقَارٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى وَصِيَّةٍ وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ فِي تَحْبِيسِ الرِّبَاعِ وَإِعْمَارِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَوَازُ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَبْسَ فِي الْحَيَوَانِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ أَعْمَرَ دَابَّتَهُ، أَوْ دَارِهِ أَوْ عَبِيدَهُ فِي حَيَاتِهِ جَازَ وَيَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي تَحْبِيسِ الثِّيَابِ شَيْئًا وَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالثَّانِيَةُ اللُّزُومُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي الْخَيْلِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَبْسَ فِي الْحَيَوَانِ فَإِنْ وَقَعَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ تَغْيِيرَهُ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لِلْمُعَيَّنِ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ لَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْحَبْسُ فِي الْحَيَوَانِ لَازِمٌ عَلَى مَا شَرَطَ كَالرِّبَاعِ وَجْهُ اللُّزُومِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ خَالِدًا حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَصْلٌ يَبْقَى وَيَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالْعَقَارِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّحْبِيسَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْعَقَارِ دُونَ مَا يَنْقُلُ وَيَحُولُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِفَ الرَّجُلُ مِلْكَهُ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نَفْسَهُ مَالَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى جِيرَانِهِ صَحَّ حَبْسُهُ وَدَخَلَ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَا حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهًا تُصْرَفُ إلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِإِحْبَاسِ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَوَجْهُ الْحَاجَةِ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ، أَوْ الْمَسَاكِينِ قِيلَ لَهُ: إنَّهَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ قَالَ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ مُعْظَمَ الْبِلَادِ مُعْظَمُ حَاجَتِهَا فِي إعْطَاءِ الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ وُجُوهِ الْبِرِّ وَأَعَمُّهَا، وَأَمَّا الثُّغُورُ فَرُبَّمَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَا يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْجِهَادِ آكَدُ فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَيَصْرِفُ الْأَحْبَاسَ الْمُطْلَقَةَ إلَى مَا هُوَ آكَدُ

[الباب الثالث في دخول العقب مع المعطي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَاجَةٍ وَأَعَمُّ وَقْتَ عَقْدِ التَّحْبِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ حَبَسَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَلَى مَسْجِدٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ امْرَأَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ بَعَثَتْ دِينَارًا إلَى الْكَعْبَةِ أَيُجْعَلُ فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: يُرَدُّ إلَيْهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ هِيَ أَطْهَرُ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبُهَا وَأَمْوَالُ الْكُفَّارِ أَبْعَدُ الْأَمْوَالِ عَنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ تُنَزَّهَ عَنْهَا الْمَسَاجِدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ حَبَسَ مُسْلِمٌ عَلَى كَنِيسَةٍ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَفَ صَدَقَتَهُ إلَى وَجْهِ مَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ صَرَفَهَا إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِعْطَائِهِ أَهْلِ الْفِسْقِ. (مَسْأَلَةٌ) : رَوَى عُمَرُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ إخْرَاجَ الْبَنَاتِ مِنْ الْحَبْسِ إذَا زُوِّجْنَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْبَنِينَ بِالْعَطَاءِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ فِعْلِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139] . (فَرْعٌ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الشَّأْنُ أَنْ يَبْطُلَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَمَنْ أَخْرَجَهُنَّ عَنْهُ بَطَلَ تَحْبِيسُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْهُنَّ بَطَلَ حَقُّهَا إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا رَادٌّ وَيَنْقُصُ ذَلِكَ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَى الْفَرَائِضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى إنْ فَاتَ ذَلِكَ أَنْ يَضْمَنَ عَلَى مَا شَرَطَ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَجُزْ عَنْهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيُدْخِلُ فِيهِ الْبَنَاتُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَحْوَهُ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِسَحْنُونٍ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَهَبَ بَعْضَ بَنِيهِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ نَقَصَ إذَا لَمْ يَأْتِ الْمُحْبِسُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ كِبَارٌ فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يُفْسَخْ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي دُخُولِ الْعَقِبِ مَعَ الْمُعْطِي] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي دُخُولِ الْعَقِبِ مَعَ الْمُعْطِي) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ» ، وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَنَافِعِ فِي الْعُمْرَى، أَوْ الْحَبْسِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ أَوْ لِمُعَيَّنِينَ وَغَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِينَ فَكَمَنْ قَالَ أَعْمَرْتُ هَذِهِ الدَّارَ وَلَدَ فُلَانٍ أَوْ عَقِبَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ دَارًا فَوُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ فَإِنَّهُمْ مَعَ الْآبَاءِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي يَبْدَأُ بِالْآبَاءِ فَيُوَرَّثُونَ، وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ كَانَ مَالِكٌ يُؤْثِرُ الْأَعْلَيْنَ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ يُسَوُّونَ بَيْنَهُمْ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى مَعَ اسْتِوَاءِ الْحَاجَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فَكَانَ وَلَدُ الْوَلَدِ كَالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ تَنَاوُلًا وَاحِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ شَأْنَ الْأَحْبَاسِ أَنْ يُؤْثِرَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْمُحْبِسِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَحْتَجَّ بِالْآيَةِ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْآبَاءَ يَبْدَءُونَ فِي الْمِيرَاثِ قَوْلُهُ: وَلَدِي يَتَعَدَّى إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَتَمَامُ قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلِينَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ وَلَدِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَنْ يَكُونُ مِنْ وَلَدِهِ مَا تَنَاسَلُوا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَلَدُ وَلَدِي وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ قُلْنَا يُؤْثِرُ الْأَقْرَبَ فِي قَوْلِهِ وَلَدِي فَبِأَنْ يُؤْثِرَ هَاهُنَا الْأَقْرَبَ أَوْلَى وَإِذَا قُلْنَا قَوْلُهُ وَلَدِي فَقَدْ تَقَدَّمَ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَعْقَابِهِمْ ثُمَّ بَقِيَ بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ مَعَ اسْتِوَاءِ الْحَالِ. (فَرْعٌ) بَيْنَ الْأَعْلَوْنَ فَإِنَّ ذَلِكَ تَسَاوِي حَالٍ فِي الْحَاجَةِ يَبْدَأُ الْأَعْلَوْنَ وَيُعْطَى مَا فَضَلَ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ فِي وَلَدٍ أُوثِرُوا وَيَكُونُ الْأَبُ مَعَهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ

[الباب الرابع في معنى العقب والبنين والولد والورثة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ إلَّا فِي الْفَضْلِ وَشَأْنُ الْإِحْبَاسِ إيثَارُ الْأَقْرَبِ، وَكَذَلِكَ مَرْجِعُهَا، وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْطَى الْأَبُ مَعَهُمْ فَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ سَبَبُ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَلَوْ كَانَتْ الْحَاجَةُ فِي الْأَبِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ إلَّا بَعْدَ غِنَى الْأَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ عَلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ ثُمَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَلَوْ قَالَ: وَأَعْقَابُهُمْ دَخَلَ الْعَقِبُ مَعَ الْأَعْلَى، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ثُمَّ فِي الْعَطْفِ لِلتَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ الْأَوَّلُونَ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَهِيَ لِلْجَمْعِ فَاقْتَضَتْ التَّشْرِيكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْنَى الْعَقِبِ وَالْبَنِينَ وَالْوَلَدِ وَالْوَرَثَةِ] 1 قَالَ مَالِكٌ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْعَقِبَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَيْسَ وَلَدُ الْبَنَاتِ عَقِبًا ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى أَدْلَتْ بِهِ أُنْثَى فَلَيْسَ بِعَقِبٍ، وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْلُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ عَقِبَ الرَّجُلِ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ وَوَلَدُ الْبَنَاتِ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ لُبَابَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ، وَمَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ الْعَرَبِ وَأُمُّهُ مِنْ الرُّومِ لَا يُقَالُ لَهُ الرُّومِيُّ وَلَا يُنْتَسَبُ إلَى الرُّومِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنَّهُ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ الذُّكُورُ ذُكُورُهُمْ وَالْإِنَاثُ إنَاثُهُمْ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمَوَارِيثِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ كِنَانَةَ فَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ فِي صَدَقَةِ الْجَدِّ فِي أُمِّهِمْ بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ سَوَاءٌ، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ كَالْوَلَدِ فِي رَدِّ الْأُمِّ إلَى السُّدُسِ وَلَا تَأْثِيرَ فِي ذَلِكَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَكَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا يُرِيدُ بِقُرْطُبَةَ أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ وَبِهِ يُفْتِي أَكْثَرُ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ قَالَ، وَكَذَلِكَ الْأَعْقَابُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ إلَّا فِي قَوْلِهِ بَنِي وَبَنِي بَنِي وَوَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي أَبْيَنُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَنُونَ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ فَإِنَّ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ بَنِيهِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى بَنَاتِهِ فَإِنَّ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ بَنِيهِ يَدْخُلُونَ مَعَ بَنَاتِ صُلْبِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْبَنِينَ وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ أَنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ» فَعَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِخْبَارِ بِمَحَاسِنِهِ لَا عَلَى مَعْنَى النِّسْبَةِ وَإِطْلَاقِ اللَّفْظِ فَإِذَا حَبَسَ عَلَى نَسْلِ فُلَانٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ وَلَدُ وَلَدِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ خُرُوجِ وَلَدِ الْبَنَاتِ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَدُخُولِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُحْبِسِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَطَّارِ لَا خِلَافَ فِي دُخُولِ وَلَدِ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ} [الأنعام: 84] إلَى قَوْلِهِ {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} [الأنعام: 85] فَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدَ ابْنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَلَدُ بِنْتٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْآلُ فَهُمْ الْأَهْلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ آلُهُ وَأَهْلُهُ سَوَاءٌ وَهُمْ الْعَصَبَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْخَالَاتُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي الْعَصَبَةُ، أَوْ مَنْ كَانَ فِي قُعْدُدِهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مَنْ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ وَعَلَى أَهْلِهِ أَوْسُقًا مُسَمَّاةً مِنْ

[الباب الخامس في قسمة منافع العمرى والحبس]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَائِطِهِ فَهَلَكَ وَلَدٌ مِنْ وَلَدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَوَلَدٌ لَهُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَبْسِ. وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الْمُسَلِّمِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِأَدِلَّةٍ اُقْتُرِنَتْ بِهِ صَرَفَتْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا، وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيَدْخُلُ فِي الْأَهْلِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بَعُدُوا، أَوْ قَرُبُوا، وَلَوْ قَالَ عَلَى آبَاءٍ دَخَلَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ بَعُدُوا أَوْ قَرُبُوا، وَكَذَلِكَ الْعُمُومَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْأُخْتَانِ أَنْ يَدْخُلُوا وَهَذِهِ الْمَعَانِي إنَّمَا وَرَدَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ حَقَائِقُهَا، أَوْ عُرْفُ اسْتِعْمَالِهَا الْغَالِبِ عَلَى حَقَائِقِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِأَقَارِبِهِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبُ بِالِاجْتِهَادِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَوَلَدُ الْخَالَاتِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَقَارِبُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُحَرَّمٌ، أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَهُوَ ذُو قَرَابَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي الِاسْتِيفَاءِ مُسْتَوْعِبًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَوَالِي فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مَوَالِيه فَإِنَّ مَوَالِيَ مَوَالِيه يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَوَالِي ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ مَوَالِي أَبِيهِ وَرَوَى عَنْهُ وَهْبٌ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ مَوَالِيه وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ وَلَا هُمْ فِي قُعْدُدِ عَصَبَتِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ يُنَاسِبُونَهُ إلَى أَحَدِ جَدَّيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْقَرَابَةَ وَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي بَنَاتِ الْأَخِ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ بَنُو الْخَالَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِجَنْبَةِ الْأَبِ قَرَابَةٌ يَدْخُلُ بِهَا وَلَدُ النِّسَاءِ دُونَ جَنْبَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ جَنْبَةَ الْأَبِ فِي الْقَرَابَةِ لَهَا وَجْهٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ ذَلِكَ تَفْسِيرًا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقَرَابَةُ مِنْ غَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ حَبَسَ عَلَى قَوْمِهِ، أَوْ قَوْمِ فُلَانٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ خَاصَّةً مِنْ الْعَصَبَةِ دُونَ النِّسَاءِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11] فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَالنِّسَاءِ قَالَ زُهَيْرٌ وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إخَالُ أَدْرِي ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَوَالِي أُمِّهِ مَوَالِي بَنِيهِ وَأَبِيهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مَوَالِيه فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي وَلَدُ الْوَلَدِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَالْإِخْوَةِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي بَنِي الْإِخْوَةِ وَالْعُمُومَةِ وَلَوْ أَدْخَلْت هَؤُلَاءِ دَخَلَتْ مَوَالِي الْقَبِيلَةِ، وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّ مَوَالِيَهُ يَدْخُلُونَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ مَوَالِي الْمُحْبِسِ، وَمَنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَأَخْوَالُهُ لَا يَدْخُلُونَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمَوَالِي. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي هَؤُلَاءِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ وَيُؤْثِرُ عَلَى الْأَبْعَدِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَنِيًّا أُوثِرَ الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ عَلَيْهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي مَوَالِي الْأَبِ وَالِابْنِ. [الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ] 1 (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ) فَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ الَّذِي تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنَّهُمْ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا حُبِسَ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ دَارٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ ثَمَرِ نَخْلٍ فَذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ وَلِلذَّكَرِ مِثْلُ مَا لِلْأُنْثَى قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ دُونَ تَعَقُّبٍ فَإِنَّ حَقَّ الْغَائِبِ مِنْهُمْ ثَابِتٌ فِي السُّكْنَى وَحَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَفَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَالْعِيَالِ وَالزَّمَانَةِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مَنْ وُلِّيَ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُفَضَّلُ ذُو الْحَاجَةِ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْحَبْسِ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْمُحْبِسِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْحَبْسِ الْقُرْبَةُ وَإِيثَارُ ذَوِي الْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْقُرْبَةَ إلَّا أَنْ يُصْرَفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِشَرْطٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَبْسِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُعَيَّنِينَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَقَدْ قَصَدَ اسْتِيفَاءَهُمْ وَالْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ وَإِذَا أَفْرَدَ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ وَأَضَافَهُمْ إلَى مُعَيَّنِينَ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيعَابَ وَلَا الْمُسَاوَاةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَكَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَى حَبْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُحْبِسَ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْهُمْ الْغَنِيَّ وَالْمُحْتَاجَ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ إيثَارُ ذَوِي الْحَاجَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَفِي قَرَابَتِهِ غَنِيٌّ لَا يُعْطَى مِنْهُ وَلَكِنَّ ذَوِي الْحَاجَةِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ لَا يُعْطَى مِنْهُ الْغَنِيُّ شَيْئًا وَيُعْطَى الْمُتَوَسِّطُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْلَادٌ كِبَارٌ فُقَرَاءُ قَدْ بَلَغُوا أَعْطُوا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَبْسِ وَمُقْتَضَاهُ الْقُرْبَةُ وَسَدُّ الْخَلَّةِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِذَوِي الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْمُسَدِّدُ فَهُوَ الَّذِي لَهُ كِفَايَةٌ وَرُبَّمَا ضَاقَتْ حَالُهُ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَأَمَّا وَلَدُ الْغَنِيِّ لَا مَالَ لَهُ فَهُوَ فَقِيرٌ وَإِذَا بَلَغَ صَحِيحًا فَلَمْ يَلْزَمْ الْأَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْحَاجَةِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا تَسَاوَى أَهْلُ الْحَبْسِ فِي الْفَقْرِ، أَوْ الْغِنَى أُوثِرَ الْأَقْرَبُ وَيُعْطَى الْفَضْلُ مَنْ يَلِيه، وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ غَنِيًّا أُوثِرَ الْفَقِيرُ الْأَبْعَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ بِالْحَبْسِ قَرَابَتَهُ كَانَ لِلْقَرِيبِ تَأْثِيرٌ فِي الْإِيثَارِ إلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ ذَوِي الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الصَّدَقَاتِ وَالْأَحْبَاسِ، وَهَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ فُقَرَائِهِمْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ. وَقَدْ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى رَجُلٍ غَنِيٍّ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُ الْفُقَرَاءَ فَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ جَازَ صَرْفُهَا إلَى مَنْ شَرَكَ الْفُقَرَاءَ فِي مَعْنَى الْحَبْسِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ. (فَرْعٌ) وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي الْحَبْسِ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَسَوَّى بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَسَمَ الْحَبْسَ بَيْنَ أَهْلِهِ مِنْ غَلَّةٍ وَسُكْنَى فَلَيْسَ عَلَى كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَلْيَبْدَأْ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَوْ بَدَرَ إلَى سُكْنَى الْحَبْسِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبِدَارِ وَلَكِنَّ الْمُقَدَّمَ أَحْوَجُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُحْبِسِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ تَسَاوَوْا فِي الْغِنَى وَالْحَاجَةِ فَمَنْ سَبَقَ إلَى سُكْنَاهَا مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ وَلَا يَخْرُجُ لِمَنْ بَقِيَ وَلَيْسَ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ كَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَيْسَ الْأَعْزَبُ فِي السُّكْنَى كَالْمُتَأَهِّلِ الْمُعَقِّبِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَأَمَّا إنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنْهُ بِالسُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُمْكِنُهُ سُكْنَاهُ فَكَانَ الْحَاضِرُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حُبِسَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُؤْثِرَةَ فِي التَّقْدِيمِ الْحَاجَةُ وَالْقَرَابَةُ وَالْبِدَارُ، وَالْحَاجَةُ مُقَدَّمَةٌ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْحَاجَةِ وَالْقَرَابَةِ فَمَنْ بَادَرَ إلَى السُّكْنَى كَانَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاضِرَ أَحَقُّ مِنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ بَادَرَ إلَى السُّكْنَى قَبْلَهُ وَالِاعْتِبَارُ

[الباب السادس في استحقاق القسم بالولادة وانتقاله بالموت]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ ابْتِدَاءَ السُّكْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَاضِرَ أَوْلَى بِالسُّكْنَى مِنْ الْغَائِبِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَغِيبَ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ فَإِنَّهُ إذَا قَدِمَ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ مَنْ قَدْ سَكَنَ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِ انْقِطَاعٍ، وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَعَرَضَ لَهُ بَعْضُ مَا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْ الْأَسْفَارِ كَانَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ إلَى أَنْ يَعُودَ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ رَدَّ إلَى مَنْزِلِهِ وَأَخْرَجَ مَنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَإِذَا سَكَنَ بَعْضُهُمْ لِحَاجَتِهِ وَلِحُضُورِهِ فَاسْتَغْنَى وَقَدِمَ الْغَائِبُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِم عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِقُدُومِ الْغَائِبِ وَلَا لِحَاجَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ وَالْغَائِبُ وَالْمُسَافِرُ كَالْحَاضِرِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِسْمَةِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ سَكَنَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ مَعَ أَبِيهِ فَبَلَغَ فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الِانْفِرَادُ عَنْ أَبِيهِ فَلَهُ مَسْكَنُهُ مِنْ الْحَبْسِ، وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ مَسْكَنُ أَبِيهِ فَأَمَّا مَنْ ضَعُفَ عَنْ الِانْفِرَادِ فَلَا مَسْكَنَ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَ فَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ فَلَهُ حَقُّهُ فِي الْمَسْكَنِ، وَهَذَا فِي الذُّكُورِ، وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا مَسْكَنَ لَهُنَّ، وَإِنْ بَلَغْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي كَفَالَةِ الْأَبِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكِرَاءُ وَالْغَلَّاتُ مِنْ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ حَقَّ مَنْ انْتَجَعَ، أَوْ غَابَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ السُّكْنَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ الْقَاسِمِ. [الْبَابُ السَّادِسُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَسْمِ بِالْوِلَادَةِ وَانْتِقَالِهِ بِالْمَوْتِ] وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ انْتِقَالٌ إلَى مَنْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِمْ وَانْتِقَالٌ إلَى غَيْرِهِمْ فَأَمَّا الِانْتِقَالُ إلَى الْمُحْبِسِ، أَوْ الْمُعْمِرِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِشَاعَةِ، أَوْ الْإِبْهَامِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِشَاعَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ حَبَسَ دَارًا أَوْ حَائِطًا عَلَى قَوْمٍ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، وَذَلِكَ فِي الْأَحْبَاسِ كُلِّهَا مِنْ غَلَّةٍ، أَوْ سُكْنَى، أَوْ خِدْمَةٍ، أَوْ دَارٍ مُحْبَسَةٍ كَانَ مَرْجِعُ ذَلِكَ الْحَبْسَ إلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ، أَوْ غَيْرِهِ أَوْ إلَى السَّبِيلِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَنَحْوِهِ، رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ سَحْنُونٌ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِرُجُوعِ مَالِكٍ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ فَقَالَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ جَمِيعَهُمْ فِي لَفْظِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ، وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهُمْ فِيهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الِاسْمَ وَيَتَنَاوَلُهُ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كَوْنَهُ مِمَّا يَنْقَسِمُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ رُجُوعَ حِصَّتِهِ إلَى إشْرَاكِهِ وَيُوجِبُ انْقِطَاعَ حُكْمِ الْعُمْرَى مِنْهَا لِمَوْتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَرَاعَيْنَا مَا يَنْقَسِمُ فَإِنَّ مُطَرِّفًا قَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَسْكَنِ: إنْ جَزَّأَ الْمُحْبِسُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ رَاجِعٌ إلَى رَبِّ الدَّارِ، وَإِنْ جَزَّءُوهَا هُمْ بَيْنَهُمْ فَنُصِيبُ الْمَيِّتِ رَاجِعٌ إلَى أَصْحَابِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُمْ الدَّارَ سُكْنَى وَاحِدٍ وَاخْتِدَامَهُمْ الْعَبْدَ كَذَلِكَ قَالَ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ تَنْقَسِمُ، أَوْ دَارٍ تُكْتَرَى، أَوْ عَبِيدٍ مُخَارِجِينَ فَإِنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إلَى مَنْ إلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ خَادِمًا عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، أَوْ عَلَى نَاسٍ مُجْتَمَعِينَ حَيَاتَهُمْ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَنَصِيبُهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ هَذَا عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ فَنَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِلْمُحْبِسِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَلَوْ جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ الْمُجْتَمَعِينَ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مَعْرُوفٌ فَلَا يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَوْ حَبَسَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُفْتَرِقِينَ وَجَعَلَ ذَلِكَ مُشَاعًا كَانَ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِأَصْحَابِهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا قَالَ: غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا يَوْمًا وَفُلَانًا يَوْمًا فَهَذِهِ قِسْمَةٌ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا رَجَعَ نَصِيبُهُ إلَى أَصْحَابِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ مُرَاعَاةُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ سَحْنُونٍ يَقْتَضِي مُرَاعَاةَ قِسْمَةِ الْمُعْطِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ فِي نَفْسِ الْعَطِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْعَطِيَّةُ مِمَّا يَنْقَسِمُ كَالْعَبِيدِ الْمُخَارِجِينَ، وَالْغَلَّةُ تَنْقَسِمُ وَالدَّارُ تُكْرَى وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْمُعْطَى عِنْدَ الْعَطِيَّةِ فَهَذَا حُكْمُهُ إذَا بُيِّنَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا أُبْهِمَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْإِبْهَامِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ وَالْإِشَاعَةَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِين وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْحُظُوظَ فَيُسَمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ نَصِيبًا مُسَمًّى، أَوْ سُكْنَى مَعْرُوفَةً فَإِنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الْمَرْجِعِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعْيِينَهُ وَتَعْيِينَ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي مَنْعَ الِاشْتِرَاكِ وَيَجْعَلُ حُكْمَ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ يَخْتَصُّ بِهِ فَإِذَا تُوُفِّيَ اسْتَحَقَّ مَا كَانَ لَهُ صَاحِبُ الْمَرْجِعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ التَّحْبِيسُ، أَوْ التَّعْمِيرُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ: عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ، أَوْ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ فَهَذَا إنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَخَذَ جَمِيعَ الْغَلَّةِ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِي صِفَةِ التَّحْبِيسِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى امْرَأَتَيْنِ وَعَقِبِهِمَا فَهَاهُنَا يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتَةِ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِ الْمَرْجِعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى رَجُلَيْنِ حَيَاتِهِمَا ثُمَّ لِرَجُلٍ بَعْدَهُمَا فِي وَجْهٍ آخَرَ فَمَاتَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ رَجَعَ نَصِيبُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ قِيلَ يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَإِذَا كَانَ الْحَبْسُ حَائِطًا فَمَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ الْإِبَارِ، أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِبَارِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِبَارِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَهِيَ لِمَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْإِبَارِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: هِيَ لِوَرَثَتِهِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِبَارِ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِبَارِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَفِي الْمُعْمِرِ يَمُوتُ وَفِي الْحَائِطِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ، أَنَّهَا لِوَرَثَتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ مَعَ بَقَاءِ الرُّقْبَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بُدُوُّ، الصَّلَاحِ، كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْحَبْسِ ذَلِكَ الْوَقْتِ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَكْلِهَا رُطَبًا؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مَقْصُودٌ فَلَوْلَا اسْتِحْقَاقُهُ لِلثَّمَرَةِ لَمُنِعَ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ فَوَجَبَتْ بِالْإِبَارِ، كَالصَّدَقَةِ الْمُبَتَّلَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَسْتَحِقُّ فِيهَا بِالْإِبَارِ فَكَذَلِكَ هَذَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ حُبِسَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تُقَسَّمُ عَلَى مَنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ مَوْلُودًا يَوْمَ تُقَسَّمُ الثَّمَرَةَ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى قَبِيلَةٍ أَنَّهُ إنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ، وَمَنْ وُلِدَ قَبْلَ الْقَسْمِ، قُسِمَ لَهُ، وَأَمَّا إنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيْنَ بِأَسْمَائِهِمْ مِمَّنْ أَدْرَكَ طِيبَ الثَّمَرَةِ فَحَقُّهُ فِيهَا ثَابِتٌ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْغَلَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالْأَحْبَاسُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ كَالسُّكْنَى. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّدَقَةَ

[الباب السابع في بيع العمرى والحبس]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْوَى؛ لِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ وَمُتَعَلِّقَةٌ بِمُعَيَّنِينَ، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ وَتَمْيِيزِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ فَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَالِانْتِجَاعِ لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَحَرَثَهَا ثُمَّ مَاتَ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْوَرَثَةَ كِرَاءَ الْحَرْثِ، أَوْ سَلَّمَهَا إلَيْهِمْ بِكِرَائِهَا تِلْكَ السَّنَةَ، وَلَوْ مَاتَ وَفِيهَا زَرْعٌ فَلِوَرَثَةِ الزَّارِعِ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِمْ. [الْبَابُ السَّابِعُ فِي بَيْعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ] 1 (الْبَابُ السَّابِعُ فِي بَيْعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ) أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ عَقْدٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ لِلْمَنَافِعِ بِالْعُمْرَى وَالْحَبْسِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى غَيْرِ مَوْجُودٍ عِنْدَ التَّحْبِيسِ وَالثَّانِي عَلَى مَوْجُودٍ فَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى مَوْجُودٍ مِثْلِ أَنْ يُعْمِرَ زَيْدًا أَوْ يُعْمِرَهُ وَعَقِبَهُ، أَوْ يَحْبِسَ عَلَى زَيْدٍ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ وَوَاحِدٍ مِمَّنْ أُعْمِرَ، أَوْ حُبِسَ عَلَيْهِ مَوْجُودٍ عِنْدَ الْعُمْرَى فَقَدْ امْتَنَعَ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُمْ غَيْرَ مَوْجُودِينَ مِثْلَ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَلِدْ فَإِذَا وُلِدَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُؤَيِّسَ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَلَوْ أَجَزْت لَهُ هَذَا لَأَجَزْت لَهُ أَنْ يَبِيعَ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتُوا وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يُولَدَ لَهُ غَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَلْ هُوَ حَبْسٌ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْحَبْسَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ قَبُولُ أَحَدٍ فَيَلْزَمُ سَبَبُهُ وَرُبَّمَا مَنْ ذَكَرَ فِيهِ لَا يَخْلُو فَإِذَا وُلِدَ لَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمَوْلُودِ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحَبْسَ مُتَوَجِّهٌ إلَى مَنْ يَصِحُّ وُجُودُهُ وَيُتَوَقَّعُ لُزُومُ حَقِّهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَقَدَ الْحَبْسَ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ مَا لَمْ يُؤَيِّسْ مِنْ وُجُودِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ الْحَبْسَ عَنْ حُكْمِهِ فِي اللُّزُومِ فَإِذَا يَئِسَ مِنْهُ عَلِمَ أَنَّ الْحَبْسَ لَمْ يَنْفُذْ بِصَرْفِهِ إلَى مَنْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ عَقْدَ الْحَبْسِ عَقْدٌ يَلْزَمُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ حَائِطِي حَبْسٌ لَلَزِمَ وَأَكْثَرُ مَا فِي قَوْلِهِ حَائِطِي حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي وَلَا يُوجَدُ لَهُ وَلَدٌ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَازِمٌ وَيُوجِبُ تَصَرُّفَهُ إلَى مَنْ قَرَّرَتْ الشَّرِيعَةُ رَدَّهَا إلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَقَدْ قَالَ فِيمَنْ قَالَ صَدَقَتِي هَذِهِ عَلَى وَلَدِي وَلَا وَلَدَ لَهُ فَهِيَ حَبْسٌ تَخْرُجُ عَنْ يَدِهِ إلَى يَدٍ ثِقَةٍ وَثَمَرَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَبْسٌ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ رَجَعَتْ هِيَ وَغَلَّتُهَا إلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْحَبْسِ يَوْمَ حَبَسَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْحَبْسِ لَازِمًا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ لَزِمَ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدِهِ لِيَصِحَّ الْحَوْزُ فِيهِ فَإِنْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَدٌ رُدَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ حَوْزُهُ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ مِنْ مَرْجِعِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ قَدْ تَمَّ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مَوْجُودٍ يَوْمَ الْحَبْسِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَوْجُودٍ ثُمَّ وُجِدَ فَقَدْ لَزِمَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا الرُّجُوعُ فِيهِ فَإِنْ بَاعَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ، أَوْ الْكِبَارِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ تَعَدَّى فَبَاعَهُ مُقَابَضَةً، أَوْ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ كَانَ الْبَيْعُ مَنْقُوضًا وَيُرَدُّ إلَى الْحَبْسِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَوَانِي هَؤُلَاءِ فِي قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ أُعْدِمَ بِالثَّمَنِ اُتُّبِعَ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْحَبْسِ لَازِمٌ فَلَا يُحِيلُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ تَعَدِّي الْمُحْبَسِ فِيهِ وَيَجِبُ نَقْضُ بَيْعِهِ وَيُتَّبَعُ بِالثَّمَرِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ مَا بَاعَهُ قَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ صُلِّيَ فِيهِ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَنْ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ دَارًا فَلْيُفْسَخْ ذَلِكَ وَيُرَدُّ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِلَّهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُغَيَّرُ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْبَاسِ اللَّازِمَةِ بَلْ هِيَ أَوْكَدُهَا؛ لِأَنَّهَا خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُضَافَةٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114] وَأَمَّا قَوْلُ مُطَرِّفٍ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُرِيدُ عَلَى الصُّورَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَسَاجِدِ قَالَ ثُمَّ هَدَمَهُ الْمُبْتَاعُ وَبَنَاهُ دَارًا يُرِيدُ أَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى صُورَةِ الدُّورِ وَقَوْلُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يُرَدَّ بَعْدَ الْفَسْخِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي عِنْدِي أَنَّ لِلْمَسْجِدِ بُنْيَانًا مَخْصُوصًا يُمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ التَّمَلُّكَ مِنْ بُنْيَانِهِ وَيُمْنَعُ مَنْ تَمَلَّكَهُ مِنْ اسْتِدَامَةِ تَمَلُّكِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُمْنَعُ مَنْ أَرَادَ بُنْيَانَ الْمَسَاجِدِ مِنْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّيِّئَةِ وَلِلذَّرِيعَةِ إلَى تَمَلُّكِ الْمَسَاجِدِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ صُلِّيَ فِيهِ يُرِيدُ إبَاحَةً لِمَنْ صَلَّى فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ بِهِ تَحْبِيسُهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالتَّحْبِيسِ، وَلَوْ تَلَفَّظَ بِهِ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِمُجَرَّدِ الْبُنْيَانِ، وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ، وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ لِمُجَرَّدِ الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ فِيهِ إلَّا بِإِبَاحَتِهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ أَصْبَغُ أَبُو إِسْحَاقَ إذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَهُوَ مَاضٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُجْعَلَ بِيَدِ قَيِّمٍ سَوَاءً كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ دَاخِلُ بَابِ دَارِهِ يُغْلَقُ عَلَيْهِ أَوْ خَارِجَ الْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ لِمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَبْنِيَ مِثْلَ هَذَا الْبُنْيَانِ فِي دَارِهِ مَسْجِدًا لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ حَبْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَمَا كَانَ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ بَيْتِ الْمَاءِ، أَوْ بَيْتٍ لِزَيْتِهِ وَحُصُرِهِ وَآلَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَعٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَلَاسِلُهُ وَقَنَادِيلُهُ وَبُنْيَانُهُ وَجُذُوعُهُ مَا انْكَسَرَ مِنْهَا رُدَّ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَبَسَ حَبْسًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْحَبْسِ وَاسْتَحْدَثَ دَيْنًا بَعْدَ الْحَبْسِ فَقَامَ أَهْلُ الدَّيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ: قَدْ قِيلَ يُبَاعُ مِنْهَا لِلدَّيْنِ الْقَدِيمِ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ أَهْلُ الدَّيْنِ الثَّانِي وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إذَا دَخَلَ مَعَهُمْ الْآخَرُونَ بِيعَ لِلْأَوَّلِينَ بِقَدْرِ مَا انْتَقَضَهُمْ الْآخَرُونَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْآخَرُونَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَسْتَوْفُوا، أَوْ يَفْرُغَ الْحَبْسُ، وَكَذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ حُبِسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسٌ مُنْفَرِدٌ لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاقَلَاهُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْمُبَايَعَةُ، وَالْمُنَاقَلَةُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا مُحْبَسَةً لِدَفْنِ الْمَوْتَى فَضَاقَتْ بِأَهْلِهَا فَأَرَادُوا أَنْ يُوَسِّعُوا وَيَدْفِنُوا وَبِجَانِبِهَا مَسْجِدٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَدْفِنُوا فِيهِ مَيِّتًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ حَبْسٌ كُلُّهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَقْبَرَةٍ عَفَتْ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْنَى فِيهَا مَسْجِدٌ وَكُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَبْسَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَرْفِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ نَقَلَ الْمَقْبَرَةَ إلَى الْمَسْجِدِ وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ مَنْفَعَةَ أَحَدِ الْحَبْسَيْنِ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُنْقَلُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ، وَإِنَّمَا يُنْقَلُ مِنْ وَجْهِ مَنْفَعَةٍ إلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الدُّورُ الْمُحْبَسَةُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ إلَى سَعَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ دُورَ الْحَبْسِ لِيُوَسِّعَ بِهَا الْمَسْجِدَ وَالطَّرِيقَ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ عَامٌّ أَعَمُّ مِنْ نَفْعِ الدَّارِ الْمُحْبَسَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَذَلِكَ عِنْدِي فِي مِثْلِ جَوَامِعِ الْأَمْصَارِ دُونَ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ مَعَهُ أَنَّ الْأَحْبَاسَ إنَّمَا تُغَيَّرُ إلَى الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ ، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ الْجَوَامِعِ، وَأَمَّا مَسَاجِدُ الْقَبَائِلِ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْهَا كَثِيرٌ فَمَتَى ضَاقَ مَسْجِدٌ بُنِيَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ مَسْجِدٌ يَتَّسِعُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْجَوَامِعِ، وَأَمَّا عَلَى تَجْوِيزِ مَالِكٍ ذَلِكَ فِي الطُّرُقِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَغَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَعَقْدُ الْحَبْسِ لَازِمٌ مُؤَبَّدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْبَاسِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةٌ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَنْقُلُ الْحَبْسَ عَنْ مُقْتَضَاهُ إذَا لَمْ تَخْرَبْ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُلُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَإِنْ خَرِبَ كَالْغَصْبِ

[الباب الثامن فيمن تعود إليه منافع العمرى والحبس بعد موت المعمر والمحبس عليهم]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ حَائِطٌ وَفِيهِ نَخْلٌ قَدْ حُبِسَتْ بِمَائِهَا فَغَلَبَتْ عَلَيْهَا الرِّمَالُ حَتَّى أَبْطَلَتْ وَفِي مَائِهَا فَضْلٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا يُبَاعُ فَضْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَلْيَدَعْهُ بِحَالِهِ وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الرِّمَالُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُبَاعُ الدَّارُ الْمُحْبَسَةُ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَصَارَتْ عَرْصَةً. وَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا خَرِبَ مِنْ الْحَبْسِ وَانْتَقَلَ إلَى أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَبَطَلَ الْمَوْضِعُ وَأَرَادَ أَهْلُهُ بَيْعَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِثَمَنِهِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الرِّبَاعِ بِمَالٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَا يُنَاقِلُ الْوَقْفَ، وَإِنْ خَرِبَ مَا حَوَالَيْهِ، وَقَدْ تَعُودُ الْعِمَارَةُ بَعْدَ الْخَرَابِ. (فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُبَاعُ بَعْضُ الْوَقْفِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرَى بَيْعَهُ وَلَسْت أَقُولُ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تُنْقَلُ وَلَا تُحَوَّلُ فَأَمَّا مَا يُنْقَلُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْفَرَسِ الْمُحْبَسِ يَضْعُفُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ قُوَّةٌ لِلْغَزْوِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي آخَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ شُورِكَ بِهِ وَالثِّيَابُ تُبَاعُ إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا لَبَطَلَتْ الْأَحْبَاسُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا فَسَادٌ بَيِّنٌ مِنْ صَلَاحِهِ وَلَا تُرْجَى عَوْدَتُهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الرِّبَاعُ فَإِنَّهَا تَعْمُرُ بَعْدَ الْخَرَابِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا حَبْسٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالرِّبَاعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَبَسَ الرَّجُلُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ دَارٍ، أَوْ حَائِطٍ وَطَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ، أَوْ الْبَيْعَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ يَنْقَسِمُ بِقَاسِمٍ فَمَا وَقَعَ لِلْحَبْسِ كَانَ حَبْسًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْبِسَ إذَا حَبَسَ جُزْءًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ قَدْ كَانَ حَقُّ شَرِيكِهِ إنْ أَرَادَ الْبَيْعَ أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ هَذَا الْحَقَّ عَلَيْهِ لِتَحْبِيسِهِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا بِيعَ الْحَبْسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ لِأَنَّ السُّلْطَانَ اشْتَرَى ذَلِكَ فَأَدْخَلَهُ فِي مَوْضِعٍ، أَوْ مَسْجِدٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُشْتَرَى بِهِ دُورٌ مَكَانَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ،. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَقْضِي، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْحَبْسَ فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَلْيَصْنَعْ بِهِ الْمُحْبِسَ مَا شَاءَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعْنَى أَوْجَبَ إخْرَاجُ مَا حُبِسَ عَنْ الْمُحْبِسِ وَالرُّجُوعُ بِثَمَنِهِ فَلَمْ يُوجِبْ شِرَاءُ مِثْلِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ كَالِاسْتِحْقَاقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْمُحْبِسَ إذَا حَبَسَ مَا يَمْلِكُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُحْبِسِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَى اللُّزُومِ فَإِذَا وَجَبَ إخْرَاجٌ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ الْحَبْسِ وَالْحَبْسُ جُمْلَةٌ لَزِمَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْبِيسَ حَقٌّ لَازِمٌ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْحَبْسَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتِلْكَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُحْبِسَ حَبَسَ مَا لَا يَمْلِكُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْحَبْسُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعُمْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَرْجِعَ الدَّارِ الْمُعْمَرَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَابْنِ أَخِيهِ حَيَاتَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَحْبِسِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ مَرْجِعَهَا؛ لِأَنَّهَا عُمْرَى. [الْبَابُ الثَّامِنُ فِيمَنْ تَعُودُ إلَيْهِ مَنَافِعُ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ وَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ] (الْبَابُ الثَّامِنُ فِيمَنْ تَعُودُ إلَيْهِ مَنَافِعُ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ وَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ) فَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ مِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُمْرَى فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَى صَاحِبِهَا الْأَصْلِيِّ إنْ كَانَ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِلَى وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ إخْرَاجًا مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ إخْرَاجًا مُؤَقَّتًا كَالْإِجَارَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِيمَنْ أَعْمَرَ دَارًا، أَوْ خَادِمًا لِفُلَانٍ وَعَقِبِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَقُلْ مَرْجِعُهَا إلَيْهِ وَلَا إلَى وَجْهٍ ذَكَرَهُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مِنْهَا شَيْئًا مُؤَقَّتًا عَلَى غَيْرِ لَفْظِ الْقُرْبَةِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ ذَلِكَ صَدَقَتُهُ عَلَى رَجُلٍ حَيَاتَهُ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ حَيَاتَهُمْ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا مِلْكًا وَإِلَى وَرَثَتِهِ مِيرَاثًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْكَنَ رَجُلًا حَيَاتَهُ، وَأَمَّا الْحَبْسُ الْمُؤَبَّدُ الَّذِي لَمْ يُجْعَلْ لَهُ مَرْجِعًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَرْجِعُ إلَى أَوْلَى النَّاسِ مِمَّنْ حَبَسَهُ حَبْسًا عَلَيْهِمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اقْتَضَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّأْبِيدَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ مُعَيَّنٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَرَجَعَ إلَى أَحَقِّ النَّاسِ بِالْحَبْسِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ وَجْهٍ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَسَدِّ خَلَّةِ الْفُقَرَاءِ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِسَهْمٍ مِنْ حَائِطٍ عَلَى مَوَالِيه وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ فَانْقَرَضُوا فَأَحَبُّ إلَى أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ لَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا، وَقَدْ قَالَ مِثْلُهُ فِيمَنْ حَبَسَ غُلَامًا عَلَى رَجُلٍ وَعَقِبِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا يَسْلُكُ بِهِ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ مَوْقُوفًا. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَوْلَى النَّاسِ بِهِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَمَّا رَجَعَ مِيرَاثًا رُوعِيَ فِيهِ وَرَثَتُهُ يَوْمَ مَاتَ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ حَبْسًا فَلَا وَلَا هُمْ بِهِ يَوْمَ يَرْجِعُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَرْجِعُ مِلْكًا إلَيْهِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ مِلْكُهُ عَلَيْهِ تَامٌّ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةً مُؤَقَّتَةً فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ، وَأَمَّا مَا خَرَجَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ فَقَدْ زَالَ بِمِلْكِهِ عَنْ جَمِيعِ مَنَافِعِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ يَوْمَ الْمَرْجِعِ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَا تُوَرَّثُ عَنْهُ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ الْمُسَمَّيْنَ فِي الْحَبْسِ كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهَا مَرْجِعًا بَعْدَ الْحَبْسِ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا مِنْ أَهْلِ الْمَرْجِعِ إلَّا مَنْ كَانَ بَاقِيًا يَوْمَ الْمَرْجِعِ دُونَ مَنْ انْقَرَضَ، أَوْ مَنْ يَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَمِنْ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ الْحَبْسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا انْقَرَضَ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ رَجَعَ إلَى عَصَبَةِ الْمُحْبِسِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ، وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ إلَى أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنْ وَلَدٍ وَعَصَبَةٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَصَبَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَهَلْ لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرْجِعُ إلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ حَبْسًا عَلَيْهِمْ رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْجِعُ إلَى عَصَبَةِ الْمُحْبِسِ قِيلَ لَهُ: إنَّهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ لَيْسَ النِّسَاءُ عَصَبَةً إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الرِّجَالِ. وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ كَالْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَكَانَتْ عَصَبَةً وَأَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ لَهَا، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَسَدِّ خَلَّةِ الْقَرَابَةِ، وَالْبِنْتُ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِالْقَرَابَةِ كَالْخَالَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ لِلنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ مَدْخَلًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ امْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا كَانَ عَصَبَةً لِلْمُحْبِسِ فَهِيَ مِمَّنْ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْحَبْسُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنُو الْأَخَوَاتِ وَلَا بَنُو الْبَنَاتِ وَلَا زَوْجٌ وَلَا زَوْجَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْعَمَّاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، أَوْ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَلَا يَدْخُلُ الْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى وَتَدْخُلُ الْأُمُّ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا تَدْخُلُ الْأُمُّ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ يَرِثُهُ وَهُوَ مَنْ حَرُمَ نَسَبُهُ كَالْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ وَالْأَخَوَاتِ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْ حَرَّمَ نَفْسَهُ، وَأَمَّا الْعَمَّاتُ وَبَنَاتُ الْعَمِّ وَبَنَاتُ الْأَخِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا يَرْجِعُ مِنْ النِّسَاءِ إلَى مَنْ يَرِثُهُ دُونَ مَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَكَانَهُنَّ مَكَانُ التَّعْصِيبِ وَلِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ فَلَمَّا كَانَ الرِّجَالُ يَدْخُلُونَ فِيهِ بِالتَّعْصِيبِ وَكَانَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَلَا تَعْصِيبَ لَهُنَّ اُعْتُبِرَ فِيهِ قُعْدُدُ التَّعْصِيبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ كَالْأَجَانِبِ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَدْخَلَهَا فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهَا مَوْضِعُ الْأَبِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا بِخِلَافِ بَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ أَهْلُ الْمَرْجِعِ ذُكُورًا، أَوْ إنَاثًا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَخًا وَأُخْتًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ كَأَنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا الدِّمَشْقِيَّ يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَفِيمَا أَعْطَوْا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعُمْرَى تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا إذَا لَمْ يَقُلْ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَبْسِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِنَّ بِمَعْنَى التَّشْرِيكِ فِي الْحَبْسِ لَا عَلَى مَعْنَى التَّوَارُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَرْجِعِ بَنَاتٍ وَعَصَبَةً فَهُوَ بَيْنُهُمْ إنْ كَانَ فِيهِ سِعَةٌ وَإِلَّا فَالْبَنَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَصَبَةِ وَيَدْخُلُ مَعَ الْبَنَاتِ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ دُونَ الزَّوْجَةِ، وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى إخْوَةٍ دَخَلَ مَعَهُمْ الْأَخَوَاتُ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى أَعْمَامٍ دَخَلَ مَعَهُمْ الْعَمَّاتُ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى بَنِي أَخٍ دَخَلَ مَعَهُمْ بَنَاتُ الْأَخِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى بَنِي عَمٍّ دَخَلَ بَنَاتُ الْعَمِّ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى وَلَدِ الْمَوْلَى الْمُنْعِمِ دَخَلَ مَعَهُمْ بَنَاتُ الْمَوْلَى الْمُنْعِمِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَإِنْ كَانُوا مَوَالِيَهُ فَهُمْ عَصَبَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُمْ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَدْخُلُ النِّسَاءُ مَعَ الْعَصَبَةِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ. (ش) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَكْحُولٌ إنَّمَا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعُمْرَى لِمَا بَلَغَهُ فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ النَّاسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا لَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهَا قَوْلٌ لِمَنْ يُعْتَبَرُ بِقَوْلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَ الْقَاسِمِ مِنْ ذَلِكَ لِيَأْخُذَ بِهِ، أَوْ لِيَنْظُرَ فِيهِ وَقَوْلُهُ عَنْ الْعُمْرَى وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْعُمْرَى وَيُعْلِمَهُ بِقَوْلِ النَّاسِ فِيهَا، وَسَأَلَهُ عَمَّا يَخْتَارُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْعُمْرَى وَعَمَّا عِنْدَهُ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ الْقَاسِمُ، أَوْ بَلَغَهُ قَوْلُهُمْ فِيهَا، وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ الْقَاسِمُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ أَقْوَالِ النَّاسِ فَقَالَ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَجَابَهُ عَلَى حَسْبِ سُؤَالِهِ، وَلَوْ كَانَ سَأَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ خَاصَّةً لَأَجَابَهُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا أَدْرَكْت النَّاسَ إلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْمِرَ لَمَّا شَرَطَ اسْتِيفَاءَ الرُّقْبَةِ وَإِفْرَادَ الْمَنَافِعِ بِالْهِبَةِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً بِعُمْرِ الْمُعْطِي، أَوْ بِعُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ كَانَ شَرْطُهُ تَامًّا وَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ عَلَى مَا شَرَطَ لَا تَتَجَاوَزُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا عَلَى ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ جَازَ عِنْدَهُمْ يُرِيدُ عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ بِأَنَّ الْعُمْرَى تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْمَرَهَا يُرِيدُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا الْمَوْهُوبَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْمَنَافِعِ خَاصَّةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ لَفْظِ الْعُمْرَى الَّذِي يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك فَإِذَا قَالَ هِيَ لَك وَلِعَقِبِك فَإِنَّ جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَفْسِيرَ مَالِكٍ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لِهَذَا اللَّفْظِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي حُكْمِهِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ لِفُلَانٍ وَلِعَقِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَهَا وَلَا يَقْطَعَ مَنْفَعَتَهَا عَنْ عَقِبِهِ وَلَهُ غَلَّتُهَا وَمَنَافِعُهَا دُونَ ضَمَانٍ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهَا دَارٌ، وَلَوْ كَانَتْ مَالًا، أَوْ شَيْئًا يُغَابُ عَلَيْهِ لَضَمِنَ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ دَارِي هَذِهِ لِفُلَانٍ وَلِعَقِبِهِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ إضَافَتِهِ إلَيْهِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَقَوْلُهُ لِفُلَانٍ، أَوْ لِفُلَانٍ وَعَقِبِهِ يَقْتَضِي أَيْضًا تَمْلِيكَ الرُّقْبَةِ لِتَضَمُّنِهِ التَّأْبِيدَ، وَلَوْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنَافِعِ مِنْ قَوْلِهِ عُمْرَى، أَوْ سُكْنَى يُحْمَلُ عَلَى الْمَنَافِعِ، أَوْ وَقْتِ ذَلِكَ بِزَمَنٍ فَقَالَ هِيَ لِفُلَانٍ حَيَاتَهُ وَلِعَقِبِهِ مَا كَانَ مِنْهُ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرُّقْبَةِ لَا يَتَوَقَّتُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا التَّعْقِيبُ فَلَا يَمْنَعُ تَمْلِيكَ الرُّقْبَةِ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ فِي الْمَنَافِعِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَطِيَّةِ لِيَصِلَ مِلْكُ الرُّقْبَةِ إلَى آخِرِهِمْ، وَلَوْ مَلَكَ أَوَّلُهُمْ الرُّقْبَةَ لَجَازَ أَنْ يُفَوِّتَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ مِلْكِهِ لَهَا فَلَا تَصِلُ إلَى آخِرِهِمْ وَلَكِنَّهَا كُلَّمَا صَارَتْ بِيَدِ إنْسَانٍ بَقِيَتْ عِنْدَهُ مُرَاعَاةً فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي مَلَكَ الرُّقْبَةَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَهُ بِأَنْ تَكُونَ امْرَأَةً فَلَا

[القضاء في اللقطة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَرِثَ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ دَارَهَا قَالَ: وَكَانَتْ حَفْصَةُ قَدْ أَسْكَنَتْ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ مَا عَاشَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ بِنْتُ زَيْدٍ قَبَضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَسْكَنَ وَرَأَى أَنَّهُ لَهُ) . الْقَضَاءُ فِي اللُّقَطَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِث عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَك بِهَا قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ وَلَدُهَا مِنْ الْعَقِبِ، أَوْ يَكُونُ مِنْ الرِّجَالِ قَدْ بَلَغَ إلَى حَدِّ سِنِّ الْيَأْسِ مِنْ أَنْ يُولَدَ لَهُ كَالْمَجْبُوبِ وَنَحْوِهِ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَصَدَ بِالتَّمْلِيكِ فَيَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. (ش) : قَوْلُهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَرِثَ مِنْ حَفْصَةَ دَارَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ وَرِثَهَا وَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ عَنْهَا بِالْمِيرَاثِ وَكَانَتْ حَفْصَةُ قَدْ أَسْكَنَتْ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ تِلْكَ الدَّارَ مَا عَاشَتْ، وَهَذَا مَعْنَى الْعُمْرَى فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ بِنْتُ زَيْدٍ قَبَضَ عَبْدُ اللَّهِ الدَّارَ يُرِيدُ بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ كَانَ وَارِثُ حَفْصَةَ يَوْمَ تُوُفِّيَتْ فَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ بِذَلِكَ حُكْمُ الْعُمْرَى فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنْ الْعُمْرَى لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِ مَوْرُوثَتِهِ وَلَا مَنَعَهُ مِنْ تَمَلُّكِهِ بِالْمِيرَاثِ عَنْ حَفْصَةَ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ مَنْ يُخَالِفُ ذَلِكَ قِسْنَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عُمْرَى لِلْمُعْطَى وَلِعَقِبِهِ وَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعُمْرَى فِيهِ وَفِي عَقِبِهِ سَوَاءٌ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ بِالْعُمْرَى لِمُعَيَّنِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بِالْعُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا فَهُوَ تَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُبَيِّنٌ لِمَعْنَاهُ وَمُقَرِّرٌ لِحُجَّةِ مَالِكٍ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقَضَاءُ فِي اللُّقَطَةِ] (ش) : قَوْلُهُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ عَنْ جَوَازِ أَخْذِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ عَنْ حُكْمِهَا وَمَا يَلْزَمُ فِيهَا وَمَا يَجُوزُ لِمَنْ أَخَذَهَا، فَأَمَّا جَوَازُ أَخْذِهَا فَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَهَا مَنْ وَجَدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَدْرٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، أَوْ لِذِي رَحِمِهِ وَأَمَّا الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ بَالٌ فَأَرَى لَهُ أَخْذُهُ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَمَّا الدَّنَانِيرُ وَشَيْءٌ لَهُ بَالٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَيْسَ كَالدِّرْهَمِ وَمَا لَا بَالَ لَهُ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّرْهَمَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ الَّذِي لَهُ بَالٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ إنْ تَرَكَهُ فَأَخَذَهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ بِهِ وَالْحِفْظِ لَهُ إلَى أَنْ يَجِدَهُ صَاحِبُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَأَمَّا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ فَإِنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْ يَجِدُهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ وَبَقَاؤُهُ مَكَانَهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَعُودَ صَاحِبُهُ فَيَجِدُهُ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمُلْتَقِطُ لَتَكَلَّفَ مِنْ تَعْرِيفِهِ مَا عَلَيْهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَرُبَّمَا ضَيَّعَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ اللُّقَطَةِ وَتَفَاهَتِهَا وَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ خَبَرَهَا لَا يَكَادُ أَنْ يَبْلُغَهُ وَلَا يَتَحَدَّثَ بِخَبَرِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَهَا بَالٌ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ خَبَرَهَا غَفْلَةً تَحَدَّثَ بِهِ حَتَّى يَصِلَ خَبَرُهَا إلَى صَاحِبِهَا، وَأَمَّا مَنْ الْتَقَطَ مِثْلَ الْمِخْلَاةِ، أَوْ الدَّلْوِ، أَوْ الْحَبْلِ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ وُضِعَ ذَلِكَ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إلَيْهِ يُعْرَفُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَدِينَةٍ فَلْيَنْتَفِعْ بِهِ وَيُعَرِّفْهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ أَدَّاهُ إلَيْهِ. وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيمَنْ وَجَدَ الْعَصَا، أَوْ السَّوْطَ قَالَ لَا يَأْخُذُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ عَرَّفَهُ فَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، وَلَوْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ عُرِّفَ بِهَا فَإِنْ عُرِفَتْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لِرَبِّهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِطَرِيقٍ وُضِعَ ذَلِكَ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إلَيْهِ يُعَرِّفُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِعُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يُمْكِنُ صَاحِبُهُ أَنْ يَطْلُبَهُ فِيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَصِيَّتِهِ وَعَلَيْهِ يَسْلُكُ مَنْ يَسْمَعُ التَّعْرِيفَ مِمَّنْ يَمْضِي إلَى مَوْضِعِ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ فِي الْأَغْلَبِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَدِينَةٍ فَلَا يُخْرِجُ اللُّقَطَةَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا بِهَا يَطْلُبُهَا كَانَ مِنْهَا، أَوْ غَيْرِهَا وَأَبَاحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُتْلِفُهَا وَلَا يُنْقِصُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَوْلِ فَعَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ لَهَا. وَقَدْ رَوَى سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ قَالَ كُنْت مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزْوَةٍ فَوَجَدْت سَوْطًا فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ قُلْت: لَا وَلَكِنِّي إنْ وَجَدْت صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْت بِهِ فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَتْ «أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ وَجَدْت صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْت بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْت إلَيْهِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، ثُمَّ عَرَّفْتهَا حَوْلًا ثُمَّ أَتَيْته فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْته الرَّابِعَةَ فَقَالَ: اعْرَفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا يُرِيدَ الْتِقَاطَهَا، وَالثَّانِي: أَنْ يَأْخُذَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يَجِدَ ثَوْبًا فَيَظُنَّهُ لِقَوْمٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَأْخُذَهُ فَيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ فَلَا يَدَّعُونَهُ فَهَذَا الَّذِي لَهُ رَدُّهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ وَلَا تَعَدَّى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَعْلَمَ بِهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ حُكْمَ اللُّقَطَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَأْخُذَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا وَبِذَا قَدْ لَزِمَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حِفْظُهَا وَتَعْرِيفُهَا فَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُهَا إنْ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا إشْهَادَ عَلَيْهِ فِي رَدِّهَا وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِرَدِّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَإِنْ رَدَّهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ضَمِنَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ عَلَيْهِ بِالتَّعْرِيفِ بِهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ اُتْرُكْهَا فِي مَوْضِعِهَا كَمَا قَالَ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ مَالَكَ وَلَهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا مُلْتَقِطًا لَهَا، وَقَدْ أَزَالَهَا عَنْ الْغَرَرِ إلَى حَالَةٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فِيهَا فَإِنْ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَقَدْ أَعَادَهَا إلَى الْغَرَرِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا كَمَنْ أَخْرَجَ صَبِيًّا لِغَيْرِهِ مِنْ بِئْرٍ يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهَا الْهَلَاكَ ثُمَّ رَدَّهُ فِيهَا فَهَلَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، أَوْ أَخْرَجَ ثَوْبًا مِنْ النَّارِ قَبْلَ أَنْ يَحْتَرِقَ ثُمَّ رَدَّهُ فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَالضَّمَانِ فَإِذَا أَعَادَهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَتَلَفَّتَ فِيهِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتْرُكَهَا فِيهِ أَوَّلًا فَتَلِفَتْ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَضَالَّةِ الْإِبِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ دَفَعَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ إلَى غَيْرِهِ يُعَرِّفُهَا فَضَاعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِهَا مَا شِئْت، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَى مِثْلِهِ فِي الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَالَ لَهُ اصْنَعْ بِهَا مَا شِئْت، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهَا إلَى مِثْلِهِ فَهُوَ قَدْ أَعْلَمُهُ بِأَصْلِهَا فَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ لَهُ اعْمَلْ بِهَا مَا شِئْت؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَعْمَلَ بِهَا إلَّا مَا لِلْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي اللُّقَطَةِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ يَدِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ دَفَعَ إلَيْهِ الْوَدِيعَةَ صَاحِبَهَا وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَمَانَتِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ إنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا اللُّقَطَةُ فَلَمْ يَأْخُذْهَا بِاخْتِيَارِ صَاحِبِهَا فَكَانَتْ حَالُهُ وَحَالُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْأَمَانَةِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُعَيِّنْهُ لِحِفْظِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ ضَيَاعَ اللُّقَطَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ ادَّعَى صَاحِبُهَا فِيهَا أَنَّهُ الْتَقَطَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي قَوْلِهِ الْتَقَطْتهَا لِأُعَرِّفَ بِهَا فَلَا يَمِينَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الضَّيَاعِ وَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ التَّعْرِيفِ بِهَا، أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ لَارْتَفَعَ أَهْلُ الْعَدَالَةِ وَالْخَيْرِ عَنْ حِفْظِ لُقَطَةٍ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْيَمِينَ إذْ لَا طَرِيقَ إلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى ضَمِيرِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ يَمِينُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِفَاصُ الْخِرْقَةُ وَالْخَرِيطَةُ وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَعَنْ أَشْهَبَ فِي النَّوَادِرِ الْعِفَاصُ وَالرِّبَاطُ وَالْوِكَاءُ مَا فِيهِ اللُّقَطَةُ مِنْ خِرْقَةِ، أَوْ غَيْرِهَا وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوِكَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يُرْبَطُ بِهِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا» فَجَعَلَ مَكَانَ الْعِفَاصِ الْوِعَاءَ وَأَثْبَتَ الْوِكَاءَ الَّذِي يُوكَأُ بِهِ الْوِعَاءُ فَصَحَّ أَنَّهُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً مَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَحْفَظَ صِفَةَ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَيَكْتُمُ ذَلِكَ لِيَنْفَرِدَ بِحِفْظِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لِابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ أَنْ لَا يُرِيَهَا أَحَدًا وَلَا يُسَمِّيَهَا بِعَيْنِهَا وَلَا يَقُولُ مَنْ يُعَرِّفُ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ عَرْضًا لَكِنْ يُعَمِّي ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْتِيَ مُسْتَحِلٌّ فَيَصِفَهَا بِصِفَةِ الْمُعَرِّفِ فَيَأْخُذَهَا وَيُبَيِّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا» وَلَمْ يَقُلْ ثُمَّ عَرِّفْ بِذَلِكَ وَلَا أَبْرِزْهَا وَأَظْهِرْهَا، وَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهَا لَمَا احْتَاجَ إلَى حِفْظِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَلَأَغْنَى عَنْ ذَلِكَ إظْهَارُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً قَدَّرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ بِالسَّنَةِ وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ شَكَّ فِي ثَلَاثَةٍ، أَوْ وَاحِدَةٍ فَإِنْ ثَبَتَتْ الْأَعْوَامُ الثَّلَاثَةُ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ دُونَ شَكٍّ فَلَمْ يَأْمُرْهُ كُلَّ مَرَّةٍ إلَّا بِالتَّعْرِيفِ سَنَةً وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَالِمٌ مِنْ الشَّكِّ وَحَدِيثُ أُبَيٍّ شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي، وَالثَّانِي: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ هُوَ أَعْرَابِيٌّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَسْتَبِيحُ اللُّقَطَةَ دُونَهُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ وَمِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فَنَدَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّوْقِيفِ عَنْهَا أَعْوَامًا، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ بَعْدَ أَوَّلِ عَامٍّ لَكِنَّ مِثْلَ أُبَيٍّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ لَا يُسْرِعُ إلَى أَكْلِ مَا هُوَ مُبَاحٌ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَنْهُ وَيَسْتَظْهِرُ فِيهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَوْلَ قَدْ جُعِلَ فِي الشَّرِيعَةِ مُدَّةً لِلِاخْتِبَارِ كَاخْتِبَارِ الْعَيْنِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا تَتَّصِلُ فِيهِ الْأَنْبَاءُ وَتَرِدُ فِيهِ الْأَخْبَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ التَّعْرِيفِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يُعَرِّفُهَا كُلَّ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَكُلَّمَا يَتَفَرَّغُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدَعَ التَّصَرُّفَ فِي حَوَائِجِهِ وَيُعَرِّفُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ تَعْلَمُ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّك أَنَّهُ صَاحِبُهَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِخْبَارِهِ عَمَّا أُمِرْت بِحِفْظِهِ مِنْ صِفَاتِهَا فَتَدْفَعُهَا إلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْفَعُ إلَّا إلَى مَنْ يُقِيمُ بَيِّنَةً بِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ رَبِيعَةَ «عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْ بِهَا» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَهَذِهِ فَائِدَةُ حِفْظِ صِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَتَى فَأَخْبَرَ عَنْهَا بِذَلِكَ أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَدُفِعَتْ إلَيْهِ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِصِفَتِهَا إلَّا صَاحِبُهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ مَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَمَا يُخْرِجُ بِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ فَلَمْ تُرَدَّ لُقَطَةٌ إلَّا عَلَى مَنْ يُقِيمُ بِهَا بَيِّنَةً لَذَهَبَ أَكْثَرُ ذَلِكَ بَلْ جَمِيعُهُ فَلَا يَكَادُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُرَاعَى فِيمَا يَصِفُ مِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَالْعَدَدِ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَعِنْدَ أَصْبَغَ الْعِفَاصُ وَالْوِكَاءُ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «اعْرَفْ عُدَّتَهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» فَأَمَرَ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَمَنْ وَصَفَهَا اسْتَحَقَّ اللُّقَطَةَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهَا صِفَةَ وِعَاءِ الدَّرَاهِمِ وَصِفَةَ الْوِكَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَعْرِفُ الْعَدَدَ إنْ كَانَتْ مَعْدُودَةً أَوْ الْوَزْنَ إنْ كَانَتْ مَوْزُونَةً وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّعَلُّقِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَلْزَمُ مَعَ هَذَا يَمِينٌ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّ وَصْفَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَأْخُذْهَا إلَّا بِيَمِينِهِ أَنَّهَا لَهُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهَا وَلَا مَنْ يُنَازِعُ عَنْهُ فَلَا مَعْنَى لِهَذِهِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ تَجِبُ لِغَائِبٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ يَدِ مُدَّعٍ. (فَرْعٌ) وَهَلْ مِنْ شَرْطِ دَفْعِهَا إلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَوْ أَصَابَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الصِّفَةِ وَأَخْطَأَ الْعُشْرَ لَمْ يُعْطِهَا إلَّا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَنْ يَصِفَ عَدَدًا فَيُوجَدُ أَقَلُّ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ عَرَّفَ مِنْهَا وَصْفَيْنِ وَلَمْ يُعَرِّفْ الثَّالِثَ دُفِعَتْ إلَيْهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَحْدَهُ فَلْيُسْتَبْرَأْ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ وَإِلَّا أُعْطِيهَا، وَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ اعْرَفْ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ لَيْسَ عَلَى أَنْ يَسْتَحِقَّهَا إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا كَمَا جَازَ فِي شَرْطِ الْخَلِيطَيْنِ أَصْنَافٌ تُجْرَى وَإِنْ انْخَرَمَ بَعْضُهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُعْطَاهَا بِأَقَلِّ مِنْ وَصْفَيْنِ أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَقَوْلُ أَصْبَغَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُعْطَاهَا مَنْ أَتَى بِالصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الصِّفَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مُوَافِقًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ إذَا أَخْطَأَ فِي الصِّفَةِ بِأَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ صِفَتِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ فَقَالَ إنْ قَالَ فِي خِرْقَةٍ حَمْرَاءَ وَخَيْطٍ أَصْفَرَ فَوَجَدْت الْخِرْقَةَ حَمْرَاءَ وَالْخَيْطَ أَسْوَدَ فَقَالَ يُسْتَبْرَأُ أَيْضًا أَمْرُهَا ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ قَالَ هَذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ فِي ادِّعَائِهِ الْمَعْرِفَةَ فَلَا يُصَدَّقُ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ لَوْ أَصَابَ فِي بَعْضٍ وَادَّعَى الْجَهَالَةَ فِي بَعْضٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ أَشْهَبُ يُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى بَعْضَ الصِّفَاتِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَوْ أَخْطَأَ فِي صِفَتِهَا لَمْ يُعْطِهَا فَإِنْ وَصَفَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَأَصَابَهَا لَمْ يُعْطِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ إلَى حَدِّ التَّخْمِينِ وَالْحَزْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَفَ صِفَةً فَأَخْطَأَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَادِفَ فَيَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَهُ فَذَلِكَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ قَوْلِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهَا صِفَاتٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا فَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِهَا كَصِفَاتِ الْخُلَطَاءِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ عَرَّفَ رَجُلٌ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، أَوْ وِكَاءَهَا وَحْدَهُ وَعَرَّفَ آخَرُ عَدَدَ الدَّنَانِيرِ وَوَزْنَهَا كَانَتْ لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ، أَوْ الْوِكَاءَ وَحْدَهُ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَيَتَحَالَفَانِ فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا دُفِعَتْ إلَى الْحَالِفِ، وَهَذَا جُنُوحٌ مِنْهُ إلَى إلْحَاقِ مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ بِمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَعْرِفَةُ سِكَّةِ الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا وَصَفَ سِكَّةَ دَنَانِيرِ اللُّقَطَةِ طَالِبُهَا لَمْ يَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ حَتَّى يَذْكُرَ عَلَامَةً فِيهَا غَيْرَ السِّكَّةِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مَا يَتَبَيَّنُ لِي قَوْلَ سَحْنُونٍ وَأَرَى إذَا وَصَفَ السِّكَّةَ فِي الدِّينَارِ وَذَكَرَ نَقْصَ الدَّنَانِيرِ إنْ كَانَ فِيهَا نَقْصٌ فَأَجَابَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا، وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ السِّكَّةَ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً بِالْبَلَدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ هِيَ دَنَانِيرُ فَهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ إذَا كَانَتْ دَنَانِيرَ أَنْ تَكُونَ مِنْ سِكَّةِ الْبَلَدِ الَّذِي لَا يَجْرِي فِيهَا غَيْرُهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ سِكَّةً شَاذَّةً لَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ فِيهَا، وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ سَحْنُونٌ زِيَادَةَ عَلَامَةٍ فِي دِينَارٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ مِمَّا لَا يَكُونُ مُعْتَادًا وَلَعَلَّهُ هَذَا الَّذِي أَرَادَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ، أَوْ يَكُونُ بِبَلَدٍ فِيهِ سِكَكٌ مُخْتَلِفَةٌ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَرِّفَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقْصَ بَعْضَ الدَّنَانِيرِ وَهَذِهِ عَلَامَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ السِّكَّةِ كَاَلَّتِي شَرَطَ سَحْنُونٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَهُوَ الَّذِي يَصِفُهَا أَخَذَهَا عَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الَّذِي وَصَفَهَا وَاحِدًا فَإِنْ وَصَفَهَا رَجُلَانِ وَتَسَاوَيَا فِي صِفَتِهَا حَلَفَا وَتَقَاسَمَاهَا، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا فَهِيَ لِلْآخَرِ فَإِنْ وَصَفَهَا أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ آتَى آخَرُ فَوَصَفَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَدْفَعُ الدَّافِعُ إلَيْهِ شَيْئًا. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَزَادَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّانِي وَصَفَهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ وَالْأَوَّلُ وَاصِفٌ فَصَاحِبُ الْبَيِّنَةِ أَحَقُّ بِهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ صَارَتْ لَهُ يَدٌ فَإِذَا تَسَاوَيَا كَانَ أَحَقُّ بِهَا لِلْيَدِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنْ أَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ فَبَيِّنَةُ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَشَأْنُك بِهَا إبَاحَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا لِمَا رَآهُ مِنْ إنْفَاقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ التَّمَادِي عَلَى الْحِفْظِ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرَفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، وَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» ، وَرَوَى سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ حَوْلٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْفَاقِ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِسْلَافِ لَهَا وَأَنَّهُ مَتَى أَتَى صَاحِبُهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَرَأَى مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ أَفْضَلَ ذَلِكَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْزَهُ وَأَبْرَأُ مِنْ التَّسَرُّعِ إلَيْهَا وَتَرْكِ الِاجْتِهَادِ فِي تَعْرِيفِهَا، وَمَنْ اسْتَنْفَقَهَا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَتَى أَتَى صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَإِنْ مَاتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فَهُوَ فِي سِعَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ مِقْدَارٌ فَأَمَّا الشَّيْءُ التَّافِهُ الَّذِي لَا قَدْرَ لَهُ وَيُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَتَّبِعُهُ فَلَا تَعْرِيفَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّذِي يَجِدُ الْعَصَا وَالسَّوْطَ يُعَرِّفَانِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ بِهِ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا ثَمَنَ لَهُ إلَّا بَعْضَ الدِّرْهَمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الدِّرْهَمِ وَمَا أَشْبَهَهُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ السَّنَةِ وَأَصْلُ هَذَا مَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتهَا» فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهَا مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَعْرِيفَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدِي حُكْمُ لُقَطَةِ كُلِّ بَلَدٍ إلَّا مَكَّةَ فَإِنَّ لُقَطَتَهَا لَا تُسْتَبَاحُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ سَنَةً وَعَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يُعَرِّفَ أَبَدًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» فَخَصَّ مَكَّةَ بِهَذَا الْحُكْمِ وَحَرَّمَ سَاقِطَتَهَا عَلَى مُنْتَفِعٍ بِهَا، أَوْ مُتَصَدِّقٍ بِهَا وَجَعَلَهَا لِمَنْ يُنْشِدُهَا خَاصَّةً وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَكَّةَ يَرِدُهَا النَّاسُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ بَعِيدٍ فَهُوَ فِي تَعْرِيفِهَا أَبَدًا يَرْجُو أَنْ يَصِلَ الْخَبَرُ إلَى الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَيَتَمَكَّنُ لِمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْخَبَرُ أَنْ يَرُدَّ الْخَبَرَ لِطَلَبِهَا، أَوْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ إذَا طَالَ أَمَدُهَا وَلَمْ يَأْتِ مَنْ يَتَعَرَّفُهَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ بِمَوْتٍ، أَوْ بُعْدٍ لَا يُرْجَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: إنَّ ذَلِكَ فِي الْقِفَارِ، أَوْ الْبَعِيدِ مِنْ الْقُرَى وَحَيْثُ إنْ تَرَكَهَا أَكَلَهَا السَّبُعُ وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِهِ هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يُرْجَى رُجُوعُهُ إلَيْهَا إنْ أَخَذْتهَا أَنْتَ وَإِلَّا أَخَذَهَا أَخُوك مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَكَلَهَا السَّبُعُ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إبَاحَةُ أَخْذِهَا وَأَكْلِهَا. (مَسْأَلَةٌ) :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللُّقَطَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَبْقَى فِي يَدِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ مَعَ التَّرْكِ كَالثِّيَابِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْعُرُوضِ، وَضَرْبٌ لَا يَبْقَى فِي يَدِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ مَعَ التَّرْكِ كَالشَّاةِ فِي الْفَلَاةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي خَرِبَةٍ، أَوْ مَوْضِعٍ يَجِدُ مَنْ يَحْفَظُهَا فِي غَنَمِهِ فَإِنَّ لَهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ الَّتِي تَبْقَى يُعَرِّفُهَا سَنَةً وَضَرْبٌ ثَالِثٌ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ كَالْإِبِلِ فَهَذَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَجَدَ شَاةً بِفَلَاةٍ فَنَقَلَهَا إلَى عُمْرَانٍ فَإِنْ كَانَ نَقَلَهَا حَيَّةً كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ يَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ ذَبَحَهَا وَنَقَلَهَا فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ أَكْلُهَا غَنِيًّا كَانَ عَنْهَا، أَوْ فَقِيرًا وَيَصِيرُ لَحْمُهَا وَجِلْدُهَا مَالًا مِنْ مَالِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَازَهَا بِالذَّبْحِ كَمَا لَوْ طَبَخَهَا وَصَيَّرَهَا طَعَامًا قَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِمَّا لَا يَبْقَى بِيَدِ مَنْ يَحْفَظُهُ الطَّعَامُ الَّذِي لَا يَبْقَى مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْأُدُمِ فَهَذَا إنْ كَانَ فِي فَلَاةٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عِمَارَةً فَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّاةِ تُوجَدُ بِالْفَلَاةِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ، وَإِنْ كَانَتْ تَبْقَى فَلَا يُمْكِنُ مَنْ وَجَدَهَا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا وَلَا أَنْ يَحْمِلَهَا وَهَذَا الطَّعَامُ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يُمْكِنُ مَنْ حَمَلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بِيَدِ مَنْ حَمَلَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ وَأَكْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ طَرْحِهِ فَيَضِيعُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ وَحَيْثُ النَّاسُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَكْلِهِ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَيَافِي فَيَبِيعُهُ وَيُعَرِّفُ بِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ دَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى فِيمَنْ وَجَدَ مَا لَا يَبْقَى مِنْ الطَّعَامِ فِي فَلَاةٍ، أَوْ حَاضِرَةٍ فَعَرَّفَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِفَلَاةٍ فَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ إلَّا أَكْلُهُ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ تَضْيِيعِ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ فَلَاةٍ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِفْظُ مَا أَمْكَنَهُ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُ عَيْنِ اللُّقَطَةِ عَادَ إلَى حِفْظِ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ: مَا لَك وَلَهَا؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِهَا وَضَمَانِهَا فَإِنَّ اللُّقَطَةَ إنَّمَا تُؤْخَذُ عَلَى مَعْنَى الْحِفْظِ لِصَاحِبِهَا وَهِيَ مِمَّا لَا يُسْرِعُ التَّلَفُ إلَيْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهَا سِقَاؤُهَا قَالَ عِيسَى مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَصْبِرُ عَنْ الْمَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ حَتَّى تَجِدَ سَبِيلًا إلَى الْوُرُودِ فَجَعَلَ صَبْرَهَا عَنْ الْمَاءِ بِمَعْنَى السِّقَاءِ وَحِذَاؤُهَا قَالَ عِيسَى مَعْنَاهُ أَخْفَافُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا بِهَا نَبَّهَهُ عَلَى أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْ عَوَادِي السِّبَاعِ فِي الْأَغْلَبِ وَأَنَّهَا مَعَ وِرْدِهَا الْمَاءَ وَأَكْلِهَا مِنْ الشَّجَرِ الَّذِي لَا يَعْدَمُهَا سَتَبْقَى بِامْتِنَاعِهَا إلَى أَنْ يَلْقَاهَا رَبُّهَا فَيَأْخُذَهَا وَالْتِقَاطُهَا يَمْنَعُ صَاحِبُهَا مِنْ وُجُودِهَا وَيَضْرِبُهُ فِي طَلَبِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْلُبُهَا فِي الْجِبَالِ وَمَوَاضِعِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ فَإِنْ مُنِعَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَجِدْهَا رَبُّهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا لَك وَلَهَا؟ الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا بَعْدَ تَعْرِيفِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ الْتَقَطَ ثَوْبًا أَوْ دَنَانِيرَ تَكَلَّفَ حِفْظَهَا مُدَّةَ سَنَةٍ مَعَ خَوْفِ الضَّيَاعِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَأْخُذْهَا مَنْ وَجَدَهَا فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بَعْدَ تَكَلُّفِ تَعْرِيفِهَا. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ ضَالَّةَ الْإِبِلِ فَتَكَلَّفَ حِفْظَهَا فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِيهِ بَلْ رُبَّمَا اسْتَضْرَبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَنَادِرَةٌ وَيَسِيرَةٌ غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ مِنْ مَضَرَّةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ هِيَ لَك، أَوْ لِأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ فَنَهَى عَنْ أَخْذِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُبِيحَ لِلنَّاسِ أَخْذُهَا تُسُرِّعَ إلَى أَكْلِهَا فِي ذَلِكَ بِالْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهَا، وَمَنْ أَخَذَهَا احْتَاجَ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَهِيَ إذَا كَانَتْ فِي مَوَاضِعِهَا لَمْ يَخَفْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا فَذَكَرهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَاذْكُرْهَا لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّامِّ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنَك بِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا التَّسَرُّعَ إلَى أَكْلِهَا وَلَا اُحْتِيجَ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْحِفْظِ لَهَا، وَهَذَا كَانَ حُكْمُ ضَوَالِّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِمَا لَمَّا كَثُرَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَ تَعَدِّيهمْ عَلَيْهَا أَبَاحُوا أَخْذَهَا لِمَنْ الْتَقَطَهَا وَرَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَوْا رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَرَ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ أَبَاحَ لَهُ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ يَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَمِنَ عَلَيْهَا مَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا فَيَتْرُكُهَا فِي مَوْضِعِهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا ضَيَاعُهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالتَّمَوُّنِ لَهَا وَقَصْدُ صَاحِبِهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَتَتَبُّعِ أَثَرِهَا مِنْهُ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِهَا فِي الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ أَوَاهَا قَرِيبَ الدَّارِ، أَوْ بَعِيدَهَا فَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا مُتَعَدِّيًا يُتْلِفُ عَيْنَهَا كَانَ أَخْذُهَا وَرَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ يَنْظُرُ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَفْضَلَ لَهُ وَآمَنَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُؤْكَلُ فَمَنْ الْتَقَطَهَا عَرَّفَهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا أَخَذَهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ رَبُّهَا فَأَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كُتُبِهِ لَا تُؤْخَذُ الْخَيْلُ وَلَا الْبِغَالُ وَلَا الْحُمُرُ فَإِنْ أَخَذَهَا عَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ الدَّابَّةَ الضَّالَّةَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إبَاحَةُ أَخْذِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَلَا تُسْرِعُ الْأَيْدِي إلَى أَكْلِهَا إذَا أُمِنَ حِفْظُهَا كَمَا يَخَافُ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ كِنَانَةٍ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ وَيَبْقَى دُونَ مَنْ يَحْفَظُهُ فَلَا تُلْتَقَطُ كَالْإِبِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَقَرُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَمِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا السِّبَاعَ وَلَا الذِّئَابَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ضَالَّةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إذَا وَجَدَهَا بِالْفَلَاةِ فَلَهُ أَكْلُهَا وَلَا يَضْمَنُهَا لِرَبِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِقُرْبِ الْعُمْرَانِ ضَمِنَهَا إلَيْهِ وَعَرَّفَهَا فَجَعَلَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا وَأَلْحَقَهَا مَالِكٌ بِالْغَنَمِ فِي ضَعْفِهَا عَنْ الِامْتِنَاعِ عِنْدَ انْفِرَادِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهَا بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إيصَالُهَا إلَى الْعُمْرَانِ أَيْسَرَ مِنْ إيصَالِ الْغَنَمِ فَفِي مِثْلِ هَذَا يُخَالِفُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْغَنَمِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَتَحَهَا وَنَظَرَ إلَيْهَا وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إذَا وَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَا إذَا رَفَعَهَا فِي مَوْضِعٍ يَخْتَارُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَا أُحِبُّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعَرِّفَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَلَوْ مَشَى هَذَا الَّذِي وَجَدَهَا إلَى الْحِلَقِ فَأَخْبَرَهُمْ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتُهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا قَوْلُهُ فَاذْكُرْهَا لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّامِ فَإِنَّهُ إنَّمَا وَجَدَهَا بِمَنْزِلٍ نَزَلَهُ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَهُمْ أَوْ لِمَنْ مَرَّ بِطَرِيقِهِمْ فَإِذَا ذَكَرَ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الشَّامِ كَانَ أَقْرَبُ إلَى مَعْرِفَةِ

[القضاء في استهلاك العبد اللقطة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إنِّي وَجَدْت لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: عَرِّفْهَا قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: زِدْ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا، وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا) . الْقَضَاءُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَبْدِ اللُّقَطَةَ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَجِدُ اللُّقَطَةَ فَيَسْتَهْلِكُهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْأَجَلَ الَّذِي أُجِّلَ فِي اللُّقَطَةِ، وَذَلِكَ سَنَةٌ أَنَّهَا فِي رَقَبَتِهِ إمَّا أَنْ يُعْطِيَ سَيِّدُهُ ثَمَنَ مَا اسْتَهْلَكَ غُلَامُهُ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِمْ غُلَامَهُ فَإِنْ أَمْسَكَهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ الَّذِي أُجِّلَ فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتَّبَعُ بِهِ وَلَمْ تَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهَا شَيْءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبِهَا بِحَالِهَا، وَكَذَلِكَ مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ يَجِبُ أَنْ يَتَوَخَّى بِتَعْرِيفِهَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَنْتَشِرُ مِنْهَا خَبَرُهَا وَيَصِلُ سَبَبُهُ إلَى صَاحِبِهَا فَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَبِجَامِعِ الْأَسْوَاقِ فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقٍ خَصَّ بِالسُّؤَالِ أَهْلَ تِلْكَ الْجِهَاتِ، وَمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهَا وَلَا يَتْرُكُ إعْلَامَ غَيْرِهِمْ بِهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَشَأْنَك بِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إنِّي وَجَدْت لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: عَرِّفْهَا قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: زِدْ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا، وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا) . 1 - (ش) : سُؤَالُ نَافِعٍ ابْنَ عُمَرَ عَنْ اللُّقْطَةِ الَّتِي وَجَدَهَا عَلَى حَسْبِ مَا يَفْعَلُ الطَّلَبَةُ، وَمَنْ يُرِيدُ التَّخَلُّصَ مِنْ سُؤَالِ عُلَمَائِهِمْ لَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ مُدَّةَ سَنَةٍ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُعَرَّفُ سَنَةً لِئَلَّا يَتَضَمَّنَ التَّحْدِيدُ إبَاحَةَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ لِأَهْلِ الْوَرَعِ، وَمَنْ يَخْتَصُّ بِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالْأَكْلِ لَهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ أَنْ يَأْكُلَهَا وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَحَبُّ إلَيَّ وَيُخْبِرُ صَاحِبَهَا إذَا جَاءَ فَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا، وَإِنْ شَاءَ غَرِمَهَا لَهُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ أَكْلَهَا لِئَلَّا يَتَسَرَّعَ النَّاسُ إلَيْهَا وَلِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " لَا آمُرُك بِأَكْلِهَا " وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ مَا لَا يَقْضِي مِنْهُ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ إذَا جَاءَ وَلَمْ يُجِزْ الصَّدَقَةَ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا، أَوْ أَكَلَهَا وَجَاءَ صَاحِبُهَا فَطَلَبَهَا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بِوَجْهِ حَقٍّ. [الْقَضَاءُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَبْدِ اللُّقَطَةَ] (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اسْتِهْلَاكَ اللُّقَطَةِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ صَاحِبِهَا فَإِذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا الْعَبْدُ، أَوْ اسْتَهْلَكَ فَفِي رَقَبَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ سَوَاءٌ أَكَلَهَا، أَوْ أَكَلَ ثَمَنَهَا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا أَكَلَهَا جِنَايَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ فَإِمَّا أَنْ يَفْتَدِيَهُ بِغُرْمِ مَا اسْتَهْلَكَ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ مُدَبَّرًا فَقَالَ أَشْهَبُ وَالْمُغِيرَةُ إمَّا أَنْ يُسَلِّمَ السَّيِّدُ خِدْمَتَهُ يُسْتَخْدَمُ بِقَدْرِ مَا جَنَى ثُمَّ يَعُودُ إلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ عَتَقَ فِي ثُلُثِ سَيِّدِهِ وَأُتْبِعَ بِمَا بَقِيَ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَعَلَى سَيِّدِهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ قِيمَةِ مَا أُتْلِفَ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَفِي رَقَبَتِهِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ وَإِمَّا عَجَزَ ثُمَّ يُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ إسْلَامِهِ بِهَا عَبْدًا وَبَيْنَ أَنْ يَفْتَدِيَهُ وَيَبْقَى لَهُ عَبْدًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَمْسَكَهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ الَّذِي أَجَّلَ فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ يُرِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِمْسَاكِ مُدَّةَ السَّنَةِ فِي الْعَبْدِ يُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُعَرِّفْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَرَّفْتُهَا لَكَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ فَإِذَا أَنْكَرَ التَّعْرِيفَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ، وَأَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّهُ لَا يُبِيحُ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ إلَّا تَعْرِيفُهَا فِي مُدَّةِ السَّنَةِ وَلَوْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ أَعْوَامًا لَا يُعَرِّفُهَا لَا يَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ إنْفَاقَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَبَاحَ هَذَا بَعْدَ تَعْرِيفِ سَنَةٍ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ

[القضاء في الضوال]

الْقَضَاءُ فِي الضَّوَالِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا بِالْحَرَّةِ فَعَقَلَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ أَنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ ضَيْعَتِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ السَّنَةُ عِنْدِي هِيَ مِنْ يَوْمِ ابْتَدَأَ بِالتَّعْرِيفِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ تَقَرَّرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مُلْتَقَطٍ فِي مِثْلِ تِلْكَ اللُّقَطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقَضَاءُ فِي الضَّوَالِّ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا بِالْحَرَّةِ فَعَقَلَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الذَّهَابِ بِعِقَالٍ شَدَّهُ بِهِ عَلَى حَسْبِ مَا تُعْقَلُ الْإِبِلُ وَالدَّوَابُّ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَهَذَا حَسَنٌ لَهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَذَكَرَهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اسْتَفْتَاهُ فِيمَا يَلْزَمُهُ فِيهِ، وَهَذَا جَائِزٌ وَالْإِمَامُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَتْ مَسْأَلَةَ اتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةَ اخْتِلَافٍ فَالْحُكْمُ جَارٍ عَلَى رَأْيِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ فَيَبِيعُهُ وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهُ وَلَا يُوَكِّلُ بِذَلِكَ مَنْ وَجَدَهُ لِيَكُونَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِمَامِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ لِرَبِّهِ إذَا أَتَى، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا رَفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلْيُخَلِّهَا حَيْثُ وَجَدَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ مَرَّةً فَفَعَلَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهِ ثَانِيَةً حَتَّى أَكْمَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى حَسْبِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ اللَّفْظَ بِذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَنَسٌ أَنَّهُ «كَانَ إذَا تَكَلَّمَ كَرَّرَ الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَلَمْ يُؤَقِّتْ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ اسْتِبَاحَةُ مَا تَعَرَّفَ بِوَجْهٍ لَمْ تَكُنْ مُدَّتُهُ مُؤَقَّتَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ ضَيْعَتِي يُرِيدُ أَنَّ حِفْظَهُ قَدْ شَغَلَهُ عَمَّا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ النَّظَرِ فِي ضَيْعَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ أَرْسَلَ إلَيَّ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ فَسَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ ثَلَاثَةَ أَبْعِرَةٍ ضَالَّةٍ فَقَالَ: إنَّهَا قَدْ آذَتْنِي فَأَمَرَهُ أَنْ يُرْسِلَهَا حَيْثُ أَصَابَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْلَهُ لِلْبَعِيرِ وَأَخْذَهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ حِفْظِهِ لِصَاحِبِهِ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ كَمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي اللُّقَطَةِ لِحِفْظِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَخْذَهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِ الْبَعِيرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ صَاحِبِ الْبَعِيرِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عَرِّفْهُ سَنَةً كَمَا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ حِين وَجَدَ الثَّمَانِينَ دِينَارًا عَرِّفْهَا سَنَةً لَمْ يَتَعَقَّبْهُ اسْتِبَاحَةُ اللُّقَطَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِثَابِتٍ فِي الْبَعِيرِ: رُدَّهُ حَيْثُ وَجَدْته، وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ بَعْدَ تَعْرِيفِ سَنَةٍ شَأْنَك بِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِتَخْلِيَتِهَا حَيْثُ وَجَدَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ أَوَّلًا فِي أَخْذِهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَخْذِهَا لِمَنْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا الْآنَ كَضَالَّةِ الْغَنَمِ وَلِمَنْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ كَاللُّقَطَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى ثَابِتٍ أَخْذَ الْبَعِيرِ الَّذِي وَجَدَهُ بِالْحِرَّةِ وَأَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ إلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي وَجَدَهُ فِيهِ فَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ تَمَلُّكِهِ أَوَّلًا وَمِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ عَلَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُمَرَ جَوَازَ رَدِّ الْإِبِلِ إلَى مَوْضِعِهَا بَعْدَ أَخْذِهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِبِلَ الضَّالَّةَ إذَا رُدَّتْ إلَى مَكَانِهَا لَمْ يُخْفَ عَلَيْهَا ضَيَاعٌ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا، وَلُقَطَةُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا رُدَّتْ إلَى مَكَانِهَا لَمْ يُشَكَّ فِي ضَيَاعِهَا فَكَانَ الْمُلْتَقِطُ الَّذِي عَرَّفَهَا سَنَةً أَوْلَى بِهَا. (فَرْعٌ) وَهَلْ يُرْسِلُهَا بِبَيِّنَةٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إرْسَالِهَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالْإِبِلُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا فَكَانَ مُصَدَّقًا فِي إرْسَالِهَا مَعَ أَنَّهُ يَشُقُّ الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرْسَلَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا وَأَكْثَرَ مَا تُوجَدُ فِي الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ الْبَعِيدَةِ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مَا مَعْنَاهُ مُخْطِئٌ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَخْذِهَا «مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَضَلَّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ عَلَى صَاحِبِهَا إذَا لَمْ يُبْعِدْهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَإِنَّمَا عَقَلَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا حَيْثُ وَجَدَهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ ضَمَانَ الضَّالَّةِ إذَا رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا، وَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ فِي وَقْتِ حِفْظِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَخْذِهِ لَهَا عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ وَالتَّعْرِيفِ إضْرَارٌ بِصَاحِبِهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخِذُ الْمُعَرَّفُ لَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخِذُ لَهَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي أَخْذِهَا لِيَحْفَظَهَا لِصَاحِبِهَا وَيَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ عَلَى حَسْبِ مَا فَعَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَلَوْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي ذَلِكَ لَضَمِنَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَأَنْكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى ثَابِتٍ أَخْذَهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَجَدَ بَعِيرًا فَلْيَأْتِ بِهِ الْإِمَامَ فَأَمَرَهُ بِأَخْذِهِ وَنَقْلِهِ إلَى الْإِمَامِ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ فِيمَنْ أَخَذَهَا مُتَمَلِّكًا لَهَا وَمُسْرِعًا إلَى أَكْلِهَا عَلَى حَسْبِ مَا يُفْعَلُ بِضَالَّةِ الْغَنَمِ، أَوْ فِيمَنْ أَخَذَهَا لِيُعَرِّفَهَا مُدَّةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ ضَالٌّ وَبِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِيَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ إبِلًا مُؤَبَّلَةً يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ لَا يَأْخُذُهَا أَحَدٌ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا الْوَاحِدَةَ مِثْلُ مَا أَخَذَ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، أَوْ مِمَّنْ بَلَغَهُ النَّهْيُ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ الْأَكْثَرُ لَا يُؤْخَذُ فَتَبْقَى مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ أَمَرَ بِتَعْرِيفِهَا ثُمَّ تُبَاعُ لِصَاحِبِهَا يُعْطَى ثَمَنَهَا إذَا جَاءَ، وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا كَثُرَ فِي النَّاسِ مَنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ لَا يَعَفُّ عَنْ أَخْذِهَا إذَا تَكَرَّرَتْ رُؤْيَتُهُ لَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا ضَالَّةٌ فَرَأَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ عَلَيْهَا أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا الْإِمَامُ فَيَبِيعُهَا وَيَبْقَى التَّعْرِيفُ فِيهَا فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا وَحُمِلَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِهَا عَلَى وَقْتِ إمْسَاكِ النَّاسِ عَنْ أَخْذِهَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُهَا إذَا يَئِسَ مِنْ مَجِيءِ صَاحِبِهَا بِأَنْ تَطُولَ الْمُدَدُ عَلَى ذَلِكَ وَتَتَنَاتَجُ وَيُخَافُ عَلَيْهَا الْمَوْتُ فَكَانَ فِي بَيْعِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حِفْظٌ لَهَا عَلَى صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُهَا إلَى الْأَثْمَانِ الَّتِي لَا يُخَافُ عَلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ بَنَى لِلضَّوَالِّ مِرْبَدًا يَعْلِفُهَا فِيهِ

[صدقة الحي عن الميت]

صَدَقَةُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَحَضَرَتْ أُمَّهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهَا: أَوْصِي فَقَالَتْ: فِيمَ أُوصِي؟ إنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا لِحَائِطٍ سَمَّاهُ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلْفًا لَا يُسَمِّنُهَا وَلَا يُهَزِّلُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا أَخَذَهُ وَإِلَّا بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا لَا يَبِيعُهَا وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَهَذَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا قَرُبَ عَهْدُهُ مِنْهَا وَرَجَا قُرْبَ أَوْبَةِ صَاحِبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْفِتْنَةِ حَيْثُ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا أَهْلَ الْفِتْنَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يُكَلِّفُ مَنْ طَلَبَهَا الْبَيِّنَةَ لَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ اسْتِحْلَالِ بَعْضِهِ مَالَ بَعْضٍ، وَلَعَلَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي كَلَّفَ هِيَ أَنْ يَصِفَهَا بِصِفَتِهَا، أَوْ كَلَّفَهُ الْبَيِّنَةَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ وَقْتِهِ دُونَ تَثَبُّتٍ وَلَا اسْتِينَاءٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ اعْتَرَفَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ هَذَا أَيْضًا مِنْ مَصَالِحِهِمْ لَا سِيَّمَا لَمَّا دَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلَى أَخْذِهَا وَعَلْفِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْآبِقِ يَتَوَقَّفُ بِهِ سَنَةً يُنْفِقُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِيمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهُ بَعْدَ السَّنَةِ بَاعَهُ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مَا بَقِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى بِوَرِقِ الشَّجَرِ كَمَا تَفْعَلُهُ الْإِبِلُ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ تَلِفَ ثَمَنُهُ فَلَزِمَ التَّوَقُّفُ بِهِ حَوْلًا ثُمَّ يَبِيعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الدَّابَّةِ الضَّالَّةِ وَلَا يَأْخُذَهَا وَلَا يَعْرِضَ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا سَبَبٌ إلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِ صَاحِبِهَا وَرُبَّمَا جَاوَزَتْ النَّفَقَةُ ثَمَنَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ يَسْتَخْفِي عَنْ سَيِّدِهِ وَيَقْصِدُ التَّغَيُّبَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهَا لَا تَقْصِدُ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْآبِقِ: يُبَاعُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ ضَالَّةِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْبَقُ ثَانِيَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [صَدَقَةُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ] (ش) : قَوْلُ سَعْدٍ " هَلْ يَنْفَعُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ " يَقْتَضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْفَعَةَ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ بِمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهَا وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ مِنْهَا فَقَدْ قَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهَا. وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْحَيِّ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ مَشْرُوعَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَلَعَلَّ اتِّفَاقَهُمْ كَانَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاعُ الْمَيِّتِ بِهَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُتَصَدِّقَ عَنْهُ يَهَبُ لَهُ أَجْرَ تِلْكَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ الصَّدَقَةُ عَنْ الْمُتَصَدِّقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوْقَعَ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَجْرِ مَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا مَعْرِفَةٍ كَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَجْرُ مَنْ يَغْتَابُهُ وَأَجْرُ مَنْ يَأْخُذُ مَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ بَعْضٌ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» ) .

[الأمر بالوصية]

إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَهَلَكَا فَوَرِثَ ابْنُهُمَا الْمَالَ وَهُوَ نَخْلٌ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِك وَخُذْهَا بِمِيرَاثِكَ» ) . الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ: " إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا " مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَاتَتْ فَجْأَةً وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ وَكَانَتْ مُنْيَتُهُ افْتِلَاتًا وَتَقُولُ الْعَرَبُ رَأَيْت الْهِلَالَ فَلْتَةً إذَا رَأَيْته مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ بَيْعَةٌ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَقَوْلُهُ: " وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ " يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ مِنْ نِيَّتِهَا وَحُسْنِ مُعْتَقِدِهَا وَمُسَارَعَتِهَا إلَى الْخَيْرِ وَرَغْبَتِهَا فِيهِ أَنَّهَا لَوْ أُمْهِلَتْ وَقَدَرَتْ عَلَى الْكَلَامِ مَعَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي مَرَضِهِمْ مِنْ كَلَامِهِمْ وَوَصِيَّتِهِمْ مَعَ تَيَقُّنِ الْمَوْتِ لِشِدَّةِ الْمَرَضِ لَتَصَدَّقَتْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ مِنْ حَالِهَا بِمَا أَخَذَتْ مَعَهُ فِيهِ وَأَظْهَرَتْ إلَيْهِ الْعَزِيمَةَ عَلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهَا فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ صَدَقَتَهُ عَنْهَا مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ حَضَرَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ عَنْ أَدَائِهِ وَعَنْ قَضَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ، وَقَدْ كَانَتْ أَرَادَتْ أَنْ تُطْعِمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ يَنْفَعُهَا الْإِطْعَامُ عَنْهَا فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ زَكَاةً كَانَتْ عَلَيْهَا وَلَمْ تُوصِ بِهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ عَلِمَ مِنْ أَبَوَيْهِ تَفْرِيطًا فِي الْفَرَائِضِ قَالَ مَالِكٌ يُطْعِمُ عَنْهُمَا فِي الصَّوْمِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا إنْ شَاءَ وَلِيُؤَدِّ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِكَ وَخُذْهَا بِمِيرَاثِك يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ صَدَقَتِهِ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا إلَى الْمُتَصَدِّقِ بِالْمِيرَاثِ غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ بَلْ بِمَوْتِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ إذَا كَانَ يُحِيطُ بِمِيرَاثِهِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ سِوَاهَا فَإِنَّهَا إنَّمَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ جُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَعَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَشَذَّتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَكَرِهَتْ أَخْذَهَا بِالْمِيرَاثِ وَرَأَوْهُ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُمْ فَإِنَّ مِلْكَهَا بِالْمِيرَاثِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِ فَيُقَالُ لَهُ فِيهِ يَجُوزُ، أَوْ لَا يَجُوزُ وَيُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا بِمَا يَلْزَمُهُ فِيهَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْكِسْوَةِ لَهَا وَالْإِسْكَانِ فِيهَا فَهِيَ بِالشَّرْعِ ثَابِتَةٌ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ إخْرَاجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّهُ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ، وَإِنَّمَا مِنْ حَقِّهِ تَقْدِيمُ وَصِيَّتِهِ وَالتَّحَرُّزُ وَالِاسْتِظْهَارُ بِتَقْدِيمِهَا وَتَحْصِينُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ بِمَعْنَى تُبَرِّئُهُ عَنْهَا وَالْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي وُجُوهِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ، فَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا: إنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ تَبَاعَةٌ، أَوْ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا يُوصَى فِيهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُوصَى بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ، فَأَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهَا الْعُقُودُ

[الباب الأول في الموصي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَتْ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كَالدُّيُونِ الَّتِي لَهَا قَدْرُ الْأَمَانَاتِ مِنْ الْوَدَائِعِ وَالْوَصَايَا تَكُونُ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ أَيْتَامٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ يَسِيرِ الدُّيُونِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ وَتُؤَدَّى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَتَتَجَدَّدُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ يُجَدِّدَ وَصِيَّتَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَعَ السَّاعَاتِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَبْقَى، وَهَذَا عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ أَنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَقِّ أَظْهَرُ فِي الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ النَّدْبُ إذَا قَالَ: إنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَإِذَا أَضَافَ الْحَقَّ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ لَهُ فَهَذَا أَظْهَرُ فِي النَّدْبِ فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَشُقُّ تَنْفِيذُهَا وَالْوَصِيَّةُ بِهَا، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ مَا يُؤَدَّى مِنْهُ تِلْكَ الْحُقُوقُ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّدْبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَصِيَّةَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْقُرْبِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ " الْمَالَ الْوَاسِعَ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْخَيْرُ الْمَالُ قَالَ قَتَادَةُ: الْخَيْرُ أَلْفُ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحْوَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ قَالَ لَهُ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ وَلَهُ مَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ لَا تُوصِ فَإِنَّك لَمْ تَتْرُكْ خَيْرًا فَتُوصِي وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَنْدُوبًا إلَيْهَا مَعَ الْيَسَارِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّدَقَةَ الَّتِي يُنَفِّذُهَا فِي حَيَاتِهِ أَفْضَلُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ» قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُوسِرِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِعَلِيلٍ ذَكَرَ الْوَصِيَّةَ لَهُ لَا تُوصِ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] وَأَنْتَ لَا تَتْرُكُ إلَّا الْيَسِيرَ دَعْ مَالَك لِبَنِيك وَكَانَ مَالُهُ مِنْ السَّبْعِمِائَةِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ. وَقِيلَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَيُوصِي مَنْ تَرَكَ أَرْبَعَمِائَةٍ وَلَهُ عِدَّةٌ مِنْ الْوَلَدِ بَنُونَ؟ فَقَالَتْ: مَا فِي هَذَا فَضْلٌ عَنْ وَلَدِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُوصِي] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» الْوَصِيَّةُ تَتَضَمَّنُ مُوصِيًا وَمُوصًى لَهُ وَمُوصًى بِهِ وَنَحْنُ نُفْرِدُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ بَابًا نُبَيِّنُ فِيهِ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُوصِي) فَأَمَّا الْمُوصِي فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُون عَاقِلًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَدْ أَثْبَتَ فِيهَا بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ، أَوْ وَجْهِ بِرٍّ يُوصِي فِيهِ بِشَيْءٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ يَكْتُبُونَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ وَمَا زَالَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُ لَيُعْجِبُنِي وَأُرَاهُ حَسَنًا، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: كُلُّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ تَشَهَّدَ، أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ، وَقَدْ تَشَهَّدَ نَاسٌ فُقَهَاءُ صَالِحُونَ وَتَرَكَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ كَيْفَ التَّشَهُّدُ وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ فِي وَصِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وَأَنْ لَا تَرْغَبُوا أَنْ تَكُونُوا إخْوَانًا لِلْأَنْصَارِ وَمَوَالِيهمْ فَإِنَّ الْعِفَّةَ وَالصِّدْقَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَكْرَمُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالْكَذِبِ، ثُمَّ أَوْصَى فِيمَا تَرَكَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُوصِيَ إذَا أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ، أَوْ فِي مَرَضِهِ بِوَصِيَّةٍ فِيهَا عَتَاقَةُ رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَهُ وَيَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ حَتَّى يَمُوتَ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَطْرَحَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ وَيُبَدِّلَهَا فَعَلَ إلَّا أَنْ يُدَبِّرَ مَمْلُوكًا فَإِنْ دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَغْيِيرِ مَا دَبَّرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» قَالَ مَالِكٌ فَلَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ وَصِيَّتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَاجَتَهُ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَذَكَرَ لَنَا نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُوصِي بِهَذَا، وَحَدَّثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يُوصُونَ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَأَوْصَى بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وَأَوْصَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ: قِيلَ لَهُ إنَّ رَجُلًا كَتَبَ فِي ذَلِكَ أُومِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ: مَا أَرَى هَذَا أَلَا وَكُتُبُ الظَّفَرِيَّةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ قَدْ كَتَبَ مَنْ مَضَى وَصَايَاهُمْ فَلَمْ يَكْتُبُوا مِثْلَ هَذَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِخَطِّهِ فَوُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ وَعُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَكْتُبُ وَلَا يَعْزِمُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ، وَلَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ: إنَّهَا وَصِيَّتِي وَإِنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَءُوهَا وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهَا وَصِيَّتُكَ وَأَنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَءُوهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَءُوهَا وَقَالُوا: نَشْهَدُ فَقَالَ نَعَمْ، أَوْ قَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَيْهِمْ فَلْيَشْهَدُوا أَنَّهَا وَصِيَّتُهُ أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مَنْشُورَةً يَرَوْنَ أَنَّ جَمِيعَهَا مَكْتُوبَةٌ ثُمَّ نَظَرُوا إلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي أَثَرِهَا فَلْيَشْهَدُوا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ يُرِيدُ التَّسَتُّرَ عَنْهُمْ بِمَا فِيهَا، وَقَدْ يَطُولُ عَقْدُ الْوَصِيَّةِ فَيَشُقُّ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ أَنْ يَقْرَأَهُ مَعَ غِنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى الْمُوصِي بِمَا أَشْهَدَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ إنْفَاذُهُ أَنْفَذَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ إنْفَاذُهُ رَدَّ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّاهِدِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ وَالسِّجِلَّاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِدْعَاءَاتِ الَّتِي تَتَقَيَّدُ عَلَى عِلْمِ الشُّهُودِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيَفْهَمَهُ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ جَمِيعِهِ أَنَّهُ فِي عِلْمِهِ وَعَلَى ذَلِكَ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَفَّحَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَهُ فِي عِلْمِهِ وَمِمَّا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَى مَا فِيهَا فَكَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَشُكَّ الشَّاهِدُ فِي الطَّابَعِ فَلْيَشْهَدْ، وَإِنْ شَكَّ فَلَا يَشْهَدُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ عِنْدَهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ خَاتَمُهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُفِضْ وَأَجْوَدُهُمْ عِنْدِي شَهَادَةُ الَّذِي الْوَصِيَّةُ فِي يَدَيْهِ وَالْآخَرُونَ يَشْهَدُونَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَيَحْمِلُونَ مَا تَحَمَّلُوا، وَقَالَ أَيْضًا، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَشْهَدُونَ؟ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَاءَ بِكِتَابٍ مَخْتُومٍ يَقُولُ أَنَّهُ وَصِيَّتُهُ وَيَدْعُو الشُّهُودَ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهُمْ إنْ يَخْتِمُوا عَلَيْهَا بِخَوَاتِيمِهِمْ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَكْتُبْ فِيهَا شَيْئًا ثُمَّ يَكْتُبُ مَا شَاءَ بَعْدَ إشْهَادِهِ لَهُمْ وَيَزِيدُ إنْ شَاءَ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا يَوْمَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ فِيهِ وَدُونَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ أَشْهَدُهُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْإِشْهَادِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا رَأَوْا أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى حَالِهَا عِنْدَ أَحَدِ الشُّهُودِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الشُّهُودِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي كَيْفَ يَشْهَدُونَ، وَأَمَّا إذَا أَخْتَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهَا بِخَاتَمِهِ وَعَرَفَ خَتْمَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ سَوَاءً كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مَكْتُوبٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَيَّدَ فِيهَا الْمُوصِي مَا شَاءَ مِنْ الْأَبَاطِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي ذَلِكَ.

الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَلَا مَا ذَكَرَ فِيهَا مِنْ الْعَتَاقَةِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ قَدْ حَبَسَ مَالَهُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ مِنْ الْعَتَاقَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُوصِي الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ غَيْرَ التَّدْبِيرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُوصِيَ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ يَعْتِقُ بَعْضَ رَقِيقِهِ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَيُبْطِلَ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ أَوْ يُعَوِّضُ مِنْهُ غَيْرَهُ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ مَا لَمْ يَمُتْ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ لَزِمَتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُبْطِلَهُ وَلَا يُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَيْسَ لِمَنْ عَقَدَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ التَّدْبِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ عَقْدٌ جَائِزٌ وَعَقْدُ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ لَازِمٌ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ أَجَازَ الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَإِذَا فَرَّقَ هُوَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُمَا بِالْقَوْلِ جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الرُّجُوعِ بَيْنَهُمَا بِالْفِعْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» فَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ قَالَ فَلَوْ كَانَ الْمُوصِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ حَبَسَ مَالَهُ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ تَكُونُ مَانِعَةً لَهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ فَمَتَى أَوْصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِرْقَاقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ لَهُ وَفِي هَذَا إضْرَارٌ بِالنَّاسِ وَمَنْعٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَقَدْ يُوصِي الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ وَعِنْدَ سَفَرِهِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ قَدْ يُوصِي مَعَ كَوْنِهِ صَحِيحًا. وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَلْ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةُ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُقَيَّدَةً وَمُطْلَقَةً فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي هَذَا، أَوْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَيُنْفِذُ عَنِّي وَصِيَّةَ كَذَا وَكَذَا وَيَذْكُرُ مَا شَاءَ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ فَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَصِيَّةً وَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَهَا فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا حَتَّى مَاتَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ سَفَرِهِ فَهِيَ فِي ثُلُثِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ قُرْبَةً شَرَطَ فِيهَا شَرْطًا لَا يُنَافِي الشَّرْعَ فَكَانَتْ عَلَى مَا شَرَطَ كَمَا لَوْ شَرَطَ فِيهَا التَّغْيِيرَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ كَتَبَهَا، أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا وَأَشْهَدَ بِهَا فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وَضَعَ الْكِتَابَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ، أَوْ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَنْفُذُ فِي ثُلُثِهِ قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَخَصَّ ذَلِكَ بِأَنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَبْقَى الْكِتَابَ بَعْدَ الْبُرْءِ، أَوْ الْقُدُومِ عَلَى حَالَتِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ مِمَّنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَجْهٌ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْوَصِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ فَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنْ عِنْدِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ فَوُجِدَ الْكِتَابُ عِنْدَ الْمُوصِي فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِرْجَاعَهُ لِلْكِتَابِ مِنْ عِنْدِ مَنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ تَغْيِيرٌ لِحَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَازَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ اسْتِدَامَتَهُ كَتَمْزِيقِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَتَبَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ، أَوْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَمُوتَ فِي مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَرَضٍ

[الباب الأول في صفة الوصية التي يلحقها التغيير]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا سَفَرٍ فَإِنْ مَاتَ فِي مَرَضٍ آخَرَ، أَوْ سَفَرٍ آخَرَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ وَصِيَّتَهُ نَافِذَةٌ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأُخْرَى عَنْهُ أَحْسَنُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ فَهِيَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَجَازَتْ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ فِي غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا سَفَرٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ أَقَرَّ كِتَابَ وَصِيَّتِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِبُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ وَلَا بِقُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَأَقَرَّهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ كِتَابَ وَصِيَّتِهِ وُجِدَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْبُرْءِ وَالْإِيَابِ فَوَجَبَ أَنْ تُبْطِلَ وَصِيَّتُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَ فِي غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا سَفَرٍ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلٌ، وَلَوْ مَاتَ فِي مَرَضٍ آخَرَ، أَوْ سَفَرٍ آخَرَ لَصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ غَيْرُ الْقِيَاسِ إنْ مَاتَ فِي غَيْرِ سَفَرٍ وَلَا مَرَضٍ أَنْ تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ قَصْدُ النَّاسِ فِي ذِكْرِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ تَخْصِيصَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي أَوْ مِنْ مَرَضِي فَبَغَتَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ أَنَّ وَصِيَّتَهُ نَافِذَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ هَذِهِ أَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُقَيِّدْهَا فِي كِتَابٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ، أَوْ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ يَكُونُ فِي اسْتِدَامَتِهِ اسْتِدَامَةٌ لَهَا وَالْإِشْهَادُ إنَّمَا اخْتَصَّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يُنْفِذْهُ إلَى غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِحَالٍ وَلَا وَقْتٍ فَسَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً، أَوْ غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ فَإِنَّهَا نَافِذَةٌ مَتَى مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِحَالٍ وَلَا وَقْتٍ فَاقْتَضَتْ التَّنْفِيذَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَأَعْتِقُوا عَبْدِي اقْتَضَى ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْعِتْقِ مَتَى مَاتَ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ مَاتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي يَلْحَقُهَا التَّغْيِيرُ] 1 (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ فِيهِ بَابَانِ:. الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي يَلْحَقُهَا التَّغْيِيرُ. وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ التَّغْيِيرِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْوَصِيَّةِ الَّتِي يَلْحَقُهَا التَّغْيِيرُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَيِّرَ وَصِيَّتَهُ وَيَرْجِعَ عَنْهَا أَوْصَى فِي صِحَّةٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ عِنْدَ سَفَرٍ بِعِتْقٍ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ صِحَّتِهِ إلَّا فِيمَا بَتَلَ يُرِيدُ فِيمَا بَتَلَ عِتْقَهُ مِنْ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ، أَوْ مُعَجَّلٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْعِتْقُ عَقْدٌ لَازِمٌ مُعَجَّلًا كَانَ، أَوْ مُؤَجَّلًا، وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إنْ قَالَ إنْ مِتُّ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ إنْ مِتُّ فَأَعْتِقُوهُ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ وَهِيَ وَصِيَّةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ مُدَبَّرٌ إنْ لَمْ أُحْدِثْ فِيهِ حَدَثًا فَهِيَ وَصِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ عَبْدِي مُدَبَّرٌ يُرِيدُ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ وَتَفَكَّرَ فِيهَا سَحْنُونٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْمَخْزُومِيِّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَحْمِلُ عَلَى تَدْبِيرِ الْمَيِّتِ قِيلَ لَهُ: إنَّهُ عَالِمٌ فَتَوَقَّفَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ قَالَ: حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، فَبِأَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي التَّدْبِيرِ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّدْبِيرَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِتَدْبِيرِهِ الْآنَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا مِتُّ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّهُ عَالِمٌ بِمَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا عَلَى الشَّرْطِ وَعَلَى الْحُكْمِ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ إنْ مِتُّ: مِنْ مَرَضِي فَعَبْدِي مُدَبَّرٌ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُتْرَكُ عَلَى التَّدْبِيرِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعْلِيقَهُ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ التَّدْبِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَوْتِ وَلَكِنَّهُ عَلَى وَجْهٍ لَازِمٍ لَا رُجُوعَ لِلْمُدَبَّرِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ)

[الباب الثاني في صفة تغيير الوصية]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ قَالَ: فُلَانٌ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ أَرَادَ التَّدْبِيرَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَإِلَّا فَهِيَ وَصِيَّةٌ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ كُلَّ عِتْقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّدْبِيرِ فَيَقُولَ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ إحْدَاثِ وَصِيَّةٍ فَهُوَ تَدْبِيرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عَتَقَ الْمَرِيضُ، أَوْ الْحَامِلُ أَوْ تَصَدَّقَ وَلَمْ يَقُلْ إنْ مِتُّ ثُمَّ صَحَّ فَقَالَ أَرَدْت إنْ مِتُّ، وَقَالَ الشُّهُودُ ظَنَنَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْبَتْلَ قَالَ عَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَصْدِهِ. وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ بَعْضُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ مَا قَالَا عَنْهُ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَرَادَ الْوَصِيَّةَ فَهِيَ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَتَنْفُذُ، وَقَالَ عَنْهُ عَلِيٌّ فِي مَرِيضٍ قِيلَ لَهُ أَوْصِ فَقَالَ فُلَانٌ حُرٌّ ثُمَّ صَحَّ فَقَالَ أَرَدْت بَعْدَ مَوْتِي فَذَلِكَ لَهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لَفْظَ إيقَاعِ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ ظَاهِرُهُ الْبَتْلُ وَتَعْلِيقُهُ ذَلِكَ بِشَرْطٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الْعَقْدِ وَمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ قَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلُوهُ لِدَلَالَةِ مَا قُلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ عَرَا عَنْ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمُقْتَضَاهُ الْبَتْلُ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْمَخْزُومِيِّ فِيمَنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: لِفُلَانٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ صَدَقَةً وَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ مُدَبَّرٌ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ صَحَّ، وَقَالَ: لَمْ أَقُلْ فَذَلِكَ لَهُ إلَّا فِي التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إلَى عَقْدِ وَصِيَّتِهِ فَكَانَ لَفْظُهَا مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَاهَا إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِاللُّزُومِ مِنْ التَّدْبِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ، وَإِنْ عَرَا عَنْ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمُقْتَضَاهُ الْبَتْلُ، وَأَمَّا إذَا قِيلَ: أَوْصِ، فَقَالَ: فُلَانٌ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت الْوَصِيَّةَ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمَّا كَانَ جَوَابًا لِمَا عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ حَمْلَهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا لِمَنْ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى مُقْتَضَى سَبَبِهِ ظَاهِرٌ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ تَغْيِيرِ الْوَصِيَّةِ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ تَغْيِيرِ الْوَصِيَّةِ) وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: الزِّيَادَةُ فِيهَا، وَالثَّانِي: النَّقْصُ مِنْهَا وَالثَّالِثُ إبْطَالُهَا جُمْلَةً فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِيهَا فَإِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَزِيدَ فِي وَصِيَّتِهِ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا، وَالثَّانِي: أَنْ يَزِيدَ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا، فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ أَشْهَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَوْصَى بِأُخْرَى عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأُولَى فَإِنَّهُمَا جَائِزَتَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ مِثْلَ الْأُولَى، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ لَهُ أَكْثَرَ الْوَصِيَّتَيْنِ، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ أَوْصَى لَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِخَمْسَةٍ فَلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ أَوَّلًا بِخَمْسَةٍ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِعَشَرَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ عَشَرَةٍ، وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّتَانِ فِي عَقْدَيْنِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَاتَيْنِ وَصِيَّتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَكَانَ لَهُ أَكْثَرُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى أَقَلَّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فِي وَصِيَّتِهِ وَقَدْ أَعْمَلَ الْوَصِيَّتَيْنِ وَإِذَا بَدَأَ بِالْأَكْثَرِ ثُمَّ أَوْصَى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ جَمْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَفِيهِ إعْمَالُ الْوَصِيَّتَيْنِ وَلَوْ أَعْطَاهُ أَوَّلَاهُمَا؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ لَكِنَّا قَدْ أَلْغَيْنَا الْأَخِيرَةَ وَهِيَ أَحَقُّ بِالْإِثْبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُ أَكْثَرُ الْعَدَدَيْنِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّتَانِ فِي كِتَابَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَكْثَرُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ فَإِنْ سَمَّى لَهُ أَوَّلًا عَدَدًا ثُمَّ سَمَّى لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَهُ الْأَكْثَرُ وَإِنْ سَمَّى لَهُ فِي الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَهُ الْعَدَدُ إنْ قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا بَدَأَ فِي كِتَابِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ ثَنَّى بِعَشَرَةٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ عَشَرَةٌ مِنْهَا الْأُولَى، وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا عَشَرَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا خَمْسَةٌ مِنْهَا الْعَشَرَةُ الْأُولَى وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْكِتَابَيْنِ وَجَعَلَ لَهُ الْأَكْثَرَ بَدَأَ بِالْأَقَلِّ، أَوْ الْأَكْثَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَى حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ تَجْرِي الْوَصِيَّتَانِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ الَّتِي تُكَالُ وَتُوزَنُ، أَوْ لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ وَالْحَيَوَانِ وَالدُّورِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا الْعُرُوض فَلَهُ الْوَصِيَّتَانِ تَفَاضَلَ ذَلِكَ، أَوْ تَسَاوَى كَانَا فِي كِتَابٍ، أَوْ كِتَابَيْنِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا وَصِيَّتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الْعُرُوضِ مَعْدُومٌ، وَلِذَلِكَ يُقْضَى فِيهَا بِالْقِيمَةِ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِمَا كَالْمُخْتَلِفِينَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ، وَكَذَلِكَ الْأَفْرَاسُ وَالْإِبِلُ وَالْعَبِيدُ، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَمَاثِلَيْنِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، وَكَذَلِكَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالسَّبَائِكُ مِنْ الْفِضَّةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ يُرِيدُ فِي الزَّكَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ وَهُمَا جِنْسَانِ، وَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِمَا التَّفَاضُلُ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ مُتَمَاثِلَانِ فَأَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِدَرَاهِمَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ بِالصَّرْفِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى بِعَدَدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالْعَدَدِ مِثْلُ أَنْ يُوصَى لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يُوصَى لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَإِنَّ لَهُ الْعَدَدَيْنِ جَمِيعًا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ إذَا كَانَتَا مُتَمَاثِلَتَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَإِنَّ لَهُ إحْدَاهُمَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ تَكْرَارًا، أَوْ تَأْكِيدًا وَهُوَ يَنْحُو إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِهِ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مَا أَوْصَى بِهِ مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ آخَرَ بِعَيْنِهِ فَلَهُ الْوَصِيَّتَانِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يَمْنَعُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ الْأُولَى فَوَجَبَ أَنْ يَجْمَعَا لَهُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَصِيَّةٍ مُقْتَضَاهَا فَيَلْزَمُ إنْفَاذُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ رُجُوعٌ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ لَهُ الْوَصِيَّتَيْنِ جَمِيعًا مُعَيَّنَتَيْنِ كَانَتَا، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَتَيْنِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي كِتَابَيْنِ بَدَأَ بِالْأَقَلِّ، أَوْ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَالِاسْمِ يَمْنَعُ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِيَةِ الْأُولَى فَلَزِمَ أَنْ تُحْمَلَ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثَيْ مَالِهِ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثٍ يُحَاصُّ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي اللَّفْظِ وَالْجِنْسِ فَكَانَ لَهُ أَكْثَرُهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِخَمْسَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثٍ ثُمَّ أَوْصَى بِثُلُثٍ آخَرَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُحَاصُّ بِثُلُثٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا ثَلَاثٌ كَالدَّنَانِيرِ لَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا وَكَانَ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنْ يُحَاصِصَ بِالثُّلُثَيْنِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ كَوْنَهُ مَمْنُوعًا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ يَقْتَضِي حَمْلَ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى وَلِاتِّفَاقِهِمَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ كَثُرَ مَالُهُ، أَوْ قَلَّ وَهُوَ بِخِلَافِ مَنْ أَوْصَى بِعَدَدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ اسْتَغْرَقَ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ الْمَالُ فَيَكُونُ لِلْعَدَدِ الْبَاقِي مَحَلٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ، أَوْ بِعِدَّةِ دَنَانِيرَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُحَاصُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالثُّلُثِ وَبِعَدَدِ الدَّنَانِيرِ أَوْ الْعَبْدِ يُرِيدُ قِيمَتَهُ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّ مَالَهُ عَيْنٌ كُلُّهُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَضْرِبُ لَهُ بِأَكْثَرِ الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ الْعَدَدِ وَالثُّلُثِ قَالَ أَصْبَغُ: وَفِيهَا شَيْءٌ وَلَهَا تَفْسِيرٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ وَبِعَدَدِ دَنَانِيرَ مُخْتَلِفَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَجْمَعَا لِلْمُوصَى لَهُ كَالْوَصِيَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالْعَبْدِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَالَهُمَا إلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَمَاثِلٍ فِي النَّوْعِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الَّذِي يُحَاصِصُ بِالثُّلُثِ وَبِعَدَدِ الدَّنَانِيرِ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ التَّرِكَةِ عَيْنًا، وَلِذَلِكَ جَعَلَ الثُّلُثَ مِنْ جِنْسِ عَدَدِ الدَّنَانِيرِ فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تُجْمَعُ لَهُ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَيْنٌ وَعَرَضٌ وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ لَهُ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَيْنٌ وَعَرَضٌ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ يُقْضَى لَهُ بِأَكْثَرِهِمَا عَلَى أَنَّهُ عَيْنٌ كُلُّهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا كُلُّهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يُعْطَى الْوَصِيَّتَيْنِ إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا مَعَهُ وَصَايَا ضَرَبَ بِالثُّلُثِ وَبِالْعَدَدِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَصَايَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدَدَيْنِ مِنْ جِنْسِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ عَرَضٌ وَالْعَدَدُ عَيْنٌ فَلِذَلِكَ جُمِعَا لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ نَاضٌّ وَعَرَضٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَأَصْبَغَ يُضْرَبُ لَهُ بِثُلُثِ الْعَرَضِ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْعَدَدِ الْمُوصَى بِهِ وَمِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّ ثُلُثَ الْعُرُوضِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْعَيْنِ فَلَهُ ثُلُثُ الْعُرُوضِ وَثُلُثُ الْعَيْنِ مِنْ جِنْسِ الْعَدَدِ فَكَانَ لَهُ أَكْثَرُهُمَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَهَذَا حُكْمُ تَغْيِيرِ الْوَصِيَّةِ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا، وَأَمَّا حُكْمُهَا بِالنَّقْصِ مِنْهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى النَّقْصِ مِنْهَا، أَوْ يُوصَى بِبَعْضِهَا لِغَيْرِهِ فَأَمَّا النَّصُّ عَلَى النَّقْصِ مِنْهَا، فَمِثْلُ أَنْ يُوصَى لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ثُمَّ يَقُولُ: رُدُّوهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ أَوْ اجْعَلُوهَا لَهُ ثَمَانِيَةً، أَوْ نَسَخْت مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْعَشَرَةِ وَأَنَا أُوصِي لَهُ الْآنَ بِثَمَانِيَةٍ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا أَقَرَّهُ آخِرًا، وَأَمَّا تَغْيِيرُ الْوَصِيَّةِ بِالْفِعْلِ فَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ دُونَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَل فِي الْعَيْن الْمُوصَى بِهَا مَا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فِي مَالِهِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْن الْقَاسِم، وَأَمَّا أَشْهَبُ فَإِنَّهُ يُرَاعِي الْأَسْمَاءَ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَزِيرَةٍ ثُمَّ لَتَّهَا بِعَسَلٍ، أَوْ سَمْنٍ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ ثُمَّ عَلَّمَهُ الْكِتَابَ وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِيمَا كَانَ أَوْصَى لَهُ وَالزِّيَادَةُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ لَا سِيَّمَا مَعَ بَقَاءِ الِاسْمِ الَّذِي عُلِّقَتْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ بِرُجُوعٍ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: يَكُونُ الْوَرَثَةُ شُرَكَاءَ بِقَدْرِ اللِّتَاتِ، وَكَذَلِكَ صَبْغُ الثَّوْبِ وَبِنَاءُ الدَّارِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ الثَّوْبُ يَصْبُغُهُ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ أَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَلَهُ، أَوْ كَانَتْ دَارًا فَجَصَّصَهَا، أَوْ زَادَ فِيهَا بِنَاءً وَأَوْصَى لَهُ بِسَوِيقٍ ثُمَّ لَتَّهُ وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ وَصِيَّةٌ بِالصَّبْغِ وَالسَّمْنِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ مُوصًى بِهِ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ فِيمَا أَوْصَى بِهِ كَانَ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِ فِي الْوَصِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ ثُمَّ آجَرَهُ، أَوْ رَهَنَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِرُجُوعٍ وَيُفْدَى الرَّهْنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَصُورَةَ الْمُوصِي بِهِ بَاقِيَةٌ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ صَارَ لَهُ بِابْتِيَاعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ فَالْوَصِيَّةُ فِيهِ نَافِذَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الْمُوصَى بِهِ حَالُهُ عِنْدَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ بِمَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَزْلٍ فَحَاكَهُ ثَوْبًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِبُرْدٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِقَمِيصٍ فَقَطَعَهُ قَبَاءً، أَوْ جُبَّةً فَرَدَّهَا قَمِيصًا، أَوْ بِبِطَانَةٍ ثُمَّ بَطَّنَ بِهَا ثَوْبًا، أَوْ بِظِهَارَةٍ ثُمَّ ظَهَّرَ بِهَا ثَوْبًا، أَوْ بِقُطْنٍ ثُمَّ حَشَا بِهِ، أَوْ غَزَلَهُ، أَوْ بِفِضَّةٍ ثُمَّ صَاغَهَا خَاتَمًا، أَوْ بِشَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاسْمُ الَّذِي أَوْصَى فِيهِ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا قَالَ: ثَوْبِي لِزَيْدٍ ثُمَّ قَطَعَهُ قَمِيصًا، أَوْ لَبِسَهُ فِي مَرَضِهِ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَقَّةٍ ثُمَّ قَطَعَهَا قَمِيصًا، أَوْ سَرَاوِيلَ كَانَ رُجُوعًا لِتَغْيِيرِ الِاسْمِ فَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى مُرَاعَاةِ الِاسْمِ الَّذِي عُلِّقَتْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ فَإِذَا عُمِلَ فِيهِ عَمَلًا أَزَالَ ذَلِكَ الِاسْمَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِذَا لَمْ يُزِلْ الْعَمَلُ الِاسْمَ فَالْوَصِيَّةُ بَاقِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمَّا كَانَ اسْمُ الثَّوْبِ يَقَعُ عَلَى الشُّقَّةِ قَبْلَ الْقَطْعِ وَبَعْدَهُ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ بِقَطْعِهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الثَّوْبِ وَلَمَّا كَانَتْ الشَّقَّةُ لَا تَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ إلَّا قَبْلَ الْقَطْعِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ عَنْهُ الِاسْمَ الَّذِي عُلِّقَتْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِعَرْصَةٍ ثُمَّ بَنَاهَا دَارًا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: ذَلِكَ رُجُوعٌ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ فَهَدَمَهَا وَصَيَّرَهَا عَرْصَةً فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِعَرْصَةٍ وَبِنَاءٍ فَأَزَالَ الْبِنَاءَ وَأَبْقَى الْعَرْصَةَ، وَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ أَشْهَبَ فِي تَعَلُّقِهِ بِالْأَسْمَاءِ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ دُونَ النَّقْصِ فَيَكُونُ اسْمُ الدَّارِ وَاقِعًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ وَنَائِبًا عَنْهَا فَإِذَا أَزَالَ الْبِنَاءَ بَقِيَتْ الْعَرْصَةُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَةِ وَالِاسْمِ وَكَانَ يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَوْصَى بِعَرْصَةٍ فَبَنَاهَا أَنْ لَا تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ بِالْعَرْصَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَوْصَى لَهُ بِعَرْصَةٍ فَبَنَاهَا كَانَا شَرِيكَيْنِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ مِنْ الْعَرْصَةِ. وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا زِيَادَةً غَيَّرَتْ الِاسْمَ فَكَانَ تَغْيِيرًا لِلْوَصِيَّةِ كَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى حَالِهَا لَا تُغَيِّرُ الْوَصِيَّةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسْجُ فَإِنَّهُ قَدْ غَيَّرَ عَيْنَ الْغَزْلِ، وَأَمَّا الْعَرْصَةُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلُ فَأُضِيفَ إلَيْهَا مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْبِنَاءُ كَمَا أُضِيفَ اللِّتَاتُ إلَى السَّوِيقِ وَالصَّبْغُ إلَى الثَّوْبِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ الْهَدْمُ بِرُجُوعٍ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَلِمَنْ يَكُونُ النَّقْضُ قَالَ أَشْهَبُ لَا وَصِيَّةَ فِي النَّقْضِ وَرَوَى ابْن عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ النَّقْضَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ اسْمَ الْبِنَاءِ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الدَّارِ بَعْدَ النَّقْضِ فَبَطَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ الِاسْمِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهَدْمَ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْوَصِيَّةِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ قَمِيصًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِزَرْعٍ ثُمَّ حَصَدَهُ، أَوْ بِثَمَرٍ ثُمَّ جَذَّهُ، أَوْ بِصُوفٍ ثُمَّ جَزَّهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَلَوْ دَرَسَهُ وَاكْتَالَهُ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ لَكَانَ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الزَّرْعِ بَاقٍ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَصَادِ وَصُورَتَهُ ثَابِتَةٌ لَمْ تُغَيَّرْ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ تَقْطِيعُهُ وَإِزَالَتُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا كَقَطْعِ الثَّوْبِ فَأَمَّا إذَا اكْتَالَهُ بَعْدَ دَرْسِهِ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَإِنْ دَرَسَهُ وَتَبْلِيغُهُ حَدَّ الِاكْتِيَالِ قَدْ غَيَّرَ صُورَتَهُ وَنَقَلَ اسْمَهُ إلَى اسْمِ الْقَمْحِ، أَوْ الشَّعِيرِ فَكَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالدَّرْسِ وَالتَّصْفِيَةِ، وَأَمَّا إدْخَالُهُ الْبَيْتَ فَإِنَّمَا هُوَ تَأْكِيدٌ لِمَقْصِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه]

جَوَازُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمُصَابِ وَالسَّفِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِّ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلْيُوصِ لَهَا قَالَ فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ. مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ غَسَّانَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَمُوتُ أَفَيُوصَى قَالَ فَلْيُوصِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَوْصَى بِبِئْرِ جُشَم فَبَاعَهَا أَهْلُهَا بِثَلَاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَوَازُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمُصَابِ وَالسَّفِيهِ] (ش) : الْيَفَاعُ هُوَ الْغُلَامُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَتَارَةٌ كَانَ يَصِفُهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّهُ يَفَاعٌ وَتَارَةٌ كَانَ يَصِفُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَقَوْلُهُ لَمْ يَحْتَلِمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ لِحَالِهِ وَمَا قَصَدَ وَصْفَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ حَدِّ الصِّغَرِ، وَالِاحْتِلَامُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَيَخْتَصُّ فِي النِّسَاءِ بِالْحَيْضِ فَهُوَ فِيهِنَّ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ. (فَصْلً) وَقَوْلُهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ أَنَّهُ بِالْمَدِينَةِ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ إلَّا بِنْتُ عَمٍّ يُرِيدُ: أَنَّهَا انْفَرَدَتْ بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَالرِّفْقِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثُهُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِذَلِكَ، أَوْ يُشَارِكُهَا فِيهِ بِالشَّامِ وَلَعَلَّهُ قَدْ قَصَدَ بِذَلِكَ إلَى بِنْتِ عَمِّهِ هَذِهِ مَعَ انْفِرَادِهَا بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَالتَّعَبِ مَعَهُ وَالتَّمْرِيضِ لَهُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَلَعَلَّ الْغُلَامَ قَدْ أَشْفَقَ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ جَمِيعُ مَالِهِ مَعَ رِفْقِهَا بِهِ وَانْفِرَادِهَا بِالْعَنَاءِ مَعَهُ فَنَدَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنْ يُوصَى لَهَا وَأَعْلَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَسَائِغٌ فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَجْمَع عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ بِأَنَّ وَصِيَّةَ مَنْ يُمَيِّزُ وَيَفْهَمُ مَا يُوصَى بِهِ مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ جَائِزَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الصِّغَرَ حَجْرٌ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ مَعَ التَّمْيِيزِ كَالسَّفَهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْيَفَاعِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَجَازَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَصِيَّةَ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ مَا يُوصِي بِهِ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ وَشَبَّهَهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ إذَا عَقِلَا مَا يَفْعَلَانِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ تَدْبِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ،. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ تَدْبِيرُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ أَنَّ التَّدْبِيرَ عَقْدٌ لَازِمٌ. (فَرْعٌ) إذَا أَوْصَى الصَّبِيُّ إلَى غَيْرِ وَصِيِّهِ فَفَرَّقَ ثُلُثَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يَلِيَ غَيْرَهُ تَفْرِيقَ ثُلُثِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ إنْفَاذُ ثُلُثِهِ فِي وُجُوهِ وَصِيَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ تَوَلِّي ذَلِكَ إلَى غَيْرِ وَصِيِّهِ الَّذِي قَدْ لَزِمَهُ حَجْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصِيَّتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلْيُوصِ لَهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ مِنْ قَرَابَتِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرِيبِ الَّذِي لَا يَرِثُ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَنُسِخَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْوَارِثِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْقَرِيب

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الضَّعِيفَ فِي عَقْلِهِ وَالسَّفِيهَ وَالْمُصَابَ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانَا تَجُوزُ وَصَايَاهُمْ إذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ مَا يُوصُونَ بِهِ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ عَقْلِهِ مَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ مَا يُوصَى بِهِ وَكَانَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلَا وَصِيَّةَ لَهُ) . الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ لَا تَتَعَدَّى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فَقُلْت فَالشَّطْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي لَا يَرِثُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فِي مَالِهِ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ غَيْرِهِ فَلَمَّا مَاتَ بَطَلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ لِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ لَهُ مَنْفَعَةٌ فِي مَالِهِ غَيْرَ مَا يُوصَى بِهِ فَكَانَ النَّظَرُ لَهُ تَجْوِيزُ وَصِيَّتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ مَعَ وُجُودِ الْقَرَابَةِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ: إنَّ فِعْلَ ذَلِكَ رَدَّتْ وَصِيَّتُهُ إلَى قَرَابَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ بِثُلُثِهِ رُدَّ إلَى قَرَابَتِهِ مِنْ ذَلِكَ ثُلُثَا الثُّلُثِ وَيُنْفِذُ الثُّلُثَ لِلْمُوصَى لَهُمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَقَعُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَرَضِينَ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَقَوْلُهُ فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى مَعْنَى الْأَخْبَارِ عَنْ تَجْوِيزِ وَصِيَّتِهِ بِكَثِيرِ الْمَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِقَلِيلِهِ وَأَنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ بِالتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقِ لِلْأَعْيَانِ وَلَا تَخْتَصُّ بِالتَّحْبِيسِ وَالتَّسْبِيلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَّ ابْنَةَ عَمِّهِ الْمُوصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَةِ وَمُرَاعَاةُ الرَّاوِي الَّذِي هُوَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ لَهَا لِتَعَلُّقِهَا بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الصَّغِيرِ تَجُوزُ لِلْغَنِيِّ إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْغِنَى وَغَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي جُمْلَةِ الْفُقَرَاءِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الضَّعِيفِ فِي عَقْلِهِ يُرِيدُ الضَّعِيفَ الْعَقْلَ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَلِي أَمْرَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُمَيِّزُ وَيَفْهَمُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الَّذِي وَصَفْنَاهُ بِضَعْفِ الْعَقْلِ وَأَمَّا السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الَّذِي يُتْلِفُ مَالَهُ فِي وُجُوهِ السَّفَهِ، أَوْ يَشْتَغِلُ عَنْ تَثْمِيرِهِ وَحِفْظِهِ بِالْبَطَالَةِ، وَأَمَّا الْمُصَابُ فَهُوَ الَّذِي أُصِيبَ بِعَقْلِهِ أَمَّا بِصَرْعٍ، أَوْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ حِينَ إفَاقَتِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَدَانَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ كَالْحَيِّ إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ: وَإِنْ كَانَ سَمَّى ذَلِكَ النَّقْصَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ فِي ثُلُثِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى وَرَثَتِهِ فَإِذَا أَوْصَى بِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ مَبْدَأٌ عَلَى وَصَايَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَدْبِيرُ السَّفِيهِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ دَبَّرَ السَّفِيهُ خَادِمًا كَثِيرَةَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ تَدْبِيرُهُ وَيَجُوزُ فِي قَلِيلَةِ الثَّمَنِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ تَدْبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ تَدْبِيرُ عَبْدِهِ فِي الْمَرَضِ فَإِذَا صَحَّ بَطَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَتَدْبِيرُهُ وَمَا لَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ وَعَدَمِ رُشْدِهِ، وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ فَإِذَا دَبَّرَ فِي مَرَضِهِ رُوعِيَ أَمْرُهُ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ فَحُكْمُ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَاحِدٌ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَفَاقَ بَطَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ.

[الوصية في الثلث لا تتعدى وفيه أبواب]

قَالَ لَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك قَالَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا إلَّا ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّك أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ لَا تَتَعَدَّى وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُ سَعْدٍ: " جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ " سُنَّةٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى وَهِيَ مِنْ الْقُرَبِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَّبِعَ الْجَنَائِزَ وَنَعُودَ الْمَرْضَى وَنُفْشِيَ السَّلَامَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى " دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْبَارِ الْعَلِيلِ بِشِدَّةِ حَالِهِ إذَا تَسَبَّبَ بِذَلِكَ إلَى النَّظَرِ فِي دِينِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا تَسَبَّبَ بِذَلِكَ إلَى مُعَانَاةِ أَلَمِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ مَنْ يَرْجُو بَرَكَةَ دُعَائِهِ وَيُخْبِرَ بِذَلِكَ مَنْ يُعْلَمُ إشْفَاقُهُ. وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تُوعَكُ وَعْكًا قَالَ: أَجَلْ إنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ» ، وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ «عَائِشَةَ قَالَتْ: وَارَأْسَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أُوصِيَ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَاَللَّهِ وَأَعْهَدُ» ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّشَكِّي وَالتَّسَخُّطِ وَذَلِكَ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ، أَوْ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى يَسِيرِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي كَثِيرِهِ وَاسْتَكْثَرَ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَالِ لِلِابْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ وَمَا كَانَتْ جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَعُدُّ الْمَالَ لِلنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَعُدُّهُ لِلرِّجَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَكْثَرَ نِصْفَ مَالِهِ لَهَا وَرَأَى أَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ يَكْفِيهَا نِصْفُ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي يُرِيدُ مِنْ النِّسَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي أَنْ يُبَتِّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ الْمِقْدَارَ فِي وُجُوهِ بِرٍّ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ عَنْ الشَّطْرِ وَأَبَاحَ لَهُ الثُّلُثَ وَوَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ كَثِيرٌ مَا أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِنْ مَالِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ غَضَّ النَّاسُ إلَى الرُّبْعِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ» فَحُمِلَ قَوْلُهُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ عَلَى اسْتِكْثَارِ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالنَّدْبُ إلَى التَّقْصِيرِ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْصَى بِالرُّبْعِ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِالْخُمْسِ، وَقَالَ: رَضِيت فِي وَصِيَّتِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَبِيهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ» لِقَوْلِهِ «إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» فَثَبَتَ بِذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ فِي مَالِ الْمَرِيضِ بِمَنْعِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ لَهُ مَنْ يَعْقِلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ يَرِثُهُ بَنُوهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ جَازَ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَنْفِيذًا مِنْهُمْ لِفِعْلِ الْمُوصِي وَلَمْ يَكُنْ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ لِلْمُوصَى لَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوا فَقَدْ تَرَكُوا مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ لِفِعْلِ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوصِيَ وَبِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الثُّلُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ رَدَّهُ الْوَرَثَةُ رَدَّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُقُوقَهُمْ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَعَدَّوْهُ إلَى مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حُقُوقُهُمْ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثَيْ الْمَالِ بِمَرَضِ الْمُوصِي، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالثُّلُثِ الْبَاقِي بِمَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ دُونَ وَصِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُجْرِيه فِي وَجْهِهِ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيَدْفَعْ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَالِهِ وَلَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَالِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِهِ وَلَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِ الْبِرِّ فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ سَاغَ لِمَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لَهُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصِي قَدْ زَالَ عَنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ إلَى وَارِثٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دَفَعَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تَصَدَّقَ بِهِ عَمَّنْ صَارَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى نَصْرَانِيٌّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُدْفَعُ إلَى أَسَاقِفَتِهِمْ ثُلُثُ مَالِهِ وَثُلُثَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَإِنَّ مَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ فِي تَرِكَتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ النَّاظِرِ فِي الْكَنِيسَةِ فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ دُونَ إذْنِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَ. 1 - (فَصْلٌ) : فَإِنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي عَلَى إبْتَالِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ فِي الثُّلُثِ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرٌ وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبْتِلَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ثُلُثَهُ بِصَدَقَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ مُرَاعَاةً، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ وَإِلَّا رَدَّ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَبْضُ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، وَشَدَّدَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا بَلْ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ إذَا قُبِضَتْ الْهِبَةُ، أَوْ الصَّدَقَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ سَعْدِ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، ثُمَّ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي رَدِّ مَا ادَّعَوْهُ، وَدَلِيلٌ ثَانٍ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الَّذِي «أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَدَّ أَرْبَعَةً» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ يَلْحَقُ الْمَرِيضَ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْحَجْرِ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ فِي الْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ وَالتَّدَاوِي وَالْعِلَاجِ وَشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَيُمْنَعُ مِنْ السَّرَفِ وَمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ مَالٍ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ يَسْتَفِيدُهُ أَوْ وَرَثَتُهُ فَكَانَ فِي مَعْنَى إضَاعَتِهِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِقْدَارِهِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ، أَوْ ضَرَرٌ بِالْوَرَثَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَهِبَتُهُ لِلثَّوَابِ كَبَيْعِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا بَاعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ فَوَضَعَ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ جَازَ مِنْهَا قَدْرَ الثُّلُثِ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي سِلْعَةٍ ثُمَّ أَقَالَ مِنْهَا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ غَيْرَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مُحَابَاةٌ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ. وَقَالَ عِيسَى: يَمْضِي لَهُ مِنْهُ مَا لَا مُحَابَاةَ فِيهِ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِي بَاقِيه فَإِمَّا سَلَّمُوهُ، وَإِمَّا قَطَعُوهُ بِثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فِي بَاقِي الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تَعُودُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ مُحَابَاتَهُ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَصَدَ إلَى بَيَانِ مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَبَعْضَهُمْ قَصْد إلَى صِفَةِ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قَالَ الْمُبْتَاعُ أَنَا أَدْفَعُ بَقِيَّةَ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَآخُذُهُ فَقَدْ قَالَ عِيسَى وَأَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ عِيسَى وَلَا لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُلْزِمُوهُ ذَلِكَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَخْذَ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا يَوْمَ يَمُوتُ الْبَائِعُ، قَالَهُ أَصْبَغُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ وَارِثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِيمَةُ، أَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّمَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ وَرِقًا بِذَهَبٍ فَحَابَى فِي ذَلِكَ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ مُحَابَاةٌ، أَوْ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ، قَالَهُ أَصْبَغُ قِيلَ: قَدْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ حَرَامٌ لِلتَّأْخِيرِ، قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ إلَّا حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْخِيرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ فَهُوَ جَائِزٌ حَتَّى يَرُدَّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَتَزَوَّجَ الِابْنُ لِذَلِكَ وَدَخَلَ، أَوْ زَوَّجَهُ هُوَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى الْوَرَثَةِ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَتَتْبَعُهُ الزَّوْجَةُ بِالْمَهْرِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا هِبَةٌ فِي الْمَرَضِ فَلَا تَفُوتُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا لَهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِسَعْدٍ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ لِغَيْرِهِ دُونَهُ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَقَاءَ وَرَثَتِهِ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَهَذَا الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ فَمَا مِنْ أَحَدٍ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا يُرِيدُ الْخَيْرَ وَالْخَصْبَ لِذُرِّيَّتِهِ وَرُبَّمَا آثَرَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَأَكْثَرُ لِأَجْرِهِ أَمَّا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَنَاتِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْبَنِينَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ صِلَةَ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ صِلَةِ مَنْ بَعُدَ مِنْهُ وَأَعْظَمُ لِأَجْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] وَقَوْلُهُ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: 36] فَقَدَّمَ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ ذَا الْقُرْبَى وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ تَعَلُّقًا مَنَعَ الْقَلِيلَ مِنْهُ فَخُيِّرَ لَهُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَنْ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى إتْلَافِهِ فَتَبْقَى الْوَرَثَةُ بَعْدَهُ فُقَرَاءَ عَالَةً، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَرَكَ غِنًى دُونَ مَنْ لَا يَتْرُكُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغِنَى فِيهِ خَيْرٌ، وَلَوْ كَانَ الْغِنَى شَرًّا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: " وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرَتْ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ إذَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَالتَّعَفُّفُ وَالتَّسَتُّرُ وَأَدَاءُ الْحَقِّ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَهْلِ وَعَوْنُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْخَيْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يُؤْجَرُ بِهَا الْمُنْفِقُ وَإِنْ كَانَ مَا يُطْعِمُهُ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْحَالِ أَنَّ إنْفَاقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْسَانِ عَلَى أَهْلِهِ لَا يُهْمِلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ وَلَا يَسْعَى إلَّا لَهُ مَعَ كَوْنِ الْكَثِيرِ مِنْهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَمَا يُنْفِقُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا يُؤْجَرُ فِيهِ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ التَّقَوِّيَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي " يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُخَلَّفَ بِمَكَّةَ بَعْدَ انْصِرَافِ أَصْحَابِهِ إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشْفَاقًا مِنْ بَقَائِهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا وَمَنْعِ الْمَرَضِ لَهُ عَنْ الرَّحِيلِ مَعَ أَصْحَابِهِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إلَيْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ قَبْلَ الْفَتْحِ يُرِيدُ لَا تُفْتَتَحُ الْهِجْرَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا مَنْ هَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ لَازِمٌ لَهُ إلَى أَنْ يُتَوَفَّى يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا بَعْدَ الصَّدْرِ فَعَلَى هَذَا مَنْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْهِجْرَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَلَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ أَقَامَ وَالنُّصْرَةُ لَهُ وَالْحِمَايَةُ، وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ قَبْلَ الْفَتْحِ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْحُكْمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّك لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إلَّا ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً " يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّك إنْ خُلِّفْت فَعَمِلْت عَمَلًا صَالِحًا ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ هَاهُنَا: " إنَّك لَنْ تُخَلَّفَ " وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَلَّفَ بِمَعْنَى أَنْ يُنْسَأَ فِي أَجْلِك فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا، وَالثَّانِي: أَنْ يُخَلَّفَ بِمَكَّةَ التَّخَلُّفَ الَّذِي أَشْفَقَ هُوَ مِنْهُ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ بَقَاءَهُ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا لِضَرُورَةِ الْمَرَضِ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْ هِجْرَتِهِ بَلْ مَا عَمِلَ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَكْتُوبَةٌ لَهُ يَزِيدُ فِي دَرَجَاتِهِ وَيَرْجِعُ مِيزَانُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا يُحْبَطُ مِنْ فَضْلِ الْهِجْرَةِ الْبَقَاءُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ دُونَ ضَرُورَةٍ إلَى الْمَوْتِ فِيهَا عَلَى قَوْلِ قَوْمٍ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِيهِ إخْبَارٌ لِسَعْدٍ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ بِمَكَّةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَزْدَادُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ دَرَجَةً وَرِفْعَةً عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِلَى أَنَّ مَنْ مَرِضَ بِمَكَّةَ وَهُوَ عَلَى حُكْمِ الْهِجْرَةِ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَكَانَ عَمَلُهُ بِمَكَّةَ لَا يُبْلِغُهُ دَرَجَةَ الْمُهَاجِرِينَ فَكَيْف أَنْ يَزْدَادَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: " لَعَلَّك أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ " التَّخَلُّفُ هَاهُنَا الْإِبْقَاءُ بَعْدَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا مَرَّ عَلَى الْعِرَاقِ فَأُتِيَ بِقَوْمٍ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَسَجَعُوا سَجْعَ الْكُهَّانِ فَاسْتَتَابَهُمْ فَأَتَى بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَضَرَّ أُولَئِكَ وَتَابَ بَعْضُهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى بَقَائِهِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى وَقْتِ وُلِّيَ أَمْرَ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا وَقَادَ الْجُيُوشَ فَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ اسْتَحَقَّ النَّفْعَ وَاسْتَضَرَّ بِهِ مَنْ اسْتَحَقَّ الضَّرَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى أَنَّهُ سَيَمْلِكُ أَنْ يَنْفَعَ وَيَضُرَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدُّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعَ الِاخْتِيَارِ بِمَكَّةَ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْهِجْرَةِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَقِبِ وَمُخَالَفَةِ مَا ابْتَدَأَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ تَوْفِيقَهُمْ وَعَوْنَهُمْ عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَدِينَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ مِنْ إمْضَاءِ الْهِجْرَةِ لَهُمْ وَتَصْحِيحُهَا فِي جَنْبَتِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَّفَ رَجُلًا عَلَى سَعْدٍ، وَقَالَ لَهُ إنْ مَاتَ بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنُهُ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ الْبَائِسُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّذِي يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَقَوْلُهُ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ مَاتَ بِمَكَّةَ ذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ

[الباب الأول في التحاصص بالوصايا عند ضيق الثلث مع تساويها في التقديم]

الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي التَّحَاصُصِ بِالْوَصَايَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي التَّقْدِيمِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَقُولُ غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَيُوجَدُ الْعَبْدُ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تُقَوَّمُ ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ يُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِثُلُثِهِ وَيُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ بِمَا قُوِّمَ لَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، أَوْ مِنْ إجَارَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ إجَارَةٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا عَاشَ عَتَقَ الْعَبْدُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ حَتَّى مَاتَ فَكَرِهَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَرَثَى لَهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ شَهِدَ بِدَارٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَكَّةَ وَمَاتَ بِهَا وَرَوَى ابْنُ بُكَيْر عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ، وَهَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَثَى لَهُ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِمَوْتِ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ تَأْثِيرًا فِي هِجْرَتِهِ وَثَلْمًا لَهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ اخْتَارَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ مَاتَ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَتَعَلُّقُ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ عَلَى أَنَّهُ قَلَّ مَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَلَعَلَّهُ قَدْ أُجِيبَتْ فِيهِمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي التَّحَاصُصِ بِالْوَصَايَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي التَّقْدِيمِ] (ش) : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ مَنَافِعَ فَصَحَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ كَالْعَرِيَّةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مَنَافِعُ فَصَحَّ بَدَلُهَا فَجَازَ لِمَنْ مَلَكَهَا أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَخْدُمُ غُلَامُهُ فُلَانًا مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ:. أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَصَايَا إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ وَتَسَاوَتْ فِي التَّأْكِيدِ وَقَعَتْ الْمُحَاصَّةُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَجَالِسَ شَتَّى. وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي أَخْذِ الْمُوصَى لَهُ مَا يُوجِبُ الْوَصِيَّةُ لَهُ عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ فِي عَيْنِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ. وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي الْمُحَاصَّةِ بِالتَّعْمِيرِ وَمُدَّةِ التَّعْمِيرِ. وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي تَبْدِئَةِ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي التَّحَاصُصِ بِالْوَصَايَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ مَعَ تَسَاوِيهَا فِي التَّقْدِيمِ) أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصَايَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ مِنْهَا مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْمَعَ مَعَ مَا يَثْبُتُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِهِ لَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: هُوَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقْتَضِي التَّفَاضُلَ فِي الْقِسْمَةِ كَمَا لَوْ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِذَلِكَ، وَهَذَا حُكْمُ الْفَرَائِضِ فِي الْعَوْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الثُّلُثَ سُدُسَانِ وَالنِّصْفَ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ خُمُسَا الثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَهَذَا حُكْمُ الْجَمِيعِ مَعَ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ فِي الْجَمِيعِ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ وَالثُّلُثَ الْمُنْفَرِدَ رَابِعٌ وَهُوَ رُبْعُ الْجَمِيعِ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ الَّذِي يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ إنْفَاذُهُ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَهُوَ سُدُسُ الْمَالِ فَإِنَّمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَاهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ اسْتَوْعَبَتْ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِالْعَبْدِ وَهُوَ سُدُسٌ وَالْوَصَايَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْجَوَازِ بِمَا أَمْكَنَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ فَوَجَبَ التَّحَاصُّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ مَيْمُونٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو وَلَمْ يَذْكُرْ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ دَارًا لَكَانَتْ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ مِنْهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ هُوَ لِلْآخَرِ وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوَصَايَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُحَاصَّةِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُقَدَّرَةٌ فِي الْمَالِ تَنْتَقِلُ عَنْ مَيِّتٍ إلَى مَالِكٍ دُونَ عِوَضٍ كَالْمَوَارِيثِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْعَوْلُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ رُجُوعٌ عَنْ الْأَوَّلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَبْدِي الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ هُوَ لِعَمْرٍو فَهَذَا رُجُوعٌ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْأَوَّلِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إذَا قَالَ عَبْدِي لِفُلَانٍ وَهُوَ لِفُلَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ رَدَّ الثَّانِي فَنَصِيبَهُ لِلْوَرَثَةِ فَأَمَّا قَوْلُهُ هُوَ لِفُلَانٍ وَهُوَ لِفُلَانٍ فَوَجْهُ التَّشْرِيكِ فِيهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عَبْدِي الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ هُوَ لِعَمْرٍو أَنَّهُ رُجُوعٌ. فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَبْدِي الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الْجَوَابُ وَجَوَابُهُ هُوَ لِعَمْرٍو، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا جَمِيعُ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ نَقْلَ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدِي مَيْمُونٌ لِعَمْرٍو، وَإِذَا قَالَ: عَبْدِي مَيْمُونٌ وَصِيَّةً لِزَيْدٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ عَبْدِي مَيْمُونٌ لِعَمْرٍو فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ مُسْتَقِلًّا بِخَبَرِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا يُفِيدُهُ الْآخِرُ فَوَجَبَ التَّشْرِيكُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ الْأَخِيرَةِ مَا يُنْقِصُ الْأُولَى فَهِيَ نَاقِصَةٌ لَهَا فَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ لَمَّا كَانَتْ عِنْدَهُ مُحْتَمِلَةً، أَوْ غَيْرَ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ الْبَيِّنُ عَنْ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَقُولَ هُوَ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو، أَوْ يَقُولَ قَدْ صَرَفْته مِنْ زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو فَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّصْرِيحِ بِصَرْفِهِ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بِهِ أَوَّلًا وَلَا اعْتِبَارَ بِالنَّصِّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ آخِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِوَارِثٍ مِنْ وَرَثَتِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ نَصِيبَ الْوَارِثِ رَجَعَ مِيرَاثًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ فِي وَجْهَيْنِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ التَّشْرِيكَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ نَصِيبَ الْوَارِثِ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لَهُمْ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ إذَا حَمَلَ الثُّلُثَ الْعَبْدُ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ مُقَدَّمٌ فِي الثُّلُثِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ لَهُ بِهَا مَا كَانَ يَصِيرُ لَهُ دُونَهَا فَلِذَلِكَ قُدِّمَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَيْهِ وَإِذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثٍ مِنْ جُمْلَةِ وَرَثَتِهِ كَانَ لِوَصِيَّةِ الْوَارِثِ تَأْثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دُونَهَا فَلَمْ يُقَدَّمْ الْأَجْنَبِيُّ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْعِتْقُ يَبْدَأُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِتْقَ مَبْدَأٌ قُدِّمَ، أَوْ أُخِّرَ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْعِ حُمِلَ عَلَى الرُّجُوعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ إذَا اجْتَمَعَتَا فِي عَيْنٍ قُدِّمَ الْعِتْقُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ وَصِيَّةٌ بِإِزَالَةِ مِلْكٍ وَالْوَصِيَّةَ بِتَمْلِيكِ الْعَبْدِ، وَصِيَّةٌ بِتَمْلِيكٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حِصَصَ التَّمْلِيكِ يُجْمَعُ بَيْنَهَا فِي الْمُحَاصَّةِ فِي التَّفْلِيسِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَصَايَا يُحَاصُّ بَيْنَهَا إذَا اُجْتُمِعَتْ فِي التَّمْلِيكِ وَلَا يُحَاصُّ بَيْنَهَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا بِعِتْقٍ وَبَعْضُهَا بِتَمْلِيكٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الِاشْتِرَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِعَبِيدٍ سَمَّاهُمْ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ بِبَيْعِ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يَسْأَلُ الْآمِرُ فَإِنْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ تُغَيَّرْ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَمْرُهُ بِبَيْعِ كُلِّ عَبْدٍ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ أَمَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِكُلِّ مَالِهِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ عَلَى رَجُلٍ لَكَانَ رُجُوعًا وَالصَّدَقَةُ أَثْبَتُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ لَكَانَ الْعِتْقُ أَوْلَى، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ اللَّفْظَ الْخَاصَّ وَاللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا تَعَارَضَا كَانَ اللَّفْظُ الْخَاصُّ أَوْلَى فِيمَا قَابَلَهُ مِنْ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْخَاصَّ يَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ تَحْتَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَاللَّفْظُ الْعَامُّ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى وَجْهٍ مُحْتَمِلٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ حُكْمَ اللَّفْظِ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُ ابْنُ وَهْبٍ أَجْرَى عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِنَا، وَهَذَا قَدْ ذَكَرْته فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ فِيهِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يُسَمِّيَ مَا أَلْزَمُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ، أَوْ قَالَ: بِيعُوهُ مِنْ عَمْرٍو فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ رُجُوعٌ قَالَ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَبْدِي لِزَيْدٍ وَبِيعُوهُ مِنْ عَمْرٍو وَلْيَبِعْ مِنْ عُمَرَ وَبِثُلُثَيْ ثَمَنِهِ وَيُعْطِي ذَلِكَ لِزَيْدٍ، وَجْهُ ذَلِكَ مَا مَضَى غَيْرَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِالْعَبْدِ لِزَيْدٍ ثُمَّ يُوصِي بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَوْ مِنْ عَمْرٍو وَبَيْنَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: بِيعُوهُ مِنْ عَمْرٍو، وَقَدْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ لِعَمْرٍو فَجَعَلَ لِلْوَصِيَّةِ بِالْبَيْعِ تَأْثِيرًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَتْ الْعِتْقَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلَا يَتَضَمَّنُهُ الْعِتْقُ بَلْ يُنَافِيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ خِدْمَتُهُ لِعَمْرٍو قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ هَذَا بِرُجُوعٍ وَالْغَلَّةُ وَالْخِدْمَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ اسْتَخْدَمَاهُ وَاسْتَغَلَّاهُ جَمِيعًا بِالسَّوَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثَ فَلِوَرَثَتِهِ إنْ تَحَرَّوْا أَنْ يُسَلِّمُوا إلَيْهِمَا ثُلُثَ الْمَيِّتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ فَلَمَّا آثَرَ مِنْهُ الْمُسَمَّى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبِلَفْظِ الِاسْتِيعَابِ سَاوَى الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ الْخِدْمَةِ فَيَتَسَاوَيَانِ فِي ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الْوَصِيَّتَيْنِ التَّشْرِيكَ مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنَافِ أَنْ تَكُونَ الْخِدْمَةُ بَيْنَهُمَا حُمِلَتْ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُوصِي بِرَقَبَتِهِ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُحَالٌ أَنْ تَبْقَى رُقْبَتُهُ لِزَيْدٍ مَعَ بَيْعِهِ مِنْ عَمْرٍو فَجَعَلَ عِنْدَ الشَّرِيكِ عَلَى مُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ أَنْ تُبَاعَ مِنْ عَمْرٍو وَيُصْرَفَ الثَّمَنُ إلَى زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ رَقَبَتِهِ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَمَّا وَصَّى بِبَيْعِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ رَدَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ بِهِ لِزَيْدٍ فَقَدْ أَبْقَى لَهُ ثَمَنَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَتَيْنِ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ أَوْصَى لِعَمْرٍو بِخِدْمَتِهِ سَنَةً أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي خِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ يَضْرِبُ صَاحِبُ السَّنَتَيْنِ بِسَهْمَيْنِ وَصَاحِبُ السَّنَةِ بِسَهْمٍ، وَلَوْ قَالَ: يَخْدُمُ زَيْدًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ يَخْدِمُ فُلَانًا سَنَتَيْنِ لَتَحَاصَّا فِي خِدْمَةِ السَّنَةِ لِزَيْدٍ ثُلُثُهَا وَلِعَمْرٍو ثُلُثَاهَا فَيَكُونُ حُرًّا قَالَهُ كُلُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ خِدْمَةَ سَنَتَيْنِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ سَنَةً قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَوْصَى بِخِدْمَةِ سَنَتَيْنِ فَسَلِمَتْ السَّنَةُ الْأُولَى مِنْ مُعَارَضَةِ الْعِتْقِ وَعَارَضَ الْعِتْقُ الْخِدْمَةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَقُدِّمَ الْعِتْقُ، وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ مَيْمُونٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو فَجَعَلَ ذَلِكَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَبْطُلُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِهِ بَاقٍ ثَابِتُ الْحُكْمِ فَلَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ رُجُوعًا عَنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ لَهُ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِوَاحِدٍ مُسَمًّى مِنْهُمْ لِعَمْرٍو فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثَ فَالْعَبْدَانِ لِزَيْدٍ وَالْعَبْدُ

[الباب الثاني في أخذ الموصى له ما توجب الوصية له عند ضيق الثلث في عين ما أوصي له به]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّالِثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرٍو بِنِصْفَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَقَعَ التَّشْرِيكُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا وَالْعَبْدَانِ سَلَمًا مِنْ ذَلِكَ فَسُلِّمَا لِمَنْ أَفْرَدَ بِهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَى خَالِدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِزَيْدٍ فَلْيَضْرِبْ فِيهَا زَيْدٌ بِمِائَةٍ وَعَمْرٍو بِخَمْسِينَ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْمِائَةُ مُعَيَّنَةً لِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ لَمْ تَتَعَدَّهَا الْوَصِيَّةُ وَلَمَّا أَوْصَى بِهَا لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو كَانَ كَأَنَّهُ أَوْصَى بِخَمْسِينَ مِنْهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ لَمَّا أَوْصَى لِزَيْدٍ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِمِائَةٍ بَعْدَ أَنْ أَوْصَى لَهُ بِخَمْسِينَ فَسَقَطَتْ الْخَمْسُونَ وَكَانَ لَهُ مِائَةٌ يَضْرِبُ بِهَا وَيَضْرِبُ عَمْرٌو بِخَمْسِينَ فَيَكُونُ لِزَيْدٍ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَلِعَمْرٍو ثُلُثُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ وَأَوْصَى لِآخَرَ بِدَنَانِيرَ مُسَمَّاةٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْوَصِيَّتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا: تَبْدِئَةُ الْجُزْءِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ: تَبْدِئَةُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْجُزْءِ، وَالثَّالِثَةُ: الْمُحَاصَّةُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْجُزْءَ آكِدٌ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ التَّسْمِيَةِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ فَتَلِفَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا إلَّا الْأَلْفَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثَهَا فَبَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ وَرَجَعَتْ إلَى حُكْمِ الْجُزْءِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ آكَدُ مِنْ الْجُزْءِ لِلنَّصِّ عَلَى قَدْرِهَا بِوَجْهٍ غَيْرِ مُحْتَمِلٍ، وَالْجُزْءُ لَا تَتَقَدَّرُ بِهِ الْوَصِيَّةُ إلَّا بِوَجْهٍ مُحْتَمِلٍ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُمَا جِهَتَانِ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِالْوَصِيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَرَجَعَ إلَى الْمُحَاصَّةِ، وَاسْتَدَلَّ سَحْنُونٌ عَلَى الْمُحَاصَّةِ أَنَّهُ قَدْ انْتَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ مِنْ صَاحِبِهِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْمُوصَى لَهُ مَا تُوجِبُ الْوَصِيَّةُ لَهُ عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ فِي عَيْنِ مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي أَخْذِ الْمُوصَى لَهُ مَا تُوجِبُ الْوَصِيَّةُ لَهُ عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ فِي عَيْنِ مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ عُرُوضًا كُلَّهَا، أَوْ عَيْنًا كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا عَيْنٌ وَبَعْضَهَا عَرْضٌ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عُرُوضًا كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا عَرْضٌ وَبَعْضَهَا عَيْنٌ فَأَوْصَى لَهُ بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِيمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِعَبْدٍ ثَمَنُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَلَهُ أَمْوَالٌ عَرِيضَةٌ فَقَالَ الْوَرَثَةُ لَا نُحِبُّ أَنْ نُخَلِّصَ لَهُ الْعَبْدَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ إلَّا فِيمَا لَا يَسَعُهُ ثُلُثُهُ، أَوْ يُشْكِلُ اتِّسَاعُهُ لَهُ فَيُخَيَّرُوا بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالْقَطْعِ بِثُلُثِ جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى بِالْعَبْدِ وَهُوَ دُونَ الثُّلُثِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِوَجْهِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُمْ بِتَعْيِينِهِ، أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ فَيَرُدُّ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى الثُّلُثِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ مَالِهِ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ. وَهَذَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ أَوَّلًا يَقْطَعُ فِيهِ بِثُلُثِ الْمَيِّتِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ كِنَانَةٍ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُقْطَعُ لَهُ بِالثُّلُثِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَرَوَى الْقَوْلَيْنِ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ عَالَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَإِذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ رُدَّتْ إلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مُعْظَمُ الْمَالِ غَائِبًا، أَوْ دَيْنًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: مَا احْتَجَّ بِهِ أَشْهَبُ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْلَعَ الثُّلُثَ لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُوصَى لَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ وَصِيَّتِهِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ فَلَا يَنْقُلُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى بِدَنَانِيرَ وَالتَّرِكَةُ كُلُّهَا عُرُوضٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ عُرُوضًا حَاضِرَةً وَأَوْصَى بِدَنَانِيرَ فَلَا يُنَاجِزُ فِيهَا وَتُبَاعُ عُرُوضُهُ وَتُعْطَى الدَّنَانِيرُ وَلَا يُخْلَعُ لَهُ الثُّلُثُ إنْ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهِ حَتَّى تُبَاعَ الْعُرُوض وَتُعْطَى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهَذَا كَالْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ لَا تَعْيِينَ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالْمَالِ الْغَائِبِ وَلِيُعَجِّلَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ فَإِذَا تَرَكَ مِائَةَ دِينَارٍ وَعُرُوضًا وَأَوْصَى بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَا يَنْتَظِرُ بَيْعَ ذَلِكَ وَتُعَجَّلُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ مِنْ الْمِائَةِ الْعَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مَا يُوجِبُ النَّقْلَ عَمَّا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَإِذَا أَخْرَجَ الثُّلُثَ صَاحِبُ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهِهِ فَلَا تَخْيِيرَ بِالْقَطْعِ بِالثُّلُثِ لِمَنْ أَبَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، أَوْ الْمُوصَى لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَنَانِيرُ وَعُرُوضٌ فَأَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَوْصَى بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يُخَلِّفْ عَيْنًا غَيْرَهَا وَلَهُ عُرُوضٌ وَسَرَارِي وَرَقِيقٌ وَدَوَابُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ حَاضِرَةً تُدْفَعُ إلَيْهِ الْعَشَرَةُ الدَّنَانِيرُ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْ الْعَيْنِ إلَّا خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لَأَخَذَهَا وَبِيعَ لَهُ بِخَمْسَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ مِنْ الْعَيْنِ مَا يُخْرِجُ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ، أَوْ الْقَطْعِ بِالثُّلُثِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْهِمْ بِالْعَيْنِ وَأَبْقَى الْعُرُوضَ وَالدَّيْنَ فَلَهُمْ الْخِيَارُ فِي خَلْعِ الثُّلُثِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِالْعَيْنِ تُنَفَّذُ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلْعَيْنِ مَزِيَّةً بِحُضُورِ مَنْفَعَةٍ، أَوْ عُمُومِهَا فِيهِ يَصِلُ إلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ سَاعَتِهِ وَسَائِرُ الْعُرُوضِ مَنْفَعَتُهَا خَاصَّةٌ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَنْفَعَتِهَا إلَى مَنْفَعَةٍ أُخْرَى لَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَتَيَسُّرِهِ بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي الِاسْتِبْدَادُ بِالْعَيْنِ وَكَانَ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَمَّا كَانَ لِلْعَيْنِ هَذَا الْحُكْمُ الْمُفْرَدُ صَارَ لَهُ حُكْمُ التَّرِكَةِ الْمُفْرَدَةِ فُرُوعِي ثُلُثُهُ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَبَى الْوَرَثَةُ مِنْ الْإِجَازَةِ تَنَقَّلَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَارٍ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِحَائِطٍ فَكَانَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّهُ يُعْطِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا تُخْرِجُ لَهُ الْمُحَاصَّةُ فِي الْعَيْنِ الَّتِي سُمِّيَتْ لَهُ فَلَوْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ آخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ لَقَطَعَ لَهُمْ بِالثُّلُثِ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ دُونَ مَا سُمِّيَ لَهُمْ قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ عَالَتْ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِ ذَلِكَ، أَوْ بَعْضِهِ لِسَبَبِ الْعِتْقِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنَّهَا تَرِكَةٌ لَا عَيْنَ فِيهَا فَلَمَّا اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ أَجْلِ الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَقَعَتْ الْمُحَاصَّةُ بَيْنَ صَاحِبِ الْعَيْنِ وَأَصْحَابِ الْأَعْيَانِ وَنُقِلَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ لَمَّا اُجْتُمِعَ فِيهَا عَيْنٌ، أَوْ أَعْيَانٌ وَهِيَ كُلُّهَا عُرُوضٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ حَاضِرَةً فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، أَوْ دَيْنًا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَشْهَبَ فِيمَنْ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِزَيْدٍ وَبِهَذَا الْفَرَسِ بِعَيْنِهِ لِعَمْرٍو وَهُمَا حَاضِرَانِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْ ثُلُثِ مَا حَضَرَ مَضَى ذَلِكَ وَإِلَّا نَفَذَ مِنْهُمَا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَاضِرِ فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْحَاضِرِ ثَلَاثَمِائَةٍ الْفَرَسُ مِائَةٌ وَالْعَبْدُ مِائَةٌ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَخُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُمَا النِّصْفَ الثَّانِيَ، أَوْ يُعْطُوهُمَا ثُلُثَ الْمَالِ الْغَائِبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَدْ قِيلَ هَذَا وَنَحْنُ نَسْتَحْسِنُ إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُمَا فِيمَا حَضَرَ وَغَابَ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا تُنْقَلُ الْوَصِيَّةُ إلَى الثُّلُثِ مَعَ احْتِمَالِ الثُّلُثِ لَهَا وَإِنْ نَقَلَتْ غَيْبَةُ الْمَالِ اسْتِيعَابَ الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا، وَإِنَّمَا يُنْقَلُ إلَى اسْتِيعَابِ الْوَصِيَّةِ فِيهَا أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ كُلِّهَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ اسْتِيعَابَ الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا نَقَلَ إلَى الثُّلُثِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا مَالًا غَائِبًا، أَوْ دُيُونًا فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يُعَجِّلُوهَا لَهُ، وَقَالَ الْوَرَثَةُ نَتَقَاضَى وَنُعْطِيك فَلْيُخَيَّرْ الْوَرَثَةُ فَإِمَّا عَجَّلُوا لَهُ الْعَشَرَةَ، أَوْ يَقْطَعُوا لَهُ بِالثُّلُثِ فَيَتَقَاضَى لِنَفْسِهِ وَيَنْتَظِرُ مَا غَابَ فَجَعَلَ تَغَيُّبَ الْمَالِ وَالدَّيْنِ يَنْقُلُ إلَى الثُّلُثِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعِشْرِينَ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَلَيْسَ فِي تَرِكَتِهِ حَاضِرٌ إلَّا مِائَةُ دِينَارٍ وَسَائِرُهُ غَائِبٌ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْا الْمِائَةَ الْحَاضِرَةَ وَأَتَمُّوا لَهُ مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ وَصِيَّتَهُ وَإِلَّا أَعْطَوْا لَهُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ حَاضِرَهَا وَغَائِبَهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ

[الباب الثالث في المحاصة بالتعمير ومدته]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ لَا تَخْرُجُ مِنْ حَاضِرِ مَالِهِ وَلَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ سَوَاءٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْصَى بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِمَّا حَضَرَ، وَإِنَّمَا اتَّبَعَهُمْ فِيهِ وَرَأَى فِي الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ مُعَيَّنَةً وَلَمْ يَحْمِلْهَا الثُّلُثُ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَلْيُعْطَ الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِ مَالِكٍ الْآخَرِ أَنَّهُ يُحْمَلُ مَحْمَلَ الثُّلُثِ فِي الدَّارِ قَالَ أَصْبَغُ: وَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِدَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَهِيَ جَارِيَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى مَا شَرَطَ وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ مَا حَضَرَ وَنَضَّ ثُلُثُهُ وَمِنْ ثَمَنِ مَا بِيعَ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يُعْجِبُنَا قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَالِكٍ التَّعْجِيلُ أَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْمِائَةِ فَلَمْ يُنَفِّذْ لَهُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُمْ الْخُرُوجُ مِنْ الثُّلُثِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا أَوْصَى بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَدَعْ عَيْنًا غَيْرَهَا وَلَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ وَالْأَجَلُ الْبَطِيءُ بَيْعُهُ وَالدَّيْنُ الْمُغَيَّبُ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَدْفَعُوا الْعَشَرَةَ، أَوْ يُعْطُوا ثُلُثَ الْجَمِيعِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا ثَلَاثَ دُورٍ وَأَرْضًا وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَنْ يُعْطُوهَا إيَّاهُ، أَوْ يَقْطَعُوا لَهُ ثُلُثَ الْمَيِّتِ وَلَا يَبِيعَ السُّلْطَانُ مِنْ دُورِهِ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِيهِ وَفِي الْمَالِ الْغَائِبِ وَالْمُفْتَرِقِ فَعَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي النَّاقِلَةِ مَعَ احْتِمَالِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ الْوَصِيَّةُ أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا كَوْنُ الْمَالِ غَائِبًا، أَوْ دَيْنًا وَمَعْنًى ثَالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ عَيْنًا وَبَاقِي الْمَالِ عَرَضًا وَمَعْنًى رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ عَيْنًا مُعَيَّنًا وَبَاقِي الْوَصِيَّةِ أَصْلًا يُنْتَظَرُ بَيْعُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ وَثَمَرَةٌ صَغِيرَةٌ وَأَوْصَى بِوَصَايَا يَضِيقُ عَنْهَا الثُّلُثُ وَتَرَكَ رَقِيقًا فَإِنْ كَانَتْ الْوَصَايَا بِمَالٍ فَلْيَبِعْ الرَّقِيقَ وَلَا يُوقِفُ وَيُعْطِي لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَا نَضَّ فَإِذَا حَانَ بَيْعُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ بِيعَ فَأَخَذُوا ثُلُثَ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْوَصَايَا عِتْقٌ فَأَوْصَى بِبَعْضِ الرَّقِيقِ لِأَحَدٍ فَلَا يُبَاعُ مَنْ فِيهِ وَصِيَّةٌ وَيُوقَفُ، فَإِذَا حَلَّ بَيْعُ الزَّرْعِ بِيعَ وَلَا يُقْسَمُ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ ثُلُثٌ وَلَا غَيْرُهُ حَتَّى يُبَاعَ الزَّرْعُ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَيُقَسِّمُونَ بَقِيَّةَ الْمَالِ وَيَبْقَى لَهُمْ الزَّرْعُ وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ جَمِيعِ الرَّقِيقِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُ الزَّرْعِ فَيُبَاعُ وَيُعْتَقُ مِنْهُمْ مَحْمَلُ الثُّلُثِ، رَوَاهُ عِيسَى وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ يَطُولَ أَمَدُ الزَّرْعِ فِي أَوَّلِ مَا يَبْذُرُهُ وَيَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْأَشْهُرَ الْكَثِيرَةُ وَفِي ذَلِكَ عَطَبُ الْحَيَوَانِ وَالضَّرَرُ عَلَى الْعَبِيدِ فَلْيَعْتِقْ مِنْهُمْ مَا حَضَرَ وَيُرْجَأُ الزَّرْعُ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْحَاضِرِ أَنَّهُ يُوقَفُ الْعَبْدُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمَالُ فَيُعْتَقُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْيَسِيرَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ بَلْ يُعَجِّلُ مِنْ عِتْقِ الْعَبْدِ مَا حِمْلُهُ ثُلُثُ الْحَاضِرِ، وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ وَكُلَّمَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ زِيدَ فِيهِ عِتْقُ ثُلُثِ ذَلِكَ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ، أَوْ يُؤَيَّسَ مِنْ الْمَالِ وَلَا يُوقَفُ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِاجْتِمَاعِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ قَالَ سَحْنُونٌ لَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ لَأَخَذَ الْمَيِّتُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى ثُلُثَ الْحَاضِرِ فَصَارَ بَاقِي الْعَبْدِ مَوْقُوفًا عَلَى الْوَرَثَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِدَنَانِيرَ وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ حَاضِرَةٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَصْبِرُ حَتَّى تُبَاعَ الْعُرُوض وَيُعْطَى، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ لَمْ يُعَجِّلْ حَتَّى يَعْرِفَ الْوَرَثَةُ تَجْهِيلَ الْمَالِ بِالْقِيمَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لِيُعْرَفَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ تُبَاعُ لَهُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرَرٌ فَيُؤَخَّرُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمُحَاصَّةِ بِالتَّعْمِيرِ وَمُدَّتِهِ] 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمُحَاصَّةِ بِالتَّعْمِيرِ وَمُدَّتِهِ) قَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَبِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِعَمْرٍو مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَالْعَبْدُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تُقَوَّمُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ أَقَلَّ الْعُمْرَيْنِ عَلَى غَرَرِهِمَا غَيْرَ مَضْمُونَةٍ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَا جَعَلَ لَهُ مِنْ التَّعْمِيرِ فَمَا صَارَ لَهُ حَاصَّ بِهِ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِمُنْتَهَى الثُّلُثِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ، أَوْ إجَارَتِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَتَقَ الْعَبْدُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُعْتَقُ ثُلُثُ الْعَبْدِ وَتَبْطُلُ الْخِدْمَةُ، قَالَ أَشْهَبُ كُنْت أَقُولُ يَخْدِمُ بِثُلُثِهِ فُلَانًا سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ ثُلُثَ الْمَيِّتِ ثُمَّ رَأَيْت أَنْ يَبْدَأَ الْعِتْقُ عَلَى الْخِدْمَةِ لَمَّا حَالَتْ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أُعْتِقَ جَمِيعُهُ لَزِمَتْهُ الْخِدْمَةُ فَإِذَا عَتَقَ ثُلُثُهُ أَيْضًا لَمْ تُخْرِجْهُ الْخِدْمَةُ عَمَّا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَلَا يَزِيدُهُ فِي الْعِتْقِ إسْقَاطُ الْخِدْمَةِ فَلَزِمَتْ الْخِدْمَةُ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الثُّلُثَ إذَا ضَاقَ عَنْ الْوَصَايَا قُدِّمَ الْعِتْقُ الْمُعَيَّنُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْوَصَايَا وَإِذَا لَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا ثُلُثُهُ فَلَمْ يَمْنَعْ ضِيقُ الثُّلُثِ نُفُوذَ الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ إنْفَاذَ عِتْقِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِإِبْطَالِ الْخِدْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قَدَّمَ التَّعْمِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ عُمْرَهُ، أَوْ بِالنَّفَقَةِ عُمْرَهُ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا يَعْمُرُونَ سَبْعِينَ سَنَةً، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةٍ عَنْ مَالِكٍ ثَمَانِينَ سَنَةً وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ تِسْعِينَ سَنَةً وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُعَمِّرُ أَعْمَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ التَّعْمِيرُ فِي الْمَفْقُودِ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى الْمِائَةِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالْمِائَةُ كَثِيرٌ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ السَّبْعِينَ هِيَ نِهَايَةُ الْعُمْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ النَّادِرُ وَلَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ يَعْمُرُ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعِيَ حَقَّ الْجَانِبَيْنِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالثَّمَانِينَ أَنَّهُ عُمْرٌ قَدْ يَبْلُغُ مَعَ الصِّحَّةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ وَشَذَّتْ فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ فَكَانَ حُكْمُ التَّعْمِيرِ أَوْلَى بِالثَّمَانِينَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْمِائَةِ أَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْحَيَاةِ غَابَ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ إلَّا بِالْيَقِينِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ أَحَدٌ فِي زَمَانِنَا وَهِيَ الْمِائَةُ، وَإِنْ أَدَّى بُلُوغُهُ لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، أَوْ يَشِذُّ شُذُوذًا لَا يُرْجَى لِأَحَدٍ مِثْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَفْقُودِ مِنْ ذِكْرِ التَّعْمِيرِ إذَا أُضِيفَ إلَى هَذَا بَلَغَ مِنْهُ الْمَقْصُودُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَحُكْمُ التَّعْمِيرِ أَنْ يَنْظُرَ كَمْ مَضَى مِنْ عُمْرِهِ إلَى يَوْمِ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيَنْظُرَ كَمْ بَقِيَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ التَّعْمِيرِ فَيُحَاصُّ بِمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى أَهْلُ الْوَصَايَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يُعْطِيه وَلَا كَمْ يُوقَفُ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ، وَلَوْ أَوْقَفْنَا لَهُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ لَأَضْرَرْنَا بِالْوَرَثَةِ وَأَهْلِ الْوَصَايَا، وَلَوْ دَفَعْنَا جَمِيعَهَا إلَى الْوَرَثَةِ وَأَهْلِ الْوَصَايَا لَقَطَعْنَا حَقَّهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَأَبْطَلْنَا مُرَادَ الْمُوصَى مِنْهَا مَعَ جَوَازِهَا فَلَمْ يَكُنْ يُؤْمَنُ التَّعْمِيرَ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَإِيصَالِ الْوَرَثَةِ وَأَهْلِ الْوَصَايَا إلَى حُقُوقِهِمْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ، أَوْ الْخِدْمَةِ عُمْرَهُ فَعَمَّرَ وَحَاصَّ أَهْلَ الْوَصَايَا بِذَلِكَ فَهَلْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَا أَصَابَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ يُوقَفُ لَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ يُوقَفُ لَهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الَّذِي لِكَوْنِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حَيًّا، وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَتْلَفَ مَا خَرَجَ لَهُ التَّعْمِيرُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ زَادَ عُمْرُهُ عَلَى مَا عَمَّرَ، أَوْ قَصُرَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا بَقِيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عُمْرِهِ رَدَّ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا يَتَحَاصُّونَ

[الباب الرابع في تبدئة بعض الوصايا على بعض]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ ثُمَّ إنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ تَمَامِ وَصَايَاهُمْ رَجَعَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ فَنِيَ مَا أَصَابَهُ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَهْلِ الْوَصَايَا بِشَيْءٍ وَلَمْ يُؤْتَنَفْ لَهُ تَعْمِيرٌ وَهُوَ كَحُكْمٍ مَضَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يُؤْتَنَفَ التَّعْمِيرُ وَيَرْجِعَ عَلَى أَهْلِ الْوَصَايَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَعْتَدِلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْوَصَايَا مَا فَضَلَ عَنْهُ مَعَ قَوْلِهِ إنْ فَنِيَ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ وَلَا أُرَاهُ كُلَّهُ إلَّا مِنْ قَوْلِ أَصْبَغَ: وَمَا أَصَابَهُ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لَا مَرْجِعَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إلَى هَذَا رَجَعَ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِي ائْتِنَافِ التَّعْمِيرِ فِي فِنَاءِ مَا أَعْطَى قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْنَى هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَقُولُ. [الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْدِئَةِ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ] 1 قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا: لَا يُنْظَرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ الْمَيِّتُ بِالذِّكْرِ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِالْأَوْكَدِ فَالْأَوْكَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَيَبْدَأُ عَلَى مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْهُ وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا يُنْظَرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ الْمَيِّتُ فِي الذِّكْرِ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَأَمَّا مَا لَا يَرْجِعُ عَنْهُ مِنْ عِتْقٍ بُتِلَ فِي مَرَضِهِ وَعَطِيَّةٍ بُتِلَتْ وَتَدْبِيرٍ فِيهِ فَلَا يُبْدَأُ بِالْأَوْكَدِ وَلَكِنْ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُدَبَّرَ فِي الصِّحَّةِ عَلَى صَدَاقِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ مُدَبَّرَ الصِّحَّةِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَلْزَمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ فِي الْعَطِيَّةِ الْبَتْلَةُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ الْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ عَلَى وَصِيَّتِهِ فِي الصِّحَّةِ بِعِتْقٍ عَنْ قَتْلٍ خَطَأٍ، أَوْ ظِهَارٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا يَلْزَمُهُ فَتَتَعَيَّنُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مُدَبَّرَ الصِّحَّةِ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِأَثَرِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الْكَفَّارَاتِ وَبِالزَّكَاةِ وَقَالَ زِيدُوا عَلَى ذَلِكَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ لَنُدِبَتْ قَالَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ فَذَهَبَ فِي اللُّزُومِ وَمَنْعِ التَّبْدِئَةِ إلَى مَا بُتِلَ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ عَطِيَّةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ يُمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَرَطَ التَّبْدِئَةَ فِي تَدْبِيرِ الْمَرَضِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ سَوَاءٌ وَلَا يَكَادُ يَتَحَصَّلُ لَهُ أَصْلٌ إلَّا عَلَى ضَعْفٍ وَهَذِهِ الزَّكَاةُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ قَبْلَ عِتْقٍ بَتْلٍ أَوْ مَعَهُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَأَمَّا إنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِزَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ الزَّكَاةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عِتْقِ الْبَتْلِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ وَفَسَّرَهُ سَحْنُونٌ فَقَالَ هَذَا إنْ كَانَتْ الْوَصَايَا مَعًا، أَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالزَّكَاةِ قَبْلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ بَرِئَ الْمَرِيضُ فَدَبَّرَ عَبْدًا ثُمَّ بَتَلَ عِتْقَ آخَرَ بُدِئَ بِالتَّدْبِيرِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْعِتْقِ لَبُدِئَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ مَا لَا يَرْجِعُ فِيهِ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْمَوْتِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَجَعَلَ التَّقْدِيمَ فِي الْمَرَضِ وَجْهًا مِنْ التَّرْتِيبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا كَانَ التَّدْبِيرُ مَعَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ التَّدْبِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَاتُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ قَالَ هُوَ وَالْمُغِيرَةُ وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَوْصَى بِزَكَاةٍ وَكَفَّارَاتِ أَيْمَانٍ قَدَّمَ الْمُدَبَّرَ فَرَاعَى التَّقْدِيمَ فِي الْوَصِيَّةِ بِاللَّازِمِ، وَإِنَّمَا رَاعَى التَّأْكِيدَ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ وَمَا كَانَ فِي حُكْمِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يُبْدَأُ بِهِ مِمَّا يَكُونُ فِي الثُّلُثِ فَقَالَ الْعُتْبِيُّ وَابْنُ الْمَوَّازِ يَبْدَأُ بِصَدَاقِ الْمَرِيضِ، قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ وَفِي تَدْبِيرِ الصِّحَّةِ فَقَدَّمَ الْمُدَبَّرَ مَرَّةً قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الْعُتْبِيُّ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدَّمَ الصَّدَاقَ أُخْرَى وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا بِالْمُحَاصَّةِ، فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي كَوْنِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ كَالْجِنَايَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ صَحَّ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ صَارَ كَالدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَرَأْسِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ أَمْرٌ لَزِمَ فِي الصِّحَّةِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِي الْمَرَضِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِتْقِ الْبَتْلُ فِي الْمَرَضِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ فَلَا خِلَافَ فِي تَقْدِيمِهِمَا عَلَى كُلِّ مَا يَكُونُ فِي الثُّلُثِ إلَّا مَا قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ مُقَدَّمَانِ عَلَى التَّدْبِيرِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ التَّدْبِيرَ أَمْرٌ لَازِمٌ حَالَ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعِتْقِ وَلِلْعِتْقِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَازِمَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ بِالشَّرْعِ فَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى مَا يَلْتَزِمُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ تَقْدِيمُ الصَّدَاقِ وَالْمُدَبَّرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَلِيهِمَا الْوَصِيَّةُ بِمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ الزَّكَاةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى كُلِّ كَفَّارَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْتَالٍ فِي الْمَرَضِ وَوَصِيَّتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِهَا وَرَوَى الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْعِتْقَ يُرِيدُ الْمُعَيَّنَ يُقَدَّمُ عَلَى الزَّكَاةِ وَالزَّكَاةُ تُقَدَّمُ عَلَى الصَّدَقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيْنَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا بِزَكَاتِهِ لِعَامَّةٍ، أَوْ لِعَامٍّ فَارِطٍ وَزَكَاةِ فِطْرِهِ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ وَمَا بَتَلَ فِي مَرَضِهِ مِنْ عَطِيَّةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ أَصْدَقَ عَمَّنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ فَذَلِكَ مَبْدَأٌ عَلَى الزَّكَاةِ يُوصِي بِهِمَا مِمَّا قَدْ فَرَّطَ فِيهِمَا وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَصَايَا، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُفَرَّطِ فِيهَا إذَا أَوْصَى بِهَا فَهَذِهِ الْوَاجِبَاتُ كُلُّهَا لَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَتُقَدَّمُ هِيَ عَلَى الْوَصَايَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الزَّكَاةَ إقْرَارٌ بِأَمْرٍ مُقَدَّمٍ وُجُوبَهُ بِالشَّرْعِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ وَعَلَى مَا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ كَالصَّلَوَاتِ وَالصَّوْمِ مَا وَجَبَ مِنْهَا بِالشَّرْعِ آكَدُ مِمَّا أَوْجَبَهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْمُبْتَلَى فِي الْمَرَضِ يُقْدِمُ عَلَى الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَالَ لَمْ تَكُنْ عَلَى زَكَاةٍ وَقَالَهُ كُلَّهُ فَقَدْ كُنْت أَقُولُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَوْصَى بِالزَّكَاةِ حَالَ مَرَضِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَكِنَّهُ عَلَّلَ بِمَا قَدَّمَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي ضَعْفَهَا عِنْدَهُ لَمَّا كَانَتْ مَصْرُوفَةً إلَى أَمَانَتِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ تَتَسَاوَى الْوَصِيَّةُ بِهَا حَالَ الصِّحَّةِ وَحَالَ الْمَرَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ زَكَاةُ الْمَالِ وَالْحَبِّ وَالْمَاشِيَةِ سَوَاءٌ يُحَاصُّ بَيْنَهُمَا عِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ وَيَبْدَأُ ذَلِكَ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ تَبْدَأُ زَكَاةُ الْمَالِ ثُمَّ زَكَاةُ الْفِطْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ وَزَكَاةَ الْفِطْرِ سَوَاءٌ وَجْهُ قَوْلِنَا بِتَقْدِيمِ زَكَاةِ الْمَالِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَكَانَتْ أَقْوَى مِمَّا ثَبَتَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا زَكَاتَانِ وَاجِبَتَانِ فَلَمْ تُقَدَّمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَزَكَاةِ الْعَيْنِ وَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ثُمَّ بَعْدَهَا عِتْقُ الظِّهَارِ وَعِتْقُ الْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ وَجْهُ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَيْهَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ وُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّ لِهَذَا الْعِتْقِ بُدٌّ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَا بَدَلَ لِلزَّكَاةِ فَكَانَتْ آكَدُ، وَهَذَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْعَمْدِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُقَدَّمَةٌ إذْ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْعَمْدِ وَسَيَرِدُ بَيَانُ نَفْيِ وُجُوبِهَا فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ الْعِتْقِ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُعْتَقُ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَيُطْعَمُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ نَفَّذَ ذَلِكَ إذْ لَا إطْعَامَ فِي الْقَتْلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْرَجَهَا وَرَثَتُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءُوا. وَقَالَ أَصْبَغُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْقَتْلِ لَعَلَّهُ يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ فَيُطْعِمُ عَنْهُ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ فَعَنْ أَيِّهِمَا شَاءُوا، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ رِوَايَةِ الْقُرْعَةِ وَغَيْرُ رِوَايَةِ الْمُحَاصَّةِ وَهِيَ رِوَايَةُ تَخْيِيرِ الْمُنَفِّذِ لِلْوَصِيَّةِ فِي أَنْ يُخْرِجَ الرَّقَبَةَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءُوا، وَأَمَّا قَوْلُهُ يُطْعِمُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَدْ قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيمِ عِتْقِ الْقَتْلِ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلظِّهَارِ مَا يُطْعِمُ عَنْهُ أَطْعَمَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَنْتَقِلَ الْفَرْضُ إلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الصِّيَامِ وَالْعِتْقِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ عَنْ ظِهَارٍ فَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَهُ أَطْعَمَ عَنْهُ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ثُمَّ الْكَفَّارَاتُ يَبْدَأُ مِنْهَا مَا فِيهِ عِتْقٌ عَلَى الطَّعَامِ ثُمَّ إطْعَامُ الظِّهَارِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا إذَا انْتَقَلَتْ إلَى الطَّعَامِ لِنَقْصِ حِصَّتِهَا مِنْ الثُّلُثِ عَنْ الْعِتْقِ نَقَصَتْ رُتْبَتُهَا عَنْ رُتْبَةِ مَا لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ. 1 - (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إطْعَامُ السِّتِّينَ أَطْعَمَ مَا بَلَغَ وَإِنْ زَادَ عَلَى السِّتِّينَ أُعِينَ بِهِ فِي رَقَبَةٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْ فِي كَفَّارَةٍ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ وَقَدْ صَارَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ أَكْثَرُ مِنْ السِّتِّينَ كَانَ اسْتِيعَابُ ذَلِكَ أَوْلَى وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعَوْنِ فِي رَقَبَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ أَنْ لَا تَبْطُلَ بِالتَّبْعِيضِ وَقِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُوصِ إلَّا بِكَفَّارَةِ قَتْلٍ فَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا أَيَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ: يُعَانُ بِهَا فِي رَقَبَةٍ قَالَ عِيسَى قَالَ أَصْبَغُ يُعَانُ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ الْمُحَاصَّةِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّحَاصُصِ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا وَقَعَ لِلظِّهَارِ أُطْعِمَ بِهِ وَمَا وَقَعَ لِلْقَتْلِ أُعِينَ بِهِ فِي رَقَبَةٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْمُحَاصَّةِ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقَسِّمُ مَا أَصَابَ الرَّقَبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ ابْتَدَأَ بِالْقَتْلِ، وَقَالَ يُحَاصُّ بَيْنَهُمَا وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ثُمَّ إطْعَامُ الظِّهَارِ ثُمَّ كَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِمَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهَا أَثْبَتُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَكَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلِلْعِتْقِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ فَمَا كَانَ حُكْمُ الْعِتْقِ فِيهِ أَثْبَتُ كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ. (فَرْعٌ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْدَأُ بِكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فِيمَا عُلِمَ فَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِهَا تَنَحِّيًا، أَوْ تَحَرُّجًا فَلَا تَبْدَأُ هَذِهِ وَهِيَ كَالْوَصَايَا بِالصَّدَقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : ثُمَّ كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَكَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ثَابِتَةٌ بِخَبَرِ آحَادٍ. (مَسْأَلَةٌ) : ثُمَّ كَفَّارَةُ التَّفْرِيطِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَكَفَّارَةُ التَّفْرِيطِ ثَابِتَةٌ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا: إنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَحَاصَّا. وَقَدْ رَأَيْت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْحَقِّ ذَكَرَ تَأْثِيرَ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَالنَّذْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةَ تَفْرِيطِ الْقَضَاءِ وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا فَقَالَ يَتَحَاصَّانِ. وَقَالَ يَبْدَأُ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ إذْ لِلْكَفَّارَةِ لِلظِّهَارِ بَدَلٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ بِالْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بَعْدَ عِتْقِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ ثُمَّ الْعِتْقِ الْبَتْلُ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرُ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: ثُمَّ الْكَفَّارَاتُ، وَيَبْدَأُ مِنْهَا بِمَا فِيهِ عِتْقٌ ثُمَّ الْإِطْعَامُ ثُمَّ كَفَّارَاتُ الْأَيْمَانِ وَهُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي أَوْرَدَهُ عِنْدَ الِاسْتِيعَابِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا عَلَيْهِ مَا يُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا أُمُورٌ لَازِمَةٌ لِأَسْبَابٍ مُوجِبَةٍ وَوُجِدَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي الْمَرَضِ وَالْمُبْتَلَّ فِيهِ يَبْدَأُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي غَيْرِ الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ الْمُبْتَلُّ فِي الْمَرَضِ يَبْدَأُ عَلَى الْمُدَبَّرِ فِيهِ وَالْمُدَبَّرُ فِيهِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ يَتَحَاصَّانِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُوصَى بِعِتْقٍ وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُبْتَلِّ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُمَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَبِذَلِكَ فَارَقَا الْمُوصَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعِتْقِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِإِفَاقَةِ الْمُوصِي وَالْمُبَتِّلِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ بِإِفَاقَتِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَبْدَأُ بَتْلُ الْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَأْسِ الْمَالِ بِالْإِفَاقَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَبْدِئَةِ الْعِتْقِ الْبَتْلِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ فَقَالَ يَبْدَأُ الْبَتْلُ وَالْمُدَبَّرُ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يَتَحَاصُّونَ وَبَلَغَنِي أَنَّ هَذَا آخِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَالْمَبْتُولُ فِي الْمَرَضِ وَالْمُدَبَّرُ يَتَحَاصُّونَ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتُمَا حُرَّانِ إنْ مِتُّ فَإِنْ عِشْت فَأَنْتَ يَا فُلَانٌ لِأَحَدِهِمَا حُرٌّ فَلَمْ يُفَضِّلْهُ عَلَيْهِ فِي مَوْتِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عِشْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَوْ تَعَجَّلَ لَهُ الْعِتْقَ بَتْلًا لَكَانَ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ بَاعَهُ فِي مَرَضِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ إنْ عِشْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَلْزَمُهُ إنْ عَاشَ وَلَوْ كَانَ بَتَلَ عِتْقَهُ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أَدَانَ دَيْنًا ثُمَّ صَحَّ لَنَفَذَ عِتْقُهُ وَكَانَ عِنْدِي لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي عِتْقِهِ فِي مَرَضِهِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ تَصَدَّقَ فِي مَرَضِهِ بِصَدَقَةٍ عَلَى رَجُلٍ بَتَلَهَا لَهُ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ صَدَقَةَ الْبَتْلِ مُقَدَّمَةٌ. وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ وَتُقَدَّمُ أَيْضًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ إذْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ سَحْنُونٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ قَبْلَ وَصِيَّةِ الْعِتْقِ، أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا بَتَلَ فِي مَرَضِهِ عَطِيَّةً، أَوْ صَدَقَةً، أَوْ حَبْسًا، أَوْ سَاقَ عَمَّنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ صَدَاقًا فَذَلِكَ مَبْدَأٌ عَلَى عِتْقِ الْوَصِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ بِعَيْنِهِ وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَصَايَا إلَّا عِتْقُ الْبَتْلِ فَالْعِتْقُ أَوْلَى وَهُمَا أَوْلَى مِنْ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَرَضِ وَالْمُدَبَّرُ فِيهِ مُبْدَأٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِزَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تُوقَفُ فِي تَبْدِئَةِ الصَّدَقَةِ الْبَتْلُ عَلَى الْوَصَايَا، وَكَذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيَبْدَأُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَأَمَّا عَلَى الْعِتْقِ بِعَيْنِهِ فَلَا وَيَبْدَأُ الْعِتْقُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَا حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ إذَا كَانَ أَمْرُهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ هَذَا مُدَبَّرٌ وَهَذَا حُرٌّ بَتْلًا تَحَاصَّا بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ بَدَأَ فِي مَرَضِهِ فَدَبَّرَ هَذَا ثُمَّ بَتَلَ هَذَا، أَوْ بَتَلَ هَذَا ثُمَّ دَبَّرَ هَذَا بُدِئَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مِنْ الثُّلُثِ مَا لَا يَرْجِعُ فِيهِ وَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مُبْدَآنِ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ. (فَرْعٌ) قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْكَلَامُ الْمُتَّصِلُ لَا صِمَاتَ بَيْنَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ مَا كَانَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُمَا مَعًا، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي فَوْرٍ بَعْدَ فَوْرٍ فَالْأَوَّلُ مُبْدَأٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْعِتْقُ الْمُوصَى بِهِ يَتَسَاوَى فِيهِ الْعَبِيدُ إنْ بَدَأَ بِذِكْرِ بَعْضِهِمْ قَبْلَ بَعْضٍ، وَأَمَّا إذَا بَتَلَ فِي الْمَرَضِ فَبَدَأَ بِوَاحِدٍ قَبْلَ وَاحِدٍ وَدَبَّرَ كَذَلِكَ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه مَا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُتَّصِلًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ فُلَانٌ حُرٌّ بَتْلًا ثُمَّ يَسْكُتُ سُكُوتًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ غَيْرَهُ ثُمَّ يَبْدَأُ فَيَبْتِلُ غَيْرَهُ فَهَذَانِ يَتَحَاصَّانِ وَلَمْ يَخْتَلِفُ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ بَتَلَ مِنْ آخَرَ نِصْفَهُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ يَبْدَأُ الَّذِي بَتَلَ عِتْقَهُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُتِمَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَسْتَتِمُّ مِنْ ثُلُثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَسْتَتِمَّ عَلَيْهِ وَالْعَطِيَّةُ الْبَتْلُ تَقَدَّمَ عَلَى اسْتِتْمَامِهِ وَاسْتِتْمَامُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُوصَى بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَهَذَا شَيْءٌ يَلْزَمُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عِتْقُ الْبَتْلِ وَعَطِيَّةُ الْبَتْلِ فِي الْمَرَضِ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْعِتْقَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَطِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ إنْ كَانَ عِتْقُهُ وَعَطِيَّتُهُ يَعْنِي الْمُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ وَقَعَا مَعًا فَإِمَّا أَنْ يَبْدَأَ بِأَحَدِهِمَا فَهُوَ الْمُبْدَأُ. (مَسْأَلَةٌ) : ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ مُعَيَّنًا يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ أَشْهَبُ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ الْعِتْقُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ شَخْصًا مِنْ عَبْدٍ اسْتَتَمَّ عَلَيْهِ وَلَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَدَقَةٍ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا الْعِتْقُ بِعَيْنِهِ كَانَ فِي مِلْكٍ أَوْ غَيْرِ مِلْكٍ وَمَا لَمْ يَكُنْ بِعَيْنِهِ فَلَا تَبْدِئَةَ لَهُ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهَا تَبْدِئَةٌ بِمَالٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ لَا يَبْدَأُ إلَّا مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الرَّقَبَةَ الْمُسَمَّاةَ لِلشِّرَاءِ، أَوْ الْعِتْقِ قَدْ اُخْتُصَّ الْعِتْقُ بِهَا كَاَلَّتِي فِي مِلْكِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا رَقَبَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِمِلْكِهِ كَاَلَّتِي لَمْ تُعَيَّنْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْوَصَايَا فَإِنْ اجْتَمَعَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ قُدِّمَتْ الَّتِي فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ يَتَحَاصَّانِ وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا إلَّا مَنْ شَذَّ أَنَّ الَّتِي فِي مِلْكِهِ تَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَبْدَءُونَ الَّتِي فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عَلَى الْوَصَايَا وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ يَبْدَأُ الَّتِي فِي مِلْكِهِ فَتَتِمُّ حُرِّيَّتُهُ وَلَعَلَّ الْآخَرُ لَا يَتِمُّ شِرَاؤُهُ بِامْتِنَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا مُعَيَّنَانِ كَمَا لَوْ كَانَتَا فِي مِلْكِهِ. (فَرْعٌ) وَالرَّقَبَةُ الَّتِي فِي مِلْكِهِ وَالْمُسَمَّاةُ إنْ دَخَلَهُمَا عَوْلٌ عَتَقَ مِنْهُمَا مَبْلَغُ الثُّلُثِ وَاَلَّذِي يُغَيَّرُ عَيْنُهَا إنْ دَخَلَهَا عَوْلٌ اشْتَرَى مَا يَقَعُ لَهَا رَقَبَةً فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أُعِينَ بِهَا فِيمَا يَصِيرُ حُرًّا كُلُّهُ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَحَدِ أَعْبُدِهِ نَاجِزًا وَبِعِتْقِ الْآخَرِ إلَى شَهْرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَتَحَاصَّانِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْأَجَلِ، وَيُقَدَّمُ الْبَتْلُ فِيمَا بَعُدَ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ الْقُرْبِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّهْرُ قَرِيبٌ وَقَالَ أَشْهَبُ الشَّهْرُ كَثِيرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ أَحَدُ عَبْدَيْهِ إلَى أَجَلٍ وَأَنْ يُكَاتَبَ الْآخَرُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَتَحَاصَّانِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَتَحَاصَّانِ إذَا كَانَ الْأَجَلُ سَنَةً،. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَبْدَأُ بِالْمُؤَجَّلِ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَجَلُهُ بَعِيدًا كَالسَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ طَوِيلٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا أَوْصَى بِهِ وَتَسْقُطُ الْخِدْمَةُ وَالْكِتَابَةُ وَهُمَا مَبْدَآنِ عَلَى رَقَبَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَانَ ذَلِكَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ فَوْرٍ بَعْدَ فَوْرٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ مِنْ خِدْمَةِ الْمُؤَجَّلِ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ احْتَجَّ بِشَيْءٍ فَظَنَّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّنَا لَوْ أَدْخَلْنَاهُ فِيهَا لَكَانَ تَبْدِئَةً مِنَّا لِلْمُكَاتَبِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْعَقَدَ فِيهِ عَقْدٌ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ وَاقْتَرَنَ بِهِ أَجَلٌ وَلِلْمُكَاتَبِ مَزِيَّةٌ فَإِنَّهُ قَدْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ السَّيِّدِ وَامْتَنَعَ انْتِزَاعُ مَالِهِ فَأَقَلُّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُقَدَّمَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ الْمُؤَجَّلُ، وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ عِتْقُ بَتْلٍ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهِ عَجْزُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَكَاتِبِهِ وَبِعِتْقِ عَبْدِهِ تَحَاصَّا رَوَاهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَاتَيْنِ وَصِيَّتَانِ بِعِتْقٍ فِي مُعَيَّنٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ مُكَاتَبِهِ وَلِمُكَاتَبِهِ عَبْدٌ آخَرُ لَقَدَّمَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ لِلْعِتْقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوضَعُ مِنْ ثَمَنِهِ ثُلُثَهُ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَصَايَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ ثُمَّ النَّذْرُ مِثْلُ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلِيَّ أَنْ أُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى مَا يَذْكُرُ عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ مُنَاسٍ وَذَهَبَ هُوَ وَبَعْضُ شُيُوخِ بَلَدِهِ إلَى قَوْلِ أَبِي مُوسَى فِيمَنْ نَذَرَ فِي مَرَضِهِ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِيمَنْ نَذَرَ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ النَّذْرِ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَبِمَالٍ وَبِالْحَجِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ وَبِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَبْدَأُ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَالْمُوصَى صَرُورَةً. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَانْفَرَدَ ابْنُ وَهْبٍ فَقَالَ يُقَدَّمُ الْحَجِّ لِلصَّرُورَةِ عَلَى الرَّقَبَةِ الْمُعَيَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الرَّقَبَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِهِ يُقَدَّمُ عَلَى الصَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كُلُّ شَيْءِ مِنْ الْوَصَايَا مُبْدَأٌ عَلَى الصَّرُورَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُقَدَّمُ الْحَجُّ الصَّرُورَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي وَافَقَ فِيهِ أَصْحَابَهُ أَنْ يُحَاصِصَ

(ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يُوصِي فِي ثُلُثِهِ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا يُسَمَّى مَالًا مِنْ مَالِهِ فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ قَدْ زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَسِّمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ فَيُسَلِّمُوا إلَيْهِمْ ثُلُثَهُ فَتَكُونُ حُقُوقُهُمْ فِيهِ إنْ أَرَادُوا بَالِغًا مَا بَلَغَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَجِّ الصَّرُورَةِ أَهْلَ الْوَصَايَا وَالْعِتْقِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِهِ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ يُقَدَّمُ الْحَجُّ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ يُحَاصُّ بَيْنَهُمَا، وَقَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِلصَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ غَيْرَ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَاقِعٌ عَلَى مَنْ يَحُجُّ دُونَ الْمُوصَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَشْهَبَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَيَكُونُ الْحَجُّ لِلْمُوصَى، وَلِذَلِكَ شَرَطَ الصَّرُورَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ عَنْ غَيْرِ صَرُورَةٍ فَعَلَى قَوْلِنَا: إنَّ الْعِتْقَ يُقَدَّمُ عَلَى الصَّرُورَةِ فَبِأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِ صَرُورَةٍ أَوْلَى فَإِنْ قُلْنَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّرُورَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يَكُنْ صَرُورَةً بُدِئَ بِالْعِتْقِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَيَّنِ وَالْوَصَايَا كُلُّهَا عَلَى الْحَجِّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ يَبْدَأُ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْحَجِّ غَيْرَ الصَّرُورَةِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الرَّقَبَةُ الَّتِي لَيْسَ بِمُعَيَّنَةٍ وَحَجُّ غَيْرِ الصَّرُورَةِ وَالْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ شَرْعًا سَوَاءٌ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْوَصَايَا عَلَى الْحَجِّ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ وَرَأَى الْوَصِيَّةَ بِالصَّدَقَةِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ فَلَا تَبْدِئَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْعِتْقِ. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ قَالَ: ثُلُثِي فِي الْمَسَاكِينِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ تَحَاصَّوْا سَوَاءٌ بَدَأَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَبِلَفْظِهِ حَتَّى يَقُولَ بَدَءُوا كَذَا عَلَى كَذَا فَيَبْدَأُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْفَضِيلَةِ فِي التَّقْدِيمِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِكَوْنِهِ أَوْكَدُ وَأَلْزَمُ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ مُبْدَأٌ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ الْأَوْكَدُ فَالْأَوْكَدُ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذِكْرُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَدَءُوا كَذَا فَيَبْدَأُ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا تَبْدَأُ الْوَصَايَا عَلَى الْحَجِّ لِكَرَاهِيَةِ الْوَصِيَّةِ لَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْوَصَايَا أَفْضَلُ مِنْهُ وَعَلَى قَوْلِنَا بِالْمُحَاصَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصَايَا فُلَانٌ بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَتْ بِأَوْكَدَ فَلَمَّا تَسَاوَتْ فِي التَّأْكِيدِ وَجَبَتْ الْمُحَاصَّةُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِالْمُحَاصَّةِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ بِمَا وَقَعَ لِلْحَجِّ الصَّرُورَةِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ أَنَّهُ ذَلِكَ تَبَعُّضُ طَرِيقِهِ وَلَا تَتَبَعَّضُ مَنَاسِكُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَحُجَّ بِمَا أُبْرِزَتْ لَهُ الْمُحَاصَّةُ، وَلَوْ مِنْ مَكَّةَ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنَّ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ وَصَايَاهُ كُلُّهَا صَدَقَةً فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَنْ أَوْصَى لَهُمْ مُعَيَّنِينَ وَذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَدَدًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ إلَّا أَنْ تُنْقِصَهُ الْمُحَاصَّةُ لِضِيقِ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ اللَّفْظِ إشْكَالٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ أَوْصَى فَقَالَ لِزَيْدٍ عَشَرَةً وَلِعَمْرٍو وَلِخَالِدٍ عَشَرَةً أَنَّ لِلْأَوَّلِ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِلثَّالِثِ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِلْأَوْسَطِ خَمْسَةً، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ عَشَرَةً وَلِعَمْرٍو لَكَانَتْ الْعَشَرَةُ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لِعَمْرٍو وَلِخَالِدٍ عَشَرَةً لَكَانَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا قَالَ: لِزَيْدٍ عَشَرَةً وَلِعَمْرٍو وَلِخَالِدٍ عَشَرَةً قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو إنْ كَانَ أَرَادَ الْمُوصِي أَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي أَضَافَهَا إلَيَّ بَيْنِي وَبَيْنَك فَالْخَمْسَةُ لِي وَالْخَمْسَةُ لَك، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي أَضَافَ إلَى خَالِدٍ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ فَلَا شَيْءَ لَك مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي أَضَافَ إلَيَّ وَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا إلَيَّ وَالْخَمْسَةُ خَالِصَةٌ لِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَالْمُنَازَعَةُ بَيْنِي وَبَيْنَك فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَنِصْفُهَا لَك وَنِصْفُهَا لِي مَعَ الْخَمْسَةِ فَيَكُونُ لِزَيْدٍ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَلِعَمْرٍو اثْنَانِ وَنِصْفٌ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ خَالِدٌ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَصِيرُ لَهُ أَيْضًا مِنْهَا اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَلِخَالِدٍ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ فَعَلَى هَذَا يَجْرِي فِيهَا الْقَوْلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى فَقَالَ لِفُلَانٍ مِائَةٌ وَلَمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُلْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى أَنَّ مَالِكًا رَأَى أَنَّ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ فِي بَلْدَةٍ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الدَّنَانِيرُ فَلَهُ دَنَانِيرُ، وَإِنْ غَلَبَ فِيهَا الدَّرَاهِمُ فَلَهُ دَرَاهِمُ فَإِنْ كَانَ فِيهَا الْأَمْرَانِ فَلَهُ دَرَاهِمُ وَهِيَ الْأَقَلُّ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَكْثَرَ، أَوْ يُسْتَدَلَّ عَلَى مُرَادِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِفُلَانٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَلِفُلَانٍ مِائَةٌ فَيَكُونُ لَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ أَصْبَغَ لَوْ قَالَ اُعْطُوهُ طَعَامًا وَلَمْ يَقُلْ قَمْحًا وَلَا شَعِيرًا فَلْيُعْطَ مِنْ الْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي النَّاسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ يَتَقَرَّرُ بِالشَّرْعِ وَعُرْفُ الْمُخَاطَبَةِ فَإِذَا عُدِمَ الْعُرْفُ فَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ السَّهْمُ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَلِفُلَانٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَلِفُلَانٍ مِائَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مِائَةً مِمَّا عُطِفَتْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا فَأَحْسَنُ ذَلِكَ بِهِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَلَهُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةُ شَاةٍ مِنْ وَسَطِ الْغَنَمِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَهُوَ شَرِيكٌ بِوَاحِدَةٍ فِي عَدَدِهَا ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا وَصِغَارُهَا وَكِبَارُهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَقُولُونَ نُعْطِي أَدْوَنَهَا وَالْمُوصَى لَهُ يَطْلُبُ أَرْفَعَهَا فَإِنْ كَانَتْ شِيَاهُهُ عَشْرَةً فَلَهُ عُشْرُهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ الْعَشَرَةِ عُشْرُهَا وَرُبَّمَا أَصَابَهُ فِي الْقِسْمَةِ أَقَلُّ مِنْ شَاةٍ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ شَاةٍ فَإِنْ مَاتَتْ كُلُّهَا الْإِشَارَةُ وَاحِدَةٌ فَهِيَ لَهُ إنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ، وَإِنْ مَاتَتْ خَمْسَةٌ مِنْهَا وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ فَلَهُ خُمْسُ الْبَاقِيَةِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا يَبْقَى عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَمَا تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يَتْرُكْهُ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَانِ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالنِّصْفِ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُجْعَلُ الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ ابْنٌ آخَرُ فَلَهُ مَعَ الِابْنِ الْوَاحِدِ النِّصْفُ وَمَعَ الِابْنَيْنِ الثُّلُثُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ أَوْصَيْت لَك بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيَّ فَقَدْ أَحَالَهُ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ نَصِيبَ ابْنِهِ جَمِيعُ الْمَالِ وَنَصِيبَ أَحَدِ ابْنَيْهِ النِّصْفُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ. (فَرْعٌ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ فَفِي الْوَاضِحَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَلَهُ الرُّبْعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْبَنِينَ وَرَثَةٌ غَيْرُهُمْ عُزِلَتْ مَوَارِيثُهُمْ وَقُسِمَتْ مَا يُصِيبُ الْبَنِينَ عَلَيْهِمْ وَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ وَهُمْ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، أَوْ ذُكُورٍ كُلِّهِمْ فَلَهُ عُشْرُ مَالِهِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ أَوْصَى لَهُمْ بِمِثْلِ سَهْمِ أَحَدِ وَلَدِهِ، أَوْ بِمِثْلِ جُزْئِهِ، أَوْ قَالَ هُوَ كَبَعْضِ وَلَدِي أَوْ كَأَحَدِهِمْ فَهُمْ سَوَاءٌ كَوَصِيَّتِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِي وَهُمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ وَزَوْجَاتٌ وَأُمٌّ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ مَنْ يَرِثُهُ فَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً فَلَهُ الْعُشْرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ فُرُوضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُهَا لَمْ يَكُنْ الْأَكْثَرُ أَوْلَى مِنْ الْأَقَلِّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الِاعْتِبَارُ بِالْعَدَدِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ بَنَاتٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْسَمُ مَالُهُ عَلَى الْفَرَائِضِ فَكَانَ لَهُ مِثْلُ سَهْمِ بِنْتٍ مِنْ بَنَاتِهِ فَإِنْ كَانَ بَنَاتُهُ أَرْبَعًا فَلَهُ رُبْعُ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثًا فَثُلُثُ الثُّلُثِ ثُمَّ يُخْلَطُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ فَيُقْسَمُ بَاقِيهِ عَلَى الْفَرَائِضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ نَصِيبٍ، أَوْ سَهْمٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ثَبَتَ لَهُ جُزْءٌ مِنْ مَالِهِ مُقَدَّرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْجُزْءَ وَالنَّصِيبَ وَالسَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ مُقَدَّرٍ وَتَقْدِيرِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِقْدَارٍ فَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَإِذَا رَدَّ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْطَوْهُ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا قَدْرَ لَهُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْمَوَّازِ: لَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ مِمَّا انْقَسَمَتْ فَرِيضَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ السِّهَامِ كَثُرَ ذَلِكَ الْجُزْءُ، أَوْ قَلَّ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُعْطَى الثُّمُنَ، وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ الثُّمُنُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سَهْمٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْفَرَائِضِ وَقِيلَ يُعْطَى سَهْمًا مِمَّا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ قَلَّتْ السِّهَامُ أَوْ كَثُرَتْ وَقِيلَ يُعْطَى سَهْمًا مِنْ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ إنْ كَانَتْ تَنْقَسِمُ مِنْ سِتَّةٍ فَأَقَلُّ مَا لَمْ تُجَاوِزْ الثُّلُثَ فَيَرُدُّ إلَى الثُّلُثِ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنْ انْقَسَمَتْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا يَنْقُصُ مِنْ السُّدُسِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا تَقُومُ مِنْهُ الْفَرَائِضُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيَّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ لَهُ سَهْمًا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِ فَرِيضَتُهُ قَلَّتْ السِّهَامُ أَوْ كَثُرَتْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُعْطَى السُّدُسَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُدْفَعُ إلَيْهِ مِثْلُ أَقَلِّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى السُّدُسِ فَيُعْطَى السُّدُسَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُعْطَى مِثْلَ السَّهْمِ الَّذِي تَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ فَكَانَ أَصْلُ الْفَرِيضَةِ مِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ تَعُولُ إلَى عَشْرَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَهُ سَهْمٌ مِنْ عَشَرَةٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَلُّ سِهَامِ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ أَوْقِدُوا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِصْبَاحَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُحَاصُّ الْمَسْجِدُ بِالثُّلُثِ وَبِالْوَصَايَا بِمَا سُمِّيَ لَهَا فَمَا صَارَ لِلْمَسْجِدِ وَقْفٌ لِمِصْبَاحِهِ حَتَّى يَفْنَى قَالَ سَحْنُونٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اسْقُوا الْمَاءَ وَاعْطُوَا الْمَسَاكِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لَمَّا لَمْ يُوَقِّتْ. (فَرْعٌ) وَإِذَا أَوْصَى بِمَجْهُولَاتٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُضْرَبُ فِيهَا كُلُّهَا بِالثُّلُثِ مَعَ سَائِرِ الْوَصَايَا وَكَأَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ مَجْهُولَةٌ فَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْفَقُوا عَلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَيَّنْ وَقِيدًا وَلَا كِسْوَةً وَلَا بُنْيَانًا لَضَرَبَ لَهُ بِالثُّلُثِ وَجَازَ صَرْفُهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أُعْطِيَ فُلَانٌ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَالِهِ وَلَا يُعْطَى النِّصْفُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ قَالَ: ثُلُثِي لِفُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ فَفُلَانٌ كَرَجُلٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ يَأْخُذُ كَأَحَدِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الَّذِي أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِفُلَانٍ الثُّلُثُ وَلِلْفُقَرَاءِ الثُّلُثُ وَلِلْمَسَاكِينِ الثُّلُثُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَوْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ وَالثُّلُثُ لِلْمَسَاكِينِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا جَعَلَ فِي وَصِيَّتِهِ مُعَيَّنًا وَغَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ: ثُلُثِي لِقَرَابَتِي وَلِلْمَسَاكِينِ يُعْطَى قَرَابَتُهُ نِصْفَهُ وَلَا يُعْطَى أَغْنِيَاؤُهُمْ وَلِيَكُنْ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ بِالِاجْتِهَادِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي السَّبِيلِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْيَتَامَى يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ أَثْلَاثًا قَالَ أَشْهَبُ: وَمَنْ قَالَ ثُلُثِي بَيْنَ بَنِي إخْوَتِي وَبَيْنَ بَنِي أُخْتِي وَبَيْنَ بَنِي فُلَانٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ كَالْقَائِلِ ثُلُثِي لِفُلَانٍ وَفُلَانِ وَأَحَدُهُمَا فَقِيرٌ وَالْآخَرُ غَنِيٌّ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ قَدْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَضَافَ الْقَوْلَ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِنْ الْمَالِ إلَّا مَا أَظْهَرُوهُ قَالَ فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ عَلَى مَا ذُكِرَتْ إنْ فُسِّرَتْ الْوَصَايَا أَوْ أُجْمِلَتْ وَيَكُونُ لَهُمْ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ قَسَمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ وَسَلَّمُوهُ إلَيْهِمْ فَتَتَعَيَّنُ حُقُوقُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الثُّلُثُ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا وَإِنَّمَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ تَجَاوَزَ مَا جُعِلَ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ وَيُمْنَعُوا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ.

[أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم]

أَمْرُ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ وَاَلَّذِي يَحْضُرُ الْقِتَالَ فِي أَمْوَالِهِمْ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي وَصِيَّةِ الْحَامِلِ وَفِي قَضَائِهَا فِي مَالِهَا وَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنَّ الْحَامِلَ كَالْمَرِيضِ فَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ الْخَفِيفُ غَيْرُ الْمَخُوفِ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ فِي مَالِهِ مَا يَشَاءُ وَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِصَاحِبِهِ شَيْءٌ إلَّا فِي ثُلُثِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ أَوَّلُ حِمْلِهَا بِشْرٌ وَسُرُورٌ وَلَيْسَ بِمَرَضٍ وَلَا خَوْفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] . وَقَالَ {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189] فَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ إذَا أَثْقَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ إلَّا فِي ثُلُثِهَا فَأَوَّلُ الْإِتْمَامِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] . وَقَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فَإِذَا مَضَتْ لِلْحَامِلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَمَلَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا قَضَاءٌ فِي مَالِهَا إلَّا فِي الثُّلُثِ) . (ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْقِتَالَ أَنَّهُ إذَا زَحَفَ فِي الصَّفِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ فَلَمَّا كَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الثُّلُثَ الَّذِي كَانَ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَمْرُ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ وَاَلَّذِي يَحْضُرُ الْقِتَالَ فِي أَمْوَالِهِمْ] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسْبِ مَا قَالَهُ أَنَّ الْحَامِلَ كَالْمَرِيضِ فَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ الْخَفِيفُ غَيْرُ الْمَخُوفِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْأَجْذَمِ وَالْمَفْلُوجِ وَأَهْلِ الْبَلَاءِ أَنَّهُمْ كَالصَّحِيحِ إلَّا فِيمَا يُخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى بْنُ كِنَانَةَ فِي الْأَمْرَاضِ الطَّوِيلَةِ كَالْفَالِجِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَحُمَّى الرَّبْعِ وَشَبَهِهِ أَنَّ هَذَا كَالصَّحِيحِ فِي أَفْعَالِهِ مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَنِكَاحٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ خَفِيفًا لَا يُضْجِعُهُ حَتَّى لَا يَخْرُجَ، وَقَدْ شَاوَرَ قَاضِي الْمَدِينَةِ الْعُلَمَاءَ فِيمَنْ بِهِ رِيحٌ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَهُوَ مَضْرُورٌ مُعْتَلٌّ مُصَفَّرٌ يَمْشِي أَحْيَانَا الْأَمْيَالَ فَأَجَازُوا فِعْلَهُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَرَأَوْهُ كَالصَّحِيحِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ بِهِ الْبَهْرُ الشَّدِيدُ وَالْبَلْغَمُ لَا يَقُومُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَدْ احْتَبَسَ فِي الْمَنْزِلِ فَقَالَ فِعْلُهُ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْعِلَّةِ إلَّا خُرُوجًا يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَغُضَّ فِعْلُهُ فَإِنَّ أَفْعَالَ هَذَا فِي الثُّلُثِ قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فَكَذَلِكَ أَوَّلُ حِمْلِ الْمَرْأَةِ خَفِيفٌ وَأَلَمُهُ لَطِيفٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف: 189] وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الْبِشَارَةُ وَالسُّرُورُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] فَإِذَا مَضَتْ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ أَوَّلُ الْأَثْقَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189] وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتٌ يَصِحُّ فِيهِ الْوَضْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَالْفِصَالُ الرَّضَاعُ. وَقَالَ تَعَالَى {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَبَيَّنَ أَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ أَمَدُهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَرْتَقِبُ الْوَضْعَ الَّذِي يَكْثُرُ فِيهِ الْخَطَرُ وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْأَلَمُ مَعَ ثِقَلِ الْحَمْلِ وَتَتَابُعِ أَلَمِهِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ مَرَضًا مَخُوفًا فَأَفْعَالُهَا فِي الثُّلُثِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلَيْهِمَا إنَّ أَفْعَالَهَا جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا الطَّلْقُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ حَالٌ تَصِحُّ فِيهَا وِلَادَتُهَا كَحَالِ الطَّلْقِ. (فَرْعٌ) وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّهَا بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يُعْرَفُ بِقَوْلِهَا وَهِيَ فِيهِ مُصَدَّقَةٌ وَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ عَنْ ذَلِكَ.

[الوصية للوارث والحيازة]

لِلْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَالِهِ شَيْئًا إلَّا فِي الثُّلُثِ وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ مَا كَانَ بِتِلْكَ الْحَالِ) . الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَالْحِيَازَةُ (ص) : (قَالَ يَحْيَى: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إنَّهَا مَنْسُوخَةُ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] نَسَخَهَا مَا نَزَلَ مِنْ قِسْمَةِ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَأَمَّا الزَّاحِفُ إلَى الْقِتَالِ فِي الصَّفِّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ كَالْمَرِيضِ فِي أَفْعَالِهِ قَالَ، وَكَذَلِكَ مَنْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قِصَاصٍ، أَوْ حَدٍّ وَهُوَ خِلَافٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي إجَازَتِهِ لَهُمْ التَّصَرُّفَ مَا لَمْ يُقَرَّبْ الْمَحْبُوسُ لِلْقَتْلِ وَيَتَقَدَّمْ الزَّاحِفُ إلَى الْبِرَازِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ وُجُودَ سَبَبِ الْمَوْتِ مِنْ الْمُقَابَلَةِ بِمَنْزِلَةِ وُجُودِ الْمَوْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143] ، وَإِنَّمَا رَأَوْا الْقِتَالَ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ أَسْبَابٌ لِلْمَوْتِ مُقَرَّبَةٌ مِنْهُ كَالْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْبِرَازِ فِي الْقِتَالِ وَالتَّقْرِيبِ لِلْقَتْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا رَاكِبُ الْبَحْرِ إذَا أَدْرَكَهُ الْهَوْلُ وَخَافَ الْغَرَقَ قَالَ مَالِكٌ هُوَ كَالْمَرِيضِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَمَحَتْ بِهِ دَابَّتُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ كَالصَّحِيحِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ حَالُ خَوْفٍ عَلَى النَّفْسِ كَأَثْقَالِ الْحَمْلِ وَالزَّحْفِ لِلْقِتَالِ فِي الصَّفِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا زَحَفَ لِلْقِتَالِ فِي الصَّفِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ إذَا صَارَ فِي الصَّفِّ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي صَفِّ الْمُقَاتِلِينَ وَجُمْلَتِهِمْ، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ فِي النَّظَّارَةِ، أَوْ كَانَ مُتَوَجِّهَا لِلْقِتَالِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ بِحُصُولِهِ فِي صَفِّ الْمُقَاتَلَةِ وَمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ وَمُحَاوَلَتِهِ يُثْبِتُ الْخَوْفَ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي صَفِّ الرَّدْءِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا بِالْكَوْنِ فِي صَفِّ الْمُقَاتِلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَالْحِيَازَةُ] (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْفَرَائِضِ قَوْله تَعَالَى {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ نَسَخَ مِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَلِلْوَرَثَةِ مِنْ الْأَقْرَبِينَ دُونَ مَنْ لَا يَرِثُ وَذَلِكَ أَنَّ آيَةَ الْفَرَائِضِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ لِكُلِّ وَارِثٍ حَقَّهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لِلْمُوصِي أَنْ يُنْقِصَ أَحَدَهُمْ مِنْ حَقِّهِ وَلَا أَنْ يَزِيدَ فِيهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُونَ الْأَقَارِبُ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِجَمِيعِ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَحْرَمًا وَغَيْرَ مَحْرَمٍ فَهُوَ ذُو قَرَابَةٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَرَوَى عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَالُ وَالْخَالَةُ وَلَا قَرَابَتُهُ مِنْ الْأُمِّ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَلَا بَنُو الْبَنَاتِ قَالَ عَنْهُ عِيسَى وَأَصْبَغُ إلَّا أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِجَمِيعِ قَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَلِوَلَدِ الْبَنَاتِ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ إيَّاهُمْ أَرَادَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ قَرَابَةٌ قَلِيلَةٌ كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَوَلَدُ الْخَالَاتِ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ اللَّبَّادِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الَّذِي يُوصِي لِقَرَابَتِهِ يَنْظُرُ إلَى الْمَالِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَانَ لِأَهْلِ حَرَمِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَثُرَ دَخَلَ فِيهِ الْخُؤُولَةُ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الذُّرِّيَّةِ لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الْبَنَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قَرَابَتُهُ الْوَارِثُونَ اسْتِحْسَانًا وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ الْوَارِثِ كَالْمُوصِي لِلْفُقَرَاءِ بِمَالٍ وَلِرَجُلٍ فَقِيرٍ بِمَالٍ لَا يَدْخُلُ مَعَ الْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ إنَّمَا يُرِيدُ بِالِاسْتِحْسَانِ التَّخْصِيصَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِيُعْرَفَ مَقْصِدُهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَقَارِبِهِ مُسْلِمِينَ وَبَعْضُهُمْ نَصَارَى فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ تَنَاوُلًا وَاحِدًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمُؤَنَّثَ يَدْخُلُ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ أَوْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ وَإِذَا أَوْصَى لِعَقِبِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَيْسَ وَلَدُ الْبَنَاتِ بِعَقِبٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لِوَلَدِهِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عُمَرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو مِمَّنْ قَالَ يَدْخُلُ الْبَنَاتُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْعَقِبِ وَالْقَرَابَةِ وَالْوَلَدِ عِنْدَهُمْ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قَالَ لِذِي رَحِمِي وَلَمْ يَقُلْ لِذِي قَرَابَتِي فَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِذِي قَرَابَتِي قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَهُ عَصَبَةٌ وَأَنِّي لَأَرَى لِأَخْوَالِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمَوَالِيهِ حَقًّا وَالْعَصَبَةُ أَبْيَنُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَإِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ، أَوْ لِذِي رَحِمِهِ، أَوْ لِأَهْلِهِ، أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَإِنَّ قَوْلَنَا وَقَوْلَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ لِجَمِيعِ قَرَابَتِهِ وَرَحِمِهِ وَأَهْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ وَمَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ قَالَ آلُ فُلَانٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَهْلُ فُلَانٍ وَهُمْ الْعَصَبَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْخَالَاتُ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفِ مِنْهُ إلَّا الْخَالَ وَالْخَالَةَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ دُونَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ ابْنِهِ، أَوْ قَرَابَةٍ لَهُ يَرِثُونَهُ فَلْيَبْدَأْ بِمَوَالِيهِ الدَّنِيَّةِ وَيُعْطَى الْآخَرُونَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبَاعِدُ أَحْوَجَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْمَ مَوَالِيهِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُمْ وَرَوَى سَحْنُونٌ وَعِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ بَيْنَ مَنْ أَعْتَقَ خَاصَّةً وَإِلَّا فَكُلُّهُمْ مَوَالِيهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي ابْنِهِ وَقَالَ مَرَّةً الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مَوَالِيهِ مِمَّنْ يُحَاطُ بِهِمْ فَهُوَ لِمَنْ أَعْتَقَ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرًا مَجْهُولِينَ وَلَمْ يَقُلْ عَتَاقَةً دَخَلَ فِيهِ مَوَالِي الْمَوَالِي وَأَبْنَاؤُهُمْ وَمَوَالِي أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُوصِي لِمَوَالِيهِ يَدْخُلُ مَوَالِي الْمَوَالِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ أَنْصَافُ مَوَالٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُعْطِي نِصْفَ مَا يُعْطَى الْمَوْلَى التَّامُّ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ بِاسْمِ الْوَلَاءِ فَاخْتَصَّ الْعَطَاءُ بِذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْتَقُ بَعْدَهُ مِنْ مُدَبَّرٍ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِمَوْتِهِ فَهُمْ حِينَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَوَالِي وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِيسَى فَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ إذَا أُخْرِجُوا مِنْ الثُّلُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُكَاتَبُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ عَتَقَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ دَخَلَا فِيهِ وَإِنْ سَبَقَهُمْ الْقَسْمُ فَلَا شَيْءَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَدْخُلَانِ مَعَ الْمَوَالِي بِالسَّوَاءِ فَمَا صَارَ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلِ وَقْفٍ لَهُمَا فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ وَأَعْتَقَ الْمُؤَجَّلُ أَخَذَهُ وَإِلَّا رُدَّ إلَى بَقِيَّةِ الْمَوَالِي وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَ عِتْقُهُمْ قَدْ حَانَ وَأَعْتِقُوا قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلُوا مَعَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ عَبِيدٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُمْ مَوَالٍ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ وَمَوَالٍ أَنْعَمُوا عَلَيْهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ لِلَّذِينَ أَنْعَمَ هُوَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ لَاحِقُهُمَا بِهِ وَأَشْبَهَهُمَا بِالْعَطِيَّةِ فَإِنْ اشْتَبَهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفَصْلُ عَلَى تَأْوِيلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مَمْنُوعَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِغَيْرِ مَا يَجِبُ لَهُ بِالْآيَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ فَرِيضَةَ كُلِّ وَارِثٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِابْنِ وَارِثِهِ، أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ نَافِذٌ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَمَا يَظُنُّ بِهِ مِنْ صَرْفِ ذَلِكَ إلَى الْوَارِثِ لَا يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِهِ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ شَاءَ فَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ الْمُوصِي فَهُوَ الْآثِمُ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالذَّرَائِعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ التَّوْلِيجِ قَالَهُ أَصْبَغُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَا الْمَنْعُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا صَرَفَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ إلَى الْوَارِثِ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ لِلْوَارِثِ أَخْذُهُ، أَوْ تَرْكُهُ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّوْلِيجُ الْمَمْنُوعُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى مِمَّنْ يَرَى أَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِهِ، أَوْ مِمَّنْ تُظَنُّ بِهِ الْحَاجَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُنَافِي الْغِنَى وَلَا تَخْتَصُّ بِالْفَقْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِعَبْدِ وَارِثِهِ فَإِنْ كَانَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَالدِّينَارِ وَنَحْوِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ رُفْقَةً وَأَمَّا بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْوَرَثَةُ وَرَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ أَشْهَبُ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَلِيلَ ذَلِكَ وَلَا كَثِيرَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَثِيرَ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْعَبْدُ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ سَيِّدُهُ وَهُوَ وَارِثٌ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ. (فَرْعٌ) وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِ وَارِثِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَلِيًّا يَقْدِرُ أَنْ يُؤَدِّيَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِ نَفْسِهِ وَلِمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُعْتَقِهِ إلَى أَجَلٍ وَمَنْ مَلَكَ بَعْضَهُ وَلِأُمِّ وَلَدِهِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَارِثٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَنْزِعُهُ مِنْهُ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا انْتَزَعُوهُ مِنْهُ فَكَانَ وَصِيَّتَهُ لَمْ تُنَفَّذْ فَاسْتُحْسِنَتْ أَنْ يُقِرَّ بِيَدِهِ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِهِ وَيَطُولَ زَمَانُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادُوا بَيْعَهُ بَاعُوهُ بِهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْرِكِينَ، أَهْلَ حَرْبٍ كَانُوا، أَوْ أَهْلَ ذِمَّةٍ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ جَازَ بِالْوَصِيَّةِ كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ أَوْصَى لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَالَ فَإِنْ أُجِيزَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ فِي السَّبِيلِ فَلَا يُجَازُ هَذَا فِي سَبِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيُورَثُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبَيَّ لَا تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَوْنٌ لَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، أَوْ يُصَامَ عَنْهُ لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَلَهُ كَذَا، أَوْ أَنْ يَنْفُذَ بَاقِي الثُّلُثِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا كَانَ لِلصَّوْمِ فَلْيُرَدَّ وَلَا يَصُمْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَيَنْفُذُ مَا أَوْصَى بِهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ عَمَلِ الْأَبَدَانِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ وَعِبَادَاتُ

(ص) (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ السَّنَةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَى أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ لَا تَلْزَمُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ إذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ خِلَافًا لِمَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِحُقُوقِ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوا ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكُوا حُقُوقَهُمْ كَإِجَازَتِهِمْ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَرْكِهِمْ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ. (ص) (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ السَّنَةُ الثَّابِتَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ لَهُ ذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ إنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ وَمَنْ أَبَى أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ) . (ش) : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ السَّنَةَ الثَّابِتَةَ الْعَمَلَ الْمُتَّصِلَ مِنْ زَمَانِ الصَّحَابَةِ إلَى زَمَانِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ يَقُولُ إذَا لَمْ يُجِزْ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ ذَلِكَ فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ فَلَا يَكُونُ وَصِيَّةً بِحَالٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَحْنُونٌ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَدِيثَ لِشُهْرَتِهِ وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُضَمَّنِهِ وَكَثْرَةِ نَقْلِهِمْ لَهُ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ عِنْدَهُمْ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَهُوَ «أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا يَوْمَ الْمَوْتِ فَلَوْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثُمَّ كَانَ وَارِثًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ، ثُمَّ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ لَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ. وَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةٍ أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ مَاتَتْ إنْ كَانَتْ عَلِمَتْ بِطَلَاقِهِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَظُنُّ أَنَّهُ وَارِثٌ. وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ عَلِمَتْ، أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهَا أَوْصَتْ لَهُ وَهِيَ تَرَى أَنَّهُ وَارِثٌ فَلَمْ تُرَدَّ الْوَصِيَّةُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى تُرَدَّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ فَهِيَ عَطِيَّةٌ مِنْ الْمُوصِي دُونَ الْوَرَثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى لِابْنِهِ وَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى أَعْتَقَ، أَوْ أَسْلَمَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِامْرَأَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ زَوْجَةٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ أَوْصَى لَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ لَهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وَهَبَ غَيْرَ وَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ فَجَازَ الْهِبَةُ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا فَذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَلَوْ وَهَبَ أَخَاهُ فِي مَرَضِهِ هِبَةً وَقَبَضَهَا الْمُعْطِي وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا فَالْهِبَةُ بَاطِلٌ قَالَهُ أَشْهَبُ وَلَوْ وَهَبَ امْرَأَةً هِبَةً فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ فِي ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُ وَلَوْ أَقَرَّ لِابْنِهِ النَّصْرَانِيِّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فُرُوعِي ثُبُوتُهُ حِينَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِحَالِهِ حِينَ الْمَوْتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَرْدُودَةٌ إذَا مَنَعَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَمَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَلَمْ يُوصِ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْوَرَثَةُ رَدَّ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُوصِ وَيَقْتَسِمُ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ عَلَى سُنَّةِ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ أَوْصَى لِوَارِثٍ وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُحَاصُّونَ الْأَجْنَبِيَّ كَوَصِيَّةِ الْوَارِثِ فَمَا حَصَلَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَا حَصَلَ لِلْوَارِثِ رَجَعَ مِيرَاثًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَبْطُلُ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ اشْتَرَكَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِي الثُّلُثِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ جَمِيعُهُ كَمَا لَوْ أَشْرَكَهُ غَيْرُ وَارِثٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ الْوَارِثِ الْمُوصَى لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ. فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُحَاصِصُ الْأَجْنَبِيَّ فِي الثُّلُثِ فَمَا صَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ نَفَذَ لَهُ وَمَا صَارَ لِلْوَارِثِ رَجَعَ مِيرَاثًا

(ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي يُوصِي فَيَسْتَأْذِنُ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّتِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا ثُلُثَهُ فَيَأْذَنُونَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي ذَلِكَ وَلَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَهُمْ صَنَعَ كُلُّ وَارِثٍ ذَلِكَ فَإِذَا هَلَكَ الْمُوصِي أَخَذُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَمَنَعُوهُ الْوَصِيَّةَ فِي ثُلُثِهِ وَمَا أَذِنَ لَهُ بِهِ فِي مَالِهِ قَالَ فَأَمَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ وَرَثَتَهُ فِي وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُحَاصُّ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِي الصِّفَةِ وَسِهَامِ الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَسَاوَى بَيْنَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ فَقَدْ خَصَّ الْإِنَاثَ فَيُحَاصِصْنَ الْأَجْنَبِيَّ وَبِمَاذَا يُحَاصِصْنَ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي ابْنٍ وَبِنْتٍ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِائَةٍ وَلِأَجْنَبِيٍّ بِمِائَةٍ أَنَّ الِابْنَةَ تُحَاصُّ الْأَجْنَبِيَّ بِخَمْسِينَ وَهِيَ الَّتِي زَادَهَا عَلَى مُوَرِّثِهَا لَمَّا أَعْطَى الذَّكَرَ مِائَةً وَكَانَ يَجِبُ لَهَا خَمْسُونَ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُحَاصُّ بِثُلُثِ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ مَوْرُوثَهَا مِنْ مِائَتَيْنِ ثُلُثًا مِائَةً فَتُحَاصُّ بِالزَّائِدِ وَهُوَ ثُلُثُ مِائَةٍ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِقَوْمٍ وَأَوْصَى بِطَعَامٍ أَنْ يَحْبِسَ لِعِيَالِهِ كُلَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ قَالَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ فِي الطَّعَامِ وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا سِوَاهُ وَالْكَلَامُ فِي الطَّعَامِ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْفَرُ حَظًّا مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ أَكْلًا مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ سَلَّمُوا ذَلِكَ وَإِلَّا قَسَمُوهُ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ مَعْنَى هَذَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُحَاصُّ الْوَرَثَةُ الْأَجْنَبِيَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَنْصِبَائِهِمْ بِهِ أَرَادَ الْقَلِيلَ النَّصِيبِ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنَّهُ أَوْصَى لِعِيَالِهِ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِالطَّعَامِ لِأَهْلِهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ثُلُثِهِ فَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَوَاءٌ فَاضَلَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فِي الطَّعَامِ، أَوْ سَاوَى وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُحَاصَّةُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ فَأَنْفَذَتْ وَصِيَّتُهُ، ثُمَّ قَامَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ وَيَكُونُ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْهَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ هَذَا حَلَفَ عَلَى مَا أَنْكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَضَى لَهُ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِعَبْدٍ، أَوْ مَالٍ وَقَالَ إنْ لَمْ يُجِزْهُ وَرَثَتِي فَذَلِكَ فِي السَّبِيلِ أَوْ هُوَ حُرٌّ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ بِالْوَرَثَةِ إذْ مَنَعُوهُ مَا لَهُمْ مَنْعُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ وَرَبِيعَةُ وَلَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ وَثُلُثُ مَالِي فِي السَّبِيلِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ لِابْنِي فَهَذَا يَجُوزُ عَلَى مَا قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ نَافِعٍ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ قَالَ أَصْبَغُ وَأَنَا أَقُولُهُ اسْتِحْسَانًا وَاتِّبَاعًا لِلْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مِنْ الضَّرَرِ كَالْأَوَّلِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ لِابْنِي فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ إنَّمَا بَاشَرَتْ الْحُرِّيَّةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ تَصْيِيرُهُ إلَى الْوَارِثِ مِنْ قِبَلِ الْوَرَثَةِ فَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ لِلْوَارِثِ وَإِذَا قَالَ هُوَ لِوَارِثِي فَإِنْ مَنَعَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّمَا بَاشَرَتْ وَصِيَّتُهُ تَصْيِيرَهُ إلَى الْوَارِثِ فَلَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ مَحْضَةٌ لَا لِلْوَارِثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ عَبْدِي لِفُلَانٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَهُوَ حُرٌّ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ حُرٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ يَجُوزُ إنْفَاذُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَكِنَّهُ لَمَّا شَرَطَ أَنَّهُ مَنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ إنْفَاذِ جَمِيعِهِ لِفُلَانٍ أَنْ يَعْتِقَ وَوَجَدَ الْمَنْعَ مِنْهُمْ رَدَّ الْعِتْقَ عَلَى مَا شَرَطَ وَلَمَّا لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ جَمِيعَهُ عَتَقَ مِنْهُ مَبْلَغَ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً أَعْتِقُوا جَمِيعَ هَذَا الْعَبْدِ فَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَى الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ أَجَازَ لَهُ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضٌ جَازَ لَهُ حَقُّ مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُجِزْ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيُوصِي لِأَحَدِهِمْ بِوَصِيَّةٍ فَيُجِيزُ أَحَدَ إخْوَتِهِ وَيَأْبَى الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِصَّةُ الْمُجِيزِ مِنْ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ وَتُرَدُّ حِصَّةُ الْآبِيِّ.

لِوَارِثٍ فِي صِحَّتِهِ فَيَأْذَنُونَ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ إنْ شَاءُوا، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِهِ خَرَجَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يُعْطِيَهُ مَنْ شَاءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِئْذَانُهُ وَرَثَتَهُ جَائِزًا عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا أَذِنُوا لَهُ حِينَ يَحْجُبُ عَنْهُ مَالَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا فِي ثُلُثِهِ وَحِينَ هُمْ أَحَقَّ بِثُلُثَيْ مَالِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ حِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَمَا أَذِنُوا لَهُ بِهِ فَإِنْ سَأَلَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ حِينَ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيَفْعَلُ، ثُمَّ لَا يَقْضِي فِيهِ الْهَالِكُ شَيْئًا فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَى مَنْ وَهَبَهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمَيِّتُ فُلَانٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَك فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّاهُ الْمَيِّتُ لَهُ قَالَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ، ثُمَّ أَنْفَقَ الْهَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضٌ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الَّذِي وَهَبَ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاةِ الَّذِي أُعْطِيَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَبَيَانُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ إجَازَةَ الْوَرَثَةِ تَكُونُ فِي وَقْتَيْنِ: أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهَا وَالْوَقْتُ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا حَالَ الصِّحَّةِ وَالثَّانِيَةُ حَالَ الْمَرَضِ فَأَمَّا حَالُ الصِّحَّةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ، أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ كَالْغَزْوِ وَالسَّفَرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَذِنَ لَهُ وَرَثَتُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِغَزْوٍ، أَوْ سَفَرٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَفَعَلَ، ثُمَّ مَاتَ فِي سَفَرِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ كَالْمَرِيضِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَصْبَغُ قَالَ لِي ابْنُ وَهْبٍ كُنْت أَقُولُ هَذَا، ثُمَّ رَجَعْت إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ قَالَ أَصْبَغُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سَبَبُ الْوَصِيَّةِ غَالِبًا كَالْمَرَضِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ حَالُ صِحَّةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ الْوَرَثَةُ الْإِجَازَةَ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَأَمَّا إنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبِ وَصِيَّتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُجِيزُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا حَالٌ لَمْ تَتَعَلَّقْ فِيهِ حُقُوقُهُمْ بِالتَّرِكَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْإِجَازَةُ حَالَ الْمَرَضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَتَخَلَّلَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ وَمَرَضِ وَفَاتِهِ صِحَّةٌ، أَوْ لَا تَتَخَلَّلُهُمَا صِحَّةٌ فَإِنْ تَخَلَّلَتْهُمَا صِحَّةٌ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْوَرَثَةُ يُجِيزُونَ لِلْمَرِيضِ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَصِحُّ، ثُمَّ يَمْرَضُ فَيَمُوتُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّلَ الْإِذْنَ وَالْوَفَاةُ حَالَةٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا الْإِذْنُ كَمَا لَوْ أَذِنُوا فِي الصِّحَّةِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا يُلْزِمُهُمْ الْيَمِينَ أَنَّهُمْ مَا سَكَتُوا رِضًا بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ يَلْزَمُهُمْ بِذَلِكَ وَجْهُهُ أَنَّ صُورَةَ السُّكُوتِ عَنْ التَّعْيِينِ صُورَةُ اسْتِدَامَةِ الرِّضَا فَتَلْزَمُهُمْ الْيَمِينُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِهِ فِي الْمَرَضِ الثَّانِي. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْوَفَاةِ وَقْتُ صِحَّةٍ لَزِمَ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَلْزَمُهُمْ الْإِجَازَةُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَدْ رَوَى نَحْوَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي مَرِيضٍ بَاعَ عَبْدًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَإِنَّهُ لَا إجَازَةَ لِلْوَرَثَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ إذْ لَا يُعْلَمُ لَعَلَّ غَيْرَهُمْ يَرِثُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ حَالٌ تُعْتَبَرُ فِيهَا عَطِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ فَلَزِمَتْ الْوَرَثَةَ الْإِجَازَةُ كَبَعْدَ الْمَوْتِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ لَكَانَ سَبَبًا لِمَنْعِ الْمُوصِي مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْإِجَازَةِ لِوَصِيَّتِهِ لِلْوَارِثِ فَإِذَا مَاتَ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى تِلْكَ الْوَصِيَّةِ رَجَعُوا إلَى الْإِجَازَةِ فَمَنَعُوا بِذَلِكَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَبَاحَهَا الشَّرْعُ لَهُ وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ وَقْتُ إجَازَةٍ وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ حَالَ الْمَرَضِ حَالَةَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَالَ الصِّحَّةِ لَيْسَ بِحَالِ إجَازَةٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بَعْدُ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ وَلَا حَجَرُوا عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ وَأَمَّا حَالُ الْمَرِيضِ بِحَالِ تَعَلُّقِ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ وَغَرُّوا عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ أَفْعَالُهُ فِي ثُلُثِهِ كَبَعْدِ الْوَفَاةِ. (فَرْعٌ) وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يَلْزَمُ إذْنُ الْوَارِثِ لِلْمَرِيضِ إذَا كَانَ بَائِنًا عَنْهُ فَأَمَّا بَنَاتُهُ الْأَبْكَارُ وَزَوْجَاتُهُ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لِلسَّفِيهِ إذْنٌ وَلَا لِلْبِكْرِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إلَّا الْمُعَنِّسَةَ فَيَلْزَمُهَا وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَقَدْ

[ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد وفيه بابان]

(ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْطَى بَعْضَ وَرَثَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ فَأَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ مِيرَاثًا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ وَلَا يُحَاصُّ أَهْلُ الْوَصَايَا فِي ثُلُثِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي الْمُؤَنَّثِ مِنْ الرِّجَالِ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَأَنَا أَدُلُّك عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخَافُ مِنْ مَوْجِدَتِهِ، وَلَيْسَ الَّتِي يُسَلِّمُهَا ذَلِكَ كَاَلَّتِي تَبْتَدِئُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ كُلُّ زَوْجَةٍ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فَرُبَّ زَوْجَةٍ لَا تَهَابُهُ وَلَا تَخَافُ مِنْهُ فَهَذِهِ لَا تَرْجِعُ، وَكَذَلِكَ الِابْنُ الْكَبِيرُ وَهُوَ فِي عِيَالِ أَبِيهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُخْدَعُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ يَرْجِعُوا إذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي حَضَانَتِهِ يَخَافُ أَنْ يُقْصِيَهُ وَيَقْطَعَ مَعْرُوفَهُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُجِزْ لَهُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ تَقَصِّيًا لِمَسَرَّتِهِ وَاسْتِدَامَةً لِصَلَاحِ حَالِهِ مَعَهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْإِجَازَةَ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَلْزَمُ الْإِذْنُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَلَا مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَخَافُ أَنْ يُلْزِمَهُ بِهِ، أَوْ يَكُونُ سُلْطَانًا يُرْهِبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ سَأَلَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ أَنْ يَهَبُوا لَهُ مِيرَاثَهُ حِينَ تَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيَفْعَلُ، ثُمَّ لَا يَقْضِي فِيهِ الْهَالِكُ شَيْئًا فَإِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ وَهَبَهُ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَمَّى لَهُ مَنْ يَهَبُهُ لَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ وَمَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي الْمُوَطَّإِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنَّ فُلَانًا لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ وَأُحِبُّ أَنْ تَهَبَ لَهُ مِيرَاثَك فَيَفْعَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَوْجَبَ مِيرَاثَهُ دُونَ تَسْمِيَةٍ فَإِنَّمَا يَسْتَأْذِنُهُ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي وُجُوهٍ يُرِيدُهَا الْوَارِثُ، أَوْ غَيْرُهُ لَا لِيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهِ فَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يُحْدِثْ فِيهِ حَدَثًا فَقَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفُذَ مَا اسْتَأْذَنَ فِيهِ فَيَرْجِعُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَقَدْ بَيَّنَ الْوَجْهَ الَّذِي سَأَلَهُ إنْفَاذَهُ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ الْإِنْفَاذُ مِنْ الْوَارِثِ الْوَاهِبِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِيهِ أُوصِي بِهِ لِفُلَانٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِوَارِثٍ آخَرَ فَإِنْ أَنْفَذَهُ مَضَى، وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْهُ فَهُوَ رَدٌّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَلَوْ وَهَبَ لَهُ مِيرَاثَهُ فَأَنْفَذَ الْهَالِكُ بَعْضَهُ وَبَقِيَ لَهُ بَعْضٌ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْوَاهِبِ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِبَعْضِ مَا وَهَبَهُ إيَّاهُ مِنْ مِيرَاثِهِ وَيَبْقَى بَعْضُهُ لَا يُوصِي فِيهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّ مَا أَبْقَاهُ دُونَ وَصِيَّةٍ رَاجِعٌ إلَى الْوَارِثِ الْوَاهِبِ عَلَى حُكْمِ الْمِيرَاثِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ يُرِيدُ فِي مَرَضِهِ فَذَكَرَ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْطَى بَعْضَ وَرَثَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَا قَالَ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ ذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ فَتَبْطُلُ بِمَرَضِ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالٍ حُكْمِ الْعَطِيَّةِ فِيهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ فَبِأَيِّ الْحَالَتَيْنِ اعْتَبَرْت إقْرَارَهُ بَطَلَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَشْهَدَ فِي مَرَضِهِ فِي جَارِيَةٍ لَهُ أَنِّي كُنْت أَعْتَقْتهَا فِي الصِّحَّةِ وَتَزَوَّجْتهَا وَأُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا تُعْتَقُ بِذَلِكَ فِي ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا مِيرَاثَ إلَّا بِأَمْرٍ يَثْبُتُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ الْعِتْقِ، ثُمَّ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي مَرَضِهِ أَمْضُوا عِتْقَهَا. [مَا جَاءَ فِي الْمُؤَنَّثِ مِنْ الرِّجَالِ وَمَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ وَفِيهِ بَابَانِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ حَبِيبٍ الْمُخَنَّثُ هُوَ الْمُؤَنَّثُ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فِيهِ الْفَاحِشَةُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَثَنِّي الشَّيْءِ وَتَكَسُّرِهِ وَالْمُخَنَّثُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ اسْمُهُ هيْت وَكَانَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] إلَى {أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] قَالَ عِكْرِمَةُ هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ لَهُ يُرِيدُ الْعِنِّينَ وَقِيلَ هُوَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْخُنْثَى وَالْمَعْتُوهُ وَالطِّفْلُ وَالْعِنِّينُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ هُوَ الَّذِي يَتْبَعُك لِيُصِيبَ مِنْ طَعَامِك وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ وَلَا يَهُمُّهُ إلَّا بَطْنُهُ فَلَا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى النِّسَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ: إنَّهَا إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ» فَحَجَبُوهُ. وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ «إنَّ هِيتًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَهُوَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ إنْ افْتَتَحْتُمْ الطَّائِفَ فَعَلَيْك بِبَادِنَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ مَعَ ثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ إنْ قَعَدَتْ ثَبَتَتْ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ بَيْنَ رِجْلَيْهَا كَالْإِنَاءِ الْمَكْفُوفِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ غَلْغَلْت النَّظَرَ إلَيْهَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ، ثُمَّ أَجْلَاهُ عَنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحِمَى» فَلَمَّا فُتِحَ الطَّائِفُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ بُرَيْهَةَ وَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ كَلَّمَهُ فِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ قِيلَ إنَّهُ قَدْ ضَعُفَ وَكَبِرَ وَاحْتَاجَ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَيَسْأَلَ النَّاسَ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى مَكَانِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَعْكَانَهَا وَهِيَ تَرَاكِيبُ اللَّحْمِ فِي الْبَطْنِ حَتَّى يَنْعَطِفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَهِيَ فِي بَطْنِهَا أَرْبَعُ طَرَائِقَ وَتَبْلُغُ أَطْرَافُهَا إلَى خَاصِرَتَيْهَا فِي كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعٌ فَهِيَ عَلَى هَذَا ثَمَانٍ وَأَرَادَ الْعُكَنَ وَاحِدَتُهَا عُكْنَةٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فَلِذَلِكَ أَتَى بِلَفْظِ الْعَدَدِ عَلَى التَّأْنِيثِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ مَنْ يَفْطِنُ لِمَحَاسِنِ النِّسَاءِ مِنْ الْمُخَنَّثِينَ وَمَنْ يُحْسِنُ وَصْفَهُنَّ وَيَهْتَبِلُ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31] مَنْ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ وَلَا يَهْتَبِلُ بِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْحَسْنَاءِ مِنْهُنَّ وَالْقَبِيحَةِ فَهُوَ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ الَّذِي لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أُولُو الْإِرْبَةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ذَوُو مَحَارِمَ وَأَجْنَبِيُّونَ فَأَمَّا ذَوُو الْمَحَارِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الدُّخُولُ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمِهِمْ وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا مِنْهَا إلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ كَالْوَجْهِ وَالشَّعْرِ وَالْمِعْصَمَيْنِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ شَعْرَ امْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ خَدَّ ابْنَتِهِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِانْكِشَافِهِ مِنْهَا وَأَمَّا أَنْ يَرَاهَا مُتَجَرِّدَةً فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِيَسْتَأْذِن الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرَى أُمَّهُ عُرْيَانَةً، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَسْتُرُهُ غَالِبًا كَالْعَوْرَةِ الْمُخَفَّفَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ الْقُرَبَاءُ، وَلَيْسَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقُرْبَى أَنْ يَرَوْا مِنْهَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ذَلِكَ فَاقْتَضَى قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ مَنَعَ رُؤْيَةَ ذَوِي الْمَحَارِمِ لِشَعْرِ الْمَرْأَةِ وَأَبَاحَ لَهُ رُؤْيَةَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أُمُّ الزَّوْجَةِ فَجَوَّزَ مَالِكٌ النَّظَرَ إلَى شَعْرِهَا وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِذِي مَحْرَمٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مُبَاحًا لَهُ، أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَهُوَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا وَتَنْظُرُ هِيَ مِنْهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ لَا يَحِلُّ لَك فَرْجُهَا فَلَا تَطَّلِعْ عَلَى عَوْرَتِك فِي صِحَّةٍ وَلَا مَرَضٍ وَحَالِ ضَرُورَةٍ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَا يُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيَجُوزُ نَظَرُهُ لَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ خَصِيٌّ وَفَحْلٌ فَأَمَّا الْخَصِيُّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، أَوْ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ خَصِيُّهَا؛ لِأَنَّ فِي نَظَرِهِ إلَى وَجْهِهَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهَا وَكَوْنُهُ خَصِيًّا؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّأْنِيثِ فَأَمَّا رُؤْيَةُ شَعْرِهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَرَى شَعْرَ سَيِّدَتِهِ إنْ كَانَ وَغْدًا وَكُرِهَ ذَلِكَ لِذِي الْمَنْظَرِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ مَا تَمْلِكُهُ مِنْ الْخُصْيَانِ بِخِلَافِ مَنْ لَا تَمْلِكُهُ وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَزِينَتَهَا مَنْ لَا تَمْلِكُهُ، وَإِنْ كَانَ لِزَوْجِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخَصِيُّ الْعَبْدُ لِزَوْجِهَا وَلِغَيْرِ زَوْجِهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَ الْحُلُمَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يَرَى وَجْهَهَا، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا لَا بَأْسَ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْظَرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحُرُّ مِنْ الْخُصْيَانِ فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى النِّسَاءِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ كَانَ وَغْدًا، أَوْ غَيْرَ وَغْدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْفَحْلُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَبْدٌ وَحُرٌّ فَأَمَّا الْعَبْدُ لَهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سَيِّدَتِهِ وَيَرَى شَعْرَهَا إنْ كَانَ لَا مَنْظَرَ لَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ مُكَاتَبُهَا وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] إنَّمَا عَنَى بِهَا الْإِمَاءَ وَلَمْ يَعْنِ بِهَا الْعَبِيدَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ لَا يَرَى شَعْرَهَا وَمَعْنَى، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ نَبْهَانُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إلَيْنَا إذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ بِمَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ» قَالَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذَوُو الْمَحَارِمِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَيْسَ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ الَّذِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْهَا لَا تَدُومُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتِقَهُ فِي سَفَرِهَا فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدِي غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور: 58] فَأُجْرُوا مَجْرَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَأُمِرُوا بِالِاسْتِئْذَانِ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَسْتُرُونَ فِيهَا كَمَا يَسْتُرُونَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا عَبْدُ غَيْرِهَا فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا كَالْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَجْنَبِيٌّ وَأَمَّا الضَّرُورَةُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ الْغَرِيبَةِ تَلْجَأُ إلَى الرَّجُلِ يَقُومُ بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلْيُدْخِلْ مَعَهُ غَيْرَهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّهَا حَالُ ضَرُورَةٍ كَحَالَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ يُرِيدُ نِكَاحَهَا يَنْظُرُ إلَيْهَا قِيلَ: فَيَغْتَفِلُهَا مِنْ كُوَّةٍ وَنَحْوِهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالنَّظَرِ إلَيْهَا الضَّرُورَةُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ إلَيْهَا لِيَعْلَمَ هَلْ تُوَافِقُهُ صُورَتُهَا وَمَحَاسِنُهَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ اغْتِفَالُهَا لِئَلَّا يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى عَوْرَةٍ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا؛ لِأَنَّهُ

(ص) : (مَالِكُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ، ثُمَّ إنَّهُ فَارَقَهَا فَجَاءَ عُمَرُ قُبَاءَ فَوَجَدَ ابْنَهُ عَاصِمًا يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إيَّاهُ حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقَالَ عُمَرُ: ابْنِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: ابْنِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّجُلُ يُرِيدُ شِرَاءَ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى بَدَنِهَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى سَاقَيْهَا وَعَجُزِهَا وَبَطْنِهَا وَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ يَنْظُرُ إلَى جَمِيعِهَا إلَّا الْفَرْجَ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ هِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ أُخْتُ عَاصِمٍ كَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةٌ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيلَةً وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا بِنْتُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمًا بْنَ عُمَرَ قِيلَ إنَّهَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ فَارَقَهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ أَحَقُّ بِحَضَانَتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَتَزَوَّجَ جَمِيلَةَ بَعْدَ عُمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَ عُمَرُ قُبَاءَ فَوَجَدَ ابْنَهُ عَاصِمًا يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ عِنْدَ أُمِّهِ، أَوْ جَدَّتِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْدَ جَدَّتِهِ زَائِرًا لَهَا، أَوْ لَعَلَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ فَانْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ إلَى الْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ابْنِي كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأُمَّ أَرْفَقُ بِالِابْنِ وَأَحْسَنُ تَنَاوُلًا لِغُسْلِهِ وَتَنْظِيفِهِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهِ كُلِّهِ مَعَ مُلَازَمَتِهَا ذَلِكَ وَاشْتِغَالِ الْأَبِ عَنْهُ فِي تَصَرُّفِهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِالِابْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْأُمِّ، أَوْ الْوَلَدِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمِّ «فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَلْحَقُهَا الضَّرَرُ بِالتَّفْرِقَةِ مِنْهَا مَعَ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مِنْ الْإِشْفَاقِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّوَجُّعِ لَهُ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ حَقٌّ لِلْوَلَدِ؛ فَلِأَنَّ الْغَرَضَ حِفْظُهُ وَمَصَالِحُهُ؛ وَلِذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إذَا تَزَوَّجَتْ، وَإِنْ لَحِقَهَا الضَّرَرُ بِأَخْذِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ رَضِيَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالْوَلَدُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَ أَبِيهِ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ أُمُّهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَاعْتَبَرَ رِضَا الْأُمِّ وَالْوَلَدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَنِهَايَةُ هَذِهِ الْحَضَانَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْبُلُوغُ فِي الذُّكُورِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حَدَّهَا فِي الذُّكُورِ الِاثِّغَارُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ حَدَّ الْحَضَانَةِ الِاحْتِلَامُ وَقِيلَ حَتَّى يُثْغِرَ وَأَمَّا فِي الْإِنَاثِ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ بِأَنَّ لَهَا الْحَضَانَةَ إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ أَبِيهَا أَصْوَنَ لَهَا وَأَمْنَعَ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيُخْتَارُ لَهَا الْمَوْضِعُ الْأَصْوَنُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى فَحَتَّى يَبْلُغَ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَحَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَمَّنْ يَحْضُنُهُ وَيَقُومَ بِنَفْسِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا بَلَغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِيًا خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فَمَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا كَانَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَضَانَةُ لَهُ وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ إسْنَادُهُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْفِرَادِ بِنَفْسِهِ وَالْأُمُّ أَشْفَقُ عَلَيْهِ وَأَصْبَرُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَمُرَاعَاةِ حَالِهِ وَالْأَبُ لَا يَسْتَطِيعُ تَعَاهُدَ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْأُمُّ أَحَقَّ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ بِذَلِكَ وَهُوَ الْحَدُّ الَّذِي يَقْوَى فِيهِ وَيُمْكِنُهُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مَنْ يَخْدُمُهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الِابْنَ إذَا قَارَبَ الِاحْتِلَامَ وَأَنْبَتَ وَاسْوَدَّ نَبَاتُهُ فَالْأَبُ يَضُمُّهُ إلَى نَفْسِهِ وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُؤَقِّتُ فِي ذَلِكَ الِاحْتِلَامَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدُّهُ أَنْ يَحْتَلِمَ الذَّكَرُ صَحِيحَ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْإِنْبَاتَ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَيُمْكِنُ أَنْ تَثْبُتَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الصَّبِيِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكْتُمَهُ وَيَدَّعِيَهُ فَكَانَ الْإِنْبَاتُ أَوْلَى وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ رُوعِيَ فِيهِ بِنَاءُ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الِاحْتِلَامُ فِي حَقِّ الذُّكُورِ كَوُجُوبِ الْفَرَائِضِ وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً فَإِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا حَقَّ لِلنَّصْرَانِيَّةِ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَوْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا ثَنَاءُ سُوءٍ لَنُزِعَ مِنْهَا؛ فَهَذِهِ أَوْلَى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الْحَضَانَةُ لَهَا وَاجِبَةٌ، وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ لَهُنَّ الْحَضَانَةُ سَوَاءٌ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، أَوْ مُسْلِمَاتٍ أَوْ مَجُوسِيَّاتٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا أُمٌّ حُرَّةٌ خِلْوٌ مِنْ زَوْجٍ لِلِابْنِ فِي حَضَانَتِهَا مِرْفَقٌ فَكَانَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ كَالْمُسْلِمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِرْزٍ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ، أَوْ تَضْعُفُ عَنْهُ، أَوْ سَفِيهَةً، أَوْ سَقِيمَةً، أَوْ ضَعِيفَةً، أَوْ مُسِنَّةً فَلَا حَضَانَةَ لَهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَضَانَةَ إنَّمَا هِيَ لِلرِّفْقِ بِالصَّغِيرِ فَإِذَا عَجَزَتْ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ، عَدِمَ الرِّفْقَ وَكَانَ فِي مَقَامِهِ عِنْدَهَا تَضْيِيعٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَإِذَا كَانَ الِابْنُ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ لَمْ يُمْنَعْ الِاخْتِلَافَ إلَى أَبِيهِ يُعَلِّمْهُ، وَيَأْوِي إلَى الْأُمِّ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِابْنَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ أَبُوهُ وَيُؤَدِّبَهُ وَيُسَلِّمَهُ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ وَالصَّنَائِعَ وَالتَّصَرُّفَ وَتِلْكَ مَعَانٍ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْأَبِ فَكَانَ الْأَبُ أَوْلَى بِالِابْنِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّعَلُّمِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَخْتَصُّ بِالْمَبِيتِ وَمُبَاشَرَةِ عَمَلِ الطَّعَامِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَتَهْيِئَةِ الْمَضْجَعِ وَالْمَلْبَسِ وَالْعَوْنِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْمُطَالَعَةِ لِمَنْ يُبَاشِرُهُ وَتَنْظِيفِ الْجِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ مُبَاشَرَتُهَا بِالنِّسَاءِ وَلَا يَسْتَغْنِي الصَّغِيرُ عَنْ مَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ لَهُ؛ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَحَقَّ مِمَّا إلَيْهِ مَنَافِعُ الصَّبِيِّ وَالْقِيَامُ بِأَمْرِهِ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ شَكَا الْأَبُ ضَيَاعَ نَفَقَةِ ابْنِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَهُ فَقَدْ كَتَبَ سَحْنُونٌ إلَى شَجَرَةٍ فِي الْخَالَةِ تَجِبُ لَهَا الْحَضَانَةُ فَيَقُولُ الْأَبُ يَكُونُ وَلَدِي عِنْدِي لِأُعَلِّمَهُ وَأُطْعِمَهُ فَإِنَّ الْخَالَةَ تَأْكُلُ مَا أَرْزُقُهُمْ وَهِيَ مُكَذِّبَةٌ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيُعَلِّمَهُ وَتَكُونُ الْحَضَانَةُ لِلْخَالَةِ فَجَعَلَ الْحَضَانَةَ أَنْ يَأْوِيَ إلَيْهَا وَتُبَاشِرَ سَائِرَ أَحْوَالِهِ مِمَّا يَغِيبُ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا كَانَتْ الصَّبِيَّةُ عِنْدَ جَدَّتِهَا لَمْ يُمْنَعْ رَسُولُ عَمَّتِهَا مِنْ زِيَارَتِهَا وَعِيَادَتِهَا وَلَا يَمْنَعُ عَمَّتَهَا أَنْ تَأْتِيهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْعَمَّةِ حَقًّا فِي مُطَالَعَةِ حَالِهَا وَمَعْرِفَةِ مَجَارِي أُمُورِهَا وَصِحَّتِهَا وَسَقَمِهَا وَمَا تُبَاشِرُ مِنْ عَمَلِهَا لِلرَّحِمِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَدْخُلُ بِهِ مَضَرَّةٌ مِنْ كَثْرَةِ مُلَازَمَتِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ الْأُمُّ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَالْحَضَانَةُ لَهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا فَإِذَا دَخَلَ بِهَا بَطَلَتْ حَضَانَتُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِتَكَرُّهِ الزَّوْجِ لَهُ وَضَجَرِهِ بِهِ وَالْأُمُّ تَدْعُوهَا الضَّرُورَةُ إلَى التَّقْصِيرِ فِي تَعَاهُدِهِ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ الزَّوْجِ وَاشْتِغَالًا بِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُضِرٌّ بِالصَّبِيِّ فَبَطَلَ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَرَضِيَ الزَّوْجُ أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَهَا الْوَلَدَ حَوْلَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ يَأْخُذَهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَطَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَحَبَسَتْهُ وَقَامَ الْأَبُ بِالْكِتَابِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يَبْقَى عِنْدَهَا إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ ثَانِيَةً زَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ أَخْذُ وَلَدِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا يَخْلُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهَا الْوَلَدَ، أَوْ بَعْدَ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ أَوْ الْجَدَّةُ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا الْوَلَدَ حَتَّى فَارَقَهَا الزَّوْجُ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهَا بِخِلَافِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِانْتِزَاعِهِ مِنْهَا حَتَّى يَزُولَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلِانْتِزَاعِ وَعِلَّتُهُ كَالْعَيْبِ يُوجَدُ بِالْمَبِيعِ فَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ حَتَّى يَزُولَ الْعَيْبُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ انْتَزَعَ مِنْهَا الْوَلَدَ قَبْلَ الْفُرْقَةِ بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُرَدُّ إلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ لَهَا أَخْذُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَضَانَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ أَسْبَابَهَا إذَا زَالَتْ زَالَ حُكْمُهَا لِزَوَالِ سَبَبِهَا وَلَمْ يَعُدْ كَمَا لَوْ تَرَكَتْهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ طَلَبَتْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ سَبَبَ انْتِقَالِ الْحَضَانَةِ عَنْ الْأُمِّ دُخُولُ الزَّوْجِ بِهَا وَمَا يُحْذَرُ مِنْ اسْتِضْرَارِ الْوَلَدِ وَتَبَرُّمِهِ بِهِ وَشَغْلِ الْأُمِّ عَنْهُ وَإِذَا زَالَ الزَّوْجُ فَقَدْ أَمِنَ هَذَا فَعَادَتْ الْحَضَانَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ أَبِيهِ وَالْأُمُّ مُتَنَحِّيَةً عَنْهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ لَهَا أَخْذُهُ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِتَرْكِهَا قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ وَالصَّبِيُّ قَدْ أَنِسَ بِغَيْرِهَا وَتَسَلَّى عَنْهَا وَصَلُحَتْ حَالُهُ دُونَهَا لَا سِيَّمَا مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ تَرْكِهَا لَهُ وَرِضَاهَا بِأَنْ يَلِي غَيْرُهَا أَمْرَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إذَا رَدَّتْهُ اسْتِثْقَالًا لَهُ، ثُمَّ طَلَبَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِعُذْرٍ لَهُ وَجْهُهُ قَالَ أَشْهَبُ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مَرِضَتْ، أَوْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَضَانَةَ حَقٌّ لِلْأُمِّ خَاصَّةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ وَلِيَّانِ وَتَزَوَّجَتْ الْأُمُّ أَحَدَهُمَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لَا يُنْزَعُ مِنْهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ عِنْدَهَا جَفْوَةً أَوْ ضَيْعَةً، أَوْ تَخْلُوَ دُونَهُ وَتَدَعَهُ فَيَكُونُ الْوَلِيُّ الْآخَرُ أَحَقَّ بِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَدَّةِ الْمُتَزَوِّجَةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا جَدَّ الصَّبِيِّ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا حَضَانَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَدَّ الصَّبِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْجَدَّ وَلِيٌّ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ فَلَا يُمْنَعُ الْحَضَانَةَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الزَّوْجَ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُشْغَلُ عَنْ الصَّبِيِّ وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُشْغِلُ الْأُمَّ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ وَلَا يَنْقُلُ ذَلِكَ الْحَضَانَةَ عَنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ حَضَانَةَ الْأُمِّ تَبْطُلُ بِدُخُولِ زَوْجِهَا بِهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ بَعْدَهَا إلَى أَقْرَبِ النِّسَاءِ بِالصَّبِيِّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَيَنْتَقِلُ ذَلِكَ بِتَزَوُّجِ الْأُمِّ وَعَدَمِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ بِالْحَضَانَةِ مِنْ النِّسَاءِ إلَى الْأَبِ وَلَا يَخْلُوَا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ مِنْ أُنْثَى، أَوْ ذَكَرٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْوَصِيُّ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ أَحَقُّ مِنْ الْأُمِّ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْأَوْلِيَاءُ أَحَقُّ بِالصِّبْيَانِ وَالْأَوْلِيَاءُ هُمْ الْعَصَبَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كُنَّ إنَاثًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِلْعَمِّ وَالْجَدِّ أَخْذُ الصَّبِيَّةِ إذَا نَكَحَتْ أُمُّهَا وَأَمَّا الْوَصِيُّ إذَا كَانَ ذَا مَحْرَمٍ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْجَدِّ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا مَحْرَمٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كَوْنُهَا مَعَ زَوْجِ أُمِّهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ذُو مَحْرَمٍ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْوَصِيُّ أَحَقُّ بِالصِّبْيَانِ غِلْمَانًا كَانُوا، أَوْ جِوَارِي، وَإِنْ حَصُنَ الْأَبْكَارُ وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ، وَإِنْ كَانَ رِضًى قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمُومَةِ. 1 - (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْجَدَّةَ لِلْأُمِّ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ بَعْدَ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ لَهَا مَنْزِلٌ تَنْفَرِدُ بِهِ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تَسْكُنُ مَعَ الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ لِلْجَدَّةِ أَنْ تَسْكُنَ بِهِمْ مَعَ أُمِّهِمْ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ

[الباب الأول فيمن يستحق ذلك بافتراق الدارين]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ مَعَ أُمِّهِمْ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهَا وَهُوَ مِمَّا اُعْتِيدَ مِنْ الْأَزْوَاجِ فِيهِ الِاسْتِثْقَالُ وَالتَّكَرُّهُ وَالتَّبَرُّمُ، وَذَلِكَ مُضِرٌّ بِالْوَلَدِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْحَضَانَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْجَدَّةِ وَهِيَ الْمُنْفَرِدَةُ بِهِمْ فِي الْمَبِيتِ وَالْأَكْلِ وَلَا يَضُرُّ الْوَلَدُ كَوْنُهُمْ مَعَ أُمِّهِمْ فِي مَسْكَنٍ بَلْ رُبَّمَا نَالَهُمْ رِفْقُهَا بِهِمْ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ بِالْجَدَّةِ عَنْهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ كَالْأُمِّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَدَّةً وَزَالَتْ الْحَضَانَةُ عَنْهَا بِنِكَاحٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى الْخَالَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ قَالَ أَصْبَغُ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْخَالَةَ أَحَقُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى بِالْحَضَانَةِ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِخَالَتِهَا وَهِيَ زَوْجُ جَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ الْخَالَةُ أُمٌّ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْخَالَةَ مَعَ لُطْفِ مَحَلِّهَا وَقُرْبِهَا مِنْ الصَّبِيِّ وَمَا عُهِدَ مِنْ حُنُوِّهَا أَقْدَرُ عَلَى مُبَاشَرَةِ حَضَانَتِهِ وَتَنَاوُلِ أَمْرِهِ مِنْ الْأَبِ لِتَعَذُّرِ هَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى الرِّجَالِ فِي الْغَالِبِ. 1 - (فَرْعٌ) وَخَالَةُ الْأُمِّ كَالْخَالَةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْخَالَةَ أَحَقُّ مِنْ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جَنَبَةِ الْأُمِّ مُغَلَّبَةٌ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى جَنَبَةِ الْأَبِ كَمَا غُلِّبَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ وَمِنْهَا تُسْتَفَادُ الْحَضَانَةُ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى جَنَبَةِ الْأَبِ حَتَّى يُعْدَمَ مُسْتَحِقُّهَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ لِبَنَاتِ الْخَالَةِ مِنْ الْحَضَانَةِ شَيْءٌ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَعَمَّاتُهُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ خَالَاتِهِ بِالْحَضَانَةِ فَأَوْهَمَ أَنَّ لِبَنَاتِ الْخَالَةِ حَقًّا مِنْ الْحَضَانَةِ وَقَدَّمَ الْعَمَّاتِ عَلَيْهِنَّ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا الْعَمَّةُ لِكَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهَا وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ جَنْبَةُ الْأُمِّ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْعَدَدِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ اطَّرَدَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ. 1 - (فَرْعٌ) وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِيهَا الْأَبُ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ مِنْ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ فَقَدَّمَ الْأَبَ عَلَى نِسَاءِ جَنَبَتِهِ إلَّا الْجَدَّةَ خَاصَّةً. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا عُدِمَ الْجَدَّاتُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ وَالْحَارِثُ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ إلَى الْأَبِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ الْجَدَّةُ وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالنِّسَاءُ مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ أَوْلَى أُخْتُ الصَّبِيِّ، ثُمَّ عَمَّتُهُ، ثُمَّ بِنْتُ الْأَخِ قَالَ وَهَذَا مَطْرُوحٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، ثُمَّ ابْنَةُ أَخِي الصَّبِيِّ، ثُمَّ الْأَبُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاخْتُلِفَ إذَا انْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَيُّهُمَا أَوْلَى الْأَبُ أَوْ قَرَابَاتُهُ فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى فُلَانُ بِهِ يَدُلُّونَ وَالْأَصْلُ أَوْلَى وَإِذَا قُلْنَا قَرَابَاتُهُ أَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُنَّ أَرْفَقُ وَالْأَبُ لَا يُمْكِنُهُ تَنَاوُلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ أَصْلَ الْحَضَانَةِ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُبَاشِرْنَ ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ قَدَّمْت الْأُمَّ عَلَى الْأَبِ فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُنَّ إلَّا بِعَدَمِ جَمِيعِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ كَأُمِّ الْأَبِ وَظَاهِرُ لَفْظِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ الْمُدْلِينَ بِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يُقَدَّمُ جَمِيعُهُنَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ الْعَمَّةَ وَبِنْتَ الْأَخِ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ غَيْرَ الْأَبِ؛ وَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ فَلَا يُنْقَلُ عَنْهُنَّ إلَّا بِعَدَمِ جَمِيعِهِنَّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَيْهِنَّ فَعُدِمَ الْأَبُ فَالْحَضَانَةُ بَعْدَهُ لِلْأُخْتِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ، ثُمَّ ابْنَةُ أَخِي الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ لِبِنْتِ الْخَالَةِ وَلَا لِبِنْتِ الْعَمَّةِ وَلَا لِبِنْتِ الْأُخْتِ مِنْ الْحَضَانَةِ شَيْءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا عُدِمَ النِّسَاءُ وَالْأَبُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْأَخُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ، ثُمَّ الْعَمُّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْوَصِيُّ وَوَلِيُّ النِّعْمَةِ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَوْلَى النِّعْمَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَذَلِكَ الْعَصَبَةُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ قَرَابَةٌ وَتَعْصِيبٌ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِافْتِرَاقِ الدَّارَيْنِ] 1

[الباب الثاني في المسافة التي يحصل بها حكم التفرق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَاضِنَةُ مَعَ الْأَبِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَالْأَبُ وَمَنْ لَهُ حَقٌّ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَفِي هَذَا بَابَانِ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِافْتِرَاقِ الدَّارَيْنِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا حُكْمُ التَّفَرُّقِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِافْتِرَاقِ الدَّارَيْنِ) فَإِذَا أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَرْتَحِلَ إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ سُكْنَى الْأُمِّ يُرِيدُ السُّكْنَى فَلَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ بِوَلَدِهِ مَعَهُ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ، أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ مُسَافِرٌ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْ الْأُمِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ يَرْضَعُ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ كِبَارًا مَا دَامَ يُقِيمُ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ فَوُلِدَ لَهُ فَفَارَقَ الزَّوْجَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُهَا قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ خَبَرُهُمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كَوْنَهُ مَعَ أَبِيهِ أَحْوَطُ لَهُ وَأَثْبَتُ لِنَسَبِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا انْتَقَلَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصِّبْيَانِ غِلْمَانًا كَانُوا، أَوْ جِوَارِي، وَلَيْسَ لِإِخْوَتِهِمْ وَلَا لِأَعْمَامِهِمْ وَجُدُودِهِمْ مَنْعُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ النَّاظِرُ لَهُمْ دُونَهُمْ وَدُونَ الْحَاضِنَةِ وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ فَكَانَ كَالْأَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْأَوْلِيَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي انْتِقَالِهِمْ مَعَهُ عَنْ مَكَانِ الْأُمِّ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ، أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ عَصَبَةٌ كَالْأَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَرَادَتْ الْأُمُّ الِانْتِقَالَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ أَبُوهُمْ أَوْ أَوْلِيَاؤُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الطِّفْلِ عَصَبْته فِي الدَّارِ كَانْتِقَالِ الْعَصَبَةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا حُكْمُ التَّفَرُّقِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا حُكْمُ التَّفَرُّقِ وَكَمْ قَدْرُ الْمَسَافَةِ الَّتِي لَا تَأْثِيرَ لَهَا وَتَمْيِيزُهَا مِنْ الْمَسَافَةِ الْمُؤَثِّرَةِ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَرْتَحِلَ بِهِمْ إلَّا الْبَرِيدَ وَنَحْوَهُ حَيْثُ يَبْلُغُ الْأَبُ وَالْأَوْلِيَاءُ خَبَرَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْحَلَ بِهِمْ إلَّا مِثْلَ الْمَرْحَلَةِ، أَوْ الْمَرْحَلَتَيْنِ وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ بِنْتٍ سِنُّهَا ثَمَانِ سِنِينَ وَأَرَادَتْ أُمُّهَا أَنْ تَرْتَحِلَ بِهَا إلَى خُؤُولَتهَا عَلَى مَسِيرَةِ مَرْحَلَتَيْنِ وَأَبَى ذَلِكَ أَعْمَامُهَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَقْرَبُ مَا لِلْأَبِ أَنْ يَرْتَحِلَ فِيهِ بِالْوَلَدِ سِتَّةُ بُرُدٍ وَلَمْ يَرَ أَشْهَبُ أَنْ تَنْتَقِلَ بِهِ الْأُمُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ بُرُدٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبَرِيدَ وَنَحْوَهُ لَا يَشُقُّ عَلَى الْأَبِ مُطَالَعَةُ ابْنِهِ فِيهِ غَالِبًا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَشُقُّ تَكَرُّرُهُ لِمُطَالَعَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْأُمِّ إحْدَاثُ هَذِهِ الْمَضَرَّةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ مَا دُونَ سِتَّةِ بُرُدٍ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْحَضَرِ كَالْبَرِيدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَظْعَنَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ وَلِيٌّ فَتَظْعَنُ الْأُمُّ بِهِمْ حَيْثُ شَاءَتْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُقَامُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِيطَانُ مَعَهُ وَقَدْ يُخْرِجُهُ سَيِّدُهُ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَنْفَرِدُ الْوَلَدُ وَلَا تَحْصُلُ لَهُ مُرَاعَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا وَالْأُمُّ أَمَةً فَعَتَقَ الْوَلَدُ فَإِنَّ الْحَضَانَةَ لِلْأُمِّ إلَّا أَنْ يُبَاعَ، أَوْ يَنْكِحَ، أَوْ يَظْعَنَ الْأَبُ قَالَهُ مَالِكٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ السَّيِّدَ إبَاحَةُ مُرَاعَاةِ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدَهُ فَإِذَا أَعْتَقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهُ وَسَائِرَ حُقُوقِهِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِحَقِّ الرِّقِّ فَإِنْ كَانَ لِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الرِّقِّ فَإِنَّ النِّكَاحَ يُبْطِلُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا بِيعَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي أَنْ يُؤْوِيَهُ مَعَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ فَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَهَلْ لَهَا حَضَانَةٌ إذَا أَعْتَقَتْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا حَضَانَةَ لَهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ

[العيب في السلعة وضمانها]

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ مِنْ الْحَيَوَانِ، أَوْ الثِّيَابِ، أَوْ الْعُرُوضِ فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ فَيُرَدُّ وَيُؤْمَرُ الَّذِي قَبَضَ السِّلْعَةَ أَنْ يَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ سِلْعَتَهُ قَالَ مَالِكٌ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إلَّا قِيمَتَهَا يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَهَا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُقْصَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ فَبِذَلِكَ كَانَ نَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا لَهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ نَافِقَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ سَاقِطَةٌ لَا يُرِيدُهَا أَحَدٌ فَيَقْبِضُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَبِيعَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيُمْسِكُهَا وَثَمَنُهَا ذَلِكَ، ثُمَّ يَرُدُّهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ وَيَقْبِضُهَا مِنْهُ الرَّجُلُ فَيَبِيعَهَا بِدِينَارٍ، أَوْ يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ، ثُمَّ يَرُدُّهَا وَقِيمَتَهَا يَوْمَ يَرُدَّهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا مِنْ مَالِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ إنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبَضَهُ. قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ السِّلْعَةَ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى ثَمَنِهَا يَوْمَ يَسْرِقُهَا فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْخَرَ قَطَعَهُ إمَّا فِي سِجْنٍ يُحْبَسُ فِيهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي شَأْنِهِ وَإِمَّا أَنْ يَهْرُبَ السَّارِقُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْحُرَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ وِلَايَةَ الْحَضَانَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَيْسَ لِلْعَبْدِ حَضَانَةُ ابْنِهِ فِي الظَّعْنِ فَإِذَا كَانَ مَعَ الرِّقِّ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَمَعَ الظَّعْنِ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ عَلَى أَنْ تَرَكَتْ حَضَانَةَ وَلَدِهَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ تُصَالِحُ الزَّوْجَ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَلَدِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ كَالْحُرَّةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدَّابَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى وَجْهِ الزِّيَارَةِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ لِقُرْبِ الْمَوْضِعِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ ضُيِّعَ تَضْيِيعًا يَخَافُ أَنْ يَضُرَّ بِهِ وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ أَخْذَهُ وَيَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِحَضَانَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ قَدْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ فَصَارَ الصَّبِيُّ إلَى جَدَّتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ عُمَرُ أَنَّ الْجَدَّةَ تَبْتَغِي حَضَانَتَهُ، أَوْ لَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الْجَدَّةِ فَأَدْرَكَتْهُ جَدَّةُ الْغُلَامِ وَهِيَ السَّمْرَاءُ بِنْتُ أَبِي عَامِرٍ وَنَازَعَتْهُ إيَّاهُ فَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ جَدَّتَهُ خَاصَمَتْ فِيهِ جَدَّهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكْمُلَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ ثَمَانِ سِنِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْإِمَامَ الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ عُمَرُ ابْنِي وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ ابْنِي فَأَظْهَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّتَهُ وَسَبَبَهُ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يَقْتَضِي لَهُ أَخْذَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ يُرِيدُ أَنَّهَا لَمَّا اسْتَوْعَبَتْ حُجَّتَهَا وَرَأَى أَنَّ الْمَرْأَةَ أَحَقَّ بِهِ قَضَى عَلَى عُمَرَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَتَذْهَبَ بِهِ وَتَأْخُذَ بِحَقِّهَا مِنْ حَضَانَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامُ يُرِيدُ أَنَّهُ سَلَّمَ حُكْمَهُ وَالْتَزَمَ مَا يَلْتَزِمُ مِنْ طَاعَتِهِ وَالرِّضَا بِمَا قَضَى بِهِ وَإِنْ كَانَ يَرَى هُوَ غَيْرَهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ يُرِيدُ مَا أَوْرَدَهُ مِنْ حُكْمِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْعَيْبُ فِي السِّلْعَةِ وَضَمَانُهَا] مَعْنَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْبَ يَحْدُثُ بِالسِّلْعَةِ بَعْدَ ابْتِيَاعِ الْمُبْتَاعِ لَهَا بَيْعًا فَاسِدًا يَجِبُ رَدُّهُ فَإِنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ الْعَيْبِ وَمَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنْ نَقْصٍ وَهَلَاكٍ مِنْ الْمُشْتَرِي الَّذِي قَبَضَهَا، وَكَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَنَمَاءٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي.

اسْتِئْخَارُ قَطْعِهِ بِاَلَّذِي يَضَعُ عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ، وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بِاَلَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخَذَهَا إنْ غَلَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعُرُوضِ ابْتِيَاعًا غَيْرَ جَائِزٍ يُرِيدُ فَاسِدًا فَيُرَدُّ لِأَجْلِ فَسَادِهِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا يَقْتَضِي رَدَّ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» . (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَبِيعَ كُلَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَضَرْبٌ لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ وَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ فَإِنْ هَذَا رَدَّهُ بِأَنْ يَرُدَّ الْمُبْتَاعُ إلَى الْبَائِعِ مَا أَخَذَ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنْ عُدِمَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ فَمِثْلُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مِثْلِهَا يَقُومُ مَقَامَ وُجُودِهَا وَلَا تَفُوتُ بِتَغَيُّرِ أَسْوَاقِهَا؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ عَيْنِهَا لَا يُفِيتُ رَدَّهَا فَبِأَنْ لَا يُفْتَهَا تَغَيُّرُ قِيمَتِهَا مَعَ سَلَامَةِ الْعَيْنِ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَصَبْرِ الطَّعَامِ وَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، أَوْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالدُّورِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَرَضِينَ فَأَمَّا مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَإِذَا فَاتَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ كَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ وَفَوَاتُهُ يَكُونُ بِالزِّيَادَةِ فِي عَيْنِهِ أَوْ النُّقْصَانِ مِنْهَا أَوْ بِتَغَيُّرِ سُوقِهِ عَلَى وَجْهِ تَصْحِيحِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُرَدُّ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ مَوْجُودَةً فَإِنْ فَاتَتْ رَدَّ قِيمَتَهَا عَلَى مَعْنَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ بَيْعٍ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَرْجِعَ الْمُبْتَاعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَبِيعِ وَلَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَمَاؤُهُ وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إلَّا قِيمَةَ سِلْعَتِهِ يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا قَبَضَهَا عَلَى الضَّمَانِ كَانَ لَهُ نَمَاؤُهَا وَعَلَيْهِ نَقْصُهَا، وَذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَدَنِ وَالْقِيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ ضَمِنَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا وَذَلِكَ يُصَحِّحُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عَيْنُهَا لَكَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهَا قَالَ مَالِكٌ فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ نَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ الْجُمْلَةَ ضَمِنَ الْأَبْعَاضَ وَمَنْ ضَمِنَ الْجُمْلَةَ وَالْأَبْعَاضَ كَانَ لَهُ النَّمَاءُ بِالضَّمَانِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَدْ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانِ نَفَاقِهَا وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ، ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانِ كَسَادِهَا وَقِيمَتُهَا دِينَارٌ فَذَهَبَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ، أَوْ يَقْبِضُهَا فِي زَمَانِ الْكَسَادِ وَقِيمَتُهَا دِينَارٌ وَيَرُدُّهَا فِي زَمَانِ نَفَاقٍ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ يُرِيدُ أَنَّ تَغْيِيرَ الْقِيمَةِ كَتَغْيِيرِ الْبَدَنِ فَكَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا سَلِيمَةً قِيمَتُهَا عَشَرَةً، ثُمَّ يَرُدَّهَا مَعِيبَةً فَكَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً فِي بَدَنِهَا وَقِيمَتُهَا دِينَارٌ وَيَرُدَّهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَنَمَائِهَا وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي الْقِيمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِعَقْدٍ تَرَاضَيَا بِهِ فَلَهُ مَا زَادَ وَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ وَأَمَّا يَوْمُ الرَّدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ بِقِيمَتِهِ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِرَدِّهَا فِي الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُؤْثِرُ فِيهِ الْقَبْضَ وَهُوَ سَبَبُهُ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ يَسْرِقُ السِّلْعَةَ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ يَوْمَ قَبَضَهَا بِالسَّرِقَةِ دُونَ يَوْمِ الْقَطْعِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَبْضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْضٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ دُونَ يَوْمِ الْحُكْمِ كَقِيمَةِ مَا سُرِقَ وَتَأْثِيرُهُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَا

[جامع القضاء وكراهيته]

جَامِعُ الْقَضَاءِ وَكَرَاهِيَتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنْ هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانُ عَمَلَهُ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّك جُعِلْت طَبِيبًا تُدَاوِي فَإِنْ كُنْت تُبْرِئُ فَنِعَمًا لَك، وَإِنْ كُنْت مُتَطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إلَيْهِمَا وَقَالَ ارْجِعَا إلَيَّ أَعِيدَا عَلِيَّ قِصَّتَكُمَا مُتَطَبِّبٌ وَاَللَّهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ، ثُمَّ زَادَ عِنْدَهُ عَلَى قِيمَةِ النِّصَابِ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ وَلَوْ سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ النِّصَابَ، ثُمَّ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ غُرْمُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَوْ قَبَضَ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، ثُمَّ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُرْمُ مَا زَادَ عَلَى الدِّينَارِ لِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْقَبْضِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَأَمَّا مَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَفُوتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَتُغَيَّرُ الْقِيمَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَفُوتُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ فَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةَ شِرَاءً فَاسِدًا، ثُمَّ بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا لَمْ يُرَدَّ بَيْعُهُ وَصُحِّحَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ. [جَامِعُ الْقَضَاءِ وَكَرَاهِيَتِهِ] (ش) : قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ يُرِيدُ الْمُطَهَّرَةَ وَالْمُقَدَّسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُطَهَّرُ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَوْضِعًا مِنْ الشَّامِّ يُسَمَّى الْمُقَدَّسَ وَمَنْ سَمَّى مَسْجِدَ إيلِيَاءَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ يُرِيدُ الْمُطَهَّرَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُطَهَّرٌ مِمَّا كَانَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ مِنْ الْكُفْرِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَزِمَهُ الِاسْمُ وَالْوَصْفُ بِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَقْدِيسِهَا تَطْهِيرُهَا أَنَّ فِيهَا يَطْهُرُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا فَيَكُونُ مَعْنَى الْمُقَدَّسِ الْمُقَدَّسِ أَهْلُهَا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُ سَلْمَانَ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَلَا تُطَهِّرُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَإِنَّمَا يُقَدِّسُهُ عَمَلُهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنَّمَا وَصَفَ أَهْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ عَمِلُوا فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءَ وَسَائِرُهُمْ أَتْبَاعًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ أُمِرُوا بِمُلَازَمَتِهِ كَمَا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ سُكْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تُقَدِّسُ أَهْلَهَا وَتُطَهِّرُهُمْ مِنْ الذُّنُوبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَبَلَغَنِي أَنَّك جُعِلْتَ طَبِيبًا يُرِيدُ أَنَّهُ يُسْتَفْتَى فِي الدِّينِ فَيُفْتِي وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ كَمَا يُعْمَلُ بِقَوْلِ الطَّبِيبِ فِي أَمْرِ الْأَدْوَاءِ فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنِعَمًا لَك يُرِيدُ بِالْإِبْرَاءِ هَاهُنَا إصَابَةَ الْحَقِّ وَدَفْعِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ وَمَا يُضَادُّ بِهِ الشَّرْعُ هُوَ الدَّاءُ الَّذِي يَسْأَلُ عَنْهُ الْمُسْتَفْتِي لِإِزَالَتِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي يُبْرِئُ قَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُزِيلُ الْبَاطِلَ وَيُثْبِتُ الْحَقَّ فَنِعَمًا أَيْ أَنَّهُ نِعْمَ الْعَمَلُ عَمَلُهُ ذَلِكَ وَنِعْمَ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ الْجَزِيلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كُنْت مُتَطَبِّبًا يُرِيدُ مُتَخَرِّصًا فِيمَا تُفْتِيهِمْ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِوَجْهِ صَوَابِهِ تَخَافُ الْخَطَأَ وَمُخَالَفَةَ الْحَقِّ فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَيَزِيدُ الْبَاطِلُ بِكَ وَيَزِيدُ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ الطَّبِيبِ لِمَنْ رَامَ بُرْأَهُ فَعَانَاهُ بِمَا يَضُرُّهُ حَتَّى قَتَلَهُ وَفَاتَ تَلَافِي أَمْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يُفْتِيَ عَلَى إنْسَانٍ بِقَتْلٍ وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ بِذَلِكَ وَهَذَا فِيمَنْ يَتَسَوَّرُ فِي الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيُخْطِئُ فِيمَا يُفْتِي بِهِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَخْطَأَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَأْثَمَ بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ» الْحَدِيثَ

(ص) : (قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ وَلِمِثْلِهِ إجَارَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ إنْ أُصِيبَ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ سَلِمَ الْعَبْدُ فَطَلَبَ سَيِّدُهُ إجَارَتَهُ لِمَا عَمِلَ فَذَلِكَ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ الْعَالِمَ قَدْ يَأْثَمُ فِي الْخَطَأِ إذَا لَمْ يَجْتَهِدْ وَيَحْذَرْ مُوَاقَعَةَ النَّارِ بِإِغْفَالِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِخْبَارَ عَنْ فَتْوَى الْجَاهِلِ؛ وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ الْمُتَطَبِّبِ وَهُوَ الْمُتَسَوِّرُ الْمُتَخَرِّصُ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَرْجَعَهُمَا وَأَعَادَ النَّظَرَ فِي أَمْرِهِمَا مُبَالَغَةً فِي الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ يَقُولُ مُتَطَبِّبٌ وَاَللَّهِ يَصِفُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِشْفَاقِ وَالْخَوْفِ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ مَا يُرْضِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِيمَا لِمِثْلِهِ إجَارَةٌ فِي الْمُعْتَادِ وَالْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ هَلَاكٍ، أَوْ نَقْصٍ فِي بَدَنٍ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَيْسَ فِي الْعَبِيدِ يُسْتَأْجَرُونَ ضَمَانُ مَا أَصَابَهُمْ، وَإِنْ قَالَ سَادَاتُهُمْ لَمْ نَأْمُرْهُمْ بِالْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلُوا فِي أَمْرٍ مَخُوفٍ كَالْبِئْرِ الْحَمِئَةِ وَالْهَدْمِ تَحْتَ جِدَارٍ فَيُضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ مُتَعَدٍّ، أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَعَدِّي إنْ لَمْ يَثْبُتْ إذْنُ السَّيِّدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا كَمَا لَوْ تَعَدَّى عَلَى دَابَّتِهِ فَرَكِبَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ وَيَعْقِدُ وَلَا يَعْرِفُ حَجْرَ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ وَهَلْ هُوَ مَمْلُوكٌ فَلَا يُضْمَنُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ فِي الْأُمُورِ الْخَطِرَةِ الَّتِي فِيهَا الْهَلَاكُ غَالِبًا قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدُوسٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ وَأَبَانَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ فَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُخَالِفُ لِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ يَقْتَضِي تَضْمِينَ الْمُسْتَعْمَلِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ مَبْنِيَّةً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ تَصَرُّفِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْهُ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى الْإِذْنِ مِنْ سَيِّدِهِ فِي الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي عَمَلٍ بِعِوَضٍ وَأَمَّا الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ يَضْمَنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَدِّي مِمَّنْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَاسْتُؤْجِرَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ الْخَيَّاطِ وَالنَّجَّارِ يَسْتَأْجِرُهُ رَجُلٌ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ يَحْمِلُ لَهُ شَيْئًا، أَوْ يَنْقُلُ لَهُ لَبَنًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُرْسِلُ إلَيْهِ سَيِّدُهُ لِيَبْنِيَ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ فَيُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ فِي عَمَلٍ لَهُ خَطَرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، أَوْ يُرْسِلُهُ فِي سَفَرٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْأَسْفَارِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ بِأَجْرٍ فَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مَخُوفٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْغَرَرِ وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ الْمَأْمُونِ يُرِيدُ الْمُعْتَادَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي عَمَلٍ مُعْتَادٍ لَهُ إجَارَةٌ فَهَذَا فِي ضَمَانِ الْعَبْدِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي عَمَلٍ مُعْتَادٍ لَا أَجْرٌ لَهُ كَمُنَاوَلَتِهِ الْقَدَحَ وَالنَّعْلَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ قَالَهُ رَبِيعَةُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَا أُجْرَةَ فِيهِ مَعَ السَّلَامَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ مَعَ التَّلَفِ. (فَرْعٌ) وَمَا وَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ فَإِنَّ السَّيِّدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، أَوْ قِيمَةَ عَمَلِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى عَلَى الرَّقَبَةِ وَاسْتَوْفَى الْعَمَلَ وَضَمَانُهُمَا مُتَنَافٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ أَيَّهمَا شَاءَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا

(ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مُسْتَرَقًّا أَنَّهُ يُوقِفُ مَالَهُ بِيَدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ فِيهِ وَيَكْتَسِي بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا هَلَكَ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّبِيُّ الصَّغِيرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْغُلَامُ لَمْ يَبْلُغْ وَالْجَارِيَةُ لَمْ تَحِضْ أَنْفُسَهُمَا إذَا عَقَلَا وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُونَا مُعَرَّضِينَ لِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَا مُعَرَّضِينَ لِذَلِكَ وَمَأْمُورِينَ بِهِ فَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَيْتَامِ كَانَ يَمْنَعُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، أَوْ لَهُ وَلِيٌّ وَيَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ وَلِيُّهُ أَنْ يُبَاشِرَ اسْتِئْجَارَهُ فِيهِ لِتَكَرُّرِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَدْفَعُ إجَارَتَهُمَا إلَيْهِمَا وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ الدَّافِعُ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَقَدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَخٌ، أَوْ عَمٌّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِهِمَا وَيُبَرِّئُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا وَلَهُ الْمُسَمَّى إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَيُتِمُّ إجَارَتَهُ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فَعَمِلَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَإِجَارَةُ مِثْلِهِ فَإِنْ هَلَكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَمَّى، أَوْ قِيمَةُ عَمَلِهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْيِيرٌ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ حُرًّا، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا أَنْ يَعْتِقَ الْمُعْسِرُ حَظَّهُ مِنْهُ فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ حَظُّ شَرِيكِهِ لِعُسْرِهِ وَمِنْهَا أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ وَلَا يَتْرُكُ مَالًا غَيْرُهُ فَيُعْتِقُ ثُلُثَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ هَذَا يُوقِفُ مَالَهُ بِيَدِهِ مِمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يُفَوِّتَ شَيْئًا مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ إلَّا بِرِضَا السَّيِّدِ إلَّا فِي كِسْوَتِهِ وَنَفَقَتِهِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا يُرِيدُ لَيْسَ لِمَنْ لَهُ بَعْضَهُ أَنْ يُزِيلَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يُفَوِّتَهُ وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيُنَمِّيهِ فِي التِّجَارَةِ الْمَأْمُونَةِ فِي أَيَّامِهِ الَّتِي لَهُ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَهُ لِحَقِّهِ فِيهِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إزَالَتَهُ مِنْ يَدِهِ وَيَعْمَلُ فِي يَوْمِهِ مَا شَاءَ يَطْحَنُ وَيَحْمِلُ قَالَهُ مَالِكٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَالٌ لِلْجُزْءِ الْحُرِّ الَّذِي فِيهِ حَقٌّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَّةِ أَثَّرَتْ فِي الْمَالِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْمُكَاتَبِ وَبِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَكْتَسِي بِالْمَعْرُوفِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى جُمْلَتِهِ دُونَ حِصَّةِ الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ؛ وَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْهُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ دُونَ سَيِّدِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ مَرِضَ الْعَبْدُ فَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ مِمَّا يَكْتَسِبُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ لِمَرَضٍ فَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى حِصَّتِهِ وَيُنْفِقُ الْعَبْدُ مِنْ مَالِهِ عَلَى حِصَّتِهِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَكْتَسِبُهُ وَيُنَمِّيهِ فِي زَمَنٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِجُزْءِ الْحُرِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرِيضَ الَّذِي يُنْفِقُ السَّيِّدُ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلِذَلِكَ لَزِمَ السَّيِّدَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مُقِيمًا مَعَهُ فَأَمَّا إنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِهِ إلَى حَاجَتِهِ فَأُجْبِرَ الْعَبْدُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى السَّيِّدِ كِرَاؤُهُ وَنَفَقَتُهُ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِجَارَتُهُ فِي أَيَّامِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، أَوْ يَسْتَقِرَّ قَرَارُهُ وَيُمْكِنُهُ الْعَمَلُ وَالْكَسْبُ وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ حَتَّى يُقْدِمَ بِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سَفَرَ السَّيِّدِ أَبْطَلَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ فِي أَيَّامِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ جَبْرُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ بِسَفَرِهِ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ كُلُّهَا فِي خِدْمَةِ السَّيِّدِ فَكَانَ عَلَيْهِ حَقُّ مَا لِلْعَبْدِ مِنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُسَافِرَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَهَابٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ فِيهِ وَحُكْمُ الرِّقِّ أَغْلَبُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ الْقَرِيبِ وَأَمَّا مَا بَعُدَ فَقَالَ مَالِكٌ فِيهَا، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ يَكْتُبُ لَهُ الْقَاضِي كِتَابًا إنْ خَافَ أَنْ يُبَاعَ، أَوْ يُظْلَمَ. وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ مَأْمُونًا قَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ وَكَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مُسْتَعْرِبٍ وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ السَّيِّدُ مَأْمُونًا وَالْعَبْدُ مُسْتَعْرَبًا وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَعْرَبًا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ غَيْرَ مَأْمُونٍ كَتَبَ لَهُ الْقَاضِي كِتَابًا فِيمَا بَعُدَ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ قَدْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُونِ وَلَا لِغَيْرِهِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَعْرَبًا. وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَمْلِكُ الشَّرِيكُ فَلَا يُسَافِرُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَبَعٌ لِلرِّقِّ فِي هَذَا كَمَا تَبِعَهُ فِي الْحُدُودِ وَالشَّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا وَوَجْهُ مُرَاعَاةِ أَمَانِ السَّيِّدِ أَنَّهُ الْمَالِكُ لَهُ وَاَلَّذِي يَخَافُ مِنْ جِهَتِهِ وَوَجْهُ مُرَاعَاةِ اسْتِعْرَابِ الْعَبْدِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَعْرَبًا لَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا بِمَا يَتِمُّ عَلَى سَائِرِ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يُبِينُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَقُومُ بِحُجَّتِهِ فَإِذَا كَانَ أَعْجَمِيًّا وَغْدًا جَرَى مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَفْهَمُهُ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْرِبَ عَنْ نَفْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي سَفَرِ التَّجَوُّلِ فَأَمَّا سَفَرُ التَّنَقُّلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ إلَى حَاضِرَةٍ قَضَى عَلَى الْعَبْدِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَرِهَ، وَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى قَرْيَةٍ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا عَمَلٌ وَلَا مَكْسَبٌ فَهُوَ مِثْلُ السَّفَرِ وَلَهَا عِنْدِي وَجْهٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَغْلِبُ الرِّقُّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ لَهُ غَايَةٌ يَرْجِعُ مِنْهَا وَيَعْتَدُّ مُدَّةً لِلسَّفَرِ عَلَى السَّيِّدِ وَأَمَّا الِانْتِقَالُ فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَهُ فِيهِ مَكْسَبٌ وَتَصَرَّفَ فَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا مَكْسَبَ لِلْعَبْدِ فِيهِ فَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِحَظِّ الْحُرِّيَّةِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَغْلِبُ الرِّقُّ فَلَا يُرَاعِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ وَلِلْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَاقْتِسَامُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ النَّاظِرُ مِنْ الرِّفْقِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ يَوْمًا بِيَوْمٍ، أَوْ جُمُعَةً بِجُمُعَةٍ، أَوْ شَهْرًا بِشَهْرٍ جَائِزٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالشَّهْرَانِ كَثِيرٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ لِلْمُعْتِقِ ثُلُثُهُ حَظٌّ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ جُمُعَةٍ فَقَالَ لَا، وَلَكِنْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثُلُثُهُ، أَوْ كُلِّ ثَلَاثَةٍ أَشْهُرٍ شَهْرٌ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي اقْتِسَامِ الْعَبْدِ الدَّانِئِ، أَوْ الْأَمَةِ لِلْخِدْمَةِ، أَوْ الْغَزْلِ يَكُونُ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَأَمَّا الْعَبْدُ النَّبِيلُ التَّاجِرُ، أَوْ ذُو الصَّنْعَةِ، أَوْ الْأَمَةُ شَأْنُهَا الرَّقْمُ وَشِبْهُهُ مِنْ الْعَمَلِ الْمُرْتَفِعِ فَلَا تُقْسَمُ الْخِدْمَةُ فِيهِمَا يَوْمًا بِيَوْمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَكِنْ شَهْرًا بِشَهْرٍ وَجُمُعَةً بِجُمُعَةٍ وَأَمَّا عَبْدُ الْخَرَاجِ فَلَا خَيْرَ فِي قِسْمَةِ خَرَاجِهِ مُشَاهَرَةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ إذْ لَا خَطَرَ لَهُ وَقَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَجُوزُ فِي يَوْمٍ بِيَوْمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ عَبْدِ الْخَرَاجِ مَبْلَغُ الْخَرَاجِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَيَقْرُبُ فِي قَصِيرِهَا وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْعَيْنِ وَسَوَاءٌ مَا يُؤَدِّي مِنْ الْخَرَاجِ مَعَ مَا يَعْلَمُ مِنْ اخْتِلَافِ قِيمَةِ كِرَائِهِ فِي الْأَيَّامِ لِنَشَاطٍ وَكَسَلٍ وَضَعْفٍ وَقُوَّةٍ وَمَرَضٍ وَصِحَّةٍ وَنِفَاقٍ وَكَسَادٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْخِدْمَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَسْتَهِمَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ وَإِلَّا اسْتَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهَامَ طَرِيقٌ إلَى تَعْيِينِ حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ كَالْقِسْمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شُغِلَ الْعَبْدُ فِي خُصُومَةٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ أَبَقَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَأْتَنِفَا الْقِسْمَةَ قَالَهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَدَأَ مِنْهُمَا، ثُمَّ مَرِضَ فِي أَيَّامِ الْآخَرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ أَشْهَبُ

(ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَالِدَ يُحَاسِبُ وَلَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ يَكُونُ لِلْوَلَدِ مَالٌ نَاضًّا كَانَ أَوْ عَرَضًا إنْ أَرَادَ الْوَالِدُ ذَلِكَ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِلَافٍ الْمَزْنِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ فَيَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ فَيُغَلِّي بِهَا، ثُمَّ يُسْرِعُ السَّيْرَ فَيَسْبِقُ الْحَاجَّ فَأَفْلَسَ فَرَفَعَ أَمْرَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ أَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ اسْتَهَمَا قَالَ وَالْإِبَاقُ كَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ فَمَالُهُ لِلَّذِي فِيهِ الرِّقُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ مَالُهُ بَيْنَ الْمُعْتِقِ لِنِصْفِهِ وَبَيْنَ الْمُسْتَمْسِكِ بِرِقِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ وَلِوَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مَوْرُوثٌ بِالرِّقِّ فَلَمْ يُورَثْ بِالنَّسَبِ وَلَا بِالْوَلَاءِ كَالْمُسْتَرَقِّ جَمِيعِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ حَتَّى صَارَ لَهُ مَالٌ بِمِيرَاثٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ يَأْخُذُ لَهُ عَطَاءً فِي كُلِّ عَامٍ، ثُمَّ تَمَادَى الْأَبُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا قَالَهُ مَالِكٌ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ الْأَبُ إنَّمَا أَنْفَقْت عَلَيْهِ مِنْ مَالِي لِأَرْجِعَ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ دُونَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ فَضَلَ لِلْأَبِ شَيْءٌ عَنْ مَالِ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَشَقَّةِ وُصُولِهِ إلَى مَالِ ابْنِهِ وَهُوَ مُخْتَزَنٌ عِنْدَهُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَيَرَى الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ الْعَبْدُ أَيْسَرَ عَلَيْهِ وَأَرْفَقَ بِهِ. (فَرْعٌ) وَصِفَةُ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ السِّنِينَ بِقَدْرِ غَلَاءِ كُلِّ سَنَةٍ وَرُخْصِهَا قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يَشْتَرِي بِهَا مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ كَيْله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ أُمٍّ، أَوْ جَدَّةٍ فَإِنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَإِنْ أَبَتْهُ الْوَرَثَةُ مَعَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ مُقِلًّا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَالْيَمِينُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بِهِ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَمِينَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَحْلِفُ وَجْهُ نَفْيِ الْيَمِينِ أَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ وَظَنٍّ دُونَ دَعْوَى وَلَا تَحْقِيقَ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِيهِ مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَشْهَدَ بِذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ أَشْهَدَ بِهِ لَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَخْذَ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الِابْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا وَهُوَ عِنْدَ الْأَبِ يُمْكِنُهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَرْجِعْ الْوَرَثَةُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ كَتَبَهُ الْأَبُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْآبَاءِ أَنْ يُرْفِقُوا الْأَبْنَاءَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْوَلَدِ عَرْضًا، أَوْ حَيَوَانًا فَلِلْوَرَثَةِ مُحَاسَبَةُ الِابْنِ بِذَلِكَ إذَا كَتَبَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجَدْت لِمَالِكٍ يُحَاسِبُونَهُ إذَا كَانَ الْمَالُ عَرْضًا وَلَمْ يَقُلْ كَتَبَهُ، أَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ بِهِ فَهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ وَأَمَّا إذَا أَهْمَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكْتُبْهُ فَهَذَا الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ الْأَبُ فِي مَرَضِهِ لَا تُحَاسِبُوهُ وَمَالُهُ عَرْضٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ وَلَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ لِوَارِثٍ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَهُ فِي صِحَّتِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ أَرَى أَنْ يُحَاسِبَ فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ أَوْصَى الْأَبُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ وَلَا يُصَدَّقَ فِي قَوْلِهِ كُنْت أُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِي وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَنَّهُ قَدْ أَدَانَ مُعْرِضًا فَأَصْبَحَ قَدْرَيْنِ بِهِ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرْبٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَسْبِقُ الْحَاجَّ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَيُجْهِدُ نَفْسَهُ فِيهِ وَيَشْتَرِيَ لَهُ الرَّوَاحِلَ السَّابِقَةَ فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا إمَّا؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا أَعْلَى مِنْ قِيمَةِ غَيْرِهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ لَا يَسْمَحُ بِهَا إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لِضَنَانَتِهِ بِهَا لَا سِيَّمَا مِمَّنْ يَشْتَرِيهَا بِالدَّيْنِ، ثُمَّ كَانَ يُسْرِعُ السَّيْرَ عَلَيْهَا لِيَسْبِقَ جَمِيعَ الْحَاجِّ فَكَانَ يُتْعِبُهَا وَيُجْهِدُهَا حَتَّى أَنَّهُ رُبَّمَا أَعْجَفَهَا وَأَهْلَكَهَا فَتَلِفَ بِذَلِكَ مَالُهُ وَقَامَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ مَعْنَى فَلَسِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا وَإِنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ اسْمُهُ الْأُسَيْفِعُ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ نَافِعٍ هُوَ لَقَبٌ لَزِمَهُ وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ تَصْغِيرُ أَسْفَعَ وَهُوَ الضَّارِبُ إلَى السَّوَادِ. وَقَالَ إنَّهُ وَصَفَهُ بِذَلِكَ لِلَوْنِهِ قَالَ الْعُتْبِيُّ الْأَسْفَعُ الَّذِي أَصَابَ خَدَّهُ لَوْنٌ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ لَوْنِهِ مِنْ سَوَادٍ وَقَوْلُهُ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجَّ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ عِوَضًا مِمَّا أَتْلَفَهُ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ فِيمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ثَمَرَةٌ إلَّا قَوْلَ النَّاسِ أَنَّهُ سَبَقَ الْحَاجَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَدَانَ مُعْرِضًا يُقَالُ أَدَانَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُدَانٌ إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ يُقَالُ تَدَايَنَ وَأَدَانَ وَاسْتَدَانَ وَإِذَا أَعْطَى بِالدَّيْنِ قِيلَ أَدَانَ وَأَمَّا الْمُعْرِضُ فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ الَّذِي يَعْتَرِضُ النَّاسَ فَيَشْتَرِي مِمَّنْ أَمْكَنَهُ سُمِيَ الْمُعْرِضُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمُعْتَرِضُ يَعْنِي أَنَّهُ اعْتَرَضَ لِكُلِّ مَنْ يُقْرِضُهُ قَالَ وَمَنْ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الْمُتَمَكِّنِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ أَبُو زَيْدٍ فَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ مُعْرِضًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ فَإِذَا فَسَّرْته بِمَنْ يُمْكِنُهُ فَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الَّذِي يُعْرِضُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَيُرْوَى مُعْرِضٌ بِالرَّفْعِ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ فَأَدَانَ مُعْرِضًا مَعْنَاهُ يُعْرِضُ إذَا قِيلَ لَهُ لَا تَسْتَدِنْ وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخَذَ الدَّيْنَ وَلَمْ يُبَالِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ. وَقَالَ الْعُتْبِيُّ لَا يَجُوزُ أَدَانَ مُعْرِضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اسْتَدَانَ مُعْرِضًا عَنْ الْأَدَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَعْنَى أَدَانَ مُعْرِضًا أَيْ اغْتَرَقَ الدَّيْنُ مَالَهُ فَأَعْرَضَ بِأَمْوَالِ النَّاسِ مُسْتَهْلِكًا لَهَا مُتَهَاوِنًا رَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ نَافِعٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ قَدْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَقَالَ شِمْرٌ رِينَ بِهِ وَرِينَ عَلَيْهِ وَرِيمٌ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ مَاتَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ رِينَ بِالرَّجُلِ إذَا أُوقِعَ فِي أَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ قَدْ شُهِرَ بِهِ قَالَ يَحْيَى وَقَالَ غَيْرُهُ قَدْ أُحِيطَ بِهِ وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] يَقُولُ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَحَاطَ بِهَا سَوَاءٌ أَعْمَالُهُمْ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الْأَعْرَابِيُّ رِينَ بِهِ انْقَطَعَ بِهِ وَقَالَ السِّلْمِيُّ رِينَ بِهِ تَحَيَّرَ وَقَالَ سَابِقُ الْبَرْبَرِيُّ وَتَرْكُ الْهَوَى لِلْمَرْءِ فَاعْلَمْ سَعَادَةً ... وَطَاعَتُهُ رَيْنٌ عَلَى الْقَلْبِ رَائِنٌ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ دُيُونِهِ فَحَجَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَجَمَعَهُ لِيُوَزِّعَهُ عَلَى غُرَمَائِهِ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ مِمَّا لَهُمْ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ عَنْهُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَقَوْلُهُ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرَبٌ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ الْحَرَبُ السَّلْبُ وَرَجُلٌ مَحْرُوبٌ بِمَعْنَى مَسْلُوبٌ يُرِيدُ أَنَّ أَوَّلَ أَمْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْهَمُّ بِأَدَائِهِ مَعَ ضِيقِ يَدِهِ عَنْهُ وَالْمَخَافَةِ لِسُوءِ عَاقِبَتِهِ وَآخِرُ أَمْرِهِ أَنْ يُسْلَبَ مَا لَهُ وَمَا يَضِنُّ

[ما جاء فيما أفسد العبيد أو جرحوا]

مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي جِنَايَةِ الْعَبِيدِ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدَ مِنْ جُرْحٍ جَرَحَ بِهِ إنْسَانًا أَوْ شَيْءٍ اخْتَلَسَهُ، أَوْ حَرِيسَةٍ احْتَرَسَهَا، أَوْ ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ جَذَّهُ، أَوْ أَفْسَدَهُ، أَوْ سَرِقَةٍ سَرَقَهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا يَعْدُو ذَلِكَ الرَّقَبَةَ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَتَهُ مَا أَخَذَ غُلَامُهُ، أَوْ أَفْسَدَ أَوْ عَقَلَ مَا جَرَحَ أَعْطَاهُ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسَلِّمَهُ أَسْلَمَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَسَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ) . مَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ مَنْ نَحَلَ وَلَدًا صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نَحْلَهُ فَأَعْلَنَ ذَلِكَ لَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وَأَنَّ وَلِيَّهَا أَبُوهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ نَحَلَ ابْنًا صَغِيرًا لَهُ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا، ثُمَّ هَلَكَ وَهُوَ يَلِيهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلِابْنِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ عَزَلَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ دَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ وَضَعَهَا لِابْنِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِلِابْنِ) . (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) (مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ مِنْ عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُشْفِقُ مِنْ بُعْدِهِ فَيُبَاعُ عَلَيْهِ وَيَقْضِي مِنْهُ غُرَمَاؤُهُ. [مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، أَوْ غَصَبَ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا فَلَزِمَهُ مَا نَقَصَ فِي الْأَمَةِ، وَفِي الْحُرَّةِ صَدَاقُ مِثْلِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي رَقَبَتِهِ لَا يَعْدُوهَا وَمَعْنَى تَعَلُّقِ ذَلِكَ بِرَقَبَتِهِ أَنَّ رَقَبَتَهُ تُسَلَّمُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَاتِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ مِنْهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ قَلَّتْ الْجِنَايَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَهَذَا كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِيمَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كُلُّ عَدْوَى كَانَ مِنْ الْعَبْدِ فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ وَدِيعَةٍ، أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ كِرَاءٍ، أَوْ مَا صَارَ بِيَدِهِ بِإِذْنِ أَهْلِهِ فَيَبِيعُ ذَلِكَ، أَوْ يَأْكُلُهُ إنْ كَانَ طَعَامًا فَذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ فَسَادَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِقَطْعِ الثَّوْبِ وَعَقْرِ الْبَعِيرِ وَشِبْهِهِ فَذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ الْقَاسِمِ يُمَيِّزُ بَيْنَ ذَلِكَ. فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ وَأَمَّا عَقْرُ الْبَعِيرِ وَقَطْعِ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ فَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِرَقَبَتِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيُوَصِّلَ لَهُ بَعِيرًا إلَى مَنْهَلٍ فَنَحَرَهُ وَقَالَ خِفْت عَلَيْهِ الْمَوْتَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ هَذَا أَرَاهُ فِي رَقَبَتِهِ وَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا آجَرَهُ عَلَى أَنْ يَعْلِفَ الْبَعِيرَ فَيَبِيعَهُ، أَوْ يَنْحَرَهُ فَيَأْكُلَ لَحْمَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ فَذَبَحَهَا أَوْ حِرَاسَةِ حَائِطٍ فَيَجِدَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ لَهُ شَيْئًا إلَى بَيْتِهِ فَيَسْرِقَ مِنْ الْبَيْتِ ثَوْبًا وَلَمْ أَرَهُ كَالصَّانِعِ يَقُولُ ذَهَبَ الْمَتَاعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ سَيِّدِي يَسْأَلُك أَلْفَ دِينَارٍ سَلَفًا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ فَأَتْلَفَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي رَقَبَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ قَالَ أَصْبَغُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَدِيعَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ هَذِهِ خِلَابَةٌ، وَذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَهُ، أَوْ دَفَعَهُ إلَى سَيِّدِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَنَّهَا فِي ذِمَّتِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ يَدَهُ فِي قَبْضِهَا يَدُ سَيِّدِهِ وَلَمْ تُسَلَّمْ إلَى الْعَبْدِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِ مَالِكِهَا فَلَمْ تَتَعَلَّقْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهَا بِذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهَا. [مَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ] (ش) : قَوْلُهُ مَنْ نَحَلَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْلَنَ بِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِابْنِهِ فَالْعَطِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا الْأَبُ

[كتاب الشفعة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ» قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سَأَلَ عَنْ الشُّفْعَةِ هَلْ فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ فَقَالَ نَعَمْ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَلَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ هُوَ الْحَائِزُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَيْنٌ وَغَيْرُ عَيْنٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْعَيْنِ فَمَا كَانَ يُحَازُ وَلَا يَنْتَفِعُ الْأَبُ بِهِ حَالَ الْحِيَازَةِ وَبَعْدَهَا كَالْجَنَّةِ يَسْتَغِلُّهَا، أَوْ الرَّبْعِ يُكْرِيهِ، أَوْ السِّلْعَةِ يُمْسِكُهَا لَهُ أَوْ يَبِيعُهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ حِيَازَةُ الْأَبِ إيَّاهَا لِابْنِهِ وَمَا كَانَ الْأَبُ يَنْتَفِعُ بِهِ كَالدَّارِ يَسْكُنُهَا أَوْ الثَّوْبُ يَلْبَسُهُ فَلَا تَصِحُّ حِيَازَةُ الْأَبِ لَهُ مَعَ اسْتِدَامَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ يُنَافِي حِيَازَةَ الِابْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَنْ وَهَبَ مُعَيَّنًا فَأَمَّا إذَا وَهَبَ جُزْءًا مُشَاعًا فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي جَوَازِ حِيَازَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَائِزٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ وَقَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا صَحَّتْ هِبَتُهُ صَحَّتْ حِيَازَتُهُ كَالْعَيْنِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ رَهْنَ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَصِحُّ فِيهَا مَعَ بَقَاءِ سَائِرِهِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَيْنُ فَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ احْتِيَازِ الْأَبِ إيَّاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَهَذَا حُكْمُ الْأَبِ فِي الِاحْتِيَازِ وَأَمَّا الْأُمُّ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِيهَا فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَحُوزُ لِابْنِهَا الصَّغِيرِ مَا وَهَبَتْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ تَحُوزُ الْأُمُّ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّةُ إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي حِجْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَوْصِيَاءَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْيَتِيمِ وَلَا الْمُبَارَأَةُ عَنْهُ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ مَا وَهَبَهُ لَهُ كَالْأَخِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ عَلَيْهِ وَحَضَانَةٌ فَإِنَّهُ يَحُوزُ مَا وَهَبَهُ لَهُ كَالْأَبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ نَحَلَ ابْنًا لَهُ صَغِيرًا وَحَازَهُ لَهُ وَأَشْهَدَ بِهِ أَنَّهُ حَائِزٌ لِلِابْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي جَمِيعِ مَا يَنْحَلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ كُلَّ نَحْلٍ مِنْ عَرَضٍ، أَوْ عَيْنٍ قَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ الْأَبُ وَأَشْهَدَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَرَضَ خَاصَّةً فَيَجُوزُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَيُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يُرِيدَ الْعَرَضَ وَالْعَيْنَ مَخْتُومًا، أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمَخْتُومِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ نَحَلَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلِابْنِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهَا بِعَيْنِهَا، أَوْ دَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ فَيَجُوزُ فَأَمَّا وَضْعُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَأَمَّا عَزْلُهَا فَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي شَيْءٍ وَيَخْتِمَ عَلَيْهَا وَيُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] [مَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ] أَصْلُ الشُّفْعَةِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا بَاعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْزِلًا، أَوْ حَائِطًا أَتَاهُ الْجَارُ أَوْ الشَّرِيكُ فَيَشْفَعُ إلَيْهِ فِيمَا بَاعَ فَشَفَّعَهُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى مِمَّنْ بَعُدَ سَبَبُهُ فَسُمِّيَتْ شُفْعَةٌ وَطَالِبُهَا شَفِيعًا. (ش) : قَوْلُهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الشُّفْعَةِ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقْسَمُ وَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ كَمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُقَالُ فِي الْإِنْسَانِ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ كَذَا مَا لَمْ يُقْسَمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ حَالَةً يُقْسَمُ فِيهَا. وَمَا يَنْقَسِمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ كَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَبَانِي وَالْأَشْجَارِ وَضَرْبٌ يَنْقَسِمُ بِغَيْرِ حُدُودٍ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَبَعْضِ الْمَذْرُوعِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ» يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ بِمَا يُضْرَبُ فِيهِ الْحُدُودُ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا لَا تُضْرَبُ فِيهِ الْحُدُودُ وَيُنْظَرُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ بِضَرْبِ الْحُدُودِ فَإِنْ وَجَدْنَا عَلَيْهِ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ أَلْحَقْنَاهُ بِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ مُخْتَصًّا بِمَا تُضْرَبُ فِيهِ الْحُدُودُ قَصَرْنَا الشُّفْعَةَ عَلَيْهِ وَوَجَدْنَا مَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي جِنْسِهِ يُبْطِلُ حُكْمَ الشُّفْعَةِ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ فَثَبَتَ أَنَّ لِكَوْنِ الْمَبِيعِ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ بِالْحُدُودِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ بِذَلِكَ مَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى صِفَةٍ فَإِنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ عِلَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَثَبَتَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ أَنَّ لِلْقِسْمَةِ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِهَا وَثَبَتَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ ضَرَرٍ، وَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ أَثْبَتُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ كَقِسْمَةِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ فَلَمْ يَبْقَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إلَيْهِ إلَّا بِالضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِنَوْعٍ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهُوَ مَا يُلْحَقُ بِقِسْمَةِ الْأَرَضِينَ مِنْ الْأَجْرِ وَالْمُؤَنِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِقِسْمَةِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُهَا غَالِبًا قَوْمٌ يَخْتَصُّونَ بِعِلْمِ ذَلِكَ وَيَتَمَوَّنُ لَهُمْ فِيهَا مُؤْنَةٌ وَأُجْرَةٌ غَالِبًا وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ قِسْمَتُهَا لَا تَخْتَصُّ بِقَسَّامٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يَتَمَوَّنُ فِيهَا مُؤْنَةً وَلَا أُجْرَةً فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ وَهِيَ الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْأَرَضِينَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ ثَمَرَةٍ، أَوْ بِنَاءٍ فَأَمَّا الْأَرْضُ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا عِنْدَنَا ثَابِتَةٌ، وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ الْمَنْفَعَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُرْفَقًا لِلْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ قِسْمَتُهُ دُونَ تَعْيِينٍ فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَنْقَسِمُ مَعَ بَقَاءِ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ كَالْحَقْلِ وَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يُصِيبُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بِالْقِسْمَةِ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ حَقْلٍ وَدَارٍ وَالثَّانِي لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِأَنْ يَتَغَيَّرَ اسْمُهُ وَصِفَتُهُ كَالْحَمَّامِ الَّذِي إنْ قُسِمَ لَمْ يَكُنْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ حَمَّامًا فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَعَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا مَضَرَّةَ فِي قِسْمَتِهِ وَالثَّانِي تَلْحَقُ الْمَضَرَّةُ فِي قِسْمَتِهِ فَأَمَّا مَا لَا تَلْحَقُ الْمَضَرَّةُ فِي قِسْمَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهَا كَالْحَقْلِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ بِالْمُزَارَعَةِ مَقْصُودَةٌ وَالدَّارِ الَّتِي مَنْفَعَتُهَا بِالسُّكْنَى مَقْصُودَةٌ وَالشَّجَرِ الَّتِي مَنْفَعَتُهَا بِالثَّمَرَةِ مَقْصُودَةٌ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَنْقَسِمَ دُونَ تَغْيِيرٍ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَنْقَسِمَ دُونَ مَضَرَّةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا مَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِنَفْسِهَا كَالطَّرِيقِ الَّتِي إنَّمَا تُتَّخَذُ لِلِانْتِفَاعِ بِمَمَرِّهِ، أَوْ سَاحَةِ الدَّارِ الَّتِي إنَّمَا تُتَّخَذُ لِيَرْتَفِقَ بِهَا فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ مَعَ بَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ كَالْحَمَّامِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْحَمَّامِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي غَيْرِ الْمَوَّازِيَّةِ وَأَبَى مَالِكٌ الشُّفْعَةَ فِي الْحَمَّامِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِتَحْوِيلِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ حَمَّامًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مِلْكٌ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُلَّاكٍ كَامِلِي الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا لَا يَتَغَيَّرُ بِالْقِسْمَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ فَوْقَ هَذَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الشُّفْعَةِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّحَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شُفْعَةَ فِي رَحَا الْمَاءِ وَالدَّوَابِّ، وَإِنْ بِيعَ مَعَ الْبَيْتِ فَالشُّفْعَةُ فِي الْبَيْتِ دُونَ الرَّحَا وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ وَالْآلَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَاعَةٍ وَلَا بِنَاءَ وَإِنَّمَا هِيَ آلَاتٌ مَوْضُوعَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ الْبِنَاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا بُنِيَ مِنْهَا فِي الدُّورِ وَهَلْ يَتْبَعُ الدَّارَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تَتَخَرَّجُ مَذَاهِبُهُمْ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهَا وَأَمَّا رَحَا الْمَاءِ وَالدَّوَابِّ فَلَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إنْ نَصَبُوهَا فِي أَرْضِهِمْ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ، وَإِنْ نَصَبُوهَا فِي غَيْرِ أَرْضِهِمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّةً مِنْ الرَّحَا، أَوْ حِصَّتَهُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَيْتِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا الرَّحَا الَّتِي لَا شُفْعَةَ فِيهَا الَّتِي تُجْعَلُ وَسْطَ الْمَاءِ عَلَى غَيْرِ أَرْضٍ وَأَمَّا مَا رُدِمَ لَهَا مَوْضِعٌ فِي الْمَاءِ فَإِنْ اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ فَلَهُ حُكْمُ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا فَلَا شُفْعَةَ فَأَثْبَتَ فِيهَا أَشْهَبُ الشُّفْعَةَ إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلْمَوْضِعِ وَمَنْعُ الشُّفْعَةِ كَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي أَحْجَارِ الرَّحَا دُونَ مَوْضِعِهَا فَأَمَّا مَوَاضِعُهَا فَيَجْرِي فِيهَا مِنْ اعْتِبَارِ الصِّفَاتِ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَنْدَرُ فَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَنْدَرِ إنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَفِيهَا الشُّفْعَةُ كَسَائِرِ الْبِقَاعِ وَكَعَرْصَةِ الدَّارِ الْمَهْدُومَةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْأَفْنِيَةِ فَنَحَا بِهِ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ مَنْفَعَتُهُ مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ لِلزَّرْعِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْأَنْدَرِ كَالْأَفْنِيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِحَظِّ الْمَوْرِدَةِ وَالتَّوَسُّعِ فِيهَا لِلسُّكْنَى وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ إلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَمُفْرَدَةٌ كَالْمَسَاكِنِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَعَنْ مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِهِ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهَا قَالَ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُقْسَمُ بِالْحُدُودِ كَمَا تُقْسَمُ الْأَرْضُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا قُسِمَتْ فِي النَّخْلِ قَبْلَ الْجَدِّ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ أَهْلِهَا قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يُزَايِلْ الْأَصْلَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا شُفْعَةَ فِي الثِّمَارِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَثَبَتَ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالشَّجَرِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا مِمَّنْ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَإِذَا ظَهَرَتْ لَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالثِّيَابِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِالشُّفْعَةِ فِيهَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَا لَمْ تُزَايِلْ الْأَصْلَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ وَتَجِدُ وَجْهَ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي النَّخْلِ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ فِي الشُّفْعَةِ كَالرُّطَبِ وَالْجَرِيدِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إذَا يَبِسَتْ لَمْ تَتِمَّ بِالْأَصْلِ فَلَمْ يَثْبُت فِيهَا حُكْمُ الشُّفْعَةِ كَالْمَجْدُودَةِ وَهَذَا إذَا أُفْرِدَتْ بِالْبَيْعِ الثَّمَرَةُ فَإِنْ بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مَعَ الثَّمَرَةِ قَائِمَةً كَانَتْ، أَوْ مَجْدُودَةً وَلِلْمُشْتَرِي مَا سَقَى وَأَنْفَقَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْرَدَهَا مُجْمَلَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ إذَا بِيعَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَمَرٌ، أَوْ لَا يَكُونَ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ وَجَاءَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَمَرٌ، أَوْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَأْبُورَةً فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ جَاءَ وَقَدْ أُبِّرَتْ الثَّمَرَةُ، أَوْ أَزْهَتْ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إنْ شَرَاهَا مَأْبُورَةً، أَوْ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ، ثُمَّ أَبَّرَهَا الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْأَصْلَ دُونَ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ وَمَأْبُورُ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَمْ تُفَارِقْ الْأَصْلَ حُكْمًا بِالْيُبْسِ وَلَا فِعْلًا بِالْجَدِّ فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِمَعْنًى مَاضٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ فِيهَا الشُّفْعَةُ مَا دَامَتْ فِي حَالِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّمَاءِ فَثَبَتَ فِيهَا حُكْمُ الشُّفْعَةِ تَبَعًا وَأَصْلًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فِي الشُّفْعَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يَأْخُذُ الْأَصْلَ وَالثَّمَرَةَ بِالثَّمَنِ وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي وَسَقَى وَعَالَجَ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِيهَا يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ بِقِيمَتِهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لَهُ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْكِتَابَيْنِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ إلَّا الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُنْفِقَ أَنْفَقَ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَالِهِ عَيْنُ قَائِمَةٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ الْغَلَّةُ كَانَ لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَمَّا لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الثَّمَنُ وَلَزِمَ إمْضَاؤُهَا لِلشَّفِيعِ كَانَ عِوَضُهَا قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا قَدْ تَكُونُ أَمْثَالَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقِلُّ فَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَعْدَلَ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجَّ بِهِ وَبِمَاذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا فَاتَتْ بِالْجَدِّ، أَوْ الْيُبْسِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ لِلثَّمَرَةِ وَلَا حِصَّةَ لِلثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَأْبُورَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ فَإِنْ يَبِسَتْ، أَوْ جُدَّتْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ فَمَا كَانَ لِلْأَصْلِ فَهُوَ يَأْخُذُ بِهِ الشَّفِيعُ الْأَصْلَ وَمَا كَانَ لِلثَّمَرَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَرَةِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُزْهِيَةً فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْأُصُولِ دُونَ الثَّمَرَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ انْفَرَدَتْ لَثَبَتَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ فَكَذَلِكَ إذَا انْضَافَتْ فِي الْبَيْعِ إلَى مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَيَجِيءُ قَوْلُ أَشْهَبَ عَلَى رِوَايَةِ نَفْيِ الشُّفْعَةِ فِي الثَّمَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَحَتَّى مَتَى يَتْبَعُ الْأَصْلَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الثَّمَرَةُ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَدْ فَإِنْ جُدَّتْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ حُطَّ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ مَرَّةً يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ وُجِدَتْ، أَوْ يَبِسَتْ فَلَهُ مِثْلُهَا إنْ عَرَفَ كَيْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْلَهَا وَكَانَ جَذَّهَا صَغِيرَةً لَمْ تَطِبْ فَلَا يَأْخُذُ فِيهَا ثَمَنًا وَالثَّمَرُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأُصُولِ إذَا كَانَتْ يَوْمَ الشِّرَاءِ مُزْهِيَةً أَوْ مَأْبُورَةً وَاشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ بِالْجَدِّ، أَوْ الْيُبْسِ وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ إذَا لَمْ يَقُمْ الشَّفِيعُ حَتَّى زَايَلَتْ الْأَرْضَ فَلَا تُحْسَبُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَنَّهَا تُبَاعُ مِنْ النَّخْلِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ إذْ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ بَلْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَكِنَّهَا تَبَعٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ لَهُمَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الشُّفْعَةُ فِي الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ لَهُمَا وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْمٍ بَيْنَهُمْ ثَمَرَةٌ، ثُمَّ كَانَ الْأَصْلُ لَهُمْ، أَوْ مُسَاقَاةٌ فِي أَيْدِيهِمْ، أَوْ حَبْسًا عَلَيْهِمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ دُونَ الثَّمَرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ الشُّفْعَةُ فِيهَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي ثُبُوتِهَا وَنَفْيِهَا فِي الثَّمَرَةِ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي أَيْدِيهِمْ بِمِلْكٍ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ، أَوْ مُبْتَدَأَ الشِّرَاءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْأَصْلِ فَإِذَا زَايَلَتْ الْأَصْلَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فَإِذَا زَايَلَتْهُ فِي الْمِلْكِ، أَوْ كَانَتْ مَقْسُومَةً فَبِأَنْ لَا يَجِبَ فِيهَا الشُّفْعَةُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ وَالْبِئْرَ لَمَّا وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْأَرْضِ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ، أَوْ زَايَلَتْهُ فِي الْمِلْكِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِي الثَّمَرَةِ وَهِيَ مِمَّا يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ مَا دَامَتْ فِي الْأَصْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهَا دُونَ الِاعْتِبَارِ بِأَصْلِهَا كَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ وَبِذَلِكَ خَالَفَتْ الْعَيْنَ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا

[الشفعة في الكراء]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الشُّفْعَةُ فِي الْعِنَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمَقَاثِي عِنْدِي فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ كَالشَّجَرِ وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ نَبْتٌ لَا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ ثَابِتٍ أَصْلُ ذَلِكَ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ حَتَّى يَيْبَسَ. (فَصْلٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَإِنْ جَاءَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ الزَّرْعُ فِيهَا أَخَذَهَا فَزَرَعَهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شَيْءَ لِلشَّفِيعِ مِنْ الزَّرْعِ وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ نَبَتَ أَوَّلًا أَخَذَ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ فَإِنْ أَخَذَ الْأَرْضَ بِزَرْعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ فَلَهُ أَخْذُهَا بِالثَّمَنِ وَبَقِيَّةُ الزَّرْعِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ بِمَا أَنْفَقَ لَمْ أَعِبْهُ بَلْ هُوَ أَقْيَسُ وَاسْتُحْسِنَ الْأَوَّلُ قَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ وَبَقِيَّةِ مَا أَنْفَقَ مِنْ الْبَذْرِ وَالْعِلَاجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ بِالثَّمَنِ وَالنَّفَقَةِ كَمَنْ اشْتَرَى نَخْلًا لَمْ يُؤَبَّرْ فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بَعْدَ الْإِبَارِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَجَاءَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ الزَّرْعُ فَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ جُمْلَةً وَعَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ، وَذَلِكَ إذَا أَجْرَى الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْبُتَ الزَّرْعُ وَذَلِكَ إذَا أَجْرَى الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مَجْرَى ذَلِكَ الْبَيْعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ فَلَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِلشَّفِيعِ إذَا قَامَ وَالزَّرْعُ أَخْضَرُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ بَلْ لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَ أَشْهَبَ فِي الزَّرْعِ وَقَالَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا ثَمَرَةٌ مُتَغَذِّيَةٌ بِالْأَصْلِ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَيْبَسْ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ وَلَا هُوَ مِنْ آلَاتِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ كَالثِّيَابِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَكُونُ لِلْحَائِطِ مِنْ الْبِئْرِ، أَوْ الْعَيْنِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا وَمَنْفَعَةً مَقْصُودَةً عَلَى الْأَرْضِ فَكَانَ لَهَا حُكْمُهَا فِي الشُّفْعَةِ إذَا كَانَ بَيْعًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يُبَاعُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ آلَةِ الْحَائِطِ فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ صَلَاحَ الْحَائِطِ وَعِمَارَتَهُ كَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَنَى جَمَاعَةٌ فِي الْأَرْضِ عَارِيَّةً فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ النَّقْضِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رَبُّ الدَّارِ مَبْدَأٌ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ مَنْقُوضًا، أَوْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَبَى فَلِشَرِيكِهِ أَخْذُ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ قَالَ أَشْهَبُ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ لِإِشْرَاكِهِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِي الْعَرْصَةِ وَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ بَاعَ جَمِيعُهُمْ، أَوْ أَحَدُهُمْ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ وَيُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ، أَوْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَلَا يَدْرِي الْمُبْتَاعُ مَا اشْتَرَى وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْحَبْسِ يَبْنِي فِيهِ جَمَاعَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ بَيْعَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءِ اُسْتُحْسِنَ أَنْ يَكُونَ لِإِخْوَتِهِ الشُّفْعَةُ. [الشُّفْعَةُ فِي الْكِرَاءِ] 1 (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فِي الْكِرَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ فَأَخَذَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِقَوْلِهِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْمُغِيرَةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَخَذَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ بِقَوْلِهِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَذَلِكَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ سَوَاءٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِحُّ فِيهَا الْقِسْمَةُ بِالْحُدُودِ فَلَمْ تَثْبُتْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مَعَ قَوْمٍ فِي أَرْضٍ بِحَيَوَانِ عَبْدٍ، أَوْ وَلِيدَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ فَجَاءَ الشَّرِيكُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدَ الْعَبْدَ، أَوْ الْوَلِيدَةَ قَدْ هَلَكَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَدْرَ قِيمَتِهِمَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةِ مِائَةُ دِينَارٍ وَيَقُولُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ بَلْ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ قِيمَةَ مَا اشْتَرَى بِهِ مِائَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ أَخَذَ، أَوْ يَتْرُكَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الشَّفِيعُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ، أَوْ الْوَلِيدَةِ دُونَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا الشُّفْعَةُ كَالثِّيَابِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَنْفَصِلُ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِالْأَصْلِ الَّذِي يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ فَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالثَّمَرَةِ النَّامِيَةِ وَبِمِثْلِ هَذَا احْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الشُّفْعَةَ فِيهَا. (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي مَالٍ بَعْدَ قِسْمَتِهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ بِإِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ دُونَ الْمُحَاذِي وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ وَالْحُدُودُ وَاقِعَةٌ بَيْنَ الْمُتَجَاوِرَيْنِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مُتَمَيِّزَ الْحَقِّ عَنْ مِلْكِ الْمُجَاوِرِ فَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ شُفْعَةٌ كَالْجَارِ الْمُحَاذِي وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا بِعَرْضٍ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْعَرْضِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا مَعْدُودٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ اشْتَرَاهُ عَلَى جُزَافٍ فَعَلَى الشَّرِيكِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْحُلِيِّ يُقَوَّمُ ذَهَبُهُ بِالْفِضَّةِ وَيُقَوَّمُ فِضَّتُهُ بِالذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ الْجُزَافُ مِنْ السَّبَائِكِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالطَّعَامِ الْمُصَبَّرِ وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ الْمُشْتَرِي بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، أَوْ مَعْدُودٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْلُوبٌ عَلَى التَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمُشْتَرِي مُؤَجَّلًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الْعَرْضِ إلَى أَجَلِهِ عَلَى مِثْلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِمَا بِقِيمَةِ الْعَرْضِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا غَلَطٌ وَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِقِيمَةِ الْعَرْضِ إلَى أَجَلِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَشْهَبَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الْقِيمَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِعَرَضٍ مُعَجَّلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَرَضَ الْمُعَيَّنَ يُبَاعُ إذَا اُسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَالْمَبِيعُ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ إذَا اُسْتُحِقَّ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبَضَهُ لَمْ يَنْقُضْ الْبَيْعَ وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا مِثْلَ لَهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ كَالْمُعَيَّنِ مِنْهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَى الشِّقْصَ بِدَيْنٍ عَلَى الْبَائِعِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ كَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَجَّلُ ثَمَنَهُ وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ الدَّيْنَ يَقُومُ بِعَرَضٍ، ثُمَّ يَقُومُ الْعَرَضُ بِعَيْنٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ، أَوْ يَتْرُكُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ غَرِيمًا دَفَعَ الْعَرَضَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَإِنْ كَثُرَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَهْضِمَ لَهُ هَضْمِيَّةً بَيِّنَةً فَيَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ لَا بِقِيمَةِ الدَّيْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الدَّيْنَ كَالْعَرَضِ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ إلَّا بِمِثْلِ مَا تَجِبُ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ لِلشَّفِيعِ وَإِنَّمَا دَفَعَ فِيهِ الْعَرَضَ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْعَرَضِ يُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الْعَيْنِ فِيمَا يَلْزَمُ فِيهِ التَّسَاوِي وَإِنَّمَا قُوِّمَ الْعَرَضُ مَرَّةً أُخْرَى بِالْعَيْنِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفْ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَلَا الْبِلَادُ؛ وَلِذَلِكَ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ أَصْلُ الْأَثْمَانِ وَقَيَّمَ الْمُتْلَفَاتِ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْعَرَضُ فِيهِ لِلتَّحَايُلِ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا فِي الْمَبِيعِ لِمَنْعِ الذَّرَائِعِ، وَذَلِكَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ دُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّقْوِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ فَلَا يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ يَكُونُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَإِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقِيمَةِ، أَوْ نَقَصَ وَإِنَّمَا رَاعَى أَصْبَغُ الْهَضْمَ الْكَثِيرَ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ، وَإِنْ طَرَحَ الْكَثِيرَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَالْيَسِيرُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَأْخُذُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَوْمَ قِيَامِ الشَّفِيعِ حَالًّا أَخَذَهُ بِهِ حَالًّا وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ شَيْءٌ فَإِلَى مِثْلِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ. وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا يَسْتَشْفِعُ بِمِثْلِ الدَّيْنِ حَالًّا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَ الشُّفْعَةِ مُسَاوَاةُ الشَّفِيعِ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَدْفَعُهُ عِوَضًا عَنْ الْمَبِيعِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ ثَمَنًا هُوَ مُؤَجَّلٌ عَلَيْهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْبَائِعِ تَصَوَّرَ فِيهِ أَخْذَ عِوَضِهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَيَأْخُذُ بِهِ شُفْعَتَهُ وَلَا يَكَادُ يَتَّفِقُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَفِيعٍ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَى مِثْلِ أَجَلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْأَجَلِ وَلَا يَنْقُصَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مُرَاعَاةُ الْأَجَلِ فِي الشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اكْتَرَى إبِلًا إلَى مَكَّةَ بِشِقْصٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ أَجِيرًا، أَوْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِ كِرَاءِ الْإِبِلِ وَبِقِيمَةِ الْإِجَارَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ بِمِثْلِ كِرَاءِ الْإِبِلِ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِثْلِ صَاحِبِهَا إنْ كَانَ مَضْمُونًا فَعَلَى الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَعَلَ التَّعْيِينَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْإِجَارَةِ بِمِثْلِ أُجْرَةِ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الدَّوَابُّ الْمُعَيَّنَةُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، أَوْ مَاتَ الْأَجِيرُ، أَوْ انْهَدَمَ الْمَسْكَنُ فِي نِصْفِ السَّنَةِ فَلْيَرْجِعْ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ شِقْصِهِ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَا يَنْتَقِضُ عَلَى الشَّفِيعِ بِشَيْءٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُتَكَارِي بِنِصْفِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ إبِلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ كِرَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الشِّقْصِ فَيَكُونُ الشَّفِيعُ هُوَ الرَّاجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ كِرَاءِ إبِلِهِ وَيَدْعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نِصْفَ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَنَحْوِهِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الْوَلِيدَةِ مِائَةٌ وَيَقُولُ الشَّفِيعُ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ يُرِيدُ أَنَّ مُشْتَرِيَ الشِّقْصَ بِالْوَلِيدَةِ وَالشَّفِيعِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْوَلِيدَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَنُ الشِّقْصِ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قِيمَةُ ذَلِكَ مِائَةٌ لِيَأْخُذَ مِنْ الشَّفِيعِ مِائَةً وَيَقُولُ الشَّفِيعُ خَمْسُونَ لِيَأْخُذَ الشِّقْصَ بِخَمْسِينَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ عَلَى الْمِائَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشِّقْصَ فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ فَإِذَا حَلَفَ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِمِائَةٍ، أَوْ يَتْرُكَهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِي اخْتِلَافِ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ فِي الثَّمَنِ إذَا أَتَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يُشْبِهُ الثَّمَنَ، أَوْ جَهِلُوا الثَّمَنَ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ ابْتَاعَهُ الْمُبْتَاعُ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ. وَرُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ جَاءَ بِسَرَفٍ وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَتَى الْمُشْتَرِي بِمَا يُشْبِهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَفِيمَا لَا يُشْبِهُ بِالْيَمِينِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِيمَا يُشْبِهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا لَا يُشْبِهُ إلَّا أَنْ يُجَاوِرَهُ مَالِكٌ فَيَصْدُقَ فِيمَا يَتَغَابَنُ بِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا أَتَى الْمُشْتَرِي بِمَا يُشْبِهُ وَاخْتَلَفُوا إذَا أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا

[الشفعة في الهبة للثواب]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ وَهَبَ شِقْصًا فِي دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَأَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِهَا نَقْدًا، أَوْ عَرَضًا فَإِنَّ الشُّرَكَاءَ يَأْخُذُونَهَا بِالشُّفْعَةِ إنْ شَاءُوا وَيَدْفَعُونَ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيمَةَ مَثُوبَتِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً فِي دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمْ يَثِب مِنْهَا وَلَمْ يَطْلُبْهَا فَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا فَإِنْ أُثِيبَ فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الشَّفِيعُ مَعْرِفَةَ الثَّمَنِ فَإِنْ ادَّعَى مَعْرِفَتَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْمُبْتَاعِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الشَّفِيعُ وَأَدَّى مَا قَالَ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ يُشِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوْقَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ وَيَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ صَدَقَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا يَنْظُرُ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَلَا يَأْخُذُ أَحَدَهُمَا إلَّا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَاهِدٌ لِعَقْدٍ عَقَدَهُ فَهُوَ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ قَوْلِ غَيْرِهِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْضَ فَيَأْخُذَ مِنْهُ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَاهُ وَيَرْجِعَ هُوَ عَلَى الشَّفِيعِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَشْهَبَ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَفَاسَخَانِ وَتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ مُرْتَقَبَةٌ عَلَى نُفُوذِ الْبَيْعِ فَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ عَلَى قِيمَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ اشْتَرَى بِهِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ قِيمَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ نُقْصَانِهِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ عَنْ مِلْكِ مَنْ صَارَ إلَيْهِ وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَعَ عَيْنِ السِّلْعَةِ وَالثَّانِي مَعَ وُجُودِهَا فَأَمَّا مَعَ عَدَمِ عَيْنِ السِّلْعَةِ فَإِنَّهُمَا إنْ اتَّفَقَا عَلَى صِفَتِهَا دَعَا لَهَا الْمُقَوِّمُونَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ فِي صِفَتِهَا عَلَى رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يُقَوِّمُ الْمُقَوِّمُونَ تِلْكَ الصِّفَةَ وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ السِّلْعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ الصِّفَةِ عَلَى غَيْرِ مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ وَالثَّانِي أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ وَيَخْتَلِفَا فِي صِفَتِهَا يَوْمَ التَّبَايُعِ فَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا تَغْيِيرًا بِالزِّيَادَةِ وَالْآخَرُ تَغْيِيرًا بِالنُّقْصَانِ، أَوْ يَدَّعِيَ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّغْيِيرِ أَقَلَّ مِمَّا يُقِرُّ لَهُ بِهِ الشَّفِيعُ. (ش) : الْهِبَةُ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَلِلثَّوَابِ فَأَمَّا الْهِبَةُ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَهِيَ كَالصَّدَقَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْمُخْتَصَرِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشُّفْعَةِ فِي شِقْصٍ يُوهَبُ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُوبُ الشُّفْعَةِ وَالثَّانِيَةُ إسْقَاطُهَا وَجْهُ الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا أَنَّهُ انْتِقَالُ مِلْكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَنْهُ فَلَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَالتَّوَارُثِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ انْتِقَالُ مِلْكٍ حَالَ الْحَيَاةِ فَلَمْ يَمْنَعْ الشُّفْعَةَ فِيهِ كَالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا تَبْقَى الشُّفْعَةُ فِيهِ فَانْعَقَدَتْ الْهِبَةُ عَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ فَأُثِيبَ فِيهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَا فِي عِوَضِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّوَابَ عَنْهَا هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ فَكَانَ لَهَا حُكْمُ الْأَوْلَى. [الشُّفْعَة فِي الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ] 1 (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا ثَابِتَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ الثَّوَابُ نَقْدًا، أَوْ عَرَضًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ الْإِثَابَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّوَابَ، أَوْ يَقْضِيَ بِهِ وَيَعْرِفُ هَذَا قَبْلَ فَوَاتِ الْهِبَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَأَمَّا بَعْدَ فَوَاتِهَا فَفِي الْعُرُوضِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَفِي الدُّورِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ هُوَ فَوَاتٌ أَيْضًا فِي الرِّبَا فِي الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا فَاتَتْ بِذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ وَلَزِمَتْ الشُّفْعَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا تَجِبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّفْعَةُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّوَابَ، أَوْ يَقْضِيَ بِهِ وَيَعْرِفَ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذْ لَعَلَّهُ يَقُولُ لَمْ أُرِدْ ثَوَابًا فَإِنْ رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ تَرَكَ الثَّوَابَ لِمَوْضِعِ الشُّفْعَةِ فَلَا شُفْعَةَ إلَّا بَعْدَ دَفْعِ الثَّوَابِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الثَّوَابَ مَجْهُولٌ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ بِإِنْفَاذِهِ أَوْ بِالْقَضَاءِ بِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ عِنْدِي أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي قَدْ لَزِمَتْهُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ شَهِدَ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الثَّمَنَ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ لُزُومِهَا لَهُ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَفِي الْمُوَطَّإِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَثِبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَثَابَ مِنْ الْهِبَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَشْهَبَ إنْ كَانَ قَبْلَ فَوَاتِهَا فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِجَمِيعِ الْعِوَضِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَوَاتِهَا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّوَابِ، أَوْ قِيمَةِ الْهِبَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِقِيمَةِ الْعِوَضِ مَا بَلَغَ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الثَّوَابَ قَبْلَ الْفَوَاتِ ثَوَابٌ لِجَمِيعِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ شَيْءٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ وَبَعْدَ الْفَوَاتِ قَدْ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ مُبْتَدَأَةً فَمَا زَادَ بَعْدُ فَهُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ الشَّفِيعَ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الثَّوَابَ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ الْهِبَةِ وَمُقَابِلٌ لَهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الثَّوَابِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ قَبْلَ الْفَوَاتِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ غَيْرُهَا، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الثَّوَابِ لَا هِبَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا فَهُوَ لِلشَّفِيعِ بِقِيمَةِ الثَّوَابِ وَمَسْأَلَةُ الْمُوَطَّإِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَظْهَرَ الْوَاهِبُ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ وَعَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَادَّعَى الشَّفِيعُ الثَّوَابَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَحْلِفَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ رَأَى أَنَّهُ وَهَبَ لِلثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ وَهَبَ عَيْنًا فَالْيَمِينُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ عَلَى ابْنِهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا عَنْ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا وَهَبَ لِصَدَاقَةٍ وَقَرَابَةٍ فَلَا يَمِينَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ وَلَا قَرَابَةٌ وَلَا إخَاءٌ فَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ انْتِقَالَ الْمَمْلُوكِ يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَكُونُ بِعِوَضٍ وَمُعْظَمُ أَبْوَابِهِ الْبَيْعُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَّابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَمِنْ ذَلِكَ الْإِجَارَةُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ بِسُكْنَى دَارِهِ، أَوْ رُكُوبِ إبِلِهِ فَالشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى وَالرُّكُوبَ كَالْعَرَضِ فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قِيمَةُ الشِّقْصِ يُؤْخَذُ فِي دَمِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ مَالٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَالُ مِنْ الْعَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، أَوْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فِيمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا بِعُرُوضٍ مُؤَجَّلَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَأْخُذُ بِمِثْلِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إبِلَ الدِّيَةِ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ فَلِذَلِكَ عَدَلَ إلَى الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ فِي شِقْصٍ فَصَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَوْ صَالَحَهُ بِشِقْصٍ آخَرَ فَلَا شُفْعَةَ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيمَةِ مَا ادَّعَاهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَالشُّفْعَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ عِوَضًا لِغَيْرِ مَالٍ كَدَمِ الْعَمْدِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا عِوَضُهُ غَيْرُ مَالٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِعِوَضِهِ قِيمَةٌ أَخَذَ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَهَذَا إنْ صَالَحَهُ بِالشِّقْصِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَأَمَّا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الدَّمِ بِمَالٍ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ الشِّقْصَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِمَا كَانَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الشِّقْصُ يَنْكِحُ بِهِ، أَوْ يُخَالِعُ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ شِقْصُ مِلْكٍ بِنَوْعِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا فِي أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَأَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ مَلِيئًا فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِذَا جَاءَهُمْ بِحَمِيلٍ مَلِيءٍ ثِقَةٍ مِثْلُ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ فَذَلِكَ لَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا تُقْطَعُ شُفْعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَاوَضَةٍ فَثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِالْبَيْعِ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّ فِي قَوْلِهِ يَأْخُذُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْبِضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَتَقَدَّرُ بِهِ ثَمَنُ الْمَبِيعِ فِيهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ الثَّمَنُ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّفِيعَ كَأَخْذِهِ مِنْ دَمٍ عَمْدٍ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الشُّفْعَةِ إنْفَاذُهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ بِثَمَنِهِ حَالًّا أَوْ الِانْتِظَارُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهُ بِالنَّقْدِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَهُ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ وَهَذَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمُلَاءِ وَالثِّقَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَتَمَّ غِنًى مِنْ الشَّفِيعِ وَثِقَةً قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِ مُلَاءِ الْمُشْتَرِي فَلْيَأْتِ بِحَمِيلٍ فِي مِثْلِ ثِقَةِ الْمُشْتَرِي وَمُلَائِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاَلَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حَمِيلٌ إذَا كَانَ مَلِيًّا ثِقَةً، وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَمْلَأَ مِنْهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسَاوِي فِي الثَّمَنَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي الذِّمَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا مَحِلَّانِ لَهُمَا لَا سِيَّمَا مَعَ التَّأْجِيلِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ يَأْتِي بِحَمِيلٍ ثِقَةٍ مِثْلُهُ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الشِّقْصَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّسَاوِي إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْمُلَاءُ أَوْ الْعَدَمُ فَيُعْتَبَرُ بِذَلِكَ دُونَ التَّفَاضُلِ إذْ الذِّمَمُ لَا تَكَادُ تَتَسَاوَى وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ أَتَمَّ مُلَاءَةً وَثِقَةً لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ نَقْصًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا الْأَجَلِ وَلَا إثْبَاتًا لِشُفْعَةٍ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ لِمَنْ كَانَ دُونَهُ فَإِنْ لَمْ تُؤَثِّرْ زِيَادَةُ حَالِ الشَّفِيعِ عَلَى حَالِ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ نَقْصُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفًا أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَجَاءَ بِحَمِيلٍ ثِقَةٍ مِثْلَ الْمُشْتَرِي فَذَلِكَ لَهُ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَدِيمًا لَمْ يُسْلِمْ إلَيْهِ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا بِالشِّقْصِ لِئَلَّا يُتْلِفَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَلَا يُوجَدُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَنُهُ فَلَا يُسْلَمُ إلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ ثِقَةٍ، أَوْ رَهْنٍ وَفِيٍّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَمَانًا مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ مَعَ الْعَدَمِ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى تَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُبْتَاعُ مَلِيًّا فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا وَاتَّفَقَا فِي الْعَدَمِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دُونَ حَمِيلٍ وَلَا رَهْنَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا شُفْعَةَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ ثِقَةً كَانَ الْمُبْتَاعُ، أَوْ عَدِيمًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّسَاوِي وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عُهْدَةَ الْمُشْتَرِي بِالدَّيْنِ عَلَى الشَّفِيعِ وَقَدْ يَثِقُ الْبَائِعُ بِالْمُشْتَرِي بِمَا لَا يَثِقُ بِهِ الْمُشْتَرِي بِالشَّفِيعِ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَهُ الثَّمَنَ وَيَتْرُكَهُ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَمْ يَقُمْ الشَّفِيعُ حَتَّى حَلَّ الدَّيْنُ وَأَدَّى الثَّمَنَ فَلَهُ الْأَجَلُ مُسْتَأْنِفًا مِثْلَ مَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ وَعَنْ مُطَرِّفٍ وَمَالِكٍ وَزَادَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِيًّا وَلَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ فَقَدْ قَطَعَ السُّلْطَانُ شُفْعَتَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَ حَمِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَا يَأْخُذُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَّا بِالنَّقْدِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّمَاثُلِ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلِلْأَجَلِ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرٌ فَقَدْ يَشْتَرِي الْأَصْلَ بِالتَّأْجِيلِ بِمِثْلَيْ مَا يُشْتَرَى بِالنَّقْدِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ كَانَ لَهُمَا جَمِيعًا لِلْمُشْتَرِي وَلِلشَّفِيعِ فَإِذَا انْقَضَى فِي حَقِّهِمَا انْقَضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ، وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ تُقْطَعُ إلَيْهِ الشُّفْعَةُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ ثَابِتٌ مَا لَمْ يَتْرُكْ أَوْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ أَوْ يَأْتِيَ مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ مَا يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلشُّفْعَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا تُقْطَعُ شُفْعَةُ الْغَائِبِ غَيْبَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَغِيبَ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ فِي الشُّفْعَةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ حَقُّهُ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً قَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي الشُّخُوصِ فَهُوَ كَالْحَاضِرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا إذَا طَالَ زَمَانُهُ وَعَلِمَ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَكَانَ طُولُ إمْسَاكِهِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِهَا بِمَعْنَى تَرْكِهَا كَالْحَاضِرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ حَدًّا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ» وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِهِ وَقَادِرًا عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِتَوْقِيفِهِ فَإِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّوْقِيفِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الشَّفِيعِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ فِي تَرْكِ الشَّفِيعِ عَلَى شُفْعَتِهِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرَى وَمَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِالْعِمَارَةِ وَالْإِنْفَاقِ لَهُ فَكَانَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ يَأْمَنُ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ انْقِضَائِهِ الشُّفْعَةَ وَلَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَرْكُهُ إيقَافَ الشَّفِيعِ كَمَا لَا يَقْطَعُ الشَّفِيعُ تَرْكَهُ الْإِشْهَادَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَحْدِيدِ الْمُدَّةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ السَّنَةَ وَالسَّنَتَانِ قَرِيبٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ مُضِيُّ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يُوقَفَ وَقَالَ لَا أَرَى الْخَمْسَ سِنِينَ طُولًا. وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ السَّنَتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِالسَّنَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فَإِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ السَّنَةَ قَدْ جُعِلَتْ قَدْرًا لِقَطْعِ الْأَعْذَارِ فِي الْغَيْبَةِ وَغَيْرِهَا فَكَذَلِكَ فِي الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْقِيَامِ بِالشُّفْعَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالسَّنَةِ فَهَلْ يَكُونُ لِمَا قَرُبَ مِنْ السَّنَةِ حُكْمُهَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ السَّنَةَ قَرِيبٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ هَذَا التَّقْدِيرِ. وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ مَا قَارَبَ السَّنَةَ دَخَلَ فِي حُكْمِهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا حُدَّ بِالسَّنَةِ كَانَ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا كَالسَّنَةِ الْمَضْرُوبَةِ لِلَّعْنَةِ وَالْجُنُونِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَحْدُودَةَ بِالسِّنِينَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى فِرْقَةٍ كَانَ حُكْمُ مَا قَارَبَ السَّنَةَ حُكْمَ السَّنَةِ أَصْلُ ذَلِكَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لِلشَّفِيعِ الْحَاضِرِ فِيمَا لَمْ يُوقَفْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ شُفْعَتُهُ عَلَى حَدِّ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا، أَوْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ فَلَا تَنْقَطِعُ شُفْعَتُهُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ وَالضَّعِيفُ وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ مِثْلَ غَيْرِهِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالصَّغِيرُ وَالْبِكْرُ كَالْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرِيضُ عَالِمًا بِشُفْعَتِهِ أَوْ جَاهِلًا بِهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ الْمَرِيضُ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغَائِبَ إنَّمَا يَبْقَى حُكْمُ شُفْعَتِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْدِرُ عَلَى إشْهَادِهِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْأَعْذَارُ مِنْ الْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ وَمَا ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّ لِمَنْ زَالَتْ عَنْهُ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ زَوَالِهَا بِمِثْلِ مَا لِلشَّفِيعِ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْعُذْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِهَا فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ اُعْتُبِرَ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا يُعْتَبَرُ لِمُطْلَقِ الدَّوَاعِي مِنْ وَقْتِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُوَرِّثُ الْأَرْضَ نَفَرًا مِنْ وَلَدِهِ، ثُمَّ يُولَدُ لِأَحَدِ النَّفَرِ، ثُمَّ يَهْلَكُ الْأَبُ فَيَبِيعُ أَحَدُ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنَّ أَخَا الْبَائِعِ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مِنْ عُمُومَتِهِ شُرَكَاءِ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّغِيرُ لَا وَلِيَّ لَهُ مِنْ أَبٍ، أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُقَدَّمٍ مِنْ حَاكِمٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ مِنْهُمْ فَإِنَّ لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ مِثْلَ مَا لِغَيْرِ الْمَحْجُورِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْوَلِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ سَنَةً فَلَا شُفْعَةَ لَهُ قَالَهُ أَشْهَبُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ بِالشُّفْعَةِ وَعَلِمَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ تَفْرِيطَ وَتَضْيِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الشُّفْعَةِ خَمْسُ سِنِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُتَّصِلَةً مِنْ قَبْلِ وَقْتِ الِابْتِيَاعِ وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الِابْتِيَاعِ، ثُمَّ غَابَ فَطَالَتْ غَيْبَتُهُ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الشُّفْعَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الشَّفِيعِ يَكُونُ حَاضِرًا عِنْدَ الْبَيْعِ، ثُمَّ يَغِيبُ عَشْرَ سِنِينَ، أَوْ أَكْثَرَ إنْ كَانَ خُرُوجُهُ فِي مُدَّةٍ لَوْ قَامَ فِيهَا ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ وَكَانَ سَفَرُهُ سَفَرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُ الشُّفْعَةِ فَقَدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ يَرْجِعُ مِنْ مِثْلِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْغَيْبَةِ فَمَنَعَهُ مَانِعٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ تَارِكًا لِلشُّفْعَةِ وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عِنْدَ خُرُوجِهِ، أَوْ لَمْ يَشْهَدْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي مُدَّةٍ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَى سَفَرٍ يَنْقَضِي قَبْلَ أَمَدِ الشُّفْعَةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ يَتْرُكُ الشُّفْعَةَ إلَى آخِرِ أَمَدِهَا فَإِنَّهُ إذَا قَامَ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ أَمَدِ الشُّفْعَةِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ عَاقَهُ مِنْ ذَلِكَ عَائِقٌ أَبْقَى لَهُ حَقَّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِعَدَمِ الْعَوَائِقِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُشْهِدَ عِنْد سَفَرِهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُدَّةِ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَشْهَبَ سَوَاءٌ غَابَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ اشْتَرَاهَا فِي غَيْبَتِهِ، أَوْ اشْتَرَاهَا لَهُ وَكِيلٌ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ، وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمُشْتَرِي قَالَ وَلَوْ قَامَ بِشُفْعَتِهِ لَحَكَمَ لَهُ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ يَضُرَّهُ تَأْخِيرُهُ لِعُذْرِهِ لِتَجَشُّمِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ كِتَابَةَ عُهْدَتِهِ عَلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ حَسَنٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ يَبْنِي وَيَهْدِمُ وَيُكْرِي بِحَضْرَةِ الشَّفِيعِ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ شُفْعَتَهُ مَا لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا عَلَى دَفْعِ الشُّفْعَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَالَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَبْنِي وَيَهْدِمُ بِحَضْرَةِ الشَّفِيعِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ مَعَهُ يُرِيدُ لِشَرِكَتِهِ فِي ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا يَقْطَعُ شُفْعَتَهُ قَالَ وَلَوْ لَمْ يَلِ ذَلِكَ مَعَهُ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ وَهُوَ حَاضِرٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ إذَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مَا تَنْقَطِعُ إلَيْهِ الشُّفْعَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ السَّنَةَ قَرِيبٌ وَلَا تَقْطَعُ الشُّفْعَةَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلشُّفْعَةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْلِفُ إنْ قَامَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ وَلَا يَحْلِفُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ فَعَلَى هَذَا الْمُدَّةِ عَلَى أَضْرُبٍ مِنْهَا مَا يَقْصُرُ كَالشَّهْرَيْنِ وَمَا كَانَ لَهُ حُكْمُهُمَا فَهَذَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ دُونَ يَمِينٍ وَمَا هُوَ أَطْوَلُ مِنْهَا كَالسَّبْعَةِ أَشْهُرٍ وَمَا كَانَ لَهُ حُكْمُهَا فَهَذَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَطَوِيلُ الْمُدَّةِ مَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ فَهَذَا تَنْقَطِعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إنْ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ بِهِ وَهُوَ مُقِيمٌ بِالْبَلَدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ وَلَوْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنَّ الْأَرْبَعَةَ لَكَثِيرٌ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْإِخْوَةَ إذَا وَرِثُوا أَرْضًا فَيُتَوَفَّى أَحَدُهُمْ عَنْ وَلَدٍ وَرِثُوهُ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُ الْوَلَدِ نَصِيبَهُ فَإِنَّ إخْوَةَ الْبَائِعِ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ مَا بَاعَ مِنْ أَعْمَامِهِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُمْ أَخُصُّ فَتَخْتَصُّ بِمَضَرَّةِ الشَّرِكَةِ وَتَبْعِيضِ السِّهَامِ وَبِسَبَبِ إزَالَةِ الضَّرَرِ مِنْ الْقِسْمَةِ فَكَانَتْ الشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ أَوْلَى. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثُ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ الْمُشْتَرِي كَالْوَرَثَةِ وَلَا الْعَصَبَةُ كَأَهْلِ السِّهَامِ الْمَفْرُوضَةِ فَيَحْتَمِلُ

[الشفعة بين الشركاء]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ يَأْخُذُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ، وَذَلِكَ إذَا تَشَاحُّوا فِيهَا قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ حَقَّهُ فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنَا آخُذُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي إنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا أَسْلَمْتهَا إلَيْك، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَدَعَ فَدَعْ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا خَيَّرَهُ فِي هَذَا وَأَسْلَمَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ كُلَّهَا، أَوْ يُسَلِّمَهَا إلَيْهِ فَإِنْ أَخَذَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلُ الَّذِي فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الْمُخَالَفَةَ لِرِوَايَةِ الْعُتْبِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَا الْوَارِثَ الْوَاحِدَ يُشَارِكُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الشُّفْعَةِ وَرِوَايَةُ الْعُتْبِيَّةِ فِي جَمَاعَةِ وَرَثَةٍ يَرِثُونَ أَبَاهُمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ فِيمَا بَاعَهُ أَشْرَاكُهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَرَثَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَهْلُ سَهْمٍ وَغَيْرُ أَهْلِ سَهْمٍ فَأَمَّا أَهْلُ السَّهْمِ كَالْجَدَّتَيْنِ تَشْتَرِكَانِ فِي السُّدُسِ وَالْأَخَوَاتُ الشَّقَائِقُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ يَشْتَرِكْنَ فِي الثُّلُثَيْنِ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ وَالزَّوْجَاتُ يَشْتَرِكْنَ فِي الرُّبْعِ، أَوْ الثُّمُنِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَهْلُ السَّهْمِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ مَا بَاعَ أَهْلُ سَهْمِهِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ تَرَكُوا الشُّفْعَةَ فَأَهْلُ الْمِيرَاثِ أَحَقُّ مِنْ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ لَا يُشَارِكُونَ بِذَلِكَ الْمِيرَاثَ فَإِنْ سَلَّمَ أَهْلُ الْمِيرَاثِ فَسَائِرُ الشُّرَكَاءِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ إلَّا ابْنَ دِينَارٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَعَ أَهْلِ السِّهَامِ عَصَبَةٌ فَبَاعَ أَحَدُ الْعَصَبَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشُّفْعَةُ لِأَهْلِ السِّهَامِ وَالْعَصَبَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ قَالَ الشُّفْعَةُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ دُونَ أَهْلِ السِّهَامِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ آحَادَ الْعَصَبَةِ مُشَارِكُونَ لِجُمْلَةِ أَهْلِ السَّهْمِ فَلِذَلِكَ كَانَ أَهْلُ السَّهْمِ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي حُقُوقِهِمْ وَآحَادُ أَهْلِ السَّهْمِ لَا يُشَارِكُونَ الْعَصَبَةَ وَإِنَّمَا يُشَارِكُونَهُمْ بِالْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ مُتَقَدِّمَةٌ وَقَدْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِكَ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى التَّعْصِيبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْوِرَاثَةُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَتَقَرَّرُ سِهَامُهُمْ وَلَا تَخْتَصُّ بِسَهْمٍ مَا وَحَقُّ أَهْلِ السَّهْمِ التَّقْدِيمُ عَلَى الْعَصَبَةِ بِذَلِكَ السَّهْمِ؛ وَلِذَلِكَ يَضْرِبُونَ بِهِ عِنْدَ الْعَوْلِ وَالْعَصَبَةُ يَسْقُطُونَ عِنْدَ الْعَوْلِ فَكُلُّ حَقٍّ لِلْعَصَبَةِ شَارَكَهُمْ فِيهِ أَهْلُ السَّهْمِ بِذَلِكَ وَحُقُوقُ أَهْلِ السَّهْمِ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِمْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالسَّهْمِ وَحُقُوقُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى لَهُمْ بِثُلُثٍ، أَوْ بِسَهْمٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّ شُرَكَاءَهُ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْوَرَثَةِ الدُّخُولُ مَعَهُمْ وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ مَعَ أَهْلِ السِّهَامِ. [الشُّفْعَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ الشُّفْعَةَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمْ مِنْ الْأَنْصِبَاءِ فِي الْمَالِ الْمَبِيعِ بَعْضُهُ وَلَيْسَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى عَدَدِ الشُّرَكَاءِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِشَرِكَتِهِمْ لَا لِعَدَدِهِمْ فَوَجَبَ تَفَاضُلُهُمْ فِيهَا بِتَفَاضُلِ الشَّرِكَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ كَعِتْقِ رَجُلَيْنِ نُصِيبَهُمَا فِي عَبْدٍ فَالتَّقْوِيمُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَبِقَدْرِهِ، وَذَلِكَ إذَا تَشَاحُّوا فِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَتَشَاحُّوا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الشُّفْعَةَ عَلَى غَيْرِ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ الْقَلِيلُ النَّصِيبَ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ مَا يُعْطِي مَنْ كَثُرَ نَصِيبُهُ، أَوْ أَكْثَرَ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا تَجُوزُ هِبَةُ الشُّفْعَةِ وَلَا بَيْعُهَا وَالْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ وَهَبَهُ إيَّاهَا الشَّفِيعُ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ وَالشَّفِيعُ الَّذِي أَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنْهَا لَهُ حَقٌّ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنَّمَا صَارَ لَهُ نَصِيبُهُ بِالْمُشَاحَّةِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ بِذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ وَلَوْ تَرَكَ جَمِيعُهُمْ الشُّفْعَةَ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهَا فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَهَبَهُ شَرِيكَهُ بَعْضَ الشُّفْعَةِ أَوْ جَمِيعَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَرْكِهِ الْأَخْذَ بِهَا. 1 -

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فَيُعَمِّرُهَا بِالْأَصْلِ يَضَعُهُ فِيهَا، أَوْ الْبِئْرِ يَحْفِرُهَا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ فَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ كَانَ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ فَيَقُولُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنَا آخُذُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِي وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ، أَوْ تَدَعَ الشُّفْعَةَ فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إلَّا ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَيَشْتَرِيَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَاءِ الْمَالِكِ فَنَسَبَهُ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْمِلْكِ كَمَا يَقُولُ صَاحِبُهُ وَمَالِكُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الشُّرَكَاءِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ شُرَكَائِهِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ مِنْ شُرَكَائِهِ عَائِدًا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الشُّفْعَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ تَدَعَ الْجَمِيعَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الشُّرَكَاءِ غَائِبًا، أَوْ حُضُورًا فَإِنْ كَانُوا حُضُورًا وَأَبَوْا الْأَخْذَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ تَرَكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي الشُّفْعَةِ فَإِنْ أَخَذَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ التَّرْكِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ وَالتَّرْكُ لَهَا مُسْقِطٌ لِخِيَارِ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَإِذَا انْعَقَدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ لَزِمَ فِي الْجِهَتَيْنِ فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي مَنْعَهُ مِنْ أَخْذِ الْجَمِيعِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّبْعِيضِ فَكَمَا لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُبَعِّضَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي تَبْعِيضَهَا عَلَى الشَّفِيعِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ لِلشُّفْعَةِ سَلَّمَهَا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ لِلْمُبْتَاعِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا قَدْرُ سَهْمِهِ وَلِلْمُبْتَاعِ سَهْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ تَسْلِيمُهُ عَلَى وَجْهِ كَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْجَمِيعِ فَإِنْ أَبَى فَلَا شُفْعَةَ لَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ هِبَةُ الشُّفْعَةِ لَكِنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ هِبَتَهَا لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مِلْكِهَا كَالْمُشْتَرِي وَإِذَا تَرَكَهَا الشَّفِيعُ وَلَمْ يَهَبْهَا فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ إشْرَاكُهُ غَيْبًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ دُونَ حِصَّةِ أَشْرَاكِهِ الْغُيَّبِ حَتَّى يُقْدِمُوا وَلْيَأْخُذْ الْآنَ الْكُلَّ، أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ تَرَكَ فَلَا دُخُولَ لَهُ مَعَ أَصْحَابِهِ إذَا قَدِمُوا وَأَخَذُوا الشُّفْعَةَ فَإِنْ قَدِمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ غَابَ قِيلَ لَهُ خُذْ الْجَمِيعَ أَوْ اُتْرُكْ الْجَمِيعَ وَلَوْ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ فَمَنْ قَدِمَ دَخَلَ مَعَهُ فِي الشُّفْعَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكُ غَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي غَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشُّرَكَاءِ فَأَرَادَ أَحَدُ شُرَكَائِهِ أَنْ يَأْخُذَ الشُّفْعَةَ وَسَلَّمَهَا سَائِرُهُمْ وَقَالَ الشَّفِيعُ إنَّك شَفِيعٌ مَعِي فَأَنَا أَتْرُكُ لَك بِقَدْرِ حِصَّتِك مِنْ الشُّفْعَةِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا إلَّا مَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ التَّأْوِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُلْزِمَ الشَّفِيعَ بِأَخْذِ الْكُلِّ، أَوْ التَّرْكِ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ شَفِيعٌ تَارِكٌ فَإِنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ الْكُلَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَهِيَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ لَا بِالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى الْأَرْضَ فَعَمَّرَهَا فَإِنَّ عِمَارَتَهُ لَهَا تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَمَا لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ وَالثَّانِي مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالْحَرْثِ وَالْإِصْلَاحِ فَأَمَّا مَا كَانَتْ عِمَارَتُهُ بِمَا لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَمَّرَ بِوَجْهِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ عَمَّرَ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقَطْعِ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ وَيُشَارِكَهُ الْمُشْتَرِي بِالْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ازْدِيَادٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ الَّتِي شُرِعَتْ الشُّفْعَةُ لِنَفْيِهَا وَتَصَوُّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الشُّفْعَةِ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ اسْتَقَالَ الْمُشْتَرِي فَأَقَالَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَالشَّفِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَى الْأَرْضَ كُلَّهَا فَعَمَّرَ فِيهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَهُ فَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ مِنْهَا حِصَّةً وَأَرَادَ أَخْذَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى الْأَرْضَ، ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ بَعْدَ أَنْ عَمَّرَ فَأَدْرَكَ فِيهَا حَقًّا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَحَقَّ مِنْهَا جُزْءًا، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَ جَمِيعَهَا وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ فَبَنَى فِيهَا، ثُمَّ قَامَ الشَّفِيعُ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ تَقُومُ مَطْرُوحَةً نَقْضًا فَإِنْ شَاءَ الشَّفِيعُ أَخَذَ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا وَإِلَّا أَمَرَهُ بِقَلْعِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبُنْيَانِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا غَرَسَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّمَا لَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْدِمُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِلْغَارِسِ مَا أَنْفَقَ، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ وَقَدْ يُنْفِقُ فِي غِرَاسٍ وَحَفْرِ عُيُونِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَلَا يَنْبُتُ مِنْهُ إلَّا الْيَسِيرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا يُرِيدُ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا جُزْءًا وَهَذَا الْجُزْءُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ وَقَدْ بَنَى فِيهِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قَدْرَ حِصَّةِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الْبِنَاءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ بَنَى بِوَجْهِ حَقٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَا بَنَى وَغَرَسَ فَإِنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةَ مَا بَنَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ دُونَ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ الْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ أَرْضِهِ وَالْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ بِنَائِهِ، أَوْ غَرْسِهِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ مِنْهُ إلَّا بِالضَّرَرِ وَقَدَّمَ مَالِكٌ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ أَقْدَمُ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ أَثْبَتُ فِي الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَإِذَا أَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الشِّرَاءِ مَا لَا يُرِيدُ شِرَاءَهُ وَعَرَضَ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ فَإِنْ أَجَابَ إلَى ذَلِكَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ لِضَعْفِ جَنَبَتِهِ مِنْ الْإِبَايَةِ عَنْ تَخْلِيصِ الْمِلْكِ فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا شَرَكَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ يُجْبَرَ فِيهِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا دَعَا إلَيْهِ الْآخَرُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مَنْ أَبَاهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُسْتَحِقِّ قِيمَةَ أَرْضِهِ وَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَخْذَ بَقِيَّةِ الْأَرْضِ بِالشُّفْعَةِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَسْت أَرَاهُ وَجْهَ نَفْيِ الشُّفْعَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى أَخَذَ قِيمَةَ شِقْصِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِنَفْيِ الضَّرَرِ وَقَدْ خَرَجَ عَنْ الشِّقْصِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشُّفْعَةَ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ بِشِرَاءِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ فَبَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِوَقْتِ وُجُوبِهَا وَهُوَ وَقْتُ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي وَيَجِيءُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْأَخْذِ دُونَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لِحِصَّتِهِ الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ تَرْكٌ لِشُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَإِذَا بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمِلْكِ لَمْ يَبْقَ مَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْيِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَكَانَ بَيْعُهُ لِحِصَّتِهِ يَقْتَضِي تَرْكَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ دَفْعِ قِيمَةِ الْأَرْضِ وَرَجَعَا إلَى الشَّرِكَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِثْلَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِنِصْفَيْنِ وَهَلْ تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الشُّفْعَةُ قَالَ أَشْهَبُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ لِابْنِ الْمَوَّازِ تَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِمَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ الْبِنَاءِ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُهُ أَيْضًا بِرُبْعِ ثَمَنِ الدَّارِ وَرُبْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يُحْتَسَبَ عَلَى الْمُشْتَرَى بِرُبْعِ قِيمَةِ النَّقْضِ الَّذِي هُدِمَ مَنْقُوضًا.

أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا بِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا فِي دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ وَحَيَوَانًا وَعُرُوضًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَطَلَب الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ، أَوْ الْأَرْضِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي خُذْ مَا اشْتَرَيْت جَمِيعًا فَإِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْته جَمِيعًا قَالَ مَالِكٌ بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ يُقَامُ كُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَتِهِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ بِاَلَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ رَأْسِ الثَّمَنِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَمْنَعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ وَجَبَ فِي الشِّقْصِ الْمُشْتَرَى وَأَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ فِي أَخْذِهِ أَوْ تَرْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ أَنْ يُسْقِطَا حَقَّهُ مِنْهُ بِالْإِقَالَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْإِقَالَةِ وَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الْإِقَالَةِ هِيَ بَيْعٌ حَادِثٌ أَمْ نَقْضُ بَيْعٍ فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهَا نَقْضُ بَيْعٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْإِقَالَةِ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ لَمَّا كَانَتْ مُبْطِلَةً لِحَقِّ الشَّفِيعِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَلُزُومِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إنْ رَأَى أَنَّ الْإِقَالَةَ كَانَتْ لِقَطْعِ الشُّفْعَةِ فَهِيَ بَاطِلٌ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ، وَإِنْ رَأَى أَنَّهَا عَلَى الصِّحَّةِ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِذَا قُلْنَا أَنَّهَا بَيْعٌ حَادِثٌ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِالْإِقَالَةِ فَتَكُونُ عُهْدَتُهُ إنْ شَاءَ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَعَ التَّسَاوِي فِي الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ بَيْعٌ حَادِثٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي أَيِّهِمَا شَاءَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْإِقَالَةُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ لِأَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِعُهْدَةِ الْإِقَالَةِ، وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِقَالَةَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بَيْعٌ حَادِثٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهَا قَبْلَ الْإِقَالَةِ كَمَنْ بَاعَ شَرِيكَهُ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ مِمَّا فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَعَهُ فِي الصَّفْقَةِ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُرُوضِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْحَائِطِ كَعَبِيدِهِ الْعَامِلِينَ فِيهِ وَدَوَابِّهِ وَآلَتِهِ أَوْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ آلَتِهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ مَا بَيْعَ مَعَ الْحَائِطِ مِنْ آلَتِهِ وَرَقِيقِهِ أَنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ صَلَاحَ الْحَائِطِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ كَالْعَيْنِ تُبَاعُ مَعَ الْأَرْضِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالدَّوَابُّ وَالرَّقِيقُ وَالْآلَةُ أَنَّهُ كَبَعْضِهِ يُرِيدُ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْحَائِطِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهِ يَوْمُ الصَّفْقَةِ وَقَدْ كَانَ أُخْرِجَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ فَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ التَّبَعِ إذَا كَانَ قَدْ أَثَّرَ فِي الْحَائِطِ عَمَلُهُ، أَوْ الْعَمَلُ بِهِ فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ بَعْدُ فِي الْحَائِطِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَأْثِيرٌ فَلَا يَكُونُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْحَائِطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسَاقَاةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَبِيعِ وَلَا تَبَعًا لَهُ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ شِقْصًا وَثَوْبًا بِثَمَنٍ مَا أَنَّ الثَّمَنَ يَفِضْ عَلَى الشِّقْصِ وَالثَّوْبِ وَمَا أَصَابَ الشِّقْصَ فَهُوَ ثَمَنُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ وَمَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَهُوَ ثَمَنُهُ وَيَبْقَى لِلْمُشْتَرِي قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَوْ اسْتَوْجَبَ الشِّقْصَ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَوْجِبَهُ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الْقِيمَةِ دُونَ خِيَارٍ لَهُ عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَمَّا أَنْ يَسْتَوْجِبَهُ عَلَى أَنِّي قَدْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّمَنَ فَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ عِنْدِي فِي طُولِ أَمَدِ الشُّفْعَةِ وَلَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ فَسَلَّمَ بَعْضَ مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةَ لِلْبَائِعِ وَأَبَى بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ بِشُفْعَتِهِ أَنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يُسَلِّمَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَبِتَرْكِ مَا بَقِيَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ وَشُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ كُلُّهُمْ إلَّا رَجُلًا فَعَرَضَ عَلَى الْحَاضِرِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ فَقَالَ أَنَا آخُذُ بِحِصَّتِي وَأَتْرُكُ حِصَصَ شُرَكَائِي حَتَّى يَقْدُمُوا فَإِنْ أَخَذُوا فَذَلِكَ، وَإِنْ تَرَكُوا أَخَذْت جَمِيعَ الشُّفْعَةِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ يَتْرُكَ فَإِنْ جَاءَ شُرَكَاؤُهُ أَخَذُوا مِنْهُ، أَوْ تَرَكُوا إنْ شَاءُوا فَإِذَا عَرَضَ هَذَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَلَا أَرَى لَهُ شُفْعَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِيَارِ إذَا عَرَفَ الثَّمَنَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ شِقْصًا وَقَمْحًا بِدَنَانِيرَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الشِّقْصِ وَالْقَمْحِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَمَلَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِمَا فَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ حِصَّةِ الشِّقْصِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَقِيمَةِ الْقَمْحِ فَيَفِضْ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بَاعَ مِنْهُ شِقْصًا أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِدِينَارٍ فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَقْوِيمِ الدَّرَاهِمِ وَالشِّقْصِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ بِتَجْوِيزِ الصَّرْفِ وَالْبَيْعِ مَعًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي خُذْ مَا اشْتَرَيْت جَمِيعًا فَإِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْته جَمِيعًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الشَّفِيعَ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ لَجَازَ وَكَانَ بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الشُّفَعَاءِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ بِهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فَلَا تَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُسَوِّغَهُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ فَإِنْ سَوَّغَهُ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي اسْتِيعَابِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لَهُمَا وَغَيْرُ خَارِجٍ عَنْهُمَا فَإِذَا رَضِيَا بِتَرْكِ ذَلِكَ جَازَ كَالْبَيْعِ وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَالَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ، أَوْ يَتْرُكَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِمَا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِ الشَّفِيعِ بَعْضَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الشِّقْصِ مِنْ الضَّرَرِ بِتَبْعِيضِ صَفْقَتِهِ وَأَخْذِ بَعْضِهَا وَإِلْزَامِهِ سَائِرَهَا. (ش) : قَوْلُهُ فِي نَفَرٍ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَصَفَ الْبَيْعَ بِأَنَّهُ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّقْرِيبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي ذَلِكَ وَالدُّورِ الْكَثِيرَةِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ حِصَّتَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ دُورٍ لَكَانَ الشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُ مَا اشْتَرَاهُ فِي الثَّلَاثِ الدُّورِ، أَوْ يَتْرُكُ الْكُلَّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ إحْدَى الدُّورِ وَيَتْرُكَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ سَائِرِهَا إذَا كَانَ شَرِيكُهُ فِي جَمِيعِهَا وَكَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى ذَلِكَ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَضَرَّةِ تَبْعِيضٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْكَثِيرَ مِنْهَا فَإِنَّ لَهُ رَدُّ سَائِرِهَا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ الطَّارِئَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلَيْنِ شِقْصًا مِنْ دَارَيْنِ وَشَفِيعُهُمَا وَاحِدٌ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حَظَّ الْبَائِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ فِي غَيْرِهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَبْعِيضٌ بِصَفْقَةِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلشَّفِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَاحِدٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةُ رِجَالٍ مِنْ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ دَارًا أَوْ أَرْضًا وَنَخْلًا وَشَفِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ يَتْرُكَ سَوَاءٌ اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ إذَا كَانَ فِي صَفْقَةٍ فَأَمَّا شِرَاءُ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَاعَةِ بَيْنَهُمْ فَبَيِّنٌ أَيْضًا. وَقَدْ أَشَارَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ إلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ أَنَّ لَهُ أَخْذَ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِينَ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَظَّ رَجُلٍ انْفَرَدَ

[ما لا تقع فيه الشفعة]

(مَا لَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فِي فَحْلِ النَّخْلِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا، أَوْ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي عَرْصَةِ دَارِ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا، أَوْ لَمْ يَصْلُحْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فَمَا أَعْلَمُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ لِذَلِكَ وَلَا يَظْهَرُ عِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ لِصَفْقَةِ أَحَدِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي الرَّجُلَيْنِ يَشْتَرِيَانِ حِصَّةَ رَجُلٍ مِنْ أَرْضٍ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَبِيعِ وَالصَّفْقَةِ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَقَالَهُ سَحْنُونٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بِعْتَ حَظًّا مِنْ دَارَيْنِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَظُّ شَفِيعٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْذُ مَا هُوَ شَفِيعٌ فِيهِ دُونَ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ يَفِضْ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ مَا يُصِيبُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الثَّمَنِ لَكَانَ أَخْذُهُ بَاطِلًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْفَاذُ الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ بَيْعًا أَنْ يُنَفِّذَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ وَالْمُشْتَرِي وَأَمَّا قَوْلُ الشَّفِيعِ قَدْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَعْرِفْ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَخْذٍ لَازِمٍ لَهُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا عَرَفَ الثَّمَنَ، وَلَكِنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي أَخْذِ الشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا لَا تَقَعُ فِيهِ الشُّفْعَةُ] (ش) : قَوْلُهُ وَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ إذَا مَيَّزَتْ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقِسْمَةِ فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِ الشَّرِكَةِ إلَى حُكْمِ الْمُجَاوَرَةِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّرِيكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» وَهَذَا وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِئْرَ لَا أَرْضَ لَهَا مُشَاعَةً وَلَا يُقْسَمُ مَاؤُهَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ آبَارِ الشَّفَةِ، أَوْ آبَارِ سَقْيِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ بِيعَتْ دُونَهَا، أَوْ قُسِمَتْ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَاسَمَ شَرِيكَهُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ، ثُمَّ بَاعَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَيْنِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يُقَاسِمْهُ النَّخْلَ وَالْأَرْضَ حَتَّى بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَيْنِ لَكَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْبِئْرَ وَالْعَيْنَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا شُفْعَةٌ بِنَفْسِهِمَا فَإِذَا كَانَتْ تَبَعًا لِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ حَتَّى تَكُونَ مَنْفَعَتُهَا مَصْرُوفَةً إلَيْهَا وَتَكُونَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهَا ثَبَتَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ تَبَعًا لَهَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَآبَارُ النَّخْلِ وَعُيُونُهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا يَكُونُ عَدَدًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمِنْهَا الْوَاحِدَةُ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لَهَا بِئْرَانِ، أَوْ عَيْنَانِ فَاقْتَسَمَا الْبِئْرَيْنِ، أَوْ الْعَيْنَيْنِ خَاصَّةً فَبَاعَ أَحَدُهُمَا عَيْنَهُ أَوْ بِئْرَهُ وَحِصَّةَ الْأَرْضِ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِئْرِ بِمَا يُصِيبُ الْأَرْضَ مِنْ الثَّمَنِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا بِئْرٍ وَالْبِئْرُ بِلَا أَرْضٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ بَاعَ الْبِئْرَ دُونَ أَرْضٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَبِيعَ مَقْسُومٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِئْرًا وَاحِدَةً فَلَا يَصِحُّ فِيهَا قِسْمَةٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قِيَاسُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَاقِيَةً عَلَى الْإِشَاعَةِ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا وَإِنْ أُفْرِدَتْ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُهَا مَقْسُومَةً وَلَا أَرْضَ لَهَا فَلَمْ يَجْعَلُوا الشُّفْعَةَ فِيهَا لِنَفْسِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا جَعَلُوا الشُّفْعَةَ فِيهَا بِسَبَبِ الْأَرْضِ وَصَرْفِ جَمِيعِ مَنَافِعِهَا إلَيْهَا وَعَلَى هَذَا كَانَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ فَأَرَادَ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا بَاعَ شَرِيكُهُمْ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَيَثْبُتَ لَهُ الْبَيْعُ فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الْبَيْعُ فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ الشُّفْعَةُ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَرْضٌ، وَإِنْ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ وَإِذَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْكَثِيرِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي كَثِيرِهَا إذَا انْفَرَدَتْ عَنْ الْأَرْضِ، وَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهَا، وَإِنْ انْفَرَدَتْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَرَى الشُّفْعَةَ فِيهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ تَكُونُ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ لَا تَحْتَمِلُ رَقَبَتُهَا الْقِسْمَةَ وَيَكُونُ مَاؤُهَا يُقْسَمُ بِالْقَلْدِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي مَائِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلَّاكُهَا شُرَكَاءَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي تُسْقَى بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَأَهْلُ كُلِّ قَلْدٍ يَتَشَافَعُونَ بَيْنَهُمْ دُونَ إشْرَاكِهِمْ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا شُفْعَةَ فِيهَا إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا أَصْلٌ ثَابِتٌ يَخْرُجُ مِنْهُ عَيْنٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودَةٌ يَتْبَعُ أَصْلَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَالثَّمَرَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجْعَلَ الْعُيُونَ وَالْآبَارَ مِمَّا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ آحَادَهُ لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْأَرْضِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ إذَا كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ الْأَرْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا شُفْعَةَ فِي فَحْلِ النَّخْلِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَكُونَ نَخْلَةً وَاحِدَةً يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَلْقِيحِ الْحَائِطِ فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَرْبَابِ الْفَحْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَيْنِ، أَوْ الْبِئْرِ لَهَا أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّخْلَةِ مِنْ الْفَحْلِ حَائِطٌ يُلَقَّحُ بِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إذَا قُسِمَ الْحَائِطُ وَبَقِيَ الْفَحْلُ وَالْفَحْلَانِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَقْسِمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ شُفْعَةً. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شُفْعَةَ فِي النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِي الشَّجَرَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ كَالدَّارِ الصَّغِيرَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ لَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ صَلُحَ الْقَسْمُ فِيهَا، أَوْ لَمْ يَصْلُحْ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ وَلَا عَرْصَةٍ، وَإِنْ صَلُحَ فِيهَا الْقَسْمُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّرِيقَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ عَلَى صُورَتِهَا؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شُفْعَةٌ كَمَجْرَى الْمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا أَرَى أَنْ يَقْسِمَ مَجْرَى الْمَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْسِمُ الطَّرِيقَ إذَا أَبَى ذَلِكَ أَحَدُهُمْ وَهَذَا يَقْتَضِي مَعْنَى الشُّفْعَةِ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا قُسِمَتْ الْبُيُوتُ وَبَقِيَتْ الْعَرْصَةُ فَلِأَحَدِهِمْ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُيُوتِ وَالْعَرْصَةِ وَلَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِهِ فِي الْعَرْصَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِشَاعَةِ وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِلْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِسْمَةِ الْبُيُوتِ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ وَانْتَقَلَ بِهِ الْبَيْعُ إلَى مِلْكِ الْمُبْتَاعِ وَإِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخِيَارِ فَالْمَبِيعُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ قَالَ مَالِكٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَجْنَبِيٍّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ صَارَ إلَيْهِ الشِّقْصُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ لَهُ الشُّفْعَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَيْعِ الْبَتْلِ سَوَاءٌ صَارَ إلَى الْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْبَائِعِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِ الْبَتْلِ نَفَذَ بَيْعُ الْخِيَارِ، أَوْ رُدَّ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَقَالَ أَشْهَبُ الشُّفْعَةُ لِمُبْتَاعِ الْبَتْلِ فِيمَا بِيعَ بِالْخِيَارِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مُرَاعًى فَإِنْ نَفَذَ الْبَيْعُ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ رَدَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَبَيَّنَ بِإِنْفَاذِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدَّ مُسْتَحِقُّ الشُّفْعَةِ فِي بَيْعِ الْبَتْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ نَفَذَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ بَيْعٌ حَاضِرٌ بَعْدَ وُقُوعِ الْبَتْلِ فَالشُّفْعَةُ فِي بَيْعِ الْبَتْلِ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ فِيهِ الْخِيَارُ وَبَاعَ حِصَّتَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَمَّا قَوْلُ أَشْهَبَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْخِيَارِ قَدْ مَنَعَ الْبَائِعَ الشُّفْعَةَ لِعَقْدِهِ فِي حِصَّتِهِ عَقْدَ بَيْعِ الْبَتْلِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ كَانَ لِمُشْتَرِي الْبَتْلِ الشُّفْعَةُ فِيمَا أَنْفَذَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَيْعِ الْخِيَارِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ وَكَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِهَا إذَا تَمَّ الْبَيْعُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَالشُّفْعَةُ لِمُشْتَرِي الْبَتْلِ فِيمَا بِيعَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ إنَّمَا يَثْبُتُ يَوْمَ يَخْتَارُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ وَلَا التَّسْلِيمُ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ تَرَكَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ بِالْبَيْعِ الْبَتْلُ مَعَ بَقَاءِ مَا بَاعَهُ بِالْخِيَارِ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا سَلَّمَهُ قَبْلَ لُزُومِ بَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَقَدَ الْمُبْتَاعُ بِالْبَتْلِ قَبْلَ لُزُومِ بَيْعِ الْخِيَارِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ مَا لَزِمَ وَنَفَذَ فِيهِ الْبَيْعُ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ مَالِكٌ فِي أَصْلٍ بَنَى عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَهُوَ فِيمَنْ وَجَبَتْ لَهُ شُفْعَةٌ فَبَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ أَنْ بَاعَ إلَّا أَنْ يَبْقَى لَهُ بَقِيَّةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ أَصْلَ الشُّفْعَةِ لِمَا يَدْخُلُ مِنْ الضَّرَرِ مِنْ تَضْيِيقِ الْوَاسِعِ وَخَرَابِ الْعَامِرِ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ يَلْحَقُهُ ذَلِكَ فِيهِ وَمَا أَظْهَرَهُ مِنْ عِلَّةِ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَلْحَقُ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا بَاعَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِشُفْعَتِهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ سَوَاءٌ بَاعَ مِنْ شَرِيكِهِ، أَوْ غَيْرِهِ بِبَتٍّ إنْ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فَشُفْعَتُهُ قَائِمَةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ابْتَاعَ شِقْصًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَأَرَادَهُ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَقَالَ أَنَا أَرْضَى بِعَيْبِهِ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ ابْتَاعَ دَارًا فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ دَلَّسَ فِيهِ بِهِ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَهَا بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا فَالشُّفْعَةُ لَهُ إنْ شَاءَ مِنْ حِسَابِ جَمِيعِ الثَّمَنِ. فَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَقُولُ لَا أَرْضَى بِأَنْ يَثْبُتَ عَلَى عُهْدَةِ مَعِيبٍ وَقَدْ ثَبَتَ لِي خِيَارُ الرَّدِّ فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لَهُ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْعُ نَقْلِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ بِهِ الْعَيْبَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ دُونَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ مِنْ أَصْلِ الْبَيْعِ، أَوْ نَقْضٌ لَهُ مِنْ وَقْتِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَجْمَعُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ، أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ عَلَى مَنْ يُؤْخَذُ الشِّقْصُ مِنْهُ مِنْ بَائِعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ يَحْصُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي أَرْضًا فَتَمْكُثُ فِي يَدَيْهِ حِينًا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فَيُدْرِكُ فِيهَا حَقًّا بِمِيرَاثٍ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ، وَإِنْ مَا أَغَلَّتْ الْأَرْضُ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إلَى يَوْمِ يَثْبُتُ حَقُّ الْآخَرِ قَدْ كَانَ ضَمِنَهَا لَوْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ غِرَاسٍ، أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ قَالَ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ، أَوْ هَلَكَ الشُّهُودُ، أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنَسِيَ أَصْلَ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَنْقَطِعُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي حَدَاثَةِ الْعَهْدِ وَقُرْبِهِ وَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ الثَّمَنَ وَأَخْفَاهُ لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ حَقَّ صَاحِبِ الشُّفْعَةِ قُوِّمَتْ الْأَرْضُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا فَيَصِيرُ ثَمَنًا إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى مَا زَادَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بِنَاءٍ، أَوْ غِرَاسٍ، أَوْ عِمَارَةٍ فَيَكُونُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَنْ ابْتَاعَ الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ يَوْمَ بَنَى فِيهَا، أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقْدِ اللَّازِمِ وَمِنْهُ ضَمَانُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ عُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَفْلَسَ مُبْتَاعُ الشِّقْصِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهِ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِعَيْنِ مَالِهِ إلَّا مَعَ عَدَمِ الثَّمَنِ الَّذِي لَهُ وَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِهِ بِنَفْسِ ابْتِيَاعِ الْمُفْلِسِ لَهُ فَكَانَ الشَّفِيعُ أَحَقَّ بِهِ وَإِذَا رَجَعَ الشِّقْصُ إلَى بَائِعِهِ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ قَالَهُ سَحْنُونٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ارْتِجَاعَ الْبَائِعِ لِمَا بَاعَ عِنْدَ فَلَسِ الْمُفْلِسِ يَنْقُلُ الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ ذَلِكَ تَبَعًا لَهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ وَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَلَوْ سَلَّمَ الشِّقْصَ وَأَرَادَ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ فَبَاعَهُ الْإِمَامُ لِلْغُرَمَاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ بَعْضَهَا بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ ابْتِيَاعٍ أَقْدَمَ مِنْ ابْتِيَاعِ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ يَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَقْضِي لَهُ بِمَا اسْتَحَقَّ مِنْ الدَّارِ قَالَ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَاقِيَهَا بِالشُّفْعَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الْمُبْتَاعُ قَدَّرَ مَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ الدَّارِ إلَى الْبَائِعِ لَمَّا اسْتَحَقَّ مِنْهُ نِصْفَهَا لَكَانَ لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَا يَقْطَعُ شُفْعَتَهُ رَدُّ الْمُبْتَاعِ إلَى مَا بَقِيَ بِيَدِهِ إلَى الْبَائِعِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ الْبَيْعِ وَقَدْ نُقِلَ الْبَيْعُ مَا بَقِيَ فِيهَا إلَى مِلْكِ الْمُبْتَاعِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ فَلَا يُبْطِلُهُمَا رَدُّهَا إلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ أَقَالَهُ مِنْ جَمِيعِ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ مَا أَغَلَّتْ الْأَرْضُ مِنْ غَلَّةٍ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمِنْ ضَمَانِهِ وَلَوْ تَلِفَ جَمِيعُهَا، أَوْ هَلَكَ مَا فِيهَا مِنْ غَرْسٍ، أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْغَلَّةُ لَهُ يُرِيدُ مَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الْغَلَّةِ مِثْلُ الثَّمَرَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ مِثْلُ الْوَدِيِّ فَإِنَّهُ مِثْلُ وَلَدِ الْحَيَوَانِ فَلَهُ حُكْمُهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الثَّمَرَةِ لِمَا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ وَأَمَّا مَا أُخِذَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَلَا ثَمَرَ فِيهَا لَمْ يُؤَبَّرْ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا وَفِيهَا ثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ، أَوْ أَزْهَتْ فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ وَسَقَى الْمُشْتَرِي مَا لَمْ تَفُتْ بِجِدَادٍ، أَوْ يُبْسٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا وَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي مُزْهِيَةً أَوْ مَأْبُورَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هِيَ لِلْمُشْتَرِي كَيْفَ كَانَتْ وَلَوْ يَبِسَتْ أَوْ جَدَّهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ بَاعَهَا، أَوْ أَكَلَهَا لِغُرْمِ الْمَكِيلَةِ إنْ عَرَفَهَا، أَوْ قِيمَتُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا ضَمَانُ مَا تَلِفَ مِنْ النَّخْلِ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَوْ أَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُغَرِّمَهُ ثَمَنَ ذَلِكَ، أَوْ قِيمَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ تَلِفَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَوْ قَلَعَ النَّخْلَ، أَوْ قَطَعَهَا أَوْ كَانَتْ دَارًا فَهَدَمَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كَمَا هِيَ وَلَا يَتْبَعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ مِمَّا هُدِمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ حَاضِرًا فَيَأْخُذَهُ أَوْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِ مَا اسْتَحَقَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ فَإِنْ خَشِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَمُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شُفْعَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ ضَمَانٌ لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّعَدِّي. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي وَهَبَ بَعْضَ الدَّارِ، أَوْ النَّخْلِ بَعْدَ أَنْ قَلَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهَا إنْ شَاءَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ النَّقْضَ إنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ، أَوْ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ تَعَدَّى أَجْنَبِيٌّ فَهَدَمَهَا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَكَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ لَا يَتْبَعَ الْمُتَعَدِّيَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ لَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ هَلَكَ الشُّهُودُ، أَوْ مَاتَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هُمَا حَيَّانِ فَنَسِيَ أَصْلَ الْبَيْعِ لِطُولِ الزَّمَانِ لَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَلَمْ يَبْطُلْ الِاسْتِحْقَاقُ يُرِيدُ أَنَّ لِطُولِ الزَّمَانِ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ فَإِذَا أَتَى مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مَا تَبِيدُ فِيهِ الشُّهُودُ وَبَادُوا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ إثْبَاتُ ثَمَنِ الْمُشْتَرَى فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لِطُولِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ؛ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ إذَا مَضَى قَدْرُ سَنَةٍ مَعَ حُضُورِ الشَّفِيعِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَالثَّانِي أَنَّ الظَّاهِرَ تَرْكُهُ الطَّلَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِ مَا يَطْلُبُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُصْرَفْ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ حَتَّى طَالَ الزَّمَانُ وَمَضَتْ الْمُدَدُ الَّتِي لَا يَكَادُ يُغَيِّرُ فِيهَا ذُو الْحَقِّ عَنْ النَّظَرِ فِي الطَّلَبِ لِحَقِّهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ تَرْكُهُ لِلشُّفْعَةِ وَلِهَذَا أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ وَلِهَذَا ثَبَتَتْ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْمَدَدِ دُونَ مَا بَعُدَ مِنْهَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ الثَّمَنُ وَجُهِلَ فَإِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ. وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أُخْتٍ لَهُ بِحِصَّةٍ مِنْ قَرْيَةٍ وَقَالَ كُنْت أَصَبْت مِنْ مُوَرِّثِهَا مَا لَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يُعْرَفُ قَالَ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَلَا يَعْرِفُهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَلَا يَطْلُبُهُ وَلَوْ كَانَ عَنْ شَيْءٍ يَدَّعِيهِ وَيَطْلُبُهُ فَصُولِحَ بِهِ لَكَانَ كَالْبَيْعِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كَانَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ فَعَلَى هَذَا لِطُولِ الْمُدَّةِ أَحْوَالٌ مِنْهَا أَنْ تَطُولَ جِدًّا حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَبِيدُ فِيهَا الشُّهُودُ وَيَنْسَى الثَّمَنَ فَهَذَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ وَمَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّةِ تَبْطُلُ فِيهَا شُفْعَةُ الْحَاضِرِ دُونَ الْغَائِبِ وَهِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّةِ تَجِبُ الْيَمِينُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّهُ مَا تَرَكَ فِيهَا الْقِيَامَ تَرْكًا لِشُفْعَتِهِ وَيَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ فِيهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دُونَ يَمِينٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَمَدُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ الْبَائِعَ غَيَّبَ الثَّمَنَ لِيَقْطَعَ الشُّفْعَةَ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ يُرِيدُ أَنَّ إخْفَاءَ قَدْرِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ ذَلِكَ إخْفَاءُ قَدْرِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَلَوْ كَانَ الْجَهْلُ بِالثَّمَنِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ لَاتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى كِتْمَانِهِ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَثَبَتَ الضَّرَرُ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قُوِّمَتْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ ثَمَنُهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ ثَمَنَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَخْفَى الْمُتَبَايِعَانِ الثَّمَنَ فَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعِوَضَ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ فَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وَهَذَا حُكْمُ الشِّقْصِ يُنْكَحُ بِهِ، أَوْ يُخَالَعُ بِهِ، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ مَا كَانَ عِوَضُهُ لَا قِيمَةَ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا جَهِلَ ثَمَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا هِيَ فِي مَالِ الْحَيِّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ خَلَّفَ وَرَثَةً فَبَاعَ بَعْضُهُمْ، أَوْ جَمِيعُهُمْ فَلِسَائِرِ الْوَرَثَةِ إنْ بَاعَ بَعْضُهُمْ، أَوْ لِمَنْ شَرَكَهُمْ إنْ بَاعَ جَمِيعُهُمْ الشُّفْعَةُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ الشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ فِي مَالِ الْمَيِّتِ أَيْ فِي الْمَالِ الَّذِي كَانَ لِلْمَيِّتِ وَانْتَقَلَ عَنْهُ بِوِرَاثَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْمَيِّتِ إمَّا لِدَيْنٍ لَزِمَهُ يُبَاعُ فِيهِ مَالُهُ، أَوْ لِوَصِيَّةٍ تَعَلَّقَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي مَيِّتٍ لَحِقَهُ دَيْنٌ فَبَاعَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَرْضَهُ مُزَايَدَةً فَقَالَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ أَنَا أُؤَدِّي مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا عَلَيَّ وَآخُذُ بَقِيَّةَ نَصِيبِ شُرَكَائِي بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ فِي بَقِيَّةِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْأَرْضِ تَمَامُ ذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ أَوْفَى ثَمَنَ الْأَرْضِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَتَمَسَّكُوا بِالْأَرْضِ فَإِنْ سَلَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِحَظِّهِ مِنْهَا لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا سَلَّمَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ بَائِعُونَ وَهُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ مُتَمَسِّكٌ بِحَظِّهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بِيعَ مِنْ سِهَامِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ قَصُرَ ثَمَنُ الْأَرْضِ عَنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُخْرِجُوا قَدْرَ الثَّمَنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَتَمَسَّكُوا بِالْأَرْضِ فَإِنَّهُمْ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ فَإِنْ زَادُوا عَلَى مَا أَعْطَى غَيْرُهُمْ بِالْأَرْضِ اشْتَرَوْا الْأَرْضَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ زَادَ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ زَادَ مِنْهُمْ مُشْتَرٍ لَا وَارِثَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ مَعَ مَنْ شَرَكَهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ وَارِثٍ وَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى مَا أَعْطَى غَيْرُهُمْ فَمَنْ أَعْطَى أَوَّلًا ذَلِكَ الثَّمَنَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَالْوَرَثَةُ والأجنبيون فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِي الْمُتَوَفَّى يُحِيطُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُ شُفْعَتِهِ وَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهَا فَإِنْ أَخَذُوهَا بِمَالِ الْمَيِّتِ فَلِلْغُرَمَاءِ الثَّمَنُ وَالْفَضْلُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ فَمَا بَقِيَ فَلِلْوَرَثَةِ فَإِنْ أَخَذُوهَا بِمَالِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ بِيعَتْ وَقَضَى بِالْفَضْلِ دَيْنَهُ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ إلَّا الثَّمَنَ، أَوْ أَقَلَّ لَمْ تُبَعْ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ لِمَالِكٍ فِيهَا تَفْسِيرٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ أَشْهَبُ وَكَانَ يُعْجَبُ بِهِ سَحْنُونٌ وَيَرَاهُ أَصْلًا وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ مَالِكٌ يُبْدَأُ بِالْوَرَثَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ إنْ قَضَيْتُمْ الدَّيْنَ فَلَكُمْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الدَّيْنِ فَإِنْ أَبَوْا أَوْ بِيعَ مِيرَاثُ الْمَيِّتِ لِدَيْنٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ الَّذِي يُشْفَعُ بِهِ قَدْ بِيعَ وَلَمْ يَمْلِكُوهُ فِي مَالٍ وَلَا حَلُّوا مَحَلَّ الْمَيِّتِ لِتَبَرِّيهِمْ مِنْ تَرِكَتِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَإِذَا أَبَى الْوَرَثَةُ أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ وَأَحَبُّوا أَنْ يُبَاعَ الْمَالُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَرِثُوهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُمْ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا يَمْلِكُونَ الشِّقْصَ الَّذِي ثَبَتَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَبِيعَهَا، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ لِيُبَاعَ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَوْ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ لِمَنْ أَحَاطَ بِهِ الدَّيْنُ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ لِيُبَاعَ فِي دَيْنِهِ مَا عَقِبَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ وَيُؤْخَذُ لَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ مَا فِيهِ إلَّا صَلُحَ لَهُ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الْبَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَوْرُوثٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا خِيَارٌ ثَابِتٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْوَرَثَةِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالثُّلُثِ فَبَاعَ السُّلْطَانُ ثُلُثَ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَ قَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ فَهُمْ أَشْرَاكٌ بَائِعُونَ بَعْدَ مِلْكِ الْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ الدَّارِ وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ خَشِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ أَنْ يَنْكَسِرَ مَالُ الْمَيِّتِ قَسَمُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّ بَيْعَ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ قَدْ يُنْقِصُ مِنْ ثَمَنِهِ عَنْ ثَمَنِهِ لَوْ مُيِّزَ بِالْقِسْمَةِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلِمَا يُخَافُ مِنْ الشُّفْعَةِ فَقَدْ يَمْتَنِعُ الرَّاغِبُ فِي الْمِلْكِ مِنْ شِرَائِهِ إذَا عَرَفَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعَرُّضِ لِشِرَائِهِ إلَّا ثُبُوتُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ لِلشَّفِيعِ وَالْعَنَاءُ فِي النَّقْدِ وَالِانْتِقَادِ وَعَقْدُ عُهْدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى عَلَيْهِ وَقَدْ يَشْتَرِي مِنْ فَقِيرٍ فَلَا يَجِدُ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ إنْ اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ يَوْمًا فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِ الْمَقْسُومِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا شُفْعَةَ عِنْدَنَا فِي عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ وَلَا بَعِيرٍ وَلَا شَاةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَا فِي ثَوْبٍ وَلَا فِي بِئْرٍ لَيْسَ لَهَا بَيَاضٌ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ وَيَقَعُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْأَرْضِ فَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْقَسْمُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا شُفْعَةٌ لِنَاسٍ حُضُورٍ فَلْيَرْفَعْهُمْ إلَى السُّلْطَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِقُّوا وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ السُّلْطَانُ فَإِنْ تَرَكَهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُمْ إلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ عَلِمُوا بِاشْتِرَائِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى طَالَ زَمَانُهُ، ثُمَّ جَاءُوا يَطْلُبُونَ شُفْعَتَهُمْ فَلَا أَرَى لَهُمْ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِشُفْعَةٍ بَلْ يُسَلِّمُ لَهُ مَا اشْتَرَى وَيَسْلَمُ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ غَلَبَةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ مَعْدُومَةٌ فِيهِ وَهَذَا فِي بَيْعِهَا مُفْرَدَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَبَعًا لِغَيْرِهَا كَالرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ لِتَعْمِيرِ الْأَرْضِ وَالْحَائِطِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى فِيمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ حَائِطٍ وَفِيهِ رَقِيقٌ وَدَوَابُّ فَلْيَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ مَعَ رَقِيقِهِ وَدَوَابِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ مِنْهُمْ بُدٌّ زَادَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ اقْتَسَمَ الْحَائِطَ، أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْآلَةِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَعْضُ صِفَاتِ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا بِهِ فَهُمْ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لَهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُمْ أَخَذَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي وَهَبَهُمْ، أَوْ بَاعَهُمْ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْحَائِطِ وَمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ مَاتُوا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْصَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّقِيقَ لَمَّا كَانُوا بَعْضَ صِفَاتِ الْأَصْلِ فَإِنْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي أَعْيَانَهُمْ لَزِمَ تَقْسِيطُ الثَّمَنِ، وَإِنْ مَاتُوا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ قَطَعَ النَّخْلَ وَبَاعَ جُذُوعَهَا، أَوْ وَهَبَهَا لَلَزِمَهُ تَقْسِيطُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ وَلَوْ يَبِسَتْ الْأُصُولُ، أَوْ احْتَرَقَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالنَّخْلُ وَالنَّقْصُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ إذَا كَانَ عَلَى حُكْمِ التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ فَإِذَا بِيعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَلْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ ابْتَاعَ نَخْلَةً عَلَى الْقَلْعِ، ثُمَّ اشْتَرَى الْأَرْضَ بَعْد ذَلِكَ فَأَقَرَّهَا فَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ قَالَ أَصْبَغُ وَإِلَى هَذَا رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى نَقْضَ دَارٍ عَلَى الْقَلْعِ، ثُمَّ اشْتَرَى الْعَرْصَةَ، أَوْ اشْتَرَى الْعَرْصَةَ، ثُمَّ اشْتَرَى النَّقْضَ وَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَ الدَّارِ أَنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْقَاعَةِ بِالشُّفْعَةِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَنِصْفِ النَّقْضِ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا وَأَنْكَرَ هَذَا سَحْنُونٌ وَطَرَحَهُ وَقَالَ قَدْ أَبْطَلَ الشُّفْعَةَ هَاهُنَا فِي النَّقْصِ. وَقَالَ أَشْهَبُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ النَّخْلِ وَالْبِنَاءِ قَالَ أَصْبَغُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا يُقْسَمُ وَتَقَعُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْأَرْضِ يُرِيدُ مَا يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْأَرْضِ وَأَمَّا مَا لَا تَصْلُحُ فِيهِ الْقِسْمَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ الَّذِي تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ فِي مَنْعِ الشُّفْعَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا رَوَى إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ بِالْحُدُودِ إلَّا بِضَرَرٍ كَالْحَمَّامِ وَالدَّارِ الصَّغِيرَةِ وَالْأَنْدَرِ وَالْبُقْعَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي إنْ قُسِمَتْ لَمْ يُصِبْ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، أَوْ بَعْضُهُمْ إلَّا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا لَهَا شَفِيعٌ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ قَطْعَ خِيَارِ الشَّفِيعِ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَوَقَفَهُ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ وَمَعْنَاهُ يَأْخُذُ بِشُفْعَتِهِ وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ السُّلْطَانُ مَعْنَاهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ شُفْعَتِهِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ أَرَادَ مِنْ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ مَا لَيْسَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَأْخُذَ، أَوْ يَتْرُكَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْفَرَائِضِ) (مِيرَاثُ الصُّلْبِ) (ص) : (حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ أَنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ أَوْ وَالِدَتِهِمْ أَنَّهُ إذَا تُوُفِّيَ الْأَبُ، أَوْ الْأُمُّ وَتَرَكَا وَلَدًا رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ فَإِنْ شَرِكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةِ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ بُدِئَ بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَالْإِصْلَاحِ فَمَتَى طَالَ عَلَيْهِ بَقَاءُ الشَّفِيعِ عُدِمَ حُكْمُ الْخِيَارِ وَجُوِّزَ أَنْ يَأْخُذَ وَأَنْ يَتْرُكَ أَضَرَّ بِذَلِكَ بِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ الشَّفِيعِ مُعَجَّلًا إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ رَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ وَيُعَجِّلُ الْحُكْمَ لَهُ، أَوْ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا رَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَى السُّلْطَانِ لِيَقْطَعَ خِيَارَهُ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَسَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْيَوْمَيْنِ، أَوْ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلْيُعَجِّلْ الْأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ فِي مَقَامِهِ، أَوْ يُسَلِّمَ الْحُكْمَ إلَى الْمُشْتَرِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ لِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْإِمَامِ الشُّفْعَةَ كُلِّفَ الْإِمَامُ الْمُبْتَاعُ إثْبَاتَ شِرَائِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَحْلَفَهُ لَقَدْ نَقَدَ مَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَمَا أَعْلَنَ شَيْئًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قِيلَ لِلشَّفِيعِ خُذْ، أَوْ سَلِّمْ وَلَا يَبْرَحُ مِنْ الْمَجْلِسِ حَتَّى يَأْخُذَ أَوْ يُسَلِّمَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُؤَخِّرُهُ السُّلْطَانُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِيَنْظُرَ وَيَسْتَجِيزَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خِيَارٌ يَضُرُّ بِالْمُبْتَاعِ فَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ اسْتِدَامَتُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا فَقَالَ الشَّفِيعُ أَخِّرْنِي أَنْظُرْ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ بَعِيدَةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ شِرَاءُ الْمُشْتَرِي يُغْنِي الشَّفِيعَ عَنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا اشْتَرَى عَلَى صِفَةٍ، أَوْ عِيَانٍ وَلَوْ كَانَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ قَرِيبَةً كَالسَّاعَةِ مِنْ النَّهَارِ أُخِّرَ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُبْتَاعِ لِقُرْبِ الْمَبِيعِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا وَقَفَ الشَّفِيعُ فَتَرَكَ الشُّفْعَةَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا بَعْدَ هَذَا، وَإِنْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ وَطَلَبَ أَنْ يُؤَجِّلَ بِالثَّمَنِ ضَرَبَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَجَلًا يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ رَأَيْت الْقُضَاةَ يُؤَخِّرُونَهُ هَكَذَا وَقَدْ رَأَيْت عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا وَعَنْ أَصْبَغَ يُؤَخِّرُ بِقَدْرِ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ وَبِقَدْرِ عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَأَقْصَى ذَلِكَ شَهْرٌ، ثُمَّ لَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ لَمَا وَقَفَ لَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيلَهُ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُبْتَاعُ أَنْ يُقِيلَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْبَيْعِ الْمُجَدَّدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَوْقَفَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا لَوْ أَوْقَفَهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ وَالسُّلْطَانِ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يُوقِفَهُ السُّلْطَانُ، أَوْ يَتْرُكَ هُوَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّوْقِيفَ يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ شُفْعَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ حُكْمِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ فَإِنْ أَوْقَفَهُ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُهُ فِي هَذَا كَمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمُبْتَاعَ فِي الشِّقْصِ، أَوْ اكْتَرَاهُ مِنْهُ، أَوْ سَاقَاهُ إيَّاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ تَسْلِيمٌ لِلشُّفْعَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِهِ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ شُفْعَتُهُ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَاسَمَهُ لَبَطَلَتْ بِذَلِكَ شُفْعَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[كتاب الفرائض]

ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [مِيرَاثُ الصُّلْبِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِيرَاثَ الْوَلَدِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ رِجَالًا وَنِسَاءً وَالثَّانِي أَنْ يَرِثُوا بِالْفَرْضِ وَهُوَ أَنْ يَكُنَّ نِسَاءً فَإِنْ وَرِثُوا بِالتَّعْصِيبِ وَكَانُوا رِجَالًا فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ لِتَسَاوِيهِمْ فِي سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَأَمَّا إنْ وَرِثَ الْبَنَاتُ بِالْفَرْضِ لِانْفِرَدِاهِنَّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُنَّ وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] ، وَإِنْ كُنَّ اثْنَتَيْنِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الْبِنْتَيْنِ فَمَا زَادَ الثُّلُثَانِ وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فَرْضُهُمَا النِّصْفُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ النِّسَاءِ فَرْضُ وَاحِدَتِهِنَّ النِّصْفُ فَإِنَّ فَرْضَ الْبِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ الثُّلُثَانِ أَصْلُ ذَلِكَ الْأَخَوَاتُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَعَ الْبِنْتِ، أَوْ الْبَنَاتِ ذُو فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ يَسْتَحِقُّ بَاقِيَ الْمَالِ دَفَعَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَفَعَ بَاقِيَ التَّرِكَةِ إلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُرَدَّ عَلَى الْبَنَاتِ وَلَا عَلَى ذِي فَرْضٍ مِنْ هَذَا عَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ إلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَرُدَّ عَلَى أَرْبَعٍ مَعَ أَرْبَعٍ لَمْ يَرُدَّ عَلَى ابْنَةِ الِابْنِ مَعَ ابْنِ الْبِنْتِ وَلَا عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا عَلَى وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ وَلَا عَلَى الْجَدَّةِ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنْ انْفَرَدَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ رُدَّ عَلَيْهِنَّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى زَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وقَوْله تَعَالَى {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] . فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ لَهَا الْكُلَّ، وَوَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ الْبَارِيَ جَلَّ وَعَزَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ جَعَلَ حُكْمَهُمَا وَاحِدًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا ذُو سَهْمٍ لَا تَعْصِيبَ لَهُ فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ شَرِكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ وَكَانَ فِيهِمْ ذَكَرٌ يُرِيدُ فِي الْوَلَدِ بُدِئَ بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ الْبَنَاتَ إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ابْنٌ ذَكَرٌ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ فَإِذَا شَرِكَهُمْ مَنْ لَهُ فَرْضٌ كَأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ الزَّوْجَيْنِ بُدِئَ بِفَرِيضَةِ مَنْ شَرِكَهُمْ؛ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ نَقَلَهُنَّ مِنْ الْفَرْضِ إلَى حُكْمِ التَّعْصِيبِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْفُرُوضِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَلَوْ انْفَرَدَ الْبَنَاتُ لَكِنْ مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ يَبْدَأْنَ كَمَا يَبْدَأُ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ وَسِعَ الْفَرَائِضَ الْمَالُ وَإِلَّا دَخَلَ الْفَرِيضَةَ الْعَوْلُ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا فِي بَيَانِ مَنْ يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالثَّانِيَةُ فِي بَيَانِ الْفَرِيضَةِ الْمُسَمَّاةِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ مَنْ يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ وَهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَالزَّوْجُ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ وَهُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَتْ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ وَأَمَّا الْفَرَائِضُ الْمُقَدَّرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسِتَّةٌ النِّصْفُ وَنِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ وَنِصْفُ الرُّبْعِ وَهُوَ الثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُ الثُّلُثَيْنِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ وَيُحْجَبُونَ كَمَا يُحْجَبُونَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ وَوَلَدُ الِابْنِ فَكَانَ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ ذَكَرٌ وَكَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ، أَوْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ فَضْلًا إنْ فَضَلَ فَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الثُّلُثُ وَنِصْفُ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ الِابْنَةُ وَبِنْتُ الِابْنِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتٌ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ إذَا لَمْ تَكُنْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالزَّوْجُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالرُّبُعُ فَرْضُ اثْنَيْنِ الزَّوْجُ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ ابْنٍ وَالزَّوْجَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَوَفَّى وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ كُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ وَهُوَ كُلُّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالثُّلُثُ فَرْضُ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ، أَوْ الْأَخَوَاتِ وَيُفْرَضُ فِي الْغَرَّاوَيْنِ وَهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ، أَوْ الزَّوْجَةِ وَالثُّلُثُ فَرْضُ كُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ وَفَرْضُ الْأُمِّ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَفَرْضُ الْجَدَّاتِ وَفَرْضُ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الِابْنَةِ لِلصُّلْبِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَفَرْضُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَفَرْضُ الْأَخِ، أَوْ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَفَرْضُ الْجَدِّ مَعَ الْوَلَدِ وَلَهُ فُرُوضٌ مُخْتَلِفَةٌ تُذْكَرُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ وَلَدَ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ لِأُنْثَاهُمْ النِّصْفُ وَلِلِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا فَمَا زَادَ الثُّلُثَانِ وَلِلذَّكَرِ فَمَا زَادَ جَمِيعُ الْمَالِ وَذَكَرُهُمْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَيَكُونُ لَهُمَا جَمِيعًا الْمَالُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَهَذَا فِي الْمِيرَاثِ فَأَمَّا فِي الْحَجْبِ فَهُمْ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ لِلصُّلْبِ فِي الْحَجْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَجْبَ الْوَلَدِ وَوَلَدَ الْوَلَدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَجْبٌ هُوَ مَنْعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ جُمْلَةً وَحَجْبٌ هُوَ رَدٌّ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَأَمَّا مَنْعُ الْمِيرَاثِ جُمْلَةً فَإِنَّ الِابْنَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَلَدَ الِابْنِ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَيَمْنَعُ الْمِيرَاثَ كُلُّ عَصَبَةٍ لَا فَرْضَ لَهُ مِنْ الْأَعْمَامِ وَبَنِي الْعَمِّ وَبَنِي الْأَخِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَرِثَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ مِمَّنْ يَرِثُ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَيُسْقِطُ مَنْ كَانَ أَضْعَفَ حَالًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْبُ سَوَاءً فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْأَخَ يُسْقِطُ وَلَدَ الْأَخِ وَهُمَا يُدْلِيَانِ بِالْأُخُوَّةِ وَالْأَخُ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْأَخِ وَالْأَبُ يُسْقِطُ الْجَدَّ؛ لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِ بِالْأُبُوَّةِ وَالْأَبُ أَقَرَّ بِهِمَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْجَدِّ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ مِيرَاثُ بَنَاتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ابْنُ ابْنٍ يُعَصِّبُهُنَّ وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لَهُنَّ فَيُعَصِّبُهُنَّ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَجْبَ الْعَصَبَاتِ بَعْدَ هَذَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْحَجْبُ عَنْ بَعْضِ الْفَرْضِ وَهُوَ الرَّدُّ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ يَرُدُّ الزَّوْجَ إلَى الرُّبْعِ وَالزَّوْجَةَ إلَى الثُّمُنِ وَالْأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَالِابْنَ، أَوْ ابْنَ الِابْنِ يَرُدُّ الْأَبَ وَالْجَدَّ إلَى السُّدُسِ وَالْبِنْتَ تَرُدُّ بَنَاتِ الِابْنِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ إلَى السُّدُسِ وَتَرُدُّ بِنْتَ الِابْنِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ وَالْأُخْتَ لِلْأَبِ وَالْأُمَّ تَرُدُّ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَخَوَاتِ فَمَا زَادَ ذُكُورًا كَانُوا، أَوْ إنَاثًا يَرُدَّانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَتَرُدُّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ.

الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ الصُّلْبِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَلِابْنَةِ ابْنِهِ وَاحِدَةً كَانَتْ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَةٍ السُّدُسِ فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ فَلَا فَرِيضَةَ وَلَا سُدُسَ لَهُنَّ، وَلَكِنْ إنْ فَضَلَ بَعْدَ فَرَائِضِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَضْلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَضْلَ لِذَلِكَ الذَّكَرِ وَلِمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] قَالَ مَالِكٌ إلَّا طَرَفٌ هُوَ الْأَبْعَدُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ سَبَبًا مِنْهُ إلَى الْمَيِّتِ وَهُمَا يُدْلِيَانِ بِالْبُنُوَّةِ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُدْلِي بِالِابْنِ وَمَنْ يُدْلِي بِعَاصِبٍ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَهُ، وَإِنْ عُدِمَ الِابْنُ وَكَانَتْ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ ابْنَةَ الِابْنِ تَرِثُ مَعَهَا السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ يَرِثُهُ الْبِنْتَانِ فَمَا زَادَ وَبَنَاتُ الِابْنِ يَقُمْنَ مَقَامَ الْبَنَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ فَلَمَّا عُدِمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُنَّ السُّدُسَ كَانَ ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْنِ فَهِيَ أَوْلَى بِالسُّدُسِ مِنْ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ النِّصْفَ لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفَ الثَّانِي لِلْأُخْتِ وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ هُذَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ بِنْتٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَقَدْ ضَلَلْت إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ بِنْتَ الِابْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالْأُخْتَ تَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْعَصَبَةِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ ذَوُو الْفُرُوضِ فُرُوضِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتُ الِابْنِ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ لَهُنَّ إلَّا السُّدُسُ يَشْتَرِكْنَ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ عَصَّبَهُنَّ فَكَانَ النِّصْفُ الثَّانِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لِبَنَاتِ الِابْنِ فِي الْمُقَاسَمَةِ السُّدُسُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قُسِمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ الْبَنَاتِ بِالْمُقَاسَمَةِ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فُرِضَ لَهُنَّ السُّدُسُ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي لِبَنِي الِابْنِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَاتٍ وَإِخْوَةٍ لِأَبٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كُنَّ بَنَاتَ الصُّلْبِ اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا حَجَبْنَ بَنَاتَ الِابْنِ أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِبَنَاتِ الِابْنِ أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ فِي غَيْرِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنُ ابْنٍ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِنَّ مِنْ الْمَيِّتِ، أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُنَّ عَصَّبَهُنَّ فَوَرِثْنَ مَعَهُ بِالتَّعْصِيبِ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ إلَّا أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْعَصَبَةِ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَا يُعَصِّبُهُنَّ ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ وَلَا أَسْفَلَ مِنْهُنَّ وَيَنْفَرِدُ بِالْمِيرَاثِ دُونَهُنَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يُعَصِّبُ ذُكُورُهُمْ إنَاثَهُمْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا فَضَلَ مِنْهُ كَوَلَدِ الصُّلْبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الِابْنُ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ حَجَبَهُنَّ عَنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبَ مِنْهُنَّ يَرِثُ بِمِثْلِ سَبَبِهِنَّ مِنْ التَّعْصِيبِ كَالْأَخِ مَعَ ابْنِ الْأَخِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ وَبَيَانُ مَوْضِعِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

[ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها]

مِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا، أَوْ دَيْنٍ وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ الرُّبُعُ فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَلِامْرَأَتِهِ الثُّمُنُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] . مِيرَاثُ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَاَلَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ مِنْ ابْنِهِ، أَوْ ابْنَتِهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرَّكَ الْأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمْ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً) . (ص) : (وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إذَا تُوُفِّيَ ابْنُهَا، أَوْ ابْنَتُهَا فَتَرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الزَّوْجِ النِّصْفُ وَيَحْجُبُهُ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الِابْنِ إلَى الرُّبُعِ وَأَكْمَلُ فُرُوضِ الزَّوْجَةِ الرُّبُعُ وَيَرُدُّهَا الْوَلَدُ وَوَلَدُ الِابْنِ إلَى الثُّمُنِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ وَاحِدَةً فَهَذَا حُكْمُهَا وَإِنْ كُنَّ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا فَحُكْمُهُنَّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ لَهُنَّ الرُّبُعُ دُونَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَلَهُنَّ الثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ يَقْتَسِمْنَ ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا تُنْقَصُ الزَّوْجَةُ أَوْ الزَّوْجَاتُ مِنْ الثُّمُنِ إلَّا أَنْ يُنْقِصَهُنَّ الْعَوْلُ مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُتَوَفَّى زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ فَإِنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ إلَى سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَادَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ. [مِيرَاثُ الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ مِنْ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَرْضِ وَالثَّانِي أَنْ يَجْمَعَ الْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ. وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالتَّعْصِيبِ فَأَمَّا مَوْضِعُ انْفِرَادِهِ بِالْفَرْضِ فَتَارَةً يَكُونُ مَعَ مَنْ هُوَ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنْهُ كَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ فَإِنَّ هَذَا يُحْجَبُ بِعَصَبَتِهِ وَيُرَدُّ إلَى مُجَرَّدِ فَرْضِهِ وَهُوَ السُّدُسُ وَالثَّانِي أَنْ يُعْطَى فَرْضَهُ وَهُوَ السُّدُسُ، ثُمَّ يَسْتَغْرِقَ أَهْلُ الْفُرُوضِ بَقِيَّةَ الْمَالِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُ مَا يُورَثُ بِتَعْصِيبٍ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ إلَّا مَا وَجَبَ لَهُ بِالْفَرْضِ أَوَّلًا وَهُوَ السُّدُسُ، وَذَلِكَ أَنْ يَرِثَ الْمُتَوَفَّى ابْنَتَانِ فَأَكْثَرُ وَأَبَوَانِ فَيَكُونُ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَلَا يَبْقَى مِنْ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ وَأَمَّا مَوْضِعٌ يَجْمَعُ فِيهِ الْمِيرَاثَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَهُوَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْمِيرَاثِ فَيَرِثَ سُدُسَهُ بِالْفَرْضِ وَبَاقِيَهُ بِالتَّعْصِيبِ، أَوْ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ مِيرَاثِهِ بِالْفَرْضِ وَمِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ بَقِيَّةٌ فَإِنَّهُ يَرِثُهَا بِالتَّعْصِيبِ مِثْلُ أَنْ يَرِثَ الْمُتَوَفَّى أَبٌ وَزَوْجَةٌ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعَ وَلِلْأَبِ السُّدُسَ بِالْفَرْضِ وَيَبْقَى نِصْفٌ وَنِصْفُ السُّدُسِ فَيَكُونُ لَهُ بِالتَّعْصِيبِ.

الْمُتَوَفَّى وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، أَوْ تَرَكَ مِنْ الْإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ مِنْ أَبٍ، أَوْ مِنْ أُمٍّ فَالسُّدُسُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ وَلَا اثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلًا إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ فَلِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالْأُخْرَى أَنْ تُتَوَفَّى امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا فَيَكُونَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ ابْنِهَا يَتَنَوَّعُ بِنَوْعَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَحَدُهُمَا بِالْفَرْضِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الثُّلُثُ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَفَرْضُهَا السُّدُسُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا الثَّلَاثَةُ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَلَفْظُ الْإِخْوَةِ وَاقِعٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَزَائِدًا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ، أَوْ وَلَدُ الِابْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ كَانَ الْأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ، أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِلْأَبِ وَالْآخَرُ لِلْأُمِّ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدَانِ فَأَسْلَمَتْ الْأُمُّ وَالْوَلَدَانِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ أُمَّهُ وَهِيَ أُخْتَهُ، وَتَرَكَ أَخَاهُ فَتَحْجُبُ الْأُمُّ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ أُمًّا وَأَخًا وَأُخْتًا فَحَجَبَ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْأُمِّ فِي الْفَرْضِ السُّدُسُ، أَوْ الثُّلُثُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِنَا لَا يَرِثُ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْفَرْضَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ عَوْلٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَزَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَهُمَا الْغَرَّاوَانِ فَإِنَّ مَالِكًا وَجَمَاعَةَ الْفُقَهَاءِ وَالتَّابِعِينَ جَعَلُوا لِلْأُمِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَانْفَرَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنْ جَعَلَ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الَّتِي صَحَّ انْفِرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَا وَالثَّالِثَةُ مَنْعَ الْعَوْلِ وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْأُمَّ لَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ مِنْ الْإِخْوَةِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ وَالْخَامِسَةُ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَيْنِ أَبَوَانِ دَخَلَ بَيْنَهُمَا ذُو سَهْمٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ السَّهْمِ أَصْلُهُ إذَا كَانَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ بِنْتٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْغَرَّاوَيْنِ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا رَجُلٌ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأُمِّ الرُّبُعُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَلِلْأَبِ النِّصْفُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي رَجُلٌ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ وَأَخًا فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ سِتَّةٍ؛ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِسَهْمٍ وَهُوَ السُّدُسُ وَلِلْأَبِ الثُّلُثُ سَهْمَانِ وَهُوَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ أَخٌ أَوْ أَخَوَانِ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَخٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ أَخَوَانِ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَكُنْ أَخٌ فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ تَكُونُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلَا يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْأَخَوَيْنِ قَدْ حَجَبَاهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجْرِي الْجَدُّ فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْأَبِ فَلَوْ تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ أُمًّا

[ميراث الإخوة للأم]

مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا شَيْئًا وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبُ الْأَبِ شَيْئًا وَأَنَّهُمْ يَرِثُونَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَكَانَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي هَذَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَدًّا وَزَوْجَةً لَكَانَتْ الْفَرِيضَةُ أَيْضًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ: لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَمَا بَقِيَ لِلْجَدِّ وَلَوْ تَرَكَ أَبًا وَجَدَّةً وَزَوْجَةً لَكَانَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلْأَبِ وَلَوْ تُوُفِّيَتْ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَجَدًّا لَكَانَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ وَلَوْ تُوُفِّيَتْ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَبًا وَجَدَّةً لَكَانَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْإِخْوَةَ ابْنَانِ فَصَاعِدًا يُرِيدُ أَنَّ الْإِخْوَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] يَتَنَاوَلُ لَفْظَ الْإِخْوَةِ الْأَخَوَيْنِ فَصَاعِدًا فَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ يَتَنَاوَلُ الِاثْنَيْنِ فَمَا زَادَ لُغَةً وَشَرْعًا فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ فِي الِاثْنَيْنِ بِالْقِيَاسِ إذْ كُلُّ حُكْمٍ يَتَغَيَّرُ بِالْإِخْوَةِ فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْهُمْ كَتَغَيُّرِ فَرْضِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ أَلَيْسَ الْأَخَوَانِ بِإِخْوَةٍ فِي لِسَانِ قَوْمِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُغَيِّرَ أَمْرًا قَدْ مَضَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ دُونَ بَعْضٍ إلَّا أَنَّ مَنْ مَضَى أَخَذَ فِي ذَلِكَ بِاللُّغَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُ فِيهَا لَفْظُ الْإِخْوَةِ لِلْأَخَوَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ وَارِثٍ مِنْ الْوَلَدِ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ وَوَلَدَ الِابْنِ لَا يَرِثُونَ مَعَ وَارِثٍ مِنْ الْأَبِ وَالْأَجْدَادِ وَيَرِثُونَ مَعَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّاتِ وَسَائِرِ الْوَرَثَةِ بِالْفَرْضِ دُونَ التَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ التَّعْصِيبِ، وَفَرْضُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ لَا يُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْعَوْلِ، وَفَرْضُ الِاثْنَيْنِ فَمَا زَادَ الثُّلُثُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] وَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا أَنْ يُورَثَ بِغَيْرِ أَبَوَيْنِ وَلَا مَوْلُودَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فَسَاوَى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمْ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَفْظٌ ظَاهِرُ الِاشْتِرَاكِ فِي الثُّلُثِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ بِالسَّوَاءِ اسْتَوَى عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَرْعٌ) وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَجْلَانَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَضِيُّ فِي صَبِيٍّ يَمُوتُ وَلَهُ أُمٌّ مُتَزَوِّجَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ بِهَا حَمْلًا لِمَكَانِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَرِثَ ذَلِكَ الْحَمْلُ أَخَاهُ لِأُمِّهِ الْمَيِّتَ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَلَهُ وَطْؤُهَا فَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرِثَ أَخَاهُ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ عَزَلَ عَنْهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَطْرُقَهَا وَيَتَسَوَّرَ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا لَمْ

[ميراث الإخوة للأم والأب]

مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا وَلَا مَعَ الْأَبِ دَنِيًّا شَيْئًا وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى جَدًّا أَبَا أَبٍ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ يَكُونُونَ فِيهِ عَصَبَةٌ يُبْدَأُ بِمَنْ كَانَ لَهُ أَصْلُ فَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ذُكْرَانًا كَانُوا، أَوْ إنَاثًا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) . (ص) : (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أَبًا وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُبْدَأُ بِمِنْ شَرَكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكُوا فِيهَا مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ حَمْلُهَا ظَاهِرًا يَوْمَ مَاتَ الْمَيِّتُ وَلَوْ كَانَ حَمْلُهَا ظَاهِرًا لَوَرِثَ أَخَاهُ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ تِسْعَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا غِيبَةً بَعِيدَةً لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَرِثُ أَخَاهُ وَإِنْ وُلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الِابْنِ وَلَا مَعَ ابْنِ الِابْنِ وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ وَيُدْلُونَ بِالْأَبِ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ بِالتَّعْصِيبِ وَتَعْصِيبُ الْبُنُوَّةِ أَقْوَى مِنْ تَعْصِيبِ الْأُبُوَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ تَعْصِيبَ الِابْنِ يُبْطِلُ مِيرَاثَ الْأَبِ بِالتَّعْصِيبِ فَإِذَا كَانَ الْأَخُ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ فَبِأَنْ لَا يَرِثَ مَعَ الِابْنِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنْهُ أَوْلَى، وَإِنَاثُ الْأَخَوَاتِ وَإِنْ كُنَّ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ إلَّا أَنَّهُنَّ لَا يُدْلِينَ إلَّا بِمَا يُدْلِي بِهِ ذُكُورُهُمْ فَإِذَا كَانَ ذُكُورُهُمْ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ فَبِأَنْ يُحْجَبَ بِهِ إنَاثُهُمْ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهُمْ يَرِثُونَ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أَبَا أَبٍ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ يَكُونُونَ عَصَبَةً يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ جَدٌّ يُقَاسِمُهُمْ كَانُوا عَصَبَةً يَرِثُونَ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ عَنْ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ، أَوْ بِنْتِ الِابْنِ وَهُوَ نِصْفَ الْمَالِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ الِاثْنَيْنِ فَزَائِدًا، أَوْ عَلَى بِنْتَيْ ابْنٍ، أَوْ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَهُوَ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ ذُكْرَانًا فَهَذَا الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ كَانُوا ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا فَهُوَ بَيْنَهُمْ لِلرَّجُلِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ؛ وَلِأَنَّهُمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فِي قُعْدُدٍ يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ فَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْبَنِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كُنَّ إنَاثًا وَكَانَتْ ابْنَةٌ أَوْ ابْنَتَانِ فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةٌ لِمَنْ يَرِثْنَ مَعَهُنَّ مَا فَضَلَ عَنْ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَعْصِبُ الْأَخَوَاتُ الْبَنَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلِابْنَةِ بِالنِّصْفِ وَلِابْنَةِ الِابْنِ بِالسُّدُسِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مِيرَاثٌ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ الْعَمِّ دُونَ الْأُخْتِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا انْفَرَدَ. (ص) : (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أَبًا وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ وَلَا وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فُرِضَ لَهُمَا الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَخٌ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَاحِدَةً كَانَتْ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُبْدَأُ بِمِنْ شَرَكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكُوا فِيهَا مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ) .

[ميراث الإخوة للأب]

الْفَرِيضَةِ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ وَإِنَّمَا وَرِثُوا بِالْأُمِّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَلِذَلِكَ شُرِّكُوا فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إخْوَةُ الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ) . مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ كَمَنْزِلَةِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُشْرَكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَكَهُمْ فِيهَا بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ الَّتِي جَمَعَتْ أُولَئِكَ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ أَخٌ فَإِنَّهُنَّ يَرِثْنَ بِالتَّعْصِيبِ مَا فَضَلَ عَنْ الْفُرُوضِ وَلَا يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّعْصِيبِ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِنَّ فَصَارَ ذَلِكَ حُكْمَهُنَّ. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تُسَمَّى الْمُشَرَّكَةُ لِتَشْرِيكِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الثُّلُثِ وَتُسَمَّى الْحِمَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَالُوا: هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْ تَسَاوِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الْأُولَى بِالْأُمِّ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَجْعَلُ الثُّلُثَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ حِينَ لَمْ تُبْقِ لَهُمْ الْفَرَائِضُ شَيْئًا وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عُمَرُ حِينَ قَضَى فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُشَرِّكْ وَقَضَى فِي الْعَامِ الثَّانِي فَشَرَّكَ تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ وَهَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ وَقَالَ وَكِيعٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ بَيْنَهُمَا وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالتَّشْرِيكِ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] الْآيَةَ قَالَ مَالِكٌ فَلِذَلِكَ شُورِكُوا فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إخْوَةٌ لَلْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ وَهُوَ سَبَبُ مِيرَاثِ جَمِيعِ الْإِخْوَةِ لَا يَخْرُجُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مُنَاسَبَتُهُمْ الْمُتَوَفَّى بِالْأَبِ عَنْ أَنْ يَكُونُوا إخْوَتَهُ لِأُمِّهِ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي كُلِّ أَخٍ لِأُمٍّ سَوَاءٌ كَانَ أَخًا لِأَبٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَالْأَبُ لَا يَزِيدُ مَا بَيْنَهُمَا ضَعْفًا بَلْ يَزِيدُهُ قُوَّةً وَتَأْكِيدًا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ فَرِيضَةٌ فِيهَا إخْوَةٌ لِأُمٍّ وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لِوَرِثَ فَإِذَا وَرِثَ الْأَخُ مِنْ الْأُمِّ وَجَبَ أَنْ يُشَرَّكَ الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْفَرِيضَةِ أُمٌّ وَعِنْدِي أَنَّ نَفْيَ التَّشْرِيكِ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ فِيهَا زَوْجٌ وَابْنَانِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَتَكُونُ مَعَهُمْ أُمٌّ، أَوْ جَدَّةٌ فَإِنْ خُرِمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ] (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ، يُحِيطُ ذَكَرُهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَيَكُونُ لَهُ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفَرْضِ وَأُنْثَاهُمْ لَهَا النِّصْفُ وَلِلِاثْنَتَيْنِ فَمَا زَادَ الثُّلُثَانِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ حُكْمُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ حُكْمَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُشْرِكُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُدْلُونَ بِمِثْلِ سَبَبِهِمْ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَكَانَ فِي بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرٌ فَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا ذَكَرَ مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَيُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ ذَكَرٌ فَلَا فَرِيضَةَ لَهُنَّ وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ الْمُسَمَّاةِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ بُدِئَ بِمَنْ شَرَكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) .

[ميراث الجد]

الْمُسَمَّاةِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ بُدِئَ بِمَنْ شَرَكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَأُعْطُوا فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلِبَنِي الْأُمِّ مَعَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ بَنِي الْأَبِ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَى هُمْ فِيهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ) . مِيرَاثُ الْجَدِّ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجَدِّ فَكَتَبَ إلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إنَّكَ كَتَبْت إلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ الْجَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إلَّا الْأُمَرَاءُ يَعْنِي الْخُلَفَاءُ وَقَدْ حَضَرْت الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَك فَيُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ وَالثُّلُثَ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَثُرَتْ الْإِخْوَةُ لَمْ يَنْقُصُوهُ مِنْ الثُّلُثِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ جُمْلَةً وَأَمَّا الْأُخْتُ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ فَإِنَّهَا تَحْجُبُهُمْ عَنْ النِّصْفِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ، أَوْ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ كَانَ لَهُمْ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ فَإِذَا حَجَبَتْهُمْ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَنْ النِّصْفِ بَقِيَ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْوَاحِدَةُ وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سَوَاءٌ فَإِذَا كَانَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ اثْنَيْنِ فَزَائِدًا فَحَجَبْنَ مِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مِنْ الْفَرْضِ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُنَّ قَدْ اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ الَّذِي هُوَ فَرْضُهُنَّ إذَا انْفَرَدْنَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ فَرْضِهِنَّ مَا يَرِثْنَ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ الْأَخَوَاتِ أَخٌ لِأَبٍ وَرِثَ الْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ عَصَبَهَا فَوَرِثَتْ مَعَهُ الْبَاقِيَ عَنْ فَرْضِ الْأُخْتِ، أَوْ الْأَخَوَاتِ بِالتَّعْصِيبِ، وَلَيْسَ فِي الرِّجَالِ مَنْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ غَيْرَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُعَصِّبُ عَمَّتَهُ غَيْرَ ابْنِ الِابْنِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يَرِثُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمْ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْعَصَبَةِ الَّذِينَ لَا يُدْلُونَ بِهِمْ وَإِنَّمَا يُدْلُونَ بِمِثْلِ قُرْبِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَدُّ مَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأُخْتُ مَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأَخُ لِلْأَبِ مَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْلِي بِمِثْلِ قَرَابَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ وَالْأَخُ يُدْلِي بِالْإِخْوَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأُخْتُ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يُعَصِّبُهَا، ثُمَّ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهَا لِقَرَابَتِهِ بِالْأُمِّ وَأَمَّا الْأَخُ لِلْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْفَرْضِ. [مِيرَاثُ الْجَدِّ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلَى زَيْدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجَدِّ كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ فِي الْجَدِّ مَسَائِلَ كَثِيرَةً فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ اسْتَجَازَ حَذْفَ السُّؤَالِ لِمَا فِي الْجَوَابِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَقَوْلُ زَيْدٍ إنَّكَ كَتَبْت إلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ الْجَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَدُّ الْعِلْمِ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاعْتِرَافٌ بِأَنَّ طَرِيقَ إثْبَاتِ حُكْمِهِ الِاجْتِهَادُ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا يَقَعُ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ وَلَا بَلَغَهُ عَنْهُ فِيهِ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ إلَّا الْأُمَرَاءُ يَعْنِي بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ خَبَرِ الْآحَادِ يَتَضَمَّنُ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُمْ فِيهِ حُكْمٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ حُكْمُهُمْ فِيهِ اتِّبَاعًا لَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ قَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَذَلِكَ بَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ فِيهِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَاسْتِحْسَانِ مَا نُقِلَ عَنْهُمَا مِنْ حُكْمِهِ وَتَغْلِيبِهِ عَلَى حُكْمٍ خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا عَظِيمًا فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوهُ مَقَامَ الْأَبِ وَحَجَبُوا بِهِ الْإِخْوَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ أَوَّلُ جَدٍّ وَرِثَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَاتَ ابْن لِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِمَالِهِ فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا وَزَيْدًا فِي ذَلِكَ فَمَثَّلَا لَهُ مَثَلًا فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَأْيَكُمَا اجْتَمَعَ مَا رَأَيْت أَنْ يَكُونَ ابْنِي وَلَا أَكُونَ أَبَاهُ وَكَانَ زَيْدٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ يُقَاسِمَانِ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ إلَّا أَنْ تَنْقُصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَفْرِضَانِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ أُمٌّ، أَوْ جَدَّةٌ أَعْطَيَا الْجَدَّ الْأَوْفَرَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ، أَوْ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ ذَوِي السِّهَامِ أَوْ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ جَدٌّ وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ جَدٌّ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْفُرُوضِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ مَفْرُوضًا مُقَدَّرًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ وَاجِبٌ وَثَابِتٌ، الْإِخْوَةُ مَعَ الْجَدِّ لَهُمْ سَهْمٌ ثَابِتٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَمْ يَحْجُبْهُ الْجَدُّ عَنْ جَمِيعِ الْمِيرَاثِ كَالِابْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَةِ مِنْ الْمِيرَاثِ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجْرَى بَنِي الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ فِي الْمُقَاسَمَةِ مَجْرَى الْإِخْوَةِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ بِهِ غَيْرُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا ذَكَرٌ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَمْ يُقَاسِمْ الْجَدَّ كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ) . (ش) : يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى أَنْ يَعْلَمَ مَا كَانَ يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ مِنْ يَوْمِ قَالَهُ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَبِيصَةَ مَدَنِيٌّ وَقَالَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ وَبِقَوْلِ زَيْدٍ كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُ الْجَدِّ وَمِيرَاثُهُ وَذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّهُمْ فَرَضُوا لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ قَدَّرُوا لَهُ تَقْدِيرًا لَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ وَإِنْ حَصَلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَبِالتَّعْصِيبِ مَعَ الْفَرْضِ، أَوْ بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا لَهُ الثُّلُثَ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ لِلْأَبِ مَا لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ نَقَصَتْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْجَبُوا لَهُ الثُّلُثَ فَإِذَا كَانَ مَعَ الْأَخَوَيْنِ فَالْفَرْضُ وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ وَإِذَا كَانَ مَعَ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ فَالْفَرْضُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فَيُعْطَى الثُّلُثَ وَإِنْ كَانَ مَعَ أَخٍ وَاحِدٍ فَالْمُقَاسَمَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يَحْصُلُ لَهُ فَيُعْطَى النِّصْفَ هَذَا مَذْهَبُ زَيْدٍ فِيهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَاسَمَ الْإِخْوَةَ بِالْجَدِّ إلَى سَبْعَةٍ وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ حُصَيْنٍ وَأَبَا مُوسَى أَنَّهُمَا قَاسَمَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يَسْتَحِقُّونَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ الثُّلُثَ وَالْجَدُّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَهُوَ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا زَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَدَّ يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ بِالْفَرْضِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَرِثُهُ بِالتَّعْصِيبِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُنْقَصُ مِنْ الثُّلُثِ وَثَبَتَ لَهُ بِذَلِكَ حَالَةٌ مِنْ حَالَاتِ الْأَبِ يَرِثُ بِالْفَرْضِ السُّدُسَ وَسَائِرَ الْمَالِ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ فَرْضُهُ الثُّلُثَ وَهُوَ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ وَالْأَبُ فَرْضُهُ السُّدُسُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَبَ فَرْضُهُ السُّدُسُ مَعَ الِابْنِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ دُنْيَا شَيْئًا وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ وَمَعَ ابْنِ الِابْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُتَوَفَّى أَخًا، أَوْ أُخْتًا لِأَبِيهِ يَبْدَأُ بِالْجَدِّ إنْ شَرَكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنِ الِابْنِ وَمَعَ ذِي الْفُرُوضِ وَهَذِهِ حَالُ الْجَدِّ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ فَإِنَّ الْأَبَ يُسْقِطهُمْ جُمْلَةً فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ وَيُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَهُمْ الثُّلُثُ فَكَانَتْ حَالُهُ أَضْعَفَ مِنْ حَالِ الْأَبِ الَّذِي يُسْقِطهُمْ رَأْسًا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَرْضَيْنِ يَرِثُ بِهِمَا الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالسُّدُسَ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ كَالْأُمِّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُ الْأَبُ وَيَرُدُّهُ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ إلَى أَقَلِّ فَرْضِهِ وَهُوَ السُّدُسُ، وَكَذَلِكَ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِلْمَالِ، أَوْ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِخَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ بَعْدَ الْفُرُوضِ أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ فَهُوَ لَهُ بِالتَّعْصِيبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ يُقَاسِمُونَهُ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ هَذَا. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا شَرَكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ يُبْدَأُ بِمَنْ شَرَكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ أَيَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الثُّلُثَ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلْإِخْوَةِ، أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَمْ يُقَاسِمْهُمْ بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ، أَوْ السُّدُسِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ فَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا وَجَدِّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، ثُمَّ يَجْمَعُ سُدُسَ الْجَدِّ وَنِصْفَ الْأُخْتِ فَيُقْسَمُ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ وَلِلْأُخْتِ ثُلُثُهُ) . (ش) : وَقَوْلُهُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ إذَا شَارَكَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْفُرُوضِ إنَّمَا يُرِيدُ فِيمَا يُقَاسِمُ فِيهِ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ بِالتَّعْصِيبِ وَأَمَّا فِي فَرْضِهِ الَّذِي هُوَ السُّدُسُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِهِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فَإِنَّ الْجَدَّ لَا يَنْقُصُ مِنْ السُّدُسِ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ السُّدُسِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ وَهُمْ الْبِنْتُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْبَنَاتِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ نَظَرْنَا لِلْجَدِّ أَفْضَلَ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا السُّدُسُ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ الَّذِي هُوَ فَرْضُهُ مَعَ أَهْلِ الْفُرُوضِ وَهُوَ أَقَلُّ فَرْضِهِ وَالثَّانِي ثُلُثُ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِلْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضُهُ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِذَا أُضِيفَ سُدُسُهُ إلَى مَا فَضَلَ عَنْ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ وَكَانَ ثُلُثُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ جَمِيعِ التَّرِكَةِ أُعْطِيَهُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَمَا فَضَلَ عَنْ سِهَامِ ذَوِي الْفُرُوضِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِمَا أَحَدٌ غَيْرُ الْإِخْوَةِ فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَرِكَةٍ انْفَرَدَ مَعَهُمْ فِيهَا فَكَانَ لَهُ ثُلُثُهَا، وَالثَّالِثُ مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ فَإِنْ كَانَ مَا أُعْطِيَهُ بِالْمُقَاسَمَةِ زَائِدًا عَلَى الْفَرْضَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أَخَذَهُ بِالتَّعْصِيبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ رَجَعَ إلَى الْفَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَكَرَهَا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ أَنَّ الْمُقَاسَمَةَ إذَا كَانَتْ أَضَرَّ عَلَى الْجَدِّ أُعْطِيَ الثُّلُثَ، أَوْ السُّدُسَ فَإِنَّ مَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا هِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ أُمًّا وَزَوْجًا وَجَدًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ بِثَلَاثَةٍ وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِسَهْمَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلْجَدِّ السُّدُسُ بِسَهْمٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ عَنْ قَضَاءِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا فَعَلَ زَيْدٌ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِقَضَاءِ زَيْدٍ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَ زَيْدٍ قَاسُوا عَلَى قَوْلِهِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ اللَّبَّانِ الْفَرَضِيُّ إنْ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ زَيْدٍ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ كَمَا سَقَطَ الْأَخُ لَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْأَخَ وَالْأُخْتَ سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ فِي قَوْلِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ مَعَ الْجَدِّ عَصَبَةٌ وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ عَنْ زَيْدٍ أَنَّ حَالَ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ يَتَنَوَّعُ عَلَى حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالثَّانِي بِالتَّعْصِيبِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَالُ الْأَخَوَاتِ مَعَهُ فَيَكُونُ تَارَةً يَعْصِبُهُنَّ وَتَارَةً لَا يَعْصِبُهُنَّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعٌ لَا يُعَصِّبُهُنَّ فِيهِ حَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ الْمِيرَاثِ مَا يَكُونُ لَهُنَّ فَلَا يَتَعَدَّى تَعْصِيبُهُ إلَيْهِنَّ وَإِذَا كُنَّ أُخْتَيْنِ وَبَقِيَ مِنْ الْمِيرَاثِ مَا يَكُونُ لَهُنَّ وَوَقَعَتْ الْمُقَاسَمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْجَدِّ تَعَدَّى تَعْصِيبُهُ إلَيْهِنَّ فَلَمْ تَعُلْ فَرِيضَتُهُنَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُسَمِّيهَا أَصْحَابُنَا الْغَرَّاءُ وَقَدْ رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ يُسَمُّونَهَا الْعَدَّاءُ. وَقَالَ أَبُو غَالِبٍ خَبَّابُ بْنُ عُبَادَةَ لَا تَرِثُ الْأُخْتُ مَعَ جَدٍّ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَسُمِّيَتْ الْغَرَّاءُ وَهِيَ الْأَكْدَرِيَّةُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ يُسَمِّيهَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْفَرَائِضِ الْأَكْدَرِيَّةُ وَقِيلَ إنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ عَنْهَا رَجُلًا يُقَال لَهُ الْأَكْدَرُ فَأَخْطَأَ فَنُسِبَتْ إلَيْهِ وَقَالَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَدُّرِ الْأَقْوَالِ فِيهَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَوْجَبَتْ لَهُ الْفَرِيضَةُ وَقَالَ زَيْدٌ يُجْمَعُ ثَلَاثَةُ سِهَامِ الْأُخْتُ وَسَهْمُ الْجَدِّ فَيَقْسِمُونَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُخْتَ إنَّمَا انْتَقَلَتْ إلَى الْفَرْضِ حِينَ لَمْ يَكُنْ الْجَدُّ يَعْصِبُهَا فَلَمَّا عِيلَ لَهَا وَصَارَ لَهَا سَهْمٌ رَجَعَ إلَى تَفْصِيلِهَا. (فَرْعٌ) وَلَا تُعَالُ فَرِيضَةُ الْأُخْتِ مَعَ جَدٍّ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً وَلَوْ كَانَ فِيهَا أُخْتَانِ لَبَطَلَ الْعَوْلُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتْرُكَ الْمُتَوَفَّى زَوْجًا وَأُمًّا وَجَدًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ سَهْمٌ وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ سَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَهُوَ مِثْلُ الْمُقَاسَمَةِ وَلِلْأُخْتَيْنِ السُّدُسَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَعْصِبُهُمْ فَيَصِيرُونَ مَعَهُ كَالْأُخْتَيْنِ مَعَ الْأَخِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْأَكْدَرِيَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَخَوَاتِ لَمَّا وَرِثْنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ تَعَدَّى تَعْصِيبُ الْجَدِّ إلَيْهِنَّ بِنَفْسِ الْفَرْضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَكْدَرِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ تُبْقِ الْفَرَائِضُ لِلْأُخْتِ شَيْئًا فَلَمْ يَتَعَدَّ تَعْصِيبُ الْجَدِّ إلَيْهَا فَوَجَبَ رَدُّهَا إلَى الْفَرْضِ حِينَ لَمْ يَعْصِبْهَا الْجَدُّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أَحَاطَ بِالْمِيرَاثِ أُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ فَعَلَى مَذْهَبِ زَيْدٍ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى الْخَرْقَاءُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَمَا بَقِيَ لِلْجَدِّ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ وَالْجَدِّ الْبَاقِي بِنِصْفَيْنِ وَهَذِهِ مِنْ مُرَبَّعَاتِ عَبْدِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَهِيَ تُسَمَّى مُثَلَّثَةُ عُثْمَانَ. وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَجْهُ قَوْلِ زَيْدٍ أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهَا مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَرِثَتْ مَعَهُ عَصَّبَهَا فَصَارَ كَالْأَخِ مَعَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ بِنْتٌ أَوْ بَنَاتٌ فَإِنَّ عَلِيًّا يَجْعَلُ لِلْجَدِّ السُّدُسَ بِالْفَرْضِ وَيَجْعَلُ التَّعْصِيبَ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ يُقَاسِمَانِ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ إلَّا أَنْ تَنْقُصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُمْ يَفْرِضَانِهِ لَهُ، وَذَلِكَ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ وَجَدٍّ فَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ إلَّا أَنَّ زَيْدًا يَجْمَعُ حَظَّ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ فَيَقْسِمَانِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا يَرِثَانِ بِالتَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ إنَّمَا تَرِثُ مَعَ الْبَنَاتِ بِالتَّعْصِيبِ فَوَجَبَ أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمِيرَاثُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ إخْوَةٌ لِأَبٍ كَمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ وَلَا يُعَادُونَهُ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ فَمَا حَصَلَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَلَا يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تُعَاد الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا مَا كَانُوا فَمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا، وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَسِمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ حَالَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَحَالِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ذَكَرُ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ كَذَكَرِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَالَهُمْ فِي انْفِرَادِ الذُّكُورِ، أَوْ انْفِرَادِ الْإِنَاثِ، أَوْ اجْتِمَاعِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَحَالِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالَهُمْ كَحَالِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبُهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يُعَادُونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لِأَبِيهِمْ فَيَمْنَعُونَهُ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ فَمَا أَصَابَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ لِمُقَاسَمَةِ الْجَدِّ فَإِنَّ جَمِيعَهُ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ هَذَا مَذْهَبُ زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقْسِمَانِ الْمَالَ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ أَنْ يُعَادَّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَذَلِكَ فِي جَدٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ فَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ لِلْجَدِّ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَفِي قَوْلِ زَيْدٍ الْمَالُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ لِلْأَبِ أَثْلَاثًا، ثُمَّ يَرُدُّ الْأَخُ لِلْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ سَهْمَهُ فَيَصِيرُ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَانِ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ لَا يَحْجُبُهُ الْجَدُّ وَإِنَّمَا يَحْجُبُهُ مَنْ يُقَاسِمُ الْجَدَّ فَوَجَبَ أَنْ يَحْتَسِبَ بِهِ عَلَيْهِ وَيَنْقُصَ الْجَدُّ بِهِ مِنْ مَوْرُوثِهِ كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ وَالْأُمِّ لَمَّا لَمْ تَحْجُبْهُمْ الْأُمُّ وَيَحْجُبُهُمْ الْأَبُ فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ بِهِمْ عَلَى الْأُمِّ وَيَرُدُّهَا بِهِمْ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَادُونَهُ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئًا وَكَانَ الْمَالُ لِلْجَدِّ كُلُّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا يَحْتَسِبُونَ عَلَى الْجَدِّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُهُمْ عَنْ الْمِيرَاثِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَادِ بِهِمْ وَلَمْ يُدْخِلُوا عَلَيْهِ نَقْصًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ فَإِنَّ الْجَدَّ لَا يَحْجُبُهُمْ فَجَازَ أَنْ يُدْخِلُوا نَقْصًا عَلَيْهِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ إلَّا بِالْفَرْضِ وَالْمُقَاسَمَةُ تَقْتَضِي التَّعْصِيبَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَجِرَّ بِهِ الْفُرُوضَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا تُعَادِ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا، ثُمَّ يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا وَهُوَ نِصْفُ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا هَذَا مَذْهَبُ زَيْدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَكَانَ عَلِيٌّ يَفْرِضُ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفَ وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَا لَمْ تُنْقِصْ الْمُقَاسَمَةُ الْجَدَّ مِنْ السُّدُسِ فَإِنْ نَقَصَ فَرَضَ لَهُ السُّدُسَ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَذَلِكَ فِي أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ لِلْأَبِ بِنِصْفَيْنِ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ النِّصْفُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَفِي قَوْلِ زَيْدٍ لِلْأُخْتِ وَالْأَخِ ثَلَاثَةُ

[ميراث الجدة]

مِيرَاثُ الْجَدَّةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَى بِهِ إلَّا لِغَيْرِكِ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQسِهَامٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، ثُمَّ يَرُدُّ الْأَخُ عَلَى الْأُخْتِ تَمَامَ النِّصْفِ فَيَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُخْتِ خَمْسَةٌ وَلِلْأَخِ سَهْمٌ وَجْهُ مَا قَالَهُ زَيْدٌ أَنَّ هَذِهِ حَالَةُ تَعْصِيبٍ فَوَجَبَ أَنْ يُعَادَّ فِيهَا الْجَدُّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ كَحَالَةِ انْفِرَادِهِمْ مَعَهُ. وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْأُخْتَ لَمَّا كَانَتْ تُعَاد الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ وَجَبَ أَنْ تُعَادَّ بِهِمْ عَلَى وَجْهِ التَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّعْصِيبِ فَإِذَا انْفَرَدَتْ مَعَهُ فِي الْقِسْمَةِ رَجَعَتْ إلَى الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ مُقَاسَمَتِهَا لَهُ وَحُكْمُ مُقَاسَمَتِهَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ مُقَاسَمَتِهَا بِهِ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ: إنَّ حُكْمَ حَجْبِ الْأَبِ لِلْإِخْوَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ حَجْبِهِ بِهِمْ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَخَوَاتٌ لِأَبٍ فَإِنَّ عَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ يَجْعَلَانِ النِّصْفَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالسُّدُسَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْبَاقِيَ لِلْجَدِّ، وَزَيْدًا يَجْعَلُ لِلْجَدِّ الْأَفْضَلَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ أَوْ الثُّلُثَ، ثُمَّ يَجْعَلُ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَفِي قَوْلِ زَيْدٍ الثُّلُثُ لِلْجَدِّ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ، ثُمَّ تَأْخُذُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفَ فَيَبْقَى السُّدُسُ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. [مِيرَاثُ الْجَدَّةِ] (ش) : وَقَوْلُهُ جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَسْأَلُهُ الْحُكْمَ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ تَسْأَلُهُ بِمَعْنَى تَسْتَفْتِيهِ فِي مَسْأَلَتِهَا وَقَوْلُهُ مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا إخْبَارٌ مِنْهُ بِعَدَمِ النَّصِّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي حُكْمِهَا؛ لِأَنَّهُمَا الْمُقَدَّمَانِ فِي طَلَبِ الْأَحْكَامِ وَقَوْلُهُ فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُمْ عَنْ النَّصِّ لِتَجْوِيزِهِ فِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَحْضُرْهُ وَهَذَا مِنْ تَحَفُّظِهِ وَتَوَقِّيهِ أَنْ لَا يُعْمِلَ نَظَرَهُ وَاجْتِهَادَهُ وَقِيَاسَهُ وَإِنْ عَدِمَ النَّصَّ حَتَّى يَطْلُبَهُ حَيْثُ يَرْجُو عَمَلَهُ مِنْ النَّاسِ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ مُفْتٍ أَوْ حَاكِمٍ جَوَّزَ وُجُودَ نَصٍّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَيَبْحَثَ فِي طَلَبِهِ وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي مُشَاوَرَةِ الْعَالِمِ الْعُلَمَاءَ طَلَبًا لِلنَّصِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاوَرَةِ لَهُمْ وَالتَّعَاوُنِ بِآرَائِهِمْ وَنَظَرِهِمْ لِيَنْظُرَ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ الْعَالِمُ إذَا أَرَادَ الْفُتْيَا بِحَضْرَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا أَرَادَ إنْفَاذَ الْحُكُومَةِ فَمِنْ الْحَزْمِ لَهُ وَالتَّنَاهِي فِي الِاجْتِهَادِ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرُبَّمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ آرَائِهِمْ أَفْضَلُ مِمَّا ظَهَرَ إلَيْهِ مَا يُقَوِّي فِي ظَنِّهِ صِحَّةَ مَا ظَهَرَ إلَيْهِ إذَا وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ مَا ظَهَرَ إلَيْهِمْ وَرَأَى مَا عِنْدَهُ أَفْضَلَ، وَرَأَى اعْتِرَاضَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَهُ غَيْرَ صَحِيحٍ أَوْ تَسْلِيمَهُمْ لِقَوْلِهِ وَإِقْرَارِهِمْ صِحَّتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ قَوْلٌ مُجْمَلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَرَضَ لِلْوَارِثَةِ مِنْ الْجَدَّاتِ إذَا لَمْ تُحْجَبْ السُّدُسَ فَرْضًا لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ إلَّا بِالْعَوْلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَامًّا فِي الْجَدَّاتِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَذَلِكَ بِأَنْ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ الْجَدَّةِ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ الْمُغِيرَةُ وَيَكُونُ مَعْنَى أَعْطَاهَا السُّدُسَ أَيْ فَرَضَ لَهَا السُّدُسَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ الْجَدَّةِ الَّتِي عَادَتْ تَسْأَلُهُ مَنْ عَرَفَ حَالَهَا وَأَيُّ الْجَدَّاتِ هِيَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ أَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ يَعْنِي تِلْكَ الْجَدَّةَ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْجَدَّاتِ وَقَوْلُ عُمَرَ بَعْدَ هَذَا وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَى بِهِ إلَّا لِغَيْرِك يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْجَدَّةَ الَّتِي كَانَتْ بِسَبَبِ سُؤَالِ أَبِي بَكْرٍ النَّاسَ، أَوْ بِسَبَبِ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجَدَّاتِ بِالسُّدُسِ غَيْرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْجَدَّاتِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ أَنَّ الْجَدَّةَ الَّتِي أَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ هِيَ أُمُّ الْأُمِّ قَالَ فَلِذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ أَقْرَبُ حَازَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَبْعَدُ شَارَكَتْ فِيهِ وَأَمَّا الَّتِي وَرَّثَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ جَاءَتْهُ هِيَ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ فَقَالَ لَهَا مَا أَجِدُ لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا وَسَأَلَ النَّاسَ قَالَ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُنِي بِشَيْءٍ فَقَالَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ لِمَ لَا تُوَرِّثُهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرِثَهَا؟ وَهَذِهِ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ يَرِثْهَا ابْنُ ابْنَتِهَا؟ فَوَرَّثَهَا عُمَرُ وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَجْعَلُ فِي الْجَدَّاتِ خَيْرًا كَثِيرًا، ثُمَّ وَرَّثَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدُ الثَّالِثَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لَلْمُغِيرَةَ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ هَلْ مَعَك غَيْرُكَ عَلَى مَعْنَى التَّثَبُّتِ وَطَلَبِ تَقْوِيَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ لَا عَلَى مَعْنَى رَدِّ حَدِيثِهِ؛ لِأَنَّ الْمُغِيرَةَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ فَلَا يُرَدُّ حَدِيثُ مِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ غَيْرُهُ لَأَمْضَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنَّهُ طَلَبَ رِوَايَةَ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ لِيَعْلَمَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَرُبَّمَا وَجَدَ مَا يَعْدِلُ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالتَّأْوِيلِ، وَمِنْ هَذَا قُلْنَا إنَّهُ يُرَجَّحُ فِي الرِّوَايَاتِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ فَلَمَّا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ اتَّضَحَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ وَتَنَاهَى فِيهِ اجْتِهَادُهُ لِإِخْبَارِ فَاضِلَيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي مَلَأٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اسْتَدْعَاهُمْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِخِلَافِهَا فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا جَدَّتَانِ وَارِثَتَانِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَارِثَاتُ مِنْ الْجَدَّاتِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَقَالَ، ثُمَّ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الثَّانِيَةُ، أَوْ لَقَالَ، ثُمَّ جَاءَتْ جَدَّةٌ ثَانِيَةٌ فَأَمَّا هَذَا اللَّفْظُ بِالتَّعْرِيفِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ إلَّا فِي الِاثْنَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَقْتَضِي التَّعْرِيفَ فَلَوْ كَانَ مَعَهَا مِنْ الْجَدَّاتِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا اثْنَتَانِ: أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهُمَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ ثَلَاثٌ الْجَدَّتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ تَوْرِيثُ أَرْبَعِ جَدَّاتٍ الْمُتَقَدِّمَاتُ وَأُمُّ أَبِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ تَوْرِيثِ أُمِّ أَبِي الْأَبِ وَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْجَدَّةِ الْأُخْرَى وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا فَجَعَلَهُ لَهُمَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرِيضَةِ إلَّا إحْدَاهُمَا فَهُوَ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْجَدَّاتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُهُ لَهَا وَلِأُمِّ أَبِي الْأَبِ وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِهِ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا؛ وَلِأَنَّ أُمَّ أَبِ الْأَبِ تُشَارِكُهَا فِيهِ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَتْ الْجَدَّتَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ السُّدُسَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَمَا أَنَّك تَتْرُكُ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَهُوَ حَيٌّ كَانَ إيَّاهَا يَرِثُ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَاَلَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ دَنِيَّةً شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً وَأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ وَلَا تَرِثُ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَض لَهَا السُّدُسُ فَرِيضَةً فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَدَّتَانِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَلَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أُمٌّ وَلَا أَبٌ قَالَ مَالِكٌ فَإِنِّي سَمِعْت أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ إنْ كَانَتْ أَقْعَدَهُمَا كَانَ لَهَا السُّدُسُ دُونَ أُمِّ الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَقْعَدَهُمَا، أَوْ كَانَتَا فِي الْقُعْدُدِ مِنْ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ جَدَّةٌ تُدْلِي بِالْجَدِّ فَلَمْ تَرِثْ كَالْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي الْأَبِ وَاسْتِدْلَالٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ جَنْبَةَ الْأُمِّ فِي الْجَدَّاتِ أَقْوَى مِنْ جَنْبَةِ الْأَبِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّ تُسْقِطُ الْجَدَّاتِ أَجْمَعَ وَالْأَبُ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ، ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ جَنْبَةِ الْأُمِّ غَيْرُ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ فَبِأَنْ لَا تَرِثُ مِنْ جَنْبَةِ الْأَبِ غَيْرُ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْلَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَى بِهِ إلَّا لِغَيْرِكِ يُرِيدُ بِهِ الْقَضَاءُ الَّذِي قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ لِلْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ وَقَوْلُهُ: وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا يُرِيدُ بِهِ الْقَضَاءَ الَّذِي قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ لِلْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ وَقَوْلُهُ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِلْجَدَّاتِ سُدُسًا غَيْرَ السُّدُسِ الَّذِي فَرَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ السُّدُسُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ فَرْضَ الْجَدَّاتِ إنَّمَا هُوَ السُّدُسُ فَقَطْ وَاحِدَةً كَانَتْ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ يَنْفَرِدُ بِهِ النِّسَاءُ فَصَحَّ الِانْفِرَادُ بِهِ وَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَرُبُعِ الزَّوْجَاتِ أَوْ ثُمُنُهُنَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَارِثَاتِ مِنْ الْجَدَّاتِ هُمَا اثْنَتَانِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُخَاطَبَةُ وَاحِدَةٌ وَلَوْ وَرِثَ مِنْهُنَّ جَمَاعَةٌ لَقَالَ فَإِنْ اجْتَمَعْتُنَّ فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُنَّ وَأَيَّتُكُنَّ خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا. (ش) : قَوْلُهُ أَتَتْ الْجَدَّتَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ يُرِيدُ أُمَّ الْأُمِّ وَأُمَّ الْأَبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا أَتَيَا فِي مَوْرُوثٍ وَاحِدٍ وَفِي مَوْرُوثَيْنِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَجْعَلَ الْمَوْرُوثَ لِأُمِّ الْأُمِّ وَلَعَلَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ الْمُغِيرَةَ وَابْنِ مَسْلَمَةَ، أَوْ فَهِمَ أَنَّهَا الْمُرَادُ بِهِ مِنْ قَوْلِهَا فَعَارَضَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَشِيرُ جَمَاعَةَ النَّاسِ وَمَنْ يُوجَدْ عِنْدَهُ الْعِلْمُ فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ لَهَا فِي ذَلِكَ حَقٌّ وَآكَدُ لِسَبَبِهَا وَوَجْهُ الْمُوَارَثَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَوَفَّى بِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَرَابَةَ الْجَدَّةِ قَرَابَةٌ يَثْبُتُ بِهَا التَّوَارُثُ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْقَرَابَةُ تَرِثُ مَنْ لَا يَرِثُهَا الْمُتَوَفَّى فَبِأَنْ تَرِثَ بِهَا مَنْ يَرِثُهَا الْمُتَوَفَّى أَوْلَى وَأَحْرَى وَلَا يَلْزَمُ هَذِهِ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ قَرَابَةٌ لَا يُورَثُ بِمِثْلِهَا. (فَصْل) وَقَوْلُهُ فَجَعَلَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِيهِ فَجَعَلَهُ لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَمْ يَرَ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَنْصَارِيُّ وَأَمَّا رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ سَبَبَ أُمِّ الْأُمِّ أَقْوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمُومَةِ، وَجَنْبَتُهَا فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ أَقْوَى مِنْ جَنْبَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِمِثْلِ سَبَبِهَا كَالْجَدِّ لِلْأَبِ جَنْبَتُهُ أَقْوَى فِي الْمِيرَاثِ مِنْ جَنْبَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لِلْأَبِ يُدْلِي بِمِثْلِ سَبَبِ الْأَبِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ كَانَ لَا يَفْرِضُ إلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ) . (ش) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَفْرِضُ إلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ يُرِيدُ أُمَّ الْأُمِّ وَأُمَّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهُمَا وَاحِدَةً وَأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِجَدَّةٍ غَيْرِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ وَرَّثُوا الْجَدَّاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ إذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ الْجَدَّةَ، ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا، ثُمَّ أَتَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهَا: مَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إلَى الْيَوْمِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ شَيْئًا، قَوْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ وَتَرِثُ بِمِثْلِ سَبَبِهَا فَكَانَتْ مَحْجُوبَةً بِهَا وَأَمَّا الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ فَهِيَ أَيْضًا مَحْجُوبَةٌ بِالْأُمِّ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا تُدْلِي بِمِثْلِ سَبَبِهَا وَالْأُمُّ أَقْرَبُ قَرَابَةً مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ تَحْجُبَهَا وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْجَدَّةَ لِلْأَبِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مِمَّا كَانَتْ تُدْلِي بِهِ عَلَى وَجْهِ الْوِلَادَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْجُبَهَا كَمَا يَحْجُبُ الْجَدُّ، أَوْ أَنَّهَا وَارِثَةٌ تُدْلِي بِعَاصِبٍ فَوَجَبَ أَنْ يَحْجُبَهَا الْعَاصِبُ كَالْعَمِّ وَالْجَدِّ، وَلَا يَحْجُبَ الْجَدَّةَ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْلِي بِهِ وَلَا تَرِثُ بِمِثْلِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ بِالْأُمُومَةِ وَهُوَ يَرِثُ بِالْأُبُوَّةِ فَلَمْ يَحْجُبْهَا كَمَا تَحْجُبُ الْأُمَّ. (فَصْلٌ) : فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَدَّتَانِ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَنْ يَحْجُبُهُمَا، أَوْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ كَانَتَا فِي قُعْدُدٍ وَاحِدٍ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبُ فَإِنْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ بِدَرَجَةٍ، أَوْ دَرَجَاتٍ حَجَبَتْ الْبُعْدَى وَبِهَذَا قَالَ زَيْدٌ وَعَلِيٌّ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَرَوَى النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ السُّدُسُ لِلْقُرْبَى وَالْبُعْدَى إذَا كَانَتَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَالسُّدُسُ لِأَقْرَبِهِنَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُبُ أُمَّ الْأَبِ فَكَذَلِكَ أُمُّ الْأَبِ تَحْجُبُ أُمَّ أُمِّ الْأَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ بِدَرَجَةٍ أَوْ دَرَجَاتٍ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ رِوَايَةُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ يَجْعَلُ السُّدُسَ لِلْقُرْبَى وَهِيَ رِوَايَةُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَحْجُبُ أُمَّ الْأُمِّ فَكَذَلِكَ أُمَّ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ أُمَّ الْأُمِّ وَإِنَّ مَنْ يَرِثُ بِالْأُمِّ مِنْ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ لَا يَسْقُطُ بِمَنْ يُدْلِي بِالْأَبِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُدْلِي بِالْأُمِّ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ لَا يُسْقِطُ مَنْ يُدْلِي بِالْأَبِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيُفْرَضُ لَهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ السُّدُسُ يَعْنِي أَنَّهُ فَرْضُهَا إذَا انْفَرَدَتْ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ الْجَدَّاتِ لَيْسَ لَهُنَّ سَهْمٌ وَإِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أُطْعِمَتْهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْجَدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ التَّعْصِيبِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَرِثَ بِالْفَرْضِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا مِيرَاثَ لِأَحَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا لِلْجَدَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ الْجَدَّةَ، ثُمَّ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا، ثُمَّ أَتَتْ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهَا: مَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ إلَى الْيَوْمِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ غَيْرُ جَدَّتَيْنِ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهُمَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ الْجَدَّةَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ مَا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَ الْجَدَّةَ وَهِيَ عِنْدَهُ أُمُّ الْأُمِّ وَالثَّانِيَةُ الَّتِي جَاءَتْ إلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهَا إنَّمَا هُوَ السُّدُسُ فَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا فَإِنْ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ وَسَائِرُ الْجَدَّاتِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ حَقٌّ وَلَا ذَكَرُهُنَّ عُمَرُ فِي قَضَائِهِ لِلْجَدَّةِ بِالْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَدَّتَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِمَا وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا وَرَّثَ غَيْرَ جَدَّتَيْنِ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْفَاذَهُ الْحُكْمَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّهُ أَنْفَذَ حُكْمًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهِ كَانَ يُخَالِفُهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ فَكَانَ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ دُونَ قَوْلِ الْوَاحِدِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْسَبْ تَوْرِيثُ أُمِّ أَبِ الْأَبِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَتَوْرِيثُ أُمِّ أَبِ الْأُمِّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَلَعَلَّ مَالِكًا قَدْ أَرَادَ أَنَّ

[ميراث الكلالة]

مِيرَاثُ الْكَلَالَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ «يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ ابْن مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مِيرَاثُ الْكَلَالَةِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَلَالَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حُكْمِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْمُوَرَّثِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ وَلَا وَالِدَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَالَةَ الْمَوْرُوثُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ آيَةُ الصَّيْفِ» يَقْتَضِي أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ أَحْكَامِ الْوَارِثِينَ وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُورَثُ عَلَى هَذَا الْحَالِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ» يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] الْآيَةَ إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو السُّلَمِيِّ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ مَرِضْتُ فَأَتَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مَاشِيَيْنِ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَلَمْ أُكَلِّمْهُ فَتَوَضَّأَ فَصَبَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلِي أَخَوَاتٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] » وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةَ سُورَةِ النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا تَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ حَتَّى لَا يَكُونَ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176] قَالَ مَالِكٌ فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَحَدُهُمَا مَنْ لَا يَرِثُ مَعَ الْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا كَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، وَذَلِكَ مَا تَضَمَّنَ حُكْمَهُ الْآيَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا الْكَلَالَةَ فَقَالَ {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فَهَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأُمِّ خَاصَّةً فَمَتَى مَا انْفَرَدَ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فَلَهُ السُّدُسُ وَمَتَى كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْكَلَالَةِ مَنْ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَلَا مَعَ الْأَبِ وَيَرِثُ مَعَ الْجَدِّ وَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ، وَذَلِكَ مَا تَضَمَّنَ حُكْمَهُ الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الْكَلَالَةَ أَيْضًا فَقَالَ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] فَهَؤُلَاءِ مِنْ الْكَلَالَةِ الَّتِي ذَكَرُهُمْ مُخَالِفٌ

[ما جاء في العمة]

(ص) : (فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسُ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمْ الثُّلُثَ فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانَةَ الْمِيرَاثِ فَهُوَ أَوْلَى بِاَلَّذِي كَانَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ) . مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ (ص) : (حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيمًا لَهُ يُقَالُ لَهُ ابْنُ مُرَيٍّ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَالَ يَا يَرْفَا هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِكِتَابٍ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ فَنَسْأَلَ عَنْهَا وَنَسْتَخْبِرَ عَنْهَا فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَا فَدَعَا بِتَوْرٍ، أَوْ قَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَمَحَا ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ وَارِثَةً أَقَرَّك لَوْ رَضِيَك اللَّهُ أَقَرَّك مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ كَثِيرًا يَقُولُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَجَبًا لِلْعَمَّةِ تُورَثُ وَلَا تَرِثُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُنْثَاهُمْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ لِلْأُنْثَى مِنْهُمْ النِّصْفَ وَلِلذَّكَرِ الْجَمِيعَ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ وَالِاجْتِمَاعِ فَكَانَ لِلْأُنْثَى مِنْهُمْ نِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ وَالْفَرْضِ وَالْأَوَّلِينَ لَا يَرِثُونَ إلَّا بِالْفَرْضِ فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى وَقَوْلُهُ يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ يُرِيدُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ أَوْ الْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ. (ص) : (فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى السُّدُسَ وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ، وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسُ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمْ الثُّلُثَ فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ وَمَنَعَهُمْ مَكَانَةَ الْمِيرَاثِ فَهُوَ أَوْلَى بِاَلَّذِي كَانَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ) . (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْجَدَّ لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ مَنْ لَا يَرِثُونَ مَعَهُ وَهُوَ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ لِلْجَدِّ مَعَهُمْ السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ ذُو فَرْضٍ وَلَا يَرِثُ الْإِخْوَةُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ مَعَهُ بِالتَّعْصِيبِ، وَالْأَخَوَاتُ وَإِنْ كُنَّ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ إلَّا أَنَّهُنَّ يَرِثْنَ بِمِثْلِ سَبَبِ الْإِخْوَةِ مِنْ التَّعْصِيبِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْجُبَهُنَّ عَنْ الْفَرْض مَنْ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ عَنْ التَّعْصِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ تَرِثُ بِالْفَرْضِ الثُّلُثَ وَالْأَبُ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ مَا زَادَ عَلَى السُّدُسِ، ثُمَّ يَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ الِابْنُ كَمَا يَحْجُبُ الْأَبَ عَنْ التَّعْصِيبِ وَيُرَدُّ إلَى السُّدُسِ الَّذِي هُوَ الْفَرْضُ لَمَّا وَرِثَ الْأَبَوَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْوِلَادَةُ الْمُبَاشِرَةُ فَلَمَّا كَانَ هَذَا حَالُ الْجَدِّ كَانَ أَحَقَّ مِنْ الْإِخْوَةِ بِهَذَا السُّدُسِ وَكَانَ أَيْضًا أَحَقَّ مِنْهُمْ بِالثُّلُثِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي الثُّلُثِ غَيْرُهُمْ أَوْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ يَحْجُبُهُمْ عَنْ الثُّلُثِ لِمَعْنًى آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ أَحَقُّ بِالثُّلُثِ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ أَنَّ الْإِخْوَةَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَالْأَبُ يَحْجُبُهُمْ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ يَرِثُونَ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَيَحْجُبُونَهُمْ عَنْهُ وَالْأَبُ يَحْجُبُهُمْ فَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ فَلِذَلِكَ كَانَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ الَّذِينَ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ عَنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ مَعَ الْإِخْوَةِ الَّذِينَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَبُ يَحْجُبُهُمْ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ كَانَتْ فَرِيضَةٌ فِيهَا أُمٌّ وَزَوْجٌ وَجَدٌّ وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْجَدُّ وَالْجَدُّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنْهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ. [مَا جَاءَ فِي الْعَمَّةِ] (ش) : قَوْلُهُ لِيَرْفَا بِأَثَرِ الصَّلَاةِ هَلُمَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِيَسْأَلَ عَنْهَا

مِيرَاثُ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَاَلَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فِي وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنُو ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ شَيْءٍ سُئِلْت عَنْهُ مِنْ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى نَحْوِ هَذَا أَنْسَبُ لِلْمُتَوَفَّى وَمَنْ يُنَازَعُ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ فَإِنْ وَجَدْت أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى أَبٍ دُونَهُ فَاجْعَلْ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إلَى الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ مَنْ يَلْقَاهُ إلَى فَوْقَ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَقَطْ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ وَأُمٍّ وَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِينَ وَيُنْسَبُونَ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ إلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى جَمِيعًا وَكَانُوا كُلُّهُمْ جَمِيعًا بَنِي أَبٍ، أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ فَاجْعَلْ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ الْمُتَوَفَّى لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَكَانَ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إنَّمَا هُوَ أَخُو أَبِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي أَخِي الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَسْتَخْبِرَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَصَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِحُضُورِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ الصَّلَاةَ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَبَيَّنَ حِينَئِذٍ إلَيْهِ مِنْ حُكْمِهَا مَا خَفِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِيمَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ أَوْ التَّوْرِ وَقَوْلُهُ لَوْ رَضِيَك اللَّهُ أَقَرَّك يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إسْقَاطَ الْعَمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ رَضِيَ الْوِرَاثَةَ لَأَقَرَّهَا بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ وَالْمُشَاوَرَةِ بِأَنْ يُقَوِّيَ فِي نَفْسِ عُمَرَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وُجُوبَ الْمِيرَاثِ لَهَا وَيُرِيَهُمْ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يُرِهِمْ ذَلِكَ مَعَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ إجْهَادِ الرَّأْيِ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ لَهَا فِي الْمِيرَاثِ حَقًّا، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ الرُّقْعَةَ الَّتِي مَحَاهَا سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا إثْبَاتُ الْمِيرَاثِ لِلْعَمَّةِ أَوْ نَفْيُهُ عَنْهَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ تِلْكَ الْبِطَاقَةِ لَمَّا لَمْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يُرِهِمْ صَوَابَهَا إلَّا أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ مَنْعُ الْعَمَّةِ الْمِيرَاثَ وَسَيَأْتِي فِي مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ فَالْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ مَنْعُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ تَوْرِيثُهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَذَوُو الْمَحَارِمِ هُمْ بَنُو الْبِنْتِ وَبَنُو الْأُخْتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنَاتُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَبَنُو الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبَنَاتُ الْعَمِّ وَالْخَالُ وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ وَأَوْلَادُهُ وَالْجَدَّةُ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ بِنْتَ الْبِنْتِ شَخْصٌ لَا تَرِثُ مَعَ الْأَخِ الْمُسَاوِي لَهَا فِي الْقَرَابَةِ تُوجِبُ أَنْ لَا تَرِثَ إذَا انْفَرَدَتْ أَصْلُ ذَلِكَ بِنْتُ الْعَمَّةِ وَلَا يَلْزَمَنَّهَا عَلَى هَذَا الْأَخُ مِنْ الْأَبِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْقَرَابَةِ.

[ميراث ولاية العصبة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مِيرَاثُ وِلَايَةِ الْعَصَبَةِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ يُدْلَى بِهَا إلَى الْمِيرَاثِ إذَا انْفَرَدَتْ كَمَا يُدْلَى بِالْأَبِ إذَا انْفَرَدَ فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ أَقْوَى مِنْ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ فِي الْعُمُومَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَمُّ لِلْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأُمُّ سَبَبًا فِي الْمِيرَاثِ بِالْجُمْلَةِ قَوِيَتْ جَنْبَةُ مَنْ وُجِدَتْ فِي جِهَتِهِ كَمَا أَنَّ الْأُمَّ بِانْفِرَادِهَا لَا تَكُونُ سَبَبًا إلَى مِيرَاثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ يَقْوَى جَنْبَةُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ وَهَذَا مَعَ التَّسَاوِي فِي الدَّرَجَةِ مِنْ الْمَيِّتِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ إخْوَةً، أَوْ أَعْمَامًا فِي دَرَجَةٍ، أَوْ بَنِي عَمٍّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَرَجَاتُهُمْ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اخْتِلَافُهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ الثَّانِي اخْتِلَافُهَا مَعَ اتِّفَاقِ الْأَسْبَابِ فَأَمَّا اخْتِلَافُ الدَّرَجَاتِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ فَكَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَعْمَامِ وَبَنِي الْأَعْمَامِ فَالْإِخْوَةُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْأَبِ وَالْأَعْمَامُ يُدْلُونَ بِالْجَدِّ، وَكَذَلِكَ بَنُو الْأَعْمَامِ يُدْلُونَ بِالْجَدِّ فَكَانَ الْإِخْوَةُ أَوْلَى إخْوَةً كَانُوا لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْأَبِ وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ وَإِنْ كَانُوا أَعْمَامًا كُلَّهُمْ، أَوْ بَنِي عَمٍّ كُلِّهِمْ وَاخْتَلَفَتْ دَرَجَاتُهُمْ فَكَالْأَعْمَامِ إخْوَةُ الْأَبِ مَعَ الْأَعْمَامِ إخْوَةُ الْجَدِّ فَإِنَّ الْأَعْمَامَ إخْوَةَ الْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ يَلْقَى الْمَيِّتَ إلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ غَيْرُهُ إلَى أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ الْمِيرَاثُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَامَ يُدْلُونَ بِالْجَدِّ أَبِي الْأَبِ وَالْأَعْمَامَ إخْوَةَ الْجَدِّ يُدْلُونَ بِالْجَدِّ أَبِي أَبِي الْأَبِ، وَكُلُّ مَنْ أَدْلَى بِالْأَقْرَبِ فَلَهُ الْمِيرَاثُ دُونَ مَنْ أَدْلَى بِأَبٍ أَبْعَدَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَرَكَ خَالًا هُوَ ابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ وَأَخًا لِأُمٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ فَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَالِ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا ابْنَا عَمٍّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْخَالَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْأَخَ لِلْأُمِّ يَرِثُ بِالْفَرْضِ السُّدُسَ وَإِذَا اجْتَمَعَ لِأَحَدِ الْوَارِثِينَ سَبَبَانِ وَانْفَرَدَ الْآخَرُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ السَّبَبَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَابْنَيْ الْعَمِّ؛ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْآخَرُ ابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ أَنْ يَحْجُبَ ذُو السَّبَبَيْنِ ذَا السَّبَبِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَخُو الْأُمِّ هُوَ ابْنُ عَمٍّ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ بِأَخٍ لِأُمٍّ فَإِنَّ تَأْثِيرَ السَّبَبَيْنِ أَنْ يَرِثَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَرِثُ بِسَبَبِ الْفَرْضِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُسَاوِيهِ فِي بَقِيَّةِ الْمِيرَاثِ بِالتَّعْصِيبِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ لَوَرِثَا بِالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرِثُ الْأَخُ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمٍّ بِالتَّعْصِيبِ بَقِيَّةَ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا تَحَقَّقَ الْوَارِثُ بِالذُّكُورَةِ، أَوْ الْأُنُوثَةِ فَإِنْ كَانَ خُنْثَى فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مَبَالِهِ فَإِنْ بَالَ مِنْ ذَكَرِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذُّكُورِ فِي مِيرَاثِهِ وَصَلَاتِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَإِنْ بَالَ مِنْ فَرْجِهِ فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَهُوَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ الْفَرَضِيُّ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ الْبَوْلُ أَوَّلًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ فَهَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ مِيرَاثِ رَجُلٍ وَنِصْفَ مِيرَاثِ امْرَأَةٍ فَإِنْ انْفَرَدَ وَحْدَهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ قَالَ ابْنُ غَالِبٍ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْحِسَابِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ مَنْ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنًا خُنْثَى وَابْنًا صَحِيحًا فَإِنَّ فَرِيضَتَهُمَا مِنْ سَبْعَةٍ لِلصَّحِيحِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فَرِيضَتُهُمْ مِنْ خَمْسَةٍ لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فَرِيضَتُهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلصَّحِيحِ خَمْسَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَلَطٌ فِي الْحِسَابِ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَعْمَلَ فَرِيضَتَيْنِ: فَرِيضَةٌ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ وَفَرِيضَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَفَرِيضَتُهُمَا عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ أَنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَفَرِيضَتُهُمَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أُنْثَى مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلذَّكَرِ اثْنَانِ وَلِلْأُنْثَى وَاحِدٌ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي اثْنَيْنِ فَذَلِكَ سِتَّةٌ، ثُمَّ أَضْعِفْ السِّتَّةَ فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ وَإِنَّمَا أَضْعَفْنَا السِّتَّةَ لِيَكُونَ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّضْعِيفِ وَالتَّأْنِيثِ نِصْفٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ اقْسِمْ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَنَّهُمَا ذَكَرَانِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةٌ، ثُمَّ اقْسِمْهَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أُنْثَى فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُنْثَى أَرْبَعَةٌ وَهِيَ أَسْوَأُ حَالَتَيْهِمَا وَيَصِيرُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالْمِيرَاثِ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمَا فِي أَفْضَلِ حَالَتَيْهِمَا فَيُعْطَى شَطْرَ مَا بَيْنَ حَالَتَيْهِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَيُعْطَى أَخُوهُ مَا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِحَالِ ذُكُورَةِ أَخِيهِ سِتَّةً وَبِحَالِ أُنُوثَتِهِ ثَمَانِيَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ يُحْجَبُ بِهِ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا ضَاقَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ وَلِذَلِكَ يَرِثُ مَعَ الِابْنِ السُّدُسَ وَلَا يَرِثُ الْأَخُ مَعَ الِابْنِ شَيْئًا لَكِنَّهُ إذَا فَضَلَ الْمَالُ عَنْ فَرْضِ الْجَدِّ وَرِثَ مَعَهُ الْأَخُ بِالتَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعْصِيبًا وَالْأَخُ يَعْصِبُ أُخْتَهُ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الِابْنِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْجُبْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَنْ التَّعْصِيبِ، وَأَمَّا ابْنُ الْأَخِ فَلَا يَعْصِبُ أُخْتَهُ وَلِذَلِكَ حَجَبَهُ الْجَدُّ لِقُوَّةِ أَسْبَابِهِ الَّتِي يَرِثُ بِهَا وَهَذَا حُكْمُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، فَأَمَّا أَبُو أَبِي الْأَبِ فَإِنَّهُ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِي الْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّهُ جَدٌّ كَالْأَدْنَى وَأَمَّا الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ فَإِنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ كَمَا يَحْجُبُ الْأَبُ الْجَدَّ فَكُلُّ أَبٍ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهُ كَمَا أَنَّ كُلَّ ابْنٍ يَحْجُبُ مَنْ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْقُرْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَّ إنَّمَا يُدْلِي بِالْجَدِّ فَكَانَ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ لَمَّا أَدْلَى بِهِ لَمْ يَرِثْ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَرِثُ مَعَ عَدَمِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعْصِيبَ الْعَمِّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْصِبُ أُخْتَهُ فَكَانَ كَابْنِ الْأَخِ لَا يَرِثُ مَعَ الْجَدِّ لِضَعْفِ تَعْصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْصِبُ أُخْتَهُ وَإِنَّمَا يَرِثُ مَعَ الْجَدِّ بِالتَّعْصِيبِ مَنْ قَوِيَ تَعْصِيبُهُ حَتَّى يَعْصِبَ أُخْتَهُ كَالْأَخِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ إلَّا بِمَحْضِ التَّعْصِيبِ، وَلَيْسَ فِيهِ فُرُوضٌ وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ أَمَحْضُ تَعْصِيبًا مِنْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ إلَّا بِالتَّعْصِيبِ فَكَانَ سَبَبُهُمْ أَقْوَى فِي الْوَلَاءِ وَلَا يَقْوَى تَعْصِيبُ الْجَدِّ بِالْفَرْضِ فِي الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْفُرُوضِ فِيهِ وَأَمَّا الْأَبُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِالْوَلَاءِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَإِنْ كَانَ يَرِثُ تَارَةً بِالْفَرْضِ وَتَارَةً بِالتَّعْصِيبِ وَتَارَةً بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ يُدْلُونَ بِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَدُّ فَإِنَّهُمْ لَا يُدْلُونَ بِهِ وَحُكْمُ الْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ كَحُكْمِ الْأَعْمَامِ مَعَ الْجَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذِكْرِ مَنْ يَرِثُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَلْيَذْكُرْ الْعَمَلَ فِي مَوَارِيثِهِمْ لِيَتِمَّ بِهِ بَيَانُ أَحْكَامِهِمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى الْإِيجَازِ أَنَّ الْفُرُوضَ سِتَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَيَخْرُجُ حِسَابُهَا مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ وَالثَّمَانِيَةِ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةِ وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ ابْتِدَاءُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ تُضَاعَفُ إلَى أَرْبَعَةٍ، ثُمَّ تُضَاعَفُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ نِصْفًا وَمَا بَقِيَ أَوْ نِصْفًا وَنِصْفًا فَهِيَ مِنْ اثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رُبُعًا وَمَا بَقِيَ، أَوْ رُبُعًا وَنِصْفًا وَمَا بَقِيَ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ ثُمُنًا وَمَا بَقِيَ أَوْ ثُمُنًا وَنِصْفًا وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَهَذِهِ الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ لَا يَدْخُلُهَا عَوْلٌ لِاخْتِصَاصِ سِهَامِهَا بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ. وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَوَّلُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ يُضَاعَفُ إلَى سِتَّةٍ، ثُمَّ يُضَافُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ يُضَاعَفُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ، أَوْ ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا لَا تَعُولُ لِاخْتِصَاصِهَا بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نِصْفٌ مَعَ ثُلُثٍ أَوْ سُدُسٍ فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا رُبُعٌ مَعَ ثُلُثٍ أَوْ سُدُسٍ فَهِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثُمُنٌ مَعَ ثُلُثٍ أَوْ سُدُسٍ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ تَعُولُ لِاجْتِمَاعِ الْأَصْلَيْنِ فِيهَا فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ فَهِيَ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعَشَرَةٍ فَإِذَا عَالَتْ إلَى عَشَرَةٍ سُمِّيَتْ ذَاتُ الْفُرُوخِ وَهِيَ أَكْثَرُ الْمَسَائِلِ عَوْلًا؛ لِأَنَّهَا عَالَتْ بِقِسْمَيْهَا وَإِذَا عَالَتْ إلَى تِسْعَةٍ فَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهَا الْغَرَّاءُ وَهِيَ الْأَكْدَرِيَّةُ وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ

[فصل في تصحيح المسائل]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عَالَتْ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ عَالَتْ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ الْمِنْبَرِيَّةُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَإِذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَإِذَا تَرَكَتْ زَوْجًا وَجَدًّا وَأُمًّا وَأُخْتًا فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَإِذَا تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَسِتَّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ الثُّلُثَانِ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ بِاثْنَيْنِ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ بِسِتَّةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ بِسَهْمَيْنِ تَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَلَوْ خَلَّفَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ وَابْنَةً وَابْنَةَ ابْنٍ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ بِسِتَّةِ أَسْهُمٍ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ بِاثْنَيْنِ تَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ خَلَّفَ رَجُلٌ زَوْجَةً وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ بِثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ بِثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ وَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ. [فَصْلٌ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ] (فَصْلٌ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ) وَتَصْحِيحُهَا أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ مِنْ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا فَمَا خَرَجَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ وَذَلِكَ مِثْلُ زَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَخَوَيْنِ النِّصْفُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَتَضْرِبُ عَدَدَهُمَا وَهُمَا اثْنَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ اثْنَانِ يَكُونُ أَرْبَعَةٌ مِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْأَخَوَيْنِ النِّصْفُ بِسَهْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ، وَلَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأَخًا وَأُخْتًا فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ سَهْمٌ وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ النِّصْفُ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَيُعَدُّ الْأَخُ بِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَ مَا لِأُخْتِهِ فَتَضْرِبُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ سِتَّةٌ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَتَبْقَى ثَلَاثَةٌ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْوَرَثَةِ مُوَافِقًا لِسِهَامِهِمْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَدِهِمْ نِصْفٌ وَلِسِهَامِهِمْ نِصْفٌ، أَوْ ثُلُثٌ وَثُلُثٌ، أَوْ رُبُعٌ وَرُبُعٌ، أَوْ مَا كَانَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَيُرَدُّ عَدَدُهُمْ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَضْرِبُ الرَّاجِعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَذَلِكَ مِثْلُ امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجًا هُوَ ابْنُ عَمِّهَا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ ابْنَةً أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلِلزَّوْجِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ الثُّلُثُ وَيَبْقَى الثُّلُثَانِ وَهُمَا سَهْمَانِ لِلْبَنَاتِ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ لَكِنْ تُوَافِقُهُنَّ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ عَدَدِهِنَّ وَهُوَ سَبْعَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ يَكُونُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ لِلزَّوْجِ سَبْعَةٌ وَلِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سَهْمًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَعْدَادٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا تَنْقَسِمُ سِهَامُهَا فَاضْرِبْ الْأَعْدَادَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ فَمَا اجْتَمَعَ فَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ رَجُلٌ تُوُفِّيَ وَخَلَّفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَأَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ أَخًا لِأُمٍّ وَسَبْعَةً وَثَلَاثِينَ أُخْتًا لِأَبٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ بِثَلَاثَةٍ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْإِخْوَةِ الثُّلُثُ بِأَرْبَعَةِ سِهَامٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَمَا اجْتَمَعَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ. 1 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ كَانَ مَنْ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ يُوَافِقُ عَدَدَهُمْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ، أَوْ رُبُعٌ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرُ أَخَذْت وَفْقَ عَدَدِهِمْ لِسِهَامِهِمْ، ثُمَّ ضَرَبْت بَعْضَ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَوْلًا فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مِثَالُ ذَلِكَ: ثَلَاثُ نِسْوَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَخًا لِأُمٍّ وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أُخْتًا لِأَبٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةُ سِهَامٍ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِأَرْبَعَةِ سِهَامٍ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ بِثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَيُوَافِقُهُمْ بِالنِّصْفِ فَيَرْجِعُونَ إلَى تِسْعَةٍ وَلِلْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ بِثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَتُوَافِقُهُنَّ بِالْأَثْمَانِ فَيَرْجِعْنَ إلَى ثُمُنِهِنَّ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ، ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ وَسَبْعُونَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ ضُرِبَ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَتْ الْأَعْدَادُ بِمُوَافَقَتِهَا إيَّاهَا لِسِهَامِهَا يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَأَوْقِفْ وَفْقَ أَحَدِ الْأَعْدَادِ وَارْدُدْ الْأَعْدَادَ الْأُخَرَ إلَى مُوَافَقَتِهَا لِلْعَدَدِ الْمَوْقُوفِ فَمَا رَجَعَ ضَرَبْت بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِ الْمَوْقُوفِ وَمَا اجْتَمَعَ فِي الْأَصْلِ وَعَوْلِهَا مِثَالُ ذَلِكَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَخًا لِأُمٍّ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ أُخْتًا لِأَبٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ بِثَلَاثَةٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُوَافِقُهُنَّ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَتُوَافِقُهُمْ بِالرُّبُعِ فَيُرَدُّونَ إلَى رُبُعِهِمْ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَتَوَافُقُهُنَّ بِالثُّمُنِ فَيُرَدُّونَ إلَى ثُمُنِهِنَّ، وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَتَبْقَى مَعَنَا أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَتِسْعَةٌ فَتُوقَفُ السِّتَّةُ وَتَجِدُ الْأَرْبَعَةَ تُوَافِقُ السِّتَّةَ بِالنِّصْفِ وَالتِّسْعَةَ تُوَافِقُهَا بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ الْأَرْبَعَةِ فِي نِصْفِ السِّتَّةِ تَكُنْ سِتَّةٌ، ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِي السِّتَّةِ الْمَوْقُوفَةِ تَكُنْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَضْرِبُهَا فِيمَا عَالَتْ إلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُنْ خَمْسَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ضُرِبَ لَهُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِلنِّسْوَةِ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تَكُونُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْإِخْوَةِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْأَخَوَاتِ مِائَتَانِ وَثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَعْدَادِ بَعْدَ رَدِّكَ إيَّاهَا بِمُوَافَقَتِهَا لِسِهَامِهَا مُتَسَاوِيَةٌ أَجْزَأَ أَحَدُهَا عَنْ سَائِرِهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُ عَدَدِ الْأَجْزَاءِ مُنْتَسِبًا إلَى جُزْءٍ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفَهُ، أَوْ ثُلُثَهُ، أَوْ رُبُعَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ يُجْزِئُ عَنْ الْأَقَلِّ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَنْقَسِمَ الْأَكْثَرُ عَلَى الْأَقَلِّ قِسْمَةً صَحِيحَةً، أَوْ يَنْقُصُ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ فَيُفْنِيهِ، أَوْ يَزِيدُ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلَهُ حَتَّى يُسَاوِيَ الْآخَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْهُ وَلَا دَاخِلًا فِيهِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ خَمْسَةٌ وَالْآخَرُ عِشْرِينَ فَالْخَمْسَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّكَ إنْ نَسَبْتهَا مِنْهَا فَهِيَ رُبُعُهَا وَإِنْ زِدْت عَلَى الْخَمْسَةِ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهَا سَاوَتْهَا وَإِنْ نَقَصْت الْخَمْسَةَ مِنْ الْعِشْرِينَ أَفْنَتْهَا وَلَوْ كَانَتْ سِتَّةً مَعَ عِشْرِينَ لَمْ تَدْخُلْ فِيهَا؛ لِأَنَّك إنْ نَقَصْت مِنْ الْعِشْرِينَ سِتَّةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُوَافِقْ بَلْ يَبْقَى مِنْهَا اثْنَانِ وَلَا تُنْسَبُ مِنْهَا بِرُبُعٍ وَلَا خُمُسٍ وَإِنَّمَا هِيَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارٍ مِثَالُ ذَلِكَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ أَخًا لِأُمٍّ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ أُخْتًا لِأَبٍ لِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةُ سِهَامٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُهُنَّ وَلِلْإِخْوَةِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةُ سِهَامٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُهُنَّ بِالْأَثْمَانِ فَيَرْجِعْنَ إلَى ثُمُنِهِنَّ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَصَارَ عَدَدُ الزَّوْجَاتِ وَمَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الْإِخْوَةِ أَرْبَعَةٌ أَرْبَعَةٌ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، ثُمَّ تَجِدُ الْأَرْبَعَةَ تَدْخُلُ فِي الثَّمَانِيَةِ فَتُجْزِئُ عَنْهَا فَتَضْرِبُ الثَّمَانِيَةَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا فَذَلِكَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مَنْ لَهُ شَيْءٌ ضُرِبَ لَهُ فِي ثَمَانِيَةٍ فَلِلزَّوْجَاتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ سِهَامٍ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ. 1 -

[فصل في معرفة الموافقة بالأجزاء]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَلَا يَخْلُو التَّصْحِيحُ مِنْ سَبْعِ عِلَلٍ ثَلَاثَةٌ فِي السِّهَامِ وَأَرْبَعَةٌ فِي الْأَعْدَادِ فَاَلَّتِي فِي السِّهَامِ أَنْ تَكُونَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مُنْقَسِمَةً عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ضَرْبٍ، أَوْ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَلَا تُوَافِقُهُمْ فَتَضْرِبُ عَدَدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً، وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا تَنْقَسِمَ وَتُوَافِقُهُمْ فَتَضْرِبُ وَفْقَ عَدَدِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، وَأَمَّا فِي الْأَعْدَادِ فَأَنْ تَكُونَ الْأَعْدَادُ مُتَسَاوِيَةً فَيُجْزِئُ أَحَدُهَا عَنْ بَاقِيهَا، أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ دَاخِلًا فِي الْآخَرِ وَجُزْءًا مِنْهُ فَيُجْزِئُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْأَقَلِّ، أَوْ تَكُونُ الْأَعْدَادُ مُخْتَلِفَةً لَا يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَضْرِبُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ تَكُونُ الْأَعْدَادُ مُخْتَلِفَةً وَيُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّك تُوقِفُ أَحَدَ الْأَعْدَادِ، ثُمَّ تَرُدُّ الْأَعْدَادَ الْأُخَرَ إلَى الْجُزْءِ الْمُوَافِقِ لَهَا، ثُمَّ تَضْرِبُ الرَّاجِعَ بِالْمُوَافَقَةِ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ، ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِ الْمَوْقُوفِ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَصْرِيِّينَ فِي التَّصْحِيحِ وَلِلْكُوفِيِّينَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى سَنَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ أَقْرَبَ تَنَاوُلًا عِنْدَ بَعْضِ مَنْ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ. [فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْمُوَافَقَةِ بِالْأَجْزَاءِ] (فَصْلٌ) : فِي مَعْرِفَةِ الْمُوَافَقَةِ بِالْأَجْزَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّك تُنْقِصُ أَقَلَّ الْعَدَدَيْنِ مِنْ أَكْثَرِهِمَا فَإِنْ فَنِيَ بِهِ فَإِنَّهُ يُوَافَقُ بِبَاقِي أَقَلِّ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْآحَادِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَقَلُّ مِنْ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ فَإِنْ فَنِيَ تَوَافَقَا بِأَخْذِ الْعَدَدِ الَّذِي يَفْنَى بِهِ وَهَكَذَا أَبَدًا لَا تَزَالُ تُنْقِصُ مَا بَقِيَ مِنْ كُلِّ عَدَدٍ مِمَّا يَبْقَى مِنْ الْآخَرِ حَتَّى يَفْنَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَإِنْ فَنِيَ بِوَاحِدٍ فَلَيْسَتْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فَإِنْ فَنِيَ بِاثْنَيْنِ فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ وَإِنْ فَنِيَ بِثَلَاثَةٍ فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِالثُّلُثِ فَإِنْ فَنِيَ بِأَرْبَعَةٍ فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِرُبُعٍ فَإِنْ فَنِيَ بِأَحَدَ عَشَرَ فَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِأَجْزَاءِ أَحَدَ عَشَرَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْدَادِ وَمِثَالُ ذَلِكَ إذَا قِيلَ بِمَا تُوَافِقُ ثَمَانِيَةٌ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَتُنْقَصُ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فَإِنَّهَا تَفْنَى فَيَعْلَمُ أَنَّهَا تُوَافِقُهَا بِالْأَثْمَانِ وَإِذَا قِيلَ لَك بِمَا يُوَافِقُ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ فَأَنْقِصْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ مَرَّتَيْنِ مِنْ التِّسْعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ يَبْقَى سَبْعَةٌ فَأَنْقِصْ السَّبْعَةَ مِنْ الْأَحَدِ وَالْعِشْرِينَ تُفْنِيهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ بِالْأَسْبَاعِ فَإِنْ قِيلَ بِمَا تُوَافِقُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ فَأَنْقِصْ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَبْقَى خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَنْقِصْهَا مِنْ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ مَرَّتَيْنِ تَبْقَى ثَلَاثُونَ، ثُمَّ أَنْقِصْ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مَرَّةً تَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَنْقِصْهَا مِنْ الثَّلَاثِينَ مَرَّتَيْنِ تُفْنِيهَا فَتَعْلَمُ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ بِأَجْزَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [فَصْلٌ فِي الْوَصَايَا] 1 (فَصْلٌ فِي الْوَصَايَا) إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِثُلُثِهِ فَأَرَدْتَ قِسْمَةَ تَرِكَتِهِ فَإِنَّك تَنْظُرُ إلَى الَّتِي تَنْقَسِمُ عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالرُّبُعِ زِدْتَ عَلَيْهِ مِثْلَ ثُلُثِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالْخُمُسِ زِدْت عَلَيْهِ مِثْلَ رُبُعِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالسُّدُسِ زِدْت عَلَيْهِ مِثْلَ خُمُسِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالسُّبُعِ زِدْت عَلَيْهِ مِثْلَ سُدُسِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالثُّمُنِ زِدْت عَلَيْهِ مِثْلَ سُبُعِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالتُّسْعِ زِدْت عَلَيْهِ مِثْلَ ثُمُنِهِ وَإِنْ أَوْصَى بِالْعُشْرِ زِدْت عَلَيْهِ مِثْلَ تُسْعِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِسَهْمٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ الثُّلُثَانِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِنْ أَوْصَيْت بِالثُّلُثِ زِدْت عَلَى الثَّمَانِيَةِ نِصْفَهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْت ضَرَبْت الْفَرِيضَةَ فِي عَدَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ جُزْءُ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ بِالثُّلُثِ ضَرَبْتهَا فِي ثَلَاثٍ وَإِنْ كَانَتْ بِالرُّبُعِ ضَرَبْتهَا فِي أَرْبَعَةٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْفَرِيضَةِ لَهُ يُزَادُ عَلَيْهِ أَجْزَاءُ الْوَصَايَا فَاضْرِبْ أَجْزَاءَ الْوَصَايَا

[فصل في المناسخات]

(مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ ابْنَ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّ أَبَا الْأُمِّ وَالْعَمَّ أَخَا الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ وَالْجَدَّةَ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ وَابْنَةَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا يَرِثُونَ بِأَرْحَامِهِمْ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّهُ لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ هِيَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنْ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ بِرَحِمِهَا شَيْئًا وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ شَيْئًا إلَّا حَيْثُ سُمِّينَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا وَمِيرَاثَ الْبَنَاتِ مِنْ أَبِيهِنَّ وَمِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضَهَا فِي بَعْضٍ فَمَا اجْتَمَعَ ضَرَبْتَهُ فِي أَصْلِ الْفَرِيضَةِ فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثٍ وَرُبُعٍ فَمِثَالُ ذَلِكَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِأَرْبَعَةٍ فَإِنْ أَوْصَتْ بِالثُّلُثِ لَمْ يُمْكِنْك أَنْ تَزِيدَ عَلَى السَّبْعَةِ مِثْلَ نِصْفِهَا بِجُزْءٍ صَحِيحٍ فَتَضْرِبُ الْفَرِيضَةَ بِعَوْلِهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَتَكُونُ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثٍ وَرُبُعٍ لَضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي أَرْبَعَةٍ، ثُمَّ تَضْرِبُ مَا اجْتَمَعَ فِي الْفَرِيضَةِ فَمَا اجْتَمَعَ فَمِنْهُ تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ مَعَ الْوَصِيَّتَيْنِ. [فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَاتِ] (فَصْلٌ) : فِي الْمُنَاسَخَاتِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ مَيِّتٌ فَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ حَتَّى يَمُوتَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ. فَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ تُصَحِّحَ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تُصَحِّحُ مَسْأَلَةَ الثَّانِي، ثُمَّ تُقْسِمُ سِهَامَ الْمَيِّتِ الثَّانِي الَّتِي وَرِثَهَا مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عَلَى سِهَامِ مَسْأَلَتِهِ فَإِنْ انْقَسَمَتْ فَقَدْ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تُخَلِّفَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَأُخْتَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ تَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ فَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ فَخَلَّفَتْ بِنْتَهَا وَأُخْتَهَا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَهَا مِنْ الْأُولَى سَهْمَانِ تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهِمَا فَقَدْ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ سَبْعَةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَسَهْمٌ مِنْ الثَّانِيَةِ وَلِبِنْتِ الْمَيِّتَةِ سَهْمٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ السِّهَامُ الَّتِي وَرِثَهَا الْمَيِّتُ الثَّانِي عَلَى سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ تُوَافِقْهَا فَاضْرِبْ مَسْأَلَتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تُخَلِّفَ ابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَابْنًا وَبِنْتًا مَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَقَدْ مَاتَتْ عَنْ سَهْمٍ لَا يَنْقَسِمُ وَلَا يُوَافِقُهَا فَاضْرِبْ مَسْأَلَتَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَضْرُوبٌ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي السَّهْمِ الَّذِي مَاتَتْ عَنْهُ الثَّانِيَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ السِّهَامُ الَّتِي وَرَّثَهَا الْمَيِّتُ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَتِهِ وَوَافَقَهَا فَاضْرِبْ وَفْقَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تُخَلِّفَ ابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَخَلَّفَ امْرَأَةً وَبِنْتًا وَثَلَاثَةَ بَنِي ابْنٍ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ وَقَدْ مَاتَ عَنْ سَهْمَيْنِ تُوَافِقُ مَسْأَلَتُهُ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ نِصْفَ مَسْأَلَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ. [فَصْلٌ فِي قَسْمِ التَّرِكَاتِ] 1 (فَصْلٌ) : فِي قَسْمِ التَّرِكَاتِ إذَا أَرَدْتَ قِسْمَةَ التَّرِكَاتِ وَكَانَتْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، أَوْ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَيُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ فَصَحِّحْ الْفَرِيضَةَ عَلَى الْوَرَثَةِ، ثُمَّ اضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي عَدَدِ التَّرِكَةِ فَمَا اجْتَمَعَ قَسَمْته عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ وَإِنْ شِئْت قَسَمْت التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ ضَرَبْتُهُ فِي سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ فَإِنْ وَافَقَ عَدَدُ التَّرِكَةِ سِهَامَ الْمَسْأَلَةِ فَخُذْ وَفْقَهَا جَمِيعًا، ثُمَّ اعْمَلْ فِي وَفْقِهَا مَا كُنْت عَامِلًا فِيهَا، إمَّا أَنْ تَضْرِبَ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ فَمَا اجْتَمَعَ قَسَمْتَهُ عَلَى وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ أَوْ تَقْسِمَ وَفْقَ التَّرِكَةِ عَلَى وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ ضَرَبْتَهُ.

[من لا ميراث له]

لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَمِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ وَوَرِثَتْ الْجَدَّةُ بِاَلَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مَنْ أَعْتَقَتْ هِيَ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] . (مِيرَاثُ أَهْلِ الْمِلَلِ) (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ] (ش) : وَعَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُوَرِّثُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ الرِّجَالِ وَهُوَ ابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالْخَالُ فَإِنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ فَرْضٍ فَيَحْجُبُونَ الْعَصَبَةَ وَلَا أَهْلَ تَعْصِيبٍ وَمِنْ النِّسَاءِ الْجَدَّةُ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ وَابْنَةُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَرِثُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِمِيرَاثِهِ وَهِيَ سَبْعَةٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مِيرَاثِ جَمِيعِهِنَّ وَالْجَدَّةُ ثَبَتَ تَوْرِيثُهَا بِالسُّنَّةِ وَهَذَا مِيرَاثُ النَّسَبِ وَأَمَّا مِيرَاثُ الْوَلَاءِ فَتَرِثُ الْمَرْأَةُ مَنْ أَعْتَقَتْ، أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقَتْ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يَثْبُتَ الْمِيرَاثُ بِالْوَلَاءِ وَأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ يَقَعُ تَحْتَهُ الْمُؤَنَّثُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَحِينَئِذٍ تَتَنَاوَلُ الْآيَةُ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ لِمَنْ كَانَ مَوْلًى لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مِيرَاثُ أَهْلِ الْمِلَلِ] (ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ يَعْنِي مِيرَاثَ الْمُسْلِمِ مَا لَا يُخَلِّفُهُ كَافِرٌ مِمَّنْ كَانَ يَرِثُهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ أَبٍ، أَوْ ابْنٍ، أَوْ أَخٍ أَوْ غَيْرِهِمْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ تَعَلُّقًا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْتَهَى إلَى قَوْلِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِمَا أَهْلَ مِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَإِذَا كَانَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ فَبِأَنْ لَا يَرِثَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أَوْلَى. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ وَمَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ فِيمَنْ صَرَّحَ بِالْكُفْرِ وَأَعْلَنَ بِهِ فَلَوْ ارْتَدَّ رَجُلٌ فَوَقَفَ لِلْقَتْلِ وَلَهُ ابْنَانِ وَأَبٌ فَمَاتَ أَحَدُ ابْنَيْهِ وَرِثَهُ أَخُوهُ وَجَدُّهُ بِنِصْفَيْنِ وَلَا مِيرَاثَ لِأَبِيهِ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْمَوْتِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ وَهَذَا فِي حَالِ مَوْتِ ابْنِهِ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الزِّنْدِيقُ وَهُوَ الَّذِي يُظْهَرُ مِنْهُ عَلَى كُفْرٍ يُسِرُّهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِيمَانُ إذَا أَسَرَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ وَيُرَاجِعَ الْإِيمَانَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّانِي مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ - فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ} [غافر: 84 - 85] وَقَالُوا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إنَّ الْبَأْسَ فِي الْآيَةِ السَّيْفُ فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَهَلْ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَرِثُهُ فَمُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ يُقْتَلُ بِالْكُفْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ قَالَ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنْ الشِّعْبِ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ يُرِيدُ أَنَّهُمَا انْفَرَدَا بِمِيرَاثِهِ دُونَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا وَجَعْفَرًا تَقَدَّمَ إسْلَامُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ وَبَقِيَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ: مَنْ يَرِثُهَا؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا، ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ بْنُ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَتَرَانِي نَسِيت مَا قَالَ لَك عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالِبٌ وَعَقِيلٌ عَلَى مِلَّتِهِمَا فَانْفَرَدَا بِمِيرَاثِهِ وَإِنَّمَا أَسْلَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ عَامَ الْفَتْحِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ وَلَا لِجَعْفَرٍ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ عَقِبِهِمَا حَظٌّ فِي الشِّعْبِ الَّذِي كَانَ لِأَبِي طَالِبٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى فِي التَّوَارُثِ اتِّفَاقُ الدِّينَيْنِ حَالَ الْوَفَاةِ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مَرِيضٌ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَجَرَى حَالُهُ فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ مَجْرَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا تُوُفِّيَ وَتَرَكَ حَمْلًا فَوُلِدَ لَهُ لَكَانَ عَلَى دِينِ أَبِيهِ وَوَرِثَهُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ لِابْنِ الْأَشْعَثِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَّتِهِ الْيَهُودِيَّةِ مَنْ يَرِثُهَا فَقَالَ لَهُ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّوَارُثُ بِالدِّينِ الْوَاحِدِ دُونَ الدِّينَيْنِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُسْلِمٍ دُونَ خِلَافٍ فِيهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا فَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ نَصْرَانِيٍّ تَحْتَهُ يَهُودِيَّةٌ فَتُوُفِّيَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِذَلِكَ إلَيْنَا فَإِنْ تَحَاكَمُوا عِنْدَنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ؛ لِأَنَّنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ يَتَزَوَّجُ أُمَّهُ، أَوْ ابْنَتَهُ، أَوْ أُخْتَهُ، ثُمَّ أَسْلَمُوا فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَتَوَارَثُونَ بِالْمِيرَاثِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَا يُغَيِّرُهُ الْإِسْلَامُ وَلَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، ثُمَّ أَسْلَمُوا فَمَاتَ الْمَجُوسِيُّ فَإِنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِالْإِسْلَامِ وَثَبَتَتْ الْأُمُومَةُ وَابْنُهُ هُوَ ابْنُهُ وَأَخُوهُ لِلْأُمِّ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرِثُ السُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا أُمٌّ وَتَرِثُ الِابْنَ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ وَسَقَطَ حُكْمُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَلَوْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ وَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدَانِ فَأَسْلَمُوا، ثُمَّ تُوُفِّيَ الرَّجُلُ فَإِنَّ لِابْنَتِهِ الْخُمُسَ وَتَسْقُطُ الزَّوْجِيَّةُ وَالْبَاقِي لِابْنَيْهِ فَإِنْ تُوُفِّيَ أَحَدُهُمَا فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَتَسْقُطُ الْأُخُوَّةُ وَلِأَخِيهِ الْبَاقِي وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْفَرَائِضِ: لَهَا السُّدُسُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتٌ فَتَحْجُبُ نَفْسَهَا مَعَ الْأَخِ إلَى السُّدُسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا عُلِمَتْ الْأَدْيَانُ فَإِنْ جُهِلَتْ مِثْلُ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ أَحَدُهُمْ صَغِيرٌ وَأَحَدُ الْكَبِيرَيْنِ مُسْلِمٌ وَالثَّانِي نَصْرَانِيٌّ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَأَنَّ أَخَاهُ الصَّغِيرَ مُسْلِمٌ وَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَأَنَّ أَخَاهُ الصَّغِيرَ نَصْرَانِيٌّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا نَصْرَانِيٌّ وَالثَّانِي مُسْلِمٌ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا يُعْرَفُ لِمَنْ هُوَ يَدَّعِيهِ رَجُلَانِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ هَذَا. وَقَالَ أَبُو غَالِبِ الْفَرَضِيِّ يَتَحَالَفَانِ وَيُقْسَمُ الْمَالُ الْآنَ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمَا إنَّكُمَا اسْتَحَقَّيْتُمَا الْمَالَ بِإِيمَانِكُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا يَزْعُمُ أَنَّ الصَّغِيرَ أَخُوهُ وَشَرِيكُهُ فَلْيُعْطِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا الصَّغِيرَ شَطْرَ مَا بِيَدِهِ فَيَصِيرُ لِلصَّغِيرِ نِصْفُ مَالِ الْمُتَوَفَّى وَالنِّصْفُ الثَّانِي بَيْنَ الْكَبِيرَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِرُّ بِأَنَّ نِصْفَ الْمَالِ لِلصَّغِيرِ وَيَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ الثَّانِيَ لِنَفْسِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْنِ كَبِيرَيْنِ وَابْنَةً صَغِيرَةً لَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِقْرَارِ لَهَا بِهِ وَتَنَازَعَا فِي الثُّلُثَيْنِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُحْكَمُ فِي مَوَارِيثِهِمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِيٍّ يَمُوتُ عَلَى كُفْرِهِ، ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدُ وَرَثَتِهِ فَإِنَّهُمْ يَتَقَاسَمُونَ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ عَلَى مَوَارِيثِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ يَتَوَارَثُونَ عَلَى مَوَارِيثِ الْإِسْلَامِ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفُ الْحَالِ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ بِنَصْرَانِيَّةٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ قَالَ إسْمَاعِيلُ فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ أَبَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنْ الْأَعَاجِمِ إلَّا أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ مِيرَاثُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ وَلَا رَحِمٍ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُتَ إسْلَامُهُ بِبَيِّنَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ أَيْضًا وَلَيْسَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةٍ تَامَّةٍ فِي كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَقَالَ سَحْنُونٌ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِ مَعَ يَمِينِهِ، وَبَيِّنَةُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْأُخْرَى وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَهُوَ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ الْعِلْمُ بِإِسْلَامِهِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ أَوْلَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمَوْرُوثُ كَافِرًا وَجَمِيعُ وَرَثَتِهِ كُفَّارًا فَاحْتَكَمُوا إلَيْنَا فَإِنْ رَضُوا أَجْمَعُونَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وُرِّثُوا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ أَبَاهُ أَحَدُهُمْ رُدُّوا إلَى حَكَمٍ بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ فَإِذَا مَنَعَ الْكُفْرُ التَّوَارُثَ بِالنَّسَبِ مَنَعَ التَّوَارُثَ بِالْوَلَاءِ، وَكَذَلِكَ الصِّهْرُ فَأَمَّا الْعَبْدُ يَمُوتُ وَلَهُ مَالٌ فَإِنَّ الْمَالَ لِسَيِّدِهِ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْمِيرَاثِ، وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَلِذَلِكَ لَا يُورَثُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ أَقْوَى أَسْبَابِ التَّوَارُثِ فَكُلُّ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رَقِّ مِنْ مُعْتَقٍ إلَى أَجَلٍ، أَوْ مُكَاتَبٍ، أَوْ مُدَبَّرٍ، أَوْ أُمِّ وَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَالُهُ لِسَيِّدِهِ بِالْمِلْكِ إلَّا الْمُكَاتَبَ يَتْرُكُ وَفَاءً فَإِنَّهُ إنْ تَرَكَ وَرَثَةً أَحْرَارًا، أَوْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَوْلَادًا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ، أَوْ أَوْلَادًا وُلِدُوا لَيْسُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ وَالْأَوْلَادَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَاَلَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُونَ بِأَدَاءِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ لَمْ تَرِثْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ وَلَا أَوْلَادُهُ الْأَحْرَارُ وَوَرِثَهُ أَوْلَادُهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَاَلَّذِينَ وُلِدُوا فِيهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ أَبَى عُمَرُ أَنْ يُوَرِّثَ أَحَدًا مِنْ الْأَعَاجِمِ إلَّا أَنْ يُولَدَ فِي الْعَرَبِ وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ أَسْبَابُ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ فَأَمَّا أَنْ يُسَمَّى رَجُلَانِ يَذْكُرُ أَنَّهُمَا أَخَوَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ مِنْ الِانْتِسَابِ بِالْأُخُوَّةِ، وَلَكِنْ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ سُبِيَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ حَامِلَةٌ طِفْلًا تَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا فِي أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ حَامِلًا فَوَلَدَتْ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ تَوَارَثَا وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ تَوَارَثَا بِالْأُخُوَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ شَهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْأَسْرَى يَكُونُونَ عِنْدَهُمْ فَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَشْهَدُونَ بِهِ فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ شَهِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَعُرِفَتْ عَدَالَتُهُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ أَنْ يَشْهَدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِمِثْلِ هَذَا فَيَتَوَصَّلُونَ بِذَلِكَ إلَى قَصْرِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ أَهْلُ بَلَدٍ بِجُمْلَتِهِمْ فَبَقُوا فِي مَكَانِهِمْ أَوْ تَحَمَّلُوا بِجَمَاعَتِهِمْ فَيَشْهَدُونَ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَبْعُدُ عَنْ الْعَدَدِ الْكَبِيرِ التَّوَاطُؤُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَزَالَتْ التُّهْمَةُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ وَلَا رَحِمٍ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ) .

[من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك]

فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ) . مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَيَوْمَ صِفِّينَ وَيَوْمَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ قَدِيدٍ فَلَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا إلَّا مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ مُتَوَارِثَيْنِ هَلَكَا بِغَرَقٍ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ لَمْ يَرِثْ أَحَدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَكَانَ مِيرَاثُهُمَا لِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِمَا يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَثَتُهُ مِنْ الْأَحْيَاءِ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا بِالْيَقِينِ مِنْ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَهْلِكُ هُوَ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَبُوهُ فَيَقُولُ بَنُو الرَّجُلِ الْعَرَبِيِّ قَدْ وَرِثَهُ أَبُونَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَرِثُوهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا شَهَادَةٍ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءِ رَحِمٍ وَلَا مُصَاهَرَةٍ وَلَا يُحْجَبُ مَنْ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ فِي الْحَجْبِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا تُوُفِّيَ وَتَرَكَ أَبًا كَافِرًا وَأَخًا مُسْلِمًا وَرِثَهُ أَخُوهُ دُونَ أَبِيهِ وَلَوْ تَرَكَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَأَخَوَيْنِ كَافِرَيْنِ لَوَرِثَتْ الْأُمُّ الثُّلُثَ وَلَمْ يَحْجُبْهَا الْأَخَوَانِ الْكَافِرَانِ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْجُبُ وَإِنْ لَمْ يَرِثْ فَإِنْ مَنَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْمِيرَاثِ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرِثَانِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهُمَا وَمَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ، وَكَذَلِكَ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأُمِّ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ مَعَ الزَّوْجِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مِيرَاثِ الزَّوْجِ وَالْجَدِّ إلَّا الثُّلُثُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ فَرْضٍ وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ وَلَا حَقَّ لِلْعَصَبَةِ مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ، ثُمَّ الْجَدُّ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ مَعَ وُجُودِ وَارِثٍ ذَكَرٍ مِنْ عَمُودِ النَّسَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَيَوْمَ صِفِّينَ وَيَوْمَ الْحَرَّةِ وَيَوْمَ قَدِيدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ كَانَتْ فِيهَا حُرُوبٌ شِدَادٌ قُتِلَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَدَدٌ عَظِيمٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى تَنَاوَلَ ذَلِكَ كَثِيرًا مِمَّنْ كَانَ يَتَوَارَثُ فَجُهِلَ الْمَقْتُولُ مِنْهُمْ أَوَّلًا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ تَوَارُثٌ لِذَلِكَ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَخَوَانِ لِأَبَوَيْنِ فَيَقْتَتِلَانِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا قُتِلَ أَوَّلًا فَهَذَانِ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْجُبُ عَنْ مَالِهِ وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ بَقِيَ مِنْ وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ بَقِيَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَبَيْتُ الْمَالِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ كُلَّ مُتَوَارِثَيْنِ جُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا فَإِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ يَكُونُونَ فِي الْبَيْتِ فَيَنْهَدِمُ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُونَ فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمْ أَسْبَقُ مَوْتًا فَهَؤُلَاءِ لَا يَتَوَارَثُونَ وَلَا يَرِثُ قَرَابَةُ أَحَدِهِمْ مِنْ الْآخَرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ قَرَابَتُهُ بِأُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ، أَوْ أُخُوَّةٍ، أَوْ عَصَبَةٍ، أَوْ بِوَلَاءٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا، وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ يَكُونُونَ فِي السَّفِينَةِ فَيَغْرَقُونَ فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمْ مَاتَ أَوَّلًا وَلَوْ رُئِيَ أَحَدُهُمْ رَافِعًا رَأْسَهُ، ثُمَّ غَرِقَ لَمْ يَرِثْ وَلَمْ يُورَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ هَلْ مَاتَ مَنْ كَانَ يَتَوَارَثُ مَعَهُ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ وَأَصْلُ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ تُوُفِّيَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ زَوْجُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُهَا مِنْهُ زَيْدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا فَلَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ أَحَدٌ أَحَدًا بِالشَّكِّ وَلَا يَرِثُهُ إلَّا بِيَقِينٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالشُّهَدَاءِ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ الشُّهَدَاءُ وَيَتَيَقَّنُونَهُ، ثُمَّ يَشْهَدُونَ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يُوَرَّثْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَعْلَمُونَ حَيَاةَ الْوَارِثِ حِينَ وَفَاةِ الْمَوْرُوثِ وَحَيَاةَ الْمَوْرُوثِ قَبْلَ وَفَاتِهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ فَإِذَا وُلِدَ مَوْلُودٌ فَعُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصُرَاخِهِ وَرِثَ وَإِنْ لَمْ يَصْرُخْ لَمْ يَرِثْ وَلَمْ يُورَثْ وَرَوَى أَبُو غَالِبٍ الْفَرَضِيُّ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَوْلُودِ يُولَدُ فَيَتَحَرَّكُ أَنْ يَرْضَعَ وَيَعْطِسَ، أَوْ يَمْكُثُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهُوَ حَيٌّ يَتَنَفَّسُ وَيَرْضَعُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَالِاسْتِهْلَالُ الصُّرَاخُ وَهُوَ الْبُكَاءُ وَالصِّيَاحُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّ حَرَكَتَهُ دَلِيلٌ عَلَى حَيَاتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ هَذِهِ حَرَكَةٌ عَرِيَتْ عَنْ الصُّرَاخِ فَلَمْ تَدُلَّ عَلَى الْحَيَاةِ كَالِاخْتِلَاجِ. (فَرْعٌ) فَأَمَّا طُولُ الرَّضَاعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ أَقَامَ أَيَّامًا فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ حَيَاتُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا حَرَكَةٌ عَرِيَتْ عَنْ الصُّرَاخِ كَالْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مِنْ الْحَرَكَاتِ مَا يُشْبِهُ الِاخْتِلَاجَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ وَمُشَاهَدٌ فِي الْكَثِيرِ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مَعَ عَدَمِ الصُّرَاخِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْعُطَاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ، أَوْ مَوْرُوثُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا، ثُمَّ اسْتَهَلَّ صَارِخًا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى أَبُو غَالِبٍ أَنَّ الِاسْتِهْلَالَ ثَابِتٌ لَهُ بِصُرَاخِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِهِ يُعْلَمُ وُجُودُ حَيَاتِهِ فِي وَقْتِ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى]

مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَى (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَرِثَتْهُ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ الْبَقِيَّةَ مَوَالِيَ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْأَخَوَانِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَمُوتَانِ وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخَرُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِأَبِيهِمَا فَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ، وَلَيْسَ لِبَنِي أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ تَهْلِكَ الْعَمَّةُ وَابْنُ أَخِيهَا، أَوْ ابْنَةُ الْأَخِ وَعَمُّهَا وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ لَمْ يَرِثْ الْعَمُّ مِنْ ابْنَةِ أَخِيهِ شَيْئًا وَلَا يَرِثُ الْأَخُ مِنْ عَمَّتِهِ شَيْئًا) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْأَخَوَيْنِ لِلْأَبَوَيْنِ إذَا مَاتَا وَلِأَحَدِهِمَا وَلَدٌ وَالْآخَرِ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُمَا أَخٌ لِلْأَبِ فَلَا يُعْلَمُ أَيُّ الشَّقِيقَيْنِ مَاتَ أَوَّلًا فَمِيرَاثُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ لِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَمِيرَاثُ الْأَخِ لِأَبِيهِ وَلَا يُورَثُ أَحَدُ الشَّقِيقَيْنِ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا وَعَلَى ذَلِكَ سَائِرُ الْمَوَارِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مِيرَاثُ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدُ الزِّنَى] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَهُ عَلَى سُنَّةِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِأُمِّهِ الثُّلُثُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخَوَانِ فَأَكْثَرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَخَوَانِ فَأَكْثَرُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلِأَخِيهِ السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ وَأَمَّا زَوْجُ أُمِّهِ الَّذِي انْتَفَى مِنْهُ بِاللِّعَانِ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَاسْتَلْحَقَهُ، وَذَلِكَ فِي حَيَاةِ الِابْنِ فَإِنَّ الْأَبَ يُجْلَدُ حَدَّ الْفِرْيَةِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَيَتَوَارَثَانِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِ الِابْنِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِلِابْنِ وَلَدٌ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يَرِثْهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى جُلِدَ الْحَدَّ وَوَرِثَهُ مَعَ وَلَدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَلْحَقُ الْحَيُّ فَإِذَا

[كتاب العتاقة والولاء]

(ص) : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْعَتَاقَةِ وَالْوَلَاءِ) (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ) (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ وَلَدًا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ وَلَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِلْحَاقِ تَأْثِيرٌ وَلَا مَعْنَى وَإِذَا تَرَكَ وَلَدًا صَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَفَى الزَّوْجُ حَمْلُ امْرَأَتِهِ بِلِعَانٍ فَوَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ التَّوْأَمَ مَعَهُ وَرِثَتْ أُمُّهُ الثُّلُثَ وَوَرِثَ أَخُوهُ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ لِأُمِّهِ وَلَدٌ مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي نَفَى هَذَا الْحَمْلَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ هَذَا الْحَمْلِ فَمَاتَ أَحَدُ التَّوْأَمَيْنِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ أَخُو الْمُتَوَفَّى لِأُمِّهِ فَيَرِثُ مِنْهُ السُّدُسَ وَتَرِثُ أُمُّهُ السُّدُسَ وَيَرِثُ الْبَاقِيَ التَّوْأَمُ مَعَهُ وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَى فَلَوْ أَنَّ مُغْتَصَبَةً، أَوْ زَانِيَةً وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فِي بَطْنٍ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ بِالْأُمُومَةِ خَاصَّةً، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ دَرَأَتْ الْحَدَّ عَنْهَا فَلِذَلِكَ تَرِثُ وَلَدَهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا وَلَدُ الْمُغْتَصَبَةِ وَوَلَدُ الزَّانِيَةِ فَلَيْسَ فِي الْوَطْءِ الَّذِي هُمَا عَنْهُ شُبْهَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ الزِّنَى فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ إلَّا بِالْأُمُومَةِ وَأَمَّا وَلَدُ الْمَسْبِيَّةِ تَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَامِلًا فَإِنَّ التَّوْأَمَيْنِ عِنْدَ الْمُغِيرَةِ أَخَوَانِ وَذَكَرَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ السِّرِّ هُمَا أَخَوَانِ لِأُمٍّ وَأَبٍ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَوْأَمَيْ الزِّنَى وَالْمُغْتَصَبَةِ أَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا لَا يُعْرَفُ لَهُمَا أَبٌ الْآنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْرَفَ بَعْدَ هَذَا بِخِلَافِ تَوْأَمَيْ الزِّنَى فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا أَبٌ بِوَجْهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَرِثَ الْبَقِيَّةَ مَوَالِي أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً يُرِيدُ أَنَّهُمْ عَصَبَةُ الَّذِينَ أَعْتَقُوا أُمَّهُ فَهُمْ مِنْ مَوَالِيهمْ فَهُمْ يَرِثُونَهُ بِالْوَلَاءِ لَمَّا عَدِمَ النَّسَبَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً وَرِثَتْ حَقَّهَا وَوَرِثَ إخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَرَبِيَّةً بَاقِيَةً عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً قَدْ أُسِرَتْ لَكَانَ حُكْمُهَا مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنَّ عَشِيرَتَهَا لَيْسُوا بِعَصَبَةِ وَلَدِهَا وَإِنَّمَا هُمْ أَخْوَالُهُ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَرِثُ مَنْ تَعْتِقُهُ أُخْتُهُ وَابْنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ التَّعْصِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَوَارُثُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَكْمَلَ لِعَانَهُ، ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَتْ وَأَكْمَلَتْ الْأَرْبَعَ أَيْمَانٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُخَمِّسَ بِالْغَضَبِ فَإِنَّهُ يَرِثُهَا وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا الْتَعَنَ وَتَمَّ لِعَانُهُ بِالْخَمْسِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الْتَعِنِي وَادْرَئِي عَنْ نَفْسِك الْعَذَابَ فَإِنَّ الْتَعَنَتْ تَمَّ بِذَلِكَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا وَوَجَبَتْ الْفُرْقَةُ وَلَمْ تَرِثْهُ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ اللِّعَانِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْ زَوْجِهَا وَعَلَيْهَا الْجَلْدُ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَالرَّجْمُ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِتَمَامِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَيَبْطُلُ الْمِيرَاثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [كِتَابُ الْعَتَاقَةِ وَالْوَلَاءِ] [مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ] (ش) : قَوْله مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ لَفْظٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مُعْتَقٍ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا لِمُسْلِمَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ نَصْرَانِيًّا لِمُسْلِمَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا لِنَصْرَانِيَّيْنِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لِنَصْرَانِيَّيْنِ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتِقِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٌ وَحُكِيَ عَنْ الْمَذْهَبِ نَفْيُ التَّقْوِيمِ قَالَ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكْمِيلَ الْعِتْقِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكُفَّارُ لَا يُؤْخَذُونَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَوَجْهُ إيجَابِ التَّقْوِيمِ أَنَّ فِي تَكْمِيلِ الْعِتْقِ ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ: أَحَدُهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي لِلشَّرِيكِ، وَالثَّالِثُ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يُكْمِلَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ الْمُعْتَقِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ نَصْرَانِيٍّ وَمُسْلِمٍ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ نَصْرَانِيًّا لِمُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَأَعْتَقَ حِصَّتَهُ الْمُسْلِمُ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ حِصَّةُ النَّصْرَانِيِّ وَإِنْ أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ حِصَّتَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ النَّصْرَانِيُّ لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ لِلنَّصْرَانِيِّ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ، أَوْ جَمِيعَهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ سَحْنُونٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَطُلِبَ فِيهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لِنَصْرَانِيٍّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَابْتَدَأَ الْمُسْلِمُ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ النَّصْرَانِيِّ وَإِنْ أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ تُقَوَّمُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ وَالْمُبْتَدِئَ لِعِتْقِهِ هُمَا نَصْرَانِيَّانِ فَلَيْسَ لِحَاكِمِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلشَّرِيكِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلَزِمَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِعَبْدٍ وَحُرٍّ فَأَعْتَقَ الْعَبْدُ حِصَّتَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا عِتْقَ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ قُوِّمَ فِي مَالِ السَّيِّدِ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ أَجَازَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَيَسْتَوْعِبُ فِي ذَلِكَ مَالَ السَّيِّدِ وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ قَالَ سَحْنُونٌ وَهُوَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ: قَوِّمُوهُ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا بِيَدِهِ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ فِي هَذَا إنَّمَا هِيَ مِنْ قِبَلِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا إذْنُهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الْعَبْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ هُوَ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ يُرِيدُ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفَاذَ عِتْقِهِ فِي حِصَّتِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ سَوَاءٌ أَعْتَقَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُقَوَّمَ، أَوْ يُعْتِقَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ إذْنُ السَّيِّدِ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِثَمَنِ الْعَبْدِ ثَبَتَ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّقْوِيمِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ بَعْدَ هَذَا فَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَهَلْ لِشَرِيكِهِ التَّقْوِيمُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُقَوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ وَيَتْبَعَهُ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ عَلَى الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتِقِ وَهُوَ جَانٍ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ ذِمَّتَهُ بِجِنَايَتِهِ وَهِيَ مَا أُدْخِلَ فِي حِصَّتِهِ مِنْ ضَرَرِ شَرِيكِهِ الْمُعْتِقِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ دُونَ ذِمَّتِهِ فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعَلِّقَ ذَلِكَ بِذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا يَوْمَ الْعِتْقِ فَرُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ فَحَكَمَ بِسُقُوطِ التَّقْوِيمِ، ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُرْفَعْ حَتَّى أَيْسَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا إثْبَاتُ التَّقْوِيمِ عَلَيْهِ وَالْأُخْرَى نَفْيَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ إثْبَاتِ التَّقْوِيمِ عُمُومُ الْخَبَرِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَهُ مَالٌ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مُوسِرٌ حِينَ التَّقْوِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ بِعُسْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ التَّقْوِيمُ كَاَلَّذِي أَيْسَرَ يَوْمَ الْعِتْقِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ جِنَايَةٌ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِيُسْرِ الْجَانِي يَوْمَ الْفِعْلِ دُونَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْجِنَايَاتِ مَتَى أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِمَّا يُعْلَمُ بِهِ عُسْرُهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَيُسْأَلُ عَنْهُ جِيرَانُهُ وَمَنْ يَعْرِفُهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَالًا لَهُ أُحْلِفَ وَلَمْ يُسْجَنْ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَالَهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْحَابُنَا جَمِيعًا إلَّا الْيَسِيرَ فَلَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ظَاهِرَ عَدَمِهِ يَكْفِي مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لِيَبْرَأَ بَاطِنُهُ كَالْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يُسْجَنْ وَلَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَتُبَاعُ فِي ذَلِكَ دَارُهُ وَشُوَارُ بَيْتِهِ وَكِسْوَتُهُ مِنْ فُضُولِ الثِّيَابِ وَيُتْرَكُ لَهُ كِسْوَةُ ظَهْرِهِ وَعَيْشُهُ الْأَيَّامَ قَالَ أَشْهَبُ إنَّمَا يُتْرَكُ لَهُ مَا يُوَارِيهِ لِصَلَاتِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنَّمَا يُتْرَكُ لَهُ مَا لَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُفْلِسِ بَلْ أَشَدُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِتْقِ بِهِ وَمَنْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْعِتْقِ بِمَالِهِ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ إلَّا مَا يُوَارِيهِ لِلصَّلَاةِ كَالرَّقَبَةِ تَلْزَمُهُ لِظِهَارِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ مُدَبَّرُونَ، أَوْ مُعْتَقُونَ إلَى أَجَلٍ فَلَا حُكْمَ لِلْقِيمَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ لِبُعْدِهِ وَأَمَّا دُيُونُهُ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَمْلِيَاءَ حُضُورٍ، وَأَمَدُهَا قَرِيبٌ قُوِّمَتْ فِي ذَلِكَ وَتَتْبَعُ ذِمَّتُهُ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسِيَّةً، أَوْ أَهْلُهَا غُيَّبٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا عَبْدَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِي كِتَابِ ابْن الْمَوَّازِ يُنْتَظَرُ دَيْنُهُ وَيُمْنَعُ شَرِيكُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَيُنْتَظَرُ لَهُ تِلْوَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَتَى يُرَاعَى حَالُهُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ الْعِتْقِ مُعْسِرًا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ أَعْتَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنْ كَانَ عَدَمُهُ بَيِّنًا عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ غَائِبًا وَرَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ حَالَ الْعَبْدِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَالَ التَّقْوِيمِ فَكَذَلِكَ حَالَ الْعِتْقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعِتْقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ إذَا تَضَمَّنَ مَعْنَى الْعِتْقِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْعَبْدِ قَدْ وَهَبْتُكَ نَصِيبِي مِنْكَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ وَهَبْتُكَ نَفْسَكَ لَكَانَ عِتْقًا. وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا عَتَقَ بِهِ الْكُلُّ عَتَقَ بِهِ الْبَعْضُ كَلَفْظِ الْعِتْقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الْجُزْءِ مِنْ الْعَبْدِ مُعَجَّلًا، أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ كَانَ مُعَجَّلًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مِنْ عَبْدٍ إلَى سَنَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْآنَ لِيُعْتِقَ إلَى الْأَجَلِ قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَالَ آخَرُونَ إنْ شَاءَ التَّمَسُّكَ قُوِّمَ عَلَيْهِ السَّاعَةَ وَكَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا إلَى السَّنَةِ وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا مِنْ شَرِيكِهِ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ قُوِّمَ عَلَى مُبْتَدِئِ الْعِتْقِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَهَذَا إنْ تَمَاسَكَ الثَّانِي وَلَوْ عَجَّلَ الثَّانِي الْعِتْقَ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقَوِّمُ خِدْمَتُهُ إلَى السَّنَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مُعَجَّلِ الْعِتْقِ وَيُدْفَعُ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِعِتْقِ نِصْفِهِ الْآنَ وَنِصْفِهِ إلَى سَنَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ، وَوَلَاؤُهُ لِغَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ بَتَلَ الْأَوَّلُ وَأَجَّلَ الثَّانِي فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَفْسَخُ مَا صَنَعَ وَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَ حِصَّتَهُ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ أَعْتَقَ الثَّانِي حِصَّتَهُ إلَى أَجَلٍ، أَوْ كَاتَبَ، أَوْ دَبَّرَ وَشَرِيكُهُ مُوسِرٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا جَازَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا أَعْتَقَ الثَّانِي إلَى أَجَلٍ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُعْتِقْ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ الْقِيمَةُ وَنَجَزَ الْعِتْقُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَقَعُ الْعِتْقُ مُنْجَزًا مِنْهُمَا وَرَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ لِأَنَّ الثَّانِيَ تَرَكَ التَّقْوِيمَ وَاسْتَثْنَى مِنْ الرِّقِّ مَا لَيْسَ لَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حِصَّتَهُ بَعْدَ إعْتَاقِ الْمُعْسِرِ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حِصَصُ شُرَكَائِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ وَسَابِقَةً لِإِعْتَاقِهِ وَالتَّقْوِيمُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْجِنَايَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ يُرِيدُ حِصَّةَ الِاشْتِرَاكِ مِنْهُ قُوِّمَ قِيمَةَ عَدْلٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بَعْضَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِقَدْرِ مَالِهِ فَيُعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِشَرِيكِهِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ قَالَ سَحْنُونٌ إنْ وَجَدَ عِنْدَهُ بَعْضَ الْقِيمَةِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ تَافِهًا لَا يَنْزِعُ مِثْلَهُ لِغُرَمَائِهِ مِنْ الثَّوْبِ لَهُ وَالْفَضْلُ فِي قُوَّتِهِ وَالشَّيْءُ الْخَفِيفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ بِتَقْوِيمِ السُّلْطَانِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ حِصَّتَهُ إنْ شَاءَ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَوْ أَقَامَ شَهْرًا، أَوْ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ سَاكِتًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتِقَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ لَا بِالسِّرَايَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ بِالتَّقْوِيمِ وَقَفَ الشَّرِيكُ أَوَّلًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَ فَذَلِكَ لَهُ دُونَ الْمُبْتَدِئِ بِالْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْمُبْتَدِئُ بِالْعِتْقِ إتْمَامَ عِتْقِ الْعَبْدِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمُبْتَدِئِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ يَعْتِق عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَنَّهُ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ فَشَرَطَ فِي عِتْقِهِ التَّقْوِيمَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِهِ لَا يَسْرِي إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ التَّقْوِيمَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحُكْمِ كَالشُّفْعَةِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ لَا يُعْتِقُ بِالسِّرَايَةِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذَا يَقْتَضِي رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ الْعِتْقَ يَكُونُ بِالسِّرَايَةِ: وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ فَيَكْمُلُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكْمُلَ بِالسِّرَايَةِ كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ لَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يَكْمُلُ إلَّا بِحُكْمٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَرْضَى بِبَقَاءِ حِصَّتِي عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ وَلَا أُرِيدُ التَّقْوِيمَ عَلَى مُبْتَدِئِ الْعِتْقِ وَرَوَى الْبَصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ لَا أُرِيدُ تَكْمِيلَ عِتْقِي وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ كَمَا لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّ عِتْقِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ يُرِيدُ قِيمَةً لَا زِيَادَةَ فِيهَا وَلَا نَقْصَ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِمَا أَفَادَ بَعْدَ عِتْقِ الْجُزْءِ مِنْهُ مِنْ مَالٍ، أَوْ وَلَدٍ مِنْ أَمَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً قُوِّمَتْ بِمَالِهَا وَوَلَدِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْعَبْدِ الزَّارِعِ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ بِالْفُسْطَاطِ يُقَوَّمُ بِمَوْضِعِهِ وَلَا يُنْقَلُ إلَى الْفُسْطَاطِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي جَارِيَةٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَزَوْجَتِهِ أَرَادَ شِرَاءَهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ فَتَزَايَدَا فِيهَا حَتَّى بَلَغَتْ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَشَاوَرَ الْمَخْزُومِيَّ وَاسْتَغْلَاهَا فَقَالَ لَهُ أَعْتِقْ حَظَّك مِنْهَا وَلَا يَلْزَمُك إلَّا الْقِيمَةُ فَفَعَلَ فَرُفِعَ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَمَرَ بِإِعَادَةِ النِّدَاءِ عَلَيْهَا فَإِنْ زِيدَ عَلَى سِتِّمِائَةٍ وَإِلَّا أَلْزَمَهَا بِالسِّتِّمِائَةِ فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ يَقُولُ دُمِّرَ الْمِسْكِينُ دُمِّرَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أُعْطِيَ بِرَأْسٍ لَهُ ثَمَنًا، ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقِيمَةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ادَّعَى مُبْتَدِئُ الْعِتْقِ فِيهِ عَيْبًا كَالْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُتَمَسِّكُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْهُ فَقَالَ لَا يَحْلِفُ بِدَعْوَاهُ وَيُقَوَّمُ سَلِيمًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَحْلِفُ قَالَ أَصْبَغُ وَبِهِ آخُذُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ دَعْوَى فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا يَمِينٌ فِي عَيْبٍ كَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَيْبًا فِيمَا اشْتَرَاهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُعْتَقَ يَدَّعِي عَلَى التَّمَسُّكِ بِالرِّقِّ مَا يُوجِبُ نَقْصَ الْقِيمَةِ وَيُضِيفُ ذَلِكَ إلَى عِلْمِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَهَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ مَعِيبًا وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا أُحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُتَمَسِّكُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عَلِمَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعَيْبِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُوجِبُ الشَّاهِدُ عَلَى الْعَدْلِ يَمِينًا وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَحْلِفُ لَلْمُتَمَسِّكِ إذَا شَهِدَ بِالْعَيْبِ غَيْرَ الْعَدْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَوَّمُ عَلَيْهِ لَفْظٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُبْتَدِئَ بِالْعِتْقِ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ ابْتَدَآ بِالْعِتْقِ مَعًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِمَا فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ نِصْفُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ صَاحِبُ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ مَعًا فَلِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقَوَّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَالِهِ فِيهِ كَالشُّفْعَةِ فِي اخْتِلَافِ الْأَنْصِبَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُقَوَّمُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ بِالْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَبِالْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الشُّرَكَاءِ فَكَانَ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ كَالشُّفْعَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّقْوِيمِ عَلَيْهِمَا الْجِنَايَةُ بِالْعِتْقِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ السَّهْمِ وَكَثْرَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي ذَلِكَ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّ عِتْقَهُ عَلَى الْمُوسِرِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ صَاحِبُهُ مُوسِرًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْمِصْرِيِّينَ قَالَ وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يُسَمِّهِمْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُوسِرَ لَوْ انْفَرَدَ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ لَلَزِمَهُ قِيمَةُ بَاقِي الْعَبْدِ وَالْمُعْسِرَ لَوْ انْفَرَدَ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَلَمْ يَكُنْ لِجِنَايَةِ الْمُعْسِرِ تَأْثِيرٌ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْجِنَايَةَ مَوْجُودَةٌ مِنْهُمَا وَهِيَ تُوجِبُ التَّقْوِيمَ فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا عَلَى حَسْبِ مَا يَقْتَضِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَمَا لَوْ كَانَا مَلِيَّيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي بَعْدَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ لَا يُقَوَّمُ عَلَى الثَّانِي. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُقَوَّمُ عَلَى الثَّانِي إنْ كَانَ مَلِيًّا وَعَابَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ سَحْنُونٌ وَاحْتَجَّ ابْنُ نَافِعٍ لِذَلِكَ فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ أَرَادَ الْمُتَمَسِّكُ أَنْ لَا يُقَوَّمَ وَيَرْضَى بِالضَّرَرِ وَأَبَى الْعَبْدُ أَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَالثَّانِي قَدْ أَدْخَلَ فِيهِ مِنْ تَبْعِيضِ الْعِتْقِ مَا أَدْخَلَهُ الْأَوَّلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى الْأَوَّلِ لِعُسْرِهِ قُوِّمَ عَلَى الثَّانِي وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمِنْ ابْتَدَأَ الْعِتْقَ وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الشَّرِيكُ الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ الْعِتْقَ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّقْوِيمُ. (فَرْعٌ) وَمَنْ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ أَبِيهِ لَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ عِتْقُهُ، ثُمَّ إنْ ابْتَاعَ مِمَّا رَقَّ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ وَهَبَ لَهُ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءَ فَقَطْ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ بَاقِيهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْن نَافِعٍ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَوَجْه ذَلِكَ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي أَعْتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ هُوَ ابْتِدَاءُ الضَّرَرِ فِي الْمِلْكِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَا ابْتَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الضَّرَرِ قَدْ وَقَعَ بِجُزْءِ الْمِيرَاثِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ بَعْدَ مَا وَرِثَ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِيرَاثَ مَعْنَى يَعْتِقُ بِهِ عَلَيْهِ مَا مَلَكَ مِنْهُ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ مَا ابْتَاعَ مِنْهُ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ ابْتَاعَ جُزْءًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ ابْتَاعَ جُزْءًا آخَرَ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جُزْءًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ تَمَّمَ عَلَيْهِ عِتْقَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ عَتَقَ الْجُزْءُ وَحْدَهُ رَوَاهُ ابْن الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ قَبِلَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ ذَلِكَ الشِّقْصُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِي الْهِبَةِ إنْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا قَبِلَهُ فَقَدْ وَجَدَ الْقَبُولَ لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ فِي الْعِتْقِ كَمَا لَوْ ابْتَاعَهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَبُولُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ ضَرَرٌ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَرِثَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ قَبُولَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي رَدِّ الْهِبَةِ وَمَنْعِ مَا وَهَبَ مِنْ الْعِتْقِ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ التَّقْوِيمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَبِلَ مَا وَرِثَ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصًا ثُلُثَهُ، أَوْ رُبْعَهُ أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ سَهْمًا مِنْ الْأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصُ إنَّمَا وَجَبَتْ وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى إلَّا مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُعْتَقْ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ يُعْتَقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ لَيْسُوا هُمْ ابْتَدَءُوا الْعَتَاقَةَ وَلَا أَثْبَتُوهَا وَلَا لَهُمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُعْتَقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَبُولِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي لَزِمَتْ الْمُعْتِقَ بِالتَّقْوِيمِ وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يُرِيدُ أَنَّ الْعِتْقَ يَكُونُ لَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ يَكُونُ لَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ يُعْطِي الْوَرِقَ» ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْأَمْرُ أَنَّ الْعِتْقَ وَإِعْطَاءَ الْوَرِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ ظَاهِرُهُ» أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاتِّصَالِهِ بِحَدِيثِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ فَهُوَ عِتْقٌ قَالَ نَافِعٌ وَإِلَّا فَقَدْ أَعْتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ قَالَ أَيُّوبُ لَا أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ حَقَّقَا الرِّوَايَةَ وَلَمْ يَشُكَّا وَمَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ أَثْبَتُ مِنْ نَافِعٍ وَمِنْ أَيُّوبَ وَإِنْ كَانَ أَيُّوبُ ثَبْتًا مُقَدَّمًا فِيهِ، وَذَلِكَ يَقْضِي أَنَّهُ يَقْضِي بِالْعِتْقِ عِنْدَ عُمَرَ مُبْتَدِئِ الْعِتْقِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ مِنْهُ وَهَذَا يَمْنَعُ الِاسْتِسْعَاءَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ فِي قِيمَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ اسْتِسْعَاءٌ فَلَمْ يَكُنْ لَازِمًا كَالْكِتَابَةِ وَالْعَبْدُ لَمْ يَحُزْ وَلَاءَ سَيِّدِهِ الْمُتَمَسِّكِ بِنَصِيبِهِ فَكَمَا لَا يَلْزَمُهُمَا الِاسْتِسْعَاءُ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الْعِتْقَ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يُقَوَّمُ مِنْهُ بَعْضُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَاسْتَرَقَ الْبَاقِي الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ وَيَجْرِي الْحُكْمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ فِي عَمَلِهِ وَغَلَّتِهِ وَنَفَقَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ حُكْمِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الْحُكْمُ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَأَمَّا إنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكَمِّلُ عَلَيْهِ عِتْقَهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي لِغَيْرِهِ وَيُزَال عَنْهُ مِلْكُ الْغَيْرِ وَيُجْبَرُ عَلَى شِرَائِهِ فَبِأَنْ يُكَمِّلَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَاقِي الْعَبْدِ لَهُ كَانَ مُوسِرًا بِعِتْقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَهَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ، أَوْ بِالسِّرَايَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْحُكْمِ وَالثَّانِيَةُ بِالسِّرَايَةِ: وَجْهُ قَوْلِنَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ أَنَّهُ عِتْقٌ يُتَمَّمُ عَلَى مُبْتَدِئَهُ فَثَبَتَ بِالْحُكْمِ كَاَلَّذِي يُعْتِقُ حِصَّتَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ الْعِتْقَ يُبْنَى عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ فَإِذَا بَعَّضَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ سَرَى إلَى جَمِيعِهِ كَمَا لَوْ قَالَ يَدُكَ حُرٌّ، أَوْ رِجْلُكَ حُرٌّ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصًا ثُلُثَهُ، أَوْ رُبْعَهُ أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ سَهْمًا مِنْ الْأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصُ إنَّمَا وَجَبَتْ وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى إلَّا مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُعْتَقْ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ فَكَيْفَ يُعْتَقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ لَيْسُوا هُمْ ابْتَدَءُوا الْعَتَاقَةَ وَلَا أَثْبَتُوهَا وَلَا لَهُمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلَاءُ فَلَا يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُعْتَقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْعَبْدَ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ حِصَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سَحْنُونٌ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ

(ص) :. (قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَثَبَتَ عِتْقُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَرِيضَ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالَ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ إلَّا مَا تَمَسَّكَ بِهِ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَمْ يَتَمَسَّكْ إلَّا بِمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِوَرَثَتِهِ بَاقِي الْعِتْقِ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يُحِبُّوا الْعِتْقَ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ الشِّقْصِ فَإِنَّ بَاقِيَهُ يَرِقُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُتَمَّمَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُقَوَّمُ فِي ثُلُثِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ مَالِهِ فَلَزِمَ أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ فِيهِ كَالْحَيِّ الْغَنِيِّ. (فَصْلٌ) : وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُمْ وَيَلْزَمُ وَرَثَتُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ إذْ الثُّلُثُ يَحْمِلُهُ وَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَنْ يَنْفُذَ عِتْقُهُ، أَوْ يُقَوَّمَ عَلَى الْمُوصِي قَالَ سَحْنُونٌ لِلْمُتَمَسِّكِ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ وَلَا يُقَوَّمُ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُعْتِقَ وَيَلْزَمُهُ التَّقْوِيمُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ جَمِيعَهُ فَأَمَّا قَوْلُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ؛ فَلِأَنَّ هَذَا مُبْتَدِئُ عِتْقِ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَكَانَ لِشَرِيكِهِ إنْفَاذُ عِتْقِ حِصَّتِهِ كَمَا لَوْ أَنْفَذَ عِتْقَ ذَلِكَ الشِّقْصَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يُعْتَقُ بِالسِّرَايَةِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَرَأَيْت رِوَايَةً لِابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ وَهْمٌ لَا أَعْرِفُهَا إذَا أَبَى شَرِيكُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ مَا مَلَكَ فَقَطْ وَبَاقِي الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إنَّمَا وَجَبَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ شِقْصٍ مِنْ عَبْدِهِ، أَوْ بِعِتْقِ شِقْصٍ لَهُ مِنْ عَبْدٍ سَائِرُهُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْآنَ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ سَائِرُهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ كُمِّلَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ فِي ثُلُثِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَفِي تَكْمِيلِهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا وُجُوبُهُ وَالْأُخْرَى نَفْيُهُ: وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مُخْتَارٌ لِتَبْعِيضِ الْعِتْقِ فَلَزِمَ التَّقْوِيمُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ أَنْفَذَ عِتْقَهُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدٍ فَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحِينَئِذٍ يُوجَدُ التَّبْعِيضُ مِنْهُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ، وَذَلِكَ وَقْتَ لَا مَالَ لَهُ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا فَأَشْبَهَ الْمُعْسِرَ يُعْتِقُ بَعْضَ عَبْدٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ (ص) :. (قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَثَبَتَ عِتْقُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَرِيضَ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ: إنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ جَمِيعَهُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ إنْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي يُوصِي بِعِتْقِ ثُلُثِ عَبْدِهِ بِأَنَّ هَذَا قَدْ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَإِنْ عَاشَ تُمِّمَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ عَبْدِهِ لَوْ عَاشَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَتَى يُقَوَّمُ بَاقِي الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَ الْمَرِيضُ شِقْصًا مِنْهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُعْتِقُ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ سَوَاءٌ عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، أَوْ يَمُوتَ فَيُعْتَقُ فِي ثُلُثِهِ مَا أَعْتَقَ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ وَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَلْزَمُ إلَّا فِي عِتْقٍ يَتَعَجَّلُ أَوْ يَتَأَجَّلُ إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ لَا يَرُدُّهُ دَيْنٌ وَهَذَا قَدْ يَرُدُّهُ الدَّيْنُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ أَمْوَالٌ مَأْمُونَةٌ فَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيُعَجَّلُ لَهُ الْعِتْقُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْن الْقَاسِمِ يُوقَفُ فَإِنْ مَاتَ قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، أَوْ مَا حُمِلَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ مَأْمُونَةٌ قُوِّمَ فِيهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِتْقِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجِنَايَةٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مَرَضُهُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِهَا وَلَا تَفُوتُ بِمَوْتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ بَابِ الْبِرِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ بِذَلِكَ ثُلُثَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا لَهُ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَأَجَازَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا أَجَازَ فِعْلَ الْمَيِّتِ فَلَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا فِي الْمِلْكِ. وَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَعْتَقَ الْوَارِثُ سَهْمَهُ مِمَّا رَقَّ مِنْهُ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ وَلَهُ وَلَاءُ تِلْكَ الْحِصَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَهُ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ كَثَلَاثَةِ أَشْرَاكٍ ابْتَدَأَ أَحَدُهُمْ بِعِتْقِ حِصَّتِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَقَدْ رَوَى فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَيْهِ حِينَ مَاتَ أَنَّهُ لَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَلَوْ مَاتَ مَكَانَهُ، أَوْ أَفْلَسَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِم عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ، أَوْ سَهْمًا مِنْ عَبْدٍ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يُتَمَّمْ عَلَيْهِ حَتَّى أَفْلَسَ فَلَا يُتَمِّمُ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ مَاتَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ قَدْ يُعَلَّقُ بِالْمَالِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ حَالِ الْمُعْسِرِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُتَيَقِّنُ الْعَدَمِ وَالْمُفْلِسُ مَطْلُوبٌ بِحُقُوقٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَلَمْ يَدْفَعُوهُ لِلْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ بَاقٍ بِيَدِهِ إنَّمَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ بِحَدَثَانِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ قَدْ ثَبَتَ لِشَرِيكِهِ وَلَمْ يُفَرِّطْ وَلَوْ طَالَ ذَلِكَ لَمْ يُقَوَّمْ فِي رَأْسِ مَالِ الْمَيِّتِ وَلَا ثُلُثِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مِثْلَ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَقَالَ هُوَ كَالْمُمْتَنِعِ يَمُوتُ وَلَمْ يُهْدِ فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ أُهْدِيَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ بِخِلَافِ مُعْتِقِ بَعْضِ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ وَإِنْ مَاتَ بِحِدْثَانِهِ. وَجْهُ تَسْوِيَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَ مَنْ أَعْتَقَ حِصَّةً مِنْ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَنْ أَعْتَقَ حِصَّةً مِنْ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ بَاقِيهِ أَنَّ الْعِتْقَ عَمَلُ يَدٍ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُتَمَّمَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ فَبِأَنْ لَا يُتَمَّمَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْسِرَ يُتَمَّمُ عَلَيْهِ عِتْقُ عَبْدِهِ وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ بِجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَدَاؤُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ التَّفْرِيطِ مَا يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ وَالتَّرْكَ فَلَا يَبْقَى إلَّا حَقُّ الْبَارِي تَعَالَى فِي تَتْمِيمِ الْعِتْقِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ حِصَّةً مِنْ عَبْدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُتَمَّمَ عَلَيْهِ عِتْقَ عَبْدِهِ أَنَّهُ لَا يُتَمَّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِيمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ، أَوْ نَصِيبًا مِنْ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ بَاقِيهِ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ فِي ثُلُثِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَقُيِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَإِنَّهُ إنْ صَحَّ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلَّهُ وَإِنْ مَاتَ فَالْبَاقِي فِي ثُلُثِهِ وَخَالَفَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَقَالَ: إنْ قُيِّمَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ. وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ مَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَانَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُتَمَّمُ عَلَى الْمَرِيضِ الْعِتْقُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إذَا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ بَاقِيهِ فَلَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ حَتَّى مَرِضَ يُحْكَمُ بِالتَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يُوقَفَ الْمَالُ حَتَّى يُعْتَقَ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمَرَضِ إنْ مَاتَ مُبْدَأً عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا وَمَا أَعْتَقَ أَوَّلًا فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ صَحَّ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ.

[الشرط في العتق]

الشَّرْطُ فِي الْعِتْقِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطَ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا يَحْمِلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ» قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ إذَا كَانَ لَهُ الْعَبْدُ خَالِصًا أَحَقُّ بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُقَوَّمُ فِي مَرَضِهِ وَلْيُوقَفْ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ فَيُعْتَقَ مَا بَقِيَ فِي ثُلُثِهِ، أَوْ يَصِحَّ فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ الشَّرِيكُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ فِيهِ لَكِنَّهُ حُكْمٌ مُتَوَقِّفٌ لِتَجْوِيزِ الصِّحَّةِ وَالْمَوْتِ فَإِنْ صَحَّ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ لَزِمَتْ فِي ثُلُثِ مَالِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ الْآنَ فَلَا مَعْنَى لِتَعْجِيلِ التَّقْوِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الشَّرْطُ فِي الْعِتْقِ] (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدِهِ مُعَجَّلًا وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِأَجَلٍ وَلَا عَمَلٍ يَقَعُ الْعِتْقُ بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي هَذَا الْعِتْقِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَمَلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُبْقِيَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الرِّقِّ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَالِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفُ دِينَارٍ فَلَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْن الْقَاسِم أَنَّهُ قَالَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ خَمْسِينَ دِينَارًا أَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْ يُتْبَعَ بِهَا وَيُعَجِّلَ عِتْقَهُ وَإِنْ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا فَلَا عَتَاقَةَ لَهُ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَحْوَهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ أَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ فَلَمْ يَزِدْ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ إلَّا صِحَّةً وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ أَصْبَغُ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَانْتِزَاعِ الْمَالِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مُتَابَعَةِ سَعِيدٍ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ أَوْقَعَهُ فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ خِيَارًا وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدُ مَا أَلْزَمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ الْمَالِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ الْعَمَلِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِرِضَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً فَذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَمَلُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَاخْدُمْنِي سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ لَا تُفَارِقَنِي قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حُرٌّ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ مِنْ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ مَعَ إبْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ، وَذَلِكَ مُتَنَافٍ يَنْفُذُ الْعِتْقُ وَيَبْطُلُ مَا أَبْقَى مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِذِمَمِ الْعَبْدِ فَلَا يُنَافِي الْحُرِّيَّةَ بَلْ إذَا تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْحُرِّ أَكَّدَ الْحُرِّيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك كَذَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَرَى لُزُومَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ اللَّفْظَانِ سَوَاءٌ وَيَثْبُتُ فِيهِمَا الْخِيَارُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ كَذَا فَقَالَ هَذَا

[من أعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم]

مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَا يَمْلِكُ مَالًا غَيْرَهُمْ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سِتَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا فِي إمَارَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ كُلَّهُمْ جَمِيعًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَأَمَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِتِلْكَ الرَّقِيقِ فَقُسِّمَتْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ أَسْهَمَ عَلَى أَيِّهِمْ يَخْرُجُ سَهَمَ الْمَيِّتِ فَيُعْتَقُونَ فَوَقَعَ السَّهْمُ عَلَى أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقَ الثُّلُثُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ وَيَقْبَلُ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْك عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَيْءٍ يَتَعَجَّلُ وَهُوَ ثُبُوتُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَاَلَّذِي قَالَ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَيْءٍ لَا يُوجَدُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ وَلَا يُوجَدُ إلَّا بِمَعْنًى مُسْتَأْنَفٍ وَرُبَّمَا تَعَجَّلَ الْأَمَدُ الْبَعِيدُ وَرُبَّمَا تَعَذَّرَ فَكَانَ الْعِتْقُ يَتَأَجَّلُ بِتَأَجُّلِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَنْ تُسْلِمِي فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ أَبَتْ لَا حُرِّيَّةَ لَهَا كَقَوْلِهِ إنْ شِئْت، وَلَيْسَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَنْ تَنْكِحِي فُلَانًا، ثُمَّ تَأْبَى أَنَّ الْعِتْقَ مَاضٍ فِي هَذِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَبِنَفْسِ الْعِتْقِ تَكُونُ مُسْلِمَةً كَقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ عَلَيْكِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْ تَنْكِحِي فُلَانًا فَإِنَّمَا شَرَطَ عَلَيْهَا عَمَلًا تَعْمَلُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ يَصِحُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ وَهُوَ إبَاحَةُ بَعْضِهَا وَقَبُولُ الزَّوْجِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا عَمَلًا، أَوْ خِدْمَةً، أَوْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ عَلَى أَنْ لَا تُفَارِقِينِي فَإِنَّهَا تَكُون حُرَّةً وَلَا يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ. [مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَا يَمْلِكُ مَالًا غَيْرَهُمْ] (ش) : هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ عَبِيدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا» وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَحَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ بَيْنَ السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ» وَحَكَمَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ فِي الْعِتْقِ وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ وَيُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ فَإِذَا أَدَّاهَا إلَى الْوَرَثَةِ عَتَقَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَيَقْتَضِي الْعِتْقَ بِالْقُرْعَةِ وَفِي ذَلِكَ أَدِلَّةٌ أَحَدُهَا حُكِمَ بِالْقُرْعَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَنْفِيهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَكْمُلُ عِتْقُ أَحَدِهِمْ وَلَا يُرَقَّ جَمِيعُ أَحَدِهِمْ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَسْتَسْعِي، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ جَمِيعَ عَبِيدِهِ إذَا كَانُوا جَمِيعَ مَالِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا ثُلُثُهُمْ وَاحْتِيجَ إلَى الْقُرْعَةِ لِتَمَيُّزِ الثُّلُثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ سَحْنُونٌ قِيلَ بَتَلَهُمْ وَقِيلَ أَوْصَى بِهِمْ فَنَحْنُ نَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ فِيمَا جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، أَوْ الْوَصِيَّةِ فِي جُمْلَةٍ بِعِتْقِهِمْ يَضِيقُ ثُلُثُهُ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْهُولِينَ مِنْ جُمْلَةِ رَقِيقٍ إذَا كَانَ فِي مَرَضِهِ، أَوْ وَصِيَّتِهِ وَلَا يُسْهَمُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِينَ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْدُو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُعْتِقَهُمْ لِتَقَعَ حُرِّيَّتُهُمْ بِمَوْتِهِ فَيُحْتَمَلُ قَوْلُ سَحْنُونٍ فَقِيلَ بَتَلَهُمْ وَقِيلَ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ بَيْنَهُمْ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَتْهُ الرِّوَايَتَانِ مِنْ وَجْهٍ يَجُوزُ لَهُ التَّعَلُّقُ بِهَا فَحَمَلَهَا عَلَى قِصَّتَيْنِ أَوْ عَلَى قِصَّةٍ ثَبَتَ فِيهَا حُكْمَانِ لَا يَتَنَافَيَانِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِمْ فَلَا خِلَافَ يُعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ بِالسَّهْمِ وَأَمَّا إنْ بَتَلَهُمْ فِي الْمَرَضِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْن الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدِ وَأَصْبَغُ وَالْحَارِثُ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ سَهْمٍ وَإِنَّمَا السَّهْمُ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الْحَدِيثِ فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْعَةِ إنَّمَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ بِعِتْقِ سِتَّةِ أَعْبُدٍ لَهُ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ إيقَاعَ الْعِتْقِ بِالْقُرْبِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ وَظَاهِرُهُ حَالَ الْمَرَضِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عِتْقٌ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ كَالْعِتْقِ فِي الصِّحَّةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْقُرْعَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعِتْقِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ فِي الرَّقِيقِ فِي الْعِتْقِ إذَا كَانَ لِلْمَالِكِ شَيْءٌ مِنْ مَالٍ وَأَمَّا السَّهْمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ إلَّا ذَلِكَ الرَّقِيقُ فَقَطْ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنَّمَا أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّقِيقِ السِّتَّةِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ رَبُّهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُمْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَسَمِعْت مُطَرِّفًا يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ رَقِيقِي أَحْرَارٌ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا غَيْرَهُمْ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ بَتَلَهُمْ فِي مَرَضِهِ، أَوْ بَتَلَ بَعْضَهُمْ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقٍ فَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ فَلْيُقْرِعْ بَيْنَهُمْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَرِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْهَمُ بَيْنَهُمْ إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مَالًا غَيْرَهُمْ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ تَعَلُّقُهُ بِلَفْظِ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ وَأَعْتَقَ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَدْخُلْ التَّبْعِيضُ فِي عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِجْمَالَ فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقُرْعَةِ لِيَتَمَيَّزَ مَنْ يَجُوزُ عِتْقُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَصَدَ التَّبْعِيضَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْعِتْقِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فَإِذَا أَعْتَقَ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يُخَالِفْ صُورَةَ مَا فَعَلَهُ بِعِتْقِهِ مِنْ التَّبْعِيضِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي التَّعَلُّقُ بِلَفْظِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَجَعَلَ عِلَّةَ الْقُرْعَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ وَظَاهِرُهُ حَالَ الْمَرَضِ أَوْ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الثُّلُثُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. (فَرْعٌ) وَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقُرْعَةِ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رَقِيقِي حُرٌّ لَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَيَّزَ نَصِيبَ الْعِتْقِ مِنْ نَصِيبِ الرِّقِّ وَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّبْعِيضَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَعْتِقُوا عَبْدِي فِي ثُلُثِي، أَوْ مَا حَمَلَ ثُلُثِي مِنْهُمَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا قُرْعَةَ فِيهِمَا وَيُعْتَقُ مِنْهُمَا بِالْحِصَصِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ. وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفِيهِ الْقُرْعَةُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ إضَافَةَ ذَلِكَ إلَى الثُّلُثِ مُخَالَفَةٌ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ اللَّفْظُ لَمْ يُقْصَدْ التَّبْعِيضُ وَإِذَا أَضَافَ ذَلِكَ إلَى الثُّلُثِ قُصِدَ التَّبْعِيضُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْقُرْعَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعِتْقَ تَنَاوَلَ جُمْلَتَهُمْ دُونَ تَبْعِيضِ الْعِتْقِ فِيهِمْ وَلَا يَتَمَيَّزُ مَا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَلَزِمَتْ الْقُرْعَةُ لِتَمْيِيزِ ذَلِكَ. 1 - (فَرْعٌ) وَقَالَ سَحْنُونٌ يَفْتَرِقُ عِنْدَنَا عَلَى حُكْمِ التَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِهَا فَإِذَا قَالَ مَيْمُونٌ وَمَرْزُوقٌ حُرَّانِ تَحَاصَّا فِي ضِيقِ الثُّلُثِ وَإِنْ قَالَ عَبْدَايَ حُرَّانِ أَوْ غِلْمَانِي أَحْرَارٌ أُقْرِعَ

الْقَضَاءُ فِي مَالِ الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُكَاتِبُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ هُوَ عَقْدُ الْوَلَاءِ إذَا تَمَّ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَالُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ وَلَدٍ إنَّمَا أَوْلَادُهُمَا بِمَنْزِلَةِ رِقَابِهِمَا لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ أَوْلَادِهِمَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا عَتَقَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كُوتِبَ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إذَا أَفْلَسَا أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا وَلَمْ تُؤْخَذْ أَوْلَادُهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمْ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ سَوَاءٌ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، أَوْ قَالَ رَقِيقِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ، أَوْ ثُلُثُهُمْ فَإِنَّهُ يُسْهِمُ بَيْنَهُمْ كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ قَالَ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُعَدَّى أَحَدٌ مِمَّنْ سَمَّى مِنْ الْعِتْقِ لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهِمْ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا فَلَا يَخْلُو اسْمٌ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مِنْ تَنَاوُلِ الْعِتْقِ لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهِمْ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا وَإِذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ وَعَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَى الْعَبِيدِ فَإِنَّ عِتْقَ بَعْضِهِمْ لَا يَخِلُّ بِعِتْقِ مَنْ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ وَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُمْ بِالسَّهْمِ فَقَدْ تَنَاوَلَ الْعِتْقُ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ الْعَبِيدِ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ تَنَاوَلَ كُلَّ عَبْدٍ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُسَمِّيَهُمْ فَإِذَا كَانَ السَّهْمُ يَجْرِي فِي عِتْقِهِ عَبِيدِهِ فَكَذَلِكَ إذَا سَمَّاهُمْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَلَوْ قَالَ أَعْتِقُوا ثَلَاثَةً مِنْ رَقِيقِي أَوْ عَشَرَةً وَهُمْ خَمْسُونَ أَوْ عِشْرُونَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْعَدَدَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدَدَ مِنْ الْجُمْلَةِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا سَمَّى عَدَدًا فَهَلَكَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعَدَدُ جُزْءًا مِنْ الْبَاقِي وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ سَوَاءٌ سَمَّى جُزْءًا، أَوْ عَدَدًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِمَّنْ بَقِيَ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْتِقُ مِنْ الْجَمِيع لَوْ بَقَوْا مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِخَمْسَةٍ وَجَمِيعُهُمْ ثَلَاثُونَ فَيَمُوتُونَ إلَّا خَمْسَةً فَإِنَّهُ يَعْتِقُ سُدُسُهُمْ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنْ أَمَرَ أَنْ يُعْتَقَ خَمْسَةٌ مِنْ رَقِيقِهِ وَهُمْ ثَلَاثُونَ فَمَاتُوا إلَّا عَشَرَةً أَعْتَقَ نِصْفَهُمْ: أَنَّ الْخَمْسَةَ نِصْفُ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا خَمْسَةٌ، أَوْ أَقَلُّ فَيَعْتِقُ جَمِيعُهُمْ وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَبِقَدْرِ التَّسْمِيَةِ مِنْ الْجُمْلَةِ حِينَ الْحُكْمِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ الِاعْتِبَارُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ فِي صِحَّتِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ لَا يُسْهِمُ فِي عِتْقِ الصِّحَّةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُعْتِقَ جَمِيعَ رَقِيقِهِ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفُذُ وَلَا يُرَدُّ عِتْقُ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ فِي صِحَّتِهِ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِهِ فَلَمْ يُعَيِّنْهُ حَتَّى مَاتَ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ يَعْتِقُ رُبْعُهُمْ بِالسَّهْمِ وَقِيلَ يَكُونُ الْخِيَارُ لِوَرَثَتِهِ فِي عِتْقِ أَحَدِهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَرَدْت الْقُرْعَةَ بَيْنَ الرَّقِيقِ فَإِنْ انْقَسَمُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُعْتَدِلَةٍ قَسَمْتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذُ ثَلَاثَ بَطَائِقَ فَيَكْتُبُ فِي كُلِّ بِطَاقَةٍ أَسْمَاءَ مَنْ فِي الْجُزْءِ مِنْ الْعَبِيدِ وَتُلَفُّ كُلُّ بِطَاقَةٍ فِي طِينٍ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ وَتُعْطَى لِمَنْ يُدْخِلُهَا فِي كُمِّهِ مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، ثُمَّ يُخْرِجُ وَاحِدَةً فَتُفَضُّ فَيُعْتَقُ مَنْ فِيهَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ الرَّقِيقُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَجْزَاءِ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ عَبْدٍ فِي بِطَاقَةٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بَعْدَ أَنْ تُعْرَفَ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَتُكْتَبَ قِيمَتُهُ مَعَ اسْمِهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَمَا حَمَلَ مِنْهُ وَرَقَّ بَاقِيهِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أُعِيدَ السَّهْمُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الثُّلُثُ وَرَوَى مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَدِينَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

[القضاء في مال العبد إذا عتق]

بِأَمْوَالٍ لَهُمَا قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي مَالِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جُرِحَ أُخِذَ هُوَ وَمَالُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَدُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْقَضَاءُ فِي مَالِ الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ] (ش) : قَوْلُهُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَكُونُ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ إذَا أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعِتْقِ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَالَهُ وَإِنَّمَا قَوِيَ مِلْكُهُ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَنَاوَلُ أَيْضًا إلَّا الْعَبْدَ دُونَ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مَالِكٍ لَهُ مِنْ انْتِزَاعِ مَالِهِ مَا لِلْأَوَّلِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ دُونَ مَالِهِ بِمَنْزِلَةِ انْتِزَاعِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ عِتْقِهِ الْمُبَاشِرِ الْبَتَلُ وَالْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ عِتْقٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَالُ الْمُعْتَقَ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ انْتِزَاعُ مَالِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ إنْفَاذِ عِتْقِهِ إنْ كَانَ الْعِتْقُ مُعَجَّلًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لِلْوَرَثَةِ انْتِزَاعُهُ مَا لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْوَرَثَةِ حُكْمَ الْمَوْرُوثِ فَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ إلَى أَجَلٍ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ مَا لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ فَكَذَلِكَ وَرَثَةُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُوصَى بِهِ إلَى أَجَلٍ لِرَجُلٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتْبَعُهُ مَالُهُ فِي وَصِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا رَهْنٍ إلَّا فِي عِتْقِ جَمِيعِهِ، أَوْ بَعْضِهِ أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ الْجِنَايَةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَصِيَّةِ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالْعَبْدِ كَالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْعَبْدُ إلَى مَالِكٍ فَلَمْ يَتْبَعْهُ مَالُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهِبَةَ إنَّمَا يَنْتَزِعُ الْمَالَ الْوَاهِبُ وَيَقُولُ لَمْ أُرِدْ إتْبَاعَ الْعَبْدِ مَالَهُ وَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ انْتِزَاعَ مَالِ الْعَبْدِ الْوَرَثَةُ لَا الْمُوصِي. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْهِبَةُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ وَهَبَ عَبْدًا لِلثَّوَابِ أَوْ لِغَيْرِ الثَّوَابِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنَّ مَالَهُ لَا يَتْبَعُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ يَتْبَعُ الْعَبْدَ مَالُهُ وَفِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِ وَهِبَتِهِ لِغَيْرِ عِوَضٍ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَإِسْلَامُهُ فِي الْجِنَايَةِ فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ مَالَهُ يَتْبَعُهُ وَالثَّانِيَةُ لَا يَتْبَعُهُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ تَعْلِيلِ الْأَصْلَيْنِ: الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ فَمَنْ قَالَ إنَّ فِي الْبَيْعِ إخْرَاجًا عَنْ مَالِكٍ بِعِوَضٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعْهُ مَالُهُ وَفِي الْعِتْقِ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ فَلِذَلِكَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَتْبَعُهُ مَالُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعِتْقِ. وَقَالَ فِي الْجِنَايَةِ لَا يَتْبَعُهُ مَالُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ وَمَنْ عَلَّلَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مَالِكٍ فَلِذَلِكَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَفِي الْعِتْقِ أَخْرَجَهُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ فَلِذَلِكَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَفِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْجِنَايَةِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مَالِكٍ كَالْبَيْعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ تَبِعَهُ مَالُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ هُوَ عَقْدُ الْوَلَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْوَلَاءِ كَالْعِتْقِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ فَهَذَا حُكْمُ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَإِنْ افْتَرَقَا فِي أَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ الْقِطَاعَةُ وَالْعِتْقُ الْمُطْلَقُ عِتْقٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ خَارِجٌ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ خَارِجٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَبَطَلَ بِالْكِتَابَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ - وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَحَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْعَبْدِ بِنَقْلِهِ إلَى مَالِكٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَتَبِعَهُ مَالُهُ كَالْوِرَاثَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَلَيْسَ مَالُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ الرَّقَبَةِ لَا بِمَنْزِلَةِ

[عتق أمهات الأولاد وجامع القضاء في العتاقة]

عِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَجَامِعُ الْقَضَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَالِ يُرِيدُ أَنَّ رَقَبَتَهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ رَقَبَةُ وَلَدِهِ وَمَالُهُ مِلْكٌ لَهُ وَلِذَلِكَ إذَا أُعْتِقَ بَقِيَ مَالُهُ عَلَى مِلْكِهِ وَبَقِيَ مَالُهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَهَذَا فِي الْعِتْقِ الْبَتْلِ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ فِيمَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَأَمَّا مَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ فِي الْأُمِّ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي كُلِّ مَنْ تَلِدُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ فَبِمَنْزِلَةِ مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ أَمَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَلَدَتْهُ بَعْدَ عَقْدٍ لَازِمٍ بِحُرِّيَّتِهَا فَكَانَ حُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمَهَا كَالْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُوصَى بِعِتْقِهَا، أَوْ لِفُلَانٍ فَمَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَرَقِيقٌ لِوَرَثَتِهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَمَا تَلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ عَقْدَ عِتْقِهَا قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ غَيْرُ لَازِمٍ وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْت لَازِمٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ أَمَتِهِ لِيَفْعَلَنَّ كَذَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْيَمِينُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقًا لَازِمًا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلٍ وَتَكَلُّفٍ فَكَانَ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. (فَصْلٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَلَدَ مُخَالِفٌ لِمَالِ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إذَا أَفْلَسَا أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا وَلَمْ يُؤْخَذْ أَوْلَادُهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِذِمَّتِهِ بِوَلَدِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ مَالِهِ لَقَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَالَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَالِ وَلَا حُكْمُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا جُرِحَ أُخِذَ هُوَ وَمَالُهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ وَلَدُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَالَ يَتْبَعُ الْعَبْدَ فِي الْجِنَايَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [عِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَجَامِعُ الْقَضَاءِ فِي الْعَتَاقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا فِي جِنَايَةٍ وَلَا سَبِيلَ لِغُرَمَائِهِ عَلَيْهَا فِي فَلْسٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مُعْظَمُ الْوُجُوهِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا الرَّقِيقُ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا إبْقَاؤُهَا عَلَى مِلْكِهِ، أَوْ تَعْجِيلِ عِتْقِهَا وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ عُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ عَلَى مَا كَانَتْ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ قَالَ تُعْتَقُ، ثُمَّ قَالَ تُوقَفُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يُسْلِمَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْعِتْقِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وُقِفَتْ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يُسْلِمَ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تُوقَفُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا وَإِلَّا عَتَقَتْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَعْجِيلِ عِتْقِهَا أَنَّهُ إنَّمَا لَهُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ فَإِذَا حَرُمَ عَجَّلَ عِتْقَهَا إلَى أَنْ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ إذَا وَهَبَهُ سَيِّدُهُ خِدْمَتَهُ عَجَّلَ عِتْقَهُ لَمَّا لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا حَرُمَ لِسَبَبٍ يُمْكِنُ زَوَالُهُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ قَدْ عَتَقَتْ أُمُّ وَلَدِهِ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَتْهُ وَلِيدَةٌ قَدْ ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ أَوْ أَصَابَهَا بِهَا فَأَعْتَقَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرِّدَّةِ فَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ كَفِرَاقِهِ زَوْجَتَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ فَإِنْ تَابَ رَجَعَتْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ قُتِلَ عَتَقَتْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قِيَاسِهِ الطَّلَاقَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِرِدَّتِهِ وَإِنَّمَا يَبْقَى مُرَاعَاةً لِسَائِرِ رَقِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا يُرِيدُ أَنَّ لَهُ جِمَاعَهَا وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الِاسْتِمْتَاعِ يَشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَجَعَلَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ مِنْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ لَهُ اسْتِخْدَامُهَا فِيمَا يَقْرُبُ وَلَا يَشُقُّ وَقَالَ فِي الْإِشْرَافِ لَيْسَ لَهُ إجَازَتُهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ يَمْلِكُهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدَهُ كَبَيْعِ رَقَبَتِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ يُرِيدُ أَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا يَرُدُّهَا دَيْنٌ وَلَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا إلَّا مَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَبْقَ لِغَيْرِهِ فِيهَا تَصَرُّفٌ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا اشْتَرَى السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَمَةً فَأَوْلَدَهَا رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَعْطَى مِنْ ثَمَنِهَا وَهَلْ تَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ أُمُّ وَلَدٍ أَمْ لَا. (ش) : الْإِصَابَةُ بِالنَّارِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعَمْدُ وَالثَّانِي الْخَطَأُ فَأَمَّا الْعَمْدُ فَمُؤَثِّرٌ فِي إنْجَازِ الْعِتْقِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ بِسَوْطٍ فِي أَمْرٍ عَتَبَ عَلَيْهِ فِيهِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ قَالَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا كَانَ يَعْتِقُ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ يُرِيدُ أَنْ يَقْصِدَ فَقْءَ عَيْنِهِ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ ضَرْبَهُ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَمَنْ ضَرَبَ رَأْسَ عَبْدِهِ فَنَزَلَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ فَلَيْسَ بِمُثْلَةٍ يُعْتَقُ بِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصَدَ الضَّرْبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَمْدُ وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى إتْلَافِ عُضْوٍ، أَوْ إحْدَاثِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الشَّيْنُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَبْلُغُ بِالْعَمْدِ شَيْنًا فَاحِشًا فَهَذَا يُعْتَقُ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى فَاعِلِهِ الْمَالِكِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَقْ بِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِاجْتِمَاعِ: أَمْرَيْنِ الْعَمْدُ وَبُلُوغُ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَلَمْ أَرَهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ - وَاَللَّه أَعْلَم - وَرَوَى سَلَّامَةُ بْنُ رَوْحٍ بْنِ زِنْبَاعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ «قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَصَى غُلَامًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُثْلَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُعْتَقُ عَلَيْهِ زَجْرًا عَنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِهِ كَالْقَاتِلِ عَمْدًا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ أَبَقَ عَبْدُهُ فَوَسَمَ فِي وَجْهِهِ، أَوْ جَبْهَتِهِ كَتَبَ فِيهِ أَبَقَ يُرِيدُ بِنَارٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْبُغُ فَأَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي ذِرَاعَيْهِ، أَوْ بَاطِنِ جَسَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ لِمَا فِي الْوَجْهِ مِنْ التَّشْوِيهِ الْبَيِّنِ وَأَمَّا فِي الذِّرَاعِ، أَوْ بَاطِنِ الْجَسَدِ فَهُوَ حَرْقٌ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْنٌ فَاحِشٌ فَافْتَرَقَا لِذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ وَسَمَهُ فِي وَجْهِهِ بِمِدَادٍ، أَوْ إبْرَةٍ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ مَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ وَالتَّشْوِيهِ وَتَغْيِيرِ الْخِلْقَةِ الظَّاهِرَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ عَلَى وَجْهِ الْجَمَالِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الْأَلَمِ وَقِلَّةِ الشَّيْنِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْن الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ مَنْ وَسَمَ وَجْهَ عَبْدِهِ عَمْدًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَارٍ وَغَيْرِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَطَعَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ عَبْدِهِ عُضْوًا الْيَدَ، أَوْ الرِّجْلَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ مَنْ عَمَدَ لِقَطْعِ أُنْمُلَةٍ، أَوْ طَرَفِ أُذُنٍ، أَوْ أَرْنَبَةٍ، أَوْ قَطْعِ بَعْضِ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ قَالَ أَشْهَبُ وَيُسْجَنُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ مَنْ قَطَعَ طَرَفَ أُنْمُلَةِ عَبْدِهِ أَوْ قَطَعَ ظُفْرَهُ، أَوْ شَرَفَ أُذُنِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ أَتَى عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ مَا فِيهِ نَقْصٌ مِنْ الْخِلْقَةِ وَشَيْنٌ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِيمَا يَبِينُ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ وَأَمَّا مَا يَعُودُ مِنْ الْجِرَاحِ فَلَيْسَ بِمُثْلَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيمَا عَادَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ وَأَمَّا مَا عَادَ عَلَى شَيْنٍ فَاحِشٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ الْقَوْلُ فِي حَرْقِ النَّارِ وَأَمَّا قَطْعِ الْعُضْوِ فَهُوَ شَيْنٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ مِنْ الشَّيْنِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَلْعُ الْأَسْنَانِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مُثْلَةٌ تُوجِبُ الْعِتْقَ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي جُلِّ الْأَسْنَانِ وَأَمَّا الضِّرْسُ الْوَاحِدَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ قَلَعَ ضِرْسَهُ، أَوْ سِنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا أَرَى ذَلِكَ إلَّا فِي جُلِّ الْأَسْنَانِ أَوْ الْأَضْرَاسِ وَأَمَّا السِّنُّ الْوَاحِدَةُ، أَوْ الضِّرْسُ الْوَاحِدَةُ فَلَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ السِّنَّ الْوَاحِدَةَ بَعْضُ عُضْوٍ كَالْأُنْمُلَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ السِّنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْنٌ ظَاهِرٌ وَلَا نَقْصُ عُضْوٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَظْمٌ عَارٍ. (فَرْعٌ) وَمَنْ سَحَلَ أَسْنَانَ عَبْدِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْصِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّ سَحْلَ الْأَسْنَانِ هُوَ أَنْ يَبْرُدَهَا حَتَّى يُذْهِبَهَا وَأَمَّا إنْ سَحَلَ لَهُ سِنًّا وَاحِدَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي السِّنِّ الْوَاحِدَةِ، وَشَأْنُهَا خَفِيفٌ وَعَلَى قَوْلِ عِيسَى هَذَا مَنْ قَلَعَ لَهُ سِنًّا وَاحِدَةً يُعْتَقُ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ لَيْسَ ذَلِكَ بِمُثْلَةٍ فِي عَبْدٍ وَلَا أَمَةٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُؤَدَّبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِعَبْدِهِ، أَوْ حَلَقَ رَأْسَ جَارِيَتِهِ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ النَّبِيلُ الْوَجِيهُ اللَّاحِقُ بِالْأَحْرَارِ فِي هَيْئَةٍ يَحْلِقُ سَيِّدُهُ لِحْيَتَهُ وَالْأَمَةُ الْفَارِهَةُ الرَّفِيعَةُ يَحْلِقُ سَيِّدُهَا رَأْسَهَا فَإِنَّهَا مُثْلَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا شَعْرٌ، وَلَيْسَ فِي إزَالَتِهِ أَلَمٌ وَإِنَّمَا هُوَ جَمَالٌ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْوَغْدُ وَالْأَمَةُ الَّتِي لَا خَطَرَ لَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُثْلَةٍ فِي حَقِّهَا لِضَعَتِهَا، وَأَمَّا الْعَبْدُ النَّبِيلُ الَّذِي قَدْ عَظُمَ قَدْرُهُ، أَوْ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَهَا قَدْرٌ رَفِيعٌ لَا تَصْلُحُ لِلِامْتِهَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمَا عَتَقَا عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ عَضَّ جَسَدَ جَارِيَتِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي امْرَأَةٍ عَضَّتْ لَحْمَ جَارِيَتِهَا وَأَثَّرَتْ بِذَلِكَ أَثَرًا شَدِيدًا تُبَاعُ عَلَيْهَا قَالَ أَشْهَبُ وَلَوْ عَضَّهَا لَمْ تُعْتَقْ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا، أَوْ يَبِينُ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْنٌ وَلَا قَطْعُ عُضْوٍ فَلَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ وَالتَّعْذِيبِ بِيعَتْ عَلَيْهِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهَا قَالَ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ لِمَنْ تَتَابَعَ مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ مِنْهُ فَلْتَةٌ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجَلْدُ السَّرَفُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ فِيهِ مُثْلَةٌ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْن الْقَاسِمِ فِيمَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ فَأَنْهَكَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُثْلَةً شَدِيدَةً مِثْلُ ذَهَابِ لَحْمِهِ وَرُبَّمَا تَأَكَّلَ لَحْمُهُ لِذَلِكَ وَبَقِيَ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمٍ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ وَمِثْلُ أَنْ يُحَدَّ وَيُؤَدَّبَ مِنْ ضَرْبِهِ وَتَبْلُغُ الزَّمَانَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُعَاقَبُ عَتَقَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُعْتَقْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَلَفَ لِيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَدْ أَسَاءَ وَيُتْرَكُ وَإِيَّاهُ فَإِنْ ضَرَبَهُ بَرَّ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً حَامِلًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَمْنَعُهُ السُّلْطَانُ مِنْ ضَرْبِهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنْ ضَرَبَهَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَأَثِمَ عِنْدَ رَبِّهِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ مِمَّا فِيهِ عَطَبٌ عَجَّلَ عِتْقَهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى الْمِائَةَ مِمَّا فِيهِ الْعَطَبُ فَلْيُعَجِّلْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِتْقَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا حَدٌّ وَلَوْ كَانَ يَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ لَمَا حَدَّ بِهِ مَنْ يُرَادُ اسْتِبْقَاءَ حَيَاتِهِ فَلِذَلِكَ مُكِّنَ مِنْ ضَرْبِهِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ أَنَّهُ قَدْرٌ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْعَطَبُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ضَرْبِهِ وَلْيُعَجَّلْ عِتْقَهُ. (فَصْلٌ) : وَمَنْ أُعْتِقَ عَلَى سَيِّدِهِ بِالْمُثْلَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِالْحُكْمِ وَقَالَ أَشْهَبُ بِالْمُثْلَةِ يَصِيرُ حُرًّا وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَمَّا الْمُثْلَةُ الْمَشْهُورَةُ لَا شَكَّ فِيهَا فَهُوَ حُرٌّ بِنَفْسِ الْمُثْلَةِ وَأَمَّا مَا يَشُكُّ فِيهِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا بِحُكْمٍ كَالْإِيلَاءِ الْبَيِّنِ فَأَجَلُهُ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ وَأَمَّا مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ فَمِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ فِعْلٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِتْقَ إلَى حُكْمٍ كَتَبْعِيضِ الْعِتْقِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَعْنَى يُوجِبُ عِتْقَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ بِوُجُودِهِ أَصْلُ ذَلِكَ شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْوَلِيدَةُ الَّتِي أَعْتَقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَعَمَّدَ سَيِّدُهَا ضَرْبَهَا بِنَارٍ أَثَّرَتْ فِي جَسَدِهَا شَيْنًا فَاحِشًا فَحَكَمَ بِحُرِّيَّتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُخْبِرَ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَيْهَا حِينَ الضَّرْبِ وَحَكَمَ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ يَدِهِ وَتَمْلِيكِهَا أَمْرَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ فَادَّعَى الْخَطَأَ وَادَّعَى الْعَبْدُ، أَوْ الْمَرْأَةُ الْعَمْدَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ حَتَّى يَظْهَرَ الْعَدَاءُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَرَبَهُ عَمْدًا وَإِنَّمَا يُرَاعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْمُثْلَةَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْعَبْدُ وَلَا الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ الضَّرْبِ فَكَانَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مَحْمُولًا عَلَى الْعَمْدِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَمَلٍ مُبَاحٍ فَلَمْ يَضْمَنْ جِنَايَتَهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ تَعَمُّدَهُ كَالطَّبِيبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ مَثَّلَ الذِّمِّيُّ بِعَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ أَشْهَبُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمُثْلَةِ وَلَوْ كَانَ مُعَاهَدًا حَرْبِيًّا لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَقُ عَلَى الذِّمِّيِّ إلَّا أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي التَّظَالُمِ كَالْمُسْلِمِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلُوا فِيهِ عَلَى شَرِيعَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا غَلَبَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا مَثَّلَ السَّفِيهُ بِعَبْدِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْعُتْبِيَّةِ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ فِعْلٌ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ حُكْمُ السَّفِيهِ فِيهِ حُكْمَ الْمَالِكِ لِأَمْرِهِ كَالِاسْتِيلَادِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمُثْلَةِ كَالصَّغِيرِ وَمَنْ يَجُوزُ عِتْقُهُ فَهَذَا الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمُثْلَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا مَثَّلَتْ ذَاتُ الزَّوْجِ بِعَبْدِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعْتَقُ رَضِيَ الزَّوْجُ، أَوْ كَرِهَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُعْتَقُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْمِدْيَانِ وَالْعَبْدِ فَقَالَ أَشْهَبُ يُعْتَقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرُّ يُحِيطُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ بِالْمُثْلَةِ وَرَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْمُثْلَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمِدْيَانِ وَلَا عَلَى السَّفِيهِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرِيضِ يُمَثِّلُ بِعَبْدِهِ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ فَإِنْ صَحَّ فَفِي رَأْسِ مَالِهِ وَأَصْلُهُ مَا تَقَدَّمَ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّ السَّفِيهَ إنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمُثْلَةِ وَلَا يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ بِالْمُثْلَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَالِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عِتْقٌ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ الْمَالَ فَتَبِعَ الْعَبْدَ كَالْعِتْقِ الْمُبْتَدَإِ يَقَعُ مِمَّنْ يَبْتَدِئُ حُرِّيَّتَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِمَالِكٍ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ لِعَبْدِهِ، أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَغُرِّمَ الْقِيمَةَ وَمَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ الْمُحْتَلِمُ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِنْ بَلَغَ الْحُلُمَ حَتَّى يَلِيَ مَالَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَّلَ بِعَبْدٍ لِزَوْجَتِهِ غُرِّمَ مَا نَقَصَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً مُفْسِدَةً فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَيُوَفَّى الْقِيمَةَ كَعَبْدِ الْأَجْنَبِيِّ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ عِتْقَ عَبْدِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ فَإِنَّ لِلْغُرَمَاءِ رَدَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّهُ دُونَ الْإِمَامِ فَإِنْ رَدُّوهُ وَبَاعُوهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرُدُّ الْإِمَامُ بَيْعَهُمْ وَيُعْتِقَهُمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّهُمْ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلَ الْعَدَمِ رَدَّ عِتْقَهُمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَكَمٌ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَالْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ إمْضَاؤُهُ وَالنَّظَرُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُمْضِيهِ دُونَهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَمْسَكَ الْغُرَمَاءُ عَنْ الْقِيَامِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَامَ الْغُرَمَاءُ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، أَوْ أَرْبَعٍ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ وَقَالُوا لَمْ نَعْلَمْ فَذَلِكَ لَهُمْ كَانُوا رِجَالًا، أَوْ نِسَاءً حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ عَلِمُوا وَأَمَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ اُسْتُحْسِنَ أَنَّهُ إذَا طَالَ الزَّمَانُ حَتَّى يُوَارِثَ الْأَحْرَارَ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَهِرَ بِالْحُرِّيَّةِ وَيَثْبُتَ لَهُ أَحْكَامُهَا بِالْمُوَارَثَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّضَا بِعِتْقِهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّطَاوُلِ الَّذِي لَعَلَّهُ أُثْبِتَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ أَوْقَاتُ يُسْرٍ وَلَوْ تَيَقَّنَ بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَدِيمًا مُتَّصِلَ الْعَدَمِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ وَمِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمْ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عِتْقَهُ وَلَوْ وُلِدَ لَهُ سَبْعُونَ وَلَدًا. (فَرْعٌ) وَلَوْ قَالَ الْغَرِيمُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَرْبَعٍ عَلِمْت بِعِتْقِهِ وَلَمْ أُنْكِرْهُ لِمَا اعْتَقَدْتُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُحِيطُ بِمَالِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ. وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا يُرَدُّ لِدَيْنِ هَذَا الْغَرِيمِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَرِيمٌ غَيْرُهُ رُدَّ ذَلِكَ الْغَرِيمُ وَدَخَلَ مَعَهُ هَذَا قَالَ أَصْبَغُ بَلْ يُرَدُّ لِهَذَا الْغَرِيمِ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ وَقَدْ أَعْسَرَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُرَدُّ عِتْقُهُ وَلَوْ رَدَّ الْإِمَامُ عِتْقَهُ، ثُمَّ أَيْسَرَ السَّيِّدُ قَبْلَ بَيْعِهِ تَعْتِقُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ: وَلَيْسَ رَدُّ السُّلْطَانِ بِرَدٍّ حَتَّى يُبَاعَ مَا لَمْ يُقَسَّمْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، أَوْ لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا أَعْرِف هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَاَلَّذِي أَعْرِفُ أَنَّ رَدَّ السُّلْطَانِ رَدُّهُ لِلْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فِي الدَّيْنِ فَلَا يُعْتَقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ أَفَادَ مَالًا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى إنْ رَدَّ السُّلْطَانُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَوْقِيفٌ وَنَظَرٌ وَلَوْ مَاتُوا لَكَانُوا مِنْ السَّيِّدِ فَإِذَا طَرَأَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ نَظَرُهُ وَتَوْقِيفُهُ الْعِتْقَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ إنَّ حُكْمَ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ بِرَدِّ الْعِتْقِ وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونُوا مِنْ ضَمَانِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَهُمْ رَدٌّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَرَدَّ السُّلْطَانُ عِتْقَ الرَّقِيقِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الْوَطْءُ وَلَهُ اسْتِخْدَامُهُمْ فَإِنْ أَفَادَهُ مِثْلَ دَيْنِهِ عَتَقُوا وَإِنْ أَفَادَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فِي كَلِمَةٍ بِيعَ مِنْهُمْ بِمَا بَقِيَ بِالْحِصَصِ وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بِيعَ الْآخَرُ وَأَعْتَقَ مَنْ بَقِيَ كَمَنْ أَعْتَقَ وَلَهُ وَفَاءٌ بِبَعْضِ دَيْنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَالَ عَبْدِي يَخْدُمُ فُلَانًا سَنَةً، ثُمَّ هُوَ لِفُلَانٍ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ رَدُّهُ حَتَّى تَنْقَضِي السَّنَةُ وَيَخْلُصَ لِلثَّانِي بَتْلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ رَدُّهُ وَإِجَازَتُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنَافِعَهُ لَا اعْتِرَاضَ لِلْغُرَمَاءِ فِيهَا وَلَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِهَا وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ عَتَاقَةُ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، أَوْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْمُحْتَلِمِ يُرِيدُ أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ الِاحْتِلَامِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِعَبْدِهِ وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَالْمَجْنُونِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْتَلِمَ، أَوْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْمُحْتَلِمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ

[ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة]

مَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي فَجِئْتُهَا وَقَدْ فَقَدَتْ شَاةً مِنْ الْغَنَمِ فَسَأَلْتهَا عَنْهَا فَقَالَتْ أَكَلَهَا الذِّئْبُ فَأَسِفْت عَلَيْهَا وَكُنْت مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَطَمْت وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأَعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا فَقَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْهَا» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْت تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أَعْتِقْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ بِهِ عَلَامَاتُ الِاحْتِلَامِ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ الْإِثْبَاتُ أَوْ السِّنُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَوُجِدَتْ بِهِ عَلَامَاتُ الْبُلُوغِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ، وَذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ قَدْ أَنْبَتَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ عَتَاقَةُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَإِنْ بَلَغَ الْحُلُمَ يُرِيدُ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكِمَ بِرَدِّ أَفْعَالِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّفِيهِ يَلِي مَالَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبَيِّنَ سَفَهُهُ، أَفْعَالُهُ جَائِزَةٌ حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي سَفَهُهُ بَيِّنٌ: يُحْجَرُ عَلَى مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَجَازَتْ أَفْعَالُهُ كَالرَّشِيدِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْحَجَرِ حُكْمٌ بِإِطْلَاقِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَنَّ حَالُ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فِي تَرْكِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يُبِيحُ مَالَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ عِتْقَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقَهُ وَإِنْ أَجَازَهُ وَلِيُّهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّهِ إتْلَافُ مَالِهِ فَإِذَا رَشَدَ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ رَدُّهُ إذَا رَشَدَ كَالصَّبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يُرِدْ عِتْقَهُ حَتَّى رَشَدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ زَالَ عَنْ يَدِهِ وَوَلَّى نَفْسَهُ فَتَرَكَهُ وَأَمْضَى عِتْقَهُ فَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ إذَا أَمْضَاهُ بَعْدَ رُشْدِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عِتْقُ السَّفِيهِ أُمَّ وَلَدِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ عِتْقَ السَّفِيهِ لِأُمِّ وَلَدِهِ لَازِمٌ جَائِزٌ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ نَافِعٍ أَنَّ عِتْقَهُ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ فَجَازَتْ إزَالَتُهُ كَالطَّلَاقِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عِتْقٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ كَعِتْقِ عَبْدِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ فِيهَا فَهَلْ يَتْبَعُهَا مَالُهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَتْبَعُهَا مَالُهَا إلَّا التَّافِهَ قَالَ سَحْنُونٌ كَانَ تَافِهًا، أَوْ غَيْرَ تَافِهٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يَتْبَعُهَا مَالُهَا إنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ أَنَّهُ سَفِيهٌ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ مَالِهِ بِالْقَوْلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ لِإِزَالَةِ مِلْكِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ فَإِذَا صَحَّ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ تَبِعَهَا الْمَالُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَيَبْقَى الْمَهْرُ لِلزَّوْجَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا كَانَ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَلَمْ يَنْتَزِعْهُ بِالْعِتْقِ. [مَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ] (ش) : قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى فَأَسِفْت عَلَيْهَا يُرِيدُ غَضِبْت عَلَيْهَا قَالَ عِيسَى فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] مَعْنَاهُ أَغْضَبُونَا وَقَوْلُهُ وَكُنْت مِنْ بَنِي آدَمَ يَعْنِي أَنَّهُ يُدْرِكُهُ مِنْ الْغَضَبِ مَا يُدْرِكُهُمْ وَقَوْلُهُ

[ما لا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يُعْتِقُ فِيهَا ابْنَ زِنًا؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ وَلَدَ زِنًا؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ) . مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ هَلْ تُشْتَرَى بِشَرْطٍ فَقَالَ: لَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي يُعْتِقُهَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا لِلَّذِي يَشْتَرِطُ مِنْ عِتْقِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَطَمْت وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ عَلَيْهِ رَقَبَةً بِلَطْمِهِ إيَّاهَا إنْ كَانَ قَدْ شَجَّ وَجْهَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ عَلَيْهِ رَقَبَةً مِنْ مَعْنًى آخَرَ كَفَّارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخُصَّهَا بِالْعِتْقِ فِي ذَلِكَ لِمَا قَدْ نَالَهَا مِنْ إذْلَالِهَا، وَسُؤَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا عَنْ مَعَانِي الْإِيمَانِ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّقَبَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِيمَانُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلتَّمْثِيلِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِيمَانُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: لِلْجَارِيَةِ أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ لَعَلَّهَا تُرِيدُ وَصْفَهُ بِالْعُلُوِّ وَبِذَلِكَ يُوصَفُ كُلُّ مَنْ شَأْنُهُ الْعُلُوُّ فَيُقَالُ مَكَانُ فُلَانِ فِي السَّمَاءِ بِمَعْنَى عُلُوِّ حَالِهِ وَرِفْعَتِهِ وَشَرَفِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا مَنْ أَنَا؟ فَقَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَحْصُلُ بِالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ وَالِاعْتِقَادِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَلَا اسْتِدْلَالٌ. 1 - قَالَ الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّ السَّائِلَ قَالَ: إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْت تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أَعْتِقُهَا «فَسَأَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَفَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَفَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمَّا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَعْتِقْهَا» ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَكَمَ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً دُونَ أَنْ يَسْأَلَهَا عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَتَى لِيُؤْمِنَ أَخَذْنَا عَلَيْهِ الشَّهَادَتَيْنِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِمَا حَكَمْنَا بِإِيمَانِهِ وَلَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ نَظَرِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ وَإِنْ كُنَّا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ وَنَحُضُّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إيمَانِهِ وَتَرْجَمَ مَالِكٌ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِمَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَأْوِيلَهُ فِي الْعِتْقِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عِتْقٌ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُنَا لِمَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُجْزِئُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ (ش) : قَوْلُهُ وَلَدُ الزِّنَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِكَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْتِقَ فِي ذَلِكَ وَلَدَ زِنًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِنَسَبِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعِتْقِ كَمَا لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ مَجُوسِيِّينَ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ هُوَ خَيْرُ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَعْمَلْ سُوأً قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَقَالَ رَبِيعَةُ إنِّي أَجِدُ فِي الْإِسْلَامِ شَأْنَهُ تَامًّا وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَا فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَاجِبَةٌ عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ لِمَا احْتَجَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحُطُّ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا لِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقِهَا فَلَمْ يَعْتِقْ رَقَبَةً تَامَّةً وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُوقِعُهُ وَحْدَهُ بَلْ يُوقِعُهُ مَعَهُ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ وَرَوَى عِيسَى فِي الْمَزنِيَّةِ سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَمَّنْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ الْعِتْقِ عَنْ وَاجِبٍ أَرَأَيْت أَنْ أَعْتَقَهَا فَقَالَ إنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي فَعَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِتْقُ رَقَبَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا عِلْمَ لَهُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِقِيمَتِهَا دُونَ نَقْصٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وَضَعَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ رَقَبَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ رَقَبَةً تَامَّةً قَالَ عِيسَى وَبَلَغَنِي عَنْ ابْن كِنَانَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا يُجْزِئُهُ. وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ وَأَنَّهُ مَنْ اعْتَقَدَ فِي ذَلِكَ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُجْزِي فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَمَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ جَزَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا اعْتَقَدَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ سَائِرَ النَّاسِ بِالْفَتْوَى إنْ اسْتَفْتَوْهُ وَبِالْحُكْمِ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مِمَّا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ الْعِتْقِ عَنْ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ فَقَالَ مَرَّةً يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ قَالَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْإِيجَابُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ لَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَقْدُ بَيْعٍ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى شَرْطٍ جَائِزٍ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ عَمَلًا؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْعَبْدَ بِهَذَا الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى غَيْرِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ وَثُبُوتِهِ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعِتْقَ وَوُجُوبُ الْعِتْقِ يُنَافِي تَقَرُّرِ الْمِلْكِ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَشْتَرِطْ وُقُوعَهُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي وَمُخْتَصًّا بِإِيقَاعِهِ دُونَ إيقَاعِ غَيْرِهِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعَ مِنْ عِتْقِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، أَوْ يُمْسِكَ عَنْهُ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ الرَّدِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ شَرْطًا جَائِزًا كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ وَإِمَّا أَنْ يَتَرَادَّا الْبَيْعَ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ وَقَامَ الْغُرَمَاءُ بِقُرْبِ الْبَيْعِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ عَيْبٌ، وَذَلِكَ بِقُرْبِ الْبَيْعِ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِعَيْبِهِ، أَوْ يَتْرُكَ شَرْطَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ بِقُرْبِ الْبَيْعِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ عَيْبٌ، أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَأَمَّا إنْ مَضَى لِلْبَيْعِ شَهْرٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ بِلَا شَرْطٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عِلْمٌ بِتَرْكِ الْمُبْتَاعِ الْعِتْقَ، وَمِثْلُهُ قَالَ ابْن الْقَاسِمِ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ لِمُضِيِّ الشَّهْرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُنْفِذَ الْعِتْقَ، أَوْ يُمْسِكَ عَنْهُ وَكَانَ لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعِتْقِ، أَوْ تَسْوِيغُ التَّرْكِ فَكَأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَمَا أَصَابَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ الْمَطْلُوبِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ إنْ اخْتَارَ ارْتِجَاعَ الْعَبْدِ، وَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الرَّقِيقِ فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْمُبْتَاعِ الْعِتْقَ وَلَمْ يَعْتَرِضْ مِنْهُ الْمُدَّةَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَبَطَلَ شَرْطُهُ مِنْ الْعِتْقِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُبْتَاعَ عِتْقُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ وَلَمَّا فَاتَ ارْتِجَاعُ الْعَبْدِ بِمَا دَخَلَهُ مِنْ الْعَيْبِ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَتُهُ دُونَ شَرْطٍ لِمَا تَعَدَّى بِهِ مِنْ مَنْع الْعِتْقِ وَهَذَا مَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَحُطُّ عَنْهُ وَقَدْ سَقَطَ الشَّرْطُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا فَاتَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ لِعَيْبٍ حَدَثَ بِهِ بَعْدَ شَهْرٍ، أَوْ طُولِ زَمَانٍ فَأَعْتَقَهُ حِينَئِذٍ الْمُشْتَرِي عَنْ ظِهَارٍ، أَوْ عِتْقٍ وَاجِبٍ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَالطُّولُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ السَّنَةُ وَالسَّنَةُ وَنِصْفٌ وَالسَّنَتَانِ أَبْيَنُ فَإِذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ دُونَ شَرْطِ الْعِتْقِ وَأَجْزَأَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّغْيِيرَ الظَّاهِرَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَيَشْتَرِطَهُ أَنَّهُ يُعْتِقُهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ فِيهَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا يُعْتَقَ فِيهَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إلَى سِنِينَ وَلَا أَعْمَى وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الرِّقَابُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهَا إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ فِي إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَمَ فِيهَا إلَّا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُطْعَمَ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الشَّهْرِ، أَوْ طُولَ الْمُقَامِ دُونَ عَيْبٍ يَقْتَضِي فَوَاتَ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَعْلَمْ بِتَرْكِ الْعِتْقِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتُهُ دُونَ شَرْطٍ وَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ سَالِمًا مِنْ الشَّرْطِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ حِينَئِذٍ عَنْ ظِهَارٍ أَوْ أَمْرٍ وَاجِبٍ أَجْزَأَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِيُعْتَقَ فَلْيَشْتَرِ عَلَى بَيْعِ الْبَرَاءَةِ وَلَا يَشْتَرِ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُهْدَةَ إنَّمَا هِيَ لِيَعْلَمَ سَلَامَتَهُ مِنْ عَيْبٍ لَا يَمْنَعُ وُجُودُهُ صِحَّةَ عِتْقِهِ عَنْ ظِهَارٍ وَلَا غَيْرِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا فِيمَا يَشْتَرِي لِلْعِتْقِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَرِضَ الْعَبْدُ مَرَضًا شَدِيدًا أَنَّهُ يُعْتَقُ إذَا اجْتَمَعَ الْمَالُ وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَيَشْتَرِطَهُ أَنَّهُ يُعْتِقُهَا) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ مَنْ اشْتَرَى رَقَبَةَ تَطَوُّعٍ بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لَمْ تَلْزَمْهُ بَعْدُ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَبَرِّعٌ بِعِتْقِ مَا مَلَكَ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ جَمِيعُهَا، أَوْ بَعْضُهَا وَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا لِتَطَوُّعٍ وَقَدَّرَ لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ الْمَأْمُورُ لَهُ فِي ثَمَنِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُوصِي إذَا اشْتَرَى رَقَبَةَ التَّطَوُّعِ وَاشْتَرَطَ الْعِتْقَ لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَبْلَغَ وَصِيَّتِهِ قَالَهُ مَالِكٌ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يُعْتَقُ إلَّا مُؤْمِنٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَقَيَّدَهَا بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ قَاسَ أَهْلُ الْعِلْمِ سَائِرَ الْكَفَّارَاتِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَيْرَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ عِتْقُ رَقَبَةٍ غَيْرِ مُؤْمِنَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُجِيبَ إلَيْهِ أَوْ يَنْمُوَ نَحْوَهُ وَمَنْ عَرَفَ الْقِبْلَةَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ لَا يُقَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ يُرِيدُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ فِي الِاسْتِرْقَاقِ عِنْدَهُ عَلَى دِينِهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ الْغَالِبُ مِنْ جَمِيعِهِمْ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى سِوَاهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمَّا يَظْهَرُ الرِّضَا بِالْإِسْلَامِ وَالْمَيْلُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَرْضَى بِمَا يَلْقَى الْمُتَمَسِّكُ بِدِينِهِ فَإِذَا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ يُرِيدُ أَظْهَرَ الْإِجَابَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا أَحْسَنُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْأَعْجَمِيِّ مَنْ قَصَرَ النَّفَقَةَ يَعْنِي مَنْ أَسْلَمَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِمَّنْ صَلَّى وَعَرَفَ الْقِبْلَةَ، أَوْ عَرَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ رَبَّ السَّوْدَاءِ أَنْ يُعْتِقَهَا حَتَّى أَقَرَّتْ بِالْإِيمَانِ وَعَرَّفَتْهُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَرَّفَتْهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إقْرَارُهَا بِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عِتْقُ الصَّغِيرِ وَأَبَوَاهُ كَافِرَانِ إذَا كَانَ يُرِيدُ إدْخَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِي مَذْهَبُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَفْهَمَ وَيُجِيبَ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِذَا حَكَمْنَا لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لِاعْتِقَادِ سَيِّدِهِ إدْخَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. 1 -

[عتق الحي عن الميت]

عِتْقُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ، ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إلَى أَنْ تُصْبِحَ فَهَلَكَتْ وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تُعْتِقَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْت لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَيَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّيَ هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَوْمٍ نَامَهُ فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِقَابًا كَثِيرَةً» قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ وَلَا يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُكَاتِبَهُ، ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ مُكَاتَبًا، ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَأَمَّا الَّذِي يُعْتِقَهُ بَعْدَ مُكَاتَبَتِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُجْزِي فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا مُعْتَقٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا مُعْتَقٌ بَعْضُهُ وَلَا مُمَثَّلٌ بِهِ وَلَا مَنْ يُعْتَقُ بِالْقَرَابَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ عِتْقٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ رَدُّهُ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَنْ كَاتَبَهُ هُوَ، أَوْ دَبَّرَهُ فَإِنْ كَاتَبَهُ غَيْرُهُ فَاشْتَرَاهُ هُوَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ الَّذِي قَالَ يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَهُ فَوْتًا وَلَمْ يَرُدَّهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عِتْقُهُ لِمُكَاتَبِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ ابْتَاعَ مُدَبَّرًا كَتَمَهُ الْبَائِعُ تَدْبِيرَهُ فَأَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبٍ أَجْزَأَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ عِتْقُ عَبْدٍ مُرْتَهَنٍ بِيَمِينٍ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عِتْقٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْهُ لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي مَيْمُونَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ ظِهَارِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ لِنَذْرِهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْعِتْقِ عَنْ ظِهَارِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَأَعْتَقَهَا عَنْ وَاجِبٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا مِنْهُ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالشِّرَاءِ أُمَّ وَلَدٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتُجْزِئُهُ إنْ كَانَتْ بَيِّنَةَ الْحَمْلِ فَإِنْ شَكَّ فِيهَا انْتَظَرَ فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ لَمْ تُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ حَمَلَتْ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ بِرَحْمَتِهِ -. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ تَطَوُّعًا يُرِيدُ ابْتِدَاءَ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ، أَوْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ عِتْقٌ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِيمَانَ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ وَهَذَا كَلَامٌ فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعَتَاقَةُ نَوْعًا مِنْ الْمَنِّ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْعِتْقِ أَخُصُّ بِمَا تَقَدَّمَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ وَاسْمُ الْمَنِّ أَخَصُّ بِمَا مُنَّ عَلَيْهِ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: إنَّ الْإِمَامَ فِي الْأَسْرَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْقَتْلُ وَالْفِدَاءُ، أَوْ الْمَنُّ، أَوْ الِاسْتِرْقَاقُ، أَوْ عَقْدُ الذِّمَّةِ. [عِتْقُ الْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ] (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فَأَمَّا عَنْ الْحَيِّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ رَجُلٍ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ وَاجِبٍ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَطْعَمَ عَنْهُ، أَوْ كَسَا وَذَلِكَ كَتَكْفِيرِهِ عَنْ الْمَيِّتِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ بِأَمْرِهِ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُمْكِنٌ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا وَيَصِحُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَيِّتَ

[فصل عتق الرقاب وعتق الزانية وابن الزنا]

فَصْلٌ عِتْقُ الرِّقَابِ وَعِتْقُ الزَّانِيَةِ وَابْنِ الزِّنَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرِّقَابِ أَيُّهَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًا وَأُمَّهُ) . مَصِيرُ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَدْتُهَا وَيَكُونُ لِي وَلَاؤُكِ فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ إنِّي قَدْ عَرَضْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ اشْتَرَى الْمُعْتَقَ عَنْهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِعِتْقِهِ عَنْهُ بِعَيْنِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَا يُجْزِئُ فِي الْحَيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَعْتِقَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَعْطَاهُ عِوَضًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ لَمْ يَجْزِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ الرَّقَبَةَ الْوَاجِبَةَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ضَمِنَ وَلَمْ يُجْزِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَيَشْتَرِي لَهُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَالْعِتْقُ عَنْهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءٌ فَمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ مِنْ مُؤْمِنٍ، أَوْ كَافِرٍ، أَوْ نَاقِصِ الْخِلْقَةِ، أَوْ كَامِلِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَمَّا إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: إنْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ فِي التَّطَوُّعِ نَصْرَانِيًّا ضَمِنَ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُفْرَهَا عَيْبٌ فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ وَقَدْ أَوْصَى عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي يَقْتَضِي السَّلَامَةَ أَنْ يَشْتَرِي لَهُ مَعِيبًا. (فَرْعٌ) وَمَنْ أَعْتَقَهُ رَجُلٌ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ. [فَصْلٌ عِتْقُ الرِّقَابِ وَعِتْقُ الزَّانِيَةِ وَابْنِ الزِّنَا] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْلَاهَا ثَمَنًا يَقْتَضِي الِاعْتِبَارَ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنَ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَأَمَّا زِيَادَةُ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْبَى أَهْلُهَا مِنْ بَيْعِهَا إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى قِيمَتِهَا وَيَرْغَبُ فِي عِتْقِهَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِذَلِكَ، أَوْ لِمَعْنًى يَخُصُّهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا زِيَادَةُ الثَّمَنِ لِزِيَادَةِ قِيمَتِهَا فَيُعْتَبَرُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ خِيَارُ رَقِيقِهِ بُدِئَ بِأَغْلَاهُمْ ثَمَنًا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرَّقَبَتَانِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاحِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةً وَالثَّانِيَةُ نَصْرَانِيَّةً وَهِيَ أَكْثَرُهُمَا ثَمَنًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّ عِتْقَ الْكَثِيرَةِ الثَّمَنِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً. وَقَالَ أَصْبَغُ عِتْقُ الْمُسْلِمَةَ أَفْضَلُ وَلَوْ كَانَتَا مُسْلِمَتَيْنِ وَإِحْدَاهُمَا أَصْلَحَ دِينًا وَهِيَ أَقَلُّ ثَمَنًا فَالْكَثِيرَةُ الثَّمَنِ أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اعْتِبَارِ غَلَاءِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُهُ الْمُعْتَقُ وَأَمَّا الدِّينُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَخْتَصُّ بِالرَّقَبَةِ، وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَا الْكَثِيرَةَ الثَّمَنِ عَلَى الْأَصْلَحِ دِينًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ حَمْلُهُ الْحَدِيثَ فِي غَلَاءِ الثَّمَنِ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَامِ وَلَا اعْتِبَارَ بِزِيَادَةِ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ إجْزَاءِ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ وَلِلْكُفْرِ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّقَبَتَيْنِ إذَا تَقَارَبَتَا فِي الْأَثْمَانِ بَدَأَ بِالْأَصْلَحِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَقَبَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِغِيَّةٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ أَغْلَاهُمَا ثَمَنًا بِدِينَارٍ.

[مصير الولاء لمن أعتق]

فَأَبَوْا عَلَيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَك صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَك فَعَلْت فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُكِ لَنَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَصِيرُ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ] (ش) : قَوْلُ بَرِيرَةَ كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى النُّجُومِ جَائِزَةٌ وَتَكُونُ الْكِتَابَةُ شَيْئًا مُقَدَّرًا وَمَا يُدْفَعُ مِنْهُ فِي كُلِّ عَامٍ مُقَدَّرًا وَقَوْلُهَا فَأَعِينِينِي دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّعْيِ وَأَخْذِ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ لِتُؤَدِّي بِهَا عَنْ نَفْسِهَا وَأَمَّا الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ مِنْ الزَّكَوَاتِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ أَعْطَى مِنْهَا مَا يُتِمُّ بِهِ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ فَجَائِزٌ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَمَّا إنْ يُعْطَى مِنْهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ مَعَ بَقَاءِ رِقِّهِ فَلَا، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ بَرِيرَةَ فَأَعِينِينِي مَا يَدُلُّ عَلَى زَكَاةٍ وَلَا عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّمَا طَلَبَتْ الْعَوْنَ عَلَى الْأَدَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَدْتهَا وَيَكُونُ لِي وَلَاؤُك فَعَلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى شِرَاءِ الْمُكَاتَبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى شِرَائِهَا لِعَجْزِهَا عَنْ الْأَدَاءِ، أَوْ رُجُوعِهَا إلَى الرِّقِّ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ لِعِيسَى كَيْفَ جَازَ لِعَائِشَةَ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ؟ فَقَالَ: نَحْمِلَهُ عَلَى أَنَّهَا عَجَزَتْ وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فَأَمَّا شِرَاءُ الْمُكَاتَبِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ مَرَّةً إنْ فَاتَ بِالْعِتْقِ لَمْ يُرَدَّ وَقَالَ مَرَّةً يُرَدُّ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِتْقَ الْبَتْلَ أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْكِتَابَةِ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ وَلَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَأَمَّا حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْجَزَ عَنْهُ فَتَلَوَّمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهَا فَخَرَجَتْ تَسْعَى فِي أَدَاءِ نَجْمِهَا فَاخْتَارَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَتْرُكَ السُّؤَالَ وَتَرْضَى بِالْعَجْزِ لِتَشْتَرِيَهَا فَتُنَفِّذَ عِتْقَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَرْفَقَ وَأَتَمَّ لِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَجَزَتْ عَمَّا بَقِيَ مِنْ نُجُومِهَا بِالْمُكَاتَبَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَتْ النَّجْمَ الَّذِي حَلَّ بِإِعْطَاءٍ مِنْ عَائِشَةَ، أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ رُبَّمَا إنْ كَانَتْ بَقِيَتْ النُّجُومُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ مَعَ الْأَدَاءِ بِتَعْجِيلِ عِتْقِهَا تِسْعَ سِنِينَ وَيَكُونُ إذَا اشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ يَكُونُ الْوَلَاءُ لَهَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ، أَوْ عَلَى مَا ظَنَّتْ أَنَّهَا لَا يَثْبُتُ لَهَا إلَّا بِالشَّرْطِ. (فَصْلٌ) : وَمَا ذَكَرَتْ أَنَّ أَهْلَهَا أَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا بَيْعَ الْكِتَابَةِ لَا بَيْعَ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الرَّقَبَةِ، وَالْكِتَابَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَنْ كَاتَبَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ قَدْ أَرَادُوا بَيْعَ الرَّقَبَةِ إمَّا مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَإِمَّا بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ لَهُمْ جَائِزٌ مَعَ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ الْحَدِيثِ لَمَّا قَضَى بِالْوَلَاءِ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُهُ لِلْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بْنُ النَّحَّاسِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى ذَلِكَ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ الْوَلَاءَ لِنَفْسِك وَإِنَّ لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ وَإِنْ اشْتَرَطُوا الْوَلَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ وَلَوْ اشْتَرَطُوهُ مِائَةَ مَرَّةٍ فَإِنَّ شَرْطَ اللَّهِ يَعْنِي مَا أَمَرَ بِهِ وَشَرَعَهُ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ اشْتَرَطَ الْوَلَاءَ بِالْعِتْقِ لَا بِالشَّرْطِ. وَقَدْ رَوَى فِي الْمُزَنِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مُكَاتَبٍ بَاعَهُ أَهْلُهُ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِمَنْ بَاعَهُ فَقَالَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِشِرَاءِ بَرِيرَةَ وَيَشْتَرِطُ الْوَلَاءَ لِلْبَائِعِ عَلَى مَعْنَى الْخَدِيعَةِ يُرِيدُونَ، وَلَكِنْ بَعْد الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِوَجْهِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ مَعَ الشَّرْطِ قَالَ سَحْنُونٌ إذْ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ مِنْ الْقُلُوبِ مَحَلَّ الْحُكْمِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَنْسَى، أَوْ أُنَسَّى لِأُسِنَّ يُرِيدُ أَنَّ الْفِعْلَ أَثْبَتُ فِي النُّفُوسِ مِنْ التَّعْلِيمِ بِالْقَوْلِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ اشْتَرِطِي لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ مَا عَلِمْت مَنْ قَالَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَ سَحْنُونٌ مَعْنَاهُ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقٍ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمَيِّتِ وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَوَلَاؤُهُ لِلْغَيْرِ وَإِنْ كَرِهَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أَعْتَقَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ إذَا أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوَلَاءَ مَعْنًى يُورَثُ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْصِيبِ فَلَا يَفْتَقِرُ حُصُولُهُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ إلَى إذْنِهِ كَالنَّسَبِ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ الْوَلَاءَ تَعْصِيبٌ ثَبَتَ بِالْإِذْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَصْلُ ذَلِكَ: الرَّجُلُ يُعْتِقُ عَبْدَهُ فَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ هَذَا الْبَابِ عِنْدِي مَنْ يُعْتَقُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مَحْمُولٌ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا إنْ خَصَّ مِنْهُ الْمُعْتِقَ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ مُعْطِي الْوَرِقِ مَنْ يُعْتَقُ عَنْهُ دُونَ مُبَاشَرَةِ الْعِتْقِ وَأَمَّا الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ نَفْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ مُدَبَّرَهُ عَنْ فُلَانٍ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ عَنْهُ عِيسَى وَلَا أُحِبُّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ إتْمَامِ نَقْلِ الْوَلَاءِ عَنْ الْمُدَبَّرِ قَالَ عِيسَى قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَالْمُكَاتَبُ مِثْلُهُ قَالَ مَا أَشْبَهَهُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ قَدْ ثَبَتَ لَهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُفْسَخَ بِمَالٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقَهُ لَكَانَ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ وَهَذَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوِّغْهُ نَقْضُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ قَالَ عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْمُدَبَّرِ يَبِيعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيُعْتِقُهُ الْمُبْتَاعُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَوَّغَهُ بِإِطْلَاقِ الْبَيْعِ لِلْمِلْكِ الَّذِي يُبْطِلُ الْوَلَاءَ فَإِذَا فَاتَ رُدَّ الْبَيْعُ بِالْعِتْقِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُبْتَاعِ الْمُعْتِقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتَقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا مِمَّنْ يُعْتِقُهَا قَالَ أَصْبَغُ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ، وَالْعِتْقُ مَاضٍ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عَلَى الْعِتْقِ. وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ الْعِتْقُ بَاطِلٌ وَتُرَدُّ إلَى سَيِّدِهَا أُمُّ وَلَدٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ بَيْعَهَا مِمَّنْ يُعْتِقُهَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُبْتَاعُ مَالًا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ عِتْقَهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ فَيُحْمَلُ أَمْرَهَا عَلَى الْجَائِزِ مِنْ الْمَعْنَى دُونَ الْمُنْتَزِعِ مِنْ اللَّفْظِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يُبَاشِرُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقُهَا الْمُبْتَاعُ فَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بِالشَّرْعِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى مِلْكِ الْمُبْتَاعِ لِمَا ابْتَاعَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا

[جر العبد الولاء إذا أعتق]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِي مَنْ شَاءَ مَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» فَإِذَا جَازَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لَهُ وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَتِلْكَ الْهِبَةُ) . جَرُّ الْعَبْدِ الْوَلَاءَ إذَا أُعْتِقَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ هُمْ مَوَالِيَّ وَقَالَ مَوَالِي أُمِّهِمْ بَلْ هُمْ مَوَالِينَا فَاخْتَصَمُوا إلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلَائِهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْنَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فَإِنَّ الْمَالَ سَائِغٌ لِلْبَائِعِ وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ وَالْعِتْقُ مَاضٍ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إعْطَاءِ الْمَالِ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا وَقَعَ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا نَفَذَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ وَلَمَّا بَطَلَ الْبَيْعُ رَدَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الثَّمَن؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ الثَّمَنِ. (ش) : نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْبَيْعِ دُونَ الرَّقَبَةِ إذَا ثَبَتَ بِعِتْقٍ، أَوْ بِعَقْدٍ لَازِمٍ يَقْتَضِي الْعِتْقَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْ مَحَلِّهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» يُرِيدُ أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا ثَبَتَ لِمَنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ مَعْنَاهُ إذَا أَوْقَعَ عَنْهُ الْعِتْقَ غَيْرُهُ وَمِنْ ابْتَاعَ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، أَوْ هِبَتِهِ فَلَيْسَ بِمُعْتِقٍ وَلَا مُعْتَقٍ عَنْهُ وَأَمَّا انْتِقَالُ الْوَلَاءِ بِالْمَوَارِيثِ وَالْجَدِّ فَمِنْ بَابِ مِيرَاثِ الْحُقُوقِ بِسَبَبِ الْمُعْتَقِ الْمَوْرُوثِ لَا عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ يَنْتَقِلُ وَإِنَّمَا هُوَ بَاقٍ كَالنَّسَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ بَاعَ وَلَاءَ مُعْتَقِهِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يَبْطُلُ بَيْعَهُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَوْ وَهَبَهُ لَمْ تَمْضِ هِبَتُهُ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ كَمَا لَا يَنْتَقِلُ النَّسَبُ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إجَازَةُ هِبَةِ الْوَلَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَبْتَاعَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِزَيْدٍ، أَوْ لِعَمْرٍو، أَوْ لِمَنْ يَخْتَارُ الْعَبْدُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ، أَوْ أُعْتِقَ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي يَخْتَارُ الْعَبْدُ مُوَالَاتَهُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لَمْ يُعْتَقْ وَلَا أَعْتَقَ عَنْهُ وَنَهَى أَيْضًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ وَمَا يَخْتَارُ الْعَبْدُ مِنْ صَرْفِ وَلَائِهِ إلَى مَنْ شَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ الْعَبْدُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ابْتِدَاءً، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَمْنُوعٌ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمَا وَفِي الْمُزَنِيَّةِ سَأَلَتْ عِيسَى عَمَّا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ أَنْ يَبْتَاعَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ أَرَأَيْت إنْ وَقَعَ ذَلِكَ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ قَالَ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. [جَرُّ الْعَبْدِ الْوَلَاءَ إذَا أُعْتِقَ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الزُّبَيْرَ اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ بَنُونَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَأَعْتَقَهُ فَقَضَى لَهُ عُثْمَانُ بِوَلَائِهِمْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَامَتْ السُّنَّةُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ وَلَدَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُعْتَقَةِ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ مَا كَانَ أَبُوهُ عَبْدًا فَإِذَا عَتَقَ جَرَّهُ إلَى مَوَالِيهِ وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْتَقَ أَبُوهُ فَعَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الزُّبَيْرِ كَانَتْ زَوْجَةُ الْعَبْدِ مَوْلَاةً فَكَانَ وِلَايَتُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ فَلَمَّا أَعْتَقَ الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ رَأَى أَنَّهُ قَدْ جَرَّ وَلَاءَهُمْ وَصَارُوا مَوَالِيَ لَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ كَانَ عَتَقَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَاعَةٍ يُرِيدُ أَنَّهُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ لِمَنْ وَلَاؤُهُمْ فَقَالَ سَعِيدٌ إنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْمَوَالِي يُنْسَبُ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ فَيَكُونُونَ هُمْ مَوَالِيهِ إنْ مَاتَ وَرِثُوهُ وَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً عَقَلُوا عَنْهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ أُلْحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَدَّ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلَاعَنَةُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لَاعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إلَّا أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يُلْحَقْ بِأَبِيهِ وَإِنَّمَا وَرِثَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ الْمُوَلَّاةِ مَوَالِي أُمِّهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلَا عَصَبَةٌ فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ صَارَ إلَى عَصَبَتِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي وَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَأَبُو الْعَبْدِ حُرٌّ إنَّ الْجَدَّ أَبَا الْعَبْدِ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ ابْنِهِ الْأَحْرَارِ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ يَرِثُهُمْ مَا دَامَ أَبُوهُمْ عَبْدًا فَإِنْ أُعْتِقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِيهِ وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ الْمِيرَاثُ وَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَأَبُوهُ عَبْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمٍ وَلَا رِضَا أَحَدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَرِيضًا مَرَضًا شَدِيدًا فَأُعْتِقَ غَدْوَةً وَمَاتَ عَشِيَّةً إذَا نَالَهُ الْعِتْقُ حَيًّا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ وُجُودِ سَبَبِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لِغَيْرِ مَنْ يَجُرُّهُ إلَيْهِ كَابْنِ الْمُلَاعَنَةِ يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَبُوهُ انْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ فَوَرِثَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ ابْنَ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ اشْتَرَى أَبَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ كَانَ وَلَاءُ أَبِيهِ لَهُ يَجُرُّهُ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ سَحْنُونٌ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا إلَّا ابْنَ دِينَارٍ فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ كَالسَّائِبَةِ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ لَمَّا أَعْتَقَهُ ابْنُهُ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلَاءُ الِابْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الِابْنَ لَا يَجُرُّ وَلَاءً فَيَثْبُتُ وَلَاءُ الْأَبِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ لِمَنْ وَلَاؤُهُمْ فَقَالَ سَعِيدٌ إنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْمَوَالِي يُنْسَبُ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ فَيَكُونُونَ هُمْ مَوَالِيهِ إنْ مَاتَ وَرِثُوهُ وَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً عَقَلُوا عَنْهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ أُلْحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَدَّ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلَاعَنَةُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لَاعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إلَّا أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لِأُمِّهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يُلْحَقْ بِأَبِيهِ وَإِنَّمَا وَرِثَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ الْمُوَلَّاةِ مَوَالِي أُمِّهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلَا عَصَبَةٌ فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ صَارَ إلَى عَصَبَتِهِ) . (ش) : قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ إنْ مَاتَ أَبُوهُمْ عَبْدًا فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ وُلِدُوا بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُمْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ أُعْتِقَ أَبُوهُمْ لَجَرَّ الْوَلَاءَ وَلَوْ وُلِدَ هَؤُلَاءِ فِي حَالِ رِقِّ أُمِّهِمْ فَنَالَهُمْ الرِّقُّ، ثُمَّ عَتَقُوا مَعَ أُمِّهِمْ، أَوْ أُفْرِدُوا بِالْعِتْقِ حَالَ الْحَمْلِ، أَوْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّ وَلَاءَهُمْ يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَهُمْ سَوَاءٌ بَقِيَ أَبُوهُمْ عَلَى حَالِ الرِّقِّ، أَوْ انْتَقَلَ بِالْعِتْقِ إلَى حُرِّيَّةٍ وَلَا يَجُرُّ وَلَاءَهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ الثَّابِتَ بِالْعِتْقِ لَا يَجُرُّهُ عِتْقُ أَبٍ وَلَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَجُرُّ وَلَاءً ثَبَتَ بِالْوِلَادَةِ دُونَ الْعِتْقِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ لَحِقَ بِهِ وَصَارَ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ وَبَطَل نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَوْلَى بِاللِّعَانِ صَارَ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ رُدَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِيهِ فَجَعَلَ اللِّعَانَ كَحَالِ كَوْنِ الْأَبِ عَبْدًا، وَحَالُ الِاعْتِرَافِ بَعْدَ ذَلِكَ كَحَالِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْأَبِ مِنْ الْعِتْقِ فَيَجُرُّ بِهِ وَلَاءَ أَبِيهِ إلَى مَوَالِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْعَرَبِ فَيَعْرِفُ زَوْجَهَا فَالْوَلَدُ مِثْلُ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ نَسَبَ الِابْن يَرْجِع بِالِاعْتِرَافِ إلَى نَسَبِ الْأَبِ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيَّةِ إذَا وَرِثَ ذَوِي الْفُرُوضِ حُقُوقَهُمْ وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ كَانَتْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مَوَالِي أُمِّهِ الْبَاقِيَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالتَّعْصِيبِ يُسْتَوْفَى بِهِ الْمِيرَاثُ فَبَقَاءُ مَوَالِي الْأَبِ فِي ذَلِكَ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ عَصَبَةِ الْأَبِ فِي الْعَرَبِيِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْت عِيسَى عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ الْمَوْلَاةِ يَرِثُ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ وَيَرِثُ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ مَوَالِي أُمِّهِ وَلَا يَرِثُ عَصَبَةُ الْمَرْأَةِ الْعَرَبِيَّةِ بَقِيَّةَ الْمِيرَاثِ فَقَالَ: عَصَبَةُ الْمَرْأَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَخْوَالُ وَلَدِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ إخْوَةٌ لَكَانُوا أَخْوَالًا لَا يَرِثُونَ وَيَكُونُ بَقِيَّةُ مِيرَاثِ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوَالٍ فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا مَوَالِي الْأُمِّ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَرِثُونَ بِالْوَلَاءِ.

جَرَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ الْوَلَاءَ وَالْمِيرَاثَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ، ثُمَّ يُعْتَقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَوْ بَعْدَ مَا تَضَعُ أَنَّ وَلَاءَ مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا لِلَّذِي أَعْتَقَ أُمَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ أُمُّهُ وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إذَا عَتَقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ يَجُرُّ إلَى مَوَالِيهِ وَلَاءَ ابْنِ ابْنِهِ مَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَاتَ أَوْ عَاشَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جَرَّ الْوَلَاءِ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْأُبُوَّةِ وَلَا يُشَارِكُ فِي ذَلِكَ الْأَبَ غَيْرُ الْجَدِّ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَلِكَ أَبُو الْجَدِّ إذَا كَانَ حُرًّا وَكَانَ الْجَدُّ وَابْنُهُ عَبْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُرُّ إلَى مَوَالِيهِ وَلَاءَ ابْنِ ابْنِهِ حَتَّى يُعْتَقَ الْجَدُّ فَيَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ، أَوْ حَتَّى يُعْتَقَ الْأَبُ فَيَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِيهِ وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ عَبْدًا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ جَرَّهُ إلَيْهِ الْجَدُّ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَا يَنْقُلُ أَحَدٌ مِنْ الْقَرَابَاتِ الْوَلَاءَ إلَّا الْأَبُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ ابْنَانِ حُرَّانِ وَأَبٌ فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ جَرَّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ وَالْمِيرَاثَ يُرِيدُ أَنَّ الْأَبَ مَا دَامَ عَبْدًا لَا يَرِثُ وَلَا يَجُرُّ وَلَاءً وَلَا يَحْجُبُ فَمَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِهِ فَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ يَجُرُّ وَلَاءَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ عَبْدٌ وَالْعُبُودِيَّةُ تَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَجَرَّ الْوَلَاءِ، وَالْأَخُ لَا يَجُرُّ وَلَاءً. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا حِينَ أَعْتَقَهَا مَمْلُوكٌ، ثُمَّ يُعْتَقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَوْ بَعْدَ مَا تَضَعُ أَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ لِمَوَالِي أُمِّهِ لَا يَجُرُّهُ أَبُوهُ إذَا عَتَقَ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَتَقَتْ الْأُمُّ فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَلَيْسَتْ بِظَاهِرَةِ الْحَمْلِ وَالزَّوْجُ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْأَبَ يَجُرُّ وَلَاءَهُ إلَى مُعْتَقِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا مَسَّهُ الرِّقُّ فَعَتَقَ فَإِنَّ وَلَاءَهُ قَدْ ثَبَتَ لِمُعْتَقِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِجَرِّ أَبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَاَلَّذِي يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ مَسَّهُ الرِّقُّ أَنْ تَضَعَهُ الْأُمُّ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَتَقَتْ، أَوْ تَكُونُ يَوْمَ عَتَقَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ أَوْ يَكُونُ زَوْجُهَا مَمْنُوعًا مِنْهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا فَهَهُنَا ثَبَتَ وَلَاءُ مَا وَضَعَتْهُ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ فَقَدْ مَسَّهُ رِقُّهُ وَعَتَقَ بِعِتْقِهِ فَثَبَتَ وَلَاؤُهُ لَهُ ثُبُوتًا لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْوَلَاءِ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْعِتْقِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِجَرِّ الْأُمِّ مِثْلَ أَنْ تَحْمِلَ بِهِ بَعْدَ أَنْ تُعْتَقَ فَيَجُرُّ وَلَاءَهُ إلَى مَوَالِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ عَبْدٌ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوَلَاءِ فَإِذَا عَتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ فِي الْجَنْبَتَيْنِ بِالْجَرِّ وَجَنْبَةُ الْأَبِ أَقْوَى فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مِنْ جَنْبَةِ الْأُمِّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ادَّعَى مُعْتِقُ الْأَبِ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَالَ سَيِّدُ الْأَمَةِ إنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَ الْعِتْقِ فَمُعْتِقُ الْأَبِ مُصَدَّقٌ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنَّمَا شَكَّ فِي وَقْتِ الْحَمْلِ وَذُكِرَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ يَوْمَ الْعِتْقِ أَوْ تَضَعُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَزَوَّجَ مُدَبَّرَةً فَمَاتَ السَّيِّدُ وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا وَهِيَ حَامِلٌ يَوْمَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُمْ لِمَنْ يُعْتِقُ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَهُمْ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ بِهِمْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا لَهُ فَيَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ إنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ لَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ لَمْ يَخْلُ أَنْ يُعْتِقَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ بِإِذْنِهِ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ إنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِسَيِّدِهِ بِالْعِتْقِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ وَإِذَا أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ فَلَمْ يَجُرَّ وَلَمْ يَرُدّ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّ وَلَاءَهُ لِلْعَبْدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مِنْ إذْنِ السَّيِّدِ

[ميراث الولاء]

مِيرَاثُ الْوَلَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْقَاضِيَ ابْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً اثْنَانِ لِأُمٍّ وَرَجُلٌ لِعِلَّةٍ فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلَاءَهُ مَوَالِيهِ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَقَالَ ابْنُهُ قَدْ أَحْرَزْت مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَ مِنْ الْمَالِ وَوَلَاءِ الْمَوَالِي وَقَالَ أَخُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ، وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا أَرَأَيْت لَوْ هَلَكَ أَخِي الْيَوْمَ أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا؟ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَضَى لِأَخِيهِ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ وَلَاءَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعِتْقِ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِي وَقْتٍ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ فَوَلَاءُ مَا أُعْتِقَ لِلسَّيِّدِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ فِي وَقْتٍ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ الْمَالِ كَإِذْنِهِ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِ السَّيِّد فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ مَا لَهُمَا مِنْ مَرَضٍ لِلسَّيِّدِ فَإِنَّ وَلَاءَ مَا أَعْتَقُوهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ إذَا عَتَقُوا، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ فِي قُرْبِ الْأَجَلِ الَّذِي يَمْنَعُ انْتِزَاعَ مَالِهِ وَبَعْدَهُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْهُ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ اُخْتُلِفَ فِي وَلَاءِ مَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَإِنْ عَتَقَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِمَا بِسَبَبِ صِحَّتِهِ إنْ صَحَّ؛ يُرِيدُ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِمَنْعِهِ مِنْ مَالِهِمَا لِمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى عَتَقُوا فَإِنَّ وَلَاءَ مَا أَعْتَقُوهُ يَكُونُ لَهُمْ دُونَ السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ السَّيِّدُ اسْتَثْنَى مَا لَهُمْ وَإِنْ اسْتَثْنَى مَا لَهُمْ بَطَلَ الْعِتْقُ وَرَقُّوا لِلسَّيِّدِ قَالَهُ كُلُّهُ فِي الْوَاضِحَةِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ فِي مَرَضِ السَّيِّدِ لَهُمَا دُونَ السَّيِّدِ فَإِنْ صَحَّ السَّيِّدُ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْبَغُ الْوَلَاءُ لَهُمَا وَلَا يَرْجِعُ إلَى السَّيِّدِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَالِهِمَا إنْ انْتَزَعَهُ فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ رُدَّ عَلَيْهِمَا وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ لَهُ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ مَا أَعْتَقَا بِإِذْنِهِ مُرَاعًى عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا أَعْتَقَهُ الْمُكَاتَبُ، ثُمَّ عَجَزَ فَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ، ثُمَّ إنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ بِكِتَابَةٍ أُخْرَى أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَأَنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمَا الْوَلَاءُ، وَذَلِكَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْتَقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ فَلَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَيْهِ وَإِنْ عَتَقَ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يُعْتَقَانِ فِي مَرَضِ سَيِّدِهِمَا، ثُمَّ يُعْتِقُ السَّيِّدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. [مِيرَاثُ الْوَلَاءِ] (ش) : قَوْله إنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِالْوَلَاءِ لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ يَوْمَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَتَعَجَّلُ أَمْرَهُ بِمَوْتِ مَنْ يُورَثُ عَنْهُ وَأَمْرُ الْوَلَاءِ بَاقٍ بَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِذَلِكَ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ الشَّقِيقَيْنِ وَرِثَهُ أَخُوهُ شَقِيقُهُ دُونَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَتَعَجَّلَ أَخْذَ الْمَالِ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ الثَّانِي مِنْ الشَّقِيقَيْنِ وَرِثَ بَنُوهُ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِ وَلَمْ يَرِثُوا الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاقٍ بَعْدُ فَمَنْ مَاتَ مِنْ مَوَالِي أَوَّلِ الشَّقِيقَيْنِ مَوْتًا وَرِثَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ دُونَ وَلَدِ الشَّقِيقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَحَقِّ بِهِ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِمُعْتَقِهِمْ يَوْمَ مَوْتِ الْمَوَالِي وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ أَحَقُّ بِأَخِيهِ مِنْ وَلَدِ أَخِيهِ الشَّقِيقِ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْلَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْأَخُ الشَّقِيقُ أَوْلَى بِالْوَلَاءِ مِنْ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ أَخٍ شَقِيقٍ وَابْنُ أَخٍ شَقِيقٍ أَوْلَى مِنْ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ وَعَلَى هَذَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: الِابْنُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فَقَالَ وَرَثَتُهُ لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ فَقَالَ الْجُهَيْنِيُّونَ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لِلْجُهَيْنِيِّينَ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً وَتَرَك مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرِثُ الْمَوَالِي الْبَاقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا هَلَكَ هُوَ فَوَلَدُهُ وَوَلَدُ أَخَوَيْهِ فِي الْمَوَالِي شَرْعٌ سَوَاءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَقُّ النَّاسِ بِوَلَاءِ مَوَالِي أَبِيهِ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، أَوْ لِلْأَبِ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ، أَوْ لِلْأَبِ هُمَا أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ وَأَمَّا الْأَخُ لِلْأُمِّ وَابْنُهُ فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ وَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ عَلَى الْجَدِّ فِي الْوَلَاءِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ أَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يُورَثُ بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ دُونَ الْفُرُوضِ وَالْإِخْوَةُ وَبَنُو الْإِخْوَةِ أَثْبَتُ مِنْهُمْ فِي التَّعْصِيبِ مِنْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ بِفَرْضٍ، وَالْجَدُّ يُورَثُ بِالْفَرْضِ مَعَ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِالْبُنُوَّةِ وَالْجَدُّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ، وَالْبُنُوَّةُ أَثْبَتُ فِي التَّعْصِيبِ مِنْ الْأُبُوَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تُوُفِّيَ رَجُلٌ لَهُ عَاصِبَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقُعْدُدِ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ هُمَا سَوَاءٌ فِي اسْتِحْقَاقِ وَلَاءِ مَوَالِيهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ الْأَخُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِهِمْ كَالْأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ وَالْآخَرُ لِلْأَبِ فَالشَّقِيقُ أَوْلَى لِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ بِالْأُمِّ، وَكَذَلِكَ الْعَمُّ الشَّقِيقُ مَعَ الْعَمِّ لِلْأَبِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فَقَالَ وَرَثَتُهُ لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ فَقَالَ الْجُهَيْنِيُّونَ لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلَاؤُهُمْ وَنَحْنُ نَرِثهُمْ فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لِلْجُهَيْنِيِّينَ بِوَلَاءِ الْمَوَالِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلَاثَةً وَتَرَك مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرِثُ الْمَوَالِي الْبَاقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا هَلَكَ هُوَ فَوَلَدُهُ وَوَلَدُ أَخَوَيْهِ فِي الْمَوَالِي شَرْعٌ سَوَاءٌ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ الْجُهَيْنِيَّةِ الَّتِي تُوُفِّيَتْ عَنْ مَالٍ وَمَوَالٍ فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا فَقَالَ وَرَثَتُهُ لَنَا وَلَاءُ الْمَوَالِي قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ. وَقَالَ الْجُهَيْنِيُّونَ هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا الْوَلَاءُ فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِوَلَائِهِمْ لِلْجُهَيْنِيِّينَ يُرِيدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَلَاءِ لِمَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمَوَالِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ قَدْ يَكُونُ الْيَوْمَ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِالرَّجُلِ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ، ثُمَّ يُنْقَلُ الْأَمْرُ فَيَكُونُ غَيْرُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ عِنْدَ الْمِيرَاثِ وَقَدْ يَبْعُدُ عَنْهُ الْيَوْمَ وَيَكُونُ غَيْرُهُ أَحَقَّ بِهِ، ثُمَّ يَكُونُ عِنْدَ الْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ يُعْتِقُ الرَّجُلُ الْمَوْلَى، ثُمَّ يَمُوتُ عَنْ أَخٍ وَوَلَدٍ فَالْوَلَدُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَالِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُعْتَقِ فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ عَادَ الْقُرْبُ، وَالْحَقُّ لِلْأَخِ فَمَنْ مَاتَ مِنْ الْمَوَالِي بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ وَرِثَهُ الْأَخُ دُونَ وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْرُوثُ لَا يَوْمَ اسْتِحْقَاقِ سَبَبِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِنَسَبٍ، أَوْ وَلَاءٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ عَنْ وَلَدٍ ذَكَرٍ مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا وَتَرَكَتْ مَوَالِيَ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ عَمَّهُ وَخَالَهُ فَالْوَلَاءُ لِخَالِهِ دُونَ عَمِّهِ؛ لِأَنَّ الْخَالَ عَصَبَةُ أُمِّهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَخُوهَا وَلَمَّا مَاتَتْ الْأُمُّ كَانَ الِابْنُ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ أَخِيهَا وَأَحَقُّ بِمِيرَاثِ مَوَالِيهَا. وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِيرَاثُ مَوَالِي الْمَرْأَةِ لِوَلَدِهَا الذُّكُورِ وَعَقْلُهُمْ عَلَى قَوْمِهَا وَإِلَيْهِمْ يُنْسَبُونَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْوَلَاءُ بِمَوْتِ وَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ الْآنَ مِنْ أَخِيهَا وَلَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ أَوَّلًا مَنْ أَعْتَقَ لَا يُنْقَلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَمَّا مَاتَ الِابْنُ صَارَ أَخُوهَا لِذَلِكَ أَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا عَمُّ الِابْنِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ ابْنِ أَخِيهِ فَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَتْ. وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا وَرِثَ ابْنُهَا الْوَلَاءَ إلَّا زَحْفًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْمِهَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ أَقْوَى تَعْصِيبًا وَالْوَلَاءُ يَخْتَصُّ بِالتَّعْصِيبِ قُدِّمَ عَلَى قَوْمِهَا فَلَمَّا مَاتَ قُدِّمَ أَقْرَبُ قَوْمِهَا إلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا لَهُ ابْنٌ وَابْنَةٌ اشْتَرَيَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبُ عَبْدًا فَمَاتَ الْأَبُ، ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ فَمِيرَاثُ الْأَبِ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ وَمِيرَاثُ الْمَوْلَى لِلِابْنِ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَتْ الِابْنَةُ وَحْدَهَا الْأَبُ قَالَهُ مَالِكٌ

[ميراث السائبة وولاء من أعتق اليهودي أو النصراني]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْمُكَاتَبِ) (الْقَضَاءُ فِي الْمُكَاتَبِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رَأْيِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بِالْوَلَاءِ إلَّا مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ فَوَلَدُ الرَّجُلِ يَرِثُ مَوَالِيهِ دُونَ مَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ وَلَدٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَبُ عَبِيدًا وَمَاتَ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ الْمَوَالِيَ دُونَ مَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ؛ لِأَنَّ وِرَاثَةَ الِابْنِ مَوَالِيَ أَبِيهِ وِرَاثَةٌ بِالنَّسَبِ مَا ثَبَتَ بِالْوَلَاءِ وَوِرَاثَةُ مُعْتِقِ الْأَبِ لِمَوَالِي الْأَبِ وِرَاثَةٌ بِالْوَلَاءِ مَا يَثْبُتُ بِالْوَلَاءِ وَفِي الْكِتَابَيْنِ أَنَّ مِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعُ الِابْنَةِ أَجْنَبِيًّا لَوَرِثَ مَوَالِيَ الْأَبِ الِابْنُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الِابْنَ يَرِثُهُمْ بِالنَّسَبِ وَالْأَجْنَبِيَّ يَرِثُهُمْ بِالْوَلَاءِ. [مِيرَاثُ السَّائِبَةِ وَوَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ قَدْ يُعْتِقُ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَائِبَةً وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ عِتْقَ السَّائِبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ الْوَلَاءِ قَالَ عِيسَى عَنْهُ أَكْرَهُهُ وَأَنْهَى عَنْهُ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ لَا تُعْجِبُنَا كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا يُعْتِقُ عَنْ غَيْرِهِ يُرِيدُ عَنْ مُعْتِقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ سَائِبَةٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُرِّيَّةَ وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ وَلَاؤُهُ لَهُمْ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا سَائِبَةَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ مَا رَوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا مُعْتَقٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ عَنْ مُعَيَّنٍ فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ الْعِتْقَ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ عَبْدُ أَحَدِهِمَا فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ أَنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا قَالَ، وَلَكِنْ إذَا أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِمَا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْيَهُودِيُّ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ الَّذِي أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ، أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ مَوْلَى أَبِيهِ الْيَهُودِيِّ، أَوْ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ حِينَ أَعْتَقَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ النَّصْرَانِيِّ، أَوْ الْيَهُودِيِّ الْمُسْلِمَيْنِ مِنْ وَلَاءِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا لِلنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ فَوَلَاءُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ عَبْدُ أَحَدِهِمَا فَيُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ كَافِرٍ مُسْلِمًا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ» ، وَلَيْسَ حِينَ أَسْلَمَهُ لَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْلِمَهُ إلَى اسْتِرْقَاقِ الْكَافِرِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ لِلْمُسْلِمِينَ سَمَّاهُ عَبْدًا عَلَى وَجْهِ التَّجَوُّزِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَإِنَّمَا هُوَ الْآنَ بَعْدَ الْعِتْقِ حُرٌّ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَلَاءٌ لِوَرَثَةِ مَوْلَاهُ الْكَافِرِ بِحُكْمِ الرِّقِّ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرِثُ الْمُسْلِمُ عَبْدَ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ، أَوْ الْمَجُوسِيِّ بِالرِّقِّ وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْمَجُوسِيِّ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ وَرِثَهُ الْكَافِرُ بِالرِّقِّ قَالَ، وَكَذَلِكَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمِيرَاثِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكَانَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مَنْ يَرِثُهُ بِالنَّسَبِ وَالرِّقُّ يُنَافِي التَّوَارُثَ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا لَهُ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ افْتِرَاقُ الدِّينَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَلَاءُ مُسْلِمٍ لِلْكَافِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51] فَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَمْ يَصِحَّ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْكَافِرِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوَلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ، ثُمَّ أَسْلَمَ مَنْ أَعْتَقَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ يُرِيدُ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ لِاتِّفَاقِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ لَمْ يَرِثْهُ الْمُعْتِقُ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَذَلِكَ مَعْنًى يَمْنَعُ التَّوَارُثَ مَعَ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ مَعَ الْوَلَاءِ وَلَوْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ بَعْدَ الْعِتْقِ، ثُمَّ مَاتَ لَوَرِثَهُ الْمُعْتِقُ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الدِّينِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ افْتِرَاقُهُمَا فِي الدِّينِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ افْتِرَاقُهُمَا فِي الدِّينِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ يَوْمَ التَّوَارُثِ فَالْمُرَاعَى فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ يَوْمَ الْعِتْقِ أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ لَا يُبَالِي أَيُّ دِينٍ كَانَ مِنْ إيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ وَالْمُرَاعَى فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ لِيَوْمِ الْمَوْتِ أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ مَوْلَى أَبِيهِ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ يُرِيدُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ وَلِمُعْتَقِهِ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَهُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ حَالَ الْعِتْقِ مَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ مِنْ اتِّفَاقِ دِينِ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ، ثُمَّ وُجِدَ يَوْمُ التَّوَارُثِ اتِّفَاقُ دِينِ الْوَارِثِ وَهُوَ وَلَدُ الْمُعْتِقِ وَدِينُ الْمَوْرُوثِ وَكَانَ الْمُعْتِقُ لِكُفْرِهِ لَا يَرِثُ الْمُعْتَقَ الْمُسْلِمَ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ فَإِنَّ وَلَدَهُ يَرِثُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ اتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَرِثُهَا وَلَدُهُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَاؤُهَا إنْ أَسْلَمَ قَالَ، وَكَذَلِكَ مُدَبَّرُهُ وَمُكَاتَبُهُ لِعَقْدِهِ ذَلِكَ فِي نَصْرَانِيَّتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ حِينَ أَعْتَقَ مُسْلِمًا لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ مِنْ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ لَهُ لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ مِنْ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَمْ يَثْبُتْ لِلنَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا حِين الْعِتْقِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ لِلنَّصْرَانِيِّ ثَبَتَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَمْ يَثْبُتْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَلَاءُ مُرَاعًى فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَوَرِثَهُ وَإِنْ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَلَا وَلَاءَ لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَاؤُهُ ثَابِتٌ وَيَرِثُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولهُ أَنَّ الْوَلَاءَ مَعْنًى يُتَوَارَثُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ اتِّفَاقُ الدِّينِ كَالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ بِالنَّسَبِ لَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ الْقَاتِلُ عَمْدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ.

[كتاب المكاتب]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْمُكَاتَبِ) (الْقَضَاءُ فِي الْمُكَاتَبِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رَأْيِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] [الْقَضَاءُ فِي الْمُكَاتَبِ] (ش) : وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ ثَابِتٍ وَمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي جِرَاحِهِ وَحُدُودِهِ وَشَهَادَتِهِ وَقَذْفِهِ وَطَلَاقِهِ وَنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْحُرِّ يَقْتُلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَبِيدِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ جَمِيعَهُ رَقِيقٌ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَبِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْمُكَاتَبُ يُورَثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُجْلَدُ الْحَدَّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَتَكُونُ دِيَتُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى يَعْتِقُ مِنْهُ بِالْحِسَابِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الشَّطْرَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ حُرٌّ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِمَا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ أَكُنْت تَرْجُمُهُ لَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ قَالَ لَا قَالَ أَفَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ قَالَ لَا قَالَ فَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ فَلَمْ يَزُلْ مَعَ بَقَاءِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ هَلَكَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَلَهُ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ، أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ وَرِثُوا مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ قَضَاءِ كِتَابَتِهِ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِابْنِ الْمُتَوَكِّلِ هَلَكَ بِمَكَّةَ وَتَرَك عَلَيْهِ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ وَدُيُونًا لِلنَّاسِ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ فَأَشْكَلَ عَلَى عَامِلِ مَكَّةَ الْقَضَاءُ فِيهِ فَكَتَبَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ ابْدَأْ بِدُيُونِ النَّاسِ، ثُمَّ اقْضِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، ثُمَّ اقْسِمْ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَمَوْلَاهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ، أَصْلُ ذَلِكَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمُكَاتَبِ يَتْرُكُ الْمَالَ يَزِيدُ عَلَى كِتَابَتِهِ وَيَتْرُكُ وَلَدًا لَهُمْ حُكْمُ الْمُكَاتَبِ إمَّا لِأَنَّهُ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ وُلِدُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ حَالًّا لَا يُؤَخِّرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا وَفَاءً قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لِأَنَّ الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْفَصْلُ يَقْتَضِي أَوَّلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ إذَا بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَقْتَضِي عِوَضًا يَلْزَمُ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ عَقَدَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ مَنْ يَقُومُ بِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ مِنْ الْمَالِ وَفَاءٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى السَّيِّدِ وَأَخَذَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فِي الْمُكَاتَبَةِ يَسْعَوْنَ بِهِ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِذَلِكَ الْمَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَوَرِثَ الْوَلَدُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ مَالٍ فَأَدَّوْا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَعَتَقُوا بِالْأَدَاءِ وَإِذَا عَتَقُوا بِمَا أَدَّوْا عَنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ مَالِ أَبِيهِمْ وَرِثُوا بَاقِيَهُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْرَارُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَطَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ جَمِيعُ مَا تَرَكَ لِلسَّيِّدِ وَنَحْوُهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ مَعَ الْقُوَّةِ عَلَى الْأَدَاءِ وَوُجُودِ الْمَالِ وَكَانَ مَا تَرَكَهُ الْمُكَاتَبُ بِيَدِهِ مَوْجُودٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَخْذِهِ إنْ عَجَّلَهُ الْعَبْدُ كَانَ حَالُ الْعَبْدِ مُرَاعًى فَإِنْ وَصَلَ الْمَالُ إلَى السَّيِّدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ يَوْمِ وُجُودِ الْمَالِ وَظُهُورِهِ عِنْدَهُ لَا سِيَّمَا وَمَنْ شَرَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهِ فَإِذَا مَاتَ بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَى السَّيِّدِ قَضَى بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهَذَا كَانَ حُكْمَ كُلِّ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَرِثُوا مَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ. وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ سَائِرِ مَنْ مَعَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَهَبَ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ السَّيِّدُ لَكَانَ لِمَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَنْ شَرَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَجَبَ أَنْ يَتَأَدَّى مِنْهُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ تَعَلُّقِ حُقُوقِهِمْ بِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُمْ يَعْتِقُونَ مِنْهُ قَالَ إنَّهُمْ يَرِثُونَهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ هُوَ لِلسَّيِّدِ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَلَا يَرِثُونَ فَضَلَهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ يَعْتِقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَيَرِثُونَ فَضْلَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُمْ يَعْتِقُونَ مِنْهُ وَلَا يَرِثُونَهُ فَقَدْ أَحْدَثَ قَوْلًا ثَالِثًا خَالَفَ بِهِ الْإِجْمَاعَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى السَّيِّدِ لَرَقَّ وَهُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرِّقِّ كَانَ مَالُهُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الْوَلَدِ عِنْدَ مَالِكٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْوَلَدِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ إلَّا وَلَدُهُ الْمُكَاتِبُونَ مَعَهُ وَالثَّانِيَةُ يَرِثُهُ وَلَدُهُ وَسَائِرُ ذُرِّيَّاتِهِ، وَنَحْوَهُ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ يَرِثُ الْمُكَاتَبَ فَقِيلَ يَرِثُهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ بِالْمِلْكِ فَأَمَّا عَمٌّ وَابْنُ أَخٍ فَلَا، وَالسَّيِّدُ أَحَقُّ مِنْهُمْ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ هُوَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ يَرِثُهُ مَنْ يَرِثُ الْحُرَّ مِنْ عَمٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ نِسَاءٍ وَرِجَالٍ فَعَلَى هَذَا يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ إلَّا الْوَلَدُ وَالثَّانِيَةُ لَا يَرِثُهُ إلَّا مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ وَهُمْ الْأَبُ وَالْإِخْوَةُ وَالثَّالِثَةُ يُوَارِثُهُ كُلُّ مَنْ يُوَارِثُ الْأَحْرَارَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَلَدَ يَنْفَرِدُونَ بِالدُّخُولِ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ إذَا حَدَثُوا بَعْدَ عَقْدِهَا فَاخْتَصُّوا لِذَلِكَ بِمِيرَاثِهِ وَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ الْعَاقِدِ لِلْكِتَابَةِ وَبِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْكِتَابَةِ بَعْدَ انْعِقَادِهَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ يَدْخُلُ فِي مِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ كَالْوَلَدِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ وَرِثَهُ وَلَدُهُ وَرِثَهُ سَائِرُ وَرَثَتِهِ كَالْحُرِّ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي دُخُولَ الزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الْوِرَاثَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ آخِرُ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهَا لَا تَرِثُهُ وَتَعْتِقُ مِمَّا تَرَكَ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فِي الْكِتَابَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَنْ وَرِثَهُ سَائِرُ وَرَثَتِهِ بِالْفُرُوضِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَرِثُهُ كَالْحُرِّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا تُنَاسِبُهُ فَلَمْ تَرِثْهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَنْ عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ، أَوْ وُلِدَ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ وَلَدَهُ الَّذِينَ فِي الْكِتَابَةِ وَوَلَدَهُ الْأَحْرَارَ جَمِيعًا يَرِثُونَ الْمَالَ عَلَى فَرَائِضِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْرَارُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ انْتِقَالَ هَذَا الْمَالِ إلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْوِرَاثَةِ الْمَحْضَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ مَنْ شَارَكَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَالِهِ الَّذِي بِيَدِهِ وَاَلَّذِي يَكْتَسِبُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَهُ الْمَالُ وَيَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِذَلِكَ الْمَالِ حَقُّ السَّيِّدِ عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيهِ مَنْ يَعْتِقُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ تَصْيِيرِ الْمَالِ إلَى السَّيِّدِ، وَمَانِعٌ مَنْ عِتْقِ الَّذِي لَهُ الْمَالُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَرُبَّمَا عَجَزَ عَنْ نَفْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ الْمَالُ أَنْ يُدْخِلَ مَعَ نَفْسِهِ فِي الْكِتَابَةِ مَنْ يُسْقِطُ مِنْهُ حَقَّ السَّيِّدِ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ أَحَقُّ بِالْمَالِ مِنْ السَّيِّدِ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ مِنْهُ بِمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ. فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ فِي حَيَاتِهِ فَيُورَثُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَسَنَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَوْتَ الْمُكَاتَبِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ فَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا لَسَعُوا فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَعْتِقُوا إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِهَا فَكَمَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْهُ وَلَا يَرْجِعُوا وَيُؤَدِّيَ عَنْهُمْ وَلَا يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ يَكُونُونَ أَحَقَّ بِمَا فَضَلَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ لِلْكِتَابَةِ تَأْثِيرًا فِي اخْتِصَاصِ بَعْضِهِمْ بِمَالِ بَعْضٍ لِلْكِتَابَةِ وَالْقَرَابَةِ أَوْ لِلْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ فَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَقْيَسُ وَأَظْهَرُ إذْ الْمَالُ كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَلَدُهُ فِي الْكِتَابَةِ يَرِثُونَ فَضْلَ مَالِهِ فَهَلْ يَكُونُونَ أَحَقَّ بِوَلَاءِ مَنْ يَعْتِقُ مِنْ مُكَاتِبِيهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا تُوُفِّيَ الْمُكَاتِبُ عَنْ مُكَاتَبٍ وَلِلْأَعْلَى وَلَدٌ فِي الْكِتَابَةِ وَوَلَدٌ أَحْرَارٌ فَسَعَى الَّذِينَ فِي الْكِتَابَةِ وَأَدَّوْا أَنَّ وَلَاءَ الْمُكَاتَبِ الْأَسْفَلِ لَهُمْ دُونَ الْأَحْرَارِ وَجَعَلَهُ مَالِكٌ كَالْمَالِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا لَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهِ الَّذِينَ فِي كِتَابَتِهِ وَلَا الْأَحْرَارِ مِنْهُمْ وَلَا مُكَاتِبِيهِ عِتْقُ مُكَاتَبِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ لِسَيِّدِهِ وَلَاءَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَالِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُعْجِبُنِي قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَاتَبِهِ لِمَنْ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ أُمِّ وَلَدِهِ لَمَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَلَدِهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إنَّ وَلَاءَهَا لَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَاحْتِجَاجُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ تَعَلَّقَ بِالْآثَارِ وَلَعَمْرِي إنَّ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَدْ أَوْرَدْنَا الْكَثِيرَ، وَخِلَافُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ظَاهِرُهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَبْدَ اللَّهِ يَذْكُرُ أَنَّ عَبَّادًا مَوْلَى الْمُتَوَكِّلِ مَاتَ مُكَاتَبًا قَدْ قَضَى النِّصْفَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا وَابْنَةً لَهُ حُرَّةً كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةً فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَمَوَالِيهِ قَالَ لِي عُمَرُ وَمَا أَرَاهُ إلَّا لِابْنَتِهِ. (ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَا آثَرَهُ عَنْ أَحَدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ غَالِبًا فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ كَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ بِهِ بِدُونِ الْقِيمَةِ مَعَ السَّلَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا كَالْبَيْعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي السَّلَفِ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنَسًا أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ سِيرِينَ فَأَبَى فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ. وَقَالَ: كَاتِبْهُ فَقَالَ أَنَسٌ: لَا أُكَاتِبُهُ فَتَلَا عُمَرُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اللُّزُومِ وَالْجَبْرِ وَلَوْ كَانَ لِعُمَرَ أَنْ يُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ أَنَسًا لَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُوَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا ضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ لَمَّا نَدَبَهُ إلَى الْخَيْرِ وَإِلَى مَا رَآهُ صَلَاحًا لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَأَدَّبَهُ لِامْتِنَاعِهِ وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَالنَّدْبِ إلَيْهِ وَقَدْ أَمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنْ يُبِيحَ لِجَارِهِ إمْرَارَ النَّهْرِ عَلَى أَرْضِهِ. وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك عَلَى وَجْهِ التَّحَكُّمِ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ صَلَاحٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَعُلِمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَا يُرَاجِعُهُ إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ إكْرَاهُ أَحَدٍ فَمَالِكٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَحْكَامِ عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَسْبُك أَنَّ عَطَاءً الَّذِي انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا فِي نَفْيِ وُجُوبِ ذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَالْجَبْرِ لِأَنَسٍ لَمْ يَلْزَمْ لِمُخَالَفَةِ النَّاسِ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] أَرَادَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا وَرَدَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَاجِبًا فَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ وَالْمُبَاحُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَحْتَمِلُهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْ الْمَعَانِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَذِهِ الصِّيغَةَ إذَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَضِّ وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ بِمُطْلَقِهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَشَارَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ فِي أَحْكَامِهِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ جِنْسَ هَذَا الْعَقْدِ مَحْظُورٌ لِتَعَلُّقِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَجْهُولٍ وَهُوَ مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ، أَوْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ، ثُمَّ وَرَدَتْ الْإِبَاحَةُ بِالْكِتَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ظَاهِرُهَا الْإِبَاحَةَ وَهَذَا مَقْصُودُ قَوْلِهِ: وَمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ وَإِنْ كُنْت قَدْ جَرَيْت إلَى تَبْيِينِهِ وَلَيْسَ عِنْدِي هَذَا بِالْقَوِيِّ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إنَّمَا هُوَ أَنْ يَثْبُتَ حَظْرٌ، ثُمَّ بَيَّنَ انْقِضَاءَ مُدَّتِهِ بِالْإِبَاحَةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، ثُمَّ بَيَّنَ انْقِضَاءَ مُدَّةِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . وَقَالَ تَعَالَى فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَحَرَّمَ الْبَيْعَ بَعْدَ النِّدَاءِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ انْقِضَاءَ وَقْتِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] . وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ لَفْظَ افْعَلْ إذَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَظْرِ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا فِي الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فَبَيَّنَ انْقِضَاءَ مُدَّةِ تَحْرِيمِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِإِيجَابِ قَتْلِهِمْ وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ عَلَى بَابِهَا مِنْ الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] النَّدْبَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِبَاحَةُ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ: عَلَى الْحَضِّ وَالنَّدْبِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَفْرِيعِهِ: إنْ كَاتَبُوهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِيتَاءُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ فَإِنَّ قَوْلَهُ: " فَكَاتِبُوهُمْ " عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْقَاضِيَانِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ ابْتِدَائِي بِالْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَظْرٍ يَتَبَيَّنُ انْقِضَاؤُهُ بِلَفْظَةِ افْعَلْ وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ حُكْمٌ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَامًّا بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، أَوْ عَنْ الْغَرَرِ، ثُمَّ خَصَّ مِنْهُ قَدْرَ مَا بَقِيَ فَإِنَّمَا هِيَ لَفْظَةُ افْعَلْ وَارِدَةٌ لِلتَّخْصِيصِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَقْتَضِيَ الْإِبَاحَةَ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَكِنَّهُمَا قَدْ صَرَّحَا بِحَمْلِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ. غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا إِسْحَاقَ لَا يَكَادُ يَتَمَادَى عَلَى تَحْرِيرِ الْقَوْلِ فِيهِ فَيَقُولُ مَرَّةً مَا تَقَدَّمَ وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى هُوَ إذْنٌ وَتَرْغِيبٌ وَالْإِذْنُ غَيْرُ التَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ خَاصَّةً وَتَعْلِيقَ الْفِعْلِ بِسَبَبِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالتَّرْغِيبَ بِمَعْنَى الْحَضِّ وَالنَّدْبَ يَقْتَضِي اسْتِدْعَاءَ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْلَاءِ وَقَدْ يَقُولُ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ إذْنٌ وَإِبَاحَةٌ هُوَ أَمْرٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّرْغِيبَ الَّذِي قَدَّمْت ذِكْرَهُ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَمِّيَ الْإِبَاحَةَ أَمْرًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْفَرَجِ يَقُولُ إنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنْته فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ إلَى عِلْمِ السَّيِّدِ وَهُوَ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ غَيْرُهُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْحُكَّامِ فِيهِ مَدْخَلًا وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ لَقَالَ: فَكَاتِبُوهُمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ فِيهِمْ خَيْرًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَيْرِ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْمَالُ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ إذَا ذُكِرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هُوَ الْمَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: الْخَيْرُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا إنْ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا دِينًا وَأَمَانَةً وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا صِدْقًا وَوَفَاءً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ شُيُوخِنَا الْمَالِكِيِّينَ فَإِنَّهُ قَدْ شَرَطَ فِيهِ الْخَيْرَ وَهُوَ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَأَمَّا مَنْ ضَعُفَ عَنْ الْأَدَاءِ كَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتَبَ

(ص) : (مَالِكٌ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] إنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ، ثُمَّ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدْرَكْت عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا. قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ دِرْهَمٍ) . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَاتَبَ تُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِالْأَدَاءِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ فَيُؤَدِّي مِنْهُ وَيَعْتِقُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ جَازَ انْتِزَاعَ مَالِهِ مَعَ تَمَامِ رِقِّهِ جَازَتْ مُكَاتَبَتُهُ كَالْكَبِيرِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ صِفَتَهُ صِفَةُ الْعَاجِزِ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الصَّغِيرِ الْمَنْعُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَقَدْ رَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ابْنَ عَشْرَ سِنِينَ لَا تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ حَدٌّ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ حَدًّا فِي الضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَالتَّفْرِيقِ فِي الْمَضَاجِعِ لِقُوَّتِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَمَنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ سِنِينَ زِيَادَةً بَيِّنَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُجِيزَ أَشْهَبُ كِتَابَتَهُ لِقُوَّتِهِ عَلَى السِّعَايَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ كِتَابَتَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ جَازَتْ كِتَابَتُهُ وَرُوِيَ مَنْعُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ إبَاحَتُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ مَعَ تَمَامِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي لَهُ حِرْفَةٌ. (مَسْأَلَةٌ) وَهَلْ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ رَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلسَّيِّدِ إكْرَاهَ عَبْدِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ كَمَا لَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَالٍ وَكَمَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهُ وَيُؤَاجِرَهُ وَيَعْتِقَهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُؤَدِّي مَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَتِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ لَا يَلْزَمُ الْكِتَابَةُ إلَّا بِرِضَى الْعَبْدِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ إنْ أَلْزَمَ عَبْدَيْهِ الْكِتَابَةَ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَالْمُكَاتَبَةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى وَزْنِ مُفَاعَلَةٍ وَذَلِكَ فِعْلُ اثْنَيْنِ فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَى السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ لَأُضِيفَ الْفِعْلُ إلَى السَّيِّدِ خَاصَّةً كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَخَصَّ بِالْكِتَابَةِ مَنْ دَعَا إلَيْهَا وَرَغَّبَ فِيهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَتِمَّ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ إلَّا بِتِمَامِ الْآخَرِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا رَضَا الْمُتَعَاوِضَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَبِهَذَا تَفَارَقَ تَعْجِيلُ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الْعِتْقُ يَتَعَجَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] إنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ، ثُمَّ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدْرَكْت عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا. قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ دِرْهَمٍ) . (ش) : قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ هُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ يَأْمُرُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا جَبْرٍ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَكَانَتْ مَحْدُودَةً وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِيتَاءَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْوَضْعَ وَقَدْ رَغَّبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ فَمَنْ أَبَى أَنْ يَضَعَ شَيْئًا فَذَلِكَ لَهُ وَقَدْ تَرَكَ الْفَضْلَ وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْنِ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ حَضَّ اللَّهُ النَّاسَ أَجْمَعِينَ عَلَى أَنْ يُعِينُوهُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَهُ سَيِّدُهُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ تَبِعَهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمْ فِي كِتَابَتِهِ) . (ص) : (قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ جَارِيَةٌ بِهَا حَمْلٌ مِنْهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ هُوَ وَلَا سَيِّدُهُ يَوْمَ كِتَابَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ فَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَإِنَّهَا لَلْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَرِثَ مُكَاتَبًا مِنْ امْرَأَتِهِ هُوَ وَابْنُهَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ كِتَابَتَهُ اقْتَسَمَا مِيرَاثَهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ ثُمَّ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَمِيرُ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يُعْطِيَهُ السَّيِّدُ شَيْئًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الْمُخَاطَبَةَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي خُوطِبَ بِالْكِتَابَةِ وَالْمَالِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ إنَّمَا يَنْدُبُ إلَى أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ خَيْرَ الْإِعْطَاءِ وَذَلِكَ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِالْكِتَابَةِ وَيَكُونُ فِي آخِرِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَقْتُ تَمَامِهَا وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى النَّدْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا تَقُولُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ إيتَاءٌ كَبَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ. (ش) : قَوْلُهُ تَبِعَهُ مَالُهُ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُوَطَّأِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ كَاتَبَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ تَبِعَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَغَيْرُهُمَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ النَّخَعِيِّ مَنْ كَاتَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ وَالدَّلِيلُ لِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ عَلِمَهُ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ انْتِزَاعُهُ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى أَنْ يَسْتَعِينَ الْمُكَاتَبُ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ عَلَى أَدَاءِ كِتَابَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَكْتَسِبُهُ حَالَ كِتَابَتِهِ لَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ فِيهِ وَلَا لَهُ مَنْعُهُ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِهِ وَمَا أَرَى الرِّوَايَةَ عَنْ النَّخَعِيِّ إلَّا وَهْمًا وَبِهَذَا يُفَارِقُ الْمُكَاتَبُ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ وَأُمَّ الْوَلَدِ فَإِنَّ السَّيِّدَ أَحَقُّ بِمَا يَكْسِبُونَ بَعْدَ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ أَمْوَالِهِمْ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ وَأُمَّ الْوَلَدِ يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ إذَا نَفَذَ عِتْقُهُ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ يَتْبَعُهُ مَالُهُ قَالَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمْ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَنْ قَدْ وَجَدَ مِنْ وَلَدِهِ مِمَّنْ وُلِدَ لَهُ مِنْ أَمَتِهِ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَعَلَى هَذَا مَالِكٌ وَالْفُقَهَاءُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ إنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ فَهُوَ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهِ وَلَيْسَ بِرَقِيقٍ لَهُ مَالُهُ فَيَتْبَعُهُ كَمَا يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ السَّيِّدِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ الْعَبْدَ فِي عَقْدِ كِتَابَتِهِ وَلَا غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ أَبُوهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَعَ أَبِيهِ حُكْمُ عَبْدَيْنِ لِلسَّيِّدِ جَمَعَهُمَا عَقْدِ الْكِتَابَةِ بِأَنْ يَشْتَرِطَهُ أَبُوهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَعَ أَبِيهِ حُكْمُ عَبْدَيْنِ لِلسَّيِّدِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الِابْنُ لِلْعَبْدِ مِنْ زَوْجَةٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً فَهُوَ عَبْدٌ لِسَيِّدِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْقِدُ كِتَابَتَهُ وَلَهُ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ هُوَ وَلَا مَوْلَاهُ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَرْطٌ فَإِنَّهُ عَبْدٌ وَلَا مَدْخَلٌ لَهُ فِي الْكِتَابَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَيَنْتَظِرُ وَضْعَهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَالْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ وَالْأَمَةُ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ أَمَتُهُ مِنْهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ فِي الْكِتَابَةِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ مِلْكُ السَّيِّدِ قَطُّ وَإِنَّمَا الْفَضْلُ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ اسْتِحْقَاقٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ بِالْكِتَابَةِ حُكْمُهُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ قَالَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ الْمُحَابَاةَ لِعَبْدِهِ وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا كَاتَبَهُ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ وَطَلَبِ الْمَالِ وَابْتِغَاءِ الْفَضْلِ وَالْعَوْنِ عَلَى كِتَابَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَطِئَ مُكَاتَبَةً لَهُ أَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ عَلَى كِتَابَتِهَا فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ بِالصِّهْرِ وَلَا لِلزَّوْجَةِ بِهِ تَعَلُّقَ فَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجٍ وَابْنٍ وَتَرَكَتْ مُكَاتَبًا فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجِ وَالْأَبِ بِالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَوَرِثَهُ الزَّوْجُ وَالِابْنُ فَإِذَا كَانَ مُكَاتَبًا، أَوْجَبَ أَنْ يَرِثَاهُ إنْ كَانَ مَالًا وَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ الِابْنُ إنْ كَانَ وَلَاءً لِأَنَّ الْوَلَاءَ قَدْ ثَبَتَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأُمِّهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ بِالْأَدَاءِ فَهُوَ عَبْدٌ فَقَدْ عَادَ إلَيَّ الْمَالُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجِ رُبُعُهُ وَلِلِابْنِ بَاقِيهِ كَسَائِرِ مَا خَلَّفَتْهُ مَوْرُوثَتُهُمَا مِنْ الْمَالِ وَإِنْ أَعْتَقَ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ تَحَقَّقَ بِالْوَلَاءِ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ الْعِوَضُ بِالْكِتَابَةِ فَقَدْ صَارَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهُ مِنْهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْوَلَاءِ فَثَبَتَ لِلِابْنِ خَاصَّةً فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْوَلَاءِ وَوَجَبَ تَفَرُّدُ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ لَهَا تَأْثِيرٌ مُقَدَّمٌ فِي الْوَلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَاتَبَ عَبْدًا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الرَّقِيقَ بِالْمُكَاتَبِ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنْوِيَتُهُ فِي وَجْهٍ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَلَا أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَلَمَّا كَانَتْ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بِهَا وَأَرَادَ بِهَا اكْتِسَابَ الْمَالِ وَالْجَمْعَ لَهُ وَالِازْدِيَادَ مِنْ الرِّبْحِ جَازَتْ كِتَابَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ الَّذِي يَرْجُو فِيهِ الرِّبْحَ وَيَقْصِدُ بِهِ النَّمَاءَ وَالِازْدِيَادَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا مُتَعَلِّقٌ بِأَجَلِ كِتَابَتِهَا فَكَانَتْ كَالْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِزَوْجِيَّةٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَهَذَانِ مَعْدُومَانِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ فَامْتَنَعَتْ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ الْأَمَةِ بِالْكِتَابَةِ كَالْخِدْمَةِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُنِعَ مِنْهُ وَزُجِرَ عَنْهُ وَهِيَ عَلَى كِتَابَتِهَا مَا لَمْ تَحْمِلْ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْوَطْءِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ وَلَا يُوجِبُ فِيهَا عِتْقًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ شُبْهَةَ مِلْكٍ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْحَدُّ كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ حَمَلَتْ فَإِنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَعْجِزَ نَفْسَهَا فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْحَمْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَعْجِزُ نَفْسَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فِي كِتَابَتِهَا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ لَهَا الْمَالُ الْكَثِيرُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانُوا يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالتَّعْجِيزِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ اخْتِيَارُ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَتَرْكُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّ الْوَلَدِ فِي الْحُرِّيَّةِ أَثْبَتُ مِنْ حَقِّ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ أَمْرٌ مُتَحَقِّقٌ وَعِتْقَ الْمُكَاتَبَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَلِذَلِكَ كَانَ اخْتِيَارُ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَا سِيَّمَا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا السَّيِّدُ. (فَرْعٌ) وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ كَوْنَهَا أُمَّ وَلَدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فِي كِتَابَتِهَا غَيْرُهَا فَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا مَنْ مَعَهَا فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ يَحُطُّ عَنْهُ حِصَّتَهَا وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَطَؤُهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ شَرَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْكِتَابَةِ وَالْتَزَمَهَا لَمَّا رَجَا مِنْ عَوْنِ هَذِهِ الْحَامِلِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَالَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعَوْنُ بِأَمْرٍ لَعَلَّ السَّيِّدَ وَالْأَمَةَ قَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَارَتْ قَرَّتْ عَلَى كِتَابَتِهَا يُرِيدُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ بَيْنَ نَقْصِ الْكِتَابَةِ وَإِيثَارِ حُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ إلَّا أَنْ يُكَاتِبَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُ عِتْقًا وَيَصِيرُ إذَا أَدَّى الْعَبْدُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ نِصْفَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَ بَعْضَهُ أَنْ يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ فَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ» قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ رُدَّ إلَيْهِ الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَاقْتَسَمَهُ هُوَ وَشَرِيكُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ وَكَانَ عَبْدًا لَهُمَا عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِي الْعِتْقِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ فَنَفَقَةُ حَمْلِهَا عَلَى السَّيِّدِ كَالْمَبْتُوتَةِ الْحَامِلِ وَرَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَصَبْغَ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَمْلٌ لَا حَقَّ لِوَاطِئٍ حُرٍّ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَحَمْلِ الزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصَبْغَ أَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِالْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ يَنْفِي الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَتَرَكَتْ مَا يُوجِبُ الْإِنْفَاقَ لَهَا بِاخْتِيَارِهَا وَهُوَ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ فَقَدْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَالتَّعَلُّقِ بِالنَّفَقَةِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ غَيْرِ الْكِتَابَةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ دُونَ صَاحِبِهِ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى تَصِحُّ الْكِتَابَةُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إذَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ شَرِيكُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَنَسَبَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ إلَى مَالِكٍ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَتَبَعَّضُ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَيُبْقِي بَاقِيَهُ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ عَبْدٍ لَهُ جَمِيعُهُ وَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ فَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ سَائِرُهُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ عِتْقٍ وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَبْعِيضِ الْعِتْقِ عَلَى الشَّرِيكِ دُونَ تَقْوِيمٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ الَّذِي كَاتَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يَخْتَصُّ فِيمَا بَاشَرَهُ عِتْقٌ عَرِيَ مِنْ عِوَضٍ وَهَذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ عِتْقٌ وَاقْتَرَنَ بِهِ الْعِوَضُ فَمَنَعَ ذَلِكَ التَّقْوِيمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَمْنُوعًا فِي نَفْسِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْضِي أَنْ يَمْلِكَ الْمُكَاتَبُ التَّصَرُّفَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى الْمِلْكِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا تَنَافَى الْأَمْرَانِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ تَنْعَقِدَ مُعَاوَضَةٌ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ مَا يَمْلِكُ مِنْ عَبْدٍ بَعْضُهُ حُرٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَ، أَوْ قَبْلَ الْأَدَاءِ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَيَرُدُّ السَّيِّدُ مَا قَبَضَ مِنْ الْعَبْدِ فَيُقَاسِمُهُ شَرِيكُهُ فِي الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنَّ فَسْخَ الْكِتَابَةِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ لَا يَفُوتُ بِالْأَدَاءِ وَأَنَّ مَا قَبَضَ مِنْهُ لَمَّا كَانَ مَالُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ لِشَرِيكِهِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَرُدَّ إلَى الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ أَخْرَجَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ وَجَدَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَوَجَدَ مِنْ الْمُكَاتَبِ أَخْذَهُ وَوَجَدَ مِنْ الْآخَرِ إرَادَةَ الْمُقَاسَمَةِ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَاطَعَهُ الَّذِي كَاتَبَهُ بِإِذْنِ الْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ وَعَتَقَ نَصِيبَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي عَبْدَيْنِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُخْوَةٍ كَاتَبَهُ اثْنَانِ بِإِذْنِ الثَّالِثِ، ثُمَّ قَاطَعَاهُ اللَّذَانِ كَاتَبَاهُ بِإِذْنِ أَخِيهِمَا فَعَتَقَ نَصِيبَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْمُتَمَسِّكُ وَلَهُ وَرَثَةٌ يَخْدُمُهُمْ فِي نَصِيبِ وَلِيِّهِمْ سِنِينَ، ثُمَّ قَامَ الْعَبْدُ يَطْلُبُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَى اللَّذَيْنِ قَاطَعَاهُ قَالَ مَالِكٌ الْعَبْدُ رَقِيقٌ كُلُّهُ وَلْيَرُدَّ اللَّذَانِ كَاتَبَاهُ مَا أَخَذَا مِنْهُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فَسْخَ هَذِهِ الْكِتَابَةِ وَمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُنْظِرَهُ فَاقْتَضَى الَّذِي أَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ بَعْضَ حَقِّهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ قَالَ مَالِكٌ يَتَحَاصَّانِ مَا تَرَكَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِنْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ فَضْلًا عَنْ كِتَابَتِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ اقْتَضَى الَّذِي لَمْ يُنْظِرْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَضَى صَاحِبُهُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلَ مَا اقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَإِنْ وَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا الَّذِي لَهُ، ثُمَّ اقْتَضَى صَاحِبُهُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرُدُّ الَّذِي اقْتَضَى عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لِلرَّجُلَيْنِ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيُنْظِرُهُ أَحَدُهُمَا وَيَشِحُّ الْآخَرُ فَيَقْتَضِي بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ يُفْلِسُ الْغَرِيمُ فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اقْتَضَى أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ بَعْدَهَا مِنْ الْقَطَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ اللَّذَيْنِ كَاتَبَاهُ عِتْقٌ مُبَاشَرَةً وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ عَلَى عِوَضٍ قَبَضَاهُ وَذَلِكَ الْعَقْدُ فِي نَفْسِهِ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ فَرُدَّ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا كَاتَبَا عَبْدَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً جَازَ ذَلِكَ إذَا كَاتَبَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْكِتَابَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ لَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ وَلَا يَقْضِي أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتِرَاطَا ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا مُقْتَضَاهُ وَإِنْ كَاتَبَاهُ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا بِالنَّجْمِ الْأَوَّلِ أَبَدًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَبْدَأَهُ بِبَعْضِهَا وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لَمْ يَرْضَ بِالْكِتَابَةِ إلَّا بِجُعْلٍ يُرِيدُ لَا يَدْرِي مَا يَتِمُّ مِنْهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الَّذِي اشْتَرَطَ التَّبْدِئَةَ بِتَرْكِ مَا اشْتَرَطَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَمْضِي الْكِتَابَةُ وَتَبْطُلُ التَّبْدِئَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ مِنْهَا شَيْئًا فَكَمَا قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ اقْتَضَى مِنْهَا صَدْرًا نَفَذَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا ازْدَادَ زِيَادَةً فِي الْكِتَابَةِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ عَقَدَا الْكِتَابَةَ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ يُنْقَضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُمَا عَقَدَا الْكِتَابَةَ عَلَى أَنْ يُسْلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ مَا شَرَطَهُ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ ذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ يَجُوزُ فِيهِ الْغَرَرُ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ شَرْطٌ لَا يَجُوزُ مَعَ سَلَامَةِ الْعِوَضَيْنِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعَقْدُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُنْظِرَهُ فَاقْتَضَى الَّذِي أَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ يَتَحَاصَّانِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي أَنْظَرَهُ إنَّمَا أَنْظَرَ الْمُكَاتَبَ بِمَا وَجَبَ لَهُ اقْتِضَاؤُهُ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَعَلَى مَا قَالَ إذَا تَرَكَ مَا يُقَصِّرُ عَلَى الْأَدَاءِ تَحَاصَّا فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا بَقِيَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى أَحَدُهُمَا نِصْفَ حِصَّتِهِ وَبَقِيَ لَهُ نِصْفُهَا وَلَمْ يَقْتَضِ الْآخَرُ شَيْئًا تَحَاصَّا فَأَخَذَ الْمُقْتَضِي ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَأَخَذَ الَّذِي تَرَكَ ثُلُثَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حِسَابُ مَا بَقِيَ لَهُمَا عِنْدَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَجَزَ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ الَّذِي أَنْظَرَهُ عَلَى الَّذِي اقْتَضَى بِشَيْءٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ وَأَسْلَفَهُ حِصَّتَهُ مِمَّا قَبَضَ شَرِيكُهُ وَلَمْ يُسْلِفْ شَرِيكَهُ شَيْئًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ سَأَلَهُ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى شَرِيكِهِ مَا جَاءَ بِهِ فَهُوَ إنْظَارٌ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ لِلشَّرِيكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَغَّبَ إلَيْهِ الشَّرِيكُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُنْظِرَ هُوَ الْمُكَاتَبَ فَرَضِيَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَهَذَا إنْظَارٌ أَيْضًا لِلْمُكَاتَبِ. (فَرْعٌ) وَإِنْظَارُ الْمُكَاتَبِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا أَنْ يُنْظِرَهُ بِجَمِيعِ حِصَّتِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، أَوْ مِنْ نَجْمٍ إلَى وَقْتٍ يُوفِيهِ فَهَذَا سَلَفٌ لِلْمُكَاتَبِ لَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يُحْضِرَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَ نَجْمٍ فَيَأْخُذَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِذْنِ الْآخَرِ فَذَلِكَ أَيْضًا إنْظَارٌ لِلْمُكَاتَبِ وَأَمَّا إنْ أَتَى بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ النَّجْمِ، أَوْ بِجَمِيعِهِ فَيَأْخُذُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِإِذْنِ الْآخَرِ لِيَأْخُذَهُ مِنْ شَرِيكِهِ مِنْ النَّجْمِ الثَّانِي فَهَذَا إنْ اشْتَرَطَ فِيهِ إنْظَارَ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النِّصْفِ حَقٌّ لِلَّذِي أَنْظَرَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَ الْقَابِضُ بِهَا شَرِيكَهُ عَلَى دَيْنٍ لَمْ يَحِلَّ يُرِيدُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ الَّذِي أَنْظَرَهُ عَلَى شَرِيكِهِ قَالَ: لِأَنَّ بِإِحْضَارِهِ وَجَبَ لَهُمَا فَاعْتَبَرُوا فِي ذَلِكَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ السَّلَفُ لِلشَّرِيكِ، أَوْ لِلْمُكَاتَبِ وَاعْتَبَرُوا فِي جَوَازِ السَّلَفِ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ الَّذِي أَنْظَرَهُ حَاضِرًا فَيَتَعَيَّنُ بِذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ مِنْ حَقِّ الَّذِي أَنْظَرَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَازِمَةً؛ لِأَنَّهُ بِدَفْعِهِ عِوَضًا عَنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ لِلْمُحِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا أَكْثَرُهُ مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ أَلْفَاظٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَّ النَّجْمُ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنْ يَقْتَضِيَ دُونَهُ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهَذَا سَلَفٌ لِلشَّرِيكِ وَيَرْجِعُ الْمُسْلِفُ عَلَى شَرِيكِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْمَوْتِ عَنْ غَيْرِ مَالٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا إذَا جَاءَ بِالنَّجْمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا جَاءَ بِالنَّجْمِ كُلِّهِ وَأَخَذَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ سَلَفٌ لِلشَّرِيكِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ إلَّا بِالنِّصْفِ فَهُوَ إنْظَارٌ لِلْمُكَاتَبِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُرِيدُ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ الشَّرِيكِ إذَا جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِنِصْفِ النَّجْمِ فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ إنْظَارٌ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنْ حَضَرَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَاشْتَرَطَ فِيهِ إنْظَارَ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِمَّا يُصِيبُ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ فَقَدْ أَحَالَ بِهَا الْقَابِضُ شَرِيكَهُ فِيمَا لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ إنَّمَا يَجُوزُ بِمَا حَلَّ لَا فِيمَا لَمْ يَحِلَّ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا حَلَّ نَجْمٌ فَأَخَذَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ لِيَأْخُذَ الْآخَرُ النَّجْمَ الثَّانِيَ فَهُوَ سَلَفٌ مِنْ الشَّرِيكِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ فِي الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ يُرِيدَانِ السَّلَفَ كَانَ مِنْ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ مَحَلِّ النَّجْمِ الثَّانِي فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ بِهِ حَتَّى يَحِلَّ النَّجْمَ الثَّانِيَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيكَ لَمَّا أَذِنَ لِشَرِيكِهِ فِي أَنْ يَأْخُذَ هَذَا النَّجْمَ الْأَوَّلَ فَأَخَذَهُ وَيَأْخُذُ شَرِيكَهُ النَّجْمَ الثَّانِيَ فَقَدْ أَسْلَفَهُ سَلَفًا مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلِ النَّجْمِ الثَّانِي فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ السَّلَفِ قَبْلَ أَجَلِهِ. (فَرْعٌ) وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ الثَّانِي قَبْلَ عَجْزِهِ فَتَعَذَّرَ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَكَانَ عَلَى الْقَابِضِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَلَفَهُ ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبَ جَمِيعًا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّفَ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ عَنْهُ الْمُكَاتَبُ لَزِمَ الْمُتَسَلِّفُ أَنْ يَقْبِضَهُ ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبُ بِمَالِهِمَا وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَعْجِزْ بَعْدُ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَعْجِزْ فَلَيْسَ لِلَّذِي أَنْظَرَهُ مُطَالَبَةُ الشَّرِيكِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ الْمُكَاتَبُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ فَضْلًا عَنْ كِتَابَتِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ يُرِيدُ أَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ اقْتَضَى نِصْفَ حَقِّهِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ شَيْئًا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى حَسَبِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ اسْتَحَقَّا عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمَةٌ فِي مَالِهِ فَإِذَا اسْتَوْفَيَا ذَلِكَ فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَمِلْكِ كِتَابَتِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ اقْتَضَى الَّذِي لَمْ يُنْظِرْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَضَاهُ الَّذِي أَنْظَرَهُ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلَ مَا اقْتَضَى يُرِيدَانِ الْعَبْدَ بِعَجْزِهِ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِمَا عَلَى حَسَبِ

[الحمالة في الكتابة]

الْحَمَالَةُ فِي الْكِتَابَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبِيدَ إذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ وَأَنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ قَدْ عَجَزْت وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ فَإِنَّ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِيمَا يُطِيقُ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَعَاوَنُونَ بِذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِمْ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ إنْ عَتَقُوا وَيَرِقَّ بِرِقِّهِمْ إنْ رَقُّوا) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى عَجْزِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مَا اقْتَضَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمِلْكِ أَنْ يَقْتَضِيَ السَّيِّدُ مُعْظَمَ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ يَعْجِزُ الْعَبْدُ عَنْ أَقَلِّهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رِقِّهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ الَّذِي أَنْظَرَهُ عَلَى الَّذِي اقْتَضَى بِمُقْتَضَاهُ زَائِدًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِفْهُ إيَّاهُ وَإِنَّمَا أَسْلَفَهُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَوْ أَسْلَفَ شَرِيكَهُ لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَسْلَفَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَتْبَعُ الَّذِي أَنْظَرَهُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْظَرَهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ يُسْقِطُ عَنْهُ دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ وَضَعَ لَهُ، ثُمَّ اقْتَضَى صَاحِبُهُ بَعْضَ الَّذِي عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّ مَا وَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ مَعَ الْعَجْزِ كَمَا لَوْ قَبَضَ مِنْهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ جَمِيعَ مَالِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ مَا لِلثَّانِي عِنْدَهُ فَاسْتُرِقَّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِلْكًا لَهُمَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَرُدُّ الَّذِي اقْتَضَى عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّ مَا قَبَضَ يَكُونُ لَهُ دُونَ الَّذِي وَضَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ وَإِنَّمَا قَبَضَ مَا كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ وَضَعَ عَنْهُ جَمِيعَ مَا كَانَ لَهُ فَلَمْ يَقْتَضِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِذِكْرِ حَقٍّ وَاحِدٍ فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ قَبَضَ الْآخَرُ بَعْضَ حَقِّهِ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ الَّذِي أَنْظَرَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحَمَالَةُ فِي الْكِتَابَةِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ كَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ عَبِيدٌ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَهُمْ كِتَابَةً وَاحِدَةً تَشْمَلُهُمْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَقْصُودُهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ فَجَازَ أَنْ يَخُصَّ وَيَعُمَّ كَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ كَانُوا أَجَانِبَ وَأَقَارِبَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَلَا نِصْفِهِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَلَا نِصْفِهِمَا قَالَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَلَا يَبِيعُ نِصْفَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ يَصِيرُ مُحْتَمَلًا عُمَّالًا يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ وَلَهُ بَيْعُهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ رَجُلَيْنِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: أَمَّا بَيْعُهُمَا مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ كِتَابَتِهِمَا جَمِيعًا فَجَائِزٌ وَلَوْ وَرِثَهُمَا وَرَثَةٌ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْهُمَا وَهِبَتُهُ، وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بَيْعَ بَعْضِ الْمُكَاتَبِ، أَوْ نَجْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ إطْلَاقِ الْكِتَابَةِ لِجَمَاعَةٍ عَبِيدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى اشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ بَعْضَهُمْ إلَّا بِعِتْقِ بَعْضٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَنْ أَدَّى مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ عَتَقَ، وَلَوْ عَقَدُوا الْعَقْدَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بَطَلَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُنَافَاةِ التَّبْعِيضِ وَلِذَلِكَ مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ لَمْ يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَنْ كَاتَبَ أَعْبُدًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمْ أَحَدًا إلَّا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يُفْضِي إلَى حُرِّيَّةٍ فَإِذَا اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِهِ لَمْ يَتَبَعَّضْ عِتْقُهُ، أَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ إذَا أَدَّيْتُمْ إلَيَّ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ وَهَذَا إذَا كَانَ سَيِّدُهُمْ وَاحِدًا فَأَمَّا إنْ كَانَ السَّادَاتُ جَمَاعَةً كَالسَّيِّدَيْنِ يُكَاتِبَانِ عَبْدَيْنِ لَهُمَا فَإِنَّ أَشْهَبَ لَا يُجِيزُ الْكِتَابَةَ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمَا عَنْ بَعْضٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (مَسْأَلَةٌ) : وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى جَمْعٍ عَبِيدٍ لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِسَادَاتٍ يَفْتَقِرُ إلَى تَقْدِيرِ جُمْلَةِ الْكِتَابَةِ دُونَ تَقْدِيرِ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي عِوَضِهَا لَمَّا كَانَ مَقْصُودُهَا الْعِتْقَ وَلَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْأَعْوَاضِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي مَقْصُودُهَا الْمُعَارَضَةُ وَيَكُونُ الْعِوَضُ فِيهَا دَيْنًا ثَابِتًا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَجُلَيْنِ جَمْعُ ثَوْبِهِمَا فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ بِتَجْوِيرِ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ أَحَدِ الْمُكَاتَبَيْنِ بِجَمِيعِ مَا عَلَى جُمْلَتِهِمْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْأَدَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِهِمْ مَعَ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعًا لِحَقِّ الضَّمَانِ فَمَا كَانَ الْمَضْمُونُ حَاضِرًا قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ طَلَبُ أَحَدِهِمْ بِحَقِّ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا لَهُ طَلَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَخُصُّهُ بِحَقِّ الْكِتَابَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ مِنْ بَعْضِهِمْ بِأَنْ عَجَزَ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، أَوْ تَغَيَّبَ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُمْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنَّ أَصْحَابَهُ قَدْ ضَمِنُوا مَا عَلَيْهِ وَقَدْ الْتَزَمُوا الْكِتَابَةَ جُمْلَةً، وَالْكِتَابَةُ تُنَافِي التَّبْعِيضَ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمْ بِمِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ مِنْ أَصْلِهِ وَقَدْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُوضَعُ عَنْهُمْ حِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الَّذِي مَاتَ تَنَاوَلَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَلَزِمَهُمْ مَا يَخُصُّهُ كَمَا لَوْ عَجَزَ وَهَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فَلِذَلِكَ وُضِعَ عَنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَحُطُّ عَنْهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ إنْ كَانُوا أَرْبَعَةً حُطَّ عَنْهُمْ رُبْعُ الْعَدَدِ بِاسْتِحْقَاقِ أَحَدِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ عَجَزْت يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ عَجْزَهُ إلَّا بِدَعْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ مَا لَزِمَهُ بِالْكِتَابَةِ وَلِأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ مَا يُطِيقُ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْقُوَّةِ عَلَى السَّعْيِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْهُ إلَى رِقٍّ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَازِمٌ فَاَلَّذِي يَدَّعِي الْعَجْزَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْجِزَ نَفْسَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ نَافِعٍ إنَّهُ إذَا كَرِهَ الْكِتَابَةَ فَعَجَّزَ نَفْسَهُ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ عَادَ مَمْلُوكًا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ نَافِعٍ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَنْفُذُ عِوَضُهَا فَلَزِمَتْ فِي الْجَنْبَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجُعْلُ فَإِنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ فِي جَنْبَةِ الْعَامِلِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ مَالٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى الْعَبْدِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَ بِهِ عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَدَاؤُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُهُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يُرِيدُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ فَسْخَهُ إذَا شَاءَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ بِيَدِهِ مَالٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَدَائِهِ وَإِذَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَدَائِهِ خُيِّرَ السَّيِّدُ بَيْنَ الصَّبْرِ وَبَيْنَ فَسْخِ كِتَابَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا كَانَ مَالُهُ صَامِتًا لَا يُعْرَفُ فَلَهُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ، ثُمَّ أَظْهَرَ أَمْوَالًا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدّ إلَى الْكِتَابَةِ وَكَانَ رَقِيقًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ نَفْسَهُ لِعَدَمِ مَالٍ ظَاهِرٍ يُؤَدِّي مِنْهُ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَتَقَرَّرَ مِلْكُ السَّيِّدِ عَلَيْهِ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِظُهُورِ مَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ لَمْ تَتَقَدَّمْ فِي كِتَابَةٍ. (فَرْعٌ) وَأَيْنَ يُعَجِّزُ نَفْسَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُعَجِّزُ نَفْسَهُ دُونَ السُّلْطَانِ قَالَ سَحْنُونٌ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيزُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ عَقَدَهُ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِ السَّيِّدِ بِعِوَضٍ فَجَازَ لَهُمَا فَسْخُهُ وَنَقْضُهُ كَالْبَيْعِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُمَا نَقْضُهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَنْبَغِ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ أَحَدٌ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ، أَوْ عَجَزَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، ثُمَّ اتَّبَعَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ أَخَذَ مَالَهُ بَاطِلًا لَا هُوَ ابْتَاعَ الْمُكَاتَبَ فَيَكُونُ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ هُوَ لَهُ وَلَا الْمُكَاتَبُ عَتَقَ فَيَكُونُ فِي ثَمَنِ حُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ وَكَانَ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ يُتَحَمَّلُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِهَا إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ إنْ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ رُدَّ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ وَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ لَا يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ رَجَا الْأَدَاءَ، أَوْ نُفُوذَ الْعِتْقِ أَبْقَاهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ الْعَجْزُ أَنْفَذَ فَسْخَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَكَانَ صَانِعًا فَلَهُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَمْ مَالٌ ظَاهِرٌ فَاَلَّذِي اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَاسْتِرْقَاقُهَا بَعْدَ عَقْدِ الْعِتْقِ كَاَلَّذِي لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَسْبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ مُفْرَدًا بِالْكِتَابَةِ فَأَمَّا إذَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِيهَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُعَجِّزُ نَفْسَهُ قَبْلَ نُجُومِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَلَدٌ فَلَا تَعْجِيزَ لَهُ وَيُؤْخَذُ بِالسَّعْيِ عَلَيْهِمْ صَاغِرًا وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ لَدَدٌ رَأَيْت أَنْ يُعَاقَبَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَلَا تَعْجِيزَ لَهُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ فَيُعْطَى السَّيِّدَ يُرِيدُ بَعْدَ مَحِلِّهِ وَيَعْتِقُ هُوَ وَوَلَدُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَارَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَجْنَبِيٌّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ مَنْ شَارَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ سَعْيُهُ وَمَالُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَعْيِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَأَدَاءِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَالْكِتَابَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ وَأَحَدِ الْمُكَاتَبَيْنِ فَسْخُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ دُونَ إذْنِ سَائِرِ مَنْ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ. 1 - (فَرْعٍ) وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَحَنِثَ فِي أَحَدِهِمَا بِيَمِينٍ لَزِمَتْهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُعَجِّلُ عِتْقَهُ وَهُوَ كَابْتِدَاءِ عِتْقِهِ فَإِنْ عَجَزَ عِتْقٌ بِالْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ فَمَنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَأَبَى ذَلِكَ إشْرَاكَهُ فِي الْكِتَابَةِ فَأَدَّى مَعَهُمْ حَتَّى عَتَقُوا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا وَجَّهَهُ إلَيْهِ السَّيِّدُ مِنْ الْعِتْقِ لَمْ يَتِمَّ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لِلسَّيِّدِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَتَعَاوَنُونَ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ وَيَرِقَّ بِرِقِّهِمْ يُرِيدُ مَنْ فِيهِ سِعَايَةٌ وَعَمَلٌ فَإِنْ قَصَرَ عَنْ قَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتَعَاوَنُونَ بِهِ فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ رَقُّوا وَرَقَّ مَعَهُمْ وَإِنْ أَدَّوْا أُعْتِقُوا وَعَتَقَ مَعَهُمْ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ بِالْحَمَالَةِ فَإِذَا دَخَلَتْهَا الْحَمَالَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ انْعَقَدَتْ بِشَرْطِ الْحَمَالَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى الْحَمَالَةِ إذْ لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَكُونَ فِي الذِّمَمِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ إنَّمَا هِيَ فِي الْوَجْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْكِتَابَةُ بِذِمَّةٍ تَعَلُّقًا لَازِمًا إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالتَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى وَأَصْبَغَ تُمْضَى الْكِتَابَةُ وَتَبْطُلُ الْحَمَالَةُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ الْحَمَالَةُ بِالْكِتَابَةِ وَمَنْ تَحَمَّلَ بِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ حَمَالَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّهْنُ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ إنْ رَضِيَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لِغَيْرِ الْمُكَاتَبِ

[القطاعة في الكتابة]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةٌ وَلَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِهَا فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ لَا يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ كُلَّهَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ أُدِّيَ عَنْهُمْ مِنْهُ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ كَاتَبَ مَعَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ شَيْءٌ وَيَتْبَعُهُمْ السَّيِّدُ بِحِصَصِهِمْ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْكِتَابَةِ الَّتِي قُضِيَتْ مِنْ مَالِ الْهَالِكِ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ إنَّمَا كَانَ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا عَتَقُوا بِهِ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الْهَالِكِ وَلَدٌ حُرٌّ لَمْ يُولَدْ فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُكَاتَبْ عَلَيْهِ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ) . الْقَطَاعَةِ فِي الْكِتَابَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ كَالْحَمَالَةِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ وَيُخَيَّرُ السَّيِّدُ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَهَا بِلَا رَهْنٍ أَوْ يَفْسَخَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ تَحِلَّ الْكِتَابَةُ فَلَا تُفْسَخُ وَيُفْسَخُ الرَّهْنُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ سَيِّدُهُ الْغُرَمَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُحَاصُّ سَيِّدُهُ الْغُرَمَاءَ فِي مَالِهِ إذَا أَفْلَسَ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ مَعَ الْفَلَسِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهِ رَهْنٌ وَلَا حَمَالَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْغُرَمَاءُ حُقُوقَهُمْ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِالْكِتَابَةِ عَادَتْ بِالْعَجْزِ لَا يُشَارِكُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَرِيمٌ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ رَحِمٌ فَإِنَّهُمْ حُمَلَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَا تَأْثِيرَ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ لَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَأَشَدُّ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي التَّرَاجُعِ وَأَمَّا اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ فَعَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ وَلَا نَقُولُ يَجُوزُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ فَقَطْ بَلْ نَقُولُ إنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابَةِ لِسَيِّدِهِمْ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضِمْنَ مِلْكِهِ مَعَ كَوْنِ الْعَقْدِ يَلْزَمُهُمْ لُزُومًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَوْ كَاتَبَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ جَازَ أَنْ يَضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنْ لَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ انْفَرَدَ عَقْدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَقَدْ عَادَ إلَى حُكْمِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَبْدُهُ بِمَا عَلَى مُكَاتَبِهِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ عَبْدَانِ لِرَجُلَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ لِثَلَاثَةِ رِجَالٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمْعِهِمْ فِي كِتَابَةٍ فَلَمْ يُجِزْهُ أَشْهَبُ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ عَبْدٍ يَتَحَمَّلُ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ بِحِصَّةِ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ فِي عَبْدٍ فَهِيَ كِتَابَةٌ مُتَبَعِّضَةٌ إلَّا أَنْ يُسْقِطُوا حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَيَجُوزَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ يَوْمَ عُقِدَتْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ لَيْسَ كَمَا احْتَجَّ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ فَإِنَّمَا يَقْبِضُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ ثُلُثِهِ ثُلُثَ الْكِتَابَةِ فَلَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِ مِلْكِهِ شَيْئًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ الْكِتَابَةِ أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ضَمَانِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ حُلَّتْ النُّجُومُ كُلُّهَا فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا وُجِدَ لَهُ مَالٌ أُدِّيَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ لِلسَّيِّدِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِذَوِي أَرْحَامٍ لَهُ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي تَرَاجُعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ. [الْقَطَاعَةِ فِي الْكِتَابَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْمُقَاطَعَةُ هُوَ أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَوْ قَاطَعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ حَازَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ أَوْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَاطَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ وَيُرْجِعَ حَقَّهُ فِي رَقَبَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْعَلَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ عَلَى شَيْءٍ يُقَاطَعُ عَلَيْهِ مُعَجَّلٍ، أَوْ مُؤَجَّلٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أَصْلَ الْكِتَابَةِ بِالذَّهَبِ فَيُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ، أَوْ بِالْوَرِقِ مُقَاطَعَةً بِالْوَرِقِ فَهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا يُقَاطِعُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِعِوَضٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ النَّاسُ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ تَأَوَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَوِّلِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] أَنَّ ذَلِكَ قَطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى بَعْضِ مَا عَلَيْهِ وَتَرْكُ الْبَعْضِ لَهُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ وَأَمَّا إنْ كَانَ بِالذَّهَبِ فَيُقَاطِعُهُ بِذَهَبٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا بِيعَتْ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا سَيِّدُهُ كَيْفَ شَاءَ فَيَنْقُلَهُ مِنْ ذَهَبٍ إلَى وَرِقٍ وَمِنْ وَرِقٍ إلَى ذَهَبٍ وَمِنْ عُرُوضٍ إلَى عُرُوضٍ مِنْ جِنْسِهَا وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ بَيْعِهَا مِنْ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ تَرْكُ مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ وَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى مَالِ يُعَجَّلُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ الْكِتَابَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَاطَعَ الْمُكَاتَبُ وَيُعَجِّلَ عِتْقَهُ بِشَيْءٍ يُعَجِّلُهُ، أَوْ يُؤَخِّرُهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِ الْكِتَابَةِ، أَوْ أَقْرَبَ كَانَ طَعَامًا، أَوْ غَيْرَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَمَنْ اشْتَرَى كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ جَازَ أَنْ يُقَاطِعَهُ بِمَا يُقَاطِعُهُ بِهِ سَيِّدُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي مَالِهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِتَعْجِيلِهِ دُونَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ فَعَلَ وَكَمُلَتْ مُقَاطَعَتُهُ لَهُ صَارَ ذَلِكَ رِضَا بِمَا أَخَذَهُ عَنْ حِصَّتِهِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَلَى مَا كَانَ الْمُتَمَسِّكُ أَحَقَّ بِجَمِيعِهِ وَكَذَلِكَ إنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّ الَّذِي قَاطَعَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ وَعِتْقُ الْمُكَاتَبِ لَا يَتَبَعَّضُ فَكَانَ الْمُتَمَسِّكُ أَحَقَّ بِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَبِرَقَبَتِهِ بَعْدَ عَجْزِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَبَضَ الْمُتَمَسِّكُ مِثْلَ مَا قَبَضَ الَّذِي قَاطَعَهُ فَلَا حُجَّةَ لِلْمُتَمَسِّكِ فِي مَوْتِهِ إنْ لَمْ يَدَعْ شَيْئًا وَلَا فِي عَجْزِهِ لِأَنَّهُمَا فِي الْعَجْزِ يَتَسَاوَيَانِ فِي رَقَبَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ الْمَيِّتَ مَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُتَمَسِّكُ مِثْلَ مَا أَخَذَ الْمُقَاطَعُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَاخْتُلِفَ إذَا عَجَزَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُتَمَسِّكُ إلَّا أَقَلَّ مِنْ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْخِيَارُ لِلْمُتَمَسِّكِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ الْفَضْلِ عَلَى الْآخَرِ، أَوْ تَمَاسَكَ بِالْعَبْدِ كُلِّهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ الرُّوَاةُ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْفَضْلِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُتَمَسِّكُ بِالْعَبْدِ رَجَعَ الْخِيَارُ لِلْمُقَاطَعِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَاطَعَ بِإِذْنِهِ، أَوْ حَكَمَ بِهِ فَرَضِيَ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ قَاطَعَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَعَجَزَ فَرَقَبَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بِنِصْفِ مَا يَفْضُلُهُ بِهِ الَّذِي قَاطَعَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَانَ الْعَبْدُ خَالِصًا وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُتَمَسِّكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَاطَعَ قَدْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَكَ الْعَبْدُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ مَا يَفْضُلُ بِهِ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ غَلِطَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ وَاضِحَةٌ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى سَأَلْت ابْنَ نَافِعٍ وَأَخْبَرْته بِقَوْلِ مَالِكٍ وَرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ لَسْت أَعْرِفُ مَا يَقُولُ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَرَى أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ إلَى نَصِيبِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ إنْ عَجَزَ، أَوْ مِنْ الْمِيرَاثِ إنْ مَاتَ عَلَى مَا أَحَبَّ شَرِيكُهُ، أَوْ كَرِهَ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَلَيْسَتْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِنْ الْقَطَاعَةِ وَيَكُونَ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا اسْتَوْفَى الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ حَقَّهُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَاسَكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قِيلَ لِلَّذِي قَاطَعَهُ إنْ شِئْت أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِك نِصْفَ الَّذِي أَخَذْت وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ وَإِنْ أَبَيْت فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْتَضِي الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ اقْتَضَى أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ الَّذِي قَاطَعَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا يُفَضِّلُهُ بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَبَى فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي لَمْ يُقَاطِعْهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا يُفَضِّلُهُ بِهِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ قَدْ أَخَذَ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ، أَوْ أَفْضَلَ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالُهُ كَحَالِ مَنْ قَاطَعَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ إبْرَاهِيمَ وَهَذَا أَصْوَبُ مَا قِيلَ فِيهِ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ فَمَا كَانَ خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَوَهْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِنْ الْقَطَاعَةِ وَيَكُونَ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا اسْتَوْفَى الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ حَقَّهُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَاسَكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قِيلَ لِلَّذِي قَاطَعَهُ إنْ شِئْت أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِك نِصْفَ الَّذِي أَخَذْت وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ وَإِنْ أَبَيْت فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصًا) . (ش) : قَوْلُهُ وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَبًا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ لِلَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ مِنْ الْقَطَاعَةِ وَيَكُونُ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَهُ أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدَ كُلَّهُ إلَى الْمُتَمَسِّكِ وَذَلِكَ أَنَّ شَرِيكَهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَ بِإِذْنِهِ وَلَكِنَّ الَّذِي قَاطَعَهُ إنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ لِيُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ وَيَعْتِقُ فَإِذَا عَجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي حِصَّتِهِ مِنْهُ وَشَارَكَهُ الْمُتَمَسِّكُ فِيمَا أَخَذَ، أَوْ يَتَمَسَّكُ بِمَا أَخَذَ وَسَلَّمَ جَمِيعَ الْعَبْدِ إلَى شَرِيكِهِ وَلَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ الْعِتْقُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا قَبَضَ الَّذِي تَمَسَّكَ أَقَلَّ مِمَّا قَبَضَ شَرِيكُهُ وَأَمَّا إذَا قَبَضَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ أَخَذَ مِثْلَ الَّذِي أَخَذَ هُوَ فَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي التَّمَسُّكِ وَلَوْ أَخَذَ صَاحِبُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الَّذِي قَاطَعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا كَانَ عُقِدَ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ فَقَبَضَ الَّذِي تَمَسَّكَ مِثْلَ مَا قَبَضَ صَاحِبُهُ أَوْ أَكْثَرَ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا رَقِيقًا لَهُمَا، أَوْ يُسْلِمُ جَمِيعَ الْعَبْدِ إلَى الْمُتَمَسِّكِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَقَبَضَ الْمُتَمَسِّكُ مِثْلَ مَا قَبَضَ شَرِيكُهُ أَوْ أَكْثَرَ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَبَضَ أَقَلَّ فَلِلَّذِي قَاطَعَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْآخَرِ نِصْفَ مَا فَضَّلَهُ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَأْخُذَ الْمُتَمَسِّكُ مِنْ تَرِكَةِ الْعَبْدِ مِثْلَ مَا فَضَلَ بِصَاحِبِهِ وَيَكُونَ الثَّانِي بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ إلَّا فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْمُوَطَّأِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَ دَفَعَ نِصْفَ مَا يَقْضِي بِهِ وَيَكُونُ لَهُ الْأَعْيَانُ وَكَذَلِكَ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ يَسْتَوْفِي بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي تُوُفِّيَ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْبَاقِيَ وَكَذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا اسْتَوْفَى مِنْهُ الْمُتَمَسِّكُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ أَقَلَّ مِمَّا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ قَالَ مَالِكٌ إنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَ الْعَبْدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا يَفْضُلُهُ بِهِ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ فَلِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ حِصَّةُ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ قَاطَعَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ فَيُكَاتِبَانِهِ جَمِيعًا، ثُمَّ يُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا الْمُكَاتَبَ عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ الرُّبُعُ مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيُقَالُ لِلَّذِي قَاطَعَهُ إنْ شِئْت فَارْدُدْ عَلَى صَاحِبِك نِصْفَ مَا فَضَّلْته بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ رُبُعُ صَاحِبِهِ الَّذِي قَاطَعَ الْمُكَاتَبَ عَلَيْهِ خَالِصًا وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ وَكَانَ لِلَّذِي قَاطَعَ رُبْعُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَبَى أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ رُبُعِهِ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ فِي الْمَوْتِ مِثْلَ الَّذِي اسْتَوْفَى الَّذِي قَاطَعَ وَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ بَقِيَّةَ مَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْعَجْزِ فَهُوَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ إذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ مِثْلَ مَا يَسْتَوْفِي الَّذِي قَاطَعَ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لِلَّذِي تَمَسَّكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْعَجْزِ بَقِيَّةَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ وَفِي الْمَوْتِ قَدْ ذَهَبَتْ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَلَوْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ لِلْمُتَمَسِّكِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي قَاطَعَ بِشَيْءٍ مِمَّا أَخَذَ لَهُ فِي النَّوَادِرِ وَهَذَا إذَا قَاطَعَهُ بِعَيْنٍ، فَإِنْ قَاطَعَهُ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ نُظِرَ إلَى قِيمَتِهِ نَقْدًا يَوْمَ قَبْضِهِ وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ مَا قَبَضَ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا رُدَّ مِثْلُهُ وَيَرُدُّ صَاحِبُهُ مَا قَبَضَ فَكَانَ بَيْنَهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ بَقِيَ لِلَّذِي قَاطَعَ بَعْضَ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الْقَطَاعَةِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ عَجَزَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ تَحَاصَّا فِيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا بَقِيَ مِنْ النَّوَادِرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَلِلَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ مَا أَخَذَ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، أَوْ يَتَمَاسَكُ بِمَا قَبَضَ وَيَكُونُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلْمُتَمَسِّكِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَيَكُونُ لِلَّذِي قَاطَعَ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ جَمِيعِ مَا أَخَذَ، أَوْ أَخَذَ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ فَيَكُونُ لِلَّذِي قَاطَعَ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ مَا زَادَ أَخْذُهُ عَلَى أَخْذِ الْمُتَمَسِّكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ قَاطَعَ الْمُكَاتَبَ عَلَى نِصْفِ نَصِيبِهِ وَهُوَ رُبُعُ جَمِيعِهِ وَأَبْقَى النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَرُبُعُهُ عَلَى الْقَطَاعَةِ فَهَذَا إنْ عَجَزَ فَلِلَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا فَضَّلَهُ بِهِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ شَاءَ الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ، أَوْ أَبَى؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ إنْ رَجَعَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ نَفَذَ لَهُ رُبْعَ الْعَبْدِ بِمَا قَاطَعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَاطَعَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ ذَلِكَ الرُّبُعِ مِنْ شَرِيكِهِ فَصَارَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ لِشَرِيكِهِ بِالْعَجْزِ وَلَمْ يَبْقَ لِلَّذِي قَاطَعَهُ مِنْ حِصَّتِهِ إلَّا مَا بَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنْ الْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ قَبَضَ الْمُتَمَسِّكُ مِثْلَ مَا قَبَضَ الْمُقَاطَعُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَاطِعَهُ الْأَوَّلُ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ الْمُتَمَسِّكُ مِائَةً كَانَ الْمُقَاطَعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمُتَمَسِّكِ مَا أَخَذَهُ وَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُقَاطَعُ مِنْ الْمُتَمَسِّكِ ثُلُثَ الْمِائَةِ الَّتِي قَبَضَ وَيُسَلِّمُ لَهُ رُبُعَ الْعَبْدِ فَيَكُونُ لِلْمُتَمَسِّكِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَاَلَّذِي قَاطَعَ رُبُعُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَبَضَ الْمُتَمَسِّكُ مِائَتَيْنِ فَلِلْمُقَاطَعِ أَخْذُ ثُلُثِهَا وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُتَمَسِّكَ وَيَكُونُ لِلَّذِي قَاطَعَ رُبُعُ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ وَكَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُقَاطَعَ لَمْ يَأْخُذْ غَيْرَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْخُذَ الثُّلُثَ مِنْ كُلِّ مَا يَقْتَضِي؛ لِأَنَّ لَهُ رُبُعَ الْمُكَاتَبِ وَلِلْآخَرِ نِصْفَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ قَطَاعَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّ سَيِّدَهُ لَا يُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ بِاَلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَطَاعَتِهِ وَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَبْدَءُوا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ فَيَعْتِقُ وَيَصِيرُ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ) . جِرَاحُ الْمُكَاتَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الْمُكَاتَبِ يَجْرَحُ الرَّجُلَ جَرْحًا يَقَعُ فِيهِ الْعَقْلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ قَوِيَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ مَعَ كِتَابَتِهِ أَدَّاهُ وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ هُوَ عَجَزَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ التَّمَاسُكَ بِمَا قَبَضَ وَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُ رُبُعِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ رُدَّ فَضْلُ مَا أَخَذَ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ إنَّمَا قَاطَعَ عَبْدَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْكِتَابَةِ وَالْكِتَابَةُ لَا يُحَاصُّ بِهَا الْغُرَمَاءُ فَكَذَلِكَ لَا يُحَاصُّ بِالْقَطَاعَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذَا الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ فَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِحُكْمِ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ الْقَطَاعَةِ حُكْمُ الْهِبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَا فِي يَدِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ وَالْهِبَةُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ الْمُعَاوَضَةُ الْمَحْضَةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُحَاصُّ بِهِ السَّيِّدُ فِي فَلَسٍ وَلَا مَوْتٍ وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَطَاءُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ شُرَيْحٌ يُحَاصُّ سَيِّدُهُ الْغُرَمَاءَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ، ثُمَّ يُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ فَيَضَعُ عَنْهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ إلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ وَيَنْقُدُهُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الدَّيْنِ إنَّمَا كَانَتْ قَطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا فِي أَنْ يَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ فَيَجِبُ لَهُ الْمِيرَاثُ وَالشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ وَتَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْعَتَاقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَلَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ ائْتِنِي بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنْ جِئْتنِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ هَذَا دَيْنًا ثَابِتًا وَلَوْ كَانَ دَيْنًا ثَابِتًا لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ، أَوْ أَفْلَسَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْقَطَاعَةَ تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِمَّا كَاتَبَ عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ عَلَى التَّعْجِيلِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ وَتَأْجِيلُ الْمُعَجَّلِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَنْ يَضَعَ وَيَتَعَجَّلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَتْ الْكِتَابَةُ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَعْنًى مُتَعَلِّقٌ بِالرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ أَدَاءُ الْكِتَابَةِ اُسْتُرِقَّتْ الرَّقَبَةُ وَتَنْتَقِلُ بِالْقَطَاعَةِ عَلَى تَعْجِيلِ الْكِتَابَةِ إلَى دَيْنٍ مُتَعَلِّقٍ بِالذِّمَّةِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيَجُوزُ بِالنَّقْدِ وَاخْتُلِفَ فِي النَّسِيئَةِ وَالنَّقْدُ أَحَبُّ إلَيَّ وَتَعَلَّقَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ بِفَضْلٍ آخَرَ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ الْقَطَاعَةُ مِنْ الْعِتْقِ الْمُتَضَمَّنِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَتَعْجِيلِ تَمَامِ الْحُرِّيَّةِ وَلِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي التَّصْحِيحِ.

[جراح المكاتب]

أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجَرْحِ خُيِّرَ سَيِّدَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَعَلَ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ وَصَارَ عَبْدًا مَمْلُوكًا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدَ إلَى الْمَجْرُوحِ أَسْلَمَهُ وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا فَيُجْرَحُ أَحَدُهُمْ جُرْحًا فِيهِ عَقْلٌ قَالَ مَالِكٌ مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ جُرْحًا فِيهِ عَقْلٌ قِيلَ لَهُ وَلِلَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَدُّوا جَمِيعًا عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَإِنْ أَدَّوْا ثَبَتُوا عَلَى كِتَابَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدُّوا فَقَدْ عَجَزُوا وَيُخَيِّرُ سَيِّدُهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَرَجَعُوا عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ الْجَارِحُ وَحْدَهُ وَرَجَعَ الْآخَرُونَ عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا بِعَجْزِهِمْ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجُرْحِ الَّذِي جُرِحَ صَاحِبُهُمْ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أُصِيبَ بِجُرْحٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَقْلٌ، أَوْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ فِي قِيمَتِهِمْ وَأَنَّ مَا أُخِذَ لَهُمْ مِنْ عَقْلِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جِرَاحُ الْمُكَاتَبِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ الْجُرْحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لَوْ جَنَى لَلَزِمَ السَّيِّدُ أَنْ يُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسْلِمَهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمِلْكُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَثْبَتُ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابَةِ الَّذِي لَمْ يَتَقَرَّرْ بَعْدُ وَلَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ افْتَدَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِعَجْزِهِ عَمَّا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي رُجُوعَهُ إلَى حُكْمِ الرِّقِّ الْمَحْضِ، ثُمَّ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَفْتَدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسْلِمَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كُوتِبَ عَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَجَنَى أَحَدُهُمَا وَعَجَزَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَأَدَّى صَاحِبُهُ حِينَ خَافَ الْعَجْزَ، ثُمَّ عَتَقَا بِسِعَايَتِهِمَا فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ الَّتِي أَدَّى عَنْهُ أَنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ قَالَ عِيسَى وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَالٌ يَعْتِقَانِ فِيهِ وَيَسْتَرِقَّانِ بِالْعَجْزِ عَنْهُ فَجَائِزٌ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالْكِتَابَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ خَطَأً وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ قِيلَ لِلْجَارِحِ اعْقِلْ مَا جَنَيْت وَتَبْقَيَانِ عَلَى كِتَابَتِكُمَا وَيُحْتَسَبُ بِذَلِكَ مِمَّا عَلَيْكُمَا مِنْ آخِرِ نُجُومِكُمَا وَيَتْبَعُ الْمَجْرُوحُ الْجَارِحَ بِنِصْفِ عَقْلِ الْجُرْحِ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُمَا فِي الْكِتَابَةِ رَجَعَ إلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُ الْجَارِحُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجُرْحِ تَأَدَّى عَنْهُمَا وَعَتَقَا بِهِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ عَجَزَ الْجَارِحُ عَنْ أَدَاءِ الْأَرْشِ وَخَافَ الْمَجْرُوحُ أَنْ يَعْجِزَ بِعَجْزِهِ فَأَدَّى الْأَرْشَ كُلَّهُ، أَوْ أَدَّى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ اتَّبَعَهُ إذَا عَتَقَا بِجَمِيعِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا اعْتَدَلَا فِي الْغُرْمِ فَكَأَنَّهُمَا إنَّمَا أَدَّيَا الْكِتَابَةَ وَبَقِيَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي وَهَذَا إذَا أَدَّى عَنْهُ بَعْضَ الْجِنَايَةِ وَأَمَّا إنْ أَدَّى جَمِيعَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَيُوفِي مَا يُصِيبُهُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَفَ الْجَانِيَ أَجْنَبِيٌّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرَ وَرَجَعَ عَلَيْهِ الْمَجْنِيُّ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْكِتَابَةِ مِنْ حَقٍّ يَخْتَصُّ بِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ كَانَ الْجَانِي أَخَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ بَعْضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ رَوَاهُ كُلَّهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَزنِيَّةِ. (فَرْقٌ) وَلَوْ جَنَى أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَأَدَّى الثَّانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ حِينَ خَافَ أَنْ يَعْجِزَ بِعَجْزِ أَخِيهِ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا الْمَالَ تَأَدَّى إلَى أَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَتَأَدَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَعْتِقَانِ بِهِ وَإِذَا جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَدَّى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَدَّى عَنْهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ افْتَكَّهُ بِهِ مِنْ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَعَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ بِشَيْءٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْجَانِي عَنْ أَدَاءِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَأَدَّاهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أُصِيبَ بِجُرْحٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَقْلٌ، أَوْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ فِي قِيمَتِهِمْ وَأَنَّ مَا أُخِذَ لَهُمْ مِنْ عَقْلِهِمْ

يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِمْ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ فَيُوضَعُ عَنْهُ مَا أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ دِيَةُ جُرْحِهِ الَّذِي أَخَذَ سَيِّدُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَدْ عَتَقَ وَإِنْ كَانَ عَقْلُ جُرْحِهِ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَخَذَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَعَتَقَ وَكَانَ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ أَعْوَرَ، أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ، أَوْ مَعْضُوبَ الْجَسَدِ وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالِهِ وَكَسْبِهِ وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ عَقْلِ جَسَدِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ وَلَكِنْ عَقْلُ جِرَاحَاتِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ، أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ) . بَيْعُ الْمُكَاتَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مُكَاتَبَ الرَّجُلِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إذَا كَانَ كَاتَبَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إلَّا بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ يُعَجِّلُهُ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِأَنَّهُ إنْ أَخَّرَهُ كَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ قَالَ وَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ بِعَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الرَّقِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِمْ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ فَيُوضَعُ عَنْهُ مَا أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ دِيَةُ جُرْحِهِ الَّذِي أَخَذَ سَيِّدُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ إلَى سَيِّدِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَدْ عَتَقَ وَإِنْ كَانَ عَقْلُ جُرْحِهِ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَخَذَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَعَتَقَ وَكَانَ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ أَعْوَرَ، أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ، أَوْ مَعْضُوبَ الْجَسَدِ وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالِهِ وَكَسْبِهِ وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ عَقْلِ جَسَدِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ وَلَكِنْ عَقْلُ جِرَاحَاتِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ، أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا جَنَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّ عَقْلَ جُرْحِهِ عَقْلُ جُرْحِ عَبْدٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ قَالَ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ الْعَقْلَ إلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ بَعْضِ الْمُكَاتَبِ لِئَلَّا يَفُوتَ الَّذِي تَلِفَ بِالْجِنَايَةِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِوَضِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رُجُوعِ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْعَجْزِ نَاقِصًا وَقَدْ فَاتَ الْعِوَضُ فَوَجَبَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ يُرِيدُ فِيمَا يُتِمُّ عِتْقَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَسَبَ لَهُ فِي أَوَّلِ نَجْمٍ وَفِيمَا لَا يَتِمُّ عِتْقُهُ بِهِ مِنْ عَبْدِهِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ نَجْمٍ دَفْعٌ عَمَّا لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تَتَبَعَّضُ لَا يَكُونُ عِوَضًا مِنْ جَمِيعِهَا إلَى الدَّفْعَةِ الَّتِي يَتِمُّ الْعِتْقُ بِهَا وَأَمَّا مَا يُؤَدِّي لَهُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَوْعٌ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ آخِرِ نَجْمٍ وَرَجَعَ رَقِيقًا بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَجَزَ وَلَمْ يُعْطِ شَيْئًا فَإِذَا أَدَّاهُ عَنْ أَوَّلِ نَجْمٍ رَجَعَ إلَيْهِ الْمُكَاتَبِ لِعَجْزِهِ نَاقِصًا بِبَعْضِ الْجِنَايَةِ وَحُكْمًا لِمَا قَبَضَ مِنْ نُجُومِهِ بِحُكْمِ الْغَلَّةِ فَقَدْ أَخَذَ غَلَّةَ عَبْدِهِ عِوَضًا عَنْ جُزْءٍ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَوْ لَمْ يُكَاتِبْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَقْلُ الْجُرْحِ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَدُفِعَ إلَيْهِ الْفَضْلُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ الْجُرْحِ إذَا كَانَ فِيهِ أَدَاءُ الْكِتَابَةِ عُجِّلَ لِلسَّيِّدِ أَدَاؤُهُ وَإِنْ كَانَتْ النُّجُومُ لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَدَاءٌ اُحْتُسِبَ لَهُ بِهِ فِي آخِرِ نَجْمٍ فَإِذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ عُجِّلَ لَهُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ بِهِ الْعِتْقُ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عِوَضًا مِنْ عَيْنِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَجُزْ تَسْلِيمَهُ إلَى الْعَبْدِ لِئَلَّا يَفُوتَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى السَّيِّدِ نَاقِصًا وَكَانَ تَعْجِيلُ دَفْعِهِ إلَى السَّيِّدِ تَعْجِيلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ لَزِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي تَأْخِيرِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يُعَجِّلُ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ حُلُولِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ عَيْنِ الْمُكَاتَبِ؛ وَلِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ حَقًّا فِي تَصْرِيفِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ إلَى أَنْ تَحِلَّ نُجُومُ كِتَابَتِهِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[بيع المكاتب]

فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لِلْعُرُوضِ الَّتِي كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَيْهَا يُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ إذَا بِيعَ كَانَ أَحَقَّ بِاشْتِرَاءِ كِتَابَتِهِ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا إذَا قَوِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعُ الْمُكَاتَبِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ خِلَافًا لِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا مَا فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْعِتْقِ وَهَذَا إذَا بَاعَ السَّيِّدُ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا إذَا بَاعَ جُزْءًا مِنْهَا فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ إحْدَاهُمَا الْمَنْعُ وَالْأُخْرَى الْجَوَازُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ وَهِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَبِيعٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِهِ فَجَازَ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْهُ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ أَدَاءَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إلَى سَيِّدِهِ بِعَقْدِ كِتَابَتِهِ وَالثَّانِي إلَى امْتِنَاعِ الْجُزْءِ لِحَقِّ ابْتِيَاعِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ لِحَقِّ الْكِتَابَةِ وَيُؤَدِّي النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْخَرَاجِ بِحَقِّ الْمِلْكِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ لِشَرِيكَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيْعُ حِصَّتِهِ دُونَ شَرِيكِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ شَرِيكُهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَاهُ جَمِيعًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يَشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ جَمِيعَهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَمَّا مِنْ الْمُكَاتِبِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَرِهَ شَرِيكُهُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَقْصُودَةٌ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ فَجَازَتْ فِي بَعْضِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا وَأَمَّا مِنْ الْعَبْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ أَنَّهَا كَالْقَطَاعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إذَا كَاتَبَهُ بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ فَلَا يَبِيعُهَا إلَّا بِعَرْضٍ مُعَجَّلٍ لَا يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِعَرْضٍ مِنْ إبِلٍ وَرَقِيقٍ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ يُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِيَ ذَهَبٌ بِوَرِقٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ ذَهَبٌ بِوَرِقٍ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَبِيعُهَا وَهِيَ عَرْضٌ بِعَرْضٍ مِنْ جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الزِّيَادَةُ مَعَ النَّسَاءِ فِي الْجِنْسِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا إذَا بَاعَ الْكِتَابَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ فَأَمَّا إذَا بَاعَهَا مِنْ الْعَبْدِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَنْقُلُهُ مِنْ ذَهَبٍ إلَى وَرِقٍ وَمِنْ عَرْضٍ إلَى جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ وَأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ شَيْئًا مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَإِنَّمَا تَرَكَ مَا عَامَلَهُ عَلَيْهِ وَعَدَلَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ بَاعَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَاَلَّذِي أَعْتَقَ هُوَ الَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ وَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِالْعَجْزِ، وَالْبَيْعُ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِمَا عَلَيْهِ دُونَ الْوَلَاءِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَجَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، ثُمَّ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهَا فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَجَزَتْ فَاشْتَرَتْهَا بَعْدَ الْعَجْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا بَيْعُ الْكِتَابَةِ فَلَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ بَاعَ مُكَاتَبَهُ رُدَّ إلَّا أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَمْضِيَ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَلَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ فِي رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ يَبِيعُهُ، ثُمَّ يَفُوتُ بِمَوْتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» قَالَ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ فَهُوَ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَإِنْ رَقَّ لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقٌ دُونَ عَجْزٍ عَنْ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِإِذْنِ غَيْرِهِ.

الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ نَقْدًا وَذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاءَهُ نَفْسَهُ عَتَاقَةٌ وَأَنَّ الْعَتَاقَةَ تَبْدَأُ عَلَى مَا كَانَ مَعَهَا مِنْ الْوَصَايَا، وَإِنْ بَاعَ بَعْضُ مَنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَبَاعَ نِصْفَ الْمُكَاتَبِ، أَوْ ثُلُثَهُ، أَوْ رُبُعَهُ، أَوْ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمِ الْمُكَاتَبِ فَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ شُفْعَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْقَطَاعَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاطِعَ بَعْضَ مَنْ كَاتَبَهُ إلَّا بِإِذْنِ شُرَكَائِهِ وَأَنَّ مَا بِيعَ مِنْهُ لَيْسَتْ لَهُ بِهِ حُرْمَةٌ تَامَّةٌ وَأَنَّ مَالَهُ مَحْجُورٌ عَنْهُ وَأَنَّ اشْتِرَاءَهُ بَعْضَهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْعَجْزُ لِمَا يَذْهَبُ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ كَامِلًا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَنْ بَقِيَ لَهُ فِيهِ كِتَابَةٌ فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ كَانَ أَحَقَّ بِمَا بِيعَ مِنْهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَرَرٌ إنْ عَجَزَ بَطَلَ مَا عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ وَأَفْلَسَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ لَمْ يَأْخُذْ الَّذِي اشْتَرَى نَجْمَهُ بِحِصَّتِهِ مَعَ غُرَمَائِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا الَّذِي يَشْتَرِي نَجْمًا مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ فَسَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَا يُحَاصُّ بِكِتَابَةِ غُلَامِهِ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحُ أَيْضًا يَجْتَمِعُ لَهُ عَلَى غُلَامِهِ فَلَا يُحَاصُّ بِمَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْجِرَاحِ غُرَمَاءُ غُلَامِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِعَيْنٍ مُخَالِفٍ كُوتِبَ بِهِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ أَوْ غَيْرِ مُخَالِفٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ أُمَّ وَلَدٍ وَأَوْلَادًا لَهُ صِغَارًا مِنْهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَقْوَوْنَ عَلَى السَّعْيِ وَيُخَافُ عَلَيْهِمْ الْعَجْزَ عَنْ كِتَابَتِهِمْ قَالَ تُبَاعُ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ إذَا كَانَ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدَّى بِهِ عَنْهُمْ جَمِيعُ كِتَابَتِهِمْ أُمَّهُمْ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّهِمْ يُؤَدَّى عَنْهُمْ وَيَعْتِقُونَ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ لَا يَمْنَعُ بَيْعَهَا إذَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ كِتَابَتِهِ فَهَؤُلَاءِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِمْ الْعَجْزُ بِيعَتْ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ فَيُؤَدَّى عَنْهُمْ ثَمَنُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ وَلَمْ تَقْوَ هِيَ وَلَا هُمْ عَلَى السَّعْيِ رَجَعُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِشِرَاءِ كِتَابَتِهِ إذَا اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشُّفْعَةِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى كِتَابَتَهُ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ اشْتِرَاءِ غَيْرِهِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الشِّرَاءَ رُبَّمَا أَدَّى إلَى تَمَلُّكٍ وَاسْتِرْقَاقٍ فَأَمَّا إنْ بِيعَتْ بَعْضُ كِتَابَتِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا؛ لِأَنَّ شِرَاءَ بَعْضِ كِتَابَتِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى عِتْقِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ التَّمْلِيكِ عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَانَ الْعِتْقُ، أَوْلَى. (فَرْعٌ) وَهَذَا يَجْرِي عِنْدِي مَجْرَى التَّمْلِيكِ فَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ بَيْعِ كِتَابَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُوقَفَ فَيَتْرُكَ ذَلِكَ، أَوْ يَشْرَعَ فِي أَدَاءِ النُّجُومِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ يُرِيدُ نَجْمًا مُعَيَّنًا لِمَا فِيهِ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّجْمُ الَّذِي بَاعَهُ أَوَّلَ نَجْمٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَقَّ جَمِيعُهُ وَبَطَلَ حُكْمُ ذَلِكَ النَّجْمِ وَإِنْ اشْتَرَى الثَّانِيَ رُبَّمَا عَجَزَ الْعَبْدُ قَبْلَهُ فَلَا يَدْرِي مَا يَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَى نَجْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالُوا لِأَنَّ بَيْعَهُ نَجْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ يَرْجِعُ إلَى بَيْعِ جُزْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى رِوَايَةِ الْإِجَارَةِ وَهِيَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْجُزْءِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ نَجْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمُكَاتَبِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدًا لَهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَبْتَاعُ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ يَهْلِكُ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ الَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ وَإِنْ عَجَزَ فَلَهُ رَقَبَتُهُ وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ إلَى الَّذِي اشْتَرَاهَا وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ لَيْسَ لِلَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ مِنْ وَلَائِهِ شَيْءٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصِغَارًا لَهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى السَّعْيِ تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا كَانَ يُتَهَيَّأُ مِنْ ثَمَنِهَا جَمِيعُ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا قَالَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا تَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ لَا يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ لَمْ تُسْتَسْعَ وَلَمْ تَعْتِقْ وَإِنْ تَرَكَ أَضْعَافَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهَا كِتَابَةٌ فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْمُكَاتَبِ يَصِيرُ إلَى السَّيِّدِ بِمَوْتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ مِنْهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْعَجْزُ لِضَعْفِهِمْ عَنْ السَّعْيِ بِيعَتْ أُمُّ الْوَلَدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ مَالِ أَبِيهِمْ فَلِذَلِكَ لَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ الْكِتَابَةِ فَتَعْتِقَ بِالْأَدَاءِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ لَهَا حُكْمَ الْمَالِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَهَا إذَا خَافَ الْعَجْزَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْهَا الْكِتَابَةَ فَيَعْتِقَ بِذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَشَارَكَ فِيهَا مَنْ عَقَدَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ مَا لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الْكِتَابَةُ عَتَقَ جَمِيعُهُمْ، وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا وَلَدُ الْمُكَاتَبِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمَّهُمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُبَاعُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا تُبَاعُ لِلضَّرُورَةِ وَخَوْفِ الْعَجْزِ وَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْتِقَ وَإِنَّمَا تَعْتِقُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا عَتَقَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَتَقَتْ عَلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ وَأَبٍ وَأَخٍ فِي الْكِتَابَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ هِيَ رَقِيقٌ لِلْأَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً بِالْكِتَابَةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ تَرَكَ وَفَاءً عَتَقَتْ مَعَ الْأَبِ وَالْأَخِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً رَقَّتْ وَلَا تَعْتِقُ فِي سَعْيِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَسْعَى هِيَ إلَّا مَعَ الْوَلَدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ وَلَمْ تَقْوَ هِيَ وَلَا هُمْ عَلَى السَّعْيِ رَجَعُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِهِمْ، يُرِيدُ أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ يَرِقُّونَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ الْأَدَاءُ بِمَا يُخْلِفُهُ أَبُوهُمْ وَلَا بِسَعْيِهِمْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ثَمَنِهَا مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ السَّعْيَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي ثَمَنِهِمْ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا السَّعْيَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عِيسَى تُبَاعُ وَيُؤَدَّى عَنْهُمْ مِنْ ثَمَنِهَا نُجُومُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا السَّعْيَ فَإِنْ أَدَّوْا عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا تُبَاعُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ثَمَنِهَا إنْ بِيعَتْ مَا يَعْتِقُونَ بِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مَالٌ لِلْمُكَاتَبِ فَجَازَ أَنْ تُبَاعَ فِي الْأَدَاءِ عَنْ بَنِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي ثَمَنِهَا مَا يَعْتِقُونَ بِهِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يُبَاعُ فِي أَدَاءِ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ بِيعَتْ فِي أَدَاءِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَرَقِيقِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا يَلْحَقُهَا الْعِتْقُ وَتَعْتِقُ مَعَ الْوَلَدِ فَلَا تُبَاعُ مَعَ السَّلَامَةِ كَسَائِرِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ الْكِتَابَةُ. (ش) : قَوْلُهُ فِيمَنْ اشْتَرَى كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ يَرِثُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَالِهِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي التَّوَارُثَ وَلَكِنْ بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ السَّيِّدِ مَالَ عَبْدِهِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَكَانَتْ رَقَبَتُهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّ بِالْعَجْزِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ بَائِعُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ الثَّمَنُ وَرَقَبَةُ الْعَبْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً إلَى الَّذِي اشْتَرَاهَا وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّخَعِيُّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا عَتَقَ بِالْعِتْقِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ» وَإِنَّ ذَلِكَ فِي قِصَّةٍ بِعَيْنِهَا كَانَ فِيهَا الْمُعْتَقُ هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْوَرِقَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْغَالِبِ فَإِنْ غَالَبَ الْحَالِ أَنَّ الْمُعْتَقَ هُوَ مُعْطِي الْوَرِقِ وَأَمَّا مَنْ يَشْتَرِي الْكِتَابَةَ وَتَتَأَدَّى إلَيْهِ فَقَلِيلٌ نَادِرٌ فَكَانَ ذَلِكَ

[سعي المكاتب]

سَعْيُ الْمُكَاتَبِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى بَنِيهِ، ثُمَّ مَاتَ هَلْ يَسْعَى بَنُو الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِمْ أَمْ هُمْ عَبِيدٌ فَقَالَا بَلْ يَسْعَوْنَ فِي كِتَابَةِ أَبِيهِمْ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَبِيهِمْ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَا يُطِيقُونَ السَّعْيَ لَمْ يُنْتَظَرْ بِهِمْ أَنْ يَكْبَرُوا وَكَانُوا رَقِيقًا لِسَيِّدِ أَبِيهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ تَرَكَ مَا يُؤَدَّى بِهِ عَنْهُمْ نُجُومُهُمْ إلَى أَنْ يَتَكَلَّفُوا السَّعْيَ فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ أُدِّيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَتُرِكُوا عَلَى حَالِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا السَّعْيَ فَإِنْ أَدَّوْا عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ مَا لَا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءُ الْكِتَابَةِ وَيَتْرُكُ وَلَدًا مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَأُمَّ وَلَدٍ فَأَرَادَتْ أُمُّ وَلَدِهِ أَنْ تَسْعَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهَا الْمَالُ إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى ذَلِكَ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ وَلَا مَأْمُونَةً عَلَى الْمَالِ لَمْ تُعْطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَرَجَعَتْ هِيَ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى سَبِيلِ التَّفْرِيقِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيقِ وَكَانَ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ فِيهِ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْكِتَابَةِ إنَّمَا يَشْتَرِي مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَرِقُّ الْعَبْدَ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَاءِ مَا اشْتَرَى فَلَوْ ابْتَدَأَ عِتْقَهُ بَعْدَ عَجْزِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ لَبَطَلَ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بِالْعِتْقِ الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [سَعْيُ الْمُكَاتَبِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ بَنُونَ أَنَّهُ لَا يُحَطُّ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ الَّتِي لَزِمَتْ أَبَاهُمْ وَيَسْعَوْنَ فِي أَدَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى حُكْمِ الْحَمَالَةِ يَحْمِلُهَا الْمُكَاتَبُونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ لَهُ وَعَلَيْهِ حُكْمُ الْحَمَالَةِ فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ مِنْ شُرَكَائِهِ فِي الْكِتَابَةِ إلَّا بِعِتْقِهِ وَيُؤَدِّي عَمَّنْ عَجَزَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ لِمَوْتٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ سِعَايَةٍ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَةِ أُدِّيَ عَنْهُ مَا كَانَ يَنُوبُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ مِنْ شِرْكِهِ فِيهَا وَلَوْ اسْتَحَقَّ أَحَدُ الْمُكَاتَبِينَ بِحُرِّيَّةٍ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ أَنَّ مَنْ مَاتَ قَدْ لَزِمَتْهُ الْكِتَابَةُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ تَعَلُّقَ حَقِيقَةٍ، وَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ بِحُرِّيَّةٍ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَازِمًا لَهُ وَلَا مُتَعَلِّقًا بِهِ فَلَمْ يَضْمَنْ سَائِرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَنُوبُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَا يُطِيقُونَ السَّعْيَ لَمْ يُنْتَظَر بِهِمْ أَنْ يَكْبَرُوا يُرِيدُ إذَا لَمْ يَتْرُكْ أَبُوهُمْ مَا يُؤَدَّى بِهِ الْكِتَابَةُ أَوْ يُؤَدَّى بِهِ نُجُومُهَا إلَى أَنْ يَبْلُغُوا السَّعْيَ، فَإِنْ تَرَكَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَبْلُغُوا السَّعْيَ أُدِّيَ عَنْهُمْ وَانْتُظِرَ بِهِمْ ذَلِكَ فَإِنْ أَدَّوْا بِسَيْعِهِمْ عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزُوا رَقُّوا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ الْمُتَوَفَّى كَانَ أَيْضًا ضَامِنًا لَهُ مَا عَلَى بَنِيهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكِتَابَةِ بِحَقِّ مُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِيهَا فَإِذَا تَرَكَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ وَعَجَزُوا هُمْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ الَّذِي تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَأَرَادَتْ السَّعْيَ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ لَهَا وَيَسْعَوْنَ بِسَعْيِهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ بِمَنْزِلَتِهِ قَدْ بَاشَرَتْهُ الْكِتَابَةُ كَمَا بَاشَرَتْهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ لَهَا حُكْمُ الْمَالِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْأَدَاءُ عَنْهُمْ بِسَعْيِهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ غَلَّةِ مَالِ الْمُكَاتَبِ يَتَأَدَّى مِنْهَا نُجُومُهُمْ، وَإِذَا لَمْ يُخْلِفْ الْمُكَاتَبُ وَلَدًا فَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَى السَّعْيِ وَلَا إلَى الْعِتْقِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ مَالًا كَثِيرًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَنْ يَقُومُ بِالْكِتَابَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَجَمِيعُ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِنْ مَالِهِ فَتَعُودُ إلَى رِقِّ سَيِّدِهِ مَعَ سَائِرِ مَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ وَلَا مَأْمُونَةً عَلَى الْمَالِ لَمْ تُعْطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَرَجَعَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا الْمُكَاتَبُ رَقِيقًا، يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سَعْيِهَا مَا يَتَأَدَّى مِنْهُ النُّجُومُ، أَوْ كَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى السَّعْيِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا كَاتَبَ لِقَوْمٍ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً وَلَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ فَعَجَزَ بَعْضُهُمْ وَسَعَى بَعْضُهُمْ حَتَّى عَتَقُوا جَمِيعًا فَإِنَّ الَّذِينَ سَعَوْا يَرْجِعُونَ عَلَى الَّذِينَ عَجَزُوا بِحِصَّةِ مَا أَدَّوْا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ مَا تَتَأَدَّى مِنْهُ الْكِتَابَةُ أَوْ يَتَأَدَّى مِنْ نُجُومِهَا مَا يَبْلُغُونَ بِهِ السَّعْيَ دُفِعَ الْمَالُ كُلَّهُ إلَى السَّيِّدِ وَرَقَّ الْوَلَدُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءُ نُجُومِهِمْ إلَى أَنْ يَبْلُغُوا السَّعْيَ مَعَ عَجْزِهِمْ وَعَجْزِ أُمِّ الْوَلَدِ عَنْ ذَلِكَ دُفِعَ الْمَالَ إلَى السَّيِّدِ فَحُسِبَ فِي أَوَّلِ نُجُومِهِمْ، ثُمَّ إذَا بَلَغُوا السَّعْيَ أَدَّوْا بِسَعْيِهِمْ، أَوْ رَقُّوا لِعَجْزِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ وَقَدْ كُوتِبَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ لَهُ فَأَدَّوْا الْكِتَابَةَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ لَا تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ فِي كِتَابَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا مَعَ وَلَدِهِ، أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ قَالَ عِيسَى كَانَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا بَيْعُ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدٍ وَأَخٍ فَلَا تَعْتِقُ بِعِتْقِهِمْ وَقَالَهُ عِيسَى وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ بَعْضُ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ لِأُمِّ وَلَدِ أَبِيهِمْ مَعَهُمْ حُكْمُهَا مَعَ أَبِيهِمْ، وَلَمَّا كَانَتْ تَعْتِقُ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَتْ مَالًا لَهُ فَكَذَلِكَ مَعَ وَلَدِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ عِيسَى وَلَكِنْ هِيَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَتُبَاعُ وَيَسْتَعِينُونَ بِثَمَنِهَا إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ وَيَتْبَعُهُمْ السَّيِّدُ بِثَمَنِهَا إنْ عَتَقُوا، وَإِنْ اسْتَغْنَوْا عَنْهَا وَعَتَقُوا رَقَّتْ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُكَاتَبِ عَائِدٌ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَاتَبَ عَلَيْهَا كَأَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَصَارَتْ لِسَيِّدِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَسْعَى وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَأَدَّيَا فَعَتَقَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ إنْ رَضِيَتْ بِهِ وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا الْمُكَاتَبُ قَالَ عِيسَى قَالَهُ لِي ابْنُ الْقَاسِمِ وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ. (ش) : يُرِيدُ أَنَّهُمْ مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءَ عَنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى جَمْعِهِمْ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَة فَإِنْ أَدَّى بَعْضُهُمْ الْكِتَابَةَ دُونَ بَعْضٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا أَقَارِبَ أَوْ أَجَانِبَ فَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ رَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضِ بِمَا أَدَّوْا عَنْهُمْ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ التَّرَاجُعِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ أَدَّى عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ قُوَّتِهِ وَسَعْيِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجِدَّتِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ التَّرَاجُعُ عَلَى الْعَدَدِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْكِتَابَةِ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ يَتَقَسَّطُ بِحَسَبِ ذَلِكَ. وَقَالَ عِيسَى فِي الْمُزَنِيَّةِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ ثَمَنَ مِائَةِ دِينَارٍ وَلَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى الْأَدَاءِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ الْحَقِيرُ ثَمَنَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَهُوَ فِي الْكَسْبِ لَهُ بَالٌ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَدَدِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِالْقُوَّةِ عَلَى الْأَدَاءِ لَمَا صَحَّتْ كِتَابَةُ الصَّغِيرِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا أَدَاءَ فِيهِمْ فَكَانَ مَا يُؤَدَّى عَنْهُمْ زِيَادَةٌ أَوْ سَلَفٌ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا بَذَلَ رِقَابَهُمْ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ يَتَقَسَّطُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِيَوْمِ الْعَقْدِ فَيُنْظَرُ إلَى حَالِهِمْ يَوْمَ الْعَقْدِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِمْ يَوْمَ عَتَقُوا لَيْسَ يَوْمَ كُوتِبُوا. وَقَالَ أَصْبَغُ يُعْتَبَرُ حَالُهُمْ يَوْمَ عَتَقُوا إنْ لَوْ كَانَتْ حَالُهُمْ يَوْمَ كُوتِبُوا يُرِيدُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسُّوقِ وَغَلَاءِ الْأَثْمَانِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَالِاعْتِبَارَ بِصِفَاتِهِمْ يَوْمَ الْعِتْقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ حَالُ يَوْمِ الْعَقْدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ بِهِمْ مِنْ حَالِهِمْ فِي التَّقْسِيطِ، فَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ يَوْمَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ مَنْ لَا سِعَايَةَ لَهُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ شَيْخٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ عَقْدَ

عِتْقُ الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرَهُ يَذْكُرُونَ أَنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِلرَّافِضَةِ بْنِ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيِّ وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَأَبَى الْفُرَافِصَةُ فَأَتَى الْمُكَاتَبُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَدَعَا مَرْوَانُ الْفُرَافِصَةَ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَأَبَى فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِذَلِكَ الْمَالِ أَنْ يُقْبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَيُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ لِلْمُكَاتَبِ اذْهَبْ فَقَدْ عَتَقْت فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفُرَافِصَةُ قَبَضَ الْمَالَ قَالَ مَالِكٌ فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أَدَّى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ نُجُومِهِ قَبْلَ مَحِلِّهَا جَازَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِذَلِكَ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَةُ رَجُلٍ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رِقٍّ وَلَا تَتِمُّ حُرْمَتُهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ مِيرَاثُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَجْزَ يُنْقِصُهُ وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِالْأَدَاءِ وَبِهِ يَصِحُّ الْعِتْقُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ دُونَ يَوْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ عَجَزُوا لَرَجَعُوا إلَيْهِ عَلَى حَالِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِلسَّيِّدِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ دُونَ تَرَاجُعٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ صِفَاتَهُمْ تُعْتَبَرُ بِحَالِ يَوْمِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُفُوذِ الْعَقْدِ عَلَى السَّوَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ الْمُعْتَبَرَ فِي زِيَادَةِ الْكِتَابَةِ وَنَقْصِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ فَبَلَغَ السَّعْيَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ يَوْمَ وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى حَالِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ بِحَالِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ أَنْ لَوْ كَانَ هَكَذَا يَوْمَ الْكِتَابَةِ بَالِغًا وَقَالَ أَصْبَغُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ يَوْمَ بَلَغَ السَّعْيَ أَنْ لَوْ كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ يَوْمَ الْكِتَابَةِ وَقَالَ فِي بَابٍ آخَرَ لَا شَيْءَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي يَوْمَ الْعَقْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الَّذِينَ سَعَوْا فِي الْكِتَابَةِ يَرْجِعُونَ عَلَى الَّذِينَ عَجَزُوا بِحِصَّةِ مَا أَدَّوْا عَنْهُمْ لَمْ يَخْتَلِفْ بِأَنَّ الْأَجَانِبَ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَأَمَّا الْأَقَارِبُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهَا فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى ذِي رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُهُ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَدَاءَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاءِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ اعْتِبَارُ التَّوَارُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَوَجْهُ مَالِكٍ أَنَّهَا تُوَارِثُهُ كَالِابْنِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تُنَاسِبُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّ تَوَارُثَهُمَا لَيْسَ سَبَبُهُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ إنْ أُعْتِقَ بِسِعَايَةِ الْمَرْأَةِ وَمَالِهَا لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَإِنْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُمْ نَجْمًا لَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ، أَوْ مَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُمْ مَا لَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدَّى عَنْهُمْ لِيُعِينَهُمْ عَلَى السِّعَايَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَهُمْ بِطَلَبِ مَا أَدَّى عَنْهُمْ حَتَّى يَتِمَّ الْأَدَاءُ، وَأَمَّا إنْ أَدَّى مَا يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ مُعَجَّلًا قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ يُؤَدِّي عَنْهُمْ عَلَى النُّجُومِ وَلَمْ يُعَجِّلْهَا، وَأَمَّا إذَا عَجَّلَ أَحَدُهُمْ الْأَدَاءَ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ النُّجُومُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ عَلَى النُّجُومِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ ذَلِكَ وَيُحَاصُّ الَّذِي أَدَّى عَنْ أَصْحَابِهِ الْغُرَمَاءَ بِمَا أَدَّى عَنْهُمْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمَّا أَدَّى عَنْهُمْ وَعَتَقُوا بِهِ صَارَ دَيْنًا ثَابِتًا عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[عتق المكاتب إذا أدى ما عليه قبل محله]

وَلَا أَشْبَاهُ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ عَتَاقَتِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ نُجُومَهُ كُلَّهَا إلَى سَيِّدِهِ لَأَنْ يَرِثَهُ وَرَثَةٌ لَهُ أَحْرَارٌ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَدٌ لَهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَتِمُّ بِذَلِكَ حُرْمَتُهُ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَجُوزُ اعْتِرَافُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ النَّاسِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ فَرَّ مِنِّي بِمَالِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [عِتْقُ الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ] (ش) : امْتِنَاعُ الْفُرَافِصَةِ مِنْ قَبْضِ كِتَابَةِ مُكَاتَبِهِ قَبْلَ مَحِلِّ نُجُومِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاتَبَهُ عَلَى عُرُوضٍ مُؤَجَّلَةٍ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا لَمَّا جَوَّزَ أَنَّهَا أَكْثَرُ قِيمَةً عِنْدَ مَحِلِّ نُجُومِهَا. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ إذَا عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَخْذِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُكَاتَبِ، وَرِفْقٌ بِهِ فَإِذَا رَضِيَ إسْقَاطَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبْضِهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّحَايَا عَتَقَ إنْ كَرِهَ السَّيِّدُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا عَلَى أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لَا قِيمَتُهَا إلَى مَحِلِّهَا. (فَصْلٌ) : وَلَمَّا امْتَنَعَ الْفُرَافِصَةُ مِنْ قَبْضِ ذَلِكَ كَانَ لِمَرْوَانَ جَبْرُهُ عَلَى قَبْضِهِ إلَّا أَنَّهُ رَأَى تَعْجِيلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَوَضْعِ الْكِتَابَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَدَمُ الْأَدَاءِ فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْجُزْءِ الْمَقْصُودِ بِتَعْجِيلِ الْأَدَاءِ وَهُوَ إنْفَاذُ الْعِتْقِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لِلْمُكَاتَبِ تَعْجِيلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَتُهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الرِّقِّ وَمَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ أَسْبَابِ الرِّقِّ يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَتَمَامَ حُرْمَتِهِ وَمُوَارَثَةِ الْأَحْرَارِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا شَرَطَ مِنْ ذَلِكَ تَابِعٌ لِلْكِتَابَةِ فَإِذَا عَجَّلَتْ سَقَطَ مَا يَتْبَعُهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثُبُوتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْضُ الْعِوَضِ فِي عِتْقِ الرَّقَبَةِ فَلَمْ تَسْقُطْ كَالْكِتَابَةِ نَفْسِهَا، قَالَ فَإِذَا قُلْنَا لَا تَسْقُطُ فَيَتَخَرَّجُ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُؤَدِّيهِ بِعَيْنِهِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَائِهِ وَالْأُخْرَى يُؤَدِّي قِيمَةَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَعَ كِتَابَتِهِ مُعَجَّلًا وَلَا يُؤَخِّرُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِهِ عِوَضًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ الْقِيَاسُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ كِسْوَةٍ وَضَحَايَا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ ذَلِكَ مُعَجَّلًا هَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ الْيَمِينِ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الصِّفَةِ بِمَوْصُوفٍ أَوْ إطْلَاقٍ لَمَا بَعُدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ حَالَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ كَحَالِ الصِّحَّةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ كِتَابَتَهُ وَيُعَجِّلَهَا حَالَ مَرَضِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَزِمَ السَّيِّدَ قَبْضُهَا مِنْهُ، وَيَتِمُّ عِتْقُهُ بِأَدَائِهَا حَالَ مَرَضِهِ كَمَا يَتِمُّ عِتْقُهُ بِأَدَائِهَا حَالَ صِحَّتِهِ فَتَجُوزُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ وَيُوَارَثُ الْأَحْرَارُ، وَذَلِكَ إذَا عَقَدَ كِتَابَتَهُ فِي الصِّحَّةِ وَثَبَتَ دَفْعُهُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ فِي مَرَضِهِ فَقَبَضَهَا مِنْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّ حَمْلَهُ الثُّلُثَ جَازَ وَعَتَقَ اُتُّهِمَ أَوْ لَمْ يُتَّهَمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الْمَالِ فَكَانَ فِي الْمَرَضِ فَيُحْمَلُ مَحْمَلَ الْوَصِيَّةِ إنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ جَازَ إقْرَارُهُ وَإِنْ اُتُّهِمَ بِالْمَيْلِ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُحَمِّلْهُ الثُّلُثَ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ وَلَدٌ لَمْ يُتَّهَمْ وَجَازَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ السَّيِّدُ بِانْقِطَاعِ الْمُكَاتَبِ إلَيْهِ جَازَ قَوْلُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَمِّلْهُ الثُّلُثَ لَمْ يُتَّهَمْ عَلَى أَنْ يُحَابِيَهُ وَيَعْدِلَ بِالْمَالِ عَنْ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ اُتُّهِمَ

[ميراث المكاتب إذا عتق]

مِيرَاثُ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ مُكَاتَبٍ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَك مَالًا كَثِيرًا فَقَالَ يُؤَدَّى إلَى الَّذِي تَمَاسَكَ بِكِتَابَتِهِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بِالسَّوِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ إذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ كَاتَبَهُ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ تُوُفِّيَ الْمُكَاتَبُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ مَنْ أُعْتِقَ فَإِنَّمَا مِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَصَبَةٍ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْتَقُ بَعْدَ أَنْ يَعْتِقَ وَيَصِيرَ مَوْرُوثًا بِالْوَلَاءِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْإِخْوَةُ فِي الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ إذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَدٌ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ، أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمْ وَتَرَكَ مَالًا أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابَتِهِمْ وَعَتَقُوا وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ دُونَ إخْوَتِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَيْهِ مَيْلٌ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي الْحَقِيقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَقَبَضَ الْكِتَابَةَ فَذَلِكَ نَافِذٌ إنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ وَهُوَ بَيْعٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ كَالْبَيْعِ إذْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحَمِّلَهُ الثُّلُثَ وَمَعْنَى اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِهِ بَيْعًا أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْعًا نَفَذَ إلَّا أَنْ يُحَمِّلَهُ الثُّلُثَ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ عِتْقٌ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ أَمْوَالٌ مَأْمُونَةٌ كَالْمُعْتَقِ فِي الْمَرَضِ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَ السَّيِّدُ وَيُحَمِّلُهُ الثُّلُثَ، وَإِنْ لَمْ يُحَمِّلْهُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ فِي عِتْقِهِ، أَوْ يَرُدُّوا إلَيْهِ مَا قَبَضَهُ السَّيِّدُ وَيَعْتِقُ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ بَتْلًا. [مِيرَاثُ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ] (ش) : قَوْلُهُ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ الَّذِي تَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ لَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَّلَ أَحَدُ سَيِّدَيْهِ عِتْقَهُ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمَا قَدْ عَقَدَا عَقْدَ الْعِتْقِ فِي حَالٍ وَهُوَ وَقْتُ الْكِتَابَةِ فَمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ هَذَا أَحَدُهُمَا مِنْ عِتْقِ نَصِيبِهِ فَلَيْسَ بِعِتْقٍ وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطٌ لِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَا لَوْ عَتَقَا جَمِيعًا إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ عَجَّلَ أَحَدُهُمَا عِتْقَ نَصِيبِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلَ مَا انْعَقَدَ لِشَرِيكِهِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ بِالتَّقْوِيمِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ مُكَاتَبِهِ فَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَضِيعَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَأَمَّا إنْ أَوْصَى أَنْ يَعْتِقَ شِقْصًا مِنْ مُكَاتَبٍ لَهُ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، أَوْ أَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ وَضَعَ لَهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ عِتْقٌ قَالَ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا وَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَسْتَرِقُّ جَمِيعَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي مُكَاتَبِ الْمُكَاتَبِ يَعْتِقُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ كَاتَبَهُ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ يَمُوتُ يُرِيدُ أَنَّ مُكَاتَبِ الْمُكَاتَبِ يَعْتِقُ فَإِنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ فَإِذَا بَقِيَ سَيِّدُهُ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ الْأَعْلَى عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ بَعْدُ لَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ فَإِنَّمَا يَرِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمُكَاتَبِ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْإِخْوَةَ فِي الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ يُرِيدُ إذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ عَنْ مَالٍ وَوَلَدٍ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ الْإِخْوَةَ وَالْوَلَدَ وَمَا فَضَلَ مِنْهُ فَهُوَ لِوَلَدِهِ دُونَ إخْوَتِهِ قَالَ عِيسَى لَا يَرْجِعُ الْوَلَدُ عَلَى الْإِخْوَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا عَتَقُوا بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ لِأَخِيهِمْ وَهُمْ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أُدِّيَ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا فَضَلَ مِنْ الْمَالِ إلَى الْوَلَدِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَزنِيَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لَأَدَّى إخْوَتُهُ مَالَهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَيَعْتِقُوا بِهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُمْ السَّيِّدُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَجَعَلَ مَالِكٌ الْمَالَ لِلْهَالِكِ وَرَوَى

[الشرط في المكاتب]

الشَّرْطُ فِي الْمُكَاتَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ سَفَرًا أَوْ خِدْمَةً أَوْ أُضْحِيَّةً أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَمَّى بِاسْمِهِ ثُمَّ قَوِيَ الْمُكَاتَبُ عَلَى أَدَاءِ نُجُومِهِ كُلِّهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا قَالَ إذَا أَدَّى نُجُومَهُ كُلَّهَا وَعَلَيْهِ هَذَا الشَّرْطُ عَتَقَ فَتَمَّتْ حُرْمَتُهُ وَنُظِرَ إلَى مَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَالِجُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ مِنْ ضَحِيَّةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يُقَوَّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَدْفَعُهُ مَعَ نُجُومِهِ وَلَا يَعْتِقُ حَتَّى يَدْفَعَ ذَلِكَ مَعَ نُجُومِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ خِدْمَةِ عَشْرِ سِنِينَ فَإِذَا هَلَكَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنْ خِدْمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ عِتْقَهُ وَلِوَلَدِهِ مِنْ الرِّجَالِ، أَوْ الْعَصَبَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ عَلَى مُكَاتَبِهِ إنَّك لَا تُسَافِرُ وَلَا تَنْكِحُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَيَرْجِعُونَ عَلَى أَعْمَامِهِمْ بِمَا أَدَّوْا عَنْهُمْ فَيَعْتِقُوا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ وَلَدٌ لَعَتَقُوا بِهِ وَرَجَعَ عَلَيْهِمْ السَّيِّدُ بِمَا عَتَقُوا بِهِ قَالَ فِي الْمَزنِيَّةِ أَصْبَغُ إذَا كَانَتْ التَّأْدِيَةُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ لَمْ يَرْجِعْ إخْوَتُهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَتْ التَّأْدِيَةُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ رَجَعُوا عَلَى أَعْمَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِمْ. [الشَّرْطُ فِي الْمُكَاتَبِ] (ش) : هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُشْتَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا مَا تَجَعَّلْتِ الْكِتَابَةُ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَفُوتُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِالْحُرِّيَّةِ سَوَاءٌ عَظُمَ قَدْرُهُ أَوْ صَغُرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَقْصُودٍ فِي الْكِتَابَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِعِتْقٍ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ وَإِنَّمَا يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ لِلرَّقَبَةِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ كَاتَبْتُك عَلَى أَنْ أُعْطِيَك عَشْرَ بَقَرَاتٍ فَإِنْ بَلَغَتْ خَمْسِينَ فَأَنْتَ حُرٌّ هَذِهِ كِتَابَتُك قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَتْ هَذِهِ عِنْدِي كِتَابَةٌ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ فَسْخُ ذَلِكَ وَلَا بَيْعُ الْبَقَرِ إلَّا أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ وَيَخْتَصُّ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ إسْقَاطَهَا عَنْ نَفْسِهِ بِدَفْعِ الْكِتَابَةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعُرُوضِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ مَنْفَعَةٌ فِي تَأْخِيرِهَا إلَى الْأَجَلِ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فَالْأَعْمَالُ الْمُشْتَرَطَةُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الضَّمَانِ لِلْعُرُوضِ إلَى أَجَلٍ فَكَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ الضَّمَانَ بِتَعْجِيلِ الْأَدَاءِ لِلْعُرُوضِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الْمَحْضِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ الْعَمَلَ بِتَأْجِيلِ الْأَدَاءِ وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مِنْ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِكُلِّ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ، وَعَلَى هَذَا يَنْتَظِمُ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ هُوَ كَالضَّحَايَا وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكَاتِبَهُ بِعَيْنٍ وَعِوَضٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا وَبِذَلِكَ تَتِمُّ عَتَاقَتُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَيْهِمْ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ وَبِذَلِكَ يَعْتِقُ وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ امْرَأَةٍ تَرَكَتْ مُكَاتَبًا وَزَوْجًا وَابْنًا فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يُؤَدِّي لِلزَّوْجِ وَالِابْنِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فِي الْمَيِّتَةِ فَإِنْ عَتَقَ لَمْ يُجْرِ الْوَلَاءَ إلَّا الِابْنُ خَاصَّةً وَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا لِلِابْنِ وَالزَّوْجِ عَلَى حَسَبِ مَوَارِيثِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِشَرْطِ خِدْمَةِ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ بِنْتٍ وَابْنٍ وَغَيْرِهِمْ وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ يَنْجَرُّ إلَيْهِ الْوَلَاءُ عَنْ مُعْتِقِ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَشَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عِتْقٍ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي لُزُومَ الْخِدْمَةِ لَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِي إلَّا بِإِذْنِي فَإِنْ فَعَلْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِي فَمَحْوُ كِتَابَتِك بِيَدِي قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ مَحْوُ كِتَابَتِهِ بِيَدِهِ إنْ فَعَلَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلْيَرْفَعْ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَنْكِحَ وَلَا يُسَافِرَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ سَيِّدِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيَنْطَلِقُ فَيَنْكِحُ الْمَرْأَةَ فَيُصْدِقُهَا الصَّدَاقَ الَّذِي يُجْحِفُ بِمَالِهِ وَيَكُونُ فِيهِ عَجْزُهُ فَيَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ أَوْ يُسَافِرُ فَتَحِلُّ نُجُومُهُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا عَلَى كَاتَبَهُ وَذَلِكَ بِيَدِ سَيِّدِهِ إنْ شَاءَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ) . وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ لَهُ ثُمَّ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ كَانَ وَلَاءُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ وَرِثَهُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ الْآخَرُ قَبْلَ سَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ مَا لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ الَّذِي كَاتَبَهُ فَإِنْ عَتَقَ الَّذِي كَاتَبَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاءُ مُكَاتَبِهِ الَّذِي كَانَ عَتَقَ قَبْلَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ لَمْ يَرِثُوا وَلَاءَ مُكَاتَبِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ مَنْ شَرَطَ عَلَى مُكَاتَبِهِ إنْ فَعَلَ فِعْلًا فَلِلسَّيِّدِ مَحْوُ كِتَابَتِهِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَحْوُ كِتَابَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الشَّرْطِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ وَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهَا ضِدَّ ذَلِكَ مِنْ الْخِيَارِ لِلسَّيِّدِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ وَتَثْبُتُ الْكِتَابَةُ عَلَى مُقْتَضَاهَا لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْعِتْقِ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ إنَّ مَنْ عَقَدَ كِتَابَةَ مُكَاتَبٍ وَشَرَطَ الْوَلَاءَ لِغَيْرِهِ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ لَمَّا كَانَ ضِدَّ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلْيَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا خَالَفَهُ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ كِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ مَنَعَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ أَبَاحَهُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَنْكِحَ وَلَا يُسَافِرَ إلَّا بِإِذْنِهِ يُرِيدُ أَنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَحُكْمَهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا يُسَافِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ بِنَفْسِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي السَّفَرِ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ السَّفَرِ كَالْعَبْدِ، وَدَلِيلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ سَفَرٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ عَبْدَهُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ مُكَاتَبَهُ كَالسَّفَرِ الْمَخُوفِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَنْكِحُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ التَّامِّ بِحَقِّ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ النِّكَاحُ إلَّا بِإِذْنِهِ كَالْعَبْدِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ فُسِخَ وَلِلزَّوْجَةِ إنْ دَخَلَ بِهَا بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ فِي الْكِتَابَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجَازَةُ ذَلِكَ إلَّا بِإِجَازَةِ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا صِغَارًا فَيَنْفَسِخُ بِكُلِّ حَالٍ.

[ولاء المكاتب إذا عتق]

يَثْبُتْ لِأَبِيهِمْ الْوَلَاءُ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ حَتَّى يَعْتِقَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ إذَا عَتَقَ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبُ إذَا عَتَقَ عَبْدَهُ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ فَمَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ فَإِنَّ وَلَاءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ يَوْمًا فَإِنَّ وَلَاءَ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ مُسْتَقَرٌّ ثَابِتٌ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ وَلَاؤُهُ لِمُعْتَقِهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعُ رِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ فَوَلَاؤُهُ لِأَحَقِّ النَّاسِ بِهِ وَهُوَ سَيِّدُهُ فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْعِتْقِ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَتْرُكُ أَحَدُهُمَا لِلْمُكَاتَبِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَيَشِحُّ الْآخَرُ، ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَتْرُكُ مَالًا قَالَ مَالِكٌ يَقْضِي الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ لَهُ شَيْئًا مَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الْمَالَ كَهَيْئَتِهِ لَوْ مَاتَ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الَّذِي صَنَعَ لَيْسَ بِعَتَاقَةٍ وَإِنَّمَا تَرْكَ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ مُكَاتَبًا وَتَرَكَ بَنِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُ الْبَنِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُثْبِتُ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَتْ عَتَاقَةً لَثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ مِنْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ. قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ كَانَتْ عَتَاقَةً قُوِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي مَالِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مُكَاتَبٍ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَلَيْهِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ دُونَ شُرَكَائِهِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ عَقَدَ الْكِتَابَةَ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ وَرِثَ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ وَلَاءِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقْنَ نَصِيبَهُنَّ شَيْءٌ إنَّمَا وَلَاؤُهُ لِوَلَدِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ الذُّكُورِ أَوْ عَصَبَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا تَرَكَ لَهُ أَحَدُ سَيِّدَيْهِ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ وَإِسْقَاطِ الدَّيْنِ لَا بِمَعْنَى الْعِتْقِ وَلِذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَقْضِي الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ مَا بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ حَقَّهُ بَاقٍ لَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا فَضَلَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ نِصْفُ نَصِيبِهِ لِلْمُتَمَسِّكِ بِحَقِّهِ وَهُوَ مَا يُقَابِلُ النَّصِيبَ الْحُرَّ بِالْأَدَاءِ أَوْ التَّرْكِ فَعَلَى قَوْلِهِ الْقَدِيمِ يَأْخُذُ سَيِّدُهُ الْمُتَمَسِّكُ أَيْضًا بِحَقِّ الرِّقِّ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَالْمُعْتَقُ يَأْخُذُهُ إرْثًا. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِ يُنْقَلُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَا يَقْتَسِمَانِهِ لَوْ مَاتَ عَبْدًا يُرِيدُ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا وَلَا تَرَكَ لَهُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ عَبْدًا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا لَكِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ إمَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِذَ لَهُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ عَبْدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْإِطْلَاقِ وَإِذَا كُوتِبَ فَاسْمُ الْكِتَابَةِ أَخَصُّ بِهِ وَأَظْهَرُ فِيهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْعِتْقَ لَا تُنْتَقَضُ أَحْكَامُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِهِمْ حُكْمُ الرِّقِّ وَيَثْبُتُ لِشَيْءٍ مِنْهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُورَثُ بِوَجْهٍ، وَإِذَا لَمْ يُورَثْ وَإِنَّمَا يُقَسَّمُ مَالُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ عَلَى مِلْكِ رَقَبَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بَاقٍ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا فَضَلَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لَوْ مَاتَ عَبْدًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهُ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ فَقَدْ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

[ما لا يجوز من عتق المكاتب]

مَا لَا يَجُوزُ مِنْ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَ الْقَوْمُ جَمِيعًا فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُعْتِقْ سَيِّدُهُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ دُونَ مُؤَامَرَةِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَرِضًى مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلَيْسَ مُؤَامَرَتُهُمْ بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا كَانَ يَسْعَى عَلَى جَمِيعِ الْقَوْمِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ كِتَابَتَهُمْ لِتَتِمَّ بِهِ عَتَاقَتُهُمْ فَيَعْمِدُ السَّيِّدُ إلَى الَّذِي يُؤَدِّي عَنْهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ مِنْ الرِّقِّ فَيُعْتِقُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَجْزًا لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْفَضْلَ وَالزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهَذَا أَشَدُّ الضَّرَرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى نَفْيِ الْعِتْقِ أَنَّ الرَّجُلَ يُتَوَفَّى وَيَتْرُكُ بَنِينَ ذُكُورًا وَنِسَاءً وَمُكَاتَبًا فَأَعْتَقَ أَحَدُ الْبَنِينَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ انْجَرَّ إلَيْهِ عَنْ السَّيِّدِ مِنْ ذُكُورِ الْوَلَدِ دُونَ النِّسَاءِ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُ الْكِتَابَةَ بِمَعْنَى الْعِتْقِ وَتَرَكَ إحْدَى الْبَنَاتِ حِصَّتَهَا مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ عَتَقَتْ حِصَّتَهَا لَثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهَا وَهَذَا بَيِّنٌ مَعَ التَّسْلِيمِ. (فَصْلٌ) : قَالَ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا مَنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ، ثُمَّ عَجَزَ فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعِتْقِ حِصَصُ شُرَكَائِهِ وَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ لَقُدِّمَ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَاقٍ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا الْعَجْزُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِالْعَجْزِ يَرْجِعُ مِلْكًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ تَمْنَعُ عِتْقَ شَيْءٍ مِنْهُ بِأَدَاءٍ أَوْ إسْقَاطِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ سَيِّدُهُ وَاحِدٌ فَأَسْقَطَ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ بَاقِيهِ لَرَجَعَ جَمِيعُهُ رَقِيقًا لَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِينَ الْعِتْقِ، أَوْ التَّرْكِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ ثَابِتٌ مُثْبِتٌ لِلْوَلَاءِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ إلَّا بِالْعَجْزِ وَلَا لِأَحَدٍ نَقْلُ الْوَلَاءِ عَنْ الْمُعْتَقِ مَعَ كَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ عَقَدَ الْكِتَابَةَ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ وَرِثَ السَّيِّدَ مِنْ النِّسَاءِ وَإِنْ أَعْتَقْنَ نَصِيبَهُنَّ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ عَنْ السَّيِّدِ إلَى ذُكُورِ وَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ بَنُونَ ذُكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ ذُكُورِ الْبَنِينَ فَإِلَى عَصَبَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ مَا يَقُومُ مَقَامَ تَفْسِيرِهِ وَيُبَيِّنُ مِنْهُ مَقْصُودَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا لَا يَجُوزُ مِنْ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ كَاتَبَ جَمَاعَةَ عَبِيدٍ لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي جَمِيعِهِمْ سِعَايَةٌ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتِقَ بَعْضَهُمْ دُونَ إذْنِ الْبَاقِينَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُ بَاقِيَهُمْ فَإِنْ أَذِنُوا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْمُكَاتَبِينَ كِبَارًا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ رِضَاهُ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاقِينَ قُوَّةٌ عَلَى الْأَدَاءِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ عَقْدٌ لَزِمَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبِينَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إلَّا حُقُوقُهُمْ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى إخْرَاجِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ جَازَ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْكِتَابَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا سَبَبًا إلَى اسْتِرْقَاقِ سَائِرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَبِقُوا مَا يُسْتَرَقُّونَ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرٌ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى قَدْرِ سَعْيِهِمْ دُونَ مُرَاعَاةِ قِلَّتِهِمْ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلَيْسَ مُؤَامَرَتُهُمْ بِشَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ أَنَّ الصِّغَارَ لَا يَصِحُّ إذْنُهُمْ وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْكِتَابَةِ مِمَّنْ يُنْتَقَعُ بِهِ وَيُرْجَى التِّجَارَةُ بِهِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ

[جامع ما جاء في عتق المكاتب وأم ولده]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبِيدِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا أَنَّ لِسَيِّدِهِمْ أَنْ يَعْتِقَ مِنْهُمْ الْكَبِيرَ الْفَانِيَ وَالصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا وَلَيْسَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوْنٌ وَلَا قُوَّةٌ فِي كِتَابَتِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ) . . جَامِعُ مَا جَاءَ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ وَلَدِهِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ، ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَيَتْرُكُ أُمَّ وَلَدِهِ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ بَقِيَّةٌ وَيَتْرُكُ وَفَاءً بِمَا عَلَيْهِ أَنَّ أُمَّ وَلَدِهِ أَمَةٌ مَمْلُوكَةٌ حِينَ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَيَعْتِقُونَ بِأَدَاءِ مَا بَقِيَ فَتَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِ أَبِيهِمْ بِعِتْقِهِمْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْتِقُ عَبْدًا لَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ مَالِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ حَتَّى عَتَقَ الْمُكَاتَبُ قَالَ مَالِكٌ يَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ فَإِنْ عَلِمَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُجِزْهُ فَإِنَّهُ إنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَذَلِكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ وَلَا أَنْ يُخْرِجَ تِلْكَ الصَّدَقَةَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ طَائِعًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ الْجَمَاعَةِ رُبَّمَا كَانَ هُوَ الَّذِي بِسَعْيِهِ يَعْتِقُونَ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ سَائِرِهِمْ فَيَعْتِقُهُ السَّيِّدُ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِرْقَاقِ سَائِرِهِمْ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِمَنْ شَارَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلَيْسَ فِي الضَّرَرِ أَشَدُّ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى اسْتِرْقَاقِهِمْ وَإِبْطَالِ مَا انْعَقَدَ لَهُمْ مِنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْمُتَضَمِّنِ عِتْقَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبِيدِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا أَنَّ لِسَيِّدِهِمْ أَنْ يَعْتِقَ مِنْهُمْ الْكَبِيرَ الْفَانِيَ وَالصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا وَلَيْسَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوْنٌ وَلَا قُوَّةٌ فِي كِتَابَتِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْبَاقِينَ فِي تَعْجِيلِ عِتْقِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَا يَسْقُطَ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْأَدَاءِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ شَيْئًا بِبَقَائِهِ مَعَهُمْ وَلَا انْعَقَدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى رَجَاءِ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِعِتْقِهِ شَيْءٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي فِي الصَّغِيرِ الَّذِي يُرَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ السَّعْيَ حَتَّى تَتَأَدَّى الْكِتَابَةُ وَأَمَّا مَنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ نُجُومُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ لِمَنْ شَرَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ الْمَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ عِتْقِهِ لِمَا يَرْجُو مِنْ الِاسْتِعَانَةِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ وَلَدِهِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدًا مِنْ عَبِيدِهِ وَلَا يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا ضِرَارَ بِهِ فِي أَدَائِهِ وَمُبْطِلٌ لِمَا كَانَ يَجُرُّ إلَيْهِ مِنْ عِتْقِهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ مِلْكَهُ بِمَالِهِ وَلَهَا كَمُلَ تَصَرُّفَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ كَامِلِ الْمِلْكِ كَامِلِ التَّصَرُّفِ فَلَوْ أَجَزْنَا عِتْقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَجَوَّزْنَا عَلَيْهِ الْعَجْزَ وَالرُّجُوعَ إلَى السَّيِّدِ وَقَدْ أَتْلَفَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا كَانَ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِيهِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْأَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ غَيْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ مَنْ شَرَكَهُ فِي الْكِتَابَةِ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَفْوِيتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِبْطَالِ مَا يُرْجَى مِنْ عِتْقِهِمْ بِهِ. (فَرْعٌ) فَلَوْ رَدَّ السَّيِّدُ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ وَصَدَقَتَهُ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَإِنْ بَقِيَ ذَلِكَ بِيَدِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحَقِّ نَفْسِهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ فَلَمْ يُطَالِبْ بِمَا رَدَّ مِنْ أَفْعَالِهِ كَالصَّغِيرِ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ السَّيِّدُ حَتَّى يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ قَدْ اسْتَوْفَاهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِرَدِّ عِتْقِ الْعَبْدِ كَالْغُرَمَاءِ يَعْتِقُ غَرِيمُهُمْ عَبْدَهُ فَلَا يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ حَتَّى يَطْرَأَ لَهُ مَالٌ فَيَقْضِيَهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ رَدُّ عِتْقِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الوصية في المكاتب]

الْوَصِيَّةُ فِي الْمُكَاتَبِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْت فِي الْمُكَاتَبِ يَعْتِقُهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُقَامُ عَلَى هَيْئَتِهِ تِلْكَ الَّتِي لَوْ بِيعَ كَانَ ذَلِكَ الثَّمَنُ الَّذِي يَبْلُغُ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَضَعَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى عَدَدِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهُ إلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ قَتْلِهِ وَلَوْ جُرِحَ لَمْ يَغْرَمْ جَارِحُهُ إلَّا دِيَةَ جُرْحِهِ يَوْمَ جَرْحِهِ وَلَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ إلَّا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْمَيِّتُ لَهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ فَصَارَتْ وَصِيَّةً أَوْصَى بِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ كِتَابَتِهِ إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى سَيِّدُهُ لَهُ بِالْمِائَةِ دِرْهَمٍ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ حُسِبَتْ لَهُ فِي ثُلُثِ سَيِّدِهِ فَصَارَ حُرًّا بِهَا) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِهِ سَعَةٌ لِثَمَنِ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِينَارٍ فَيُكَاتِبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مِائَتِي دِينَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونَ ثُلُثُ مَالِ سَيِّدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ أَوْصَى لَهُ بِهَا فِي ثُلُثِهِ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ بُدِئَ بِالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَتَاقَةٌ، وَالْعَتَاقَةُ تُبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا، ثُمَّ تُجْعَلُ تِلْكَ الْوَصَايَا فِي كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ يَتْبَعُونَهُ بِهَا وَيُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمُوصِي فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ كَامِلَةً وَتَكُونَ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ لَهُمْ فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا وَأَسْلَمُوا الْمُكَاتَبَ وَمَا عَلَيْهِ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا فَذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ صَارَ فِي الْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا أَحَدٌ فَقَالَ الْوَرَثَةُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ صَاحِبُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ قَالَ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ مُخَيَّرُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ قَدْ أَوْصَى صَاحِبُكُمْ بِمَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تُنَفِّذُوا ذَلِكَ لِأَهْلِهِ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَأَسْلِمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ كُلِّهِ قَالَ فَإِنْ أَسْلَمَ الْوَرَثَةُ الْمُكَاتَبَ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا كَانَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مَا عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوَصِيَّةُ فِي الْمُكَاتَبِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ عَنْهُ فِي الثُّلُثِ إلَّا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا أَتْلَفَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَقِبِهِ وَلَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ تَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لَعَتَقَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ كَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِهِ سَعَةٌ لِثَمَنِ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِينَارٍ فَيُكَاتِبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مِائَتِي دِينَارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونَ ثُلُثُ مَالِ سَيِّدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ أَوْصَى لَهُ بِهَا فِي ثُلُثِهِ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ بُدِئَ بِالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَتَاقَةٌ، وَالْعَتَاقَةُ تُبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا، ثُمَّ تُجْعَلُ تِلْكَ الْوَصَايَا فِي كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ يَتْبَعُونَهُ بِهَا وَيُخَيَّرُ وَرَثَةُ الْمُوصِي فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ كَامِلَةً وَتَكُونَ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ لَهُمْ فَذَلِكَ لَهُمْ وَإِنْ أَبَوْا وَأَسْلَمُوا الْمُكَاتَبَ وَمَا عَلَيْهِ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا فَذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ صَارَ فِي الْمُكَاتَبِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا أَحَدٌ فَقَالَ الْوَرَثَةُ الَّذِي أَوْصَى بِهِ صَاحِبُنَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ وَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ قَالَ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ مُخَيَّرُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ قَدْ أَوْصَى صَاحِبُكُمْ بِمَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تُنَفِّذُوا ذَلِكَ لِأَهْلِهِ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَأَسْلِمُوا لِأَهْلِ الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ كُلِّهِ قَالَ فَإِنْ أَسْلَمَ الْوَرَثَةُ الْمُكَاتَبَ إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا كَانَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مَا عَلَيْهِ

مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَخَذُوا ذَلِكَ فِي وَصَايَاهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ عَبْدًا لِأَهْلِ الْوَصَايَا لَا يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ حِينَ خُيِّرُوا؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا حِينَ أُسْلِمَ إلَيْهِمْ ضَمِنُوهُ فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ عَتَقَ وَرَجَعَ وَلَاؤُهُ إلَى عَصَبَةِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَضَعُ عَنْهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ يُقَوَّمُ الْمُكَاتَبُ فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاَلَّذِي وُضِعَ عَنْهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ فِي الْقِيمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْقِيمَةِ فَيُوضَعُ عَنْهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إلَى عُشْرِ الْقِيمَةِ نَقْدًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَهَيْئَتِهِ لَوْ وُضِعَ عَنْهُ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُحْتَسَبْ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُضِعَ عَنْهُ نِصْفُ الْكِتَابَةِ حُسِبَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ) (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَخَذُوا ذَلِكَ فِي وَصَايَاهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ عَبْدًا لِأَهْلِ الْوَصَايَا لَا يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ حِينَ خُيِّرُوا؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا حِينَ أُسْلِمَ إلَيْهِمْ ضَمِنُوهُ فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْهِ فَمَالُهُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ عَتَقَ وَرَجَعَ وَلَاؤُهُ إلَى عَصَبَةِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ كَانَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ، وَهَذَا لَهُ حُكْمُ الْعِتْقِ لَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى عِتْقِ وَانْتِزَاعِ مَا بِيَدِ الْمُعْتَقِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي ثُلُثِهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فُوِّتَ بِالْكِتَابَةِ، وَمَنْعُ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعَبْدِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ أَوْ قِيمَتُهَا فَلَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَنَفَاهَا بَلْ بِالْكِتَابَةِ أَحْدَثَهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَ دِينَارٍ فَيُكَاتِبَهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ فَإِنْ حَمَلَ ثُلُثَ السَّيِّدِ قِيمَتَهُ الَّتِي هِيَ أَلْفُ دِينَارٍ جَازَتْ كِتَابَتُهُ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، أَوْصَى بِهَا فِي ثُلُثِهِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَتَا دِينَارٍ وَكَانَ الثُّلُثُ مِائَتَيْ دِينَارٍ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ بِنَقْصِ الثُّلُثِ عَنْ الْكِتَابَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا فَفَاقَ الثُّلُثَ بُدِئَ بِالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَتَاقَةٌ يُرِيدُ أَوْصَى بِذَلِكَ مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا لِقَوْمٍ مِنْ دَنَانِيرَ وَثِيَابٍ وَرِبَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ الْمُضَمِّنَةَ لِلْعِتْقِ تُقَدَّمُ عَلَى مِلْكِ الْوَصَايَا فَتَنْفُذُ الْكِتَابَةُ لِمَا تَجُرُّ إلَيْهِ مِنْ الْعِتْقِ، ثُمَّ تَكُونُ تِلْكَ الْوَصَايَا فِي الْكِتَابَةِ فَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يُؤَدُّوا إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا وَصَايَاهُمْ كَامِلَةً وَتَكُونُ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ لَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا إلَى أَهْلِ الْوَصَايَا فَإِنْ أَدَّوْا تَحَاصُّوا فِيمَا يُؤَدِّيهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَجَزُوا رَقَّ لَهُمْ دُونَ الْوَرَثَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا قُدِّمَتْ عَلَى الْوَصَايَا اقْتَضَى ذَلِكَ ثُبُوتَ عَقْدِهَا لَمَّا كَانَ مَا يُؤَدِّيهِ الْمُكَاتَبُ مُتَعَلِّقًا بِالثُّلُثِ الَّذِي يَخُصُّ بِالْوَصَايَا وَكَانَ الْوَرَثَةُ أَحَقَّ بِأَعْيَانِ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمُوصِي لَهُمْ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ خُيِّرُوا فَإِنْ اخْتَارُوا أَدَاءَ الْوَصَايَا اسْتَخْلَصُوا الْكِتَابَةَ وَيَكُونُونَ مَعَ الْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَاتَبَهُ إنْ أَدَّى عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لَهُمْ وَإِنْ أَسْلَمُوهُ كَانَ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ إنْ أَدَّى إلَيْهِمْ عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رَقَّ لَهُمْ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْوَرَثَةِ الْكِتَابَةَ عَيَّنَتْ حُقُوقَ أَهْلِ الْوَصَايَا فِيهِ فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَدَّى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَيْرُ مَا يُؤَدِّي وَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ غَيْرُ اسْتِرْقَاقِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ السَّيِّدَ إذَا وَضَعَ عَنْ مُكَاتَبِهِ عَدَدًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِنَجْمٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ نُجُومٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا وَضَعَ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ كِتَابَتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا سَمَّاهُ بِالْهِبَةِ مِنْ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَسْقَطَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَالْكِتَابَةُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَدْ وَضَعَ عَنْهُ عُشْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَسِبُ فِي الثُّلُثِ إلَّا بِعُشْرِ قِيمَتِهِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَاحْتَسَبَ فِي الثُّلُثِ بِعُشْرِ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَنْهُ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُحْتَسَبْ فِي الثُّلُثِ إلَّا بِقِيمَتِهِ دُونَ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الَّتِي أُسْقِطَ بِالْجُزْءِ وَأَمَّا الْمُسَمَّى بِالْكِتَابَةِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا مُتَيَقَّنٍ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهَا مِنْ

أَوَّلِ كِتَابَتِهِ، أَوْ مِنْ آخِرِهَا وُضِعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ عُشْرُهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ أَوَّلِ كِتَابَتِهِ، أَوْ مِنْ آخِرِهَا وَكَانَ أَصْلُ الْكِتَابَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قَوَّمَ الْمُكَاتَبُ قِيمَةَ النَّقْدِ، ثُمَّ قُسِمَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ فَجُعِلَ لِتِلْكَ الْأَلْفِ الَّتِي مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ حِصَّتُهَا مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ قُرْبِهَا مِنْ الْأَجَلِ وَفَضْلِهَا، ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِي الْأَلْفَ الْأُولَى بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِيهَا بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا حَتَّى يُؤْتَى عَلَى آخِرِهَا تَفْضُلُ كُلُّ أَلْفٍ بِقَدْرِ مَوْضِعِهَا فِي تَعْجِيلِ الْأَجَلِ وَتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَأْجَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَقَلَّ فِي الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُوضَعُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ قَدْرَ مَا أَصَابَ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى تَفَاضُلِ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مُكَاتَبٍ وَأَعْتَقَ رُبُعَهُ فَهَلَكَ الرَّجُلُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ يُعْطَى وَرَثَةُ السَّيِّدِ وَاَلَّذِي أَوْصَى لَهُ بِرُبُعِ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ لَهُمْ عَلَى الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ مَا فَضَلَ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِرُبُعِ الْمُكَاتَبِ ثُلُثُ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ الثُّلُثَانِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ فَإِنَّمَا يُورَثُ بِالرِّقِّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلِ كِتَابَتِهِ، أَوْ مِنْ آخِرِهَا وُضِعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ عُشْرُهُ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ وَضَعَ عَنْ مُكَاتَبٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَالْكِتَابَةُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَحَلًّا مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ وَلَا مِنْ وَسَطِهَا وَلَا آخِرِهَا وَلَا نَجْمًا مِنْ نُجُومِهَا فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ عُشْرُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ، أَوْلَى بِمَا وَضَعَ عَنْهُ مِنْ بَعْضٍ فَوَجَبَ أَنْ يَفُضَّ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ النُّجُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ أَوَّلِ كِتَابَتِهِ، أَوْ مِنْ آخِرِهَا وَكَانَ أَصْلُ الْكِتَابَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قَوَّمَ الْمُكَاتَبُ قِيمَةَ النَّقْدِ، ثُمَّ قُسِمَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ فَجُعِلَ لِتِلْكَ الْأَلْفِ الَّتِي مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابَةِ حِصَّتُهَا مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ قُرْبِهَا مِنْ الْأَجَلِ وَفَضْلِهَا، ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِي الْأَلْفَ الْأُولَى بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا ثُمَّ الْأَلْفُ الَّتِي تَلِيهَا بِقَدْرِ فَضْلِهَا أَيْضًا حَتَّى يُؤْتَى عَلَى آخِرِهَا تَفْضُلُ كُلُّ أَلْفٍ بِقَدْرِ مَوْضِعِهَا فِي تَعْجِيلِ الْأَجَلِ وَتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَأْجَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَقَلَّ فِي الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُوضَعُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ قَدْرَ مَا أَصَابَ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى تَفَاضُلِ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ) . (ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ فِي ثَلَاثَةِ أَنْجُمٍ فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَضَعَ عَنْهُ الْمِائَةَ الْأُولَى نُظِرَ كَمْ قِيمَتُهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ تُبَاعُ نَقْدًا فِي قُرْبِ مَحِلِّهَا أَوْ تَأَخُّرِهَا؛ لِأَنَّ آخِرَ النُّجُومِ أَقَلُّ قِيمَتِهَا مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ النَّجْمِ الْأَوَّلِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّجْمِ الثَّانِي ثَلَاثَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّجْمِ الثَّالِثِ مِائَتَيْنِ كَانَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ نِصْفَ رَقَبَتِهِ فَيُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَقَلُّ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ، أَوْ النَّجْمُ الْأَوَّلُ فَذَلِكَ يُحْتَسَبُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ نِصْفُهُ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقُولُوا قَدْ تَعَجَّلَ أَوَّلَ نَجْمٍ يُرِيدُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ النَّجْمِ إنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْحُلُولِ قَالَ وَعَلَى حَسَبِ هَذَا يَكُونُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِالنَّجْمِ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثِ وَإِنْ كَانَ النَّجْمُ الْأَوَّلُ نِصْفَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ الْمَيِّتُ مَالًا غَيْرَهُ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ أَنْ يَضَعُوا ذَلِكَ النَّجْمَ بِعَيْنِهِ وَيَعْتِقَ الَّذِي كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ رَقَبَتِهِ النِّصْفَ وَيَسْقُطَ عَنْهُ ذَلِكَ النَّجْمُ وَيَكُونَ لَهُمَا النَّجْمَانِ الْبَاقِيَانِ فَإِنْ اسْتَوْفَوْا فَذَلِكَ، وَإِنْ رَقَّ مِنْهُ نِصْفَهُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُجِيزُوا فَيَعْتِقَ ثُلُثَهُ وَيُوضَعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ ثُلُثُهُ فَإِنْ عَجَزُوا كَانَ ثُلُثُهُ حُرًّا وَثُلُثَاهُ رَقِيقًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا وَجْهُ مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ وَتَفْسِيرُ مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَالسَّمَاعَاتِ بِأَتَمَّ وَلَا أَصَحَّ مِمَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَمَعْنَى هَذَا رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مُكَاتَبِهِ، ثُمَّ بِعِتْقِ رُبُعِهِ فَقَدْ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ لِلْمُوصِي نِصْفُهُ وَلِلْمُوصِيَةِ رُبُعُهُ فَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُ عَلَى الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثَيْنِ مِنْهُمَا لِلْمُوصَى وَالثُّلُثُ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى انْتَقَلَ ذَلِكَ الثُّلُثُ إلَى الْمُوصِي بِهِ وَالثُّلُثَانِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصَى فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ مَالٍ أَعْطَى وَرَثَةَ السَّيِّدِ مَا بَقِيَ لَهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ مَا بَقِيَ لَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ الْبَقِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يُنْقَلُ عَنْهُ إلَيْهِمْ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ وَاَلَّذِي يَمْلِكُ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلْوَرَثَةِ رُبْعَاهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ رُبُعُ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ حَسْبَمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مَالُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِحَقٍّ

[كتاب المدبر]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُ الْمَيِّتِ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَيُوضَعُ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ قَدْرُ ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَيَكُونُ ثُلُثُ الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَتَقَ نِصْفُهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ شَطْرُ الْكِتَابَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ غُلَامِي فُلَانٌ حُرٌّ وَكَاتِبُوا فُلَانًا تُبْدَأُ الْعَتَاقَةُ عَلَى الْكِتَابَةِ) . (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْمُدَبَّرِ) (الْقَضَاءُ فِي الْمُدَبَّرِ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ دَبَّرَ جَارِيَةً لَهُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا بَعْدِ تَدْبِيرِهِ إيَّاهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ قَبْلَ الَّذِي دَبَّرَهَا إنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ الشَّرْطِ مِثْلُ الَّذِي ثَبَتَ لَهَا وَلَا يَضُرُّهُمْ هَلَاكُ أُمِّهِمْ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي كَانَ دَبَّرَهَا فَقَدْ عَتَقُوا إنْ وَسِعَهُمْ الثُّلُثُ. وَقَالَ مَالِكٌ كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا فَوَلَدُهَا أَحْرَارٌ وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُعْتَقَةً إلَى سِنِينَ أَوْ مُخْدَمَةً أَوْ بَعْضُهَا حُرٌّ أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى مِثْلِ حَالِ أُمِّهِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِلْكِ وَالرِّقِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ إسْقَاطُ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ مَا عَلَيْهِ يُرِيدُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَمَعْنَى ذَلِكَ يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ قَدْرُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ قِيمَتِهِ تُعْتَبَرُ عِنْدَ احْتِمَالِ الثُّلُثِ لَهُ جَمِيعُ الْكِتَابَةِ وَعِنْدَ ضِيقِ الثُّلُثِ عَنْهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُوضَعُ عَنْهُ قَدْرُ ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ نِصْفَهُ وُضِعَ عَنْهُ نِصْفُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوضَعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ نَجْمٍ نِصْفُهُ فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَتَقَ نِصْفُهُ وَوُضِعَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ نِصْفُهَا لِأَنَّهَا مُقَابِلَةٌ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِعِتْقٍ مُتَحَقِّقٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَبْطُلَ بِالْعَجْزِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّأْجِيلِ وَأَمَّا الْعِتْقُ الْمُبْتَلُ فَفِيهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْعِتْقِ التَّأْجِيلُ فَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَقَدُّمِ الْمُعَيَّنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَوَجَبَ أَنْ يُقَدِّمَ مَا تَحَقَّقَ مِنْهُ وَيُعَجِّلَ عَلَى مَا خَالَفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [كِتَابُ الْمُدَبَّرِ] [الْقَضَاءُ فِي الْمُدَبَّرِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَة مَا وَلَدَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ فِي أَحْكَامِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَأَمَّا الْمُوصَى بِعِتْقِهَا فَمَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَوْتِ الْمُوصِي وَأَمَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصِي الرُّجُوعَ عَنْهَا فَإِذَا ثَبَتَ حُكْمُ التَّدْبِيرِ لِوَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ لَمْ يُخْرِجْهُمْ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مَوْتُ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُعْتَقَةُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُخْدَمَةُ أَوْ بَعْضُهَا حُرٌّ أَوْ مَرْهُونَةٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَإِنَّ وَلَدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْزِلَتِهَا لَهُ حُكْمُهَا يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا وَيَعْتِقُ مِنْهُ مَا عَتَقَ مِنْهَا وَيَرِقُّ مِنْهَا مَا يَرِقُّ مِنْهُ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا يُرِيدُ مَا لَمْ يَنْشَأْ فِي مِلْكِ سَيِّدٍ حُرٍّ، أَوْ انْعَقَدَ لَهُ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ فَأَمَّا إذَا خُلِقَ فِي مِلْكِ سَيِّدٍ حُرٌّ أَوْ انْعَقَدَ لَهُ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ مِنْ كِتَابَةٍ أَوْ تَدْبِيرٍ أَوْ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَاهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي دَبَّرَهَا فَقَدْ عَتَقَ بِعِتْقِهَا إنْ وَسِعَهُمْ الثُّلُثُ يُرِيدُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ تَحْصُلُ الْحُرِّيَّةُ لِلْمُدَبَّرَةِ وَوَلَدِهَا إنْ وَسِعَهُمْ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ إنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ فَقَدْ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا الشَّرْطُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ دَبَّرَ

[جامع ما جاء في التدبير]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرَةٍ دُبِّرَتْ وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهَا بِحَمْلِهَا أَنَّ وَلَدَهَا بِمَنْزِلَتِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَمْلِهَا قَالَ مَالِكٌ فَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ جَارِيَةً وَهِيَ حَامِلٌ فَالْوَلِيدَةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِمَنْ ابْتَاعَهَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَا يَدْرِي أَيَصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَوَلَدَتْ قَالَ وَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جَارِيَتِهِ بِمَنْزِلَتِهِ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهِ قَالَ مَالِكٌ فَإِذَا أَعْتَقَ هُوَ فَإِنَّمَا أُمُّ وَلَدِهِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يُسَلَّمُ إلَيْهِ إذَا أَعْتَقَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَتَهُ عَلَى أَنَّ مَا تَلِدُ رَقِيقٌ مَضَى التَّدْبِيرُ وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ الْعِتْقَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا مُتَرَقَّبًا بَطَلَ الشَّرْطُ وَنَفَذَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ مَا تَكْسِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِي يَصِحُّ الْعِتْقُ وَنَفَذَ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ دَبَّرَ أَمَةً وَهِيَ حَامِلٌ فَالتَّدْبِيرُ يَتَنَاوَلُ مَا فِي بَطْنِهَا فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي التَّدْبِيرِ حُكْمَهَا وَهَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهَا لَكَانَ ذَلِكَ عِتْقًا لِمَا فِي بَطْنِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَمْلِهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ وَالْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ عُقُودِ التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ فَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ وَهُمَا بِذَلِكَ أَوْلَى لِمَا قَدَّمْنَاهُ. (ش) : وَهُوَ عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ مَنْ ابْتَاعَ مِنْهُمَا جَارِيَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَإِنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَتِهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ حَدَثَ عَنْ مِلْكِ يَمِينٍ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ أَصْلُ ذَلِكَ الْحُرُّ يَسْتَوْلِدُ أَمَتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ التَّدْبِيرِ وَمَا وَضَعَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ رَقِيقٌ، رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَمَا وَلَدَتْهُ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ كَأُمِّهِ طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا فِي بَطْنِ الْمُدَبَّرَةِ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْبَيْعِ دُونَهَا وَلَا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ دُونَهُ وَمَا فِي بَطْنِ أَمَةِ الْمُدَبِّرِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَهُ وَيُفْرَدَ الْمُدَبَّرُ بِالْبَيْعِ دُونَ الْحَمْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتْبَعْهُ إلَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ عَقْدِ التَّدْبِير وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا عَتَقَ هُوَ فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ مَالٌ مِنْ مَالِهِ تُسَلَّمُ إلَيْهِ إذَا أُعْتِقَ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي التَّدْبِيرِ] 1 ِ الْمُدَبَّرُ مِنْ الْعَبِيدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ لِأَنَّ السَّيِّدَ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَالْمَمَاتُ دُبُرُ الْحَيَاةِ وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ لِلْمُعْتَقِ عَنْ دُبُرٍ أَيِّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا اللَّفْظُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ دُونَ سَائِرِ مَا يُمْلَكُ كَمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْعِتْقُ إلَّا فِيهِمْ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ قَالَ لِسَيِّدِهِ عَجِّلْ لِي الْعِتْقَ وَأُعْطِيك خَمْسِينَ مِنْهَا مُنَجَّمَةً عَلَيَّ فَقَالَ سَيِّدُهُ نَعَمْ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك خَمْسُونَ دِينَارًا تُؤَدِّي إلَيَّ كُلَّ عَامٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ هَلَكَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ مَالِكٌ يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ وَصَارَتْ الْخَمْسُونَ دِينَارًا دَيْنًا عَلَيْهِ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ وَتَثْبُتُ حُرْمَتُهُ وَمِيرَاثُهُ وَحُدُودُهُ وَلَا يَضَعُ عَنْهُ مَوْتُ سَيِّدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقَاطِعَ مُدَبَّرَهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيُعَجِّلُ

[الوصية في التدبير]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَمَالٌ غَائِبٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ مَا يَخْرُجُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ قَالَ يُوقَفُ الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ وَيُجْمَعُ خَرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُ الْمَالِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مِمَّا يَحْمِلُهُ الثُّلُثَ عَتَقَ بِمَالِهِ وَبِمَا جَمَعَ مِنْ خَرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مَا يَحْمِلُهُ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرَ الثُّلُثِ وَتَرَكَ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ) . الْوَصِيَّةُ فِي التَّدْبِيرِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ عَتَاقَةٍ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فِي وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ وَيُغَيِّرُهَا مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ تَدْبِيرًا فَإِذَا دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى رَدِّ مَا دَبَّرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ الْعِتْقُ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ دِينٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِالْعِتْقِ الْمُنَجَّزِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ ثُلُثُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ سَبَقَتْ لَهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَنَجَزَتْ بِالْعِوَضِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَالِ الْحَاضِرِ وَقَفَ وَانْتَظَرَ الْمَالَ الْغَائِبَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَجَّلُ اسْتِرْقَاقُ بَعْضِهِ مَعَ مَا يُرْجَى مِنْ اسْتِكْمَالِ حُرِّيَّتِهِ بِالْمَالِ الْغَائِبِ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْمُدَبَّرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالَيْنِ فَلَا تَسْقُطُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِتَغَيُّبِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُبَاعُ الدَّيْنُ بِمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ حَتَّى يُعَجَّلَ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ مِنْ ثُلُثِهِ أَوْ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِهَذَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمَالِ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ فِيهِ وَفِيهِ أَيْضًا الْمُدَبَّرُ إلَى أَنْ يُحَلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ اسْتِدَامَةَ اسْتِرْقَاقِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي رُبَّمَا أَدَّتْ إلَى تَفْوِيتِ عِتْقِهِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ يَئِسَ مِنْ الدَّيْنِ لِعَدَمِ الْغَرِيمِ أَوْ بَعْدَ غِيبَتِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَعْتِقُ مِنْهُ مَا حَمَلَهُ الْمَالُ الْحَاضِرُ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ مَا يُخَافُ مِنْ مَوْتِهِ وَفَوْتِ عِتْقِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُوقَفُ الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ وَجَمِيعِ خَرَاجِهِ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ تَابِعٌ لَهُ يَتْبَعُهُ فِي عِتْقِهِ فَلِذَلِكَ قُوِّمَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَجَّلَ عِتْقَهُ لِعَدَمِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِسَيِّدِهِ، أَوْ بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ مَا حَمَلَهُ الْمَالُ الْحَاضِرُ وَيَعْمَلُ فِي مَالِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَالُ الْغَائِبُ، أَوْ أَثْرَى الْمُعْدِمُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ عَتَقَ فِي ثُلُثِ مَا أَخَذَ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَيْدِيهِمْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا شَيْءَ فِيمَا قَبَضَ لِلْمُدَبَّرِ وَذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ. وَقَالَ عِيسَى يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ حَيْثُ كَانَ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ، وَاَلَّذِي قَالَهُ عِيسَى قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْبَ قَدْ ظَهَرَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُدَبَّرِ الْعِتْقَ مِمَّا كَانَ لِلسَّيِّدِ مِنْ الْمَالِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ. [الْوَصِيَّةُ فِي التَّدْبِيرِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعِتْقِ يَرُدُّهَا الْمُوصِي مَتَى شَاءَ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَقَوْلُهُ فَإِذَا دَبَّرَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَا دَبَّرَ يُرِيدُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعِتْقِ بِمَعْنَى التَّدْبِيرِ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُعْتَقِ إلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ حُكْمِ التَّدْبِيرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ ظَاهِرُهُ اخْتِلَافُ الْمَعَانِي وَإِذَا كَانَ التَّدْبِيرُ مُخَالِفًا لِلْوَصِيَّةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِهِ فَأَمَّا لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ إذَا مِتُّ فَأَعْتِقُوا عَبْدِي فُلَانًا فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْوَصِيَّةَ فَهُوَ تَدْبِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ كُلُّ مَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَهُوَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أَمَةٌ أَوْصَى بِعِتْقِهَا وَلَمْ تُدَبَّرْ فَإِنَّ وَلَدَهَا لَا يَعْتِقُونَ مَعَهَا إذَا عَتَقَتْ وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهَا يُغَيِّرُ وَصِيَّتَهُ إنْ شَاءَ وَيَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا عَتَاقَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنْ بَقِيَتْ عِنْدِي فُلَانَةُ حَتَّى أَمُوتَ فَهِيَ حُرَّةٌ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ أَدْرَكَتْ ذَلِكَ كَانَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ بَاعَهَا وَوَلَدَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ وَلَدَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا جَعَلَ لَهَا قَالَ وَالْوَصِيَّةُ فِي الْعَتَاقَةِ مُخَالِفَةٌ لِلتَّدْبِيرِ، فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ كَانَ كُلُّ مُوصٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْعَتَاقَةِ وَكَانَ قَدْ حَبَسَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَالًا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ رَقِيقًا لَهُ جَمِيعًا فِي صِحَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ إنْ كَانَ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا فِي مَرَضِهِ فَقَالَ فُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ وَفُلَانٌ حُرٌّ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ إنْ حَدَثَ بِي فِي مَرَضِي هَذَا حَدَثُ مَوْتٍ، أَوْ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَحَاصَّوْا فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يَبْدَأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَهُمْ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ، ثُمَّ يَعْتِقُ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصِيَّةٌ مَا لَمْ يُدَبِّرْ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي إيقَاعَ الْعِتْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ يُفِيدُ اللُّزُومَ وَهَذَا مَعْنَى التَّدْبِيرِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ اللُّزُومَ عَلَى مَعْنَى التَّدْبِيرِ وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ عَلَى مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَهُوَ فِي الْجَوَازِ أَظْهَرُ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَسَاوَى الْمَعْنَيَانِ فِيهِ لَكَانَ الْجَوَازُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَقْطَعْ الْتِزَامُهُ إيَّاهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ أَدْرَكَ الْمُعْتَقَ حَيًّا سُئِلَ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ الْوَصِيَّةَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي صَحِيحٍ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ يُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْوَصِيَّةَ صُدِّقَ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَثَمَّ قَوْلٌ آخَرُ لِأَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ مُدَبَّرٌ وَيَجِيءُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا لَفْظُ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي، أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ بِالتَّدْبِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إيجَابَ عِتْقِهِ بِمَوْتِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ وَزَادَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنْ يَقُولَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَنْتَ حُرٌّ مَتَى مِتُّ أَوْ إنْ مِتَّ وَلَا مَرْجِعَ لِي فِيك قَالَ أَشْهَبُ وَشَبَهُ هَذَا أَفْرَدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ، أَوْ جَعَلَهُ فِي ذِكْرِ وَصَايَاهُ وَمَعْنَى هَذَا عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّدْبِيرَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٌ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَمُقَيَّدٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ فَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ هُوَ تَدْبِيرٌ لَازِمٌ لَا رُجُوعَ فِيهِ، وَنَحْوُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ لَيْسَ هَذَا بِتَدْبِيرٍ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، أَوْ عَاشَ. وَرُوِيَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّدْبِيرَ أَوْ يَقْصِدَهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَيَأْتِي بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ تَدْبِيرٌ وَتَقْطَعُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ، أَوْ يُقِرُّ أَنَّهُ أَرَادَ التَّدْبِيرَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّزُومِ فَأَمَّا قَيْدُهَا بِشَرْطٍ خَرَجَ عَنْ مُقْتَضَى اللُّزُومِ فَحَمْلٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنَّهَا مُدَبَّرَةٌ تَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا حَدَثٌ وَكَتَبَ لَهَا بِذَلِكَ كِتَابًا أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُحْدِثْ فِيهَا حَدَثًا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّدْبِيرِ يَقْتَضِي اللُّزُومَ كَالْمُطْلَقِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْأَمَةَ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا فَإِنَّ وَلَدَهَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي وَصِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَقْدَ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ لَازِمٌ فَلِذَلِكَ دَخَلَ فِيهَا مَنْ يُولَدُ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَنَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا تَلِدُ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا قَدْ لَزِمَ عَقْدُ الْوَصِيَّةِ.

الثُّلُثَ بَالِغًا مَا بَلَغَ قَالَ وَلَا يَبْدَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَرَضِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ فَهَلَكَ السَّيِّدُ وَلَا مَالَ لَهُ إلَّا الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ قَالَ يَعْتِقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَيُوقَفُ مَالُهُ بِيَدَيْهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ دَبَّرَ عَبِيدًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ جَمِيعِهِمْ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا دَبَّرَ عَبْدًا فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِثُلُثِ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ ذَلِكَ بِتَدْبِيرِ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَعْتِقُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِالثُّلُثِ وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا تَحَاصُّوا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ تَعَلَّقَتْ بِالثُّلُثِ تَعَلُّقًا وَاحِدًا فَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ أَعْتَقَ جَمَاعَةً فِي كَلِمَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ بَعْدَهُمْ جَمَاعَةً أُخْرَى فَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ أَيْضًا يَبْدَأُ بِالْجَمَاعَةِ الْأُولَى فَإِنْ حَمَّلَهُمْ الثُّلُثَ وَضَاقَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بُدِئَ بِعِتْقِ الْأُولَى وَتَحَاصَّتْ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ فِي بَقِيَّةِ الثُّلُثِ وَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى بُدِئَ بِهَا فَتَحَاصَّتْ فِي الثُّلُثِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي ذَلِكَ حَقٌّ وَمَعْنَى الْمُحَاصَّةِ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهُمْ أَنْ يَعْتِقَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَكَمْ مِقْدَارُ مَا يَكُونُ مِنْ الْفَضْلِ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً فَبَدَأَ بِأَحَدِ عَبِيدِهِ، ثُمَّ قَامَ لِشُغْلٍ، ثُمَّ عَادَ فَكَتَبَ الْآخَرَ قَالَ يَبْدَأُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ الْمَخْزُومِيِّ فِيمَنْ دَبَّرَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَدَبَّرَ آخَرَ قَالَ هَذَانِ يَتَحَاصَّانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ قَدْ كُنْت دَبَّرْت فُلَانًا فِي صِحَّتِي ثُمَّ دَبَّرَ آخَرَ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَاضٍ يَعْتِقُ فِي ثُلُثِهِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ قَالَهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابَةِ ابْنِهِ قَالَ وَلَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَفَهُ إلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَبَّرِ مَالٌ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ مَا حَمَلَهُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَ مَالُهُ فِي يَدِهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ يُقَوَّمُ بِمَالِهِ فِي الثُّلُثِ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَيَتْبَعُهُ إنْ خَرَجَ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ أَقَرَّ بِيَدِهِ جَمِيعًا قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ مِائَةَ دِينَارٍ وَمَالُهُ مِائَةً وَتَرَكَ سَيِّدُهُ مِائَةً فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفَهُ وَيَبْقَى مَالُهُ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بِمَالِهِ مِائَتَانِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ يُجْمَعُ مَالُ الْمَيِّتِ إلَى الْمُدَبَّرِ وَمَالِهِ فَإِنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ وَمَالُهُ فِي ثُلُثِ ذَلِكَ عَتَقَ وَكَانَ مَالُهُ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُ رَقَبَتَهُ وَبَعْضَ مَالِهِ عَتَقَ وَكَانَ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْ مَالِهِ وَرَقَبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَعْ غَيْرَ الْمُدَبَّرِ وَمَالِهِ وَقِيمَةُ رَقَبَتِهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَمَالُهُ ثَمَانِمِائَةٍ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَكَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ مِائَتَا دِينَارٍ وَهَكَذَا يُحْسَبُ وَكَذَلِكَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَلِلْعَبْدِ مَالٌ هَكَذَا يَصْنَعُ وَهَذَا رَأْيُ ابْنِ وَهْبٍ وَبِهِ آخُذُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَاسْتَثْنَى مَالَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيَتْبَعُهُ مَالُهُ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ غُلَامِي مُدَبَّرٌ وَخُذُوا مَالَهُ جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَهُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الشَّرْطِ دَبَّرَهُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُدَبِّرَهُ فِي الصِّحَّةِ وَلَا يُسْتَثْنَى مَالُهُ يُرِيدُ أَنْ يُنْتَزَعَ مَالُهُ فِي مَرَضِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَدْبِيرٌ يَقْتَضِي بَقَاءَ مَالِهِ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ عِنْدَ ظُهُورِ عِتْقِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَ مُدَبَّرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، أَوْ يَنْتَزِعَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَبَقِيَ الْمَالُ لِلْمُدَبَّرِ. وَقَالَ أَصْبَغُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ بَعْدَ مَوْتِ نَفْسِهِ إذَا عَتَقَ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ مَالِهِ أَنْ يُسْتَثْنَى عِنْدَ عَقْدِ

[مس الرجل وليدته إذا دبرها]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ قَالَ مَالِكٌ يَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَيُوضَعُ عَنْهُ ثُلُثُ كِتَابَتِهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ ثُلُثَاهَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَتَّ عِتْقُ نِصْفِهِ، أَوْ بَتَّ عِتْقُهُ كُلُّهُ وَقَدْ كَانَ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ قَبْلَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرُدَّ مَا دَبَّرَ وَلَا أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِأَمْرٍ يَرُدُّهُ بِهِ فَإِذَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلْيَكُنْ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ شَطْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ كُلَّهُ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَضْلَ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ مَا بَلَغَ فَضْلَ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمُدَبَّرِ الْأَوَّلِ) . مَسُّ الرَّجُلِ وَلِيدَتِهِ إذَا دَبَّرَهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ فَكَانَ يَطَؤُهُمَا وَهُمَا مُدَبَّرَتَانِ قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ إذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّدْبِيرِ أَخَذُهُ عِنْدَ نُفُوذِ الْعِتْقِ وَأَمَّا عِنْدَ التَّدْبِيرِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ اشْتَرَطَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا اسْتَثْنَاهُ فِي التَّدْبِيرِ قُوِّمَ بِغَيْرِ مَالٍ وَحُسِبَ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ فَقُوِّمَ الْمُدَبَّرُ دُونَهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ التَّدْبِيرِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ التَّدْبِيرَ وَلَا تُبْطِلُهُ بَلْ تُؤَكِّدُهُ وَتُعَجِّلُهُ وَأَسْوَأُ أَحْوَالِهَا أَنْ يَبْقَى الْمُدَبَّرُ عَلَى حَالِهِ وَذَلِكَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعَ مَالِ الْمُدَبَّرِ فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى تَعْجِيلِ عِتْقِهِ فَذَلِكَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ تَدْبِيرُهُ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ عَجَّلَ عِتْقَهُ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ لِذَلِكَ ثُلُثُ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَ بَاقِي الْعَبْدِ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابَةِ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ مِنْ أَنْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمَرِيضَ إذَا ابْتَدَأَ فَدَبَّرَ عَبْدًا لَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ، أَوْ أَعْتَقَ مِنْهُ نِصْفَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ يُبْدَأ بِعِتْقِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ وَهَذَا الْأَمْرُ لَازِمٌ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْقُضَهُ بِعِتْقِ غَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا وَبَتَلَ عِتْقَ الْآخَرِ فِي لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلَامٍ مُتَّصِلٍ تَحَاصَّا فِي الثُّلُثِ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْخِدْمَةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي الرَّقَبَةِ فَلَزِمَ تَحَاصُّهُمَا كَالْمُدَبَّرَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلْيَكُنْ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ شَطْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ لَهُ عِتْقُهُ كُلُّهُ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِعِتْقِ بَعْضِهِ تَمَّمَ عَلَيْهِ سَائِرَهُ فِي الثُّلُثِ. [مَسُّ الرَّجُلِ وَلِيدَتِهِ إذَا دَبَّرَهَا] (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي دَبَّرَ أَمَتَهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عِتْقَهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَمِنْ الثُّلُثِ كَالْمُوصِي بِعِتْقِهَا؛ وَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ وَانْتِزَاعِ مَالِهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ وَطْأَهَا يُؤَكِّدُ عِتْقَهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فَإِنَّمَا تَعْتِق بِالثُّلُثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَةَ إذَا حَمَلَتْ بَطَلَ تَدْبِيرُهَا وَانْتَقَلَتْ إلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ كَمَا يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِالْعِتْقِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ قَدْ لَزِمَهُ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا كَانَ مِنْهُ مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَمَا كَانَ مُقَيَّدًا فَلَهُ إبْطَالُهُ وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ الْمُقَيَّدِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ الْمُطْلَقِ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَسِّرَ الْمُقَيَّدَ فَيَقُولَ لَمْ أُرِدْ بِهِ التَّدْبِيرَ فَيَكُونَ لَهُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ عَلَى تَسْلِيمِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ هَذَا تَدْبِيرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا كَالْمُطْلَقِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا يُقَدَّرُ فِي الْمُقَيَّدِ

[بيع المدبر]

بَيْعُ الْمُدَبَّرِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ وَأَنَّهُ إنْ رَهِقَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ مَا عَاشَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَكَانَ ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِالْمُدَبَّرِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ قَالَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يُحِيطُ إلَّا بِنِصْفِ الْعَبْدِ بِيعَ نِصْفُهُ لِلدَّيْنِ، ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ التَّدْبِيرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فَكَذَلِكَ الْمُطْلَقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ التَّدْبِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدُ عِتْقٍ اسْتَفَادَ بِهِ اسْمًا يُعْرَفُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهُ أَصْلُهُ الْكِتَابَةُ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ عِتْقٍ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ بِالْفِعْلِ أَصْلُهُ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» قَالُوا وَهَذَا هُوَ أَبُو مَذْكُورٍ الْعَرَبِيُّ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ يُقَالُ لَهُ يَعْفُورٌ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ فِيمَا ادَّعَوْهُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَبَاعَهُ لِأَدَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهَذَا عِنْدَنَا جَائِزٌ وَبَيِّنٌ. وَجْهُ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ» وَعَلَى أَصْلِهِمْ لَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَعَلَى مَا نَقُولُهُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنٍ مُتَقَدَّمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ يَتَأَدَّى مِنْهُ الدَّيْنُ بِيعَ حِينَئِذٍ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَيُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ بَاشَرَ الْبَيْعَ وَأَمَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ دَيْنٌ يُبَاعُ مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا بَيْعُهُ هُوَ عِنْدَهُمْ بِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ قَالَ نَحْوَ هَذَا ابْنُ سَحْنُونٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيِّ «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا يُقَوِّي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ رَأَيْته لِابْنِ سَحْنُونٍ وَقَالَ قَوْمٌ إنْ بَاعَ خَدَمَتَهُ فَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا عَلَى تَعْجِيلِ عِتْقِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ فِي رَقَبَتِهَا. [بَيْعُ الْمُدَبَّرِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّر لَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ يُرِيدُ إزَالَةَ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ التَّدْبِيرِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَبَاعَهُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَالِكٌ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا رُدَّ بَيْعُهُ وَرَجَعَ مُدَبَّرًا كَمَا كَانَ وَهَذَا مَا لَمْ يَعْتِقْهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ عَقْدَهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي الْمُدَبَّرِ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيَعُودُ مُدَبَّرًا، ثُمَّ قَالَ يَمْضِي وَإِنْ كَتَمَهُ ذَلِكَ وَلَا يُرَدُّ إذَا فَاتَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَقْدَ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يُنْقَلُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ وَجْهِ الْعِتْقِ كَمَا لَا يُنْقَلُ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُزْ إبْطَالُ التَّدْبِيرِ بِالْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ الْعِتْقُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ كَالْمُدَبَّرَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا فَتَحْمِلُ مِنْهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ يَبْطُلُ بِالِاسْتِيلَادِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى فِي بَابِ الْعِتْقِ مِنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَفُوتُ بِالْعِتْقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ سَائِغٌ لَهُ حَلَالٌ وَرَوَاهُ فِي الْمُزَنِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ يُؤْمَرُ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ الْمُدَبَّرَ فَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْزِئُهُ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُهُ وَيُنَفَّذُ عِتْقُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يُفْتِ بِالشِّرَاءِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا لَمْ يَعْتِقْ فَإِنْ عَتَقَ نُفِّذَ عِتْقُهُ وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ بَاعَ مُدَبَّرَةً فَحَمَلَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَوْتٌ كَالْعِتْقِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا حُكْمَ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ فَكَانَ ذَلِكَ أَقْوَى مِمَّا يَرُدُّ إلَيْهِ مِنْ التَّدْبِيرِ كَالْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ مَنْ بَاعَ مُدَبَّرًا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَمَاتَ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَقِيمَتِهِ مُدَبَّرًا فَمَحَلُّهُ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَجَعَلَهُ فِي عَبْدٍ دَبَّرَهُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَعَانَ بِهِ فِي عِتْقٍ. وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَرُدُّ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا صَارَ إلَيْهِ قَدْ كَانَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ بِالتَّدْبِيرِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْعِتْقِ فَمَا ازْدَادَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَى مِثْلِ مَا فَاتَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ عَمَّا كَانَ أَعْتَقَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا ازْدَادَهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ وَفِي الْمُزَنِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُدَبَّرٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْفَوْتِ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ مَالَكَ تَرْجِعُ عَلَيَّ إنْ كُنْتَ ظَالِمًا فَإِنَّمَا ظَلَمْت نَفْسِي يَقُولُ إنَّ الْمُدَبَّرَ إنَّمَا يُدْرِكُهُ الْعِتْقُ إنْ عَاشَ إلَى أَنْ يَمُوتَ سَيِّدُهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ سَيِّدِهِ فَلَمْ يُدْرِكْهُ الْعِتْقُ وَإِنَّ السَّيِّدَ مَمْنُوعٌ مِنْ بَيْعِهِ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ حِينَ تَعَدَّى وَبَاعَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَلَوْ بَاعَ السَّيِّدُ مُدَبَّرَهُ فَلَمْ يَرْفَعْ أَمْرَهُ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَزنِيَّةِ إنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ الَّذِي بَاعَهُ مَالٌ فُسِخَ بَيْعُهُ وَرُدَّ إلَيْهِ وَأُخِذَ مِنْ مَالِهِ ثَمَنُهُ فَدُفِعَ إلَى الْمُبْتَاعِ وَعَتَقَ مِنْهُ مَا بَلَغَ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ وَرَقَّ بَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءٌ بِدَيْنِ الْمُشْتَرِي مَضَى بَيْعُهُ قَالَ عِيسَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ رَهِقَهُ دَيْنٌ فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا دَامَ سَيِّدُهُ حَيًّا يُرِيدُ إنْ اسْتَحْدَثَ دَيْنًا بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ التَّدْبِيرُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِذِمَّةٍ بَاقِيَةٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ لِلْغُرَمَاءِ مَا نَقَصَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ حَمَلَهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْمِل إلَّا بَعْضَهُ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إلَّا بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالُ عَبِيدِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ خِلَافًا لِمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا يَصْرِفُ فِيهِ جَمِيعَ مَالِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهَا بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعَقْدِ وَلِذَلِكَ لَا تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ لِلدَّيْنِ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَيُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُدَبِّرُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالْمُدَبَّرِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا اسْتَحْدَثَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّيْنِ مَحَلٌّ غَيْرُ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ بَطَلَتْ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ أَنَّ حُقُوقَ الْغُرَمَاءِ تَتَعَلَّقُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُدَبَّرُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ، أَوْ يُعْطِيَ أَحَدٌ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ مَالًا وَيُعْتِقَهُ سَيِّدُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ فَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يَدْرِي كَمْ يَعِيشُ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ غَرَرٌ لَا يَصْلُحُ) . (ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيُدَبِّرُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ أَنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ فَإِنْ اشْتَرَاهُ الَّذِي دَبَّرَهُ كَانَ مُدَبَّرًا كُلَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ انْتَقَضَ تَدْبِيرُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ شَرِيكَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِقِيمَتِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَكَانَ مُدَبَّرًا كُلَّهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْغَرِيمِ لِعَدَمِ ذِمَّتِهِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُدَبَّرَ نَفْسَهُ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ وَيُعْطِيَ عِوَضًا عَنْ خِدْمَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَخَلُّصِ رَقَبَتِهِ وَتَعَجُّلِ عِتْقِهِ وَلَا يَنْقُضُ ذَلِكَ عَقْدَ التَّدْبِيرِ وَلَا يُبْطِلُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِمَا يَدْفَعُهُ الْعَبْدُ إلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ مِنْ الْخِدْمَةِ وَالرِّقِّ فَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ بِمَالٍ مُعَجَّلٍ قَبَضَهُ سَيِّدُهُ عَتَقَ مَكَانَهُ وَلَا تِبَاعَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ حَالٍّ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَتَرَكَ مَالًا فَإِنَّهُ حُرٌّ وَيَتْبَعُ بِالْقَطَاعَةِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَعَجَّلَ الْعِتْقَ وَأَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ الرِّقَّ بِمَالٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَوْ يُعْطِي أَحَدٌ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ مَالًا يُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ يُرِيدُ أَنَّ أَجْنَبِيًّا أَعْطَاهُ مَالًا عَلَى تَعْجِيلِ عِتْقِهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْأَجْنَبِيُّ بَقِيَّةَ مُدَّةِ الْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ الَّذِي قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ يَعِيشُ سَيِّدُهُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَأْمُونَةٍ لَجَازَ ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَجَرَهُ مُدَّةَ سَنَةٍ فَقَبَضَ الْإِجَارَةَ، ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مَا أَخَذَ مِنْ إجَارَتِهِ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ لَمْ يَتْبَعْ مِنْهُ شَيْءٌ وَاسْتَخْدَمَهُ الْمُسْتَأْجِرُ سَنَةً، ثُمَّ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَرِقُّ ثُلُثَاهُ وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لَا تُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ بِيعَ مِنْهُ ثُلُثُهُ فَرُفِعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَسْتَخْدِمُ الْمُسْتَأْجِرُ ثُلُثَيْهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ عَنْ ثُلُثِ الْأُجْرَةِ شَيْءٌ عَتَقَ قَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يُبَاعَ مِنْهُ شَيْء وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ دِينَارًا وَاحِدًا وَثَمَنُهُ وَاسِعًا حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ فَعَتَقَ ثُلُثُهُ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِدَيْنِ الْإِجَارَةِ إلَّا إنْ كَانَ فِي بَاقِيهِ حُجَّةٌ لِدَيْنِ الْإِجَارَةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَدَبَّرَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَلَا يُقَالُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ يَتَقَاوَمَانِهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا كُلَّهُ، أَوْ مُدَبَّرًا كُلَّهُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ أَيْضًا مَالِكٌ إنْ شَاءَ الْآخَرُ قَوَّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ قَاوَمَاهُ وَقَالَ أَيْضًا إنْ شَاءَ تَرَكَ نِصْفَهُ مُدَبَّرًا يُرِيدُ وَيَتَمَاسَكُ هُوَ بِحِصَّتِهِ عَلَى الرِّقِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ بَقِيَ نِصْفَهُ مُدَبَّرًا وَلَا حُجَّةَ لِلْعَبْدِ فِي التَّقْوِيمِ فَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ التَّدْبِيرَ الْمَذْكُورَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ بِالْمُقَاوَمَةِ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ فِيهِ بَعْضَ الْمِلْكِ بِمَا عَقَدَ فِيهِ مِنْ الْعَقْدِ اللَّازِمِ الَّذِي يُؤَدِّي غَالِبًا إلَى الْعِتْقِ وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لَمْ يَكْمُلْ وَلَمْ يَلْزَمْ لُزُومًا ثَابِتًا فَإِنَّهُ رُبَّمَا رَقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالدَّيْنِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُقَاوَمَةِ وَالتَّقْوِيمِ أَنَّ النَّقْصَ الَّذِي أُدْخِلَ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَحْضَ الْعِتْقِ كَانَ لِلشَّرِيكِ الْخِيَارُ بَيْنَ التَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مِنْ جِهَةِ الْعِتْقِ وَبَيْنَ الْمُقَاوَمَةِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ النَّقْصَ لَمَّا لَمْ يَتَقَرَّرْ فِيهِ الْعِتْقُ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ كَانَ لِلشَّرِيكِ الرِّضَا بِهِ، أَوْ التَّقْوِيمُ. وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً رَابِعَةً أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا تَقْوِيمُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ عَلَى الَّذِي

[جراح المدبر]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ قَالَ مَالِكٌ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ وَيُخَارَجُ عَلَى سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ وَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فَإِنْ هَلَكَ النَّصْرَانِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قُضِيَ دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِ الْمُدَبَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ مَا يَحْمِلُ الدَّيْنَ فَيَعْتِقَ الْمُدَبَّرُ) . جِرَاحُ الْمُدَبَّرِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إذَا جَرَحَ أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَى الْمَجْرُوحِ فَيَخْتَدِمَهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصَّهُ بِجِرَاحِهِ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يَهْلِكَ سَيِّدُهُ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ إذَا جَرَحَ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ عَقْلُ الْجُرْحِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَبَّرَ إذَا كَانَ مُوسِرًا اعْتِبَارًا بِالْعِتْقِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الشَّرِيكُ أَنْ يُدَبِّرَ فَيَكْمُلَ التَّدْبِيرُ عَلَى حَسَبِ مَا يَكُونُ فِي الْعِتْقِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ دَبَّرَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَيْسَ لِلْمُتَمَسِّكِ الرِّضَا بِذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُقَاوَمَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَا لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ قَوَّمَ عَلَى الْمُعْتَقِ وَسَقَطَ وَلَاءُ التَّدْبِيرِ لِضَعْفِهِ، رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَغَيْرُهُ وَكُبَرَاءُ أَصْحَابِنَا وَلَوْ كَانَ الْعِتْقُ مُؤَجَّلًا قَوَّمَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ يَحْمِلُ عَلَيْهِ تَدْبِيرَ جَمِيعِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ عِتْقِ مَا يَمْلِكُهُ كَالْعِتْقِ الْبَتْلِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ انْتَهَى إلَى حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ يُنْظَرُ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ فَيَلْزَمُ نَمَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُ تُزَالُ يَدُ السَّيِّدِ عَنْهُ وَيُخَارَجُ لَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ مَنَافِعُهُ فَيُمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهَا وَيُبَاعُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَوْفِيهَا وَيَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَنَهَا فَإِنْ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ عَنْ دَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ بِيَعُ الْمُدَبَّرِ وَقُضِيَ مِنْهُ دَيْنُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أُعْتِقَ فِي ثُلُثِهِ، أَوْ مَا حَمَلَ مِنْهُ ثُلُثَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُ لَوْ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي إزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ وَمَنْعِهِ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ لِنَصْرَانِيٍّ فَدَبَّرَهُ النَّصْرَانِيُّ فَفِي الْمُزَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ يُبَاعُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ حِينَ أَسْلَمَ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَيُخَارَجُ عَلَيْهِ وَإِخْرَاجُهُ مِنْ يَدِهِ يُقَوَّمُ مَقَامَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الْعِتْقِ أَفْضَلُ مِنْ بَيْعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ رَدٌّ لَهُ إلَى الرِّقِّ فَإِنْ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَخَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا يَغْتَرِقُهُ بِيعَ وَقُضِيَ مِنْهُ ثَمَنُهُ وَكَانَ بَيْعُهُ الْآنَ كَبَيْعِهِ يَوْمَ دَبَّرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ. [جِرَاحُ الْمُدَبَّرِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا جَرَحَ فَإِنَّ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ وَهُوَ خِدْمَتُهُ وَأَمَّا رَقَبَتُهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ عِتْقٍ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فَإِنْ افْتَكَّهُ فِي الْجِنَايَةِ فَهُوَ عَلَى التَّدْبِيرِ وَإِنْ أَسْلَمَهُ خُدِمَ فِي الْجِنَايَةِ فَإِنْ أَدَّى أَرْشَهَا بِخِدْمَتِهِ قَبْلَ وَفَاةِ السَّيِّدِ رَجَعَ إلَى سَيِّدِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّدْبِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرَةً حَامِلًا جَرَحَتْ رَجُلًا فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُخَيَّرُ سَيِّدُهَا إذَا وَضَعَتْ فَإِنْ فَدَاهَا فَهِيَ عَلَى حُكْمِ التَّدْبِيرِ وَإِنْ أَسْلَمَهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ فَخَدَمَتْ فِي الْجُرْحِ فَإِنْ أَدَّتْ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ سَيِّدُهَا وَخَرَجَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا عَنْ الثُّلُثِ اُتُّبِعَتْ بِبَقِيَّةِ الْأَرْشِ، وَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهَا وَمِنْ وَلَدِهَا بِالْحِصَصِ وَتَبِعَ مَا عَتَقَ مِنْهَا بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِي إسْلَامِ مَا رَقَّ مِنْهَا، أَوْ افْتِدَائِهَا بِمَا عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ عَنْ دَيْنٍ بِيعَ مِنْهَا مِنْ وَلَدِهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَبِيعَ مِنْهَا خَاصَّةً بِقَدْرِ دِيَةِ الْجُرْحِ.

عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ فِيهِ إلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيْ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ إنَّمَا كَانَتْ جِنَايَةً مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَكُنْ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَبْدُ بِاَلَّذِي يَبْطُلُ مَا صَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ مَعَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ بِيعَ مِنْ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ عَقْلِ الْجُرْحِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبْدَأُ بِالْعَقْلِ الَّذِي كَانَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا هَلَكَ وَتَرَكَ عَبْدًا مُدَبَّرًا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ وَكَانَ الْعَبَدُ قَدْ شَجَّ رَجُلًا حُرًّا مُوضِحَةً عَقْلُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا، أَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِينَارًا قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي فِي عَقْلِ الشَّجَّةِ فَتُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَقْلُ أَوْجَبُ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ، وَدَيْنُ سَيِّدِهِ أَوْجَبُ مِنْ التَّدْبِيرِ الَّذِي إنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ شَيْءٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ لَمْ يُقْضَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ عَتَقَ وَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْلُ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا جَرَحَ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ يُرِيدُ وَلَا دَيْنٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُعْتَقِ مِنْهُ ثُلُثُ الْعَقْلِ وَيُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِيمَا رَقَّ مِنْهُ وَهُوَ ثُلُثَاهُ بَيْنَ أَنْ يَفْتَكُّوا ثُلُثَيْ الْعَقْلِ أَوْ يُسَلِّمُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَبْدِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ إلَّا خِدْمَتَهُ فَتَعَلَّقَتْ بِذَلِكَ الْجِنَايَةُ وَبَعُدَ سَيِّدُهُ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ عَتَقَ ثُلُثُهُ فَثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا دِيَةٌ تَعَلَّقَتْ بِجُزْءٍ فَتَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ وَإِذَا اسْتَرَقَّ ثُلُثَاهُ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِالثُّلُثَيْنِ تَعَلُّقَهَا بِالْعَبْدِ فَصَارَ الثُّلُثُ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ وَلِلثُّلُثَيْنِ حُكْمُ الْعَبْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ بِيعَ مِنْهُ لِلْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِتْقِ الثُّلُثِ وَتَخْيِيرِ الْوَرَثَةِ فِي تَسْلِيمِ الثُّلُثَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَى سَيِّدِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ لِلدَّيْنِ وَإِذَا بِيعَ لِلدَّيْنِ وَالْجِنَايَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُبَاعَ لَهَا، وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبَاعَ الْمُدَبَّرُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الدَّيْنَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمُدَبَّرُ لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالْوَصِيَّةِ فَاخْتُصَّ بِالثُّلُثِ فَكَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَأْثِيرُ الدَّيْنِ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ الْجِنَايَةِ لَمَّا اخْتَصَّ الدَّيْنُ بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ دُونَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ غَيْرَ جِهَةِ السَّيِّدِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ الْعَبْدِ وَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَتَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ تَارَةً وَتَارَةً بِذِمَّتِهِ وَتَارَةً بِخِدْمَتِهِ فَكَانَ لِلدَّيْنِ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي وُجُوبِ الْبَيْعِ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْجِنَايَةِ وَلَا غَيْرَهَا فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَبِيعَ لِلْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ غَرِمَ الدِّينَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِتِلْكَ الْعَيْنِ فَإِذَا اقْتَضَيَا جَمِيعًا

[ما جاء في جراح أم الولد]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إذَا جَرَحَ رَجُلًا فَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ إلَى الْمَجْرُوحِ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ فَقَالَ الْوَرَثَةُ نَحْنُ نُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا زَادَ الْغَرِيمُ شَيْئًا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَيُحَطُّ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْرُ مَا أَزَادَ الْغَرِيمُ عَلَى دِيَةِ الْجُرْحِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا لَمْ يَأْخُذْ الْعَبْدُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إذَا جَرَحَ وَلَهُ مَالٌ فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يَأْخُذُ مَالَ الْمُدَبَّرِ فِي دِيَةِ جُرْحِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَجْرُوحُ دِيَةَ جُرْحِهِ وَرُدَّ الْمُدَبَّرُ إلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ أَقَبْضَهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ وَاسْتَعْمَلَ الْمُدَبَّرَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ) . مَا جَاءَ فِي جِرَاحِ أُمِّ الْوَلَدِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ تَجْرَحُ إنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ ضَامِنٌ عَلَى سَيِّدِهَا فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلُ ذَلِكَ الْجُرْحِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ أَوْ الْوَلِيدَةَ إذَا أَسْلَمَ وَلِيدَتَهُ أَوْ غُلَامَهُ بِجُرْحٍ أَصَابَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَثُرَ الْعَقْلُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَا مَضَى فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ قِيمَتَهَا فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَضَلَتْ مِنْ الْعَبْدِ فَضْلَةٌ عَتَقَ ثُلُثُ تِلْكَ الْفَضْلَةِ وَرَقَّ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهَا. (فَصْلٌ) : فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَى سَيِّدِهِ مِنْ الدَّيْنِ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِ السَّيِّدِ وَاتَّبَعَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ بِهِ تَعَلُّقَهَا بِالْأَحْرَارِ فَاخْتُصَّتْ بِذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ دِيَةً كَامِلَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْتُلَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَعْتِقُ فِي ثُلُثِ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ وَيُبَاعُ وَلَا يَتْبَعُ بِشَيْءٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوَارِيثِ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِ مَوْرُوثِهِ فَمَنَعَهُ وَهَذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْجِلَ تَدْبِيرَهُ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ فَمَنَعَهُ فَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ اسْتَرَقَّ وَإِذَا اسْتَرَقَّ لَمْ يَتْبَعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتْبَعْ بِمَا جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا يَتْبَعُ سَيِّدُهُ بِمَا جَنَى عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً عَتَقَ فِي الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَجَّلَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ فَمَنَعَ الِانْتِفَاعَ بِالدِّيَةِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا جَرَحَ وَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُنَازِعُ فِي الْمُدَبَّرِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَالْغُرَمَاءُ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِجِنَايَتِهِ غَيْرُ الْعَبْدِ، وَالْغُرَمَاءُ مَحَلُّ دُيُونِهِمْ ذِمَّةُ السَّيِّدِ فَقُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ الْغُرَمَاءُ عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ شَيْئًا يَحُطُّ عَنْ الْمُتَوَفَّى بِهِ بَعْضَ دَيْنِهِ وَيَكُونُ الْغُرَمَاءُ أَحَقَّ بِدَيْنِ الْعَبْدِ بِأَرْشِ الْجُرْحِ وَبِالزِّيَادَةِ فَيُدْفَعُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَرْشَ جُرْحِهِ وَيَحُطُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ دَيْنُ الْغُرَمَاءِ مَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ قَدْ زَادَتْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَرْشَ جُرْحِهِ وَيَنْحَطُّ بِالزِّيَادَةِ عَنْ الْمُتَوَفَّى بَعْضَ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَفَّى لَوْ سَلَّمَ أَرْشَ الْجُرْحِ لَكَانَ لَهُ التَّمَسُّكُ بِالْعَبْدِ فَإِذَا كَانَ فِي فِعْلِ الْغُرَمَاءِ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لَهُ فِي تَخْفِيفِ دَيْنِهِ كَانَ ذَلِكَ لِغُرَمَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا جَرَحَ وَلَهُ مَالٌ وَلَمْ يَفْتَدِهِ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَرْشَ الْجُرْحِ مِنْ مَالِ الْمُدَبَّرِ وَيُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ عَقْدَ التَّدْبِيرِ لَازِمٌ لَا يَنْقُصُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ الْمُدَبَّرُ إلَّا بِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمَّا كَانَ لِلْمُدَبَّرِ مَالٌ يُؤَدَّى مِنْهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ لَمْ يَنْقَضِ عَقْدُ تَدْبِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي جِرَاحِ أُمِّ الْوَلَدِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ فَإِنَّ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ مَالِهِ أَرْشَ جِنَايَتِهَا

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْقَسَامَةِ) (تَبْدِئَةُ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأُتِيَ مُحَيِّصَةُ فَأُخْبِرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فَقَالُوا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَقَالُوا لَا قَالَ أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارَ قَالَ سَهْلٌ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ» قَالَ مَالِكٌ الْفَقِيرُ هُوَ الْبِئْرُ قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَدِمَ مُحَيِّصَةُ فَأَتَى هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ لِمَكَانِهِ مِنْ أَخِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِّرْ كَبِّرْ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةَ فَذَكَرَا شَأْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ لَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُبَرِّئُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً لَكَانَ لَهُ تَسْلِيمُهَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِعَقْدِ الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَصِحُّ نَقْضُهُ إلَى رِقٍّ وَلَا اسْتِخْدَامٍ نَابَ عَنْ ذَلِكَ إخْرَاجُ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ رَقَبَتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُدَبَّرَةِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ اسْتِخْدَامَ أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُسَلِّمَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا يُسَلِّمُ خِدْمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْتَرِقُّ بِوَجْهٍ وَالْمُدَبَّرَةُ قَدْ تَسْتَرِقُّ لِدَيْنٍ، أَوْ يَسْتَرِقُّ بَعْضُهَا لِضِيقِ الثُّلُثِ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى اقْتِضَاءِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ ثَمَنِهَا إنْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَنْ دَيْنٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِرْقَاقُهَا بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا يَتَأَدَّى أَرْشُ الْجِنَايَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِوَجْهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب القسامة]

يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ كَيْفَ تَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَ بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْقَسَامَةِ] [تَبْدِئَةُ أَهْلِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مُحَيِّصَةُ أَتَى فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ مَنْ عَايَنَ قَتْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ يَكُونَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ وَجَدَهُ مَقْتُولًا وَلَمْ يُعَايِنْ مَنْ قَتَلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَائِمًا يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَيَقُولُ قَتَلَنِي يَهُودُ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ قَتِيلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْأَنْصَارِ تَحَدَّثُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقُتِلَ فَخَرَجُوا بَعْدَهُ فَإِذَا بِصَاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ» وَفِيهِ تَبْدِئَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَكُونُ لَوْثٌ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً فَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ تَعَلَّقَ مَالِكٌ وَمَنْ نَصَرَ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ بِخَبَرِ الْحَارِثِيَّيْنِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ذَلِكَ بِالْقَسَامَةِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ بِقَتْلِهِ شَاهِدٌ. وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ وَقَدْ رَوَى بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قَالُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ» فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا لَنَا بَيِّنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا الْقِصَاصَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ لَوْثٌ تُسْتَحَقُّ بِهِ الْقَسَامَةُ وَقَدْ أَشَارَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى التَّعَلُّقِ بِالْعَدَاوَةِ وَأَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي إيجَابِ الْقَسَامَةِ فَفِي النَّوَادِرِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَدْعُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَارِثِيَّيْنِ إلَى الْأَيْمَانِ حَتَّى ادَّعَوْا عَلَى الْيَهُودِ الْقَتْلَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَمْرٌ قَوَّى دَعْوَاهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَدَّعِي الْمَقْتُولُ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُعَادِيهِ وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْعَدَاوَةِ يَزِيدُ فِي الظِّنَّةِ وَاللَّطْخِ وَيُقَوِّي قَوْلَهُ مَعَ الْأَيْمَانِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إلَى قَتْلِهِ إلَّا عَدُوٌّ وَأَنَّهُ لَا عَدُوَّ أَعْدَى إلَيْهِ مِنْ قَاتِلِهِ فَجَعَلَ أَيْضًا لِلْعَدَاوَةِ تَأْثِيرًا فِي حُكْمِ الْقَسَامَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ وَيُوجِبُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِأَمْرَيْنِ مِثْلَ أَنْ يُرَى مُتَلَطِّخًا بِدَمٍ جَاءَ مِنْ مَكَان كَانَ فِيهِ الْقَتِيلُ لَيْسَ فِيهِ مَعَهُ غَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وُجِدَ مَقْتُولًا وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ ولَيْسَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ غَيْرُهُمْ وَبِهِ مِنْ أَثَرِ سُرْعَةِ الْقَتْلِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاتِلَ لَهُ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ. وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَسَامَةِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولًا بِخَيْبَرَ وَمَنْ وَجَدَ الْقَتِيلُ بِمَحَلَّةِ قَوْمٍ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ فَهُوَ لَوْثٌ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَوَدٌ، أَوْ لَا دِيَةَ وَلَا قَسَامَةَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ قَوْمٌ أَذِيَّةَ قَوْمٍ إلَّا أَلْقَوْا قَتِيلًا بِمَحَلَّتِهِمْ يُرِيدُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُمْ وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنْ كَانَ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يَتْرُكُهُ بِحَيْثُ يُتَّهَمُ هُوَ بِهِ مَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً تُوجِبُ عَلَيْهِمْ حُكْمًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَأَنَّهُ طُرِحَ فِي فَقِيرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ» الْفَقِيرُ الْحَقِيرُ يُتَّخَذُ فِي السِّرْبِ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ أَفْوَاهٌ كَأَفْوَاهِ الْآبَارِ مُنَافِسٌ عَلَى السِّرْبِ بِتِلْكَ الْآبَارِ هِيَ الْفَقْرُ وَاحِدُهَا فَقِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَاءُ مَحْمُولًا فِي السِّرْبِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَمَّا يَهُودُ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ» يَقْتَضِي قَسَمَهُ بِذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّنُ ذَلِكَ بِخَبَرِ مُخْبِرٍ أَوْ مُخْبِرَيْنِ وَبِمَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ شَوَاهِدِ الْحَالِ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى ظَنِّهِ وَمُعْتَقَدِهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فَأَرَادَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ فِيمَا أَعْتَقِدُهُ، فَقَالَتْ يَهُودُ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ مُقَابَلَةً لِإِتْيَانِهِ بِالنَّفْيِ وَيَمِينِهِ بِيَمِينٍ تَضَادُّهُمَا لَا عَلَى يَمِينٍ مُخْتَصَّةٍ تُوجِبُ عَلَيْهِمْ حُكْمًا وَلِأَنَّ يَمِينَهُمْ يَنْفِي عَنْهُمْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ لَمْ تُقْبَضْ وَلَا اسْتَوْفَاهَا طَالِبٌ وَلَا مُطَالِبٌ وَلَا بُدَّ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تُوجِبُ الْحُقُوقَ أَنْ يَنْفِيَهَا مِنْ أَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِيَهَا مُسْتَحَقُّهَا وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ حُكْمًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ» يُرِيدُ بِالْمَدِينَةِ وَقَوْمُهُ بَنُو حَارِثَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ يُرِيدُ شَأْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ وَمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُمَا مِنْ بَنِي حَارِثَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَيْضًا قَالَ «وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ» يُرِيدُ أَنَّ حُوَيِّصَةَ أَكْبَرُ مِنْ مُحَيِّصَةُ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ يَتَكَلَّمُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الَّذِي شَهِدَ بِخَيْبَرَ إذْ جَرَى مِنْ أَمْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ مَا جَرَى وَعَنْهُ يُؤْثِرُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي أَمْرِهِ فَلِذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَبِّرْ كَبِّرْ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَتَوَلَّى الْكَلَامَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَنُّهُمْ إمَّا لِفَضِيلَةٍ بِالسِّنِّ مَعَ تَسَاوِيهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ لِفَضِيلَةٍ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ السِّنِّ إلَّا أَنَّ الْفَضَائِلَ غَيْرُ السِّنِّ أَمْرٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَا ظَاهِرٌ وَيُمْكِنُ بِالتَّدَاعِي فِيهِ وَفَضْلُهُ فِي السِّنِّ لَا يُنْكَرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ بِجُمْلَةِ الْأَمْرِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ بِتَفَاصِيلِهِ لِمَا شَهِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُوَيِّصَةُ تَكَلَّمَ بِمُعْظَمِهِ وَأَنَّ مُحَيِّصَةُ أَكْمَلَ مَا نَسِيَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ مُحَيِّصَةُ فَاسْتَوْفَاهُ. 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تَأْذَنُوا بِحَرْبٍ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ إعْطَاءَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِي كَلَامِ الْحَارِثِيَّيْنِ أَنَّهُمْ طَلَبُوا الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا ادَّعُوا حِينَئِذٍ قَتْلَهُ عَمْدًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنُوا الْقَاتِلَ وَإِنَّمَا قَالُوا أَنَّ بَعْضَ يَهُودَ قَتَلَهُ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ لَمْ يَلْزَمْ فِي ذَلِكَ قِصَاصٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِيهِ الدِّيَةُ كَالْقَتِيلِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَا يُعْرَفُ مَنْ قَتَلَهُ وَلَا يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا يَشْهَدُ شَاهِدٌ بِمَنْ قَتَلَهُ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى الْفِرْقَةِ الْمُنَازِعَةِ لَهُ دُونَ قَسَامَةٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ يَكُونُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَقْطَعْ يَهُودُ بِأَنَّهَا لَمْ تَقْتُلْ وَلَمْ تَنْفِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِهَا وَتَقُولُ لَا عِلْمَ لَنَا وَإِنَّمَا أَظْهَرَ فِي الْمُقَامِ مَا يَجِبُ مِنْ الْحَقِّ إنْ لَمْ يَقَعْ النَّفْيُ لِلْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا الدِّيَةَ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ مُحَارَبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدُّوا الْحَقَّ وَيَلْتَزِمُوا مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي إعْلَامِهِمْ بِمَا فَعَلَهُ مُحَيِّصَةُ فِي شَأْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَبِحُكْمِهِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَهُمْ الْقَتْلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَقَطْعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَدَّعِي الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَصَبَتُهُ الْقَائِمُونَ بِدَمِهِ فَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَخُوهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِأَمْرِهِ إلَّا أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ إذَا كَانَ وَاحِدًا نُظِرَ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ مِنْ عَصَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي دَمِ الْعَبْدِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَمَاعَةٍ تَحْلِفُونَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَخَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ وَلِيُّ الدَّمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ أَيْمَانَ الْأَوْلِيَاءِ أُقِيمَتْ مَعَ اللَّوْثِ مُقَامَ الْبَيِّنَةِ فَكَمَا لَمْ يَكْفِ مِنْ الْبَيِّنَةِ فِي الدِّمَاءِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي مِنْ الْحَالِفِينَ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقَسَامَةَ لَمَّا كَانَتْ تَتَنَاوَلُ الدَّمَ فِي الْجِهَتَيْنِ احْتَاجَ أَنْ يُحْتَاطَ لِلدِّمَاءِ فِي الْجِهَتَيْنِ فَاحْتِيطَ مِنْ جِهَةِ الْقَتِيلِ إنْ قَبِلَ فِي ذَلِكَ مَالًا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ مِنْ اللَّوْثِ عِنْدَ مَالِكٍ قَوْلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْ يُوجَدَ الْقَاتِلُ بِقُرْبِ الْمَقْتُولِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَجَّهَ ذَلِكَ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَاحْتِيطَ لِدَمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَإِنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا احْتِيَاطًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَى قَتْلِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ عَدَاوَةٌ فَفِي الْأَغْلَبِ أَنَّ الِاثْنَيْنِ لَا يَتَّفِقَانِ عَلَى ذَلِكَ فِي الظُّلْمِ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَدًّا لِمَنْ يُخَافُ مِنْهُ الزَّلَلُ فَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَجَعَلَ الْأَيْمَانَ تُكَرَّرُ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ فِيمَا يُرَادُ التَّحَرُّزُ لَهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ فِي اللِّعَانِ أَرْبَعَةً وَاللَّفْظُ الْخَامِسُ عَلَى مَعْنَى التَّحْقِيقِ وَالتَّغْلِيظِ وَهَذِهِ الْأَيْمَانُ هِيَ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ بِهَا فِي الدِّمَاءِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي صِحَّةِ الْقَسَامَةِ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «وَأَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَارِثِيَّيْنِ بِالْأَيْمَانِ فَقَالَ لَهُمْ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ يَحْتَمِلُ إنْ أَثْبَتُّمْ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَلَمَّا قَالُوا لَا نَحْلِفُ كَانَ نُكُولًا وَلَمَّا قَالُوا لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ كَانَ إظْهَارًا لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَقَوْلُهُ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِمَّا يَجِبُ لَهُمْ فِي دَمِ صَاحِبِهِمْ الْمَقْتُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ دَمَ صَاحِبِكُمْ الَّذِي تَدَّعُونَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ، أَوْ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِأَيْمَانِكُمْ وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ، فَأَظْهَرُ احْتِمَالِ الْوَجْهَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّاحِبِ الْقَتِيلَ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الشَّكِّ فِي اللَّفْظِ فَإِذَا قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ دَمُ الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا ادَّعَوْا عَلَى جَمَاعَةِ يَهُودَ بِقَوْلِ مُحَيِّصَةُ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ قَاتِلُهُ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ قَتْلُهُ عِنْدَهُ بِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْيَهُودِ، ثُمَّ يُعَيَّنُ لَهُ الْقَاتِلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ قَاتِلٌ غَيْرَ أَنَّهُ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْقَسَامَةِ دَمَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْقَسَامَةِ مِثْلَ الْقَاتِلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَسَامَةِ الْقِصَاصَ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الدِّيَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الدَّمُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْقِصَاصِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْقَتْلُ عَمْدًا فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهَا الدَّمَ كَالشُّهُودِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْقَسَامَةِ إلَّا قَتْلُ رَجُلٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقَسَامَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ وَفِي قَتْلِ الْوَاحِدِ رَدْعٌ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْتَلُ إلَّا وَاحِدٌ فَهَلْ يُقْسَمُ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْسِمُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ سَوَاءٌ ثَبَتَتْ الْقَسَامَةُ بِدَعْوَى الْمَيِّتِ أَوْ بِلَوْثٍ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى الضَّرْبِ ثُمَّ عَاشَ أَيَّامًا. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا عَلَى وَاحِدٍ، أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ، أَوْ عَلَى أَكْثَرَ، أَوْ عَلَى جَمِيعِهِمْ، ثُمَّ لَا يَقْتُلُونَ إلَّا وَاحِدًا مِمَّنْ أَدْخَلُوهُ فِي قَسَامَتِهِمْ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَسَامَةَ فَائِدَتُهَا الْقِصَاصُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَلَا مَعْنَى لِلْقَسَامَةِ عَلَى مَنْ لَا يَقْتُلُ وَلَا تُؤَثِّرُ الْقَسَامَةُ فِيهِ حُكْمًا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةٌ لَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِ فَإِذَا وَجَبَ لَهُمْ الْقِصَاصُ بِالْقَسَامَةِ الْمُطَابِقَةِ لِدَعْوَاهُمْ كَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ تَعْيِينُ مَنْ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ قَدْ تَنَاوَلَتْهُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا إنَّهُ إنَّمَا يُقْسِمُ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَا يَقُولُونَ مِنْ ضَرْبِهِمْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَيُقْبَلُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ وَاَلَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ وَإِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِيَ وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمُ فَهَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِمُدَّعِي الدَّمِ عَلَى مَنْ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ عِنْدَنَا إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ مَالِكٌ وَتِلْكَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا وَاَلَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ أَنَّ الْمُبْدِئِينَ بِالْقَسَامَةِ أَهْلُ الدَّمِ وَاَلَّذِينَ يَدَّعُونَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَارِثِيَّيْنِ فِي صَاحِبِهِمْ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُحْبَسُونَ عَامًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ لَا بِمَعْنَى لَا نَحْلِفُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنَزُّهًا عَنْ الْأَيْمَانِ مَعَ تَيَقُّنِهِمْ قَتْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعًا مِنْ الْأَيْمَانِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا وَلَا تَيَقَّنُوا مُقْتَضَاهَا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ قَالُوا لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ وَهَذَا ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَقَعْ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهِ فَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ صِحَّةُ امْتِنَاعِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ دُونَ الْعِلْمِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُنَالُ بِالْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ كَمَا أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا أَخْبَرَهُ شَاهِدَانِ بِتَرِكَةِ أَبِيهِ جَازَ لَهُ تَصْدِيقُهُمَا، ثُمَّ يَدَّعِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فَقَدْ قَامَتْ السُّنَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ الْأَيْمَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ بِمَا ثَبَتَ مِنْ لَطْخِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ رَدِّ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ حِينَ نُكُولِ الْمُدَّعِينَ وَهِيَ السُّنَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ أَقْسَمُوا بَرِئُوا وَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْحَارِثِيَّيْنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَقَلَهَا عِنْدَ نُكُولِهِمْ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ» وَهُوَ حَدِيثٌ مَقْطُوعٌ وَمَا رَوَاهُ مُسْنَدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي إحْدَى الْجَنْبَتَيْنِ وَاللَّوْثُ وَهُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ قَدْ قَوَّى جِهَةَ الْمُدَّعِينَ فَثَبَتَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَنْبَتِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ عَدَاوَتِهِمْ وَاسْتِبَاحَتِهِمْ قَتْلَهُمْ وَرِضَاهُمْ بِالْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْحُقُوقِ وَأَنَّ أَيْمَانَ الْكُفَّارِ لَا تُبْرِئُهُمْ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ، أَوْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ فِيهِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَلَكِنَّهُ عَدَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ تَفَضَّلَ عَلَى الْحَارِثِيَّيْنِ وَأَعْطَاهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دِيَةَ قَتِيلِهِمْ حِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي الْحُكْمِ شَيْءٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ سَهْلٍ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ تَبْيِينِهِ لِلْحَدِيثِ وَمُشَاهَدَتِهِ لِلْكَثِيرِ مِنْهُ وَذَلِكَ لِمَا جَرَى فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُذْكَرُ بِهَا أَمْرُ الدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ تَحْدِيدٌ لِلْأَيْمَانِ وَحَصْرُهَا بِعَدَدٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْقَسَامَةِ بِهِ. (ش) : قَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ وَيَسْتَحِقُّوا مَا يُوجِبُ أَيْمَانَهُمْ يُرِيدُ أَنَّ وُلَاةَ الدَّمِ إذَا أَتَوْا بِلَوْثٍ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَسْتَحِقُّوا مَا يُوجِبُ أَيْمَانَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَبْرَءُوا إلَّا أَنْ يَنْكُلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْأَيْمَانِ فَحِينَئِذٍ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِي وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ الضَّرْبَ وَالْجُرْحَ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ ثُمَّ يُقِيمُ الْمَضْرُوبُ أَوْ الْمَجْرُوحُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ يَمُوتُ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ مَرْضِيٌّ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا وَالرَّابِعُ أَنْ يَشْهَدَ اللَّوْثُ أَوْ أَهْلُ الْبَدْوِ عَلَى قَتِيلٍ فَيُقْسِمَ مَعَ قَوْلِهِمْ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مِنْ اللَّوْثِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْقَسَامَةُ اللَّفِيفُ مِنْ السَّوَادِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ يَحْضُرُونَ ذَلِكَ وَمِثْلُ الرَّجُلَيْنِ أَوْ النَّفَرِ غَيْرِ الْعُدُولِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الثَّلَاثَةِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْقَسَمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكٌ، أَوْ يَأْتِي بِلَوْثِ بَيِّنَةٍ وَقَدْ زَادَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قِسْمَا خَامِسًا وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَاتِلِ يُوجَدُ الْمَقْتُولُ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ حِينَ قَتَلَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ قِسْمًا سَادِسًا فِي فِئَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَوُجِدَ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ وُجُودَهُ بَيْنَهُمَا لَوْثٌ يُقْسِمُ مَعَهُ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى مَنْ يَدَّعُونَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ فَيَقْتُلُونَهُ وَالْأُخْرَى لَا قَسَامَةَ فِيهِ، قَالَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ لِحُصُولِهِ مَقْتُولًا بَيْنَهُمَا إنْ قَتَلَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمَا فَكَانَ ذَلِكَ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِأَوْلِيَائِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ لَوْثٍ فِي مُشَارٍ إلَيْهِ مُعَيَّنٍ وَهَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اللَّوْثَ إذَا تَعَلُّقٍ بِمُعَيَّنٍ أَثَّرَ فِي الْقَسَامَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِجَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَا يُتَيَقَّنُ، أَوْ آحَادٌ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ فَهَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْقَسَامَةِ أَمْ لَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] الْآيَةَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ شَأْنِ الْبَقَرَةِ الَّتِي ضُرِبَ الْقَتِيلُ بِلَحْمِهَا فَحَيِيَ فَأَخْبَرَهُ عَمَّنْ قَتَلَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ قَوْلِ الْمَيِّتِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ آيَةٌ قِيلَ إنَّمَا الْآيَةُ فِي إحْيَائِهِ فَإِذَا صَارَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ آيَةً وَقَدْ قَبِلَ قَوْلَهُ فِيهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إلَّا مَا ثَبَتَ نَسْخُهُ، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ أَقَتَلَكِ فُلَانٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ فَزَادَ فِيهِ «فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ فَرَضَّ رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ» وَاسْتَدَلُّوا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَتَزَوَّدُونَ مِنْ الدُّنْيَا قَتْلَ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بَلْ يَسْعَى إلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَمِ عَلَى التَّفْرِيطِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَلَا أَحَدَ أَبْغَضَ إلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الْقَاتِلِ فَمُحَالٌ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ الدُّنْيَا سَفْكَ دَمٍ حَرَامٍ يَعْدِلُ إلَيْهِ وَيَحْقِنُ دَمَ قَاتِلِهِ وَهَذَا عُمْدَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا إنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ إنَّ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي عَمْدًا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْقَسَامَةِ فَإِنَّهُ إنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ شَجَّهُ، أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا زَعَمَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ لَا يُحْبَسُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَطْخٍ بَيِّنٍ وَشُبْهَةٍ قَوِيَّةٍ أَوْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِحَالٍ يَخَافُ مِنْهَا الْمَوْتَ وَقَدْ يَحْرِصُ الرَّجُلُ عَلَى مَعَرَّةِ عَدُوِّهِ بِالسِّجْنِ بِأَنْ يَجْرَحَ نَفْسَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا مَاتَ وَقَدْ قَالَ فُلَانٌ قَتَلَنِي أَوْ جَرَحَنِي أَوْ ضَرَبَنِي فَفِي كِتَابِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْمَوَّازِ فِيهِ الْقَسَامَةُ قَالَ أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٌ أَصَابَنِي وَهَذَا إذَا ثَبَتَ قَوْلُ الْمَيِّتِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْسِمُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُقْسِمُ إلَّا مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَكُونُ حَيْثُ يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنَّ الْمَيِّتَ كَشَاهِدٍ فَلَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَيُقْسِمُ حِينَئِذٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْقَسَامَةِ فَثَبَتَ حُكْمُهُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لِقَتْلِ الْقَتِيلِ. (فَرْعٌ) وَيَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ قَتَلَنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ جُرْحٍ وَلَا ضَرْبٍ وَلَا وَصْفُ ضَرْبٍ وَلَا غَيْرُهُ وَيَجِبُ بِذَلِكَ الْقَسَامَةُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ سَقَانِي سُمًّا وَالسُّمُّ أَشَدُّ وَأَوْجَأَ قَتْلًا وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَبْلَغِ ذَلِكَ وَأَثْبَتُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِمَبْلَغِ الْجُرْحِ مِنْهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَلَا يُبَالِي تَقَيَّأَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَتَقَيَّأْ قَالَ وَقَدْ قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْ لَهُ الشَّاةَ فَمَاتَ مِنْهَا ابْنُ مَعْرُورٍ قَالَ مَالِكٌ وَيُقْتَلُ مَنْ سَقَى السُّمَّ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ قَرَّبَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَعَامًا فَلَمَّا أَكَلَهُ تَقَيَّأَ مَكَانَهُ أَمْعَاءَهُ فَلَمَّا أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ قَالَ اشْهَدُوا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَخَالَتُهَا وَمَاتَ مَكَانَهُ فَأَقَرَّتْ امْرَأَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ جَاءَتْهُ بِهِ خَالَتُهَا وَإِذَا ثَبَتَ قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَلْيُقْسِمْ وُلَاتُهُ عَلَى إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ وَلَا يَنْفَعُ الزَّوْجَةَ قَوْلُهَا أَتَتْنِي بِهِ خَالَتِي وَتُضْرَبُ الْأُخْرَى مِائَةً وَتُحْبَسُ سَنَةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَائِلُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ عَمْدًا فَاسِقًا أَوْ غَيْرَ فَاسِقٍ فَإِنَّ الْقَسَامَةَ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَكُونَ عَدْلًا لَمْ يُقْسِمْ مَعَ قَوْلِ الْمَرْأَةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الْمَرْأَةِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لَا يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الصَّبِيِّ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَزَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَاهَقَ وَأَبْصَرَ وَعَرَفَ فَيُقْسِمُ مَعَ قَوْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَلَا يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا قَوْلِ عَبْدٍ عَلَى عَبْدٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ عَلَى الْقَسَامَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ لِلْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُرَاعَى فِيهَا الْعَدَالَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ تَصِحُّ مِنْهُمْ وَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُمْ فِي الْقَسَامَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ لَا تُرَاعَى فِيهَا الْعَدَالَةُ فَيُسَلِّمُ حِينَئِذٍ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ لَا قَسَامَةَ فِيهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ كَابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ قَالَ فِي النَّصْرَانِيِّ يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ الْمُسْلِمِ أَنَّ وُلَاتَهُ يَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ وَذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَمْ يَعْرِفَاهُ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إنْ قَامَ شَاهِدٌ عَلَى قَتْلِهِ حَلَفَ وُلَاتُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَأَخَذُوا الدِّيَةَ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ فِي الْعَمْدِ وَمِنْ عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا تَسْتَحِقُّ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا شَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اللَّوْثُ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَوِّي جَنْبَةَ الْمُدَّعِينَ وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي نَقْلِ الْيَمِينِ إلَى جَنْبَةِ الْمُدَّعِينَ فِي الْحُقُوقِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يُقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ اسْتَحَقُّوا دَمَ صَاحِبِهِمْ وَقَتَلُوا مَنْ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ لَا يُقْتَلُ فِيهَا اثْنَانِ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ أَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدٌ مِنْ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ وُلَاةَ الدَّمِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْعَفْوُ عَنْهُ فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الدَّمِ إذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُرَدُّ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ إذَا نَكَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ الْأَيْمَانِ وَلَكِنَّ الْأَيْمَانَ إذَا كَانَ ذَلِكَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ يَحْلِفُ إلَّا الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ هُوَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَيْسَ بِلَوْثٍ. فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّاهِدَ مَعْنًى يُقَوِّي جَنْبَةَ الْمُدَّعِينَ فَتَثْبُتُ لَهَا الْيَمِينُ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَالشَّاهِدِ بِالدَّيْنِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّهُ لَوْثٌ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَاَلَّذِي يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْقَسَامَةُ بِقَوْلِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ كَالْعَدْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّاهِدَ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ لَوْثًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلَ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لَوْثًا وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَزَادَ شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ فَلَا تَأْثِيرَ لِشَهَادَةِ شَاهِدِهِمْ فِيهَا كَالْمَجْنُونِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُقَلَاءِ فَكَانَ لِشَهَادَتِهِمْ تَأْثِيرٌ فِي الْقَسَامَةِ كَالْعُدُولِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يُقْسِمُ مَعَ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ إذَا ثَبَتَ مُعَايَنَةُ الْقَتْلِ فَيَشْهَدُ عَلَى مَوْتِهِ وَيَجْهَلُ قَاتِلَهُ كَمَا عُرِفَ مَوْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَفُوتُ وَالْجَسَدُ لَا يَفُوتُ. وَقَالَ أَصْبَغُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ السُّلْطَانَ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ حَتَّى يَكْشِفَ فَلَعَلَّ شَيْئًا أَثْبَتُ مِنْ هَذَا فَإِذَا بَلَغَ الْقَضَاءُ الِاسْتِينَاءَ قَضَى بِالْقَسَامَةِ مَعَ الشَّاهِدِ وَبِمَوْتِهِ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَتُنْكَحُ وَقَدْ قِيلَ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ بِالْقَسَامَةِ وَلَا يُحْكَمُ بِالتَّوْرِيثِ فِي زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ قَوْلَ أَصْبَغَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْقَتِيلِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ الْغِيلَةِ فَأَمَّا قَتْلُ غِيلَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يُقْسِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذَا إلَّا شَاهِدَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَأَيْت لِيَحْيَى بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ يُقْسِمُ مَعَهُ. (ش) : قَوْلُهُ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوُلَاةُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ حَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ فَيَكُونُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَحْلِفُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ خَمْسُونَ فَتَكُونُ مِنْ لِلْجِنْسِ إذَا كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ خَمْسِينَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ جَمِيعَهُمْ يَحْلِفُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا يَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَحْلِفُ جَمِيعُهُمْ وَاَلَّذِي ذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ مِنْ الْوُلَاةِ خَمْسُونَ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَأَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَهُمْ فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَالْإِخْوَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْلِفَ مِنْهُمْ إلَّا خَمْسُونَ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي كُتُبِ الْمَغَارِبَةِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا كَانَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يَحْلِفَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ كَالنُّكُولِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ يَمِينَ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا يُجْزِئُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَنُوبُ عَمَّنْ بَقِيَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْقَسَامَةِ تُجْزِئُ أَيْمَانُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَوْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ أَشْهَبُ إنْ كَانُوا ثَلَاثِينَ يَحْلِفُونَ يَمِينًا يَمِينًا، ثُمَّ يَحْلِفُ عِشْرُونَ مِنْهُمْ عِشْرِينَ يَمِينًا وَلَوْ كَانُوا مِائَةً مُتَسَاوِينَ أَجْزَأَ يَمِينُ خَمْسِينَ قَالَ وَأَمَّا إذَا تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ وَلَمْ يَرْضُوا أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ إمْسَاكُ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ الْيَمِينِ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَمَّا إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ فَتَسْقُطُ الدِّيَةُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّهَادَةِ إذْ لَا يُقْتَلُ بِأَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَهَادَةِ رَجُلٍ فِي الزِّنَا يَمِينًا مِنْ الزَّوْجِ فِي الْتِعَانِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ النِّسَاءُ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَشْهَدْنَ فِيهِ وَإِنَّمَا عَرَضَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمَاعَةٍ وَالْجَمَاعَةُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَأَصْلُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِلْحَارِثِيَّيْنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» وَإِنَّمَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ رَجُلًا وَاحِدًا وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا كَانَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةَ ابْنَيْ عَمٍّ فَلَمَّا عَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَيْمَانَ بِجَمَاعَتِهِمْ وَلَمْ يَقْصُرْهَا عَلَى وَلِيِّ الدَّمِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حُكْمِ الْجَمَاعَةِ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَخَوَيْنِ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ كَمَا يَفْعَلُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْإِخْوَةِ وَلَا يَحْجُبُهَا الْأَخُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِخْوَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ. (فَرْقُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُلَاةِ الْقَتِيلِ لَا يُقْسِمُ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَيُقْسِمُ مِنْ جَنْبَةِ الْقَاتِلِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَاتِلُ أَنَّ جَنْبَةَ الْقَتِيلِ إذَا عَدِمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَبَطَلَتْ الْقَسَامَةُ فِي جَنْبَتِهِ فَرَجَعَتْ فِي جَنْبَةِ الْقَاتِلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ كَانَ لِلطَّالِبِ بِالدَّمِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ أَيْمَانُ الْقَاتِلِ وَأَوْلِيَائِهِ وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْ الْقَاتِلِ وَقَدْ يَعْدَمُ أَوْلِيَاءَ يَحْلِفُونَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَبْرِئَةِ نَفْسِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا كَانَ وُلَاةُ الدَّمِ اثْنَيْنِ حَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ الْأَيْمَانِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ فِي الْعَمْدِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ يَمِينًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَهُمَا أَنْ يَسْتَعِينَا بِمَنْ أَمْكَنَهُمَا مِنْ الْعَصَبَةِ وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبَ يَحْلِفُونَ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ مَعَ الْمُعَيَّنِينَ فَإِنْ حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنُوبُهُمْ فِي الْعَدَدِ مَعَ الْمُعَيَّنِينَ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ حَلَفَ الْمُعَيَّنُونَ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ النُّكُولِ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَوْا عَلَى حَسَبِ الْعَدَدِ أَوْ كَانَتْ أَيْمَانُ الْوُلَاةِ أَكْثَرَ فَإِنَّهَا عَلَى وَجْهِ الْعَوْنِ لِلْوُلَاةِ وَلَوْ حَلَفَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ اسْتَعَانَ الْآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْعَصَبَةِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَمِينًا لِأَنَّ الْمُعَيَّنِينَ تَتَوَجَّهُ مَعُونَتُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَى صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ حَلَفُوا قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ وَاحِدًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مِنْ الْعَصَبَةِ بِوَاحِدٍ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسِينَ رَجُلًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِلْحَارِثِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ادَّعَيَا عَلَى الْيَهُودِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الْأَنْصَارِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْسِيرُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ أَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ إنْ قَلَّ عَدَدُ الْمُعَيَّنِينَ مِنْ الْعَصَبَةِ، أَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَنَكَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَعُونَةِ الْوَلِيِّ فَإِنَّ مَنْ بَقِيَ مَعَ الْوَلِيِّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتُرَدُّ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا فَلَا تَبْطُلُ الْقَسَامَةُ بِنُكُولِ بَعْضِ الْمُعَيَّنِينَ مِنْ الْعَصَبَةِ مَعَ بَقَاءِ الْوَلِيِّ أَوْ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْقِيَامِ بِالدَّمِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهِ وَلَوْ نَكَلَ الْوَلِيُّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعَيَّنِينَ الْقَسَامَةُ وَلَا الْمُطَالَبَةُ بِالدَّمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ جَمَاعَةً فَنَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ قَسَامَةٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَسَامَةَ لِغَيْرِهِمْ وَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ لَمَّا تَسَاوَوْا فِي الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ نُكُولُ بَعْضِهِمْ مُؤَثِّرًا فِي سُقُوطِ حَقِّ الْبَاقِينَ أَصْلُهُ قَتْلُ الْخَطَإِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْحَقَّ لِجَمَاعَتِهِمْ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ بِإِثْبَاتِهِ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ. (فَرْعٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا فِي الْعَصَبَةِ وَأَمَّا الْبَنُونَ وَالْإِخْوَةُ فَرِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ أَنَّ مَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةَ يَرُدُّونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ فَكَانَ لِقَرَابَتِهِمْ مَزِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا نَكَلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْقَسَامَةِ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُقْسِمُوا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ إنْ كَانَ نُكُولًا بَيِّنًا وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نُكُولَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ تُوجِبُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْمُدَّعِي حَقًّا يَشْهَدُ لَهُ شَاهِدٌ فَيَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ مَعَ الْمُعَيَّنِينَ لَهُمْ مِنْ الْعَصَبَةِ بُدِئَ بِالْوَلِيِّ وَلَا يُبْدَأُ بِأَيْمَانِ الْمُعَيَّنِينَ لَهُمْ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ وَإِنَّمَا يُعَيَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ قَرَابَتِهِ مِنْهُ مَعْرُوفَةٍ يَلْتَقِي مَعَهُ إلَى جَدٍّ يُوَارِثُهُ فَأَمَّا مَنْ هُوَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مِنْ غَيْرِ نَسَبٍ مَعْرُوفٍ فَلَا يُقْسِمُ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْجَمَاعَةُ فِي النُّكُولِ كَمَا يَحْلِفُ الْجَمَاعَةُ فِي الدَّعْوَى لِأَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ لَمَّا لَمْ يَحْلِفْ فِيهَا إلَّا اثْنَانِ فَمَا زَادَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي. وَقَالَ مُطَرِّفٌ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِلْمُدَّعِينَ أَتَرْضَوْنَ خَمْسِينَ يَمِينًا مِنْ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ» فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَسَامَةَ مُخْتَصَّةٌ بِهَذَا الْعَدَدِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ وَلِيِّ الدَّمِ الْمُدَّعِي لَهُ غَيْرُهُ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ لَهُ غَيْرُهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الدِّمَاءَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا وَهُوَ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا غَيْرُ الْجَانِي كَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَمَّا كَانَتْ خَمْسِينَ وَكَانَتْ الْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَبَعَّضُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُونَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ غَيْرُهُ مِنْ عَصَبَتِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ هُوَ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ يَحْلِفُ إلَّا اثْنَانِ حَلَفَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَحْلِفُ هُوَ مَعَهُمْ فَيَحْلِفُ هُوَ بَعْضَهَا وَهُمْ بَعْضَهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحْلِفُ مِنْ عَصَبَتِهِ إلَّا وَاحِدٌ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَحْلِفُ هُوَ وَمَنْ يُسْتَعَانُ بِهِ مِنْ عَصَبَتِهِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعِينُهُ حَلَفَ هُوَ وَحْدَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَشْبَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ قَوْلَ مَالِكٍ يَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَجْهُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَيْمَانَ الْمَرْدُودَةَ يُعْتَبَرُ بِعِدَّتِهَا فِيمَا انْتَقَلَتْ عَنْهُ كَأَيْمَانِ الْحُقُوقِ فَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ الثَّانِيَةُ فِي الْخَمْسِينَ فَإِنَّ عَدَدَهَا فِيهِمَا سَوَاءٌ كَأَيْمَانِ اللِّعَانِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَجُوزُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ فِي الدَّمِ وَالْأَيْمَانِ فِي الْحُقُوقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَايَنَ الرَّجُلَ اسْتَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ قَتْلَ الرَّجُلِ لَمْ يَقْتُلْهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ وَإِنَّمَا يَلْتَمِسُ الْخَلْوَةَ قَالَ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْقَسَامَةُ إلَّا فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا كَمَا يَعْمَلُ فِي الْحُقُوقِ هَلَكَتْ الدِّمَاءُ وَاجْتَرَأَ النَّاسُ عَلَيْهَا إذَا عَرَفُوا الْقَضَاءَ فِيهَا وَلَكِنْ إنَّمَا جُعِلَتْ الْقَسَامَةُ إلَى وُلَاةِ الْمَقْتُولِ يَبْدَءُونَ بِهَا فِيهَا لِيَكُفَّ النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ وَلِيَحْذَرْ الْقَاتِلُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَقْبُولِ قَالَ يَحْيَى. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَكُونُ لَهُمْ الْعَدَدُ يُتَّهَمُونَ بِالدَّمِ فَيَرُدُّ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَفَرٌ لَهُمْ عَدَدٌ أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ وَلَا يَبْرَءُونَ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ كُلُّ إنْسَانٍ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي ذَلِكَ قَالَ وَالْقَسَامَةُ تَصِيرُ إلَى عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ وَهُمْ وُلَاةُ الدَّمِ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِينَ يُقْتَلُ بِقَسَامَتِهِمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَاتِلِ مَنْ يَبْلُغُ خَمْسِينَ رَجُلًا يُرِيدُ وَكَانَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَزَائِدٌ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ حَتَّى يَسْتَوْفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ لَهُمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِوُلَاتِهِمْ وَعَصَبَتِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَأَصْبَغُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَاحِدًا كَانُوا أَوْ جَمَاعَةً أَنْ يَسْتَعِينُوا بِمَنْ يَحْلِفُ مَعَهُمْ كَمَا يَفْعَلُ وُلَاةُ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُبَرِّءُونَ أَنْفُسَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الَّذِينَ طَاعُوا بِالْأَيْمَانِ مَعَهُ خَمْسِينَ رَجُلًا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِمَّنْ كَانَ يَصِحُّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ أَبَوْا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْخَمْسِينَ يَمِينًا تُرَدُّ عَلَى مَنْ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ حَلَفَ وَحْدَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَيْمَانِ وَالْحَالِفِينَ أَنَّ الْأَيْمَانَ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى التَّبْعِيضِ فِيهَا عَنْ الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ وَقَدْ يُعْدَمُ فِي الْأَغْلَبِ عَدَدُ الْحَالِفِينَ وَقَوْلُهُ وَبَرِئَ يُرِيدُ بَرِئَ مِنْ الدَّمِ وَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَسِجْنُ عَامٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ وَفِي النَّوَادِرِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إذَا رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فَنَكَلُوا فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ فِي مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْجُرْحِ يُرِيدُ فِيمَنْ ثَبَتَ جُرْحُهُ وَاحْتِيجَ إلَى الْقَسَامَةِ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ مَاتَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَأَتَى الْمُدَّعُونَ بِمَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَنَكَلُوا عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الدَّعْوَى فَإِنْ نَكَلَ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْلِفَ وَالثَّانِيَةُ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَأَرَاهُ أَشَارَ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْلِفَ فَإِنْ حُبِسَ وَطَالَ حَبْسُهُ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُخَلَّى سَبِيلُهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا إنْ نَكَلَ سُجِنَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَسَامَةِ وَأَيْمَانِ الْحُقُوقِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَايَنَ اسْتَظْهَرَ لِحَقِّهِ بِالْوَثَائِقِ وَالْبَيِّنَةِ أَهْلَ الْعَدْلِ فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ فَمِنْ تَضْيِيعِهِ لَهُ وَالْمَقْتُولُ إنَّمَا يَلْتَمِسُ قَاتِلُهُ مَوْضِعَ خَلْوَتِهِ وَحَيْثُ يُعْدَمُ مَنْ يَرَاهُ فَكَيْفَ يَسْتَظْهِرُ بِأَهْلِ الْعَدْلِ وَلَا عِلْمَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَقْتُولِ بِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِظْهَارُ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا اسْتِحْضَارُ مَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَقَلَّ تَصَرُّفُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ مَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ وَسَجَنَ نَفْسَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ فَلِذَلِكَ جُعَلِ قَوْلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ مُؤَثِّرًا فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الْأَيْمَانَ إلَى وُلَاتِهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمُدَّعِي دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِي عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْمُدَّعِي دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ إنَّمَا يَشْهَدُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّمَا يَشْهَدُ لِوُلَاتِهِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ هُوَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ

[ما جاء فيمن تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم]

مَا جَاءَ فِيمَنْ تَجُوزُ قَسَامَتُهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وُلَاةٌ إلَّا النِّسَاءَ فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ قَسَامَةٌ وَلَا عَفْوٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا أَنَّهُ إذَا قَامَ عَصَبَةُ الْمَقْتُولِ أَوْ مَوَالِيهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَحْلِفُ وَنَسْتَحِقُّ دَمَ صَاحِبِنَا فَذَلِكَ لَهُمْ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ أَرَادَ النِّسَاءُ أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُنَّ الْعَصَبَةُ وَالْمُوَالِي أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا الدَّمَ وَحَلَفُوا عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ عَفَتْ الْعَصَبَةُ أَوْ الْمُوَالِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الدَّمَ وَأَبَى النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا نَدَعُ دَمَ صَاحِبِنَا فَهُنَّ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَوَدَ أَحَقُّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْعَصَبَةِ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ وَوَجَبَ الْقَتْلُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ الْمُدَّعِينَ إلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَحْلِفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ قَدْ اسْتَحَقَّا الدَّمَ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا ضَرَبَ النَّفَرُ الرَّجُلَ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا فَإِنْ هُوَ مَاتَ بَعْدَ ضَرْبِهِمْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُقْتَلْ غَيْرُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ قَسَامَةً كَانَتْ قَطُّ إلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْقَوْمِ يُتَّهَمُونَ بِالْقَتْلِ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فَإِنَّ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْلِفُ عَنْ نَفْسِهِ إذْ لَعَلَّهُ الَّذِي كَانَ يُقْسِمُ عَلَيْهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي أَيْمَانِهِ بِمَنْ شَاءَ مِنْ عَصَبَتِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ يَمِينًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَإِنْ كَانُوا مُفْتَرِقِينَ فَلَا يَسْتَعِينُ أَحَدٌ بِغَيْرِ عَصَبَتِهِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ فَخِذٍ وَاحِدٍ جَازَ أَنْ يَسْتَعِينَ أَحَدُهُمْ بِقَوْمٍ، ثُمَّ يَسْتَعِينُ بِهِمْ الثَّانِي، ثُمَّ يَسْتَعِينُ بِهِمْ الثَّالِثُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ أَحَدُهُمْ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ تَبْرِئَةَ الثَّلَاثَةِ فَيَقُولُ مَا فَعَلَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَلَكِنْ تُفْرَدُ الْيَمِينُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ تَجُوزُ قَسَامَتُهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ] (ش) : قَوْلُهُ لَا يَحْلِفُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ مِنْ الرِّجَالِ وَمَنْ لَهُ تَعْصِيبٌ وَأَمَّا مَنْ لَا تَعْصِيبَ لَهُ مِنْ الْخُؤُولَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ لَهُمْ وَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ أُمٌّ فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً أَوْ أُعْتِقَ أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا أَقْسَمَ مَوَالِيهَا فِي الْعَمْدِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا قَسَامَةَ فِي عَمْدِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ خُؤُولَتُهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلْخُؤُولَةِ وَمَنْ شَهِدَ شَاهِدُ عَدْلٍ بِقَتْلِهِ عَمْدًا. وَقَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْأَقَارِبِ نِسَاءٌ أَوْ خُؤُولَةٌ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ قَسَامَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَا عَفْوَ يُرِيدُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقَسَامَةِ إذَا أَقْسَمَ الْعَصَبَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنْ عَفَا النِّسَاءُ وَقَامَ بِالدَّمِ الْعَصَبَةُ أَوْ عَفَا الْعَصَبَةُ وَقَامَ بِالدَّمِ النِّسَاءُ فَمَنْ أَرَادَ الْقَوَدَ أَوْلَى مِمَّنْ تَرَكَهُ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا ثَبَتَ فَقَدْ أَوْجَبَ الْقَتْلَ. (ش) : قَوْلُهُ لَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ الْمُدَّعِينَ إلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَحْلِفَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَثْبُتُ فِي جَنْبَتَيْ الْقَتِيلِ وَلَكِنْ تُرَدُّ عَلَى الْقَاتِلِ فَيَحْلِفُ وَحْدَهُ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحْلِفُ مَعَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنَّ جَنْبَةَ الْقَتِيلِ لَا يَحْلِفُ لِإِثْبَاتِ الدَّمِ إلَّا اثْنَانِ وَفِي جَنْبَةِ الْقَاتِلِ يَحْلِفُ لِنَفْيِ الدَّمِ وَاحِدٌ أَنَّ جَنْبَةَ الْقَتِيلِ إذَا تَعَذَّرَتْ الْقَسَامَةُ فِيهَا لَمْ يَبْطُلْ الْحَقُّ لِأَنَّ رَدَّ الْأَيْمَانِ عَلَى جَنْبَةِ الْقَاتِلِ فِيهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِمْ وَجَنْبَةُ الْقَاتِلِ لَوْ لَمْ تُقْبَلْ أَيْمَانُهُ وَحْدَهُ مَعَ كَثْرَةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْحَقِّ بَدَلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تُرَدُّ إلَى جَنْبَةِ الْقَتِيلِ بِانْتِقَالِهَا إلَى جَنْبَةِ الْقَاتِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ النَّفَرَ إذَا ضَرَبُوا رَجُلًا حَتَّى مَاتَ تَيَقَّنَ أَنَّ مَوْتَهُ

[القسامة في قتل الخطإ]

الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ يُقْسِمُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدَّمَ وَيَسْتَحِقُّونَهُ بِقَسَامَتِهِمْ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا تَكُونُ عَلَى قَسْمِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَيْمَانِ كُسُورٌ إذَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ نُظِرَ إلَى الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ تِلْكَ الْأَيْمَانِ إذَا قُسِّمَتْ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْيَمِينِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ضَرْبِهِمْ قَتَلُوا بِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ ضَرَبَ رَأْسَ رَجُلٍ فَأَقَامَ مَغْمُورًا لَا يُفِيقُ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِضَرْبِهِ فَقَالَ إذَا لَمْ يُفِقْ فَلَا قَسَامَةَ وَإِنَّمَا الْقَسَامَةُ فِيمَنْ أَفَاقَ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ فَتَحَ عَيْنَهُ أَوْ تَكَلَّمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَنَحْوَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ خَلَا بِهِ أَهْلُهُ أَوْ لَمْ يَخْلُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يُفِقْ. وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا مَاتَ تَحْتَ الضَّرْبِ أَوْ بَقِيَ مَغْمُورًا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يُفِقْ حَتَّى مَاتَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ شَرِبَ أَوْ فَتَحَ عَيْنَهُ وَشِبْهَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ قَالَ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَ فَخِذُهُ فَعَاشَ يَوْمَهُ وَأَكَلَ وَشَرِبَ وَمَاتَ آخِرَ النَّهَارِ وَأَمَّا إنْ شُقَّتْ حَشْوَتُهُ وَأَكَلَ وَشَرِبَ وَعَاشَ أَيَّامًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ قَاتَلَهُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ إذَا أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ نُخَاعُ رَقَبَتِهِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا يُرِيدُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ بِغَيْرِ ضَرْبِهِمْ كَانَتْ قَسَامَةً يُرِيدُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الضَّرْبِ شَاهِدَانِ فَعَاشَ الْمَضْرُوبُ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ شَاءُوا أَقْسَمُوا عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى جَمِيعِهِمْ ثُمَّ لَا يَقْتُلُونَ إلَّا وَاحِدًا مِمَّنْ أَدْخَلُوهُ فِي الْقَسَامَةِ كَانَ ذَلِكَ لِقَوْلِ الْمَيِّتِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ لَا شَهَادَةَ شَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى الضَّرْبِ ثُمَّ عَاشَ أَيَّامًا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِي الْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِلْقَسَامَةِ عَلَى غَيْرِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا ادَّعَى قَتْلَ جَمَاعَةٍ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَسَامَةُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَكُونُ إلَّا مُوَافِقَةٌ لِلدَّعْوَى. [الْقَسَامَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ وُلَاةَ الدَّمِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الدَّمَ يُقْسِمُونَ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَتْلِ قَالَ أَشْهَبُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي خَطَأً. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَيُؤْخَذُ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَنْ عَلِمَ النَّاسُ بِمَوْتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى قَوْلِ الْقَتِيلِ فِي الْخَطَإِ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْغَرِيمِ لَا يُقْسِمُ فِي الْخَطَإِ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يُرِيدَ غِنَى وَلَدِهِ وَحُرْمَةُ الدَّمِ أَعْظَمُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُ مَعْنَى يُوجِبُ الْقَسَامَةَ فِي الْعَمْدِ فَأَوْجَبَهَا فِي الْخَطَإِ كَالشَّاهِدِ الْعَدْلِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الْقَتِيلِ فَإِنَّهُ يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الْمَسْخُوطِ وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا عُلِّقَ ذَلِكَ بِالْعَدَدِ لِأَنَّهَا قَسَامَةٌ فِي دَمٍ فَاخْتَصَّتْ بِالْخَمْسِينَ كَالْعَمْدِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى يَبْدَأُ فِيهَا الْمُدَّعُونَ وَتَكُونُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا يُحِيطُونَ بِالْمِيرَاثِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَيْمَانِ كَسْرٌ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ خَطَأٌ مِنْهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُنْظَرُ إلَى كَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى أَكْثَرِ تِلْكَ الْيَمِينِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ

[الميراث في القسامة]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ وَيَأْخُذْنَ الدِّيَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَلَا يَكُونُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ) . الْمِيرَاثُ فِي الْقَسَامَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا قَبِلَ وُلَاةُ الدَّمِ الدِّيَةَ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يَرِثُهَا بَنَاتُ الْمَيِّتِ وَأَخَوَاتُهُ وَمَنْ يَرِثُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنْ لَمْ يَحُزْ النِّسَاءُ مِيرَاثَهُ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ دِيَتِهِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِهِ مَعَ النِّسَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَلَى أَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَعَلَى الْآخِرِ ثُلُثُهَا وَعَلَى الْآخَرِ سُدُسُهَا جُبِرَتْ عَلَى صَاحِبِ النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ لَا يُحِيطُ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ حِصَّةً مِنْ الدِّيَةِ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَحْمِلُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ بَعْضٍ شَيْئًا مِنْ الْأَيْمَانِ فِي الْخَطَإِ كَمَا يَتَحَمَّلُهَا بَعْضُ الْعَصَبَةِ عَنْ بَعْضٍ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي جَبْرِ بَعْضِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ حَظًّا مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لِأَنَّهُ مَالٌ وَلَا يَتَحَمَّلُ أَحَدٌ فِيهِ الْيَمِينَ عَنْ غَيْرِهِ كَالدُّيُونِ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ وَرَثَةٌ إلَّا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ وَيَأْخُذْنَ الدِّيَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَلَا يَكُونُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ غَيْرُ حُكْمِهَا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا لَمَّا اخْتَصَّتْ الْقَسَامَةُ فِي الْخَطَإِ بِالْمَالِ كَانَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً قَلَّ عَدَدُهُمْ أَوْ كَثُرَ وَلَا يَحْلِفُ فِي ذَلِكَ إلَّا وَارِثٌ وَأَمَّا قَتْلُ الْعَمْدِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْقِصَاصُ وَإِنَّمَا يَقُومُ بِهِ الْعَصَبَةُ مِنْ الرِّجَالِ؛ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَتْ الْأَيْمَانُ بِهِمْ دُونَ النِّسَاءِ. [الْمِيرَاثُ فِي الْقَسَامَةِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْوُلَاةَ إذَا قَبِلُوا الدِّيَةَ وَتَقَدَّرَتْ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا إذَا رَضِيَ بِهَا الْأَوْلِيَاءُ وَالْقَاتِلُ فَإِنْ رَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ دُونَ الْقَاتِلِ وَقَالَ الْقَاتِلُ إنَّمَا لَكُمْ دَمِي وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى مَالِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَرِثُهَا بَنَاتُ الْمَيِّتِ وَأَخَوَاتُهُ وَسَائِرُ مَنْ يَرِثُهُ مِنْ النِّسَاءِ الْأُمِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ أَشْيَمَ الْكِلَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا قَامَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِ مِنْهَا وَأَصْحَابِهِ غُيَّبٌ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا قَلَّ وَلَا كَثُرَ دُونَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْقَسَامَةَ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِذَا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا اسْتَحَقَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّمَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ حَتَّى يَثْبُتَ الدَّمُ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَحَدٌ حَلَفَ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَأَخَذَ حَقَّهُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْوَرَثَةُ حُقُوقَهُمْ فَإِنْ جَاءَ أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَعَلَيْهِ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا السُّدُسُ فَمَنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَمَنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ حَلَفَ الَّذِينَ حَضَرُوا خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ حَلَفَ أَوْ يَبْلُغُ الصَّبِيُّ الْحُلُمَ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَيَحْلِفُونَ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ بَعْضَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ إذَا قَامَ وَسَائِرُهُمْ غُيَّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا بِاسْتِكْمَالِ الْأَيْمَانِ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ غَابَ حَلَفَ مِنْ الْأَيْمَانِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهَا لَوْ حَضَرَ جَمِيعُهُمْ أَوَّلَ الْأَمْرِ، وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِنْ

[القسامة في العبيد]

الْقَسَامَةُ فِي الْعَبِيدِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبِيدِ أَنَّهُ إذَا أُصِيبَ الْعَبْدُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، ثُمَّ جَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً، ثُمَّ كَانَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَإٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ قَسَامَةٌ وَلَا يَمِينٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ سَيِّدُهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ بِشَاهِدٍ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَنْ لَمْ يَنْكُلْ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْهَا لَوْ حَلَفَ جَمِيعُهُمْ، وَيَبْطُلُ حَقُّ مَنْ نَكَلَ، وَمَنْ غَابَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّغِيرُ، وَيَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيَحْلِفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَأْخُذَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا أَقْسَمَ الْوَرَثَةُ ثَبَتَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ مُؤَجَّلَةٌ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْخَطَإِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالتَّحَمُّلِ عَنْ الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يُقْسِمُ فِي الْخَطَإِ عَلَى الْقَاتِلِ إنْ كَانَ وَاحِدًا، وَعَلَى جَمِيعِهِمْ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً، وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَتَبَعَّضُ، وَتُقَسَّطُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ تَسَاوِي عَاقِلَةِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِيهَا بِحَسَبِ مَا يُصِيبُهُ مِنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَمِينُ الْوَرَثَةِ عِنْدِي فِي قَسَامَةِ الْخَطَإِ عَلَى الْبَتِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَطَلَ حَقُّهُ، مَعْنَاهُ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الْقَسَامَةِ فِي التَّوَارُثِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَرْجِعُ نَصِيبُ مَنْ نَكَلَ إلَى الْعَاقِلَةِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ نَكَلُوا دَفَعُوا ذَلِكَ إلَى مَنْ نَكَلَ دُونَ يَمِينٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي اعْتِبَارُ الْحُقُوقِ وَالْمَالِ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ الْغَارِمُونَ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ لَوْ أَقَرَّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْعَاقِلَةِ دُونَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ خَطَأً لَمْ يَجِبْ بِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ شَيْءٌ إذَا أَنْكَرَ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى شَهَادَتِهِ فَفِي ذَلِكَ الْقَسَامَةُ، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَكَلَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ نَكَلَ جَمِيعُ وُلَاةِ الْقَتِيلِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْعَاقِلَةَ فَإِنْ نَكَلُوا غَرِمُوا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّعْوَى تَئُولُ إلَى مَالٍ فَاعْتُبِرَتْ فِي النُّكُولِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقَسَامَةُ فِي الْعَبِيدِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا قُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَجَاءَ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ قَتْلِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَوْ قَامَ شَاهِدٌ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا لَحَلَفَ سَيِّدُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْتَلِفُ فِي هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ، وَيُجْلَدُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْعَبِيدِ قَسَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَإٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَبْرَأُ قَالَ أَشْهَبُ، وَيُضْرَبُ مِائَةً، وَيُسْجَنُ سَنَةً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ السَّيِّدُ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَاسْتَحَقَّ قِيمَةَ عَبْدِهِ مَعَ الضَّرْبِ وَالسِّجْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ وَلَا ضَرْبَ وَلَا سَجْنَ فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْقِيمَةَ وَضُرِبَ وَسُجِنَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا السَّجْنُ اسْتِبْرَاءٌ، وَكَشْفٌ عَنْ أَمْرِهِ، وَيُضْرَبُ أَدَبًا وَلَا يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ سَنَةً إلَّا مَنْ يَمْلِكُ سَفْكَ دَمِهِ بِقَسَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْلَفٌ فِي دَمِ مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ سَفْكُهُ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا كَقَتْلِ الْحُرِّ خَطَأً، وَوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَالٌ فَلَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ تُبْرِئُ مِنْ الدَّعْوَى كَالدُّيُونِ، وَإِنَّمَا يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا رَدْعًا عَنْ الدِّمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب العقول]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْعُقُولِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا أَوْ فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعُقُولِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْعُقُولِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا أَوْ فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ» ) (ش) : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْجِرَاحِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَهُ إلَى نَجْرَانَ، وَقَوْلُهُ فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ مِنْ الدِّيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ إبِلٌ وَذَهَبٌ وَوَرِقٌ فَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَهِيَ تَجِبُ بِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ قَتْلِ الْخَطَإِ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ بِهِ، وَقَتْلِ الْعَمْدِ، وَقَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ يُرِيدُ إذَا اُسْتُوْعِبَ قَطْعُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ قَطْعَ الْأَنْفِ قَالَ وَفِي الْأَنْفِ مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا، وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ مَارِنُهُ فَجَعَلَ اسْتِيعَابَ الْجَدْعِ قَطْعَ جَمِيعِ الْأَنْفِ، وَجَعَلَ فِي قَطْعِ مَارِنِ الْأَنْفِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا أَيْ إذَا اُسْتُوْعِبَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ مَا يُسَمَّى جَدْعًا، وَمِنْ ذَلِكَ وَعِبْت الْكَلَامَ إذَا اسْتَوْفَيْت مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا قُطِعَ مَارِنُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ فَجَعَلَ قَطْعَ الْأَنْفِ اسْتِيعَابًا لِلْجَدْعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ قَطْعَ الْمَارِنِ، وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَظْمِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْأَنْفِ قَالَ أَشْهَبُ هُوَ الْمَارِنُ، وَهُوَ الْأَرْنَبَةُ، وَهُوَ الرَّوْبَةُ تَبْلُغُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ جَدْعًا كَامِلًا، وَمَا قُطِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَأْصِلَ الْعَظْمَ أَوْ بَعْضَهُ فَزَادَ عَلَى الْجَدْعِ الْكَامِلِ وَلِأَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْأَنْفِ بِقَطْعِ مَارِنِهِ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ» ، وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي فِيهِ مِنْ الْأَنْفِ أَنْ يَقْطَعَ الْمَارِنَ دُونَ الْعَظْمِ، وَلَوْ اُسْتُؤْصِلَ مِنْ الْعَظْمِ فَإِنَّ فِيهِ دِيَةً، وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا دِيَةَ فِي الْأَنْفِ، وَإِنْ ذَهَبَ شَمُّهُ حَتَّى يُسْتَأْصَلَ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا تُسْتَكْمَلُ فِيهِ الدِّيَةُ إلَّا بِهَذَا، وَهَذَا شَاذٌّ، وَفِي كِتَابِ الْأَبْهَرِيِّ إنْ أَذْهَبَ شَمَّهُ، وَالْأَنْفُ قَائِمٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ الْمَارِنَ عَظْمٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَامِلَةٌ، وَجَمَالٌ ظَاهِرٌ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لِجَدْعِهِ أَصْلَ ذَلِكَ الْبَصَرِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ التَّعَلُّقُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ» ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ضَرَبَهُ فَأَطَارَ أَنْفَهُ، ثُمَّ بَلَغَتْ الضَّرْبَةُ إلَى دِمَاغِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ لِلْأَنْفِ، وَثُلُثُ الدِّيَةِ لِلْمَأْمُومَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَصَلَ الثَّقْبُ إلَى عَظْمِ الْوَجْهِ الَّذِي تَحْتَ الْأَنْفِ فَبَلَغَهُ فِيهِ دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ، وَلَوْ أَوْضَحَهُ لَكَانَتْ فِيهِ مُوضِحَةٌ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، وَإِنْ اُسْتُؤْصِلَ الْعَظْمُ مَا كَانَ مِنْ جُرْحٍ فِي الْأَنْفِ نَفْسِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا تَحْتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا بَقِيَ الشَّمُّ فَأَمَّا إذَا ذَهَبَ الشَّمُّ مَعَ الْجَدْعِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ دِيَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَدْعَ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْهَابِ الْأَنْفِ الَّذِي فِيهِ الْجَمَالُ الظَّاهِرُ، وَالشَّمُّ تَجِبُ بِهِ دِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ، وَلَيْسَ مِمَّا يَجِبُ بِقَطْعِهِ الدِّيَةُ مِنْ الْأَنْفِ فَتَتَدَاخَلُ الدِّيَتَانِ كَمَا لَوْ أَذْهَبَ بَصَرَهُ بِقَطْعِ يَدَيْهِ لَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَتَانِ فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الْأَنْفِ فَفِيهِ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إنَّمَا يُقَاسُ مِنْ الْمَارِنِ كَالْحَشَفَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْمَأْمُومَةُ جُرْحٌ يَخْرِقُ إلَى الدِّمَاغِ قَالَ مَالِكٌ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ، وَلَوْ بِمَدْخَلِ إبْرَةٍ قَالَ، وَالْجَائِفَةُ جُرْحٌ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمَا جُرْحَانِ يَجِبُ فِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، وَبَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ، وَكَذَلِكَ الْمُوضِحَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ؛ لِأَنَّهَا مَتَالِفُ مَخُوفَةٌ، وَالسَّلَامَةُ فِي الْجَائِفَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ نَادِرَةٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ حَالَهَا ثَبَتَتْ دِيَتُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، وَبَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجَائِفَةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ مَالِكٍ فِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَدِيَةُ جَائِفَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَهُوَ أَحَبُّ قَوْلَيْ مَالِكٍ إلَيَّ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ أَحَبُّ قَوْلِ مَالِكٍ إلَيَّ قَالَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ» مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْعَيْنِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمُفْرَدَةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسُونَ» يُرِيدُ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ، وَتَجِبُ فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا بَقِيَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ مِنْ الْيَدِ دُونَ الْكَفِّ أَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ أَوْ الْمِعْصَمِ أَوْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ فَدِيَتُهَا سَوَاءٌ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ، وَكَذَلِكَ إذَا شُلَّتْ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الرِّجْلِ يَقْطَعُهَا مِنْ الْوِرْكِ أَوْ يَقْطَعُ الْأَصَابِعَ مِنْ أَصْلِهَا يَجْعَلُهَا سَوَاءً قَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ كَمَا يُسْتَكْمَلُ دِيَةُ الذَّكَرِ لِقَطْعِ الْحَشَفَةِ فَتَكُونُ دِيَتُهُ كَدِيَةِ مَنْ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قُطِعَ كَفُّهُ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَلَهُ دِيَةُ الْأُصْبُعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا أُصْبُعَانِ فَلَهُ دِيَةُ الْأُصْبُعَيْنِ، وَهَلْ يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ لِلْكَفِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكَفِّ حُكُومَةٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا شَيْءَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكَفِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأُصْبُعَيْنِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ إنْ كَانَ الْأُصْبُعَانِ أَخَذَ لَهُمَا عَقْلًا أَوْ قَوَدًا فَلَهُ عَقْلُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ دُونَ حُكُومَةٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحُكُومَةُ مَعَ الْعَقْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَلَا حُكُومَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَادُ لَهُ مِنْ كَفٍّ لَهَا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ، وَلَا يُقَادُ لَهُ مِنْ كَفٍّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَفِّ النَّاقِصَةِ أُصْبُعًا أَوْ أُصْبُعَيْنِ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفِّ الْأَصَابِعُ، وَبِهَا الْعَمَلُ، وَتَمَامُ الْجَمَالِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُطِعَ يَدٌ لَهَا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَهَا دِيَةُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَتْ أُنْمُلَةً قَالَ كَأَنْ أَخَذَ لَهَا عَقْلًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُحَاسَبُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا، وَإِنَّمَا تَلِفَتْ بِمَرَضٍ وَشِبْهِهِ فَلَا يُحَاسَبُ بِهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأُنْمُلَةُ الْإِبْهَامِ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا يُحَاسَبُ بِهَا قَالَ أَشْهَبُ، وَأَمَّا الْأُنْمُلَتَانِ مِنْ سَائِرِ الْأَصَابِعِ فَيُحَاسَبُ بِهِمَا فِي الْخَطَإِ.

[العمل في الدية]

الْعَمَلُ فِي الدِّيَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ، وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْعَمَلُ فِي الدِّيَةِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ الْحَدِيثُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَوَّمَ الدِّيَةَ، وَلَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ يُشَارُ إلَيْهِ بِالتَّقْوِيمِ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا دِيَةَ الْإِبِلِ فَفِي الْمَدَنِيَّةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَهَا فَكَانَتْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّيَةُ لَا تُغَيَّرُ بِتَغْيِيرِ أَسْوَاقِ الْإِبِلِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اسْتِقْرَارِ الْقِيمَةِ، وَخَالَفَنَا فِي الْقَدْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْإِبِلَ تُقَوَّمُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَتَكُونُ قِيمَتُهَا الدِّيَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ كَالْإِبِلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ دِيَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَوِّمْ دِيَةَ رَجُلٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ فَكَانَتْ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَوِّمْ دِيَةً عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ فَكَانَتْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَوَجْهٌ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ قَوِّمْ الدِّيَةَ فَأَتَى بِلَفْظٍ يَسْتَغْرِقُ جِنْسَ الْقُرَى، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرَى فَثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِذَلِكَ عَلَى الْقُرَى فِي الْجُمْلَةِ لِمَا يَقَعُ فِي جَمِيعِهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ، وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ لِنَصِّ عِلْمِهِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا أَوْ لِنَظَرٍ أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى لِلْإِبِلِ، وَلِلْعَيْنِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ كَالزَّكَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ يُعْتَمَدُ فِي أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ أُصُولٌ فِي الدِّيَةِ، وَقَدْ قَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَمَا قَرَّرَ أَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الذَّهَبَ مُقَدَّرٌ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ رُبْعُ دِينَارٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ نَازَعَنَا فِي ذَلِكَ الْمُخَالِفُ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِالْآثَارِ الَّتِي نُورِدُهَا فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا قِسْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ حُكْمُ طَرِيقِهِ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدِّينَارُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى خَصَّ بِذَلِكَ أَهْلَ الْقُرَى؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَمُودِ هُمْ أَهْلُ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَالْعَمُودِ هُمْ أَهْلُ الْإِبِلِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَهْلُ الْحِجَازِ أَهْلُ إبِلٍ، وَأَهْلُ مَكَّةَ مِنْهُمْ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَهْلُ ذَهَبٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ ذَهَبٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَهْلُ الذَّهَبِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَهْلُ مِصْرَ أَهْلُ الذَّهَبِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُمْ الْيَوْمَ أَهْلَ ذَهَبٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ أَهْلُ ذَهَبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ أَهْلُ وَرِقٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَكُونَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ أَهْلَ ذَهَبٍ إلَّا الْأَنْدَلُسَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافًا مِنْ قَوْلَيْهِمَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَهْلُ الْوَرِقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَهْلُ فَارِسٍ، وَخُرَاسَانَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى غَالِبِ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ فَأَيُّ بَلَدٍ غَلَبَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِهَا الذَّهَبُ فَهُمْ أَهْلُ ذَهَبٍ، وَأَيُّ بَلَدٍ غَلَبَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَمْوَالِهِمْ الْوَرِقُ فَهُمْ أَهْلُ وَرِقٍ، وَرُبَّمَا انْتَقَلَتْ الْأَمْوَالُ فَيَجِبُ أَنْ تَنْتَقِلَ الْأَحْكَامُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ أَهْلُ ذَهَبٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا غَيْرُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا حُلَلٌ، وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إبِلٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، وَذَلِكَ خِلَافٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلَيْهِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي قَصْرُ الدِّيَةِ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ بِذَلِكَ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْقُرَى فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْقُرَى مَوْضِعٌ يَحْكُمُ عَلَى أَهْلِهِ بِالْحُلَلِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحُلَلَ نَوْعٌ مِنْ الْعُرُوضِ فَأَشْبَهَ الْعَقَارَ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَخِفُّ، وَتَتَسَاوَى قِيمَتُهُ، وَالْإِبِلُ لَا مَشَقَّةَ فِي نَقْلِهَا، وَسَائِرُ الْمَوَاشِي تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا، وَيُشَقُّ نَقْلُهَا، وَإِنَّمَا أُلْزِمَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ أَفْضَلَ أَمْوَالِهِمْ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّأْجِيلُ، وَالثَّانِي التَّنْجِيمُ عَلَى آجَالِ بَعْضِهَا بَعْدَ بَعْضٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعَانِيَ أَحَدُهَا التَّخْيِيرُ، وَالثَّانِي الشَّكُّ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْقَوْلَيْنِ كُلُّ قَوْلٍ مِنْ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَاهُ وَيُفْتِي بِهِ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَاخْتَارَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَ سِنِينَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَضَيَا بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمَا أَحَدٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهَا، وَكَانَتْ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَدْ تَكُونُ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَوَامِلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفُوا إذًا حَوَامِلَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَوَابِنُ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَجِّلُوا ثَلَاثَ سِنِينَ فَيَجْتَمِعُ لَهُمْ مَا تُشْتَرَى بِهِ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَمَّا أَبْعَاضُهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَحَدَاهُمَا الْحُلُولُ، وَالثَّانِيَةُ التَّأْجِيلُ. فَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحُلُولِ أَنَّهُ بَعْضُ دِيَةٍ فَكَانَ عَلَى الْحُلُولِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ التَّأْجِيلِ أَنَّهَا دِيَةٌ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ كَالدِّيَةِ الْكَامِلَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّأْجِيلِ فَإِنَّ ثُلُثَهَا فِي سَنَةٍ، وَثُلُثَيْهَا فِي سَنَتَيْنِ فَأَمَّا نِصْفُهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا فِي سَنَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ النِّصْفَ فِي سَنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ فِي سَنَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى الِاجْتِهَادِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَبِالرِّوَايَةِ الْأُولَى أَخَذَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إلَّا أَشْهَبَ فَقَالَ فِي النِّصْفِ يُؤْخَذُ الثُّلُثُ إذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَالسُّدُسُ الْبَاقِي إذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ. فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الدِّيَةَ مَبْنِيَّةٌ فِي تَنْجِيمِهَا عَلَى أَعْوَامٍ كَامِلَةٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْجُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي نَجَمَتْ مِنْ أَجْلِهَا مِنْ تَلَاحُقِ الْأَسْنَانِ أَوْ تَكَامُلِ النَّمَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَعْوَامِ فَلِذَلِكَ بَلَغَ النِّصْفُ إلَى السَّنَتَيْنِ لِيُكْمِلَ الْمَقْصُودَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي السُّدُسِ الْبَاقِي. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا جَاوَزَتْ الثُّلُثَيْنِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَهِيَ كَالْكَامِلَةِ فَإِنْ جَاوَزَتْهُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ فَذَلِكَ كَلَا شَيْءٍ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثَيْنِ بِمَا لَهُ بَالٌ لَقُطِعَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهُ

[ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبُ) . مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ وَجِنَايَةِ الْمَجْنُونِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَقُولُ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَالٌ قُطِعَ فِي سَنَتَيْنِ، وَاسْتُحْسِنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي آخِرِ السَّنَتَيْنِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ ثُلُثًا وَزِيَادَةً يَسِيرَةً فَهِيَ فِي سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ لَهَا بَالٌ فَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ، وَإِذَا لَزِمَتْ الدِّيَةُ عَوَاقِلَ عَشَرَةٍ قَالَ لَزِمَ كُلُّ قَبِيلٍ عُشْرُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا تَحَمَّلَتْ قَبِيلَةُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عُشْرَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ أَشْهَبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الدِّيَةُ إبِلًا أَوْ غَيْرَهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تَحَمَّلَتْ الدِّيَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَا يُتَعَجَّلُ مِنْهُمْ شَيْءٌ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ أُخِذَ ثُلُثُهَا قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ الذَّهَبُ وَلَا الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ الْوَرِقُ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ الذَّهَبُ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ فِي الدِّيَةِ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ، وَاخْتَصَّ بِهِمْ مِنْ أَفْضَلِ الْأَمْوَالِ، وَمَا يَكُونُ تَعَامُلُهُمْ بِهِ، وَيَكْثُرُ وُجُودُهُمْ لَهُ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْإِبِلُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْظَمَ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا مَا يَتَصَرَّفُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ عِنْدَهُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَقَصَرَ الْإِبِلَ عَلَيْهِمْ كَمَا قَصَرَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَمَنَعَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ لِجَانٍ أَوْ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنْ يَقَعَ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى شَيْءٍ فَيَكُونَ تَعَاوُضًا مُسْتَقْبَلًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ الذَّهَبُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ، وَلَا الْوَرِقُ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ يُرِيدُ أَنَّ لُزُومَ التَّعْيِينِ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا فِي الزَّكَاةِ وَفِي الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْمٍ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَيَّنَتْ الْإِبِلُ لِأَهْلِ الْعَمُودِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ وَجِنَايَةِ الْمَجْنُونِ] (ش) : قَوْلُهُ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، يُرِيدُ أَنَّهَا أَرْبَاعٌ فَتَعَلَّقَ التَّغْلِيظُ لِلْعَمْدِ بِالزِّيَادَةِ فِي السِّنِّ دُونَ الْعَدَدِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى فِي الْمُزَنِيَّةِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ الَّتِي تَتْبَعُ أُمَّهَا، وَقَدْ حَمَلَتْ أُمُّهَا، وَبِنْتُ اللَّبُونِ، وَهِيَ الَّتِي تَتْبَعُ أُمَّهَا أَيْضًا وَهِيَ تَرْضِعُ، وَالْحِقَّةُ هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ الْجَمَلَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ الَّتِي بَلَغَتْ أَنْ تُضْرَبَ، وَأَمَّا الْجَذَعَةُ مِنْ الْإِبِلِ فَهِيَ مَا كَانَ مِنْ فَوْقِ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. (مَسْأَلَةٌ) : الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْعَمْدِ أَثْلَاثًا كَدِيَةِ التَّغْلِيظِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْقَتْلِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِبْ فِي دِيَةِ الْحَوَامِلِ كَالْخَطَإِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا قُبِلَتْ فِي الْعَمْدِ دِيَةٌ مُبْهَمَةٌ، وَأَمَّا إنْ اصْطَلَحُوا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَاضٍ، وَمِنْ الْمَوَّازِيَّةِ إنْ اصْطَلَحُوا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دِيَةٍ مُبْهَمَةٍ أَوْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَهِيَ مِثْلُ دِيَةِ الْخَطَإِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِع أَنَّ الْعَمْدَ يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ بِمُجَرَّدِهِ فَإِذَا أُبْهِمَتْ الدِّيَةُ حُمِلَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هِيَ دِيَةُ الْخَطَإِ فَإِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الدِّيَةِ اقْتَضَاهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَهَلْ تَكُونُ حَالَّةً أَوْ مُنَجَّمَةً فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ هِيَ حَالَّةٌ غَيْرُ مُنَجَّمَةٍ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهَا مُنَجَّمَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا دِيَةٌ لَا تَحْمِلُهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِمَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلًا فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ اعْقِلْهُ، وَلَا تُقِدْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَجْنُونٍ قَوَدٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ إذَا قَتَلَا رَجُلًا جَمِيعًا عَمْدًا أَنَّ عَلَى الْكَبِيرِ أَنْ يُقْتَلَ، وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفَ الدِّيَةِ قَالَ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ عَمْدًا يُقْتَلُ الْعَبْدُ، وَيَكُونُ عَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَاقِلَةُ فَكَانَتْ حَالَّةً أَصْلِ ذَلِكَ مَا دُونَ الثُّلُثِ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَاتِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَكَانَتْ مُنَجَّمَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ كَاَلَّتِي تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِمَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلًا فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ اعْقِلْهُ، وَلَا تُقِدْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَجْنُونٍ قَوَدٌ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ مَرْوَانَ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْأُمَرَاءَ وَالْحُكَّامَ مِنْ الرُّجُوعِ فِيمَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ إلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَحِبَ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ وَعَلِمَ أَحْكَامَهُمْ وَشَهِدَ لَهُ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَقِيهٌ، وَإِنَّمَا كَتَبَ إلَيْهِ مَرْوَانُ يَسْأَلُهُ عَنْ مَجْنُونٍ قَتَلَ فَأَجَابَهُ عَنْ كِتَابِهِ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْنُونِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْقَلَ، وَلَا يُقَادَ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَأَشْبَهَ قَتْلَ الْخَطَإِ، وَقَتْلُ الْخَطَإِ يَخْتَصُّ بِالْعَقْلِ دُونَ الْقِصَاصِ، وَهَكَذَا مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِيمَنْ عَقَلَ جِرَاحَهُ، فَأَمَّا مَا قَصَرَ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ، وَأَتْلَفَ مِنْ مَالٍ فَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اتَّبَعَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَهَذَا فِي الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يُفِيقُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا رُجِيَ مِنْ أَدَبِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يَكُفَّ لِئَلَّا يَتَّخِذَهُ عَادَةً فَلْيُؤَدِّبْ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَجْنُونٍ يَعْقِلُ فَأَمَّا مَجْنُونٌ لَا يَعْقِلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى إنْسَانٍ فَحَرَقَ ثِيَابَهُ أَوْ كَسَرَ لَهُ سِنًّا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ لَا قَصْدَ لَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَيُقَادُ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ، وَخَطَؤُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ يَصِحُّ، وَإِنَّمَا سَعْيُهُ يَتَمَيَّزُ فِي مَالِهِ وَحِفْظِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَيُقَادُ مِنْهُ، وَإِنَّ قَصْدَهُ يَصِحُّ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ، وَلَوْ بَلَغَ إلَى أَنْ يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدٌ، وَلَا يَسْمَعُ، وَلَا يَرَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعِنْدِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ كَالْعَجْمَاءِ، وَأَمَّا النَّائِمُ فَمَا أَصَابَ فِي نَوْمِهِ مِنْ جُرْحٍ يَبْلُغُ الثُّلُثَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ زَادَ أَشْهَبُ، وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ إذَا قَتَلَا رَجُلًا جَمِيعًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْتُلَاهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ يَقْتُلَهُ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا، فَإِنْ قَتَلَاهُ خَطَأً فَلَا خِلَافَ أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الدِّيَةَ، وَإِنْ قَتَلَاهُ عَمْدًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ، وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ الْكَبِيرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْقَتْلَ كُلَّهُ عَمْدًا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عَنْ الصَّغِيرِ لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ تَكْلِيفِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ أَبُوهُ وَأَجْنَبِيٌّ عَمْدًا حَرَّمَاهُ فَإِنَّهُ يَعْقِلُ الْأَجْنَبِيُّ، وَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ كُلَّهُ عَمْدٌ لَكِنَّ الْقِصَاصَ صُرِفَ عَنْ الْأَبِ لِمَعْنًى فِيهِ لَا لِصِفَةِ الْقَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ قَتَلَ أَحَدُهُمَا خَطَأً، وَقَتَلَ الْآخَرُ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ مِنْ الْكَبِيرِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْعَمْدُ مِنْ الْكَبِيرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ، وَلَا يُقْتَلُ الْكَبِيرُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَلَا يُدْرَى مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ لِأَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ كَالْخَطَإِ، وَحُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُدْرَى مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الصَّبِيُّ لَا يُدْرَى أَيْضًا مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ، وَهُوَ يَرَى عَمْدَهُ كَالْخَطَإِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُدْرَى مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ لَا يُدْرَى هَلْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ عَمْدٍ أَوْ ضَرْبِ خَطَأٍ فَهَذَا الَّذِي يَمْنَعُ الْقِصَاصَ مِنْ الْمُتَعَمِّدِ كَمَا لَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ عَامِدَيْنِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ عَمْدٍ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الصَّغِيرِ لِمَعْنًى فِيهِ لَا لِمَعْنًى فِي الضَّرْبِ كَمَا لَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ قَتَلَاهُ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَمَّا سَقَطَ بِذَلِكَ الْقِصَاصُ عَنْ الْآخَرِ، أَوْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ عَبْدًا عَمْدًا فَإِنَّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنْ الْحُرِّ لَا يُسْقِطُهُ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَا أَسْقَطَهُ عَنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْفَاعِلِ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً لَسَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِمَعْنًى فِي الْفِعْلِ، وَلَا يُدْرَى هَلْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَمْنَعُ الْقِصَاصَ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ فِعْلِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: عَلَى الْعَامِدِ الْقَتْلُ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يُجْبَرُ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى مَنْ شَاءُوا مِنْهُمَا مَاتَ الْقَتِيلُ قَصْعًا أَوْ صَدْمًا، وَاسْتَحْسَنَ هَذَا أَصْبَغُ، ثُمَّ قَالَ مَرَّةً يُقْسِمُونَ أَنَّ مِنْ ضَرْبِهِمَا مَاتَ، ثُمَّ يَكُونُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْعَامِدِ، وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ الْقَتِيلُ قَصْعًا، وَثَبَتَتْ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ قَالَ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُتَعَمِّدُ إذَا شَارَكَهُ الْمُخْطِئُ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَتَى اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَمَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ كَالْعَامِدِ، وَالْمُخْطِئِ، وَالْبَالِغِ، وَالصَّغِيرِ، وَالْعَاقِلِ، وَالْمَجْنُونِ قُتِلَ مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، وَكَانَ عَلَى الْآخَرِ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَسَوَّى بَيْنَ مُشَارَكَةِ الْمُخْطِئِ، وَمُشَارَكَةِ الصَّغِيرِ فِي الْقِصَاصِ مِمَّنْ شَارَكَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا قَوَدَ عَلَى مَنْ يَشْرَكُ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْقَتْلِ لَا يُغَيِّرُ جِنْسَهُ كَاشْتِرَاكِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَعَلَى الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ فِي مَالِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَإِ. وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْحُرِّ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ فَإِنَّهُ فِي مَالِهِ بَلْ يَكُونُ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَى الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مَعَهُ إلَّا كَبِيرٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ كُلُّهُ خَطَأً، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ مَعَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْخَطَإِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ عَمْدٌ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَعَمْدِ الْكَبِيرِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُونَ عَشَرَةً وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عُشْرَ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَصْلِ الدِّيَةِ، وَهِيَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَذَلِكَ الْجُزْءُ وَإِنْ قَلَّ مُؤَجَّلٌ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِأَصْلِ الدِّيَةِ، وَهِيَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يُنَجَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ؛ لِأَنَّ عَلَى كُلِّ عَاقِلَةٍ جُزْءًا مِنْ دِيَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا يُنَجَّمُ مَا يَلْزَمُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ الَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَقَلَّ مِمَّا يُصِيبُ عَاقِلَةً أُخْرَى مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَلَكِنَّ سُنَّةَ الدِّيَاتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِأُصُولِهَا، وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ يَكُونُ تَنْجِيمُهَا، وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ لَهَا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ يَقْتُلَانِ الْعَبْدَ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْعَبْدُ، وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ بِعَبْدٍ غَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ فَلَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَقَتَلَ عَبْدًا حُرٌّ وَعَبْدٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ كُلَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ فَمَا سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ عَنْ

[ما جاء في دية الخطإ في القتل]

مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ فِي الْقَتْلِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنَزَا مِنْهَا فَمَاتَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِي اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَتَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا فَأَبَوْا، وَتَحَرَّجُوا، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ أَتَحْلِفُونَ أَنْتُمْ فَأَبَوْا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَرَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَإِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ، وَأَنَّ عَمْدَهُمْ خَطَأٌ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَيَبْلُغُوا الْحُلُمَ، وَإِنَّ قَتْلَ الصَّبِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُرِّ لِنَقْصِ الْمَقْتُولِ بِالرِّقِّ عَنْ مُسَاوَاةِ الْحُرِّ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ فِي الْقِصَاصِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ لَا لِمَعْنًى فِي الْقَتِيلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَتَلَ حُرًّا عَبْدٌ وَحُرٌّ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلَانِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ مُسَاوٍ لِلْمَقْتُولِ، وَالْعَبْدَ أَدْوَنُ رُتْبَةً مِنْ الْحُرِّ فَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ فِي الْقَتْلِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا سَعْدِيًّا وَطِئَ بِفَرَسِهِ عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنَزَا مِنْهَا يُرِيدُ نَزَا مِنْهَا الدَّمُ وَتَزَايَدَتْ فَمَاتَ الْجُهَنِيُّ فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السَّعْدِيِّينَ أَنْ يَحْلِفُوا مَا مَاتَ مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَسَامَةِ إلَّا أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَظَاهِرُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي يَرَى هُوَ، وَيُفْتِي بِهِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ؛ لِأَنَّ جَنْبَتَهُمْ أَظْهَرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَلَمَّا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَالْمُدَّعُونَ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَتَحَرَّجُوا قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ، يُرِيدُ أَنَّهُ أَصْلَحَ بَيْنَهُمْ عَلَى هَذَا فَسَمَّاهُ قَضَاءً بِمَا يُوجَدُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ إذَا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَنَكَّلُوا فَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ يُحْبَسُونَ حَتَّى يَحْلِفُوا فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُمْ خُلُّوا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُهُمْ بِالنُّكُولِ وَأَبُو حَنِيفَةَ الَّذِي يَقُولُ يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْيَمِينِ، وَلَا يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَبْدِئَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ فَقَضَى عُمَرُ عَلَى السَّعْدِيِّينَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَبِرَ فِي ذَلِكَ بِرِضَاهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَرَبِيعَةَ كَانُوا يَقُولُونَ دِيَةُ الْخَطَإِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضِ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ سِنٌّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَاةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ كَالْفِصْلَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ دِيَةَ الْجِرَاحِ خَطَأً عَلَى هَذَا مُخَمَّسَةٌ أَيْضًا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَإِنْ كَانَ جُرْحًا عَقْلُهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ كَالْأُنْمُلَةِ كَانَ لَهُ شِرْكٌ فِي هَذِهِ الْأَسْنَانِ الْخَمْسَةِ فَفِي الْأُنْمُلَةِ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ مُخَمَّسَةٌ ثُلُثُ بَعِيرٍ مِنْ كُلِّ سِنٍّ يَكُونُ فِيهِ شَرِيكًا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ.

لَا يَكُونُ إلَّا خَطَأً، وَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا وَكَبِيرًا قَتَلَا رَجُلًا حُرًّا خَطَأً، كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قُتِلَ خَطَأً فَإِنَّمَا عَقْلُهُ مَالٌ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ وَتَجُوزُ فِيهِ وَصِيَّتُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ تَكُونُ الدِّيَةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ، ثُمَّ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَ دِيَتِهِ جَازَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ إذَا عَفَا عَنْهُ وَأَوْصَى بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا قَوَدَ بَيْنَ الصِّبْيَانِ الْقَوَدُ هُوَ الْقِصَاصُ يُرِيدُ إنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَقَوْلُهُمْ عَمْدُهُمْ خَطَأٌ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْخَطَإِ، وَقَوْلُهُ مَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ، يُرِيدُ الْحُدُودَ الَّتِي تَجِبُ عَلَى مَنْ فَعَلَ أَسْبَابَهَا مِنْ حَدِّ قَذْفٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا، وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ يُرِيدُ الِاحْتِلَامَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا جَنَى غُلَامٌ لَمْ يَحْتَلِمْ وَصَبِيَّةٌ لَمْ تَحِضْ مِنْ عَمْدٍ فَهُوَ كَالْخَطَإِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ أُقِيدَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَلَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ سَوَاءً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ بِالْإِنْبَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَهُوَ مِمَّا يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ الْمُحْتَلِمُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنْكِرَهُ إذَا جَنَى أَوْ أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ حَدٌّ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْ الرِّجَالِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ» وَغَيْرِهِمْ الْإِنْبَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَالِاحْتِلَامُ أَمْرٌ غَائِبٌ يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُنْكِرَهُ مِنْ وُجُوهٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا حُكْمُ الصَّغِيرِ يَعْقِلُ وَيَعْرِفُ مَا يَعْمَلُ وَلَهُ قَصْدٌ، وَأَمَّا الرَّضِيعُ فَلَا شَيْءَ فِيمَا أَفْسَدَ وَكَسَرَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قِيلَ فَلَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ فَوَقَفَ، وَقَالَ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا، وَالْكَسْرُ عِنْدِي أَبْيَنُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ ابْنَ سَنَةٍ، وَقَالَ عَنْهُ عِيسَى فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَسَرَ لُؤْلُؤَةً، وَأَتْلَفَ شَيْئًا فَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ قَدْ جَنَى وَيَنْتَهِي إذَا زُجِرَ، وَأَمَّا ابْنُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوِهَا لَا يُزْدَجَرُ، وَإِنْ زُجِرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا سَرَقَ الصَّبِيُّ الشَّيْءَ فَاسْتَهْلَكَهُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَشَدُّ ذَلِكَ أَنْ يُتَّبَعَ بِهِ، وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ، وَمِنْ الْأُمُورِ مَا لَا يَتَبَيَّنُ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ مِنْ جِرَاحَاتِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ ابْنِ نَافِعٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا جَنَى الصَّبِيُّ أُدِّبَ إنْ كَانَ يَعْقِلُ مَا يَصْنَعُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَفْهَمُ الزَّجْرَ، وَالْعُقُوبَةُ وَالتَّعْزِيرُ إنَّمَا وُضِعَا لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَالتَّعْلِيمِ كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ حُرًّا خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَقْلَ كُلَّهُ كَمَا كَانَ خَطَأً كَانَ مِمَّا تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِعَدَدِ الْقَاتِلِينَ، وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تَكُونُ الدِّيَةُ مَقْسُومَةً عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعِوَضَ مِنْ قَتْلِ الْخَطَإِ إنَّمَا هُوَ الدِّيَةُ خَاصَّةً، وَهُوَ الْعَقْلُ دُونَ الْقِصَاصِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَالٌ حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ الْمَقْتُولِ يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ وَصَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَإِذَا عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُوصِي لَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَالٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ وَدَيْنِهِ يَحْمِلُ دِيَتَهُ جَازَ عَفْوُهُ وَعَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَ الدِّيَةِ سَقَطَ عَنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ثُلُثُهَا. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُحَاصُّ بِهَا أَهْلُ الْوَصَايَا قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَمَا أَصَابَ أَهْلَ الْوَصَايَا أَخَذُوهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَأَخَذَ الْوَرَثَةُ ثُلُثَهَا كَذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عَفَا الْمَقْتُولُ عَمْدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ غَيْرَ غِيلَةٍ فَإِنْ كَانَ قَتْلَ غِيلَةٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ لَازِمٌ، وَحَدٌّ ثَابِتٌ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ كَاَلَّذِي يَقْتُلُهُ الْمُحَارِبُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ، وَعَفَا عَنْ قَاتِلِهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ

[ما جاء في عقل الجراح في الخطإ]

مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْجِرَاحِ فِي الْخَطَإِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فِي الْخَطَإِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ حَتَّى يَبْرَأَ الْمَجْرُوحُ وَيَصِحُّ وَأَنَّهُ إنْ كُسِرَ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ خَطَأً فَبَرِئَ وَصَحَّ، وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ فَإِنْ نَقَصَ أَوْ كَانَ فِيهِ عَقْلٌ فَفِيهِ مِنْ عَقْلِهِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَظْمُ مِمَّا جَاءَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْلٌ مُسَمًّى فَبِحِسَابِ مَا فَرَضَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْلٌ مُسَمًّى، وَلَمْ تَمْضِ فِيهِ سُنَّةٌ، وَلَا عَقْلٌ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ فِي الْجِرَاحِ فِي الْجَسَدِ إذَا كَانَتْ خَطَأً عَقْلٌ إذَا بَرِئَ الْجُرْحُ، وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَقْلٌ أَوْ شَيْنٌ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِ إلَّا الْجَائِفَةَ فَإِنْ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ فِي مُنَقِّلَةِ الْجَسَدِ عَقْلٌ، وَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَةِ الْجَسَدِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ دُونَ أَوْلِيَائِهِ وَوَلَدِهِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَا قَوْلَ لِغُرَمَائِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِدِيَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَلَوْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ دِيَةً لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْهُ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ إنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ فَلَا عَفْوَ لَهُمْ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بِالْقَسَامَةِ فَالْعَفْوُ لِلْوَرَثَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَفْوُهُ قَبْلَ الْقَتْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَتْلِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لَيْتَنِي أَجِدُ مَنْ يَقْتُلُنِي فَقَالَ رَجُلٌ أَشْهِدْ أَنَّكَ وَهَبْت لِي دَمَك، وَعَفَوْت عَنِّي، وَأَنَا أَقْتُلُك فَأَشْهَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُنَا، وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت أَنْ يُقَادَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَوْلِيَائِهِ بِخِلَافِ عَفْوِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُعَاقِبُ الْقَاطِعُ يَدَهُ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي قَطْعِ يَدِهِ، وَلِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عَفْوُهُ عَنْ قَاتِلِهِ عَمْدًا بَعْدَ الْقَتْلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ جُرْحًا لَا يُتَيَقَّنُ مِنْهُ الْمَوْتُ أَوْ جُرْحًا يُتَيَقَّنُ مِنْهُ الْمَوْتُ وَتَنْفُذُ مَقَاتِلُهُ، فَإِنْ كَانَ جُرْحًا لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا، ثُمَّ عَفَا عَنْهُ، ثُمَّ نَزَّ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ لِوُلَاتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَقْتُلُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْ النَّفْسِ قَالَهُ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَفَوْت عَنْ الْجُرْحِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَيَكُونَ عَفْوًا عَنْ النَّفْسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَفَا عَنْ جُرْحٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَئُولُ إلَى نَفْسٍ، وَأَمَّا إنْ عَفَا بَعْدَ أَنْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي يَجُوزُ عَفْوُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنْ أَوْصَى أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُ الدِّيَةُ، وَأَوْصَى بِوَصَايَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَوَصَايَاهُ فِي دَيْنِهِ وَمَالِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ انْتَقَلَ الدَّمُ إلَى الدِّيَةِ فَصَارَ مَالًا لَهُ حُكْمُ مَالِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ عَفَا الْمَقْتُولُ عَنْ الدِّيَةِ دَخَلَتْ فِيهَا الْوَصَايَا، وَلَوْ عَفَا الْوَرَثَةُ عَنْ الدِّيَةِ لَمْ تَدْخُلْ فِيهَا الْوَصَايَا، وَإِنْ عَاشَ بَعْدَ الضَّرْبِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ. [مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْجِرَاحِ فِي الْخَطَإِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمَجْرُوحَ خَطَأٌ لَا يُعْقَلُ جُرْحُهُ حَتَّى يَبْرَأَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ دِيَةَ جُرْحِهِ قَبْلَ الْبُرْءِ رُبَّمَا تَرَامَى إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِ الْحُكْمِ وَالِاجْتِهَادِ، وَرُبَّمَا انْتَقَلَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَنْ الْجَانِي إلَى الْعَاقِلَةِ بِأَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونَ فِي مَالِ الْجَانِي، ثُمَّ يَتَرَامَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ الثُّلُثَ وَيَزِيدَ عَلَيْهِ فَيَجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَرُبَّمَا بَلَغَ ذَهَابَ النَّفْسِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَسَامَةِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ إلَّا بِهَا فَيَطْلُبُ حُكْمًا مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِ لَهُ أَنْ يَبْطُلَ بِإِبْطَالِهِ إنْ شَاءَ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ مِنْ اللُّزُومِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَالَ أَمْرُ الْمَجْرُوحِ، وَلَمْ يَبْرَأْ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِدِيَتِهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَإِنْ مَضَتْ لِذَلِكَ سَنَةٌ، وَاخْتَارَهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا خَتَنَ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْعَقْلَ، وَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَإِ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَخْطَأَ بِهِ الطَّبِيبُ أَوْ تَعَدَّى إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ فَفِيهِ الْعَقْلُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْقَاسِمِ، وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ، وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ إذَا انْقَضَتْ سَنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِالدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ، وَاخْتَارَهُ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِذَلِكَ حُكْمٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْبُرْءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَرِئَ قَبْلَ السَّنَةِ لَزِمَ تَعْجِيلُ عَقْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ لَمْ يَلْزَمْ تَعْجِيلُ عَقْلِهِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ السَّنَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ قَوْلٌ وَاحِدٌ فَقَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ يَسْتَأْنِي بِهِ سَنَةً أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا تَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ إلَّا وَقَدْ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَعَ ذِكْرِ السَّنَةِ فَإِنْ انْتَهَى إلَى مَا يُعْرَفُ عَقْلٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَعْقِلُ جُرْحٌ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الصِّدِّيقِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّنَةَ مُدَّةٌ يَتَقَرَّرُ فِيهَا أَمْرُ الْجُرْحِ فَأَمَّا بَرِئَ أَوْ تَقَرَّرَ عَلَى حَالَةٍ ثَابِتَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُعْقَلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ فُصُولُ السَّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَايَدَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَغْلِبُ النَّفْسَ، وَفِي الْغَالِبِ تَقَرُّرُهُ، وَفِي تَرْكِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إبْطَالُ الْأَرْشِ، وَإِضْرَارٌ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا عَقَلَ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ فَانْقَضَتْ السَّنَةُ فَإِنَّهُ يَعْقِلُ مَكَانَهُ، ثُمَّ إنْ بَرِئَ فَلَهُ مَا أَخَذَ، وَإِنْ زَادَ أَمْرُ الْجُرْحِ أَخَذَ الزِّيَادَةَ إنْ شَاءَ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ مَنْ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَهُ أَشْهَبُ. (فَرْعٌ) وَبِمَاذَا يُعْلَمُ الْبُرْءُ قَالَ الْمُغِيرَةُ إذَا قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ قَدْ بَرِئَ فَلْيَعْقِلْ فِي الْخَطَإِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْعَيْنِ تَذْهَبُ فَيَسِيلُ دَمْعُهَا فَتَمَّتْ السَّنَةُ، وَهِيَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَصْ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ شَيْءٌ فَفِيهَا حُكُومَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَمَّا مِثْلُ الْعَيْنِ تَدْمَعُ، وَالْجِرَاحُ الَّتِي تَكُونُ مِثْلَ هَذَا قَدْ ثَبَتَتْ عَلَى ذَلِكَ فَتِلْكَ تَعْقِلُ عِنْدَ السَّنَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَعْقِلُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ الْبُرْءِ مَا يُنْتَهَى إلَى حَالٍ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ وَإِنْ كُسِرَ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ غَيْرُهُمَا خَطَأً فَبَرِئَ، وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ، وَإِنْ نَقَصَ أَوْ كَانَ فِيهِ عَثِلٌ فَفِيهِ مِنْ الْعَقْلِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ لَا جُرْمَ وُجِدَ مِنْ فَاعِلِهَا مَا يَقْتَضِي الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ غُرْمُ مَا نَقَصَ فَإِنْ عَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا فَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ الْعَثَلُ أَنْ تَنْقُصَ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ فَلَا تَعُودُ الْأُولَى فَيُنْظَرَ إلَى حَالِهَا الْيَوْمَ كَمْ نَقَصَ مِنْ حَالِهَا الْأُولَى فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَلَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَظْمُ مِمَّا فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْلٌ مُسَمًّى فَبِحِسَابِ مَا فَرَضَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْلٌ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِ يُرِيدُ إنْ كَانَ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ الَّذِي فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ كَانَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ الْعَثَلُ عَلَى مَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ يُرِيدُ مِثْلَ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ مِثْلُ ضِلْعٍ أَوْ تَرْقُوَةٍ فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا عَقْلٌ مُسَمًّى فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى نَقْصٍ اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا الْجَائِفَةَ فَإِنَّ فِيهَا ثُلُثَ النَّفْسِ يُرِيدُ ثُلُثَ دِيَةِ الْإِنْسَانِ مُقَدَّرَةً، وَذَلِكَ لِغَرَرِهَا وَخَطَرِهَا وَصِغَرِهَا، وَإِنَّهَا إنْ بَرِئَتْ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ غَالِبًا عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَجَعَلَ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ تَحَرُّزًا لِلدِّمَاءِ وَرَدْعًا عَنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي مُنَقِّلَة الْجَسَدِ عَقْلٌ، وَهِيَ مِثْلُ مُوضِحَتِهِ يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا بَرِئَتْ عَلَى سَلَامَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِقِلَّةِ خَطَرِهَا، وَأَمَّا مُنَقِّلَةُ الرَّأْسِ فَفِيهَا الْعَقْلُ لِغَرَرِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُوضِحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّ الطَّبِيبَ وَالْحَجَّامَ وَالْخَاتِنَ وَالْبَيْطَارَ إنْ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِمْ أَحَدٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَفْعَلُوا الْفِعْلَ الْمَعْهُودَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَتَجَاوَزُوهُ فَإِنَّ فَعَلُوا الْمَعْهُودَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي

مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْمَرْأَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ أُصْبُعُهَا كَأُصْبُعِهِ، وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ، وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ، وَمُنَقِّلَتِهَا كَمُنَقِّلَتِهِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، وَبَلَغَهُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْمُوعَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يُخَالِفْ، وَكَذَلِكَ مُعَلِّمُ الْكِتَابِ وَالصَّنْعَةِ إنْ ضَرَبَ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَ الْخَاتِنُ الْحَشَفَةَ أَوْ يَضْرِبَ الْمُعَلِّمُ لِغَيْرِ أَدَبٍ تَعَدِّيًا أَوْ يَتَجَاوَزَ فِي الْأَدَبِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْحَجَّامُ يَقْطَعُ حَشَفَةَ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ يُؤْمَرَ بِقَطْعِ يَدٍ فِي قِصَاصٍ فَيَقْطَعَ غَيْرَهَا أَوْ زَادَ فِي الْقِصَاصِ عَلَى الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ مِنْ الْخَطَإِ مَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ سَوَاءٌ عَمِلَ ذَلِكَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ فِي الطَّبِيبِ يَخْتِنُ فَيَقْطَعُ الْحَشَفَةَ سَوَاءٌ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَغُرَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ فِي فِعْلٍ مَأْذُونٌ فِيهِ لَمْ يُعْلَمْ تَعَمُّدُهُ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْخَطَإِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فَافْتَضَّهَا فَجُرِحَ وَحُكُومَتُهُ فِي مَالِهِ إنْ قَصُرَ عَنْ الثُّلُثِ فَإِنْ بَلَغَ الثُّلُثَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي فِي فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ لَكِنَّهُ بَلَغَ مِنْهُ فَوْقَ الْمُبَاحِ فَحُرِّمَ أَثَرُهُ عَلَيْهَا فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْخَطَإِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِأَجْنَبِيَّةٍ كَانَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ جَاوَزَ الثُّلُثَ مَعَ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَالْحَدِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ زِنًى كَانَ فِعْلًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَكَانَ أَرْشُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَمْدِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ أَذْهَبَ عُذْرَةَ امْرَأَةٍ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا شَأْنَهَا عِنْدَ الْأَزْوَاجِ فِي حَالِهَا وَجَمَالِهَا مَعَ نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَنَاوُلَ ذَلِكَ بِأُصْبُعِهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَكَانَ كَالْجُرْحِ فَعَلَيْهِ مَا شَأْنَهَا بِهِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قِيمَةُ الصَّدَاقِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطْءٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا يَسْقِيهِ الطَّبِيبُ مِنْ الدَّوَاءِ فَيَمُوتُ مَنْ شَرِبَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا عِلْمَ لَهُ، وَقَدْ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ عِيسَى لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مُسْلِمٍ أَوْ نَصْرَانِيٍّ يَسْقِي مُسْلِمًا دَوَاءً فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ سَقَاهُ شَيْئًا لِيَقْتُلَهُ بِهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سَقَاهُ طَبِيبٌ دَوَاءً فَمَاتَ، وَقَدْ سَقَى أَمَةً قَبْلَهُ فَمَاتَتْ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَضَمِنُوا كَانَ حَسَنًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ فِي قَطْعِ الْعِرْقِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَخُوفَةِ أَنْ لَا تُقْدِمُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعِلَاجِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَذَهَبَ عِيسَى إلَى أَنَّ مَنْ غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا عِلْمَ لَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَزَادَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَمْرَ فِيمَنْ هَذِهِ حَالُهُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِمْ، وَالْإِعْذَارُ إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُقْدِمُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنْ جَرَى مِنْهُمْ شَيْءٌ ضَمِنُوهُ، وَصِفَةُ التَّقَدُّمِ إلَيْهِمْ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيُّمَا طَبِيبٍ سَقَى أَحَدًا أَوْ طَبَّهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لِيُنْذِرَهُمْ، وَيَقُولَ مَنْ دَاوَى رَجُلًا فَمَاتَ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ، وَأَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إذَا أُنْذِرُوا، وَاعْتَبَرَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِالْفَوْرِ مِنْ عِلَاجِهِ فَقَالَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْقِيَ صَحِيحًا فَيَمُوتَ مَكَانَهُ فَهَذَا سُمٌّ أَوْ يَقْطَعَ عِرْقًا فَلَا يَزَالُ يَسِيلُ دَمُهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَأَمَّا مَنْ يُعَالِجُ الْمَرْضَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعِيشُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ سَقَى رَجُلٌ جَارِيَةً بِهَا بُهْرٌ شَيْئًا فَمَاتَتْ مِنْ سَاعَتِهَا فَهَلْ هَذَا الِاسْمُ، وَلَا يَضْمَنُوا قَبْلَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِمْ فَاعْتَبَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَمْرَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِ، وَأَمَّا إذَا تَرَاخَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ حَالُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَهَذَا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما جاء في عقل المرأة]

عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تُعَاقِلُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ كَانَتْ إلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ، وَمَا دُونَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَأَشْبَاهِهِمَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ كَانَ عَقْلُهَا فِي ذَلِكَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْمَرْأَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ أُصْبُعُهَا كَأُصْبُعِهِ يُرِيدُ أَنَّ مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ عَقْلُهَا فِيهِ كَعَقْلِ الرَّجُلِ، وَهُوَ مَعْنَى مُعَاقِلَتِهَا لَهُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ فِي عَقْلِ مَا جَنَى عَلَيْهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ كَانَ عَقْلُهَا نِصْفَ عَقْلِ الرَّجُلِ، وَبِهَذَا قَالَ مَنْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ تُسَاوِيهِمَا فِي الْمُوضِحَةِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَرُوِيَ عَنْهُمَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَنَّهَا عَلَى دِيَةِ الرَّجُلِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَرَوَى عَنْهُمَا مِثْلَ قَوْلِنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا إتْلَافَ مُوجِبِهِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَسَاوَتْ فِيهِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، أَصْلُ ذَلِكَ عَقْلُ الْجَنِينِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» جَمَعْت هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ وَالْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أُصْبَعُهَا كَأُصْبُعِهِ، وَسِنُّهَا كَسِنِّهِ، وَمُوضِحَتُهَا كَمُوضِحَتِهِ، وَمُنَقِّلَتُهَا كَمُنَقِّلَتِهَا يُرِيدُ أَنَّ عَقْلَ هَذِهِ كُلَّهَا دُونَ الثُّلُثِ فَلِذَلِكَ سَاوَتْ فِيهِ الرَّجُلَ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهَا تُعَاقِلُهُ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ، وَمَا دُونَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَأَكْثَرُ فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ كَانَ عَقْلُهَا نِصْفَ عَقْلِ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنَّ لَهَا فِي الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَلَوْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ كَفٍّ فَفِيهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا كَالرَّجُلِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَلَوْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ، وَنِصْفُ أُنْمُلَةٍ لَكَانَ فِيهِ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا، وَثُلُثُ بَعِيرٍ كَالرَّجُلِ، وَلَوْ قُطِعَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَأُنْمُلَةٌ عَادَتْ إلَى دِيَتِهَا فَكَانَ لَهَا سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَثُلُثُ بَعِيرٍ ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَلَوْ قُطِعَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ لَكَانَ لَهَا عِشْرُونَ بَعِيرًا، وَفِي هَذَا قَالَ رَبِيعَةُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَكُلَّمَا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَتْ مَنْفَعَتُهَا فَقَالَ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ إنَّهَا السُّنَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَدَنِيٌّ، وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّهَا السُّنَّةُ يُرِيدُ سُنَّةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَنَسَبَ السُّنَّةَ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قُطِعَ لَهَا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهَا مِنْ التَّتَابُعِ وَالتَّقَارُبِ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ بَعْدَ فِعْلٍ فَإِنْ كَانَ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهَا فَفِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ قُطِعَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ فِي ضَرْبَةٍ أَوْ ضَرَبَاتٍ فَفِيهَا ثَلَاثُونَ فَإِنْ قُطِعَ بَعْدَ ذَلِكَ أُصْبُعًا مِنْ تِلْكَ الْكَفِّ أُضِيفَتْ إلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ فِيهَا خَمْسٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ الْوَاحِدَةَ يُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ إذَا أُفْرِدَتْ بِالْقَطْعِ، وَلَا يُضَافُ إلَى مَا تَقَدَّمَ كَالْأَسْنَانِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ مَحَلٌّ وَاحِدٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْيَدَ فِيهَا خَمْسُ أَصَابِعَ، وَبِقَطْعِهَا يَكْمُلُ أَرْشُ الْيَدِ، وَإِذَا قُطِعَ مِنْهَا وَاحِدٌ لَمْ يَعُدْ، وَكَانَتْ الْيَدُ نَاقِصَةً بِنُقْصَانِهَا فَلِذَلِكَ يُضَافُ بَعْضُ أَصَابِعِ الْيَدِ إلَى بَعْضٍ، وَأَمَّا الْمُنَقِّلَةِ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَخَذَتْ أَرْشَهَا فَبَرِأَتْ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا مُنَقِّلَةً فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَهَا مِثْلُ مَا لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمُنَقِّلَةَ الْأُولَى غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَسْنَانُ إذَا زَالَتْ لَمْ يَنْقُصْ بِذَلِكَ أَرْشُ مَحَلِّهَا بِخِلَافِ الْيَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ مِنْ كَفٍّ، ثُمَّ قَطَعَ أُصْبُعًا أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ الْكَفِّ الثَّانِيَةِ فَفِيهَا أَيْضًا ثَلَاثُونَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَلَا يُقَادُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبَهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ فَيَضْرِبَهَا بِسَوْطٍ فَيَفْقَأَ عَيْنَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَكُونُ لَهَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا فَلَيْسَ عَلَى زَوْجِهَا إذَا كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِنْ عَقْلِ جِنَايَتِهَا شَيْءٌ، وَلَا عَلَى وَلَدِهَا إذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَوْمِهَا، وَلَا عَلَى إخْوَتِهَا مِنْ أُمِّهَا مِنْ غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَلَا قَوْمِهَا فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا، وَالْعَصَبَةُ عَلَيْهِمْ مُنْذُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَوْمِ، وَكَذَلِكَ مَوَالِي الْمَرْأَةِ مِيرَاثَهُمْ لِوَلَدِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهَا، وَعَقْلُ جِنَايَةِ الْمَوَالِي عَلَى قَبِيلَتِهَا) . عَقْلُ الْجَنِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَةٌ؛ لِأَنَّهَا اخْتَلَفَتْ فِي الضَّرْبِ وَالْمَحَلِّ، وَلَوْ قُطِعَ فِي فَوْرِ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مِنْ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ، وَأُصْبُعَانِ مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى فَكَانَ ذَلِكَ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ضَرَبَاتٍ فِي حُكْمِ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ ضَارِبٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ فَفِي الْأَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قُطِعَ لَهَا مِنْ كَفٍّ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ فَأَخَذَتْ فِيهَا عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ قُطِعَ لَهَا مِنْ تِلْكَ الْكَفِّ أُصْبُعٌ خَاصَّةً فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّ فِي الْخَامِسَةِ خَمْسَةً مِنْ الْإِبِلِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيهَا عَشَرَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا خِلَافُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ اعْتِبَارُهُ بِانْفِرَادِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَلَا يُقَادُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَيُصِيبَهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ فَيَضْرِبَهَا بِسَوْطٍ فَيَفْقَأَ عَيْنَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ أَنَّ عَلَيْهِ عَقْلَهَا، وَلَا يُقَادُ مِنْهُ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقْصِدَ إلَى أَدَبِهَا بِسَوْطٍ أَوْ حَبْلٍ فَيُصِيبَهَا مِنْ ذَلِكَ ذَهَابُ عَيْنٍ أَوْ غَيْرُهَا فَفِيهَا الْعَقْلُ دُونَ الْقَوَدِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدْهَا بِفَقْءِ عَيْنٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا قَيْدَ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ لَهُ تَأْدِيبُ الزَّوْجَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِي جِنَايَتِهِ عَلَيْهَا، وَمُخَالَفَتِهَا لَهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَكَانَ أَدَبُهُ لَهَا مُبَاحًا فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِنْ عَمَدَ إلَى الضَّرْبِ الْمُتْلِفِ لِلْأَعْضَاءِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّهَا قِصَاصٌ» ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ حُكْمَ الْوِلَايَةِ، وَحُكْمَ الْوِرَاثَةِ قَدْ يَخْتَلِفَانِ فَتَرِثُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَابْنَهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا، وَلَا يَعْقِلُونَ عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ قَوْمِهَا، وَيَعْقِلُ عَنْهَا عَصَبَتُهَا، وَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهَا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ التَّوَارُثَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ التَّعْصِيبِ فَتَرِثُ الزَّوْجَةُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ، وَلَا تَعْصِيبَ لَهُمْ، وَتَحَمُّلُ الدِّيَةِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّعْصِيبِ فَكَانَ عَلَى مَا أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[عقل الجنين]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [عَقْلُ الْجَنِينِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ الْأُخْرَى قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّمْيُ أَوْ الضَّرْبُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَقَوْلُهُ فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ الْجَنِينُ الْمَذْكُورُ مَا أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَلَدٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَلَّقًا قَالَ دَاوُد بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا سَقَطَ مِنْهَا وَلَدٌ مُضْغَةً كَانَ أَوْ عَظْمًا كَانَ فِيهِ الرُّوحُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ وَلَدٌ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ خَلْقِهِ عَيْنٌ، وَلَا أُصْبُعٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ فَإِذَا عَلِمَ النِّسَاءُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَفِيهِ الْغُرَّةُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَإِنَّهُ كَأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ أُمِّهِ فَإِنَّمَا فِيهِ عُشْرُ دِيَتِهَا فَإِنْ كَانُوا تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِيهَا غُرَّتَانِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَنِينٌ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ الْغُرَّةُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْغُرَّةَ يُجْزِي فِيهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا، وَكَانَ يَحْتَمِلُ لَفْظُ الْحَدِيثِ الشَّكَّ مِنْ الرَّاوِي بِأَنْ يَكُونَ قَدْ حُفِظَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، وَأَنَّهُ يَشُكُّ فِي تِلْكَ الْغُرَّةِ هَلْ هُوَ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَبِهِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ آدَمِيٍّ يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ، وَلَا بِالْأُنْثَى كَالرَّقَبَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْغُرَّةُ مِنْ الْحُمْرَانِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السُّودَانِ إلَّا أَنْ يَغْلُوا فَمِنْ أَوْسَطِ السُّودَانِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُمْرَانَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الرَّقِيقِ، وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْجَانِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَدْوَنِهِ إلَّا أَنْ يُعْدَمَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَسَطِ مِنْ السُّودَانِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْغُرَّةُ مَوْرُوثَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَصْحَابُ مَالِكٍ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ. وَقَالَ رَبِيعَةُ هِيَ لِلْأُمِّ خَاصَّةً، وَقَالَ ابْنُ هُرْمُزَ هِيَ لِلْأَبَوَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ مَرَّةً، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ، وَبِقَوْلِ ابْنِ هُرْمُزَ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا دِيَةٌ فَكَانَتْ مَوْرُوثَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الدِّيَاتِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُرِيدُ أَنَّهَا لَمْ تُلْقِهِ إلَّا مَيِّتًا فَإِنَّهُ قَضَى فِيهِ بِالْغُرَّةِ فَقَالَ الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ، وَيُرْوَى بَاطِلٌ فَاعْتَرَضَ عَلَى نَصِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ عَامًّا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ حَالِ الْجَنِينِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا خَرَجَ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْجَنِينَ خَرَجَ حَيًّا فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ قَالَ «إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ إلَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ الْأَسْجَاعِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْكُهَّانُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْبَاسِ عَلَى النَّاسِ أَوْ التَّمْوِيهِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى شَبَّهَهُ بِالْكَاهِنِ فِي سَجْعِهِ، وَغَيْرُ مَالِكٍ يَرْوِيه أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ، وَأَقَرَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الْحَقُّ فَإِنَّهُ مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى.

دِرْهَمٍ، ودِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ جَنِينَ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا، وَالْعُشْرُ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ لَا تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ حَتَّى يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ، وَيَسْقُطَ مِنْ بَطْنِهَا مَيِّتًا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْت أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْغُرَّةَ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا يُرِيدُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ يُرِيدُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْإِبِلِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ خَمْسُ فَرَائِضَ: بِنْتُ مَخَاضٍ، وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَحِقَّةٌ، وَجَذَعَةٌ، وَقَالَهُ رَبِيعَةُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَوَقَفَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ لَا مَدْخَلَ لِلْإِبِلِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ بِالْإِبِلِ. وَقَالَ أَصْبَغُ وَلَا أَحْسَبَهُ إلَّا وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فِيهَا إلَّا الْإِبِلُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَفْيِ الِاعْتِبَارِ بِالْإِبِلِ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ هِيَ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَلِذَلِكَ قُوِّمَتْ بِهَا الْغُرَّةُ وَالْإِبِلُ لَيْسَتْ بِقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ بِهَا الْغُرَّةُ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلَ لَكِنَّهَا رُدَّتْ إلَى الْعَيْنِ، وَمَا كَانَ أَصْلُهُ الْعَيْنَ لَا يُرَدُّ إلَى الْإِبِلِ، وَلَمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ بِالْغُرَّةِ، وَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِهَا قُدِّرَتْ بِمَا يَقَعُ بِهِ التَّقْوِيمُ، وَهُوَ الْعَيْنُ دُونَ مَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّقْوِيمُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْإِبِلَ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ فَاعْتُبِرَ بِهِ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ كَالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْغُرَّةِ نَسَمَةٌ وَلَيْسَتْ كَالسُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا، وَإِذَا بَذَلَ غُرَّةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ تُؤْخَذْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَهْلُهُ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا التَّقْوِيمَ إنَّمَا هُوَ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْغُرَّةِ لَفْظٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ حَقٌّ لَازِمٌ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مُقَدَّرَةٌ فَأَعْلَمَ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ فِيهَا هُوَ الَّذِي يُجْزِئُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَفِيهَا حَقُّ مَنْ بُذِلَتْ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَقَالَ عِيسَى الْقَاتِلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ الدَّنَانِيرَ أَوْ الدَّرَاهِمَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْجَنِينَ لَا تَثْبُتُ فِيهِ الْغُرَّةُ حَتَّى يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَإِنْ مَاتَتْ، ثُمَّ خَرَجَ الْجَنِينُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي أُمِّهِ الدِّيَةُ خَاصَّةً، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَتَّبِعُ فِيهِ أُمَّهُ فَلَا حُكْمَ لَهُ كَالزَّكَاةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ تَلَفَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْهَا، وَلَوْ تَلِفَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا كَانَتْ فِيهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا دِيَةَ فِيهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا جَنِينٌ فَارَقَ أُمَّهُ مَيِّتًا فَلَزِمَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ كَمَا لَوْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ إذَا خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِذَا خَرَجَ بَعْضُهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا شَيْءَ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهِ الْغُرَّةُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ رَاعَى ابْتِدَاءَ خُرُوجِهِ دُونَ تَمَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَقَوْلُهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً يُرِيدُ أَنَّ لَهُ بِخُرُوجِهِ حَيًّا حُكْمَ نَفْسِهِ فَيَجِبُ بِهِ مِنْ الدِّيَةِ مَا يَجِبُ بِالْحَيِّ الْكَبِيرِ، وَحِينَئِذٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَكَرِهِ وَأُنْثَاهُ فَفِي الذَّكَرِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْأُنْثَى نِصْفُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الضَّرْبُ خَطَأً فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بَعْدَ الْقَسَامَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَنْ ضُرِبَ، ثُمَّ عَاشَ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَانَ اسْتَهَلَّ حِينَ مَاتَ مَكَانَهُ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ عَمْدُهُ كَالْخَطَإِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِضَرْبِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا حَيَاةَ لِجَنِينٍ إلَّا بِاسْتِهْلَالٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً عَمْدًا، وَاَلَّتِي قَتَلَتْ حَامِلٌ لَمْ يُقَدْ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ حَامِلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ فَإِنْ قُتِلَتْ عَمْدًا قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا، وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ) . (ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ يُطْرَحُ فَقَالَ أَرَى أَنَّ فِيهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا إذَا تَعَمَّدَ الْجَنِينَ بِضَرْبِ الْبَطْنِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ مَوْضِعٍ يَرَى أَنَّهُ يُصِيبُ بِهِ فَفِيهِ الْقَوَدُ بِقَسَامَةٍ فَأَمَّا إذَا ضَرَبَ رَأْسَهَا أَوْ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ بِقَسَامَةٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قَتْلِهِ كَمَنْ رَمَى يُرِيدُ قَتْلَ إنْسَانٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَمْ يُرِدْهُ فَإِنَّ فِيهِ الدِّيَةَ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَاصِدٌ إلَى قَتْلِهِ حِينَ قَصَدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا يَصِلُ فِيهِ الضَّرْبُ إلَيْهِ، وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ دِيَةُ هَذَا الْجَنِينِ الَّذِي ضُرِبَ رَأْسُ أُمِّهِ عَمْدًا فِي مَالِ الضَّارِبِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَتْلُ حُرٍّ لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ بِوَجْهٍ فَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْخَطَإِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قُتِلَ عَمْدًا فَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَمَا لَوْ قَصَدَ ضَرْبَهُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا حَيَاةَ لِجَنِينٍ إلَّا بِاسْتِهْلَالٍ، وَهُوَ الصِّيَاحُ، وَالِاسْتِهْلَالُ هُوَ رَفْع الصَّوْتِ قَالَهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الِاسْتِهْلَالُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْجَنِينِ هُوَ الْبُكَاءُ وَالصُّرَاخُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ فَإِذَا صَاحَ وَجَبَ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَوَرِثَ وَوُرِّثَ، وَأَمَّا الْعُطَاسُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَكُونُ اسْتِهْلَالًا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُوَ اسْتِهْلَالٌ قَالَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ وَالتَّحَرُّكُ، وَلَوْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ اسْتِرْخَاءِ الْمُرْسَلِ، وَلَيْسَ بِحَيَاةٍ قَالَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ حَيَاةٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إذَا كَانَ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا فَإِذَا كَانَ ابْنُهَا مِنْ سَيِّدِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الْحُرَّةِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لَكَانَ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِتْقُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُولَدَ حَيًّا أَوْ أَلْقَتْهُ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ لَكَانَتْ فِيهِ دِيَةُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ يُرِيدُ قِيمَتَهَا قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ زَادَتْ عَلَى الْغُرَّةِ أَوْ قَصُرَتْ عَنْهَا قَالَ مَالِكٌ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَبُو الزِّنَادِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا جَنِينٌ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ حُرٌّ فَوَجَبَ أَنْ يُودَى بِعُشْرِ مَا تُودَى أُمُّهُ بِهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ مَا لَمْ يُفَارِقْهَا، وَكَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ الْجَانِيَ مَا نَقَصَهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ، وَمَنْ جَنَى عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا، وَهَذَا إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا فَحُكْمُهُ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ حُرًّا فَدِيَةُ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَدِيَةُ عَبْدٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِ قِيمَتُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى قَدْرِ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْحَامِلَ إذَا قُتِلَتْ عَمْدًا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا لَهُ حَقٌّ وَحُرْمَةٌ، وَإِنْ عُجِّلَ قَتْلُهَا مَاتَ بِمَوْتِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ امْرَأَةً فَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ يُرِيدُ إنْ بَقِيَ فِي بَطْنِهَا وَلَمْ يَخْرُجُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا قَبْلَ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا مَاتَتْ، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا فَإِنَّمَا هُوَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهَا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا وَقَدْ وَجَبَ مِنْ دِيَتِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ هَذَا حُكْمُ دِيَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ الْحُرَّةِ إذَا كَانَ ابْنُهَا

[ما فيه الدية كاملة]

مَا فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَإِذَا قُطِعَتْ السُّفْلَى فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ إنْ أَحَبَّ الصَّحِيحُ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْهُ فَلَهُ الْقَوَدُ، وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زَوْجٍ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا كَافِرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّمَا فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِكَوْنِ أُمِّهِ حُرَّةً، وَمُسْلِمٌ لِكَوْنِهِ لِأَبِيهِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي الدِّينِ لِأَبِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْكِتَابِيَّةُ حُرَّةً تَحْتَ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ فِيهِ الْغُرَّةُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ لِكَوْنِ أُمِّهِ حُرَّةً، وَمُسْلِمٌ لِكَوْنِ أَبِيهِ مُسْلِمًا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً] (ش) : قَوْلُهُ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُهَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ فِيمَا عَلِمْنَا، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّ فِي السُّفْلَى ثُلُثُ الدِّيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُهُ، وَأَرَاهُ وَهْمًا عَلَيْهِ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ مَنْ خَالَفَهُ، وَالْحُجَّةُ أَتَمُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّ السُّفْلَى أَحْمَلُ لِلطَّعَامِ وَاللُّعَابِ فَإِنَّ فِي الْعُلْيَا مِنْ الْجَمَالِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ يُسْرَى الْيَدَيْنِ، وَيُمْنَاهُمَا فِي الْمَنَافِعِ، وَتَتَسَاوَيَانِ فِي الدِّيَةِ، وَبِهَذَا قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقِيلَ إنَّ فِي الْعُلْيَا مِنْ الشَّفَتَيْنِ ثُلُثِي الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالشَّفَةُ الَّتِي يَجِبُ بِذَهَابِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ كُلّ مَا زَايَلَ جِلْدَ الذَّقَنِ وَالْخَدَّيْنِ مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ مُسْتَدِيرًا بِالْفَمِ، وَهُوَ كُلُّ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ مَا يُغَطِّي الْأَسْنَانَ وَاللِّثَاتِ مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ فَهُوَ مِنْ الشَّفَتَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْجَانِبِ فَإِنَّهُمَا مُتَّصِلَانِ بِالشِّدْقَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ الشَّفَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْأَعْوَرَ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ يُرِيدُ عَمْدًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ خَطَأً فَسَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنُ الْجَانِي هِيَ مِثْلَ الْعَيْنِ الَّتِي أَتْلَفَهَا مِنْ الصَّحِيحِ أَوْ خِلَافَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا دِيَةُ عَيْنِهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ لِلصَّحِيحِ الْخِيَارَ يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الْبَاقِيَةُ لِلْأَعْوَرِ مِثْلَ الْعَيْنِ الَّتِي فَقَأَ الصَّحِيحُ فِي كَوْنِهَا يُمْنَى أَوْ يُسْرَى فَأَمَّا إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ الْبَاقِيَةُ يُمْنَى، وَفَقَأَ يُسْرَى عَيْنَيْ الصَّحِيحِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ دِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا إذَا فَقَأَ مِثْلَهَا فَهُوَ الَّذِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ إنَّ الصَّحِيحَ بِالْخِيَارِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَأَخْذِ نِصْفِ الدِّيَةِ قَالَ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَعِيدٍ، وَمَا بَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَانَ لِمَالِكٍ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ رَجَعَ مَالِكٌ إلَى هَذَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِلصَّحِيحِ أَخْذُ الدِّيَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا لَهُ دِيَةُ عَيْنَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدِّيَةَ عِوَضٌ مِمَّا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَهِيَ عَيْنُ الْأَعْوَرِ، وَدِيَتُهَا أَلْفٌ، وَكَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهَا أَوْ يَأْخُذَ عِوَضَهَا، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الَّتِي أَصَابَ الْجَانِي عَيْنَ الصَّحِيحِ وَدِيَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَإِنَّمَا لَهُ دِيَةُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ دُونَ دِيَةِ مَا فِي الْجَانِي مِنْ الْأَعْضَاءِ كَمَا لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ فَإِنَّمَا لَهَا دِيَةُ يَدِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : ، وَلَوْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَيْ رَجُلٍ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي كُلِّ زَوْجٍ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَأَنَّ فِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَأَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا الدِّيَةَ كَامِلَةً اصْطَلَمَتَا أَوْ لَمْ تَصْطَلِمَا، وَفِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ تُفْقَأُ عَيْنُهُ الْبَاقِيَةُ، وَتُؤْخَذُ دِيَةُ عَيْنِهِ الثَّانِيَةِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَرَبِيعَةُ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ تُفْقَأَ عَيْنُهُ بِعَيْنِهِ رَوَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْهُمَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا إنْ فَقَأَ الصَّحِيحُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ فَإِنَّ الْأَعْوَرَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَأَخْذِ دِيَةِ عَيْنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّ مَالِكًا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقَوَدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إنْ كَانَ الْجَانِي صَحِيحَ الْعَيْنَيْنِ أَوْ صَحِيحَ الْعَيْنِ الَّتِي مِثْلُهَا لِلْأَعْوَرِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي كُلِّ زَوْجٍ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةَ كَامِلَةً يُرِيدُ عَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَأُنْثَيَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ قُطِعَتَا أَوْ شُلَّتَا أَوْ رُضَّتَا حَتَّى زَالَتَا. وَقَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً قُطِعَتَا مَعَ الذَّكَرِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَقَارَبَ قَطْعُهُمَا سَوَاءٌ قُطِعَ الذَّكَرُ قَبْلَ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ بَعْدَهُمَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ إنْ قُطِعَ الذَّكَرُ أَوَّلًا وَآخِرًا فَفِي الْآخِرِ حُكُومَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ قُطِعَتَا بَعْدَ الذَّكَرِ فَلَا دِيَةَ فِيهِمَا، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ قُطِعَ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا، وَإِنْ قُطِعَا مَعًا فَفِيهِمَا دِيَتَانِ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ فَوْقُ أَوْ أَسْفَلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكًا فَقَالَ أَيُّهُمَا قُطِعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَفِي الثَّانِيَةِ حُكُومَةٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اخْتَلَفَ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً هَذَا إنْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَإِذَا كَانَ قَطْعُهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمَهُ فَفِيهِمَا الدِّيَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَقْصٌ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُتَ النَّقْصُ فِي الْآخِرِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ مَا صَارَ إلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي ذَكَرِ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَكَذَلِكَ ذَكَرُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي ضَعُفَ عَنْ النِّسَاءِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ اسْتِرْخَاءُ ذَكَرِ الْكَبِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ أَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ مِنْ السَّمَاءِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ إنَّ الْأَمْرَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهُوَ عَسِيبٌ قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ إلَّا الِاجْتِهَادَ، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ أُنْثَيَاهُ، وَبَقِيَ ذَكَرُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا شَفْرَا الْمَرْأَةِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا سُلِتَا حَتَّى يَبْدُوَ الْعَظْمُ أَنَّ فِيهِمَا الدِّيَةَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مُصِيبَةً عَلَيْهَا مِنْ ذَهَابِ يَدَيْهَا أَوْ عَيْنَيْهَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي ذَلِكَ بِالدِّيَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ كَامِلَةً قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا لَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ أَوْ بَحَّ أَوْ غَنَّ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا مَنَعَ بَعْضَ الْكَلَامِ فَفِيهِ بِقَدْرِ مَا مَنَعَ مِنْ كَلَامِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ اللِّسَانِ الْكَلَامُ فَفِي جَمِيعِهِ الدِّيَةُ، وَفِي بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ كَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنَّمَا الدِّيَةُ فِيهِ بِقَدْرِ الْكَلَامِ لَا بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ اللِّسَانِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَيْفَ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ لَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا أَثْقَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَكِنْ بِالِاجْتِهَادِ، وَقَالَ أَشْهَبُ بِقَدْرِ مَا يَرْسَخُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً قَالَ مَالِكٌ، وَأَخَفُّ ذَلِكَ عِنْدِي الْحَاجِبَانِ، وَثَدْيَا الرَّجُلِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُصِيبَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ إذَا أُصِيبَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَعَيْنَاهُ فَلَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إذَا فُقِئَتْ خَطَأً أَنَّ فِيهَا الدِّيَةَ كَامِلَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَالْعَقْلِ يَذْهَبُ بَعْضُهُ فَإِنَّ الدِّيَةَ تُقَسَّطُ عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ بِخِلَافِ الْجَوَارِحِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِهَا دُونَ مَنَافِعِهَا. وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّهُ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تُجَزَّأُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا فَمَا نَقَصَ مِنْ الْحُرُوفِ نَقَصَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَجْزَاءِ مَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَالْأَسْنَانِ وَالْأَصَابِعِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَفِي الْأُذُنَيْنِ إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُمَا الدِّيَةُ اصْطَلَمَتَا أَوْ لَمْ تَصْطَلِمَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْهَبْ سَمْعُهُمَا فَقَدْ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ فِي إشْرَافِ الْأُذُنَيْنِ إلَّا حُكُومَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي شَحْمِهِمَا، وَرَوَى الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَالثَّانِيَةُ فِيهِمَا الدِّيَةُ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ يَحْصُلُ مَعَ عَدَمِهِمَا، وَلَا جَمَالٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعِمَامَةَ تَسْتُرُهُمَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كُتِبَ لِابْنِ حَزْمٍ، وَفِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا ظَاهِرًا كَالْأَنْفِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِيهِمَا قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا حُكُومَةٌ، وَالْأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً دِيَةُ الْمُنَقِّلَةِ قَالَ، وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ذَهَبَ السَّمْعُ وَالْأُذُنُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ، وَعِنْدِي يَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَحُكُومَةٌ أَوْ دِيَتَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّمْعَ يُبْطِئُ مَعَ ذَهَابِهِمَا فَهُوَ مَنْفَعَةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَلَمْ يَجِبْ أَنْ يَتَدَاخَلَ أَرْشُهُمَا. (ش) : قَوْلُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُمَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، وَرَضَاعُ الْوَلَدِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا قَطَعَ الْحَلَمَتَيْنِ، وَأَبْطَلَ مَجْرَى اللَّبَنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ حَدَّ مَا يُوجِبُ الدِّيَةَ فِيهِمَا ذَهَابُ الْحَلَمَتَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَ أَذْهَبَ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَدَادٌ لِصَدْرِهَا وَمُنَاوَلَتُهَا لِوَلَدِهَا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَفِيهِمَا بِقَدْرِ شَيْنِهِمَا، وَأَمَّا ثَدْيَا الرَّجُلِ فَقَالَ عِيسَى فِي الْمَزنِيَّةِ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ أَخَفَّ ذَلِكَ عِنْدِي الْحَاجِبَانِ، وَثَدْيَا الرَّجُلِ مَعْنَاهُ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تُتِمُّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا الِاجْتِهَادُ، وَرَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا أَلْيَتَا الْمَرْأَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ فِيهِمَا حُكُومَةٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَطْرَافِهِ مَا فِيهِ دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَبَقِيَتْ نَفْسُهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ دِيَةَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ بَلَغَتْ عِدَّتُهَا دِيَاتِ نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَتَدَاخَلُ مَعَ بَقَاءِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ كُلُّهَا فِي دِيَةِ النَّفْسِ إذَا تَلِفَتْ النَّفْسُ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ دِيَةً، وَفِي الشَّفَتَيْنِ دِيَةً، وَفِي اللِّسَانِ دِيَةً، وَفِي الْيَدَيْنِ دِيَةً، وَفِي الصُّلْبِ إذَا كُسِرَ دِيَةً، وَفِي الْعَقْلِ دِيَةً، وَفِي الذَّكَرِ دِيَةً، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ دِيَةً، وَفِي الرِّجْلَيْنِ دِيَةً، فَفِي الرَّجُلِ تِسْعُ دِيَاتٍ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهَا. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ كَامِلَةً قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَإِحْدَى الْيَدَيْنِ، وَهَذَا غَيْرُ مُشَبَّهٍ لِلْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُبْصِرُ بِالْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مَا يُبْصِرُ بِالْعَيْنَيْنِ، وَلَا يَعْمَلُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ مَا يَعْمَلُ بِيَدَيْنِ، وَلَا يَسْعَى بِرِجْلٍ وَاحِدَةٍ سَعْيُهُ بِرِجْلَيْنِ قَالَ، وَأَمَّا السَّمْعُ فَيُسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ بِالْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ كَمَا يَسْمَعُ

[ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها]

مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا طُفِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتَرِ الْعَيْنِ وَحِجَاجِ الْعَيْنِ فَقَالَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الِاجْتِهَادُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بَصَرُ الْعَيْنِ فَيَكُونَ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الْعَوْرَاءِ إذَا طُفِئَتْ، وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاء إذَا قُطِعَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الِاجْتِهَادُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَقْلٌ مُسَمَّى) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأُذُنَيْنِ فَهُوَ كَالْبَصَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ضُرِبَ ضَرْبَةً أَذْهَبَتْ نِصْفَ بَصَرِ إحْدَى عَيْنَيْهِ، ثُمَّ ضُرِبَ ضَرْبَةً أُخْرَى أَذْهَبَتْ الصَّحِيحَةَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَتْلَفَ عَلَيْهِ ثُلُثَا مَا بَقِيَ مِنْ بَصَرِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأُولَى شَيْءٌ فَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَةِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ إحْدَاهُمَا نَظَرٌ فَمَا أَتْلَفَ مِنْ الْأُخْرَى فَبِحِسَابِ أَلْفِ دِينَارٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا] (ش) : قَوْلُهُ، وَفِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا مِائَةُ دِينَارٍ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ هِيَ الَّتِي قَدْ بَقِيَتْ صُورَتُهَا وَهَيْئَتُهَا، وَذَهَبَ بَصَرُهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَقْدِيرِ عَقْلِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى غُرْمِ هَذَا الْمِقْدَارِ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِيهَا، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنْ لَيْسَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُهَا فَبَقِيَتْ إلَّا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْيَدُ الشَّلَّاءُ تُقْطَعُ، وَالْأَصَابِعُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَهَا قَدْ ذَهَبَتْ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْجَمَالِ فَلِذَلِكَ كَانَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، وَلَمْ يَتَقَدَّرْ عَقْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي عُضْوٍ بَاقِي الْمَنَافِعِ أَوْ بَعْضِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ الْعَرْجَاءُ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ. وَقَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الذِّرَاعُ يُقْطَعُ بَعْدَ ذَهَابِ الْكَفِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ الْكَفُّ يُقْطَعُ بَعْدَ ذَهَابِ الْأَصَابِعِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَلَيْسَ فِي اسْتِرْخَاءِ اللِّسَانِ أَوْ الذَّكَرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَضَعْفِ الْعَيْنِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ رَمَدٍ أَوْ الرِّجْلِ مِنْ الْكِبَرِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، وَلَا بِمَنْزِلَةِ مَا يَنْزِلُ بِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا كَانَ مِنْ الْكِبَرِ، ثُمَّ أُصِيبَ الْعُضْوُ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي عَيْنِ الْكَبِيرِ قَدْ ضَعُفَتْ أَوْ يُصِيبُهَا الشَّيْءُ فَيَنْقُصُ بَصَرُهَا، وَلَمْ يَأْخُذْ لَهَا عَقْلًا فَعَلَى مَنْ أَصَابَهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً فَسَاوَى بَيْنَ مَا يَنْقُصُ مِنْ الْجَارِحَةِ بِمَرَضٍ وَكِبَرٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَصَابَهُ فِي رِجْلِهِ أَمْرٌ مِنْ عِرْقٍ يُضْرَبُ أَوْ يُرْمَدُ بِعَيْنِهِ فَيَنْقُصُ بَصَرُهَا، ثُمَّ يُصَابُ فَإِنَّمَا لَهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَصَابَهُمَا بِمِثْلِ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَمَنْ سَاوَى بَيْنَ مَا يُصِيبُهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يُصِيبُهَا مِنْ الْكِبَرِ فَقَدْ غَلِطَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَارِحَةٍ لَا بُدَّ أَنْ تَضْعُفَ مِنْ الْكِبَرِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَقَدْ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَّا شَتَرُ الْعَيْنِ وَحِجَاجُ الْعَيْنِ فَهُوَ الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ الْعَيْنِ، وَيُقَابِلُ هُوَ الْأَعْلَى الَّذِي تَحْتَ الْحَاجِبِ وَالْجَمْعُ أَحِجَّةٌ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شُجَّ حَاجِبُهُ فَبَرِئَ عَلَى عَثْمٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ إنْ سَلِمَتْ الْعَيْنُ، وَأَمَّا إنْ نَقَصَ بِذَلِكَ مِنْ بَصَرِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَدْرُ دِيَةِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْحَاجِبَ، وَإِنْ كَانَ عُضْوًا غَيْرَ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ آلَاتِهِ وَتَوَابِعِهِ فَإِذَا أَصَابَهُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي غَيْرِ الْحَاجِبِ اُعْتُبِرَ تَأْثِيرُهَا فِي الْحَاجِبِ، وَإِذَا أَثَّرَتْ فِي الْبَصَرِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْعَيْنِ سَقَطَ تَأْثِيرُهَا فِي الْحَاجِبِ إذَا كَانَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمُوضِحَةَ فَإِنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَثَّرَ الضَّرْبُ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْبَصَرِ ثَبَتَ حُكْمُ ذَلِكَ الشَّيْنِ، وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْبَصَرِ بَطَلَ، وَكَانَ تَبَعًا

[ما جاء في عقل الشجاج]

مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ إلَّا أَنْ تَعِيبَ الْوَجْهَ فَيُزَادَ فِي عَقْلِهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونَ بِهَا خَمْسٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا نَقَصَ مِنْ الْبَصَرِ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَّةُ يَجِبُ بِهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ فِي الْحَاجِبِ لَكَانَ أَرْشُهَا مَعَ دِيَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ غَنِيٌّ عَنْ الِاجْتِهَادِ فَلَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ، وَذَلِكَ إنَّ الْحَاجِبَ عُضْوٌ غَيْرُ الْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْبَصَرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً أَوْ فِيهَا بَيَاضٌ، وَقَالَ ذَهَبَ بَصَرُهَا أَوْ قَلَّ ذَلِكَ فِي عَيْنِهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيُشَارُ إلَى عَيْنَيْهِ أَوْ إلَى الْعَيْنِ الَّتِي يُدَّعَى ذَلِكَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ حَلَفَ، وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ صِدْقِهِ إلَّا بِمِثْلِ هَذَا أَوْ مَا جَرَى مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي مِثْلُهُ يَحْدُثُ هَذَا يَشْهَدُ لَهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ بِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ وَلَوْ ضُرِبَ فَادَّعَى أَنَّ جِمَاعَ النِّسَاءِ ذَهَبَ مِنْهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُخْتَبَرَ اُخْتُبِرَ، وَإِلَّا حَلَفَ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِقُرْبِ ذَلِكَ أَوْ بِبَعْدِهِ رَدَّ مَا أَخَذَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعْرَفَ بِالْبَيِّنَةِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَهَابَ كَلَامِهِ أَوْ سَمْعِهِ مَعَ بَقَاءِ الْجَارِحَةِ فَلْيُخْتَبَرْ ثُمَّ يَحْلِفْ وَيَأْخُذْ الدِّيَةَ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ رَدَّ مَا أَخَذَ، وَإِنْ بَعُدَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ] (ش) : قَوْلُ سُلَيْمَانَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ يَدُلُّ أَنَّ لَهَا مِثْلَ حُكْمِهَا يَجِبُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْمُوضِحَةِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ مَا أَوْضَحَ عَنْ الْعَظْمِ وَأَظْهَرَهُ بِوُصُولِ الشَّجَّةِ إلَيْهِ وَقَطَعَ مَا دُونَهُ مِنْ لَحْمٍ وَجِلْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتُرُهُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا أَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ سَوَاءٌ عَظُمَتْ الْمُوضِحَةُ أَوْ صَغُرَتْ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْعَظْمَ وَاحِدٌ، وَهُوَ جُمْجُمَةُ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ الرَّأْسِ فِي الْمُوضِحَةِ، وَحَدُّ ذَلِكَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ فَإِنْ أَصَابَ أَسْفَلَ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ الْعُنُقِ لَا مُوضِحَةَ فِيهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ كُلُّ مَا لَوْ نَفَذَ مِنْهُ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَطَرَ يَعْظُمُ بِوُصُولِ الْجُرْحِ إلَى ذَلِكَ الْعَظْمِ دُونَ سَائِرِ عِظَامِ الْجَسَدِ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ مُوضِحَتُهُ بِهَذَا الْحُكْمِ فَإِذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ الْمُوضِحَةُ فَإِنَّمَا تَنْطَلِقُ عَلَى الْمُوضِحَةِ الَّتِي يَثْبُتُ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ، وَلَا تَكُونُ إلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْمُوضِحَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مِنْ اللَّحْيِ الْأَعْلَى وَمَا فَوْقَهُ، وَلَيْسَ فِي الْأَنْفِ وَلَا فِي اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ مُوضِحَةٌ، وَفِيهَا الِاجْتِهَادُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْخَدِّ الْمُوضِحَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْلٌ يَخْتَصُّ بِهَا لِوُصُولِ الشَّجَّةِ إلَى ذَلِكَ الْعَظْمِ فَأَمَّا إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ، وَهُوَ قُبْحُ الْأَثَرِ فَإِنَّهُ يُزَادُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ بِقَدْرِ مَا شَأْنُهُ بِالِاجْتِهَادِ شَأْنُهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِقَوْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ يُزَادُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِصْفِ عَقْلِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَمَا سَمِعْت أَنَّ غَيْرَهُ قَالَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَادُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مُنْكَرًا فَيُزَادَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُزَادُ لِشَيْنِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا دِيَةً مُوضِحَةً وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَجْهَ يَخْتَصُّ بِقُبْحِ الْمَنْظَرِ دُونَ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَأْثِيرٌ فِي الْعَمَلِ كَاَلَّذِي فِي سَائِرِ الْجَسَدِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ عَقْلُ الْمُوضِحَةِ بِالشَّجَّةِ وَوُصُولِهَا إلَى عَظْمِ الدِّمَاغِ فَأَمَّا الشَّيْنُ فَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى أَزْيَدُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً قَالَ وَالْمُنَقِّلَةُ الَّتِي يَطِيرُ فِرَاشُهَا مِنْ الْعَظْمِ، وَلَا يَخْرِقُ إلَى الدِّمَاغِ، وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ فِي الْوَجْهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ لَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْمَأْمُومَةُ مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إلَى الدِّمَاغِ وَلَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إلَّا فِي الرَّأْسِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ، وَمَا يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ إذَا خَرَقَ الْعَظْمَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ دِيَةَ الْمُوضِحَةِ مُقَدَّرَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِصِغَرِهَا وَلَا كِبَرِهَا فَلَا تَخْتَلِفُ بِقُبْحِ أَثَرِهَا كَمُوضِحَةِ الرَّأْسِ. (ش) : وَقَوْلُهُ إنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً يُرِيدُ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ فَالْفَرِيضَةُ مَعْنَاهَا الْوَاحِدُ مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْعَقْلُ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُنَقِّلَةُ فَهِيَ مِنْ الشِّجَاجِ مَا خَرَجَ مِنْهَا عَظْمٌ بِكَسْرِ الشَّجَّةِ لَهُ، وَبَقِيَ سَائِرُ الْعَظْمِ الْمَشْجُوجِ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَظْهَرَ فِرَاشُ الْعَظْمِ، وَهُوَ أَعْلَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُرِيدُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْعَظْمِ دُونَ غَيْرِهَا كَالْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُنَقِّلَةُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا الْهَاشِمَةُ فَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْعَظْمِ صَارَتْ مُنَقِّلَةً. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَهِيَ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا إلَى الدِّمَاغِ قَدْرُ مَغْرَزِ إبْرَةٍ فَأَكْثَرَ، وَالْجَائِفَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا إلَى الْجَوْفِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَوَدٌ، وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا رَبِيعَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَعْنَى الْقِصَاصِ أَنْ يَحْدُثَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا جَنَى، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ أَنَّهَا لَا تَقِفُ عَلَى مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَلْ تُؤَدَّى إلَى النَّفْسِ لَمْ يَجُزْ الْقِصَاصُ فِيهَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْقِصَاصِ قَصْدٌ إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ إلَّا فِيمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَكَسْرِ الْفَخِذِ وَلَا قَوَدَ فِي كَسْرِ الصُّلْبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عِظَامِ الْعُنُقِ وَالْفَخِذِ وَالصُّلْبِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَتَالِفِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْقَوَدُ فِي اللِّسَانِ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ الْقَوَدُ مِنْهُ، وَلَا يَخَافُ وَإِنْ كَانَ مُتْلِفًا فَلَا قَوَدَ فِيهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا قَوَدَ فِي الْمَخُوفِ، وَاللِّسَانُ عِنْدِي مَخُوفٌ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنْ تَأَتَّتْ فِيهِ، وَلَمْ يَعْظُمْ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ عَظُمَ الْخَوْفُ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ جُرْحٍ كَمَا لَا يَجِبُ الْقَتْلُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمُوصَلِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ جُرْحِ اللِّسَانِ الْمُذْهِبِ لِبَعْضِ الْكَلَامِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ عَضَّ لِسَانَ رَجُلٍ فَقَطَعَ مِنْهُ مَا مَنَعَهُ الْكَلَامَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، وَقَدْ نَقَصَ كَلَامُهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا قَوَدَ فِيهِ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ كَلَامِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَمِيعُ الْكَلَامِ، وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَابْيَضَّتْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا قَوَدَ فِي الْبَيَاضِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ كَانَ أَصَابَهُ بِعَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَإِنَّهُ يُسْتَقَادُ لَهُ مِنْهُ، وَإِنْ ابْيَضَّتْ عَيْنُهُ، وَإِلَّا فَفِيهَا الْعَقْلُ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ بِمَا لَا قَوَدَ فِيهِ كَاللَّطْمَةِ أَوْ الضَّرْبَةِ بِعَصًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْمَى فَإِنْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهُ أُقِيدَ لَهُ مِنْ عَيْنِهِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ تَنْخَسِفْ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَقْلُهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِي الْعَيْنِ إلَّا أَنْ تُصَابَ كُلُّهَا فَإِنْ أُصِيبَ بَعْضُهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى حَدٍّ، وَالسَّمْعُ لَا قَوَدَ فِي جَمِيعِهِ، وَلَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ عَقْلٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمُوضِحَةُ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ فِي الْمُوضِحَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى إلَى الْمُوضِحَةِ فِي كِتَابِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَجَعَلَ فِيهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَقْضِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِعَقْلٍ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَعْضِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْعَقْلُ بِحِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا فَأَشَلَّ يَدَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا الْقَوَدُ يَضْرِبُهُ كَمَا ضَرَبَهُ فَإِنْ شُلَّتْ يَدُهُ، وَإِلَّا فَعَقْلُهَا فِي مَالِ الضَّارِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا كَسْرُ الْعَظْمِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الْقِصَاصُ قَالَ أَشْهَبُ، وَمَا عَلِمْت مَنْ مَنَعَ مِنْهُ إلَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَقَالُوا إذْ لَا يَسْتَوِي الْكَسْرَانِ، وَهَذَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْقَوَدُ فِي الْجِرَاحِ لِتَجَاوُزِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ الْأَغْلَبَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ تَقِلُّ وَتَنْدُرُ كَالْقَوَدِ فِي الْمُوضِحَةِ، وَكَقُطْعِ الْعُضْوِ مِنْ الْمَفْصِلِ لَا يُسْتَطَاعُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَكَسْرِ عَظْمِ الصُّلْبِ فَإِنَّ الْجَائِفَةَ يَتَّقِي مِنْهَا أَنْ تُنْتَهَى إلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهَا، وَقَدْ أَقَادَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ كَسْرِ الْعِظَامِ مِمَّا لَيْسَ بِمُتْلِفٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ. وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي إحْدَى قَصَبَتَيْ الْيَدِ الْقِصَاصُ إنْ اُسْتُطِيعَ ذَلِكَ فَعَلَّقَ هَذَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنْ لَا قَوَدَ فِي كَسْرِ الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ فَأَمَّا غَيْرُ الْفَخِذِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنْ تَأَتَّتْ، وَلَمْ يَعْظُمْ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ لَمْ يَجِبْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا عِظَامُ الصَّدْرِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ لَوْ قَطَعَهُمَا أَوْ أَخْرَجَهُمَا فَفِيهِمَا الْقَوَدُ، وَلَا قَوَدَ فِي رَضِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ، وَإِنْ قَطَعْتهمَا فَعَلْت بِهِ غَيْرَ فَاعِلٍ. (ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ عَقْلٌ يُرِيدُ شَيْئًا مُقَدَّرًا كَعَقْلِ الْمُوضِحَةِ، وَأَوَّلُ الْجِرَاحِ الدَّامِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَدْمَى الْجِلْدُ مِنْهَا وَقْتَهَا، ثُمَّ الْخَارِصَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ، وَهِيَ الَّتِي تَكْشِطُهُ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَبْضِعُ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ اللَّحْمَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، ثُمَّ الْمِلْطَاةُ، وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ انْكِشَافِ الْعَظْمِ سَاتِرٌ رَقِيقٌ، ثُمَّ الْمُوضِحَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْمِلْطَاةُ هِيَ السِّمْحَاقُ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْطَعُ الْجِلْدَ، وَتُهَشِّمُ الْعَظْمَ، وَتَنْتِفُ الشَّعْرَ، وَتَدْمَى، وَلَا تَقْطَعُ مِنْ الْجِلْدِ شَيْئًا، وَالدَّامِيَةُ هِيَ الَّتِي تُدْمِي، وَلَا تَقْطَعُ شَيْئًا مِنْ الْجِلْدِ، وَلَا تُهَشِّمُ عَظْمًا، وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي تَبْضِعُ فِي الرَّأْسِ، وَلَا تَبْلُغُ الْعَظْمَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَسْمَاءُ الْجِرَاحِ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ عَشْرٌ: أَوَّلُهَا الدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي بِخَدْشٍ، ثُمَّ الْخَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرُصُ الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ، وَهِيَ السِّمْحَاقُ وَهِيَ تَسْلُخُ الْجِلْدَ كَأَنَّهَا تَكْشِطُهُ عَنْ الْعَظْمِ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ تَقْطَعُ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، ثُمَّ الْمِلْطَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ صِفَاقٌ رَقِيقٌ، ثُمَّ الْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ عَنْ الْعَظْمِ، ثُمَّ الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ، ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تُطِيرُ فِرَاشَ الْعَظْمِ مِنْ الدَّوَاءِ أَوْ هَشَّمَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِرْ، وَصَرَعَتْهُ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّمَاغِ صِفَاقٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ الدَّامِغَةُ، وَهِيَ مَا أَفْضَى إلَى الدِّمَاغِ فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَوَدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى فَأَمَّا الْمُوضِحَةُ، وَهِيَ الَّتِي كَشَفَتْ اللَّحْمَ عَنْ الْعَظْمِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَفِيهَا الْقَوَدُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا، ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي هَشَّمَتْ الْعَظْمَ، وَفِيهَا مَا فِي الْمُوضِحَةِ مِنْ الدِّيَةِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَسَنَذْكُرُ حُكْمَهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَنَّهُ قَالَ كُلُّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَفِيهِ ثُلُثُ عَقْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ مَالِكٌ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ لَا يَرَى ذَلِكَ، وَأَنَا لَا أَرَى فِي نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْجَسَدِ أَمْرًا مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ، وَلَكِنِّي أَرَى فِيهَا الِاجْتِهَادَ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَمَا كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الِاجْتِهَادُ قَالَ مَالِكٌ فَلَا أَرَى اللَّحْيَ الْأَسْفَلَ وَالْأَنْفَ مِنْ الرَّأْسِ فِي جِرَاحِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَظْمَانِ مُنْفَرِدَانِ، وَالرَّأْسُ بَعْدَهُمَا عَظْمٌ وَاحِدٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فِي كُلِّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ ثُلُثُ عَقْلِهِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ جُرْحَ الْخَطَإِ لَا يَعْقِلُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ، وَهُوَ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ فَلَمَّا نَقَصَ ذَلِكَ الْجُرْحُ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ مِنْ مُنَاوَلَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ، وَلَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُقَدَّرٌ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ قَالَ أَشْهَبُ، وَقَدْ وَقَفَ قَوْمٌ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ قَدْرًا مِنْ الدِّيَةِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَصْلُ لِذَلِكَ التَّوْقِيفُ، وَأَوَّلُ مَنْ كَتَبَ بِهِ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ طَرَحَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ وُلِّيَ. وَقَدْ أَنْكَرَ مَالِكٌ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي الْمِلْطَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا قُلْنَا إنَّ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ الِاجْتِهَادَ، وَهُوَ الْحُكُومَةُ، وَكَذَلِكَ جِرَاحُ الْجَسَدِ؛ لِأَنَّ مَقَادِيرَ الْعَقْلِ لَا تُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَرْعٌ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا كَمْ كَانَ يُسَاوِي سَلِيمًا فَيُقَالُ مِائَةُ دِينَارٍ، ثُمَّ يُقَوَّمُ وَبِهِ الْجُرْحُ فَيُسَاوِي ثَمَانِينَ فَيُعْلَمُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ نَقَصَتْهُ خُمْسَ قِيمَتِهِ فَيُلْزَمُ الْجَانِي خُمْسَ دِيَتِهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْت هَذَا الْفَصْلَ هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، وَقَدْ ذَكَرْته فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجَائِفَةُ إذَا كَانَتْ نَافِذَةً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَغَيْرِهِمَا فِيهَا دِيَةُ جَائِفَتَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَهُوَ أَحَبُّ قَوْلِ مَالِكٍ إلَيَّ، قَالَ أَشْهَبُ، وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ انْخَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا لَكَانَتْ وَاحِدَةً. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِعَظْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْجُمْجُمَةُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالرَّأْسُ بَعْدَ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ وَالْأَنْفِ عَظْمٌ وَاحِدٌ لِمَا فِي جَرْحِ الْجُمْجُمَةِ مِنْ الْخَطَرِ فَجَعَلَ لِجُرْحِهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا، وَلَا يَعْتَبِرُ بِمَا تَبْرَأَ عَلَيْهِ فَقَدْ تَبْرَأَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَيَسْقُطُ أَرْشُهُ فَجَعَلَ فِيهِ أَرْشًا مُقَدَّرًا زَجْرًا وَبَاعِثًا عَلَى نِهَايَةِ التَّحَرُّزِ وَالتَّوَقِّي لَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِصَاصِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ بِمَالِ الْجَانِي فَأَمَّا الْمُوضِحَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ فَتَكُونُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ جَمِيعًا، وَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْمَجْمُوعَةِ لَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إلَّا فِي الرَّأْسِ، وَمَا يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ، وَلَوْ بَعُدَ بِمَدْخَلِ إبْرَةٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَوْ ضَرَبَهُ فَأَطَارَ أَنْفَهُ، ثُمَّ نَفَذَتْ الضَّرْبَةُ إلَى دِمَاغِهِ فَفِي ذَلِكَ دِيَةٌ وَثُلُثٌ يُرِيدُ إنْ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ حَيْثُ كَانَ فَهُوَ مَأْمُومَةٌ سَوَاءٌ وَصَلَ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ مِنْ الرَّأْسِ، وَقَالَ أَشْهَبُ كُلُّ مَا نَفَذَتْ مِنْهُ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَهُوَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَلَا أَرَى اللَّحْيَ الْأَسْفَلَ وَالْأَنْفَ مِنْ الرَّأْسِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَنْفُ مِنْ الْوَجْهِ وَاللَّحْيُ الْأَسْفَلُ مِنْ الرَّأْسِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنْ الْمُنَقِّلَةِ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ مِنْ الْمُنَقِّلَةِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ لَا أَرَى مَا صَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ الْأَمْرُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُودُ الْقَوَدِ، وَالْأُخْرَى نَفْيُهُ، وَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ أَمْرَهَا أَخَفُّ مِنْ

[ما جاء في عقل الأصابع]

مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْأَصَابِعِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْت كَمْ فِي أُصْبُعَيْنِ قَالَ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْت كَمْ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْت كَمْ فِي أَرْبَعٍ قَالَ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَقُلْت حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا فَقَالَ سَعِيدٌ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ فَقُلْت بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ فَقَالَ سَعِيدٌ هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَأْمُومَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهَا رَضُّ الْعَظْمِ مَعَ بَقَاءِ الصِّفَاقِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْهُ التَّلَفُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ الْقَوَدُ، وَوَجْهُ نَفْيِ الْقَوَدِ أَنَّهُ جُرْحُ كَسْرِ عَظْمِ الرَّأْسِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ كَالْمَأْمُومَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْهَاشِمَةُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِي هَاشِمَةِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَعُودَ مُنَقِّلَةً. وَقَالَ أَشْهَبُ فِيهَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَنْتَقِلَ فَتَصِيرَ مُنَقِّلَةً فَلَا قَوَدَ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُرِيدُ يُسْتَقَادُ مِنْهَا مُوضِحَةً إنْ لَمْ تَسْتَقِلَّ بِالشَّجَّةِ الْأُولَى، وَتَزِيدُ عَلَى الْهَشِمِ فَإِنْ هُشِّمَتْ مِثْلُ الْأُولَى فَهُوَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَرِئَتْ مُوضِحَةً، وَلَمْ تَبْلُغْ الْهَشْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فَضْلُ عَقْلٍ بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ، وَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ صَوَابٌ إنْ كَانَ بَرِئَ الْجُرْحُ مُوضِحَةً ثُمَّ تَهَشَّمَتْ فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ هَاشِمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوَدٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَهَذَا فِي شِجَاجِ الرَّأْسِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَاشِمَةِ الْجَسَدِ الْقَوَدُ إلَّا مَا هُوَ مَخُوفٌ كَالْفَخِذِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُقَادُ مِنْ مُوضِحَةِ الْجَسَدِ وَمُنَقِّلَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْقَوَدِ فِي كَسْرِ عِظَامِ الْجَسَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَرْعٌ) وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْ الْجُرْحِ فَحَدَثَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهُ السِّرَايَةِ زِيَادَةً عَلَى مَا أُقِيدَ لَهُ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يَضْمَنْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ قَطْعٌ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ فَلَمْ يَضْمَنْ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الْأَصَابِعِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ يَدِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عِشْرُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي أَرْشِ الْجِنَايَاتِ حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَتَكُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ مِنْ الْجِنَايَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا تَجِبُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُمْ، وَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِمَّا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ فَطُرُقُهُ ضَعِيفَةٌ لَا تَثْبُتُ قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مُسَاوَاتُهَا الرَّجُلَ فِي الْمُوضِحَةِ فَأَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ مَا دُونَ الثُّلُثِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ حَدٌّ فِي الشَّرِيعَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ هُرْمُزَ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا أَخَذْنَا ذَلِكَ عَنْ الْفُقَهَاءِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ هَذَا أَرْشٌ نَقَصَ عَنْ الدِّيَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كَالْجَنِينِ فِيهِ غُرَّةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ إنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ وَقَعَ فِي الثُّلُثِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى حِسَابِ دِيَتِهَا بِنِصْفِ مَا فِي جُرْحِ الرَّجُلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْجِرَاحُ الَّتِي تَبْلُغُ الثُّلُثَ مِنْ ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْجُرْحِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ضَرَبَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَهِيَ كَضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِالسَّارِقِ يَنْقُلُ الْمَتَاعَ مِنْ الْبَيْتِ قَلِيلًا قَلِيلًا يَدْخُلُ، وَيَخْرُجُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمًا يَخْرُجُ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَخَذَ غَيْرَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ حُكْمُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهَا جُرْحًا لَا يَبْلُغُ ثُلُثَ الدِّيَةِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَجَرَحَهَا جُرْحًا آخَرَ لَكَانَ لِكُلِّ جُرْحٍ حُكْمُهُ كَمَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي أَصَابِعِ الْكَفِّ إذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ خَمْسَ الْأَصَابِعِ إذَا قُطِعَتْ كَانَ عَقْلُهَا عَقْلَ الْكَفِّ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ، وَحِسَابُ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَثُلُثُ دِينَارٍ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ، وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ وَثُلُثُ فَرِيضَةٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ بَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ رَبِيعَةَ حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا اعْتِرَاضٌ عَلَى فَتْوَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ إلَّا أَنْ يَتَقَصَّى بِأَرْشِ الْمُوضِحَةِ أُوضِحَ فِي جَانِبِ رَأْسِهِ مُوضِحَةً صَغِيرَةً، وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِثْلُهَا لَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِذَا أُوضِحَ مِثْلَ تَيْنِكَ الْمُوضِحَتَيْنِ، وَوَصَلَ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُمَا لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَكَمَا عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ نَقَصَ مَا يَأْخُذُ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ هَذَا، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؛ بِمَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِ حُجَّتِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ كَانُوا عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَوْصُوفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ دَرَجَتِهِمْ وَالْبَحْثِ عَنْ الْمَسَائِلِ وَالتَّنْقِيرِ عَنْهَا وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بِالْحُجَجِ الضَّعِيفَةِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأُصُولِ مَا كَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ تَفْرِيعُهُمْ وَاعْتِرَاضُهُمْ مُتَعَلِّقًا بِرَأْيٍ لَا يَسْتَنِدُ إلَى أُصُولٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ تَقْصِيرُهُمْ فِيهِ عَنْ دَرَجَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا تَعَرِّيهِمْ مِنْهُ وَخُلُوِّهِمْ مِنْ نَيْلِ دَرَجَةِ الْإِمَامَةِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ رَبِيعَةَ بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتَرِضَ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ الَّذِي ظَنَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَرِضُ اعْتِرَاضَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ عَلِمَ الْمَسْأَلَةَ إلَّا أَنَّهُ يَعْتَرِضُهُ فِيهَا شُبْهَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُثَبِّتَ مَا عَلِمَ بِإِزَالَةِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ أَوْ سُؤَالُ جَاهِلٍ يُرِيدُ التَّعَلُّمَ فَسَأَلَ عَنْهَا فَلَمَّا عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ اعْتَرَضَتْهُ الشُّبْهَةُ الَّتِي أَوْرَدَهَا فَأَرَادَ إزَالَةَ مَا فِي نَفْسِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّهَا السُّنَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ قَرَّرَتْ فِي الشَّرْعِ أَنْ تَعْظُمَ الْمُصِيبَةُ، وَيَقِلَّ الْأَرْشُ فَلَا تُنْكِرُهُ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَهُ أَوْ أَمْثَالُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْأَصَابِعِ إذَا قُطِعَتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا يُرِيدُ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا فَفِيهَا خَمْسُونَ، وَذَلِكَ عَقْلُ الْيَدِ سَوَاءٌ قُطِعَتْ الْأَصَابِعُ، وَقُطِعَتْ الْكَفُّ أَوْ الْيَدُ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ، وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ إذَا قُطِعَتْ أَصَابِعُ الْكَفِّ تَمَّ عَقْلُهَا خَمْسُمِائَةٍ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَفِّ أَوْ الْمَنْكِبِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ رِجْلُهُ مِنْ الْوَرِكِ فِيهَا مِثْلُ مَا فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَلَوْ قُطِعَ فَأَشَلَّ سَاعِدَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَةُ الْكَفِّ، وَهُوَ مِنْ الذَّهَبِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِائَةُ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ أُصْبُعٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَحِسَابُ الْأَصَابِعُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا، وَفِي الْأُصْبُعِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ فِي كُلّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْمِائَةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ الْإِبْهَامَانِ فِيهِمَا أُنْمُلَتَانِ فَإِذَا قُطِعَتَا فَفِيهِمَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ ذَهَبَتْ الْمَنْفَعَةُ، وَإِبْهَامُ الرَّجُلِ مِثْلُهَا قَالَ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ رَأْيٌ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَةُ أَنَامِلَ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ قَالَ وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَأَخَذَ أَصْحَابُهُ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَشْهَبُ قَالَ لَوْ لَزِمَ فِي بَقِيَّةِ الْإِبْهَامِ الَّذِي فِي الْكَفِّ دِيَةٌ لَلَزِمَ فِي سَائِرِ الْأَصَابِعِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ دِيَةُ أُنْمُلَةٍ رَابِعَةٍ وَهَذَا خِلَافُ الْأَمَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أُصْبُعٌ فَكَانَتْ أَنَامِلُهَا ثَلَاثًا أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْأَصَابِعِ.

[جامع عقل الأسنان]

جَامِعُ عَقْلِ الْأَسْنَانِ (ص) : (وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ، وَفِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ، وَفِي الضِّلْعِ بِجَمَلٍ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ، وَقَضَى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ قَالَ سَعِيدُ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ فَلَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ) . (ص) : (وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا أُصِيبَتْ السِّنُّ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا تَامًّا قَالَ طُرِحَتْ بَعْدَ أَنْ اسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا أَيْضًا تَامًّا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ عَقْلِ الْأَسْنَانِ] (ش) : قَوْلُهُ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ، وَقَضَى مُعَاوِيَةُ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ، وَرَأَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فِي كُلِّ ضِرْسٍ، وَاسْتَحْسَنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ عَقْلِ جَمِيعِهَا الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ، وَتَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ، وَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْعَلُ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرًا بَعِيرًا، وَالْأَضْرَاسُ عِشْرُونَ كَانَ يَجْعَلُ فِي الْأَسْنَانِ خَمْسَةً، وَالْأَسْنَانُ اثْنَا عَشَرَ أَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ رَبَاعِيَاتٍ، وَأَرْبَعُ أَنْيَابٍ فَدِيَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ ثَمَانُونَ بَعِيرًا فَنَقَصَتْ عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ عِشْرُونَ بَعِيرًا قَالَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَجْعَلُ فِي الْأَضْرَاسِ خَمْسَةً خَمْسَةً فَجَمِيعُ ذَلِكَ سِتُّونَ وَمِائَةٌ فَقَدْ زَادَ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ سِتِّينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ بَعِيرًا، وَفِي الْأَسْنَانِ خَمْسَةً خَمْسَةً فَذَلِكَ سِتُّونَ تَمَامُ الْمِائَةِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَاَلَّذِي قَالَهُ مُعَاوِيَةُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» ، وَعِنْدَ ابْنِ مُزَيْنٍ يَقُولُ الْأَضْرَاسُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَيَزِيدُ فِي الْأَسْنَانِ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأَنْيَابَ، وَتَتَّصِلُ بِالْأَضْرَاسِ. (ش) : قَوْلُهُ إنْ اسْوَدَّتْ السِّنُّ فَفِيهَا الْعَقْلُ تَامًّا، ثُمَّ إنْ طُرِحَتْ فَفِيهَا الْعَقْلُ أَيْضًا تَامًّا، يُرِيدُ: اسْوِدَادُهَا يُوجِبُ فِيهَا الْعَقْلَ التَّامَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إذَا ضُرِبْت فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا فَوَجَبَ بِذَلِكَ الدِّيَةُ قَالَ ثُمَّ إذَا طُرِحْت بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ دِيَةٌ أُخْرَى لِذَهَابِ الْجَمَالِ بِهَا كَالْأَنْفِ يُضْرَبُ فَيَذْهَبُ الشَّمُّ فَفِيهِ الدِّيَةُ، ثُمَّ إذَا قُطِعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِيهِ دِيَةٌ أُخْرَى، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَدَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهَا إذَا اسْوَدَّتْ وَجَبَ عَقْلُهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهُ، وَأَمَّا إذَا طُرِحَتْ بَعْدَ اسْوِدَادِهَا فَفِيهَا بَعْضُ الْخِلَافِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَبُو الزِّنَادِ فِيهَا حُكُومَةٌ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ لَمْ تَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ؛ لِأَنَّ السِّنَّ السَّوْدَاءَ بَقِيَتْ فِيهَا قُوَّتُهَا وَأَكْثَرُ مَنَافِعِهَا فَظَاهِرُ قَوْلِهِ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ فَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ السِّنَّ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ ذَهَبَ جَمَالُهَا، وَبَقِيَتْ مَنْفَعَتُهَا فَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ الْأُولَى بِاسْوِدَادِهَا لِذَهَابِ جَمَالِهَا، وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ الثَّانِيَةُ لِذَهَابِ مَنْفَعَتِهَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ السِّنَّ إذَا اضْطَرَبَتْ اضْطِرَابًا شَدِيدًا وَجَبَتْ فِيهَا الدِّيَةُ لِذَهَابِ مَنْفَعَتِهَا، ثُمَّ إنْ طُرِحَتْ فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهَا حُكُومَةٌ لِذَهَابِ مَا فِيهَا مِنْ جَمَالٍ وَمَنْفَعَةٍ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ فَلَوْ كَانَتْ السِّنُّ السَّوْدَاءُ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ طَرَحَهَا إلَّا حُكُومَةٌ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ

[العمل في عقل الأسنان]

الْعَمَلُ فِي عَقْلِ الْأَسْنَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفِ الْمُرِّيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ بَعَثَهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا فِي الضِّرْسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَرَدَّنِي مَرْوَانُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي الْعَقْلِ، وَلَا يُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مُقَدَّمَ الْفَمِ وَالْأَنْيَابِ وَالْأَضْرَاسِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَالضِّرْسُ سِنٌّ مِنْ الْأَسْنَانِ لَا يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ) . مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُؤَدِّي ذَلِكَ قَالَ وَسَأَلْته عَنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ السِّنُّ إذَا أُصِيبَتْ فَاسْوَدَّتْ فَالْعَقْلُ فِيهِ تَامٌّ، أَتَأْخُذُ بِهِ؟ قَالَ نَعَمْ بِهِ آخُذُ قُلْت لِمَ؟ قَالَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا سَوْدَاءُ وَبَيْضَاءُ وَاحِدَةٌ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ، وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعِ مِثْلَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهَا إلَى حُمْرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ أَوْ اصْفِرَارٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْخُضْرَةُ أَقْرَبُ إلَى السَّوَادِ مِنْ الْحُمْرَةِ ثُمَّ الصُّفْرَةُ فَلَهُ مِنْ قَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْ بَيَاضِهَا إلَى مَا بَقِيَ مِنْهُ إلَى الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُ مَا يَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ فَوَجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ضُرِبَتْ فَتَحَرَّكَتْ فَإِنْ كَانَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا قَالَ أَشْهَبُ يَنْتَظِرُ بِهَا سَنَةً فَإِنْ اشْتَدَّ اضْطِرَابُهَا بَعْدَ السَّنَةِ فَهِيَ كَالْمُعَلَّقَةِ، ثُمَّ عَقَلَهَا، وَإِنْ كَانَ اضْطِرَابًا خَفِيفًا عَقَلَ لَهَا بِقَدْرِهِ. (فَرْعٌ) إذَا طُرِحَتْ السِّنِّ مِنْ شَجِّهَا فَفِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ إنْ كُسِرَتْ مِنْ أَصْلِ شَجَّةٍ اسْتَمَرَّتْ فِيهَا لَا مَحَطَّ لِمَا بَقِيَ مِنْ السِّنِّ مِنْ مَوْضِعِ شَجِّهَا شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الذَّكَرِ بَعْدَ الْحَشَفَةِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. [الْعَمَلُ فِي عَقْلِ الْأَسْنَانِ] (ش) : قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِرَسُولِ مَرْوَانَ فِي الضِّرْسِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» ، وَذَلِكَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ اسْمَ السِّنِّ وَاقِعٌ عَلَى الْأَضْرَاسِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ بَعْضَهَا بِاسْمٍ يَخُصُّهَا فَمُقَدَّمُ الْفَمِ يُقَالُ لَهُ الثَّنَايَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنُ مَرْوَانَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ بَيَّنَ أَنَّ الْأَضْرَاسَ عِنْدَهُ مَا دَاخِلُ الْفَمِ، وَأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ مَنَافِعِهِمَا، وَارْتَابَ فِي ذَلِكَ فَحَقَّقَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ وَتَبَيَّنَ وَجْهُ الصَّوَابِ فِي صِحَّتِهِ، وَقَالَ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ، وَقَدْ رَوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُهَا وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهَا وَابْنُ عَبَّاسِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالتَّقَدُّمِ فِي الْفَصَاحَةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَعُودُ إلَى اللُّغَةِ لَازِمٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الِاعْتِبَارِ الْقِيَاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي دِيَةِ جِرَاحِ الْعَبْدِ] (ش) : قَوْلُهُمَا فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ يُرِيدُ أَنَّ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَجُعِلَتْ هَذِهِ الشِّجَاجُ الَّتِي هِيَ الْمُوضِحَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْجَائِفَةُ وَالْمَأْمُومَةُ مُقَدَّرَةً مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِحَسَبِ قَدْرِهَا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْت عِيسَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ، وَهُوَ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِرَاحَاتِ جَسَدِهِ مِثْلُ السِّنِّ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا جَاءَ فِيهِ لِلْحُرِّ عَقْلٌ مُسَمًّى كَمَا جَاءَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَجْرَوْهَا مِنْ الْعَبْدِ فِي قِيمَتِهِ مَجْرَاهَا مِنْ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ فَقَالَ إنَّ الْمُوضِحَةَ وَالْمُنَقِّلَةَ وَالْجَائِفَةَ قَدْ تَبْرَأُ، وَتَعُودُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهِ وَفِي مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ، وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَصِحُّ الْعَبْدُ، وَيَبْرَأُ كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ، وَقِيمَتِهِ صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ هَذَا، ثُمَّ يَغْرَمُ الَّذِي أَصَابَهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ إذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ ذَلِكَ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى حَالِهَا بِغَيْرِ نَقْصٍ مِنْ الْجَسَدِ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْجِرَاحِ تَذْهَبُ مِنْ جَسَدِهِ، وَتَنْقُصُ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ مِمَّا يُصَابُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إبْطَالُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَرَوْا فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ فَيُقَامُ صَحِيحًا، وَمَعِيبًا فَيَغْرَمُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحًا قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ) . (ش) : قَوْلُهُ إنْ كَانَ يَقْضِي فِي جُرْحِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ هَذِهِ الشِّجَاجِ الْأَرْبَعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فَهِيَ الَّتِي لَا تَكَادُ تَبْرَأُ فِي الْغَالِبِ إلَّا عَلَى نَقْصٍ مِنْ الْقِيمَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَا يَنْقُصُ مِنْ الْقِيمَةِ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ أَرْشِهَا، وَأَمَّا الشِّجَاجُ الْأَرْبَعُ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ غَالِبًا دُونَ شَيْنٍ مَعَ أَنَّهَا مَتَالِفُ مَخُوفَةٌ فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْجَانِيَ فِيهَا إلَّا مَا نَقَصَ لَسَلِمَ غَالِبًا مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَكَانَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنْ الْإِغْرَاءِ بِالْجِنَايَةِ وَالتَّسَلُّطِ فِيهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَفِي إلْزَامِ الْجَانِي مِقْدَارَ أَرْشِهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ زَجْرٌ عَنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الشِّجَاجِ الْأَرْبَعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ أَسُوءُهَا مِنْ الشِّجَاجِ مَا نَقَصَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَكَيْفَ الْعَمَلُ فِيهِ فَقَالَ يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَإِلَى قِيمَتِهِ بِالشَّيْنِ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ فِيهِ الْجِنَايَةُ فَيَغْرَمُ الْجَانِي مَا بَيْنَهُمَا لِسَيِّدِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ هُوَ الَّذِي أُتْلِفَ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : فَإِنْ كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، ثُمَّ صَحَّ يُرِيدُ دُونَ شَيْنٍ وَلَا نَقْصٍ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَقَدْرُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْعَمْدُ فَعَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ؛ لِأَنَّ بُرْأَهُ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ وَعَوْدَتَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ نَادِرٌ شَاذٌّ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ لَيْسَ عَلَى الْجَانِي غُرْمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فِي جَبْرِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ إلَّا الْأَدَبَ الْمُوجِعَ إنْ كَانَ جُرْحُهُ عَمْدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ ذَلِكَ نَقْصٌ يُرِيدُ مِنْ قُوَّتِهِ أَوْ عَثَلٌ يُرِيدُ شَيْنٌ فِي قُبْحِ مَنْظَرٍ فَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا نَقَصَ يُرِيدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ غُرْمَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الْأَحْرَارِ نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ، وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطَى ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ فَرَضِيَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرَّجُلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الْأَحْرَارِ يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ جُرْحُهَا بِجُرْحِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] ، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ أَصَابَ فَعَلَ أَوْ أَسْلَمَهُ فَيُبَاعَ فَيُعْطِيَ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ أَوْ ثَمَنَهُ كُلَّهُ إنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ، وَلَا يُعْطِي الْيَهُودِيُّ وَلَا النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ وَارِدَةً فِي التَّوْرَاةِ فَإِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمٌ لَنَا إذَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَسْخِهِ، وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ فِي أَنَّ الْأَبَ يَسْتَأْمِرُ ابْنَتَهُ فِي إنْكَاحِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِئْمَارًا، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ كَالْحُرَّيْنِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ يُرِيدُ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ فَيَكُونُ سَيِّدُ الْقَاتِلِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أُتْلِفَ عَلَيْهِ أَوْ يُسْلَمُ إلَيْهِ الْعَبْدُ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَيِّدُ الْجَانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْتَدِيَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَلِّمَهُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ قَدْرَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ كَانَ الْبَاقِي لِسَيِّدِ الْجَانِي، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مُتَعَلِّقَةً بِمَالِ السَّيِّدِ أَوْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَالِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَخْذَهَا مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى تَعَلُّقِهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَانْتِقَالِهَا إلَيْهِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَخْرُجُ عَلَى مَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَالِكٌ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ، وَلَعَلَّهَا رِوَايَةٌ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ إذَا جَرَحَ الْكِتَابِيَّ فَتَعَذَّرَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا بِكَافِرٍ وَإِنْ كَانَ حُرًّا، رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ قَتَلَهُ الذِّمِّيُّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا يُضْرَبُ وَلَا يُقْتَلُ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَسِلْعَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ وَلَا جُرْحٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا حُرِّيَّةً، وَفِي هَذَا إسْلَامًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَعْقِلَ يُرِيدُ أَنْ يُودِيَ عَقْلَ الْجُرْحِ إنْ شَاءَ فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ وَأَسْلَمَهُ فَقَدْ قَالَ هَاهُنَا إنَّهُ يُبَاعُ فَيُعْطَى مِنْ الثَّمَنِ عَقْلَ الْجُرْحِ فَإِنْ قَصُرَ عَنْ الْعَمَلِ فَلَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ غَيْرُ ثَمَنِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَمَلِ أُعْطِيَ مِنْهُ قَدْرَ الْعَقْلِ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْته يُرِيدُ عِيسَى بْنَ دِينَارٍ عَنْ قَوْلٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَخَطَأٌ هُوَ فِي الْكِتَابِ أَمْ مَا مَعْنَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ خَطَأٌ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ كَانَ يَقْرَأُ مَالِكٌ فَلَا يُغَيِّرُهُ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ فِيهِ إذَا أَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ بِيعَ فَأُعْطِيَ الْكِتَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ قَدِيمَةً، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهَا إلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاسْتَصْوَبَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرٌ فِي كِتَابِهِ لَمَّا كَانَ قَدْ طَارَ عَنْهُ، وَشَاعَ مَعَ احْتِمَالِهِ، وَقَدْ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي فِي الْمُوَطَّأِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ يَمْنَعُ هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا يُعْطِي الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْإِسْلَامُ مِنْ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ وَيُدْفَعَ إلَيْهِ جَمِيعُ ثَمَنِهِ لَوْ ابْتَاعَهُ أَوْ وَرِثَهُ أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُبَعْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا بِيعَ لِيُوفِيَ أَرْشَ جِنَايَةٍ اسْتَحَقَّ، وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِ، وَلَا حُكْمِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمَهُ لَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا جَرَحَ نَصْرَانِيًّا أَوْ كَانَ مُسْلِمًا جَرَحَ مُسْلِمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما جاء في دية أهل الذمة]

مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلَمِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مُسْلِمٌ قَتْلَ غِيلَةٍ فَيُقْتَلُ بِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُؤْمِنِ» ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ دِيَةُ الْكَافِرِ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ عَنْهُ لِتَسَامُحٍ فِي تَأْوِيلِ مَا لَمْ يَصِحَّ إسْنَادُهُ إذْ مَعْنَى الْمِثْلِ هَذَا فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا أَعْرِفُ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ فِيهِمْ إلَّا قَضَاءَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ إمَامُ هُدًى، وَأَنَا أَتْبَعُهُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْكُفْرَ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الْقِصَاصِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نُقْصَانِ الدِّيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَكْمُلُ دِيَتُهُ كَالرِّقِّ، وَوَجْهٌ آخَرُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُنُوثَةَ لَا تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، وَالْكُفْرُ يَمْنَعُهُ فَإِذَا كَانَتْ الْأُنُوثَةُ تُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الدِّيَةِ فَبِأَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ الْكُفْرُ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ دِيَةَ الْكِتَابِيِّ أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ يَمْنَعُ مُسَاوَاةَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فِي الدِّيَةِ فَلَمْ يَقْصُرُهَا عَلَى الثُّلُثِ كَنَقْصِ الْأُنُوثَةِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ، وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَقُتِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَع وُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَلَا يَمْنَعَ اسْتِيفَاءَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَاقِصٌ بِالْكُفْرِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَالْمُسْتَأْمَنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ شَاءَ اسْتَقَادَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُقَادُ بِهِ فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُقَادُ فِي الْجُرْحِ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً، وَيُسْجَنُ سَنَةً، وَتَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ، وَعَلَى مَنْ الدِّيَةُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَمْدٌ لَا قَوَدَ فِيهِ فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَدِيَةِ الْجَائِفَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَمْدٌ مَنَعَ الْقِصَاصَ فِيهِ بَعْضُ الْحُرْمَةِ كَقَتْلِ الْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْكُفْرُ فِي ذَلِكَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُقْتَلُ الْيَهُودِيُّ بِالْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ نَقْصَ دِيَتِهِ عَنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ لَا يَمْنَعُ إلَّا أَنْ يُقْتَلَ بِهِ الْيَهُودِيُّ كَمَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَتُهُمَا نِصْفَ دِيَتِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَيْنَا نَصْرَانِيَّانِ فِي قَتْلٍ فَقَالَ الْقَاتِلُ لَيْسَ فِي دِينِنَا قِصَاصٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَقِيلَ إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ذَوَا عَدْلٍ يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ فَإِنْ عَفَا عَنْهُ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ مِائَةً وَسَجَنَهُ سَنَةً، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ أَحْكَامَهُمْ بَيْنَهُمْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقْتَضَى شَرِيعَتِهِمْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مِنْ التَّظَالُمِ فَيُحْكَمُ فِيهِ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

[ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله وفيه أبواب]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ يَقُولُ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا قَالَ مَالِكٌ وَجِرَاحُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ فِي دِيَاتِهِمْ عَلَى حِسَابِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِيَاتِهِمْ الْمُوضِحَةُ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، وَالْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ، وَالْجَائِفَةُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ جِرَاحَاتُهُمْ كُلُّهَا) . مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ إنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ قَتْلِ الْخَطَإِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ حِينَ يَعْفُو أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً إلَّا أَنْ تُعِينَهُ الْعَاقِلَةُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حَكَمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَكَانَ يَكْتُبُ بِذَلِكَ إلَى عُمَّالِهِ قَالَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي الدِّيَةِ كَالْأُنْثَى وَالْمُرْتَدِّ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَالِ، وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَقُتِلَ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ لَمْ يُقْتَلْ قَاتِلُهُ، وَيَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي دِيَتِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَأَشْهَبَ دِيَتُهُ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فِي نَفْسِهِ وَجِرَاحِهِ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قُتِلَ عَلَى دِينِهِ، وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ دِينُهُ الَّذِي ارْتَدَّ إلَيْهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ أَقَلِّ الْأَدْيَانِ، وَهُوَ دِينُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ فَكَانَ لَهُ حُكْمُهُمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَوْلُودًا. [مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ وَفِيهِ أَبْوَاب] (ش) : قَوْلُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَاتِ الْعَمْدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْيَدِ وَفَقْءِ الْعَيْنِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَمْدَهُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَاقِلَةِ وَصِفَةِ تَحَمُّلِهَا لِلدِّيَةِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمْدِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ الْخَطَإِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجِبُ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةِ مِنْ الْجِنَايَةِ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَة الْعَاقِلَةِ وَصِفَةِ تَحَمُّلِهَا لِلدِّيَةِ) فَأَمَّا الْعَاقِلَةُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْقَبَائِلُ فَلَا تَعْقِلُ قَبِيلَةٌ مَعَ قَبِيلَةٍ مَا دَامَ فِي قَبِيلَةِ الْجَانِي مَنْ يَحْمِلُ الْجِنَايَةَ، وَالدِّيوَانُ فَإِنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الدِّيوَانِ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ، وَالْآفَاقُ فَلَا يَعْقِلُ شَامِيٌّ مَعَ مِصْرِيٍّ، وَلَا شَامِيٌّ مَعَ عِرَاقِيٍّ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْجَانِي مِمَّنْ يَعْقِلُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ أُفُقِهِ، قَالَ سَحْنُونٌ وَيُضَمُّ أَهْلُ إفْرِيقِيَّةِ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ طَرَابُلُس إلَى طَنْجَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتُلِفَ فِي الْبَدْوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلٌ وَعَيْنٌ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدِّيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبُ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلُ، وَلَوْ جَازَ تَبْعِيضُهَا لَكَانَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مَا عِنْدَهُ، وَلَرُجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الْقِيمَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُعَاوَنَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ، وَقَدْ يُضَافُ إلَى الْقَبِيلِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ مَعَ تَبَاعُدِهِمْ فَبِأَنْ يُضَافَ إلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مَنْ هُوَ مِنْ عَصَبَةِ الْجَانِي وَإِخْوَتِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي تَبْعِيضِ أَصْنَافِ الدِّيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ لَكَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ وَقَوْمُهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنَّ ذَلِكَ عَلَى فَخِذِ الْجَانِي إنْ اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ، وَإِلَّا ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى يَحْمِلُوا ذَلِكَ، وَهِيَ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ مَعَ الْيَسَارِ فَأَمَّا الْمُعْدِمُ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْدِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا عَلَى مِدْيَانٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّحَمُّلِ وَالْعَوْنِ عَلَى مَا لَزِمَ مِنْ الْغُرْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْيَسَارِ وَالْإِمْكَانِ فَأَمَّا الْمِدْيَانُ وَالْمُعْدِمُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُعْطِيَ كَالزَّكَاةِ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، وَتُعْطَى الْفُقَرَاءَ لَمَّا كَانَ طَرِيقُهَا الْمُوَاسَاةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَعْقِلُ السَّفِيهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ تُوضَعُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُعَاوَنَةِ فَيَعْقِلُ وَيُعْقَلُ عَنْهُ، وَأَمَّا الْجِزْيَةُ فَحُكْمٌ يَخْتَصُّ بِمَنْ أُخِذَ مِنْهُ لَا يُؤَدَّى عَنْ غَيْرِهِ فَيُؤَدَّى هُوَ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْوَلِيُّ الْمُعْتِقُ يَعْقِلُ عَنْ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ مِنْ أَسْفَلُ فَهُوَ يَعْقِلُ عَنْ مُعْتَقِهِ وَعَنْ قَوْمِهِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَعْقِلْ مَوْلَى الْقَاتِلِ مِنْ أَسْفَلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَعْقِلُ قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَوْلًى يَعْقِلُ جِنَايَةَ مَوَالِيهِ كَالْمُنَعَّمِ بِالْعِتْقِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْصِيبٌ يُوَرَّثُ بِجِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعَاقِلَةِ كَالْعَبْدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُؤَدِّي الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إنَّمَا تُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَالْعَوْنِ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَعَاقِلَتَهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِ دِيَتَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الْعَاقِلَةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْبَغُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ التَّعْصِيبِ وَالنُّصْرَةِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَغَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا مَدْخَلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمَرْأَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا كَانَتْ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعَاقِلَةِ تُنْقَلُ كَالْبَلَدِ وَالسِّنِّ وَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاعْتِبَارِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَأَمَّا الصِّفَاتُ فَتُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَانِي وَحَقِّ الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ كَانَ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَوْمَ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَلِيءِ بِقَدْرِهِ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ بِقَدْرِهِ، وَلَا يَعْتَبِرُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْجُرْحِ، وَلَا يَوْمَ الْمَوْتِ، وَلَا يَوْمَ يُحْكَمُ بِالدِّيَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَوْمَ يَلْزَمُ ذِمَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا أَلْزَمَهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ غَائِبًا فَقَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ صَغِيرًا فَبَلَغَ أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِهِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : فَمَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ بَعْدَ تَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ أَصْبَغُ تَرْجِعُ عَلَى سَائِرِ الْعَاقِلَةِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ إذَا قُسِّمَتْ صَارَتْ كَدَيْنٍ ثَابِتٍ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ هُوَ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتُجْبَرُ الْعَاقِلَةُ عَلَى أَدَاءِ الدِّيَةِ قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ بِالْتِزَامِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ ابْتِدَاءٌ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ، ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِنَّهُ أَيْضًا حَقٌّ يَنْتَقِلُ بِالشَّرْعِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ مَالِكٌ لَا حَدَّ لِعَدَدِ مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَلَا لِعَدَدِ مَا يُؤْخَذُ

[الباب الثاني في صفة العمد وتمييزه من الخطإ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ الْمُكْثِرُ كَالْمُقِلِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِإِقْلَالِهِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَلَغَ حَالَ الْعَدَمِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَيْضًا لَا تَسْتَوِي أَحْوَالُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ الْمَالُ الْوَاسِعُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَالُهُ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا لَا يُجْحِفُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إلَى التَّخْفِيفِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَانَ يُؤْخَذُ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دِيوَانٍ مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَطَائِهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمْدِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ الْخَطَإِ] 1 قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْعَمْدُ أَنْ يَعْمِدَ لِلْقَتْلِ فِيمَا يَرَى النَّاسُ. وَقَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ عَمَدَ إلَى ضَرْبِ رَجُلٍ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَذَلِكَ لَوْ طَرَحَهُ فِي نَهْرٍ، وَلَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْعَمْدُ فِي كُلِّ مَا يَعْمِدُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ ضَرْبَةٍ أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ أَوْ رَمْيَةِ بُنْدُقَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ ضَرْبٍ بِقَضِيبٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ الضَّرْبَ لَمْ يُصَدَّقْ، وَكُلُّ مَا عَمَدَ بِهِ إلَى اللَّعِبِ مِنْ رَمْيَةٍ أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ أَوْ اُضْطُرَّ غَافِلًا فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَلَا يُتَّهَمُ بِمَا يُتَّهَمُ بِهِ الْمُتَغَاضِبُ لِظُهُورِ الْمُلَاعَبَةِ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَلَوْ تَنَاقَلُوا فِي الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ النَّاقِلُ قَتْلَ الْمَنْقُولِ بِأَنْ يُغَطِّسَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَشَارَ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ تَمَادَى بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ فَطَلَبَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ طَلَبَهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى سَقَطَ فَلْيُقْسِمْ وُلَاتُهُ أَنَّهُ مَاتَ خَوْفًا مِنْهُ وَيَقْتُلُونَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ السَّقْطَةِ، وَهِيَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ فِعْلِهِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ فَلَمْ تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الطَّالِبِ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَسَامَةً قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ فَإِنْ كَانَتْ إشَارَةً فَقَطْ فَمَاتَ فَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْمَوْتُ غَالِبًا، وَلَمْ يَصِلْ مِنْهُ إلَى الْقَتِيلِ مَا يَرَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ. (مَسْأَلَةُ) وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَظَنَّهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَظُنُّونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُقَدْ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَمَرَّةً أَثْبَتَهُ، وَمَرَّةً نَفَاهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا إنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ بَاطِلٌ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ بِإِثْبَاتِ شَبَهٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ، وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَجْهُ نَفْيِهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] فَذَكَرَ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْخَطَأَ مَعْقُولٌ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَالْعَمْدُ مَعْقُولٌ، وَهُوَ مَا كَانَ بِقَصْدِ الْفَاعِلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَلَا يَصِحُّ وُجُودُ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِمَا ضِدَّيْنِ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا خَلِفَةً» فَأَثْبَتَ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادِ بْنِ جُدْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْقَاسِمِ، وَابْنُ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَلْقَ الْقَاسِمُ ابْنَ عُمَرَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ مَا أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْعَمْدِ وَشَبَهًا مِنْ الْخَطَإِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ حُكْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّحْدِيدِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ

[الباب الأول في معرفة العاقلة وصفة تحملها للدية]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَة الْعَاقِلَةِ وَصِفَةِ تَحَمُّلِهَا لِلدِّيَةِ] ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ إلَى الضَّرْبِ، وَشِبْهَ الْخَطَإِ أَنْ يَضْرِبَهُ بِهِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ مَا كَانَ بِعَصًا أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ إثْمُ قَاتِلِ النَّفْسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً، وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَمَّا مَالِكٌ، وَبَاقِي أَصْحَابِهِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَلَا يَرَوْنَ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ إلَّا فِي مِثْلِ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ، وَيَرَوْنَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَوَدَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ مَا كَانَ عَلَى ثَائِرَةِ هَذَا الْمَعْرُوفِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا قَوَدَ فِيهِ كَانَ لِثَائِرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَلَى أَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ غَيْرَ مَا حَكَمَ بِهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ بِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَيَرْوُونَهُ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا قُصِدَ فِيهِ الضَّرْبُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ شِبْهُ الْخَطَإِ مِنْ جِهَةِ الْآلَةِ الَّتِي ضُرِبَ بِهَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا، وَشِبْهُ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ قَصَدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ لِقَصْدِهِ الضَّرْبِ، وَشِبْهُ الْخَطَإِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ قَصَدَ اللَّعِبَ دُونَ غَضَبٍ وَلَا خَنْقٍ يَقْتَضِي قَصْدَ الْقَتْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَوْجَبَ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُثْلَةَ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ هِيَ شِبْهُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا فِي مِثْلِ فِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ ثَلَاثَةُ أَسْنَانٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ قَتْلَ الْأَبِ لِابْنِهِ حَدًّا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ فَلَا خِلَافَ فِي إثْبَاتِهِ فِي الْعَمْدِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي أَنَّ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الرِّوَايَتَانِ فِي التَّسْمِيَةِ وَالتَّغْلِيظِ دُونَ غَيْرِ ذَلِكَ، وَيُلْحِقُ بِذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ عَلَى الْأَبِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الزَّوْجِ يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ بِحَبْلٍ أَوْ سَوْطٍ فَيُصِيبُهَا مِنْهُ ذَهَابُ عَيْنٍ أَوْ غَيْرُهُ فَفِيهِ الْعَقْلُ دُونَ الْقَوَدِ. وَكَذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى الْأَدَبِ مِثْلُ الْمُعَلِّمِ أَوْ الصَّانِعِ أَوْ الْقَرَابَةِ يُؤَدِّبُونَ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بِسِلَاحٍ وَشِبْهِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِأَثَرِ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ عَلَى الْأَبِ فَقَالَ لَيْسَ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَسَائِرُ الْقَرَابَةِ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ كَالْمُعَلِّمِ، وَذِي الصَّنَائِعِ مِنْ غَيْرِ سِلَاحٍ وَشِبْهِهِ فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ فِيمَا يُؤَدِّبُ بِهِ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً فَيَكُونُ هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَا قُصِدَ بِهِ الضَّرْبُ بِآلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْآلَةِ فَإِنَّمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا التَّغْلِيظُ وَالْأُخْرَى نَفْيُ التَّغْلِيظِ، وَلَا قَوَدَ فِيهِ جُمْلَةً. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا عَلَى وَجْهِ الْحَنَقِ وَالْغَضَبِ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَدَبٌ فَهَذَا فِي كَوْنِهِ شِبْهَ الْعَمْدِ رِوَايَتَانِ، وَيَرْجِعُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ أَوْ نَفْيِهِ وَتَغْلِيظِ الدِّيَةِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا مَنْ لَهُ الْأَدَبُ مِنْ الْقَرَابَةِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ فَهَذَا يَتَعَلَّقُ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ مِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ بِتَغْلِيظِ الدِّيَةِ خَاصَّةً، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ الْقَتْلُ مِنْ الْأَبِ بِمَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا عَلَى وَجْهٍ فِيهِ الْحَذْفُ وَالرَّمْيُ أَوْ الضَّرْبُ الَّذِي لَا يَتَيَقَّنُ بِهِ قَصْدَهُ الْقَتْلَ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ. 1 - (فَرْعٌ) ، وَتَغْلِيظُ الدِّيَةِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالثَّانِي أَنْ يَعْفُوَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ، وَيَطْلُبَ بَاقِيهِمْ حِصَّتَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فَهَذَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ فَتَكُونُ أَرْبَاعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَغْلِيظُ شِبْهِ الْعَمْدِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ أَثْلَاثًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا فِي الْإِبِلِ، وَالتَّغْلِيظُ فِي الْعَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا، وَإِنَّمَا عَقْلُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَوْ الْجَارِحِ خَاصَّةً إنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِشَيْءٍ، وَعَلَى ذَلِكَ رَأْيُ أَهْلُ الْفِقْهِ عِنْدَنَا، وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْئًا، وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَقْلِ فَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُؤَدِّ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُزَادَ عَلَى الدِّيَةِ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَيْنَ قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ قِيمَةُ الْإِبِلِ مُثَلَّثَةً مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ الدِّيَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْجَانِي، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْعَاقِلَةِ مَا بَلَغَ مِنْهَا الثُّلُثَ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ شُيُوخِنَا إنَّهَا إنَّمَا تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَ قِسْمَتِهِمْ الدِّيَةَ أَوْ غَابَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَمَنْ كَانَ صَغِيرًا بَعْدَ الْقَتْلِ فَكَبِرَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ غَائِبًا فَقَدِمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُهُ، وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي التَّحَمُّلَ يَوْمَ الْقِسْمَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا يُرِيدُ أَنَّ مَا قَصَرَ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَاقِلَةِ فِي مَعُونَةِ الْجَانِي فِي غُرْمِهِ، وَأَمَّا مَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ فَإِنَّهُ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَحْتَاجُ الْجَانِي إلَى مُوَاسَاةِ الْعَاقِلَةِ فِي غُرْمِهِ، وَمَا كَانَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ عَلَى الْمُوَاسَاةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَالزَّكَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجَانِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّفْرِيطُ، وَيُرَادُ بِمَا يَعُوقُهُ الْعُقُوبَةُ كَانَ حَالُهُ أَشَدَّ مِنْ حَالِ مُخْرِجِ الزَّكَاةِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ فَأَفْرَدَ مِنْ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ لَا تَتَمَيَّزُ بِهِ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ مَا بَلَغَ نِصْفَ الْعُشْرِ فَزَائِدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَلِيلَ الدِّيَةِ وَكَثِيرَهَا، وَلَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِنَا، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ جَمِيعَ الدِّيَةِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ تَحْمِلُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا تَحْمِلُ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ، وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مَالٌ قَصُرَ عَنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْعَمْدِ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (فَرْعٌ) وَحَرَّمَهُ مَنْ يَعْتَبِرُ الثُّلُثَ الْمُتَحَمَّلَ دِيَةَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي فَإِنْ بَلَغَتْ دِيَةُ الْجِنَايَةِ ثُلُثَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ قَالَ لِمَالِكٍ الَّذِي كَانَ يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِدِيَةِ الْمَجْرُوحِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَرَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ إلَّا ثُلُثَ دِيَةِ رَجُلٍ يَكُونُ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اتَّبَعَهُ دَيْنًا يُرِيدُ أَيًّا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اتَّبَعَهُ دَيْنًا يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الدِّيَةِ يَخْتَصُّ بِالْجَانِي فَيَلْزَمُهُ فِي خَاصَّتِهِ، وَلَا تُوَاسِيهِ الْعَاقِلَةُ فِي تَحَمُّلِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَشَاءُوا فَفِي خَاصَّةِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يَتْبَعُ بِهِ إنَّ أَيْسَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَالَ لَهَا إذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً دُونَ الثُّلُثِ أَنَّهُ ضَامِنٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فِي مَالِهِمَا خَاصَّةً إنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قُتِلَ كَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ يُقْتَلُ، وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الَّذِي أَصَابَهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الدِّيَةَ أَوْ أَكْثَرَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ خَطَأً يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَصَابَ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَإِ فَجِنَايَتُهُ هَدْرٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ إنْ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ خَطَأً فَدِيَةُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ تَدْفَعُهَا إلَيْهِ إنْ عَاشَ، وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ فَلَوْ تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِأَحَدٍ لَتَعَلَّقَتْ بِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنٌ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لَمْ تَتَحَمَّلْهَا الْعَاقِلَةُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ عَمْدٍ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] قَالَ مَالِكٌ فَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَفْسِيرَهُ الْآيَةَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ يُرِيدُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا تَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ فَتَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ بِبَذْلِهِ الدِّيَةَ لِيُحْقَنَ بِهَا دَمُهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ مَعْنَى {عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] أَيْ بَذَلَ لَهُ إخْوَةُ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ فَيَكُونُ مَعْنَى عُفِيَ لَهُ بُذِلَ لَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَالْأَخُ هُوَ الْقَاتِلُ فَنُدِبَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ إلَى الرِّضَا بِذَلِكَ وَالْمُطَالَبَةِ بِمَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّي الْقَاتِلُ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ كَالزِّنَا، وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا أَنَّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْقَاتِلُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتَفْسِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فِيمَنْ تَرَكَ لَهُ يُرِيدُ الْقَاتِلَ أَخُوهُ يُرِيدُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ، يُرِيدُ تَرَكَ قَتْلَهُ فَلَهُ طَلَبُهُ بِالدِّيَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ غَيْرُ بَدَلٍ وَاحِدٍ كَقَتْلِ الْخَطَإِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا دُونَ الثُّلُثِ اخْتَصَّتْ دِيَةُ ذَلِكَ بِأَمْوَالِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ ثَبَتَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِمَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْعَاقِلَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ، وَأَمَّا الرَّضِيعُ فَمَا أَتْلَفَ وَجَنَى فَهَدْرٌ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ مِنْ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرْأَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الثُّلُثَ فَزَائِدًا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْأَبِ أَحَدُهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا دُونَ الثُّلُثِ عَلَى الْأَبِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا عَلَى الصَّبِيِّ جَمِيعُهُ، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ جَمِيعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ عَاقِلَتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ يُقْتَلُ يُرِيدُ سَوَاءً زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الدِّيَةِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً أَوْ قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا يُضْمَنُ جَمِيعُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ كَالْبَهِيمَةِ

[ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه]

مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْعَقْلِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ (ص) : (حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَشَدَ النَّاسَ بِمِنًى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الدِّيَةِ أَنْ يُخْبِرَنِي فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ فَقَالَ «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اُدْخُلْ الْخِبَاءَ حَتَّى آتِيَك فَلَمَّا نَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ فَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَصَابَهُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ كُلَّ مَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَحَمُّلِ قِيمَتِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ. [مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْعَقْلِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَشَدَ النَّاسَ بِمِنًى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الدِّيَةِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي عِنْدَهُ فِيهَا نَصَّ وَمُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَاسْتِدْعَاءِ عِلْمِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَرْجُو ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَا كَانَ يَرْجُو وُجُودُ النَّصِّ فَإِنْ وَجَدَهُ عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ عَدِمَهُ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ حِينَئِذٍ، وَلَعَلَّهُ قَدْ بَانَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ حُكْمُ الْفَضِيلَةِ، وَلَكِنَّهُ طَلَبَ النَّصَّ لِيَكُونَ أَبَيْنَ وَأَوْضَحَ وَأَطْيَبَ فِي النَّفْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الضَّحَّاكِ «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِمَا كَتَبَ الْعَالِمُ إلَى مَنْ يَسْتَفْتِيهِ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَمْتَثِلَهُ، وَيَعْمَلَ بِهِ، وَهَذَا حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ الضَّحَّاكُ إلَى عُمَرَ لِيَعْمَلَ بِهِ، وَتَلَقَّاهُ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إنَّمَا كَتَبَ بِهِ الْعَالِمُ إلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ بِاللِّسَانِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَخْبِرُ إنَّمَا يَسْتَخْبِرُ لِيَعْمَلَ بِمَا كُتِبَ إلَيْهِ بِهِ وَمُجَازٌ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِذَلِكَ فَرُبَّمَا كَانَ فِي مَسْأَلَةِ فَصْلٍ أَوْ وَجْهٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُجِيزُ، وَلَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَكُنْ جَوَابُهُ مَا أَجَابَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَدْعِي لِلْإِجَازَةِ اسْتِدْعَاءً لِلرِّوَايَةِ خَاصَّةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لِلنَّقْلِ وَالْوُقُوفِ عَلَى أَلْفَاظِ مَا أُجِيزَ لَهُ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّصْحِيفِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِالْإِجَازَةِ عُلُوَّ الدَّرَجَةِ وَثِقَةَ الْمُجِيزِ لَهُ وَعِلْمَهُ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَصِحُّ الرِّوَايَةُ بِالْإِجَازَةِ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ لَوْ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَطَلَتْ الرِّحْلَةُ يُرِيدُ أَنَّهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ السَّمَاعِ وَالْمُشَافَهَةِ بِالنَّقْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التَّصْحِيفِ وَالتَّحْرِيفِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَلْفَاظِ وَمَعْرِفَتِهَا مِنْ جِهَةِ مَا أُجِيزَ لَهُ فَفِي نَقْلِهِ بِالْإِجَازَةِ ضَعْفٌ لَا سِيَّمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى مَنْ يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَوْ يَقْرَأُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُرِيدُ قَضَى بِأَنْ تُوَرَّثَ الزَّوْجَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَكَانَ قَتْلُ أَشْيَمَ خَطَأً فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ بِقَتْلِ الْخَطَإِ إلَّا أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلِمْنَاهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ دِيَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ أَنَّهَا كَسَائِرِ مَالِ الْمَيِّتِ يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَرِثُ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ اللَّبَّانِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلًا كَانَ يَقُولُهُ فَرُبَّمَا رَجَعَ عَنْهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ

فَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْك فَلَمَّا قَدِمَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْك فَلَمَّا قَدِمَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» ) (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ يُرِيدُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْأَبِ الْقِصَاصَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَتْلَ الْأَبِ ابْنَهُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ فِعْلًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى قَتْلِهِ مِثْلُ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ أَوْ يُضْجِعَهُ فَيَشُقَّ بَطْنَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاءُ قَتْلَ غِيلَةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْمِيَهُ بِحَجَرٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَدَبِ أَوْ التَّرْهِيبِ فَيَقْتُلَهُ فَأَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الدِّينِ وَالْحُرْمَةِ فَكَانَ الْقِصَاصُ جَارِيًا بَيْنَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ شَخْصٌ لَوْ قَتَلَهُ حَذْفًا بِالسَّيْفِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ فَإِذَا ذَبَحَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ كَالسَّيِّدِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ أَلْقَتْ الْأُمُّ ابْنَهَا فِي بِئْرٍ أَوْ مِرْحَاضٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ أَلْقَتْهُ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ كَثِيرِ الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ فِي مِرْحَاضٍ لَا يُنْجَى مِنْ مِثْلِهِ. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ يَكُونُ الْبِئْرِ مَهْوَاةً لَا يُدْرَكُ وَلَا يَنْزِلُ وَإِنْ كَانَتْ يَبَسًا فَلْتُقْتَلْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَهِيَ أَهْلٌ أَنْ تُقْتَلَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِثْلَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الَّذِي يُرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَشِبْهُ ذَلِكَ فَلَا تُقْتَلُ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ مُتَعَمِّدَةٌ لِلْقَتْلِ كَالذَّبْحِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ فَإِنَّ جُرْحَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْجِرَاحَ تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْقَتْلِ، وَذَلِكَ إنْ أَخَذَ سِكِّينًا فَقَطَعَ بِهِ يَدَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ أَضْجَعَهُ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنَيْهِ فَفَقَأَهَا فَإِنَّ هَذَا يُقَادُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَهُ الْمُدْلِجِيُّ فَإِنَّهُ إذَا حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ إذَا أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ قَلِيلَةِ الْمَاءِ مِثْلُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِعْلٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَتْلِ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ كَأَدَبٍ جَاوَزَ بِهِ حَدَّهُ فَهُوَ كَالْمُخْطِئِ يُرِيدُ لِمَا عُلِمَ مِنْ حُنُوِّ الْأَبِ وَشَفَقَتِهِ مَعَ مَا لَهُ مِنْ التَّبَسُّطِ وَالْأَدَبِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَحُمِلَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْعَمْدِ، وَلَوْ وَجَدَ مِنْ أَحَدٍ عَمْدًا لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْهُ ذَلِكَ الْإِشْفَاقُ، وَلَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ التَّبَسُّطُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسُرَاقَةَ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَصَّ سُرَاقَةَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ بِقَاتِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، وَاقْتَضَى جَوَابُهُ فِيهَا فَلَعَلَّهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْأَبَ بِإِحْضَارِهَا، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَاهَا عَلَى الْأَبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، وَهِيَ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَكُونَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِئَلَّا تَبْطُلَ الدِّيَةُ. 1 - (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَلَى الْأَبِ فِي مَالِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ هِيَ عَلَيْهِ حَالَّةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ، وَآخِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا فِي مَالِ الْأَبِ حَالَّةٌ، وَكَانَ يَقُولُ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُنَجَّمَةٌ، وَبِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ أَصْبَغُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهَا حَالَّةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِهَا مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ الْأَبِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ إنْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَالَّةٌ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِسُرَاقَةَ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ، وَلَيْسَ بِالْأَبِ الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا هُوَ سَيِّدٌ لِقَوْمٍ فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سَيِّدُ الْعَاقِلَةِ، وَاحْتَجَّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يُعْتَبَرُ عَمْدًا لَمَّا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَدَبِ فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَقَتْلِ الْخَطَإِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ بِالْعَمْدِ أَشْبَهَ فَلَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ الْقَصْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا الْمِائَةَ الَّتِي هِيَ لَدَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُغَلِّظَهَا بِالْعَدَدِ فَيَأْخُذَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ إلَيْهِ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِالْعَدَدِ فِي الْإِبِلِ أَوْ فِي الدَّنَانِيرِ غَيْرُ سَائِغٍ فَأَعْطَى مِنْهَا مِائَةً فِي الدِّيَةِ وَتَرَكَ الْبَاقِيَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ قُدَيْدًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ بَقَاءُ الْإِبِلِ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ فِي طَرِيقِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ إلَى مَوْضِعِ بَنِي مُدْلِجٍ؛ لِأَنَّ إيوَاءَ الْإِبِلِ الْحَوَاضِرِ يَشُقُّ لِقِلَّةِ سَارِحِهَا وَتَأَذِّي أَهْلِهَا بِبَقَاءِ الْإِبِلِ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا مَوَاضِعُ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الْمَسَارِحُ وَالْفَيَافِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ مِنْهَا عُمَرُ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ذِكْرُ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ، وَأَمَّا الْخَلِفَةُ فَهِيَ الْحَامِلُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْخَلِفَاتُ الْحَوَامِلُ قَالَ مَالِكٌ الَّتِي فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا تُبَالِ بِالْخَلِفَاتِ إذَا كَانَتْ حَوَامِلَ مِنْ أَيِّ الْأَسْنَانِ كَانَتْ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا الثَّنِيَّاتُ إلَى بَازِلِ عَامِهَا، وَرَوَاهُ عَنْ أَشْهَبَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا نُقِلَتْ الدِّيَةُ إلَى هَذِهِ الْأَسْنَانِ لِلتَّغْلِيظِ قَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا فِي مِثْلِ فِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ ثَلَاثَةُ أَسْنَانٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَالْقَاتِلُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا كَانَ الْأَبُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَالِكٌ الْجَدُّ كَالْأَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ الْأُمُّ كَالْأَبِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَيْسَ الْأَخُ وَالْعَمُّ، وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِالتَّغْلِيظِ فَفِي الْأَبِ وَأَبِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأُمِّ الْأُمِّ، وَوَقَفَ عَنْ أَبِ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ. وَقَالَ أَشْهَبُ أَمَّا أُمُّ الْأَبِ فَكَالْأَبِ، وَأَمَّا أُمُّ الْأُمِّ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِك أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ رَآهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ جِرَاحٌ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بِوَجْهٍ، وَجِرَاحٌ يُقْتَصُّ مِنْهَا فَأَمَّا مَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بِوَجْهٍ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا تَغْلِيظَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي عَمْدِهَا، وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّغْلِيظَ عِوَضٌ مِنْ سُقُوطِ الْقَوَدِ، وَهَذِهِ الْجِرَاحُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقَوَدُ فَلَمْ تُغَلَّظْ فِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُغَلَّظُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا دِيَةٌ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فَتَعَلَّقَ بِهَا التَّغْلِيظُ كَالدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَمَّا الْجِرَاحُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْ الْأَبِ عَلَى وَجْهٍ لَا قَوَدَ فِيهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ تُغَلَّظُ فِيهَا الدِّيَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا جِنَايَةٌ فِيهَا الْقَوَدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِذَا دُرِئَ الْقَوَدُ عَلَى الْأَبِ عَنْ الْأَبِ وَجَبَ أَنْ تُغَلِّظَ الدِّيَةُ أَصْلَ ذَلِكَ الْقَتْلِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُغَلَّظُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيمَا صَغُرَ مِنْ الْجِرَاحِ وَكَبُرَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا إنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فَهَلْ تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا إثْبَاتُ التَّغْلِيظِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهُ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ سُئِلَا أَتَغْلُظُ الدِّيَةُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَالَا لَا، وَلَكِنْ يُزَادُ فِيهَا لِلْحُرْمَةِ فَقِيلَ لِسَعِيدٍ هَلْ يُزَادُ فِي الْجِرَاحِ كَمَا يُزَادُ فِي النَّفْسِ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ أُرَاهُمَا أَرَادَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عَقْلِ الْمُدْلِجِيِّ حِينَ أَصَابَ ابْنَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَفْيِ التَّغْلِيظِ فَرَوَاهَا ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ هَذِهِ دِيَةٌ فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا التَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ كَدِيَةِ الْإِبِلِ، وَإِذَا لَمْ يُغَلَّظْ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَلْحَقْهُ تَغْلِيظٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرْ التَّغْلِيظُ فِي صِفَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا إلَّا الْجَيِّدُ الْخَالِصُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تَغْلُظُ فَكَيْفَ صِفَةُ التَّغْلِيظِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِلَى دِيَةِ الْمُغَلَّظَةِ مِنْهَا فَيُنْظَرُ إلَى مَا تَزِيدُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى دِيَةِ الْخَطَإِ فَيُزَادُ تِلْكَ الْقَدْرُ عَلَى دِيَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ وَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَةُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظِ مِنْ الْإِبِلِ فَتَكُونُ تِلْكَ الدِّيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَلْفِ دِينَارٍ فَلَا يَنْقُصُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَصْلَ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ مُعْتَبَرُ الصِّفَةِ، وَذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَاعْتُبِرَ بِتَغَيُّرِ صِفَاتِ الْإِبِلِ فَيَزِيدُ فِي عَدَدِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَدْرُ مَا بَيْنَ قِيمَتَيْ الصِّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا حُكْمُ التَّغْلِيظِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ فِيهِ أَسْنَانٌ لِلتَّغْلِيظِ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الذَّهَبِ فَلَا يَلْحَقُهَا تَغْلِيظٌ، وَرُبَّمَا قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ فَبَطَلَ الِاعْتِبَارُ بِهَا، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى نَقْصِ الدِّيَةِ بِالتَّغْلِيظِ عَمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّغْلِيظِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا دِيَةُ الْعَمْدِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا أَرْبَاعُ إنَاثٍ كُلُّهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهَا فِي أَسْنَانِهَا كَدِيَةِ الْخَطَإِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَتْلٌ سَقَطَ إلَى دِيَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُغَلَّظَةً كَدِيَةِ قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ بِشَيْءٍ مَا لَزِمَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ، وَأَيُّهُمَا لَفْظُ الدِّيَةِ وَجَبَ أَنْ تُلْزَمَ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَعْرُوفَةُ، وَهِيَ دِيَةُ الْخَطَإِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فَهَلْ تُغَلَّظُ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا يُعْلَمُ مَنْ يُغَلِّظُهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ غَيْرَ أَشْهَبَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَخِي الْمَقْتُولِ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ سَلَّمَ جَمِيعَ الدِّيَةِ إلَى أَخِي الْمَقْتُولِ، وَأَنَّهُ كَانَ الْمُحِيطُ بِمِيرَاثِهِ دُونَ أَبِيهِ لِكَوْنِ أَبِيهِ قَاتِلًا لِلْمَوْرُوثِ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ» ، وَهَذَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ دِيَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَة وَالْمَوَّازِيَّةِ لَا يَرِثُ مِنْ مَالِ الِابْنِ وَلَا دِيَتِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ كَالْعَمْدِ، وَإِنَّمَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ. (ش) : قَوْلُ سَعِيدٍ وَسُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا تَغْلُظُ الدِّيَةُ لِلشَّهْرِ الْحَرَامِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَا تَغْلُظُ لِلْحُرُمِ، وَلَا لِذَوِي الْحُرُمِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَغْلُظُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الدِّيَةِ يَقْتَضِي الدِّيَةَ الْمُقَدَّرَةَ دُونَ غَيْرِهَا، وَيَجِبُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الدِّيَةَ مَعْنًى تَجِبُ بِالْقَتْلِ فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِالْحُرُمِ، وَلَا بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ كَالْكَفَّارَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالدِّيَةُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِذَا لَمْ يَتَغَلَّظْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحُرُمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ فَبِأَنْ لَا تَتَغَلَّظَ بِهِ الدِّيَةُ، وَهُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ أَوْلَى وَأَحْرَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمَا، وَلَكِنْ يُزَادُ فِيهَا لِلْحُرْمَةِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ أَنَّهَا تَغْلُظُ لِمَا سَقَطَ مِنْ الْقَتْلِ لِحُرْمَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ كَانَ لَهُ عَمٌّ صَغِيرٌ هُوَ أَصْغَرُ مِنْ أُحَيْحَةَ، وَكَانَ عِنْدَ أَخْوَالِهِ فَأَخَذَهُ أُحَيْحَةُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ أَخْوَالُهُ كُنَّا أَهْلَ ثُمَّهِ وَرُمِّهِ حَتَّى إذَا اسْتَوَى عَلَى عُمَمِهِ غَلَبَنَا حَقُّ امْرِئٍ فِي عَمِّهِ قَالَ عُرْوَةُ فَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا، وَلَا مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ، وَأَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ خَطَأً لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ، وَلِيَأْخُذَ مَالَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرِثَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَرِثَ مِنْ دِيَتِهِ) . جَامِعُ الْعَقْلِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاتِلِ كَالْأَبِ يَقْتُلُ ابْنَهُ حَذْفًا أَوْ رَمْيًا فَيُدْرَأُ عَنْهُ الْقَوَدُ لِحُرْمَتِهِ فَتَغْلُظُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي جِرَاحِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أُحَيْحَةَ أَخَذَهُ عَمُّهُ صَغِيرًا مِنْ أَخْوَالِهِ عَلَى مَعْنَى الْحَضَانَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ عَصَبَتِهِ، وَقَوْلُهُ فَقَتَلَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ فِي مَقَامِهِ عِنْدَنَا مَا كَانَ بِهِ قَاتِلًا، وَمَعْنَى ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقِيَامُ بِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ عَصَبَتُهُ أَوْلِيَاءَ الْقَاتِلِ فَكَانُوا أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ الْأَخْوَالِ فَقَالَ الْأَخْوَالُ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ نَحْنُ كُنَّا أَهْلَ ثُمِّهِ وَرُمِّهِ يُرِيدُ أَهْلَ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ؛ لِأَنَّ الثُّمَّ هُوَ الْخَيْرُ وَالرُّمَّ هُوَ الشَّرُّ، وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ اسْتَوَى عَلَى عُمَمِهِ وَبَلَغَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ حَقُّ عَصَبَتِهِ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ الْقَاتِلِ فَأَخَذُوهُ، وَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَاَلَّذِي غَلَّبَهُمْ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَوْلِيَاءَ ابْنِ أَخِيهِ الْقَاتِلِ كَانُوا أَحَقَّ بِدِيَةِ الْقَتِيلِ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَخْوَالُهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِحَقِّ الِابْنِ، وَلَا أَخَذَ الْقَاتِلُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ، وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ لِأَنَّ أُحَيْحَةَ بْنَ الْجُلَاحِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَحْكَامَ الدِّيَةِ وَالْعَصَبَةِ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثَابِتَةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرَائِعِ فَأَقَرَّ الْإِسْلَامُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَانَ هَذَا مِمَّا أَقَرَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلِذَلِكَ لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ مِمَّا أَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ أَنْ لَا يَرِثَ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ، وَيَقْتَضِي أَنَّ أُحَيْحَةَ لَمْ يَرِثْ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِيرَاثِ الْقَاتِلِ فَقَالَ مَالِكٌ إنَّ قَاتِلَ الْخَطَأَ لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ، وَيَرِثُ مِنْ الْمَالِ، وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ عُرْوَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرِثُ مِنْ مَالٍ، وَلَا دِيَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى لَا يَمْنَعُ التَّسَاوِي بِالْحُرْمَةِ وَالدِّينِ، وَلَا يُوجِبُ الْقَوَدَ، وَلَا يُزِيلُ جِهَةَ التَّوَارُثِ فَلَمْ يَمْنَعْ الْمِيرَاثَ أَصْلُهُ الشَّتْمُ وَالضَّرْبُ، وَلَا يَلْزَمُنَا الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ آنَ إلَى جِهَةِ التَّوَارُثِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَ النَّفْسِ فَلَمْ يَرِثْ مِنْهُ الْقَاتِلُ كَالْقِصَاصِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَاتِلُ الْعَمْدِ فَلَا يَرِثُ مِنْ الْمَالِ وَلَا مِنْ الدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فِيهِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ رَدْعٌ لِمَنْ أَرَادَ اسْتِعْجَالَ الْمِيرَاثِ بِقَتْلِ الْمُوَرِّثِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ رَدْعًا لِهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ، وَلَوْ كَانَ إمَامَ عَدْلٍ قَتَلَ مَوْرُوثُهُ فِي قِصَاصٍ أَوْ زِنًى أَوْ حَدٍّ ثَابِتٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا التَّفْصِيلَ، وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ كَقَتْلِ الْخَطَإِ.

[جامع العقل]

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ الْجُبَارِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ إلَّا أَنْ تَرْمَحُ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحُ لَهُ، وَقَدْ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ بِالْعَقْلِ قَالَ مَالِكٌ فَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ أَحْرَى أَنْ يَغْرَمُوا مِنْ الَّذِي أَجْرَى فَرَسَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [جَامِعُ الْعَقْلِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ الْعَجْمَاءُ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا لَا نُطْقَ لَهُ، وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يَعْقِلُ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْجُرْحَ الَّذِي لَا صُنْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَا كَانَ بِسَبَبِ أَحَدٍ، وَهُوَ الَّذِي تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَالَ فِيهِ جُرْحُ الْعَجْمَاءِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِسَبَبِ غَيْرِهِ مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ سَبَبًا، وَقَدْ فَسَّرَ مَالِكٌ الْجُبَارَ بِأَنَّهُ هَدَرٌ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا اخْتَصَّ بِالْعَجْمَاءِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْجِنَايَاتِ بَطَلَ، وَلَا يُقْضَى مِنْهُ بِدِيَةٍ وَلَا شَيْءٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ الْمَعْدِنُ حَيْثُ يَعْلَمُ النَّاسُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ حِجَارَةٍ أَوْ كُحْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهَا الْغِيرَانُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي مَنْ سَقَطَ فِيهَا أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ غَلَبَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مَنْ أُصِيبَ بِذَلِكَ دُونَ فِعْلِ أَحَدٍ فَإِنَّ مَا حَدَثَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَةٍ فَإِنَّهُ جُبَارٌ يَعْنِي أَنَّهُ مَطْلُولٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْقَائِدَ وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي أَمَامَ الدَّابَّةِ يَقُودُهَا بِلِجَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالسَّائِقَ وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي خَلْفَ الدَّابَّةِ فَيَسُوقُهَا، وَالرَّاكِبَ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فَإِنْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فَلِأَشْهَبِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَةِ مَا جَنَتْهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا كَانَ الرَّاكِبُ شَرِكَهُمْ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا جَنَتْهُ الدَّابَّةُ بِوَطْءٍ تَطَؤُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْقَائِدِ الَّذِي يَقُودُهَا، وَالسَّائِقُ الَّذِي يَسُوقُهَا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى السَّوْقِ وَالْقَوْدِ، وَلَا صُنْعَ لِلرَّاكِبِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مُمْسِكًا فَإِنْ شَارَكَهُمَا بِرَكْضٍ أَوْ زَجْرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إشَارَةٍ كَانَ شَرِيكَهُمَا فِي جِنَايَتِهِمَا تِلْكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ يُرِيدَانِ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا بِكَدْمٍ أَوْ نَفْحٍ مِنْ غَيْرِ تَهْيِيجِ أَحَدٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَحَقُّهُمْ بِالضَّمَانِ السَّائِقُ إنْ كَانَ سَوْقُهُ يَذْعَرُهَا بِزَجْرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ نَخْسٍ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِبُ لَوْ ضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ فَكُدِمَتْ ضَمِنَ، وَكَذَلِكَ الْقَائِدُ لَوْ أَنْهَرَهَا فَإِنَّهُ يُضْمَنُ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَبْقَى أَنْ يَكُونَ السَّائِقُ أَحَقَّهُمْ بِالضَّمَانِ إذَا لَمْ تَكُنْ جِنَايَاتُهُمَا يَقْتَرِنُ بِهَا تَجْدِيدُ شَيْءٍ مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمْ إلَّا أَنَّ لِلسَّائِقِ حُكْمَ ذَلِكَ بِأَنْ يَحْفِرَهُ لَهَا بِقُرْبِهِ مِنْهَا وَحَرَكَةِ مَشْيِهِ خَلْفَهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْجِنَايَةِ مُخَالِفٌ لِجِنَايَتِهَا بِالْوَطْءِ عَلَى شَيْءٍ تَبْلُغُهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَى مَا تَطَأُ عَلَيْهِ هُوَ مُقْتَضَى السَّوْقِ وَالْقَوْدِ، وَسَبَبُ الرَّاكِبِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ سَبَبٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَوْجُودٌ، وَأَمَّا أَنْ تُكْدَمَ أَوْ تُنْفَحَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْأَسْبَابِ الْمَوْجُودَةِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ زَجْرٍ أَوْ نَخْسٍ فَإِذَا عَرِيَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يَضْمَنُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ رَبِيعَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ بِالتَّسْيِيرِ، وَأَمَّا الْكَدْمُ وَالنَّفْحُ وَالضَّرْبُ بِالْيَدِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكْبَحَهَا أَوْ يُحَرِّكَهَا بِخِلَافِ مَا وَطِئَتْ، وَقَالَهُ كُلُّهُ أَشْهَبُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا رَكِبَ اثْنَانِ عَلَى دَابَّةٍ فَمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ بِوَطْءٍ أَوْ صَدْمٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ هُوَ مِنْ الْمُقَدَّمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْمُشِيرُ إلَيْهَا وَالْمُمْسِكُ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَخِّرُ حَرَّكَهَا أَوْ ضَرَبَهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشْيِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَحْفِرُ الْبِئْرَ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يَرْبِطُ الدَّابَّةَ أَوْ يَضَعُ أَشْبَاهَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ فِي ذَلِكَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلُهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا غُرْمَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْبِئْرُ يَحْفِرُهَا الرَّجُلُ لِلْمَطَرِ، وَالدَّابَّةُ يَنْزِلُ عَنْهَا الرَّجُلُ لِلْحَاجَةِ فَيَقِفُهَا عَلَى الطَّرِيقِ فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذَا غُرْمٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِضَرْبِ الْمُؤَخَّرِ أَوْ زَجْرِهِ بِأَنْ تَنْفِرَ أَوْ تُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جِنَايَتِهَا بِكَدْمٍ أَوْ نَفْحٍ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ التَّسْيِيرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ سَبَبِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِمَا اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمَا فَهُوَ هَدَرٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ اللِّجَامُ بِيَدِ الْمُقَدَّمِ فَقَدْ تُكْدَمُ، وَهُوَ الْفَاعِلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَائِدُ يَقُودُ الْقِطَارَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا وَطِئَ عَلَيْهِ بَعِيرٌ مِنْ الْقِطَارِ فِي أَوَّلِهِ كَانَ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ أَشْهَبُ لِأَنَّهُ أَوَطْأَهُ بِقَوْدِهِ، وَلَوْ قَادَ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ أَوْ مَتَاعٌ فَوَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ، وَذَلِكَ إنْ كَانَ قَائِدُهَا حَمَلَ الْمَتَاعَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ حَمَلَهُ فَذَلِكَ عَلَى حَامِلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ قَوْدِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي حَمَلَ الْمَتَاعَ قَصَّرَ فِيهِ بِضَعْفِ حَبْلٍ أَوْ وَجْهٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ مَأْمُونٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي فَارِسَيْنِ اصْطَدَمَا فَأَصَابَ فَرَسُ أَحَدِهِمَا صَبِيًّا أَنَّ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِسَبَبِهِمَا، وَلَوْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا، وَمَاتَ فَرَسَاهُمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، وَقِيمَةُ فَرَسِهِ فِي مَالِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا، وَالْآخَرُ حُرًّا فَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ، وَدِيَةُ الْحُرِّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يَتَقَاصَّانِ فَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ فَلِسَيِّدِهِ الزِّيَادَةُ فِي مَالِ الْحُرِّ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْحُرِّ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَالزِّيَادَةُ فِي مَالِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْحُرِّ يَأْخُذُهَا السَّيِّدُ، وَيُقَالُ لَهُ افْتَدِ الْعَبْدَ بِالدِّيَةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْقِيمَةَ فَلَيْسَتْ لِوُلَاةِ الْحُرِّ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ. (فَرْقٌ) لَوْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتْ إحْدَاهُمَا بِمَا فِيهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ تَغْلِبُهُمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّفِينَتَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ أَنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي إلَّا بِالرِّيحِ، وَلَا عَمَلَ فِي ذَلِكَ لِلسَّفِينَتَيْنِ، وَأَمَّا الْفَرَسَانِ فَجَرْيُهُمَا مِنْ فِعْلِهِمَا، وَالْفَارِسَانِ أَرْسَلَاهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَحَرَّكَاهُمَا إلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النَّوَاتِيَّةَ قَادِرُونَ عَلَى صَرْفِهِمَا عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِمْ فَلَا يَفْعَلُوا فَهُمْ ضَامِنُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرُوا عَلَى صَرْفِهِمَا عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَهُمْ ضَامِنُونَ، وَيَضْمَنُ عَوَاقِلُهُمْ الدِّيَاتِ، وَيَضْمَنُونَ الْأَمْوَالَ فِي أَمْوَالِهِمْ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ كُلَّ مَا صَنَعَهُ الْإِنْسَانُ مِمَّا هَذَا سَبِيلُهُ يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ لِغَيْرِ غَرَضٍ مُبَاحٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أُصِيبَ بِهِ أَوْ يَحْفِرُ بِئْرًا فِي دَارِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَضْمَنُ قَالَ أَشْهَبُ لِأَنَّهُ حَفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الدَّارِ أَوْ يَحْفِرُ فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ لِيُتْلِفَ بِهِ سَارِقًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَضْمَنُ السَّارِقُ وَغَيْرُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَّدَ قَصَبًا أَوْ عِيدَانًا يَجْعَلُهَا فِي بَابِهِ لِيَدْخُلَ فِي رَحْلِ الدَّاخِلِ فِي حَائِطِهِ مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ عَلَى حَائِطِهِ شَوْكًا يَسْتَضِرُّ بِهَا مَنْ يَدْخُلُ أَوْ رَشَّ فِنَاءَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُزْلِقَ مَنْ يَمُرَّ بِهِ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي الطَّرِيقِ مَرْبِطًا لِدَابَّتِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّعَدٌ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا لِدَارِهِ لِيَعْقِرَ مَنْ دَخَلَهَا أَوْ فِي غَنَمِهِ لِيَعْدُوَ عَلَى مَنْ أَرَادَهَا

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ فَيُدْرِكُهُ رَجُلٌ آخَرُ فِي أَثَرِهِ فَيَجْبِذُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى فَيَخِرَّانِ فِي الْبِئْرِ فَيَهْلِكَانِ جَمِيعًا أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي جَذَبَهُ الدِّيَةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ لَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ بِئْرٍ حَفَرَهَا لِلْمَطَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ مِرْحَاضٍ يَحْفِرُهُ إلَى جَانِبِ حَائِطِهِ قَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ تَضُرَّ الْبِئْرُ وَالْمِرْحَاضُ بِالطَّرِيقِ أَوْ يَحْفِرُ بِئْرًا فِي دَارِهِ لِغَيْرِ ضَرَرِ أَحَدٍ أَوْ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ يَرُشُّ فِنَاءَهُ تَبَرُّدًا وَتَنَظُّفًا فَيَزْلَقُ بِهِ أَحَدٌ فَيَهْلِكُ أَوْ ارْتَبَطَ كَلْبًا فِي دَارِهِ لِلصَّيْدِ أَوْ فِي غَنَمِهِ لِلسِّبَاعِ فَعَقَرَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَخْرَجَ رُءُوسًا مِنْ دَارِهِ أَوْ عَسْكَرًا أَوْ نَصَبَ حِبَالَاتٍ لِلسِّبَاعِ أَوْ وَقَفَ عَلَى دَابَّةٍ فِي الطَّرِيقِ أَوْ نَزَلَ عَنْهَا لِحَاجَةٍ فَأَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ بِبَابِ مَسْجِدٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ بَابِ أَمِيرٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ فَهُوَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاشِيَةِ بِقُرْبِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَعَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ كَمَا جَازَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَضُرُّ بِهَا أَمْ لَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا أُمِرَ بِرَدْمِهَا فَإِنْ أُصِيبَ أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِذَلِكَ ضَمِنَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ مُبَاحَةٌ فَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْحَفْرِ فِيهَا لِحَاجَتِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ مَا يُوجِبُ مَنْعَ ذَلِكَ مِنْ إضْرَارِ بِئْرٍ مِنْ تَقَدُّمِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ فَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي إبْقَائِهِ فَيَضْمَنُ مَا أُصِيبَ بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ، وَالْأَمْرُ لَهُ بِرَدِّهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَضَعَ سَيْفًا بِطَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ يُرِيدُ قَتْلَ رَجُلٍ فَعَطِبَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ عَطِبَ بِهِ غَيْرُهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَاعِلِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ قَتْلَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَوَضْعُهُ لِلسَّيْفِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَانَ قَدْ قَصَدَ إلَى قَتْلِهِ بِرَمْيِهِ بِالسَّيْفِ أَوْ ضَرْبِهِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فَإِنْ أَصَابَ بِهِ غَيْرَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ رَمَى إلَى رَجُلٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَيُصِيبُ غَيْرَهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَطَإِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. (فَرْعٌ) وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْمُتَعَدِّي مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي مَالِهِ دُونَ الثُّلُثِ، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَاتِ الْأَحْرَارِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأَمَّا مَا ضَمِنَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَفِي مَالِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إنَّمَا لَهَا مَدْخَلٌ فِي تَحَمُّلِ دِيَاتِ الْأَحْرَارِ دُونَ قِيَمِ الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةَ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ جَبْذِهِ، وَأَمَّا دِيَةُ الْجَابِذِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عِيسَى أَنَّ دِيَتَهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ غَيْرَهُ، وَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي جَبْذِهِ لَهُ، وَوُقُوعُ الْأَعْلَى عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ جَبْذِهِ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَعْلَى فِي ذَلِكَ صُنْعٌ فَلَمَّا كَانَ مَوْتُهُ بِسَبَبِهِ أَبْطَلَ دِيَتَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ قَاتِلَ نَفْسِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَادَ بَصِيرٌ أَعْمَى فَوَقَعَ الْبَصِيرُ فِي بِئْرٍ، وَوَقَعَ عَلَيْهِ الْأَعْمَى فَمَاتَ الْبَصِيرُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَصِيرَ لَمْ يَكُنْ يَجْذِبُ الْأَعْلَى وَيَحْمِلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَعْمَى يَتْبَعُهُ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَلَيْهِ لَا صُنْعَ فِيهِ لِلْبَصِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْأَعْمَى خَاصَّةً وَاتِّبَاعِهِ لَهُ فَلَمَّا انْفَرَدَ بِالْجِنَايَةِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. مَسْأَلَةٌ وَلَوْ حَفَرَ رَجُلَانِ فِي بِئْرٍ فَانْهَدَمَتْ عَلَيْهِمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ أَشْهَبَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَاقِي نِصْفُ دِيَةِ الْهَالِكِ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ سَقَطَ مِنْ حَفْرِهِمَا فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَاقِي نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الثَّانِي هَدَرٌ، وَلَوْ ضَمِنَ لَضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسِهِ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ لَا عَقْلَ لَهُ، وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا لَضَمِنَتْ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دِيَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَارَكَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ فَهُدِرَ مِنْ دِيَتِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّةٍ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الرَّجُلُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ السَّاقِطِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ، وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ وَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ، وَلَوْ انْكَسَرَتْ سِنُّ السَّاقِطِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ أَوْ يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ فَيَهْلِكُ فِي ذَلِكَ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ هَلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَانْكَسَرَتْ سِنُّ الْآخَرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَى السَّاقِطِ دِيَةَ سِنِّ الَّذِي سَقَطَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْآخَرِ دِيَةٌ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَقَالَ رَبِيعَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ مَا أُصِيبَ بِهِ الْآخَرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِسَبَبِ السَّاقِطِ دُونَ سَبَبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَعْقِلْ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ رَجُلًا فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الْعَقْلُ دُونَ الْمَدْفُوعِ، وَمَنْ مَرَّ بِجَزَّارٍ يَقْطَعُ لَحْمًا فَدَفَعَهُ آخَرُ فَسَقَطَ فَوَقَعَتْ يَدُهُ تَحْتَ فَأْسِ الْجَزَّارِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَقْلُ ذَلِكَ عَلَى طَارِحِهِ أَوْ قَالَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَزَّارِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَقَطَ ابْنُهُ مِنْ يَدِهِ فَمَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ عَلَى ابْنِهِ وَابْنِ غَيْرِهِ فَمَاتَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سُقُوطَهُ مِنْ يَدِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ إنَّمَا هَلَكَ بِحَرَكَتِهِ، وَهِيَ الْحَرَكَةُ الَّتِي سَقَطَ بِهَا، وَأَمَّا إذَا سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّ الْهَالِكَ إنَّمَا هَلَكَ بِحَرَكَةِ السَّاقِطِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ سَبَبِ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ طَلَبَ غَرِيقًا فَلَمَّا أَخَذَهُ خَشِيَ الْمَوْتَ عَلَى نَفْسِهِ فَتَرَكَهُ فَمَاتَ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ ابْتَدَأَ نُزُولَ بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ بِسَبَبِ مِسْكِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَانَ صَغِيرًا أَوْ عَبْدًا فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الْإِذْنُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ سَيِّدِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ أَبِيهِ إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ يُجْرِي الْخَيْلَ فَأَمَرَهُ رَجُلٌ أَنْ يُجْرِيَ لَهُ فَرَسَهُ وَأَذِنَ فِي ذَلِكَ أَبُوهُ فَوَقَعَ عَنْهُ فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَرَأَى إذْنَ الْأَبِ كَالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا يُجْزِي إذْنُهُ كَيَتِيمِ الرَّجُلِ وَابْنِ أَخِيهِ فَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَهَذَا وَجْهُ الْإِذْنِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا يَعْمَلُ غَالِبًا كَمُنَاوَلَتِهِ النَّعْلَ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَهَذَا لَا يُضْمَنُ فِيهِ عَبْدٌ وَلَا صَبِيٌّ، وَلَا فِيهِ أَجْرٌ وَضَرْبٌ لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي مِثْلِهِ بِالْإِجَارَةِ أَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِإِجَارَةِ فَاسْتَعْمَلَهُ بِإِجَارَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي الْعَمَلِ بِغَيْرِ إجَارَةٍ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ضَامِنٌ قَالَ أَشْهَبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَدٍّ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا فِي الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْعَمَلِ جُمْلَةً فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَلَهُ أُجْرَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ فَلِلسَّيِّدِ إجَارَتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا لَهُ بَالٌ فَضَمِنَهُ بِالتَّعَدِّي، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ أَعْطَى دَابَّتَهُ عَبْدًا لِيَسْقِيَهَا فَعَطِبَ ضَمِنَ صَغِيرًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ كَبِيرًا. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا عَلِمَ الْمُسْتَعْمِلُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ فِي الْآبِقِ يَسْتَأْجِرُهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا فَيَعْطَبُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مُسْتَأْجِرُهُ بِإِبَاقِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَضْمَنُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعْمَلَ عَبْدًا أَوْ مَوْلًى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْعَمَلِ الْمَخُوفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرِّقِّ أَوْ بِالْوَلَاءِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْحُرِّيَّةُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا أَوْ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةَ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِهِ وَنَسَبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ غَرَرِ الْعَمَلِ مَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْخَادِعِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْجِرُهُ فَلَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ فِي عَمَلٍ مَخُوفٍ كَالْبِئْرِ ذَاتِ الْحَمْأَةِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عَقْلٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْقِلُوهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَاتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَقْلُ عَلَى مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي عَقْلِ الْمَوَالِي تَلْزَمُهُ الْعَاقِلَةُ إنْ شَاءُوا، وَإِنْ أَبَوْا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُتَقَطِّعِينَ، وَقَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دِيوَانٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ غَيْرُ قَوْمِهِ وَمَوَالِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْتَقِلُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَ مَالِكٌ وَالْوَلَاءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَمَلِ تَحْتَ الْجِدَرَاتِ فَهَذَا يَضْمَنُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَيِّدُهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ، وَأَبَانَ ذَلِكَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَعَانَهُمَا أَوْ اسْتَعْمَلَهُمَا فِي أَمْرٍ مَخُوفٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ سَأَلْت عِيسَى عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الصَّبِيِّ يَأْمُرُهُ الرَّجُلُ يَرْقَى فِي النَّخْلَةِ أَوْ يَنْزِلُ فِي الْبِئْرِ فَيَعْطَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ ضَامِنٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْعَمَلِ مِنْ الْخَطَرِ الْغَالِبِ الْمُسْتَفَادِ فَالْمُسْتَعْمِلُ لَهُ مُتَعَدٍّ عَلَى السَّيِّدِ مُتْلِفٌ لِمَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَاسْتَأْجَرَهُ هَذَا فِيمَا هُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ مِنْ الْأَعْمَالِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي مَخُوفٍ مِنْ الْأَعْمَالِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ اسْتَعْمَلَ عَبْدًا عَمَلًا شَدِيدًا فِيهِ غَرَرٌ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَأُصِيبَ فِيهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا أَذِنَ لَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ مِنْ الْأَعْمَالِ دُونَ الْغَرَرِ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ فِي سَفَرٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَعْطَى صَبِيًّا ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً دَابَّةً يُسْقِيهَا فَيَعْطَبُ أَنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ أَنَّ الْمَوْلَى يَضْمَنُ فِي الْعَمَلِ الْمَخُوفِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَوْلَى عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَالِكٌ بِالْكَبِيرِ غَيْرَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مَدْخَلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْحُلُمَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ ذَوِي النُّصْرَةِ، وَتَحْمِلُ الدِّيَاتِ مِنْ بَابِ النُّصْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَتْ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَرْأَةِ، وَهِيَ عَلَى السَّفِيهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ مُلَائِهِ. (ش) : قَوْلُهُ عَقْلُ الْمَوْلَى تَلْزَمُهُ الْعَاقِلَةُ يُرِيدُ يُؤْخَذُ بِهِ عَاقِلَةَ مَوَالِيهِ كَمَا لَوْ جَنَى رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى مِنْ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ مَوَالِيَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ دُونَ الْقَتِيلِ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْبَرْبَرِ، وَلَمْ يَسْتَرِقَّ فَإِنَّهُمْ يَتَعَاوَنُونَ كَالْعَرَبِ، وَأَمَّا مَنْ سُبِيَ وَأُعْتِقَ فَعَقْلُهُ عَلَى مَوَالِيهِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَسْلَمَ، وَلَا قَوْمَ لَهُ فَالْمُسْلِمُونَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنْ شَاءُوا، وَإِنْ أَبَوْا يَعْنِي أَنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَصْرُوفًا إلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ لَزِمَهُمْ بِالشَّرْعِ غُرْمُهُ كَالْجَانِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُتَقَطِّعِينَ يُرِيدُ أَنَّ مَوَالِيهِ يَعْقِلُونَ مَعَهُ إنْ كَانَ الْمَوْلَى، وَمُعْتَقُوهُ أَهْلَ دِيوَانٍ يَشْمَلُهُمْ أَوْ كَانُوا غَيْرَ أَهْلِ دِيوَانٍ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ، وَمُعْتَقُوهُ أَهْلَ دِيوَانٍ آخَرَ أَوْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ دِيوَانٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ أَهْلَ دِيوَانِهِ يَعْقِلُونَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ قَبِيلِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ لَمْ يَدْخُلُوا مَعَ مَنْ فِي الدِّيوَانِ، وَلْيَضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ قَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ أَشْهَبُ، وَهَذَا إذَا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ، وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى قَوْمِهِ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُتَقَطِّعِينَ، وَلَعَلَّهُ الَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ أَوْ مُتَقَطِّعِينَ يُرِيدُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا أُصِيبَ مِنْ الْبَهَائِمِ أَنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُصِيبُ حَدًّا مِنْ الْحُدُودِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ، وَأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الْفِرْيَةَ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ عَلَى مَنْ قِيلَتْ لَهُ يُقَالُ لَهُ مَا لَكَ لَمْ تَجْلِدْ مَنْ افْتَرَى عَلَيْك فَأَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْمُفْتَرِي لِحَدٍّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْتَلَ، ثُمَّ يُقْتَلَ، وَلَا أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ إلَّا الْقَتْلَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ دَارًا وَلَا مَكَانًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ الْقَتِيلُ، ثُمَّ يُلْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ لِيُلْطَخُوا بِهِ فَلَيْسَ يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ اقْتَتَلُوا فَانْكَشَفُوا، وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ أَوْ جَرِيحٌ لَا يُدْرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ الْعَقْلَ، وَأَنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ أَوْ الْجَرِيحُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ قَوْمَهُ يَعْقِلُونَ عَنْهُ إذَا كَانَ الْجَانِي، وَعَاقِلَتُهُ عَلَيْهِ، وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ دِيوَانٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّعَاقُلِ الدِّيوَانُ؛ لِأَنَّ التَّعَاقُلَ يَكُونُ بِالْأَنْسَابِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الدِّيوَانُ إذَا وُجِدَ وَثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْعَطَاءِ مُذْ حَدَثَ رَسْمُ الدِّيوَانِ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ النَّسَبِ لِجَمْعِهِ أَهْلَ الدِّيوَانِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَلَى عَطَاءٍ وَاحِدٍ، وَلِمُحَامَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا عُدِمَ الدِّيوَانُ رَجَعَ الِاعْتِبَارُ إلَى الْأَنْسَابِ وَالْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ وَلَا تُغَيَّرُ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ الْوَلَاءُ نَسَبٌ ثَابِتٌ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْحُدُودَ تَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زِنًى أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فِي قِصَاصٍ فَإِنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا حَدُّ الْفِرْيَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَا تَسْقُطُ بِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِمَا يَلْحَقُ الْمَقْذُوفُ مِنْ الْعَارِ وَالتَّغْيِيرِ بِتَحْقِيقِ مَا قِيلَ لَهُ حِينَ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ فَسَقَطَ أَيْضًا مَعَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى إتْلَافِ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إتْلَافَهُ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ التَّعْذِيبُ بِقَطْعِ الْعُضْوِ قَبْلَ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَذَا التَّمْثِيلَ، وَلَوْ قَصَدَ التَّمْثِيلَ وَالتَّعْذِيبَ لَأُخِذَ بِمِثْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ وُجُودَ الْقَتِيلِ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ أَوْ عِنْدَ دَارِهِمْ لَا يُوجِبُ لَطْخًا، وَلَا يُعَلِّقُ بِهِمْ تُهْمَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَوَدًا وَلَا دِيَةً قَالَ مَالِكٌ وَدَمُهُ هَدَرٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الْقَاتِلَ قَدْ يُبْعِدُهُ مِنْ مَحَلَّتِهِ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلَّةِ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ دَارِ مَنْ يُرِيدُ إذَايَتَهُ، وَرُبَّمَا أَلْقَاهُ الْقَاتِلُ عِنْدَ دَارِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، وَفِي مَحَلَّتِهِمْ فَتَجْتَمِعُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ وَأَخْذُ الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ مِنْهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ وُجِدَ فِي مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ فَيَدَّعِي وُلَاتُهُ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ وُجِدَ فِي مَحَلَّتِهِ إلَّا أَنْ يُسْتَبْرَأُ قَدْرَ مَا تَكُونُ الظِّنَّةُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْبَحْثَ عَمَّا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ ظِنَّةً أَوْ يُقَوِّي تُهْمَةً، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ نَزَلَ عِنْدَ امْرَأَةٍ فَوُجِدَ عِنْدهَا مَيِّتًا فَاتَّهَمَهَا وَلِيُّهُ فَقَالَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُثْبِتَ وَجْهَ التُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يَكْشِفَ أَمْرَهَا فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَّهَمَةٍ لَمْ تُحْبَسْ، وَيُخْلَى سَبِيلُهَا، وَمَنْ مَاتَ مِنْ زِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا حِينَ يَفِيضُ النَّاسُ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ مَاتَ فِي مِنًى مِنْ زِحَامِ النَّاسِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا قَسَامَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ التُّهْمَةُ بِمُعَيَّنٍ وَلَا مُعَيَّنِينَ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ قَتِيلٍ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدْرُونَ مَنْ قَتَلَهُ فَبَطَلَ دَمُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ قُتِلَ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ فِي الثَّائِرَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ تَضْمَنُ مَنْ أُصِيبَ مِنْ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَنْ قَتَلَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَتِيلَ كُلِّ فِرْقَةٍ إنَّمَا قَتَلَتْهُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى، وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ قَاتِلِهِ وَعَدَمِ اتِّفَاقِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى عَلَى قَتْلِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الدِّيَةُ، وَلَا يُحْتَاجُ

[ما جاء في الغيلة والسحر وفيه بابان]

مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ (ص) : (وَحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ، وَقَالَ عُمَرُ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ جَمِيعًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ إلَى قَسَامَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَتَعَيَّنُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ طَائِفَتِهِ فَقَالَ أَنَا قَتَلْته فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ وُلَاةَ الْقَتِيلِ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَتْرُكُوهُ أَوْ يُلْزِمُوا الدِّيَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ وَأَلْزَمُوهُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِإِقْرَارِهِ بِطَرْحِ الدِّيَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَعَلَى طَائِفَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَوْلُهُ إنْ شَاءُوا أَلْزَمُوهُ الدِّيَةَ غَلَطٌ لِقَوْلِهِ فِي احْتِجَاجِهِ الدِّيَةُ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى طَائِفَتِهِ قَالَ وَأُرَاهُ مِنْ غَلَطِ النَّاقِلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ عَلِمَ مَنْ أَصَابَهُ وَشَهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ شَاهِدًا، وَقَوْلُ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ عِنْدَ جَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ فَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا قَسَامَةَ فِيهِ قَالَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ لِجُرْحِهِ رَجُلَانِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيهِ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَمْ يَرْدُدْ دَعْوَاهُ الْآخِرَةَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَدْ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا قَسَامَةَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بِدَعْوَى الْمَيِّت، وَلَا بِشَاهِدٍ، وَقَوْلُهُ هَذَا خَطَأٌ. (فَصْلٌ) : وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ فَعَقْلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا قَالَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْفَرِيقَيْنِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ نَازَعُوهُ، وَقَوْلُهُ فِي عَقْلِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ يُرِيدُ فِي أَمْوَالِهِمْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فَجَعَلَ لِذَلِكَ حُكْمَ الْعَمْدِ لَمَّا كَانَ عَمَلُهُمْ وَمُضَارَبَتُهُمْ بِقَصْدٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ الْقَوَدَ لَمَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْقَاتِلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مَشَتْ إلَى الْأُخْرَى بِالسِّلَاحِ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتِيلٌ فَإِنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ تَضْمَنُ مَا أَصَابَتْ مِنْ الْأُخْرَى قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْمَجْمُوعَةِ قَالَ، وَلَا يُطَلُّ دَمُ الزَّاحِفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَزْحُوفَ إلَيْهِمْ لَوْ شَاءُوا لَمْ يَقْتُلُوهُ، وَاسْتَأْذَنُوا السُّلْطَانَ قَالَ غَيْرُهُ فِي غَيْرِ الْمَجْمُوعَةِ، وَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ السُّلْطَانَ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَهُمْ فَإِنْ عَاجَلُوهُمْ نَاشَدُوهُمْ اللَّهَ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا أُصِيبَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ فَعَقْلُهُ عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُنَازِعَةِ لَهَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ مِنْ غَيْرِهَا لَكَانَ عَقْلُ الْجُرْحِ عَلَيْهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَتْ جِرَاحُهُمْ لِنَائِرَةٍ وَتَعَصُّبٍ فَإِنْ كَانَتْ لِتَأْوِيلٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِتَنِ قَوَدٌ فِي بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى التَّأْوِيلِ، وَلَا تَبَاعَةَ فِي مَالٍ إلَّا فِيمَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَفُتْ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ قَتْلٌ وَلَا دِيَةٌ، وَإِنْ عُرِفَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُعْرَفُ أَنَّ حَرْبَهُمْ لِنَائِرَةٍ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ أَوْ بِإِقْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْفِئَتَيْنِ تَأْتِي كُلُّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي عَلَى الْأُخْرَى جِرَاحَاتٍ، وَتُنْكِرُ دَعْوَى الْأُخْرَى، وَأَقَرَّتَا بِأَصْلِ النَّائِرَةِ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ ضَامِنَةٍ لِجِرَاحِ الْأُخْرَى فَإِنْ لَمْ يَتَقَارَرَا بِالنَّائِرَةِ، وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِمَا حَلَفَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عَلَى مَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ وَاسْتَقَادَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِرَاحِ تَحَالَفُوا عَلَى أَنَّ الْجِرَاحَاتِ كَانَتْ مِنْ الْفِئَةِ الْأُخْرَى، وَيَضْمَنُ بَعْضُهُمْ جِرَاحَاتِ بَعْضٍ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِبَيِّنَةٍ بِأَصْلِ النَّائِرَةِ، وَلَا تَقَارَرَا لَمْ يُقَدْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالدَّعْوَى. [مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ وَفِيهِ بَابَانِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ قَتَلَ جَمَاعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ فِيهِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَالثَّانِي فِي مَعْنَى الْغِيلَةِ

[الباب الثاني في قتل الغيلة]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا، وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ قَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ، وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مِثْلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102] فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ) فَأَمَّا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ يَجْتَمِعُونَ فِي قَتْلِهِ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ خَبَرُ عُمَرَ هَذَا، وَصَارَتْ قَضِيَّتُهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَدٌّ وَجَبَ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ فَوَجَبَ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ يُقْتَلُ الرَّجُلَانِ وَأَكْثَرُ بِالرَّجُلِ الْحُرِّ، وَالنِّسَاءُ بِالْمَرْأَةِ وَالْإِمَاءُ وَالْعَبِيدُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَإِنْ اجْتَمَعَ نَفَرٌ عَلَى قَتْلِ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ قُتِلُوا بِهِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا اجْتَمَعَ النَّفَرُ عَلَى ضَرْبِهِ يَضْرِبُونَهُ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُونَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي النَّفَرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَرْبِ رَجُلٍ، ثُمَّ يَنْكَشِفُونَ عَنْهُ، وَقَدْ مَاتَ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادِ عَنْ مَالِكٍ إنْ ضَرَبَهُ هَذَا بِسِلَاحٍ، وَهَذَا بِعَصًا، وَتَمَادَوْا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ قُتِلُوا بِهِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ ضَرْبَ بَعْضِهِمْ قَتَلَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِمْ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ يُقْتَلُ الْعَبْدُ، وَعَلَى الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَإِذَا قَتَلَهُ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ قُتِلَ الْكَبِيرُ وَعَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُهُ فَمَرَّةً قَالَ هَذَا، وَمَرَّةً قَالَ إنْ كَانَتْ ضَرْبَةُ الصَّغِيرِ عَمْدًا قُتِلَ الْكَبِيرُ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً لَمْ يُقْتَلْ، وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْتَلُ الْكَبِيرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ عَمْدِ الصَّبِيِّ وَخَطَئِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَحُجَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ، وَكَذَلِكَ فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ، وَهُوَ يَرَى عَمْدَهُ كَالْخَطَإِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا يَقَعُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَا يَقَعُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ الْقَتْلُ كُلُّهُ خَطَأً، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ،. وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَلَّ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَكَ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ الْعَامِدُ إذَا شَارَكَهُ الْمُخْطِئُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَوْ أَنَّ قَوْمًا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ ضَرَبُوا مُسْلِمًا فَقَتَلُوهُ مِنْهُمْ مَنْ ظَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَعَمَّدَهُ لِعَدَاوَةٍ، وَقُتِلَ بِهِ الْمُتَعَمِّدُ، وَعَلَى الْآخَرِينَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ] 1 (الْبَابُ الثَّانِي فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ) أَصْحَابُنَا يُورِدُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْقَتْلُ عَلَى وَجْهِ التَّحَيُّلِ وَالْخَدِيعَةِ، وَالثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَتْلُ الْغِيلَةِ مِنْ الْمُحَارَبَةِ إلَّا أَنْ يَغْتَالَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا فَيَخْدَعَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ فَهُوَ كَالْمُحَارَبَةِ فَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا، وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ قَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ، وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مِثْلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102] فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا ظَاهِرُهُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِقَتْلِهَا إمَّا بِأَنْ تَكُونَ بَاشَرَتْ ذَلِكَ أَوْ أَمَرَتْ بِهِ مَنْ أَطَاعَهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أَمَرَتْ حَفْصَةُ فِي جَارِيَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا أَنْ تُقْتَلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى مَنْ لَهُ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَثْبَتَتْ عِنْدَهُ مَا أَوْجَبَ ذَلِكَ فَنُسِبَ الْقَتْلُ إلَيْهَا لَمَّا كَانَتْ سَبَبَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِالْقَتْلِ، وَمُبَاشَرَتِهِ إلَيْهَا فَبَاشَرَتْهُ أَوْ أَمَرَتْ بِهِ مَنْ نَابَ عَنْهَا هَذَا مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا أُفْرِدَتْ بِذَلِكَ دُونَ أَمِيرٍ وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْ حَفْصَةَ فَوَجَدُوا سِحْرَهَا فَاعْتَرَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَأَمَرَتْ حَفْصَةُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَتَلَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَنْكَرَهُ فَأَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ إنَّهَا سَحَرَتْهَا وَوَجَدُوا مَعَهَا سِحْرَهَا فَاعْتَرَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَكَانَ عُثْمَانُ أَنْكَرَ عَلَيْهَا مَا فَعَلَتْ دُونَ السُّلْطَانِ فَالسَّاحِرُ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ قَتْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلِي ذَلِكَ إلَّا السُّلْطَانُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ الْعَبْدِ أَوْ الْمُكَاتَبِ يَسْحَرُ سَيِّدَهُ يُقْتَلُ، وَيَلِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ قَالَ أَصْبَغُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ قَتْلُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فَلَا يَلِي ذَلِكَ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ حُكْمُهُ كَقَتْلِ الزِّنْدِيقِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا يَفْعَلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ يُرِيدُ، وَيُثْبِتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَحْقِيقِهِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهُ الْقَتْلُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ هَذَا سِحْرًا قُتِلَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السِّحْرِ فَلَا يُقْتَلُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَمَنْ قَتَلَ السَّاحِرَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا سَحَرَ هُوَ فِي نَفْسِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ بَاشَرَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ قَالَ وَالسِّحْرُ كُفْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ، وَبِهِ قَالَتْ حَفْصَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ شِهَابٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَوَجْهُهُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّهُ كُفْرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مِنْ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يُقَرُّ أَحَدٌ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا تَقَدَّمَهُ إسْلَامٌ فَالْكَافِرُ بِهِ مُرْتَدٌّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوصَفَ السَّاحِرُ بِأَنَّهُ كَافِرٌ بِمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ الْجَحْدُ لِلْبَارِئِ تَعَالَى، وَكَمَا لَوْ أَخْبَرَنَا نَبِيٌّ صَادِقٌ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ كَذَا إلَّا كَافِرٌ، ثُمَّ رَأَيْنَا رَجُلًا دَخَلَهَا لَحَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ الدَّارَ كُفْرًا، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى كُفْرِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ عَلِمْنَا كَذِبَهُ؛ لِأَنَّ الصَّادِقَ أَخْبَرَنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ كَافِرٌ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ عَمِلَ السِّحْرَ قُتِلَ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَقْتُلُ سَاحِرٌ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا قَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ، وَمَنْ كَانَ لِلسِّحْرِ أَوْ لِلزَّنْدَقَةِ مُظْهِرًا اُسْتُتِيبَ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ السِّحْرُ كُفْرٌ فَمَنْ أَسَرَّهُ، وَظَهَرَ عَلَيْهِ قُتِلَ، وَإِنْ أَظْهَرَهُ فَكَمَنْ أَظْهَرَ كُفْرَهُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ، وَإِنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عِلْمَهُ كُفْرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} [البقرة: 102] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعَلُّمِ السِّحْرِ فَتَقَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا حَكَيَاهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ الْمَوَّازِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ تَأَوَّلَا عَلَيْهِ غَيْرَ مَا تَأَوَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ إنْ كَانَ لِسِحْرِهِ مُظْهِرًا فَقُتِلَ حِينَ لَمْ يَتُبْ فَمَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَتَرَ بِسِحْرِهِ فَمَالُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ السَّاحِرُ ذِمِّيًّا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ سِحْرَهُ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَيُقْتَلُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا إنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ فَلْيُؤَدَّبْ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا فَيُقْتَلَ بِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي السَّاحِرِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ فَيُتْرَكَ كَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ أَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيَّ سَحَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[ما يجب في العمد]

مَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَقَادَ وَلِيَّ رَجُلٍ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ وَلِيُّهُ بِعَصًا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ضَرَبَ الرَّجُلَ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْعَمْدُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ قَالَ مَالِكٌ: فَقَتْلُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فَيَضْرِبَهُ حَتَّى تَفِيضَ نَفْسُهُ، وَمِنْ الْعَمْدِ أَيْضًا أَنْ يَضْرِبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي النَّائِرَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُنَزَّى فِي ضَرْبِهِ فَيَمُوتَ فَتَكُونَ فِي ذَلِكَ الْقَسَامَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ السِّحْرُ دَلِيلًا عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِيِّ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ، وَمُنْتَقِلٌ إلَى كُفْرٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْيَهُودِيِّ يَتَنَبَّأُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِهِ اُسْتُتِيبَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ يُبَاشِرُ عَمَلَ السِّحْرِ، وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إلَى مَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْعَمَلُ فَلِذَلِكَ لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ؛ لِأَنَّهُ آثَرَ الْكُفْرَ، وَرَغِبَ إلَى مَنْ يَأْتِيهِ، وَيَفْعَلُ مَا يَقْتَضِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنَّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةً، وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] فَجَعَلَهُمْ كُفَّارًا بِتَعْلِيمِهِ فَثَبَتَ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، وَأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَهُ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ فِي جُفِّ طَلْعَةِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، وَجَعَلَهُ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَخْرَجَهُ، وَعَافَاهُ اللَّهُ» . [مَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَقَادَ فِي الْقَاتِلِ بِعَصًا أَنْ يُقْتَلَ بِعَصًا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْأَمْرَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ، وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِهَا، فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ قَتَلَ حِرَابًا آلَةٍ يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا، أَوْ قَصَدَ الْقَتْلَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ سَوَاءً شَدَخَهُ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ دَفَعَهُ أَوْ طَيَّنَ عَلَيْهِ بِبِنَاءٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِالنَّارِ وَالْمَحْدُودِ مِنْ الْحَدِيدِ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلُ اللِّيطَةِ أَوْ الْخَشَبَةِ الْمُحَدَّدَةِ أَوْ الْحَجَرِ الْمُحَدَّدِ، وَعَنْهُ فِي مُثَقَّلِ الْحَدِيدِ رِوَايَتَانِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ بِسَبَبِ أَوْضَاحٍ لَهَا فَأُتِيَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا مَنْ بِك أَفُلَانٌ فَأَشَارَتْ أَنْ لَا فَقَالَ أَفُلَانٌ يَعْنِي الْيَهُودِيَّ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ فَأَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ظُلْمًا مَنْ يُكَافِئُهُ بِمَا الْغَالِبُ أَنَّ حَتْفَهُ فِيهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَصْلُهُ إذَا قَتَلَهُ بِمُحَدَّدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ مَا تَعَمَّدَ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ ضَرْبَةٍ أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ أَوْ رَمْيَةٍ بِبُنْدُقَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ قَضِيبٍ أَوْ بِعَصًا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ هَذَا كُلَّهُ عَمْدٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْحِجَازِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ يَقْصِدُ إلَى الْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ، وَيَكُونُ أَوْحَى مِنْهُ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ الضَّرْبَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَمُوتَ مَا أَزَلْنَا عَنْهُ الْقَوَدَ لِتَعَمُّدِ الضَّرْبِ، وَقَدْ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ يُرِيدُ جَسَدَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ لَأُقِيدَ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) :

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْعَمْدِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ بِالرَّجُلِ الْحُرِّ الْوَاحِدِ، وَالنِّسَاءُ بِالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَالْعَبِيدُ بِالْعَبْدِ كَذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ طَرَحَ رَجُلًا لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ فِي نَهْرٍ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ وَالْقَتْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْتَلُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيمَنْ أَشَارَ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّيْفِ فَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ فَطَلَبَهُ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ طَلَبَ رَجُلًا بِسَيْفٍ فَعَثَرَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَمَاتَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ وَمَنْ أَلْقَى رَجُلًا فِي النَّارِ فَمَاتَ أُلْقِيَ هُوَ فِي النَّارِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ قُتِلَ بِمِثْلِهِ، هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْقَوَدُ إلَّا بِالسَّيْفِ خَاصَّةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وقَوْله تَعَالَى {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ بِحَجَرٍ فَاعْتَرَفَ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ فَجَازَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِالسِّكِّينِ كَالْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِأَصْحَابِنَا فِي فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا، وَأَصْلُ الْمَذْهَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ قَتَلَ بِالنَّارِ لَمْ يُقْتَلْ بِهَا وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ يُقْتَلُ بِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ آلَةٌ يُقْتَلُ بِهَا غَالِبًا، فَجَازَ أَنْ يُقْتَصَّ بِهَا كَالسَّيْفِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» ، وَاحْتَجَّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنْ قَالَ النَّارُ تَعْذِيبٌ وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ تَفْوِيتُ رُوحٍ مُبَاحٍ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ بِالنَّارِ كَالذَّكَاةِ. (فَرْعٌ) وَإِنْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُغَرَّقُ بِهِ رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَتَّفَهُ وَطَرَحَهُ فِي نَهْرٍ فَغَرِقَ صُنِعَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا كُتِّفَ لَمْ يَغْرَقْ وَحَمَلَهُ الْمَاءُ أُثْقِلَ بِشَيْءٍ يُنْزِلُهُ إلَى الْقَعْرِ حَتَّى يَمُوتَ. (فَرْعٌ) وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: مَنْ قَتَلَ بِالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يُقْتَلْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى تَرْتِيبِ الْقَتْلِ وَحَقِيقَتِهِ فَهُوَ مِنْ التَّعْذِيبِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَوَجْهُهُ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ آلَةٌ يُقَاتَلُ بِهَا الْكُفَّارُ فَجَازَ أَنْ يُقْتَصَّ بِهَا كَالسَّيْفِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَتَلَ بِعَصًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُقَادُ بِهَا وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً يُجْهِزُ عَلَيْهِ فِيهَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ضَرَبَاتٍ قَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ: يُنْظَرُ مَنْ أَوْلَى فَإِنْ خِيفَ أَنْ لَا يَمُوتَ مِنْ مِثْلِ مَا ضَرَبَ بِهِ فَلْيُقْتَلْ بِالسَّيْفِ، قَالَ فَإِنْ جَارَ ذَلِكَ فَضُرِبَ بِالْعَصَا مَرَّتَيْنِ كَمَا ضَرَبَ فَلَمْ يَمُتْ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ إنْ زِيدَ عَلَيْهِ مِثْلُ الضَّرْبَةِ وَالِاثْنَيْنِ مَاتَ زِيدَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُضْرَبُ بِالْعَصَا حَتَّى يَمُوتَ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمَزنِيَّةِ مَا كَانَ مِنْ قَوَدٍ بِعَصًا أَوْ خَنْقٍ أَوْ حَجَرٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَضْرِبُ أَبَدًا بِمِثْلِ مَا قُتِلَ بِهِ وَلِيُّهُ حَتَّى تَفِيضَ نَفْسُ الْقَاتِلِ، وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالِاجْتِهَادِ فِي قَتْلِهِ وَلَا يُتْرَكُ وَالتَّطْوِيلَ عَلَيْهِ لِتَعْذِيبِهِ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ بِالْعَصَا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا فَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ بَيِّنَةٌ فِي خِلَافِ قَوْلِ أَشْهَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ الْقَاتِلَ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ فَقَدْ قَالَ عِيسَى فِي الْمَزنِيَّةِ يُقَادُ مِنْهُ، كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ: وَأَمَّا مَالِكٌ فَيَرَى أَنَّ الْقَتْلَ يَجِيءُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكَانَ يُنْكِرُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ ثُمَّ يُقْتَلَ، وَاَلَّذِي قُلْت هُوَ رَأْيِي حَمْلًا عَلَى التَّظَالُمِ قَالَ أَصْبَغُ: إنْ كَانَ الْقَاتِلُ لَمْ يُرِدْ قَطْعَ يَدِهِ لِلْعَبَثِ أَوْ لِلْأَلَمِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ

[القصاص في القتل]

الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَكْرَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ اُقْتُلْهُ بِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَهَؤُلَاءِ الذُّكُورُ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ بَيْنَ الْإِنَاثِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ تُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كَمَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْأَمَةُ تُقْتَلُ بِالْأَمَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالْقِصَاصُ أَيْضًا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ تَفْسِيرُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ أَخَذَ الْمَقْتُولَ فَقَطَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رِجْلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْذِيبِ وَالتَّطْوِيلِ عَلَيْهِ، فَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُهُ، فَأَمَّا إنْ أَصَابَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَاتَلَةِ فِي النَّائِرَةِ فَيَضْرِبُهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَيُصِيبُ يَدَهُ فَمَا يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي الْقَتْلَ دُونَ التَّعْذِيبِ وَالتَّطْوِيلِ فَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا الْقَتْلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ أَعْيُنًا عَمْدًا أَوْ قَطَعَ أَيْدِيًا وَقَتَلَ، فَإِنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَهُ عِيسَى فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقَادُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ بَذْلٌ لِلنَّفْسِ فَدَخَلَتْ الْأَعْضَاءُ فِيهِ تَبَعًا لِلنَّفْسِ كَالدِّيَةِ قَالَ: فَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَهْلُ الْجِرَاحِ عَلَى حُقُوقِهِمْ مِنْ الْقَوَدِ فِي جِرَاحِهِمْ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا لَكِنْ لِوَلِيِّ الْآخَرِ الْقَتْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا، ثُمَّ أَصَابَ آخَرَ خَطَأً بِقَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَمْدُ قَبْلَ الْخَطَأِ أَوْ الْخَطَأُ قَبْلَ الْعَمْدِ أَنَّ الْخَطَأَ وَاجِبٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيُقْتَلُ بِالْعَمْدِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا لَقُتِلَ بِهِ، وَدِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَمِ الْعَاقِلَةِ، وَالْعَمْدُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَدَاخَلَا لِمَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَكَانَ مَحِلُّ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مَحِلِّ الْآخَرِ. (ش) : قَوْلُهُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْعَمْدِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ بِالرَّجُلِ الْحُرِّ الْوَاحِدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ إذَا تَكَافَئُوا فِي الْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ بِالْمَرْأَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ بِالرَّجُلِ وَلَا الرِّجَالُ بِالْمَرْأَةِ بَلْ حُكْمُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ مَنْ قَتَلَ وَاحِدَهُمْ بِوَاحِدٍ قُتِلَ جَمِيعُهُمْ بِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُقْتَلُ بِالرَّجُلِ قُتِلَ النِّسَاءُ بِالرَّجُلِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ تُقْتَلُ جَمَاعَةُ الرِّجَالِ بِالْمَرْأَةِ، وَحُكْمُ الْعَبِيدِ كَذَلِكَ يُقْتَلُ الْعَبِيدُ بِالْعَبْدِ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا يُقْتَلُ الْأَحْرَارُ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ] (ش) : وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا قَصَدَ إلَى الْقَتْلِ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمَيْزِ مَا يَثْبُتُ بِهِ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَسَائِرُ الْحُقُوقِ، وَلَوْ بَلَغَ حَدَّ الْإِغْمَاءِ الَّذِي لَا يَصِحُّ مَعَهُ قَصْدٌ وَلَا فِعْلٌ لَكَانَتْ جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقَادُ مِنْ السَّكْرَانِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يُرِيدُ الْجُنُونَ الْمُطْبِقَ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ابْنَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ وَنَحْوِهَا فَهَذَانِ مَا أَفْسَدَا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ هَدَرٌ، وَلَا يُتَّبَعُ بِهِ أَحَدٌ مِثْلُ أَنْ يُشْعِلَ الْمَجْنُونُ نَارًا فِي بَيْتٍ أَوْ يَهْدِمَ بَيْتًا أَوْ يَكْسِرَ آنِيَةً، أَوْ يَكْسِرَ الصَّبِيُّ لُؤْلُؤَةً أَوْ يُلْقِيَ جَوْهَرًا فِي النَّارِ فَذَلِكَ هَدَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

بِنَفْسِ الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبَهُ بِهِ فَيَمُوتَ مَكَانَهُ أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ بِمَا يَضْرِبُ بِهِ النَّاسُ لَا يَرَى أَنَّهُ عَمَدَ لِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ وَيُسْجَنُ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] أَنَّ ذَلِكَ فِي الذُّكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي الْقِصَاصَ بَيْنَ الْإِنَاثِ كَمَا تَقْتَضِي الْقِصَاصَ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَإِنْ مَنَعَ الْقِصَاصَ لِلْعَبِيدِ مِنْ الْأَحْرَارِ فَإِنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ، إنَّمَا تَقْتَضِي إثْبَاتَ الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَبَيْنَ الْعَبِيدِ وَبَيْنَ الْإِنَاثِ، وَلَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَلَا الْقِصَاصَ بَيْنَ الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ دُونَ سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ وَلَا بِعَبْدِ غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ، وَتَعَلَّقَ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ الْحَصْرِ لِمَنْ فَعَلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنْ حُرُوفِ الْحَصْرِ وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ، وَدَلِيلُنَا عَلَى نَفْيِ الْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ أَحَدُ بَدَلَيْ النَّفْسِ فَلَمْ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ كَالدِّيَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَمُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُكَافِئُهُ فِي الْقِصَاصِ كَالْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُرِيدُ أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ بِالرَّجُلِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَاتِ {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 48] ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَكَافَآ فِي الْقِصَاصِ كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ بِنَفْسِ الرَّجُلِ الْحُرِّ وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ، يُرِيدُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وَلَمْ يُفَرِّقْ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ إنْ أَمْسَكَ الرَّجُلُ لِمَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمُمْسِكِ الْقَتْلَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ ظُلْمًا لِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاتِلُهُ فَأَشْبَهَ إذَا أَمْسَكَهُ لِسَبُعٍ حَتَّى أَكَلَهُ أَوْ فِي نَارٍ حَتَّى أَحْرَقَتْهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَبَسَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الضَّرْبَ بِمَا يَضْرِبُ النَّاسُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ الَّذِي لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَيُسْجَنُ سَنَةً فَلَمْ يَنُصَّ فِي الْكِتَابِ عَلَى مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُحْبَسُ وَيُجْلَدُ بِقَدْرِ مَا يَرَى السُّلْطَانُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا يَسْتَرِيبُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَاحِيَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي حَبَسَهُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: يُجْلَدُ مِائَةً فَقَطْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ الْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ ضَرَبَ مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ بِمَعْنَى لَوْ ثَبَتَ لَوَجَبَ قَتْلُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِإِمْسَاكِهِ ظَالِمًا فَلَمْ يَتَقَدَّرْ بِقَدْرٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا أَوْ يَفْقَأُ عَيْنَهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ أَوْ تُفْقَأُ عَيْنُ الْفَاقِئِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ، وَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الَّذِي قُتِلَ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي ذَهَبَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ عَمْدًا، ثُمَّ يَمُوتُ الْقَاتِلُ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّمِ إذَا مَاتَ الْقَاتِلُ شَيْءٌ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي قَتَلَهُ، فَإِذَا هَلَكَ قَاتِلُهُ الَّذِي قَتَلَهُ فَلَيْسَ لَهُ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قَوَدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ، وَالْعَبْدُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَسْبِ مَا اعْتَقَدَهُ فِي إمْسَاكِهِ، وَانْتَهَى إلَيْهِ ظُلْمُهُ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ عِيسَى أَنَّهُ ضَرْبٌ شِبْهُ الْقَتْلِ فَكَانَ السِّجْنُ فِيهِ مُقَدَّرًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ فِيهِ مُقَدَّرًا كَضَرْبِ الْقَاتِلِ يُعْفَى عَنْهُ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي الْمُزَنِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ بِأَنْ يَرَى الْقَاتِلَ يَطْلُبُهُ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ أَوْ رُمْحٌ فَقَتَلَهُ فَهَذَانِ يُقْتَلَانِ جَمِيعًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ حَبَسَهُ وَلَمْ يَرَ مَعَهُ سَيْفًا وَلَا رُمْحًا مَشْهُورًا فَأَتَاهُ فَقَتَلَهُ فَلَا قَتْلَ عَلَى الْحَابِسِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَبَبُهُ أَوْ نَاحِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْت أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَقْتُولِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْقَاتِلِ فَإِذَا تَلِفَ بِأَمْرِ السَّمَاءِ أَوْ بِقَتْلِ غَيْرِهِ لَهُ فِي قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ قَدْ عُدِمَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَلَا إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ مَنْ يَرَى التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ لِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نَفْسٌ تُسْتَبْقَى بِبَذْلِ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ أَوْ عَيْنَ جَمَاعَةٍ أَوْ قَطَعَ أَنَامِلَ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَاقْتَصَّ مِنْهُ بِقَطْعِ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَامَ غَيْرُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ حَقِّهِ قَدْ ذَهَبَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ أَوْ يَمِينُهُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ قَدْ تَلِفَ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ لِعَدَمِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ الْيُمْنَى وَلَيْسَ لِلْجَانِي عَيْنٌ يُمْنَى حِينَ الْجِنَايَةِ أَوْ قَطَعَ يُمْنَى يَدَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ يُمْنَى فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دِيَةُ عَيْنَيْهِ أَوْ يَدِهِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ وَلَيْسَ لِلْجَانِي مِثْلُ ذَلِكَ الْعُضْوِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَعَلَّقَتْ بِمَالِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْنِيَ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ نَقْصَ دِيَةِ الْعَبْدِ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ يَمْنَعُ أَنْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ قَتَلَهُ أَوْ قِيمَةُ مَا جَنَى عَلَيْهِ، وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا جَرَحَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَقَالَ يَجْتَهِدُ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، وَتَحْتَمِلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْقَوَدَ وَإِذَا جَرَحَ الْحُرُّ عَبْدًا أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَادَ مِنْهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقْصُ يَدِ الْعَبْدِ عَنْ يَدِ الْحُرِّ فَلَمْ يُقَدِّمْنَهَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تُقْطَعُ بِالصَّحِيحَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ شَخْصَيْنِ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ كَالْحُرَّيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ يُقْتَلُ بِالْحُرِّ وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْأَدْوَنَ يُقْتَلُ بِالْأَعْلَى وَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْأَعْلَى، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَلَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ لَا يُكَافِئُهُ فِي قِصَاصِ الْأَطْرَافِ فَلَمْ يُكَافِئْهُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ كَعَبْدِهِ.

[العفو في قتل العمد]

الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ بَعْدَهُ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَجِبَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ عَقْلٌ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَفَا عَنْهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَفْوِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمَقْتُولَ عَمْدًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ قَتَلَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَجْرَحَهُ جُرْحًا أَنْفَذَ بِهِ مَقَاتِلَهُ وَتَبْقَى حَيَاتُهُ فَيَعْفُوَ عَنْهُ فَإِنَّ عَفْوَهُ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ لِوَلَدِهِ وَلَا لِغُرَمَائِهِ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ مِنْ قَاتِلِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَأَوْصَى أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ وَأَوْصَى بِوَصَايَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَوَصَايَاهُ فِي دِيَتِهِ وَمَالِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ وُجِدَ مِنْ قِبَلِ الْقَاتِلِ فَكَانَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الْقَتِيلِ، فَلَمَّا جَازَ عَفْوُهُ عَلَى الدِّيَةِ صَارَ مَالًا فَتَعَلَّقَتْ بِهِ وَصَايَاهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِدِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَشْهَدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَدْ وَهَبَ دَمَهُ فَقَتَلَهُ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُنَا، وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت أَنْ يُقْتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَوْلِيَائِهِ بِخِلَافِ عَفْوِهِ عَنْهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، وَيَلْزَمُ الْآمِرَ وَالْمَأْمُورَ ضَرْبُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَطْلَقَ الْعَفْوَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا عَفَوْت عَنْ الدِّيَةِ فَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَا عَفَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَقَوْلُهُ فَذَلِكَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ شَرْطَهُ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرَطَهُ فِي عَفْوِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْهُ حِينَ الْعَفْوِ وَلَوْ شَرَطَ الدِّيَةَ عِنْدَ الْعَفْوِ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِالدِّيَةِ، وَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَطْلَقَ مِنْ الْعَفْوِ، وَلَوْ شَرَطَ الدِّيَةَ عِنْدَ الْعَفْوِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْعَفْوُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَ فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَاتِلُ ثَبَتَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا، وَتَقَرَّرَ ثُبُوتُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْقَاتِلُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الدِّيَةِ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو الزِّنَادِ وَالثَّانِيَةُ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُوجِبُ الْقَتْلَ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ الدِّيَةُ، أَصْلُ ذَلِكَ الزِّنَا وَالرِّدَّةُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا وَلِيٌّ ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْجَانِي، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَارِحَ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ، وَالْقَاتِلَ لَا يُرِيدُ اسْتِيفَاءَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ قِصَاصًا تَرَكَ الْمَالَ لِغَيْرِهِ، قَالَ أَشْهَبُ فَهُوَ مُضَارٌّ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الدَّمِ لَمْ يُمْكِنْ الْقِصَاصُ، وَلَزِمَ الْقَاتِلَ مِنْ الدِّيَةِ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يَعْفُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَمْ أَسْمَعْ فِي الْجِرَاحِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ إلَّا فِي الصَّحِيحِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ أَوْ الْأَعْوَرُ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ، أَوْ الْعَبِيدُ يَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ الْكَبِيرُ يَجْرَحُ الصَّغِيرَ فَإِنَّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا إذَا عُفِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْلِيَاءَ الصَّغِيرِ بِالْخِيَارِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ الْعَقْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ وَاحِدًا فَعَفَا عَنْ بَعْضِ الدَّمِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَإِذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ نِصْفِ الْجُرُوحِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقْتَصُّ مِنْ نِصْفِهِ اُقْتُصَّ، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَالْجَارِحُ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ وَيُؤَدِّيَ نِصْفَ عَقْلِ الْجِرَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلْمَجْرُوحِ إمَّا أَنْ تَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ تَعْفُوَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْقِلَ لَهُ نِصْفَهُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا يُجْلَدُ مِائَةً وَيُسْجَنُ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْعَقْلُ فَلَمَّا لَمْ يُقْتَلْ وَجَبَ تَأْدِيبُهُ وَأُلْحِقَ بِالزَّانِي يُقْتَلُ مَعَ الْإِحْصَانِ فَإِذَا لَمْ يُقْتَلْ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ سَنَةً، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ لَمَّا عَفَا عَنْهُ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ وَبَقِيَتْ لِلَّهِ عُقُوبَةٌ جَعَلْنَاهَا كَعُقُوبَةِ الزِّنَا الْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ وَجَبَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِقَسَامَةٍ عَلَى وَاحِدٍ فَعَفَا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ تَعَلَّقَتْ الْقَسَامَةُ بِجَمَاعَةٍ فَقُتِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقَسَامَةِ فَإِنَّ سَائِرَهُمْ يُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً، وَيُسْجَنُ سَنَةً. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلِيَاءَ قَدْ مَلَكُوا قَتْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقَسَامَةِ فَإِذَا تَرَكُوا قَتْلَهُ بِالْقَسَامَةِ إلَى قَتْلِ غَيْرِهِ كَانَ كَالْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَقَبْلَ أَنْ يُحَقِّقَ الْوَلِيُّ الدَّمَ بِبَيِّنَةٍ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ الْحَاكِمُ فَمَا كَانَ يَحِقُّ عَلَيْهِ الدَّمُ بِالْقَسَامَةِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ فَفِيهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَسَجْنُ عَامٍ، وَمَا كَانَ لَا يُوجِبُ دَمًا لِقَسَامَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَلَيْسَ فِيهِ ضَرْبٌ وَلَا سَجْنٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ إسْقَاطَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ نَكَلَ وُلَاةُ الدَّمِ عَنْ الْقَسَامَةِ، وَقَدْ وَجَبَتْ لَهُمْ زَادَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرِئُوا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْجَلْدُ وَالسَّجْنُ قَالَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ مَالِكٍ إلَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا نَكَلُوا فَلَا جَلْدَ وَلَا سَجْنَ وَلْيَحْلِفْ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْلَمُ مِنْ الضَّرْبِ وَالسَّجْنِ، وَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ حُبِسَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِمَا أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ فَالضَّرْبُ وَالسَّجْنُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْقَتْلُ حَقٌّ لِلْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْأَوْلِيَاءُ حَقَّهُمْ بِالنُّكُولِ مِنْ الْقِصَاصِ لَمْ يَمْلِكُوا إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ عَفَوْا أَوْ عَفَا السُّلْطَانُ عَنْ الْجَلْدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَثْبُتْ قَبْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عُقُوبَتُهُ وَنُكُولُ الْأَوْلِيَاءِ يُبْطِلُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ عُقُوبَةُ سَجْنٍ وَلَا ضَرْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ أَشْهَبُ وَأَرَى فِي اللَّطْخِ ضَرْبَ مِائَةٍ وَحَبْسَ سَنَةٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا وَقَعَتْ التُّهْمَةُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا يَجِبُ بِهِ قَسَامَةٌ وَلَا قَتْلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهِ جَلْدٌ وَلَا سَجْنٌ، وَلَكِنْ يُطَالُ سَجْنُهُ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ فَعُفِيَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ قَالَ أَشْهَبُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنْ تَابَ مِنْهَا لَمْ تُزِلْ تَوْبَتُهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحَارِبِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَقَطَ عَنْ الْحَرْبِيِّ عُقُوبَةُ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ مَجُوسِيَّةً قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَيُسْجَنُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُسْلِمِ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَبُ الْمُؤْلِمُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَمْدًا أَوْ قَامَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَلِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَعَفَا الْبَنُونَ وَأَبَى الْبَنَاتُ أَنْ يَعْفُونَ فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ، وَلَا أَمْرَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سَفْكُ دَمٍ مُحَرَّمٍ يُوجَبُ بِهِ الْجَلْدُ وَالسِّجْنُ، أَصْلُ ذَلِكَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَحْقُونِ الدَّمِ لِإِسْلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ لَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ لَزِمَهُ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا فَعَلَيْهَا الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ، وَلَوْ قَتَلَتْ غَيْرَ سَيِّدِهَا جُلِدَتْ وَلَمْ تُحْبَسْ. (مَسْأَلَةٌ) : الْعَبْدُ إذَا قَتَلَ حُرًّا أَوْ حُرَّةً فَلَمْ يُقْتَلْ فَلْيُجْلَدْ وَيُسْجَنْ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى أَمَةٍ حَبْسٌ وَعَلَيْهِمَا جَلْدُ مِائَةٍ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ فَدُوا، وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ سَفْكَ دَمٍ مَحْقُونٍ بِحَقٍّ فَلَزِمَهُ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ حَقَّ سَيِّدِهِ فِي خِدْمَتِهِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَلْدٍ وَسَجْنٍ وَجَبَ لِأَجْلِ الْمَخْلُوقِينَ كَعُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّجْنَ إذَا اقْتَرَنَ بِالْجَلْدِ سَقَطَ فِي حَقِّ الْعَبِيدِ كَالتَّغْرِيبِ فِي الزِّنَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَعَلَى الْمَرْأَةِ إذَا قَتَلَتْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ غَيْرَهُمْ الْجَلْدُ وَالْحَبْسُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَب وَمَالِكٌ وَأَصْبَغُ فِي الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ إذَا قُتِلَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَرْعٌ) فَبِأَيِّهِمَا يَبْدَأُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ذَلِكَ وَاسِعٌ يَبْدَأُ بِالْجَلْدِ أَوْ الْحَبْسِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْجَلْدِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يُؤْتَنَفُ بِهِ حَبْسُ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ جُلِدَ، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَا مَضَى، وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَرْتِيبٌ فَكَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي تَأْخِيرِ الْجَلْدِ تَعْرِيضٌ لِإِبْطَالِ الْحَدِّ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قُلْنَا يُحْبَسُ سَنَةً فَمَتَى يَكُونُ أَوَّلُ الْعَامِ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ مِنْ يَوْمِ الْجَلْدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقَيَّدُ مَا دَامَ اللَّطْخُ الَّذِي سُجِنَ فِيهِ فَإِذَا لَزِمَهُ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ أُزِيلَ عَنْهُ الْحَدُّ بِهِ، وَسُجِنَ سَنَةً فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ السَّنَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَأَمَّا السَّجْنُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِاسْتِبْرَاءِ أَمْرِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فِي شَيْءٍ بَلْ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ التَّعْيِيرِ وَغَيْرِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْبَنِينَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي وِلَايَةِ دَمِ الْعَمْدِ أَنَّ الْبَنِينَ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ مِنْ الْبَنَاتِ، وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبَنُونَ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ قَضَى بِهِ الِابْنُ إنْ كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ مُخَالَفَتُهُ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَالِكًا اخْتَلَفَ فِي النِّسَاءِ هَلْ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الدَّمِ أَمْ لَا فَقَالَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِيهِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ» فَعَمَّ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَوَارِيثِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ وِلَايَةَ الدَّمِ مُسْتَحَقَّةٌ بِالنُّصْرَةِ وَلَيْسَ النِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْوِلَايَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ لَهُنَّ مَدْخَلٌ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْقَوَدِ دُونَ الْعَفْوِ، وَالثَّانِيَةُ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْعَفْوِ دُونَ الْقَوَدِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُنَّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُنَّ الْمُطَالَبَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ ذُكُورًا فَهُمْ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ لَهُمْ الْقَوَدُ دُونَ الْعَفْوِ، وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ قَوَدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُمْ حِصَّتُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَبَى الْقَاتِلُ وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَتِيلِ وَلِيٌّ غَيْرُ إخْوَةٍ ذُكُورٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَّا مَنْ عَدَا الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةَ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَعْمَامِ وَالْمَوَالِي وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ فَنَكَلَ بَعْضُ الْعَصَبَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُقِيمَ مَكَانَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَشِيرَةِ، وَإِلَّا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَعْفُوَ غَيْرُ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْقَسَامَةِ وَبَنُو الْإِخْوَةِ كَالْعَصَبَةِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ عَفَا بَعْضُ بَنِي عَمِّهِ بَعْدَ الْقَسَامَةِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْقَعْدَةِ، وَلِمَنْ لَمْ يَعْفُ نَصِيبُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَرِهَ الْقَاتِلُ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ الْمَوَالِي وَكَذَلِكَ نُكُولُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْقَسَامَةِ وَبِهَذَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَصْبَغُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ لِلْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالدَّمِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، وَلِذَلِكَ جَازَ عَفْوُهُمْ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُمْ عَصَبَةٌ لَهُمْ الْقِيَامُ بِالدَّمِ كَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا اجْتَمَعَ أَبٌ وَبَنُونَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا قَوْلَ لِلْأَبِ مَعَهُمْ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ، وَالْأَبُ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الْأَبُ بَعْدَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ مَنْ تَرَكَ الْمَيِّتُ مِنْ إخْوَةٍ وَغَيْرِهِمْ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَعَفْوُ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَأَخٍ مِنْهُمْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا قَوْلَ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَهُمْ أَوْلَى مِنْهُ بِالْعَفْوِ وَالْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْعَدُوهُمْ مَعَهُمْ كَأُمٍّ لِأَبٍ قَالَ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْأَخِ وَابْنُ ابْنِ الْأَخِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجَدَّ أَقْوَى سَبَبًا فِي الْمِيرَاثِ فَكَانَ أَقْوَى سَبَبًا فِي الْعَفْوِ وَالْقَوَدِ كَالِابْنِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَدَّ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ ابْنِ الْأَخِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْأَخَ وَبَنِيهِ أَقْرَبُ تَعْصِيبًا، وَلِذَلِكَ كَانُوا أَحَقَّ بِالْوَلَاءِ وَالْقِيَامِ بِالدَّمِ طَرِيقَةُ قُوَّةِ التَّعْصِيبِ فَكَانَ الْإِخْوَةُ أَحَقَّ بِهِ، وَيَجْرِي قَوْلُ أَشْهَبَ هَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَنْ لَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي الدَّمِ وَيَجْرِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ لَهُنَّ مَدْخَلًا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لِلْأُخْوَةِ لِلْأُمِّ فِي الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ نَصِيبٌ وَلَا لِلزَّوْجِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْعَصَبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنْ لَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي وِلَايَةِ الدَّمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَنَاتُ مَعَ الْأَبِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا عَفْوَ لِلْأَبِ إذَا قَامَ الْبَنَاتُ بِالدَّمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَأَشْهَبُ يَرَاهُ أَوْلَى بِالْعَفْوِ فِي الْقَتْلِ، وَلَمْ يُجِزْ ابْنُ الْقَاسِمِ عَفْوَهُ دُونَهُنَّ وَلَا عَفْوَهُنَّ دُونَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيًّا عَلَى أَنْ لَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي وِلَايَةِ الدَّمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْبَنَاتُ مَعَ الْعَصَبَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ الْبَنَاتِ مَعَ الْجَدِّ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ دُونَهُنَّ وَلَا عَفْوُهُنَّ دُونَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَنَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ أَوْ مَعَ الْمَوَالِي ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ أَوْ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ وَأَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَنَاتِ وَلِلْأَخَوَاتِ دُونَ الْعَصَبَةِ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ أَوْ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ الْعَفْوُ وَالْقَوَدُ لِلْبَنَاتِ وَالْإِخْوَةِ دُونَ الْعَصَبَةِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْبَنَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ أَوْ الْبَنَاتِ وَالْإِخْوَةَ مَعَ الْعَصَبَةِ إنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ، وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالْقَوَدِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ فَمَنْ طَلَبَ الْقَوَدَ أَحَقُّ مِمَّنْ عَفَا وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْبَنَاتِ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ، وَالْعَصَبَةَ أَبْعَدُ بِطَلَبِ الدَّمِ فَلَمَّا أَدْلَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِسَبَبٍ لَا يُدْلِي بِهِ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا حُكْمٌ إلَّا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ وُجِدَ الِاخْتِلَافُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ رَجَعَ إلَى مَا ثَبَتَ مِنْ الْقِصَاصُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْبَنَاتِ أَقْرَبُ وَلَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ فَاعْتُبِرَ بِأَقْوَالِهِمْ دُونَ أَقْوَالِ الْعَصَبَةِ كَالِابْنِ مَعَ الْعَصَبَةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُهُمَا أَنَّ الدَّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْقُعْدُدُ، وَإِذَا ثَبَتَ بِالْقَسَامَةِ كَانَ لِمَنْ يَثْبُتُ بِقَسَامَتِهِ فِيهِ حَقٌّ لَا يَكُونُ لِمَنْ يَثْبُتُ بِقَسَامَتِهِ وَإِسْقَاطِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنَاتٌ وَعَصَبَةٌ فَعَفَتْ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ دُونَ الْعَصَبَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْ الْبَنَاتِ وَالْعَصَبَةِ وَلَوْ عَفَا الْجَمِيعُ إلَّا وَاحِدًا مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ وَاحِدَةً مِنْ الْبَنَاتِ لَكَانَ الْقَائِمُ بِالدَّمِ أَوْلَى، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْعَفْوُ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ مَعَ الِاخْتِلَافِ إلَّا فِي الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ فَقَطْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا تَرَكَ الْقَتِيلُ أَبًا أَوْ أُمًّا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا حَقَّ لِلْأُمِّ مَعَ الْأَبِ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْأَبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُمُّ فَهَلْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي وِلَايَةِ الدَّمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَغَيْرِهِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لِلْأُمِّ وِلَايَةٌ فِي دَمِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مَالًا فَتَرِثُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وُلَاتِهِ وَلَا مِنْ قَوْمِهِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كَالْأَبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلشَّقِيقِ بِهَا تَقَدُّمٌ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ صَحَّ أَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِيهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْعَصَبَةِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْوِلَايَةِ كَالزَّوْجَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَهَا مَدْخَلٌ فِي الدَّمِ فَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا أَوْلَى مِنْ الْعَصَبَةِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي أُمٍّ وَأَخٍ وَعَصَبَةٍ لَا عَفْوَ لِلْأُمِّ دُونَهُمَا. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا أَمْرَ لِلْأُمِّ مَعَ الْعَصَبَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْعَصَبَةِ كَالْأَبِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُمَا أَقْوَى سَبَبًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْنًى تَسْتَحِقُّ بِالتَّعْصِيبِ وَهِيَ لَا تَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأُمُّ مَعَ الْبَنَاتِ فَالْبَنَاتُ أَحَقُّ مِنْهَا بِالدَّمِ مَعَ الْأَخَوَاتِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ أَيْضًا أَشْهَبُ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لَا عَفْوَ لِلْبَنَاتِ وَلَا لِلْمَوَالِي دُونَ الْأُمِّ وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَأَمَّا الْأُمُّ وَالْأَخَوَاتُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْبَنَاتُ أَقْرَبُ مِنْ الْأُمِّ، وَالْأُمُّ أَقْرَبُ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَلَا تَجْرِي الْجَدَّةُ لِلْأَبِ وَلَا لِلْأُمِّ مَجْرَى الْأُمِّ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ الْمَقْتُولُ دَمِي إلَى فُلَانٍ فَهُوَ لَهُ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى غَيْرِ دِيَةٍ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى دِيَةٍ، فَيَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ فَالْقَسَامَةُ لِعَصَبَتِهِ وَالْقَتْلُ وَالْعَفْوُ إلَى هَذَا، رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْتُولَ أَحَقُّ بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ قَوَدٌ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ عَفْوٌ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِذَا جَعَلَهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ جَعَلَ مَا كَانَ لَهُ فِيهِ إلَيْهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ يَنُوبُ عَنْهُ وَيَنُوبُ فِيهِ دُونَ أَنْ يَجْعَلَهُ إلَيْهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَوْلَادًا ذُكُورًا فَعَفَا بَعْضُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفِ حَظُّهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِلَّا يَسْقُطُ حَظُّ الْعَافِي خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَوْ إخْوَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَعَفَا بَعْضُ الذُّكُورِ كَانَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَفَا الذُّكُورُ كُلُّهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَنَاتِ إذَا عَفَا الْبَنُونَ، وَسَقَطَ حَقُّ الْأَخَوَاتِ إذَا عَفَا جَمِيعُ الْإِخْوَةِ، وَذَكَرَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ مَرَّةً أُخْرَى إنْ عَفَا الذُّكُورُ فَحَقُّ إخْوَتِهِمْ مِنْ الدِّيَةِ بَاقٍ فَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ أَصْلُهُ فِي مُوَطَّئِهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عِنْدِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي النِّسَاءِ هَلْ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الْعَفْوِ أَوْ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّسَاءَ تَبَعٌ لِلرِّجَالِ فِي دَمِ الْعَمْدِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حَقَّهُنَّ ثَابِتٌ لَا سِيَّمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى الدِّيَةِ، وَاسْتَحَالَ مَالًا لَا يَمْلِكُ إخْوَتُهُنَّ إسْقَاطَ حَقِّهِنَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَمْلِكُونَ إسْقَاطَ حَقِّهِنَّ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ النِّسَاءِ بِعَفْوِ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا عَفَا الرِّجَالُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إذَا عَفَا أَحَدُهُمْ ثُمَّ بَلَغَ الْآخَرَ فَعَفَا فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ مَنْ مَعَهُمَا مِنْ أُخْتٍ وَزَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ بِعَفْوٍ، وَالْأَوَّلُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ عَفَا أَحَدُهُمَا فَقَدْ ثَبَتَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فَإِذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ بَقِيَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ فَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى حَقِّ غَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا وُجِدَ الْعَفْوُ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ

[القصاص في الجراح]

الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا عَمْدًا أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يُعْقَلُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرَادَ أَخْذَ الدِّيَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِ لَيْسَ عَفْوُهُ عَنْ الدَّمِ عَفْوًا عَنْ الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يُرَى لِذَلِكَ وَجْهٌ مَعَ الْعَفْوِ، وَإِلَّا فَلَهُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ مَا عَفَوْتُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ تَرْكَ الدِّيَةِ، وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ لِمَا قَالَ وَجْهٌ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الدَّمِ لَا يُنَافِي الْمُطَالَبَةَ بِالدِّيَةِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرِنَهُ بِهِ فَيَقُولُ عَفَوْت عَنْ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ لِمَنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ وَأَنْ يَقُولَ لَمْ أَعْفُ إلَّا عَلَى الدِّيَةِ، وَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْعَفْوَ عَنْ الدِّيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَفْوَ مَعْنَاهُ التَّرْكُ وَإِذَا أَطْلَقَهُ اقْتَضَى أَنْ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ مَعَ الْبَنِينَ بَنَاتٌ وَمَعَ الْإِخْوَةِ أَخَوَاتٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا مَدْخَلَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ وَلَا لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَدْخُلُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ فِي الدَّمِ إذَا لَمْ يَكُنْ الرِّجَالُ فِي دَرَجَتِهِنَّ فَيَجِيءُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ فِي وِلَايَةِ الدَّمِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَأَمَّا الْبَنَاتُ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَشْهَبُ عَفْوُ أَحَدِ الْإِخْوَةِ يَجُوزُ عَلَى الْبَنَاتِ وَعَلَى بَاقِي الْإِخْوَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ عَفْوُ الْإِخْوَةِ إلَّا مَعَ عَفْوِ الْبَنَاتِ وَلَا عَفْوُ الْبَنَاتِ إلَّا مَعَ عَفْوِ الْإِخْوَةِ. [الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مَنْ كَسَرَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَإِنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ وَلَا يُعْقَلُ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوَدَ لَازِمٌ لَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَلَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْشِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْيِيرِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَذَلِكَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَضَرْبٌ فِيهِ الْقَوَدُ فَأَمَّا مَا لَا قَوَدَ فِيهِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ لَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَقِسْمٌ يَمْتَنِعُ الْقَوَدُ فِيهِ لِمَا الْغَالِبُ مِنْهُ التَّلَفُ فَأَمَّا مَا لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَكَاللَّطْمَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِيهَا وَفِيهَا الْعُقُوبَةُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا فِي الضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ جُرْحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَدُّ تِلْكَ الضَّرْبِ، وَهُوَ مِنْ النَّاسِ مُخْتَلِفٌ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ ذُو الْفَضْلِ وَالْمُرُوءَةِ وَالشَّرَفِ كَالدَّنِيءِ وَالْوَضِيعِ وَالصَّبِيِّ وَلَا الْقَوِيُّ كَالضَّعِيفِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ يُقَادُ مِنْ الضَّرْبَةِ بِالسَّوْطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ اخْتِلَافِ حَالِ الضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ فِي الْقُوَّةِ، وَقَدْ عَرَضَتْ دُونَ أَثَرٍ فَتَعَذَّرَ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ نَتَفَ لِحْيَةَ رَجُلٍ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ فَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الْعُقُوبَةُ وَالسَّجْنُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ الْأَدَبُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَفِي الشَّارِبِ وَأَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ لَيْسَ لَهَا أَثَرُ جُرْحٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا الْقِصَاصُ كَاللَّطْمَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ أَتْلَفَتْ شَيْئًا مِنْ الْجَسَدِ فِيهِ جَمَالٌ، فَكَانَ فِيهَا الْقِصَاصُ كَقَطْعِ الْأَنْفِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا فِيهَا الْقِصَاصُ كَقَطْعِ الْأَنْفِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَعْرِفُ لِأَصْبَغَ فِيهَا أَحْسِبُ أَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا الْوَزْنُ، وَعَابَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللِّحَى بِالْعِظَمِ، وَلَوْ أَقَادَ جَمِيعَ اللِّحْيَةِ بِجَمِيعِ اللِّحْيَةِ لَكَانَ ذَلِكَ صَوَابًا فَأَمَّا إذَا نَتَفَ الْبَعْضَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا يَرَى الْإِمَامُ مِنْ الْعُقُوبَةِ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَسْرِ الْفَخْذِ وَالصُّلْبِ وَالْحُلْقُومِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا قِصَاصَ فِيهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا رَجَعْنَا إلَى الْآخَرِ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا أَنَّهَا عَلَى الْجَانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَتَكُونَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَإِلَيْهَا رَجَعَ مَالِكٌ، وَالثَّالِثَةُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الدِّيَةَ لَوْ لَزِمَتْهُ لَمْ تُنْقَلْ عَنْهُ وَمَا كَانَ مِنْ الْعَمْدِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ مَعَ وُجُودِ مَحِلِّهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ كَعَمْدِ الصَّبِيِّ. (فَصْلٌ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْقِصَاصُ فَكُلُّ جُرْحٌ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ غَالِبًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمَنْ الَّذِي يُبَاشِرُ الْقَوَدَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ مَنْ جَرَحَ أَنْفَ رَجُلٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ كَسَرَ يَدَيْهِ فَلَا يَسْتَقِيدُ لِنَفْسِهِ وَلْيَدْعُ لَهُ مَنْ لَهُ بَصَرٌ بِالْقِصَاصِ فَيَقْتَصُّ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُدْعَى لَهُ أَرْفَقُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ فَيَقْتَصُّ لَهُ بِأَرْفَقَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الْقِصَاصَ، وَقَدْ يَتَعَدَّى، وَهُوَ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْقَاتِلَ يُدْفَعُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَاتِلَ قَدْ اسْتَحَقَّ الْأَوْلِيَاءُ عَلَيْهِ إتْلَافَ جُمْلَتِهِ، وَأَمَّا الْجَارِحُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ غَالِبًا أَنْ يُتْلَفَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ هُوَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَتْلَفَ مَا لَا يُسْتَحَقُّ إتْلَافُهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ لَا يُمَكَّنُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَقْتُلَ بِيَدِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَعَدَّى فَيَقْطَعَ أَعْضَاءَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى يُدْفَعُ إلَيْهِمْ الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُمْ قَتْلَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مُوضِحَةً فَفِي الْكِتَابَيْنِ عَنْ أَشْهَبَ يُشْتَرَطُ فِي رَأْسِ الْجَانِي مِثْلُهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ غَيْرَ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ، فَقَالَ أَشْهَبُ إنْ أَخَذْت الْمُوضِحَةُ مِنْ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَبْلُغُ مِنْ الْجَارِحِ إلَّا نِصْفَ رَأْسِهِ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى قَدْرِ مَا أَخَذَتْ مِنْ رَأْسِهِ فَإِنْ أَخَذْت مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَجْنِيِّ شُقَّ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْجَانِي لَا يُنْظَرُ إلَى عِظَمِ الرَّأْسِ وَلَا صِغَرِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ قَدِيمًا يُشَقُّ فِي رَأْسِ الْجَانِي بِطُولِ مَا شَقَّ فِي رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ طُولَ الشَّقِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ وَكَذَلِكَ الْجَبْهَةُ وَالذِّرَاعُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِطُولِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَضِقْ عَنْهُ الْعُضْوُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَجَعَ عَنْهُ وَبِقَوْلِ أَشْهَبَ يَقُولُ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْجِرَاحِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تَقَعُ بِالْأَسْمَاءِ، وَلِذَلِكَ تُقْطَعُ يَدٌ كَبِيرَةٌ بِصَغِيرَةٍ وَصَغِيرَةٌ بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُنْظَرُ إلَى عِظَمِ الْجُرْحِ وَلَا إلَى صِغَرِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْجِرَاحِ بِالصِّفَاتِ وَلِذَلِكَ يُقَادُ مِنْ الْمُوضِحَةِ بِمُوضِحَةٍ وَمِنْ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ الطُّولُ وَالصِّغَرُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْوُصُولُ إلَى الْعَظْمِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اعْتِبَارِ طُولِ الشَّقِّ فَقَصُرَ رَأْسُ الْجَانِي عَنْ مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الشَّقِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى الرَّأْسَ إلَى الْجَبْهَةِ وَالذِّرَاعَ إلَى الْعُضْوِ وَلَا قَوَدَ فِي الْبَاقِي وَلَا دِيَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُؤْخَذُ مِنْ الْبَاقِي فِيمَا جَاوَزَهُ فِي الذِّرَاعِ مِنْ أَيِّ ذِرَاعَيْهِ شَاءَ مِنْ نَحْوِ الْعَضُدِ أَوْ نَحْوِ الْكَتِفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ وُضِعَ فِيهِ الْحَدِيدُ لَا مِنْ الْآخَرِ -. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَطَعَ بَعْضَ أُصْبُعِ غَيْرِهِ عَمْدًا قُطِعَ مِنْ أُصْبُعِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى طُولِهَا وَلَا قِصَرِهَا فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أُنْمُلَةِ الْمَجْرُوحِ ثُلُثَهَا قُطِعَ مِنْ أُنْمُلَتِهِ ثُلُثُهَا رَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَالْخِلَافُ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّبِيبُ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ بَلَغَ الثُّلُثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ خَطَأٍ، وَأَمَّا مَا نَقَصَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَرْجِعُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُقَادُ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحُ صَاحِبِهِ فَيُقَادَ مِنْهُ فَإِنْ جَاءَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِثْلَ جُرْحِ الْأَوَّلِ حِينَ يَصِحُّ فَهُوَ الْقَوَدُ، وَإِنْ زَادَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ أَوْ مَاتَ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ الْمُسْتَقِيدِ شَيْءٌ، وَإِنْ بَرِئَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَشُلَّ الْمَجْرُوحُ الْأَوَّلُ أَوْ بَرِئَتْ جِرَاحُهُ وَبِهَا عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ عَثِلٌ فَإِنَّ الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ لَا يُكْسَرُ الثَّانِيَةَ وَلَا يُقَادُ لِجُرْحِهِ، قَالَ وَلَكِنَّهُ يَعْقِلُ لَهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ فَسَدَ مِنْهَا وَالْجِرَاحُ فِي الْجَسَدِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُقْتَصُّ لَهُ مِنْ بَقِيَّةِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْأُصْبُعُ يُخْطِئُ فِيهِ بِأُنْمُلَةٍ وَلَا يُقَادُ مَرَّتَيْنِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ إنْ عَلِمَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْمَلَ وَنَبَتَ اللَّحْمُ أَتَمَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي تَمَامِ ذَلِكَ وَلَا دِيَةَ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْكِتَابَيْنِ لَيْسَ هَكَذَا، وَلَكِنْ إذَا قَصَرَ يَسِيرًا فَلَا يُعَادُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَبْلَ الْبُرْءِ وَبَعْدَهُ قَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَإِنْ كَانَ بِفَوْرِهِ اُقْتُصَّ لَهُ تَمَامُ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ بَرُدَ وَأَخَذَهُ الدَّوَاءُ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ بَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ أَوْ يَكُونُ فِي الْبَاقِي عَقْلٌ كَانَ هُوَ وَلِيَّ الْقِصَاصِ أَوْ مَنْ جَعَلَهُ إلَيْهِ السُّلْطَانُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأُجْرَةُ الْقِصَاصِ عَلَى الَّذِي يُقْتَصُّ لَهُ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُوَكِّلُ مَنْ يَطْلُبُ دِيَتَهُ وَيَقْتَضِيهِ فَيَكُونَ جَعْلُهُ عَلَى الطَّالِبِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّهُ لَا يُسْتَقَادُ مِنْهُ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَقَادُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُرْءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ قَدْ يَئُولُ جُرْحُ الْجِنَايَةِ إلَى النَّفْسِ فَيُعَادُ الْقَوَدُ ثَانِيَةً، وَذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا يُؤْخَذُ بِقِصَاصِ جُرْحٍ وَنَفْسٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَتَّى يَبْرَأَ جُرْحُ صَاحِبِهِ يُرِيدُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فَيُقَادُ مِنْهُ هَذَا لَفْظُ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ بِهِ الْبُرْءَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قُلْت أَيَنْتَظِرُ بِالْجُرْحِ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِدِيَةٍ أَوْ قِصَاصٍ إلَى السَّنَةِ أَوْ إلَى الْبُرْءِ فَإِنْ جَاوَزَ السَّنَةَ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَيْنِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ فِي السِّنِّ تَصْفَرُّ وَالْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالشَّجَّةُ وَالْكَسْرُ كُلُّهُ وَالظُّفْرُ وَنَحْوُهُ يُؤَخَّرُ ذَلِكَ سَنَةً. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَالْجُرْحُ بِحَالِهِ عَقَلَ مَكَانَهُ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَوْقِيتًا إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ فَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيُعْقَلُ فِي الْخَطَأِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَمَّا مِثْلُ الْعَيْنِ تَدْمَعُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ قَدْ سُدَّتْ عَلَى ذَلِكَ وَبَرِئَتْ فَتِلْكَ تُعْقَلُ عِنْدَ السَّنَةِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْجِرَاحِ فَلَا عَقْلَ وَلَا قِصَاصَ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ يُسْتَأْنَى بِهِ سَنَةً أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا تَأْتِي عَلَيْهِ سَنَةٌ إلَّا وَقَدْ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَعَ ذِكْرِ السَّنَةِ فَإِنْ انْتَهَى إلَى مَا يُعْرَفُ عَقَلَ وَجْهُ اعْتِبَارِ السَّنَةِ أَنَّهَا حَدٌّ فِي مَعْنَاهُ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِمُعَانَاتِهِ كَمُعَانَاةِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ تَسْتَوْعِبُ أَنْوَاعَ فُصُولِ الْمُعَانَاةِ، وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْبُرْءِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خَوْفِ اجْتِمَاعِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالنَّفْسِ، وَوَجْهُ تَفْرِيقِ ابْنِ الْمَوَّازِ بَيْنَ الْعَيْنِ تَدْمَعُ وَبَيْنَ مَا خَالَفَهَا مِنْ الْجِرَاحِ أَنَّ تِلْكَ حَالُ الْبُرْءِ لِلْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ بَرَأَ عَلَى فَسَادٍ وَلَا يُرْجَى لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ بَرِئَ الْجُرْحُ عَلَى غِلَظٍ وَفَسَادٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِانْتِظَارِ الْبُرْءِ وَانْقِضَاءِ السَّنَةِ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بِالْقَسَامَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنْ جَاءَ جُرْحُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِثْلَ جُرْحِ الْأَوَّلِ حِينَ يَصِحُّ فَهُوَ الْقَوَدُ فَإِنْ زَادَ أَوْ مَاتَ فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَقَادِ شَيْءٌ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السِّرَايَةُ مِنْ الْقِصَاصِ مَضْمُونَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ قَطْعٍ كَانَ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ مَا يَسْرِي إلَيْهِ مَضْمُونًا كَقَطْعِ الْيَدِ الْأُولَى وَكُلُّ قَطْعٍ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُضْمَنُ مَا يُسْرِي إلَيْهِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ

[ما جاء في دية السائب وجنايته]

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا عَمَدَ الرَّجُلُ إلَى امْرَأَتِهِ فَفَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ كَسَرَ يَدَهَا أَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهَا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقَادُ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّجُلُ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ بِالْحَبْلِ أَوْ بِالسَّوْطِ فَيُصِيبَهَا مِنْ ضَرْبِهِ مَا لَمْ يُرِدْ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ فَإِنَّهُ يَعْقِلُ مَا أَصَابَ مِنْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يُقَادُ مِنْهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَقَادَ مِنْ كَسْرِ الْفَخِذِ) . مَا جَاءَ فِي دِيَةِ السَّائِبِ وَجِنَايَتِهِ (ص) : (مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْحُجَّاجِ فَقَتَلَ ابْنَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَائِذٍ فَجَاءَ الْعَائِذِيُّ أَبُو الْمَقْتُولِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَطْلُبُ دِيَةَ ابْنِهِ فَقَالَ عُمَرُ لَا دِيَةَ لَهُ، فَقَالَ الْعَائِذِيُّ: أَرَأَيْت لَوْ قَتَلَهُ ابْنِي فَقَالَ عُمَرُ إذًا تُخْرِجُونَ دِيَتَهُ فَقَالَ هُوَ إذًا كَالْأَرْقَمِ إنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ وَإِنْ يَقْتُلْ يَنْقَمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ إنْ بَرِئَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ، وَقُتِلَ بِالْمَجْرُوحِ أَوْ بَرِئَتْ جِرَاحَاتُهُ وَبِهَا عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ أَوْ عَثِلٌ فَإِنَّ الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ لَا يُكْسَرُ ثَانِيَةً، وَلَكِنْ يُعْقَلُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَصَابَ أُنْمُلَةً عَمْدًا فَأَذْهَبَتْ أُصْبُعًا أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ، ثُمَّ بَرِئَ أَنَّهُ يُسْتَقَادُ بِالْأُنْمُلَةِ وَيُتَرَبَّصُ بِهَا فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ الْجَانِي مَا بَلَغَ مِنْ الْأَوَّلِ بُرِّئَ الْجَانِي، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ عَقَلَ لَهُ مَا بَقِيَ، وَإِنَّهُ لَأَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهَذَا أَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ سِرَايَةِ الْجُرْحِ إلَى النَّفْسِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَلَا يُقْتَصُّ وَمَا سَرَى إلَى غَيْرِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَهُ عَقْلُ السِّرَايَةِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ إلَى النَّفْسِ اُقْتُصَّ مِنْ النَّفْسِ، وَسَقَطَ حُكْمُ الْجُرْحِ، وَإِذَا سَرَى إلَى عُضْوٍ آخَرَ لَمْ يُقَدْ نَفْسًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَأَذْهَبَتْ سَمْعَهُ وَعَقْلَهُ فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ أَذْهَبَ مِنْ الْجَانِي مِثْلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِلَّا فَدِيَةُ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ فِي مَالِ الْجَانِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ دِيَةُ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَتْ إلَى إذْهَابِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهَا جِنَايَةٌ جَرَّهَا الْعَمْدُ فَلَمْ تَلْزَمْ الْعَاقِلَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا بَقِيَ بِهَا عُضْوٌ مِثْلُهُ مِنْ جَسَدِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ غَالِبًا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهَا جِنَايَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ مَعَ وُجُودِ مَحَلِّهِ كَالْمُتْلَفِ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ أَقَادَ مِنْ كَسْرِ الْفَخِذِ هُوَ أَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُقَادُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ وَالْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي دِيَةِ السَّائِبِ وَجِنَايَتِهِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ بَعْضُ الْحُجَّاجِ عِتْقُ السَّائِبَةِ هُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْمُعْتَقِ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَوْ يَقُولَ أَنْتَ سَائِبَةً فَيُرِيدُ الْعِتْقَ قَالَ أَصْبَغُ: لَا يُعْجِبُنِي قَوْلَهُ يُرِيدُ الْعِتْقَ وَلَفْظُ التَّسْيِيبِ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِ سَبَبٌ غَيْرُ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَكْرَهُ عِتْقَ السَّائِبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَهَيْئَةِ الْوَلَاءِ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ لَا يُعْجِبُنَا كَرَاهِيَتَهُ لِذَلِكَ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا يُعْتَقُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ تَتْرُكُ النَّاسُ عِتْقَ السَّوَائِبِ فَإِنْ فَعَلَهُ أَحَدٌ فَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَرَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ وَلَاءَهُ لِمُعْتِقِهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ بِأَوْعَبَ مِنْ هَذَا، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ السَّائِبَةُ لِيَوْمِهَا يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فِي التَّفْسِيرِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً، ثُمَّ يَمُوتُ الْمُعْتَقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مِيرَاثِهِ شَيْئًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَتَلَ ابْنَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَائِذٍ فَطَلَبَ أَبُو الْمَقْتُولِ دِيَةَ ابْنِهِ يَقْتَضِي أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ خَطَأً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَيْرُ الدِّيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا وَاخْتَارَ الدِّيَةَ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْيِيرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ لَا دِيَةَ لَهُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَلْزَمُهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الدِّيَةِ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ، وَهَذَا

[كتاب الحدود]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْحُدُودِ) مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ (ص) : (حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَك فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» مَالِكٌ يَعْنِي يَحْنِي يَكُبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا عَاقِلَةَ لَهُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ لَا قَوْمَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَرِثُونَ عَقْلَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ، وَهَذَا إذَا قُلْنَا أَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَقْلُ مَنْ أُعْتِقَ مِنْ الْبَرْبَرِ عَلَى مَوَالِيهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُعْتَقُ سَائِبَةً غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ الْتَزَمَ الْمَقَامَ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْقِلُ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ إنَّ أَهْلَ الْجِزْيَةِ إنْ وُجِدَتْ لَهُمْ مَعَاقِلُ يَتَعَاقَلُونَ عَلَيْهَا حُمِلُوا عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لَا دِيَةَ لَهُ يُرِيدُ لَيْسَ لَهُ الْآنَ دِيَةٌ لِعَدَمِ عَاقِلَةِ الْجَانِي وَفَقْرِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ يَعْقِلُ مَعَهُ أَهْلُ جِزْيَتِهِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّأْوِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ سَائِبَةً إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَنْ يَدْخُلَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ يَدْخُلَ مُسْتَأْمَنًا فَيَقْتُلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُحْبَسُ وَيُرْسَلُ إلَى أَهْلِ مَوْضِعِهِ وَكُورَتِهِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا فَيُجِيزُونَ مَا صَنَعَ، وَمَا يَلْزَمُهُمْ فِي حُكْمِنَا فَإِنْ أَدَّوْا عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا كَانَ يُؤَدَّى مَعَهُمْ وَرَوَى عَنْهُ سَحْنُونٌ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ عُمَرُ لَا دِيَةَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَانِي مَالٌ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ وَالْحَرْبِيِّينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْعَائِذِيِّ أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلَهُ ابْنِي عَلَى مَعْنَى اسْتِعْلَامِ حُكْمِهِ وَلَعَلَّهُ جُوِّزَ؛ لِأَنَّهُ لَا دِيَةَ لَهُ كَمَا لَا دِيَةَ عَلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عَاقِلَتَهُ خَطَأً الدِّيَةُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَقَالَ الْعَائِذِيُّ: إنَّ هَذَا كَالْأَرْقَمِ يُرِيدُ كَالْحَيَّةِ إنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ يُرِيدُ يَعَضُّ وَيَنْهَشُ، وَإِنْ يَقْتُلْ يَنْقِمْ يُرِيدُ يَنْتَقِمُ مِنْ قَاتِلِهِ ضَرَبَهُ مَثَلًا لِقَاتِلِ ابْنِهِ أَنَّهُ يَنْتَصِفُ مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَا يَنْتَصِفُ مِنْ جِنَايَةٍ يَجْنِيهَا. [كِتَابُ الْحُدُودِ] [مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ] (ش) : قَوْلُهُ «جَاءَتْ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَحْبَارَ الْيَهُودِ وَرُهْبَانَهُمْ، وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ أَنَّهُ إذَا أَتَى أَسَاقِفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْ زَنَى مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَرْضَى الزَّانِيَانِ بِذَلِكَ، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّانِيَانِ قَدْ رَضِيَا بِذَلِكَ مَعَ رِضَا الْأَسَاقِفَةِ، وَإِنَّمَا أَخْتَارُ لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَنْظُرَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ نَظَرَ بَيْنَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنْفَذَ عَلَيْهِمَا حُكْمَ دِينِهِمَا، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ حَدُّ الزَّانِي عَلَيْهِ وَفِي النَّوَادِرِ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْيَهُودِ فِيمَا أُظْهِرَ عَلَيْهِمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّوْرَاةِ، وَهَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَالْحَاكِمُ مِنَّا الْيَوْمَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى مَنْ يَحْكُمُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَإِذَا طَلَبَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إقَامَةَ الرَّجْمِ بَيْنَهُمْ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَذَلِكَ لَهُمْ وَكَانُوا أَهْلَ صُلْحٍ أَوْ عَنْوَةٍ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ رَقِيقًا لِمُسْلِمٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ رَجْمٌ وَلَا جَلْدٌ وَلَا قَتْلٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ الْمُسْلِمِ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ فِيهَا ثَابِتٌ عَلَى مَا شُرِعَ لَمْ يَلْحَقْهُ تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ لَحِقَ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهَا تَغْيِيرُ أَحْبَارِهِمْ وَتَبْدِيلُهُمْ لَهَا وَتَحْرِيفُهُمْ إيَّاهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِذَلِكَ بِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ عَلَى وَجْهٍ حَصَلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يَسْتَعْلِمَ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا فِي التَّوْرَاةِ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا لِأَنَّهُمْ حَكَّمُوهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالتَّوْرَاةِ، وَأَظْهَرُوا إلَيْهِ أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ إنْفَاذَهُ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ وَمَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ وَلَكِنَّهُمْ حَكَّمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أُظْهِرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلِنَا يَلْزَمُنَا إنْفَاذُ مَا ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْهَا بِقُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحٌ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَنَا نَسْخُهَا إمَّا شَرِيعَتُنَا فَقَطْ وَإِمَّا شَرِيعَتُنَا وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلِنَا مِمَّنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْ الرُّسُلِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ التَّوْرَاةِ بِشَرْعِ مُوسَى وَلَا شَرْعٍ لِغَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ «نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا التَّبْدِيلَ وَالتَّحْرِيفَ وَالْكَذِبَ عَلَى التَّوْرَاةِ إمَّا رَجَاءَ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِتَحْكِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّخْفِيفَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُمْ عَمَّا أُوجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ إقَامَةِ الرَّجْمِ عَلَيْهِمَا، وَلَعَلَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ اخْتِيَارَ أَمْرِهِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْحُكْمِ بِبَاطِلٍ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَظْهَرَ أَمْرَهُمَا وَأَبْطَلَ كَيْدَهُمْ وَهَدَاهُ إلَى الْحَقِّ وَالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَجَعَلَ سَبَبَ ذَلِكَ بِأَنْ أَكْذَبَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَقَالَ لَهُمْ «إنَّ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ» وَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ وَتَنَاهَوْا فِي الْمَكْرِ بَلْ جَعَلَ قَارِئُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، وَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَقْرَأْهَا لِيُرِيَ أَنَّ التَّوْرَاةَ لَا تَتَضَمَّنُ الرَّجْمَ حَتَّى أُمِرَ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ فُصُولَ التَّوْرَاةِ تُسَمَّى آيَاتٍ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْهُدَى وَالْحَقِّ الَّذِي نَزَلَ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى وَالْحَقِّ مَا لَمْ يُنْسَخْ فَإِذَا نُسِخَ حُكْمُهَا وَتِلَاوَتُهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّجْمِ قَدْ لَزِمَهُمَا وَلَزِمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْفَاذُ ذَلِكَ فِيهِمَا بِتَحْكِيمِهِمْ لَهُ وَقَبُولِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ تَحْكِيمِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْهَبُوا إلَيْهِ مَعَ تَعَلُّقِهِمْ فِي إسْقَاطِ الرَّجْمِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ ادِّعَاءِ عَدَمِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُزَنِيَّةِ وَقَدْ أَقَامَتْ الْأَئِمَّةُ الْحُدُودَ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ثَبَتَ الزِّنَا بِالِاعْتِرَافِ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِالرَّجْمِ، ثُمَّ يَتْبَعَهُ سَائِرُ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ بَدَأَ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ مُبَاشَرَتُهُ كَالْجَلْدِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. 1 -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ لَهُ إنَّ الْآخَرَ زَنَى فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ هَلْ ذَكَرْتَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي فَقَالَ لَا فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَتُبْ إلَى اللَّهِ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ حَتَّى جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ إنَّ الْآخَرَ زَنَى فَقَالَ سَعِيدٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ أَيَشْتَكِي أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ إنَّهُ لَصَحِيحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ فَقَالُوا بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ الْأَسْلَمِيُّ فَقَالَ يَزِيدُ هَزَّالٌ جَدِّي وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ يَكُبُّ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومِ وَلَا سَمِعْت أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى يُحِبُّ ذَلِكَ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ قَالَ مَالِكٌ وَدَلَّ قَوْلُهُ فَرَأَيْت الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ لَهُ، وَلَوْ حُفِرَ لَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْنِيَ عَلَيْهَا قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ حُفِرَ لَهُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُخَلَّى لَهُ يَدَاهُ وَيَحْسُنُ عِنْدِي أَنْ لَا يُحْفَرَ لَهُ وَلَا يُرْبَطَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ لِلْمَرْأَةِ أَنَّ هَذَا شَخْصٌ مَرْجُومٌ فِي الزِّنَا كَالرَّجُلِ قَالَ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَتَتْ الْحِجَارَةُ عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِ فَكَانَ أَسْرَعُ لِأَمْرِهِ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الْإِمَامُ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومِ وَيُرْسَلُ لَهُ يَدَاهُ يَسْتَتِرُ بِهَا وَيَدْرَأُ بِهَا عَنْ وَجْهِهِ إنْ أَحَبَّ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ الْمُعْتَادِ رَمْيُهَا قَالَ مَالِكٌ يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ الَّتِي يُرْمَى بِمِثْلِهَا فَأَمَّا الصُّخُورُ الْعِظَامُ فَلَا يُسْتَطَاعُ الرَّمْيُ بِهَا، وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ كَانَ اسْمُهُ مَاعِزًا وَكَانَ يَتِيمًا عِنْدَ هَزَّالٍ وَهَذَا هُوَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْآخَرَ زَنَى قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ تَفْسِيرُ الْآخَرِ الْيَتِيمَ، وَالْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الْآخَرَ كِنَايَةٌ يُكَنِّي بِهَا الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ الْمُخَاطَبِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ مُخَاطَبٍ أَوْ مُخَاطَبٍ بِمَا يُسْتَقْبَحُ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَلْ ذَكَرْت هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ مِمَّنْ لَا يَجْرِي إلَى التَّسَتُّرِ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ إظْهَارَ هَذَا عَلَيْهِ قُرْبَةٌ، وَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ اعْتَقَدَ أَنَّ تَسَتُّرَهُ أَفْضَلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى الْإِمَامِ وَيَجِبُ الْحَدُّ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ كَقَوْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِهِمَا مَخَافَةَ أَنْ لَا يُنْجِيَهُ مِمَّا اقْتَرَفَهُ إلَّا إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَالتَّطْهِيرُ لَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى أَكْثَرَ عَلَيْهِ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُعْرِضُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ فِيهِ تَغْيِيرًا فِي عَقْلِهِ وَضَعْفًا فِي مَيْزِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ بَيَّنَ هَذَا أَنَّهُ بَعَثَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ أَيَشْتَكِي أَبِهِ جِنَّةٌ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ إعْرَاضُهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا زَنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتْهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ جَاءَتْهُ، فَقَالَ اذْهَبِي فَاسْتَوْدِعِيهِ فَاسْتَوْدَعَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ وَمَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِعْرَاضُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَجَالِسُ، وَهَذَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحَدَّ يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» وَالْمُقِرُّ مَرَّةً قَدْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ حَدٍّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى التَّكْرَارِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا أُكِّدَ إنْكَارُهُ أُكِّدَ إقْرَارُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ مَا أَعْرِفُ هَذَا أَنَّ الْإِمَامَ يُعْرِضُ عَنْ الْمُعْتَرِفِ حَتَّى يَعْتَرِفَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ أَيَشْتَكِي أَبِهِ جِنَّةٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ أَوْ لَا تَلْزَمُهُ فَلَمَّا أَعْلَمُوهُ أَنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ قَالَ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ لِمَاعِزٍ لَمَّا أُخْبِرَ بِصِحَّةِ عَقْلِهِ وَلُزُومِ إقْرَارِهِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَسْأَلُ الْإِمَامُ الزَّانِيَ هَلْ هُوَ بِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ وَيَقْبَلُ قَوْلَهُ أَنَّهُ بِكْرٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ثَيِّبٌ، وَقِيلَ لَا يَسْأَلُهُ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْهُ فَإِنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا وَإِلَّا سَأَلَهُ وَقَبِلَ قَوْلَهُ دُونَ يَمِينٍ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ غَيْرَهُ عَنْ كَوْنِهِ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا لِيَعْلَمَ أَيَّ الْحَدَّيْنِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَدُّ الثَّيِّبِ يُرِيدُ الْمُحْصَنَ أَوْ حَدُّ الْبِكْرِ يُرِيدَ الَّذِي لَمْ يُحْصِنْ فَلَمَّا أُعْلِمَ بِحَالِهِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُحْصَنِ الزَّانِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَزَّالٍ «يَا هَزَّالُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» هَزَّالٌ هَذَا هُوَ هَزَّالُ بْنُ رِئَابِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ الْأَسْلَمِيُّ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَوْ سَتَرْته بِرِدَائِك لَكَانَ خَيْرًا لَك يُرِيدُ مِمَّا أَظْهَرْته مِنْ إظْهَارِ أَمْرِهِ وَإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِهِ فَكَانَ سَتْرُهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّوْبَةِ وَكِتْمَانِ خَطِيئَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ الرِّدَاءَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَجِدْ السَّبِيلَ إلَى سَتْرِهِ إلَّا بِأَنْ تَسْتُرَهُ بِرِدَائِك مِمَّنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ لَكَانَ أَفْضَلَ مِمَّا أَتَاهُ وَتَسَبَّبَ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ) . (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِمَا جَرَى لَهُ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى أَنَّ عَدَدَ إقْرَارِهِ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْحَدِّ لَهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ اسْتَوْعَبَهُ بَعْدَ أَمْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَوْعَبَ الْعَدَدَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَعِنْدَ غَيْرِ رَجُلٍ وَاحِدٍ بَلْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ قَوْمٍ، ثُمَّ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ آخَرِينَ حَتَّى أَكْمَلَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَفِي مَجَالِسَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي لُزُومِ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَّقَ مَا يُؤْخَذُ بِهِ بِالِاعْتِرَافِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْعَدَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا زَنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ نَفْسِهَا بِأَنَّهَا زَنَتْ حِينَ حَمْلِهَا مِنْ غَيْرِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الْآخَرُ: وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا أَجْلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي فِي أَنْ أَتَكَلَّمَ فَقَالَ تَكَلَّمْ قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إنِّي سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَخْبَرُونِي إنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ أَمَّا غَنَمُك وَجَارِيَتُك فَرَدٌّ عَلَيْك، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا» قَالَ مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَعَلَّهَا بَيَّنَتْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ إحْصَانٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا زَنَتْ وَأَنَّهَا الْآنَ حَامِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَذْهَبَ حَتَّى تَضَعَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ قَدْ لَزِمَهَا وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهَا لَمْ يَمْنَعْ الْحَمْلُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْرَارِ إقْرَارِهَا فَكَانَ يَقُولُ اذْهَبِي حَتَّى يَتَكَرَّرَ إقْرَارُك لَكِنَّهُ مَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زِنًا أَوْ غَيْرِهِ وَقَبِلَ قَوْلَهَا فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ الْحَمْلِ إنْ كَانَ ظَاهِرًا لِظُهُورِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَلْيَتَبَيَّنْ أَمْرَهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ يَقُولُ إنَّهَا حَامِلٌ لَا يَعْجَلْ عَلَيْهَا الْإِمَامُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهَا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا تُرِكَتْ حَتَّى تَضَعَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا وَضَعَتْهُ جَاءَتْهُ قَالَ لَهَا اذْهَبِي حَتَّى تُرْضِعِيهِ» يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَسْتَرْضِعُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَقْبَلْ رِضَاعَ غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تُرْجَمُ حَتَّى تُتِمَّ رِضَاعَهُ. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ لِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ لِلْوَلَدِ وَأَمَّا لَوْ قَبِلَ رِضَاعَ غَيْرِهَا، وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَسْتَرْضِعُ لَهُ مِنْهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ عِيسَى هَذَا الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَذْهَبَ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا أَرَى أَنْ يَصْنَعَ فِي ذَلِكَ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ سُنَّةٌ قَدْ سَنَّهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ وُجِدَ لِابْنِهَا مَا تَسْتَرْضِعُ لَهُ بِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا تُؤَخَّرُ حَتَّى تَسْتَقِلَّ مِنْ نِفَاسِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا فِي الْقَتْلِ وَالرَّجْمِ وَحَكَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ يَكُونُ فِيهِ الْقَتْلُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْجَلُ بِالْمَرِيضِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ إفَاقَتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُرْجَمُ وَلَا تَنْتَظِرُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَنْصُوصُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ جَاءَتْهُ فَقَالَ اذْهَبِي فَاسْتَوْدِعِيهِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَضْعَهَا إيَّاهُ عِنْدَ مَنْ يَحْضُنُهُ وَيَكْفُلُهُ؛ لِأَنَّ طَرْحَهُ سَبَبٌ إلَى هَلَاكِهِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَ لِرِشْدَةٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ إنْ كَانَ لِغِيَّةِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَتْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَتْ. (ش) : قَوْلُ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قِيلَ مَعْنَاهُ اقْضِ بَيْنَنَا بِمَا كَتَبَ اللَّهُ أَيْ فَرَضَ، وَلَمْ يُرِدْ الْقُرْآنَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ الَّذِي أَوْجَبَهُ كِتَابُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ عَلَيْك، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّ الْآخَرَ كَانَ أَفْقَهَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ أَفْقَهُهُمَا لَمَّا حَكَمَ بِمَا أَوْرَدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وُصِفَ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ فَوَصَفَ ذَلِكَ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وُصِفَ بِذَلِكَ لَمَّا وَصَفَ الْقَضِيَّةَ عَلَى مَا جَرَتْ وَأَوْرَدَ مِنْهَا مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا» عَلَى هَذَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الْعَسِيفُ الْأَجِيرُ وَقَوْلُهُ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ إخْبَارٌ عَنْ ابْنِهِ وَعَنْ زَوْجَةِ خَصْمِهِ بِالزِّنَا، وَحُكْمُ هَذَا أَنَّهُمَا إنْ صَدَّقَاهُ حُدَّا وَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَإِنْ قَامَا يَطْلُبَانِهِ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَاذِفِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، ثُمَّ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَفْوِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَإِذَا هَمَّ الْإِمَامُ بِضَرْبِ الْقَاذِفِ فَأَقَرَّ الْمَقْذُوفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَصَدَّقَهُ فَإِنْ ثَبَتَ إقْرَارُهُ حُدَّ الْمَقْذُوفُ بِالزِّنَا، وَلَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِتَوْرِيكٍ دُرِئَ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الْمَقْذُوفُ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُمَا، وَلَعَلَّ هَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِمَا أَنَّهُمَا قَدْ أَقَرَّا بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ، أَوْ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِزِنَاهُمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِهِ عَلَيْهِمَا إنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِمَا أَوْ تَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي نَصٌّ فِي أَنَّهُ أَعْطَاهُ الْغَنَمَ وَالْجَارِيَةَ لِيُسْقِطَ عَنْ ابْنِهِ الْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ يَصِحُّ إسْقَاطُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إعْطَاؤُهُ إيَّاهُ لِيَسْتُرَ عَلَيْهِ، وَيَتْرُكَ قِيَامَهُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ بِعِوَضٍ وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ ابْنَهُ مِنْ الرَّجْمِ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالِدَ الزَّانِي الْبِكْرِ أَنْ لَيْسَ عَلَى ابْنِهِ إلَّا جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَأَخَذَ عِوَضًا عَلَى إسْقَاطِ مَا لَمْ يَجِبْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ الَّذِي وَرَدَ كِتَابُ اللَّهِ بِالْحُكْمِ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ بِأَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ حُكْمِ مَسْأَلَتِهِ فَيَذْهَبُ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ وَالْغَنَمِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَفِي الْجَلْدِ إلَى قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَفِي الرَّجْمِ إلَى مَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ حُكْمِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا نَصٌّ فِي تَغْرِيبِ الزَّانِي وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَغْرِيبَ عَلَى الزَّانِي وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا قَتْلٌ أَوْ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ جَلْدٍ أَوْ قَطْعٍ فَإِنَّ مَعَ الْأَدْوَنِ الْحَبْسَ كَالْقَتْلِ وَالْحِرَابَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّغْرِيبَ عَلَى الْحُرِّ الذَّكَرِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَدُونَ الْعَبْدِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» ، وَهَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ فَاقْتَضَى أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ مَا عَلَيْهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ وَفِي تَغْرِيبِهَا تَعْرِيضٌ لَهَا لِزَوَالِ السَّتْرِ عَنْهَا، وَالْأَمَةُ حَقُّ السَّيِّدِ مُتَعَلِّقٌ بِمَنَافِعِهَا، وَإِنَّمَا يُغَرَّبُ الرَّجُلُ عُقُوبَةً لِيَنْقَطِعَ عَنْ مَنَافِعِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ إذَا لَمْ تَتَبَعَّضْ لَمْ تَلْزَمْ الْعَبْدَ بِالزِّنَا كَالرَّجْمِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّغْرِيبَ يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّ الذَّكَرِ فَإِنَّهُ يُبْعَدُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُنْفَى مِنْ مِصْرَ إلَى الْحِجَازِ وَإِلَى مِثْلِ شُعَبَ وَمَا وَالَاهَا وَمِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مِثْلِ فَدَكَ وَخَيْبَرَ ذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ يُنْفَى عِنْدَهُمْ، كَذَلِكَ نَفَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ مِصْرَ إلَى شُعَبَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُنْفَى مِنْ مِصْرَ إلَى أُسْوَانَ وَإِلَى أَدْوَنَ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِحَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاغْتِرَابِ وَلَا يُبْعَدُ كُلَّ الْبُعْدِ بِمَا ضَاعَ وَبَعُدَ عَنْ أَنْ يُدْرِكَهُ مَنْفَعَةُ مَالِهِ وَأَهْلِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَكِرَاؤُهُ فِي سَيْرِهِ فَإِنْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي الزِّنَا وَالْمُحَارِبِ قَالَهُ أَصْبَغُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي الْمُسْلِمِينَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُكْتَبُ إلَى وَالِي الْبَلَدِ الَّذِي يُغَرَّبُ إلَيْهِ أَنْ يَقْبِضَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَأُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا أَحْصَنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ بِالشَّامِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ إلَى امْرَأَتِهِ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَتَاهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ حَوْلَهَا فَذَكَرَ لَهَا الَّذِي قَالَ زَوْجُهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا لَا تُؤَاخَذُ بِقَوْلِهِ وَجَعَلَ يُلَقِّنُهَا أَشْبَاهَ ذَلِكَ لِتَنْزِعَ فَأَبَتْ أَنْ تَنْزِعَ وَتَمَّتْ عَلَى الِاعْتِرَافِ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَرُجِمَتْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَسْجُنَهُ سَنَةً عِنْدَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ يُؤَرَّخُ يَوْمُ سِجْنِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ اسْتِيعَابِهِ الْعَامَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ قِيلَ أَنَّهُ أُنَيْسُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ جَلْدًا وَلَا جَلْدَ عَلَى الثَّيِّبِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ دَاوُد يُجْلَدُ الثَّيِّبُ وَيُرْجَمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَهُوَ وَقْتُ تَعْلِيمِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَلْدًا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الثَّيِّبِ الزَّانِي وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى يُوجِبُ الْقَتْلَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ الْجَلْدُ مَعَ الْقَتْلِ كَالرِّدَّةِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ جُلِدَ فِي الزِّنَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْزِئُهُ الْجَلْدُ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُ سَعْدٍ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ إعْظَامًا لِهَذَا وَإِظْهَارًا لِمَا فِي نَفْسِهِ مِنْ الْغَيْرَةِ وَمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْرَاعِ إلَى قَتْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي أَنْ يُقَابَلَ بِهِ قِبَلَ هَذَا عِنْدَهُ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَيْسَ التَّسَرُّعُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ وَحُكْمِ إمَامِ يَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَأَمَّا أَنْ يُسْرِعَ إلَيْهِ فَلَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ يُرِيدُ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّهُ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَةِ الرَّجْمِ» وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ يُرِيدُ بِالزِّنَا أَوْ كَانَ الْحَمْلُ وَالِاعْتِرَافُ يُرِيدُ أَنْ يَظْهَرَ بِالْمَرْأَةِ حَمْلٌ لَا يَلْحَقُ بِأَحَدٍ وَلَا يُنْفَى بِلِعَانٍ، وَأَمَّا مَا لَحِقَ بِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ نُفِيَ بِلِعَانٍ فَلَا يُوجِبُ حَدًّا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَدَخَلَ مِنْ مَائِهِ فِي قُبُلِهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْهُ وَلَدٌ وَلَوْ كَانَ مِنْهُ وَلَدٌ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ حَدٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاشِرُ لَهَا وَطِئَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَأَمَّا الِاعْتِرَافُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَاهُ رَجُلٌ وَهُوَ بِالشَّامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ حَيْثُ حَلَّ مِنْ عَمَلِهِ يَنْظُرُ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ الرَّجُلُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَرْسَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ لِمَا يَتَعَلَّقُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ بِإِقْرَارِهَا وَإِنْكَارِهَا، وَأَرْسَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ نَائِبًا عَنْهُ فِي تَوْقِيفِهَا عَلَى مَا ذَكَرَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَثَبَتَ عِنْدَهُ إقْرَارُهَا وَإِنْكَارُهَا وَحُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَلِذَلِكَ يَجْرِي فِيهِ الْحَدُّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالْأَبْطُحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ السُّنَنُ وَفُرِضَتْ لَكُمْ الْفَرَائِضُ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ إلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ قَالَ إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ يَقُولُ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَتَبْتهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا قَالَ مَالِكٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ قَوْلَهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالثَّيِّبَةَ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخْبَرَهَا أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ بِمَا قَالَ زَوْجُهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِتَنْزِعَ عَلَى مَعْنَى التَّلْقِينِ لَهَا لِئَلَّا يُدْرِكَهَا مِنْ الْأَمْرِ مَا يَبْهَتُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهَا وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهَا وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهَا فَلَمَّا تَمَادَتْ عَلَى الِاعْتِرَافِ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَبُو وَاقِدٍ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّائِبَ عَنْ الْحَاكِمِ بِأَمْرِهِ يَثْبُتُ عِنْدَهُ مَا يَثْبُتُ عِنْدَ النَّائِبِ بِقَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ شَاهِدَانِ أَشْهَدَهُمَا أَبُو وَاقِدٍ عَلَى ثُبُوتٍ عِنْدَهُ، أَوْ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ غَيْرُ الشُّهُودِ عَلَيْهَا بِالتَّمَادِي عَلَى الِاعْتِرَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا صَدَرَ مِنْ مِنًى يُرِيدُ فِي آخِرِ حَجَّتِهِ الَّذِي قُتِلَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْهَا فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ يَوْمَ الصَّدْرِ أَنَاخَ بِالْأَبْطُحِ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ إمَّا؛ لِأَنَّهُ رَأَى التَّحْصِيبَ مَشْرُوعًا؛ أَوْ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِهِ حَتَّى يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ وَيَطُوفَ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ يُقْفِلَ مِنْهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَكَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ يُرِيدُ جَمَعَ كَوْمًا وَهُوَ الْكُدْيَةُ مِنْ التُّرَابِ، ثُمَّ طَرَحَ عَلَى الْكَوْمِ رِدَاءَهُ لَيَقِيَهُ التُّرَابَ، ثُمَّ اسْتَلْقَى لَعَلَّهُ يُرِيدُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ يُرِيدُ رَفَعَهُمَا رَاغِبًا إلَى اللَّهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي يُرِيدُ أَنَّهُ ضَعُفَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ انْتِشَارِ رَعِيَّتِهِ بِبُعْدِ الْأَقْطَارِ فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَهَبَهُ مِنْ الْعَوْنِ عَلَى مَا كَلَّفَهُ مَا يَعْصِمُهُ مِنْ التَّضْيِيعِ وَالتَّفْرِيطِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْعُوَ بِتَعْجِيلِ مَيْتَةٍ لَمَّا خَشِيَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ تَضْيِيعٌ أَوْ تَفْرِيطٌ لِضَعْفِ قُوَّتِهِ وَانْتِشَارِ رَعِيَّتِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَهَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدٌ بِالْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَإِنَّمَا دُعَاءُ عُمَرَ بِالْمَوْتِ خَوْفَ التَّفْرِيطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ «دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا أَرَدْت بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ» وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ لَعَلَّهُ قَدْ اسْتَشْعَرَ إجَابَةَ دَعْوَتِهِ فَخَطَبَ النَّاسَ مُعَلِّمًا لَهُمْ بِمَا خَافَ إشْكَالَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمُذَكِّرًا لَهُمْ وَوَاعِظًا وَمُوَدِّعًا قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ سُنَّتْ لَكُمْ السُّنَنُ وَفُرِضَتْ لَكُمْ الْفَرَائِضُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسُّنَنِ طُرُقَ الشَّرِيعَةِ وَأَحْكَامَهَا وَبِالْفَرَائِضِ الْمُقَدَّرَاتِ قَالَ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ يُرِيدُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْوَاضِحَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ عَلَى مَالِكِهَا ضَلَالًا إلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَهْلَ الْعِلْمِ مُحَذِّرًا لَهُمْ عَنْ أَنْ يَضِلُّوا بِالنَّاسِ فَيَحْمِلُهُمْ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقَةِ الْوَاضِحَةِ عَلَى حَسْبِ مَا يَفْعَلُ الضَّالُّ عَنْ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ عَنْ شِمَالِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى عَلَى مَعْنَى

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ وَلَدَتْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطْعِ لِكَلَامِهِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ مَا قَالَهُ أَمْرٌ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ لَا اعْتِرَاضَ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضْرِبَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَوْ يُزِيلَهَا عَنْهَا إلَى جَانِبٍ عَلَى سَبِيلِ أَنْ يَضِلَّ الْعُلَمَاءُ بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تَهْلِكُوا بِالْإِنْكَارِ لَهَا وَالِاعْتِرَاضِ عَنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِنْكَارِ لِنُزُولِهَا فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْإِنْكَارَ لِبَقَاءِ حُكْمِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعِيبَ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَمْ تَنْزِلْ آيَةُ الرَّجْمِ بِقُرْآنٍ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَعِيبَ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُ الرَّجْمَ جُمْلَةً إنْ كَانَ أَنْكَرَهُ أَحَدٌ، وَزَعَمَ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا الْجَلْدُ لَلْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ الرَّجْمِ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الرَّجْمِ خَاصَّةً وَالرَّدَّ عَلَى مُنْكِرِهِ مِنْ التَّمْثِيلِ لِمَا عَابَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتِثَالًا لِآيَةِ الرَّجْمِ وَرَجَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتهَا بِيَدِي يُرِيدُ آيَةَ الرَّجْمِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ ابْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا خَالَفُوهُ فِي أَنَّ آيَةَ الرَّجْمِ نَزَلَتْ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُ قُرْآنٍ إلَّا بِإِجْمَاعٍ وَخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ فَيَقُولُ مَنْ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ بِقَوْلِ زَادَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَمَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَقُولَ زَادَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِي إثْبَاتِهِ. وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ وَافَقُوهُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنْ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ إلَّا مَا ثَبَتَتْ تِلَاوَتُهُ دُونَ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَإِنْ بَقِيَ حُكْمُهُ فَيَكُونُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ إثْبَاتِهَا بِيَدِهِ فِي الْمُصْحَفِ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ كَتَبَ فِيهِ مَا لَا يُكْتَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نُسِخَ إثْبَاتُهُ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْآيَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ إقْبَالَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ بِأَمْرِ الْقُرْآنِ، وَالْمَنْعَ مِنْ أَنْ يُزَادَ فِيهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمُصْحَفِ أَوْ يَنْقُصْ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَتْ الزِّيَادَةُ فَبِأَنْ يُمْنَعَ النَّقْصُ أَوْلَى لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تُمْنَعُ لِئَلَّا يُضَافَ إلَى الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَنَقْصُ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَإِطْرَاحُهُ أَشَدُّ، وَلَعَلَّ مَا أُضِيفَ إلَى أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ إثْبَاتِ الْقُنُوتِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْمُصْحَفِ إنَّمَا كَانَ فِي أَوَّلِ زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ وَقَعَ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَثْبَتَ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ مِمَّا قَرَأَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ؛ إمَّا لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ نُسِخَ؛ أَوْ لِأَنَّهُ وُهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَقُمْ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فَنَظَرَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ وَإِنْ زَالَ عَنْهُ بَعْضُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَجَمِيعُ النَّاسِ عَلَى الْمُتَوَاتِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَاسْتَوْعَبَ الْمُصْحَفُ الَّذِي أَثْبَتَهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ، وَنَفَى عَنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّنَ أَنَّ خُطْبَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَبَيْنَ يَدَيْ مَنِيَّتِهِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ سَمِعْت أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالثَّيِّبَةَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُحْصَنَ وَالْمُحْصَنَةَ؛ لِأَنَّ الثُّيُوبَةَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ بِهَا الْإِحْصَانُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْأَحْرَارُ وَالْحَرَائِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْعَزِيزِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] . وَقَالَ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَالْحَمْلُ يَكُونُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَا رَجْمَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي أَثَرِهَا فَوَجَدَهَا قَدْ رُجِمَتْ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَلَيْهِ الرَّجْمُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ وَلَدَتْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ نُكِحَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَمْلٌ إلَّا عَنْ وَطْءٍ يَلْتَقِي فِيهِ الْخِتَانَانِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إمَّا لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهَا إذْ يَقْتَضِي اعْتِقَادُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ حَمْلٌ مِنْ جِمَاعٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى نِكَاحِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ فِرَاشٌ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ نِكَاحٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ لِمَوْتٍ يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ، وَإِنَّمَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ لِمُدَّةٍ قَدْ لَا يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ لِانْقِضَاءِ أَكْثَرِ أَمَدِ الْحَمْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ مِنْ زِنًا وَكَانَتْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ بِنَاءُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ زَوْجٌ أَوَّلٌ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا زَنَتْ فِي وَقْتِ بَكَارَةٍ فَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا إلَّا الْجَلْدَ، وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ بَعْدَ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِهَا حِينَ وُقُوعِ الْجِمَاعِ دُونَ وَقْتِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ الْمَجْلِسَ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ بِرَجْمِهَا، وَأَنَّهُ أُعْلِمَ بِالْأَمْرِ فَبَادَرَ إنْكَارَهُ وَإِظْهَارَ مَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَمَدَيْ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَبَيَّنَ أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعَةِ عَامَانِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ أَمَدِ الْحَمْلِ، فَإِنَّنَا نُعَايِنُ مُشَاهَدَةً أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ السِّتَّةُ أَشْهُرٍ أَقَلَّ أَمَدِ الْحَمْلِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَبَعَثَ عُثْمَانُ فِي أَثَرِهَا فَوَجَدَهَا قَدْ رُجِمَتْ يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَمَّا أَمَرَ بِهِ مِنْ رَجْمِهَا لَمَّا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ فَوَجَدَهَا قَدْ نُفِّذَ فِيهَا مَا كَانَ أَمَرَ بِهِ مِنْ رَجْمِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ إلَى مَا هُوَ عِنْدَهُ أَصْوَبُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا إنْ كَانَ رَأَى أَنَّ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَجْهًا سَائِغًا مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ رَأَى أَنَّهُ كَانَ خَطَأً فَعَادَ إلَى الصَّوَابِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَدَّى دِيَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ فِي الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ يُرْجَمُ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِالنَّارِ فَفَعَلَ وَفَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي زَمَانِهِ وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَانِهِ وَالسُّدِّيُّ بِالْعِرَاقِ وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا لَمْ يُخْطِئْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ مِائَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمَا يُرْجَمَانِ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا قَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ الرَّجْمُ هِيَ الْعُقُوبَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْمِ لُوطٍ وَلِأَنَّ هَذَا فَرْجٌ لِآدَمِيٍّ فَتَعَلَّقَ الرَّجْمُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ كَالْقُبُلِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَا يُسْتَبَاحُ بِوَجْهٍ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ أُشَقُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْقُبُلِ، وَلِأَنَّهُ إيلَاجٌ لَا يُسَمَّى زِنًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِحْصَانُ كَالْإِيلَاجِ فِي الْبَهِيمَةِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَقَدْ قِيلَ يُرْجَمَانِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ الْعَبْدَانِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَيُؤَدَّبُ الْكَافِرَانِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُتَسَاحِقَانِ مِنْ النِّسَاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ

[ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا]

مَا جَاءَ فِيمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِّبَ بِهِ وَلَانَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجُلِدَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجُلِدَ الْحَدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ فِي عُقُوبَتِهِمَا حَدٌّ، وَذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ سَمِعْت رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ يُجْلَدَانِ مِائَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَّا بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْمَرْأَتَيْنِ فَلَزِمَ بِهِ التَّعْزِيرُ قَالَ أَصْبَغُ يُجْلَدَانِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَنَحْوَهَا، وَهَذَا التَّعْزِيرُ عِنْدِي عَلَى مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي دُبُرٍ فَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ الزَّانِي يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ مِنْهُمَا وَيُجْلَدُ، وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَحَدُ فَرْجَيْ الْمَرْأَةِ كَالْقُبُلِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ اللِّوَاطِ يُرْجَمَانِ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ فِي دُبُرٍ كَالرَّجُلَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللِّوَاطِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الرَّجْمُ مِنْ غَيْرِ قِصَاصٍ فَلَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ كَالزِّنَا. [مَا جَاءَ فِيمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَا تَكَرَّرَ إقْرَارُهُ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ مِنْ صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَلْدِهِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ فَدَعَا بِسَوْطٍ لِيَجْلِدَهُ بِهِ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ فَقَالَ فَوْقَ هَذَا يُرِيدُ أَجَدَّ مِنْهُ وَأَصْلَبَ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ الثَّمَرَةُ الطَّرَفَ يُرِيدُ أَنَّ طَرَفَهُ مُحَدَّدٌ لَمْ تَنْكَسِرْ حِدَّتُهُ وَلَمْ يَخْلَقْ بَعْدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دُونَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِّبَ بِهِ وَلَانَ» يُرِيدُ قَدْ انْكَسَرَتْ حِدَّتُهُ، وَلَمْ يَخْلَقْ وَلَا بَلَغَ مِنْ اللِّينِ مَبْلَغًا لَا يَأْلَمُ مَنْ ضُرِبَ بِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْلَدُ بِسَوْطَيْنِ وَالضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الضَّرْبُ فِي الزِّنَا أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَشَدُّهَا فِي التَّعْزِيرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ إنْ جُلِدَ فِي الْقَذْفِ جُلِدَ فِي حَدٍّ فَأَشْبَهَ جَلْدَ الزِّنَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَاعِدًا وَلَا يُقَامُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ أَنَّهُ يُقَامُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ شَخْصٌ وَجَبَ حَدُّهُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ كَالْمَرْأَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا وَلَا يَقِيهَا الضَّرْبَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجَرَّدُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَهَذَا يَقْتَضِي مُبَاشَرَتَهُمْ بِالضَّرْبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَدٌّ فَوَجَبَ إعْرَاءُ الرَّجُلِ فِيهِ كَحَدِّ الزِّنَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْجَلْدُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الظَّهْرِ وَمَا قَالَ بِهِ خِلَافًا فَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا يَضْرِبُ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ الرَّأْسَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ إتْلَافَ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهَا مَا يُخَافُ إفْسَادُهُ بِالضَّرْبِ فِيهِ وَالظَّهْرُ أَصْلٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مَحَلًّا لَهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجُلِدَ الْحَدَّ

ثُمَّ نُفِيَ إلَى فَدَكَ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تَثْبُتُ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِمَّا بِاعْتِرَافٍ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى اعْتِرَافِهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ مَالِكٌ: الَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ إذَا زَنَوْا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ نُفِيَ إلَى فَدَكَ) (ش) : أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَمْ يُحْصِنْ أَنْ يُجْلَدَ ثُمَّ نَفَاهُ إلَى أَنَفْذَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجْرِي أَنْ يُنْفَى الزَّانِي إلَى فَدَكَ وَنَحْوِهَا. (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَعْتَرِفُ بِالزِّنَا ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَقُولُ إنَّمَا قُلْته لِوَجْهِ كَذَا الْمَعْنَى يَذْكُرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُقَالُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَعْتَرِفُ بِالزِّنَا لَا يُنْتَظَرُ بِهِ شَيْءٌ وَلَكِنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الِاعْتِرَافِ أُنْفِذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِرَافِ إلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْزِعَ إلَى وَجْهٍ أَوْ إلَى غَيْرِ وَجْهٍ فَإِنْ رَجَعَ إلَى وَجْهٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَصَبْت امْرَأَتِي حَائِضًا أَوْ جَارِيَتِي وَهِيَ الَّتِي مِنْ الرَّضَاعَةِ فَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ زِنًا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ أَنَّهُ يُقَالُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا بِأَمْرٍ يُعْذَرُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ بِقَوْلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ إذَا رَجَعَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَةَ وَجْهِهِ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى» وَمَا رُوِيَ «عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأُنَيْسٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْنًى يَجِبُ عَلَيْهِ بِثُبُوتِهِ حَدُّ الزِّنَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِكْذَابِهِ كَالشَّهَادَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا رَجَعَ قَبْلَ ابْتِدَاءِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَإِنْ شُرِعَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ نَزَعَ بَعْدَ أَنْ جُلِدَ أَكْثَرَ الْحَدِّ أُقِيلَ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ يُعَزَّرْ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقَالُ إلَّا أَنْ يُوَرِّكَ فَيُقَالُ مَا لَمْ يُضْرَبْ أَكْثَرَ الْحَدِّ فَيُتِمُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرِكَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «مَاعِزٍ أَنَّهُ لَمَّا أَزْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ حَمِرَ فَرَمَاهُ بِصُلْبِ جَمَلٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا تَرَكْته لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَبِهَذَا احْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ مَعَ التَّوْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَدُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ لِذَلِكَ أَوَّلًا وَلَا آخِرًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ تَثْبُتُ عَلَى صَاحِبِهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إمَّا بِإِقْرَارٍ لَا رُجُوعَ فِيهِ حَتَّى يُحَدَّ أَوْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عُدُولٍ عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ حَمْلٍ يَظْهَرُ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ طَارِئَةٍ لَا يُعْرَفُ لَهَا نِكَاحٌ وَلَا مِلْكٌ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ مَالِكٌ حَتَّى يَقُولُوا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ زَنَى، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى مَا وَصَفُوا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) إذَا كَمُلَ عَدَدُ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُمْ حُدَّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ وَصَاحِبَهُ لَمَّا تَوَقَّفَ زِيَادٌ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا الْمَضَرَّةَ عَلَيْهِ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِ بِسَبَبٍ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَكَانُوا قَذْفَةً كَمَنْ

[جامع ما جاء في حد الزنا]

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إنْ زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ فَقَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَذَفَهُ ابْتِدَاءً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُكْمِهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ، ثُمَّ جَاءَ الْبَاقُونَ فَشَهِدُوا بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَهُمْ قَذْفَةٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالشَّافِعِيِّ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ مُجْتَمِعِينَ وَمُفْتَرِقِينَ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْقَاذِفَ، وَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إذَا لَمْ يَتِمَّ شَهَادَتُهُمْ بِأَنْ جَهِلَ فَجَاءَ الْقَاذِفُ الْيَوْمَ بِشَاهِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ وَأَتَى بِبَاقِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ زَنَى حَتَّى تَتِمَّ أَرْبَعَةً مُفْتَرِقِينَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُحَدُّ الزَّانِي قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَتَى رَجُلٌ الْإِمَامَ فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ زَنَى فَلْيُجْلَدْ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةٍ سِوَاهُ فَإِنْ ذَكَرَ أَرْبَعَةً حُضُورًا أَوْ قَرِيبًا غِيبَتُهُمْ تَوَثَّقَ مِنْهُ وَكُلِّفَ أَنْ يَبْعَثَ فِيهِمْ، وَإِنْ ادَّعَى بِبَيِّنَةٍ بَعِيدَةٍ حُدَّ، ثُمَّ إنْ جَاءَ بِهِمْ حَبِطَتْ عَنْهُ جُرْحَةُ الْقَذْفِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ كَمَالَ الْعَدَدِ لَوْ لَمْ يُضَمَّ إلَى شَهَادَةِ الشُّهُودِ كَانَ قَذْفًا فَوَجَبَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا أَصْلُ ذَلِكَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ جَاءُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُفْتَرِقِينَ إذَا كَانَ افْتِرَاقُهُمْ قَرِيبًا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ قَوْلِهِمَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آخِرًا فَرْقٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ الْإِمَامَ يُبِيحُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ تَعُمُّ شَهَادَتُهُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَلْزَمُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ هُمْ الْقَائِمِينَ بِالشَّهَادَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا تَعَلَّقُوا بِهِ وَأَتَوْا بِهِ السُّلْطَانَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذْفَةٌ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافَ هَذَا يُرِيدُ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا أَنَّهُ زَنَى فِي بَيْتٍ إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ يَزْنِي فِي غَيْرِ الزَّاوِيَةِ الَّتِي ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُحَدُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِي الزَّاوِيَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ الزِّنَا فِي الزَّاوِيَةِ الْأُخْرَى فَلَمْ تَكْمُلْ بِذَلِكَ شَهَادَةٌ، وَلَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ إنْ اخْتَلَفَتْ الْبَيِّنَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: زَنَى بِهَا فِي غَرْفَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي سُفْلٍ أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مُنْكَبَّةً وَقَالَ سَائِرُهُمْ: مُسْتَلْقِيَةً أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْلًا وَقَالَ سَائِرُهُمْ نَهَارًا، أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمَ كَذَا وَقَالَ سَائِرُهُمْ يَوْمًا آخَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّاعَاتِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَحُدُّوا فِي الْقَذْفِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ اخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ لَمْ تَبْطُلْ الشَّهَادَةُ قَالَ: وَانْظُرْ إنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْهُ وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ لَمْ يَضُرَّهُمْ اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ مَعَ ذِكْرِهِمْ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَا] (ش) : قَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَلَمْ تُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ تُحْصِنَ الْإِحْصَانَ الَّذِي يُوجِبُ الرَّجْمَ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْحُرِّيَّةَ أَيْضًا مَعَ مَعَانٍ أُخَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ، وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَ جَلَدْنَا وَلَائِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ مُتَزَوِّجَيْنِ أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَيْنِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا إنْ لَمْ يَكُونَا تَزَوَّجَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ فَاجْلِدُوهَا» . 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُجْلَدُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ بَقِيَّةٌ مِنْهُ نِصْفَ جَلْدِ الْحُرِّ فِي الزِّنَا خَمْسِينَ جَلْدَةً خِلَافًا لِمَنْ رَوَى عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُحْصَنَاتُ الْحَرَائِرُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْأَئِمَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلسَّادَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى عَبْدِهِ أَوْ عَلَى أَمَتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ إلَّا الْإِمَامُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَمْلِكُ تَزْوِيجَ شَخْصٍ بِغَيْرِ قَرَابَةٍ وَلَا وِلَايَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا ثَبَتَ زِنَا الْعَبْدِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِعِلْمِ السَّيِّدِ فَهَلْ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا جَوَازُ ذَلِكَ وَالْأُخْرَى مَنْعُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ الضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَسُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هَلْ تُبَاعُ بِبَلَدِهَا ذَلِكَ أَوْ تُغَرَّبُ فَقَالَ يَبِيعُهَا بِذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ، قَالَ وَكَانَ يُسْتَحَبُّ بَيْعُهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَا يُوجِبُهُ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ ذَلِكَ تَحْضِيضٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا مِنْ رَجْمٍ وَجَلْدٍ وَتُرَدُّ هِيَ إلَى أَهْلِ ذِمَّتِهَا وَدِينِهَا، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ إذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ فَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَيْشِ أَمِيرُ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ زَنَى فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَصْلُهُ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (ش) : وَقَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ الْعَبْدَ الَّذِي اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ الرَّقِيقِ وَنَفَاهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ رَأْيَ مَنْ يَرَى النَّفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ بِالزِّنَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَفَاهُ لِمَا اقْتَرَفَ مِنْ الزِّنَا وَمِنْ الِاسْتِكْرَاهِ وَلَا تَغْرِيبَ عَلَى عَبْدٍ عِنْدَ مَالِكٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِنَفَاهُ أَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ أَرْضِهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْعَبْدِ يَسْتَكْرِهُ الْحُرَّةَ يُحَدُّ وَيُبَاعُ بِغَيْرِ أَرْضِهَا لِتَبْعُدَ عَنْهَا مَعَرَّتُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الزِّنَا لَمْ يُسْتَقْصَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُهُ كَالرَّجْمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِالِاسْتِكْرَاهِ لَهَا أَوْ تَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ تَدْمَى، وَأَمَّا لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ يُقِرُّ بِوَطْئِهَا فَقَالَتْ اُسْتُكْرِهْتُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَتُجْلَدُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا نَقْصُ الْأَمَةِ فَفِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الَّذِي اسْتَكْرَهَهَا، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ إنْ كَانَ بِفَوْرِ مَا فَعَلَ وَجَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ تَدْمَى، وَأَمَّا فِيمَا بَعُدَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَمَا كَانَ فِي جَسَدِهِ مِنْ حَدٍّ يُقَامُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ.

[ما جاء في المغتصبة]

مِنْ وَلَائِدِ الْإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا) . مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ تُوجَدُ حَامِلًا وَلَا زَوْجَ لَهَا فَتَقُولُ: اُسْتُكْرِهْتُ أَوْ تَزَوَّجْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ مِنْ النِّكَاحِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا اُسْتُكْرِهَتْ أَوْ جَاءَتْ تَدْمَى إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ اسْتَغَاثَتْ حَتَّى أُتِيَتْ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي تَبْلُغُ بِهِ فَضِيحَةَ نَفْسِهَا قَالَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي الْقَذْفِ وَالنَّفْيِ وَالتَّعْرِيضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فَسَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَدْرَكْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَالْخُلَفَاءَ هَلُمَّ جَرَّا فَمَا رَأَيْت أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَنِي فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَجْلِدُونَ وَلَائِدَ الْإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا وَفِي الْمَزنِيَّةِ سَأَلْته عَنْ أَمْرِهِ لِلْجَمَاعَةِ أَلِيَكُونُوا طَائِفَةً أَمْ لِيَلُوا ضَرْبَهُمْ، فَقَالَ بَلْ هُمْ الَّذِينَ جَلَدُوهُمْ وَكَانُوا أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ طَائِفَةً، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إحْضَارُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَالطَّائِفَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ اثْنَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ لِلْأَرْبَعَةِ مِنْ الْجَمَاعَةِ اخْتِصَاصًا بِالزِّنَا فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مَا سُنَّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْضِرَ أَرْبَعَةً فَصَاعِدًا مِنْ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ وَكَذَلِكَ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدْ شَاهَدَ إقْرَارَ الْوَلَائِدِ بِالزِّنَا أَوْ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِنَّ بِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ دُونَ أَنْ يَعْرِفُوا وَجْهَ الْحَدِّ عَلَيْهِنَّ وَفِي الْمَزنِيَّةِ سَأَلْته فِيمَنْ أَمَرَهُ إمَامٌ بِقَتْلِ رَجُلٍ فِي حَدٍّ أَوْ بِجِلْدِهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا مَأْمُونًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ جَوْرٌ وَلَا جَهْلٌ فَلْيَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ جَهْلًا أَوْ جَوْرًا فَلَا يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ الْإِمَامُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلْيَمْتَثِلْ أَمْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَلَدْنَاهُمْ خَمْسِينَ خَمْسِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ اتَّفَقَ فِيهِ اجْتِمَاعُ إقْرَارِهِنَّ أَوْ سَبَبٌ بِإِقْرَارِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إقْرَارُ سَائِرِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ] (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا كُلِّهِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْمُغْتَصَبَةُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ قَالَ فَإِنْ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فَلَا تُنْكَحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ) . (ش) : قَوْلُهُ وَالْمُغْتَصَبَةُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ يُرِيدُ الْحُرَّةَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَأْسِرُهَا الْعَدُوُّ، فَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّ حَيْضَةً وَاحِدَةً تُبْرِئُهَا إلَّا أَنْ تَرْتَابَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي رِزْمَةِ النِّكَاحِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَا جَاءَ فِي الْقَذْفِ وَالنَّفْيِ وَالتَّعْرِيضِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ الْفِرْيَةُ هِيَ الرَّمْيُ وَحَدُّ الْحَدِّ فِيهِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَرَأَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ كَحَدِّ الْحُرِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَالْخُلَفَاءُ إلَى زَمَنِهِ كَانُوا يَجْلِدُونَ الْعَبْدَ فِي الْقَذْفِ أَرْبَعِينَ نِصْفَ الْحُرِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ مِنْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَكَانَ حَدُّ الْعَبْدِ فِيهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مِصْبَاحٌ اسْتَعَانَ ابْنًا لَهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَبْطَأَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ يَا زَانٍ، قَالَ زُرَيْقٌ فَاسْتَعْدَانِي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَجْلِدَهُ قَالَ ابْنُهُ: وَاَللَّهِ لَئِنْ جَلَدْته لَأُبَوِّأَنَّ عَلَى نَفْسِي بِالزِّنَا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ فَكَتَبْت فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ أَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَجْزِ عَفْوَهُ قَالَ زُرَيْقٌ وَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا أَرَأَيْت رَجُلًا افْتَرَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَالَ فَكَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ إنْ عَفَا فَأَجْزِ عَفْوَهُ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ افْتَرَى عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَخُذْ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمُفْتَرَى عَلَيْهِ يَخَافُ إنْ كَشَفَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْت فَعَفَا جَازَ عَفْوُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَحَدِّ الزِّنَا. (ش) : قَوْلُ مِصْبَاحٍ لِابْنِهِ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ يَا زَانٍ قَذْفٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا زَانٍ فَإِنَّهُ قَاذِفٌ لَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاذِفِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهُ زَانٍ فِي الْجَبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ صَاعِدٌ إلَيْهِ، يُقَال زَنَأْت فِي الْجَبَلِ إذَا صَعِدْت إلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا كَانَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ وَلَمْ يَقُلْهُ مُشَاتَمَةً قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُرِيدُ أَصْبَغُ وَيَحْلِفُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاسْتَعْدَانِي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَجْلِدَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الْأَبَ يُجْلَدُ لِقَذْفِ ابْنِهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقَذْفِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْأَبُ لَهُ أَصْلًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ يُقْتَلُ بِهِ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِقَذْفِهِ إذَا كَانَ مُحْصَنًا أَصْلُ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يُقْتَلُ الْأَبُ بِابْنِهِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُحَدُّ الْأَبُ لِابْنِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ عَدَالَةَ الِابْنِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وَهَذَا يَضُرُّ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ الْأَبُ لِابْنِهِ فِي مُنَازَعَةٍ أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِي وَطَلَبَتْ الْأُمُّ أَوْ وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ الْحَدَّ، وَقَدْ كَانَ فَارَقَهَا فَعَفَا وَلَدُهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ قَذْفًا وَمَا قَالَهُ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلَدِي لَمْ يَصْنَعْ مَا صَنَعَ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهِ ثَابِتٌ إنْ لَمْ يَحْلِفْ، وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الْوَلَدِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَأَمَّا الْجَدُّ وَالْعَمُّ وَالْخَالُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُحَدُّونَ لَهُ فِي الْفِرْيَةِ إنْ طَلَبَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ أَعْظَمُ حَقًّا مِنْهُمْ، وَهُوَ يُحَدُّ لِلِابْنِ فَبِأَنْ يُحَدَّ هَؤُلَاءِ أَوْلَى عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُقْتَلُ بِهِ فَكَذَلِكَ يُحَدُّونَ لَهُ، وَأَمَّا أَنْ يَشْتُمُوهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْأَخَ مِثْلَهُمْ إذَا شَتَمَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ عَلَيْهِ رُتْبَةً بِالْإِدْلَاءِ بِالْأَبَوَيْنِ فَكَانَ لَهُمْ تَأْدِيبُهُ بِالْقَوْلِ وَتَعْلِيمُهُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الِابْنِ لَئِنْ جَلَدْته لَأُبَوِّأَنَّ عَلَى نَفْسِي يُرِيدُ الْعَفْوَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْقَاطَ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ مُتَوَلِّي الْحُكْمِ أَقَرَّ بِالزِّنَا فَأَسْقَطَ عَنْ أَبِيهِ بِذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ زُرَيْقَ بْنَ حَكِيمٍ كَانَ يَرَى أَنَّ عَفْوَ الْمَقْذُوفِ عَنْ الْقَاذِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْوَلَدِ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يُرِدْ سَتْرًا بِهِ، كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى زُرَيْقٍ إذْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَأَمَّا عَفْوُهُ عَنْ جَدِّهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْ جَدِّهِ لِأَبِيهِ وَإِنْ بَلَغَ الْإِمَامَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَدِّهِ لِأُمِّهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَدَّ لِلْأَبِ مُدْلٍ بِالْأَبِ وَيُوصَفُ بِالْأُبُوَّةِ، وَأَمَّا الْجَدُّ لِلْأُمِّ فَلَا يُوصَفُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الْأَبِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَفْوُ الْأَبِ عَنْ ابْنِهِ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا، وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْإِشْفَاقَ قَدْ يَحْمِلُهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ إيقَاعِ الْحَدِّ بِهِ عَلَى أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا قَذَفَهُ بِهِ فَيَقَعُ فِيمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَذْفِ. (فَصْلٌ) : وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ اُفْتُرِيَ عَلَيْهِ إنْ عَفَا فَأَجْزِ عَفْوَهُ فِي نَفْسِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَذَفَ قَوْمًا جَمَاعَةً أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَفَرَّقُوا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبُلُوغِ الْإِمَامِ جَائِزٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْأَبِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ الْعَفْوَ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا قَالَ ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَلَمْ يُجِزْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَقْذُوفِ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَكَانَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ كَالدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْعَفْوُ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَجَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَهُ الْقِيَامُ بِهِ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ سَتْرًا، وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ فَلَزِمَ الْعَفْوُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِالْقِيَامِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ يَجُوزُ الْقِيَامُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَفْوُ فِيهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَحَدِّ الزِّنَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ افْتَرَى عَلَى أَبَوَيْهِ وَقَدْ هَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَخُذْ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يَجُوزُ الْعَفْوُ يُرِيدُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إذَا قَذَفَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا قَذَفَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَقَدْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَ الْإِمَامَ الْقِيَامُ بِالْحَدِّ، وَإِلَّا حُدَّ لِلْمَقْذُوفِ بِهِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَفْوُ بَعْضِ الْقَائِمِينَ بِهِ بِخِلَافِ وُلَاةِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بَدَلًا مِنْ الْمَالِ وَالدَّمُ بَدَلٌ مِنْ الْمَالِ فَيَنْتَقِلُ بَعْضُ مَنْ قَامَ بِالدَّمِ إلَيْهِ إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا قَالَ مَالِكٌ قَدْ ضُرِبَ الْحَدَّ فَخَافَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْآنَ فَأَمَّا إنْ عَمَلَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي قَذْفٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا فِي الدَّمِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عَفْوِ الْمَقْذُوفِ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ قَالَ أَرَدْت سَتْرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنْ خَافَ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَجَازَ عَفْوَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُجِزْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَازَ عَفْوُهُ وَلَا يُكَلَّفُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَرَدْت سَتْرًا، وَأَمَّا الْعَفِيفُ الْفَاضِلُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْقَاذِفُ يُعْطِي الْمَقْذُوفَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُجْلَدُ الْحَدَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِمَالٍ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلِلْمَقْذُوفِ أَنْ يَكْتُبَ بِهِ كِتَابًا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ قَامَ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنِّي لَأَكْرَهُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُقِيمُ الْحَدَّ وَلَا يُؤَخِّرُهُ، وَقَدْ رَأَيْت لِمَالِكٍ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ هَذَا يُشْبِهُ الْعَفْوَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَاذِفِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، ثُمَّ أَكْذَبَهُمْ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُحَدُّ الْقَاذِفُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَدِّ كَالْعَفْوِ، وَإِذَا صَدَقَ الْقَاذِفُ فَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ حُدَّ، وَلَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ فَقَدْ دَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ وَدُرِئَ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي قَاذِفِ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ سَوَاءٌ قَذَفَهُمْ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُفْتَرِقِينَ فَحُدَّ لَهُمْ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَذَلِكَ لِكُلِّ قَذْفٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَاَللَّهِ مَا أَبِي بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ قَائِلٌ مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَامَ طَالِبُوهُ أَوْ لَمْ يَقُومُوا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ فَتَدَاخَلَ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهَا لَا تَتَدَاخَلُ، وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ قَذَفَ قَوْمًا وَشَرِبَ خَمْرًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ لِذَلِكَ حَدٌّ وَاحِدٌ قَالَ عِيسَى يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ مُسْتَخْرَجٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْحَدَّيْنِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ تَدَاخَلَا كَالْحَدَّيْنِ سَبَبُهُمَا وَاحِدٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَذَفَ فَحُدَّ فِي الْقَذْفِ فَلَمْ يَكْمُلُ جَلْدُهُ حَتَّى قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ كَانَ مَضَى مِثْلُ السَّوْطِ وَالْأَسْوَاطِ الْيَسِيرَةِ قَالَ أَشْهَبُ وَالْعَشَرَةُ الْأَسْوَاطِ يَسِيرَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى وَيُجْزِيهِ لَهُمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا جُلِدَ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْئًا، ثُمَّ قَذَفَ ثَانِيًا فَإِنَّهُ يَأْتَنِفُ مِنْ حِينِ الثَّانِيَةِ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَإِنْ بَقِيَ مِثْلُ سَوْطٍ أَوْ أَسْوَاطٍ أَتَمَّ، ثُمَّ ابْتَدَأَ حَدًّا ثَانِيًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا أَيْسَرُ الْحَدِّ مِثْلُ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ فَلْيُتِمَّ الْحَدَّ ثُمَّ يُؤْتَنَفُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ ضُرِبَ نِصْفَ الْحَدِّ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ قَلِيلًا فَلْيُؤْتَنَفْ حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ مَضَى مِثْلُ الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ وَنَحْوِهِمَا ابْتَدَأَ لَهُمَا فَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ إذَا ذَهَبَ الْيَسِيرُ تَمَادَى وَأَجْزَأَ الْحَدُّ لَهُمَا، وَقِسْمٌ ثَانٍ إذَا مَضَى نِصْفُ الْحَدِّ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ اُسْتُؤْنِفَ لَهُمَا فَكَانَ مِنْ حَدِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يُتِمُّ لِلْمَقْذُوفِ الثَّانِي بَقِيَّةَ حَدِّهِ مِنْ حِينِ قُذِفَ، وَقِسْمٌ ثَالِثٌ أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا الْيَسِيرُ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْحَدَّ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَتَى مَضَى شَيْءٌ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُسْتَأْنَفُ مِنْ حِينِ الْقَذْفِ الثَّانِي لَهُمَا وَلَا يَحْسِبُ بِمَا مَضَى مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَبْقَى الْيَسِيرُ فَيُتِمُّ حَدَّ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْحَدَّ لِلثَّانِي فَلَا يَتَدَاخَلُ الْحَدَّانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَذَفَ مَجْهُولًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرُوِيَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَحَدُكُمْ زَانٍ وَابْنُ زَانِيَةٍ فَلَا يُحَدُّ إذْ لَا يُعْرَفُ مَنْ أَرَادَ، وَإِنْ أَقَامَ بِهِ جَمِيعُهُمْ فَقَدْ قِيلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِالْبَيَانِ أَنَّهُ أَرَادَهُ، وَلَوْ عُرِفَ مَنْ أَرَادَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ حَدَّ الْمَقْذُوفِ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَلِيُّهُ فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَصِحَّ قِيَامُ أَحَدٍ بِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِهِ عِنْدَهُ مَنْ هُوَ وَلِيٌّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَمِعَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَهُ فَإِذَا قَامَ بِهِ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ الْقَائِمِ بِهِ الْعَفْوُ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَوْجَ الزَّانِيَةِ وَتَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَعَفَتْ إحْدَاهُمَا وَقَامَتْ الْأُخْرَى تَطْلُبُهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ إلَّا الَّتِي عَفَتْ، وَيَبْرَأُ فَإِنْ نَكَلَ حُدَّ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَفْوَ الْمَقْذُوفِ قَبْلَ الْقِيَامِ لَازِمٌ لَهُ وَجَائِزٌ عَلَيْهِ فَلَمَّا عَفَتْ إحْدَاهُمَا عَنْهُ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ قَامَتْ الثَّانِيَةُ، وَكَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا أَنَّهُ أَرَادَهَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَهَا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُدَّ لِلَّتِي قَامَتْ، وَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ قَذْفُهُ لِلَّتِي عَفَتْ فَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ. (فَرْعٌ) وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ إحْدَاهُمَا إنْ قَامَتْ وَقَدْ عَفَتْ الْأُخْرَى حَلَفَ لَهَا وَإِلَّا حُدَّ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْقَائِلِ لِجَمَاعَةٍ أَحَدُكُمْ زَانٍ إنْ قَامَ بِهِ أَحَدُهُمْ فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِالْبَيَانِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَرَادَهُ، وَإِنْ قَامَ جَمِيعُهُمْ فَقَدْ قِيلَ لَا يُحَدُّ لَهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ خَرَجُوا بِكَثْرَتِهِمْ عَنْ حَدِّ التَّعْيِينِ، وَأَنَّ الِاثْنَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُتْبِيَّةِ وَمَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيِّزِ الْمُعَيَّنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا حَدَّ عِنْدَنَا إلَّا فِي نَفْيٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ تَعْرِيضٍ يَرَى أَنَّ قَائِلَهُ إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيًا أَوْ قَذْفًا فَعَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْحَدُّ تَامًّا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لِلْآخَرِ وَاَللَّهِ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ، وَالْمَفْهُومُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ هَذَا إضَافَةُ مِثْلِ هَذَا إلَى أُمِّ الْمَسْبُوبِ وَفَجْرُهُ عَلَيْهِ بِسَلَامَةِ أُمِّهِ بِذَلِكَ مَعَ شَاهِدِ الْحَالِ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّ الْمَسْبُوبِ مَعِيبَةٌ بِذَلِكَ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي السَّلَامَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَقْتَ ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مَزِيَّةً لِلسَّابِّ عَلَى الْمَسْبُوبِ، وَلَمَّا كَانَ اللَّفْظُ فِيهِ بَعْضُ احْتِمَالٍ، وَيَحْتَاجُ فِي كَوْنِهِ قَذْفًا إلَى نَوْعٍ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ التَّأْوِيلِ أَوْ الْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ اسْتَشَارَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ فَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَقَالَ مَدَحَ أَبَاهُ، وَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِالْمَفْهُومِ مِنْهُ مَعَ شَاهِدِ الْحَالِ، وَقَدْ كَانَ لِأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا يُرِيدُ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ مَدْحَ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا يَمْدَحُهُ بِالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ فِي الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ إلَى وَصْفِهَا بِهَذَا الْبِرَّ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَنْ يُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الْمَعَايِبُ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ مِنْ حَالِ الْمُشَاتَمَةِ وَقَصْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ذَمِّ الْآخَرِ وَذَمِّ أَبَوَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي ذِكْرَ أَبِيهِ مِنْ الْفَضَائِلِ بِمَا يُوجَدُ فِي أَبِ مَنْ شَاتَمَهُ ضِدُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَثَالِبِ، وَلِذَلِكَ أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ حَدَّ الْقَذْفِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُجْلَدَ أَحَدٌ حَدَّ قَذْفٍ إلَّا فِي قَذْفٍ مُصَرَّحٍ أَوْ تَعْرِيضٍ أَوْ حَمْلٍ يَظْهَرُ بِامْرَأَةٍ غَيْرِ طَارِئَةٍ، وَقَدْ جَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي التَّعْرِيضِ، وَقَالَ حَقُّ اللَّهِ لَا تُرْعَى جَوَانِبُهُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِي التَّعْرِيضِ حَدٌّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَفْظٌ يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا أَصْلُهُ التَّصْرِيحُ قَالَ فَإِنْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ قَذْفًا فَقَدْ أَحَالُوا الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُفْهَمُ بِالتَّصْرِيحِ فَإِذَا لَمْ يُفْهَمْ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ عُرْفَ التَّخَاطُبِ يَنْفِي مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَ التَّعْرِيضَ بِمَا فُهِمَ مِنْهُ مَعْنَى التَّصْرِيحِ، وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُمْ قَالُوا {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ضِدَّ ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا أَنَّ الْعِلْمَ بِمَقَاصِدِ الْمُخَاطِبِ يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ ضَرُورَةً كَمَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً الْعِلْمُ بِمَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ خَجَلٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ جَزَعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اسْتِعْمَالٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفُ الْفَرْجِ وَمَا أَنَا بِزَانٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي مُشَاتَمَةٍ إنِّي لَعَفِيفٌ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ قَالَهُ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَفِيفٌ فِي الْمَكْسَبِ وَالْمَطْعَمِ فَيَحْلِفُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَنْكُلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُعَرَّضُ لَهَا بِذِكْرِ الْعَفَافِ فِي الْمَكْسَبِ، وَالرَّجُلَ يُعَرَّضُ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَنْ قَالَ فِي مُشَاتَمَتِهِ إنَّك لَعَفِيفُ الْفَرْجِ حُدَّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ قَالَ فَعَلْت بِفُلَانَةَ فِي أَعْكَانِهَا أَوْ بَيْنَ فَخِذَيْهَا حُدَّ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا قَالَ هُوَ مِنْ التَّعْرِيضِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْ التَّعْرِيضِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْجِمَاعُ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الْعَفِيفَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ يَحْلِفُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ وَيُعَاقَبُ وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ حُدَّ. (فَصْلٌ) : وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ مَا لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَقِيلَ أَلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَرَبِ فَفِيهِ الْحَدُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ إنَّمَا نَفَى صِفَةَ أَصْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفِيَ بِذَلِكَ الشَّرَفَ وَأَمَّا أَصْلُهُ فَمَحَلُّ نَفْيِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا لَهُ أَصْلٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا نَفَى رَجُلٌ رَجُلًا مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الَّذِي نُفِيَ مَمْلُوكَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيَ النَّسَبِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَنَّ الْعَرَبَ هِيَ الَّتِي تَتَمَاسَكُ بِالْأَنْسَابِ وَتُحَافِظُ عَلَيْهَا دُونَ الْعَجَمِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ يَا ابْنَ مُنْزِلَةِ الرُّكْبَانِ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ يَا ابْنَ ذَاتِ الرَّايَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْمَرْأَةُ الْبَغِيُّ تُنْزِلُ الرُّكْبَانَ، وَتَجْعَلُ عَلَى بَابِهَا رَايَةً وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا أَفْتَرِي عَلَيْك وَأَنَا أَقْذِفُك فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْفَاحِشَةَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي الْأَجَانِبِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُحَدُّ فِي التَّعْرِيضِ بِابْنِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا عُلِمَ وَجُبِلَ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْ مَحَبَّةِ الْوَلَدِ وَالْإِشْفَاقِ عَلَيْهِ وَالْحِرْصِ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَدَفْعِ الذَّمِّ عَنْهُ، يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَتَنَاوَلَ فِي لَفْظٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ وَإِضَافَةَ الْعَيْبِ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا كَمَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْ قُتِلَ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ لَقُتِلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْرَأَ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُحَدَّ الِابْنُ بِالتَّعْرِيضِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ حِرْصَ الْوَلَدِ عَلَى إطْرَاءِ الْوَالِدِ وَدَفْعِ الْمَعَايِبِ عَنْهُ أَمْرٌ جُبِلَ عَلَيْهِ الْأَبْنَاءُ كَالْأَبِ فِي حَقِّ الِابْنِ وَأَكْثَرُ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَيُحْتَمَلُ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يَنْفِي الرَّجُلَ مِنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَذَلِكَ إذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ رَمَى أُمَّهُ بِالزِّنَا وَقَطَعَ نَسَبَهُ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ عَنْ أَبِيهِ أَوْ يَنْسِبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَأَمَّا نَفْيُهُ عَنْ أَبِيهِ فَبِأَنْ يَقُولَ لَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ وَيُسَمِّي أَبَاهُ الْمَعْرُوفَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَسْت لِأَبِيك. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْقَائِلِ لِلْمُسْلِمِ لَيْسَ أَبُوك فُلَانًا يَعْنِي جَدَّهُ، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت لَيْسَ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ وَلَمْ أُرِدْ نَفْيَهُ حُدَّ وَلَمْ يُصَدَّقْ قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَهُ يَقُولُ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَيَذْكُرُ جَدَّهُ فَيَقُولُ لَيْسَ بِأَبِيك. (فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَجْهُولٍ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يُحَدَّ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَجْهُولِينَ لَا يَثْبُتُ بَيْنَهُمْ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْأَنْسَابِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ نَفَى رَجُلًا مِنْ جَدِّهِ فَقَالَ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ يُرِيدُ جَدَّهُ وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ مُشْرِكًا حُدَّ مِثْلَ نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ الْعَبْدِ أَوْ الْمُشْرِكِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ نَفَى نَصْرَانِيًّا عَنْ أَبِيهِ وَلِلنَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يَقُولَ لِلْمُسْلِمِ لَيْسَ أَبُوك فُلَانًا يَعْنِي الْجَدَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ وَجَدُّهُ مَجْهُولًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَفَى النَّصْرَانِيَّ عَنْ أَبِيهِ فَإِنَّمَا تَنَاوَلَ نَفْيُهُ قَطْعَ النَّصْرَانِيِّ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا لَا يُوجِبُهُ قَذْفُهُ وَإِنْ نَفَى الْمُسْلِمَ عَنْ نَسَبِهِ الْمَعْلُومَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِ وَقَدْ قَطَعَ نَسَبَهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَا أَبَ لَك فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّفْيَ، وَهَذَا مِمَّا يَقُولُهُ النَّاسُ عَلَى الرِّضَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الْمُشَاتَمَةِ وَالْغَضَبِ فَذَلِكَ شَدِيدٌ وَلْيَحْلِفْ مَا أَرَادَ نَفْيَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ بِاسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ النَّفْيِ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ النَّفْيِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ وَالْمُضَاجَرَةِ مَا يُقَوِّي شُبْهَةَ الْقَذْفِ أُحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَيْسَ لَك أَصْلٌ وَلَا فَصْلٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فِيهِ الْحَدُّ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَرَبِ فَفِيهِ الْحَدُّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنْ قَالَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ فَفِيهِ الْأَدَبُ الْخَفِيفُ مَعَ السَّجْنِ وَإِنْ قَالَهُ لِعَرَبِيٍّ حُدَّ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَسَبَهُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ فَيَحْلِفَ مَا أَرَادَ قَطْعَ نَسَبِهِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى مَنْ قَالَهُ لِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَحْلِفُ حُدَّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقَذْفِ وَقَطْعِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الضَّعَةِ وَالْخُمُولِ وَنَفْيِ الشَّرَفِ فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ الْحَدُّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ نَفْيُ النَّسَبِ وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ

مَا لَا حَدَّ فِيهِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الْأَمَةِ يَقَعُ بِهَا الرَّجُلُ وَلَهُ فِيهَا شِرْكٌ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ فَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا فِي مُشَاتَمَةٍ فَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَنَّ الْعَرَبَ هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأَنْسَابِ، وَيُتَوَاصَلُ بِهَا وَتَتَفَاخَرُ بِاتِّصَالِهَا وَتَذُمُّ بِانْقِطَاعِهَا فَاخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ نَسَبَ رَجُلًا إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِ جَدِّهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ عَلَى سِبَابٍ وَلَا غَضَبٍ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ السِّبَابِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ. (فَرْعٌ) وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ فِي مُشَاتَمَةٍ لَمْ يُحَدَّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُحَدُّ قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ مِثْلَ أَنْ يَتَّهِمَ الْجَدَّ بِأُمِّهِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُحَدَّ فَقَدْ نُسِبَ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ فِي خَلْقٍ أَوْ طَبْعٍ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ نَسَبَ رَجُلًا إلَى عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَهُ فِي مُشَاتَمَةٍ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدٌ قَالَ أَصْبَغُ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَمَّ أَبًا فَقَالَ {إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] . (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيِّ أَوْ يَا ابْنَ النَّبَطِيِّ فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لِعَرَبِيٍّ حُدَّ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ لِمَوْلًى فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْبَرْبَرِيِّ وَأَبُوهُ فَارِسِيٌّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيَاضِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ أَسْوَدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي السَّوَادِ كُلِّهِ إذَا نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ السَّوَادِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَفْيًا وَيُحَدُّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِأَسْوَدَ يَا ابْنَ الْفَارِسِيِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ قَالَ لِمَوْلًى يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ حُدَّ، وَمَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْحَبَشِيِّ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ مَنْ دَعَا مَوْلًى إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ دَعَاهُ إلَى غَيْرِ لَوْنِهِ وَصِفَتِهِ حُدَّ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَجَ بِهِ إلَى لَوْنٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ ذَلِكَ اللَّوْنُ حُدَّ مِثْلُ يَا ابْنَ الْأَزْرَقِ أَوْ الْأَصْهَبِ أَوْ الْأَبْيَضِ أَوْ الْأَحْمَرِ أَوْ الْأَعْوَرِ أَوْ الْأَقْطَعِ فَفِيهِ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ لِمَوْلًى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّ يُرِيدُ فِي قَوْلِهِ يَا ابْنَ كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ لِنُوبِيٍّ يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ فَهَذَا قَرِيبٌ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَبْيَضِ يَنْسِبُهُ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ وَصْفِهِ بِصِفَةِ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّودَانِ فَيَصِفَهُ بِالْبَيَاضِ، أَوْ يَصِفَهُ بِصِفَةٍ لَا تَخْتَصُّ بِجِنْسٍ لَكِنَّهَا مَعْدُومَةٌ فِي آبَائِهِ فَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ يَا ابْنَ الْيَهُودِيِّ أَوْ يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ يَا ابْنَ عَابِدِ وَثَنٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ عَلَى ذَلِكَ فَيُنَكَّلُ قَالَ أَشْهَبُ لَا يُحَدُّ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ أَوْ الْحَدَّادِ أَوْ يَا ابْنَ الْحَائِكِ أَوْ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ عَرَبِيًّا حُدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ هُمَا سَوَاءٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ نَفْيًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَبُوك الَّذِي وَلَدَك حَجَّامٌ أَوْ حَائِكٌ فَلَا حَدَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الَّذِي نُفِيَ مَمْلُوكَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ، يُرِيدُ أَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِقَطْعِ نَسَبِهِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ أَنْتَ لِزِنًا أَوْ وَلَدَ زَنْيَةٍ أَوْ فَرْخَ زِنًا فَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَمْلُوكَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَأَبُوهُ وَحْدَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ تَوَجَّهَ إلَى الْمُسْلِمِ الْمَقْذُوفِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَمْلُوكَةٌ أَوْ ذِمِّيَّةٌ يُرِيدُ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَذْفَ اخْتَصَّ بِالْأُمِّ، وَقَدْ تَكُونُ زَانِيَةً وَيَثْبُتُ ابْنُهَا مِنْ أَبِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما لا حد فيه]

قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى هَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا حَدَّ فِيهِ] (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ يُرِيدُ حِصَّةً مِنْ رَقَبَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْحِصَّةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً أَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ حِصَّتَهُ الَّتِي يَمْلِكُ مِنْهَا شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا لَهُ وَبَعْضُهَا حُرٌّ فَوَطِئَهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي رَجُلٍ وَطِئَ أَمَةً نِصْفُهَا لَهُ وَنِصْفُهَا حُرٌّ لَمْ يُحَدَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ فِيهَا شِرْكًا يُوجِبُ لَهَا أَحْكَامَ الرِّقِّ كَالَّتِي نِصْفُهَا رَقِيقٌ لِغَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ فَوَطِئَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِزَوْجَتِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قَالَ أَصْبَغُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ فَتَجَهَّزَتْ بِخَادِمٍ فَزَنَى بِالْخَادِمِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهُوَ سَوَاءٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَشْهَبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إنَّمَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ نِصْفَ الْأَمَةِ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالْبِنَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ بَنَى فَهُوَ زَانٍ يُرْجَمُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ جَمِيعَهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِامْرَأَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْأَصْلِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي النِّكَاحِ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي تَجَهَّزَتْ بِهَا إلَيْهِ وَاشْتَرَتْهَا بِالصَّدَاقِ فَمَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَرَتْهُ الزَّوْجَةُ فَمَا أَصَدَقَتْ مِنْ الدَّرَاهِمِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ شُورَةٍ مِمَّا يَتَجَهَّزُ بِهِ النِّسَاءُ لِلْأَزْوَاجِ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ، وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ كَانَ لَهُ نِصْفُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِالدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَصْبَغُ إنَّ الزَّوْجَ لَهَا كَالشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ وَقَدْ مَاتَتْ الْأَمَةُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَلَهُمَا نَمَاؤُهَا، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِدُونِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ. (فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي وَطْءِ جَارِيَةٍ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُعَاقَبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُعَاقَبُ وَلَا يُحَدُّ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ يُعَاقَبُ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ لِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْمَحْظُورِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ يُرِيدُ أَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ فِي النَّسَبِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ فَلِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا يَوْمَ الْحُكْمِ فَلِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْهُ تُعْتَقُ عَلَيْهِ فَيُعْتَقُ الْبَاقِي بِالسَّرَايَةِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيُتْبَعُ الْوَاطِئُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ عَلَى مَا قَالَ وَلَا تَخْلُو الْجَارِيَةُ إذَا وَطِئَهَا مِنْ أَنْ لَا تَحْمِلَ أَوْ تَحْمِلَ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ الشَّرِيكَ مُخَيَّرٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، يُرِيدُ بَيْنَ تَقْوِيمِ حِصَّتِهِ عَلَى الْوَاطِئِ وَبَيْنَ اسْتِمْسَاكِهِ بِهَا وَبَقَائِهَا عَلَى حُكْمِ الشَّرِكَةِ، قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ تَحْمِلْ بَقِيَتْ بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ تَصَرُّفٌ لَا يُنْقِصُ قِيمَتَهَا فَلَا يُوجِبُ تَقْوِيمَهَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهَا. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَشَأْ الشَّرِيكُ أَنْ يُقَوِّمَهَا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نَقْصِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِنْ قَبَضَهَا لِأَنَّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا نَقَصَهَا، هَذَا أَصْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ كَانَ الْوَاطِئُ مَلِيًّا أَوْ مُعْدَمًا؛ لِأَنَّهُ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ فِي عَدَمِهِ ثُمَّ تُبَاعُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحِصَّةُ فِي الْقِيمَةِ فَإِنْ وَفَتْ بِالْقِيمَةِ وَإِلَّا اتَّبَعَهُ بِمَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ حَمَلَتْ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْوِيمِ قَالَ مُحَمَّدٌ شَاءَ الشَّرِيكُ أَوْ أَبَى فِي مِلَائِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِحِصَّتِهِ لِتَعَدِّيهِ فَلَزِمَ أَنْ تُقَوَّمَ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مِنْ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُتَعَدِّي مُعْدَمًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ تَكُونُ حِصَّةُ الْوَاطِئِ مِنْهَا بِحُكْمِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْبَاقِي رَقِيقٌ لِشَرِيكِهِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ لِلرَّجُلِ جَارِيَتَهُ أَنَّهُ إنْ أَصَابَهَا الَّذِي أُحِلَّتْ لَهُ قُوِّمَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ أَصَابَهَا حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ بِذَلِكَ، فَإِنْ حَمَلَتْ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِهِ وَيُتَّبَعُ بِالْقِيمَةِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعْنًى يَقْتَضِي الْعِتْقَ فَوَجَبَ التَّقْوِيمُ مَعَ الْمَلَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ أَنْ يُقَوِّمَ عَلَيْهِ فِي الْإِعْسَارِ كَالْعِتْقِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِيلَادَ قَدْ سَرَى فِي جَمِيعِهَا فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ الَّذِي اخْتَصَّ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُلْحَقُ الْوَلَدُ بِأَبِيهِ وَعَلَى أَبِيهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ مِمَّا نَقَصَهَا الْوَطْءُ وَأَبَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَقَوَّمَهَا عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يُقَوِّمْهَا عَلَيْهِ لِلْإِعْسَارِ، وَكَانَ لِحِصَّتِهِ حِصَّةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَلَحِقَ بِأَبِيهِ لِشُبْهَةِ حِصَّتِهِ وَدُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا هِيَ فِي فِعْلِهِ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَتْ جِنَايَتُهُ مِنْ قِيمَةِ الْخَادِمِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَيْسَ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ فِي الْوَطْءِ أَوْ الْحَمْلِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْقِيمَةَ فَاخْتَارَ التَّمَسُّكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةُ الْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ الْجِنَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَقْوِيمُ الْعَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا تُقَوَّمَ عَلَيْهِ فِي الْمَلَاءِ وَذَكَرَ فِي الْمُوَطَّإِ الْقِيمَةَ حِينَ الْحَمْلِ، وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يَوْمَ الْوَطْءِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا إنْ كَانَ وَطِئَ مِرَارًا فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قِيمَتِهَا يَوْمَ وُطِئَتْ أَوْ يَوْمَ حَمَلَتْ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَمْلَ هُوَ يَوْمَ تَعَلَّقَ بِهَا مَا يَتَضَمَّنُ الْعِتْقَ وَيُوجِبُ التَّقْوِيمَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ يَوْمَ الْحُكْمِ هُوَ يَوْمَ تَتَعَلَّقُ الْقِيمَةُ بِذِمَّتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ مَعْنًى وَجَبَ بِهِ التَّقْوِيمُ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ بِوَقْتِهِ كَعِتْقِ الْحِصَّةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّقْوِيمُ، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَخْيِيرَ الشَّرِيكِ بَيْنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْوَطْءِ وَالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَوِّمَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِذَلِكَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَبِنْ بِهَا حَمْلٌ فَرَضِيَ بِإِمْسَاكِهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَمْ تُقَوَّمْ إلَّا يَوْمَ الْحَمْلِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ يُرِيدُ قَوْلَهُ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حِينَ حَمَلَتْ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ رَضِيَ إمْسَاكَهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْحَمْلِ فَتَأَوَّلَ مُحَمَّدٌ قَوْلَ مَالِكٍ حِينَ حَمَلَتْ عَلَى ذَلِكَ حِينَ اخْتَارَ هُوَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْوَطْءِ وَالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحَمْلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ يُرِيدُ يُعْطَوْنَ مِنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنْ الْجَارِيَةِ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْوَطْءِ أُمَّ وَلَدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَحَلَّ لِلرَّجُلِ وَطْءَ جَارِيَتِهِ يُرِيدُ أَطْلَقَ لَهُ ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ مَعَ تَمَسُّكِهِ بِرَقَبَتِهَا فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ بِعَقْدٍ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ كَعَقْدِ النِّكَاحِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مِثْلَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ، وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ وَتَحْمِلُ مِنْهُ الْأَمَةُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، وَمَا وَلَدَتْ مِنْ هَذَا فَهُوَ رَقِيقٌ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، وَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ هِيَ ابْنَتِي فَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ وَكِتَابِ سَحْنُونٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَدَخَلَ عَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِهِ فَلَا يُسْتَرَقُّونَ، وَلَمَّا كَانَتْ أُمُّهُمْ أَمَةً كَانَتْ عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُمْ فِي النِّكَاحِ كَالَّتِي غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ رَقِيقٌ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا رُبْعُ دِينَارٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهَا ابْنَتُهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ إنْ حَمَلَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَتَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ حَمَلَتْ أَمْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحَلَّ أَمَةً لِرَجُلٍ وَابْنَتُهُ زَوْجَةٌ لَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْوَاطِئُ أَنَّ الَّتِي وَطِئَ غَيْرُ زَوْجَتِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَبَاحَ لَهُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِ رَجُلٍ خَرَجَ بِجَارِيَةٍ لِامْرَأَتِهِ مَعَهُ فِي سَفَرٍ فَغَارَتْ امْرَأَتُهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَهَبَتْهَا لِي فَقَالَ عُمَرُ لَتَأْتِينِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ لَأَرْمِيَنَّكَ بِالْحِجَارَةِ قَالَ فَاعْتَرَفَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطْأَهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِبَاحَةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أُعِيرُكهَا تَطَؤُهَا وَرَقَبَتُهَا لِي فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِحْلَالٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ حَلَالٍ وَلَكِنَّهُ أَذِنَ فِي الْوَطْءِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْوَاطِئَ يَلْزَمُهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْوَطْءِ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى رَبِّهَا كَانَ لِلْوَاطِئِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَتَّبِعُهُ فِي عَدَمِهِ فَإِنْ حَمَلَتْ بِهِ فَهِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَوْ بِيعَتْ فِي الْقِيمَةِ إذَا لَمْ تَحْمِلْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُبِيحِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ إعَارَةِ الْفَرْجِ غَيْرُ مُبَاحٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا فَاتَ صُحِّحَ بِتَمْلِيكِ الْوَاطِئِ الرَّقَبَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ نِكَاحٍ إلَّا بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أُخْدِمَ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ مَا دَرَأْت بِهِ الْحَدَّ عَنْ الْمُخْدَمِ فَإِنَّهُ تَكُونُ لَهُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إذَا حَمَلَتْ وَكَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهِيَ لِرَبِّهَا وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِأَبِيهِ وَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ أَيْسَرَ وَذَلِكَ فِيمَا كَثُرَ مِنْ التَّعْمِيرِ كَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ، وَأَمَّا فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ كَالشَّهْرِ وَنِصْفِ الشَّهْرِ فَيُحَدُّ وَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ شُبْهَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مِنْهَا مَا مَنَعَ سَيِّدَهَا مِنْ بَيْعِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُدَّةُ الْيَسِيرَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ شُبْهَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ السَّيِّدَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَمَرَ بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ فَاشْتَرَاهَا لِلْآمِرِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، ثُمَّ وَطِئَهَا فَحَمَلَتْ فَهُوَ زَانٍ، وَيَأْخُذُ الْآمِرُ الْأَمَةَ وَوَلَدُهَا رَقِيقٌ لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْآمِرَ قَدْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ فَلَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْأَبَ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ فِي مَالِ ابْنِهِ حَقٌّ فَكَانَ كَالشَّرِيكِ يَطَأُ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ فَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ بِمَا لَهُ فِيهَا مِنْ الْحَقِّ، وَتُقَوَّمُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ وَلَا يَلْزَمُ تَقْوِيمُهَا عَلَى الشَّرِيكِ إلَّا أَنْ تَحْمِلَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَطْءَ الْأَبِ يُحَرِّمُهَا عَلَى الِابْنِ، وَلَا يُحَرِّمُ وَطْءُ الشَّرِيكِ الْأَمَةَ عَلَى شَرِيكِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ الْخَارِجَ بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فِي السَّفَرِ أَصَابَهَا فَرَفَعَتْ ذَلِكَ امْرَأَتُهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَتْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أَهْلَ الْعَدْلِ، وَإِلَّا كَانَتْ قَاذِفَةً لَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ وَالشِّرَاءَ وَيُحْتَمَلُ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا وَقَوْلُ الرَّجُلِ وَهَبَتْهَا لِي ادِّعَاءٌ لِإِبَاحَةِ وَطْئِهِ إيَّاهَا مَعَ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إنَّمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت أَمَةَ فُلَانٍ فَوَطِئْتهَا لَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً بِالشِّرَاءِ، وَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَعَ امْرَأَةٍ يَطَؤُهَا فَيَقُولُ أَمَتِي فَهَذَا الَّذِي يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ طَارِئًا، وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ وَادَّعَى النِّكَاحَ حُدَّ وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ مَعْنًى يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا لَوْ ثَبَتَ الْوَطْءُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا لِصَاحِبِهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِوَجْهٍ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَلِغَيْرِ وَجْهٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَلِذَلِكَ أَثَّرَ فِيهِ ادِّعَاءُ الْإِبَاحَةِ، وَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْجِمَاعِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّانِي الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ إلَى وَجْهٍ وَلَا إلَى غَيْرِ وَجْهٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى فِيمَنْ بِيَدِهِ جَارِيَةٌ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، وَقَالَ اشْتَرَيْتهَا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْك وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِالشِّرَاءِ فَقَامَ رَجُلٌ يَدَّعِيهَا، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي شِرَاءَ الْجَارِيَةِ جَائِزًا لَهَا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ شَاهِدًا يَحْلِفُ السَّيِّدُ مَا بَاعَ وَيَأْخُذُهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَزَادَ وَقَدْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

[ما يجب فيه القطع]

مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَتْ وَطِئَ زَوْجِي جَارِيَتِي فَسَأَلَهُ فَاعْتَرَفَ وَقَالَ بَاعَتْهَا مِنِّي فَقَالَ عُمَرُ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا رَجَمْتُك فَاعْتَرَفَتْ زَوْجَتُهُ بِالْبَيْعِ فَتَرَكَهُ فَهَذَا يَدُلُّك فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً وَادَّعَى شِرَاءَهَا، وَأَقَرَّ سَيِّدُهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى إنْكَارِهِ وَحَلَفَ حُدَّ الْوَاطِئُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ أَقَرَّتْ زَوْجَتُهُ أَوْ تَمَادَتْ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَادَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ قَدْ رَجَعَتْ إلَى الْإِقْرَارِ، وَلَوْ تَمَادَتْ عَلَى الْإِنْكَارِ لَحُدَّ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِي سَفَرِهِ بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَرَدَّهَا قَدْ حَمَلَتْ فَأَرَادَ عُمَرُ رَجْمَهُ حِينَ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ أَسْقَطَ عَنْهُ الْحَدَّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ الْيَوْمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا فَرْجَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ غَابَتْ عَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هِيَ فَقَالَ هُوَ كَانَتْ أَمَتِي، وَقَدْ بَاعَهَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ غَيْرُ ذِي أَمَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُصَدَّقُ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ مَعَهَا كَلَّفْته الْبَيِّنَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ طَارِئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى فِي رَجُلٍ وَطِئَ أَمَةَ رَجُلٍ، فَلَمَّا أُخِذَ مَعَهَا وَرَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ فَإِنْ قَالَ: قَدْ كَانَتْ وَهَبَتْهَا لِي وَصَدَّقَهَا صَاحِبُهَا، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمَا أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَقَرَّتْ أَنَّهَا وَهَبَتْهَا لَهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّهَا لَمَّا اعْتَرَفَتْ حَدَّهَا اُنْظُرْ مَا مَعْنَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ تَكُونُ قَاذِفَةً وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْوَطْءِ؟ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ قَاذِفَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ إنْ صَدَقْت رَجَمْنَاهُ وَإِنْ كَذَبْتُ جَلَدْنَاك، فَقَالَتْ رُدُّونِي إلَى أَهْلِي غَيْرِي غَيْرِي. وَقَالَ عَلِيٌّ مَنْ أَتَى جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ رَجَمْته، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى لَا حَدَّ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هِبَتُهَا لَهُ الْجَارِيَةَ أَنْ تَكُونَ وَهَبَتْهُ رَقَبَتَهَا، وَظَنَّتْ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا فَلَمَّا وَطِئَهَا غَارَتْ وَأَرَادَتْ إنْكَارَ الْهِبَةِ، ثُمَّ ذَهَبَتْ إلَى الْإِقْرَارِ إمَّا تَحَرُّجًا مِنْ سَفْكِ دَمِهِ أَوْ إشْفَاقًا مِنْ رَجْمِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِبَتُهَا إبَاحَةَ الْوَطْءِ فَلَمَّا حَمَلَتْ أَرَادَتْ الْقِيَامَ فِي حَقِّهَا، فَلَمَّا سُئِلَتْ عَنْ الْهِبَةِ أَقَرَّتْ بِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ يُرِيدُ قَطَعَ مَنْ سَرَقَ مِجَنًّا ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» يَتَضَمَّنُ الْقَطْعَ فِي الْعُرُوضِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ فِي جَمِيعِ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا كَانَ أَصْلُهَا مُبَاحًا كَالْمَاءِ وَالصَّيْدِ وَالتُّرَابِ وَالْحَشِيشِ، أَوْ مَحْظُورًا كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَوْعُ مَالٍ يُتَمَوَّلُ مُعْتَادًا كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ، وَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ الْمُصْحَفَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ زَيْتًا وَقَعَ فِيهِ فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ يُقْطَعُ إذَا كَانَ يُسَاوِي لَوْ بِيعَ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. 1 - وَمَنْ سَرَقَ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ لَمْ يُقْطَعْ، وَأَمَّا الْمَدْبُوغُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يُقْطَعُ وَقِيلَ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الصَّنْعَةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا قَطْعَ فِي الْمَيْتَةِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِانْتِفَاعِ بِعَظْمِهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ صَلِيبًا مِنْ خَشَبَةٍ أَوْ تِمْثَالًا مِنْ كَنِيسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَلِيبٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ سَرَقَهُ مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ كَلْبًا نُهِيَ عَنْ اتِّخَاذِهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يُقْطَعُ، وَإِنْ كُنْت أَنْهَى عَنْ بَيْعِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا قَطْعَ فِي كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَلَا لِغَيْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ لَحْمَ أُضْحِيَّةٍ أَوْ جِلْدَهَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ إنْ سَرَقَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَهَا بَعْدَ الذَّبْحِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ فِي فَلَسٍ وَلَا تُورَثُ مَالًا، إنَّمَا تُورَثُ لِتُؤْكَلَ، وَإِنْ سَرَقَهَا مِمَّنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ قَدْ مَلَكَهَا، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ مِزْمَارًا أَوْ عُودًا أَوْ دُفًّا أَوْ كَبَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَاهِي فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْكَسْرِ رُبْعَ دِينَارٍ، وَكَانَ فِيهَا فِضَّةٌ زِنَةُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلِمَ بِهَا السَّارِقُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قُطِعَ سَرَقَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ كَسْرَهَا عَلَيْهِمْ إذَا أَظْهَرُوهَا، وَأَمَّا الدُّفُّ وَالْكَبَرُ فَإِنَّهُ يُرَاعَى قِيمَتُهُمَا صَحِيحَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَرْخَصَ فِي اللَّعِبِ بِهِمَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْمَاءُ إذَا أُحْرِزَ لِوُضُوءٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَطَبُ وَالْعَلَفُ وَالتِّبْنُ وَالْوَرْدُ وَالْيَاسَمِينُ وَالرُّمَّانُ وَالرَّمَادُ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَسُرِقَ مِنْ حِرْزِهِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ قِيمَتُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِيعَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ قِيمَتُهُ وَنِسْبَتُهُ لَقِيمَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ النِّصَابَ مِنْ الْوَرِقِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَمِنْ الذَّهَبِ رُبْعُ دِينَارٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمَنْصُوصُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ مَا طَالَ عَلَيَّ وَمَا نَسِيت الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْوَرِقِ مَدْخَلًا فِي نِصَابِ الْقَطْعِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا تَعَلُّقَ لِلنِّصَابِ بِالْوَرِقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَهَذَا يُفِيدُ الِاعْتِبَارَ بِالْوَرِقِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَصْلُ مَالٍ مِنْ جِنْسِ أُصُولِ الْأَثْمَانِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَاعْتُبِرَ بِهَا فِي نِصَابِ الْقَطْعِ كَالذَّهَبِ. (فَرْعٌ) وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعُرُوضَ تُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ دُونَ الذَّهَبِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا سُرِقَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ سَارِقُهُ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ رُبْعَ دِينَارٍ، وَإِذَا قَصُرَ عَنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ بَلَغَ رُبْعَ دِينَارٍ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ يَجْرِي الذَّهَبُ أَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ الْوَرِقُ، وَإِذَا كَانَ تَعَامُلُهُمْ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ هِيَ الَّتِي جَرَى الْعُرْفُ بِالتَّعَامُلِ بِهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا فِي قِيمَتِهِ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّ نِصَابَهَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَعَامَلَ بِهَا بِالدَّنَانِيرِ فِي بَلَدِ الذَّهَبِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ بِمَا تُبَاعُ بِهِ غَالِبًا فِي بَلَدِ التَّقْوِيمِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا اُعْتُبِرَ بِهِ النِّصَابُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى وَزْنِهِمَا كَانَ ذَلِكَ دَنِيئًا أَوْ جَيِّدًا نَقْرَةً كَانَ أَوْ تِبْرًا قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَرُجْ بِرَوَاجِ الْعَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَوْ حُلِيًّا وَلَا يُنْظَرُ إلَى

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ فَإِذَا أَوَاهُ الْمَرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهِ يُرِيدُ إلَى مَا تَزِيدُ صِنَاعَةً؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِوَزْنِهِ دُونَ قِيمَتِهِ وَدُونَ صِنَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِصِنَاعَةٍ دُونَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ تَجْرِي عَدَدًا فَكَانَتْ قَائِمَةَ الْوَزْنِ تَعَلَّقَ الْقَطْعُ مِنْهَا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ نَقَصَ كُلُّ دِرْهَمٍ خَرُّوبَةً أَوْ ثَلَاثَ حَبَّاتٍ، وَهِيَ تَجُوزُ فَلَا قَطْعَ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ قَائِمَةَ الْوَزْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ فَأَمَّا مِثْلُ حَبَّتَيْنِ مِنْ كُلِّ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا جَرَتْ مَجْرَى الْوَازِنَةِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ فِي الْعِوَضِ فَبِهَا يَتَعَلَّقُ الْقَطْعُ، وَمَا جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ يَنْقُصُ عِوَضُهَا لِنَقْصِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَنْصَافِ وَالْأَرْبَاعِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَقْطُوعَةً لَمْ يُقْطَعْ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَقْصُهَا، وَأَمَّا الذَّهَبُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ فِي وَزْنِهَا سِتَّةَ قَرَارِيطَ، وَذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ حِسَابُ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا فِي الدِّينَارِ قُطِعَ سَارِقُهَا، وَإِنْ سَرَقَ قِيرَاطَيْنِ أَوْ مَا دُونَ سِتَّةِ قَرَارِيطَ مِنْ الذَّهَبِ لَمْ يُقْطَعْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ سَرَقَ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ فَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ حَتَّى سَرَقَ مَا يَكُونُ فِيهِ مَعَ الْأَوَّلِ الْقَطْعُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْرِقَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مَا فِيهِ الْقَطْعُ قَالَ: وَلَوْ سَرَقَ قَمْحًا مِنْ بَيْتٍ فَكَانَ يَنْقُلُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ مَا فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السَّارِقِ يَدْخُلُ الْبَيْتَ عَشْرَ مَرَّاتٍ مِنْ لَيْلِهِ يَخْرُجُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهُ بِقِيمَةِ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُخْرِجَ فِي مَرَّةٍ مَا فِيهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، قَالَ سَحْنُونٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِذَا كَانَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ قُطِعَ، وَهَذَا كُلُّهُ وَجْهُ التَّحْيِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَهَذَا عَامٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إذْ الْقَطْعُ شُرِعَ لِلرَّدْعِ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَلَوْ عَرَا هَذَا عَنْ الْقَطْعِ لَتَسَبَّبَ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِهَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْرَاجِ رُبْعِ دِينَارٍ مِنْ الْحِرْزِ، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ عَصًا وَشِبْهَهَا مِمَّا لَا يُفَضَّضْ وَالْفِضَّةُ فِيهَا ظَاهِرَةٌ وَهُوَ لَا يَرَى الْفِضَّةَ فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ لَمْ يُبْصِرْ الْفِضَّةَ فَوُجِدَ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْفِضَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَصَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْعَصَا دُونَ الْفِضَّةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَيُقْطَعُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْفِضَّةُ دَاخِلَهَا فَسَرَقَ الْعَصَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الصَّرْفُ حِينَ قَطَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمِجَنِّ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ، يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَرَّرُ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ نِصَابًا لِلْوَرِقِ لِلْمُقَوَّمَاتِ فِي الْقَطْعِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْجِنَايَاتِ فَدِينَارُهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا كَالدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ بَابِ الزَّكَاةِ فَدِينَارُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ أَنَّ نِصَابَ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَنِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا فَكَانَ كُلُّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ السَّرِقَةِ حِينَ إخْرَاجِهَا مِنْ الْحِرْزِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ الِاعْتِبَارَ يَوْمَ الْقَطْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ كَنَقْصِ الْعَيْنِ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الثَّمَرَ فِي أَشْجَارِهَا إذَا كَانَ فِي الْحَوَائِطِ وَشِبْهِهَا، وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرِ نَخْلَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ تُجَدَّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ رُبْعَ دِينَارٍ قَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ لَمْ يُقْطَعْ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُسْتَانَ لَيْسَ بِمَسْكَنٍ وَلَا حِرْزًا لِلنَّخْلِ وَلَا مَا كَانَ مُتَّصِلًا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُتْرُجَّةً فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَدَهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ مَا طَالَ عَلَيَّ وَمَا نَسِيت الْقَطْعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ لَا قَطْعَ فِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ النَّخْلَةُ فِي الدَّارِ فَالدَّارُ مَسْكَنٌ وَحِرْزٌ لِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ ثَمَرِهَا الْمُتَّصِلِ بِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا جُدَّ التَّمْرُ وَوُضِعَ فِي وَصْلِ النَّخْلَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَارِسٍ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ يُحْصَدُ فَيَجْمَعُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَائِطِ لِيُحْمَلَ إلَى الْجَرِينِ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي زَرْعِ مِصْرَ يُحْصَدُ وَيُتْرَكُ فِي مَوْضِعِهِ أَيَّامًا يَيْبَسُ لَيْسَ هَذَا جَرِينًا، وَمَا هُوَ عِنْدِي بِالْبَيِّنِ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقْطَعُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يُحْرَزُ فِيهِ فَإِنْ وَضَعَهُ لِيُحْمَلَ إلَيْهِ لَيْسَ بِحِرْزٍ لَهُ كَالْمَاشِيَةِ فِي الْمَرْعَى لَيْسَ الْمَرْعَى حِرْزًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا تُنْقَلُ مِنْهُ إلَى حِرْزِهَا وَهُوَ الْمَرَاحُ وَالْمَبِيتُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَقْثَأَةِ حَتَّى تُجْمَعَ فِي الْجَرِينِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُجْمَعُ فِيهِ لَيُحْمَلَ إلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْضُوعٌ لِلنَّقْلِ إلَى الْحِرْزِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيُقْطَعُ فِي الْبَقْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا إذَا حُصِدَ وَحُرِزَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ إلَى مَوْضِعٍ يُجْمَعُ فِيهِ، وَلَوْ نُقِلَ إلَى الْمَوْضِعِ يُجْمَعُ فِيهِ لِلْبَيْعِ لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَقْثَأَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَاشِيَةَ الَّتِي تَحْرُسُ فِي الْجَبَلِ رَاعِيَةً، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: حَرِيسَةُ الْجَبَلِ كُلُّ شَيْءٍ يَسْرَحُ لِلْمَرْعَى مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّوَابِّ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُنَا عِنْدَهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحِرْزٍ لَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضِعُ مَشْيِهَا وَرَعْيِهَا وَالْمَوْضِعُ مُشْتَرَكٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا أَوَى الْمَاشِيَةَ الْمَرَاحُ فَفِيهَا الْقَطْعُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ دُورٍ وَلَا تَحْظِيرٍ وَلَا غَلْقٍ وَأَهْلُهَا فِي مُدُنِهِمْ، قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّاعِي يَبْعُدُ بِغَنَمِهِ فَيُدْرِكُهُ اللَّيْلُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَرَاحًا فَيَجْمَعُهَا، ثُمَّ يَبِيتُ فَيُسْرَقُ مِنْهَا قَالَ يُقْطَعُ السَّارِقُ وَهُوَ كَمَرَاحِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَوْضِعَ حِرْزًا لَهَا وَمُسْتَقَرًّا فِي مَبِيتِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا جَمَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ فَسَاقَهَا إلَى الْمَرَاحِ فَسُرِقَ مِنْهَا فِي طَرِيقِهَا عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِي الَّذِي يَسُوقُ غَنَمَهُ مِنْ مَرَاحِهَا إلَى سَرْحِهَا فَسَرَقَ مِنْهَا أَحَدٌ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَكَذَلِكَ إذَا رَدَّهَا مِنْ مَسْرَحِهَا إلَى مَرَاحِهَا فَسُرِقَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَتْ الْقَرْيَةَ فَفِيهَا الْقَطْعُ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْمَرَاحَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْقَرْيَةِ فَهِيَ بَعْدُ مُجْتَمِعَةٌ غَيْرُ سَارِحَةٍ، وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَخَذَتْ فِي السَّرْحِ فَكَانَ لَهَا حُكْمُ السَّارِحَةِ فِي الْجَبَلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ فَجَمَعَهَا وَسَاقَهَا لِلْمَرَاحِ أَنَّهُ أَدْخَلَهَا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْمَعُهَا غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا أَوَى إلَى الْمَرَاحِ وَالْجَرِينِ فَالْقَطْعُ يُرِيدُ إذَا أَوَى إلَى الْمَرَاحِ الْمَاشِيَةَ وَالْجَرِينِ التَّمْرَ فَعَلَّقَ بِهَا الْقَطْعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ وَمُسْتَقَرٌّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أُتْرُجَّةً فِي الْمُزَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَانَتْ أُتْرُجَّةً تُؤْكَلُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ كَالْحِمَّصَةِ

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا وَمَعَهَا غُلَامٌ لِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ قَدْ خِيطَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ خَضْرَاءُ قَالَتْ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ فَفَتَقَ عَنْهُ فَاسْتَخْرَجَهُ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً وَخَاطَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَوْلَاتَانِ الْمَدِينَةَ دَفَعَتَا ذَلِكَ إلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا فَتَقُوا عَنْهُ وَجَدُوا فِيهِ اللِّبْدَ، وَلَمْ يَجِدُوا الْبُرْدَ فَكَلَّمُوا الْمَرْأَتَيْنِ فَكَلَّمَتَا عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَتَبَتَا إلَيْهَا، وَاتَّهَمَتَا الْعَبْدَ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُطِعَتْ يَدُهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوْ اتَّضَعَ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ مَالِكٌ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا قُوِّمَتْ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تُقَوَّمْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إذَا سُرِقَا أَنْ لَا يُقَوَّمَا، وَإِنْ كَانَا مَصُوغَيْنِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأُتْرُجَّةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الثَّمَرَةِ الَّتِي تُؤْكَلُ كَمَا يَنْطَلِقُ لَفْظُ الثَّمَرِ وَالْعِنَبِ وَسَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ عَلَى الْمَأْكُولِ دُونَ التَّمَاثِيلِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ فِي الْفَوَاكِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقَوِّمُ السَّرِقَةَ رَجُلٌ وَلَكِنْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إلَى تَقْوِيمِهِ مِنْ عِتْقِ شِقْصٍ وَغَيْرِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ تُؤَدَّى عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَا يَعْلَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ غَالِبًا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ اجْتَمَعَ عَدْلَانِ عَلَى قِيمَةٍ نُفِّذَ الْحُكْمُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَنْ خَالَفَهُمَا. وَقَالَ أَيْضًا: إذَا اجْتَمَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَرْبَعَةٌ فَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى قِيمَةٍ، وَشَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى قِيمَةٍ نَظَرَ الْقَاضِي إلَى أَقْرَبِ الْقِيمَتَيْنِ إلَى السَّدَادِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَمَرَ بِذَلِكَ رَجُلَيْنِ فَقَوَّمَا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ أَنْفَذَ الْحُكْمَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ سَأَلَ عَنْهَا أَرْبَعَةٌ فَاخْتَلَفُوا شَهِدَ اثْنَانِ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَآخَرَانِ بِمَا يَنْفِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ نَظَرَ الْقَاضِي إلَى أَقْرَبِ الْقِيمَتَيْنِ إلَى السَّدَادِ يُرِيدُ أَعَادَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالسُّؤَالَ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ اخْتَلَفُوا أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ ثَمَنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إنْ كَانَا عَدْلَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ السَّرِقَةِ لَا يَوْمَ الْقَطْعِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا طَالَ عَلَيَّ وَلَا نَسِيت تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا رَأَتْ مِنْ حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَتْ قَوْلَ غَيْرِهِ لَمْ تَصِفْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا نَسِيَ؛ لِأَنَّ نَظَرَهَا الْيَوْمَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهَا الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ يُرِيدُ فِي الذَّهَبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَقْوِيمًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ عَمْرَةَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَائِشَةُ وَمَعَهَا مَوْلَاتَانِ لَهَا تُرِيدُ مُعْتَقَانِ، وَلَا يُسَمَّى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ مَوْلًى حَتَّى يُعْتَقَ، وَقَوْلُهَا فَبَعَثَتْ مَعَ الْمَوْلَاتَيْنِ بِبُرْدٍ مُرَجَّلٍ فَفَتَقَ الْغُلَامُ الْخِرْقَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْبُرْدِ فَاسْتَخْرَجَ الْبُرْدَ وَجَعَلَ مَكَانَهُ لِبْدًا أَوْ فَرْوَةً، وَخَاطَ عَلَيْهِ فَأَمَرَتْ عَائِشَةُ بِقَطْعِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ وَلَا يَنْزِلُ مَعَهَا وَلَا تَأْذَنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَى مَوْضِعِهَا، وَإِنَّ الْمَوْلَاتَيْنِ كَانَتَا مَعَهَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ فَأَخَذَ الْغُلَامُ الْبُرْدَ مِنْ مَنْزِلِ عَائِشَةَ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حِرْزٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ كَانَ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ أَوْ عَلَى الْمَوْلَاتَيْنِ إنْ كَانَتَا قَدْ نَزَلَتَا فِي مَوْضِعِ عَائِشَةَ لَكِنَّهُ كَانَ الْمَنْزِلُ مَنْزِلًا لَا تَسْكُنُ فِيهِ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُشْتَرَكًا وَلِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَوْ لِلْمَوْلَاتَيْنِ مَوْضِعٌ مُنْفَرِدٌ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْغُلَامُ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ، فَسَرَقَ مِنْهُ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَطْعُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الزَّوْجَيْنِ يَسْرِقُ أَحَدُهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ مِنْ بَيْتٍ قَدْ حَجَرَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنٌ غَيْرُهُمَا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَكَذَلِكَ مَمَالِيكُهُمَا إذَا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ فَلَا يُقْطَعُ فِيمَا سَرَقَ مِمَّا حُجِرَ عَلَيْهِ مِنْ بُيُوتِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَضَافَ رَجُلًا فِي دَارِهِ وَهِيَ غَيْرُ مُشْتَرَكَةٍ فَيَسْرِقُ الضَّيْفُ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهَا مِمَّا حُجِرَ عَنْهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَقَّ خِزَانَةً فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَوْ تَابُوتًا كَبِيرًا فَسَرَقَ مِنْهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ أَدْخَلَ رَجُلًا مَنْزِلَهُ فَسَرَقَ مَا فِي كُمِّهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لَوْ سَرَقَ ذَلِكَ أَجِيرُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونٍ فِي الضَّيْفِ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي قَدْ أُغْلِقَ عَنْهُ أَوْ خِزَانَةٍ فِي الْبَيْتِ مُغْلَقَةٍ أَوْ تَابُوتٍ كَبِيرٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مِمَّا حُجِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الدَّارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ مِنْ بَيْتٍ قَدْ أَغْلَقَهُ عَنْهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ قَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فِيهِ فَفَتَحَهُ لِمَا فِيهِ كَأَخْذِهِ مِنْ مَوْضِعٍ مَسْتُورٍ أَوْ وِعَاءٍ مُغَطًّى أَوْ خَرِيطَةٍ مَخْتُومَةٍ أَوْ احْتِمَالِهِ لِلصُّنْدُوقِ، وَذَلِكَ يَنْفِي الْقَطْعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَوْضِعٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخِيَانَةِ لَا مِنْ بَابِ السَّرِقَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَخَذَ السَّرِقَةَ وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ مُنِعَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ دَخَلَ قَوْمٌ إلَى صَنِيعٍ فَيَسْرِقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَيْتٍ هُمْ فِيهِ أَوْ يُطِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ كُمِّ بَعْضٍ أَوْ يَحِلَّ مِنْ كُمِّهِ أَوْ يَسْرِقَ رِدَاءَهُ أَوْ نَعْلَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُعَاقَبُ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ لَيْسَ بِحِرْزٍ يُرِيدُ أَنَّ الْبَيْتَ قَدْ أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِهِ، وَالْكُمَّ لَيْسَ بِحِرْزٍ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ أَدْخَلَ رَجُلًا دَارِهِ لِعَمَلٍ يَعْمَلُ لَهُ فِيهِ مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيَذْهَبُ وَيَدَعُهُ فَيَسْرِقُ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ خِزَانَةٍ فِيهِ أَوْ تَابُوتٍ فِيهِ كَبِيرٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُعَاقَبُ وَلَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ وَهِيَ خِيَانَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ مَعَهُ سَاكِنٌ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ سَاكِنٌ مَعَهُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ فِي الدَّارِ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَخْتَصُّ الْإِذْنُ بِالْبَيْتِ الَّذِي صَارَ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سَاكِنٌ فَالْإِذْنُ مُتَعَلِّقٌ بِالدَّارِ كُلِّهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ دَخَلَ حَانُوتَ رَجُلٍ يَسُومُ فِيهِ بَزًّا فَسَرَقَ مِنْهُ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إنَّمَا دَخَلَ الْمَوْضِعَ بِإِذْنٍ فَإِنَّهُ قَدْ ائْتَمَنَهُ فَلَا يُقْطَعُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ يَدْخُلُهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى الِائْتِمَانِ فَلْيُقْطَعْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَدْخُلُهُ جَمِيعُ النَّاسِ بِغَيْرِ إذْنٍ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِمَا فِيهِ، وَإِنَّمَا حِرْزُ مَا فِيهِ مَوْضِعُهُ فَعَلَى مَنْ أَخَذَهُ وَأَزَالَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الْقَطْعُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُدْخَلُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنٍ فَأَذِنَ لِلدَّاخِلِ فَقَدْ ائْتَمَنَهُ وَصَارَ الْمَوْضِعُ الْمَأْذُونُ فِيهِ هُوَ الْحِرْزُ، فَلَا يُقْطَعُ الْمُؤْتَمَنُ وَلَا غَيْرُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْحَوَانِيتِ الَّتِي فِي السُّوقِ تُدْخَلُ بِغَيْرِ إذْنٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا الْقَطْعُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ فَاعْتَرَفَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَفَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْبُرْدَ لِصَاحِبِهِ أَوْ أَقَرَّ بِهِ سَيِّدُ الْغُلَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالْبُرْدِ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ سَيِّدُ الْغُلَامِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْعَبْدُ وَلَا يُقْضَى بِالْبُرْدِ لِمَنْ يَدَّعِيهِ وَيُقِرُّ لَهُ بِهِ الْعَبْدُ، وَيَبْقَى لِلسَّيِّدِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُ لِهَذَا فِيهِ حَقًّا، وَلَوْ قَالَ هُوَ بِيَدِ عَبْدِي وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ لِعَبْدِي أَوْ لِغَيْرِهِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ أَبَدًا، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ إقْرَارِ الْعَبْدِ إلَّا مَا يَنْصَرِفُ إلَى جَسَدِهِ

[ما جاء في قطع الآبق والسارق]

(مَا جَاءَ فِي قَطْعِ الْآبِقِ وَالسَّارِقِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ فَأَرْسَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَبَى سَعِيدٌ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَقَالَ لَا تُقْطَعُ يَدُ الْآبِقِ السَّارِقِ إذَا سَرَقَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدْت هَذَا؟ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا آبِقًا قَدْ سَرَقَ قَالَ فَأَشْكَلَ عَلَيَّ أَمْرُهُ فَكَتَبْت فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَالِي يَوْمَئِذٍ، قَالَ فَأَخْبَرْته أَنَّنِي كُنْت أَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ وَهُوَ آبِقٌ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ فَكَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَقِيضَ كِتَابِي يَقُولُ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّكَ كُنْت تَسْمَعُ أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ لَمْ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38] فَإِنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا فَاقْطَعْ يَدَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ الْآبِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إذَا سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ) تَرْكُ الشَّفَاعَةِ لِلسَّارِقِ إذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ إنَّهُ إنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدِينَةَ فَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ فَقُطِعَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ حُمِلَ إلَى الْأَمِيرِ فَثَبَتَ اعْتِرَافُهُ عِنْدَهُ فَقَطَعَهُ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا تُرِيدُ أَنَّ الْبُرْدَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْصُرُ قِيمَتُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ مَا يَجِبُ إلَيَّ فِيهِ الْقَطْعُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوْ اتَّضَعَ يُرِيدُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ مِمَّا لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا بِوَرِقٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ إنَّمَا أَوْرَدَتْ ذَلِكَ عَلَى مَا حَفِظَتْ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ لَا أَنَّهَا قَصَدَتْ إلَى تَقْوِيمِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّ الْبُرْدَ يُسَاوِي فَوْقَ رُبْعِ دِينَارٍ، وَأَنَّ الدِّينَارَ صَرْفُهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا كَانَ ذِكْرُهَا لِلنِّصَابِ مِنْ الذَّهَبِ كَذِكْرِهَا مِنْ الْوَرِقِ، وَآثَرَتْ ذِكْرَ مَا رَأَتْ مِنْ السُّنَّةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ عَائِشَةَ أَنَّ النِّصَابَ مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ فِيمَا يَعُودُ إلَى الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» وَالْمِجَنُّ مِمَّا يُقَوَّمُ فَلَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ تَعَلَّقَ بِقِيمَتِهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَرِقِ دُونَ قِيمَتِهِ مِنْ الذَّهَبِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ عُثْمَانُ فَقُوِّمَتْ الْأُتْرُجَّةُ فِي زَمَنِهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَبْهَرِيِّ فَإِنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى عُرْفِ التَّعَامُلِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَا جَاءَ فِي قَطْعِ الْآبِقِ وَالسَّارِقِ] (هَذَا الْبَابُ لَمْ نَعْثُرْ عَلَى شَرْحٍ لَهُ فِي نُسَخِ الشَّارِحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا اهـ) . [تَرْكُ الشَّفَاعَةِ لِلسَّارِقِ إذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ] (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ إنَّهُ إنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدِينَةَ فَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ إذَا بَلَغْت بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ إنَّهُ إنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَنْ عَلِمَ وُجُوبَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَاعْتَقَدَ بَقَاءَ حُكْمِهَا لِمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَالْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إنَّمَا كَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ فَكَانَ الْمُهَاجِرُ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يُهَاجِرُ لِيَقُومَ بِنُصْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَقَامِ مَعَهُ فَلَمَّا اُفْتُتِحَتْ مَكَّةُ وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا وَكَثُرَ الْإِسْلَامُ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ فَلَمْ تَلْزَمْ الْمُهَاجَرَةُ مِنْهَا، وَاسْتَغْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ» مُؤَدِّيًا لِمَا اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الْهِجْرَةِ «فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَهُ سَارِقٌ» ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَعَ مَا رُوِيَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حِرْزِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجَبَ فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ مَعَهُ وَحَارِسًا لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْحِرْزِ لَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بُسُطِ الْمَسْجِدِ الَّتِي تُطْرَحُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ صَاحِبُهُ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي مَحَارِسِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُعَلِّقُ النَّاسُ فِيهَا السُّيُوفَ وَالْمَتَاعَ فَتُسْرَقُ إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ قُطِعَ سَارِقُهُ قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ صَفْوَانَ لَمْ يَقُمْ عَنْ رِدَائِهِ وَلَا تَرَكَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ دَخَلَ لَيْلًا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ فَسَرَقَهُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مَحَارِسِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة يُعَلِّقُ النَّاسُ فِيهَا السُّيُوفَ وَالْمَتَاعَ فَيَنْقُبُ سَارِقٌ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ مَدْخَلِ النَّاسِ فَيَسْرِقُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَارِسٌ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْتٌ نَزَلَ فِيهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِيهِ بَيْتٌ لِحُصُرِهِ أَوْ بَيْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَوْ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ بِإِذْنٍ لَمْ يُقْطَعْ إنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَمَنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَسَرَقَ مِنْهُ مُسْتَتِرًا قُطِعَ إذَا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الْمَسْجِدِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ بَابٌ، وَمَنْ سَرَقَ الْأَبْوَابَ قُطِعَ قَالَ أَصْبَغُ وَيُقْطَعُ سَارِقُ حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَقَنَادِيلِهِ وَبَلَاطِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كَمَا لَوْ سَرَقَ بَابَهُ مُسْتَتِرًا أَوْ خَشَبَةً مِنْ سَقْفِهِ أَوْ جَوَائِزَهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ حُصُرِ الْمَسْجِدِ وَقَنَادِيلِهِ وَبَلَاطِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِرُّهُ فَكَانَ حِرْزًا لَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ وَمَوْضِعُ الِانْتِقَاعِ بِهِ مَعَ إبَاحَةِ الْوُصُولِ إلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُقْطَعُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقْطَعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ سَرَقَ الْحُصُرَ نَهَارًا لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَهَا لَيْلًا قُطِعَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ سَرَقَ الْحُصُرَ وَقَدْ خِيطَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ أَوْ قَنَادِيلَهُ أَوْ بَلَاطَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ أَخَذَ فِي الْمَسْجِدِ وَحِرْزُهَا مَوْضِعُهَا، وَكَذَلِكَ الطَّنْفَسَةُ يَبْسُطُهَا الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ لِجُلُوسِهِ إذَا كَانَتْ تُتْرَكُ فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَمَّا طَنَافِسُ تُحْمَلُ وَتُرَدُّ فَرُبَّمَا نَسِيَهَا صَاحِبُهَا فَتَرَكَهَا فَلَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ غَلْقٌ؛ لِأَنَّ الْغَلْقَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْلِهَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ إذَا دَخَلَ مِنْ بَابِهِ لَمْ يُقْطَعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَابِ حَارِسٌ يَحْرُسُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إذَا سَرَقَ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ مِنْ ثِيَابِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا حَارِسٌ، أَوْ كَانَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بَيْتٍ تُحْرَزُ فِيهِ بِغَلْقٍ فَفِيهَا الْقَطْعُ، وَأَمَّا مَا وُضِعَ فِي بَعْضِ مَجَالِسِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ حَارِسٍ لِلْحَمَّامِ وَلَا غَلْقٍ عَلَيْهِ فَلَا قَطْعَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَسْرِقَهُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ مَدْخَلِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا نَقَبَ وَاحْتَالَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ مَا فِي الْحَمَّامِ مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ لَا حَارِسَ لَهُ قَطْعٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ مَا يُوضَعُ بِالْأَسْوَاقِ مِنْ مَتَاعٍ وَيَذْهَبُ عَنْهُ رَبُّهُ فَفِي هَذَا الْقَطْعُ. (فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ سَارِقَ الْحَمَّامِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَخْطَأَ الرَّجُلُ، وَرُبَّمَا غَفَلَ قَالَ سَحْنُونٌ يُرِيدُ أَنَّهُ قَالَ ظَنَنْته ثَوْبِي. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَتَاعَ يَقْصِدُ وَضْعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِحْرَازَهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلِذَلِكَ قَصَرَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ فَسُرِقَ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ سُرِقَ رِدَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ يُقْطَعُ إنْ كَانَ مُنْتَبِهًا وَكَالنَّعْلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَيْثُ يَكُونَانِ مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ قَدْ قُطِعَ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ ذَلِكَ كَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي النَّعْلَيْنِ وَفِي ثَوْبِ النَّائِمِ يُسْرَقُ يُرِيدُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ يُقْطَعُ فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّائِمِ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَا يَكُونُ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَلَى حَسْبِ مَا يَكُونُ مِمَّنْ يَحْرُسُهُ، وَيُقَالُ إنَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَعَهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَيُقْطَعُ فِي النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ يَحْرُسُهُ غَالِبًا النَّائِمُ وَالْيَقْظَانُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ يَسْتَيْقِظُ بِهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَحْرُسُهُ إلَّا الْيَقْظَانُ وَلِلْحَارِسِ تَأْثِيرٌ فِي الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ الَّتِي تُوضَعُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ سَرَقَ مِنْهَا لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا حَارِسٌ فَيُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا قُطِعَ سَارِقُ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَقَدْ أُخِذَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفِطْرَةُ فِي بَيْتِ الْمَسْجِدِ لَقُطِعَ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ جَعَلَ ثَوْبَهُ قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَسَرَقَ سَارِقٌ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخَذَ، وَقَدْ قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِهِ قَالَ: وَلَوْ قُلْت لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَتَوَجَّهَ بِهِ لَقُلْت لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ يُقْطَعُ كَانَ مَعَهُ حَارِسٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَقَنَادِيلِ الْمَسْجِدِ وَحُصُرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ ذَلِكَ كَقَنَادِيلِهِ وَحُصُرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُهَا وَمِنْ مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعُهَا وَلَا جُعِلَتْ فِيهِ لِلْمَسْجِدِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ صَفْوَانَ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهِ: «لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْقَطْعَ، وَأَنَّهُ قَدْ وَهَبَهُ الثَّوْبَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَهَبَهُ ذَلِكَ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ عَنْهُ الْقَطْعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَقَّ مِنْ حُقُوقِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَسْقَطَهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُسْقِطُ الْقَطْعَ عَنْ السَّارِقِ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَهَبَهُ إيَّاهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسْقِطُ ذَلِكَ الْقَطْعَ، وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ قَبْلِ التَّرَافُعِ وَبَعْدَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَحَدِيثُ صَفْوَانَ الْمُتَقَدِّمُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ انْتِقَالُ مِلْكٍ بَعْدَ السَّرِقَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ سَرَقَ مَتَاعًا وَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَقَالَ كُنْت أَوْدَعْته عِنْدَ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ. وَقَالَ عِيسَى أَحَبُّ إلَيَّ إنْ صَدَّقَهُ أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَطْعَ قَدْ وَجَبَ بِسَرِقَةٍ ثَبَتَتْ فَلَا يَسْقُطُ بِتَمَلُّكِ السَّارِقِ لِمَا سَرَقَ أَصْلُ ذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ عِيسَى أَنَّ إقْرَارَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ تَقَدُّمُ مِلْكِهِ فَمَنَعَ ذَلِكَ وُجُوبَ الْقَطْعِ

[جامع القطع]

جَامِعُ الْقَطْعِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ قَدْ ظَلَمَهُ فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبِيك مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللَّهِ لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عِنْدِي عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلُ ذَلِكَ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، وَيَكُونُ الْمَتَاعُ لَهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ وَوَرِثَهُ السَّارِقُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ قَالَهُ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَشْهَبُ: وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً أَوْ غَيْرَهَا فَجَحَدَهُ فَأَخَذَهَا مِنْ بَيْتِهِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إلَّا أَنَّهُ يُقِيمُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَوْدَعَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمِلْكِهِ لَهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّارِقِ يُؤْخَذُ فِي اللَّيْلِ قَدْ أَخَذَ مَتَاعًا مِنْ دَارِ رَجُلٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ قَالَ: إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ وَلَهُ إلَيْهِ الْقَطْعُ لَمْ يُقْطَعْ، قَالَ أَصْبَغُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ يُشْبِهُ مَا قَالَ أَنْ يَدْخُلَهُ مِنْ مَدْخَلِهِ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِهِ وَفِي وَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَهُ فِيهِ فَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ مُسْتَتِرًا، أَوْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلٍ أَوْ فِي حِينٍ لَا يُعْرَفُ فَلْيُقْطَعْ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» وَيَقْتَضِي تَجْوِيزَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْإِمَامِ، وَامْتِنَاعَهُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ إلَيْهِ، وَإِنَّ لِوُصُولِهِ إلَى الْإِمَامِ تَأْثِيرًا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ مَعْنَاهُ فَهَلَّا تَرَكْتَهُ قَبْلُ يَقُولُ تَتَارَكُوا الْحُدُودَ فِيمَا إذَا بَلَغَتْ إلَيَّ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يُشْفَعَ لِأَحَدٍ وَقَعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ الْحَرَسِ وَهُمْ الشُّرَطُ، وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ فِي أَيْدِي هَؤُلَاءِ فَالشَّفَاعَةُ حِينَئِذٍ لِلرَّجُلِ إذَا كَانَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ، وَلَمْ يُشْهِدْ وَأَخَذَهُ عِنْدَ الْحَرَسِ فَأَمَّا مَنْ عُرِفَ شَرُّهُ وَأَذَاهُ لِلنَّاسِ، قَالَ مَالِكٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُشْفَعَ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَقِيَ رَجُلًا أَخَذَ سَارِقًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ الَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتَهَا فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ إنَّمَا كَانَ مَعَ رَجُلٍ أَخَذَهُ دُونَ حَرَسٍ وَلَا شُرَطٍ؛ لِأَنَّ الْحَرَسَ وَالشُّرَطَ نَائِبَانِ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا تَصِحُّ الشَّفَاعَةُ فِي حَدٍّ ظَهَرَ إلَيْهِمْ، وَقَوْلُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِذَا بَلَغَ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ عِنْدَهُ يَأْثَمُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ شَافِعٍ أَوْ مُشَفَّعٍ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [جَامِعُ الْقَطْعِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْأَقْطَعَ الَّذِي وَرَدَ مِنْ الْيَمَنِ نَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْزَلَهُ فِي مَوْضِعٍ يَسْكُنُهُ، وَيَكُونُ فِيهِ بِأَمْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَهُ فِي دَارٍ يَسْكُنُهَا أَبُو بَكْرٍ فِي بَيْتٍ فِيهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْتَ الَّذِي يَسْكُنُهُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ بَيْتٌ آخَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَهُ الدَّارَ لَا يَسْكُنُهَا غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَسْكُنُهَا مَعَهُ غَيْرُهُ وَشَكَا الْأَقْطَعُ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ قَدْ ظَلَمَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي قَطْعِهِ يَدَهُ، فَكَانَ الْأَقْطَعُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا يَرَى مِنْ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ وَأَبِيك مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ، يُرِيدُ أَنَّ لَيْلَ السَّارِقِ إنَّمَا هُوَ لِلنَّوْمِ الْمُتَّصِلِ أَوْ لِلْمَشْيِ وَالتَّسَبُّبِ إلَى سَرِقَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاللَّيْلِ فَلَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ السَّارِقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ وَأَبِيك عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَخَاطُبِهَا وَتَرَاجُعِهَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْقَسَمَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءِ زَوْجِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَخَذُوا يَطْلُبُونَهُ وَيَبْحَثُونَ عَنْهُ، وَهُوَ يَمْشِي مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَيَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَهُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ يُرِيدُ سَرَقَهُمْ لَيْلًا أَوْ صَيَّرَهُمْ فِي لَيْلِهِمْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ مِنْ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْحُلِيَّ وُجِدَ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ عَلَى الصَّائِغِ قَطْعًا لَوْ أَنْكَرَ الْأَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ مَتَاعٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَاسْتَحَقَّهُ مِنْهُ مُسْتَحِقٌّ زَعَمَ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ أَوْ مُتَّهَمًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تُوجَدُ مَعَهُ السَّرِقَةُ فَيَقُولُ ابْتَعْتهَا مِنْ السُّوقِ، وَلَا يَعْرِفُ بَائِعَهَا وَهِيَ ذَاتُ بَالٍ أَوْ لَا بَالَ لَهَا، أَوْ ادَّعَى الْمُسْتَحِقُّ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِمَّا وُجِدَ مَعَهُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَنْ اسْتَحَقَّهَا بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ مَنْ وُجِدَتْ بِيَدِهِ مِنْ أَهْلِ الصِّحَّةِ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْبَرَاءَةِ أُدِّبَ الْمُدَّعِي. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُؤَدَّبُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ طَلَبًا لِحَقِّهِ، وَإِنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاتَمَةِ نُكِلَ لَهُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ لَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا أَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَيْبَهُ وَسَبَّهُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ أَضَافَ إلَيْهِ السَّرِقَةَ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَبُ كَمَا لَوْ قَصَدَ شَتْمَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَقُومَ بِدَعْوَاهُ فَكَانَ لَهُ مَخْرَجٌ يَصْرِفُ عَنْهُ الْأَدَبَ كَالْقَاذِفِ لِزَوْجَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ هُوَ الْيَمِينُ وَفِي الْمُوَاضَحَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ دُونَ يَمِينٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا مَوْصُوفًا بِذَلِكَ هُدِّدَ وَسُجِنَ وَأُحْلِفَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُعْرَضْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ أُدِّبَ لَهُ الْمُدَّعِي، وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى ثُبُوتِ يَمِينِ التُّهْمَةِ أَوْ نَفْيِهَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ مَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ مِنْ جِيرَانِهِ رَجُلًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ اتَّهَمَ رَجُلًا غَرِيبًا أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ حَالِهِ، وَلَا يُطَالُ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ رَجُلًا اتَّهَمَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِسَرِقَةٍ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ صَحِبَهُ فِي السَّفَرِ» قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا كَانَ مُتَّهَمًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ يُمْتَحَنُ بِالسَّجْنِ وَالْأَدَبِ، وَيُجْلَدُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا قَالَ أَصْبَغُ: لَا يُعَذَّبُ وَظَاهِرُهُ نَفْيُ الضَّرْبِ، وَأَمَّا الْحَبْسُ فَيُحْبَسُ بِقَدْرِ رَأْيِ الْإِمَامِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَمُوتَ يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِيمَنْ سُرِقَ لَهُ مَتَاعٌ فَاتَّهَمَ رَجُلًا مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ السَّجْنَ تَعْزِيرٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّجْنَ إنَّمَا هُوَ لِقَبْضِ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لِتَكَرُّرِهِ مِنْهُ مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَضَ عَنْهُمْ بِالسَّجْنِ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَوْقَاتِ بِأَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ مَعَ تَسَاوِي حَالِهِ فِيهَا. (فَرْعٌ) وَهَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْأَدَبِ وَالسَّجْنِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُهَدَّدُ وَيُسْجَنُ وَيَحْلِفُ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَجْهُ إثْبَاتِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ لِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْمَالِ، وَوَجْهُ نَفْيِ الْيَمِينِ أَنَّ الدَّعْوَى إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالسَّرِقَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِسَبَبِهَا مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا يُنَافِي الْيَمِينَ كَمَا يُنَافِيهَا الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَمَّا كَانَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُهُ الْيُمْنَى قَدْ عُدِمَتْ بِقَطْعِ عَامِلِ الْيَمَنِ لَهَا فِي سَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَرَّرَ أَنَّهُ إنَّمَا تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ الْيُمْنَى لِمَنْ كَانَتْ يَدَاهُ سَالِمَتَيْنِ فَمَنْ كَانَتْ يُمْنَاهُ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ أُصْبُعَيْنِ لَمْ تُقْطَعْ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لِأَنَّ بَقَاءَ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ يَبْقَى مَعَهُ أَكْثَرُ الْمَنَافِعِ، وَبَقَاءَ الْأَكْثَرِ كَبَقَاءِ الْجَمِيعِ وَذَهَابَ أَكْثَرِهَا يَذْهَبُ مَعَهُ أَكْثَرُ الْمَنَافِعِ فَكَانَ كَذَهَابِ الْجَمِيعِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ كَانَ الشَّالُّ يَمِينًا لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا، وَلَوْ أَخْطَأَ الَّذِي قَطَعَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى أَوَّلًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُ ذَلِكَ، فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَاحْتَجَّ عِيسَى بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا أَجْزَأَهُ قَطْعُ الْيُسْرَى أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ تَعَلَّقَ بِهَا أَوَّلًا، وَشُرِعَتْ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَزِمَ أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَاحْتَجَّ ابْنُ نَافِعٍ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ قَطْعَ الْيُسْرَى أَوَّلًا إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ مُوَاقَعَةَ الْخَطَأِ فِي الْقَطْعِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا عُدِمَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَإِنْ عُدِمَتْ بِقَطْعِهَا فِي سَرِقَةٍ فَإِنَّ الْقَطْعَ يَنْتَقِلُ فِي سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ لِرِجْلِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ فِي سَرِقَةٍ ثَالِثَةٍ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ فِي رَابِعَةٍ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ عُوقِبَ، وَلَا يُقْتَلُ هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فَجَعَلَ الْعُقُوبَةَ عَلَى السَّرِقَةِ مُخْتَصَّةً بِقَطْعِ الْيَدِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي مُصْعَبٍ أَنَّ هَذِهِ سَرِقَةٌ فَتَعَلَّقَ بِهَا قَطْعُ عُضْوٍ كَالْأُولَى، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُقْطَعُ يُمْنَى يَدَيْهِ ثُمَّ يُسْرَى رِجْلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الثَّالِثَةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ وَلَكِنْ يُحْبَسُ وَيُعَاقَبُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهَا يَدٌ تُقْطَعُ فِي الْقِصَاصِ فَجَازَ أَنْ تُقْطَعَ فِي السَّرِقَةِ كَالْيُمْنَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنْ عُدِمَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى بِشَلَلٍ أَوْ كَانَ خُلِقَ بِغَيْرِ يُمْنَى فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُنْقَلُ الْقَطْعُ إلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ اُمْحُهَا ثُمَّ قَالَ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا سَرَقَ وَلَا يُمْنَى لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ الْيُسْرَى كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي سَرِقَةٍ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا قَطْعٌ تَعَلَّقَ بِالسَّارِقِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِيَدِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ يَمِينٌ. (فَرْعٌ) وَلَمَّا قُطِعَتْ يُمْنَاهُ فِي قِصَاصٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَتْ شَلَّاءَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَإِنْ قُطِعَتْ فِي قِصَاصٍ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَقَالَ أَصْبَغُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الْوَجْهَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي سَرِقَةٍ فَرَأَى فِي ذَلِكَ رَأْيَ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا إذَا قُطِعَتْ فِي غَيْرِ سَرِقَةٍ تَعَلَّقَ قَطْعُ السَّرِقَةِ بِيُسْرَاهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اتَّبَعَ صَاحِبُ السَّرِقَةِ السَّارِقَ فَضَرَبَ يَدَهُ بِسَيْفٍ فَقَطَعَهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَيْسَ عَلَيْهِ إنْ أَخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ السُّلْطَانُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَطْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْقَطْعِ وَعُوقِبَ الْقَاطِعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ قَطَعَ السَّارِقُ يَمِينَ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَسْرِقَ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ يَمِينَهُ تُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ وَلَا قِصَاصَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِحَقَّيْنِ لَا مَحَلَّ لَهُمَا مَعَ كَوْنِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِغَيْرِهِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ ثُمَّ قَطَعَ يُمْنَى رَجُلٍ لَكَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ قَطَعَ يَمِينَ الرَّجُلِ لَمْ تَكُنْ لَهُ يَمِينٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ مِمَّا يَكُونُ الْقَطْعُ فِيهِ حَتْفًا، وَيُقْطَعُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَيْسَ بِمُتْلِفٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْخَوْفِ رَوَاهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا، ثُمَّ يُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ أَيْضًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْحَرِّ إذَا خِيفَ فِيهِ مَا يُخَافُ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ الْمَخُوفُ فَلَا يُقْطَعُ فِيهِ وَلَا يُجْلَدُ لِحَدٍّ وَلَا لِنَكَالٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي الْيَدِ الْكُوعُ وَفِي الرِّجْلِ مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبَيْنِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] وَمَفْصِلُ الْكُوعِ أَوَّلُ مَفْصِلٍ يَقَعُ عَلَى مَا قُطِعَ مِنْهُ اسْمُ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ مَفْصِلُ الْكَعْبَيْنِ هُوَ أَوَّلُ مَفْصِلٍ يَسْتَوْعِبُ بِقَطْعِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرِّجْلِ وَالْقَدَمِ، وَلَمَّا تَعَلَّقَ بِالْقَدَمِ كَمَا تَعَلَّقَ بِالْيَدِ بِأَوَّلِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالْيَدِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ يُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ بِالنَّارِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ لِيُقْطَعَ جَرْيُ الدَّمِ لِئَلَّا يَتَمَادَى جَرْيُهُ حَتَّى يَنْزِفَ فَيَمُوتَ، فَإِذَا أُحْرِقَتْ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ رَقَأَ وَمَنَعَ ذَلِكَ جَرْيَ الدَّمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ الْقَتْلُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فَيَجِبُ أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ الْمَوْتِ أَوْ ذَهَابِ سَائِرِ أَعْضَائِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاعْتَرَفَ بِهِ الْأَقْطَعُ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَمَّا اعْتِرَافُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَهْدِيدٍ وَتَشَدُّدٍ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ اعْتَرَفَ بِهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّرِقَةِ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ، وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ. (فَرْعٌ) وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَلَزِمَهُ الْغُرْمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُ الْبَيِّنَةَ مِنْ ظُهُورِ بَعْضِ الْمَتَاعِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ اعْتَرَفَ بِسَرِقَةٍ مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ وَلَا تَرْوِيعٍ لَمْ يُقْبَلْ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إلَى شُبْهَةٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ وَكَذَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَالْأُخْرَى يَلْزَمُ الْقَطْعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ بِمِثْلِ هَذَا فِي حَدِّ الزِّنَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ إذَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ لَازِمٌ لَيْسَ لِلْمُقِرِّ الرُّجُوعُ عَنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ اعْتَرَفَ بِمِحْنَةٍ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أَقَرَّ بِهَا عَلَى الضَّرْبِ وَعَيَّنَهَا فَلَا يُقْطَعُ إذَا نَزَعَ قَالَ عَنْهُ عِيسَى إذَا اعْتَرَفَ بَعْدَ ضَرْبِ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ أَوْ حَبْسِ لَيْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ كَانَ الْوَالِي عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْعَدْلُ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أَقَرَّ فِي مِحْنَتِهِ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ قُطِعَ إلَّا أَنْ يَقُولَ دَفَعَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَإِنَّمَا أَقْرَرْت لِلضَّرْبِ فَلَا يُقْطَعُ يُرِيدُ فِيمَا عُيِّنَ، قَالَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ فَلَا يُقْطَعُ بِحَالٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَيَعْتَرِفُ أَنَّهَا الْمَسْرُوقَةُ فَهَذَا يُقْطَعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ سَجْنٍ وَقَيْدٍ وَوَعِيدٍ وَإِنْ نَزَعَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُقِرِّ عَنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى تُبْرَزَ السَّرِقَةُ، وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مِرَارًا لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَطْعُ يَدِهِ لِجَمِيعِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ سَرَقَ مِائَةَ مَرَّةٍ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ فَإِنَّ قَطْعَ يَدِهِ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ دُونَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ لِسَرِقَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ أَيْضًا كَشَارِبِ الْخَمْرِ يَشْرَبُ مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَا يُجْلَدُ عَلَيْهِ إلَّا جَلْدٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ شَرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ إنْ جُلِدَ لِشُرْبِ مَرَّةٍ أَوْ مِرَارًا فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَفُ حَدُّهُ فَيُجْلَدُ كَمَا جُلِدَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ سَرَقَ لِجَمَاعَةٍ فَقَامَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَطَعَ وَلَا يُعْلَمُ بِغَيْرِهِمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ وَلَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذَتْ بِأَيْسَرَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ ذَلِكَ لِكُلِّ سَرِقَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ قِيَمَ فِيهَا أَوْ لَمْ يُقَمْ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ، الْمُحَارِبُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاطِعُ لِلطَّرِيقِ الْمُخِيفُ لِلسَّبِيلِ الشَّاهِرُ لِلسِّلَاحِ لِطَلَبِ الْمَالِ فَإِنْ أُعْطَى وَإِلَّا قَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجًا عَنْ الْمِصْرِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَقَدْ يَكُونُ مُحَارِبًا وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَفَعَلَ فِعْلَ الْمُحَارِبِينَ مِنْ التَّلَصُّصِ وَأَخْذِ الْمَالِ مُكَابَرَةً، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مُحَارِبًا، وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ السَّبِيلِ لِغَيْرِ مَالٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدَعُ هَؤُلَاءِ يَخْرُجُونَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى مِصْرَ أَوْ إلَى مَكَّةَ فَهَذَا مُحَارِبٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى النَّاسِ وَأَخَافَهُمْ لِغَيْرِ عَدَاوَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِلسَّبِيلِ مُفْسِدٌ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَتْلُ الْغِيلَةِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَارَبَةِ أَنْ يَغْتَالَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا فَيَخْدَعَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ فَهُوَ كَالْحِرَابَةِ، وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ أَحَدًا عَلَى مَا مَعَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ مُحَارِبٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِحُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِرَابَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ لَكِنْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمْ وَشَرٍّ فَفِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ وَقَالَهُ كُلَّهُ مَالِكٌ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ لَقِيَ رِجَالًا فَأَطْعَمَهُمْ السَّوِيقَ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَأَبْسَطَ بِالْبَاقِينَ فَلَمْ يُفِيقُوا إلَى مِثْلِهَا فَقَالَ مَا أَرَدْت قَتْلَهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَدْت أَخْذَ مَا مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا أَعْطَانِي السَّوِيقَ رَجُلٌ وَقَالَ يُسْكِرُ فَقَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ قَتْلَهُمْ وَلَا أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ سَوِيقٌ لَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا أَخَذْت أَمْوَالَهُمْ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ رَدِّ الْمَالِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُعْلِنُ وَالْمُسْتَخْفِي مِنْ الْمُحَارِبِينَ سَوَاءٌ إذَا أَخَذَ الْأَمْوَالَ وَالرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، وَالْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَخَذَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ لَيْلًا فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ الْمَتَاعَ مِنْهُ فَكَابَرَهُ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِالسِّكِّينِ أَوْ بِالْعَصَا حَتَّى خَرَجَ بِهِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ هُوَ مُحَارِبٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْحِرَابَةِ إخْرَاجُ الْمَتَاعِ مِنْ الْحِرْزِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَبُّ الْمَتَاعِ فَجَاءَ بِهِ إيَّاهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَهُوَ مُحَارِبٌ، وَإِنْ حَارَبَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُخْتَلِسُ فَلَيْسَ بِمُحَارِبٍ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ لَقِيَ رَجُلٌ رَجُلًا مَعَهُ طَعَامٌ فَسَأَلَهُ طَعَامًا فَأَبَى عَلَيْهِ فَكَتَّفَهُ وَنَزَعَ مِنْهُ الطَّعَامَ وَنَزَعَ ثَوْبَهُ فَقَالَ هَذَا يُشْبِهُ الْمُحَارِبَ يُرِيدُ أَنَّهُ مُغَالِبٌ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ مُكَابَرَةً وَصِفَتُهُ صِفَةُ الْمُحَارِبِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُحَارِبُ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِ الْمِصْرِ سَوَاءٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُمْ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ مُحَارِبًا إلَّا بِقَطْعِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَرِّيَّةِ النَّائِيَةِ عَنْ الْبَلَدِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يَكُونُونَ مُحَارِبِينَ فِي الْقَرْيَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ الْقَرْيَةَ كُلَّهَا فَأَمَّا الْمُخْتَفِي فِي الْقَرْيَةِ لَا يُؤْذِي إلَّا الْوَاحِدَ وَالْمُسْتَضْعَفَ، فَلَيْسَ فِي الْقُرَى مُحَارَبَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُحَارِبٌ فِي الْقَرْيَةِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَضَرِ وَغَيْرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنْهُ إخَافَةُ السَّبِيلِ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَقَتْلُهُ لِأَخْذِ الْمَالِ فَاسْتَحَقَّ اسْمَ الْمُحَارِبِ، وَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُوجِبُ حَدًّا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مِثْلَهُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيَسْتَحِقُّ الْمُحَارِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَخْذِ الْكَثِيرِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي إجَازَةِ قَتْلِ الْمُحَارِبِينَ وَإِنَّ مَنْ قُتِلَ فِي ذَلِكَ خَيْرُ قَتِيلٍ، قَالَ مَالِكٌ وَيُنَاشِدُهُ اللَّهَ ثَلَاثًا فَإِنْ عَاجَلَهُ قَاتَلَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَدْعُوهُ وَلْيُبَادِرْ إلَى قَتْلِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوعَظُ وَيُذَكَّرُ فَعَسَى أَنْ يَتُوبَ وَيَنْصَرِفَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ مُعَاجَلَتِهِ بِالْمُقَاتَلَةِ الَّتِي رُبَّمَا أَدَّتْ إلَى قَتْلِ أَحَدِهِمَا، وَرُبَّمَا غَلَبَ الْمُحَارِبُ فَاسْتَأْصَلَ النَّفْسَ وَالْمَالَ، وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ حُكْمَ الْحِرَابَةِ بِخُرُوجِهِ فَالصَّوَابُ إذَا وَثِقَ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاجِلَ مُدَافَعَتَهُ وَالْقَتْلَ لَهُ مَا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ ظَفَرَ بِهِ فَلَا يَقْتُلْهُ وَلْيَدْفَعْهُ إلَى الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ لَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فَلْيَلِ هُوَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَلِيهِ الْإِمَامُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَإِنْ طَلَبَ اللِّصُّ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَالِ كَالْإِطْعَامِ وَالثَّوْبِ وَمَا خَفَّ قَالَ مَالِكٌ يُعْطَاهُ، وَلَا يُقَاتَلُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا يُعْطَى شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ، وَلْيُقَاتَلْ وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِطَمَعِهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لَا يُعْطَى اللُّصُوصُ شَيْئًا طَلَبُوهُ وَإِنْ قَلَّ، وَهَذَا فِي الْعَدَدِ الْمُنَاصِفِ لَهُمْ وَالرَّاجِي لِقَتْلِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ لَهُ بِهِمْ وَلَا عُدَّةَ وَلَا مُنَاصَفَةَ فَهُوَ كَالْأَسِيرِ، وَعَسَى أَنْ يُعْذَرَ فِيمَا يُعْطِيهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُقَاتَلُ اللُّصُوصُ إذَا أَبَوْا إلَّا الْقِتَالَ أَوْ يَطْلُبُوا مَا لَا يَجِبُ أَنْ يُعْطَوْهُ، قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ جِهَادُهُمْ، وَقَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ وَأَعْظَمِهِ أَجْرًا قَالَ مَالِكٌ فِي أَعْرَابٍ قَطَعُوا الطَّرِيقَ: جِهَادُهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ جِهَادِ الرُّومِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَإِذَا قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَمَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ الْمُحَارِبُ إذَا طَلَبَ الْأَمْنَ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ إذَا أَمَّنْته عَلَى حَالِهِ وَبِيَدِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُحَارِبَ وَيُنْزِلَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَمَانَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي سُلْطَانِك وَعَلَى دِينِك، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعِزَّةٍ لَا لِدِينٍ وَلَا مِلَّةٍ، رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا امْتَنَعَ الْمُحَارِبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أُعْطِيَ الْأَمَانَ فَأُخِذَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يُتَمُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ لَيْسَ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَهُ أَصْبَغُ سَوَاءٌ امْتَنَعَ فِي حِصْنٍ أَوْ مَرْكَبٍ أَوْ فَرَسٍ سَوَاءٌ أَمَّنَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُزَالُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَجْوِيزِ الْأَمَانِ لَهُ أَنَّهُ فَاسِقٌ مُمْتَنِعٌ فَإِذَا عُوهِدَ لَزِمَ الْأَمَانُ كَالْكَافِرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُحَارِبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَاتَلَنَا مَعَهُمْ فَأُسِرَ اسْتَتَابَهُ الْإِمَامُ فَإِنْ تَابَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ، وَأُخِذَ بِأَحْكَامِ الْحِرَابَةِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُزِيلُ عَنْهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْحِرَابَةِ قَالَهُ سَحْنُونٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُسْقِطُ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ الثَّابِتَةَ عَلَيْهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ كَمَا لَوْ دَايَنَ أَوْ غَصَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ، ثُمَّ ارْتَدَّ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بِرِدَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَمْ تَسْقُطْ بِالرِّدَّةِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مِنْهَا مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْآدَمِيِّينَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ فَرَّ الْمُحَارِبُ فَدَخَلَ حِصْنًا مِنْ حُصُونِ الرُّومِ فَحَاصَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَنَزَلَ أَهْلُهُ بِعَهْدٍ وَنَزَلَ الْمُحَارِبُ بِأَمَانٍ أَمَّنَهُ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا أَمَانَ لَهُ وَلَا يُزِيلُ حُكْمَ الْحِرَابَةِ عَنْهُ جَهْلُ مَنْ أَمَّنَهُ، وَقَدْ ظَفَرَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُقُوقَ النَّاسِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ قِصَاصٍ وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاهَدَ عَلَى إسْقَاطِهَا، وَلَوْ عَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ أَصْلَ ذَلِكَ الْغَاصِبِ وَالْقَاتِلِ بِغَيْرِ الْمُحَارِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا فَرَّ اللُّصُوصُ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ قَتَلَ أَحَدًا فَلْيُتَّبَعْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَ أَحَدًا فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَلَا يُقْتَلَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُتَّبَعُونَ وَلَوْ بَلَغُوا بِرَكَ الْغَمَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُتَّبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ، وَيُقْتَلُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَمُنْهَزِمِينَ، وَلَيْسَ هُرُوبُهُمْ تَوْبَةً، وَأَمَّا التَّذْفِيفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَزِيمَتَهُمْ وَخِيفَ كَرَّتُهُمْ ذُفِّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَإِنْ اسْتَحَقَّتْ الْهَزِيمَةُ فَجَرِيحُهُمْ أَسِيرٌ وَالْحُكْمُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يَرَهُ سَحْنُونٌ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَإِذَا أُخِذَ اللُّصُوصُ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَزِمَهُمْ الْحَدُّ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوْ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَالنَّفْيُ وَالْحَبْسُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَاكَ عَلَى التَّخْيِيرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ حَدُّهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ فَلَا يُقْتَلُ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَلَا يُصْلَبُ وَلَا يُقَطَّعُ، فَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ فَقَطْ، وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَمْ يُقَطَّعْ وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِّعَ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَمَعَ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ الصَّلْبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْتُلُهُمْ حَتْفًا ثُمَّ يَصْلُبُهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] وَلَفْظُهُ أَوْ ظَاهِرُهَا التَّخْيِيرُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونُوا قَتَلُوا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ فَإِنَّهُ تَخْيِيرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَمَصْرُوفٌ إلَى نَظَرِهِ وَمَشُورَةِ الْفُقَهَاءِ بِمَا يَرَاهُ أَتَمَّ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَذَبَّ عَنْ الْفَسَادِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى هَوَى الْإِمَامِ وَلَكِنْ عَلَى الِاجْتِهَادِ يُرِيدُ بِقَدْرِ مَا خَبَرَهُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحَارِبَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَاف السَّبِيلَ أَوْ أُخِذَ بِحَضْرَةِ خُرُوجِهِ، فَإِنْ كَانَ طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَاف السَّبِيلَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ ضَرْبِهِ وَنَفْيِهِ، وَذَلِكَ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ إذَا أُخِذَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّذِي أُخِذَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَهَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكُ لَوْ أَخَذَ فِيهِ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُجْلَدَ وَيُنْفَى وَيُحْبَسَ حَيْثُ نُفِيَ إلَيْهِ، قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَقْطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ فَذَلِكَ لَهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيهِ فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ بِشَرْطِ الِاجْتِهَادِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ فَمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ كَانَ لَهُ إنْفَاذُهُ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ اخْتِيَارِهِ لِكُلِّ جِنَايَةٍ نَوْعًا مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهٍ يُبَيِّنُ وَجْهَ الِاجْتِهَادِ وَالْإِرْشَادِ إلَى الصَّوَابِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَاَلَّذِي طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَشَهَرَ ذِكْرُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ أَمْوَالًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْتَلُ وَلَا يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ غَيْرَ الْقَتْلِ قَالَ أَشْهَبُ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا أَخَافَ السَّبِيلَ وَأَعْظَمَ الْفَسَادَ وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا فَلْيَقْتُلْهُ الْإِمَامُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أَوْ قَطْعِ الْخِلَافِ أَوْ النَّفْيِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ إنَّ عَامِلًا لَهُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْت بِأَيْسَرِ ذَلِكَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَامِلَ رَأَى قَتْلَهُمْ أَوْ قَطْعَ أَيْدِيهِمْ وَلَا يَعْلَمُ مَا بَلَغَتْ وَأَعْلَمُهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْت بِأَيْسَرِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ وَالنَّدْبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَوْ أَخَذْت بِأَيْسَرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ أُخِذُوا بِأَثَرِ خُرُوجِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُخِيفُوا سَبِيلًا أَوْ يَقْتُلُوا أَحَدًا أَوْ يَأْخُذُوا مَالًا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَوْ أَخَذَ فِيهِمْ بِالْأَيْسَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ وَيَقْتَضِي مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِنْ رَأَى خِلَافَ رَأْيِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ فِيهِ الِاجْتِهَادَ. وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ لَا يُنَفِّذَ إلَّا رَأْيَ الْإِمَامِ لَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إذَا رَآهُ الْأَفْضَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ شَاوَرَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ اعْتِقَادُ صِحَّتِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَأَعْلَمَ عُمَرَ بِمَا ظَهَرَ إلَيْهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ مُوَافَقَتَهُ لَهُ أَوْ لِيُظْهِرَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَخْتَارُهُ دَلِيلًا يَرَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِمَا أَدَّاهُمَا اجْتِهَادُهُمَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُمَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقَتْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ طَالَتْ إخَافَتُهُ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا أَنْ يُقْتَلَ فَقَطْ، وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ قَبْلَ الْقَتْلِ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَا رِجْلُهُ مَعَ الْقَتْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الصَّلْبُ فَهُوَ الرَّبْطُ عَلَى الْجُذُوعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] أَيْ يُصَلِّبَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ مَصْلُوبًا بِطَعْنَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ثُمَّ يَصْلُبُهُ وَلَهُ أَنْ يَصْلُبَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ مَصْلُوبًا، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ الَّذِي يَرْوِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يُصْلَبُ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِالْقَتْلِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي نَفْسِ الْمُحَارِبِ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا التَّغْلِيظُ بِمَا يُفْعَلُ بِهِ حِينَ الْمَوْتِ مِنْ الصَّلْبِ وَالتَّشْنِيعِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَتْلَ فِي الْحُدُودِ يَمْنَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُضْرَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ، ثُمَّ يُقْتَلُ فَلَمَّا امْتَنَعَ التَّغْلِيطُ بِالضَّرْبِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَوَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَتْلِ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لَيَصْلُبَهُ فَمَاتَ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُصْلَبُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي السِّجْنِ أَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فَلْيَصْلُبْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَقَدْ فَاتَتْ الْعُقُوبَةُ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِصَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ أَوْ تَشْنِيعٌ لِلْقَتْلِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَإِذَا فَاتَ الْقَتْلُ بِالْمَوْتِ سَقَطَتْ صِفَتُهُ وَتَوَابِعُهُ، وَإِنَّمَا يُصْلَبُ لَيَظْهَرَ قَتْلُهُ وَلِيَبْقَى فَيُنْظَرَ إلَيْهِ فَيُزْدَجَرَ بِهِ، وَإِذَا مَاتَ فَلَا مَعْنَى لِصَلْبِهِ لِيَبْقَى عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ كُلِّ نَفْسٍ، وَأَمَّا إذَا قُتِلَ فِي السِّجْنِ فَقَدْ وَجَبَ الْقَتْلُ فَثَبَتَ تَوَابِعُهُ. (فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَقَائِهِ عَلَى الْجِذْعِ فَقَالَ أَصْبَغُ لَا بَأْسَ أَنْ يُخَلَّى لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ إنْزَالَهُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا صُلِبَ وَقُتِلَ نَزَلَ تِلْكَ السَّاعَةَ يُدْفَعُ إلَى وَلِيِّهِ يَدْفِنُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ أَهْلُهُ وَلَا غَيْرُهُمْ حَتَّى تَفْنَى الْخَشَبَةُ وَتَأْكُلَهُ الْكِلَابُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَلَى الْإِسْلَامِ قُتِلَ فِي عُقُوبَةٍ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ كَسَائِرِ مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنَّمَا صُلِبَ لِتَشْنِيعِ أَمْرِهِ وَيَبْقَى مَعْنَى الِازْدِجَارِ بِهِ، وَذَلِكَ يُنَافِي إنْزَالَهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يُنْزَلُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُنْزَلُ فَيُغَسِّلُهُ أَهْلُهُ، وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ رَأَى إعَادَتَهُ إلَى الْخَشَبَةِ فَعَلَ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ قَالَ: وَأَمَّا الَّذِي قَالَ لِي أَنَا فَلَا يُعَادُ إلَى الْخَشَبَةِ وَلَا يُتْرَكُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْقَتْلِ، وَلَكِنْ يُنْزَلُ وَيُدْفَعُ إلَى أَهْلِهِ فَمَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْخَشَبَةِ لِيَبْقَى وَجْهُ الِازْدِجَارِ بِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يُقْتَلُ بَعْدَ الصَّلْبِ لِتَشْنِيعِ صِفَةِ قَتْلِهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ الصَّلْبُ لِبَقَاءِ حَالِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ قَطْعَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُمْنَى أَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَطْعَ أَوَّلَ مَرَّةٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى فَإِذَا مَنَعَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مَانِعٌ انْتَقَلَ إلَى الْيَدِ الْيُسْرَى وَبَقِيَ الْقَطْعُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى عَلَى مَا كَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخِلَافَ مَشْرُوعٌ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَانْتَقَلَ إلَى الْيُسْرَى وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ قَطْعُ الرِّجْلِ إلَى الْيُمْنَى، وَبِذَلِكَ يُوجَدُ الْخِلَافُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَالْقَطْعُ فِي الْيَدَيْنِ مِنْ الْكُوعِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ {وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] . وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فَكَانَ الْقَطْعُ فِي الْحِرَابَةِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ الْمُحَارِبَ يُقْطَعُ فِي يَسِيرِ مَا يَأْخُذُهُ وَكَثِيرِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِصَابٌ وَالسَّرِقَةُ يُعْتَبَر فِيهَا النِّصَابُ؛ لِأَنَّ آيَاتِهَا مَخْصُوصَةٌ بِالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحِرْزُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَإِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا النَّفْيُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ يُؤْخَذُ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّفْيُ الْمُرَادُ بِهِ فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ هُوَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ وَحَبْسُهُمْ فِيهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَإِنَّ جَلْدَهُ مَعَ النَّفْيِ لَضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ لَمْ أَعِبْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُنْفَى وَيُحْبَسُ حَيْثُ يُنْفَى إلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، قَالَ أَصْبَغُ يُكْتَبُ إلَى عَامِلِ الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِجِلْدِهِ حَدٌّ إلَّا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ فِيهِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إذَا اسْتَحَقَّ عِنْدَهُ النَّفْيَ فَلْيَضْرِبْهُ وَيَسْجُنْهُ بِبَلَدِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، فَذَلِكَ عِنْدَنَا نَفْيٌ وَتَغْرِيبٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عِنْدَنَا النَّفْيُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْفَى مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ يُسْجَنُ بِهَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَبُوا فَيَخْتَفُونَ، وَأَنْتُمْ تَطْلُبُونَهُمْ لِتُقَامَ عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا ظَفَرَ بِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْدَى ثَلَاثِ عُقُوبَاتٍ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوْ الْقَطْعُ هُوَ فِي ذَلِكَ مُخَيَّرٌ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَفْيٌ وَجَلْدٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْقَتْلِ فَكَانَ نَفْيًا وَتَغْرِيبًا إلَى بَلَدٍ آخَرَ كَتَغْرِيبِ الزَّانِي. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ حُكْمُ النَّفْيِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأَحْرَارِ، وَأَمَّا الْعَبِيدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالزِّنَا. وَقَالَ رَبِيعَةُ لَا يُنْفَى الْمُسْلِمُ الْمُحَارِبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَلَكِنْ يُسْجَنُ فِي أَرْضِ الْقَرْيَةِ. (فَصْلٌ) : إذَا أُخِذَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنْ لَا عَفْوَ فِيهِ لِإِمَامٍ وَلَا وَلِيِّ قَتِيلٍ وَلَا لِرَبِّ مَتَاعٍ، وَهُوَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا شَفَاعَةَ فِيهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا رَأَى الْقَاضِي فِي مُحَارِبٍ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ مَنْ قَتَلَ فَعَفَوْا عَنْهُ فَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ هُوَ حُكْمٌ قَدْ نَفَذَ لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ يُنْقَضُ وَيُقْتَلُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا عَفْوَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ يُرِيدُ أَشْهَبُ أَنَّ الشَّاذَّ لَا يُعَدُّ خِلَافًا، وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ اللُّصُوصِ قَتِيلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ اسْتَوْجَبَ جَمِيعُهُمْ الْقَتْلَ، وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ إذَا قَتَلَ أَحَدُهُمْ وَكَانَ سَائِرُهُمْ رِدْءًا وَأَعْوَانًا لَمْ يُبَاشِرُوا الْقَتْلَ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ يُقْتَلُونَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ إلَّا الْقَاتِلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْوَقِيعَةَ يُشَارِكُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ فَكَذَلِكَ هَذَا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : لَا يُرَاعَى فِي الْقَتْلِ بِالْحِرَابَةِ تَكَافُؤُ الدِّمَاءِ فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَنْ يُكَافِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا قَتْلٌ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِعَدَمِ التَّكَافُؤِ، أَصْلُ ذَلِكَ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِ قِصَاصٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْحِرَابَةِ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إذَا رَأَى غَيْرَهُ أَفْضَلَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقَتْلِ إذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ تَغَلَّظَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَتْلٌ عَلَى وَجْهِ الْحِرَابَةِ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَإِذَا تَابَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ مَالِكٌ فِي تَوْبَةِ الْمُحَارِبِ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْ يَأْتِيَ لِلسُّلْطَانِ، وَإِنْ أَظْهَرَ تَوْبَتَهُ عِنْدَ جِيرَانِهِ وَأَخْلَدَ إلَى الْمَسَاجِدِ حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَجَائِزٌ أَيْضًا، قَالَ أَصْبَغُ: وَكَذَلِكَ إنْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ وَعُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَرْكٌ مَعْرُوفٌ بَيِّنٌ يَبُوحُ بِهِ وَبِالتَّوْبَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ لَمْ تَكُنْ تَوْبَتُهُ إلَّا إتْيَانَهُ السُّلْطَانَ وَقَوْلَهُ جِئْتُك تَائِبًا لَمْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُظْهِرَ تَوْبَتَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] ، يُرِيدُ أَنَّ هَذَا قَدْ قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ إتْيَانَهُ السُّلْطَانَ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ هُوَ نَفْسُ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] إظْهَارُ التَّوْبَةِ وَاعْتِقَادُهَا بِالْقَلْبِ فَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهَا، وَإِذَا أَتَى الْمُحَارِبُ السُّلْطَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ تُسْقِطُ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَدِّ الْحِرَابَةِ وَيُتَّبَعُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِحَسْبِ مَا لَوْ فَعَلَهَا بِغَيْرِ حِرَابَةٍ فَإِنْ قَتَلَ فِي حِرَابَتِهِ قُتِلَ بِهِ قَتْلَ قِصَاصٍ فَاعْتُبِرَتْ الْمُكَافَأَةُ فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِعَبْدٍ وَلَا بِذِمِّيٍّ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ، وَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ إنْ شَاءَ ذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَيَجُوزُ عَفْوُهُمْ، وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ لِعَدَمِ مُكَافَأَةٍ أَوْ لِعَفْوٍ ضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً، حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حُقُوقَ الْبَارِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَبَقِيَتْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَاعْتُبِرَ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِهِمْ إذَا تَجَرَّدَتْ. وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ إذَا تَابَ الْمُحَارِبُ، وَقَدْ كَانَ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي حِرَابَتِهِ لَمْ يُوضَعْ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْحِرَابَةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا قَتَلَ أَحَدُ الْمُتَحَارِبِينَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إذَا وَلِيَ أَحَدُ الْمُحَارِبِينَ قَتْلَ رَجُلٍ مِمَّنْ قَطَعُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَاوِنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قُتِلُوا أَجْمَعِينَ وَلَا عَفْوَ فِيهِمْ لِإِمَامٍ وَلَا لِوَلِيٍّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ تَابُوا كُلُّهُمْ فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلَهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَهُمْ قَتْلُ مَنْ شَاءُوا وَالْعَفْوُ عَمَّنْ شَاءُوا عَلَى دِيَةٍ أَوْ دُونَ دِيَةٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَدُّ الْحِرَابَةِ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ وَلِيَ الْقَتْلَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ أَمْسَكَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَلَا يُقْتَلُ الْآخَرُونَ وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالًا فَقُدِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ أَخَذَ الْمَالَ أَحَدُهُمْ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ غُرْمُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَالِ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةً أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، وَلَوْ تَابَ أَحَدُهُمْ وَقَدْ اقْتَسَمُوا الْمَالَ فَإِنَّ هَذَا التَّائِبَ يَغْرَمُ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ إنَّمَا قَوِيَ بِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا نَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا أَخَذَ فَعَلَى هَذَا سَلَّمَ أَشْهَبُ فِي الْمَالِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي

[ما جاء في الذي يسرق أمتعة الناس]

مَا جَاءَ فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ الَّتِي تَكُونُ مَوْضُوعَةً بِالْأَسْوَاقِ وَمُحْرَزَةً قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُهَا فِي أَوْعِيَتِهِمْ، وَضَمُّوا بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ أَنَّهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ حِرْزِهِ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عِنْدَ مَتَاعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَيْلًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ نَهَارًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُؤْخَذُ بِمَا جَنَى أَصْحَابُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا أُقِيمَ عَلَى الْمُحَارِبِ حَدُّ الْحِرَابَةِ فَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ أَوْ نُفِيَ لَمْ يُتَّبَعْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَنَاهُ فِي عَدَمِهِ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ اُتُّبِعَ فِي عَدَمِهِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ كَالسَّارِقِ، وَيُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الَّذِينَ قُطِعَ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ عَلَى اللُّصُوصِ أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالُوا لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا أَخَذَ لَهُمْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِابْنِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنَهُ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْحِرَابَةِ لَا بِالْقِصَاصِ إذْ لَا عَفْوَ فِيهِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ قَالَ سَحْنُونٌ: لِأَنَّ الْمُحَارِبِينَ إنَّمَا يَقْطَعُونَ بِالْمَفَاوِزِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ إلَّا مَنْ قَطَعُوا عَلَيْهِ وَيُقْضَى عَلَى الْمُحَارِبِينَ بِرَدِّ مَا أَخَذُوا، وَإِنْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ، قَالَ وَذَلِكَ إذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ نَصَارَى أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ لَمْ يُقْبَلُوا، وَلَكِنْ إذَا اسْتَفَاضَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ وَكَثْرَةِ الْقَوْلِ أَدَّبَهُمْ الْإِمَامُ وَيَنْفِيهِمْ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا بَلَغَ مِنْ شُهْرَةِ الْمُحَارِبِ بِاسْمِهِ مَا تَأَكَّدَ تَوَاتُرُهُ فَأَتَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ هَذَا فُلَانٌ، وَقَالُوا لَمْ نَشْهَدْ قَطْعَهُ لِلطَّرِيقِ أَوْ قَطْعَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ إلَّا أَنَّا نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ عِنْدَنَا وَاشْتَهَرَ قَطْعُهُ لِلطَّرِيقِ أَوْ قَطْعُهُ لِلنَّاسِ أَوْ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَمَا شُهِرَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالْفَسَادِ قَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ بِهَذِهِ الشُّهْرَةِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْعِيَانِ أَرَأَيْت دبوطا أَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ عَايَنَهُ يَقْطَعُ وَيَقْتُلُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَا وُجِدَ بِأَيْدِي اللُّصُوصِ فَادَّعَوْا أَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ هُوَ لَهُمْ، وَإِنْ كَثُرَ حَتَّى يُقِيمَ مُدَّعُوهُ الْبَيِّنَةَ، وَأَمَّا إذَا أَقَرُّوا أَنَّهُ مِمَّا أَخَذُوهُ بِالْحِرَابَةِ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الرُّفْقَةِ أَهْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَلَا يَجُوزُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَبَعْدَ أَنْ يَفْشُوَ ذَلِكَ وَلَا يَطُولَ جِدًّا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعُوهُ وَيَضْمَنُوا ذَلِكَ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ حُمَلَاءُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا حَلَفَا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ إنْ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ هَاهُنَا لَا بُدَّ لِلسُّلْطَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ] (ش) : قَوْلُهُ الَّذِي يَسْرِقُ أَمْتِعَةَ النَّاسِ الْمَوْضُوعَةَ بِالْأَسْوَاقِ مُحْرَزَةً أَنَّهَا وُضِعَتْ فِي السُّوقِ عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ لَهَا عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَقْصِدُ السُّوقَ، فَيَنْزِلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَانُوتٍ فَيَضَعُ مَتَاعَهُ فِي مَوْضِعٍ يَتَّخِذُهُ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا وَحِرْزًا لِمَتَاعِهِ يَضَعُهُ فِيهِ لِلْبَيْعِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا وُضِعَ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ مِنْ مَتَاعٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ حَانُوتٍ وَلَا تَحْصِينٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَوْضِعٌ أَحْرَزَ فِيهِ مَتَاعَهُ كَالْحَانُوتِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَكَذَلِكَ الشَّاةُ تُوقَفُ بِالسُّوقِ لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَرْبُوطَةً قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ يَعْقِلُهُ صَاحِبُهُ فِي السُّوقِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْمُنَاخَةُ بِمَوْضِعٍ يُرْتَادُ فِيهِ الْكِرَاءُ قَدْ عُرِفَ لِذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَوْقِفَ الشَّاةِ لِلتَّسْوِيقِ حِرْزٌ لَهَا، وَلِذَلِكَ وَقَفَتْ بِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ مُنَاخُ الْبَعِيرِ حِرْزٌ لَهُ فَمَنْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ لَهُ حُكْمُ السَّارِقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَالْغَسَّالُ يَغْسِلُ الثِّيَابَ فَيَنْشُرُهَا عَلَى الشَّجَرِ فَيَسْرِقُ مِنْهَا أَوْ يَسْرِقُ مَا عَلَى حِبَالِ الصَّبَّاغِينَ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْشُورَةِ فِي الطَّرِيقِ رَوَى فِي الْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْقَطْعُ فِيهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ وَأَصْبَغَ فِيمَنْ سَرَقَ حِبَالَ الْغَسَّالِ أَوْ سَرَقَ لِلْغَسَّالِ ثِيَابًا يُقْطَعُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا تُوضَعُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ لَهَا، وَإِنَّمَا تُوضَعُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ مَعَ كَوْنِهِ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاشِيَةِ فِي الْمَرْعَى لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَهَا، وَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهَا مِنْ حِرْزِهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ، وَلَيْسَ مَا قُصِدَ مِنْ تَجْفِيفِهَا بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِرْزًا لَهَا كَالثِّيَابِ الَّتِي تُوضَعُ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ حِرْزًا لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ لَهُ بِانْفِرَادِهِ وَمِنْ الْمَوْضِعِ مَا لَا يَكُونُ حِرْزًا إلَّا بِشَهَادَةِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذِكْرِ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا اتَّخَذَهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقَرًّا فَإِنَّهُ يَكُونُ حِرْزًا، وَإِنْ غَابَ صَاحِبُهُ عَنْهُ وَمَا لَمْ يَتَّخِذْهُ مَنْزِلًا وَلَا قَرَارًا وَإِنَّمَا وَضَعَ فِيهِ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِهِ لِذَهَابِهِ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ مُحَاوَلَةَ أَمْرٍ حَتَّى تَفْرُغَ فَيَأْخُذَهُ، أَوْ وَضَعَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَنْ يَقُومَ فَيَحْمِلَهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ حِرْزًا إلَّا مَعَ كَوْنِهِ مَعَهُ وَحِفْظِهِ لَهُ هُوَ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا،. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي مَطَامِيرَ بِالْفَلَاةِ يُحْرَزُ فِيهَا الطَّعَامُ، وَتُعَمَّى حَتَّى لَا تُعْرَفَ فَهَذَا لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَطْمَرُ بَيْتًا مَعْرُوفًا بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ، قُطِعَ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أَخْفَى مَكَانَهُ لَمْ يَجْعَلْهُ حِرْزًا وَلَا اعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ عَلَى إخْفَائِهِ وَسَتْرِهِ، وَاَلَّذِي تُرِكَ ظَاهِرًا أَوْ كَانَ بِقُرْبِ مَنْزِلِهِ إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي حِفْظِهِ طَعَامَهُ عَلَى مَوْضِعِهِ مَعَ قُرْبِهِ مِنْ مُرَاعَاتِهِ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْحِرْزِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ طَرَحَ ثَوْبًا بِالصَّحْرَاءِ، وَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَسَرَقَ فَإِنْ كَانَ مَنْزِلًا يَنْزِلُهُ قُطِعَ سَارِقُهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ طَرَحَهُ بِمَوْضِعِ ضَيْعَةٍ فَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَإِنْ طَرَحَهُ بِقُرْبٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ خِبَائِهِ أَوْ مِنْ خِبَاءِ أَصْحَابِهِ لَقُطِعَ مَنْ سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْخِبَاءِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا طَرَحَهُ بِالْفَلَاةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ مَنْزِلًا لَهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى الْمَوْضِعِ فِي حِفْظِهِ، وَلَا ثَبَتَ لِلْمَوْضِعِ حُكْمُ الْحِرْزِ وَإِنْ نَزَلَ بِمَوْضِعٍ اتَّخَذَهُ مَحَلًّا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْحِرْزِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى حِفْظِ أَسْبَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ أَوْ بِقُرْبِ خِبَائِهِ أَوْ بِقُرْبِ خِبَاءٍ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي حِفْظِهِ عَلَى مَوْضِعِهِ، وَجَعَلَهُ حِرْزًا لَهُ لِيُمْكِنَهُ مِنْ مُرَاعَاتِهِ أَوْ لِمُرَاعَاةِ أَهْلِ الْخِبَاءِ بِهِ فَمَنْ سَرَقَهُ مِمَّنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي مَوْضِعِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ الْقَطْعُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ صَبِيٌّ عَلَى دَابَّةٍ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَسَرَقَ رَجُلٌ رِكَابَيْ سَرْجِهَا فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ نَائِمًا وَكَانَ مُسْتَيْقِظًا فَعَلَى سَارِقِهَا الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ نَائِمًا فَيُشْبِهُ أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ نَائِمًا فَلَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَوْضِعَ لَمْ يَنْزِلْهُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ حِرْزًا يَحْفَظُ الصَّبِيَّ مَا دَامَ يَقْظَانَ فَإِذَا نَامَ مَعَ كَوْنِهِ صَبِيًّا زَالَ عَنْ الْمَوْضِعِ حُكْمُ الْحِرْزِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَتَرَكَهَا تَرْعَى، فَسَرَقَ رَجُلٌ سَرْجَهَا مِنْ عَلَيْهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ كَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا كَانَ مَعَ صَبِيٍّ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سَرَقَ قُرْطًا مِنْ أُذُنِ صَبِيٍّ أَوْ سِوَارًا عَلَيْهِ وَمَعَهُ، فَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يُحْرِزُ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْفَظُهُ قُطِعَ السَّارِقُ، وَإِنْ لِمَ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يَخْدُمُهُ أَوْ يَصْحَبُهُ فَلَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي حِرْزٍ فَيُقْطَعُ سَارِقُ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ وَيُحْرِزُ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْرِقُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ، ثُمَّ يُوجَدُ مَعَهُ مَا سَرَقَ فَيَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَقَدْ أُخِذَ الْمَتَاعُ مِنْهُ وَدُفِعَ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّارِبِ يُوجَدُ مِنْهُ رِيحُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَلَيْسَ بِهِ سُكْرٌ فَيُجْلَدُ الْحَدُّ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُجْلَدُ الْحَدُّ فِي الْمُسْكِرِ إذَا شَرِبَهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا شَرِبَهُ لِيُسْكِرَهُ، فَكَذَلِكَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَرَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا سَرَقَهَا حِينَ سَرَقَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عَلَيْهِ قُطِعَ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ وَلَا مَعَهُ حَافِظٌ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ عَلَى خَدِيعَةٍ بِمَعْرِفَةٍ مِنْ الصَّبِيِّ لَمْ يُقْطَعْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْقِلُ فَلَا يَثْبُتُ بِمَوْضِعِهِ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْحِرْزِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْحِرْزِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ هُوَ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي حَلَّ فِيهِ مَنْزِلًا، وَلَوْ اتَّخَذَهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مَنْزِلًا لَثَبَتَ لِلْمَوْضِعِ حُكْمُ الْحِرْزِ، وَقُطِعَ سَارِقُ مَا عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَافِظٌ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يُحْرِزُ مَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مَا عَلَيْهِ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ فِيمَنْ سَرَقَ خَلْخَالَ صَبِيٍّ أَوْ قُرْطَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ حُلِيِّهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ فِي دَارِ أَهْلِهِ أَوْ فِنَائِهِمْ وَالْأُخْرَى لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فَأَوْرَدَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَفْصِيلًا غَيْرَ أَنَّهُ يَقْتَضِي قَوْلُهُ إذَا كَانَ فِي دَارِ أَهْلِهِ أَوْ فِي فِنَائِهِمْ أَنَّهُ صَغِيرٌ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرِينَ ضَرَبُوا أَقْبِيَتَهُمْ أَوْ أَنَاخُوا إبِلَهُمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ بَعْضَ مَتَاعِهِمْ مِنْ الْخِبَاءِ أَوْ خَارِجِهِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ مُعَقَّلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُعَقَّلَةٍ إنْ كَانَتْ قُرْبَ صَاحِبِهَا مَعْنَاهُ أَنْ تُنَاخَ فِي مَنْزِلِهَا الَّذِي تَأْوِي إلَيْهِ بِقُرْبِ خِبَائِهِ، وَأَمَّا إنْ أَنَاخَهَا عَلَى أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَوْضِعِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحِرْزٍ لَهَا بِانْفِرَادِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ إبِلِهِمْ فِي الْمَرْعَى. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ مَرْكَبًا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْقَطْعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ إنْ كَانَتْ فِي الْمَرْسَى عَلَى وَتَدِهَا أَوْ بَيْنَ السُّفُنِ أَوْ مَوْضِعٍ هُوَ لَهَا حِرْزٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهَا أَحَدٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ أَوْ كَانَتْ مُخْلَاةً أَوْ افْتَلَتَتْ وَلَا أَحَدَ مَعَهَا فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَهَا، وَإِنْ كَانَ بِهَا مُسَافِرُونَ فَأَرْسَوْا بِهَا فِي مَرْسًى وَرَبَطُوهَا وَنَزَلُوا كُلُّهُمْ وَتَرَكُوهَا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ رَبَطُوهَا فِي غَيْرِ مَرْبِطٍ لَمْ يُقْطَعْ كَالدَّابَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَنْ يُرْسَى بِهَا فِيهِ قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ فَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يَنْزِلُ لَهَا فَهِيَ حِرْزُهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَنْزِلٍ لَهَا فَلَيْسَ بِحِرْزٍ بِانْفِرَادِهِ حَتَّى يَنْضَافَ إلَى ذَلِكَ مَنْ يُحْرِزُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الَّذِي يَسْرِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ يَقْطَعُ يُرِيدُ أَنَّهُ وُجِدَ مَعَهُ الْمَتَاعُ خَارِجَ الْحِرْزِ، قَالَ أَشْهَبُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ إلَى الْحِرْزِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَطْعِ بِرَدِّ الْمَتَاعِ إلَى الْحِرْزِ. (فَرْعٌ) وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ وَالسَّرِقَةِ، فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ لِيَسْرِقَ فَاتَّزَرَ بِإِزَارٍ ثُمَّ شُعِرَ بِهِ فَخُدَّ فَانْفَلَتَ، وَالْإِزَارُ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ عَلِمَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَنَّ الْإِزَارَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِلَاسِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ رَأَى صَاحِبُ الْمَتَاعِ السَّارِقَ يَسْرِقُ مَتَاعَهُ فَتَرَكَهُ، وَأَتَى بِشَاهِدَيْنِ فَرَأَيَاهُ وَرَبَّ الْمَتَاعِ يَخْرُجُ بِالسَّرِقَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ لِأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ زَادَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ أَصْبَغُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خَرَجَ بِالْمَتَاعِ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَكُنْ سَارِقًا؛ لِأَنَّ تَسْوِيغَهُ ذَلِكَ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَأْتُونَ إلَى الْبَيْتِ فَيَسْرِقُونَ مِنْهُ جَمِيعًا، فَيَخْرُجُونَ بِالْعِدْلِ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا أَوْ الصُّنْدُوقِ أَوْ الْخَشَبَةِ أَوْ بِالْمِكْتَلِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْمِلُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا أَنَّهُمْ إذَا أَخْرَجُوا ذَلِكَ مِنْ حِرْزِهِ وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ جَمِيعًا فَبَلَغَ ثَمَنَ مَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِمْ الْقَطْعُ جَمِيعًا قَالَ: وَإِنْ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَتَاعٍ عَلَى حِدَتِهِ فَمَنْ خَرَجَ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ دَارُ رَجُلٍ مُغْلَقَةً عَلَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهَا شَيْئًا الْقَطْعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الدَّارِ كُلِّهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ هِيَ حِرْزُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الدَّارِ سَاكِنٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ يُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَهُ وَكَانَتْ حِرْزًا لَهُمْ جَمِيعًا فَمَنْ سَرَقَ مِنْ بُيُوتِ تِلْكَ الدَّارِ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَخَرَجَ بِهِ إلَى الدَّارِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ إلَى غَيْرِ حِرْزِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْإِذْنِ لَهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ خَرَجَ بِهِ مُسْتَسِرًّا فَكَانَ سَارِقًا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ سَارِقًا إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى صِفَةِ فِعْلِهِ دُونَ صِفَةِ فِعْلِ غَيْرِهِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا اشْتَرَكُوا فِي إخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَمَبْلَغُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِمْ الْقَطْعُ، وَذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَسْتَطِيعُوا إخْرَاجَهُ إلَّا بِالتَّعَاوُنِ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: إنَّمَا مَثَلُ الْجَمَاعَةِ تَسْرِقُ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَيُقْطَعُونَ كَالْجَمَاعَةِ يَقْطَعُونَ يَدَ الرَّجُلِ خَطَأً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ ذَلِكَ عَوَاقِلُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ كُلَّ عَاقِلَةٍ إلَّا عُشْرُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ اشْتِرَاكُهُمْ فِي إخْرَاجِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّعَاوُنِ، وَهُمْ مِمَّا يُمْكِنُ أَحَدُهُمْ الِانْفِرَادَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ مَشَقَّةٍ كَالثَّوْبِ أَوْ الصُّرَّةِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّمَا يُقْطَعُ مَنْ أَخْرَجَ مِنْهُمْ نِصَابًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَتْ السَّرِقَةُ إذَا قُسِّطَتْ عَلَيْهِمْ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ فَعَلَيْهِمْ الْقَطْعُ كَانَتْ خَفِيفَةً أَوْ ثَقِيلَةً، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى تَعَاوُنٍ قَطَعُوا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَاوُنِ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ لَا قَطْعَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا إنْ كَانَ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبُعُ دِينَارٍ، قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِمْ الْقَطْعُ سَوَاءً كَانَتْ سَرِقَتُهُمْ يُمْكِنُ الِانْفِرَادُ بِهَا أَوْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِيمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمْ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِذَا اشْتَرَكُوا فِيهِ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِهِمْ الْحَدُّ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ وَلِأَنَّهُمْ سَرَقُوا مَتَاعًا فَحَمَلُوهُ عَلَى دَابَّةٍ إلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَإِنَّ الْقَطْعَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى رَأْيِ مَنْ رَأَى الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْ مَا نُقِلَ مِنْ الْمَتَاعِ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُهُمْ أَنْ يُخْرِجَهُ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا يُخْرِجُونَهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُخْرِجًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ الْآخَرُ فَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ جَمَّتِهِ وَلَا جُزْءٍ مِنْهُ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَكَانَ إخْرَاجُهُ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جَمِيعُهُمْ، وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ الْخَفِيفُ الَّذِي يُخْرِجُهُ أَحَدُهُمْ دُونَ تَكَلُّفٍ فَإِخْرَاجُ جَمَاعَتِهِمْ لَهُ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلَةُ الْقَبْضِ لَهُ، وَالِانْفِرَادُ بِهِ فَقَدْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِإِخْرَاجِ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إنْ خَرَجَ أَحَدُهُمْ بِالسَّرِقَةِ وَلَمْ يُخْرِجْ غَيْرُهُمْ شَيْئًا فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ النِّصَابَ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا اُعْتُبِرَ بِمَا أَخْرَجَ دُونَ مَا أَخْرَجَ غَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْحِرْزِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِرْزَ إذَا كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَارًا فَإِنَّهُ حِرْزٌ لِسَاكِنِهِ دُونَ مَالِكِهِ فَمَنْ اسْتَعَارَ بَيْتًا فَأَحْرَزَ فِيهِ مَتَاعَهُ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَنَقَبَ عَلَيْهِ مَالِكُ الْبَيْتِ الْبَيْتَ وَسَرَقَ الْمَتَاعَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ سَرَقَ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، فَلَزِمَهُ الْقَطْعُ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحِرْزِ مِلْكًا لَهُ لَا يَنْفِي عَنْهُ الْقَطْعَ كَمَا لَوْ كَانَتْ دَارُهُ فَأَكْرَاهَا. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَحْرَزَ مَتَاعَهُ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الدَّارُ غَيْرَ مُبَاحَةٍ أَوْ مُبَاحَةً فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ غَيْرَ مُبَاحَةٍ فَسَاكِنُ الدَّارِ وَاحِدٌ أَوْ سَكَنَهَا جَمَاعَةٌ سُكْنَى مَشَاعًا، فَإِنَّ جَمِيعَ الدَّارِ حِرْزٌ وَاحِدٌ لَا يُقْطَعُ إلَّا مَنْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ عَنْ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ سَكَنَ الدَّارَ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْفَرِدُ بِسُكْنَاهُ وَيُغْلِقُهُ عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّ كُلَّ مَسْكَنٍ مِنْهَا حِرْزٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، فَمَنْ سَرَقَ مِنْ مَسْكَنٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَ السَّرِقَةَ مِنْهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ تُدْخَلُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَنْفَرِدَ سَاكِنُهَا أَوْ يَسْكُنُهَا جَمَاعَةٌ فَإِنْ سَكَنَهَا وَاحِدٌ مُنْفَرِدٌ قَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي بَعْضِهَا. فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الدَّارِ الَّتِي هَذِهِ صِفَتُهَا وَلَا بَابَ لَهَا أَنَّهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهَا فَيُوجَدُ قَدْ خَرَجَ بِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَاكِنٌ آخَرُ فَلْيُقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدَّارِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا الدَّارُ الْمُبَاحَةُ الَّتِي هِيَ طُرُقٌ لِلْمَارَّةِ الْمُشْتَرَكَةُ النَّافِذَةُ فَهِيَ عِنْدِي كَالْمِقْيَاسِ بِالْفُسْطَاطِ لَيْسَ الْحِرْزُ فِيهَا إلَّا مَنْ أَحْرَزَ مَتَاعَهُ عَلَى حِدَةٍ، فَمَنْ نَزَلَ مِنْهَا مَوْضِعًا وَوَضَعَ مَتَاعَهُ وَتَابُوتَهُ فَلَا يَنْقَلِبُ بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَيْسَتْ أَبْوَابُهَا حِرْزًا لِمَا فِيهَا، وَهِيَ كَالدُّورِ تُغْلَقُ بِاللَّيْلِ وَتُبَاحُ بِالنَّهَارِ فَعَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ فِيهَا الْقَطْعُ، وَإِنْ أَخَذَ فِي الدَّارِ فَإِذَا جَمَعْنَا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ فِي الدَّارِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ دَارًا حَتَّى تَكُونَ طَرِيقًا لِلْمَارَّةِ نَافِذًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْحِرْزِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَالرَّبَضِ لَا يَكُونُ الْحِرْزُ فِيهِ إلَّا بِاِتِّخَاذِهِ مُسْتَقَرًّا فَهَذَا حُكْمُ الدَّارِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِسُكْنَاهَا السَّاكِنُ أَوْ حُكْمُ مَسَاكِنِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَمَّا سَاحَتُهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَوْ نَشَرَ فِي الدَّارِ بَعْضُ السَّاكِنِينَ ثَوْبًا فَسَرَقَهُ أَجْنَبِيٌّ قُطِعَ وَلَا يُقْطَعُ إنْ سَرَقَهُ بَعْضُ أَهْلِ الدَّارِ. (فَرْعٌ) وَهَذَا حُكْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْضِعِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحِرْزِ بِاخْتِلَافِ مَا يَكُونُ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذُكِرَ لِأَصْحَابِنَا فِي أَمْتِعَةِ الْبُيُوتِ فَأَمَّا الدَّابَّةُ تَكُونُ الدَّارُ الْمُشْتَرَكَةُ فِيهَا الْبُيُوتُ يَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْتَهُ، وَيُغْلِقُ عَلَيْهِمْ وَيَرْبِطُ بَعْضُهُمْ فِي الدَّارِ دَابَّتَهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ خَلَعَ بَابَهَا أَوْ نَقَبَهَا فَأَخَذَ مِنْ قَاعَتِهَا دَابَّةً فَيُؤْخَذُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الدَّارِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ إذَا حَلَّهَا وَبَانَ بِهَا عَنْ مِذْوَدِهَا بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الْبَابِ، وَكَذَلِكَ رِزْمَةُ الثِّيَابِ يَكُونُ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا مِثْلَ الْأَعْكَامِ وَالْأَعْدَالِ وَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ قَدْ جُعِلَ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ كَالدَّابَّةِ عَلَى مِذْوَدِهَا إذَا أَبْرَزَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ قُطِعَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا سَاكِنٌ وَاحِدٌ أَوْ لَا سَاكِنَ فِيهَا فَلَا يُقْطَعُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبِ الْمُلْقَاةِ وَالْعَمُودِ، وَأَمَّا مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِيُحْمَلَ إلَى مَخْزَنِهِ كَالثَّوْبِ وَالْعَيْبَةِ وَنَحْوِهِ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرَكَةً فَإِنَّمَا يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مَوْضِعُهُ حِرْزًا لَهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِنَقْلِهِ عَنْهُ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ حِرْزٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ فَجَمِيعُهَا حِرْزٌ لَهُ، وَأَمَّا مَا وُضِعَ فِي غَيْرِ حِرْزِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ لِيُنْقَلَ إلَى حِرْزِهِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَلَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حِرْزِهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ فَجَمِيعُهَا حِرْزٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يُنْقَلُ فِيهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَيَتَعَلَّقُ الْقَطْعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ جَمِيعِهِ دُونَ نَقْلِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يُؤْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهُ قَطْعٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا سَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهَا. قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي عَبْدِ الرَّجُلِ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يُؤْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ لَا يَكُونُ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهِ فَدَخَلَ سِرًّا فَسَرَقَ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ. قَالَ وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِخَادِمٍ لَهَا وَلَا لِزَوْجِهَا وَلَا مِمَّنْ تَأْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهَا، قَالَ وَكَذَلِكَ أَمَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ خَدَمِهَا وَلَا مِمَّنْ تُؤْمَنُ عَلَى بَيْتِهَا فَدَخَلَتْ سِرًّا فَسَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِ سَيِّدَتِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَنَّهَا تُقْطَعُ يَدُهَا. قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ تَسْرِقُ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ إنْ كَانَ الَّذِي سَرَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ فِي بَيْتٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي يُغْلِقَانِ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ فِي حِرْزٍ سِوَى الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ فَإِنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْهُمَا مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ فِيهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ يُقْطَعُونَ فِي السَّرِقَةِ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ كَافِرِينَ مَلَكَهُمْ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ إذَا سَرَقُوا مِنْ مَالِ أَجْنَبِيٍّ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ خَدَمِهِ وَلَا مِمَّنْ يَأْمَنُهُ عَلَى بَيْتِهِ وَإِنْ سَرَقَ عَبْدُك وَدِيعَةً عِنْدَك لِأَجْنَبِيٍّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ عَنْهُ. وَقَالَ رَبِيعَةُ إذَا سَرَقَ عَبْدُك مِنْ مَالٍ لَك فِيهِ شِرْكٌ مِنْ مَوْضِعٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ قُطِعَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ سَيِّدِهِ يُرِيدُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ قُطِعَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا إذَا كَانَ شَرِيكُ سَيِّدِهِ أَحْرَزَهُ عَنْ سَيِّدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَزَهُ عَنْ سَيِّدِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ سَرَقَ وَدِيعَةً عِنْدَ سَيِّدِهِ قَدْ أُحْرِزَتْ عَنْ الْعَبْدِ، وَإِطْلَاقُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَقْتَضِي قَطْعَ الْعَبْدِ فِي سَرِقَةِ وَدِيعَةٍ عِنْدَ سَيِّدِهِ أُحْرِزَتْ عَنْهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ رَبِيعَةَ وَهُوَ عِنْدِي قَوْلٌ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ أَنَّهُ مَالٌ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ، وَقَدْ أُحْرِزَ عَنْهُ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ جَمَعَ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِيَقْسِمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ فَسَرَقَ مِنْهُ عَبْدُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، قَالَ: وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبَيْتِ مَا لَمْ يَأْتَمِنْهُ مَوْلَاهُ عَلَى دُخُولِهِ، وَلَوْ كَانَ يَأْتَمِنُهُ عَلَى دُخُولِهِ وَفَتْحِهِ لَمْ يُقْطَعْ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَبْدَ يُقْطَعُ فِي مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَأَجْنَبِيٍّ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ سَيِّدِهِ يُرِيدُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ قُطِعَ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا سُرِقَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ الْقَطْعُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حِصَّةِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ سَارِقٌ لِمَالِ سَيِّدِهِ، فَإِذَا سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَقَدْ سَرَقَ نِصَابًا لِأَجْنَبِيِّ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ وَحَقَّ سَيِّدِهِ مِنْهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى قَدْرِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِ فَإِذَا سَرَقَ مَا فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِذَا كَانَ مَا فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ نِصَابًا وَلَا يُحْمَلُ مَا سَرَقَهُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ حِصَّةُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَتَمَيَّزُ وَكَوْنُهُ مُشَاعًا يَقْتَضِي أَنَّهُ سَرَقَ مَالًا لِسَيِّدِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ فَيُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ بِحِصَّةِ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ أَنَّهُمَا إذَا سُرِقَا مِنْ حِرْزِهِمَا وَغَلَقِهِمَا فَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَهُمَا الْقَطْعُ، قَالَ وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ وَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الَّذِي يَنْبُشُ الْقُبُورَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَا أَخْرَجَ مِنْ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا قَالَ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْقَبْرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا سَرَقَ عَبْدُ الْخُمْسِ وَعَبْدُ الْفَيْءِ مِنْ الْفَيْءِ فَإِنَّهُمْ يُقْطَعُونَ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَأَطْلَقَ فِي الصَّبِيِّ أَنَّهُ مَنْ سَرَقَهُ مِنْ الْحِرْزِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: لَا يُقْطَعُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ سَرَقَ نَفْسًا مَضْمُونَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ كَالْبَهِيمَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْحُرَّ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا قَطْعَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ يُمَيِّزُ مِثْلَ هَذَا وَيَفْهَمُهُ وَيَمْنَعُ مِنْهُ قَالَ أَشْهَبُ وَمَنْ دَعَا الصَّبِيَّ فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ حِرْزِهِ فَمَضَى بِهِ قُطِعَ بِخِلَافِ الْأَعْجَمِيِّ يُرَاطِنُهُ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خُرُوجَ الْأَعْجَمِيِّ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ فَلَا قَصْدَ لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ بِعَلَفٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا لَوْ جَعَلَ مَنْ أَخْرَجَهَا لَهُ، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَشَارَ بِلَحْمٍ عَلَى بَازٍ أَوْ إلَى صَبِيٍّ أَوْ أَعْجَمِيٍّ حَتَّى خَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُعْجِبُنَا، فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْأَعْجَمِيِّ عَائِدٌ إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَعْنَى الْحِرْزِ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ أَهْلِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ أَوْ يَحْفَظُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ حِرْزٌ لَهُ فَمَنْ سَرَقَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ قُطِعَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ، فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ مِثْلُ الْأَسْوَدِ وَالصَّقَلِّيِّ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ وَلَا يَعْرِفُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الْمُسْتَعْرِبُ يُرِيدُ الَّذِي قَدْ عَرَفَ وَمَيَّزَ فَلَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَهُ، وَرَوَى فِي الْمَزنِيَّةِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْصِحُ وَلَا يَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ، فَمَنْ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَلَوْ رَاطَنَهُ بِلِسَانِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَذَهَبَ لَمْ يُقْطَعْ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ النَّبَّاشَ يُقْطَعُ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْقَبْرِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٌ وَرَبِيعَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] وَهَذَا سَارِقٌ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ سَارِقُ مَوْتَانَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا، فَسَمَّتْهُ سَارِقًا فِي اللُّغَةِ وَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ سَارِقٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تَنَاوَلَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبُيُوتَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا يُرِيدُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحِرْزِ، وَالْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ كَمَا أَنَّ الْبَيْتَ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ وَمَعْنَى الْحِرْزِ مَا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ لَهُ وَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا وُضِعَ مِنْ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْقَبْرِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ فَإِذَا وَجَدُوا السَّرِقَةَ بَعْدُ فِي الْقَبْرِ لَمْ يُخْرِجْهَا فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ سَرِقَةً مِنْ حِرْزٍ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ فِيهَا وَلَا اسْتَحَقَّ بَعْدُ اسْمَ سَارِقٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَى بِالْمَتَاعِ خَارِجًا مِنْ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ إخْرَاجُ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزِهَا كَمَا لَوْ خَرَجَ وَأَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا ثُمَّ يَخْرُجَ فَيَأْخُذَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَهَا فِي مَعْنَى السَّرِقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما لا قطع فيه]

مَا لَا قَطْعَ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ، فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ فَوَجَدَهُ فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَسَجَنَ مَرْوَانُ الْعَبْدَ، وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الْعَبْدِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخَذَ غُلَامًا لِي وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَ يَدِهِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَمْشِيَ مَعِي إلَيْهِ فَتُخْبِرَهُ بِاَلَّذِي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَشَى مَعَهُ رَافِعٌ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ أَخَذْتَ غُلَامًا لِهَذَا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ: مَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ قَطْعَ يَدِهِ فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِالْعَبْدِ فَأُرْسِلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا قَطْعَ فِيهِ] ِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ، فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ فَوَجَدَهُ فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَسَجَنَ مَرْوَانُ الْعَبْدَ، وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَانْطَلَقَ صَاحِبُ الْعَبْدِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخَذَ غُلَامًا لِي وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَ يَدِهِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَمْشِيَ مَعِي إلَيْهِ فَتُخْبِرَهُ بِاَلَّذِي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَشَى مَعَهُ رَافِعٌ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ أَخَذْتَ غُلَامًا لِهَذَا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ: مَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ قَطْعَ يَدِهِ فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِالْعَبْدِ فَأُرْسِلَ) (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ فَأَرَادَ مَرْوَانُ قَطْعَ يَدِهِ وَالْوَدِيُّ هُوَ الْفَسِيلُ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ نَخْلَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا قَطْعَ فِي الْجُمَّارِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ لَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْهُ عِنْدَك مَنْ يَقْصِدُ إحْرَازَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَ فِي الشَّجَرِ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ، وَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ وَالْوَدِيُّ لَوْ وُضِعَا فِي مَنْبَتِهِمَا لِلْإِحْرَازِ، وَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِلنَّمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ حِرْزًا يُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الْقَطْعِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ اقْتَلَعَ النَّخْلَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الرَّأْسِ، وَخَرَجَ بِهَا لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ كَانَتْ خَشَبَةً مُلْقَاةً تُرِكَتْ فِي الْحَائِطِ لَكَانَ فِيهَا الْقَطْعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إذَا قَطَعَهَا رَبُّهَا وَوَضَعَهَا فِي الْجِنَانِ قُطِعَ سَارِقُهَا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الشَّجَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَظُنُّهُ لَا حِرْزَ لَهَا إلَّا حَيْثُ أُلْفِيَتْ فِيهِ، وَلَوْ وُضِعَتْ فِيهِ لِتُحْمَلَ إلَى حِرْزٍ لَهَا لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُضَمَّ إلَيْهِ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَأَحْسَبُ فِيهِ اخْتِلَافًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا قَطْعَ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ فَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَنْزِلِهِ، فَهَذَا يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ رُبُعَ دِينَارٍ فَجَعَلَ لِلدَّارِ تَأْثِيرًا فِي حِرْزٍ مِثْلِ هَذَا يَكُونُ صَاحِبُ الدَّارِ سَاكِنًا مَعَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا جَدَّ التَّمْرُ أَوْ وُضِعَ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ الْقَطْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَارِسٌ كَمَا لَا يُرَاعَى فِي الْحِرْزِ حَارِسٌ وَيَقْتَضِي مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ بِأَنَّ بَقَاءَهُ يَطُولُ هُنَاكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحِرْزٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضِعٌ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْجَرِينِ، وَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ قُطِعَ سَارِقُهُ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ، وَمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَالٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ يَابِسًا. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الزَّرْعُ يُحْصَدُ وَيُرْبَطُ يَابِسًا وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لِيُحْمَلَ إلَى الْجَرِينِ فَيُسْرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَارِسٌ، وَلَيْسَ كَالزَّرْعِ الْقَائِمِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمَوْضِعُهُ لَهُ حِرْزٌ وَرُبَّمَا طَالَ مَقَامُهُ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ فَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرِ الْمَقْثَأَةِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْمَعَ فِي الْجَرِينِ، وَهُوَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ لِيُحْمَلَ إلَى الْبَيْعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ وَجَدَهُ مَغْرُوسًا فِي حَائِطِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجَدَهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُعَلَّقَ أَوْ بَعْدَ مَا عُلِّقَ، وَيُمْكِنُ إذَا اقْتَلَعَ أَنْ يُعَلَّقَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَفُوتَ ذَلِكَ فِيهِ وَعَلَى الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ صَاحِبُ الْوَدِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَنَقْلُ الْوَدِيِّ إلَى الْمَوْضِع الْقَرِيبِ الَّذِي لَا مَشَقَّةَ فِي رَدِّهِ وَلَا قِيمَةَ لِحَمْلِهِ لَا يُفِيتُ اسْتِرْجَاعَهُ فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِرَدِّهِ وَلِحَمْلِهِ قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ سَرَقَ طَعَامًا فَنَقَلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلَقِيَهُ رَبُّهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ بِمِثْلِهِ فِي بَلَدٍ سَرَقَهُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مَا يَجُوزُ فِي السَّلَفِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا لَهُ مِثْلُهُ بِبَلَدِ سَرِقَتِهِ لَا قِيمَتِهِ وَلَا أَخَذَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ مُخَيَّرٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا أَلْزَمَهُ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ سَرِقَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ إلَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ أَسْلَفَهُ إيَّاهُ حَيْثُ وَجَدَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَقْلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ أَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَمَلًا يُغَيِّرُ عَيْنَهُ وَهَذَا أَبْيَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ عَيْنُهُ بِالنَّقْلِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا تَغْيِيرُ السَّارِقِ لِلْمَتَاعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحِرْزِ أَوْ خَارِجًا مِنْ الْحِرْزِ فَإِنْ وَجَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ كَالشَّاةِ يَذْبَحُهَا أَوْ الطِّيبِ يَتَطَيَّبُ بِهِ أَوْ الثَّوْبِ يَقْطَعُهُ فَإِنْ بَلَغَ قِيمَتُهُ مَا خَرَجَ بِهِ مِنْهُ النِّصَابَ لَزِمَهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ نِصَابًا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَمَا أَتْلَفَهُ فِي الْحِرْزِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّرِقَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْإِتْلَافِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا فِي الْحِرْزِ يَبْلُغُ النِّصَابَ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ وَلَوْ ابْتَلَعَ دَنَانِيرَ ثُمَّ خَرَجَ لَزِمَهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ لَمْ تَتْلَفْ بِابْتِلَاعِهِ وَالطَّعَامُ قَدْ تَلِفَ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَلَوْ غَيَّرَ ذَلِكَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُطِعَ السَّارِقُ وَوَجَدَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ أَتْلَفَ السَّارِقُ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا اُتُّبِعَ بِقِيمَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ وَالْقَطْعُ، وَكَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَغْرَمَهُ وَلَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ شَاءَ أَقْطَعَهُ وَلَمْ يُغَرِّمْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِأَنَّ الْغُرْمَ وَالْقَطْعَ لَا يَتَنَافَيَانِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرْمِ إتْلَافُ الْمَالِ وَالْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، وَإِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا جَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ فِيهِ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي هَتْكِ الْحِرْزِ، وَإِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا جَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا كَمَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَوَطِئَهَا، وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَلَزِمَهُ الْغُرْمُ وَالْحَدُّ. (فَرْعٌ) وَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا قُطِعَ وَلَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَا تَجِبُ فِيهِ عُقُوبَتَانِ وَالِاتِّبَاعُ بِالْغُرْمِ عُقُوبَةٌ فَلَمَّا تَعَاقَبَ بِالْقَطْعِ لَمْ يُجْعَلْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ أُخْرَى وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ إحْدَى الْمُطَالَبَتَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَالثَّانِيَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَالِهِ فَلِذَلِكَ اجْتَمَعَتَا. (فَرْعٌ) وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْقَطْعِ مَا أَتْلَفَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ وَإِذَا مَا أَتْلَفَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ فَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ بِالْقَطْعِ فِي يُسْرِهِ وَعُسْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ، وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ قَطْعٌ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ إنَّمَا اسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ فِي أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ وَدِيَّهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعْدَاهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَلَبَهُ بِأَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ أَعْلَمَهُ مِنْهُ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ عَلَيْهِ، وَكَانَ سَبَبًا لِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ إمَّا لِأَنَّهُ أَقَامَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِإِقْرَارِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ جَاءَ بِغُلَامٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ اقْطَعْ يَد غُلَامِي هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَاذَا سَرَقَ فَقَالَ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ بَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِ الْوَدِيِّ لَكَانَ لَهُ قَطْعُهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى مُطَالَبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَيُقْطَعُ غَابَ أَوْ حَضَرَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً} [المائدة: 38] ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِمَ يَفْتَقِرْ إلَى حُضُورِ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ الزَّانِي. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَنَّ مَرْوَانَ سَجَنَ الْعَبْدَ، وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَجَنَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا يَسْجُنُهُ لِتَتِمَّ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَيَكُونَ مَعْنَى أَرَادَ قَطْعَهُ أَنَّهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ إنْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاعْتَقَدَ هُوَ وُجُوبَ الْقَطْعِ وَلَكِنَّهُ سَجَنَهُ إلَى أَنْ يُشَاوِرَ فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَيَعْلَمَ مُوَافَقَتَهُمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُخَالَفَتَهُمْ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْآيَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَظَرٍ فَيُوقَفُ طَلَبًا أَوْ نَظَرًا أَوْ لِطَلَبِ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرِ مُخَالَفَةِ نَظَرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَذَهَبَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا يَجِبُ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَبَ الْقَطْعُ اسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ رَفَعَهُ عَنْ عَبْدِهِ بِإِظْهَارِهِ إلَى مَرْوَانَ أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَجِدَ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْعُدُولِ عَنْ الْقَطْعِ فَأَخْبَرَهُ رَافِعٌ بِأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ وَهَذَا خَاصٌّ يَخْتَصُّ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْعَبْدِ سَأَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ مَعَهُ إلَى مَرْوَانَ وَيُعْلِمَهُ بِمَا عِنْدَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمَهُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ بِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ خِلَافِ مَا عِنْدَ رَافِعٍ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَعَهُ رَافِعٌ إلَى مَرْوَانَ قِيَامًا بِالْحَقِّ وَإِظْهَارًا لَهُ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ أَنْ يُنْفِذَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَلَمَّا عَلِمَ مَرْوَانُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ وَمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ، وَأَمَرَ بِهِ فَأُرْسِلَ يُرِيدُ إلَى صَاحِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَاقْطَعْ يَدَ غُلَامِي يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ فِي الزِّنَا وَالْخَمْرِ، فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ إقَامَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ قَطْعُ عُضْوٍ أَوْ قَتْلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ إقَامَتُهُ إلَّا الْإِمَامَ فَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَسَبَبُ مَا دَعَاهُ إلَيْهِ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ هُوَ أَنَّهُ سَرَقَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَعْنَى السَّرِقَةِ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَلَمَّا اخْتَلَفَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ سَأَلَهُ عَمَّا سَرَقَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ لِتَقْدِيرِ النِّصَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَا تَوَصَّلَ إلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَالِكِ لِمَا سُرِقَ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَةِ الْحِرْزِ الَّذِي مِنْهُ سَرَقَ فَأَجَابَهُ عَنْ النِّصَابِ بِأَنَّ قِيمَتَهُ سِتُّونَ دِرْهَمًا وَهِيَ أَمْثَالُ النِّصَابِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ مَا سَرَقَ هُوَ مِرْآةٌ وَالْمِرْآةُ مِمَّا يُقْطَعُ سَارِقُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَثْمُونٍ كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ حَتَّى الْمَاءِ إذَا أُحْرِزَ لِوُضُوءٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا سَرَقَ مِنْهُ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْمِرْآةَ كَانَتْ لِامْرَأَتِهِ فَرَأَى عُمَرُ أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ كَانَ يَخْدُمُهُمْ وَيَدْخُلُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ مَتَاعُ امْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا مِمَّا يَحْتَاجُ أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ لَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَهُ مِنْ بَيْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الزَّوْجَةِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَيُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ إذَا سَرَقَهُ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أُتِيَ بِإِنْسَانٍ قَدْ اخْتَلَسَ مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَأَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ فِي الْخِلْسَةِ قَطْعٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَخَذَ نَبَطِيًّا قَدْ سَرَقَ خَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ فَحَسَبَهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَاةً لَهَا يُقَالُ لَهَا أُمَيَّةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَتْنِي وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ فَقَالَتْ تَقُولُ لَك خَالَتُك عَمْرَةُ يَا ابْنَ أُخْتِي أَخَذْتُ نَبَطِيًّا فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ ذُكِرَ لِي فَأَرَدْتُ قَطْعَ يَدَهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَتْ فَإِنَّ عَمْرَةَ تَقُولُ لَك لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَرْسَلَتْ النَّبَطِيَّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا قَطْعَ فِي ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ سَرَقَ مَا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُقْطَعُ الْأَبُ بِسَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِّ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْطَعُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْطَعُ وَيُقْطَعُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مُدْلٍ بِأَبِيهِ كَالْأَبِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَقُطِعَ لِسَرِقَةِ مَالِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَيُقْطَعُ الِابْنُ بِسَرِقَةِ مَالِ أَبَوَيْهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ الْأَبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأَمَتِهِ حُرٌّ فَهُوَ كَالْأَخِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَإِذَا سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ مَالِ ابْنِ سَيِّدِهِ قُطِعَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِمَالٍ لِسَيِّدِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْخَادِمَ لَوْ سَرَقَ مَالَ مَنْ هُوَ خَادِمٌ لَهُ فَلَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَ جَمِيعُهُ مِلْكًا لَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا فَسَرَقَ مَالَ بَعْضِ مَنْ لَهُ فِيهِ حِصَّةٌ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَرَقَ عَبْدُك أَوْ مُكَاتَبُك أَوْ مُدَبَّرُك مِنْ مَالِ سَيِّدِك أَوْ مُكَاتَبِك أَوْ مُدَبَّرِك مِمَّا حُجِرَ عَنْهُ لَمْ يُقْطَعْ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ مَرْوَانَ أُتِيَ بِسَارِقٍ قَدْ اخْتَلَسَ مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّاهُ سَارِقًا لِسَرِقَةٍ تَقَدَّمَتْ لَهُ قَبْلَ هَذَا الِاخْتِلَاسِ مِنْ حُكْمِ السَّرِقَةِ، وَلِذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ظَهَرَ ذَلِكَ إلَيْهِ مِنْ حُكْمِهِ لَكِنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِظْهَارَ عَلَى مَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَحَقُّقَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ بِسُؤَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِي الْخِلْسَةِ قَطْعٌ، وَالْخِلْسَةُ أَنْ يَأْخُذَ الشَّيْءَ مُسَارِعًا وَيُبَادِرَ بِأَخْذِهِ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ، وَالسَّرِقَةُ إنَّمَا هِيَ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِسْرَارِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاسٍ وَلَا مُبَادَرَةٍ وَقَالَ عَطَاءٌ تُقْطَعُ الْيَدُ الْمُخْتَفِيَةُ وَلَا تُقْطَعُ الْمُخْتَلِسَةُ. (ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِنَبَطِيٍّ قَدْ سَرَقَ خَوَاتِمَ حَدِيدٍ النَّبَطِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْلَمَ وَعَلَى كِلَا الْحَالَتَيْنِ يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُعَاهِدُ الْمُسْتَعْلِنُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَهَذَا عَامٌّ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَوَجَبَ أَنْ يُقَامَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدُ كَحَدِّ الْقَذْفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَحْبِسُهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ يُحْتَمَلُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْقَطْعِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَظْهِرَ بِفَتْوَى الْعُلَمَاءِ فَسَجَنَهُ إلَى أَنْ يَتَفَرَّغَ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَجَنَهُ لِيَأْتِيَ مَنْ يُسْتَوْفَى ذَلِكَ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَجَنَهُ لِشِدَّةِ وَقْتٍ خَافَ مِنْهُ عَلَيْهِ فَسَجَنَهُ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَخَذَ نَبَطِيًّا فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ النِّصَابِ، وَإِنَّ قِيمَةَ الْخَوَاتِمِ تَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَثْبُتُ النِّصَابُ بِقَوْلِهَا، وَذَلِكَ رُبُعُ دِينَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. (فَرْعٌ) وَإِرْسَالُهُ النَّبَطِيَّ عِنْدَ مَا انْتَهَى إلَيْهِ مِنْ قَوْلِهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ فَتْوَى النِّسَاءِ وَصِحَّةِ الْأَخْذِ بِأَقْوَالِهِنَّ إذَا كُنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي اعْتِرَافِ الْعَبِيدِ أَنَّهُ مَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ يَقَعُ الْحَدُّ فِيهِ أَوْ الْعُقُوبَةُ فِيهِ فِي جَسَدِهِ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَمَّا مَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِأَمْرٍ يَكُونُ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى سَيِّدِهِ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الْأَجِيرِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ يَكُونَانِ مَعَ الْقَوْمِ يَخْدِمَانِهِمْ إنْ سَرَقَاهُمْ قُطِعَ؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا لَيْسَتْ بِحَالِ السَّارِقِ، وَإِنَّمَا حَالُهُمَا حَالُ الْخَائِنِ وَلَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ فَيَجْحَدُهَا إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا جَحَدَهُ قَطْعٌ) . (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي السَّارِقِ يُوجَدُ فِي الْبَيْتِ قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَمْرًا لِيَشْرَبَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَمَثَلُ ذَلِكَ رَجُلٌ جَلَسَ مِنْ امْرَأَةٍ مَجْلِسًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَهَا حَرَامًا فَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ حَدٌّ، قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخِلْسَةِ قَطْعٌ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا يُقْطَعُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ مَنْ اعْتَرَفَ مِنْ الْعَبِيدِ بِشَيْءٍ يُوجِبُ عُقُوبَةً فِي جِسْمِهِ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ نَافِذٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ يُوجِبُ إقْرَارُهُ نَقْلَ رَقَبَتِهِ إلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً، أَوْ يُقِرَّ بِمَا يُوجِبُ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ سَيِّدُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهُ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ وَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ الْأَجِيرَ وَالْخَادِمَ الْمُؤْتَمَنَ عَلَى الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَخْذَ هَؤُلَاءِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْخِيَانَةِ وَالْخَائِنُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَتَاعِ قَدْ ائْتَمَنَهُمْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَا سَرَقُوهُ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ يَجْحَدُ وَيَخُونُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ مِنْ شُرُوطِهَا الْحِرْزُ، وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ الْوُصُولُ إلَى مَوْضِعٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ حِرْزًا. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي جَحْدِ الْعَارِيَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مُؤْتَمَنٌ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِجَحْدِ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ. (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ السَّارِقَ إذَا دَخَلَ الْحِرْزَ فَوَجَدَ الْمَتَاعَ فَأَخَذَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ لَمْ تَتِمَّ بَعْدُ بِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ مِنْ الْحِرْزِ وَنَقْلِهِ عَنْهُ، وَلَوْ قَرُبَ الْمَتَاعُ إلَى بَابِ الْحِرْزِ فَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجًا مِنْ الْحِرْزِ قُطِعَ الَّذِي دَخَلَ بِهَا، وَعُوقِبَ الْمُقَرِّبُ لِلْمَتَاعِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الَّذِي يُقَرِّبُ الْمَتَاعَ إلَى النَّقْبِ يَتْرُكُهُ فَيُدْخِلُ صَاحِبُهُ مِنْ خَارِجِ الْحِرْزِ يَدَهُ فَيَأْخُذُهُ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ، وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ يُقْطَعُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُقْطَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْقَطْعَ يَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الْخَارِجِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْقَطْعُ. وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ الْخَارِجُ إلَى الْحِرْزِ فَنَاوَلَهُ الدَّاخِلُ قُطِعَا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذَ الدَّاخِلُ فِي الْحِرْزِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَوْ اجْتَمَعَتْ أَيْدِيهِمَا فِي الْبَيْتِ فِي الْمُنَاوَلَةِ قُطِعَا جَمِيعًا فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْوِفَاقَ لِقَوْلِ أَشْهَبَ وَأَنَّهُ إذَا قَرَّبَهُ إلَى النَّقْبِ وَلَمْ يُنَاوِلْهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَنَاوَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الدَّاخِلِ يَرْبِطُ الْمَتَاعَ لِيُخْرِجَهُ الْخَارِجُ فَالْحَقُّ أَنَّهُمَا

[كتاب الجامع]

(ص) : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كِتَابُ الْجَامِعِ) الدُّعَاءُ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقْطَعَانِ جَمِيعًا وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَطْعُ عَلَى الْمُخْرِجِ وَحْدَهُ، وَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَارِقٌ قَدْ هَتَكَ الْحِرْزَ بِإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ مِنْهُ فَاَلَّذِي رَبَطَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ فَخَرَجَتْ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ رَمَى أَحَدُهُمَا بِالْمَتَاعِ مِنْ الْحِرْزِ إلَى خَارِجِهِ ثُمَّ يُؤْخَذُ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْحِرْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي خُرُوجِ الْمَتَاعِ لَا فِي خُرُوجِ السَّارِقِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَلَوْ كَانَ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَالْآخَرُ أَسْفَلَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَدْلَى لَهُ حَبْلًا فَرَبَطَ بِهِ الْأَسْفَلُ الْمَتَاعَ وَرَمَى بِهِ إلَيْهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَرَفَعَهُ الْأَعْلَى فَإِنَّهُمَا يُقْطَعَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِتَعَاوُنِهِمَا عَلَى إخْرَاجِهِ مَعَ حَاجَتِهِمَا إلَى التَّعَاوُنِ وَكَاَلَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الْآخَرِ مَا يَخْرُجُ بِهِ، وَبِهَذَا أَخَذَ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، وَلَوْ نَاوَلَ الَّذِي أَسْفَلَ الْبَيْتِ وَاَلَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ دُونَ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَهُ رَبِيعَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ إلَى الطَّرِيقِ، أَوْ أَخْرَجَهُ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي أَسْفَلَهُ دُونَ الَّذِي يُنَاوِلُهُ مِنْ أَسْفَلَ الدَّارِ، قَالَ وَأَحْسَبُ أَنَّ فِي الْأَسْفَلِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي أَسْفَلَهُ، وَإِنَّمَا الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ بِطَرْحِهِ فِي الطَّرِيقِ وَمَا دَامَ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَلَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ عَنْ الْحِرْزِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَفْيِ الْقَطْعِ عَنْ الْمُنَاوِلِ مِنْ أَسْفَلِ الدَّارِ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِنْ الْحِرْزِ، وَإِنَّمَا نَاوَلَهُ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْحِرْزِ فَالْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَوْ أَخْرَجَ الَّذِي دَاخِلَ الْحِرْزِ يَدَهُ بِالسَّرِقَةِ فَيَتَنَاوَلُهَا مِنْهُ أَحَدٌ خَارِجَ الْحِرْزِ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخْرِجُ لَهَا مِنْ الْحِرْزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [كِتَابُ الْجَامِعِ] [الدُّعَاءُ لِلْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا] (ش) : دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَارِكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مِكْيَالِهِمْ وَصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ لَهَا وَحِرْصًا عَلَى الرِّفْقِ بِمَنْ يَسْكُنُهَا لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَى النَّاسِ فِي زَمَنِ الْهِجْرَةِ مِنْ سُكْنَاهَا، ثُمَّ زَالَ حُكْمُ الْفَرْضِ وَبَقِيَ النَّدْبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمِكْيَالِ الصَّاعَ وَالْمُدَّ فَذَكَرَهُمَا أَوَّلًا بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، ثُمَّ أَكَّدَ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكَايِيلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْأَوْسُقِ وَغَيْرِهَا، وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا كَنِصْفِ الْمُدِّ وَغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْبَرَكَةِ أَنْ يُبَارِكَ بَرَكَةَ دُنْيَا وَآخِرَةٍ فَفِي الدُّنْيَا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ الَّذِي يُكْتَالُ بِهَذَا الْكَيْلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ تَكْثُرُ بَرَكَتُهُ بِأَنْ يُجْزِئَ مِنْهُ الْعَدَدُ مَا لَا يُجْزِئُ مَا كِيلَ بِغَيْرِهِ، أَوْ يُبَارِكَ فِي التَّصَرُّفِ بِهِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ بِمَعْنَى الْأَرْبَاحِ، أَوْ يُرِيدُ بِهِ الْمَكِيلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ دُعَاءً فِي كَثْرَةِ ثِمَارِهِمْ وَغَلَّاتِهِمْ وَتِجَارَاتِهِمْ، وَأَمَّا الْبَرَكَةُ الدِّينِيَّةُ فَإِنَّهَا بِهَذَا الْكَيْلِ يَتَعَلَّقُ بِكَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِنْ أَدَاءِ زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي

[ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها]

صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيُّك، وَإِنِّي عَبْدُك وَنَبِيُّك وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوك لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاك بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ رَآهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ» ) . مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ الْأَجْدَعِ أَنَّ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ فَأَتَتْهُ مَوْلَاةٌ لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: إنِّي أَرَدْت الْخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: اُقْعُدِي لُكَعُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا وَشَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيُّك، وَإِنِّي عَبْدُك وَنَبِيُّك وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوك لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاك بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ رَآهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ يُرِيدُ أَوَّلَ ثَمَرِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَقْصُودُ ثِمَارِهِمْ أَتَوْا بِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَرُّكًا بِدُعَائِهِ وَإِعْلَامًا لَهُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثِّمَارِ إمَّا لِمَا كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ إرْسَالِ الْخَرَّاصِ إلَى ثِمَارِهِمْ لِيَسْتَحِلُّوا أَكْلَهَا وَبَيْعَهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا، وَإِمَّا لِيُعْلِمُوهُ جَوَازَ بَيْعِ ثِمَارِهِمْ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا» يُرِيدُ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ وَيَدْعُوَ لَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي مَدِينَتِهِمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَرَافِقِهَا وَمَنَافِعِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيُّك وَإِنِّي عَبْدُك وَنَبِيُّك» يُرِيدُ إظْهَارَ وَسِيلَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ كَمَا أَنْعَمَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ إبْرَاهِيمَ دَعَا لِمَكَّةَ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنِّي أَدْعُوك لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاك بِهِ لِمَكَّةَ» وَمِثْلِهِ مَعَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ قَالَ: لِأَنَّ تَضْعِيفَ الدُّعَاءِ لَهَا إنَّمَا هُوَ لِفَضْلِهَا عَلَى مَا قَصَرَ عَنْهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ وَجْهَ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا يَخْتَصُّ بِدُنْيَاهُمْ فَقَالَ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَقَالَ وَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَبِدُعَاءٍ آخَرَ مَعَهُ وَهُوَ لِأَمْرِ آخِرَتِهِمْ فَتَكُونُ الْحَسَنَاتُ تُضَاعَفُ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى فَضِيلَةِ إحْدَى الْبُقْعَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَغُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِأَمْرِ آخِرَتِهِمْ، وَعَلِمَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ مَعَهُ فَيَعُودُ إلَى مِثْلِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ فِي ثَمَرَاتِهِمْ بِبَرَكَةٍ قَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ثَمَرَاتِهِمْ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي ثِمَارِهِمْ مِثْلُ الْبَرَكَةِ فِي ثِمَارِ مَكَّةَ إمَّا لِقُرْبِ تَنَاوُلِهَا أَوْ لِكَثْرَتِهَا أَوْ لِفَضْلِهَا أَوْ لِلْبَرَكَةِ فِي الِاقْتِيَاتِ بِهَا، أَوْ لِيُوصَلَ مَنْ يَقْتَاتُ بِهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مِثْلَيْ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ مَنْ يَقْتَاتُ فِي مَكَّةَ بِثِمَارِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عِظَمَ الْأَجْرِ فِي إدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ لِصِغَرِهِ، فَإِنَّ سُرُورَ ذَلِكَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ سُرُورِ الْكَبِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا] (ش) : قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي أَرَدْت الْخُرُوجَ تُرِيدُ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهَا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الزَّمَانُ تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ وَلِضِيقِ التَّصَرُّفِ بِهَا مِنْ أَجْلِ الْفِتْنَةِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ مَنْعِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQجَلْبِ الْأَقْوَاتِ إلَيْهَا مَا أَغْلَى الْأَقْوَاتِ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ اُقْعُدِي لُكَعُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا وَالتَّبَسُّطِ بِالسَّبِّ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ لَهَا وَالْإِشْفَاقِ عَلَيْهَا لِخَطَئِهَا فِيمَا تُرِيدُ مِنْ الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَدِينَةِ مَا فِي مُلَازَمَتِهَا وَالصَّبْرِ عَلَى شِدَّتِهَا مِنْ الْأَجْرِ الْجَزِيلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ» اللَّأْوَاءُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هُوَ الْجُوعُ وَتَعَذُّرُ التَّكَسُّبِ وَالشِّدَّةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا اللَّأْوَاءَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا كُلَّ مَا يَشْتَدُّ بِهِ سُكْنَاهَا، وَتَعْظُمُ مَضَرَّتُهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ ابْنِ عُمَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي عَنْهُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: هُوَ شَكٌّ مِنْ الْمُحَدِّثِ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَالشَّفَاعَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهِيَ شَفَاعَةٌ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ لِمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَشَفَاعَةٌ فِي الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ خَاصَّةً، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَفَاعَتِهِ لِمُذْنِبِي أُمَّتِهِ وَخُرُوجِهِمْ مِنْ النَّارِ بِشَفَاعَتِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذِهِ الشَّفَاعَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ كُنْت لَهُ شَفِيعًا، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الشَّفَاعَةَ لِمُذْنِبِهِمْ فِي الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ، وَالشَّفَاعَةَ لِمُحْسِنِهِمْ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا مِنْ النَّارِ إنْ اُمْتُحِنَ بِهَا، أَوْ شَفِيعًا فِي زِيَادَةِ دَرَجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ إنْ سَلِمَ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا فِي الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ إنْ احْتَاجَ ذَلِكَ فَتَخْتَصُّ شَفَاعَتُهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِالْمُذْنِبِينَ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ، وَقَوْلُهُ أَوْ شَهِيدًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ شَهِيدٌ لَهُ بِالْمَقَامِ الَّذِي فِيهِ الْأَجْرُ، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ لِشَهَادَتِهِ فَضْلًا فِي الْأَجْرِ وَإِحْبَاطًا لِلْوِزْرِ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ سُكْنَاهُ فِي الْمَدِينَةِ يَثْبُتُ وَيُوجَدُ ثَابِتًا فِي جُمْلَةِ حَسَنَاتِهِ إلَّا أَنَّ لِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةَ أَجْرٍ وَمَزِيَّةً، وَلِذَلِكَ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ فَضِيلَةَ اسْتِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَالْبَقَاءِ بِهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ طَلَبَ أَنْ يُقِيلَهُ بَيْعَتَهُ لَمَّا وُعِكَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ حِينَئِذٍ الْهِجْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى الْمُقَامِ بِهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ ذَلِكَ تَضَمَّنَتْهُ بَيْعَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِذَلِكَ كَانَ سَأَلَهُ أَنْ يُقِيلَهُ بَيْعَتَهُ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأَوُّلَ أَنَّهُ نَقَضَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَهُوَ الَّذِي نُقِلَ إلَيْنَا مِنْ حَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمَدِ فَرْضِ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّمَا بَايَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ جَاءَ يَسْأَلُهُ أَنْ يُقِيلَهُ فِي ذَلِكَ لَمَّا اسْتَجَازَ الْكُفْرَ وَلَمْ يَسْتَجِزْ نَقْضَ الْعَهْدِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ تَسُوغُ إقَالَتُهُ فِيهِ لَمْ يُقِلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ إقَالَتَهُ تَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْصِمُ نَبِيَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ سَبَّبَ لَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَوْخَمَ الْمَدِينَةَ لَمَّا وُعِكَ بِهَا كَمَا فَعَلَ الْعُرَنِيُّونَ الَّذِينَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَذِنَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونُوا مَعَ نِعَمِهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ إنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي أَنَّهُ خَرَجَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَالْمَدِينَةُ لَا يَبْقَى عَلَى شِدَّتِهَا إلَّا مَنْ أَخْلَصَ إيمَانَهُ، وَأَمَّا مَنْ خَبُثَتْ سَرِيرَتُهُ فَإِنَّهَا تَنْفِيهِ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ مَا يُخَلِّصُ بِهِ الْحَدَّادُ حَدِيدَهُ، فَالْمَدِينَةُ تَنْفِي مَنْ لَمْ يُخَلِّصْ إيمَانَهُ وَيَبْقَى مَنْ خَلَّصَ إيمَانَهُ، وَمَعْنَى يَنْصَعُ طِيبُهَا يَخْلُصُ وَفِي كِتَابِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيِّ يَنْصَعُ طِيبُهَا أَيْ يَبْقَى وَيَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَخْلُصُ لِلْبَقَاءِ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَأَهْلُ الْفَضْلِ. وَقَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَنْفِي أَهْلَ الْخَبَثِ مِنْ النَّاسِ، وَالْخَبَثُ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمَا يُفْسِدُهُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَالْتَفَتَ إلَى مُزَاحِمَ مَوْلَاهُ فَقَالَ يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ الْمَدِينَةُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أُمِرْت بِالْخُرُوجِ إلَيْهَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَعْنَاهُ فِي رَأْيِي تَفْتَحُ الْقُرَى قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَدِينَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ الْمَدِينَةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَعْنَى أَكْلِهَا الْقُرَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ مِنْهَا يَغْلِبُ عَلَى سَائِرِ الْقُرَى، وَيَفْتَحُ جَمِيعَهَا وَيَأْخُذُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَكْثَرَ أَمْوَالِهَا، وَيَنْتَقِلُ حُكْمُهُمْ إلَى أَمِيرٍ سَاكِنٍ الْمَدِينَةَ وَتَعُودُ طَاعَةً لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ» قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يُسَمُّونَهَا يَثْرِبَ، وَأَنَا أُسَمِّيهَا الْمَدِينَةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيُقَالُ أَنَّ مَنْ سَمَّاهَا يَثْرِبَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ يَثْرِبَ فَقَالَ: إنَّمَا الْقُرْآنُ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إخْبَارٌ عَنْ الْمُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَارْجِعُوا، فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ رَدَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ، فَهَؤُلَاءِ إنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَهَا يَثْرِبَ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ تُسَمَّى عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ اسْمَهَا طَيْبَةُ وَطَابَةُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغْبَةً عَنْ ثَوَابِ السَّاكِنِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ لِضَرُورَةِ شِدَّةِ زَمَانٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَخْرُجُ رَغْبَةً عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخُرُوجَ عَنْ اسْتِيطَانِهَا إلَى اسْتِيطَانِ غَيْرِهَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا غَيْرَهَا فَقَدِمَ عَلَيْهَا طَالِبًا لِلْقُرْبَةِ بِإِتْيَانِهَا أَوْ مُسَافِرًا فَخَرَجَ عَنْهَا رَاجِعًا إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْفَارِهِ، فَلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا رَغْبَةً عَنْهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَبْدَلَهَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَبْدَلَهَا اللَّهُ مُسْتَوْطِنًا بِهَا خَيْرًا مِنْهُ، إمَّا بِمُنْتَقِلٍ يَنْتَقِلُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مَوْلُودٍ يُولَدُ فِيهَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ

يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ حَمَاسٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُعَدِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَيُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ» مَعْنَى يَبُسُّونَ يُقَالُ فِي زَجْرِ الدَّابَّةِ إذَا سَبَقَتْ بِسْ بِسْ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُقَالُ بَسَسْت وَأَبْسَسْت قَالَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَبُسُّونَ يَسُوقُونَ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5] أَيْ سِيقَتْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى يَبُسُّونَ يَسِيرُونَ عَنْهَا سَيْرًا أَفْوَاجًا، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا قَالَ: سُيِّرَتْ الْجِبَالُ سَيْرًا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَوْلُهُ يَبُسُّونَ مَعْنَاهُ يُؤَلِّفُونَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلَى غَيْرِهَا وَيُزَيِّنُونَ لَهُمْ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَبُسُّونَ يَدَعُونَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ» يُرِيدُ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِمْ مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ بِرَحِيلِهِ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِمَّنْ لَا يَرْحَلُ بِرَحِيلِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا يَفُوتُهُمْ مِنْ الْأَجْرِ بِالِانْتِقَالِ عَنْهَا أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّا يَنَالُونَهُ مِنْ الْخِصْبِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ حَيْثُ يَنْتَقِلُونَ إلَيْهِ مِنْ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ حَمَاسٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُعَدِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَتْ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي وَقْتٍ تَكُونُ فِيهِ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ دِينٍ أَوْ دُنْيَا أَوْ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ حُسْنَ ثِمَارِهَا وَنَمَاءَهَا، وَلِذَلِكَ قَالُوا لَهُ فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ يَوْمَئِذٍ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُسْنِهَا فِي وَقْتِ صَلَاحِهَا وَعِمَارَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا، فَيَكُونُ أَحْسَنَ بِمَعْنَى الْحُسْنِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] مَعْنَاهُ وَهُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُتْرَكَنَّ الْمَدِينَةُ» ظَاهِرُهُ تَرْكُ سُكْنَاهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ سُكْنَاهَا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ شِدَّةِ حَالٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِإِيثَارِهِمْ غَيْرَهَا عَلَيْهَا لِخِصْبٍ أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى يَدْخُلَ الْكَلْبُ أَوْ الذِّئْبُ فَيُعَدِّي عَلَى بَعْضِ سَوَارِي الْمَسْجِدِ» يَقْتَضِي إخْلَاءَهَا جُمْلَةً حَتَّى لَا يَكُونَ بِهَا مِنْ سُكَّانِهَا مَنْ لَا يَمْنَعُ هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى يُعَدِّي عَلَى سَوَارِي الْمَسْجِد قَالَ ابْنُ بُكَيْر مَعْنَاهُ يَبُولُ، وَعِنْدِي أَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَنَّهُ يَقْطَعُ بَوْلَهُ دَفْعَةً دَفْعَةً، يُقَالُ عَدَا بِبَوْلِهِ إذَا دَفَعَهُ دَفْعَةً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ وَمِنْهُ عَدَا الْعِرْقُ وَغَيْرُهُ يُعَدِّي وَمِنْهُ قِيلَ الْبَعِيرُ يَعْدُو بِبَوْلِهِ إذَا رَمَى بِهِ مُتَقَطِّعًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ فَلِمَنْ تَكُونُ الثِّمَارُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ سُؤَالٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ انْقِطَاعِ النَّاسِ عَنْهَا جُمْلَةً، وَهَلْ يَكُونُونَ مِنْهَا عَلَى حَالٍ مِنْ شَأْنِهَا فِي وَقْتِ الثِّمَارِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَكُونُ لِلْعَوَافِي الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ» . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ الْعَوَافِي مِنْ الْوَحْشِ وَالسِّبَاعِ وَالطَّيْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِك عَفَوْت فُلَانًا أَعْفُوهُ إذَا أَتَيْته تَطْلُبُ مَعْرُوفَهُ، وَيُقَالُ فُلَانٌ كَثِيرُ الْغَاشِيَةِ وَالْعَافِي أَيْ يَغْشَاهُ السُّؤَالُ وَالطَّالِبُونَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ انْقِطَاعَ أَهْلِهَا عَنْهَا وَتَرْكَ ثِمَارِهَا حَتَّى لَا تَكُونَ إلَّا لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا تَعِيشُ مِنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِهَا دُونَ أَرْبَابِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ

[ما جاء في تحريم المدينة]

إلَيْهَا فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْ الْمَدِينَةُ) . مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ وَمَوْلَى الْمُطَّلِبِ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهَا فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ يَا مُزَاحِمُ أَتَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْ الْمَدِينَةُ) . (ش) : يُرِيدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَنْفِي خَبَثَهَا، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ الْمَدِينَةُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْخَبَثِ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةٍ أَوْ ضَلَالٍ عَنْ هُدًى، وَمِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ مَا خَافَهُ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إلَّا مُنَافِقٌ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ: مَا عَرَضْت قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إلَّا خَشِيت أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا فَعَلَى هَذَا أَهْلُ الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالِاتِّهَامِ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ] (ش) : قَوْلُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ بَدَا لَهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» قَالَ مَعْنَاهُ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَنُحِبُّهُمْ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ انْتِفَاعُنَا بِهِ انْتِفَاعُنَا بِمَنْ يُحِبُّنَا فِي الْحِمَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَحَبَّتَنَا لَهُ مَحَبَّتُنَا لِمَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ يُحِبُّنَا فَهُوَ آكَدُ لِلْمَحَبَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» وَرَوَى يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ حَرَّمَ مَكَّةَ مِمَّا يَلِي الْمَدِينَةَ نَحْوَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ دَنَا شَيْئًا نَحْوَ التَّنْعِيمِ، وَمِمَّا يَلِي طَرِيقَ الْعِرَاقِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ، وَمِمَّا يَلِي طَرِيقَ نَجْدٍ سَبْعَةَ أَمْيَالٍ، وَمِمَّا يَلِي طَرِيقَ الْيَمَنِ سَبْعَةَ أَمْيَالٍ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَضَاءَةُ وَمِمَّا يَلِي جُدَّةَ عَشْرَةَ أَمْيَالٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ نَحْوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، وَهُوَ نَحْوَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْجِعْرَانَةِ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ هَذِهِ مَسَافَاتٌ مُتَقَارِبَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْحُدَيْبِيَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ مَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَتُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْوَهْمُ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْحِرْزِ فِي قَدْرِ الْمِيلِ، وَاَلَّذِي حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَلْفَ بَاعٍ كُلُّ بَاعٍ مِنْ ذِرَاعَيْنِ، وَأَهْلُ الْحِسَابِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مُعْتَمِدُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ بَاعٍ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فَتَفَاوَتَ الْأَمْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَمَّا التَّنْعِيمُ فَإِنِّي أَقَمْت بِمَكَّةَ مُدَّةً وَسَمِعْت أَكْثَرَ النَّاسِ يَذْكُرُونَ أَنَّهَا خَمْسَةُ أَمْيَالٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا مُدَّةَ مَقَامِي بِهَا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالتَّنْعِيمِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ دُونَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا فَإِنَّهَا أَزْيَدُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» وَقَدْ رَوَى ابْنُ شُرَيْحٍ الْعَدَوِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا إبْرَاهِيمُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ» ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَعَا فِي تَحْرِيمِهَا، وَأَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى أَجَابَ دُعَاءَهُ وَحَرَّمَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ كُلِّفَ أَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ، وَأَنَّهُ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى تَحْرِيمِهَا فَأُضِيفَ ذَلِكَ إلَى تَحْرِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ حُرِّمَتْ، وَيُضَافُ تَحْرِيمُهَا إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ الَّذِي حَكَمَ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُ تَحْرِيمُهُ، وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُسَوَّغْ لَهُ التَّحْرِيمُ فَلَا يَلْزَمُ النَّاسَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ وَجَدَ غِلْمَانًا قَدْ أَلْجَئُوا ثَعْلَبًا إلَى زَاوِيَةٍ فَطَرَدَهُمْ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْنَعُ هَذَا مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَا بِالْأَسْوَاقِ، وَقَدْ اصْطَدْت نُهَسًا فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِي فَأَرْسَلَهُ) . مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ قَالَ فَدَخَلْت عَلَيْهِمَا فَقُلْت: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُك وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُك قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصْبِحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ أَلَّا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» يُرِيدُ حَرَّتَيْهَا، وَاللَّابَةُ الْحَرَّةُ قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ قَالَ وَالْحَرَّتَانِ إحْدَاهُمَا الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا الْحَاجُّ، وَالْأُخْرَى تُقَابِلُهَا مِنْ نَاحِيَةِ شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَيْضًا فِي أَقْصَى الْعُمْرَانِ خَارِجَةً عَنْهُ. وَقَالَ وَحَرَّتَانِ أُخْرَيَانِ أَيْضًا مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ وَالْجَوْفِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهُمَا أَيْضًا فِي طَرَفِ الْعُمْرَانِ مِنْ جَانِبَيْ الْمَدِينَةِ جَمِيعًا عَلَى مِثْلِ الْآخَرَيْنِ، قَالَ ابْنُ نَافِعٍ فَمَا بَيْنَ هَذِهِ الْحَرَّاتِ فِي الدُّورِ كُلِّهِ مُحَرَّمٌ أَنْ يُصَادَ فِيهِ صَيْدٌ، وَمَنْ عَصَى فَاسْتَحَلَّ فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَا قَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ جَزَاءٌ، وَحُرِّمَ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْهَا عَلَى بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ شَقٍّ حَوْلَهَا كُلِّهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مُقْتَضَى تَفْضِيلِ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ عَلَى مَكَّةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ فِيمَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» ) . (ش) : قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتهَا يُرِيدُ مَا نَفَّرْتهَا. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» قَالَ عِكْرِمَةُ مَعْنَى يُنَفَّرُ صَيْدُهَا أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنْ الظِّلِّ فَيُقِيلَ مَكَانَهُ، فَهَذَا مَعْنَى الذُّعْرِ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» يَقْتَضِي أَنَّ ذَعْرَ الصَّيْدِ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِي مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْحَرَّةُ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَعْلُوهَا حِجَارَةٌ سَوْدَاءُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ وَجَدَ غِلْمَانًا قَدْ أَلْجَئُوا ثَعْلَبًا إلَى زَاوِيَةٍ فَطَرَدَهُمْ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْنَعُ هَذَا مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَا بِالْأَسْوَاقِ، وَقَدْ اصْطَدْت نُهَسًا فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِي فَأَرْسَلَهُ) . (ش) : قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلَّذِينَ أَلْجَئُوا ثَعْلَبًا إلَى زَاوِيَةٍ أَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْنَعُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا اسْتِبَاحَةٌ لِحُرَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ، وَلِذَلِكَ طَرَدَهُمْ عَنْهُ، وَالنُّهَسُ الَّذِي اصْطَادَ الرَّجُلُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هُوَ طَائِرٌ يُقَالُ لَهُ النُّهَسُ، وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْوَاقُ عَلَى هَذَا مَوْضِعًا بِبَعْضِ أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في وباء المدينة]

أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ» ) . (قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ قَدْ رَأَيْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي وَبَاءِ الْمَدِينَةِ] (ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ الْوَعْكُ إزْعَاجُ الْحُمَّى الْمَرِيضَ وَتَحْرِيكُهَا إيَّاهُ، يُقَالُ وَعَكَتْهُ وَعْكًا وَدُخُولُ عَائِشَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى أَبِيهَا وَبِلَالٍ عَلَى وَجْهِ الْعِيَادَةِ لَهُمَا وَهِيَ مِنْ الْقُرَبِ. وَقَدْ رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتْبَعَ الْجَنَائِزَ وَنَعُودَ الْمَرْضَى وَنُفْشِيَ السَّلَامَ» ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ وَقَوْلُهَا: وَكَانَ بِلَالٌ إذَا أُقْلِعَ عَنْهُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ تَذْهَبُ عَنْهُ الْحُمَّى فَأَفَاقَ، وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ تُرِيدُ صَوْتَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَالْإِذْخِرُ وَالْجَلِيلُ شَجَرَتَانِ طَيِّبَتَانِ تَكُونَانِ بِأَوْدِيَةِ مَكَّةَ، وَأَرَاهُ يُرِيدُ الْعُنَّابَ فَإِنَّ الْإِذْخِرَ وَالْجَلِيلَ إنَّمَا هُمَا نَبْتٌ وَلَيْسَا بِشَجَرٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَشَامَةٌ وَطَفِيلٌ جَبَلَانِ مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ. (فَصْلٌ) : وَمَعْنَى إنْشَادِ بِلَالٍ الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَعْنَى التَّمَنِّي لِمَكَّةَ وَنَوَاحِيهَا، وَالتَّأَسُّفِ لِمَا فَاتَهُ مِمَّا أَلِفَ مِنْهَا، وَالتَّوَجُّعِ بِالْمُقَامِ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي لَمْ يَعْهَدْ حَالَهَا وَلَا أَلِفَ هَوَاهَا. وَقَدْ رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ تُرِيدُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، دُعَاءٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُذْهِبَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْإِشْفَاقَ عَنْ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ، وَالدُّعَاءُ فِي أَنْ يُحَبِّبَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الْمَدِينَةَ كَحُبِّهِمْ مَكَّةَ فَيَكْرَهُونَ الِانْتِقَالَ عَنْهَا كَمَا كَرِهُوا الِانْتِقَالَ مِنْ مَكَّةَ. (فَصْلٌ) : وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْشَادَ الشِّعْرِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَقَدْ أَنْشَدَهُ حَسَّانُ وَكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ وَمَدَحَهُ الْأَعْشَى وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الشِّعْرُ كَلَامٌ فَحَسَنُهُ كَحَسَنِ الْكَلَامِ وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِ الْكَلَامِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» ، فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُ مِنْ الشِّعْرِ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْفَظُ بَيْتٌ وَاحِدٌ مِنْهُ وَلَا إنْشَادُهُ وَلَا إصْغَاءٌ إلَيْهِ إلَّا لِمَنْ يُرِيدُ الرَّدَّ عَلَى قَائِلِهِ وَالِانْتِصَارَ مِنْهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ، وَمَنَعَهُ مِنْ التَّحَفُّظِ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ فَقَالَ: مَا يَخِفُّ مِنْهُ وَلَا يَكْثُرُ وَمِنْ عَيْبِهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اجْمَعْ الشُّعَرَاءَ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الشِّعْرِ وَهَلْ بَقِيَتْ مَعَهُمْ مَعْرِفَتُهُ وَأَحْضِرْ لَبِيدًا ذَلِكَ قَالَ فَجَمَعَهُمْ وَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: إنَّا لَنَعْرِفُهُ وَنَقُولُهُ. وَقَالَ لَبِيدٌ مَا قُلْت بَيْتَ شِعْرٍ مُنْذُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ قَوْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ {الم} [البقرة: 1] {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَصَحِّحْهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إلَى الْجُحْفَةِ» يُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهَا الْوَخَامَةَ الَّتِي

[ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة]

مَا جَاءَ فِي إجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ الْمَدِينَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَالَ «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَفَحَّصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ، فَأَمَّا يَهُودُ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ وَلَا مِنْ الْأَرْضِ شَيْءٌ، وَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ وَنِصْفُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى نِصْفِ الثَّمَرِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ الثَّمَرِ وَنِصْفَ الْأَرْضِ قِيمَةً مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَإِبِلٍ وَحِبَالٍ وَأَقْتَابٍ، ثُمَّ أَعْطَاهُمْ الْقِيمَةَ وَأَجَلَاهُمْ مِنْهَا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَضَرَّتْ بِهِمْ، وَالْحُمَّى الَّتِي وُعِكُوا بِهَا، وَيَنْقُلَ ذَلِكَ إلَى الْجُحْفَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ الْجُحْفَةَ وَهِيَ مَهْيَعَةٌ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَتْ الْجُحْفَةُ وَبِئَةً، قَلَّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ عَيْنِهَا، وَيُقَالُ لَهُ حُمَّ الْأَحَمُّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ» قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى هِيَ الْفِجَاجُ الَّتِي حَوْلَهَا خَارِجًا مِنْهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» يَقْتَضِي مَنْعَ الْمَلَائِكَةِ الدَّجَّالَ مِنْ دُخُولِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا أَيْضًا قَدْ وُكِّلُوا بِمَنْعِ الطَّاعُونِ مِنْ دُخُولِهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ الدَّجَّالِ قَالَ «يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ أَنْقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ إنَّك الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» حَدِيثَهُ. [مَا جَاءَ فِي إجْلَاءِ الْيَهُودِ مِنْ الْمَدِينَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» إظْهَارًا لِقُبْحِ مَا صَنَعُوهُ وَعِظَمِ مَا ابْتَدَعُوهُ مِمَّا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِسُكْنَى الْعَرَبِ وَتَقَلُّبِهِمْ عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَنُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنٍ أَبْيَنَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ كُلِّهَا إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْوَارِ الشَّامِ وَمِصْرَ فِي الْغَرْبِ، وَفِي الشَّرْقِ مَا بَيْنَ يَثْرِبَ إلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَنْبَتُ الْعَرَبِ قِيلَ لَهَا جَزِيرَةُ الْعَرَبِ لِإِحَاطَةِ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَبْقَى فِيهَا غَيْرُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يُخْرَجَ مِنْهَا كُلُّ مَنْ يَتَدَيَّنُ بِغَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ مَالِكٌ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْبُلْدَانِ كُلُّ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ ذِمِّيٍّ كَانَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ دُخُولِهِمْ إيَّاهَا مُسَافِرِينَ، فَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْلِبُ النَّصَارَى مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ الْحِنْطَةَ وَالزَّيْتَ وَالْأَمْتِعَةَ

[جامع ما جاء في أمر المدينة]

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْمَدِينَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ زَارَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ الْمَخْزُومِيَّ فَرَأَى عِنْدَهُ نَبِيذًا، وَهُوَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ أَسْلَمُ إنَّ هَذَا لَشَرَابٌ يُحِبُّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَحَمَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدَحًا عَظِيمًا فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَضَعَهُ فِي يَدَيْهِ فَقَرَّبَهُ عُمَرُ إلَى فِيهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ هَذَا لَشَرَابٌ طَيِّبٌ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ نَادَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْت: هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ فَقُلْت هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَأْخُذُ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس إذَا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَيُضْرَبُ لَهُمْ أَجَلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ يُضْرَبُ لَهُمْ أَجَلٌ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَسْتَقُونَ وَيَنْظُرُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَقَدْ ضَرَبَ لَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ فَفَحَّصَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ كَشَفَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَاءَهُ الثَّلْجُ قَالَ مَعْنَاهُ الْيَقِينُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، يُرِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ فَأَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَهُودَ خَيْبَرَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا الْإِجْلَاءُ إنَّمَا هُوَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ سَوَاءٌ وُجِدَ مِنْهُمْ غَدْرٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا إنْ وُجِدَ مِنْهُمْ غَدْرٌ بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ فَارِسَ وَظَهَرَتْ لَهُمْ عُهُودٌ كَثِيرَةٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَسُلَيْمَانَ أَتَرَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْهَا إنْ عُرِفَ مِنْهُمْ غَدْرٌ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْإِجْلَاءُ فِي غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَّا لِلْغَدْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهُمْ يُجْلَوْنَ إذَا خِيفَ مِنْهُمْ الْمَيْلُ إلَى أَهْلِ مِلَّتِهِمْ لِمُجَاوَرَتِهِمْ أَهْلَ الْحَرْبِ فَيُنْقَلُونَ إلَى حَيْثُ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ، قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَأَمَّا يَهُودُ نَجْرَانَ فَخَرَجُوا مِنْهَا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ وَلَا مِنْ الْأَرْضِ شَيْءٌ، وَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الْأَرْضِ وَنِصْفُ الثَّمَرِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى نِصْفِ النَّخْلِ وَنِصْفِ الْأَرْضِ فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْإِبِلِ وَالْحِبَالِ وَالْأَقْتَابِ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ وَأَجْلَاهُمْ مِنْهَا. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْمَدِينَةِ] (ش) : قَوْلُ أَسْلَمَ فِي النَّبِيذِ أَنَّ هَذَا لَشَرَابٌ يُحِبُّهُ عُمَرُ حَثٌّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِ مِنْهُ، وَتَنْبِيهُهُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ مِنْ أَخْوَالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَانَ مِمَّنْ يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَخُذْهُ» مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَا كَانَ يُهْدَى إلَيْهِ فَإِنَّمَا كَانَ كَشَيْءٍ يُهْدَى إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُ مِنْهُ الْيَسِيرَ وَيُنَاوِلُ الْبَاقِيَ جُلَسَاءَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي يَدِ عُمَرَ وَقَرَّبَهُ إلَى فِيهِ، لَعَلَّهُ يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لَهُ وَمَعْرِفَةِ حَالِهِ بِرَائِحَتِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إنَّ هَذَا لَشَرَابٌ طَيِّبٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَلَالًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَذِيذًا مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا فَشَرِبَهُ يُرِيدُ شَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ، وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَنْ يُنَاوِلَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

مَا جَاءَ فِي الطَّاعُونِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى الشَّامِ حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ الْوَبَاء قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ نَادَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ كَأَنَّهُ كَرِهَ تَفْضِيلَهُ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَلَوْ أَقَرَّهُ بِذَلِكَ لَضَرَبَهُ يُرِيدُ لَأَدَّبَهُ عَلَى تَفْضِيلِهِ مَكَّةَ، وَهَذَا مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْكَارَ تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ لِاعْتِقَادِهِ تَفْضِيلَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، أَوْ هُوَ يَرَى تَرْكَ الْأَخْذِ فِي تَفْضِيلِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ لِمَا شُهِرَ مِنْ أَخْذِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ دُونَ نَكِيرٍ، وَمَعْنَى أَفْضَلُ أَنَّ لِسَاكِنِهَا الْعَامِلِ فِيهَا بِالطَّاعَةِ مِنْ الثَّوَابِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلسَّاكِنِ وَالْعَامِلِ بِذَلِكَ فِي الْأُخْرَى، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ السُّكْنَى بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا مَمْنُوعًا، وَالِانْتِقَالَ إلَى الْمَدِينَةِ مُفْتَرَضًا قَبْلَ الْفَتْحِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْفَتْحِ فِي حَقِّ مَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ قَبْلَ الْفَتْحِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّ ذَلِكَ بَقِيَ فِي حَقِّهِمْ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّ لِمَنْ هَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَّا أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُقَامَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ أَفْضَلَ، وَلِذَلِكَ أَقَامَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُهَاجِرُونَ. وَقَدْ انْتَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْعِرَاقِ وَالشَّامِ، وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ مَشْهُورٌ بِالْفَضْلِ إلَى سُكْنَى مَكَّةَ، وَإِنَّمَا رَجَعَ إلَيْهَا مَنْ صَغَرَ سِنُّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْهِجْرَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ لَهُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ هِجْرَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ سُكْنَى مَكَّةَ وَسُكْنَى الْمَدِينَةِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّ سُكْنَى الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ سُكْنَى مَكَّةَ أَفْضَلُ لَهُ، وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» . قَالَ يَخُصُّ بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» قَالَ: فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ تَأْكُلُ الْقُرَى إلَّا عَلَى تَرْجِيحِ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا وَزِيَادَتِهَا عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ» وَلَا يَدْعُو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يُحَبِّبَ إلَيْنَا سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَسُكْنَى غَيْرِهَا أَفْضَلُ، وَوَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَ سُكْنَاهَا بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ، فَلَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ السُّكْنَى إلَّا فِي أَفْضَلِ الْبِقَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ فَلَا يَخْتَارُ لِاسْتِيطَانِهِ وَاسْتِيطَانِ الْإِمَامَةِ وَفُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ إلَّا أَفْضَلَ الْبِقَاعِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَكَّةَ وَبَكَّةَ فَقَالَ بَكَّةُ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَمَكَّةُ غَيْرُ ذَلِكَ يُرِيدُ الْقَرْيَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ، وَفِيهَا بَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى إظْهَارِ مَا عِنْدَهُ مِنْ فَضِيلَةِ مَكَّةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ لَضَرَبَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِتَفْضِيلِ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِفَضْلِ مَكَّةَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنِّي لَا أُنْكِرُ فَضِيلَتَهُ، وَلَكِنْ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنِّي لَا أُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْك، وَإِنَّمَا أُنْكِرُ عَلَيْك مَا بَلَغَنِي عَنْك مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَهَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْك؟ فَعَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ إلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَا أَظْهَرَ إلَيْهِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى عُمَرُ إقْرَارَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَمْسَكَ عَمَّا سِوَاهُ غَيْرَ مَمْنُوعٍ.

[ما جاء في الطاعون]

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اُدْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْت لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَك بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ: اُدْعُ لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ اُدْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَاهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك إبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا مُخْصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إنْ رَعَيْت الْمُخْصِبَةَ رَعَيْتهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْت الْجَدْبَةَ رَعَيْتهَا بِقَدَرِ اللَّهِ «، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الطَّاعُونِ] (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ إلَى الشَّامِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقْصِدَهَا لِيُطَالِعَ أَحْوَالَهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَغْرَ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْإِمَامِ إذَا بَعُدَ عَهْدُهُ بِالثُّغُورِ أَنْ يَتَطَلَّعَهَا بِالْمُشَاهَدَةِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانَ بِسَرْغَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَرْغٌ قَرْيَةٌ بِوَادِي تَبُوكَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ، وَقِيلَ سَرْغٌ مِنْ أَدْنَى الشَّامِ إلَى الْحِجَازِ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ يُرِيدُ جُنْدَ الشَّامِ، إمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقْبِلِينَ إلَى جِهَةٍ فَلَقُوهُ هُنَاكَ، أَوْ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْوَبَاءِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ قُرْبٍ مِنْهُمْ مِنْ طَرِيقِهِ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ الْوَبَاءُ هُوَ الطَّاعُونُ، وَهُوَ مَرَضٌ يَعُمُّ الْكَثِيرَ مِنْ النَّاسِ فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ دُونَ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَمْرَاضِهِمْ، وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ غَالِبًا مَرَضًا وَاحِدًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّ أَمْرَاضَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُدْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى إلَى الْقِبْلَتَيْنِ وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ فَلَيْسَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ عُمَرُ فِي ذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْت لِأَمْرٍ يُرِيدُونَ لِمُطَالَعَةِ الثُّغُورِ وَالنَّظَرِ فِيهَا لَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ يُرِيدُونَ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَيَقُّنًا أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُمْ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَك بَقِيَّةُ النَّاسِ يُرِيدُونَ فُضَلَاءَ النَّاسِ وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَوْنَ بِذَلِكَ إظْهَارَ فَضْلِهِمْ لِيَحُضُّوهُ بِذَلِكَ عَلَى الْإِشْفَاقِ عَلَيْهِمْ، وَيُعْظِمَ حَالَ التَّغْرِيرِ بِهِمْ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى الْوَبَاءِ الَّذِي يُخَافُ اسْتِئْصَالُهُ لَهُمْ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَرْتَفِعُوا عَنْهُ، ثُمَّ دَعَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَشَارَهُمْ كَمَا اسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ فَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَرْتَفِعُوا، ثُمَّ قَالَ اُدْعُوا إلَيَّ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ يُرِيدُ مَنْ هَاجَرَ بِقُرْبِ الْفَتْحِ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْهِجْرَةِ أَوْ هَاجَرَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَثَبَتَ لَهُ اسْمُ الْهِجْرَةِ دُونَ حُكْمِهَا، فَشَاوَرَهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا، وَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ فَرَأَى عُمَرُ رَأْيَهُمْ. وَقَالَ: إنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ يُرِيدُ السَّفَرَ وَصَفَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَمَتَاعَهُ يَصِيرُ عَلَى ظَهْرِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَرَنَ بِذَلِكَ مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغٌ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغٍ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّامِ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْضِعَ إقَامَتِهِ بِالشَّامِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ بَعْدُ مَوْضِعَ الْوَبَاءِ، فَلَوْ كَانَ مَوْضِعُهُ يُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ بِهِ وَلَا وَبَاءَ بِهِ لَمَا احْتَاجَ إلَى الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِانْصِرَافِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَنْجُو بِذَلِكَ وَيُنْجِي الصَّحَابَةَ مِنْ الْوَبَاءِ الَّذِي لَا يُصِيبُ إلَّا مَنْ قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُصِيبَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهُ مَنْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ لَا يُصِيبَهُ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: وَكَانَ عُمَرُ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَيَكْرَهُ مُخَالَفَتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا تَحَقَّقَ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَانَتِهِ فَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ لَوْ غَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى يُرِيدُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ لَنَكَّلْته نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ أَنَّهُ بِالْفِرَارِ يَنْجُو مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَمَّا يَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَبَاءِ إنْ وَصَلَ إلَى مَا يَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ قُدِّرَ لَهُ مِنْ السَّلَامَةِ إنْ رَجَعَ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ الدِّرْعَ وَالْمِجَنَّ وَيَفِرَّ مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِي يَجُوزُ الْفِرَارُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ وَيَجْتَنِبَ الْغَرَرَ وَالْمَخَاوِفَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْجُوَ بِهِ مِمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَكْثَرُهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَمْثِيلًا صَحِيحًا بِمَا سَلَّمَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ أَنَّ مِنْ كَانَتْ لَهُ إبِلٌ يُرِيدُ حِفْظَهَا، وَحُسْنَ الْقِيَامِ عَلَيْهَا فَهَبَطَ بِهَا وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا خِصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إنْ رَعَى الْخِصْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ رَعَى الْجَدْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، يُرِيدُ أَنَّهُ مِثْلُ أَمْرَهُ إنْ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ يَأْمَنُ بِهِ الْوَبَاءَ انْصَرَفَ بِقَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ أَقْدَمَهُمْ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوَبَاءِ أَقْدَمَهُمْ عَلَيْهِ بِقَدَرِ اللَّهِ، فَكَمَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْإِبِلِ أَنْ يَنْزِلَ بِهَا الْجَانِبَ الْخِصْبَ، وَلَا يُعَدُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ فَارٌّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ بَلْ مُصِيبًا مَحَبَّتَنَا مُمْتَثِلًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَمُسَلِّمًا لِقَدْرِهِ وَرَاجِيًا خَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ الْإِمَامُ بِالْمُسْلِمِينَ إذَا انْصَرَفَ بِهِمْ عَنْ بِلَادِ الْوَبَاءِ إلَى بِلَادِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ إنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا يَقْتَضِي أَنَّ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الرَّأْيِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ صَحَّحَهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَثَرٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا غَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ شَاعَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» يُرِيدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ اسْتِسْلَامًا لِلْأَقْدَارِ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ إذْ وَافَقَ رَأْيُهُ الَّذِي اخْتَارَهُ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ، فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغٌ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغٍ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغٍ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ لِطُولِ الْأَعْمَارِ وَالْبَقَاءِ وَلِشِدَّةِ الْوَبَاءِ بِالشَّامِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ مِنْ سَرْغٍ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ وَحَدَثَ بِالنَّاسِ حَدَثَ بِهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِي بَلَدٍ عَلَى أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَأَنَّهُ تَكَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا لِأُولَئِكَ وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَنْ ظَهَرَ بِبَلَدِهِ أَوْ قَامَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَأُصِيبَ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَمْنَعُ الطَّاعُونَ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» خَصَّ بِالْمَنْعِ الْخُرُوجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَجَوَّزَ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ حَاجَةٍ تَنْزِلُ بِهِ إلَى السَّفَرِ مِنْهُ أَوْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ، وَيَجُوزُ لِمَنْ اسْتَوْخَمَ أَرْضًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُوَافِقُ جِسْمَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ سَالِمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا نَادَى بِهِ عُمَرُ فِي النَّاسِ أَنَّهُ مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَمَا رَاجَعَهُ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ إنْكَارِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَتَأَوَّلَ فِي قَوْلِهِ إنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ أَيْ عَلَى سَفَرٍ أَبْهَمَهُ، وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، وَإِنَّمَا أَبْقَى الِاسْتِخَارَةَ فِيهِ وَمُعَاوَدَةَ الْمُشَاوَرَةِ إلَى الْغَدِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ لَهُ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الِارْتِيَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا وَالتَّوَقُّفِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ لِطُولِ الْأَعْمَارِ وَالْبَقَاءِ وَلِشِدَّةِ الْوَبَاءِ بِالشَّامِ) . (ش) : قَوْلُهُ لَبَيْتٌ بِرُكْبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ بِالشَّامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى رُكْبَةُ هِيَ أَرْضُ بَنِي عَامِرٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِ. وَقَالَ ابْنُ قَعْنَبٍ رُكْبَةُ مِنْ أَرْضِ الطَّائِفِ فِي أَرْضٍ مُصَحَّحَةٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَهِيَ أَرْضٌ صَحْرَاوِيَّةٌ فَأَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ سَاكِنِيهَا أَطْوَلُ أَعْمَارًا وَأَصَحُّ أَبْدَانًا مِنْ الْوَبَاءِ وَالْمَرَضِ مِمَّنْ سَكَنَ الشَّامَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْبُلْدَانِ قَالَ عِيسَى، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنَّ سُكْنَى الْأَرْضِ يَزِيدُ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْمَارَهُمْ طَوِيلَةً أَسْكَنَهُمْ تِلْكَ الْبَلْدَةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُرِيدُ صِحَّةَ رُكْبَةَ وَوَبَاءَ الشَّامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِصِحَّةِ مَنْ سَكَنَ رُكْبَةَ وَطَوَّلَ أَعْمَارَهُمْ، وَأَمْرَضَ مَنْ سَكَنَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَرَادَ مِنْ الشَّامِ وَقَصَّرَ أَعْمَارَهُمْ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ رُكْبَةَ وَمَا قَارَبَهَا كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ تَنَاوَلَ نَوْعًا مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ صَحَّ جِسْمُهُ، وَمَنْ تَنَاوَلَ نَوْعًا آخَرَ كَثُرَتْ أَمْرَاضُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمْرَاضُ مُعَلَّقَةً بِالْقَدَرِ تَعَلُّقَ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[النهي عن القول بالقدر]

النَّهْيُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْت النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ «عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ حَتَّى اسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ إذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [النَّهْيُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى» يَقْتَضِي صِحَّةَ جَوَازِ الْمُحَاجَّةِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا وَقَوْلُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِآدَمَ أَنْتَ الَّذِي أَغْوَيْت النَّاسَ وَأَخْرَجْتهمْ مِنْ الْجَنَّةِ مَعْنَى أَغْوَيْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَرَّضْتَهُمْ لِلْإِغْوَاءِ لَمَّا كُنْت سَبَبَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْجَنَّةِ وَتَعْرِيضِهِمْ لِلتَّكْلِيفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَعَلْتهمْ غَاوِينَ لِكَوْنِهِمْ مِنْ ذُرِّيَّتِك حِينَ غَوَيْت مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وَقَوْلُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ يُرِيدُ أَعْلَمَهُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِمَّا أَعْلَمَ بِهِ الْبَشَرَ، وَقَوْلُهُ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ آثَرَهُ بِإِرْسَالِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ لَهُ عَلَى فَضْلِهِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي الْإِصَابَةَ فِي مُحَاجَّتِهِ، وَأَنْ لَا يَلُومَ أَبَاهُ عَلَى مَا يَعِي وَاسِعُ عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، وَلَوْمُهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَ مُوسَى نَعَمْ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُحَاجَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ. وَقَالَ لَهُ آدَم أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِمَعْنَى أَنَّ لَوْمَك لِي عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ سَائِغٍ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَحَجَّ آدَم مُوسَى مَعْنَاهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ فِي الْحُجَّةِ» وَاحْتِجَاجُ آدَمَ بِالْقَدَرِ عَلَى نَفْيِ اللَّوْمِ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ، فَإِنَّ الْعَاصِيَ إذَا عَصَى يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ قُدِّرَتْ عَلَيْهِ الْمَعْصِيَةُ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى مَنْ لَامَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ ذَلِكَ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ حُجَّةً لَمَا وَجَبَ أَنْ يُلَامَ أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَا يُنْكَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُتَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِعَذَابٍ فِي دُنْيَا وَلَا آخِرَةٍ، وَلَكِنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى مُوسَى أَنْ لَامَهُ فَقَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ وَآدَمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ كَانَ تَابَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122] التَّائِبُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ إذَا تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُلَامَ عَلَيْهِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ آدَمَ أَبٌ لِمُوسَى وَلَمْ يَسُغْ لِلِابْنِ لَوْمَ أَبِيهِ فِي مَعْصِيَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِيهِ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْإِيمَانِ {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47] فَهَذَا بَيَّنَ حُجَّةَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خُلِقَ الْعَبْدُ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ تَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ، وَتَبْحَثُ عَنْ حَقَائِقِهَا وَتَعْتَنِي بِذَلِكَ حَتَّى تُظْهِرَهُ وَتَسْأَلُ عَنْهُ الْأَئِمَّةَ وَالْخُلَفَاءَ لِتَقِفَ عَلَى الصَّوَابِ مِنْهُ، وَتَنْقُلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ مَا حَفِظَتْهُ عَنْهُ، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ يَخَافُ أَنْ تَزِلَّ قَدَمُهُ وَيَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِشُبْهَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَانَ يُقَالُ لَا تُمَكِّنْ زَائِغَ الْقَلْبِ مِنْ أُذُنِك فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا يُقْلِقُك مِنْ ذَلِكَ، وَلَقَدْ سَمِعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ شَيْئًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْقَدَرِ فَعَلَقَ قَلْبَهُ فَكَانَ يَأْتِي إخْوَانَهُ الَّذِينَ يَسْتَصْحِبُهُمْ فَإِذَا نَهَرَهُ قَالَ فَكَيْفَ بِمَا عَلَقَ قَلْبِي لَوْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ أَنْ أُلْقِيَ نَفْسِي مِنْ فَوْقِ هَذِهِ الْمَنَارَةِ فَعَلْت، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمُخَالِفِي السُّنَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّ لَهُ يَمِينًا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] » وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا فِي يَدِهِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ أَوْ الْفَيْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الَّذِي يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] » . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَلَمَ خَلَقَهُ فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ يَدَيْهِ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِجَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى أُصْبُعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ وَالْأَنْهَارَ عَلَى أُصْبُعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى أُصْبُعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَجُّبًا مِنْهُ وَتَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» . وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأُصْبُعُ النِّعْمَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ يَقْتَضِي» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيُدْخِلَهُمْ النَّارَ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيَعْمَلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِيَعْمَلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ الْمَلَكَ فَيُؤَذِّنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَرَكْت فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ «عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ قَالَ طَاوُسٌ وَسَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلَ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سَبَقَ الْكِتَابُ بِمَا يَعْمَلُ وَبِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ عَمَلًا صَالِحًا، ثُمَّ فِي آخِرِهِ عَمَلًا سَيِّئًا، ثُمَّ يَمُوتُ عَلَيْهِ وَيَنْقَلِبُ إلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ عَمَلًا سَيِّئًا وَفِي آخِرِهِ عَمَلًا صَالِحًا، ثُمَّ يَمُوتُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ» مَعْنَاهُ فَإِذَا كَانَ قَدْ يَسْبِقُ الْكِتَابُ بِمَكَانِ أَحَدِنَا مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ، وَأَنَّهُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَلِمَ نَتَكَلَّفُ الْعَمَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِذَا خَلَقَهُ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِمَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ كَمَا قَدْ سَبَقَ الْكِتَابُ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] الْآيَةَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ الْجَنَّةَ، وَفِي أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ رَبُّهُ النَّارَ» يَقْتَضِي أَنَّ آخِرَ الْإِنْسَانِ أَحَقُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُجَازَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ عَمَلِهِ سَيِّئًا، وَآخِرُهُ حَسَنًا فَقَدْ تَابَ مِنْ السَّيِّئِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّائِبِينَ وَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إلَى السَّيِّئِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَالْمُنْتَقِلِ إلَى الْفُسُوقِ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ جَزَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَرَكْت فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا» عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ عَلَى تَعَلُّمِهَا أَوْ التَّمَسُّكِ بِهِمَا وَالِاقْتِدَاءِ بِمَا فِيهِمَا وَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ «كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا سَنَّهُ وَشَرَّعَهُ، وَأَنْبَأَنَا عَنْ تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ فَمَرْدُودٌ إلَيْهِمَا وَمُعْتَبَرٌ بِهِمَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَاَلَّذِي يَحْكُمُ بِالْقُرْآنِ فَذَلِكَ الصَّوَابُ، وَاَلَّذِي يُجْهِدُ الْعَالِمُ نَفْسَهُ فِيهِ فِيمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يُوَفَّقُ، وَثَالِثٌ مُتَكَلِّفٌ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَمَا أَشْبَهَ أَنْ لَا يُوَفَّقَ مُقْتَضَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُقَدَّمٌ فِيمَا فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَمَا عُدِمَ ذَلِكَ فِيهِ اجْتَهَدَ الْعَالِمُ فِيهِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَالرَّدِّ إلَى مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَكَلِّفٌ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَبِمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ، وَيُوشِكُ أَنْ لَا يُوَفَّقَ. (ش) : قَوْلُ طَاوُسٍ أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ عَلَى وَجْهِ التَّصْحِيحِ لِمَا حَكَاهُ لِفَضْلِ الْقَابِلِينَ لَهُ وَعِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَالْفَاتِنُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِمُوا مَا جَاءَ بِهِ، وَتَكَرَّرَ أَخْذُهُمْ وَسَمَاعُهُمْ لِمَا قَالَهُ وَفَهَّمَهُمْ الْمُرَادَ وَسُؤَالِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ النَّقْلِ عَنْهُ فَسَمِعَهُمْ يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَيُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ مُقْتَضَى لِسَانِ الْعَرَبِ مَعَانِيَ أَحَدِهَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ خَلَقْنَا مِنْهُ شَيْئًا مُقَدَّرًا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ خَلَقْنَاهُ عَلَى قَدَرِ مَا لَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ نُقَدِّرُهُ عَلَيْهِ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4] الرَّابِعُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بِقَدَرٍ أَنْ نَخْلُقَهُ فِي وَقْتِهِ فَقَدَّرَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقْتًا يَخْلُقُهُ فِيهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ أَمْلَى عَلَيَّ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَأَلْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ عَنْ الْقَدَرِ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ بِالْقَدَرِ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ بِقَدَرٍ، وَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَعَاصِيَ لَيْسَتْ بِقَدَرٍ. وَقَالَ وَالْعِلْمُ وَالْقَدَرُ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ، وَعَرَضْت كَلَامَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فِي الْجُمْلَةِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقَدَرَ وَالْكِتَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا رَاجِعٌ إلَى مَعْنًى مُخْتَصٍّ بِهِ غَيْرَ أَنَّهَا مَعَانٍ مُتَقَارِبَةٌ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ مِنْ طَرِيقِ تَقَارُبِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ إنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَعِلْمًا بَيِّنًا عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الصافات: 161] {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] . وَقَالَ نُوحٌ {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] ، وَأَخْبَرَ نُوحٌ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنَّهُ فَاجِرٌ كَفَّارٌ بِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ وَمَا رَأَيْت أَهْلَهُ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَهْلَ سَخَافَةِ عُقُولٍ وَخِفَّةٍ وَطَيْشٍ، وَقَدْ اعْتَمَدْت فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى إيرَادِ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَالْحَدِيثِ لِمَا فِي أَقْوَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْغُمُوضِ، وَمَا فِي احْتِجَاجِهِمْ مَعَ الْمُخَالِفِ مِنْ التَّطْوِيلِ، وَقَدْ بَلَغَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ الْمَالِكِيُّ فِي كُتُبِهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ بِالطَّالِبِ إلَّا الْيَسِيرُ مِنْهُ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ مَالِكِيًّا، وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ حَاجٍّ الْفَاسِيُّ قَدْ رَحَلَ إلَيْهِ وَأَخَذَ عَنْهُ وَتَبِعَهُ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَابِسِيُّ يَتْبَعَانِ مَذْهَبَهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَصْرٍ، وَهُوَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ وَاتَّبَعَهُ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْت عُلَمَاءَ شُيُوخِنَا بِالْمَشْرِقِ وَأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ هُمْ الَّذِينَ يُشَارُ إلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوْ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ» عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، وَأَنَّ الْعَاجِزَ قَدْ قُدِّرَ عَجْزُهُ وَالْكَيِّسُ قَدْ قُدِّرَ كَيْسُهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْعَجْزَ عَنْ الطَّاعَةِ وَالْكَيْسَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْهَادِي وَالْفَاتِنُ يُرِيدُ الرَّاوِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فَاشِيًا عِنْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ مُتَدَاوَلًا النُّطْقُ وَالْحَضُّ عَلَى الْأَخْذِ فِيهِ وَالِاعْتِقَادِ لَهُ وَالْإِشَاعَةِ لِلَفْظِهِ، وَمَعْنَاهُ وَلِذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُعْلِنُ فِي خُطْبَتِهِ وَفِي الْمَحَافِلِ وَمُجْتَمَعِ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ إخْبَارًا عَنْ كَلِيمِهِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مُنَاجَاتِهِ لَهُ {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] وَالْهِدَايَةُ تَكُونُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى الْإِيضَاحِ وَالْإِرْشَادِ يُقَالُ أَهْدَيْت فُلَانًا الطَّرِيقَ أَيْ أَرْشَدْته إلَيْهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ مَا رَأْيُك فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ فَقُلْت رَأْيِي أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ قَبِلُوا وَإِلَّا عَرَضْتهمْ عَلَى السَّيْفِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَذَلِكَ رَأْيِي قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ رَأْيِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْآخَرُ بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ} [القصص: 56] مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تُوَفِّقُ مَنْ أَحْبَبْت، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَاهُنَا الْإِرْشَادَ وَالْإِيضَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَرْشَدَ وَبَيَّنَ وَأَوْضَحَ وَبَلَّغَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَأَمَّا الْفِتْنَةُ فَمَعْنَاهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الِاخْتِبَارُ إلَّا أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي عُرْفِ التَّخَاطُبِ بِمَعْنَى الْخِذْلَانِ، يُقَالُ فُتِنَ فُلَانٌ إذَا أُخْذِلَ وَضَلَّ وَفُلَانٌ مَفْتُونٌ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ قَالَ الْهَادِي بِمَعْنَى الْمُوَفِّقِ فَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ الْمُوَفِّقُ بِفَضْلِهِ، وَالْخَاذِلُ لِمَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ. (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رَأْيُك فِي هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا سُمُّوا بِهِ قَدَرِيَّةً، فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَفَوْا الْقَدَرَ كَمَا سُمِّيَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ الْقِيَاسِيُّ لِأَنَّهُ نَفَى الْقِيَاسَ. وَقَالَ قَوْمٌ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ لَهُمْ قُدْرَةً عَلَى خَلْقِ أَفْعَالِهِمْ، وَنَفَوْا قُدْرَةَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ: وَيَدَّعِي الْقَدَرِيُّ أَنَّ الْأَمْرَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ فَعَلَ وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْصِيَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ أَنْ يُطِيعَ فَيَكُونُ مَا أَرَادَ هُوَ، وَلَا يَكُونُ مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ كَانَ يَلْزَمُ مَجْلِسَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ أَنَّهُ قَالَ بِالْقَدَرِ وَمَعَانٍ خَالَفَ فِيهَا الْحَسَنَ، ثُمَّ اعْتَزَلَ هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ مَجْلِسَ الْحَسَنِ، فَسُمُّوا بِذَلِكَ مُعْتَزِلَةً، وَقِيلَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَ جَمِيعُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَشِيئَةِ، ثُمَّ حَدَّثَ الْخَوَارِجُ فَكَفَرُوا بِالذُّنُوبِ، ثُمَّ حَدَّثْت الْمُعْتَزِلَةُ فَاعْتَزَلُوا الطَّائِفَتَيْنِ بِأَنْ قَالُوا إنَّ الْمُرْتَكِبَ لِلْكَبَائِرِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فَاسِقٌ لَكِنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ. وَأَمَّا الْمُرْجِئَةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُمْ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ يُرِيدُونَ أَنَّ بِنَفْسِ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ يَسْتَحِقُّ النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يُرِيدُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ، فَسَمُّوا الْأَعْمَالَ إيمَانًا وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرَائِعُ الْإِيمَانِ الَّتِي تُنَجِّي مِنْ النَّارِ بِامْتِثَالِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْهَا، وَالْإِيمَانُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ لَكِنَّهُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْإِيمَانُ دُونَ شَرَائِعِهِ فَلَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ يَنْجُو مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إمَّا بِأَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ ابْتِدَاءً فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُعَاقِبُهُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْقَدَرِيَّةِ أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِبَاضِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلُّهُمْ يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّهُمْ مِنْ الْخَوَارِجِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسْتَتَابُ سَائِرُ الْخَوَارِجِ وَالْإِبَاضِيَّةِ وَالصُّفْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَيُسْتَتَابُ الْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ مِنْهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمْ عَلِيًّا وَلَمْ يَغْلُ فَهَذَا دِينُنَا، وَمَنْ غَلَا إلَى بُغْضِ عُثْمَانَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا، وَمَنْ زَادَ غُلُوُّهُ إلَى بُغْضِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ وَشَتَمَهُمْ فَالْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ أَشَدُّ، وَيُكَرَّرُ ضَرْبُهُ وَيَطُولُ سِجْنُهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْقَتْلَ إلَّا فِي سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَمَّا مَنْ تَجَاوَزَ مِنْهُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْإِلْحَادِ فَزَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا رُفِعَ، وَلَمْ يَمُتْ وَسَيَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ دَابَّةُ الْأَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَ الْوَحْيُ يَأْتِيهِ وَبَعْدَهُ ذُرِّيَّتُهُ مُفْتَرَضَةٌ طَاعَتُهُمْ وَنَحْوُهُ مِنْ الْإِلْحَادِ فَهَذَا كُفْرٌ يُسْتَتَابُ قَائِلُهُ وَيُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ، ذُكِرَ أَنَّ قَوْمًا بِالْغَرْبِ اتَّخَذُوا نَبِيًّا سَمَّوْهُ صَالِحًا أَظْهَرَ لَهُمْ كِتَابًا بِلِسَانِ الْبَرْبَرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الْعَرَبِ فَأَكَلُوا رَمَضَانَ وَصَامُوا رَجَبَ وَاسْتَحَلُّوا تَزْوِيجَ تِسْعِ نِسْوَةٍ وَشِبْهَهُ فَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ يُقْتَلُونَ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا وَيُجَاهِدُونَ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ وَمِيرَاثُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فِي الْحَرُورِيِّ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ فَيَدْعُ إلَى بِدْعَتِهِ أَوْ يَقْتُلْ أَحَدًا لَمْ يَقْتُلْهُ فَأَمَّا إنْ قَتَلَ أَحَدًا عَلَى دِينِهِ ذَلِكَ، أَوْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ فَلْيُسْتَتَبْ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ وَإِلَّا قُتِلَ، وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ أَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَفِي جَمَاعَتِنَا فَلَا يُقْتَلُ وَلْيُضْرَبْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَيُحْبَسُ وَيُنْهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ تَأْدِيبًا لَهُ. وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضُبَيْعًا وَنَهَى عَنْ كَلَامِهِ حَتَّى حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَأَمَّا مَنْ بَانَ مِنْهُمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَدَعَوْا إلَى بِدْعَتِهِمْ وَمَنَعُوا فَرِيضَةً مِنْ الْفَرَائِضِ فَلْيَدْعُهُمْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ إلَى السُّنَّةِ وَالرُّجُوعِ إلَى الْجَمَاعَةِ فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَكَمَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْحَرُورِيَّةِ فَفَارَقُوهُ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ فَلَمْ يَهْجِمْ حَتَّى خَرَجُوا وَنَزَلُوا بِالنَّهْرِ، فَأَقَامُوا شَهْرًا فَلَمْ يَهْجِمْ حَتَّى سَفَكُوا الدِّمَاءَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ فَقَاتَلَهُمْ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ فَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا هُوَ مَنْ خَرَجَ وَبَانَ بِدَارِهِ، وَخَرَجَ عَنْ سُلْطَانِ الْإِمَامِ فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي سُلْطَانِهِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ مِمَّنْ يَتَبَرَّأُ مِنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ يُظْهِرُ بِدْعَةَ الْقَدَرِ أَنَّ الْأَمْرَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَاَللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُطِيعَهُ فَيَكُونَ مَا أَرَادَ هُوَ دُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ فَاسْتَتِبْهُ فَإِنْ تَابَ فَأَوْجِعْهُ ضَرْبًا فِيمَا مَضَى، وَكَذَلِكَ مَنْ كَفَّرَ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَوْجِعْهُ ضَرْبًا. 1 - وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْ كَفَّرَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ يُقْتَلُ وَيُؤَدَّبُ فِي غَيْرِهِمْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ رَوَى مَعْنُ بْنُ عِيسَى سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ لَيْسَ لِمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ قَدْ قَسَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْفَيْءَ فَقَالَ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] الْآيَةَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] وَإِنَّمَا الْفَيْءُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جُلِدَ وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ قِيلَ لَهُ وَلِمَ يُقْتَلُ فِي عَائِشَةَ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17] فَمَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْخَوَارِجِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِكُفَّارٍ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُمْ فَقُتِلَ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْإِيمَانِ بِبِدْعَتِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَهْلِ الْقَدَرِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أَعْلَنَهُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَلَا الْإِبَاضِيَّةِ فَإِنْ قُتِلُوا بِذَلِكَ أَحْرَى قَالَ سَحْنُونٌ يَعْنِي أَدَبًا لَهُمْ فَإِنْ ضَاعُوا فَلْيُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ دَاوُد عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ قَالَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ أَهْلُ بِدَعٍ وَضَلَالَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاَلَّذِي يُخْرِجُهُمْ عِنْدَنَا مِنْ الْإِسْلَامِ، وَتَأْوِيلُ سَحْنُونٍ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ مَالِكٍ مُؤْمِنِينَ لَمْ يَرِثْهُمْ وَرَثَتُهُمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ وَالْمُغِيرَةِ وَابْنِ كِنَايَةَ وَغَيْرِهِمْ

[جامع ما جاء في أهل القدر]

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ» مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ «قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعْت هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ» . مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي الَّذِي لَا يُعَجَّلُ شَيْءٌ أَنَاهُ وَقَدَّرَهُ حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ فَأَجْمِلُوا الطَّلَبَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَيْسَ يُخْرِجُهُ ذَنْبُهُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَمَنْ كَفَّرَهُمْ رَكِبَ قَوْلَ الْحَرُورِيَّةِ فِي التَّكْفِيرِ بِالذُّنُوبِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ كَفَّرُوا النَّاسَ بِالذُّنُوبِ كُفَّارٌ، وَأَنَّهُ يُسْتَتَابُ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَيَّامًا وَيُسْجَنُ خَرَجُوا لِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَخْرُجُوا إذَا أَظْهَرُوا ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَنْ تَابَ تُرِكَ، وَمَنْ رَدَّ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مُعَانِدٌ كَافِرٌ وَلَا يَحِلُّ سَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْخَوَارِجِ مِنْ الْإِبَاضِيَّةِ وَالصُّفْرِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَكَذَلِكَ تُسْتَتَابُ الْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ، وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَلَا يَبْلُغُ بِهِمْ الْقَتْلُ إلَّا أَنْ يَرْقَى إلَى سَبِّ نَبِيٍّ، وَأَمَّا مَنْ قَرَنَ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْإِلْحَادِ فَقَدْ كَفَرَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ خَطَبَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ أَفَأُزَوِّجُهُ فَقَالَ لَا قَالَ اللَّهُ: عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى أَنْ يُصَلَّى وَرَاءَ الْقَدَرِيِّ وَمَنْ صَلَّى وَرَاءَهُ رَأَيْت أَنْ يُعِيدَ. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُسَلَّمُ عَلَى أَهْلِ الْقَدَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَأَنِّي رَأَيْته يَرَى ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ رَأْيِي لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجَالِسْ الْقَدَرِيَّ وَلَا تُكَلِّمْهُ إلَّا أَنْ تَجْلِسَ إلَيْهِ بِغِلَظٍ عَلَيْهِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] فَلَا تُوَادُّوهُمْ. (فَرْعٌ) وَتَوْبَةُ الْقَدَرِيِّ فِيمَا قَالَ مَالِكٌ تَرْكُهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنْ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ يُقْتَلُ مُنْهَزِمُهُمْ وَيُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَمَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَرْبُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِنَفْسٍ فَلَا يُقْتَلُ، وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَرْجِعْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْتَلُ وَلْيُؤَدَّبْ إنْ لَمْ يَتُبْ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا» نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَغْيِ وَالْأَذَى وَالظُّلْمِ لِلَّتِي تَشْتَرِطُ طَلَاقَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَشْتَرِطُ النِّسَاءُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ مَعَهُ طَالِقٌ، وَأَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى مَعَهَا وَلَا يَتَّخِذَ أُمَّ وَلَدٍ وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِتَنْكِحَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِتُنْكَحَ وَلَا تَسْأَلْ طَلَاقَ غَيْرِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ أَنْ تَفْعَلَهُ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً إذَا عَلِمْت إيثَارَ الزَّوْجِ لَهَا أَنْ تَسْأَلَهُ طَلَاقَ صَاحِبَتِهَا، أَوْ قَالَ أُخْتَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ وَوَصَفَهَا بِذَلِكَ لِيُذَكِّرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُرْمَةِ الَّتِي تُوجِبُ إشْفَاقَهَا عَلَيْهَا وَتَرْكَ مُضَارَّتِهَا بِأَنْ تَسْأَلَ طَلَاقَهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِتَسْتَفْرِغَ إنَاءَهَا» يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِ وَمَالِهِ وَلَا تُشْرِكَهَا بِذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» يُرِيدُ أَنَّهُ مَا قُدِّرَ لَهَا أَنْ تَنَالَهُ مِنْ خَيْرِ

[ما جاء في حسن الخلق]

مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ (ص) : (مَالِكٌ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَضَعْت رِجْلِي فِي الْغَرْزِ أَنْ قَالَ أَحْسِنْ خُلُقَك لِلنَّاسِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجِ وَنَفَقَتِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَصِلَ إلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ بِفِرَاقِهِ الزَّوْجَةَ وَلَا النَّقْصِ مِنْهُ بِإِمْسَاكِهِ لَهَا، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ مُقَدَّرٌ وَالْإِجْمَالَ فِي الطَّلَبِ مَشْرُوعٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ اللَّهُ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أَعْطَى اللَّهُ مِنْ خَيْرِ دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَلَا مَانِعَ لَهُ، وَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مُعْطِيَ لَهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [يونس: 107] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى مِنْهُ غِنَاهُ إنَّمَا تَنْفَعُهُ طَاعَتُكَ وَالْعَمَلُ بِمَا يُقَرِّبُهُ مِنْك، يُقَالُ جَدَّ الرَّجُلُ يَجِدُّ إذَا صَارَ لَهُ جَدٌّ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْفَعُ ذَا الْجِدِّ مِنْك الْجِدُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْجِدَّ الِانْكِمَاشُ يُرِيدُ الِاجْتِهَادَ وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَنْفَعَ النَّاسَ الِاجْتِهَادُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ مِنْك اجْتِهَادٌ فِي اجْتِلَابِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ مَا قُدِّرَ لَهُ اجْتَهَدَ أَوْ لَمْ يَجْتَهِدْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْفِقْهَ فِي الدِّينِ يَقْتَضِي إرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْخَيْرَ لِعَبِيدِهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ فَقَّهَهُ فِي دِينِهِ وَالْخَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ سَمِعْت هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْأَعْوَادِ يُرِيدُ بِذَلِكَ بَيَانَ صِحَّةِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَخَصَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهَا مِمَّا قَالَهُ نَبِيُّهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَلَّغَهُ إلَى الْأُمَّةِ تَبْلِيغًا شَائِعًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يُقَالُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ لِيَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ وَيَحْمَدَ اللَّهَ بِهِ، وَقَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَنْبَغِي يُرِيدُ أَنَّهُ أَحْسَنَهُ، وَأَتَى بِهِ عَلَى أَفْضَلِ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ قَوْلَهُ إلَى الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ خَلَقَهُ حَسَنًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ خَلَقَهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ لَهُ وَعِلْمِهِ بِهِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ لِخَلْقِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا يُعَجَّلُ شَيْءٌ أَنَاهَ وَقَدَّرَهُ، وَمَعْنَاهُ لَا يَسْبِقُ وَقْتُهُ الَّذِي وُقِّتَ لَهُ قَالَ الْأَخْفَشُ: أَنَا الشَّيْءَ وَقْتَ بُلُوغِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْأَنَا التَّأْخِيرُ وَالِانْتِظَارُ قَالَ الشَّاعِرُ وَآنَيْت الْعِشَاءَ إلَى سُهَيْلٍ ... أَوْ الشِّعْرَى فَطَالَ بِي الْإِنَاءُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَسْبِقُ وَقْتَهُ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى وَقَوْلُهُ سَمِعَ لِمَنْ دَعَاهُ مَعْنَاهُ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخَبَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الدُّعَاءَ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمَى يُرِيدُ لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ غَايَةٌ يُرْمَى إلَيْهَا أَيْ يُقْصَدُ بِدُعَاءٍ أَوْ أَمَلٍ أَوْ رَجَاءٍ يُقَالُ هَذِهِ الْغَايَةُ الَّتِي يَرْمِي إلَيْهَا أَيْ يَقْصِدُ شُبِّهَتْ بِغَايَةِ السِّهَامِ الَّتِي تُرْمَى وَيُقْصَدُ بِهَا. [مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ] (ش) : قَوْلُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - آخِرُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا فَإِنْ كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ لِلَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْبِيهٌ عَلَى تَأْكِيدِ مَا أَوْصَاهُ بِهِ وَاهْتِبَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَلَائِهِ وَلَا يُهْتَبَلُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَصِيَّةِ مَنْ يُوَدِّعُ الْمُسَافِرَ إلَّا بِأَوْكَدِ مَا يُوصِيهِ بِهِ، وَقَوْلُهُ حِينَ وَضَعْت رِجْلِي فِي الْغَرْزِ الْغَرْزُ لِلرَّاحِلَةِ بِمَنْزِلَةِ الرِّكَابِ لِلدَّابَّةِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى تَأْخِيرِ الْحَالِ الَّتِي أَوْصَاهُ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا حِينَ مُفَارَقَتِهِ لَهُ وَبَعْدَ تَوْدِيعِهِ إيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِ مَا أَوْصَاهُ بِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي وَصِيَّتِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» تَحْسِينُ خُلُقِهِ أَنْ يُظْهِرَ مِنْهُ لِمَنْ يُجَالِسُهُ أَوْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْبِشْرَ وَالْحِلْمَ وَالْإِشْفَاقَ وَالصَّبْرَ عَلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّوَدُّدَ إلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَالْغِلَظُ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلنَّاسِ» وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ عَامًّا إلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَنْ يَسْتَحِقُّ تَحْسِينَ الْخُلُقِ لَهُ فَأَمَّا أَهْلُ الْكُفْرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ وَالتَّمَادِي عَلَى ظُلْمِ النَّاسِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِتَحْسِينِ خُلُقِهِ لَهُمْ بَلْ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُغْلِظَ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] . وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ «سُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ خُلُقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ وَأَمْرُهُ الْقُرْآنَ وَاتِّبَاعَهُ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا فَإِنْ كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ لِلَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» ) . (ش) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِنْ الْأَعْمَالِ مِمَّا يُكَلِّفُهُ أُمَّتَهُ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا وَأَرْفَقَهُمَا بِأُمَّتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عُقُوبَتَيْنِ يُنْزِلُهُمَا بِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَا خَيَّرَهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي طَاعَتِهِ وَلَا آمَنَ بِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مُوَادَعَةٌ وَمُسَالَمَةٌ وَفِي الْآخَرِ مُحَارَبَةٌ أَوْ مُشَاقَةٌ إلَّا اخْتَارَ مَا فِيهِ الْمُوَادَعَةُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُجَاهَدَةِ وَمَنْعِ الْمُوَادَعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْحَرْبِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِالْأَيْسَرِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أُمَّتَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُخَيِّرُوهُ بَيْنَ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَبَيْنَ الْأَخْذِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا اخْتَارَ لَهُمْ أَيْسَرَهُمَا رِفْقًا بِهِمْ وَنَظَرًا لَهُمْ وَخَوْفًا أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ أَشَقُّهُمَا فَيَعْجَزُوا عَنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا إنْ كَانَ الْمُخَيِّرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى لَا يُخَيِّرُ بَيْنَ الْإِثْمِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَيِّرُ لَهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ مِمَّنْ بُعِثَ إلَيْهِمْ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَيْسَرُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ خُيِّرَ فِيهِمَا إثْمًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَلَا يَخْتَارُهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ جَائِزَيْنِ مَشْرُوعَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُخَيِّرُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَّتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَيْضًا لَا يُخَيِّرُونَهُ بَيْنَ الْتِزَامِ فِعْلِ طَاعَةٍ وَالْتِزَامِ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، وَيَجُوزُ عَلَى بُعْدِ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِمَعْنَى أَنْ يُخَيِّرُوهُ بَيْنَ الْتِزَامِ مَا يَجُوزُ وَالْتِزَامِ مَا لَا يَجُوزُ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَهُ مِمَّا يَجُوزُ فَيَكُونَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ أَنْ يُبِيحَ لَهُمْ مَا لَا يَجُوزُ بَلْ يُبَيِّنُ لَهُمْ الْمَنْعَ مِنْهُ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ إتْيَانِهِ وَيَعْدِلُ بِهِمْ إلَى الْجَائِزِ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِلُ إلَيْهِ أَذًى مِنْ مُخَالَفَةِ إرَادَةِ رَبِّهِ فِيمَا يَخُصُّهُ فَيَنْتَقِمُ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ مَا انْتَقَمْت لِنَفْسِي مِنْ شَيْءٍ فَذَلِكَ الْيَوْمُ زَادِي مِنْ الدُّنْيَا، وَإِنَّ عَمَلِي قَدْ لَحِقَ بِعَمَلِ آبَائِي فَأَلْحِقُوا قَبْرِي بِقُبُورِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْفُو عَمَّنْ شَتَمَهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ لِلَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُؤْذَى أَذًى فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الدِّينِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ انْتِهَاكًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِذَلِكَ إعْظَامًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا يَأْثَمُ فَاعِلُ الْمُبَاحِ، وَإِنْ وَصَلَ بِذَلِكَ أَذًى إلَى غَيْرِهِ قَالَ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذْ أَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ إنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا» فَجَعَلَ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ، حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] فَشَرَطَ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْذُوا بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا وَأَطْلَقَ الْأَذَى فِي خَاصَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَحَصَلَ عَلَى إطْلَاقِهِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَخْلُو أَنْ يَسُبَّهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ فَإِنْ سَبَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ، قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَالزِّنْدِيقِ لَا تُؤْمَنُ تَوْبَتُهُ وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [الأعراف: 157] فَمَنْ شَتَمَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ فَلَمْ يُعَزِّرْهُ وَلَمْ يَنْصُرْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ لَمْ يَنْصُرْهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ وَمَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قُتِلَ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ إنْ انْتَقَصَهُ قُتِلَ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ كَمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة: 136] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَحُكْمُهُ إذَا ظُفِرَ بِهِ حُكْمُ سَائِرِ الْكُفَّارِ، وَالْإِمَامُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُسْرِفَ فِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ شُهِرَ بِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ خَطَلٍ وَفِي مِقْيَسِ بْنِ صَبَابَةَ وَفِي الْقَيْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِسَبِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ سَبَقَ وَنَادَى بِالْإِسْلَامِ لَمْ يُقْتَلْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَذَلِكَ إذَا شَتَمَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَفَرَّقْنَا بَيْنَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ مَنْ سَبَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ دِينِنَا إلَى غَيْرِهِ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا فَحَدُّهُ عِنْدَنَا الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ ظَاهِرٍ إلَى ظَاهِرٍ وَالْكِتَابِيُّ الَّذِي كَانَ عَلَى الْكُفْرِ لَمَّا انْتَقَلَ إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُفِرَ لَهُ مَا قَدْ سَلَفَ فَلَمْ يُقْتَلْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] كَسَائِرِ الْحُدُودِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ سَقَطَ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ قَالَ سَحْنُونٌ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ قَتَلْت الذِّمِّيَّ بِذَلِكَ وَمَنْ دِينُهُ سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكْذِيبُهُ قِيلَ لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِنَا وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا فَلَوْ قَتَلَ وَاحِدًا مِنَّا لَقَتَلْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُ دِمَائِنَا فَكَذَلِكَ سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَظْهَرَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ بَذَلَ لَنَا أَهْلُ الْحَرْبِ الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى إظْهَارِ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ الْعَهْدَ يُنْتَقَضُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِسَبِّهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحِلُّ لَنَا دَمُهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَسْلَمَ لَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِيلَ الْقِصَاصُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ دِينِهِ إلَى دِينِنَا فَظَاهِرُ لَفْظِ سَحْنُونٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ وَأَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا وَلَا يُسْتَتَابُ مِنْهُ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قَالَ الْمَجُوسِيُّ إنَّ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْنَا، وَإِنَّمَا أُرْسِلَ إلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا نَبِيُّنَا مُوسَى أَوْ عِيسَى أَوْ نَحْوُهُمَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَأَمَّا إنْ سَبَّهُ فَقَالَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَلَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَإِنَّمَا هُوَ نَبِيٌّ بِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ فَهَذَا يُقْتَلُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنَّهُ نَبِيٌّ إنَّمَا أُرْسِلَ إلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يُكَذِّبْهُ، وَإِنَّمَا يُكَذِّبُ النَّاقِلَ عَنْهُ لِلرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ الْكَذِبِ وَإِذَا نَفَى عَنْهُ النُّبُوَّةَ فَقَدْ كَذَّبَهُ، وَذَلِكَ وَجْهٌ شَدِيدٌ مِنْ السَّبِّ. (فَرْعٌ) وَلَوْ قَالَ نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، وَإِنَّمَا دِينُكُمْ الْخَمْرُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ، أَوْ يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَبْت لَعَنَكُمْ اللَّهُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا فِيهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ وَالسِّجْنُ الطَّوِيلُ. 1 - (فَرْعٌ) وَمَنْ تَقَاضَى دَيْنَهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَغْضَبَهُ فَقَالَ لَهُ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ وَجْهِ الْغَضَبِ وَالضِّيقِ فَلَيْسَ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْقِيُّ وَأَصْبَغُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ يُرِيدُ أَنَّهُ شَتَمَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَغْضَبَهُ وَذَهَبَ الْحَارِثُ وَغَيْرُهُ فِي مِثْلِ هَذَا إلَى الْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ لَعْنَهُ تَوَجَّهَ إلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ. 1 - (فَرْعٌ) وَلَوْ قَالَ نَبَطِيٌّ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّكُمْ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ الْآنَ فِي الْجَنَّةِ فَمَا لَهُ لَمْ يُغْنِ عَنْ نَفْسِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ. (فَرْعٌ) وَمَنْ تَعَجَّبَ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ قَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِسَابِ وَرَجَاءِ الثَّوَابِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ مُعَاوِيَةَ أَوْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَإِنْ قَالَ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاتِمِ النَّاسِ فَلْيُنَكَّلْ نَكَالًا شَدِيدًا. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ مَنْ كَفَّرَ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَوْجِعْهُ جَلْدًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت فِي مَسَائِلَ رَوَيْت عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ مُوسَى أَنْ قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ بِمِثْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ النَّكَالُ الشَّدِيدُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» الْإِسْلَامُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْلَمَ فُلَانٌ لِلَّهِ إذَا انْقَادَ لَهُ، وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] فَكُلُّ إيمَانٍ إسْلَامٌ، وَلَيْسَ كُلُّ إسْلَامٍ إيمَانًا؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ اسْتَسْلَمَ لِلَّهِ وَانْقَادَ لَهُ بِإِيمَانِهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22] فَالْإِسْلَامُ يُؤْتَى بِهِ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَرَا مِنْ الِاجْتِنَابِ بِالطَّاعَاتِ، وَمِنْ حُسْنِهِ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ مَا لَا

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ: «اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَنَا مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ سَمِعْت ضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْت فِيهِ مَا قُلْت، ثُمَّ لَمْ تَنْشَبْ أَنْ ضَحِكْت مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْنِيهِ فَيَشْتَغِلُ بِهِ وَرُبَّمَا شَغَلَهُ عَمَّا يَعْنِيهِ أَوْ أَدَّاهُ إلَى مَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ، وَالثُّلُثُ الْآخَرُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَالثُّلُثُ الثَّالِثُ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا تَشَابَهَ كَانَ أَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ أَلْقَيْت هَذَا النَّعْلَ، وَأَخَذْت آخَرَ جَدِيدًا فَقَالَ لَهُ نَعْلِي جَاءَتْ بِك هَاهُنَا أَقْبِلْ عَلَى حَاجَتِك. (ش) : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْتَأْذِنِ «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ يُرِيدُ عَشِيرَتَهُ وَتَصِفُ الْعَرَبُ الرَّجُلَ بِأَنَّهُ ابْنُ الْعَشِيرَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ ابْنٌ مِنْهَا أَوْ وَصَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ بِحَالِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْلَمَ بِحَالِهِ لِيَحْذَرَ أَمْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ ضَحِكَ مَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ لَهُ وَدَفْعِ مَضَرَّتِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ فَانْظُرُوا مَاذَا يَتْبَعُهُ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي «أَنَّ الْمَرْءَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ أَرَادَ بِهِ مِنْ الْغُفْرَانِ أَوْ الْعِقَابِ أَوْ الرِّضَى عَنْهُ أَوْ السَّخَطِ عَلَيْهِ فَانْظُرُوا مَا يَتْبَعُهُ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ يُرِيدُ فِي الْحَيَاةِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى يُرِيدُ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ ذِكْرِهِ فَإِنْ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ الذِّكْرَ الْقَبِيحَ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى شَدِيدِ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ، وَهَذَا إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الذِّكْرَ الشَّائِعَ عَنْهُ مِنْ جُمْهُورِ النَّاسِ وَأَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ، وَأَمَّا مَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَاحِدُ وَأَهْلُ الضَّلَالِ وَالْفِسْقِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ الْعَدُوُّ فَيَتْبَعُهُ بِالذِّكْرِ الْقَبِيحِ، وَأَمَّا أَهْلُ الضَّلَالِ فَلَا يَذْكُرُونَ أَهْلَ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ إلَّا بِالشَّرِّ، وَإِنَّمَا الْأَمْرُ عَلَى مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ بِاللَّيْلِ الظَّامِئِ بِالْهَوَاجِرِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الْمُتَنَفِّلِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِصَبْرِهِ عَلَى الْأَذَى وَكَفِّهِ عَنْ أَذَى غَيْرِهِ وَالْمُعَارَضَةِ عَلَيْهِ مَعَ سَلَامَةِ صَدْرِهِ مِنْ الْغِلِّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ مُجَامَلَةُ الزَّوْجَةِ وَالْأَهْلِ وَمُعَاشَرَتِهِمْ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ مَالِكٌ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَهْلِ دَارِهِ حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيْهِمْ، قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ عِيَالُهُ، وَيَلْبَسَ ثِيَابًا لَا يَكْسُوهُمْ مِثْلَهَا، وَلَكِنْ يَكْسُوهُمْ وَيُطْعِمُهُمْ مِنْهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَمَّا أَدْخَلَ دَارِهِ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَاحِشَ الْمَرْأَةَ وَلَا يُكْثِرَ مُرَاجَعَتَهَا وَلَا تَرْدَادَهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَرْأَةُ كَالضَّبُعِ إنْ أَقَمْتهَا كَسَرْتهَا، وَإِنْ اسْتَمْتَعْت بِهَا اسْتَمْتَعْت بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ» ، وَرَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ

[ما جاء في الحياء]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبِغْضَةَ فَإِنَّهَا هِيَ الْحَالِقَةُ) . مَا جَاءَ فِي الْحَيَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ سَلَمَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلْعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلْعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهُ كَسَرْته وَإِنْ تَرَكْته لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» . (ش) : قَوْلُ سَعِيدٍ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ صَلَاحُ الْحَالِ الَّذِي بَيْنَ النَّاسِ فَذَكَرَ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّوَافِلَ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَهُوَ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى النَّافِلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا أَنَّهَا خَيْرٌ وَأَكْثَرُ ثَوَابًا بِمَا يُسْدِيهِ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مَعَ مَا فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُنَاصَحَةِ وَالتَّعَاوُنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَكُونُ بِاحْتِسَابِ الْأَذَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِيَّاكُمْ وَالْبِغْضَةَ فَإِنَّهَا هِيَ الْحَالِقَةُ قَالَ الْأَخْفَشُ: أَصْلُ الْحَالِقَةِ مِنْ حَلَقَ الشَّعْرَ، وَإِذَا وَقَعَ الْفَسَادُ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْ حَرْبٍ أَوْ تَبَاغُضٍ حَلَقَهُمْ عَنْ الْبِلَادِ أَيْ أَجْلَتْهُمْ وَفَرَّقَتْهُمْ حَتَّى يُخْلُوهَا، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا لَا تُبْقِي شَيْئًا مِنْ الْحَسَنَاتِ حَتَّى يَذْهَبَ بِهَا كَمَا يَذْهَبُ الْحَلْقُ بِالشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ حَتَّى يَتْرُكَهُ عَارِيًّا. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ» ) . (ش) : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بُعِثْت بِالْإِسْلَامِ لِأُتَمِّمَ شَرَائِعَهُ، وَحُسْنُ هَدْيِهِ وَزِيِّهِ وَسَمْتِهِ حُسْنُ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ وَإِنْ كَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ أَخْلَاقًا بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُمْ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّرَائِعِ قَبْلَهُمْ، فَقَدْ كَانُوا أَضَلُّوا بِالْكُفْرِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا وَمِنْهَا مَا خُصَّ بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَتِمُّ بِالْأَمْرَيْنِ مَحَاسِنُ الْأَخْلَاقِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ وَمَنْ تَخَلَّقَ بِأَوَامِرِ الْقُرْآنِ أَوْ نَوَاهِيهِ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ امْتِثَالَهُ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَيْفَ سَائِرُ مَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ وَسُنَّةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [مَا جَاءَ فِي الْحَيَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ» يُرِيدُ سَجِيَّةً شُرِعَتْ فِيهِ، وَخَصَّ أَهْلَ ذَلِكَ الدِّينِ بِهَا وَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي يُثَابُونَ عَلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ سَجِيَّةً تَشْمَلُ أَهْلَ ذَلِكَ الدِّينِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ أَوْ تَشْمَلُ أَهْلَ الصَّلَاحِ مِنْهُمْ وَتَزِيدُ بِزِيَادَةِ الصَّلَاحِ، وَتَقِلُّ بِقِلَّتِهِ، وَإِنَّ خُلُقَ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ وَالْحَيَاءُ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَوْ عَلَيْهِمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَيَاءُ فِيمَا شُرِعَ الْحَيَاءُ فِيهِ فَأَمَّا حَيَاءٌ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ «، وَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» . وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحٍ وَلَا مُتَكَبِّرٍ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ بِالْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَاتِ

[ما جاء في الغضب]

مَا جَاءَ فِي الْغَضَبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغْضَبْ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهِهَا وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يُرِيدُ لَامَهُ عَلَى كَثْرَةِ الْحَيَاءِ يَقُولُ لَهُ إنَّك لَتَسْتَحْيِي حَتَّى قَدْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِك، وَمَنَعَك مِنْ بُلُوغِ حَاجَتِك، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْهُ» يُرِيدُ الْإِمْسَاكَ عَنْ وَعْظِهِ فِي ذَلِكَ «فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» ، يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُرَافِقٌ لِلْإِيمَانِ كَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْتَ مِنِّي» . [مَا جَاءَ فِي الْغَضَبِ] (ش) : قَوْلُ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْتَفِعُ بِهَا مُدَّةَ عَيْشِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى عَيْشِي، وَلَا تُكْثِرُ عَلَيَّ فَأَنْسَى، وَلَعَلَّهُ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ قِلَّةَ الْحِفْظِ فَأَرَادَ الِاخْتِصَارَ الَّذِي يَحْفَظُهُ وَلَا يَنْسَاهُ فَجَمَعَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْرَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ «لَا تَغْضَبْ» وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ كَثِيرًا مِنْ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْذِيَ وَيُؤْذَى، وَأَنْ يَأْتِيَ فِي وَقْتِ غَضَبِهِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَا يَأْثَمُ بِهِ وَيُؤْثِمُ غَيْرَهُ وَيُؤَدِّي الْغَصْبُ إلَى الْبِغْضَةِ الَّتِي قُلْنَا إنَّهَا الْحَالِقَةُ وَالْغَضَبُ أَيْضًا يَمْنَعُهُ كَثِيرًا مِنْ مَنَافِعِ دُنْيَاهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَغْضَبْ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تُمْضِ مَا يَبْعَثُك عَلَيْهِ غَضَبُك وَامْتَنِعْ مِنْهُ وَكُفَّ عَنْهُ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهُ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ لَسْتُ بِحَلِيمٍ وَلَكِنِّي أَتَحَالَمُ. (فَرْعٌ) وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتِنَاعَهُ مِنْ الْغَضَبِ فِي مَعَانِي دُنْيَاهُ وَمُعَامَلَتِهِ، وَأَمَّا فِيمَا يُعَادُ إلَى الْقِيَامِ بِالْحَقِّ فَالْغَضَبُ فِيهِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ الْغَضَبُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمْ بِالْجِهَادِ وَكَذَلِكَ الْغَضَبُ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجُوزُ. وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ، وَهُوَ الْغَضَبُ عَلَى الْمُخْطِئِ إذَا عَلِمْت أَنَّ فِي إبْدَاءِ غَضَبِك عَلَيْهِ رَدْعًا لَهُ وَبَاعِثًا عَلَى الْحَقِّ. وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ غَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ» «وَقَالَ مَالِكٌ وَلَهَا وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَنَّهُ يُطَوِّلُ بِهِمْ فِي الصَّلَاةِ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَغْضَبْ» قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْغَضَبِ قَلِيلَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ نَقْصٌ فِي دِينِهِ وَحَالِهِ مِنْ جِهَةِ الْغَضَبِ فَخَصَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» الصُّرَعَةُ الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ وَيَكْثُرُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ لِلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ الضَّحِكُ ضُحَكَةً، وَاَلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ النَّوْمُ نُوَمَةً فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الشِّدَّةِ عَنْ الصُّرَعَةِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ شِدَّتَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالنِّهَايَةِ فِي الشِّدَّةِ وَأَشَدُّ مِنْهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ

[ما جاء في المهاجرة]

مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ التَّدَابُرَ إلَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ فَتُدْبِرُ عَنْهُ بِوَجْهِك مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْغَضَبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا شِدَّةٌ لَيْسَ لَهَا كَثِيرُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا الشِّدَّةُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا الشِّدَّةُ الَّتِي يَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لَا كَرِيمَ إلَّا يُوسُفُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْكَرَمِ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إثْبَاتَ مَزِيَّةٍ لَهُ فِي الْكَرَمِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا شُجَاعَ إلَّا عَلِيٌّ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَنُدِبَ بِهَذَا إلَى مِلْكِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ عَنْ إمْضَاءِ مَا يَقْتَضِيهِ الْغَضَبُ مِنْ أَذَى مَنْ يَمْلِكُ أَذَاهُ أَوْ مُنَازَعَةِ مَنْ يُنَازِعُهُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] وَقَالَ تَعَالَى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] . [مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِمَّا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ، وَأَمَّا الثَّلَاثُ لَيَالٍ فَمَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ إبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِيهَا، وَمَنْ مَنَعَ دَلِيلَ الْخِطَابِ احْتَمَلَ ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى تَقْدِيرِ الْمَنْعِ، وَأَمَّا مَا قَصَرَ عَنْهُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ إذْ لَا يَخْلُو النَّاسُ مِنْ يَسِيرِ الْمُهَاجَرَةِ وَقْتَ الْغَضَبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ نَصٌّ عَلَى مَنْعِهِ وَنَفْيُ الْبَاقِي يُطْلَبُ دَلِيلُ حُكْمِهِ فِي الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْرِضُ عَنْ صَاحِبِهِ مُهَاجَرَةً لَهُ فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ فَهَذَا الْمِقْدَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ، وَأَمَّا الْأَذَى فَلَا يَحِلُّ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ فَقَدْ قَطَعَ الْهِجْرَةَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ فِي الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ يَجْتَنِبُ كَلَامَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْذٍ لَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الشَّحْنَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا لَهُ فَلَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «الْحَدِيثُ وَفِيهِ خَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» فَلَوْلَا أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُ الْهِجْرَةَ لَمَا كَانَ أَفْضَلُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُؤْذِيهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنْ الْمُوَاصَلَةِ بِمَا لَا أَذًى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَذَى أَشَدُّ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ الْهِجْرَةُ مِنْ الْغِلِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اعْتَزَلَ كَلَامَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْذٍ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكْثَرُ ثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالْمُوَاصَلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَتَرْكِ الْمُهَاجَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَشَدُّ مِنْ الْمُسَاعَدَةِ عَلَيْهَا. (ش) : قَوْلُهُ «لَا تَبَاغَضُوا» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِغْضَةِ، وَهُوَ أَنْ يَبْغُضَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضًا لِغَيْرِ مَعْنًى مُوجِبٍ لِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَفِي الْمُزَنِيَّةِ لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ مَعْنَى لَا تَبَاغَضُوا لَا يَبْغُضْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يُبَغِّضْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إلَى بَعْضٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَحَاسَدُوا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَحْسُدُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَلَى نِعْمَةٍ خَوَّلَهُ اللَّهُ إيَّاهَا وَأَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَقُولَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ فَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] وَذَلِكَ مِنْ وَجْهِ التَّحَاسُدِ، وَهَذَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَمَنَّى لِنَفْسِك مِثْلَ مَا عِنْدَ أَخِيك مِنْ أَمْرِ دِينٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَا تُرِيدُ أَنْ يَزُولَ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَفَاعِلُهُ غَيْرُ مَذْمُومٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةٍ عِنْدَ أَخِيك الْمُسْلِمِ سَوَاءً أَرَدْت انْتِقَالَهَا إلَيْك أَوْ لَمْ تُرِدْ فَهَذَا الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ الْحَسَدُ وَالْكِبْرُ وَالشُّحُّ حَسَدَ إبْلِيسُ وَتَكَبَّرَ عَلَى آدَمَ وَشَحَّ آدَم فَقِيلَ لَهُ كُلْ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ كُلِّهَا إلَّا الَّتِي نَهَى عَنْهَا، فَشَحَّ فَأَكَلَ مِنْهَا وَفِي الْمُزَنِيَّةِ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَحَاسَدُوا» أَنْ تُنَافِسَ أَخَاك فِي الشَّيْءِ حَتَّى تَحْسُدَهُ عَلَيْهِ فَيَجُرَّ ذَلِكَ إلَى الطَّعْنِ وَالْعَدَاوَةِ فَذَلِكَ الْحَسَدُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَدَابَرُوا» قَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ يَقُولُ لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِك عَنْ أَخِيك تُوَلِّهِ دُبُرَكَ اسْتِثْقَالًا لَهُ وَبُغْضًا بَلْ أَقْبِلْ عَلَيْهِ وَأَبْسِطْ لَهُ وَجْهَك مَا اسْتَطَعْت قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ يُرِيدُ ظَنَّ السُّوءِ وَمَعْنَاهُ أَنْ تُعَادِيَ أَهْلَكَ وَصَدِيقَكَ عَلَى ظَنٍّ تَظُنُّهُ بِهِ دُونَ تَحْقِيقٍ، أَوْ تُحَدِّثُ بِأَمْرٍ عَلَى مَا تَظُنُّهُ فَتَنْقُلُهُ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْته، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَحْكُمَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ دُونَ إعْمَالِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ بِدَلِيلٍ. وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِإِثْمٍ، وَهُوَ مَا يُوصَلُ إلَى الْحُكْمِ فِيهِ بِالنَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَجَسَّسُوا» رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ «وَلَا تَجَسَّسُوا» لَا يَلِ أَحَدُكُمْ اسْتِمَاعَ مَا يَقُولُ فِيهِ أَخُوهُ أَوْ يُقَالُ فِي أَخِيهِ وَلَا تَحَسَّسُوا أَيْ لَا تُرْسِلْ مَنْ يَسْأَلُ لَك عَمَّا يُقَالُ فِي أَخِيك مِنْ الشَّرِّ، وَمَا يُقَالُ فِيك. وَقَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى مِثْلَهُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ هِيَ كَلِمَةٌ مُتَصَرِّفَةٌ يُرِيدُ بِهَا أَنْ لَا يَتَجَسَّسَ الْإِنْسَانُ عَلَى أُمُورِ أَخِيهِ الَّتِي يَخَافُ أَنْ يَعِيبَهُ وَيَسُبَّهُ وَلَا يُكْثِرَ السُّؤَالَ عَمَّا يَكْرَهُ أَخُوهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ إخْوَانًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُتَوَاخِينَ مُتَوَادِّينَ. (ش) : مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُصَافَحَةَ بِالْأَيْدِي. وَقَدْ «قَالَ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْمُصَافَحَةُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَصَافَحَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ لَوْلَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ لَعَانَقْتُك فَقَالَ سُفْيَانُ عَانَقَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْك النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ خَاصٌّ قَالَ سُفْيَانُ بَلْ هُوَ عَامٌّ مَا يَخُصُّ جَعْفَرًا يَخُصُّنَا وَمَا يَعُمُّهُ يَعُمُّنَا إذَا كُنَّا صَالِحِينَ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُصَافَحَةَ وَالْمُعَانَقَةَ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُحْتَمَلُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْحَدِيثِ بِالْمُصَافَحَةِ أَنْ يُصْفِحَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ الصَّفْحِ وَهُوَ التَّجَاوُزُ وَالْغُفْرَانُ وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ الْغِلَّ فِي الْأَغْلَبِ، وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِمَنْعِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: 25] وَلَمْ يَذْكُرْ مُصَافَحَةً، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُذْهِبُ الْغِلَّ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْعَدَاوَةَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا صَفَحَ عَنْ أَخِيهِ، وَصَفَحَ عَنْهُ أَخُوهُ ذَهَبَ مَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ الْغِلِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا تَصَافَحَا بِالْأَيْدِي لِأَنَّهَا نِهَايَةُ مَا يَتَوَدَّدُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَالْمُوَاصِلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّوَاصُلِ الَّتِي تُؤَكِّدُ الْمَوَدَّةَ. وَقَدْ «قَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدِيَّةَ. وَقَالَ لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْت» ، وَهَذَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُثِيبُ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَالثَّانِي أَنَّ فَضْلَهُ وَعِصْمَتَهُ ثَبَتَتْ بِالْبَرَاهِينِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْعِلْمُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّنْ إلَيْهِ النَّظَرُ فِي أُمُورِ النَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ أَوْ حَاكِمٍ فَلَا. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُصْفَحُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ، وَيَثْبُتُ فِيهَا لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الدَّرَجَةُ الرَّفِيعَةُ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ فَتْحِ أَبْوَابِهَا، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ عَنْ الْإِقْبَالِ عَلَى الْأَمْرِ وَالْإِنْعَامِ فَيُقَالُ فَتَحَ فُلَانٌ بَابَ طَعَامِهِ وَبَابَ عَطَائِهِ فَلَا يُغْلِقُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَيُقَالُ فِي مُشَاهَدَةِ حَرْبِ الْعَدُوِّ قَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وُجِدَتْ أَسْبَابُ دُخُولِهَا وَغُفْرَانُ الذُّنُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْهَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تُعْرَضُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ عَرْضَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِ بِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْ الْغُفْرَانِ لَهُ فَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِأَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ قَدْ فُتِحَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَلَامَةً عَلَى الْغُفْرَانِ وَالْإِحْسَانِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْغُفْرَانَ الَّذِي يَكُونُ بِمَعْنَى فَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عَلَامَةً عَلَيْهِ تَعُمُّ كُلَّ مُسْلِمٍ إلَّا مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ تَحْذِيرًا مِنْ بَقَاءِ الشَّحْنَاءِ، وَهِيَ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحَضًّا عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْ ذَلِكَ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ إلَى التَّوَدُّدِ وَالْمُؤَاخَاةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وَقَالَ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخِّرُوا الْغُفْرَانَ لَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا أَيْ يَرْجِعَا إلَى الصُّلْحِ، أَوْ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَبْيِينًا مِنْ الرَّاوِي وَمَعْنَى اُتْرُكُوا أَخِّرُوا يُقَالُ تَرَكْت الشَّيْءَ أَخَّرْته وَتَرَكْت فِي الْأَمْرِ أَخَّرْت قَالَهُ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ.

[ما جاء في لبس الثياب للجمال بها]

مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ لِلْجَمَالِ بِهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ فَبَيْنَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إلَى الظِّلِّ قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْت إلَى غِرَارَةٍ لَنَا فَالْتَمَسْت فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْت فِيهَا جِرْوَ قِثَّاءٍ فَكَسَّرْته ثُمَّ قَرَّبْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ قَالَ فَقُلْت خَرَجْنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى قَالَ فَجَهَّزْته، ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلُقَا قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ فَقَالَ أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرَ هَذَيْنِ فَقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْته إيَّاهُمَا قَالَ فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قَالَ فَدَعْوَته فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ قَالَ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ لِلْجَمَالِ بِهَا] (ش) : قَوْلُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُمْت إلَى غِرَارَةٍ لَنَا فَالْتَمَسْت فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْت فِيهَا جِرْوُ قِثَّاءٍ وَالْجِرْوُ الْقِثَّاءَةُ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ الْمُسْتَطِيلَةُ وَقِيلَ الصَّغِيرَةُ، حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجِرْوُ صَغِيرُ الْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ وَجَمْعُهُ أَجْرَاءُ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أُجَرٌ، وَقَوْلُهُ فَكَسَّرْته ثُمَّ قَرَّبْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى كَسَّرَهُ لَهُ أَنْ يَسْهُلَ تَنَاوُلُهُ وَيَكْثُرَ عَدَدُهُ، وَهُوَ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْآكِلُ بِالْكَبِيرِ مِنْهَا فَلَعَلَّ جَابِرًا أَسْمَاهُ بِاسْمِ الصَّغِيرِ تَحْقِيرًا لِمَا قَدَّمَهُ فَكَفَاهُ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ، ثُمَّ قَرَّبَهُ إلَيْهِ لِيَأْكُلَهُ فَقَالَ لِجَابِرٍ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا لَمَّا عَلِمَ مِنْ عَدَمِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَتَعَذُّرِ وُجُودِهِ فِيهِ فَقَالَ جَابِرٌ: خَرَجْنَا بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَوْلُ جَابِرٍ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نُهَيِّئُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَوَجُّهِهِ لِحِفْظِ الظَّهْرِ يُرِيدُ الْإِبِلَ الَّتِي يَرْكَبُونَ ظُهُورَهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَدْبَرَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلِقَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمَا قَدْ بَلَغَا مِنْ ذَلِكَ مَبْلَغًا تَمُجُّهُ الْعَيْنُ وَيَخْرُجُ عَنْ عَادَةِ لِبَاسِ النَّاسِ مَعَ مَا قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سَعَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالَةِ النَّاسِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا يَخَافُ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ شَرْعًا أَوْ مُبَاحًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اللِّبَاسِ الْمُعْتَادِ، وَكَرِهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَاسَ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَمَا يَشْتَهِرُ بِهِ لَابِسُهُ مِنْ دُونِ الْمَلْبَسِ كَمَا كَرِهَ مَا يُشْهَرُ بِهِ صَاحِبُهُ فِي رِفْعَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي غَزْوٍ وَلَعَلَّهُ كَانَ بِقُرْبِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِمْ عُيُونٌ فَيَرَوْنَ عَلَيْهِمْ مِثْلَ هَذَا الْمَلْبَسِ فَيَعْتَقِدُونَ فِيهِمْ مِنْ ضَعْفِ الْحَالِ مَا يُقَوِّي نُفُوسَهُمْ وَيُؤَكِّدُ طَمَعَهُمْ فِي الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَرَادَ إظْهَارَ الْقُوَّةِ وَصَلَاحَ الْحَالِ لِتَضْعُفَ نُفُوسُهُمْ وَيَقِلَّ طَمَعُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرَ هَذَيْنِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ يَعْرِفُ لِيَعْلَمَ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ عَدَمٍ فَيَعْذُرُهُ أَوْ يُعِينُهُ، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَلْبَسِ الصَّالِحِ فَيُنْكِرَ عَلَيْهِ وَيَأْمُرَ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ فَأَعْلَمَ جَابِرٌ أَنَّ لَهُ ثَوْبَيْنِ فِي الْعَيْبَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُضُورِهِمَا، وَلَعَلَّ سُؤَالَهُ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى مَا يَحْضُرُهُ مِنْ الثِّيَابِ فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَبِسَهُمَا امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَأَخْذًا بِهَدْيِهِ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ؟» وَهَذِهِ كَلِمَةٌ

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ إنْكَارِ أَمْرٍ وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الدُّعَاءَ عَلَى مَنْ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَعَلِمَ أَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَالِبًا يُسْتَجَابُ اعْتَقَدَ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ أَوْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ لَمَّا أَتَاهُ وَقَدْ أُخْرِجَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقُولُهُ فَقَالَ لِلرَّجُلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ قَوْلُ مَنْ تَيَقَّنَ وُقُوعَ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّا عَلِمَ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَقَعَ مِنْهُ خِلَافُهُ، وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ الْآيَاتِ مَعَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف: 9] فَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَعْنَى تَوْجِيهِ قَوْلِهِ أَوْ دُعَائِهِ إلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّجُلُ مِنْ الشَّهَادَةِ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخَيْرِ لَهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا. (فَصْلٌ) : وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّجَمُّلِ فِي الْمَلْبَسِ وَالزَّجْرِ عَنْ تَرْكِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي لَوْنِ الْمَلْبُوسِ وَحُسْنِهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي فِي الْمَلْبُوسِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَ زِيٍّ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ الْعَمَائِمُ وَهِيَ تِيجَانُ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ الْعِمَّةُ وَالِاحْتِبَاءُ وَالِانْتِعَالُ مِنْ عَمَلِ الْعَرَبِ، وَكَانَتْ الْعِمَّةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ حَتَّى كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يُرِيدُ وُلَاةَ بَنِي هَاشِمٍ فَتَرَكْنَاهَا خَوْفًا مِنْ خِلَافِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَسُوهَا، وَلَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ إلَّا وَهُمْ يَتَعَمَّمُونَ كُنْت أَرَى فِي حَلْقَةِ رَبِيعَةَ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ رَجُلًا مُتَعَمِّمِينَ وَأَنَا مِنْهُمْ، وَكَانَ رَبِيعَةُ لَا يَدَعُهَا حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا قَالَ رَبِيعَةُ وَإِنِّي لَأَجِدُهَا تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاقْتِعَاطَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّمَ وَلَا يَجْعَلَ تَحْتَ ذَقَنِهِ مِنْهَا شَيْئًا وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ» وَفَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَ اغْتِسَالِهِ وَفِي مَرَضِهِ لَا بَأْسَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُرْخِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ الذُّؤَابَةَ أَوْ يُرْسِلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا إلَّا يُرْسِلُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُرْخِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ رَبِيعَةُ وَابْنُ هُرْمُزَ يُسْدِلَانِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَلَسْت أَكْرَهُ إرْخَاءَهَا مِنْ خَلْفِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَكِنَّ هَذَا أَجْمَلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِهِ أَظْهَرَ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ أَوْلَى وَأَصْوَبُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَأَلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَلَانِسِ هَلْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَقَالَ كَانَتْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا أَرَى، وَكَانَتْ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَلَنْسُوَةٌ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ قَارِئَ الْقُرْآنِ الْمَعْرُوفَ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورَ بِهِ وَهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْغَبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صِفَتَهُمْ وَيَكُونَ هَذَا رَأْيَهُمْ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ لُبْسُ الْبَيَاضِ دُونَ لُبْسِ الْمُصَبَّغَاتِ مِنْ الْمُعَصْفَرِ الْمُشَبَّعِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ» . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَقَاءَ ثِيَابِهِ وَسَلَامَتَهَا مِنْ الْوَضَرِ، وَأَنْ لَا تُدَنَّسَ أَلْوَانُ الثِّيَابِ وَيُغَيَّرَ بَيَاضُهَا؛ لِأَنَّ نَقَاءَ الثَّوْبِ مِنْ حُسْنِ الزِّيِّ

[ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب]

مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالذَّهَبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ وَالثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالزَّعْفَرَانِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَلِيلٌ عَلَى تَوَقِّي لَابِسِهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَارِئِ الْعَابِدَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ يُتْقِنْ لَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ يُرِيدُ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْتَحْسِنْ لِلْعِبَادِ الْخُرُوجَ عَنْ حُسْنِ الزِّيِّ إلَى الْمَلْبَسِ الْمُسْتَخْشَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ الْعَادَةِ وَمَدْخَلٌ فِيمَا يُشَوِّهُ. وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِرَجُلٍ تَنَسَّكَ فَلَبِسَ الصُّوفَ رَأَيْته نَسَكَ نُسُكًا أَعْجَمِيًّا فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ لِبَاسِ الصُّوفِ الْغَلِيظِ فَقَالَ لَا خَيْرَ فِي الشُّهْرَةِ، وَلَوْ كَانَ يَلْبَسُهُ تَارَةً وَيَتْرُكُهُ تَارَةً لَرَجَوْت، وَلَا أُحِبُّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْتَهِرَ وَمِنْ غَلِيظِ الْقُطْنِ مَا هُوَ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَلْيُرَ عَلَيْك مَالُكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْسُو الْحُلَلَ وَقَالَ عُمَرُ: أُحِبُّ أَنْ أَرَى الْقَارِئَ أَبْيَضَ الثِّيَابِ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا لِمَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا أَكْرَهُهُ لَهُ وَاسْتَحْسَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ حُسْنَ الزِّيِّ وَالتَّجَمُّلَ بِالثِّيَابِ الْمُبَاحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» وَسَأَلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] فَقَالَ أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ، وَقَدْ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ التَّجَمُّلُ وَحُسْنُ الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ، وَمُنِعَ الِاحْتِزَامُ وَتَشْمِيرُ الْكُمَّيْنِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِمَّا يُنَافِي زِيَّ الْوَقَارِ، وَكَذَلِكَ شُرِعَ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ التَّجَمُّلُ بِالْمَلْبَسِ وَالتَّطَيُّبُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فَالْعَالِمُ مِمَّنْ يَجْتَمِعُ إلَيْهِ النَّاسُ وَيَرِدُونَ عَلَيْهِ فَشُرِعَ لَهُ التَّجَمُّلُ بِالْمَلْبَسِ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي مَالِهِ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَلْبَسِهِ فَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى عَادَةِ مِثْلِهِ، وَلَا يَخْلُ بِحَالِهِ حَتَّى يُكْرَهَ النَّظَرُ إلَيْهِ وَإِلَى زِيِّهِ وَيَبْشَعُ بِذَلِكَ ذِكْرُهُ، وَقَوْلُهُ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَمَعْنَى جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَوْ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ فَآثَرَ لِبَاسَ الثَّوْبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَلُ فِي اللِّبَاسِ وَأَشْبَهُ بِزِيِّ الْوَقَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ وَالذَّهَبِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِالْمِشْقِ، وَهُوَ الْمُغَرَّى وَالْمَصْبُوغُ بِالزَّعْفَرَانِ يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْمِشْقِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالزَّعْفَرَانِ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ إنْ طُيِّبَ لَا يُحَرَّمُ عَلَى النِّسَاءِ فَلِمَ يُحَرَّمُ عَلَى الرِّجَالِ كَالْمِسْكِ وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُزَعْفِرَ الرَّجُلُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُحْرِمَ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ»

[ما جاء في لبس الخز]

(ص) : «قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، فَأَنَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ لِلْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَالصَّغِيرِ» ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمَلَاحِفِ الْمُعَصْفَرَةِ فِي الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ وَفِي الْأَقْبِيَةِ قَالَ لَا أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَرَامًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اللِّبَاسِ أَحَبُّ إلَيَّ) . مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلْبَسُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالزَّعْفَرَانِ اسْتِعْمَالَهُ فِي جَسَدِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ غَالِبًا فِيمَا يَعُودُ إلَى ذَاتِ الْإِنْسَانِ كَالتَّعَاظُمِ وَالتَّعَاطُرِ وَالتَّزَيُّنِ فَيُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَطَعَنَهُ بِقَدَحٍ كَانَ مَعَهُ» ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَيْنِ الرِّدَاءَ وَالْإِزَارَ بِالزَّعْفَرَانِ، وَإِنِّي لَأَلْبَسُهُ وَأَسْتَحْسِنُهُ وَأَرَاهُ حَسَنًا وَلِلْأَشْيَاءِ وُجُوهٌ، وَأَمَّا السَّرَفُ فَلَا أُحِبُّهُ قَالَ مَالِكٌ وَرَأَيْت ابْنَ الْمُنْكَدِرِ يَلْبَسُ الْمَلْبَسَ بِالزَّعْفَرَانِ وَرَأَيْت ابْنَ هُرْمُزَ يَلْبَسُ الثَّوْبَيْنِ بِالزَّعْفَرَانِ. (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ يُرِيدُ خَاتَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَعَلَّقَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ بِالْكَرَاهَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ لِمَنْ يُلْبِسُهُمْ إيَّاهُ أَوْ يَتْرُكُ مَنْعَهُمْ مِنْهُ مِمَّنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ حَدَّ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَمَنْهِيُّونَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ، وَلِذَلِكَ يُعَاقَبُونَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْعَالِ وَبِذَلِكَ قَالَ وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ لِلْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَالصَّغِيرِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَعَلَّقُ بِهِمْ دُونَ أَوْلِيَائِهِمْ، وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ نَهْيَهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْعُمُومِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ فِي الْمُضْمَرِ وَالْمُقَدَّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَهَى النَّاسَ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ فَتَوَجَّهَ إلَى الْمُكَلَّفِينَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ، وَتَوَجَّهَ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ خَصَّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ نَهْيَهُ تَوَجَّهَ إلَى الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً فَكَرِهَ ذَلِكَ لِلصِّبْيَانِ لَمَّا كَانُوا مِنْ جِنْسِهِمْ لِئَلَّا يَعْتَادُوا ذَلِكَ عِنْد التَّكْلِيفِ كَمَا يُؤْخَذُونَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَيُضْرَبُونَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَعْتَادُوا تَرْكَهَا عِنْدَ التَّكْلِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ فِي الْمَلَاحِفِ الْمُعَصْفَرَةِ فِي الْبُيُوتِ وَالْأَقْبِيَةِ لِلرِّجَالِ لَا أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَرَامًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: دَخَلَ عَبَّادٌ الْبَصْرِيُّ عَلَى ابْنِ هُرْمُزَ فِي بَيْتِهِ فَرَأَى فِيهَا أَسِرَّةً ثَلَاثَةً عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ فُرُشٍ وَمُسَانِدُ وَمَجَالِسُ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا هَذَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ، وَلَيْسَ الَّذِي يَقُولُ شَيْءٌ أَدْرَكْت النَّاسَ عَلَى هَذَا. [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَسَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مِطْرَفَ خَزٍّ يَقْتَضِي أَنَّهَا أَعْطَتْهُ إيَّاهُ لِيَلْبَسَهُ، وَلَوْ لَمْ تُرِدْ أَنْ يَلْبَسَهُ لَقَالَ أَعْطَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ فَأَمَّا لَفْظُ كَسَتْ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي وَجْهَ اللِّبَاسِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَالْخَزُّ بَزٌّ يُتَّخَذُ مِنْهُ الثِّيَابُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إجَازَةِ لُبْسِهِ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ تَابِعِيًّا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَكْسُو بَنِيهِ الْخَزَّ، وَأَمَّا كُلُّ ثَوْبٍ سُدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ وَبَرٌّ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ صُوفٌ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإبَاحَتِهِ لِلرِّجَالِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَرَاهِيَتَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا كَرِهَهُ لِسُدَى الْحَرِيرِ فِيهِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَحْرِيمِهِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَرِيرَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهُ لِلِانْتِفَاعِ، وَمُمَازَجَةُ الْحَرِيرِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْكَتَّانِ أَوْ الصُّوفِ أَوْ الْقُطْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالثَّانِي الْعِلْمُ وَنَحْوُهُ أَنْ يُخَاطَ الثَّوْبُ بِالْحَرِيرِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ، وَإِنْ عَظُمَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الرُّخْصَةِ فِيهِ وَالصَّلَاةِ بِهِ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أُصْبُعٍ إلَى أَرْبَعٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَرِهَ مَالِكٌ لِبَاسَ الْمَلَاحِفِ فِيهَا أُصْبُعٌ أَوْ أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْ حَرِيرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ مِنْ عِلْمِ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إلَّا الْخَيْطَ الرَّقِيقَ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رُوِيَ «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ اللَّتَيْنِ يَلِيَانِ الْإِبْهَامَ» قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَذَلِكَ فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي بِهَا الْإِعْلَامَ وَرَوَى سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ عَنْ عُمَرَ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ فِيهِ قَدْرُ أُصْبُعٍ مِنْ حَرِيرٍ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إبَاحَةَ الْأُصْبُعِ فَمَا دُونَهُ، وَالْمَنْعُ مِمَّا زَادَ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً عَنْهُ فِي إبَاحَةِ الْعِلْمِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مِنْهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَإِبَاحَتِهِ عَلَى مَعْنَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ رَأَيْت رَبِيعَةَ يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ وَظِهَارَتُهَا وَبِطَانَتُهَا خَزٌّ، وَكَانَ إمَامًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ الْخَزِّ الْمَحْضِ أَوْ سُدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ أَنَّ رَبِيعَةَ كَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ مُبَاحًا وَإِنَّهُ كَانَ إمَامًا يُقْتَدَى بِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مَحْضًا مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْعَلُ مِنْ الْحَرِيرِ جَيْبٌ لَا فِي فَرْوٍ وَلَا ثَوْبٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا يُصَلَّى بِقَلَنْسُوَةٍ حَرِيرٍ قَالَ مَالِكٌ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ لِبَاسَ الْخَزِّ وَيَلْبَسُونَ قَلَانِسَ الْخَزِّ تَعَجُّبًا مِنْ اخْتِلَافِ رَأْيِهِمْ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ «رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ أَخْرَجْت إلَى أَسْمَاءَ جُبَّةً طَيَالِسِيَّةً كِسْرَوَانِيَّةً رَأَيْت لَهَا لَبِنَةَ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى قُبِضَتْ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى تَسْتَشْفِي بِهَا فَإِنَّ» الْحَدِيثَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَمِثْلُهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِرَادَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مِمَّا يُخَالِفُ أَحَادِيثَ الْأَئِمَّةِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ فَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صُنِعَ بِهِ بَعْدَ لُبْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَرِيرَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ لُبْسُهُ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَرَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» فَالْمَعَانِي تَقْتَضِي مَنْعَ اللُّبْسِ لِلْحَرِيرِ، فَلَا يُلْبَسُ ثَوْبٌ مَخِيطٌ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُلْتَحَفُ بِهِ وَلَا يُفْتَرَشُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ وَلَا يُتَنَقَّبُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا بُطِّنَ بِحَرِيرٍ أَوْ حُشِيَ بِهِ مِثْلَ الصُّوفِ أَوْ رُقِّمَ بِهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ فِيهِ كَثِيرًا. (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَمَّا مَا بُسِطَ مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَدْ فَعَلَهُ النَّاسُ، وَأَمَّا مَا يُلْبَسُ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَاللِّحَافُ مِنْ اللِّبَاسِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِمَّا يُبْسَطُ. وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ

مَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهُ مِنْ الثِّيَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ نَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «أُهْدِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبَ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمَسُهُ وَنَعْجَبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِنْ الِانْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لُبْسُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا سِتْرُ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُعَلَّقَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَمَّا تَزَوَّجْت قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذْت أَنْمَاطًا قُلْت: وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ فَقَالَ أَمَا أَنَّهَا سَتَكُونُ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ فَأَنَا أَقُولُ نَحِّهِ عَنِّي وَتَقُولُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَكُونُ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ جَابِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْمَاطًا تُعَلَّقُ بِمَعْنَى السُّتُورِ، وَأَمَّا اللِّحَافُ يَرْتَدِي فِيهِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ رَايَةٌ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلِبَاسٍ مُعْتَادٍ. (فَصْلٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا فِي حَالِ السَّلْمِ فَأَمَّا لِبَاسُهُ فِي الْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ بِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ. وَقَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ وَالْمُبَاهَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَحِيحٌ، وَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ الْمَنْعُ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَأَمَّا لُبْسُهُ لِلْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ «وَأَرْخَصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلِلزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا» ، وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ بِهِمَا» وَرَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّهُمَا شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي غُزَاةٍ لَهُمَا» ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَرْخَصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ فِي السَّفَرِ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا أَوْ وَجَعٍ كَانَ بِهِمَا فَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ، وَزَادَ هَمَّامُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِتِلْكَ الْغُزَاةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَا يُلْبَسُ الْحَرِيرُ فِي غَزْوٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا يُقْتَدَى بِهِ فِي لُبْسِهِ فِي الْغَزْوِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ لَكِنَّهُ أَخَذَ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاتُهُ فِيهِ، وَحَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْحَصْرِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَخْصِيصِ كُلِّ طَائِفَةٍ بِمُدَّةٍ، وَذَلِكَ يَنْفِي مُشَارَكَتَهُمَا لِغَيْرِهِمَا فِي مُدَّتِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ بِالْحَدِيثَيْنِ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الدُّنْيَا، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ لَبِسَهُ لُبْسًا مُسْتَمِرًّا فِي غَزْوٍ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ لَبِسَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا لَبِسَاهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ مِمَّا يُوَازِيهِ فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي لُبْسِهِ لِذَلِكَ، وَهَذَا مُبَاحٌ بِإِجْمَاعٍ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ جَازَ.

[ما يكره للنساء لبسه من الثياب]

عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا مَالِكٌ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَنَظَرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ فَقَالَ مَاذَا فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا وَقَعَ مِنْ الْفِتَنِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الْحُجَرِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهُ مِنْ الثِّيَابِ] (ش) : قَوْلُهَا دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ أَنْ يَكُونَ مَعَ رِقَّتِهِ مِنْ الْخِفَّةِ مَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الشَّعْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ الْأَعْضَاءَ وَإِنْ كَانَ صَفِيقًا لِشِدَّةِ رِقَّتِهِ وَلُصُوقِهِ بِالْأَعْضَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْخِمَارِ فَكَرِهَتْ لَهَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَلِكَ، وَشَقَّتْهُ لِتَمْنَعَهَا الِاخْتِمَارَ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعْطَتْهَا مَا تَخْتَمِرُ بِهِ خِمَارًا كَثِيفًا تَتَّخِذُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَهُ، وَتَرَيْهَا الْجِنْسَ الَّذِي شُرِعَ لَهَا الِاخْتِمَارُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ تَعْوِيضَهَا مِمَّا شَقَّتْهُ مِنْ خِمَارِهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا وَرِفْقًا بِهَا. (فَصْلٌ) : وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ «كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» قَالَ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا فَهُنَّ كَالْكَاسِيَاتِ بِلُبْسِهِنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ، وَهُنَّ عَارِيَّاتٌ لِأَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ لَا تُوَارِي مِنْهُنَّ مَا يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَسْتُرْنَهُ مِنْ أَجْسَادِهِنَّ، وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ مِثْلَهُ. وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَارِيَّاتٌ تَلْبَسْنَ الرَّقِيقَ، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْخِفَّةُ فَيَشِفُّ عَمَّا تَحْتَهُ، فَيُدْرِكُ الْبَصَرُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْمَحَاسِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الثَّوْبَ الرَّقِيقَ الصَّفِيقَ الَّذِي لَا يَسْتُرُ الْأَعْضَاءَ بَلْ يَبْدُو حَجْمُهَا. (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَى النِّسَاءَ أَنْ يَلْبَسْنَ الْقَبَاطِيَّ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَشِفُّ فَإِنَّهَا تَصِفُ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَى تَصِفُ أَيْ تَلْصَقُ بِالْجِلْدِ، وَسَأَلَ مَالِكٌ عَنْ الْوَصَائِفِ يَلْبَسْنَ الْأَقْبِيَةَ فَقَالَ مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَإِذَا شَدَّتْهَا عَلَيْهَا ظَهَرَ عَجُزُهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لِضِيقِهِ يَصِفُ أَعْضَاءَهَا عَجُزَهَا وَغَيْرَهَا مِمَّا شُرِعَ سِتْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَرْعٌ) وَهَذَا فِي النِّسَاءِ وَأَمَّا الرِّجَالُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ السَّاتِرُ كُلُّهُ يَصِيرُ إلَى الْإِزَارِ فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ رَقِيقًا وَالْقَمِيصُ رَقِيقًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَثِيفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» قَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعْنَاهُ مَائِلَاتٌ عَنْ الْحَقِّ مُمِيلَاتٌ عَنْهُ. وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ زَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَنْ أَطَاعَهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَعْنَاهُ يَتَمَايَلْنَ فِي مَشْيِهِنَّ وَيَتَبَخْتَرْنَ حَتَّى يَفْتِنَّ مَنْ يَمُرَّنَّ بِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ نَافِعٍ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّمَايُلَ فِي الْمَشْيِ إنَّمَا يُقَالُ فِيهِ مُتَمَايِلَاتٌ، وَقَوْلُهُ «لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ بِأَعْمَالِهِنَّ وَتَرْكِهِنَّ مَا نُهِينَ عَنْهُ، وَإِنْ دَخَلْنَهَا بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَفْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ابْتِدَاءَ وَقْتِ دُخُولِ مَنْ نَجَا مِنْ النَّارِ وَإِنْ دَخَلْنَ الْجَنَّةَ بِمَا وَافَيْنَ مِنْ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ إنْ عَاقَبَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا اكْتَسَبْنَ مِنْ ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُنَّ يُمْنَعْنَ الرَّاحَةَ بِوُجُودِ رِيحِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ رَاحَةٌ وَتَنَعُّمٌ وَهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ يَبْعُدُ عَنْهُ مَنْ حَرَمَهُ مِنْ أَهْلِ

[ما جاء في إسبال الرجل ثوبه]

مَا جَاءَ فِي إسْبَالِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ يَجُرُّ إزَارَهُ بَطَرًا» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي إمَّا بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَلَا يَصِلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُوجَدُ مِنْهُ رِيحُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُمْنَعُ إدْرَاكُهُ فَلَا يَجِدُهُ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنَالُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي حِينِ قِيَامِهِ لِلتَّهَجُّدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَامَ بِمَعْنَى رَآهُ أَوْ أَوْحَى إلَيْهِ فَنَظَرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ اعْتِبَارًا إنَّمَا يَرَاهُ لَعَلَّهُ امْتَثَلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] وقَوْله تَعَالَى {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: 18] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَاذَا فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْخَزَائِنِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فُتِحَ مِنْ خَزَائِنِهَا مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَا قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا بَعْدَ فَتْحِ تِلْكَ الْخَزَائِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ فُتِحَ مِنْ خَزَائِنِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْفِتَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ فُتِحَ مِنْ خَزَائِنِ الْفِتَنِ فَوَقَعَ بَعْضُ مَا كَانَ فِيهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ أَوْ وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْفِتَنُ فِي هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يُفْتَتَنُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْفِتَنَ الَّتِي حَدَثَتْ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَانْتِهَاكِ الْحُرَمِ وَالْأَمْوَالِ وَإِفْسَادِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَّةٍ فِي الْآخِرَةِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَنْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مُكْسَيَةً ذَاتَ حَالٍ صَالِحَةٍ وَدُنْيَا وَاسِعَةٍ، وَهِيَ فِي الْآخِرَةِ عَارِيَّةٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا كُسِيَ غَيْرُهَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا كَاسِيَةٌ فِي الدُّنْيَا بِلِبَاسِ مَا قَدْ نُهِيَتْ عَنْهُ فَهِيَ تَعْرَى مِنْ أَجْلِهِ فِي الْآخِرَةِ إذَا كُسِيَ غَيْرُهَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الْحُجَرِ» قَالَ فِي الْمُزَنِيَّةِ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَمَرَ بِإِيقَاظِ نِسَائِهِ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَعْنَاهُ أَيْقِظُوا نِسَائِي يَسْمَعْنَ يُرِيدُ مَا ظَهَرَ إلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ الْفِتَنِ وَيُحَذِّرُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَفْزَعْنَ إلَى الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِمَّا يُرْجَى أَنَّهُ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُنَّ الْفِتَنَ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي أَنْ يَفْزَعَ الْإِنْسَانُ إلَى الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَمَا يَطْرَأُ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأُمُورِ الْمُخَوِّفَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكُسُوفِ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» . [مَا جَاءَ فِي إسْبَالِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» يُرِيدُ كِبْرًا. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخُيَلَاءُ الَّذِي يَتَبَخْتَرُ فِي مَشْيِهِ، وَيَخْتَالُ فِيهِ وَيُطِيلُ ثِيَابَهُ بَطَرًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى أَنْ يُطِيلَهَا وَلَوْ اقْتَصَدَ فِي ثِيَابِهِ وَمَشْيِهِ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] . وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ، وَقَالَ إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَاظُمِ عَلَى

[ما جاء في إسبال المرأة ثوبها]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ أَنَا أُخْبِرُك بِعِلْمٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إزَارَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى إنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» ) . مَا جَاءَ فِي إسْبَالِ الْمَرْأَةِ ثَوْبَهَا (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُرْخِيهِ شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إذَا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الْكُفْرِ وَالِاسْتِحْقَارِ لَهُمْ وَالتَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» يَقْتَضِي تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ بِمَنْ جَرَّهُ خُيَلَاءَ أَمَّا مَنْ جَرَّهُ لِطُولِ ثَوْبٍ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْوَعِيدُ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسْت مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ» وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَيْهِ» مَعْنَى ذَلِكَ لَا يَرْحَمُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ الْإِزَارِ فَقَالَ أَنَا أُخْبِرُك بِعِلْمٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إزَارَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى إنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إزَارَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى إنْصَافِ سَاقَيْهِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ لِبَاسِهِ الْإِزَارَ؛ لِأَنَّهُ يَلْبَسُ لُبْسَ الْمُتَوَاضِعِ الْمُقْتَصِدِ الْمُقْتَصِرِ عَلَى بَعْضِ الْمُبَاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْمَشْرُوعَ لَهُ وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ مُبَاحٌ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لِبَاسٌ يُوَصِّلُ إلَى النَّارِ وَرَوَى أَصْبَغُ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ» أَذَلِكَ مِنْ الْإِزَارِ فَقَالَ بَلْ مِنْ الرِّجْلَيْنِ قَالَ أَصْبَغُ قَالَ بَعْضُهُمْ مَا ذَنْبٌ لِإِزَارٍ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ مَا غَطَّى تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ سَاقَيْهِ بِالْإِزَارِ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ تُصِيبَهُ النَّارُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَقَالَ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَأَصْبَغُ مِثْلَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ لِهَذَا اللِّبَاسِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَالْمُبَاحُ أَنْ يَكُونَ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْمَحْظُورُ مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَصْرُ الثَّوْبِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الطُّولِ وَالسَّعَةِ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ سَعَةَ الثَّوْبِ فِي نَفْسِهِ وَأَكْرَهُ طُولَهُ عَلَيْهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الزَّائِدَ عَلَى الطُّولِ الْمُبَاحِ وَالزَّائِدَ عَلَى السَّعَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الثَّوْبُ لِبَقَاءِ الثَّوْبِ وَحِفْظِهِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يُسْرِعُ تَخَرُّقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي إسْبَالِ الْمَرْأَةِ ثَوْبَهَا] (ش) : قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ يَعْنِي مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ وَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُرْخِيَ إزَارَهَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ لِتَسْتُرَ بِذَلِكَ قَدَمَيْهَا وَأَسْفَلَ سَاقَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْرَةٌ مِنْهَا فَقَالَ تُرْخِيهِ شِبْرًا يُرِيدُ تُرْخِيهِ عَلَى الْأَرْضِ شِبْرًا لِيَسْتُرَ قَدَمَيْهَا وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ سَاقَيْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ مِنْ

[ما جاء في الانتعال]

مَا جَاءَ فِي الِانْتِعَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ وَلْتَكُنْ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQزِيِّهِنَّ خُفٌّ وَلَا جَوْرَبٌ كُنَّ يَلْبَسْنَ النِّعَالَ أَوْ يَمْشِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَقْتَصِرْنَ مِنْ سَتْرِ أَرْجُلِهِنَّ عَلَى إرْخَاءِ الذَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي إرْخَاءِ الذَّيْلِ شِبْرًا إذَا يَنْكَشِفُ عَنْهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهَا فِيمَا تَسْتَتِرُ بِهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ رِجْلَيْهَا لَهُ فِي سُرْعَةِ مَشْيِهَا وَقِصَرِ الذَّيْلِ يَكْشِفُهُ عَنْهَا فَلَمَّا تَبَيَّنَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَبَاحَ مِنْهُ مَا أَبَاحَ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ افْعَلْ وَأَرَادَ بَعْدَ الْحَظْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ إرْخَاءِ الذَّيْلِ ثُمَّ أَمَرَ الْمَرْأَةَ بِإِسْبَالِ مَا يَسْتُرُهَا مِنْهُ، وَذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْرُكَ مَا تَسْتَتِرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الِانْتِعَالِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُثْلَةِ وَالْمُفَارَقَةِ لِلْوَقَارِ وَمُشَابَهَةِ زِيِّ الشَّيْطَانِ كَالْأَكْلِ بِالشِّمَالِ وَهَذَا مَعَ الِاخْتِيَارِ فَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ فَذَلِكَ مُبَاحٌ وَمَنْ انْقَطَعَ شِسْعُ إحْدَى نَعْلَيْهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَمْشِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ حَتَّى يُصْلِحَهَا لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيَقِفْ وَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَعْلَمُهُ أَنَّهُ مَشَى فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَصْلَحَ الْأُخْرَى وَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي فِي خُفٍّ وَاحِدَةٍ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا لَحُمِلَ عَلَى ضَرُورَةٍ دَعَتْهَا إلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْشِيَ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ الْمَشْيَ الْخَفِيفَ إذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ وَهُوَ أَنْ يَمْشِيَ فِي إحْدَاهُمَا مُتَشَاغِلًا بِالْإِصْلَاحِ لِلْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ أَنْ يَقِفَ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ حِينَئِذٍ إلَى شَيْءٍ مِمَّا يُنْكَرُ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ لَهُ الْعَجَلَةَ وَالْإِسْرَاعَ إلَى مَا يُؤْمَنُ فَوْتُهُ فَيَكُونُ عُذْرًا لَهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحَدِيثُ إنَّمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَشْيِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقِفَ حَتَّى يُصْلِحَ الْأُخْرَى وَقَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُطِلْ فَإِنْ طَالَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا انْتَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّيَامُنَ مَشْرُوعٌ فِي ابْتِدَاءِ الْأَعْمَالِ وَاللِّبَاسِ وَأَنَّ التَّيَاسُرَ مَشْرُوعٌ فِي خَلْعِ الْمَلْبُوسِ وَتَرْكِ الْعَمَلِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي طَهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَحُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلْتَكُنْ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ عَلَى مَعْنَى إيثَارِ الْيُمْنَى بِاللُّبْسِ فَتَكُونُ أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ رَجُلًا نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَقَالَ: لِمَ خَلَعْت نَعْلَيْك لَعَلَّك تَأَوَّلْت هَذِهِ الْآيَةَ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12] قَالَ: ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ لِلرَّجُلِ: أَتَدْرِي مَا كَانَتْ نَعْلَا مُوسَى قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي مَا أَجَابَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ كَعْبٌ كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لِمَ خَلَعْت نَعْلَيْك عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِفِعْلِهِ، أَوْ تَوَقُّعِ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ مَمْنُوعٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ خَلْعَ نَعْلَيْهِ لِصَلَاةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِنْ دُخُولِ مَسْجِدٍ، أَوْ دُخُولِ حَرَمٍ.

[ما جاء في لبس الثياب]

مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّه أَكَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ لَعَلَّك تَأَوَّلْت هَذِهِ الْآيَةَ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12] وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ خَلْعَ نَعْلَيْهِ حَالَ الْجُلُوسِ إيثَارًا لِلُبْسِهِمَا عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فَأَمَّا دُخُولُ الْحَرَمِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالنَّعْلَيْنِ فَمُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِطَاءَ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا فِيهِمَا تُرَابٌ، أَوْ حَصْبَاءُ وَكَذَلِكَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الطَّوَافِ فِي النَّعْلَيْنِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12] يَقُولُ طَأْ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْك حَافِيًا قَالَهُ مُجَاهِدٌ فَذَهَبَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ إلَى أَنَّهُ أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ لَمَّا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ فَأُمِرَ أَنْ لَا يَطَأَ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ بِهِمَا لِنَجَاسَتِهِمَا وَبِذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ لَمْ تَكُونَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ أَنْ يُبَاشِرَ بِقَدَمَيْهِ بَرَكَةَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَهِيَ الطَّاهِرَةُ وَقِيلَ الْمُبَارَكَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَتَا مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَيْضًا أُمِرَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ وَلِيُبَاشِرَ الْقُدْسَ بِقَدَمَيْهِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ] (ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ الِاحْتِبَاءُ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّوْبِ عَلَى حَقْوَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَفَرْجُهُ بَادٍ وَهُوَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَرْتَفِقُ فِي جُلُوسِهَا وَالِاحْتِبَاءُ بِالرِّدَاءِ لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ لِمَنْ احْتَبَى بِثَوْبٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى فَرْجِهِ شَيْءٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إبْدَاءِ عَوْرَتِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِسَتْرِهَا وَأَمَّا الِاشْتِمَالُ فَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَيُخْرِجَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فَأَمَّا إخْرَاجُ الْيَدِ مِنْ الثَّوْبِ فَهُوَ الَّذِي يَتَّقِي مِنْهُ فِيهِ مِنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ اللَّفْظَ فَقَدْ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ اشْتِمَالًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِثَوْبٍ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ وَلَا يَرْفَعَ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ قَالَ: وَرُبَّمَا اضْطَجَعَ فِيهِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُصِيبُهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ وَالِاتِّقَاءَ بِيَدَيْهِ فَلَا يَقْدِرُ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْتَ ثَوْبِهِ فَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ الصَّلَاةِ بَلْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يُدْخِلَ الثَّوْبَ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى فَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الصَّمَّاءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُسْرَى بَدَتْ عَوْرَتُهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ، ثُمَّ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَيْسَ بِضَيِّقٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ رِدَاءٌ وَإِزَارٌ وَالسِّيَرَاءُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هُوَ ثَوْبٌ مُسَيَّرٌ فِيهِ خُطُوطٌ تُعْمَلُ مِنْ الْقَزِّ. وَقَالَ الْخَلِيلُ السِّيَرَاءُ الضِّلْعُ بِالْحَرِيرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ كَثْرَةُ الْحَرِيرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ جَمِيعُ سَدَاهُ حَرِيرًا وَبَعْضُ لُحْمَتِهِ حَرِيرًا كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ ثُلُثِهِ فَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ السِّيَرَاءَ مَعْنًى يَعُودُ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ وَهَيْئَتِهَا وَأَنَّ الْحُلَّةَ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ وَلِذَلِكَ رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُلَّةَ إسْتَبْرَقٍ وَهُوَ غَلِيظُ الْحَرِيرِ وَرَوَى نَافِعٌ حُلَّةَ حَرِيرٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ وَشْيٌ مِنْ حَرِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ شُرِعَ فِيهِ التَّجَمُّلُ وَقَوْلُهُ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ شُرِعَ التَّجَمُّلُ لِلْوَارِدِينَ وَالْوَافِدِينَ فِي الْمَحَافِلِ الَّتِي تَكُونُ لِغَيْرِ آيَةٍ مَخُوفَةٍ كَالزَّلَازِلِ وَالْكُسُوفِ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّضَرُّعِ وَالرَّغْبَةِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُ عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ التَّجَمُّلِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لُبْسَ هَذَا النَّوْعِ فَثَبَتَ أَنَّ التَّجَمُّلَ إنَّمَا شُرِعَ بِالْجَمِيلِ مِنْ الْمُبَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَاضِحٌ فِي تَحْرِيمِهِ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى لِبَاسِهِ وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرْسَلَ إلَيْهِ حُلَّةً مِنْهَا كَسَوْتنِيهَا وَقَدْ قُلْت فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت إشْفَاقًا أَنْ يَكُونَ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ بِاللُّبْسِ وَالْوَصْفُ بِأَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَمِثْلُ عُمَرَ عَلَى فَضْلِهِ وَدِينِهِ يُشْفِقُ وَلَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ قَدْ نُسِخَ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَيْهِ بِهَا لِيَلْبَسَهَا فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكْسُهُ إيَّاهَا لِيَلْبَسَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَى كَسَاهُ إذَا أَعْطَاهُ كِسْوَةً وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ ثِيَابُ الْحَرِيرِ مِمَّا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا جَازَ اتِّخَاذُهَا لِلُبْسِ النِّسَاءِ وَجَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا وَالتِّجَارَةُ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ قِيلَ إنَّهُ كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَإِنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ أَنْ تَصِلَ أُمَّهَا وَقَدْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا مُشْرِكَةً رَاغِبَةً فَقَالَ لَهَا صِلِي أُمَّك قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ وَقَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لُبِّدَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) . (ش) : قَوْلُهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الْحَالَةَ الَّتِي تَحْسُنُ فِيهَا مَلَابِسُ النَّاسِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ فِي جَمَالِ الْمَلْبَسِ فَرَأَى فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَوْبًا يُرَقِّعُهُ فِي أَظْهَرِ مَوَاضِعِهِ وَهُوَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ كَثِيرَةٍ قَدْ لُبِّدَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَقَّعَ الثَّوْبَ، ثُمَّ تَخَرَّقَ ذَلِكَ التَّرَقُّعُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ آخَرَ وَهُوَ مَعْنَى تَلْبِيدِ الرِّقَاعِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا بِبَيْتِهِ وَيَلْبَسُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ بَيْنَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ «إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فَاشِيًا فِي أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَشْتَهِرُ بِهِ مَنْ لَبِسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَتَّسِعُ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُقَلِّلَ مَا يَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ أَوْصَى إلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا لَا يَفِي بِهِ مَالُهُ وَلِيَسْتَعِينَ عَلَى أَدَائِهِ بِبَنِي عَدِيٍّ وَهُمْ رَهْطُهُ فَإِنْ تَأَدَّى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَبِقُرَيْشٍ وَلَا يَعْدُوهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ فِي نَفْسِهِ بِهَذَا؛ لِأَنَّ قَدْ شُهِرَتْ بِالْخِلَافَةِ وَالتَّقَدُّمِ فِي الدِّينِ

[ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم]

مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتَرْتَفِعُ عَنْ مِثْلِهِ السُّمْعَةُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِثْلُ هَذَا لِمَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ مَخَافَةَ الشُّهْرَةِ عَلَيْهِ. [مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ الطَّوِيلُ الْبَائِنُ هُوَ الَّذِي يَضْطَرِبُ مِنْ طُولِهِ وَهُوَ عَيْبٌ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَخْفَشُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرَادَ بِهِ وَصْفُهُ بِغَيْرِ الطُّولِ فَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَبِينُ بِالطُّولِ حَتَّى يُوصَفَ بِهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ طُولِ الْقَامَةِ مَا لَا يَبِينُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا مِمَّنْ يُوصَفُ بِالْقِصَرِ وَالْأَمْهَقُ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ حُمْرَةٌ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشُوبًا بِحُمْرَةٍ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الْأَمْهَقُ الْأَبْيَضُ بَيَاضًا لَيْسَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ يَخَالُهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ بَرَصًا وَالْآدَمُ فَوْقَ الْأَسْمَرِ يَعْلُوهُ سَوَادٌ قَلِيلٌ فَوُصِفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَهُوَ الَّذِي صَارَ لِشِدَّةِ الْجُعُودَةِ كَالْمُحْتَرِقِ كَشُعُورِ السُّودِ أَنْ يُقَالَ رَجُلٌ جَعْدٌ وَامْرَأَةٌ جَعْدَةٌ وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِالسَّبْطِ وَهُوَ الْمُسْتَرْسِلُ الشَّعْرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَكَسُّرٌ يَنْفِي عَنْهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهِيَ الصِّفَةُ الْحَسَنَةُ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ رَجِلَ الشَّعْرِ لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبْطِ وَالرَّجِلُ الَّذِي كَأَنَّهُ رُجِّلَ بِالْمُشْطِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ كُنْت أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا حَائِضٌ يَعْنِي تُمَشِّطُهُ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «مَا رَأَيْت أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ قَالَ: إنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ» قَالَ: شُعْبَةُ تَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «كَانَ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ» وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ ضَخْمَ الرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ حَسَنَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ سَبْطَ الْكَفَّيْنِ» وَرُوِيَ هَلْ كَانَ وَجْهُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ السَّيْفِ فَقَالَ: مِثْلُ الْقَمَرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَوْقَفَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٌ وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَاخْتُلِفَ فِي مُقَامِهِ بِمَكَّةَ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ شِهَابٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهُ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَتُوُفِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تُوُفِّيَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ تُوُفِّيَ ابْنَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ يُرِيدُ بِذَلِكَ

[ما جاء في صفة عيسى ابن مريم عليه السلام والدجال]

مَا جَاءَ فِي صِفَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام وَالدَّجَّالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَأَيْتنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْت رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَسَأَلْت مَنْ هَذَا قِيلَ هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ: إذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْت مَنْ هَذَا فَقِيلَ لِي هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ» ) . مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي الْفِطْرَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالِاخْتِتَانُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْلِيلَ شَيْبِهِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ «سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ لَوْ شِئْت أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لَحْيَيْهِ» . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرَقُونَ رُءُوسَهُمْ فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ سَدَلَ بَعْدَ ذَلِكَ» . [مَا جَاءَ فِي صِفَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام وَالدَّجَّالِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يُرِيدُ فِي مَنَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَرَأَيْت رَجُلًا آدَمَ يُرِيدُ إلَى السُّمْرَةِ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الرِّجَالِ يُرِيدُ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ تَرَى مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَهُ لِمَّةٌ وَهِيَ الشَّعْرَةُ تَلُمُّ بِالْمَنْكِبَيْنِ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ رَجَّلَهَا بِالْمَاءِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَقْطُرُ الْمَاءَ وَلَعَلَّهُ قَدْ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَسَأَلْت مَنْ هَذَا فَقِيلَ هَذَا الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ سُمِّيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَسِيحًا لِسِيَاحَتِهِ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَارٌ كَانَ يَمْسَحُ لِكُلِّ مَوْضِعٍ وَقِيلَ إنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ وَقِيلَ لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَمِنْ قَوْلِهِمْ عَلَى وَجْهِ فُلَانٍ مَسْحَةُ جَمَالٍ وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسِيحًا؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ سُمِّيَ ابْنُ مَرْيَمَ مَسِيحًا؛ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ حِينَ وُلِدَ وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسِيحًا بِالتَّخْفِيفِ مِنْ سِيَاحَتِهِ وَبِالتَّثْقِيلِ؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ تِلْكَ إذْ يَسْعَوْنَ الْإِقَامَةَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَتَغْشَاهُمْ غَمَامَةٌ فَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَدْ نَزَلَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إذَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَأَحَادِيثُهُ عَنْهُ فِي بَعْضِهَا نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ رَاوِيهَا قَتَادَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ شَبَّهَهَا بِحَبَّةِ عِنَبٍ قَدْ فُضِخَتْ فَذَهَبَ مَاؤُهَا فَصَارَتْ طَافِيَةً وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ طَافِيَةٌ أَيْ مُمْتَلِئَةٌ تَكَادُ تُفْقَأُ وَكَذَلِكَ عَيْنُهُ طَافِيَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ كَمَا يَظْهَرُ الشَّيْءُ فَوْقَ الْمَاءِ وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الطَّافِيَةِ أَنَّهَا بَارِزَةٌ مِثْلَ الْعِنَبَةِ الَّتِي قَدْ طَفَتْ عَلَى الْمَاءِ وَاسْمُ الْعِنَبَةِ تَقَعُ عَلَى الْمُمْتَلِئَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى الطَّافِيَةِ أَنَّهَا غَلَبَ عَلَى مَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الْجِسْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي الْفِطْرَةِ] (ش) : قَوْلُهُ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ يُرِيدُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ إبْرَاهِيمُ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ الشَّارِبَ وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا فَقَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: وَقَارٌ يَا إبْرَاهِيمُ فَقَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ سُنَّةِ الدِّينِ الَّذِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ الْفِطْرَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ " يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الدِّينَ الَّذِي وُلِدُوا عَلَيْهِ وَخُلِقُوا عَلَيْهِ وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَقَصُّ الشَّارِبِ قَالَ مَالِكٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ يُرِيدُ الشَّعْرَ الَّذِي تَحْتَ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ يُرِيدُ شَعْرَ السُّرَّةِ وَهُوَ الِاسْتِمْدَادُ وَلَيْسَ لِقَصِّ الْأَظْفَارِ وَأَخْذِ الشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ حَدٌّ إذَا انْتَهَى إلَيْهِ أَعَادَهُ وَلَكِنْ إذَا طَالَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدًّا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَالِاخْتِتَانُ الِاخْتِتَانُ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَنِ كَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهِ بِأَنَّهُ قَرَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْقَرَائِنِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَطْعُ جُزْءٍ مِنْ الْجَسَدِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ كَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ وَأَسْنَدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خُولِفَ فِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. (فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يُسْلِمُ فَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الِاخْتِتَانِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ لَهُ تَرْكُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَتْرُكُهُ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ كَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ قَطْعُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مِنْ سَحْنُونٍ يَقْتَضِي كَوْنَهُ وَاجِبًا مُتَأَكِّدَ الْوُجُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ لَمْ تَجُزْ إمَامَتُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ تَرْكَ الْمُرُوءَةِ مُؤَثِّرٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَمَنْ تَرَكَ الِاخْتِتَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ تَرَكَ الْمُرُوءَةَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ وَقْتَ الِاخْتِتَانِ الصِّبَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَقْتُ الْإِثْغَارِ وَقِيلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى الْعَشَرَةِ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ قَبْلَ الْإِثْغَارِ، أَوْ يُؤَخِّرَهُ وَكُلَّمَا عَجَّلَ بَعْدَ الْإِثْغَارِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَكُرِهَ أَنْ يَخْتَتِنَ الصَّبِيُّ ابْنَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ: هَذَا مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُفْعَلَ لَعَلَّهُ يَخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا وَقْتٌ يُفْهَمُ وَيُمْكِنُ مِنْهُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ بِالشَّرَائِعِ وَلِذَلِكَ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْخِفَاضُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أُحِبُّ لِلنِّسَاءِ قَصَّ الْأَظْفَارِ وَحَلْقَ الْعَانَةِ وَالِاخْتِتَانَ مِثْلَ مَا هُوَ عَلَى الرِّجَالِ قَالَ: وَمِنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَلْيَخْفِضْهَا إنْ أَرَادَ حَبْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ لِلْبَيْعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ وَالنِّسَاءُ يَخْفِضْنَ الْجَوَارِيَ قَالَ غَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي قَطْعِ الْمَرْأَةِ. وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَكَانَتْ تَخْفِضُ اخْفِضِي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ أَكْثَرُ لِمَاءِ الْوَجْهِ وَدَمِهِ وَأَحْسَنُ فِي جِمَاعِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ إبْرَاهِيمُ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ الشَّارِبَ وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا فَقَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: وَقَارٌ يَا إبْرَاهِيمُ فَقَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إبْرَاهِيمُ أَوَّلَ مَنْ ضَيَّفَ الضَّيْفَ وَأَوَّلَ مَنْ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ شَارِبَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَتَنَ بِالْقَدُّومِ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَيُخَفَّفُ فَيُقَالُ الْقَدُومُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ

[النهي عن الأكل بالشمال]

النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ وَأَنْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» ) . مَا جَاءَ فِي الْمَسَاكِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ قَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدُومُ بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ الْقَدُومُ الْمَعْرُوفَةُ وَقِيلَ إنَّ اخْتِتَانَهُ مِنْ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتَلَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ يَا رَبِّ مَا هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ شَيْبٌ حَتَّى رَآهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوَّلَ مَنْ رَآهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْبُ مُعْتَادًا عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ الْيَوْمَ وَلَكِنْ كَانَ إبْرَاهِيمُ أَوَّلَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّيْبُ مُعْتَادًا قَدْ رَآهُ إبْرَاهِيمُ لِجَمِيعِ النَّاسِ قَبْلَهُ مَا أَنْكَرَهُ وَقَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا وَلَوْ سَأَلَ عَنْ وُقُوعِهِ بِهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِمَعْنَاهُ كَمَا رَآهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يُفَسِّرْهُ لَهُ بِأَنَّهُ وَقَارٌ وَلَقِيلَ لَهُ هُوَ الشَّيْبُ الَّذِي رَأَيْته لِمَنْ بَلَغَ بِسِنِّك وَلَكَانَ هُوَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْوَقَارُ وَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ الْوَقَارِ حِينَ عَلِمَ مَعْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54] فَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ، أَوْ مَنْ شَابَ مِنْ زَمَنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خُوطِبَ بِهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ مَنْ شَابَ وَمَنْ لَمْ يَشِبْ إلَّا أَنَّهُ جَمَعَ مَعَ الضَّعْفِ الْأَخِيرِ الشَّيْبَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْخَلْقِ مَنْ لَمْ يَشِبْ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ جَمِيعَهُمْ يَشِيبُ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ جَمِيعَهُمْ يَضْعُفُ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ فِي الضَّعْفِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ حَالَ الْقُوَّةِ قَبْلَ الضَّعْفِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَارٌ يَا إبْرَاهِيمُ أَخْبَرَ مَا رَآهُ مِنْهُ مَعْنَاهُ الْوَقَارُ فَسَأَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الزِّيَادَةَ مِنْهُ إذْ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْوَقَارَ مَحْمُودٌ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ هَدْيِ الصَّالِحِينَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ الشَّيْبِ الَّذِي هُوَ الْوَقَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَنَهْيُهُ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْأَكْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْجِنَّ يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَقَدْ قِيلَ إنَّ أَكْلَهُمْ تَشَمُّمٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ عَلَى الْمَجَازِ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَأْمُرُ ابْنَ آدَمَ أَنْ يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ وَيَدْعُوَهُ إلَيْهِ فَأُضِيفَ الْأَكْلُ إلَيْهِ. (فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ: الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيَأْكُلْ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ وَلَا يَأْكُلْ وَلَا يَشْرَبْ بِشِمَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ.

[ما جاء في المساكين]

فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يَفْطَنُ النَّاسُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ» ) . مَا جَاءَ فِي مِعَى الْكَافِرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الْمَسَاكِينِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ هَذَا عَنْهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ غَيْرَهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ وَاَلَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ فَيُقِيمُ بِهَذَا رَمَقَهُ وَاَلَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَالِهِ لَا حَيَاةَ لَهُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فَمَا الْمِسْكِينُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُمْ فَمَا الْمِسْكِينُ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الْحَارِثِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُدُّوا الْمَسَاكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ الظِّلْفُ بِالْكَسْرِ هُوَ ظُفْرُ كُلِّ مَا اجْتَرَّ فَحَضَّ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمِسْكِينَ شَيْئًا وَلَا يَرُدَّهُ خَائِبًا وَإِنْ كَانَ مَا يُعْطَاهُ ظِلْفًا مُحْرَقًا وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْطَى وَلَا يَكَادُ أَنْ يَقْبَلَهُ الْمِسْكِينُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا فِي وَقْتِ الْمَجَاعَةِ وَالشِّدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي مِعَى الْكَافِرِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَافَهُ ضَيْفٌ كَافِرٌ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَ جَحَّادًا الْغِفَارِيَّ وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ تَضْيِيفِ الْكَافِرِ وَهَلْ يُؤَاكَلُ أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَرْكُ مُؤَاكَلَةِ النَّصْرَانِيِّ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا أُرَاهُ حَرَامًا وَلَا نُصَادِقُ نَصْرَانِيًّا فَنَهَى عَنْ مُؤَاكَلَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الْمُصَادَقَةِ وَأَمَّا تَضْيِيفُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنَى الِاسْتِئْلَافِ لَهُ وَرَجَاءِ إسْلَامِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّيَاعِ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ، عَهْدٌ أَوْ غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ شَرِبَ لَبَنَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَشَرِبَ حِلَابَ شَاةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّ حِلَابَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ «الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» قِيلَ إنَّ الْمُؤْمِنَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْبُلْغَةِ مِنْ الْقُوتِ وَيَقْنَعُ بِالْيَسِيرِ مِنْهُ وَيُؤْثِرُ بِبَعْضِ قُوتِهِ وَالْكَافِرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ أَكْلَ النَّهِمِ الْحَرِيصِ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الْأَكْلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يُوصَفُ بِذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْأَكْلِ كَانَ أَكْلُهُ حَالَ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مِنْ أَكْلِهِ حِينَ إيمَانِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْأَكْلِ فَعَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُفَّارَ بِأَكْلِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12] يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُمْ لَا يُمْسِكُونَ عَنْ الْأَكْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَضَيَّفُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ حَالَ كُفْرِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ النَّهْمَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ فَبَلَغَ سَبْعَ شِيَاهٍ، ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ وَتَأَدَّبَ بِأَدَبِ الْإِسْلَامِ وَمَا رَأَى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُقِيمُ أَوَدَهُ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ إلَّا حِلَابَ شَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَسْتَتِمَّ لِذَلِكَ الثَّانِيَةَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ

[النهي عن الشرب في آنية الفضة والنفخ في الشراب]

النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالنَّفْخِ فِي الشَّرَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَوَّلِ طَعَامِهِ وَيَحْمَدُهُ عَلَى آخِرِهِ فَلَا يَصِلُ الشَّيْطَانُ إلَى أَكْلِ طَعَامِهِ وَلَا إلَى شُرْبِ شَرَابِهِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ طَعَامُهُ إلَى أَمْعَائِهِ خَاصَّةً. وَالْكَافِرُ لَا يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَوَّلِ طَعَامِهِ فَيَأْكُلُ مَعَهُ الشَّيْطَانُ فَلَا يُبَارِكُ اللَّهُ فِي طَعَامِهِ وَيَصِيرُ طَعَامُهُ إلَى أَمْعَاءٍ جَمَّةٍ وَلِهَذَا تَكُونُ سَبْعَةَ أَمْعَاءٍ بِمَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ بَعْضُ هَذَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ قَدْ وَصَلَ طَعَامُهُ إلَى سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَعْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ بِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَمَلَهُ عَلَى كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَأَنَّهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْكُفَّارِ وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُجْتَنَبَ فَاعِلُهُ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ حَتَّى يُؤْتَى إلَيْهِ بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ فَأَدْخَلْت رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ فَأَكَلَ كَثِيرًا فَقَالَ: يَا نَافِعُ لَا تُدْخِلْ عَلَيَّ هَذَا سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ مُؤَاكَلَتِهِ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ لِمَا كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الصَّاعَ مِنْ التَّمْرِ حَتَّى يَأْكُلَ حَشَفَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِقْدَارَ أَكْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَبْلُغُهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَرْكِ الشِّبَعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَبْلُغُهُ غَيْرَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَقَدْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا إيمَانُهُ مَا سُمِّيَ الْفَارُوقُ وَإِنَّمَا كَانَ يُحَذِّرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَنْ عَلِمَ هَذَا مِنْ حَالِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْأَحْوَالِ الْحَسَنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ بِالْفَضْلِ وَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ أَكْلِهِ وَتَرَكَ الْحَمْدَ فِي آخِرِهِ وَتَرَكَ كَثِيرًا مِنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أَكُولًا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ قَالَ: فَأَنَا أُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ» فَمَنَعَ أَبُو نَهِيكٍ أَنْ تَكُونَ كَثْرَةُ الْأَكْلِ تُنَافِي الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ كَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَالضَّجَرِ وَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا فَذَكَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الْأَمْرَ تَكَرَّرَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَ هَذَا فِي غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ الصَّحَابَةُ مِثْلَ هَذَا لَمَّا كَانَ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ خِلَافَهُ حِينَ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُؤَالًا عَنْ سَبَبِهِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ جَعَلَ هَذَا شَائِعًا فِي كُلِّ كَافِرٍ آمَنَ وَأَظْهَرَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ فِي بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِكَثْرَةِ الْأَكْلِ وَقِلَّتِهِ قَالَ: وَقِيلَ إنَّهُ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ مَخْصُوصٍ وَقِيلَ بَلْ الْكَافِرُ الْقَلِيلُ الْأَكْلِ لَوْ أَسْلَمَ لَكَانَ أَكْلُهُ أَقَلَّ لِبَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَحْتَمِلُ عِنْدِي مِنْ التَّأْوِيلِ. [النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالنَّفْخِ فِي الشَّرَابِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا يُجَرْجِرُ الْجَرْجَرَةُ صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ فِي الْجَوْفِ وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي جَهَنَّمَ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا مَا يُسَمَّى مُهْلًا وَجَازَ شَرَابُهَا الَّذِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ نَارٌ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَيُسَمَّى الْعَصِيرُ خَمْرًا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْخَمْرُ وَتُسَمَّى الشِّدَّةُ مَوْتًا لِمَا كَانَ تَئُولُ إلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الْفِضَّةِ فِي

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ فَقَالَ لَهُ أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ قَالَ: فَأَهْرِقْهَا» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّرْبِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ فِيهِ الَّذِي يَأْكُلُ، أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ ابْنِ مُسْهِرٍ وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الشُّرْبِ فَلَا يَحْرُمُ كَالْبَلُّورِ الَّذِي لَهُ الثَّمَنُ الْكَثِيرُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اتِّخَاذِهَا وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ آنِيَتِهِمَا، أَوْ آنِيَةِ أَحَدِهِمَا فِي أَكْلٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ آنِيَةٍ فِيهَا تَضْبِيبٌ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَشْرَبَ فِيهِ إذَا كَانَتْ فِيهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ، أَوْ تَضْبِيبُ شُعْبَتِهِ بِهَا وَكَذَلِكَ الْمِرْآةُ تَكُونُ فِيهَا الْحَلْقَةُ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا الْوَجْهَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَوْ آنِيَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْهُمَا وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ «رَأَيْت قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ قَالَ أَنَسٌ لَقَدْ سَقَيْت فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ لَا تُغَيِّرْ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ سَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ بَعْدَ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ حَمْلًا لِأُمَّتِهِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ النَّافِخَ فِي آنِيَةِ الْمَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مِنْ رِيقِهِ فِيهَا شَيْءٌ مَعَ النَّفْخِ فَيَتَقَذَّرُهُ النَّاظِرُ وَيُفْسِدُهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّنَفُّسَ فِي الْإِنَاءِ مِنْ مَعْنَى النَّفْخِ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: لَا يَنْفُخْ أَحَدٌ فِي طَعَامِهِ وَلَا شَرَابِهِ وَلَا يَتَنَفَّسْ أَحَدٌ فِي إنَاءٍ يَشْرَبُ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ مَا يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ التَّنَفُّسَ فَسَمَّى مَا بَيْنَ التَّنَفُّسَيْنِ نَفَسًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ، ثُمَّ تَنَفَّسْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الشُّرْبَ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَتَهُ لَهُ وَأَمَّا مَا أَمَرَهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يَبِينَ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ يَتَنَفَّسَ قَلِيلًا فَرُبَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْقَدَحِ مَعَ تَنَفُّسِهِ شَيْءٌ مِنْ رِيقِهِ، أَوْ مِنْ بَقِيَّةِ مَا فِي فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَقَذَّرُهُ مَنْ يَشْرَبُ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشُّرْبَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ وَقَالَا هُوَ شُرْبُ الشَّيْطَانِ وَمَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ أَظْهَرُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ يُرِيدُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى وَجْهِ السُّؤَالِ عَنْ الْمَعَانِي الَّتِي تَدْعُوهُ إلَى النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ رَأَى فِي شَرَابِهِ قَذَاةً يَدْفَعُهُ عَنْ مَوْضِعِ شَرَابِهِ بِالنَّفْخِ فِيهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَصِلُ بِهِ إلَى إزَالَتِهِ وَدَفْعِ ضَرَرِهِ مَعَ تَرْكِ النَّفْخِ فِيهِ وَهُوَ إرَاقَةُ بَعْضِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ

[ما جاء في شرب الرجل وهو قائم]

مَا جَاءَ فِي شُرْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَائِمٌ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَا لَا يَرَيَانِ بِ شُرْبِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ قَائِمٌ بَأْسًا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ قَائِمًا) . السُّنَّةُ فِي الشُّرْبِ وَمُنَاوَلَتِهِ عَنْ الْيَمِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَثْرَةِ وُجُودِهِ وَقِلَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيقُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ فَأَهْرِقْهَا يَعْنِي أَخِّرْ الْإِنَاءَ عَنْ شَفَتَيْك، ثُمَّ أَهْرِقْهَا وَقَالَ غَيْرُهُ الْقَذَاةُ عُودٌ، أَوْ شَيْءٌ يَقَعُ فِيهِ يَتَأَذَّى بِهِ الشَّارِبُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْإِنَاءِ لَبَنٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِنَّهُ يُتَوَصَّلُ إلَى إزَالَتِهِ بِمَا أَمْكَنَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ كَمَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الشَّرَابِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ يُتَوَقَّعُ أَنْ يُسْرِعَ إلَيْهِ مِنْ رِيقِ النَّافِخِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ مَا يَتَقَذَّرُ بِهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ كَمَا يَتَقَذَّرُ الشَّرَابُ. [مَا جَاءَ فِي شُرْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَائِمٌ] (ش) : وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَقَدْ كَرِهَهُ قَوْمٌ لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِيهِ فِيهَا نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمٌ قَدْ أَخْرَجَهَا فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا الْبُخَارِيُّ مِنْهَا حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا» قَالَ قَتَادَةُ فَقُلْنَا فَالْأَكْلُ قَالَ ذَلِكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ وَتَابَعَهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَكْلِ وَخَالَفَهُمَا شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عَبْسٍ الْأُسْوَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَتَابَعَهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ عَلَى قَتَادَةَ مَا لَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِمُخَالَفَةِ أَئِمَّةَ الصَّحَابَةِ. وَالْأَحَادِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهَا مُعَارِضَةٌ لَهَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ حَدَّثَنَا وَكَانَ شُعْبَةُ يَتَّقِي مِنْ حَدِيثِهِ مِمَّا لَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِحَدَّثَنَا وَأَبُو عَبْسٍ الْأُسْوَارِيُّ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ الْمُرِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَشْرَبُ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ وَلَا يَحْتَمِلُ مِثْلَ هَذَا وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَحُّ إسْنَادًا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ» وَعَاصِمٌ حَافِظٌ مُتْقِنٌ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ سُفْيَانَ وَهُشَيْمٌ وَشُعْبَةُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ مَعَ عَمَلِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِقَاءُ عَلَى مَنْ شَرِبَ قَائِمًا نَاسِيًا وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ إنَاءِ شَرَابٍ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِشُرْبِهِ قَائِمًا قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ وَلَوْ أَسْهَمَ فِيهِ وَيَكُونُ آخِرَهُمْ شُرْبًا إنْ كَانَ سَاقِيَهُمْ وَرَوَى النَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ أَنَّ عَلِيًّا شَرِبَ قَائِمًا وَقَالَ أَنَسٌ يَكْرَهُونَ هَذَا وَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ قَائِمًا وَحَدِيثُ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَنَاوُلُ غِذَاءٍ كَالْأَكْلِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْقَائِمِ. وَرُوِيَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا وَقَالَ النَّخَعِيُّ إنَّمَا كُرِهَ الشُّرْبُ قَائِمًا لِدَاءٍ يَأْخُذُ الْبَطْنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[السنة في الشرب ومناولته عن اليمين]

بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنَ الْأَيْمَنَ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخَ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ» ) . جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ: أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ «لَقَدْ سَمِعْت صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا ثُمَّ لَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ رَمَتْهُ تَحْتَ يَدَيَّ وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَذَهَبْت بِهِ فَوَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْسَلَك أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ لِطَعَامٍ؟ فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا قَالَ: فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْت بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْت أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [السُّنَّةُ فِي الشُّرْبِ وَمُنَاوَلَتِهِ عَنْ الْيَمِينِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ لِلشُّرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَابَ لِلْبَيْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ وَالْجَهْلِ بِحَالِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ نَزَلَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَدْ يَنْزِلُ الْأَعْرَابِيُّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يَأْتِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يُقِمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقِمْ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» . (فَصْلٌ) : قَوْلُهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّيَامُنَ مَشْرُوعٌ فِي مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ أُتِيَ بِشَرَابٍ وَمَعَهُ غَيْرُهُ فَلْيُعْطِهِ إنْ شَرِبَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: إنَّهُ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ قِيلَ إنَّهُ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُفَسَّرًا فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ مَا اسْتَأْذَنَهُ فِيهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ التَّيَامُنِ فِي الْمُنَاوَلَةِ آكَدُ مِنْ حُكْمِ السِّنِّ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَبْلُغْ حِينَئِذٍ الْحُلُمَ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ التَّيَامُنَ مِنْ دُونِ الْأَشْيَاخِ وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ» فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَعَ تَسَاوِي الْأَحْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ يُسْتَحَبُّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْأَيْمَنِ فَالْأَيْمَنِ فِي الْكِتَابِ بِالشَّهَادَاتِ فِي الْمَجْلِسِ وَالْوُضُوءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] ِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ: أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ «لَقَدْ سَمِعْت صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا ثُمَّ لَفَّتْ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ رَمَتْهُ تَحْتَ يَدَيَّ وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَذَهَبْت بِهِ فَوَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْسَلَك أَبُو طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ لِطَعَامٍ؟ فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا قَالَ: فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْت بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْت أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَك فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَك فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا» ) (ش) : قَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِزَوْجِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَقَدْ سَمِعْت صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قَدْ تُبْتَلَى بِالْجُوعِ وَالْآلَامِ لِيَعْظُمَ ثَوَابُهُمْ وَتُرْفَعَ دَرَجَاتُهُمْ بِمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَلَحِقَهُمْ فِيهَا مِنْ الْجُوعِ وَالشِّدَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] وَاسْتِدْلَالُ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى مَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجُوعِ بِضَعْفِ صَوْتِهِ يَدُلُّ عَلَى صَبْرِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدَ مَا ضَعُفَ بِهِ صَوْتُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْبَعُ مِنْ أَقَلِّ الْأَقْوَاتِ وَهُوَ الشَّعِيرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شِبَعٌ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ الْغِنَى وَالْيَسَارِ لَا يَشْبَعُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا دُونَ الشِّبَعِ وَيُؤْثِرُ بِمَا كَانَ يُبْلِغُهُ الشِّبَعَ لَوْ تَنَاوَلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْبَعُ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الشِّبَعُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فُلَانٌ جَائِعٌ إذَا وُصِفَ بِذَلِكَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ فَهَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْتِمَاسِ مَا يُهْدِيهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُمْسِكَ بِهِ رَمَقَهُ وَيُقَلِّلَ مِنْ ضَعْفِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَا عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْقُوتِ لَمَا احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَهَا هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ أَمْ لَا هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ مَالًا وَنَخْلًا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ شِدَّةٍ شَامِلَةٍ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ نَعَمْ وَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا كَانَ عِنْدَهَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تُرْسِلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَفْضَلَ مَا عِنْدَهَا؛ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَفَاخَرُ بِحُسْنِ الْقِرَى وَسَعَتِهِ وَأَرْسَلَتْ بِهَذَا إلَى الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَلَمْ يَكُنْ يُرْسِلُ إلَّا بِمَا يُمْدَحُ بِهِ دُونَ مَا يُذَمُّ بِهِ وَقَدْ تَنَاوَلَتْ ذَلِكَ بِأَفْضَلِ مَا أَمْكَنَهَا بِأَنْ لَفَّتْ أَقْرَاصَ الشَّعِيرِ بِخِمَارٍ وَرَدَّتْ أَنَسًا بِبَعْضِهِ لِأَنَّ كُلَّ مُهْدٍ يُحِبُّ أَنْ يُجَمِّلَ هَدِيَّتَهُ وَيُحَسِّنَهَا وَيُلْبِسَهَا أَفْضَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُرَدُّ إلَيْهِ وَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ أَرَاهُ كَانَ مِنْ صُوفٍ، أَوْ كَتَّانٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَرِيرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَوَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ يَقْتَضِي أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِهَذِهِ الْهَدِيَّةِ دُونَ أَنْ تُرْسِلَهَا إلَى دَارٍ مِنْ دُورِ نِسَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمَتْ مِنْ شُمُولِ الْمَجَاعَةِ لِجَمِيعِ أَزْوَاجِهِ فَوَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَصْرِفَ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمُوَاسَاةِ أَوْ إيثَارِ مَنْ رَأَى إيثَارَهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامَ أَنَسٍ عَلَيْهِمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ تَوَهَّمَ مَا أَتَى بِهِ فَسَأَلَ عَنْهُ تَحَقُّقًا لَهُ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ قَالَ لِمَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاسِ قُومُوا وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ مَا يَحْمِلُهُ أَنَسٌ تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْخُبْزِ لَا يَكْفِي الْعَدَدَ الْيَسِيرَ مِنْهُمْ مَعَ الْمَجَاعَةِ وَشِدَّةِ الْحَالِ فَكَيْفَ بِأَنْ يَفْضُلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَعْلُومِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِوَحْيٍ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ سَيَكْفِي ذَلِكَ الْيَسِيرُ جَمِيعَهُمْ وَلَوْ جَرَى فِيهِ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْهُودِ وَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ لَمَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ لَا يَكَادُ يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا الْمَنْفَعَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا تُذْهِبُ جُوعًا وَلَا تَرْتَجِعُ قُوَّةً. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ «فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا كَانَ شَيْءٌ يَسِيرٌ قَالَ: نَعْلَمُهُ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَإِنَّمَا سَاغَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ الْقَوْمَ إلَى طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ دَعَاهُ أَبُو شُعَيْبٍ خَامِسَ خَمْسَةٍ لِطَعَامٍ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذَا تَبَعٌ فَإِنْ شِئْت أَذِنْت لَهُ وَإِنْ شِئْت تَرَكْته فَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ قَدْ أَذِنْت لَهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ لَمَّا عَلِمَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ يَسُرُّهُ ذَلِكَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَغَيْرُهُ أَظْهَرُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ يَسُرُّهُ أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِ سَبْعِينَ، أَوْ ثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَدْ كَانَ أَبُو شُعَيْبٍ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَكَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَسُرُّهُ زِيَادَةُ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ لَكِنَّهُ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ بَعْدَهُ لَمَّا كَانَتْ حَالُهُ تُشَارِكُهُمْ فِيهَا. وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ فَتَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي الطَّعَامِ الَّتِي بِهَا كَفَى الْعَدَدَ الْكَثِيرَ لَمْ تَكُنْ مِنْ قِبَلِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَرَكَةَ فَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا وَمَا كَانَ لِأَبِي طَلْحَةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ بِمَنْزِلِهِ لَمَّا كَانَ سَبَبَهَا وَهَذِهِ بَرَكَةٌ خُصَّ بِهَا يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يَرْغَبُ فِيهَا وَيَحْرِصُ عَلَيْهَا إذَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا وَقَدْ دَعَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ وَهُمْ أَلْفٌ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جَابِرٍ إلَى صَاعِ بَعِيرٍ وَبَهِيمَةٍ صَنَعَهَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَهُ: تَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَك، وَأَعْلَمَهُ بِقَدْرِ مَا صَنَعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ فِي ذَلِكَ جَابِرًا لَمَّا كَانَ الَّذِي يَكْفِي أَهْلَ الْخَنْدَقِ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ جَابِرٍ وَإِنَّمَا هِيَ بَرَكَةٌ تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا وَخَصَّ بِهَا مَنْزِلَ جَابِرٍ لَمَّا كَانَ سَبَبُهَا مِنْ عِنْدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ الْأَقْرَاصَ الَّتِي دَعَا إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنِينَ قَدْ كَانَتْ أُهْدِيَتْ لَهُ وَمَلَكَهَا بِالْقَبُولِ فَإِنَّمَا دَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ إلَى طَعَامٍ قَدْ مَلَكَهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جَشَّتْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَجَعَلَتْ مِنْهُ قَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ عُكَّةً، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَوْته قَالَ: وَمَنْ مَعِي فَجِئْت فَقُلْت: إنَّهُ يَقُولُ وَمَنْ مَعِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ. وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى فِي رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَكَلُوا حَتَّى فَضَلَ ذَلِكَ الثَّمَانِينَ رَجُلًا، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ وَتَرَكُوا سُؤْرًا وَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ يَقْتَضِي إشْفَاقَهُ مِنْ قِلَّةِ طَعَامِهِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَتَى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقِلَّ طَعَامُهُمْ عَنْ أَكْلِهِ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ رَأَى قَدْرَ الطَّعَامِ وَرَأَى قَدْرَ مَنْ يَأْتِي مَعَهُ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَعْنًى يَرْجُوهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَلَقِّي أَبِي طَلْحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالْبِرِّ بِالضَّيْفِ الْقَادِمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أُمَّ سُلَيْمٍ هَلُمِّي مَا عِنْدَك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقْرَاصَ الَّتِي دَعَا بِهَا أَنَسٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا عِنْدَهَا مِنْ إدَامٍ تَأْدِمُهُ بِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَ أَنَسٍ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ ظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُتَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ بَرَكَةَ الثَّرِيدِ وَأَنَّهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةَ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةَ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَغْلِقُوا الْبَابَ وَأَوْكِئُوا السِّقَاءَ وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ، أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ وَأَطْفِئُوا الْمِصْبَاحَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلْقًا وَلَا يَحِلُّ وِكَاءً وَلَا يَكْشِفُ إنَاءً وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبْرَكُ مِنْ غَيْرِهِ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ الدُّعَاءِ فِيهِ بِالْبَرَكَةِ وَالذِّكْرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا انْفَرَدَ بِعِلْمِهِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ لَمَّا كَانَ عَدَدُهُمْ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَكَادُ أَنْ يَحْمِلَهُمْ مَوْضِعٌ عَلَى حَالَةِ الْأَكْلِ لَا سِيَّمَا مِنْ صَحْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَدَعَا مِنْ الْقَوْمِ بِعَدَدٍ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ قَالَ: وَهُمْ سَبْعُونَ، أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا وَهَذَا مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي فَتَحَ اللَّهُ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَهَا رَحْمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ حَضَرَ وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةَ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةَ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَا اتَّخَذَهُ الِاثْنَانِ لِقُوتِهِمْ الْمُعْتَادِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ، وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: الْحَضُّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَتَخْفِيفُ أَمْرِهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إتْلَافُ مَالٍ وَلَا كَبِيرُ مَشَقَّةٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْأَيْدِي وَكَانَتْ الْمُوَاسَاةُ وَأَكَلَ النَّاسُ عَظُمَتْ الْبَرَكَةُ وَقَدْ هَمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ. وَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَنْ يَهْلِكَ عَلَى نِصْفِ قُوتِهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي ثَمَانِيَةً» لَعَلَّهُ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمُوَاسَاةِ فِي الشِّدَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْلِقُوا الْبَابَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِاللَّيْلِ إذَا نِمْتُمْ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إذَا رَقَدْتُمْ وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ، أَوْ خَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ» فَأَمَرَ بِإِطْفَاءِ الْمَصَابِيحِ عِنْدَ الرُّقَادِ بِلَيْلٍ وَعَطَفَ عَلَى ذَلِكَ غَلْقَ الْأَبْوَابِ وَغَيْرَهَا فَالظَّاهِرُ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَائِرَ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَا يُرِيدُ النَّاسُ حِفْظَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَحْرَزُ لِمَا يُرَادُ حِفْظُهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَوْكِئُوا السِّقَاءَ اُرْبُطُوهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ مَعْنَاهُ اقْلِبُوهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَكْفِئُوهُ إنْ كَانَ فَارِغًا، أَوْ خَمِّرُوهُ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْمَمْلُوءِ أَوْ يَتْبَعَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْفَارِغِ مِنْ بَقِيَّةٍ، أَوْ رَائِحَةٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنْ الْبَقِيعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا خَمَّرْته وَلَوْ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ عُودًا وَرَوَى الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غَطُّوا الْإِنَاءَ فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إلَّا نَزَلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» قَالَ اللَّيْثُ وَالْأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الْأَوَّلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَأَطْفِئُوا الْمِصْبَاحَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلْقًا وَلَا يَحِلُّ وِكَاءً وَلَا يَكْشِفُ إنَاءً يُرِيدُ أَنَّ لِلشَّيْطَانِ مَضَرَّةً وَمُشَارَكَةً فِيمَا يُخْتَزَنُ وَيَكُونُ فِي الْوِعَاءِ وَأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ يَكُونُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا أَخْبَرَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَضِيَافَتُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْده حَتَّى يُحْرِجَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ: يُرِيدُ الْفَأْرَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَجَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ هَذِهِ وَمِثْلَهَا عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ» وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَطْفِئْ مِصْبَاحَك وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَخَمِّرْ إنَاءَك وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرِضُهُ عَلَيْهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَوْكِئْ سِقَاءَك وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَزَادَ فِيهِ التَّسْمِيَةَ وَعَرْضَ الْعُودِ عَلَى الْإِنَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَحَدَّثَ بِشَأْنِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ النَّارَ إنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعَلِمَ أَنَّهُ يُجَازَى فِي الْآخِرَةِ وَمِمَّا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ خَيْرًا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، أَوْ يَصْمُتَ عَنْ شَرٍّ يُعَاقِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الصَّمْتُ عَنْ الْخَيْرِ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، أَوْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ خَيْرًا، أَوْ يَسْكُتَ عَنْ شَرٍّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ، أَوْ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى يَقُولُ خَيْرًا وَيَصْمُتُ عَنْ شَرٍّ وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَالْمَعْنَيَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ حَضَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إكْرَامِ الْجَارِ وَحُسْنِ مُجَاوَرَتِهِ وَأَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ بِاَللَّهِ وَبِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ هَذَا وَيَعْمَلَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» وَرَوَى طَلْحَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي قَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا» . 1 - (فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذَا مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ وَالضِّيَافَةُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَأَوَّلُ مَنْ ضَيَّفَ الضَّيْفَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ أُكْرِمُوا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَ ذَلِكَ بِالْكَرَامَةِ فَقَالَ: فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَلَمْ يَقُلْ: فَلْيَقْضِهِ حَقَّهُ وَالْإِكْرَامُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهَا فِي مَوَاضِعَ لِلْمُجْتَازِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُبَلِّغُهُ وَيَخَافُ الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يُضَيِّفْ وَتَكُونُ وَاجِبَةً عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعَامِرِينَ لِأَرْضِ الْعَنْوَةِ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQرَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَمُرُّ بِقَوْمٍ لَا يُقْرُونَنَا فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ أَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي يَحْتَمِلُ» - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ كَانَ يَجْتَازُ غَازِيًا عَلَى أَهْلِ عَهْدٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِصْحَابِ الزَّادِ إلَى رَأْسِ مَغْزَاتِهِ وَلَا يَصِلُ إلَى الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ الَّذِي تَعَيَّنَ فَرْضُهُ وَوُجُوبُهُ إلَّا بِالْقِرَى فِي الطَّرِيقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اُفْتُتِحَتْ خَيْبَرُ وَغَيْرُهَا مِنْ بِلَادِ الْعَنْوَةِ إنْ كَانَ شُرِطَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهَا وَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَقَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ ضِيَافَةٌ. وَقَالَ سَحْنُونٌ الضِّيَافَةُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا قَدِمَ الْحَضَرَ وَجَدَ مَنْزِلًا وَهُوَ الْفُنْدُقُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ إلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ بِعَيْنِهِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى لِمَعَانٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ فَلَوْ الْتَزَمَ أَهْلُ الْحَضَرِ الضِّيَافَةَ لَمَا خَلَوْا مِنْهَا وَأَهْلُ الْقُرَى يَنْدُرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيَقِلُّ فَلَا تَلْحَقُهُمْ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَجِدُ فِي الْحَضَرِ مِنْ الْمَسْكَنِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ لِعَدَمِ الضِّيَافَةِ وَأَمَّا فِي الْقُرَى الصِّغَارِ فَلَا يَجِدُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُضْطَرِّ إلَى مَنْ يُضَيِّفُهُ وَحُكْمُ الْقُرَى الْكِبَارِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا الْفَنَادِقُ وَالْمَطَاعِمُ لِلشِّرَاءِ وَيَكْثُرُ تَرْدَادُ النَّاسِ عَلَيْهَا حُكْمُ الْحَضَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْإِنْسَانُ وَأَمَّا مَنْ يَعْرِفُهُ مَعْرِفَةَ مَوَدَّةٍ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْنًى يَقْتَضِي الْمُوَاصَلَةَ وَالْمُكَارَمَةَ فَحُكْمُهُ فِي الْحَضَرِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْحَتَهُ وَعَطِيَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَةَ الْعَطِيَّةُ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَجُوزُ وَيَمْضِي بِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهُوَ قُوتُهُ فِي مَبِيتِهِ عِنْدَهُ وَغِذَاؤُهُ فِي غَدِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ مَعْنَى جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يُتْحِفُهُ وَيُكْرِمُهُ وَيَفْعَلُ بِهِ أَفْضَلَ مَا يَسْتَطِيعُ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ: وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يُرِيدُ يُطْعِمُهُ فِيهَا مَا يَسْتَطِيعُ عَلَيْهِ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ خَصَّ الضِّيَافَةَ لِمَنْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ أَرَادَ الْجَوَازَ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْجَائِزَةِ الْمُتَأَكِّدِ حُكْمُهَا لِلْمُجْتَازِ لَا حُكْمُ الضِّيَافَةِ الْمَشْرُوعَةِ لِلضَّيْفِ وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُعْتَرِضِ وَالْمُقِيمُ عَلَيْهَا طَالِبُ صَدَقَةٍ إلَّا أَنَّهَا صَدَقَةُ نَفْلٍ وَصَدَقَةُ النَّفْلِ تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْرُمُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ صَدَقَةٌ وَجَبَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقْبَلُ الضِّيَافَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَافِعٍ: أَنْفِقْ فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَيَقُولُ: احْبِسُوا عَنَّا صَدَقَتَكُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ وَلَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يَقْبَلَ صَدَقَةً يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ مَعَ السَّلَامَةِ وَلَوْ قَبِلَهَا حَلَّتْ لَهُ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا نَقْبَلُ صَدَقَةَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَزَلْنَا عِنْدَهُمْ وَلَوْ نَزَلَ عَلَى غَيْرِهِمْ لَقَبِلَ ضِيَافَتَهُمْ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ عَلَى أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ عَلَى ابْنِهِ سَالِمٍ، أَوْ عَلَى أَخِيهِ عَاصِمٍ لَمْ يَرُدَّ طَعَامَهُمْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ يُرِيدُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ وَيُثْقِلُهُ مِنْ الْحَرَجِ وَهُوَ الضِّيقُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَتَّى يُؤْثِمَهُ وَهُوَ أَنْ يَضُرَّ بِهِ مُقَامُهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَقُولَ قَوْلًا، أَوْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَأْثَمُ بِهِ مَعَ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ بَعْدَ أَنْ يُبْرِمَ بِطُولِ مُقَامِهِ عِنْدَهُ لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ لِلْمُقِيمِ عِنْدَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إذْ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ فَخَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ: فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ قَالَ: وَأَنَا فِيهِمْ قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ: فَكَانَ يُقَوِّتُنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ تُصِبْنَا إلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْت وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حَيْثُ فَنِيَتْ قَالَ، ثُمَّ انْتَهَيْنَا إلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَتَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا وَلَمْ تُصِبْهُمَا» قَالَ مَالِكٌ الظَّرِبُ الْجُبَيْلُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يُقَالُ فِي الْمَاضِي لَهَثَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يَلْهَثُ بِالْفَتْحِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ وَاللَّهَثُ شِدَّةُ تَوَاتُرِ النَّفَسِ مِنْ التَّعَبِ، أَوْ غَيْرِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلْبُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْكَلْبُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْحَيَوَانِ لَهَثًا وَلِذَلِكَ يَلْهَثُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ لَا تَلْهَثُ إلَّا لِسَبَبٍ وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ مِنِّي بِمَعْنَى الذِّكْرِ لِلسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِإِشْفَاقِهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتِهِ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَاهُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ لِسَبَبِهِ إلَى سَقْيِ الْكَلْبِ بِهِ وَمَا نَالَ فِيهِ مِنْ التَّعَبِ وَاسْتِعْمَالِ خُفِّهِ بِمَا يُفْسِدُهُ غَالِبًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجَزَاءَ لَهُ بِالْغُفْرَانِ وَالثَّوَابِ وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَبُ الْجَزَاءَ شُكْرًا وَلِذَلِكَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي أَقْرَضَ قَرْضًا: شُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي لَك قَبِلْته وَإِنْ أَعْطَاك أَفْضَلَ مِنْهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ بِالشُّكْرِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ مَا يُمْلَكُ مِنْهُ وَمَا لَا يُمْلَكُ فَإِنَّ فِي الْإِحْسَانِ إلَيْهَا أَجْرًا. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ يُرِيدُ جَيْشًا غَازِينَ وَمُرْتَصِدِينَ لِعَابِرِ السَّبِيلِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَعُودَ أَمْرُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ إلَى حُكْمِهِ لِأَنَّ رَأْيَ الْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَاحِدٍ كَثُرَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الْمُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ وَلَمَّا فَنِيَ زَادُهُمْ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَتْ فَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِرَأْيٍ رَآهُ وَمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْجَيْشِ أَجْمَعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَرِضَاهُمْ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ زَادًا مِنْ بَعْضٍ وَيَكُونَ فِيهِمْ مَنْ فَنِيَ زَادُهُ جُمْلَةً إلَّا أَنَّهُمْ أَرَدُوا التَّوَاسِيَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَرْمَلُوا جَمَعُوا زَادَهُمْ فَتَوَاسَوْا فِيهِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَكَمَ بِذَلِكَ بَيْنَهُمْ حِينَ رَأَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ فَنِيَ زَادُهُ وَخَافَ عَلَيْهِ سُرْعَةَ الْهَلَاكِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ زَادٌ يَكْفِيهِ وَلَيْسَ بِمَوْضِعِ ابْتِيَاعٍ وَلَا تَسَبُّبٍ فَأَلْزَمَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّسَاوِي فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الزَّادِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ ثَمَنًا وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُوتُهُمْ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ يَسِيرًا يَسِيرًا اسْتِدَامَةً لِلزَّادِ وَتَسْوِيَةً بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى لَمْ يُصِبْهُمْ إلَّا تَمْرَةُ تَمْرَةُ وَفَنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَفَقَدُوا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ جَدَّتِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعُ شَاةٍ مُحْرَقٌ» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ نُهُوا عَنْ أَكْلِ الشَّحْمِ فَبَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْتِفَاعَ بِهَا وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يُضِيفُونَ إلَى ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ مِنْ حَشِيشٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ حَتَّى انْتَهَوْا إلَى الْبَحْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْيَسِيرِ فَإِذَا حُوتٌ بِمِثْلِ الظَّرِبِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الظَّرِبُ الْجُبَيْلُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الظَّرِبُ مَا نَتَأَ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْجَمْعُ ظِرَابٌ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ الظَّرِبُ صَغِيرُ الْجَبَلِ فَأَكَلَ الْجَيْشُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُوتُ لَفَظَهُ الْبَحْرُ حَيًّا فَمَاتَ، أَوْ لَفَظَهُ مَيِّتًا بَعْدَ أَنْ مَاتَ بِحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ قَتْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْحِيتَانِ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْفِظَهُ مَيِّتًا وَقَدْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ أَكْلِ مَا مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَأَمَّا مَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، أَوْ غَيْرِهَا فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ الصَّيْدِ إذَا نَتِنَ فَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَقَدْ انْقَطَعَ الْخِلَافُ فِيهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كُلُوا الصَّيْدَ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ مَا لَمْ يُنْتِنْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ أَكْلَهُ فَاسْتَثْنَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ مِمَّا لَمْ يَسْتَضِرَّ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَكَلَ الْجَيْشُ مِنْهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْتَضِي عِظَمَهُ، وَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا وَلَمْ تُصِبْهُمَا يُرِيدُ أَعْلَاهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَعَلَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِعِظَمِ مَا خَلَقَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - إذْ لَمْ يَرَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مِثْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ فَيَعْتَبِرَ بِهِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا عَظُمَ خَلْقُهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَا لَمْ يَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَسَعَى إلَى ذَلِكَ لِيَعْتَبِرَ بِهِ وَيَعْجَبَ غَيْرُهُ مِنْهُ فَيَعْتَبِرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ هَكَذَا قَرَأْنَاهُ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَرْوِيهِ يَا نِسَاءٌ الْمُؤْمِنَاتُ بِرَفْعِ النِّسَاءِ وَرَفْعِ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى النَّعْتِ وَقَالَ: مَعْنَاهُ يَا أَيُّهَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ وَمُنِعَ يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ بِنَصْبِ نِسَاءٍ عَلَى النِّدَاءِ الْمُضَافِ وَخَفْضِ الْمُؤْمِنَاتِ بِالْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُ النِّسَاءِ وَلَا يُضَافُ الشَّيْءُ إلَى بَعْضِهِ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ يَجُوزُ هَذَا عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُوصَفْنَ بِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ عَلَى مَعْنَى الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ فَتَقُولُ لِمَنْ تَمْدَحُهُ مِنْ النِّسَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُنَّ عَلَى الْمَحْمُودِ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْعَفَافِ وَكَمَا يَقُولُ لِمَنْ مَدَحَهُ مِنْ الرِّجَالِ هُوَ رَجُلٌ وَلِلْجَمَاعَةِ هُمْ رِجَالٌ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَلَى حُكْمِ الرِّجَالِ فِي النَّجْدَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْكَرَمِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْحِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعُ شَاةٍ مُحْرَقٌ " أَمْرٌ بِحُسْنِ الْأَدَبِ وَكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ عِنْدَهَا فَضْلٌ فَلَا تَحْقِرُ أَنْ تُهْدِيَهُ لِجَارَتِهَا وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَنْ أُهْدِيَ إلَيْهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا تَحْقِرْهُ وَلَا تُصَغِّرْهُ مِنْ مَعْرُوفِ جَارَتِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كُرَاعُ شَاةٍ مُحْرَقٌ وَالْكُرَاعُ مُؤَنَّثَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَكَانَ حُكْمُهُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ مُحْرَقَةً إلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ هَكَذَا وَرَدَتْ فِي الْمُوَطَّآتِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بَعْضُ الْعَرَبِ يُذَكِّرُهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ قِيلَ مَعْنَاهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لُعِنُوا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الدُّعَاءَ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَيْكُمْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْبَقْلِ الْبَرِّيِّ وَخُبْزِ الشَّعِيرِ وَإِيَّاكُمْ وَخُبْزَ الْبُرِّ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقُومُوا بِشُكْرِهِ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: أَخْرَجَنَا الْجُوعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَخْرَجَنِي الْجُوعُ فَذَهَبُوا إلَى أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ الْأَنْصَارِيِّ فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ عِنْدَهُ يُعْمَلُ وَقَامَ يَذْبَحُ لَهُمْ شَاةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكِّبْ عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً وَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً فَعَلَّقَ فِي نَخْلَةٍ، ثُمَّ أُتُوا بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَتُسْئَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخَبَرَ عَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَفْظَةُ قَاتَلَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ تَلَاعَنَ الزَّوْجَانِ إذَا وُجِدَتْ الْمُلَاعَنَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ تَجِيءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُفَاعَلَةُ مِنْ الْوَاحِدِ يُقَالُ قَاتَلَهُ اللَّهُ بِمَعْنَى فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ وَمِنْهُ سَافَرَ الرَّجُلُ وَعَالَجْتُ الْمَرِيضَ. (فَصْلٌ) : ثُمَّ ذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَهُمْ الَّذِي عُوقِبُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقَالَ: نُهُوا عَنْ أَكْلِ الشَّحْمِ فَبَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ، وَالنَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الشَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ ثَمَنِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ وَأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِمَّا مُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِ الْأَكْلُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ ثَمَنِهِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَلَا ثَمَنِ الْخِنْزِيرِ وَلَا الْمَيْتَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَأَمَّا مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ ثَمَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ كَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَا بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَيْكُمْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهُوَ الْخَالِصُ الَّذِي لَمْ يُمَازِجْهُ شَيْءٌ وَالْبَقْلِ الْبَرِّيِّ يُرِيدُ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ فَهُوَ مُبَاحٌ كَمَاءِ الْأَنْهَارِ وَقَوْلُهُ وَخُبْزِ الشَّعِيرِ يُرِيدُ فَتَقَوَّتُوا بِهِ وَاقْتَصِرُوا عَلَيْهِ فَهُوَ أَقَلُّ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ وَتَبْقَى بِهِ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ أَقَلُّ الْأَقْوَاتِ وَإِيَّاكُمْ وَخُبْزَ الْبُرِّ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقُومُوا بِشُكْرِهِ فَنَهَاهُمْ عَنْ الْبُرِّ خَاصَّةً حَضًّا عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ الدُّنْيَا وَالزُّهْدِ فِيمَا زَادَ عَلَى يَسِيرِ الْأَقْوَاتِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ وَلَا سِوَاهُمْ لَا يَقُومُ بِشُكْرِ الْمَاءِ وَالْبَقْلِ وَلَكِنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَنْصَرِفَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَإِنَّكُمْ لَنْ تَقُومُوا بِشُكْرِهِ إلَى الْبُرِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمَاءِ وَالْبَقْلِ وَالشَّعِيرِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِشَرِيعَتِنَا فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يُصْلِحُهُ هَذَا فَيَنْدُبُ إلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصْلِحُهُ غَيْرُ هَذَا فَيَأْخُذُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : سُؤَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا أَخْرَجَكُمَا وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خُرُوجًا أَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ خُرُوجٍ مُعْتَادٍ، أَوْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَخَوَّفَ عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا أَخْبَرَا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مِنْ أَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُمَا الْجُوعُ وَأَخْبَرَهُمَا هُوَ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِخْبَارِ عَمَّا يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ شِدَّةِ أَلَمِ الْجُوعِ، أَوْ الْمَرَضِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ يَعْلَمُ إشْفَاقَهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَرْجُو مَنْفَعَةً مِنْ عِنْدِهِ مِنْ دُعَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَنْ يُرِيدُ إعْلَامَهُ بِحَالِهِ لِيَأْخُذَ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: وَارَأْسَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلْ أَنَا وَارْأَسَاهُ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ذَلِكَ بِأَنَّ لَك الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّشَكِّي وَالْجَزَعِ وَقِلَّةِ الرِّضَى عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا قَضَى بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَذَهَبُوا إلَى أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبُو الْهَيْثَمُ هُوَ مَالِكٌ وَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ لِيُطْعِمَهُمْ مَا بِهِ يَسُدُّ جَوْعَتَهُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ قَصْدِ الْمُؤْمِنِ إلَى صَدِيقِهِ الَّذِي يَعْلَمُ سُرُورَهُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزًا بِسَمْنٍ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَتْبَعُ بِاللُّقْمَةِ وَضَرَ الصَّحْفَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَأَنَّك مُقْفِرٌ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت سَمْنًا وَلَا لُكْت أَكْلًا بِهِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عُمَرُ لَا آكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ وَمُبَادَرَتَهُ إلَى مُشَارَكَتِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا لَهُ جُوعَهُمْ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْرِيضِ لِمَعْرُوفٍ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّهُ كَانَ يَسْتَقْرِئُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْآيَةَ يَحْفَظَهَا لِيُطْعِمَهُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ شِدَّةِ جُوعِهِ وَكَانَ يُمْسِكُ عَنْ سُؤَالِهِمْ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الرَّجُلُ صَدِيقَهُ لِيُضَيِّفَهُ فَيُكْرِمَهُ وَيُطْعِمَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ يُعْمَلُ وَقَامَ فَذَبَحَ شَاةً يُرِيدُ أَنَّهُ هَيَّأَ ذَلِكَ لِطَعَامِهِمْ وَجَعَلَهُ قِرًى لَهُمْ فَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً يُرِيدُ اجْتَلَبَهُ عَذْبًا وَعُلِّقَ فِي نَخْلَةٍ لِيَبْرُدَ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إصْلَاحِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَطْيِيبِهِ بِإِتْحَافِ الضَّيْفِ وَالصَّدِيقِ بِأَفْضَلِ مَا يَجِدُهُ مِنْهُ وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْ نَبِيِّهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ رَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعَجِلٍ سَمِينٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَكِّبْ عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ يُرِيدُ ذَاتَ اللَّبَنِ وَالدَّرُّ اللَّبَنُ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ النُّصْحِ لَهُ وَالتَّوْقِيرِ لَهُ مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا تَقُومُ مَقَامَهَا فِي صَلَاحِ تَطْيِيبِ طَعَامِهِمْ وَتَبْقَى مَنْفَعَةُ هَذِهِ لِقُوتِهِ وَصَدَقَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَكَلُوا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لَتُسْئَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ قِيلَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: إنَّهُ سُؤَالُ امْتِنَانٍ لَا سُؤَالُ حِسَابٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ سُؤَالَ حِسَابٍ دُونَ مُنَاقَشَةٍ وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَاذَا تَوَصَّلُوا إلَيْهِ بِوَجْهٍ مُبَاحٍ، أَوْ بِمَأْمُورٍ بِهِ، أَوْ بِمَحْظُورٍ، أَوْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَنَاوَلُوهُ وَعَنْ قَدْرِ مَا تَنَاوَلُوهُ مِنْهُ، ثُمَّ يُثِيبُهُمْ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى مَا أَتَوْا فِي ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ تَنَاوُلِهِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدَهُ فِي آخِرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَرِهَ مَالِكٌ غَسْلَ يَدِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَرَآهُ مِنْ فِعْلِ الْعَجَمِ قَالَ: وَيَغْسِلُ يَدَهُ بَعْدَ الطَّعَامِ وَيُمَضْمِضُ مِمَّا لَهُ دَسَمٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ شَرِبَ لَبَنًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا» ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ النَّظَافَةِ مَشْرُوعَةٌ كَالسِّوَاكِ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَغْسِلُ يَدَيْهِ بَعْدَ الطَّعَامِ فَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيَغْسِلُ يَدَيْهِ بِالدَّقِيقِ فَقَالَ غَيْرُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهُ وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْجُلْبَانِ وَالْفُولِ وَشِبْهِ ذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَتَدَلَّكَ بِهِ فِي الْحَمَّامِ وَقَدْ يَدْهُنُ جَسَدَهُ بِالتِّينِ وَالزَّيْتِ مِنْ الشِّقَاقِ وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِالدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ وَالْفُولِ قَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ إنْ أَعْيَاهُ شَيْءٌ فَلْيَتَوَضَّأْ بِالتُّرَابِ فَقَدْ قَالَ عُمَرُ إيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَأَمْرَ الْأَعَاجِمِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَأْكُلُ جَالِسًا وَلَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا فِيهِ مِنْ الْكِبْرِ وَالتَّعَاظُمِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ قِيلَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفَيَأْكُلُ وَيَدُهُ يَضَعُهَا فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: أَنَا أَتَّقِيهِ وَمَا سَمِعْت فِيهِ بِشَيْءٍ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْكُلُ خُبْزًا بِسَمْنٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ طِيبِ الْأُدْمِ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ تَوَاضُعًا بِمُؤَاكَلَةِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ تَعْلِيمَهُ آدَابَ الْأَكْلِ كَمَا عَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ مُؤَاكَلَتِهِ فَقَالَ لَهُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك وَلَعَلَّهُ قَصَدَ أَيْضًا أَنْ يَتَعَرَّفَ بِمَا يَظْهَرُ إلَيْهِ مِنْ أَكْلِهِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ وَيَتْبَعُ بِاللُّقْمَةِ وَضَرَ الصَّحْفَةِ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِالصَّحْفَةِ مِنْ دَسَمِ الطَّعَامِ وَالْوَدَكِ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ السَّمْنِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلَانِهِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمُئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يُطْرَحُ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَيَأْكُلَهُ حَتَّى يَأْكُلَ حَشَفَهُ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ الْجَرَادِ فَقَالَ: وَدِدْت أَنَّ عِنْدِي قَفْعَةً نَأْكُلُ مِنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَوَسَّمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ بِذَلِكَ الْحَاجَةَ وَقَالَهُ لَهُ كَأَنَّك مُقْفِرٌ أَيْ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ فِعْلِ مَنْ هُوَ مُقْفِرٌ وَهُوَ الَّذِي لَا إدَامَ عِنْدَهُ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَسَمِعْت الْعَرَبَ تَقُولُ أَكَلْت خُبْزًا قِفَارًا يُرِيدُونَ غَيْرَ مَأْدُومٍ وَيُقَالُ مَا أَقْفَرَ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ أَيْ لَا يَعْدَمُونَ إدَامًا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ مَا أَكَلْت سَمْنًا وَلَا لُكْت أَكْلًا بِهِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ وَأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ عَامٌّ شَامِلٌ لِلنَّاسِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ آكِلًا بِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا وَقَالَ عُمَرُ لَا آكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ يُرِيدُ مُسَاوَاةَ الْمَسَاكِينِ فِي ضِيقِ عَيْشِهِمْ لِيَذْكُرَ بِذَلِكَ أَحْوَالَهُمْ وَلَا يَغْفُلَ النَّظَرَ لَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيلَ لَهُ: أَتَجُوعُ وَبِيَدِك خَزَائِنُ الْأَرْضِ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ أَشْبَعَ فَأَنْسَى الْجِيَاعَ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا أَكَلَ الزَّيْتَ وَلَمْ يَكُنْ أَلِفَهُ بَطْنُهُ فَكَانَ يُقَرْقِرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَقُولُ لَتَمُرُّنَّ عَلَى أَكْلِ الزَّيْتِ مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَسْعَدَ الرُّعَاةِ مَنْ سَعِدَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ، وَإِنَّ أَشْقَى الرُّعَاةِ مَنْ شَقِيَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ فَإِيَّاكَ أَنْ تَزِيغَ وَيَزِيغَ عُمَّالُك وَيَكُونَ مَثَلُك مَثَلُ الْبَهِيمَةِ نَظَرَتْ إلَى خُضْرَةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَرَعَتْ فِيهَا تَبْتَغِي بِذَلِكَ السِّمَنَ وَإِنَّمَا سِمَنُهَا فِي حَتْفِهَا وَالسَّلَامُ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا كُلَّهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يُحِطْهَا بِالنَّصِيحَةِ وَحُسْنِ الرِّعَايَةِ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يُمْطَرُونَ وَالْحَيَاءُ الْمَطَرُ فَقَالَ: حَيَّ النَّاسُ يَحْيَوْنَ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ قَالَ مَالِكٌ كَانَ الرَّمَادَةُ سِتَّةَ أَعْوَامٍ. (ش) : قَوْلُهُ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمِئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ إذْ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ أَمِيرًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَهَا يُطْرَحُ لَهُ صَاعٌ مِنْ التَّمْرِ فَيَأْكُلَهُ حَتَّى يَأْكُلَ حَشَفَهُ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ هَذَا الْفِعْلِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَقَالَ: رَأَيْته طُرِحَ لَهُ صَاعُ تَمْرٍ فَأَكَلَهُ وَلَيْسَ فِي كَثْرَةِ أَكْلِهِ مَا يُنْقِصُ مِنْ حَالِهِ فَقَدْ أَكَلَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِرَارًا فَمَا أَنْكَرَ أَكْلَهُ وَمَا كَانَ لِيُخَالِفَ أَمْرًا قَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ غَايَةَ قُوتِهِ الَّذِي لَا يَقُومُ جِسْمُهُ إلَّا بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَالْحُسْنُ فِي الطَّعَامِ إنَّمَا هُوَ فِي جِنْسِهِ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْرِ فِي طَعَامِهِ لَمْ يَأْلُ فِي الِاقْتِصَارِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَأْكُلُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَيَأْكُلُ الشَّعِيرَ فِي وَقْتٍ وَيَأْكُلُ الْبُرَّ وَاللَّحْمَ فِي وَقْتٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ التَّأَنُّقِ فِيهِ مَبْلَغَ الْمُتَنَعِّمِينَ وَلَكِنَّهُ قَدْ كَانَ يَبْلُغُ مِنْ قَدْرِهِ إلَى الْمَبْلَغِ الَّذِي يَرْجُو أَنْ يَبْقَى قُوتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الزَّاهِدِينَ زُهْدَهُ فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي قِلَّةِ الْمَكْسَبِ وَفِي طِيبِهِ وَفِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَالتَّوَسُّطِ مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَى الْعَادَةِ وَيَكُونُ فِي الْإِنْفَاقِ وَقِلَّةِ الِاحْتِكَارِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ الْفَتَى يُسْتَطَابُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْعَالِمِ أَمْرٌ يُعَابُ بِهِ. (ش) : قَوْلُهُ سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ الْجَرَادِ يُرِيدُ أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَهُ أَحَلَالٌ أَكْلُهُ؟ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ذَكَاتِهِ هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ. وَقَدْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى دَوَابَّ فَنَزَلُوا عِنْدَهُ قَالَ حُمَيْدٍ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اذْهَبْ إلَى أُمِّي فَقُلْ: إنَّ ابْنَك يُقْرِئُك السَّلَامَ، وَيَقُولُ: أَطْعِمِينَا شَيْئًا قَالَ: فَوَضَعَتْ لَهُ ثَلَاثَةَ أَقْرَاصٍ فِي صَحْفَةٍ وَشَيْئًا مِنْ زَيْتٍ وَمِلْحٍ، ثُمَّ وَضَعَتْهَا عَلَى رَأْسِي وَحَمَلْتهَا إلَيْهِمْ فَلَمَّا وَضَعْتهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ كَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْبَعَنَا مِنْ الْخُبْزِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامُنَا إلَّا الْأَسْوَدَيْنِ الْمَاءَ وَالتَّمْرَ فَلَمْ يُصِبْ الْقَوْمُ مِنْ الطَّعَامِ شَيْئًا فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَحْسِنْ إلَى غَنَمِك وَامْسَحْ الرَّغَامَ عَنْهَا وَأَطِبْ مُرَاحَهَا وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الثُّلَّةُ مِنْ الْغَنَمِ أُحِبَّ إلَى صَاحِبِهَا مِنْ دَارِ مَرْوَانَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدِدْت أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ قَفْعَةً نَأْكُلُ مِنْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُبَاحٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَنَّى أَكْلَ مَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ وَالْقَفْعَةُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ شَيْءٌ شَبِيهٌ بِالْمِكْتَلِ تَمَنَّى بِهَا عُمَرُ مَمْلُوءَةً جَرَادًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى هِيَ قُفَّةٌ أَكْبَرُ مِنْ الْمِكْتَلِ قَالَ: وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهَا جُلَّةً قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ وَأَهْلُ مِصْرَ يُسَمُّونَهَا زِنْبِيلًا. (ش) : قَوْلُهُ كُنْت جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْعَقِيقِ فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى دَوَابَّ فَنَزَلُوا عِنْدَهُ ظَاهِرُهُ الزِّيَارَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ قَصَدُوهُ لِلتَّعَلُّمِ مِنْهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ وَمَا أَحْضَرَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الطَّعَامِ عَلَى مَعْنَى إكْرَامِ الزَّائِرِ وَالضَّيْفِ وَتَقْدِيمِ مَا حَضَرَ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَدَّمَ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَقْرَاصٍ وَزَيْتًا وَمِلْحًا وَكَبَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى مَعْنَى الذِّكْرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَعْظِيمِ نِعَمِهِ وَالشُّكْرِ لَهُ عَلَى مَا نَقَلَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَالِ الْقِلَّةِ وَالْمَجَاعَةِ إلَى الْخِصْبِ وَالْكَثْرَةِ حَتَّى يُوجَدَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخُبْزِ وَالْإِدَامِ دُونَ اسْتِعْدَادٍ وَلَا تَأَهُّبٍ فَيُطْعِمَهُ مَنْ يَزُورُهُ دُونَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي قُوتٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ طَعَامُهُ الْأَسْوَدَيْنِ التَّمْرَ وَالْمَاءَ وَصَفَهُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُوصَفُ بِالْخُضْرَةِ وَهِيَ مِنْ أَلْوَانِ السَّوَادِ وَالتَّمْرَ كَثِيرٌ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ مَائِلٌ إلَى السَّوَادِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ إتْبَاعًا كَمَا قَالُوا الْقَمَرَانِ وَالْعُمْرَانِ وَلَمْ يُصِبْ الْقَوْمُ مِنْ الطَّعَامِ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا صِيَامًا مَعَ أَنَّهُمْ بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لِحُسْنِ الْأَدَبِ الْإِصَابَةَ مِنْهُ فَذَلِكَ أَطْيَبُ لِنَفْسِ الْمَزُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا انْصَرَفُوا يَا ابْنَ أَخِي أَحْسِنْ إلَى غَنَمِك وَامْسَحْ الرَّغَامَ عَنْهَا وَهُوَ مَا يَجْرِي مِنْ أُنُوفِهَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ هُوَ الْمُخَاطُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِي مَنَاخِرِهَا وَقَوْلُهُ وَأَطِبْ مُرَاحَهَا يَعْنِي تَنْظِيفَ الْمَكَانِ الَّذِي تَرُوحُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُصْلِحُهَا وَيُنَظِّفُهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مُرَاعَاةِ مَنَافِعِهَا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ وَسْمِ الْغَنَمِ فِي الْآذَانِ فَقَالَ: إنَّهُ لَيَكْرَهُ أَنْ يُوسَمَ فِي الْوَجْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَدْ قَالَ لَنَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْآذَانِ فَنَحَا إلَى أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ الْآخَرَ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا وَسْمُ الْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ فَأَمَّا فِي الْوَجْهِ فَإِنَّا نَكْرَهُهُ وَقَوْلُهُ وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ بَعْرِهَا وَبَوْلِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إلَّا أَنْ يَأْكُلَ، أَوْ يَشْرَبَ نَجَسًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ دَوَابِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الثُّلَّةُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ وَهِيَ الْقَلِيلَةُ مِنْ الْغَنَمِ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى: الْمِائَةُ وَنَحْوُهَا وَقَوْلُهُ خَيْرٌ مِنْ دَارِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ لِلْفِتْنَةِ الْوَاقِعَةِ بِالْمَدِينَةِ وَتَفَرُّقِ النَّاسِ عَنْهَا إلَى التَّبَرِّي بِالْمَاشِيَةِ وَالْغَنَمِ اعْتِزَالًا لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَعَامٍ وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّ لِي يَتِيمًا وَلَهُ إبِلٌ أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إبِلِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ كُنْت تَبْغِي ضَالَّةَ إبِلِهِ وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَلِيطُ حَوْضَهَا وَتَسْقِيهَا يَوْمَ وِرْدِهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّعَامِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ يُرِيدُ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ وَيَحْمَدَ اللَّهَ عِنْدَ تَمَامِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك يُرِيدُ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لَهُ وَالْإِرْشَادِ إلَى حُسْنِ الْأَدَبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ يَنْبَغِي لِلْآكِلِ يُرِيدُ مَعَ غَيْرِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ إنْ كَانَ طَعَامًا مُتَسَاوِيًا فَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدِيرَ يَدَهُ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي آخِرِ النِّكَاحِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فَيَأْكُلُ مِمَّا يَلِيهِمْ وَيَتَنَاوَلُ مِمَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ «أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ خَيَّاطٍ فَقَدَّمَ قَدِيدًا وَدُبَّاءَ فَرَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ حَوْلَ الْقَصْعَةِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْقَوْمِ يَأْكُلُونَ فَيَتَنَاوَلُ بَعْضُهُمْ مِنْ يَدِ بَعْضٍ وَبَعْضُهُمْ مُتَوَسِّعٌ لِبَعْضٍ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ الَّتِي تُعْرَفُ عِنْدَنَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ سُنَّةِ الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةٍ يَطْمَئِنُّ عَلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُ مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ وَلَا مُتَّكِئًا عَلَى جَنْبِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ التَّوَاضُعِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَوَقْتُ الْأَكْلِ وَقْتُ تَوَاضُعٍ وَشُكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ. وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا. (فَرْعٌ) وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ: إنِّي لَأَتَّقِيهِ وَأَكْرَهُهُ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الِاتِّكَاءِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِنَهْيٍ يَخُصُّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَ فِي الْإِتْكَاءِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كُنْت تَبْغِي ضَالَّةَ إبِلِهِ أَيْ تَطْلُبُ مَا ضَلَّ مِنْهَا وَتَقْتَفِي أَثَرَهُ وَتَنْشُدُهُ يُرِيدُ عَلَى حَسَبِ مَا تَفْعَلُ بِضَالَّةِ إبِلِك؛ لِأَنَّهُ هُوَ الِابْتِغَاءُ الْمُعْتَادُ وَقَوْلُهُ وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا يُرِيدُ تَطْلِي الْجَرَبَةَ مِنْهَا بِالْهَنَاءِ وَهُوَ الْقَطْرَانُ وَقَوْلُهُ وَتُلِيطُ حَوْضَهَا يُرِيدُ تَرُمُّ حَوْضَهَا الَّذِي تَشْرَبُ مِنْهُ وَتَكْنُسُهُ وَتَسْقِيهَا يَوْمَ وِرْدِهَا يُرِيدُ يَوْمَ شُرْبِهَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَابْنُ نَافِعٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ لُطْت الْحَوْضَ لُوطًا طَيَّنْته. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ عَلَى مَعْنَى الْإِبَاحَةِ لَهُ لِيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا عَلَى هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَضُرَّ بِأَوْلَادِهَا وَقَوْلُهُ وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلَبِ يُرِيدُ مُسْتَأْصِلَ اللَّبَنِ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى، وَالْحَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ اللَّبَنُ وَبِتَسْكِينِ اللَّامِ الْفِعْلُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا إلَّا مِنْ اللَّبَنِ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا ثَمَنَ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] . وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ، ثُمَّ قَضَى رَوَاهُ حَارِثَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَنْزَلْت مَالَ اللَّهِ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت وَإِنْ افْتَقَرْت أَكَلْت، ثُمَّ قَضَيْت وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَرَوَى مُقَسِّمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ فَلْيُقَوِّتْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُصِبْ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤْتَى أَبَدًا بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى الدَّوَاءِ فَيُطْعَمُهُ، أَوْ يَشْرَبُهُ حَتَّى يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَنَعَّمَنَا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا نِعْمَتُك بِكُلِّ شَرٍّ فَأَصْبَحْنَا مِنْهَا وَأَمْسَيْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ فَنَسْأَلُك تَمَامَهَا وَشُكْرَهَا لَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك إلَهَ الصَّالِحِينَ وَرَبَّ الْعَالَمِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، أَوْ مَعَ غُلَامِهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ: مَعْنَاهُ يَأْكُلُ مِنْ الصَّامِتِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَقْضِي وَقَالَ عَطَاءٌ يَأْكُلُ مَعَهُمْ بِقَدْرِ خِدْمَتِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الرَّسَلِ وَالثَّمَرَةِ دُونَ صُلْبِ الْمَالِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا أَكْلُ الْفَاكِهَةِ وَشُرْبُ اللَّبَنِ فَخَفِيفٌ وَلَا يُنْتَفَعُ بِظَهْرِ إبِلِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعْنَاهُ فِي الْيَتِيمِ إذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ غِنَاهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَقْضِي مَا أَكَلَ بِالْبَيِّنِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِمَّا يَبْقَى وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ يَأْكُلَ النَّاظِرُ مِنْهُ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْيَتِيمِ فِيهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ اسْتَعَفَّ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ لَكِنْ إنْ احْتَاجَ النَّاظِرُ لَهُ إلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِرَاضِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ لَا لِتَرَفُّهٍ وَلَا تَكَسُّبٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَنَظَرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ النَّظَرَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ دُونَ عِوَضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْيَتِيمِ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَأْخُذُ نَفَقَتَهُ فَيُرِيدُ أَنْ يَخْلِطَهَا بِنَفَقَتِهِ وَيَكُونَ طَعَامُهُمْ وَاحِدًا فَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ عَلَى الْيَتِيمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنَالُ الْيَتِيمَ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَهَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وَجْهِ التَّنَاهِي فِي التَّحَرُّزِ لِكَثْرَةِ مَا حَدَثَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ التَّحَامُلِ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا أَكَلَ الْيَتِيمُ بِقَدْرِ حَقِّهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَفِي إفْرَادِهِ بِقُوتِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاظِرِ لَهُ فِي الْغَالِبِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ لَا يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى الدَّوَاءِ فَيُطْعَمُهُ، أَوْ يَشْرَبُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يُنَاوَلُ مِنْ دَوَاءٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ، أَوْ الشَّرَابِ فَأَرَادَ مَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ مُعْتَادٍ، أَوْ غَيْرِ مُعْتَادٍ فَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَنَعَّمَنَا إلَى آخِرِ الذِّكْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَنَاوُلِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ كَانَ يَقُولُهُ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَيَطْعَمُهُ أَوْ يَشْرَبُهُ إلَّا قَالَ: كَذَا يُقَالُ لَا تَبِعْ مِنْ فُلَانٍ حَتَّى تَرْبَحَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَرْبَحَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَكُونُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ مَشْرُوعٌ فِي آخِرِ الطَّعَامِ وَالتَّسْمِيَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي أَوَّلِ الطَّعَامِ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: سَمِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك» وَيُجْزِئُ مِنْ التَّسْمِيَةِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُجْزِئُ مِنْ الْحَمْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَسَنٌ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَرُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَرَّبَ الْعِجْلَ لِلْمَلَائِكَةِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُمْ أَضْيَافًا مِنْ الْإِنْسِ قَالَ: أَلَا تَأْكُلُونَ قَالُوا: لَا نَأْكُلُ طَعَامًا إلَّا بِثَمَنٍ قَالَ لَهُمْ فَإِنَّ لِهَذَا الطَّعَامِ ثَمَنًا قَالُوا وَمَا ثَمَنُهُ قَالَ تُسَمُّونَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُونَهُ فِي آخِرِهِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا حُقَّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا.

مِنْ الرِّجَالِ قَالَ وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تُؤَاكِلُهُ، أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ الْمَرْأَةُ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ يُرِيدُ مَنْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُؤَاكَلَتِهَا لَهُ أَكْثَرُ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَيَجُوزُ لِذِي مَحْرَمٍ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور: 31] قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَعْنَاهُ مَا فَوْقَ النَّحْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَعَ غُلَامِهَا يُرِيدُ عَبْدَهَا وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْعَبْدِ وَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى شَعْرِهَا فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ تَضَعَ الْمَرْأَةُ ثَوْبَهَا عِنْدَ مَمْلُوكِهَا وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَمْلُوكُ إلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو الْمَحَارِمِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ بِمُؤَبَّدٍ كَالْأَجْنَبِيِّ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، أَوْ كَالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ زَوْجَ أُخْتِهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] إنَّمَا عَنَى بِهَا الْإِمَاءَ وَلَمْ يَعْنِ بِهَا الْعَبِيدَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] عَامٌّ وَالْإِمَاءُ قَدْ دَخَلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَجَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَى شَعْرِهَا كَذَوِي الْمَحَارِمِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى شَعْرِهَا مِنْ عَبِيدِهَا إلَّا الْوَغْدُ وَهُوَ الَّذِي لَا مَنْظَرَ لَهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْحَسَنُ الْمَنْظَرِ فَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْظَرًا كَانَ مِمَّنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِيهَا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَنْظَرٌ فَهُوَ مِمَّنْ لَهَا فِيهِ أَرَبٌ وَلَهُ فِي النِّسَاءِ أَرَبٌ وَتَحْرِيمُهُ غَيْرُ مُتَأَبِّدٍ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَبْدُهَا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا الَّذِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْهَا لَا تَدُومُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتِقَهُ فِي سَفَرِهَا فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: 58] فَأَجْرَاهُمْ مَجْرَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الْأَجَانِبِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تُؤَاكِلُهُ، أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ نَظَرَ الرَّجُلِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ مُؤَاكَلَتِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الزِّينَةُ زِينَتَانِ: زِينَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الثِّيَابُ، وَزِينَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَرَاهَا إلَّا الزَّوْجُ وَهِيَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخَاتَمُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا مَا فَوْقَ الدِّرْعِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] يَعْنِي الثِّيَابَ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَذَكَرَ ابْنُ بُكَيْر أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ يَجُوزُ لِلْقُرْبَى أَنْ يَرَوْهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ تَأْكُلَ الْمَرْأَةُ مَعَ مَنْ تَأْمَنُ الْفِتْنَةَ فِي الْأَكْلِ مَعَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَغُضَّ عَنْ بَعْضِ الْمَرْئِيَّاتِ

[ما جاء في أكل اللحم]

مَا جَاءَ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حَمَّالُ لَحْمٍ فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرَمْنَا إلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ، أَوْ ابْنِ عَمِّهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ الَّتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ مِمَّنْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حُرْمَةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ» قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ. [مَا جَاءَ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ اللَّحْمِ وَيُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إيَّاكُمْ وَالْإِكْثَارَ مِنْهُ وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يُجْتَزَى بِشَيْءٍ مِنْ الْأُدْمِ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَأْكُلُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ وَيُؤْكَلُ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً يُرِيدُ عَادَةً تَدْعُو إلَيْهِ وَيَشُقُّ تَرْكُهَا لِمَنْ أَلِفَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْعَ التَّنْعِيمِ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ وَبِكُلِّ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَنَدَبَ إلَى الِاقْتِصَادِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَيْسَرِ الْأَقْوَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حَمَّالُ لَحْمٍ فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ: قَرَمْنَا إلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْت بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا يُرِيدُ أَنْ يَطْوِيَ أَحَدُكُمْ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ وَابْنِ عَمِّهِ فَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ شِدَّةٍ عَمَّتْ النَّاسَ فَكَرِهَ لَهُ التَّنَعُّمَ بِأَكْلِ اللَّحْمِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَرَادَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا امْتَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَكْلِ السَّمْنِ حَتَّى يَعُمَّ النَّاسَ الْخِصْبُ وَيَعُودَ بِفَضْلِ قُوتِهِ عَلَى جِيرَانِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ وَابْنِ عَمِّهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَلَيْسَ مَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ وَابْنِ عَمِّهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ شِبَعِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى عَنْ جَارِهِ عِنْدِي مِنْ أَجْلِ جَارِهِ وَابْنِ عَمِّهِ فَيُشَارِكُهُ فِي قُوتِهِ لِيَعُودَ عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ يُرِيدُ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ فَلَا تَعْتَبِرُونَ بِهَا وَلَا تَمْتَنِعُوا عَمَّا عَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] فَعَابَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمَعْنَى الْآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّكُمْ اسْتَوْفَيْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ وَاسْتَوْعَبْتُمُوهُ اوَلَمْ تَتْرُكُوا شَيْئًا مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا وَقَطَعْتُمْ بِهَا أَعْمَارَكُمْ دُونَ أَنْ تَقْطَعُوهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَشْغَلْتُمْ بِهَا أَنْفُسَكُمْ عَنْ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَرِهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَى اللَّحْمَ بَعْدَ أَنْ قَرَمَ هُوَ وَأَهْلُهُ إلَيْهِ اتِّبَاعَ شَهْوَتِهِ وَإِيثَارَهَا عَلَى مُوَاسَاةِ الْجَارِ وَابْنِ الْعَمِّ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْت لَكُنْت مِنْ أَلْيَنِكُمْ طَعَامًا وَأَرَقِّكُمْ عَيْشًا وَإِنِّي - وَاَللَّهِ - مَا أَجْهَلُ كَذَا وَكَذَا وَأَسْنِمَةٌ وَصْلًا وَصْلًا وَيَوَدُّ مَنَابًا مَا وَلَكِنِّي سَمِعْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَيَّرَ قَوْمًا بِأَمْرٍ فَعَلُوهُ فَقَالَ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] .

[ما جاء في لبس الخاتم]

مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَبَذَهُ وَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا قَالَ: فَنَبَذَ النَّاسُ بِخَوَاتِيمِهِمْ» مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فَقَالَ: الْبَسْهُ وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنِّي أَفْتَيْتُك بِذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ حِينَ لَبِسَهُ لَهُ، ثُمَّ وَرَدَ نَسْخُ إبَاحَتِهِ بِتَحْرِيمِهِ فَنَبَذَهُ وَقَالَ: لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ الذَّهَبَ الَّتِي كَانُوا اتَّخَذُوهَا حَالَ الْإِبَاحَةِ وَأَمَّا التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لِصَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ الْبَسْهُ وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنِّي أَفْتَيْتُك بِذَلِكَ وَهُوَ لِمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ لِحَدِيثِ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّهُ سَمِعَ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ عَنْ الْوَشْمِ وَالْوَسْمِ وَالتَّخَتُّمِ لِغَيْرِ ذِي السُّلْطَانِ» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ بَعْدَ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ نَبَذَهُ وَنَبَذَ النَّاسُ» وَهَذَا وَهْمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ أَنَسٍ ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ نَبَذَهُ وَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ فِيهِ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " فَكَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ سَقَطَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. وَقَدْ رَوَى زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ نَبَذَهُ» . (مَسْأَلَةٌ) : قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ: وَلَا يُجْعَلُ لِخَاتَمِ الْفِضَّةِ فَصٌّ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا يُذَهَّبُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي فَصِّ خَاتَمِهِ مِنْ الذَّهَبِ قَدْرًا لِئَلَّا تَصْدَأَ الْفِضَّةُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى التَّخَتُّمِ فِي الشِّمَالِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْرَهُ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ وَقَالَ إنَّمَا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَعْمَلُ بِيَمِينِهِ فَكَيْفَ يَبْدَأُ أَنْ يَأْخُذَ الْخَاتَمَ بِيَسَارِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي يَمِينِهِ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ الْخَاتَمَ فِي يَمِينِهِ لِلْحَاجَةِ يَتَذَكَّرُهَا أَوْ يَرْبِطَ خَيْطًا فِي أُصْبُعِهِ. (فَصْلٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُشَ فِي الْخَاتَمِ اسْمَ اللَّهِ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُتُبَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَسَائِرَ الْعُلُومِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَحَمْلِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. (فَرْعٌ) وَمَنْ لَبِسَهُ فِي يَسَارِهِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العين]

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ» قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي أَنْ يَكُونَ خَصَّ، أَوْ عَمَّ إلَّا قُطِعَتْ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا الْأَوْتَارُ. وَقَالَ: فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا سَمِعْتُ بِكَرَاهِيَةٍ إلَّا فِي الْوَتَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ الْوَتَرِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يُصْنَعُ كَثِيرًا عَلَى وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَتَعَلَّقَ الْمَنْعُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يُقَلِّدُونَهُ لِلْعَيْنِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا لِلْجَمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ أَرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ لِلْحَدِيثِ وَالْعُدُولِ بِهِ عَنْ عُمُومِهِ بِنَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِهِ الْخِطَامُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُشَدُّ بِهِ الرَّحْلُ، وَيُزَيِّنُ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْقَلَائِدَ تَمْنَعُ أَنْ تُصِيبَ الْإِبِلَ الْعَيْنُ، أَوْ تَرُدُّ الْقَدَرَ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ شَيْءٌ مِنْ الْعَلَائِقِ خَوْفَ نُزُولِ الْعَيْنِ وَإِنْ جَوَّزُوا تَعْلِيقَ ذَلِكَ عَلَى السَّقِيمِ رَجَاءً لِلْبُرْءِ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْفُقَهَاءِ وَقَدْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْصِدَ وَيَحْتَجِمَ خَوْفَ التَّأَذِّي بِالدَّمِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّأَذِّي بِهِ لِإِزَالَةِ ضَرَرِهِ وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَيْنِ وَبَعْدَهَا إذَا كَانَ فِيهَا حِرْزٌ، أَوْ دُعَاءٌ. وَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزَنِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلِّقَ الرَّجُلُ عَلَى فَرَسِهِ لِلْجَمَالِ الْقِلَادَةَ الْمُلَوَّنَةَ فِيهَا خَرَزٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ الْوَتَرُ وَمَا اُتُّخِذَ لِلْعَيْنِ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا سَمِعْتُ بِكَرَاهِيَةٍ فِي الْقِلَادَةِ أَوْ فِي الْوَتَرِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَلِّدُوا الْخَيْلَ وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ، وَلَا أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ وَلَا تَرْكَبُوهَا فِي الْفِتَنِ فَمَنْ رَكِبَ فَرَسًا يَنْشَبُ أَنْ يُعَلَّقَ بِهِ وَتَرٌ يُطْلَبُ بِهِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَا كُرِهَ مِنْ الْقَلَائِدِ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ هُوَ مِثْلُ الْجَرَسِ فَقَالَ: الْجَرَسُ أَشَدُّ قَالَ: وَإِنَّمَا كُرِهَ الْجَرَسُ فِيمَا يَقَعُ بِقَلْبِي لِصَوْتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَلِّقَ الْعُوذَةَ فِيهَا الْقُرْآنَ وَذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْإِنْسَانِ إذَا خُرِزَ عَلَيْهَا جِلْدٌ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَعْقِدَ فِي الْخَيْطِ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ وَلَا فِي أَنْ يَكْتُبَ فِي ذَلِكَ: " خَاتَمُ سُلَيْمَانَ " قَالَهُ كُلَّهُ مَالِكٌ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلِّقَ الْحِرْزَ مِنْ الْحُمْرَةِ وَلَا بَأْسَ بِالنَّشْرَةِ وَالْأَسْعَارِ وَالْأَدْهَانِ وَبَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُحِرَتْ فَقِيلَ لَهَا فِي مَنَامِهَا: خُذِي مَاءً مِنْ ثَلَاثَةِ آبَارٍ تَجْرِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَاغْتَسِلِي بِهِ فَفَعَلَتْ فَذَهَبَ عَنْهَا، مَا كَانَتْ تَجِدُهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَأَلَ مَالِكٌ عَمَّا يُعَلَّقُ مِنْ الْكُتُبِ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ كَلَامُ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (فَصْلٌ) : ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ نَزْعَ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْحَدِيثِ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُعَلَّقُ فِي عُنُقِ الْبَعِيرِ إلَّا بِقِلَادَةٍ فَاقْتَضَى الْأَمْرُ بِنَزْعِ الْقَلَائِدِ أَنْ لَا يَنْزِعَهَا إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا حُمِلَ الْأَمْرُ بِنَزْعِ الْقَلَائِدِ عَلَى عُمُومِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي كَرَاهِيَةِ الْقَلَائِدِ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ الْجَرَسُ أَشَدُّهُ وَمَا أَرَاهُ كَرِهَ الْجَرَسَ إلَّا لِصَوْتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْأَكْرِيَاءِ يَجْعَلُونَ الْأَجْرَاسَ فِي الْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ الَّتِي تَحْمِلُ الْقُرْطَ وَغَيْرَهُ قَالَ: مَا جَاءَ فِيهِ إلَّا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ لَهُ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ سَالِمًا مَرَّ عَلَى عِيرٍ لِأَهْلِ الشَّامِ وَفِيهَا جَرَسٌ فَقَالَ لَهُمْ سَالِمٌ: إنَّ هَذَا يُنْهَى عَنْهُ قَالُوا لَهُ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْك إنَّمَا يُكْرَهُ الْجُلْجُلُ الْكَبِيرُ فَأَمَّا مِثْلُ هَذَا الصَّغِيرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَسَكَتَ سَالِمٌ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ مَوْلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعِيرُ الَّتِي فِيهَا جَرَسٌ لَا تَصْحَبُهَا الْمَلَائِكَةُ» .

[الوضوء من العين]

الْوُضُوءُ مِنْ الْعَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ «اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ إلَيْهِ قَالَ: كَانَ سَهْلٌ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ قَالَ: فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ عَامِرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلَّا بَرَّكْتَ إنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخْتَبِئَةٍ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَك فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاَللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا قَالُوا نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلَّا بَرَّكْتَ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْوُضُوءُ مِنْ الْعَيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هُوَ مَاءٌ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهَا فَقَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ الْمُغَيَّبَةُ الْمُخَدَّرَةُ الَّتِي لَا تَظْهَرُ قَالَ: فَلُبِطَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ قَالَ حَبِيبٌ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَاهُ وُعِكَ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ نَافِعٍ مَعْنَاهُ حُمَّ فَوَقَعَ صَرِيعًا كَالْمَرِيضِ الْمُثْبَتِ الْمُثْقَلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وُعِكَ سَهْلٌ يُرِيدُ حُمَّ غَيْرَ أَنَّ لَفْظَ لُبِطَ عِنْدَ الْعَرَبِ بِمَعْنَى صُرِعَ وَسَقَطَ بِالْأَرْضِ مِنْ خَبَلٍ، أَوْ سُكْرٍ، أَوْ إعْيَاءٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي حُمَّاهُ أَنَّهَا بَلَغَتْ بِهِ هَذَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَصَابَهُ بِالْعَيْنِ وَلَعَلَّهُ كَانَ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَحَقَّقَهُ وَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَا كَانَ مِنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ الْمُتَّهَمُ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى تَصْحِيحِهِ لَهُ وَتَعَيُّنِهِ إيَّاهُ وَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: الْعَيْنُ حَقٌّ وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الْعَيْنِ وُجُوهًا أَصَحُّهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ عِنْدَ تَعَجُّبِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنُطْقِهِ بِهِ دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ أَنْ يَمْرَضَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ، أَوْ يَتْلَفَ، أَوْ يَفْسُدَ، أَوْ يَتَغَيَّرَ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ مَعْنًى فِي نَفْسِ الْعَائِنِ لَا يُوجَدُ فِي نَفْسِ غَيْرِهِ مِنْ حَسَدٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي إلَّا أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَافُ مِنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فَإِنْ لَمْ يُبَرِّكْ وَقَعَ مَا أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَادَةَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوُضُوءِ عَلَى مَا قَالَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: اغْتَسِلْ لَهُ إلَّا أَنَّهُ فُسِّرَ الْغُسْلُ بِفِعْلِ الْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَغْسِلُ الَّذِي يُتَّهَمُ لِلرَّجُلِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنَّمَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَلَا يَغْسِلُ مَا بَيْنَ الْيَدِ وَالْمِرْفَقِ. وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْغُسْلُ

[الرقية من العين]

الرُّقْيَة مِنْ الْعَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لِحَاضِنَتِهِمَا مَالِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ تُسْرِعُ إلَيْهِمَا الْعَيْنُ وَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نَسْتَرْقِيَ لَهُمَا إلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي مَا يُوَافِقُك مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ يَبْكِي فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ بِهِ الْعَيْنَ قَالَ عُرْوَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَسْتَرْقُونَ لَهُ مِنْ الْعَيْنِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي أَدْرَكْنَا عُلَمَاءَنَا يَصِفُونَهُ أَنْ يُؤْتَى الْعَائِنُ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَيُمْسِكُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ فَيُدْخِلُ فِيهِ كَفَّهُ فَيُمَضْمِضُ، ثُمَّ يَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ صَبَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى صَبَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى قَدَمِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى قَدَمِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى كُلُّ ذَلِكَ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ يُدْخِلُ دَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي الْقَدَحِ وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ فَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِ الْمُعِينِ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَقِيلَ يَغْتَفِلُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَرَاءَهُ وَأَمَّا دَاخِلَةُ إزَارِهِ فَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يُفْضِي مِنْ مِئْزَرِهِ إلَى جِلْدِهِ كَأَنَّهُ إنَّمَا يَمُرُّ بِالطَّرَفِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ حَتَّى يَشُدَّهُ بِذَلِكَ الطَّرَفِ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَكُونُ مِنْ دَاخِلٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ: لَا يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْحُجْزَةِ مِنْ دَاخِلِ الْإِزَارِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُ الطَّرَفَ الْمُتَدَلِّيَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ يُرِيدُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا أَصَابَتْهُ عَيْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ امْتَثَلَ فِي أَمْرِهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اغْتِسَالِ عَامِرٍ لَهُ وَاغْتِسَالِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَهْلًا دَخَّلَ مَاءً لِلْغُسْلِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَانَ يَغْتَسِلُ بِمَا يَغْتَرِفُهُ بِيَدَيْهِ وَيَصُبُّهُ عَلَيْهِ وَلَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اغْتَسَلَ بِغَيْرِ إزَارٍ؛ لِأَنَّ حُسْنَ جِلْدِهِ يَظْهَرُ بِكَشْفِ مُعْظَمِ جَسَدِهِ مَعَ بَقَاءِ إزَارِهِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدُخُولُ الْمَاءِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ حَيْثُ لَا يَكُونُ أَحَدٌ يَنْظُرُ إلَيْهِ مُبَاحٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ؛ لِأَنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا وَاحْتَجَّ النَّسَائِيّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ اغْتَسَلَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ فَجَرَى الْحَجَرُ بِثِيَابِهِ وَأَتْبَعَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى رَأَتْهُ بَنُو إسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَطْرَأْ نَسْخٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الرُّقْيَة مِنْ الْعَيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنَيْ جَعْفَرٍ مَالِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى مَعْنَاهُ نَاحِلَيْنِ نَحَلَتْ أَجْسَامُهُمَا فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُمَا وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ كَانَتْ تَحْتَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَمُحَمَّدًا وَعَوْنًا، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى

[ما جاء في أجر المريض]

مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: اُنْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ فَإِنْ هُوَ إذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبَدِّلَ لَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْحَاضِنَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ تُسْرِعُ إلَيْهِمَا الْعَيْنُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يُحْدِثُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَائِنِ لِلْمَعِينِ وَقَوْلُهُ مَا يَقُولُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لَهُ، أَوْ التَّعَجُّبِ مِنْهُ دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ كَمَا يُحْدِثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَرَضَ عِنْدَ تَنَاوُلِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَغْذِيَةِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنْ يَبْرَأَ مِنْ ذَلِكَ بِالِاسْتِرْقَاءِ كَمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنْ يَبْرَأَ مِنْ الْأَدْوَاءِ الْمَخْصُوصَةِ بِأَدْوِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتَرْقُوا لَهُمَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِالِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَائِنُ مَعْرُوفًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُخَصَّ أَحَدٌ بِالِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا يَذْهَبُ أَذَاهُ بِالرُّقْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ وَذِكْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الرُّقَى حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلُدِغَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَ آلُ حَزْمٍ يَرْقَوْنَ مِنْ الْحُمَّةِ فَلَمَّا نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى تَرَكُوهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُدْعُوا إلَيَّ عُمَارَةَ فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيَّ رُقْيَتَكَ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا وَأَذِنَ لَهُمْ فِيهَا» فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَمْنُوعَةً، ثُمَّ نُسِخَ الْمَنْعُ بِالْإِبَاحَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ وَلَمْ يَعْرِفَا النَّسْخَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِذَلِكَ الرُّقَى بِقَوْلٍ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ. وَقَدْ رَوَى «عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ كُنَّا نُرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ فَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَرْقِي وَيَنْشُرُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا رُقْيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا أَكْرَهُ رُقْيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَخَذَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ قَالَ لِلْيَهُودِيَّةِ: أَرْقِهَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَأْخُذْ بِكَرَاهِيَةِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَرْقِيَ الرَّاقِي وَبِيَدِهِ الْحَدِيدَةُ، أَوْ الْمِلْحُ، وَالْعَقْدُ فِي الْخَيْطِ أَعْظَمُ كَرَاهِيَةً عِنْدَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَدِيدَةَ وَالْمِلْحَ، وَالْعَقْدُ فِي الْخَيْطِ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ وَجْهُ مَنْفَعَتِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَأَمَّا الشَّيْءُ يُنْجَمُ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ حَدِيدَةٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَأَنَّهُ لَيَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ التَّنْجِيمَ لِطُولِ اللَّيْلِ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ سَبَقَ الْقَدَرَ شَيْءٌ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْبِقُ الْقَدَرَ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَكِنْ لَمَّا كَانَ تَأْثِيرُ الْعَيْنِ تَأْثِيرًا مُتَوَالِيًا بَيِّنًا قَالَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ مَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَيْهِ مَلَكَيْنِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا مَلَكَانِ لَا يَكُونَانِ مَعَهُ فِي غَيْرِ حِينِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُمَا مَخْصُوصَانِ بِحِفْظِ مَا يَقُولُ لِلْعُوَّادِ؛ لِأَنَّ

[التعوذ والرقية من المرض]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خُصَيْفَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ إلَّا قُصَّ بِهَا أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيَّهُمَا قَالَ عُرْوَةُ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» ) . التَّعَوُّذُ وَالرُّقْيَةُ مِنْ الْمَرَضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: عُثْمَانُ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي قَالَ: فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْسَحْهُ بِيَمِينِك سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ قَالَ: فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ فِي الصِّحَّةِ يَكْتُبُونَ كُلَّ شَيْءٍ فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى الْمَرِيضُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ النَّاسُ رَفَعَ فُلَانٌ إلَى الرَّئِيسِ كَذَا وَكَذَا بِمَعْنَى أَنْهَاهُ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِعَبْدِي عَلَيَّ إنْ تَوَفَّيْتُهُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ شَفَيْتُهُ أَنْ أُعِيدَهُ إلَى صِحَّةٍ أَفْضَلَ مِنْ صِحَّتِهِ بِأَنْ أُبْدِلَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ خَيْرًا فِي صِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ الْأَسْقَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ بِالطَّاعَةِ وَإِثَابَتِهِ مِنْ عِوَضِهِ إيَّاهُ وَقَوْلُهُ وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ إتْمَامُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ بِمَا عَوَّضَهُ مِنْ صِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنْ صَغُرَتْ إلَّا قُصَّ بِهِ، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ وَالْقَصُّ وَالتَّكْفِيرُ رَاجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ إنَّمَا رَاعَى الرَّاوِي اللَّفْظَ فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُكَفَّرُ بِهِ مِنْ خَطَايَاهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يُصِبْ مِنْهُ بِالْمَرَضِ الْمُؤَثِّرِ فِي صِحَّتِهِ وَأَخْذِ الْمَالِ الْمُوَثِّرِ فِي غِنَاهُ وَالْحُزْنِ الْمُؤَثِّرِ فِي سُرُورِهِ وَالشِّدَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي صَلَاحِ حَالِهِ فَإِذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْخَيْرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يَشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ الْمَوْتُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: رَجُلٌ هَنِيئًا لَهُ مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَرَضٍ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيْحَك وَمَا يُدْرِيكَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» ) . (ش) : قَوْلُ الرَّجُلِ فِي الَّذِي مَاتَ هَنِيئًا لَهُ مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَرَضٍ يَغْبِطُهُ بِحَالِهِ فِي سَلَامَتِهِ مِنْ الْمَرَضِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ غِبْطَةٌ فِي الدُّنْيَا خَاصَّةً فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيْحَك عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَالْإِغْلَاظِ لَهُ وَمَا يُدْرِيك يُرِيدُ وَمَا عَلَّمَك لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَلَاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا يُدْرِيك أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ وَأَنَّ مَا يُكَفِّرُ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَلَامَتِهِ مِنْ الْأَمْرَاضِ مَعَ بَقَاءِ سَيِّئَاتِهِ. [التَّعَوُّذُ وَالرُّقْيَةُ مِنْ الْمَرَضِ] ِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: عُثْمَانُ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي قَالَ: فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْسَحْهُ بِيَمِينِك سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ قَالَ: فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ» )

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ قَالَتْ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ: وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَلِيلِ أَنْ يَصِفَ مَا بِهِ مِنْ الْأَلَمِ لِاسْتِدْعَاءِ الدَّوَاءِ، أَوْ الرُّقْيَةِ أَوْ الشِّفَاءِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ وَقَدْ قَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إنَّك لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّشَكِّيَ وَقِلَّةَ الصَّبْرِ كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: كَلًّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَعَمْ إذًا» وَقَوْلُهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْسَحْهُ بِيَمِينِك يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَعْنَى التَّبَرُّكِ بِالتَّيَامُنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْعَدَدَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ فَقَالَ: فِي مَرَضِهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إلَى النَّاسِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ فَقَالَ: فِيهِ «ضَعْ يَدَك عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ نَصٌّ عَلَى التَّعَوُّذِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرْقَاءِ وَالدُّعَاءِ لِإِذْهَابِ الْمَرَضِ وَفِي مَعْنَاهُ التَّدَاوِي بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ مَعَ كُلِّ مَسْحَةٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَقَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي مَا كَانَ بِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ أَهْلَهُ وَغَيْرَهُمْ لَمَّا جَرَّبَهُ مِنْ مَنْفَعَتِهَا وَإِذْهَابِ الْأَدْوَاءِ بِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ قَالَتْ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا» ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اشْتَكَى أَلَمًا يُرِيدُ إذَا مَرِضَ يُقَالُ اشْتَكَى فُلَانٌ إذَا أَصَابَهُ شَكْوَى مَرَضٍ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَقِرَاءَةُ الْمَرِيضِ عَلَى نَفْسِهِ تَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ أَنْ يَقْرَأَ وَيُشِيرَ بِقِرَاءَتِهِ إلَى جَسَدِهِ وَرُبَّمَا كَانَتْ إشَارَتُهُ بِإِمْرَارِهِ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْأَلَمِ، أَوْ إلَى أَعْضَائِهِ إنْ كَانَ جَمِيعُ جَسَدِهِ أَلَمًا وَيَكُونُ بِأَنْ يَجْمَعَ يَدَيْهِ فَيَقْرَأَ فِيهِمَا ثُمَّ يَمْسَحَ بِهِمَا عَلَى مَوْضِعِ الْأَلَمِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا وَيَنْفُثُ سُنَّةٌ فِي نَفْثِ الرَّاقِي قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ النَّفْثُ شِبْهُ الْبُزَاقِ وَلَا يُلْقِي شَيْئًا وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى عَنْ أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ زُفَرَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ نَفْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ كَانَ يَنْفُثُ كَمَا يَنْفُثُ آكِلُ الزَّبِيبِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يُلْقِي الْيَسِيرَ مِنْ الرِّيقِ فَأَمَّا التَّفْلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَعَهُ إلْقَاءُ الرِّيقِ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرُّوا بِمَاءٍ لُدِغَ سَيِّدُ أَهْلِهِ فَرَقَاهُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ فَبَرَأَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ النَّفْثِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَآهُ يَنْفُثُ الرُّقْيَةَ عَلَى بَعْضِ يَدَيْهِ، أَوْ أَصَابِعِهِ وَقَالَ: مَعْمَرٌ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ كَيْفَ يَنْفُثُ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْفُثُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ مُسْنَدًا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالمُعَوِّذَتَيْن ن جَمِيعًا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ تُرِيدُ ضَعُفَ عَنْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي يَدَيْهِ قَالَتْ

[تعالج المريض]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) . تَعَالُجُ الْمَرِيضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَهُ جُرْحٌ فَاحْتَقَنَ الْجُرْحُ الدَّمَ وَأَنَّ الرَّجُلَ دَعَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أَنْمَارَ فَنَظَرَا إلَيْهِ فَزَعَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَهُمَا أَيُّكُمَا أَطَبُّ فَقَالَا: أَوَفِي الطِّبِّ خَيْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَدْوَاءَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَائِشَةُ فَكُنْت أَنَا أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فَلَمَّا أُثْقِلَ كُنْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَلَمَّا اشْتَكَى أَمَرَنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ قَالَتْ وَكُنْت أَمْسَحُ بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ مِنْهُ لِضَعْفِهِ عَنْ الِانْفِرَادِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) . (ش) : قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْيَهُودِيَّةِ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّوْرَاةَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ اسْمُهُ، أَوْ رُقْيَةً مُوَافِقَةً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ بِأَنْ تَظْهَرَ رُقْيَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهَا بِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَفِي الْمُسْتَخْرَجَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا: أُحِبُّ رُقَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَرِهَهُ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ تَكُنْ رُقْيَتُهُمْ مُوَافِقَةً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ السِّحْرِ وَمَا فِيهِ كُفْرٌ مُنَافٍ لِلشَّرْعِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَرْقِي بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ وَعَنْ الَّذِي يَكْتُبُ الْحِرْزَ وَيَعْقِدُ فِيمَا يُعَلِّقُهُ بِهِ عَقْدًا وَاَلَّذِي يَكْتُبُ حِرْزَ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَانَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ كَرَاهِيَةٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ السِّحْرِ وَلَعَلَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (فَصْلٌ) : وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَثِيرَةَ الِاسْتِرْقَاءِ قَالَ: مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الْبَثْرَةَ الصَّغِيرَةَ فِي يَدِهَا فَتُلِحُّ عَلَيْهَا بِالتَّعْوِيذِ فَيُقَالُ لَهَا إنَّهَا صَغِيرَةٌ فَتَقُولُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَظِّمُ مَا يَشَاءُ مِنْ صَغِيرٍ وَيُصَغِّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ عَظِيمٍ. [تَعَالُجُ الْمَرِيضِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فَاحْتَقَنَ الْجُرْحُ الدَّمَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنَّ الْمَجْرُوحَ دَعَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي أَنْمَارَ لِمُعَالَجَتِهِ فَرَوَيَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَهُمَا أَيُّكُمَا أَطَبُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَحْثَ عَنْ حَالِهِمَا وَمَعْرِفَتَهُمَا بِالطِّبِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعَالَجَ إلَّا بِعِلَاجِ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالطِّبِّ قَالَ: مَالِكٌ أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْهَى عَنْ حَالِهِمَا وَمَعْرِفَتِهِمَا بِالطِّبِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعَالِجَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَطِبَّاءِ عَنْ الدِّمَاءِ إلَّا طَبِيبٌ مَعْرُوفٌ. وَقَدْ قَالَ: لِي رَبِيعَةُ وَلَا تَشْرَبْ مِنْ دَوَائِهِمْ إلَّا شَيْئًا تَعْرِفُهُ قَالَ: وَإِنِّي بِذَلِكَ لَمُسْتَوْصٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطِّبَّ مَعْنًى صَحِيحٌ وَلِذَلِكَ سَأَلَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِهِمَا فِيهِ فَقَالَ: الرَّجُلَانِ أَوَفِي الطِّبِّ خَيْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَا طَبِيبَيْنِ فِي حَالِ كُفْرِهِمَا فَلَمَّا أَسْلَمَا أَمْسَكَا عَنْ ذَلِكَ شَكًّا فِي أَمْرِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَا تَحْقِيقَ مَا اعْتَقَدَا صِحَّتَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَدْوَاءَ تَفْوِيضٌ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّهُ الْخَالِقُ لَهُ وَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ إلَى النَّاسِ بِمَعْنَى أَعْلَمَهُمْ إيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُمْ فِيهِ كَمَا أَعْلَمَهُمْ التَّغَذِّيَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَأَبَاحَهُ لَهُمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ التَّدَاوِي لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» . (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ سَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ اكْتَوَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الذَّبْحَةِ فَمَاتَ» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِنْ اللَّقْوَةِ وَرَقَى مِنْ الْعَقْرَبِ) . الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ الْحُمَّى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ إذَا أُتِيَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَالَجَةِ الْجَائِزَةِ حَمِيَّةُ الْمَرِيضِ قَالَ: الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ حَمَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَرِيضًا فَقَالَ: حَمَانِي حَتَّى كُنْت أَمُصَّ النَّوَى مِنْ الْجُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ إنَّ سَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ اكْتَوَى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الذَّبْحَةِ وَهُوَ لِمَكَانِهِ وَحَالِهِ لَا يَشُكُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ بِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ وَشَهِدَنِي أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِي يُرِيدُ بِذَلِكَ شُهْرَةَ الْأَمْرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ» فَإِنَّمَا هَذَا نَهْيُ كَرَاهِيَةٍ وَحَضٌّ عَلَى الْأَخْذِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ قَالَ: هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فَنَهَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَنْ الِاسْتِرْقَاءِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ وَقَدْ رَقَى نَفْسَهُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتِرْقَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُدَاوَاتُهُ بِمَاءِ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ تَرْكًا لِلتَّوَكُّلِ وَإِنَّمَا كَانَ يَأْخُذُ فِي نَفْسِهِ بِأَفْضَلِ الْأَحْوَالِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْمَرَ بِذَلِكَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ طَاعَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ التَّوَكُّلُ أَفْضَلَ مِنْ التَّعَانِي بِأَمْرٍ لَا يَتَيَقَّنُ بِهِ الْبُرْءَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي رَجَا لَا لِعِبَادَةٍ أُمِرَ بِهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَقَالَ: إنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ جُعِلَ شِفَاؤُهُ فِي شُرْبِ الْعَسَلِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَرِّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ بُرْأَهُ فِي أَوَّلِ شُرْبِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَصَدَقَ اللَّهُ فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ أَنْ يُسْقَى عَسَلًا فَيَبْرَأَ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا الَّذِي يَذْكُرُهُ عَنْهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا صَدَقَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ فَرُوِيَ أَنَّهُ سَقَاهُ فَبَرَأَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَغْسِلُ الْقُرْحَةَ بِالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ إذَا غَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَرِهَ التَّعَالُجَ بِالْخَمْرِ وَإِنْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ قَالَ: مَالِكٌ إنِّي لَأَكْرَهُ الْخَمْرَ فِي الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَنْ يُرِيدُ الطَّعْنَ فِي الدِّينِ وَالْبَوْلُ عِنْدِي أَخَفُّ قَالَ: مَالِكٌ وَلَا يُشْرَبُ بَوْلُ الْإِنْسَانِ لِيُتَدَاوَى بِهِ وَلَا بَأْسَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْأَنْعَامِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِيلَ أَكْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قَالَ: لَمْ أَقُلْ إلَّا أَبْوَالَ الْأَنْعَامِ الثَّمَانِيَةِ بَلْ وَلَا خَيْرَ فِي أَبْوَالِ الْآدَمِيِّ. (فَصْلٌ) : وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِنْ اللَّقْوَةِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَكَذَلِكَ اسْتِرْقَاؤُهُ مِنْ الْعَقْرَبِ وَلَعَلَّهُ آثَرَهُ ذَلِكَ بِمَعْنَى رَجَاهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ كَانَ عِنْدَهُ أَفْضَلَ مِنْ تَرْكِ الِاسْتِرْقَاءِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الِاكْتِوَاءِ عِنْدَهُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِإِيثَارِ الصِّحَّةِ خَاصَّةً وَصَلَاحِ الْحَيَاةِ لَا لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى عِبَادَةٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ وَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالِاكْتِوَاءِ مِنْ اللَّقْوَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الغسل بالماء من الحمى]

بِالْمَرْأَةِ وَقَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتْ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا وَقَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُبَرِّدَهَا بِالْمَاءِ» مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» ) . عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَالطِّيَرَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا عَادَ الرَّجُلُ الْمَرِيضَ خَاضَ الرَّحْمَةَ حَتَّى إذَا قَعَدَ عِنْدَهُ قَرَّتْ فِيهِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا» ) . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ ابْنِ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا هَامَ وَلَا صَفَرَ وَلَا يَحُلُّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ وَلْيَحْلُلْ الْمُصِحُّ حَيْثُ شَاءَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ أَذًى» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ الْحُمَّى] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَسْمَاءَ كَانَتْ إذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ وَقَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهَا تَبَرُّكًا مِنْ النَّاسِ بِهَا وَرَغْبَةً فِي دُعَائِهَا فَكَانَتْ تُضِيفُ إلَى ذَلِكَ أَنْ تَصُبَّ الْمَاءَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الْمَحْمُومَةِ وَجَيْبِهَا تَبْرِيدًا لَهَا. وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ تَأْخُذُ الْمَاءَ فَتَصُبُّهُ فِيمَا بَيْنَ طَوْقِهَا وَجَسَدِهَا حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَسَدِهَا تَرْجُو بِذَلِكَ بَرَكَةَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ حُمَّى كَانَتْ مُتَكَرِّرَةً بِالْمَدِينَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ شَدِيدَةَ الْحَرِّ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ أَنْ يُسْتَشْفَى مِنْهَا بِالْإِبْرَادِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَالْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنْ يَشْفِيَ بَرْدُهُ مِنْ آذَاهُ الْحَرُّ مَرَّةً بِالتَّبْرِيدِ بِهِ وَمَرَّةً بِشُرْبِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِجَرْيِ الْعَادَةِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَدْوِيَةِ إنَّمَا هِيَ أَدْوِيَةٌ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنْ يَشْفِيَ هُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنْ تَنَاوَلَهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَكَذَلِكَ الْأَغْذِيَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَالطِّيَرَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَادَ الرَّجُلُ الْمَرِيضَ خَاضَ الرَّحْمَةَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عِظَمَ أَجْرِ الْعِيَادَةِ لِلْمَرِيضِ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا قَعَدَ عِنْدَهُ يُرِيدُ عِنْدَ الْمَرِيضِ قَرَّتْ فِيهِ فَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ ثَوَابُهُ الْجَزِيلُ وَتَجَاوُزُهُ عَنْ الذُّنُوبِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهَا مَا ثَبَتَ لِلْخَائِضِ فِي الْمَاءِ فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَهُ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقَرِّ الثَّابِتِ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْخَائِضِ فِي الْمَاءِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّتْ فِيهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا إنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَرَّتْ لَهُ كَمَا يَقُولُ فِيهِ رِفْقٌ بِكَذَا وَفِيهِ طَلَاقُهُ أَيْ لَهُ طَلَاقُهُ وَلَهُ رِفْقٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَقْلُوبِ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ قَرَّ فِيهَا أَيْ ثَبَتَ فِيمَا غَمَرَهُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا أَيْ لَا يَتَحَوَّلُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرَضِ إلَى غَيْرِ الَّذِي هُوَ بِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ وَهْبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا جَاوَرَ الْمَرِيضَ أَعْدَاهُ مَرَضُهُ أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ، أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ قَالَ: الشَّاعِرُ تُعْدِي الصِّحَاحَ مَبَارِكُ الْجُرْبِ فَكَذَّبَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ لَكَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجَرِّبُهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ طُرُقِ الْحِجَاجِ وَالْإِرْشَادِ إلَى الصَّوَابِ وَإِيضَاحِ وَجْهِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الشُّبْهَةُ بِأَنَّ الْإِبِلَ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ وَهُوَ مَوْضِعٌ صَالِحٌ لَيْسَ فِيهِ مَا يُمْرِضُهَا فَتَكُونُ فِيهِ كَالظِّبَاءِ حُسْنًا وَسَلَامَةً مِنْ الْجَرَبِ وَغَيْرِهِ فَيَأْتِي بَعِيرٌ أَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيَشْمَلُهَا الْجَرَبُ فَاعْتَقَدَ الْأَعْرَابِيُّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ ذَلِكَ الْبَعِيرَ قَدْ أَعْدَاهَا جَرَبُهُ فَقَالَ: لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِالْعَدْوَى لَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ جَرِبًا إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ جَرَبَ هَذِهِ الْإِبِلَ بِغَيْرِ جَرَبٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْدِيَهُ غَيْرُهُ أَمَا إنَّ ذَلِكَ دَخَلَ الْبَعِيرَ الَّذِي دَخَلَ بَيْنَهُمَا، أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَهُ؟ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّاءُ لَحِقَ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ عَدْوَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا شَمِلَ الْإِبِلَ أَيْضًا مِنْ الْجَرَبِ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِقَادِ الْعَدْوَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا خَالِقَ سِوَاهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ ابْتِدَاءً وَفِي بَعْضِهَا عِنْدَ مُجَاوَرَةِ الْجَرَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا هَامَ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ لَا يَتَطَيَّرُ بِالْهَامِ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ فَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَا هَامَ النَّهْيُ أَنْ يَتَطَيَّرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقُولُ إذَا قُتِلَ قَتِيلٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ طَائِرٌ فَلَا يَزَالُ يَقُولُ: اسْقُونِي اسْقُونِي حَتَّى يُقْتَلَ قَاتِلُهُ قَالَ: الشَّاعِرُ فِي مِثْلِ هَذَا يَا عَمْرُو إلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي ... أَضْرِبْك حَتَّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسْقُونِي فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا هَامَ تَكْذِيبٌ لِإِخْبَارِهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا صَفَرَ قَالَ: مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُحَرِّمُ صَفَرَ عَامًا وَتُؤَخِّرُ إلَيْهِ الْمُحَرَّمَ وَكَانَتْ تُحِلُّهُ عَامًا آخَرَ وَتُقَدِّمُ الْمُحَرَّمَ إلَى وَقْتِهِ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: ابْنُ وَهْبٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّ الصُّفَارَ الَّتِي فِي الْجَوْفِ تَقْتُلُ صَاحِبَهَا وَهِيَ الَّتِي عَدَتْ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ فَرَدَّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْذَبَهُمْ فِيهِ وَقَالَ: لَا يَمُوتُ أَحَدٌ إلَّا بِأَجَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحُلُّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ الْمُمْرِضُ ذُو الْمَاشِيَةِ الْمَرِيضَةِ وَالْمُصِحُّ ذُو الْمَاشِيَةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ: النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ، أَوْ غَنَمِهِ الْجَرَبَةَ فَيَحُلَّ بِهَا عَلَى مَاشِيَةٍ صَحِيحَةٍ فَيُؤْذِيَهُ بِذَلِكَ قَالَ: وَلَكِنَّهُ عِنْدِي مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَدْوَى قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالتَّكْذِيبِ بِقَوْلِ مَنْ يَعْتَقِدُ الْعَدْوَى فَلَا يَكُونُ نَاسِخًا وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى النَّهْيِ يُرِيدُ لَا تَكْرَهُوا دُخُولَ الْبَعِيرِ الْجَرِبِ بَيْنَ إبِلِكُمْ غَيْرَ الْجَرَبَةِ وَلَا تَمْنَعُوا ذَلِكَ وَلَا تَمْتَنِعُوا مِنْهُ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّهُمَا قَالَ: أَوَّلًا وَإِنْ تَعَلَّقْنَا بِالظَّاهِرِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَدْوَى وَرَدَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِمَا وَرَدَ بَعْدَهُ، أَوْ لِمَا لَا يَدْرِي وَرَدَ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ إنَّمَا يَكُونُ نَاسِخًا لِحُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ قَبْلَهُ. وَقَالَ: يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْمُزَنِيَّةِ: سَمِعْت أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ بِهِ الْجُذَامُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّهُ الصَّحِيحُ مَعَهُ وَلَا يَنْزِلَ عَلَيْهِ يُؤْذِيَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي فَالنَّفْسُ تَنْفِرُ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ أَذًى فَهَذَا تَنْبِيهٌ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ لِلْأَذَى لَا لِلْعَدْوَى وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلْيَنْزِلْ مَحَلَّةَ الْمَرِيضُ إنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ قِيلَ لَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ، أَوْ غَنَمِهِ الْجَرَبَةَ فَيَحِلَّ بِهَا الْمُورَدَةَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَاشِيَةَ قَالَ: لَعَلَّهُ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ وَمَا سَمِعْته وَإِنِّي لَأَكْرُهُ لَهُ أَنْ يُؤْذِيَهُ إنْ كَانَ يَجِدُ غِنًى عَنْ ذَلِكَ الْمَوْرِدِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَكُونُ بِهِ الْمَرَضُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ مُورَدَةَ الْأَصِحَّاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يَجِدُ غِنًى عَنْهَا فَيَرِدُهَا. وَقَدْ رَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا عَدْوَى وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَقَامَ عَلَى أَنْ يُورِدَ مُمْرِضٍ عَلَى مُصِحٍّ فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رِئَابٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ كُنْت أَسْمَعُك تُحَدِّثُنَا مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثًا آخَرَ تَقُولُ لَا عَدْوَى فَأَبَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ فِي ذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْحَارِثُ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ لَهُ بِالْحَبَشِيَّةِ فَقَالَ: لِلْحَارِثِ أَتَدْرِي مَاذَا قُلْت قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْت أَتَيْت قَالَ: أَبُو سَلَمَةَ وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا عَدْوَى فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ» قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو سَلَمَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ وَيَصِحُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ عَرَفَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عَدْوَى إنَّمَا نَفَى بِهِ أَنْ يَكُونَ لِمُجَاوَرَةِ الْمَرِيضِ تَأْثِيرٌ فِي مَرَضِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ابْتِدَاءً كَمَا فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ ابْتِدَاءً وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهَذَا الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْبَارِئُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْخَالِقُ لِلْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ فَنَفَى بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَدْوَى اعْتِقَادَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُجَاوَرَةِ الْمَرِيضِ الصَّحِيحَ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّا لَا نَجِدُ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى عَادَةٍ فَقَدْ يُجَاوِرُ الْمَرِيضُ الصَّحِيحَ فَلَا يَمْرَضُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِهِ اسْتِضْرَارًا غَيْرَ التَّكَرُّهِ لِمُجَاوَرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مُجَاوَرَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك إذَا اسْتَضْرَرْت بِرَائِحَتِهِ وَكَرِهْت مُجَاوَرَتَهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ: يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي قَرْيَتِهِمْ شُرَكَاءَ فِي أَرْضِهَا وَمَائِهَا وَجَمِيعِ أَمْرِهَا فَيُجْذَمُ بَعْضُهُمْ فَيَرِدُونَ الْمُسْتَقَى بِآنِيَتِهِمْ فَيَتَأَذَّى بِهِمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَيُرِيدُونَ مَنْعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانُوا يَجِدُونَ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ غِنًى مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهِمْ، أَوْ يَقْوَوْنَ عَلَى اسْتِنْبَاطِ بِئْرٍ أَوْ إجْرَاءِ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِهِمْ وَلَا فَدْحٍ بِهِمْ فَأَرَى أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ وَلَا يُضَارُّوا وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُونَ عَنْ ذَلِكَ غِنًى إلَّا بِمَا يَضُرُّهُمْ، أَوْ يَفْدَحُهُمْ قِيلَ لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِمْ وَيَشْتَكِي ذَلِكَ مِنْهُمْ اسْتَنْبِطْ لَهُمْ بِئْرًا، أَوْ أَجْرِ لَهُمْ عَيْنًا، أَوْ أَقِمْ مَنْ يَسْتَقِي لَهُمْ مِنْ الْبِئْرِ إنْ كَانُوا لَا يَقْوَوْنَ عَلَى اسْتِنْبَاطِ بِئْرٍ، أَوْ إجْرَاءٍ وَيُكْفَوْنَ عَنْ الْوُرُودِ عَلَيْكُمْ وَإِلَّا فَكُلُّ امْرِئٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ وَالضَّرَرُ مِمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأً مِنْ مَالِهِ وَلَا يُقِيمُ لَهُ عِوَضًا مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا جُذِمَ الرَّجُلُ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إنْ شَاءَتْ ذَلِكَ وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ رَقِيقِهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ. وَقَالَ: سَحْنُونٌ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَطْءِ إمَائِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الزَّوْجَةِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا امْرَأَةٌ يَلْحَقُهَا الضَّرَرُ بِوَطْءِ الْمَجْذُومِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَالزَّوْجَةِ. وَقَدْ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ إذَا حَدَثَ ذَلِكَ بِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْجُذَامَ فِي الْحُرِّ لَمَّا مَنَعَ الزَّوْجِيَّةَ وَنَقَضَهَا مَنَعَ الْوَطْءَ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا وَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يَمْنَعْ الْوَطْءَ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ هَذَا عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُ الْجُذَامِ فِي وَطْئِهِ كَتَأْثِيرِهِ فِي عَقْدِهِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَلْ يُخْرَجُ الْمَرْضَى مِنْ الْقُرَى وَالْحَوَاضِرِ قَالَ: مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ لَا يُخْرَجُونَ إنْ كَانُوا

[السنة في الشعر]

السُّنَّةُ فِي الشَّعْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى» ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حِين اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسِيرًا، وَإِنْ كَثُرُوا رَأَيْنَا أَنْ يَتَّخِذُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَوْضِعًا كَمَا صَنَعَ مَرْضَى مَكَّةَ عِنْدَ التَّنْعِيمِ مَنْزِلُهُمْ وَبِهِ جَمَاعَتُهُمْ وَلَا أَرَى أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ الْأَسْوَاقِ لِتِجَارَتِهِمْ وَالتَّطَرُّقِ لِلْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامٌ عَدْلٌ يُجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّزْقَ. وَقَالَ: أَصْبَغُ لَيْسَ عَلَى مَرْضَى الْحَوَاضِرِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا إلَى نَاحِيَةٍ بِقَضَاءٍ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ إنْ أَجْرَى عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ مِنْ الرِّزْقِ مَا يَكْفِيهِمْ مُنِعُوا مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ بِلُزُومِ بُيُوتِهِمْ، أَوْ بِالسَّجْنِ إنْ شَاءَ وَقَالَ: ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِالسَّجْنِ إذَا كَثُرُوا أَحَبُّ إلَيَّ وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيُمْنَعُ الْمَجْذُومُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ. [السُّنَّةُ فِي الشَّعْرِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ يُقَالُ أَحْفَى الرَّجُلُ شَارِبَهُ إذَا قَصَّهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ تَفْسِيرَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْفَاءِ الشَّوَارِبِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَبْدُوَ الْإِطَارُ وَهُوَ مَا احْمَرَّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ وَالْإِطَارُ جَوَانِبُ الْفَمِ الْمُحْدِقَةُ بِهِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا الْإِحْفَاءُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ قَصُّ الْإِطَارِ وَهُوَ طَرَفُ الشَّعْرِ وَأَشَارَ إلَى الْإِطَارِ مِنْ الشَّعْرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَإِحْفَاءُ الشَّوَارِبِ قَصُّهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ إحْفَاءُ الشَّارِبِ حَلْقَهُ وَأَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ حَلْقُهُ مِنْ الْبِدَعِ. وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ حَلْقُ الشَّارِبِ وَاسْتِئْصَالُهُ أَفْضَلُ مِنْ قَصِّهِ وَتَقْصِيرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ» قَالَ: صَاحِبُ الْأَفْعَالِ مَعْنَاهُ قُصُّوهَا قَالَ: مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَحْزَنَهُ أَمْرٌ فَتَلَ شَارِبَهُ وَلَوْ كَانَ مَحْلُوقًا مَا كَانَ فِيهِ مَا يُفْتَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَى سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ» وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ» وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إنْهَاكَ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي إزَالَةَ جَمِيعِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي إزَالَةَ بَعْضِهِ قَالَ: صَاحِبُ الْأَفْعَالِ نَهَكَتْهُ الْحُمَّى نَهْكًا أَثَّرَتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَةُ. 1 - (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْفُوا اللِّحَى قَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ وَفِّرُوا اللِّحَى لِتَكْثُرَ يُقَالُ مِنْهُ عَفَا بَنُو فُلَانٍ إذَا كَثُرُوا. قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ أَنْ تُعْفَى اللِّحَى مِنْ الْإِحْفَاءِ؛ لِأَنَّ كَثْرَتَهَا أَيْضًا لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِتَرْكِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مَا تَطَايَرَ مِنْ اللِّحْيَةِ وَشَذَّ، قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِذَا طَالَتْ جِدًّا قَالَ: أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا وَتُقَصَّ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: عَامَ حَجَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَوْطِنًا غَيْرَ الْمَدِينَةِ فَرَآهُ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ وَالْقُصَّةُ هِيَ الْجُمَّةُ مِنْ الشَّعْرِ تَجْعَلُهَا الْمَرْأَةُ عَلَى شَعْرِهَا تُرِي أَنَّهَا مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «سَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاصِيَتَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ فَرَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَعْرِهَا فَكَرِهَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْخِلْقَةِ وَالتَّدْلِيسِ وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَهُوَ فِي مَعْنَى اتِّخَاذِ قُصَّةِ الشَّعْرِ وَقَالَ: فِيهِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ عَلَى مُوَافَقَتِهِمْ لِقَوْلِهِ إنْ كَانُوا لَمْ يَعْرِفُوا مَنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ، أَوْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ فَيَقُولُ كَيْفَ فُعِلَ هَذَا عِنْدَكُمْ مَعَ بَقَاءِ عُلَمَائِكُمْ قَالَ: مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَقَالَ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَجُوزُ أَنْ تَصِلَهُ بِالصُّوفِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الشَّعْرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقَلُوهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ صِلَةٌ لِلشَّعْرِ مُغَيِّرَةٌ لِلْخَلْقِ كَالصِّلَةِ بِالشَّعْرِ قَالَ: مَالِكٌ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ تَضَعَ الْجُمَّةَ عَلَى رَأْسِهَا قَالَ: مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِالْخِرَقِ تَجْعَلُهَا الْمَرْأَةُ فِي قَفَاهَا وَتُرْبَطُ لِلْوِقَايَةِ وَمَا مِنْ عِلَاجِهِنَّ أَخَفُّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَنَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَيُبْقِيَ مَوَاضِعَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَمِنْ ذَلِكَ الْقُصَّةُ وَالْقَفَا وَهُوَ أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ فَيُتْرَكَ مِنْهُ مُقَدَّمُهُ وَشَعْرُ الْقَفَا قَالَ: مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ فِي الْجَوَارِي وَلَا الْغِلْمَانِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْقَزَعِ. وَقَالَ: مَالِكٌ وَلْيَحْلِقُوا جَمِيعَهُ، أَوْ يَتْرُكُوا جَمِيعَهُ وَسُئِلَ عَنْ الْقُصَّةِ وَحْدَهَا فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْوَشْمُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَالْوَشْمُ النَّقْشُ فِي الْيَدِ وَالذِّرَاعِ، أَوْ الصَّدْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» . وَقَالَ: ابْنُ نَافِعٍ الْوَسْمُ فِي اللِّثَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مَعْنًى بَاقٍ كَالْخِلْقَةِ وَمِنْ ذَلِكَ التَّفَلُّجُ وَرَوَى عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ:: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» ، مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِيمَا يَكُونُ بَاقِيًا وَأَمَّا مَا كَانَ لَا يَبْقَى وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضِعٌ لِلْجَمَالِ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغْيِيرُ كَالْكُحْلِ فَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ لِلْمَرْأَةِ الْإِثْمِدِ وَغَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْرَهُ الْكُحْلَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِلرَّجُلِ إلَّا لِمَنْ بِهِ عِلَّةٌ، وَمَا أَدْرَكْت مَنْ يَكْتَحِلُ نَهَارًا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ لَيْسَ الْكُحْلُ بِالْإِثْمِدِ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلَا سَمِعْت فِيهِ بِنَهْيٍ يُرِيدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اسْتِحْسَانِ زِيِّ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَخْذِ بِهَدْيِهِمْ وَأَدَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْحِنَّاءُ فَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ تُزَيِّنَ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا بِالْحِنَّاءِ، أَوْ تُطَرِّفَهُمَا بِغَيْرِ خِضَابٍ وَأَنْكَرَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إمَّا أَنْ تُخَضِّبَ يَدَهَا كُلَّهَا، أَوْ تَدَعَ. (ش) : قَوْلُهُ سَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إسْدَالُ الْقُصَّةِ يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْهُ قُصَّةً فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ فَعَلَ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِمُتَابَعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسْدِلُونَ شُعُورَهُمْ وَكَانَ يُحِبُّ مُتَابَعَتَهُمْ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِمُخَالَفَةٍ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُغَيِّرُوهُ مِنْ شَرِيعَةِ أَنْبِيَائِهِمْ إمَّا بِوَحْيٍ، أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ وَقَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ فَكَانَ يَتَّبِعُ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا طَرَأَ النَّسْخُ دَانَ بِمُخَالَفَتِهِمْ وَعَدَلَ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَلِذَلِكَ فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ سَدَلَ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسْدِلُونَ شُعُورَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُفَرِّقُونَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[إصلاح الشعر]

(ص) : (قَالَ: مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ يَنْظُرُ إلَى شَعْرِ امْرَأَةِ ابْنِهِ، أَوْ شَعْرِ أُمِّ امْرَأَتِهِ بَأْسٌ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْإِخْصَاءَ وَيَقُولُ فِيهِ تَمَامُ الْخَلْقِ) . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ إذَا اتَّقَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ» ) . إصْلَاحُ الشَّعْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ لِمَا قَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا» مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ أَنْ اُخْرُجْ كَأَنَّهُ يَعْنِي إصْلَاحَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِمُخَالَفَةٍ فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: مَالِكٌ وَرَأَيْت عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَرَبِيعَةَ وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُفَرِّقُونَ شُعُورَهُمْ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: مَالِكٌ فَرْقُ الرَّأْسِ لِلرِّجَالِ أَحَبُّ إلَيَّ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الذُّؤَابَةُ لِلصَّبِيِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الذُّؤَابَةَ لِلصَّبِيِّ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَأَنَا لَا أَرَى بِهَا بَأْسًا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الْقَزَعِ وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ مَوَاضِعَ مِنْ الرَّأْسِ وَيَدَعَ مَوَاضِعَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقَزَعِ وَوَجْهُ قَوْلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْقَزَعِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ غَيْرُ مُتَفَرِّقٌ فِي الرَّأْسِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَالشَّعْرِ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الرَّأْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ يَنْظُرُ إلَى شَعْرِ امْرَأَةِ ابْنِهِ، أَوْ شَعْرِ أُمِّ امْرَأَتِهِ بَأْسٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ مِنْ نَظَرِهِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا لَمْ يَكُنْ فِي إخْصَائِهِ مَنْفَعَةٌ وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إخْصَاءَ الْخَيْلِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِإِخْصَائِهَا إذَا أُكِلَتْ، وَإِخْصَاءُ بَنِي آدَمَ مُحَرَّمٌ كَقَطْعِ أَعْضَائِهِمْ. وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ شِرَاءَ الْخَصِيِّ مِنْ الصَّقَالِبَةِ وَقَالَ: وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَوْا مِنْهُمْ لَمْ يَخْصُوهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] قَالَ: هُوَ الْإِخْصَاءُ وَقَالَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْوَشْمُ وَقَالَ: مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] دِينَ اللَّهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا خِصَاءُ الْغَنَمِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِإِخْصَائِهِ لِطِيبِ لَحْمِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ش) : كَافِلُ الْيَتِيمِ هُوَ الَّذِي يَكْفُلُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ وَيَنْظُرُ لَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ الْكَافِلُ امْرَأَةً فَتَكْفُلُ الْيَتِيمَ وَهُوَ ابْنُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلَ يَكْفُلُ يَتِيمًا مِنْ أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ فِي بَنِي آدَمَ بِمَوْتِ الْأَبِ دُونَ مَوْتِ الْأُمِّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْ لِغَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ يُرِيدُ السَّبَّابَةَ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ لَا أَفْضُلُهُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا بِقَدْرِ فَضْلِ الْوُسْطَى عَلَى الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ. [إصْلَاحُ الشَّعْرِ] (ش) : قَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا يُرِيدُ أُمَشِّطُهَا فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مَا جَاءَ فِي صَبْغِ الشَّعْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَ: وَكَانَ جَلِيسًا لَهُمْ وَكَانَ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ حَمَّرَهُمَا قَالَ: فَقَالَ: لَهُ الْقَوْمُ هَذَا أَحْسَنُ فَقَالَ: إنَّ أُمِّيَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ إلَيَّ الْبَارِحَةَ جَارَتَهَا نُخَيْلَةَ فَأَقْسَمَتْ عَلَيَّ لَأَصْبِغَنَّ وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَصْبُغُ قَالَ: يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي صَبْغِ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَعْلُومًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّبْغِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ: مَالِكٌ وَتَرْكُ الصَّبْغِ كُلِّهِ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَعَمْ وَأَكْرِمْهَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إصْلَاحَهَا وَتَجْمِيلَهَا بِالدَّهْنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِمَّا يَحْسُنُ بِهِ الشَّعْرُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَرَامَتَهُ وَصِيَانَتَهُ مِنْ الشَّعَثِ وَالتُّرَابِ وَالْوَسَخِ وَلِذَلِكَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُوَالِي دَهْنَهَا وَإِصْلَاحَهَا حَتَّى رُبَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ مَا أُحِبُّ نَتْفَهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُقْرَضَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ عِنْدِي شِبْهُ النَّتْفِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَهُوَ ثَائِرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَائِمَ الشَّعْرِ ثَائِرَهُ فَأَمَرَهُ، وَقَوْلُهُ: فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ اُخْرُجْ يَعْنِي إصْلَاحَ الشَّعْرِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِإِصْلَاحِ الشَّعْرِ مَأْمُورٌ بِهِ؛ لِأَنَّ إصْلَاحَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْعِيثِ الْمَسْجِدِ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ الشَّعْرِ وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ مَا يُؤْذِي أَهْلَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْقَمْلِ لِمَنْ لَا يَتَعَاهَدُ رَأْسَهُ مِنْ التَّرْجِيلِ وَالتَّنْظِيفِ وَحُكْمُ اللِّحْيَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الشَّعْرِ بَلْ آكَدُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ قَدْ يُغَطَّى وَاللِّحْيَةُ بَادِيَةٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ شَبَّهَ ذَلِكَ بِالشَّيْطَانِ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ وَقُبْحِ مَنْظَرِ الثَّائِرِ الرَّأْسِ وَالتَّرَجُّلُ وَالتَّنَظُّفُ وَحُسْنُ الزِّيِّ وَالتَّطَيُّبُ وَالتَّدَهُّنُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا» وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَأَحَادِيثُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فِيهَا نَظَرٌ وَلَوْ ثَبَتَ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لِمَنْ يَتَأَذَّى بِإِدْمَانِ ذَلِكَ لِمَرَضٍ، أَوْ شِدَّةِ بَرْدٍ فَنَهَاهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَضُرُّ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَهْيَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَبُو قَتَادَةَ مِنْ دَهْنِهِ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَمْرًا لَازِمَا فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ السُّنَّةَ اللَّازِمَةَ مِنْ ذَلِكَ الْإِغْبَابُ بِهِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَشُغْلِهِ وَعَمَلِهِ وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ التَّجَمُّلَ وَالتَّنَظُّفَ مَشْرُوعٌ كَقَصِّ الشَّارِبِ وَالسِّوَاكِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْخَلْقِ مِنْ غُسْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ الْغُسْلُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَمَّامِ إنْ كُنْت تَدْخُلُهُ خَالِيًا، أَوْ مَعَ قَوْمٍ يَسْتَتِرُونَ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَحَفَّظُونَ لَمْ أَرَ أَنْ تَدْخُلَهُ وَإِنْ كُنْت أَنْتَ تَتَحَفَّظُ، وَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ يَدْخُلُهُ مَعَ الْعَامَّةِ ثُمَّ تَرَكَ فَكَانَ يَدْخُلُهُ خَالِيًا وَهَذَا حُكْمُ الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَكْرَهُ لَهَا دُخُولَ الْحَمَّامِ وَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُفْرَدَةً. (فَرْعٌ) قَالَ: فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَيْسَ لِلْمِئْزَرِ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ الْحَمَّامَ حَدٌّ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ قَدْرَهُ مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الَّتِي يَلْزَمُ سَتْرُهَا أَنْ يَسْتُرَهَا فِي حَالِ الْمَشْيِ وَالْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فَكُلُّ مَا سَتَرَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَجْزَأَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[ما جاء في صبغ الشعر]

فِي ذَلِكَ ضِيقٌ قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصْبُغْ وَلَوْ صَبَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَرْسَلَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ) . مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التَّعَوُّذِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أُرَوَّعُ فِي مَنَامِي فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي صَبْغِ الشَّعْرِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ كَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ يُرِيدُ مِنْ الشَّيْبِ وَقَوْلُهُ فَغَدَا عَلَيْهِمْ وَقَدْ حَمَّرَهُمَا يُرِيدُ خَضَّبَهُمَا بِالْحُمْرَةِ فَاسْتَحْسَنَ الْقَوْمُ ذَلِكَ مِنْهُ وَفَضَّلُوهُ عَلَى الْبَيَاضِ فَأَعْلَمَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْسَمَتْ عَلَيْهِ لَيَصْبِغَنَّ وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَصْبُغُ وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْضِبْ وَلَوْ خَضَبَ كَانَ تَعَلُّقُهَا بِفِعْلِهِ أَبْيَنَ وَأَوْضَحَ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِفِعْلِ أَبِيهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ لَهُ عَائِشَةُ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ مَا عَلِمَتْهُ وَنَدَبَتْهُ إلَى اتِّبَاعِهِ. وَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ لَمْ يَصْبُغْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَلَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَلَا السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ وَلَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَلَا ابْنُ شِهَابٍ. وَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ مُوهَبٍ «رَأَيْت شَعْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَتْهُ إلَيَّ أُمُّ سَلَمَةَ مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ» وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ «أَكَانَ عَلِيٌّ يَخْضِبُ قَالَ: قَدْ خَضَبَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَزِيدَ بِهَذِهِ الْآثَارِ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ فِي شَعْرِهِ بِمَا يُحَسِّنُهُ وَيُلَيِّنُهُ دُونَ أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِبَيَاضٍ وَمَعْنَى الْآثَارِ الَّتِي نَفَتْ الْخِضَابَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُ أَبْيَضَ يُغَيِّرُهُ الْخِضَابُ فَلَمْ يَكُنْ يَجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ الْخِضَابِ الَّذِي يُغَيِّرُ الْبَيَاضَ، وَقَدْ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ قُلْت لِأَبِي الدَّرْدَاءِ «أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْضِبُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا بَلَغَ مِنْهُ الشَّيْبُ بِالْخَضْبِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْهُ هَاهُنَا شَعَرَاتٌ بِيضٌ وَكَانَ يَغْسِلُهَا بِالْحِنَّاءِ وَالسِّدْرِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَبْغِ الشَّعْرِ بِالسَّوَادِ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا عَلِمْت أَنَّ فِيهِ النَّهْيَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّبْغِ أَحَبُّ إلَيَّ يُرِيدُ أَنَّهُ صَبْغٌ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَعْرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «فِي أَبِي قُحَافَةَ غَيِّرُوهُ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ رَوَاهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَقَدْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ مِنْ الصَّحَابَةِ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَخَضَبَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ وَتَرْكُ الصَّبْغِ كُلِّهِ وَاسِعٌ يُرِيدُ أَنَّ الصَّبْغَ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ وَقَدْ تَرَكَ الصَّبْغَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ عِنْدِي يَنْصَرِفُ إلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُعْتَادًا بِبَلَدِ الْإِنْسَانِ فَيَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْأَمْرِ الْمُعْتَادِ يُشْهَرُ وَيُسْتَقْبَحُ وَالثَّانِي أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَمِّلُ شَيْبَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَلْيَقَ بِهِ مِنْ الصَّبْغِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُجَمِّلُ شَيْبَهُ وَيُسْتَشْنَعُ مَنْظَرُهُ فَكَانَ الصَّبْغُ أَجْمَلَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ فَقَالَ: مَا عَلِمْتُهُ حَرَامًا وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ مَا أُحِبُّ نَتْفَهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُقْرَضَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُشْبِهُ عِنْدِي النَّتْفَ. [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التَّعَوُّذِ] ِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أُرَوَّعُ فِي مَنَامِي فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ

وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ فَقَالَ: لَهُ جِبْرِيلُ أَفَلَا أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إذَا قُلْتهنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَى فَقَالَ: جِبْرِيلُ فَقُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ فَقَالَ: لَهُ جِبْرِيلُ أَفَلَا أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إذَا قُلْتهنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَى فَقَالَ: جِبْرِيلُ فَقُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ اللَّاتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ وَصْفُهَا بِالتَّمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا نَقْصٌ وَإِنْ كَانَ كَلِمَاتُ غَيْرِهِ يَدْخُلُهَا النَّقْصُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْفَاضِلَةَ يُقَالُ فُلَانٌ تَامٌّ وَكَامِلٌ أَيْ فَاضِلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الثَّابِتَ حُكْمُهَا قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَضَبِهِ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ غَضَبُ الْبَارِي تَعَالَى إرَادَتُهُ عُقُوبَةَ مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِقَابُهُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرِّ عِبَادِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ شَرَّ عَذَابِهِ مَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَامِ وَالْغَضَبِ وَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ عَلَى سَبِيلِ التَّكْفِيرِ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ عَذَابَهُ كُلَّهُ مِمَّا يُوصَفُ بِالشَّرِّ وَأَنَّ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَذَابٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ قَالَ: قَوْمٌ مَعْنَاهُ أَنْ تُصِيبنِي بِشَرٍّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَحْضُرُونِ مِنْ قَوْلِهِمْ مَوْضِعٌ مُحْتَضَرٌ يُصَابُ النَّاسُ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وَأَنْ يَحْضُرُونِ أَنْ يَكُونُوا مَعَ دُعَائِي فِي إبْعَادِهِمْ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَمْنُوعٌ أَيْ بِهِ مَنْ يَمْنَعُهُ وَيَضُرُّ بِمَنْ يَكُونُ فِيهِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بِهِ لَمَمٌ فَقِيلَ لَهُ إنْ شِئْت أَنْ تَقْتُلَ صَاحِبَك فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَذَا وَهَذَا مِنْ الطِّبِّ قَالَ: وَكَانَ مَعْدِنٌ لَا يَزَالُ يُصَابُ فِيهِ إنْسَانٌ مِنْ قِبَلِ الْجِنِّ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُمْ بِالْأَذَانِ يُؤَذِّنُ كُلُّ إنْسَانٍ وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فَفَعَلُوا فَانْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَعْنَى ذَلِكَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي تَعَالَى أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهَا. وَقَالَ: أَبُو الْحَسَنِ الْمُحَارِبِي أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَقَوْلُهُ الْكَرِيمُ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْوَجْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَا يُجَاوِزُهَا فِي التَّمَامِ أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي عِلْمُ أَحَدٍ إلَى مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَالْبَرُّ مَنْ كَانَ ذَا بِرٍّ مِنْ الْإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ وَالْفَاجِرُ مَنْ كَانَ ذَا فُجُورٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فَيُصِيبُ أَهْلَ الْأَرْضِ، أَوْ يَعْرُجُ بِهِ إلَيْهَا يُرِيدُ يَعْرُجُ بِسَبَبِهِ فَيُعَاقِبُ أَهْلَ الْأَرْضِ، أَوْ بَعْضَهُمْ مِنْ أَجْلِهِ بِالشَّرِّ وَقَوْلُهُ وَشَرِّ مَا ذَرَأَ مِنْ الْأَرْضِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا خَلَقَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِمَّا خَلَقَهُ فِي بَاطِنِهَا، ثُمَّ يُخْرِجُهُ مِنْهَا لِيُصِيبَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَقَوْلُهُ: وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الَّتِي تُصِيبُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَوْ تُخْلَقُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْفِتَنَ الَّتِي سَبَبُهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مِمَّا يَسْتَعِينُ أَهْلُ الْفِتَنِ عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَيَسْتَتِرُونَ بِهَا وَيَتَوَصَّلُونَ فِيهِ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ النَّهَارُ وَقَوْلُهُ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الطَّارِقُ مَا جَاءَك لَيْلًا وَوَصْفَ مَا يَأْتِي بِالنَّهَارِ طَارِقًا عَلَى سَبِيلِ الْإِتْبَاعِ.

[ما جاء في المتحابين في الله تعالى]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: مَا نِمْت هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَقَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا أَنَّك لَوْ قُلْت حِينَ أَمْسَيْت أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّك» مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ) . مَا جَاءَ فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ تَعَالَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي» مَالِكٌ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمَّا كَانَ الطَّارِقُ يَأْتِي بِالشَّرِّ وَيَأْتِي بِالْخَيْرِ اسْتَثْنَى الطَّارِقَ الَّذِي يَأْتِي بِالْخَيْرِ فَإِنَّهُ رَغَّبَ فِي إتْيَانِهِ وَلَمْ يَسْتَعِذْ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ مَالِكٍ وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي التَّعَوُّذِ أَيُقَالُ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَقَالَ: مَا سَمِعْت إلَّا كَذَا وَثَلَاثٌ أَفْضَلُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: مَا نِمْت هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَقَالَ: لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَقَالَ: لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا أَنَّك لَوْ قُلْت حِينَ أَمْسَيْت أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّك» مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ) شُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَوْ قُلْت أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّك يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ اخْتَصَرَ اللَّفْظَ وَجَمَعَ الْمَعْنَى لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَضْبِطْ ذَلِكَ إذَا بَسَطَهُ وَبَسَطَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَوْلَ حِينَ عَلَّمَهُ ذَلِكَ الدُّعَاءَ عَلَى أَوْعَبِ أَلْفَاظِهِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِفْظِ وَاسْتِعْمَالِ أَكْثَرِ الذِّكْرِ وَأَفْضَلِهِ فَإِنَّ مَا زَادَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْرِيرٌ لِلدُّعَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ كَعْبِ الْأَحْبَارِ لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَبَلَّدَتْنِي وَأَضَلَّتْنِي عَنْ رُشْدِي حَتَّى أَكُونَ كَالْحِمَارِ الَّذِي لَا يَفْقَهُ شَيْئًا وَلَا يَفْهَمُهُ وَبِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الْبَلَادَةِ وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَقَوْلُهُ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى يَحْتَمِلُ أَنْ يُشِيرَ إلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " وَقَوْلُهُ: مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ هَذَا إنَّمَا وَرَدَ فِي قَوْلِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَا يَعْرِفُهُ هُوَ وَإِنْ عَرَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ فِيهَا مَا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُحْصَى وَيُعْلَمَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ تَعَالَى] (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي» مَالِكٌ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا

حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْت فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: مَالِكٌ لَا أَحْسَبُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ وَتَحَابُّهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْآخِرَ لِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيمَانِهِ بِهِ وَامْتِثَالِهِ أَوَامِرَهُ وَانْتِهَائِهِ عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فَهَذَانِ هُمَا الْمُتَحَابَّانِ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النَّاسَ يَضِجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ الْحَرُّ وَلَا ظِلَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا ظِلُّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفَازَ. وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ أُكِنُّهُ مِنْ الْمَكَارِهِ كُلِّهَا وَأَكْنُفُهُ فِي كَنَفِي وَأُكْرِمُهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا شَيْئًا مِنْ الظِّلِّ وَلَا الشَّمْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إمَامٌ عَادِلٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْحَاكِمِينَ بِالْعَدْلِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ أَقَلُّ ذُنُوبًا وَأَكْثَرُ حَسَنَاتٍ مِمَّنْ نَشَأَ فِي غَيْرِ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عَبَدَهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَعِنْدَ شَيْخِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَنْوِي الرُّجُوعَ إلَيْهِ وَيَرْتَقِبُ وَقْتَ تَوَجُّهِهِ نَحْوَهُ فَهَذَا مِمَّا يَسْتَدِيمُ الْحَسَنَاتِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ: مَالِكٌ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ بِسَبَبِ تَحَابِّهِمَا فِي اللَّهِ وَيَفْتَرِقَانِ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ ثُبُوتَ مَحَبَّتِهِمَا حِينَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لِيَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ الِانْفِرَادُ بِهِ أَفْضَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَالِيَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَطَلَبِ الذِّكْرِ فَمَا كَانَ فِي حَالِ الْخَلْوَةِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِشْعَارِ خَشْيَتِهِ حَتَّى تَفِيضَ عَيْنَاهُ فَإِنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَشُوبُهُ غَيْرُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلٌ دَعَتْهُ ذَاتُ حَسَبٍ وَجَمَالٍ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - دَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَيَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا يَجِبُ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَدْعُوَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ وَخَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ الشَّرَفِ وَالْجَمَالِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِيمَنْ اجْتَمَعَتْ لَهَا هَاتَانِ الصِّفَتَانِ أَرْغَبُ وَعَلَيْهَا أَحْرَصُ فَإِذَا قَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِمَخَافَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَرَاجَعَهَا بِهِ وَأَظْهَرَ لَهَا وَجْهَ امْتِنَاعِهِ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَمَنَعَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَمَّا دَعَتْهُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: لِجِبْرِيلَ قَدْ أَحْبَبْت فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: مَالِكٌ لَا أَحْسَبُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ مَعْنَاهَا أَنْ يُرِيدَ إثَابَتَهُ وَقَوْلُهُ لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قَدْ أَحْبَبْت فُلَانًا فَأَحِبَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُونَانِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ فَإِنَّ جِبْرِيلَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْمَلَائِكَةَ وَأَهْلَ الطَّاعَةِ أَجْمَعِينَ وَأَهْلُ الْكُفْرِ يُعَادُونَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلْت مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْت عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْت فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْته يُصَلِّي قَالَ: فَانْتَظَرْته حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ جِئْته مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْت: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبّكَ لِلَّهِ فَقَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ فَقَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ فَقَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ جِبْرِيلَ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ذَلِكَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يَقُولُهُ لِجِبْرِيلَ أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي فِيهِمْ بِذَلِكَ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ لِذَلِكَ كَمَا يُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ الْعَبْدُ مَعَ أَهْلِ السَّمَاءِ مِنْ الْمُتَحَابِّينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ يُرِيدُ الْمَحَبَّةَ فِي النَّاسِ يُقَالُ فُلَانٌ مُنِحَ مِنْ فُلَانٍ قَبُولًا أَيْ رُزِقَ مِنْهُ مَحَبَّةً وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ لِلنَّاسِ وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُدَّ الْمَحَبَّةُ لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَّرَ تِلْكَ الْمَحَبَّةَ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَحَبَّةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهَا الْمَحَبَّةُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَمْتَنَّ الْبَارِي تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ قَالَ: مَالِكٌ لَا أَحْسِبُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَعْنَى بُغْضِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ أَنَّهُ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ وَظَنَّ مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبُغْضِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي أَبْغَضْت فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ فِي الْأَرْضِ الْكَرَاهِيَةُ وَالِاجْتِنَابُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحَقُّقَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِمَا عَلِمَ وَتَوَقَّفَ فِيمَا سِوَاهُ فَاقْتَضَى الْحَدِيثُ أَنَّ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى مَحَبَّةِ الرَّجُلِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ مَالَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبُغْضُهُمْ لَهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ مَنْ عَرَفَهُ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلْت مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ قَوْلِهِ فَسَأَلْت عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْت فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْته يُصَلِّي قَالَ: فَانْتَظَرْته حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ جِئْته مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْت: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبّكَ لِلَّهِ فَقَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ فَقَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ فَقَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إلَيْهِ وَقَالَ: أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي» ) ش قَوْلُ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ فَإِذَا فَتًى شَابٌّ بَرَّاقُ الثَّنَايَا قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ أَبْيَضَ الثَّغْرِ حَسَنَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَثِيرُ التَّبَسُّمِ طَلْقُ الْوَجْهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَقَوْلُهُ وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوا إلَيْهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - رَدُّوا إلَيْهِ النَّظَرَ فِيهِ وَالتَّحْكِيمَ لَهُ فِي تَصْحِيحِهِ مَا رَآهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَرَدَّ مَا يَرَى رَدَّهُ فَيَصْدُرُونَ عَنْ قَوْلِهِ يُرِيدُ يَصْدُرُونَ عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ إلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى اتِّبَاعِ قَوْلِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلْت عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ: أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَهَمَ أَبُو حَازِمٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا هُوَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ سَمِعْت الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ: لَقِيت عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَدْرَكْت عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَشَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَقَدْ قَالَ:

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَدْرَكَ أَبُو إدْرِيسَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. وَقَالَ: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وُلِدَ أَبُو إدْرِيسَ عَامَ حُنَيْنٍ وَتُوُفِّيَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ وَكَانَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ خَاصَّةً وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَاتَتْهُ صُحْبَتُهُ وَلَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ الْكَثِيرَ كَمَا صَحِبَ وَأَخَذَ الْكَثِيرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَهَجَّرْت إلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْته يُصَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ مِمَّا يُصَلُّونَ فِيهِ النَّوَافِلَ وَيَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ: مَالِكٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتٌ يَبْعُدُ عَنْ صَلَاةِ فَرْضٍ قَبْلَهُ وَوَقْتُ نَوْمِ النَّاسِ غَالِبًا كَالْمَسْجِدِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَقْتٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَبْلَهُ وَالصَّلَاةِ الَّتِي بَعْدَهُ اشْتِرَاكٌ فِي الْوَقْتِ فَاسْتُحِبَّ فِيهِ التَّنَفُّلُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقُلْت: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك لِلَّهِ قَالَ: آللَّهِ فَقُلْت: آللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَيْمَانَ كَانَتْ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عَلَى مَعْنَى تَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَيُؤَكِّدُ بِتَكْرَارِهَا وَاسْتِدْعَاءِ تَأْكِيدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي يُرِيدُ بِمَا يَحْتَبِي بِهِ مِنْ الرِّدَاءِ وَهُوَ طَرَفَاهُ وَجَبَذَنِي إلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى التَّقْرِيبِ لَهُ وَالتَّأْنِيسِ وَإِظْهَارِ الْقَبُولِ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ وَتَبْشِيرِهِ بِمَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَهُ أَبْشِرْ يُرِيدُ بِمَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَعْنَى إضَافَةِ مَا يُبَشِّرُهُ إلَى خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ لِتَحْقِيقِ أَبِي إدْرِيسَ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ وَتَثِقُ نَفْسُهُ بِهِ فَتَتَأَكَّدُ بَصِيرَتُهُ وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي يُرِيدُ ثَبَتَتْ إرَادَتِي لَهُمْ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ لِلْمُتَحَابِّينَ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِي يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ التَّعَاوُنِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَبِحِفْظِ شَرَائِعِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي ذَاتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ مِنْ مَحَبَّةٍ لِوَجْهِهِ أَوْ تَعَاوُنٍ عَلَى طَاعَتِهِ وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِي يُرِيدُ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ وَيُعْطِيهِ مَالَهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَصْدُ يُرِيدُ الِاقْتِصَادَ فِي الْأَمْرِ وَتَرْكَ الْغُلُوِّ وَالسَّرَفِ فِيهِ وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ الْقَصْدَ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَذْكُرُ الْقَصْدَ وَفَضْلَهُ قَالَ: وَإِيَّاكَ مِنْ الْقَصْدِ مَا يَجِبُ أَنْ يَرْتَفِعَ بِهِ قِيلَ لَهُ لِمَ قَالَ: تَعَجَّبَ وَتَعَجَّبَ النَّاسُ وَقَوْلُهُ وَالتُّؤَدَةُ يُرِيدُ الرِّفْقَ وَالتَّأَنِّي. وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ حَتَّى يُحْكِمَ أُمُورَهُ، ثُمَّ يَدْخُلَ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَوْلُهُ: وَحُسْنُ السَّمْتِ يُرِيدُ الطَّرِيقَةَ وَالدِّينَ وَأَصْلُ السَّمْتِ الطَّرِيقُ وَقَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَصِفَاتِهِمْ الَّتِي طُبِعُوا عَلَيْهَا وَأُمِرُوا بِهَا وَجُبِلُوا عَلَى الْتِزَامِهَا وَيُعْتَقَدُ أَنَّ هَذِهِ التَّجْزِئَةَ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يُدْرَى وَجْهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا وَقَلَّ كَلَامُهُ إلَّا بِمَا يَعْنِيهِ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ.

[ما جاء في الرؤيا]

مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا وَيَقُولُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا] (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّادِقَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُبَشِّرَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ لِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْإِنْبَاءِ بِمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ قَالَ: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلرُّؤْيَا مَلَكًا وُكِّلَ بِهَا يَرَى الرَّائِي مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَكُونُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ قِيلَ مَعْنَى هَذِهِ التَّجْزِئَةِ أَنَّ مُدَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَانَتْ نُبُوَّتُهُ بِالرُّؤْيَا وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ» وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ مِنْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ. وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَمِثْلُهُ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا مِنْ الرُّوَاةِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَثْبَتُ مِنْ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْتَمِعَ بَيْنَهُمَا فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا عَلَى الرُّؤْيَا الْجَلِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا عَلَى الرُّؤْيَا الْخَفِيَّةِ. وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ رُؤْيَا الْفَاسِقِ وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» فَخَصَّ بِذَلِكَ رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ هِيَ الرُّؤْيَا الْمُبَشِّرَةُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ بَعْدَ هَذَا لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِ هَذَا الصِّنْفِ مِنْ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْذَارِ وَالزَّجْرِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاعِ يَكُونُ جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ لِقِلَّةِ تَكَرُّرِهِ وَلِمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ تَحْزِينًا وَتَخْوِيفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا وَيَقُولُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَرْجُوَ بِذَلِكَ رُؤْيَا مُبَشِّرَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُسْلِمِينَ وَيَسْتَدْعِيَ ذَلِكَ مَنْ عِنْدَهُمْ فِيمَا رُبَّمَا تَوَقَّفَ عَنْهُ الْوَحْيُ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَعْلِيمَهُمْ الْعِبَادَةَ وَتَنْبِيهَهُمْ عَلَى فَضْلِهَا وَلِذَلِكَ كَانَ يَقُولُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ حَضًّا لَهُمْ عَلَى تَعْلِيمِهَا وَالِاهْتِبَالِ بِهَا لِيَبْقَى لَهُمْ بَعْدَهُ جُزْءٌ مِنْ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا اسْتَيْقَظَ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ: أَبُو سَلَمَةَ إنْ كُنْت لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنْ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْت أُبَالِيهَا» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 64] قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّبُوَّةِ يُدْخِلُ عَلَيْهِمْ بِهَا مَسَرَّةً وَيَحُضُّهُمْ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَيَزْجُرُهُمْ بِهَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا، وَأَمَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهَا فَلْيَتْرُكْ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يَلْعَبُ قِيلَ لَهُ أَفَيُعَبِّرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ فَقَالَ: لَا إنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ أَفَيَتَلَاعَبُ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ النُّبُوَّةِ. وَقَدْ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رُؤْيَا عَائِشَةَ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا وَاحِدٌ مِنْ أَقْمَارِك وَهُوَ خَيْرُهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوَّلًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْعَابِرِ إنْ رَأَى خَيْرًا أَنْ يَذْكُرَهُ وَإِنْ رَأَى مَكْرُوهًا قَالَ: خَيْرًا أَوْ صَمَتَ وَقَالَ: جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِهِ خَيْرًا أَنْ يَقُولَ خَيْرًا لَنَا وَشَرًّا لِعَدُوِّنَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النُّبُوَّةَ الْكَامِلَةَ قَدْ خُتِمَتْ بِهِ فَإِذَا قُبِضَ قُبِضَ جَمِيعُهَا وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَهِيَ الْمُبَشِّرَاتُ وَذَلِكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا أَنَّهَا مَا يُبَشَّرُ بِهِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بِمَا يَرَاهُ هُوَ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَرَاهُ غَيْرُهُ لَهُ مِنْ صَلَاحِ بَالٍ وَتَخَلُّصٍ مِنْ شِدَّةٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا مِنْ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ تَتَجَزَّأُ عَلَى غَيْرِ هَذَا التَّجَزِّي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا اسْتَيْقَظَ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ: أَبُو سَلَمَةَ إنْ كُنْت لَأَرَى الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنْ الْجَبَلِ فَلَمَّا سَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا كُنْت أُبَالِيهَا» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُبَشِّرَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّادِقَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُلْمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يُحْزِنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَاذِبَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُخَيَّلُ بِهَا لِيُغَرَّ، أَوْ لِيُحْزَنَ فَالرُّؤْيَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: الرُّؤْيَا هِيَ رُؤْيَةُ مَا يَتَأَوَّلُ عَلَى الْخَيْرِ وَالْأَمْرُ الَّذِي يَسُرُّ بِهِ الْحُلْمُ هُوَ الْأَمْرُ الْفَظِيعُ الْمَجْهُولُ يُرِيهِ الشَّيْطَانُ لِلْمُؤْمِنِ لِيُحْزِنَهُ وَلِيُكَدِّرَ عَيْشَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يُخِيفُهُ وَيُحْزِنُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا مَا يَدْفَعُ بِهِ مَضَرَّةَ الشَّيْطَانِ وَحُزْنَهُ وَذَلِكَ يَكُونُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْوَاثِقَ بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذَا فَعَلَ هَذَا زَالَ عَنْهُ شُغْلَ الْبَالِ بِهَا وَرَجَعَ إلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ قَدْ قَدَّرَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا وَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِمَّا رَآهُ فِي مَنَامِهِ وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَلَهَا عَنْهُ أَصَابَهُ مَا رَآهُ فِي مَنَامِهِ كَمَا قُدِّرَ أَنَّ الدَّاعِيَ إذَا دَعَا صُرِفَ عَنْهُ الْبَلَاءُ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْعُ لَنَزَلَ بِهِ ذَلِكَ الْبَلَاءُ قَالَ: عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ إنَّ مَنْ رَأَى ذَلِكَ نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ أَعُوذُ بِمَنْ اسْتَعَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَتُهُ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي هَذَا أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 64] قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ) . (ش) : قَوْلُهُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنَّهُ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ يُرَى لَهُ مِنْ الْمَقَامِ الصَّالِحِ يُرِيدُ الْمُبَشَّرِ لَهُ فَهَذَا عِنْدَهُ

[ما جاء في النرد]

مَا جَاءَ فِي النَّرْدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي الشِّطْرَنْجِ وَكَرِهَهَا وَسَمِعْته يَكْرَهُ اللَّعِبَ بِهَا وَيَعُدُّهَا مِنْ الْبَاطِلِ وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِمَنْ عَدِمَ النُّبُوَّةَ، أَوْ مِنْ مُقْتَضَى الْبُشْرَى وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَا تَتَلَقَّاهُمْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ شَدَائِدِ الْقِيَامَةِ مِنْ التَّأْنِيسِ لَهُمْ وَالْبِشَارَةِ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103] . [مَا جَاءَ فِي النَّرْدِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ» النَّرْدُ نَوْعٌ مِنْ اللَّعِبِ مِثْلُهُ شَاغِلٌ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَدْ عَصَى اللَّهَ» أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ لَعِبَ بِهَا عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ اللَّعِبِ وَهَذَا عَامٌّ فِي اللَّعِبِ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ قِمَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَلَا بِالشِّطْرَنْجِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، زَادَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ كَرِهَ مَالِكٌ كُلَّ مَا يُلْعَبُ بِهِ مِنْ النَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكَرِهَ الشِّطْرَنْجَ. وَقَالَ: هِيَ إلْهَاءُ وَشَرٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبًا وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَيْسِرِ يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا مِنْ عَمَلِ دِينٍ وَلَا دُنْيَا، وَقَدْ عَلَّقَ الْبَارِي تَعَالَى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] . وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَالشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ وَأَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ لَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا النَّهْيَ وَأَغْفَلُوا النَّظَرَ وَأَخْطَئُوا فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ شِهَابِ إجَازَةُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَإِنَّمَا هِيَ أَخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا أَهْلُ الْبَطَالَةِ حِرْصًا عَلَى تَخْفِيفِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَاطِلِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّانًا فِيهَا عِنْدَهُمْ نَرْدٌ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لَأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا) . (ش) : قَوْلُهَا إنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لِسُكَّانِ دَارِهَا لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوا النَّرْدَ لَأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي عَلَى مَعْنَى الْمُبَاعَدَةِ لِلَّاعِبِ بِهَا وَتَطْهِيرِ دَارِهَا عَنْ بَاطِلِهَا، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْلَسَ مَعَ اللَّاعِبِ بِهَا وَيُنْظَرَ إلَيْهَا قَالَ: لِأَنَّ الْجُلُوسَ إلَيْهِمْ وَالنَّظَرَ يَدْعُو إلَى الْمُشَارَكَةِ فِيهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ أَيُسَلَّمُ عَلَى اللَّاعِبِ بِهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي يَمْنَعُ السَّلَامَ قَالَ مَالِكٌ هُمْ أَهْلُ السَّلَامِ وَإِذَا بُولِغَ فِي هَذَا ذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَكْرَهُهَا وَيَضْرِبُ مَنْ وَجَدَ مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِهَا وَأَمَّا كَسْرُهَا فَعَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ اتِّخَاذِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَإِبْقَاؤُهَا دَاعٍ إلَى مُعَاوَدَتِهَا، وَأَمَّا مَنْ ضَرَبَ مَنْ كَانَ يَلْعَبُ بِهَا مِنْ أَهْلِهِ فَعَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ وَالزَّجْرِ لَهُمْ عَنْهَا وَيَخُصُّ أَهْلَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ التَّبَسُّطُ مِنْ التَّأْدِيبِ كَمَا يُؤَدِّبُ الرَّجُلُ وَلَدَهُ وَيَمْنَعُهُ لِذَلِكَ مِنْ مَسَاوِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغًا يَجِبُ فِيهَا حَدٌّ وَلَا تَعْزِيرٌ يَسْتَوْفِيهِ حَاكِمٌ. (ش) : وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ اللَّعِبِ بِهَا جُمْلَةً فَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِقِمَارٍ كَانَ أَوْ لِغَيْرِ قِمَارٍ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اللَّعِبَ بِهَا يُؤَدِّي إلَى الْقِمَارِ أَوْ الْحَلِفِ كَاذِبًا وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ

[العمل في السلام]

الْعَمَلُ فِي السَّلَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الْقَوْمِ أَحَدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِكْثَارَ مِنْهَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا يُؤَدِّي غَالِبًا إلَى كَثِيرِهَا فَيَجِبُ حَسْمُ الْبَابِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَعِبَ بِهَا قِمَارًا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَسَاوِيهِ وَلَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّ هَذَا قِمَارٌ مُحَرَّمٌ وَعَمَلٌ بَاطِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ الشَّهَادَةَ كَالْمَيْسِرِ. (فَرْعٌ) فَإِنْ لَعِبَ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْقِمَارِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ أَدْمَنَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إدْمَانٌ لِلْبَاطِلِ وَمَا لَا يَخْلُو الْمُدْمِنُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ الصَّلَاةِ بِلَهْوٍ كَاِتِّخَاذِ الْأَغَانِي وَالْقِيَانِ فَأَمَّا مَنْ لَعِبَ بِهِ فِي النَّادِرِ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّهَادَاتِ مَا هُوَ أَوْعَبُ مِنْ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [الْعَمَلُ فِي السَّلَامِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» مَعْنَاهُ يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ ثُمَّ يُجِيبُهُ الْآخَرُ فَيَرُدُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ فَأَمَّا ابْتِدَاؤُهُ فَمَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ وَافَشَاءِ السَّلَامِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الرَّدُّ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُسَلِّمِ عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ بِمَا بَدَأَ بِهِ مِنْ السَّلَامِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ الْمُسَلِّمُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَقُولُ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَمَا قِيلَ لَهُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقُولَ الرَّادُّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ لِنَفَرٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٍ فَاسْمَعْ مَا يُحَيُّونَك بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُك وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ» وَهَذَا الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54] . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» يُرِيدُ أَنَّهُ شُرِعَ فِي حَقِّهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمُرُورِ سَلَّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُ حَالًا مِنْهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا فَتَرْكُهُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ فَضُلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ بَابِ الْكِبْرِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جَالِسًا وَالْآخَرُ مَارًّا سَلَّمَ الْمَارُّ عَلَى الْجَالِسِ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْمُرُورِ وَالِالْتِقَاءِ بَدَأَ بِالسَّلَامِ مَنْ كَانَ حَقُّهُ أَقَلَّ عَلَى مَنْ كَانَ حَقُّهُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ بَابِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ. رَوَى ثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَيُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الْقَوْمِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ بَعْضٍ وَأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَإِنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلْزِمُ جَمِيعَهُمْ الرَّدَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ، وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ

[ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني]

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَغْشَاك فَعَرَّفُوهُ إيَّاهُ، قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ) . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ) . مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُّ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْك» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا سَلَامٌ هُوَ شِعَارُ الشَّرْعِ فَنَابَ فِيهِ الْوَاحِدُ عَنْ الْجَمَاعَةِ كَسَلَامِ الْمُبْتَدِئِ بِهِ. (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَغْشَاك فَعَرَّفُوهُ إيَّاهُ، قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ) . (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ وَمَنْ اسْتَوْعَبَهَا فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ إلَى الْبَرَكَةِ يُرِيدُ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُغَيَّرَ اللَّفْظُ وَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِابْتِدَاءِ السَّلَامِ أَوْ رَدِّهِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَلَا غَايَةَ لَهُ إلَّا الْمُعْتَادُ الَّذِي يَلِيقُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ حَسَنَةٌ وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ النَّاسَ لَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَفْعَلُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ فِي الْمَنْعِ بِمَا رُوِيَ أَنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ فَالزِّيَادَةُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مَمْنُوعَةٌ كَالْمُعَانَقَةِ وَأَجَازَهَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وَقَدْ رَوَى قَتَادَةُ قُلْت لِأَنَسٍ أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَعَمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ كَرِهَ الْمُعَانَقَةَ وَمَنْ أَجَازَهَا مِنْ قَبْلُ بِمَا يُغْنِي عَنْ تَكْرَارِهِ هَهُنَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (ش) : مَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمُتَجَالَّةَ الْهَرِمَةَ لَا فِتْنَةَ فِي كَلَامِهَا وَلَا يَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى مَحْظُورٍ بِخِلَافِ الشَّابَّةِ فَإِنَّ فِي مُكَالَمَتِهَا فِتْنَةً وَيَتَسَبَّبُ بِهِ إلَى الْمَحْظُورِ وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا يَقْتَضِي رَدَّهَا وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمُكَالَمَةِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ السَّلَامَ شِعَارُ الْإِسْلَامِ شُرِعَ إفْشَاؤُهُ عِنْدَ لِقَاءِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِمَّنْ عَرَفْت وَمِمَّنْ لَمْ تَعْرِفْ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ مَا يَخَافُ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالتَّعْرِيضِ لِلْفُسُوقِ كَمَا مُنِعَ مِنْ الرُّؤْيَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأُمِرَ بِالْحِجَابِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» . (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ تَجْلِسَ الْمُتَجَالَّةُ عِنْدَ الصَّانِعِ لِبَعْضِ حَوَائِجِهَا وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِلشَّابَّةِ، قَالَ مَالِكٌ وَيَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ وَيَضْرِبْهُنَّ عَلَيْهِ. [مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ] (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ الْحَدِيثَ، يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ إذَا سَلَّمُوا وَلَا يُبْدَءُوا بِالسَّلَامِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الرَّدِّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ ابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. وَقَدْ رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُّ عَلَيْكُمْ» يُرِيدُ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَيَقُولُونَ مَكَانَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " السَّامُّ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالسَّامُّ الْمَوْتُ» فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَهُمْ الرَّادُّ عَلَيْهِمْ عَلَيْكُمْ فَيَرُدُّ مَا دَعَوْا بِهِ مِنْ الشَّرِّ عَلَيْهِمْ، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُرَدُّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى

[جامع السلام]

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ هَلْ يَسْتَقِيلُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا) . جَامِعُ السَّلَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إذَا أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَآوَى إلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ رَدَدْت فَقُلْ عَلَيْك وَهَذَا قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِمْ السَّلَامَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ وَالْمَشْرُوعُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ذِمِّيٌّ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلْيَقُلْ عَلَيْك فَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ الرَّدَّ هُوَ رَدُّ السَّلَامِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْك لَيْسَ بِرَدٍّ لِلسَّلَامِ يُرِيدُ وَإِنَّمَا هُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] فَقَالَ عَطَاءٌ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ مَنَعَ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْيَهُودِ بِأَحْسَنَ مِمَّا حَيُّوا بِهِ وَهُوَ مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ هِيَ عَامَّةٌ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْك فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْك قُلْت عَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ، وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَرُدَّهَا قُلْت عَلَيْك. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: عَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ؛ فَقِيلَ لَهُ تَقُولُ لِيَهُودِيٍّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ يَعِيشُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ الرَّادُّ عَلَيْك السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالسُّنَّةُ وَرَدَتْ بِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْلَى وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ» . (ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ هَلْ يَسْتَقِيلُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا) . (ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ السَّلَامِ فَلَا يَسْتَقِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْإِقَالَةِ وَلَا مَعْنَى لَهَا؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَسَنَةً فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ سَيِّئَةً فَلَيْسَ بِيَدِ الْيَهُودِيِّ تَكْفِيرُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَقَالَهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ أَخْطَأَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ لَهُ وَلِئَلَّا يَعْتَقِدَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَعْتَقِدُ قَصْدَهُ بِابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَمْنَعُ الْكُفْرُ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَتَمْنَعُ الْبِدْعَةُ مِنْ السَّلَامِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُمْنَعُ مِنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ تَأْدِيبًا لَهُمْ. [جَامِعُ السَّلَامِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ إذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ» يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونُوا أَقْبَلُوا مِنْ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ النَّاحِيَةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الرَّكْعَتَانِ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ شُرِعَ ذَلِكَ وَرَكَعُوا وَتَرَكَ الرَّاوِي ذِكْرَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْكَعُوا وَشَرَعَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ الرَّجُلَ كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: إلَيْك اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْت مِنْك) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَيَغْدُو مَعَهُ إلَى السُّوقِ قَالَ: فَإِذَا غَدَوْنَا إلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَّاطٍ وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ وَلَا مِسْكِينٍ وَلَا عَبْدٍ إلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ الطُّفَيْلُ فَجِئْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إلَى السُّوقِ فَقُلْت لَهُ وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا تَسْأَلُ عَنْ السِّلَعِ وَلَا تَسُومُ بِهَا وَلَا تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ قَالَ وَأَقُولُ: اجْلِسْ بِنَا هَهُنَا نَتَحَدَّثُ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَا أَبَا بَطْنٍ وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ إنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَارِدَ عَلَى الْقَوْمِ يَبْدَؤُهُمْ كَمَا يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَقَوْلُهُ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَرَاهَا فِي مَوْضِعٍ يَتَخَطَّى إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرَاهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَخَطَّى إلَيْهِ فَجَلَسَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ فِيهَا حِرْصًا عَلَى الْقُرْبِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَخْذِ عَنْهُ، وَجَلَسَ الْآخَرُ خَلْفَ الْقَوْمِ حَيَاءً وَأَدْبَرَ الثَّالِثُ ذَاهِبًا زَاهِدًا فِي الْخَيْرِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُخْبِرَهُمْ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّا ظَاهِرُ فِعْلِهِمْ فَقَدْ رَآهُ مَنْ حَضَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِخْبَارَ عَمَّا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا أَحَدُهُمْ فَآوَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَآوَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ آوَى فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ لَجَأَ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآوَاهُ اللَّهُ بِالْمَدِّ مَعْنَاهُ قَبِلَهُ وَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10] يُرِيدُ لَجَئُوا إلَيْهِ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى: 6] أَيْ ضَمَّك إلَى كَنَفِهِ وَفَضْلِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا أَيْ تَرَكَ الْمُزَاحَمَةَ حَيَاءً فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ أَيْ تَرَكَ عُقُوبَتَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ وَزَادَهُ مِمَّا سَأَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزْنِيَةِ الَّذِي آوَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسَ عِنْدَهُ فَقَدْ آوَى إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَبِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَآوَاهُ، وَأَمَّا الَّذِي اسْتَحْيَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسَ دُونَ الْمَجْلِسِ فَذَلِكَ الَّذِي اسْتَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَغَفَرَ لَهُ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إعْرَاضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي أَعْرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَسَخِطَ عَلَيْهِ حِينَ أَعْرَضَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغْبَةً عَنْهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى مِثْلَهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ الرَّجُلَ كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: إلَيْك اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْت مِنْك) . (ش) : سُؤَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّجُلَ عَنْ حَالِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ لِمَنْ عَرَفَهُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَحْمَدُ اللَّهَ إلَيْك عَلَى مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ كُلُّ مَسْئُولٍ عَنْ حَالِهِ فَإِنَّ الْمُنْعِمَ بِصَلَاحِ الْأَحْوَالِ وَتَوَالِي النِّعَمِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا أَحَدَ، وَإِنْ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ إلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ نِعَمٌ لَا يُحْصِيهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] وَلَا أَبْيَنَ مِنْ نَفَسِهِ الْمُتَرَدِّدِ فَإِنَّهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَيْهِ غَيْرَهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الزُّهَّادِ أَنَّهُ عَدَّدَ أَنْفَاسَهُ فِي يَوْمٍ فَوَجَدَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ نَفَسٍ وَهَذِهِ نِعَمٌ لَا تُحْصَى وَأَيْنَ تُرَدَّدُ أَنْفَاسُهُ مَعَ سَائِرِ النِّعَمِ عَلَيْهِ مَعَ الْمَرَضِ وَالْفَقْرِ فَكَيْفَ مَعَ الصِّحَّةِ وَالْغِنَى وَمَنْ صَحَّ يَقِينُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فَإِنَّهُ لَا يُحْمَدُ عَلَى الْمَكْرُوهِ غَيْرُهُ جَلَّ وَعَزَّ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّفَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَهُوَ يُثِيبُ عَلَيْهِ وَيُكَفِّرُ الذُّنُوبَ بِهِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَيَغْدُو مَعَهُ إلَى السُّوقِ قَالَ: فَإِذَا غَدَوْنَا إلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَّاطٍ وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ وَلَا مِسْكِينٍ وَلَا عَبْدٍ إلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ الطُّفَيْلُ فَجِئْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إلَى السُّوقِ فَقُلْت لَهُ وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا تَسْأَلُ عَنْ السِّلَعِ وَلَا تَسُومُ بِهَا وَلَا تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ قَالَ وَأَقُولُ: اجْلِسْ بِنَا هَهُنَا نَتَحَدَّثُ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَا أَبَا بَطْنٍ وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ إنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِيَنَا) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَغْدُو مَعَهُ إلَى السُّوقِ عَلَى مَا يُحْسِنُ بِالْعَالِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ بِالْمُتَعَلِّمِ لِيَتَعَلَّمَ

[باب الاستئذان]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَلَيْك أَلْفٌ ثُمَّ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. ) (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ إذَا دُخِلَ الْبَيْتُ غَيْرُ الْمَسْكُونِ يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) . بَابُ الِاسْتِئْذَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ الرَّجُلُ: إنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي خَادِمُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ مَا يَجْرِي لَهُ وَيَقْتَدِي بِهِ فِي مَشْيِهِ وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفِهِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَمُرُّ عَلَى سَقَّاطٍ وَلَا بَيَّاعٍ وَلَا مِسْكِينٍ إلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ فِي ذَلِكَ قُرْبَةً وَلَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ خَبَرُ «أَنْ تُطْعِمَ الطَّعَامَ وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَوَخَّى فِي السُّوقِ كَثْرَةَ النَّاسِ لِيُكْثِرَ سَلَامَهُ، وَهَذَا فِي زَمَنِ الْحَقِّ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَأَمَّا فِي زَمَنٍ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِيهِ فَمُلَازَمَةُ الْبُيُوتِ فِيهِ أَفْضَلُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبِلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَلْزَمَ بَيْتَهُ وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ فِتْنَةٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِيهَا بَعْضُ مَا أَرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ تَهَيَّأَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَبْوَابُ الْخَيْرِ أَرْزَاقٌ فَرُبَّ إنْسَانٍ يُرْزَقُ مِنْهَا بَابًا وَيُمْنَعُ بَابًا قَدْرَ رِزْقِهِ غَيْرَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: يَا أَبَا بَطْنٍ إنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ عَلَى مَعْنَى الزَّجْرِ وَالِانْتِهَارِ لَهُ حِينَ لَمْ يَفْهَمْ مَقْصِدَهُ فِي خُرُوجِهِ إلَى السُّوقِ، وَقَدْ يَجُوزُ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا مَعَ تِلْمِيذِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطُّفَيْلُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا بَلْ قَدْ عَرَفَ بِهَذَا وَدُعِيَ بِهِ كَمَا قِيلَ لِخِرْبَاقٍ ذَا الْيَدَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَلَيْك أَلْفٌ ثُمَّ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. ) (ش) : قَوْلُهُ وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ الطَّيْرُ الَّتِي تَغْدُو وَتَرُوحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ الْغَادِيَةَ الرَّائِحَةَ لِتَكْتُبَ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَيْك أَلْفٌ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أَلْفٌ كَسَلَامِك عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ لِتَعَمُّقِهِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الْبَرَكَةِ فِي السَّلَامِ، ثُمَّ كَرِهَ قَوْلَهُ لِمَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا أَنْكَرَهُ رَأْيُ الْإِنْكَارِ لِغَيْرِ هَذَا كَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ إذَا دُخِلَ الْبَيْتُ غَيْرُ الْمَسْكُونِ يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) . (ش) : مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ كَمَا يَفْعَلُ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ إذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ فَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: مَعْنَاهُ إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِهِ. [بَابُ الِاسْتِئْذَانِ] (ش) : «قَوْلُ الرَّجُلِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ إلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرِ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ لَا تَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا فَإِنْ أَذِنَ لَك وَإِلَّا رَجَعْت وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28] قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي

(ص) (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ» . مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَ فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ مَا لَك لَمْ تَدْخُلْ فَقَالَ أَبُو مُوسَى سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَك فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ، فَقَالَ عُمَرُ وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى حَتَّى جَاءَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إنِّي أَخْبَرْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَك فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي، فَقَالُوا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قُمْ مَعَهُ - وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ - فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى أَمَّا أَنِّي لَمْ أَتَّهِمْك وَلَكِنْ خَشِيت أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثٌ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] فِيمَا رُوِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اسْتِئْذَانَهُ لَمْ يُسْمَعْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ وَذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَكُلِّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى أُمِّهِ «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً قَالَ لَا قَالَ فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» وَمَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا فَقَدْ يَفْجَؤُهَا فَيَرَاهَا عُرْيَانَةً فَأَمَّا الزَّوْجَةُ أَوْ الْأَمَةُ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا فَلَهُ الدُّخُولُ عَلَيْهَا دُونَ اسْتِئْذَانٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ: إنِّي مَعَهَا فِي بَيْتٍ أَيْ خَادِمُهَا لَمْ يَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي تَرْكِ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ مَعَهُ أَنْ يُفَاجِئَهَا فَيَرَى مِنْهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ. (ص) (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ» . مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَ فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ مَا لَك لَمْ تَدْخُلْ فَقَالَ أَبُو مُوسَى سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَك فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ، فَقَالَ عُمَرُ وَمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى حَتَّى جَاءَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقَالُ لَهُ مَجْلِسُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إنِّي أَخْبَرْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَك فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي، فَقَالُوا لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قُمْ مَعَهُ - وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ - فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي مُوسَى أَمَّا أَنِّي لَمْ أَتَّهِمْك وَلَكِنْ خَشِيت أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَبِي مُوسَى مَا لَك لَمْ تَدْخُلْ، مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا يَمْنَعُك أَنْ تُوَالِيَ الِاسْتِئْذَانَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَك فَتَدْخُلَ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَمِعَ اسْتِئْذَانَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَشُغِلَ عَنْ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَمْرَهُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِهِ وَقَالَ لَهُ مَا لَك لَمْ تَدْخُلْ فَمَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجِبْهُ أَبُو مُوسَى بِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لِي وَإِنَّمَا أَجَابَهُ بِأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَك فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ وَهَذَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ سَمِعَ. قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزْنِيَةِ فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ وَظَنَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يُسَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَأَخْذًا بِهِ قَالَ وَلَا بَأْسَ إنْ عَرَفْت أَحَدًا أَنْ تَدْعُوهُ لِيَخْرُجَ إلَيْك أَنْ تُنَادِيَ بِهِ مَا بَدَا لَك. (مَسْأَلَةٌ) : وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ تَقُولَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ. وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ أَنْ تُسَلِّمَ ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك وَإِلَّا فَانْصَرِفْ فَإِنْ أُذِنَ لَك عِنْدَ بَابِ الدَّارِ فَلَا تَسْتَأْذِنْ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ، وَقَدْ أُذِنَ لَك مَرَّةً، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ بِالسَّلَامِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ هَذَا فَلْيُسَمِّ نَفْسَهُ بِاسْمِهِ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ وَلَا يَقُولُ أَنَا كَمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اسْتَأْذَنْت

[التشميت في العطاس]

التَّشْمِيتُ فِي الْعُطَاسِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إنْ عَطَسَ فَقُلْ: إنَّك مَضْنُوكٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْت أَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا أَنَا» عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ، وَإِنْ سَمَّى نَفْسَهُ أَوَّلًا فِي الِاسْتِئْذَانِ فَحَسَنٌ. وَقَدْ رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ جَاءَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ هَذَا الْأَشْعَرِيُّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ رُدُّوهُ عَلَيَّ فَرَدُّوهُ فَقَالَ لَهُ مَا رَدَّك كُنَّا فِي شُغْلٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَمَنْ يَعْرِفُ هَذَا لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْرِفُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِك كَذَا وَكَذَا عَلَى مَعْنَى الزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ عَنْ التَّسَامُحِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ أَقِلُّوا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا شَرِيكُكُمْ قِيلَ مَعْنَاهُ وَأَنَا شَرِيكُكُمْ فِي الْأَجْرِ قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ وَأَنَا شَرِيكُكُمْ فِي التَّقْلِيلِ، وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا أَنِّي لَمْ أَتَّهِمْك وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ هُوَ عِنْدَهُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَعِيدُ لَهُ حِينَ أَظْهَرَ إلَى الْإِمَامِ أَمْرًا يُتَّهَمُ فِيهِ غَيْرُهُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْصَلَ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَّهَمِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَنْعَ الْجَمِيعِ كَالْمَنْعِ مِنْ الذَّرَائِعِ. وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَك وَبَطْنَك أَوْ لَتَأْتِينِي بِمَنْ يَشْهَدُ لَك عَلَى هَذَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَقَامَ مَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْبَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَرَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: لَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّتَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُبَيٌّ أَرْسَلَ مَعَهُ أَبَا سَعِيدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ وَقْتٍ فَأَخْبَرَهُ أَيْضًا بِذَلِكَ وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَعَّدْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بَلْ كَانَ يَرُدُّ قَوْلَهُ خَاصَّةً كَالشَّاهِدِ الْوَاحِد؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يُعَلِّلْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُفْرَدٌ وَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَخَافُ التَّقَوُّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَقْتَضِي قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ يَخَافُ ذَلِكَ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَرْدُودٌ. [التَّشْمِيتُ فِي الْعُطَاسِ] (ش) : هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَقَالَ الْخَلِيلُ شَمِّتْهُ وَسَمِّتْهُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ التَّشْمِيتُ إبْعَادُ الشَّمَاتَةِ عَنْهُ وَالتَّسْمِيتُ إثْبَاتُ السَّمْتِ الْحَسَنِ لَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِمَنْ حَمِدَ اللَّهَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الْعَاطِسِ إذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَلَا يُشَمِّتُهُ حَتَّى يَسْمَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ فَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَلُونَهُ يُشَمِّتُونَهُ فَشَمِّتْهُ، وَرَوَى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فَقِيلَ لَهُ قَالَ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَهَذَا لَمْ يَحْمَدْ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ لَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ حَتَّى يَسْمَعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ بَعُدَ مِنْك وَسَمِعْت مَنْ يَلِيهِ يُشَمِّتُهُ فَشَمِّتْهُ يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ لَا يُشَمِّتُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَمَنْ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ إلَّا فِي نَفْسِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا فِي نَفْسِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُشَمَّتُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ) . مَا جَاءَ فِي الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى الشِّفَاءِ أَخْبَرَهُ قَالَ «دَخَلْت أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَعُودُهُ فَقَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ بِصَلَاتِهِ مَشْغُولٌ عَنْ الذِّكْرِ وَالتَّشْمِيتِ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ عَطَسَ أَوْ رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: لَا أَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَنْ أَقُولُ لَهُ لَا تَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَإِذَا عَطَسَ رَجُلٌ وَحَمِدَ اللَّهَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدُ كَرَدِّ السَّلَامِ،. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ فِي الْمُخْتَصَرِ: إنَّهُ بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ التَّشْمِيتُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ كَرَدِّ السَّلَامِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَامَ إظْهَارُ شَعِيرَةِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا أَظْهَرَهُ أَحَدُهُمْ وَأَقَرَّهُ الْبَاقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ إظْهَارٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ لَهُ وَتَأْنِيسٌ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَالتَّشْمِيتُ إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ لِلْمُشَمِّتِ وَقَضَاءٌ لِحَقٍّ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْضِيَهُ إيَّاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّشْمِيتِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ» وَهَذَا أَمْرٌ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثُمَّ إنْ عَطَسَ فَقُلْ: إنَّك مَضْنُوكٌ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الْمَضْنُوكُ هُوَ الْمَزْكُومُ، وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ مَالِكٌ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّشْمِيتِ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُشَمِّتْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالشَّكِّ ذَهَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَإِذَا عَطَسَ مِرَارًا مُتَوَالِيَةً سَقَطَ عَمَّنْ سَمِعَهُ تَشْمِيتُهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ يُرِيدُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قِيلَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ بِيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ» قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الْعَاطِسُ لِمَنْ يُشَمِّتُهُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إنَّ الْخَوَارِجَ كَانَتْ تَقُولُهُ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ لِلنَّاسِ. وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ لِلْيَهُودِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا اسْتَحْسَنَّاهُ عَلَى قَوْلِنَا: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ؛ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَغْفِرَةِ.

[ما جاء في الصور والتماثيل]

أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهَا تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ شَكَّ إِسْحَاقُ لَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ» . مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَإِذَا ضِبَابٌ فِيهَا بَيْضٌ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: كُلَا، فَقَالَا: أَوَلَا تَأْكُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إنِّي تَحْضُرُنِي مِنْ اللَّهِ حَاضِرَةٌ قَالَتْ مَيْمُونَةُ: أَنَسْقِيك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ لَبَنٍ عِنْدَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْتَكِ جَارِيَتَك الَّتِي كُنْتَ اسْتَأْمَرْتِينِي فِي عِتْقِهَا أَعْطِيهَا أُخْتَك وَصِلِي بِهَا رَحِمَك تَرْعَى عَلَيْهَا فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَك» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهَا تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ التَّمَاثِيلَ هِيَ التَّصَاوِيرُ فَيُشَكُّ فِي اللَّفْظِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ التَّمَاثِيلُ مَا قَامَ بِنَفْسِهِ مِنْ الصُّوَرِ وَالصُّوَرُ وَاقِعٌ عَلَى مَا قَامَ بِنَفْسِهِ وَعَلَى مَا كَانَ رَقْمًا أَوْ تَزْوِيقًا فِي غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ «عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ يَعُودُهُ قَالَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَدَعَا أَبُو طَلْحَةَ إنْسَانًا فَنَزَعَ نَمَطًا مِنْ تَحْتِهِ فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ لِمَ تَنْزِعُهُ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مَا قَدْ عَلِمْت فَقَالَ سَهْلٌ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي» ) . (ش) : أَمْرُ أَبِي طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِزَالَةِ النَّمَطِ لِأَجْلِ التَّصَاوِيرِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ لَهُ وَقَوْلُهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا مَا قَدْ عَلِمْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي جُمْلَةِ التَّصَاوِيرِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الرَّقْمَ فِي الثَّوْبِ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قَالَتْ اشْتَرَيْتهَا لَك تَقْعُدُ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ثُمَّ قَالَ إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» . [مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبِّ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» ؛ لِأَنَّهَا

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَقِيلَ: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْت: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدُ فَاجْتَرَرْته فَأَكَلْته وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ» (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسْت بِآكِلِهِ وَلَا بِمُحَرِّمِهِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQخَالَتُهُمَا «فَإِذَا ضِبَابٌ فِيهَا بَيْضٌ» وَهِيَ مِمَّا يَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ مِنْهَا فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا» لِيَعْلَمَ هَلْ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْهَدِيَّةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الصَّدَقَةِ أَوْ مِمَّا قَدْ صَارَ لَهُ مِلْكًا أَوْ لِمَنْ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ هُوَ مُعَرَّضٌ بَعْدُ لِلْبَيْعِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَهْدَتْهُ لِي أُخْتِي هُزَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَهِيَ أُمُّ حُمَيْدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْتَكَ جَارِيَتَك الَّتِي كُنْت اسْتَأْمَرْتِينِي فِي عِتْقِهَا» يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَيْمُونَةُ لَمْ تَعْلَمْ أَذَلِكَ أَفْضَلُ لَهَا أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اسْتَأْمَرَتْهُ لَمَّا كَانَتْ جَمِيعَ مَا لَهَا حِينَ الِاسْتِئْمَارِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا لَهَا وَاعْتَقَدَتْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبْتَلَّ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا لِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهِ زَوْجَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطِيهَا أُخْتَك وَصِلِي بِهَا رَحِمَك تَرْعَى عَلَيْهَا فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَك» وَيُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُكَافَأَةَ عَلَى مَا بَدَتْ بِهِ مِنْ هَدِيَّتِهَا وَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ زَائِرًا حَتَّى قَدِمَ بِتُحْفَةِ أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَى مُوَاصَلَتِهِ بِمَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتَارَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَرَآهُ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِهَا؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْعَتَاقَةِ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ شِدَّةٍ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْعِتْقُ ضِرَارًا بِالْمُعْتَقِ فَجَعَلَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا وَأَوْصَلُ لِلرَّحِمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ فَقِيلَ: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْت: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدُ فَاجْتَرَرْته فَأَكَلْته وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ» . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ مَعْنَاهُ مَشْوِيٌّ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ يُرِيدُ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِ لِيَتَنَاوَلَهُ وَرَأَى بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ مِنْهُ نَظَرًا يَعْلَمُ بِهِ مَا يَأْكُلُ وَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْدَ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِمَّا يَعَافُونَهُ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: هُوَ ضَبٌّ رَفَعَ يَدَهُ فَسَأَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ امْتِنَاعِهِ مِنْهُ أَلِتَحْرِيمِهِ فَقَالَ لَا نَفْيًا لِتَحْرِيمِهِ وَلَكِنْ يَعَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِمَكَّةَ وَالْحِجَازِ فَأَكَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَتِهِ وَعَلَى إبَاحَتِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مَكْرُوهٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَاهُ عَنْهُ وَمَنَعَهُ مِنْهُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسْت بِآكِلِهِ وَلَا بِمُحَرِّمِهِ» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسْت بِآكِلِهِ وَلَا بِمُحَرِّمِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَعَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ أَكْلَهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَعَافُهُ الْإِنْسَانُ يَحْرُمُ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ الْخُضَرَ الَّتِي لَهَا رَوَائِحُ، وَقَدْ يَعَافُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْأَلْبَانَ وَالسَّمْنَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ ثُمَّ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْهُ لَيْسَ لِتَحْرِيمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَحَشَرَاتُ الْأَرْضِ كُلُّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَلَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَالضَّبُعِ.

[ما جاء في أمر الكلاب]

مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ «أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شَنُوءَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ نَاسًا مَعَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ قَالَ أَنْتَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ» . مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبًا ضَارِيًا أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» . مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْغَنَمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْكِلَابِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا مَعْنَاهُ اتَّخَذَهُ قَالَ مَالِكٌ إنَّمَا ذَلِكَ بِغَيْرِ شِرَاءٍ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى لِمَا يَجِبُ اتِّخَاذُهُ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا» يُرِيدُ يَحْفَظُهُ لَهُ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْكِلَابِ لِلْمَوَاشِي كُلِّهَا قِيلَ لَهُ فَالنَّخَّاسُونَ الَّذِينَ يُرْتِعُونَ دَوَابَّهُمْ فَيَتَّخِذُونَ الْكِلَابَ قَالَ هِيَ مِنْ الْمَوَاشِي. (فَصْلٌ) : قَالَ مَالِكٌ وَأَرَى الْحَدِيثَ لِزَرْعٍ أَوْ ضَرْعٍ لِمَا يَكُونُ مِنْ الْمَوَاشِي فِي الصَّحَارِيِ وَأَمَّا مَا جُعِلَ فِي الدُّورِ فَلَا يُعْجِبُنِي وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُتَّخَذَ لِخَوْفِ اللُّصُوصِ الَّذِينَ يَفْتَحُونَ الْأَبْوَابَ وَيُخْرِجُونَ الدَّوَابَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسْرَحُ مَعَهَا فِي الْمَرْعَى، قَالَ مَالِكٌ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَّخِذَ الْمُسَافِرُ كَلْبًا يَحْرُسُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» وَالْقِيرَاطُ قَدْرٌ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ أَنَّ عَمَلَهُ بِالْبِرِّ يَنْقُصُ فَلَا يَبْلُغُ مِنْهُ مَا كَانَ يَبْلُغُهُ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى عِصْيَانِهِ بِاِتِّخَاذِ كَلْبٍ لَا يُغْنِي عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ أَذَى النَّاسِ وَتَرْوِيعِهِمْ وَالضَّرْعُ مَعْنَاهُ الْمَاشِيَةُ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ ضَرْعٍ وَيَجْرِي إبَاحَةُ اتِّخَاذِهَا لِلصَّيْدِ مَجْرَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اتِّخَاذِهَا لِلزَّرْعِ وَالضَّرْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إلَّا كَلْبًا ضَارِيًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ لِلصَّيْدِ. وَقَدْ رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ فِيهِ «إلَّا كَلْبٌ ضَارٍ لِلصَّيْدِ» وَقَالَ فِيهِ «نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيرَاطُ فِي مَوْضِعٍ مَا كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِلُّ الِاسْتِضْرَارُ بِهِ وَالْقِيرَاطَانِ فِي مِثْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَمْصَارِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِضْرَارِ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيرَاطُ فِي كَلْبٍ بِعَيْنِهِ وَصِنْفٍ مِنْ الْكِلَابِ يَقِلُّ الِاسْتِضْرَارُ بِهَا وَالْقِيرَاطَانِ فِي صِنْفٍ مِنْ الْكِلَابِ يَكْثُرُ الِاسْتِضْرَارُ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ كُلَّ كَلْبٍ اُتُّخِذَ لِغَيْرِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَالَ مَالِكٌ تُقْتَلُ الْكِلَابُ مَا يُؤْذِي مِنْهَا وَمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَالْفُسْطَاطِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِحْسَانَ إلَيْهَا حَالَ حَيَاتِهَا وَأَنْ يُحْسِنَ قَتْلَتَهَا وَلَا تُتَّخَذُ غَرَضًا وَلَا تُقْتَلُ جُوعًا وَلَا عَطَشًا.

[ما جاء في أمر الغنم]

أَهْلِ الْغَنَمِ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرُ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ، وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ فَلَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي أَمْرِ الْغَنَمِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأْسُ الْكُفْرِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مُعْظَمَهُ وَشِدَّتَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحْوَ الْمَشْرِقِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَارِسَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَهْلَ نَجْدٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ» وَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَهْلَ نَجْدٍ وَأَمَّا الْفَدَّادُونَ فَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْجَفَاءِ، قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي هُمْ أَهْلُ الْجَفَاءِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَدَّادُ ذُو الْمَالِ الْكَثِيرِ وَوَصْفُ أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ بِاسْمِ أَهْلِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَهْلُ الْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ وَيُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ فَخْرِهِمْ وَخُيَلَائِهِمْ لِلْغِنَى الْمُطْغِي وَقُوَّةِ أَمْوَالِهِمْ وَكَوْنِهَا عَوْنًا لَهُمْ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ وَحَارَبَهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَرُّفِ بِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ سَكِينَتِهِمْ لِضَعْفِهَا وَقِلَّةِ اسْتِعَانَةِ أَهْلِهَا بِهَا فِي مُحَارَبَةِ عَدُوٍّ وَمُنَاوَأَتِهِ فَرَغِبُوا فِي الْمُسَالَمَةِ وَتَخَلَّقُوا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْأَذَى. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ» شُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَقْرَبَ ذَلِكَ وَوَصَفَهُ بِالْإِسْلَامِ لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُخْتَصِّينَ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ يُرِيدُ أَعَالِيَهَا وَمَوَاقِعَ الْقَطْرَ يُرِيدُ حَيْثُ الْكَلَأُ» وَالْمَاءُ لِمَاشِيَتِهِ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ» يُرِيدُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا غَيْرُهُ وَخَصَّ الْغَنَمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي صَاحِبِ غَنَمٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْ الْخَيْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَافَّ عَنْ الْفِتْنَةِ وَالْمُعْتَزِلَ لِأَهْلِهَا مُقْتَصِرٌ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْفِتْنَةِ وَلَا عَوْنَ مِنْهُ عَلَيْهَا وَمَا يَكَادُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا إلَّا مُتَقَلِّلٌ مِنْ الدُّنْيَا، فَأَرْعَنُ الْفِتْنَةِ مُقْتَصِرٌ عَلَى مَا يُبْعِدُهُ عَنْهَا أَوْ يُضْعِفُهُ عَنْ التَّشَوُّفِ إلَيْهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي جَوَازَ الِاعْتِزَالِ عِنْدَ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَ مَاشِيَتِهِ يَرْعَاهَا وَيَتْبَعُ بِهَا مَوَاقِعَ الْقَطْرِ لَمْ يُمْكِنْهُ غَيْرُ الِاعْتِزَالِ وَالْبَعْدُ عَنْ الْحَوَاضِرِ وَالْقُرَى، قَالَ بُكَيْر بْنُ الْأَشَجِّ أَمَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمْ يَخْرُجُوا إلَّا إلَى قُبُورِهِمْ وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَلْتَزِمَ بَيْتَهُ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ نَعَمْ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ بَيْتُهُ يَكُفُّ بَصَرَهُ وَنَفْسَهُ وَإِيَّاكُمْ وَمَجَالِسَ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا تُلْهِي وَتُلْغِي وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ حَلَّتْ الْعُزْلَةُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ» يُرِيدُ غَيْرَهُ «بِغَيْرِ إذْنِهِ» عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَطِيبِ نَفْسِهِ،. وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَائِطَ فَيَجِدُ الثَّمَرَ سَاقِطًا قَالَ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَاحِبَهُ طَيِّبُ النَّفْسِ بِهِ أَوْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ يُرِيدُ أَنْ يُعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَسُرُّهُ وَيَسُوءُهُ أَلَّا يَفْعَلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ طِيبِ

[ما جاء في الفأرة تقع في السمن والبدء بالأكل قبل الصلاة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَقَدْ رَعَى غَنَمًا قِيلَ لَهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنَا» ) . مَا جَاءَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَالْبَدْءِ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَرَّبُ إلَيْهِ عَشَاؤُهُ فَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَلَا يَعْجَلُ عَنْ طَعَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ عَلَيْهِ وَثِقَتِهِ بِمُرُوءَتِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ خَرَجْنَا إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة مُرَابِطِينَ فَمَرَرْنَا بِجِنَانِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَدَخَلْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْ التَّمْرِ فَلَمَّا رَجَعْت دَعَتْنِي نَفْسِي إلَى أَنْ أَسْتَحِلَّهُ فَقَالَ لِي ابْنُ أَخِي لَقَدْ نَسَكْتَ نُسْكًا أَعْجَمِيًّا أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ الشَّيْءَ التَّافِهَ يَسُرُّهُ بِذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يُعْتَقَدُ مِنْ طِيبِ نَفْسِ الصَّدِيقِ وَالثَّانِي: لِضَرُورَةٍ مَعَهُ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَمَالًا لِغَيْرِهِ أَكَلَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَضَمِنَهُ وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إلَّا أَنْ يَخَافَ الْقَطْعَ فَيَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي أَلْبَانِ الْمَوَاشِي السَّارِحَةِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ فَكَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ الثِّمَارِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ يَأْكُلُ وَلَا يُفْسِدُ وَلَا يَحْمِلُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى أَكْلِ الصَّدِيقِ أَوْ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَائِطَ لِذِمِّيٍّ لِمَا فِي مَالِهِ مِنْ حَقِّ الضِّيَافَةِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَافِرِ يَنْزِلُ بِالذِّمِّيِّ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِهِ قِيلَ لِمَالِكٍ أَفَرَأَيْت الضِّيَافَةَ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ كَانَ يَوْمَئِذٍ خُفِّفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُسَافِرِ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ مِنْ الثِّمَارِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الْمَشْرُبَةُ الْغُرْفَةُ الَّتِي يُخَزِّنُ فِيهَا الرَّجُلُ طَعَامَهُ وَقُوتَهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: الْمَشْرُبَةُ هُوَ الْعَسْكَرُ وَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ جَمِيعِ مَا يَطُلُّ مِنْ الْحِيطَانِ مِثْلَ الْخَشَبَةِ فَيَأْتِي أَحَدٌ إلَى تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَأْتِي خِزَانَتَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ فَيَكْسِرُهَا وَيَذْهَبُ بِمَا فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَتُكْسَرُ خِزَانَتَهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ» مَحْضُ الْقِيَاسِ وَتَمْثِيلُ مَا فِي ضَرْعِ الْمَاشِيَةِ مِنْ اللَّبَنِ بِمَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ الطَّعَامِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ قِيَاسَ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الِاخْتِزَانُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَقَدْ رَعَى غَنَمًا قِيلَ لَهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنَا» جَاءَ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا لِمَا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّخْصِيصِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْعُمُومَ فَبَيَّنَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدَ الْعُمُومِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ رِعَايَةَ الْأَنْبِيَاءِ الْغَنَمَ إنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيبِ فِي رِعَايَةِ أُمَمِهِمْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِيَأْخُذُوا بِحَظٍّ مِنْ التَّوَاضُعِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي جَعَلَتْ لِأَهْلِ الْغَنَمِ السَّكِينَةَ وَلِذَلِكَ خُصَّ الْأَنْبِيَاءُ بِرَعْيِهَا دُونَ رَعْيِ سَائِرِ الْمَوَاشِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ وَالْبَدْءِ بِالْأَكْلِ قَبْلَ الصَّلَاةِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَا يَعْجَلُ عَنْ عَشَائِهِ مَعَ سَمَاعِهِ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْلُوَ بَالُهُ لِصَلَاتِهِ فَلَا يُعْجِلُهُ عَنْهَا وَلَا يَشْغَلُهُ فِيهَا حَاجَتُهُ إلَى الطَّعَامِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْحَابٌ قَدْ وَضَعُوا عَشَاءَهُمْ فَيَشْتَغِلُ عَنْهُمْ بِصَلَاتِهِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي يَذْهَبُ طِيبُهُ وَيَتَغَيَّرُ إذَا بَرَدَ كَالثَّرِيدِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ. وَرُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ: انْزِعُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ آكِلًا وَحْدَهُ وَأَمِنَ أَنْ يَشْغَلَهُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْزِعُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ» يَقْتَضِي أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَمْنٍ جَامِدٍ وَلَوْ كَانَ ذَائِبًا لَمْ يَتَمَيَّزْ مَا حَوْلَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَامِدًا نَجِسَ مَا جَاوَرَهَا بِنَجَاسَتِهَا وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّهَارَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَكُونُ سَائِرُ ذَلِكَ حَلَالًا طَيِّبًا وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَائِبًا كَالزَّيْتِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ أَمِنَ أَنْ يَكُونَ سَالَ مِنْهَا فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا فِيهِ يُنَجِّسُهَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا أُخْرِجَتْ الْفَأْرَةُ مِنْ الزَّيْتِ حِينَ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا شَيْءٌ فِيهِ وَلَكِنِّي أَخَافُ فَلَا أُحِبُّ أَنْ آكُلَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَرَى أَنَّ لِمَوْتِ الْحَيَوَانِ فِي الزَّيْتِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ مَزِيَّةً فِي تَنْجِيسِهِ وَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ لَمَّا خَافَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فِي الزَّيْتِ وَالْقَوْلَانِ فِيهِمَا نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةٍ وَلَا نَجَاسَةٍ وَلَا يُوصَفُ بِهَا وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَشَدَّ نَجَاسَةً مِنْ الْمَيْتَةِ، وَقَدْ يَحْسُنُ الزَّيْتُ بِمُجَاوَرَتِهِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَادَ فِيهِ «، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَقَالَ فِيهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ «، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَانْتَفِعُوا بِهِ وَاسْتَصْبِحُوا» فَإِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ هَذَا الدُّهْنُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ لِابْنِ سَحْنُونٍ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْجِبَابِ الَّتِي بِالشَّامِ لِلزَّيْتِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ الزَّيْتَ وَلَيْسَ الزَّيْتُ كَالْمَاءِ فِي هَذَا وَكَذَلِكَ سَمِعْت. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ أَوْ الدَّجَاجَةُ فِي الْبِئْرِ وَهِيَ مَيْتَةٌ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْمَاءِ وَإِلَى مَا سَقَطَتْ فِيهِ زَيْتًا كَانَ أَوْ سَمْنًا أَوْ شَرَابًا فَإِذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ وَلَا طَعْمُهُ وَلَا رِيحُهُ أُزِيلَ عَنْهُ مَا فِي الْمَيْتَةِ ثُمَّ كَانَ سَائِرُهُ حَلَالًا طَيِّبًا هَذَا إنْ وَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ وَلَوْ مَاتَتْ فِيهِ لَكَانَ نَجِسًا وَإِنْ كَثُرَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جِبَابِ الزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ فَكَرِهَ ذَلِكَ الزَّيْتَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا غَيْرَ الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَائِعَاتُ تَحْتَمِلُ النَّجَاسَاتِ وَلَا تُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لَوَجَبَ أَنْ تَطْهُرَ بِهَا النَّجَاسَةُ كَالْمَاءِ لَمَّا احْتَمَلَ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يُنَجَّسْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ طَهُرَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ الْجَسَدِ أَوْ الثَّوْبِ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ لِقِلَّتِهِ أَوْ مَعَ كَثْرَتِهِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ فَإِنْ طُبِخَ ثُمَّ ظَهَرَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ قَدْ تَفَسَّخَتْ وَهِيَ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ الَّذِي طُبِخَ بِمَائِهَا فَأَمَرَ مَالِكٌ أَنْ يُغْلَى وَيُتَمَّ طَبْخُهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ أَجَازَ بَيْعَهُ وَالِادِّهَانَ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ أَصْبَغُ فِي الْكَثِيرِ وَرَأَى أَنَّ فِي الْيَسِيرِ لَا ضَرَرَ فِيهِ أَنْ يُطْرَحَ وَيُوقَدَ بِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إنَّمَا خَفَّفَهُ مَالِكٌ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَلَا تُغَيِّرُهُ وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا فِي زَيْتٍ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ؛ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَمْ تَمُتْ فِي الْبِئْرِ إنَّمَا مَاتَتْ فِي مَاءِ الْبِئْرِ. وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ فَرَّغَ عَشْرَ جِرَارِ سَمْنٍ فِي زِقَاقٍ ثُمَّ وَجَدَ فِي جَرَّةٍ مِنْهَا فَأْرَةً يَابِسَةً وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ الزِّقَاقِ فَرَّغَهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ جَمِيعِ الزِّقَاقِ وَبَيْعُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ يَمْنَعُ غَسْلَهُ فَأَمَّا

[ما يتقى من الشؤم]

مَا يُتَّقَى مِنْ الشُّؤْمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ كَانَ فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ يَعْنِي الشُّؤْمَ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ وَذَهَبَ الْمَالُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهَا ذَمِيمَةً» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاعْتِبَارُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَوْتَهَا فِي الْمَاءِ دُونَ أَلْبَانٍ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنَجَّسَ الْمَاءُ لِمَوْتِ الْفَأْرَةِ فِيهِ عَلَى تَسْلِيمِ هَذَا لَهُ ثُمَّ تُنَجَّسُ الْأَلْبَانُ بِمُخَالَطَتِهِ إيَّاهُ فَإِذَا جَازَ غَسْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَطْهِيرُهُ بِالطَّبْخِ بِالْمَاءِ فَكَذَلِكَ الزَّيْتُ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ بِغَسْلِهِ أَنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْمَاءِ فَجَازَ غَسْلُهُ كَالثَّوْبِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَائِعٌ فَلَا يَصِحُّ غَسْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ كَالْعَسَلِ وَالْخَلِّ. (فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْت: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالِادِّهَانُ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مَغْسُولٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي جِبَابِ الزَّيْتِ إذَا وَقَعَتْ بِهِ مَيْتَةٌ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى غَسْلَهُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الزَّيْتِ النَّجِسِ يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ لِلْمُتَحَفِّظِ مِنْ نَجَاسَتِهِ وَيُعْمَلُ مِنْهُ الصَّابُونُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي شَيْءٍ وَلَوْ طَرَحَهُ فِي الْكِرْبَاسِ يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهِ لِكَرَاهِيَتِهِ لَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ «هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِهِ» وَقَالَ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا فَأَبَاحَ الِانْتِفَاعَ وَمَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ «انْزِعُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ» فَأَمَرَ بِطَرْحِ مَا نَجِسَ مِنْ السَّمْنِ وَكَذَلِكَ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ «، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ خَفَّفَ مَالِكٌ أَنْ يُدْهَنَ بِهِ النِّعَالُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ يَرَى أَنَّ غَسْلَ الزَّيْتِ يُطَهِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُدْهَنُ النِّعَالُ بِالزَّيْتِ لِتَبْقَى فِيهَا رُطُوبَةٌ، وَإِذَا كَانَ الزَّيْتُ نَجِسًا لَمْ تَطْهُرْ النِّعَالُ مَا دَامَ بَقِيَ فِيهَا بَقِيَّةٌ مِنْ الزَّيْتِ النَّجِسِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ قَدْ طَهُرَتْ بِالْغَسْلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَوَى ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الزَّيْتِ إذَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ تُغْسَلُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَعْتَنِي بِذَلِكَ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْأَلْبَانِ. وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي فَأْرَةٍ وُجِدَتْ يَابِسَةً فِي زَيْتٍ: إنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ وَيُبْسُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ صَبُّوا عَلَيْهَا الزَّيْتَ وَهِيَ يَابِسَةٌ لَمْ تَمُتْ فِيهِ. (فَرْعٌ) وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ مَالِكٍ حَالَ نَجَاسَتِهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا نَصْرَانِيٍّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَعَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إلَّا ابْنَ وَهْبٍ فَإِنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهُ إذَا بُيِّنَ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَنْعِ بَيْعِ مَا يُنَجَّسُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْخَمْرِ: «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَطْعُومِ حَرُمَ شُرْبُهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ كَالْخَمْرِ فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ رُدَّ وَلَوْ فَاتَ الزَّيْتُ لَزِمَ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. [مَا يُتَّقَى مِنْ الشُّؤْمِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ كَانَ فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ» وَقَوْلُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي الشُّؤْمَ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ كَانَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ الشُّؤْمَ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ يُرِيدُ أَنَّ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ وَقِيلَ: إنَّ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ لِلشُّؤْمِ حُكْمٌ ثَابِتٌ فَإِنَّمَا هُوَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ فَوَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى التَّجْوِيزِ وَوَرَدَ الْحَدِيثُ الثَّانِي عَلَى الْقَطْعِ بِهِ وَالْإِثْبَاتِ لَهُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي - عَزَّ وَجَلَّ - يُجْرِي الْعَادَةَ فِي دَارٍ أَنَّ مَنْ سَكَنَهَا مَاتَ وَقَلَّ مَالُهُ وَتَوَالَتْ عَلَيْهِ الرَّزِيَّاتُ وَالْمَصَائِبُ وَأَجْرَى الْعَادَةَ أَيْضًا فِي دَارٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَكُونَ لِلدَّارِ فِي ذَلِكَ صُنْعٌ أَوْ تَأْثِيرٌ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْرِيَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا تَقْرُبُ وَفَاتُهُ وَيَقِلُّ مَالُهُ وَتَكْثُرُ حَوَائِجُهُ، وَأَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ فَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا وَتَوَالَى لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اعْتِقَادِ النَّاسِ لِذَلِكَ. وَرُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ عَنْ أَقْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ» أَوْ عَلَى أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى جَعَلَهُ عَادَةً جَارِيَةً كَمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنَّ مَنْ شَرِبَ السُّمَّ مَاتَ وَمَنْ قُطِعَ رَأْسُهُ مَاتَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَدْرِ مَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ،. وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ مَالِكٌ فَقَالَ تَفْسِيرُهُ فِيمَا أَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَمْ مِنْ دَارٍ قَدْ سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا ثُمَّ سَكَنَهَا آخَرُونَ فَهَلَكُوا ثُمَّ سَكَنَهَا آخَرُونَ فَهَلَكُوا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ دَارٌ سَكَنَّاهَا وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ وَذَهَبَ الْمَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَجُّعِ مِنْ أَمْرِ الدَّارِ وَمَا ثَبَتَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْهَا وَاعْتَقَدُوهُ مِنْ حَالِهَا وَالسُّؤَالُ عَمَّا يَجُوزُ مِنْ اجْتِنَابِهَا إذْ هُوَ أَمْرٌ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي مِثْلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَلَّ مَا لَهُمْ بِهَا لِجَدْبِهَا وَقِلَّةِ خِصْبِهَا أَوْ وَخَامَتِهَا وَقِلَّةِ نَمَاءِ مَاشِيَتِهِمْ بِهَا وَقَلَّ عَدَدُهُمْ لِقِلَّةِ مَالِهِمْ أَوْ لِوَخَامَةِ الْبَلَدِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوهَا ذَمِيمَةً» مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ارْحَلُوا عَنْهَا وَاتْرُكُوهَا مَذْمُومَةً وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ مَذْمُومَةً لِمَا وَصَفُوهَا بِهِ مِنْ التَّشَاؤُمِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةَ رَحِيلِهِمْ عَنْهَا لِأَجْلِ مَا جَرَى لَهُمْ فِيهَا وَذَمِّهِمْ لَهَا بِذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنَّ مَا قَدَّرَهُ نَافِذٌ لَعَلَّهُ قَدْ قَدَّرَ بِانْتِقَالِهِمْ عَنْهَا تَأْخِيرَ آجَالِهِمْ وَبَقَاءَ أَمْوَالِهِمْ كَمَا يَجُوزُ لِلْفَارِّ مِنْ الْأَسَدِ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا مَنْجَا مِنْ الْقَدْرِ وَلَكِنْ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَدَّرَ السَّلَامَةَ فِي الْفِرَارِ مِنْهُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْجُو أَحَدٌ مِنْ الْقَدْرِ وَلَا يُجَاوِزُ الْأَجَلَ وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَدَّرَ السَّلَامَةَ فِي التَّوَقُّفِ عَنْهُ وَمَنَعَ الْمُقِيمَ بِبَلَدِ الطَّاعُونِ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قَالَ وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَالَ لَهُ كُنَّا نَتَطَيَّرُ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ» فَمَنَعَ مِنْ التَّطَيُّرِ بِمَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ مِنْ طَائِرٍ أَوْ سَانِحٍ أَوْ بَارِحٍ. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ كُنْت عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَمَرَّ طَائِرٌ يَصِيحُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ خَيْرٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا عِنْدَ هَذَا خَيْرٌ وَلَا شَرٌّ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ التَّطَيُّرِ وَيَعِيبُونَهُ قَالَ الْمُرَقَّشُ وَلَقَدْ غَدَوْت وَكُنْت لَا ... أَغْدُو عَلَى وَاقٍ وَحَائِمِ فَإِذَا الْأَشَائِمُ كَالْأَيَا ... مِنْ وَالْأَيَامِنُ كَالْأَشَائِمِ فَعَلَى هَذَا مَا يَجْرِي مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ مِنْهَا أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ فَإِذَا

[ما يكره من الأسماء]

مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَلِقْحَةٌ تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اسْمُك فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اسْمُك فَقَالَ حَرْبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اسْمُك فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْلُبْ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثُرَ الضَّرَرُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَبْدُو مِنْ الشُّؤْمِ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ فَلِلْإِنْسَانِ تَرْكُهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ إمَّا لِيُزِيلَ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِالِاسْتِضْرَارِ فِيهِ فَيَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَطْرَأُ مِنْ الضَّرَرِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ غَيْرِ مُتَّصِلٍ مِثْلَ الطَّاعُونِ يَقَعُ بِبَلَدٍ فَهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ بِهِ ضَرَرٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَخَافُ ضَرَرًا مُسْتَقْبَلًا وَلَا يَقْدُمُ الْخَارِجُ عَنْهُ عَلَيْهِ لِظُهُورِ الضَّرَرِ بِهِ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ مِنْ الطَّيْرِ وَالْغِطَاسِ وَالسَّانِحِ وَالْبَارِحِ وَأَقْوَالِ الْكُهَّانِ فَهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يُعْرَجَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ شَيْءٍ وَلَا يَبْعَثُ عَلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْعَيْنِ تَأْثِيرٌ مُعْتَادٌ وَلَا نَادِرٌ وَلَا أَمْرٌ مُطَّرِدٌ ثَابِتٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَيَّامُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي شُؤْمٍ وَلَا سَعَادَةٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحِجَامَةِ وَالِاطِّلَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ يَوْمٌ إلَّا وَقَدْ احْتَجَمْتُ فِيهِ وَلَا أَكْرَهُ شَيْئًا مِنْ هَذَا حِجَامَةً وَلَا اطِّلَاءً وَلَا نِكَاحًا وَلَا سَفَرًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَرَادَ حَلْبَ النَّاقَةِ مَا اسْمُك يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَعْرِفَ اسْمَهُ لِيَدْعُوَهُ بِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَهُ أَوْ يَنْهَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّفَاؤُلَ فَلَمَّا قَالَ لَهُ حَرْبٌ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الِاسْمَ وَكَانَ يَكْرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا قَبُحَ مِنْهَا. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ اسْمَ ابْنَةٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةً فَسَمَّاهَا جَمِيلَةً» وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُك قَالَ حُزْنٌ قَالَ لَهُ أَنْتَ سَهْلٌ قَالَ لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ» وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الطِّيَرَةِ الْمَمْنُوعَةِ أَنَّ الطِّيَرَةَ لَيْسَ فِي لَفْظِهَا وَلَا فِي مَنْظَرِهَا شَيْءٌ مَكْرُوهٌ وَلَا مُسْتَبْشَعٌ وَإِنَّمَا يُعْتَقَدُ أَنَّ عِنْدَ لِقَائِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ الشُّؤْمُ وَيَمْتَنِعُ الْمُرَادُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ مَكْرُوهَةٌ قَبِيحَةٌ يُسْتَبْشَعُ ذِكْرُهَا وَسَمَاعُهَا وَيُذَكِّرُ بِمَا يُحْذَرُ مِنْ مَعَانِيهَا فَاسْمُ حَرْبٍ يُذَكَّرُ بِمَا يُحْذَرُ مِنْ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ مُرَّةُ فَتَكْرَهُهُ النُّفُوسُ لِذَلِكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «أُحِبُّ الْفَأْلَ قِيلَ لَهُ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ» وَهِيَ الَّتِي تُذْكَرُ بِمَا يَرْجُوهُ مِنْ الْخَيْرِ فَتُسَرُّ بِهِ النَّفْسَ وَرُبَّمَا كَانَ بِمَعْنَى الْبِشَارَةِ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْخَيْرِ وَلِذَلِكَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَدْ طَلَعَ سُهَيْلُ بْنُ عُمَرَ، وَقَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ فَكَانَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمَنْعُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَبِيحِ الْأَسْمَاءِ كَحَرْبٍ وَحُزْنٍ وَمُرَّةَ وَالثَّانِي مَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ مِنْ بَابِ الدِّينِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ وَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَهَانِي عَنْ هَذَا الِاسْمِ وَسُمِّيت بُرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ» قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِيَاسِينَ وَلَا بِمَهْدِيٍّ وَلَا بِجِبْرِيلَ قِيلَ لَهُ فَالْهَادِي قَالَ هَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْهَادِيَ هَادِي الطَّرِيقِ. وَرُوِيَ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بُرَّةُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ» وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ فَتَعَلَّقَ الْمَنْعُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَتِهَا نَفْسَهَا بِمَا تَسَمَّتْ بِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لِهُجْنَةِ اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِمْ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بُرَّةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ أَفْلَحَ وَرَبَاحٍ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ» . وَرُوِيَ عَنْهُ وَلَا نُجَيْحًا مَكَانَ نَافِعٍ، وَقَالَ فَإِنَّك تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلَا يَكُونُ ثَمَّ فَيَقُولُ لَا فَأَشَارَ إلَى مَعْنَى التَّفَاؤُلِ بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَ هُنَا يَسَارٌ أَوْ لَيْسَ هُنَا أَفْلَحُ أَوْ لَيْسَ هُنَا رَبَاحٌ. وَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِمُقْبِلٍ وَبِبَرَكَةَ وَأَفْلَحَ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْته سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قُبِضَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ» ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ. وَقَدْ رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ النَّهْيَ وَإِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لِلَّفْظِ وَيُحْتَمَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَنَّهُ أَرَادَ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّغْيِيرِ لِاسْمِ مَنْ كَانَ سُمِّيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَيَّرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ فِيهِ بِالْأَفْضَلِ دُونَ مَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى الْجَائِزِ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّ حُزْنًا عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الِاسْتِمْسَاكِ بِاسْمِهِ وَرَضِيَهُ وَكَرِهَ تَغْيِيرَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَمْ يُقِرَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَلِكَ أَقَرَّ حَرْبًا وَمُرَّةَ عَلَى أَسْمَائِهِمَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا بِتَغْيِيرِهِمَا مَعَ كَرَاهِيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ تُمْنَعُ التَّسْمِيَةُ مَعَ تَحْرِيمٍ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَاظُمِ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصَفَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَشْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ سُفْيَانُ تَفْسِيرُهُ شاهان شاه. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ مُنِعَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكْتَنِيَ أَحَدٌ بِكُنْيَتِهِ وَرَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي» فَنَهَى عَنْ أَنْ يَدْعُوَ أَحَدٌ أَحَدًا بِأَبِي الْقَاسِمِ وَنَهَى أَنْ يُكْتَنَى أَحَدٌ بِهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أَعْنِك إنَّمَا دَعَوْت فُلَانًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي» وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ عُدِمَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ يَكُنِّي النَّاسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ فَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مَعَهُمْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا عَلِمْت بَأْسًا أَنْ يُسَمَّى مُحَمَّدًا وَيُكَنَّى بِأَبِي الْقَاسِمِ قَالَ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَحَدَّثُونَ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رَأَوْا خَيْرًا وَرُزِقُوا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اسْمُك فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْلُبْ» فَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّفَاؤُلِ بِحُسْنِ الِاسْمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» وَلَا يَجْرِي هَذَا مَجْرَى الطِّيَرَةِ؛ لِأَنَّ الْفَأْلَ إنَّمَا هُوَ لِاسْتِحْسَانِ اسْمٍ يَتَضَمَّنُ نَجَاحًا أَوْ مَسَرَّةً أَوْ تَسْهِيلًا فَتَطِيبُ النَّفْسُ لِذَلِكَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك قَالَ جَمْرَةُ قَالَ ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ مِمَّنْ قَالَ مِنْ الْحُرَقَةِ قَالَ أَيْنَ مَسْكَنُك قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظًى فَقَالَ عُمَرُ أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَقْوَى الْعَزْمُ عَلَى مَا قَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا يَفْجَأُ مِنْ الْكَلَامِ دُونَ مَا يَتَرَقَّبُ سَمَاعَهُ وَيَقْدَمُ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى مَا فَعَلَ أَوْ يَرْجِعُ مِنْ أَجْلِهِ عَنْ أَمْرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3] وَالْأَزْلَامُ قِدَاحٌ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَتَّخِذُهَا فِي أَحَدِهَا افْعَلْ وَفِي الثَّانِي لَا تَفْعَلْ فَإِذَا أَرَادَتْ فِعْلَ شَيْءٍ اسْتَقْسَمَتْ بِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تُجِيلَهَا ثُمَّ تُلْقِيَهَا فَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ أَقْدَمْت عَلَى الْفِعْلِ، وَإِنْ خَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلْ امْتَنَعْت مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا رُوِيَ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ فِي سَفَرِ هِجْرَتِهِمَا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَرَفَعْتُهَا يَعْنِي فَرَسَهُ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ وَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْت عَنْهَا فَقُمْت فَأَهْوَيْت بِيَدِي إلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْت مِنْهُ الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْت بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْت فَرَسِي وَعَصَيْت الْأَزْلَامَ حَتَّى إذَا سَمِعْت قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتْ الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتهَا وَاسْتَقْسَمْت بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُمْ بِالْأَمَانِ. (فَرْعٌ) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ رِقَاعٌ يُكْتَبُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَتُطْوَى ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَيُقْرَأُ مَا فِيهَا، وَقَدْ كَانَ يُحِبُّ بِحَالٍ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ مَا اقْتَضَى الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ، وَإِذَا وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى اقْتَضَى النَّهْيَ عَنْ الْفِعْلِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْخَطِّ، وَقَدْ يَكُونُ بِكَتِفٍ يُؤْخَذُ مِنْ شَاةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِقُرْعَةٍ وَأَنْوَاعُهَا كَثِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ فِي النُّجُومِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَقَدْ يَكُونُ بِزَجْرِ الطَّيْرِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعُطَاسِ غَيْرَ أَنَّ زَجْرَ الطَّيْرِ وَالْعُطَاسَ قَدْ يَقَعُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ لَهُ لَكِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ يَقُومُ مَقَامَ التَّرَقُّبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا أَبَاحَ الشَّرْعُ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا الْخَطُّ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] قَالَ هُوَ الْخَطُّ. وَرُوِيَ أَنَّهُ بُعِثَ نَبِيٌّ بِالْخَطِّ وَهَذِهِ كُلُّهَا أُمُورٌ ضِعَافٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا وَأَمَّا مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَرَفَ مَنْ اسْمُهُ مُرَّةُ وَحَرْبٌ عَنْ حَلْبِ الشَّاةِ وَأَمْضَى حَلْبَهَا لِمَنْ اسْمُهُ يَعِيشُ» فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى كَرَاهِيَةِ اسْمٍ وَاسْتِحْسَانِ اسْمٍ وَلَمْ يَتَشَبَّثْ بِذَلِكَ إلَى عِلْمِ مَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَلَا إلَى قُوَّةِ الْعَزْمِ عَلَيْهِ وَلَا لِلْإِضْرَابِ عَنْهُ وَإِنَّمَا اخْتَارَ حُسْنَ اسْمٍ كَمَا يُخْتَارُ جَمَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى امْرَأَةٍ قَبِيحَةٍ وَيُخْتَارُ نَظِيفُ الثِّيَابِ عَلَى قَبِيحِهَا وَيُخْتَارُ حُسْنُ الزِّيِّ وَطِيبُ الرَّائِحَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ فَاعْلَمْ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي التَّجَمُّلَ وَالتَّجَمُّلُ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الْأَسْمَاءِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (مَسْأَلَةٌ) : وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَسْمَاءِ مَا فِيهِ الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِهَا فَسَمَّى حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَقَالَ: إنَّهُ سَمَّاهُمَا بِأَسْمَاءِ ابْنَيْ هَارُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِبْرٍ وَشُبَيْرٍ» وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ سَمِعْت أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رُزِقُوا رِزْقَ خَيْرٍ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك قَالَ جَمْرَةُ قَالَ ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ مِمَّنْ قَالَ مِنْ الْحُرَقَةِ قَالَ أَيْنَ مَسْكَنُك قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظًى فَقَالَ عُمَرُ أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) . (ش) : قَوْلُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِجَمْرَةَ بْنِ شِهَابٍ لَمَّا قَالَ لَهُ: إنَّهُ مِنْ الْحُرَقَةِ وَإِنَّ مَسْكَنَهُ بِحَرَّةِ النَّارِ وَبِذَاتِ لَظًى مِنْهَا أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا فَكَانَ كَمَا قَالَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَعْنَى التَّفَاؤُلِ لِسَمَاعِهِ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَ هَذَا

[ما جاء في الحجامة وإجارة الحجام]

مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ وَإِجَارَةِ الْحَجَّامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجُلِ قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا احْتَرَقَ أَهْلُهُ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ الْمُتَفَائِلِ عِنْدَ سَمَاعِ الْفَأْلِ مِنْ السُّرُورِ بِالشَّيْءِ وَقُوَّةِ رَجَائِهِ فِيهِ أَوْ التَّوَجُّعِ مِنْ الشَّيْءِ وَشِدَّةِ حَذَرِهِ مِنْهُ يَظُنُّ ذَلِكَ وَيُلْقِيهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِهِ، وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَكُونُ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ مُوَافَقَةً مِنْ بَعْضٍ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَكُونُ مُحَدِّثُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوحَى إلَيْهِمْ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ فَعُمَرُ» . [مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ وَإِجَارَةِ الْحَجَّامِ] (ش) : قَوْلُهُ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاحْتِجَامِ وَقَوْلُهُ حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ وَقِيلَ دِينَارٌ وَقِيلَ مَيْسَرَةُ مَوْلَى مُحَيِّصَةُ وَقَوْلُهُ «فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ» وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ. (مَسْأَلَةٌ) : فَهَلْ يُحْلَقُ مَوْضِعُ الْمَحَاجِمِ مِنْ الْقَفَا وَوَسَطِ الرَّأْسِ فَقَالَ: إنِّي لَأَكْرَهَهُ وَمَا أَرَاهُ حَرَامًا وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْخِطْمِيُّ وَيَحْتَجِمَ وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهِيَةَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى حَلْقِ الْقَفَا وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ زِيِّ النَّاسِ وَكَانَ مَالِكٌ يَعْتَمِدُ فِي الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ عَلَى مَا أَدْرَكَ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ سَلَفِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَفِيهِ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ دَاخِلَةٌ فِي الزِّيِّ وَاللِّبَاسِ فَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْبِلَادِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا فَرُبَّمَا تَعَلَّقُوا بِبَعْضِ زِيِّهِمْ وَرُبَّمَا أَخَرَجَ إلَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ هَوَاءٍ فِي الْبِلَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ كَانَ دَوَاءٌ يَبْلُغُ الدَّاءَ فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ كَانَ دَوَاءٌ يَبْلُغُ الدَّاءَ فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ» عَلَى مَعْنَى التَّحْقِيقِ لِلتَّدَاوِي بِهَا وَذَلِكَ فِي دَاءٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ سَبَبُهُ كَثْرَةَ الدَّمِ. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ» . وَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «عَنْ ابْنِ مُحَيِّصَةُ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدِ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ اعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ يَعْنِي رَقِيقَك» ) . (ش) : مَا رُوِيَ أَنَّهُ «اسْتَأْذَنَ ابْنُ مُحَيِّصَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إبَاحَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَكَرَّمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْضَى تِلْكَ الْكَرَاهِيَةَ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ سُؤَالِ مُحَيِّصَةُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنَعَ مِنْهُ لِمَعْنًى كَانَ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَيَقِّنَ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَا كَانُوا يُعْطُونَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي الْأُجْرَةِ طَعَامًا وَرُبَّمَا نَالَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ شَكٌّ فِي نَجَاسَتِهِ بِمَا يُحَاوِلُهُ مِنْ الدَّمِ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَارْتَابَ السَّيِّدُ فِي سَلَامَتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَجَّامِ فَبَاحَ أَكْلُهَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ سَأَلْت رَبِيعَةَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ

[ما جاء في المشرق]

مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ إلَى الْمَشْرِقِ يَقُولُ: هَا إنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا إنَّ الْفِتْنَةَ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَ لِلْحَجَّامِينَ سُوقٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْلَا أَنْ يَأْنَفَ رِجَالٌ لَأَخْبَرْتُك بِآبَائِهِمْ كَانُوا حَجَّامِينَ قَالَ اللَّيْثُ وَسَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَقَالَ: رَأَيْت النَّاسَ فِيمَا مَضَى يَأْكُلُونَهُ بِكُلِّ أَرْضٍ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا نَهَتْهُ الْأَئِمَّةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا يَعَافُهُ مَنْ تَنَزَّهَ عَلَى وَجْهِ التَّكَرُّمِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَنَزَّهُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَيِّصَةُ إنَّمَا كَرَّرَ السُّؤَالَ عَنْهُ اتِّقَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِذَلِكَ وَصْمَةٌ أَوْ مَعْنَى تَثَلُّمِ مُرُوءَتِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى كَرَاهِيَةِ أَجْرِ الْحَجَّامِ وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَاحْتُجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ مَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِلْأَحْرَارِ كَأُجْرَةِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ كَسْبِهِ أَوْ بَعْضُهُ ثَمَنَ الدَّمِ وَبِأَنَّ بَيْعَ دَمِ مَا يَفْصِدُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ كَالْعَبْدِ يَبِيعُهُ إنْ كَانَ كَافِرًا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَسَيِّدُهُ مُسْلِمٌ فَنُهِيَ عَنْ كَسْبِهِ إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ سَلَامَةُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ نَهْيٌ عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَأُجْرَةُ الْحَجَّامِ لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِلدَّمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً قَبْلَ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ غَالِبًا بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ وَهَذَا أَيْضًا لَا تَعَلُّقَ فِيهِ إلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الصَّانِعُ إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مُسَمًّى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَمَلِ بِالْقِيمَةِ فَقَالَ لَا أُحِبُّهُ وَلَا يَصْلُحُ فِي جُعْلٍ وَلَا إجَارَةٍ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ يُرِيدُ أَنْ يُعْقَدَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ عَقْدُ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَلَا بَأْسَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ لِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُنِي أَسَتَخِيطُهُ الثَّوْبَ فَإِذَا فَرَغَ رَاضَيْته عَلَى أُجْرَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمُشَارَطَةِ الْحَجَّامِ عَلَى الْحِجَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ يُرِيدُ أَنَّ مُحَيِّصَةُ كَرَّرَ سُؤَالَهُ وَاسْتِئْذَانَهُ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُ إلَّا مَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ ثُمَّ لَا يَتَيَقَّنُ تَوَقِّيَهُ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ سَلَامَتَهُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ النَّاضِحُ الْجَمَلُ الَّذِي يُسْقَى الْمَاءَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ النَّاضِحُ الرَّقِيقُ وَيَكُونُ فِي الْإِبِلِ وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى الرَّقِيقِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَا جَازَ لِلْعَبِيدِ أَكْلُهُ جَازَ لِلْأَحْرَارِ أَكْلُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَهُوَ يُشِيرُ إلَى الْمَشْرِقِ: هَا إنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ هُنَاكَ يَكُونُ مُعْظَمُهَا وَابْتِدَاؤُهَا أَوْ يُشِيرُ إلَى فِتْنَةٍ مَخْصُوصَةٍ يُحَذِّرُ مِنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ حِزْبَهُ وَأَهْلَ وَقْتِهِ وَزَمَنِهِ وَالْقَرْنُ مِنْ النَّاسِ أَهْلُ زَمَانٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قُوَّتَهُ وَسِلَاحَهُ وَعَوْنَهُ عَلَى الْفِتْنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ فِي الْعِرَاقِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ السِّحْرَ كَانَ مُعْظَمُهُ بِبَابِلَ وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ فَأَخْبَرَ أَنَّ مُعْظَمَهُ هُنَاكَ وَقَوْلُهُ وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَجَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي قَرَأَهَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَقَوْلُهُ وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ

[ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك]

مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ إلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرِيدُ الَّذِي يُعْيِي الْأَطِبَّاءَ أَمْرُهُ وَهَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ مُحَاوَلَتُهُ مِنْ أَمْرِ دِينٍ أَوْ دُنْيَا. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ الدَّاءُ الْعُضَالُ الْهَلَاكُ فِي الدِّينِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ هِيَ الْبِدَعُ فِي الْإِسْلَامِ وَمَعْنَى هَذَا إنْ صَحَّ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَقَدْ سَكَنَ الْكُوفَةَ أَفَاضِلُ الصَّحَابَةِ وَمِنْ الْعَشَرَةِ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَلَوْ كَانَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَنْعِ كَعْبٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى الْعِرَاقِ لَأَخْلَاهَا عُمَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَأَشْفَقَ عَلَى تَغَيُّرِ أَدْيَانِهِمْ، وَلَكِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَ صَحَّ قَوْلُ كَعْبٍ لَهُ فَقَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ أَنَّهُمْ سَأَلُوا مَالِكًا عَنْ تَفْسِيرِ الدَّاءِ الْعُضَالِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَلَّلَ النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ بِالْإِرْجَاءِ وَبِنَقْضِ السُّنَنِ بِالرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ كَانَ سَلِمَ مِنْ الْغَلَطِ وَثَبَتَ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ فِي وَقْتِ حَرَجٍ اضْطَرَّهُ لِشَيْءٍ ذُكِرَ لَهُ عَنْهُ مِمَّا أَنْكَرَهُ فَضَاقَ بِهِ صَدْرُهُ فَقَالَ ذَلِكَ، وَالْعَالِمُ قَدْ يَحْضُرُهُ ضِيقُ صَدْرٍ فَيَتَقَوَّلُ مَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَنْهُ بَعْدَ وَقْتٍ إذَا زَالَ غَضَبُهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ عَقْلِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَدِينِهِ وَإِمْسَاكِهِ عَنْ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ إلَّا بِمَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَثَبَتَ لَمْ يَكُنْ لِيُطْلِقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَدْ شُهِرَ إكْرَامُ مَالِكٍ لَهُ وَتَفْضِيلُهُ إيَّاهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَالِكًا ذَكَرَ أَبَا حَنِيفَةَ بِالْعِلْمِ بِالْمَسَائِلِ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْهُ أَحَادِيثَ وَأَخَذَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُوَطَّأَ وَهُوَ مِمَّا أَرْوِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ شُهِرَ تَنَاهِي أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِبَادَةِ وَزُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ اُمْتُحِنَ وَضُرِبَ بِالسَّوْطِ عَلَى أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ فَامْتَنَعَ، وَمَا كَانَ مَالِكٌ لِيَتَكَلَّمَ فِي مِثْلِهِ إلَّا بِمَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا تَكَلَّمَ فِي أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ قَوْمًا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ فَبَحَثُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا وَأَدْرَكْت بِهَا قَوْمًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ سَكَتُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ فَسَكَتَ النَّاسُ عَنْ عُيُوبِهِمْ فَمَالِكٌ يُزَهِّدُ النَّاسَ عَنْ الْعُيُوبِ وَمِنْ أَيْنَ يَبْحَثُ فِي عُيُوبِ النَّاسِ وَكَيْفَ يَذْكُرُ الْأَئِمَّةَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي كِتَابِ فِرَقِ الْفُقَهَاءِ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنْتُ وُجُوهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ] (ش) : «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ» حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِحَيَّاتِ الْبُيُوتِ دُونَ غَيْرِهَا، قَالَ مَالِكٌ لَا تُنْذَرُ فِي الصَّحَارَى وَلَا تُنْذَرُ إلَّا فِي الْبُيُوتِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَحُكْمُ حَيَّاتِ الْجُدُرِ حُكْمُ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤْخَذَ بِذَلِكَ فِي بُيُوتِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ الْبُيُوتِ مِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَيَكُونُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعَهْدِ وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَتْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بُيُوتُ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى بَنِي أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلْت عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَوَجَدْته يُصَلِّي فَجَلَسْت أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْت تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْت لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إلَيَّ أَبُو سَعِيدٍ أَنْ اجْلِسْ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْت نَعَمْ قَالَ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْخَنْدَقِ فَبَيْنَمَا هُوَ بِهِ إذْ أَتَاهُ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي عَهْدًا فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ خُذْ عَلَيْك سِلَاحَك فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْطَلَقَ الْفَتَى إلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِك فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فَنَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْفَتَى أَمْ الْحَيَّةُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَدِينَةِ لَكِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْبُيُوتِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَهُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي بُيُوتِ الْمَدِينَةِ أَوْجَبَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا تُنْذَرُ الْحَيَّاتُ إلَّا بِالْمَدِينَةِ خَاصَّةً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهَا عِنْدَهُ لِلْعَهْدِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَاللَّفْظُ عَامٌّ فِي الْحَيَّاتِ لِإِضَافَتِهَا إلَى الْبُيُوتِ فَهُوَ عَامٌّ فِي حَيَّاتِ تِلْكَ الْبُيُوتِ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «إلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ» وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ خَطَّانِ مِثْلَ الطُّفْيَتَيْنِ وَهُوَ الْخُوصَتَانِ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَمَّا الْأَبْتَرُ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ هُوَ الْأَفْعَى. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَبْتَرُ مِنْ الْحَيَّاتِ صِنْفٌ أَزْرَقُ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ حَامِلٌ إلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ دُونَ الْإِنْذَارِ إلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلَانِ فِي الْبُيُوتِ دُونَ إنْذَارٍ كَمَا يُقْتَلُ حَيَّاتُ الصَّحَارَى دُونَ إنْذَارٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ ذَلِكَ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لَا يَتَصَوَّرُ فِي صُوَرِهِنَّ لِأَذَاهُنَّ بِنَفْسِ الرُّؤْيَةِ لَهُنَّ وَإِنَّمَا يَتَصَوَّرُ مُؤْمِنُو الْجِنِّ فِي صُورَةِ مَنْ لَا تَضُرُّ رُؤْيَتُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ جِنَانِ الْبُيُوتِ» فَإِنَّهَا تَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ حَيَّةٍ قَالَ عِيسَى يُرِيدُ عَمَارَ الْبُيُوتِ، وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ الْجِنَانُ الْحَيَّاتُ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْجِنَانُ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ قِرَدَةً. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَتْلُ النَّمْلِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الدُّودِ وَالنَّمْلِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لِلْحَلَالِ وَسُئِلَ عَنْ النَّمْلِ يُؤْذِي فِي السَّقْفِ فَقَالَ إنْ قَدَرْتُمْ أَنْ تُمْسِكُوا عَنْهَا فَافْعَلُوا، وَإِنْ أَضَرَّتْ بِكُمْ وَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى تَرْكِهَا فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَنْ قَتَلَهَا فِي سَعَةٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَتْلُ الضَّفَادِعِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَتْلُ الْوَزَغِ فَكَذَلِكَ. (مَسْأَلَةٌ) : وَأَمَّا قَتْلُ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ بِالنَّارِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا مِثْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى بَنِي أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «دَخَلْت عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَوَجَدْته يُصَلِّي فَجَلَسْت أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْت تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْت لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إلَيَّ أَبُو سَعِيدٍ أَنْ اجْلِسْ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْت نَعَمْ قَالَ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْخَنْدَقِ فَبَيْنَمَا هُوَ بِهِ إذْ أَتَاهُ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي عَهْدًا فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ خُذْ عَلَيْك سِلَاحَك فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْطَلَقَ الْفَتَى إلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِك فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فَنَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْفَتَى أَمْ الْحَيَّةُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» ) . (ش) : قَوْلُ الْفَتَى «يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي عَهْدًا» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: 62] وَأَرَادَ الْفَتَى أَنْ يُحْدِثَ بِأَهْلِهِ عَهْدًا لِيُطَالِعَ أَمْرَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ

مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْكَلَامِ فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَمِنْ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرٍ فِي مَعِيشَةٍ وَفِي إصْلَاحِ ضَيْعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَذَّرَهُ مِنْ يَهُودِ قُرَيْظَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى نَفْسِهِ سِلَاحَهُ لِئَلَّا يَغْتَالُوهُ فِي طَرِيقِهِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحِجَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَلَكِنَّهُ وَجَدَهَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَالٍ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَتُهُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ غَيْرَةً حَالَ شَبَابِهِ بِأَثَرِ عُرْسِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَبِرَ الرَّجُلُ ذَهَبَ حُسَامُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْمَرْأَةِ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِك عَلَى مَعْنَى إظْهَارِ عُذْرِهَا فِيمَا أَتَتْهُ فَدَخَلَ الْفَتَى فَوَجَدَ الْحَيَّةَ فَرَكَّزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ نَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيَّةُ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فَجَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ مَقْتُولًا مِنْ أَجْلِ الْحَيَّةِ وَقَوِيَ هَذَا التَّجْوِيزُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا» فَظَاهِرُ هَذَا تَجْوِيزُهُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحَيَّةُ مِنْهُمْ وَخُصَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إمَّا لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هُمْ الَّذِينَ كَانُوا أَسْلَمُوا مِنْ بَنِي آدَمَ فَأَعْلَمَهُمْ بِحُكْمِهِمْ مَعَ جِنٍّ قَدْ أَسْلَمُوا وَأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بَنُو آدَمَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَسَيَكُونُ حُكْمُهُ مَعَ مُسْلِمِي الْجِنِّ مِثْلَ ذَلِكَ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ الْجِنِّ غَيْرَ جِنِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ جِنُّ سَائِرِ الْبِلَادِ فَسَيَكُونُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمْ هَذَا الْحُكْمَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فَإِنَّمَا خَصَّ الْمَدِينَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُرَوْنَ فِي صُوَرِ الْحَيَّاتِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُؤْذَنُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ أَرَى أَنْ يُنْذَرُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُنْظَرُ إلَى ظُهُورِهَا، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا يُرِيدُ أَنْ يُنْذَرُوا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُتَحَرَّى بِإِنْذَارِهِمْ ثَلَاثَ مِرَارٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِي مِنْ الْإِنْذَارِ أَنْ يَقُولَ اُخْرُجْ عَلَيْك بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَبْدُوَ لَنَا أَوْ لِذُرِّيَّتِنَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا» يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَدِينَةِ فِي الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ بِحَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَيَّاتِ «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ عَادَيْنَاهُنَّ وَمَنْ يَتْرُكُهُنَّ خَوْفَ شَرِّهِنَّ فَلَيْسَ مِنَّا» وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ مَعْنَى ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ حِينَ أُخْرِجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه: 123] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ الْحَيَّاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَصَوِّرَةٍ مِنْ الْجِنِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُتَصَوِّرَةَ مِنْ الْجِنِّ مِمَّا لَمْ يُؤْمِنْ أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ الشَّيَاطِينِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ الشَّيَاطِينَ جِنْسٌ مِنْ الْجِنِّ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» يُحْتَمَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا إلَى الِانْتِصَارِ مِنْكُمْ.

[ما يؤمر به من الكلام في السفر]

وَالْأَهْلِ» مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ» . مَا جَاءَ فِي الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» قَالَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْكَلَامِ فِي السَّفَرِ] (ش) : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَرْزَ مِنْ الرَّحْلِ بِمَنْزِلَةِ الرِّكَابِ مِنْ السَّرْجِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِسْمِ اللَّهِ» ابْتِدَاءٌ فِي دُعَائِهِ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُسْتَفْتَحُ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِفْتَاحَ السَّفَرِ فَقَدْ يُسْتَفْتَحُ الْأَعْمَالُ بِالتَّسْمِيَةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ» بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مَكَانٌ مِنْ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ فَيَصْحَبُ الْمُسَافِرَ فِي سَفَرِهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ وَيَرْزُقَهُ وَيُعِينَهُ وَيُوَفِّقَهُ وَيُخْلِفَهُ فِي أَهْلِهِ بِأَنْ يَرْزُقَهُمْ سَعَةً فَلَا حُكْمَ لِأَحَدٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ غَيْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» فَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَعْتَقِدُهُ وَيَدْعُوهُ لِجَمِيعِهِ وَبِأَنْ تُزْوَى لَهُ الْأَرْضُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَقْبِضُهَا وَيَجْمَعُهَا فَتَقْرَبُ عَلَيْهِ مَسَافَةُ مَا يُرِيدُ قَطْعَهُ مِنْهَا وَذَلِكَ بِعَوْنِهِ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَرِّبْ لَنَا الْبُعْدَ» مِنْ هَذَا الْمَعْنَى «وَسَهِّلْ عَلَيْنَا الْوَعْدَ» بِمَعْنَى أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى هُوَ النَّصَبُ وَقَوْلُهُ «وَمِنْ كَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ» يُرِيدُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلَى مَا يَقْتَضِي كَآبَةً مِنْ فَوَاتِ مَا يُرِيدُ أَوْ وُقُوعِ مَا يَحْذَرُ وَالْكَآبَةُ ظُهُورُ الْحُزْنِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَا يَسُوءُهُ النَّظَرُ إلَيْهِ يُقَالُ مَنْظَرٌ حَسَنٌ وَمَنْظَرٌ قَبِيحٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْسِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَنْزِلِ نَعُوذُ مِنْ شَرِّ مَا خُلِقَ فِيهِ وَشَرِّ مَا فِيهِ وَالتَّعَوُّذُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الْمَعَانِي مِنْ نُزُولٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّهُ لَنْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ تَعَوُّذَهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّيْطَانِ وَفِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ فِي انْفِرَادِهِ عَنْ الْأُنْسِ وَتَرْكِهِ الْأُنْسَ بِهِمْ وَبُعْدِهِ عَنْ الِارْتِفَاقِ بِمُجَاوَرَتِهِمْ وَمُرَافَقَتِهِمْ وَتَرْكِهِ الْجَمَاعَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ حُكْمُهُمَا ذَلِكَ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَرَكْبٌ وَجَمْعٌ قَدْ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِ الشَّيَاطِينِ إلَى حُكْمِ الِاجْتِمَاعِ بِالْأُنْسِ وَالِارْتِفَاقِ بِمُرَافَقَتِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ يَفِرُّونَ مِنْ النَّاسِ وَيَسْتَتِرُونَ مِنْهُمْ وَيَخَافُونَ لِقِلَّتِهِمْ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ رَكْبٌ يَأْمَنُونَ وَيَأْنَسُونَ بِالنَّاسِ وَيُؤْنَسُ بِهِمْ وَهَذَا عَامٌّ. وَقَدْ «أَنْفَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عُتْبَةَ الْخُزَاعِيَّ وَحْدَهُ وَأَرْسَلَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ وَحْدَهُ» فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزْنِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ

[ما يؤمر به من العمل في السفر]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» . مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ فِي السَّفَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ يَرْفَعُهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَى بِهِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذَا الدَّوَابَّ الْعُجْمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوَا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَمَّا مَا قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَهَذَا إذَا حَمَلْنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاكِبُ وَالرَّاكِبَانِ عَلَى الْجِنْسِ، وَإِنْ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْعَهْدِ جَازَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى وَاحِدٍ وَإِلَى اثْنَيْنِ وَصَفَهُمَا بِصِفَةِ الشَّيَاطِينِ وَأَشَارَ إلَى جَمَاعَةٍ نَفَى عَنْهُمْ هَذِهِ الصِّفَةَ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَةِ الْإِنْسِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَهُمُّ بِاغْتِيَالِهِمَا وَالتَّسَلُّطِ عَلَيْهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يَهُمَّ بِالظُّهُورِ إلَيْهِمَا وَالتَّرْوِيعِ لَهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَهُمُّ بِفِتْنَتِهِمْ وَصَرْفِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَإِغْوَائِهِمْ بِالْبَاطِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ الْمُنْفَرِدَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ فِي السَّفَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُنْفَرِدَ بِالرَّأْيِ وَالْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ أَبْعَدُ مِنْ الْخَطَأِ مِنْ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» بِمَعْنَى التَّغْلِيظِ يُرِيدُ أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذَا لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَيَخَافُ عُقُوبَتَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِتْنَةٌ وَانْفِرَادَهَا سَبَبٌ لِلْمَحْظُورِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَجِدُ السَّبِيلَ بِانْفِرَادِهَا فَيُغْرِي بِهَا وَيَدْعُو إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا تُسَافِرَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ مَعَ إنْسَانٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ لَا تَنْفَرِدَ فِي مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ دُونَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا وَيَجْرِي إلَى صِيَانَتِهَا لِمَا رُكِّبَ فِي طِبَاعِ أَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ الْغَيْرَةِ عَلَى ذَوِي مَحَارِمِهِمْ وَالْحِمَايَةِ لَهُمْ، وَقَدْ رَخَّصَ مَالِكٌ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ يَكُونُ فِيهَا النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ إلَى الْحَجِّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الْمُتَجَالَّةِ تَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ مَعَ غَيْرِ وَلِيٍّ إنْ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ وَنَاسٍ مَأْمُونِينَ لَا تَخَافُهُمْ عَلَى نَفْسِهَا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ إنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ سَفَرُهَا فِي غَيْرِ الْفَرِيضَةِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ، وَقَدْ تُعُلِّقَ بِهَذَا وَجُعِلَ حَدًّا فِي سَفَرِ الْقَصْرِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا اخْتِلَافٌ، وَلَوْ بَدَا فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَاقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعَهُ فِي يَوْمَيْنِ وَفِي ثَلَاثَةٍ فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْعُهُ فِي يَوْمَيْنِ وَفِي ثَلَاثَةٍ فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ بَلْ هِيَ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ فِي السَّفَرِ] (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِيمَا يُحَاوِلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَإِنَّ الرِّفْقَ عَوْنٌ عَلَى الْمُرَادِ وَلَا يَبْلُغُ حَدَّ الْعَجْزِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مَانِعٌ مِنْ الْمُرَادِ وَخَيْرُ الْأَشْيَاءِ أَوْسَطُهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ «وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ» وَهُوَ الْإِفْرَاطُ. وَقَدْ رُوِيَ «شَرُّ السَّيْرِ الْحَقْحَقَةُ إنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى» قَالَ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ فِي الْحَجِّ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَكْرَهُ الْمَهَامِيزَ وَلَا يُصْلِحُ

[الأمر بالرفق بالمملوك]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وُجْهَتِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» . الْأَمْرُ بِالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ» مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَذْهَبُ إلَى الْعَوَالِي كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ فَإِذَا وَجَدَ عَبْدًا فِي عَمَلٍ لَا يُطِيقُهُ وَضَعَ عَنْهُ مِنْهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسَادَ، وَإِذَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ خَرَقَهَا. وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْخُسَهَا حَتَّى يُدْمِيَهَا وَقَوْلُهُ «فَإِنْ رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ» قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي بِالدَّوَابِّ الَّتِي تُرْكَبُ مِثْلَ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ الْعَجْمَاءُ الْبَهِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ وَكُلُّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ فَهُوَ أَعْجَمُ مُسْتَعْجَمٌ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا» يُرِيدُ اجْرُوهَا عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهَا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ عَلَيْهَا وَلَا تَقْصِيرٍ عَنْ حَاجَتِكُمْ يُقَالُ: أَنْزَلْت فُلَانًا مَنْزِلَتَهُ أَيْ عَامَلْته بِمَا يَجِبُ فِي أَمْرِهِ وَيَلِيقُ بِحَالِهِ غَيْرَ مُقَصِّرٍ بِهِ وَلَا مُبْلِغٍ لَهُ مَا لَا يَسْتَأْهِلُهُ وَقَوْلُهُ «فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ جَدْبَةً» يُرِيدُ لَا خِصْبَ فِيهَا فَانْجُوَا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَانْجُوَا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا أَيْ أَسْرِعُوا السَّيْرَ وَيُقَالُ: نَجَوْت أَنْجُو نَجَاءً إذَا أَسْرَعْت، وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَانْجُوَا عَلَيْهَا أَيْ اسْلَمُوا عَلَيْهَا مَا دَامَتْ بِنِقْيِهَا، قَالَ مَالِكٌ هُوَ شَحْمُهَا وَقُوتُهَا يُقَالُ نَجَا فُلَانٌ يَنْجُو إذَا سَلِمَ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اُنْجُوا عَلَيْهَا مِنْ أَرْضِ الْجَدْبِ فَإِنَّكُمْ إنْ أَبْطَأْتُمْ بِهَا فِي أَرْضِ الْجَدْبِ ضَعُفَتْ وَهَزَلَتْ فَلَمْ تَنْجُوَا عَنْ أَرْضِ الْجَدْبِ فَجُعِلَ ذَلِكَ مَعْنًى يُبِيحُ الْإِسْرَاعَ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْمَخَافَةِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الرِّفْقُ مَعَ الْخِصْبِ وَالْأَمَانِ وَعَدَمِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْجِيلِ وَالْإِسْرَاعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وُجْهَتِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَعَبَهُ وَمَشَقَّتَهُ وَالتَّأَلُّمَ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَطَرِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النساء: 102] وَمَنَعَ مَا يُمْنَعُ مِنْ النَّوْمِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِجَادَتَهُ وَإِصْلَاحَهُ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ السَّفَرُ وَأَمَّا وُجُودُهُ فَلَا يَمْنَعُهُ السَّفَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وُجْهَتِهِ» يُرِيدُ بَلَغَ مِنْهَا مُرَادَهُ وَمَا يَكْفِيهِ وَمَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّعْجِيلَ عِنْدَ السَّيْرِ مِنْ تَرْكِ التَّلَوُّمِ وَذَلِكَ نَصٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّعْجِيلَ فِي السَّيْرِ إلَى الْأَهْلِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى تَقْوِيَتِهِ وَقِيَامِهِ بِأَمْرِهِمْ وَجُعِلَ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ التَّعْجِيلَ فِي السَّيْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [الْأَمْرُ بِالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَالِكِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَعْرُوفِ يُرِيدُ بِمَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ فِي حَالِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَنَفَاذِهِ فِي التِّجَارَةِ وَالْعَمَلِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ مَالِهِ الَّذِي مِنْهُ يَأْكُلُ وَمِنْهُ يَلْبَسُ وَهُوَ يُعْطِي مِنْهُ عَبْدَهُ كِسْوَتَهُ وَطَعَامَهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِنْسَ مَا يُلْبَسُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ نَصًّا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ لِيَأْكُلَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْعِدْهُ

[ما جاء في المملوك وهيئته]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُكَلِّفُوا الْمَرْأَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى مَا كَلَّفْتُمُوهَا ذَلِكَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا وَلَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ سَرَقَ وَعِفُّوا إذَا أَعَفَّكُمْ اللَّهُ وَعَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا) . مَا جَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ وَهَيْئَتِهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعَبْدُ إذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلْيُطْعِمْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ» ؛ لِأَنَّ مِنْ قَدْ تَكُونُ لِلْجِنْسِ وَتَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَسُئِلَ مَالِكٌ هَلْ يَأْكُلُ السَّيِّدُ مِنْ طَعَامٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ الْعَبْدُ وَيَلْبَسُ ثِيَابًا لَا يَلْبَسُهَا الْعَبْدُ؟ قَالَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ قِيلَ لَهُ فَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ هَذَا الْقُوتُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فَلَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَذْهَبُ إلَى الْعَوَالِي يُرِيدُ عَوَالِيَ الْمَدِينَةِ وَحَيْثُ يَعْمَلُ الرَّقِيقُ فِي النَّخِيلِ كُلَّ سَبْتٍ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُرَاعَاةَ الرَّقِيقِ أَنْ يَأْتِيَ قُبَاءَ يَوْمَ السَّبْتِ فَإِنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا وَجَدَ عَبْدًا فِي عَمَلٍ لَا يُطِيقُهُ يُرِيدُ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَضْعُفُ عَنْهُ خَفَّفَ عَنْهُ يُرِيدُ وَأَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهُ مَا لَا يَفْدَحُهُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَقْصِيرٌ عَنْ حَقِّ سَيِّدِهِ، قَالَ مَالِكٌ: وَكَانَ يَزِيدُ فِي رِزْقِ مَنْ قَلَّ رِزْقُهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَأَكْرَهُ مَا أَحْدَثُوا مِنْ إجْهَادِ الْعَبِيدِ فِي عَمَلِ الزَّرَانِيقِ قَالَ وَمَنْ لَهُ عَبِيدٌ يَحْصُدُونَ نَهَارًا لَا يَسْتَطْحِنُونَ لَيْلًا وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي لَا يُتْعِبُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ فِي عَمَلٍ مُتْعِبٍ. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ بَيْعُ عَبْدِهِ إذَا اشْتَكَى الْعُزْبَةَ، وَقَالَ قَدْ وَجَدْت مَوْضِعًا أَرْضَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ بَيْعُ عَبْدِهِ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ شِرَاءَ عَبْدٍ فَسَأَلَهُ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ قَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتْرُكَهُ وَإِمَّا أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ فَلَا. (مَسْأَلَةٌ) : وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ يَا سَيِّدِي قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَقِيلَ لَهُ يَقُولُونَ السَّيِّدُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا فِي الْقُرْآنِ رَبُّنَا رَبُّنَا. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُكَلِّفُوا الْمَرْأَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ فَإِنَّكُمْ مَتَى مَا كَلَّفْتُمُوهَا ذَلِكَ كَسَبَتْ بِفَرْجِهَا وَلَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ سَرَقَ وَعِفُّوا إذَا أَعَفَّكُمْ اللَّهُ وَعَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تُكَلِّفُوا الْأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ الْكَسْبَ فَتَكْسِبُ بِفَرْجِهَا يُرِيدُ أَنَّهَا إنْ أُلْزِمَتْ خَرَاجًا وَهِيَ لَيْسَتْ بِذَاتِ صَنْعَةٍ تَصْنَعُهَا بِخَرَاجٍ اضْطَرَّاهَا ذَلِكَ إلَى الْكَسْبِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهَا وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى أَنْ تَكْسِبَ بِفَرْجِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور: 33] وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ إذَا كُلِّفَ الْكَسْبَ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالْخَرَاجِ وَهُوَ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ رُبَّمَا اضْطَرَّهُ إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِمَّا لَزِمَهُ مِنْ الْخَرَاجِ بِأَنْ يَسْرِقَ، وَقَوْلُهُ عِفُّوا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عِفُّوا عَنْ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ أَيْ اُتْرُكُوهُ وَاصْبِرُوا عَنْهُ إذَا أَعَفَّكُمْ اللَّهُ أَيْ إذَا أَوْجَدَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى السَّبِيلَ إلَى التَّعَفُّفِ بِالْغِنَى. (فَصْلٌ) : وَعَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِمِ بِمَا طَابَ مِنْهَا أَيْ بِمَا حَلَّ وَسَلِمَ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهِيَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُول ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ لِتَعُمَّ مَوْعِظَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْمَمْلُوكِ وَهَيْئَتِهِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْعَبْدَ إذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» يُرِيدُ حَفِظَهُ وَأَنْمَاهُ وَامْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُبَاحِ وَلَمْ يَخُنْهُ

[ما جاء في البيعة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَمَةً كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ جَارِيَةَ أَخِيك تَجُوسُ النَّاسَ، وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ) . مَا جَاءَ فِي الْبَيْعَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: «كُنَّا إذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ» ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَحْسَنَ مَعَ ذَلِكَ عِبَادَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَهُ أَجْرُ عَامِلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَعَامِلٌ بِطَاعَةِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرُهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ ثُمَّ آمَنَ بِي وَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا» . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَمَةً كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ جَارِيَةَ أَخِيك تَجُوسُ النَّاسَ، وَقَدْ تَهَيَّأَتْ بِهَيْئَةِ الْحَرَائِرِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَجُوسُ النَّاسَ مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - تَتَخَطَّى النَّاسَ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِمْ مُخْتَمِرَةً بِشَكْلِ الْحَرَائِرِ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَكْرَهْ أَنْ تُرَى وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ إذَا رَأَى عَلَيْهِنَّ الْجَلَابِيبَ قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ لَيْسَ فِيهِنَّ خَفَرُ الْحَرَائِرِ وَلَا سِتْرُهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُنَّ ذَلِكَ فَإِذَا لَبِسْنَ ثِيَابَ الْحَرَائِرِ اعْتَقَدَ فِيهِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ مُتَبَرِّجَاتِ الْحَرَائِرِ فَمَنَعَ لِهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الْبَيْعَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا إذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَايَعَةُ تَخْتَصُّ بِمُعَاقَدَةِ الْإِمَامِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} [الممتحنة: 12] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَبَايِعْهُنَّ} [الممتحنة: 12] وَمُبَايَعَةُ الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ لَهُمْ: فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ» يُرِيدُ مِنْ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16] وَأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْ الْمُكَلَّفِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْهُ مِنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيَّة أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُك عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَك فِي مَعْرُوفٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ قَالَتْ: فَقُلْنَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا هَلُمَّ نُبَايِعُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» . (ش) : هَذِهِ الْبَيْعَةُ الَّتِي ذَكَرَتْهَا أُمَيْمَةُ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْمُمْتَحَنَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ} [الممتحنة: 12] الْآيَةَ، وَمَا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ مِنْ مُبَايَعَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُنَّ «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ» وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَرْحَمُ بِنَا مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يُرْفِقُنَا وَيَرْضَى مِنَّا بِمَا بَذَلْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا إكْرَامًا مِنْهُ

[ما يكره من الكلام]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَلَامٌ عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَأُقِرُّ لَك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْت) . مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَمِعْت الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ بِوَلَدٍ تَنْسُبُهُ إلَى الزَّوْجِ يُقَالُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَقِطُ الْوَلِيدَ فَتَتَبَنَّاهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ» يُرِيدُ لَا أُبَاشِرُ أَيْدِيَهُنَّ بِيَدِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الِاجْتِنَابَ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ مُبَايَعَةِ الرِّجَالِ الْمُصَافَحَةَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَتِهِنَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُبَايَعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْمُكَاتَبَةِ دُونَ الْمُصَافَحَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْمُعَاقَدَةِ وَإِلْزَامِ ذَلِكَ وَالْتِزَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَلَامٌ عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَأُقِرُّ لَك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْت) . (ش) : قَوْلُهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى اسْتِفْتَاحِ الْكُتُبِ بِالتَّسْمِيَةِ. وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] {أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] «وَكَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ» الْحَدِيثَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَمَّا بَعْدُ أَيْضًا كَانَ مِمَّا يُسْتَفْتَحُ بِهِ الْخِطَابُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إنَّهَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] وَقَوْلُهُ فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَى مَعْنَى الْإِعْلَامِ بِحَالِهِ، وَإِنَّمَا حَالُ حَمْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشُكْرٍ لِنِعَمِهِ وَقَوْلُهُ وَأُقِرُّ لَك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَلْتَزِمُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لَك عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُرْعَةٍ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَنَّهُ إذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ فَبِأَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا لِمَنْ بَايَعَ طَائِعًا وَأَمَّا مَنْ بَايَعَ مُكْرَهًا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي فِيمَا يَلْزَمُ مُبَايَعَتُهُ فَتَلْزَمُ الْمُبَايِعَ طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا، قَالَ أَصْبَغُ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بَايَعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ كَارِهٌ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَرِهَ وَجْهَ الْمُبَايَعَةِ وَلَمْ يَكْرَهْ الْمُبَايَعَةَ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي الْمُزْنِيَةِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ كَافِرًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقُولُ كَذَلِكَ خِيفَ عَلَى الْقَائِلِ أَنْ يَصِيرَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لِأَخِيهِ كَافِرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَهُ بِحَقٍّ مَشْرُوعٍ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ كَافِرًا وَهَذَا مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» يُرِيدُ بِوِزْرِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا فَوِزْرُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى قَائِلِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَكُونُ كَافِرًا بِهَذَا الْقَوْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَمِعْت الرَّجُلَ يَقُولُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ

أَهْلَكُهُمْ» (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ لَقِيَ خِنْزِيرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ اُنْفُذْ بِسَلَامٍ فَقِيلَ لَهُ تَقُولُ هَذَا لِخِنْزِيرٍ؟ فَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي الْمَنْطِقَ بِالسُّوءِ) . مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التَّحَفُّظِ فِي الْكَلَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلَكُهُمْ» . (ش) : قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ احْتِقَارًا لِلنَّاسِ وَازْدِرَاءً عَلَيْهِمْ فَقَدْ هَلَكَ هُوَ بِقَوْلِهِ هَذَا، وَإِنْ قَالَهُ تَوَجُّعًا عَلَى النَّاسِ وَعَلَى مَنْ هَلَكَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَمَعْنَى فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَعْنَاهُ هُوَ أَفْشَلُهُمْ وَأَرْذَلُهُمْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِمَعْنَى هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - خَيْبَتِي مِنْ حَاجَتِي الَّتِي طَلَبْتهَا فَنَسَبَ الْخَيْبَةَ إلَى الدَّهْرِ وَتَظَلَّمَ مِنْهُ فَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا تَظَلَّمْتُمْ مِنْ الْمَانِعِ فَإِنَّمَا يَقَعُ تَظَلُّمُكُمْ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَانِعُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُضِيفُ إلَى الدَّهْرِ مَا يُصِيبُهُ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24] . وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» فَقَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنَا الدَّهْرُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الدَّهْرُ وَلَا أَنَّ الدَّهْرَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَنَّهَا إذَا تَظَلَّمَتْ لِزَيْدٍ جَازَ لِعَمْرٍو أَنْ يَقُولَ: أَنَا زَيْدٌ الَّذِي تَظَلَّمْت مِنْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ بِي يَصِلُ إلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ مِنِّي لَا مِنْ زَيْدٍ فَيَصِفُ نَفْسَهُ بِزَيْدٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ لَقِيَ خِنْزِيرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ اُنْفُذْ بِسَلَامٍ فَقِيلَ لَهُ تَقُولُ هَذَا لِخِنْزِيرٍ؟ فَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي الْمَنْطِقَ بِالسُّوءِ) . (ش) : قَوْلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْخِنْزِيرِ اُنْفُذْ بِسَلَامٍ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ بِسَلَامَةٍ لَك مِنَّا كَمَا «قَالَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى فِي الْحَيَّةِ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بِسَلَامٍ بِتَحِيَّةٍ مِنَّا عَلَيْك وَعَلَى أَنْفُسِنَا إذْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَرُدُّ التَّحِيَّةَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِمْ تَقُولُ هَذَا لِخِنْزِيرٍ لِهِجْنَتِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ لِتَحْرِيمِهِ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي الْمَنْطِقَ بِالسُّوءِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ لِلْعَوَائِدِ تَأْثِيرًا وَجَرَتْ إلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ بِعَمْدٍ أَوْ سَهْوٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَهِّرَ لِسَانَهُ مِنْ مَنْطِقِ سُوءٍ رُبَّمَا سَبَقَ إلَيْهِ مَعَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَعِظَ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (مَسْأَلَةٌ) : وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ اسْتِعْمَالَ حُسْنِ الْأَلْفَاظِ وَاجْتِنَابَ ذِكْرِ مَا يُكْرَهُ سَمَاعُهُ وَأَنْ يُكَنَّى عَنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَسُئِلَ عَنْ مَسِّ الرُّفْغِ وَالشَّرَجِ وَالْعَانَةِ أَفِي ذَلِكَ وُضُوءٌ فَقَالَ مَا سَمِعْت فِيهِ بِوُضُوءٍ وَأَكْرَهُ أَنْ يُمَسَّ تَقَذُّرًا، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُلُوكِ إذَا أَصَابَ النَّاسَ طَاعُونٌ فَطُعِنَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقِيلَ: طُعِنَتْ تَحْتَ إبْطِهَا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَسَأَلَهُ أَيْنَ طُعِنَتْ فَقَالَ: تَحْتَ يَدِهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَذْكُرَ إبْطَهَا قَالَ، وَقَدْ كَانَتْ تَجْتَنِبُ سَيِّئَ الْكَلَامِ وَتَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ فَكَأَنَّهُ رَأَى التَّنْكِيبَ عَنْ ذِكْرِ الْعَانَةِ وَالشَّرَجِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ.

[ما يؤمر به من التحفظ في الكلام]

أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ) . مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا أَوْ إنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التَّحَفُّظِ فِي الْكَلَامِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ حَيْثُ بَلَغَتْ» يُرِيدُ لَا يَسْتَطِيعُهَا وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ لِيَرُدَّهُ بِهَا عَنْ ظُلْمِهِ فِي إرَاقَةِ دَمٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ لِيَصْرِفَهُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يُعِينَ ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ بُلُوغَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَرَوَى عَبْدُ الْمُتَعَالِي بْنُ صَالِحٍ قَالَ: قِيلَ لِمَالِكٍ يُدْخَلُ عَلَى السُّلْطَانِ وَهُمْ يَظْلِمُونَ وَيَجُورُونَ قَالَ: يَرْحَمُك اللَّهُ فَأَيْنَ التَّكَلُّمُ بِالْحَقِّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي عَوْنِهِ عَلَى الْجَوْرِ وَالْإِثْمِ وَتَزْيِينِهِ لَهُ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَقُولُ فِي تَفْسِيرِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ يَتَكَلَّمُ بِهَا الرَّجُلُ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ يُرْضِيهِ بِهَا فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فِيمَا يُرَى الرَّفَثُ وَالْخَنَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ مَنْ جَحَدَ وَلَا كَفَرَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ» يُرِيدُ لَا يَعْبَأُ بِهَا وَيَسْتَخِفُّهَا فَلَا يُعَاجِلُ النَّدَمَ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةَ مِنْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ لَقَدْ مَنَعَنِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ. [مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى] (ش) : قَوْلُهُ قَدِمَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ هُمَا عَمْرُو بْنُ الْأَصَمِّ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا ذَمٌّ لِلْبَيَانِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِإِدْخَالِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَمِّهِ بِأَنْ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ السِّحْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ السِّحْرِ وَالسِّحْرُ مَذْمُومٌ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى إنَّ الطَّلِقَ اللِّسَانُ لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ يُكَلِّمُهُ حَتَّى يَأْخُذَ بِسَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَبَصَرِهِ كَمَا يَأْخُذُ السَّاحِرُ أَلَا تَرَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ شَرًّا مِنْ طَلَاقَةِ اللِّسَانِ» وَقَالَ قَوْمٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ لِلْبَيَانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَدَّدَ الْبَيَانَ فِي النِّعَمِ الَّتِي تَفَضَّلَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فَقَالَ تَعَالَى {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [الرحمن: 3] {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 4] وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبْلَغِ النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ بَيَانًا وَبِذَلِكَ وَصَفَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ فَقَالَ {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [النحل: 39] وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِذَلِكَ وَلَا تَذُمُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ وَجْهٌ إنْ كَانَ الْبَيَانُ بِمَعْنَى الْإِلْبَاسِ وَالتَّمْوِيهِ عَنْ حَقٍّ إلَى بَاطِلٍ فَلَيْسَ يَكُونُ الْبَيَانُ حِينَئِذٍ فِي الْمَعَانِي وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّمْوِيهِ وَالتَّلْبِيسِ فَيُسَمَّى بَيَانًا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَتَى فِي ذَلِكَ بِأَبْلَغَ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِهِ فَيَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا قَدْ سَحَرَهُ وَفَتَنَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا وَأَمَّا الْبَيَانُ فِي الْمَعَانِي وَإِظْهَارِ الْحَقَائِقِ فَمَمْدُوحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ وُصِفَ بِالسِّحْرِ فَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِهِ بِالنَّفْسِ وَتَلَبُّسِهِ بِهَا وَمَيْلِهَا إلَيْهِ وَلَا يُشَكُّ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبْيَنُ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السَّحَرَةُ وَأَوْضَحُ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ

[ما جاء في الغيبة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُرْسِلُ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَتَقُولُ: أَلَا تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ) . مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُوَيْطِبٍ الْمَخْزُومِيِّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا الْغِيبَةُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قُلْت بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنْ يَمْدَحَ الْإِنْسَانُ فَيُصَدَّقُ بِهِ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوبَ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَذُمَّهُ فَيُصَدَّقُ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوبَ إلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ سَحَرَ السَّامِعِينَ وَرُوِيَ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ «وَرَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدٌ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ الْأَصَمِّ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْثَمِ فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا سَيِّدُ تَمِيمٍ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ وَالْمُجَابُ فِيهِمْ آخِذٌ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ وَهَذَا يَعْلَمُ ذَلِكَ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْأَهْثَمِ فَقَالَ عَمْرٌو: إنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ مَانِعٌ لِجَانِبِهِ مُطَاعٌ فِي أَدَانِيهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كَذَبَ وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إلَّا الْحَسَدُ؛ فَقَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُك، فَوَاَللَّهِ إنَّك لَلَئِيمُ الْخَالِ حَدِيثُ الْمَالِ أَحْمَقُ الْوَالِدِ مُبْغَضُ فِي الْعَشِيرِ، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقْت أَوَّلًا وَمَا كَذَبْت آخِرًا وَلَكِنِّي رَجُلٌ رَضِيت فَقُلْت أَحْسَنَ مَا عَلِمْت وَغَضِبْت فَقُلْت أَقْبَحَ مَا وَجَدْت؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تُرْسِلُ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَتَقُولُ: أَلَا تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ) . (ش) : قَوْلُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَقْسُو قُلُوبُكُمْ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ لَغْوًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ الْمُبَاحُ فَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ الْمَحْظُورُ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ مَا تَقْسُو بِهِ الْقُلُوبُ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ يُرِيدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ لَا تَنْظُرُوا فِي عُيُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْظُرُ فِي ذُنُوبِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثِيبُ عَلَى حَسَنِهَا وَلَا يُعَاقِبُ عَلَى سَيِّئِهَا وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهَا رَبُّهُ الَّذِي أَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَيُثِيبُهُ عَلَى حَسَنِهَا وَيُعَاقِبُهُ عَلَى سَيِّئِهَا وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي عُيُوبِ نَفْسِهِ لِيُصْلِحَ مِنْهَا مَا فَسَدَ وَيَتُوبُ مِنْهَا عَمَّا فَرَّطَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِالذُّنُوبِ، وَقَوْلُهُ: وَمُعَافًى، يُرِيدُ مِنْ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ يُرِيدُ مَنْ اُمْتُحِنَ بِالذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ يُرِيدُ مِنْ الذُّنُوبِ فَإِنَّكُمْ بِفَضْلِ اللَّهِ عُصِمْتُمْ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْحَاجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمُعَافَاةُ مِنْهَا بِالصِّحَّةِ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ. [مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ] (ش) : سُؤَالُ الرَّجُلِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْغِيبَةِ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ لِمَا سَمِعَ فِيهَا مِنْ النَّهْيِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْغِيبَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِيَجْتَنِبَهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ مِنْ الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يَسْمَعَ» يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَفْعَالِ الْمَرْءِ وَأَقْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي يَكْرَهُ أَنْ يُوصَفَ بِهَا وَرُبَّمَا ذُمَّ بِهَا فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا مِنْ الْغِيبَةِ، وَإِنْ كَانَ يَقُولُ حَقًّا وَهَذَا لِمَنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْغِيبَةِ

[ما جاء فيما يخاف من اللسان]

مَا جَاءَ فِيمَا يُخَافُ مِنْ اللِّسَانِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَتَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تُخْبِرُنَا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَلَا تُخْبِرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فَقَالَ الرَّجُلُ أَلَا تُخْبِرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ يَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى فَأَسْكَتَهُ رَجُلٌ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا لِيُحَذِّرَ مِنْهَا أَحَدًا فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ فِي مُحَدِّثٍ لِئَلَّا يَتَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ وَفِي شَاهِدٍ لِيَرُدَّ بَاطِلَ شَهَادَتِهِ أَوْ فِي مُتَحَيِّلٍ لِيَصْرِفَ كَيْدَهُ وَأَذَاهُ عَنْ النَّاسِ وَيُحَذِّرَ مِنْهُ مَنْ يَغْتَرُّ بِهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْغِيبَةِ بَلْ هُوَ حَقٌّ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ فِرَقِ الْفُقَهَاءِ وَفِي كِتَابِ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ. وَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا غِيبَةَ فِي ثَلَاثَةٍ: إمَامٌ جَائِرٌ، وَفَاسِقٌ مُعْلِنٌ بِفِسْقِهِ، وَصَاحِبُ بِدْعَةٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ» يُرِيدُ أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْغِيبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَاطِلِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ الْبُهْتَانُ الْبَاطِلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ يُقَالُ بَهَتَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا كَذَبَ عَلَيْهِ فَبَهَتَ يَبْهُتُ وَبَهِتَ يَبْهَتُ. [مَا جَاءَ فِيمَا يُخَافُ مِنْ اللِّسَانِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَتَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ» عَلَى مَعْنَى التَّحْذِيرِ لِأُمَّتِهِ مِنْ شَرِّهِمَا وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ اخْتِبَارَهُمَا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ أَلَا تُخْبِرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى الْقَعْنَبِيُّ أَلَا تُخْبِرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى اسْتِدْعَاءِ خَبَرِهِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَعْنَى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِمْ الِاحْتِرَاسُ مِنْهَا وَرَجَا إذَا سَكَتَ أَنْ يُوَفَّقُوا لِلْعَمَلِ بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُمْ حَتَّى يَقُولُوا مَا يَظْهَرُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُمْ صَوَابُ هَذَا وَإِسْكَاتُ الرَّجُلِ لَهُ عَنْ إعَادَةِ كَلَامِهِ رَجَاءَ أَنْ يُخْبِرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوَابِ ذَلِكَ وَيُبَيِّنَ لَهُمْ وَجْهَهُ فَيَنْتَهُوا إلَيْهِ وَيَأْخُذُوا بِهِ وَخَوْفَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي تَكَرَّرَ جَوَابُهُ فَسَأَلَ أَنْ لَا يُخْبِرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ» يُرِيدُ فَمَه وَفَرْجَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ أَكْثَرَ الذُّنُوبِ تَكُونُ عَلَى هَذَيْنِ فَيَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْكَلَامُ وَالسُّكُوتُ وَتَكَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لَهُ وَالتَّأْكِيدِ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَك فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ) . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ خَالِيًا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ الْعُضْوِ الَّذِي كَانَ يُحْذَرُ مَضَرَّتُهُ عَسَى أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ اسْتِدَامَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعَ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ وَلَكِنَّ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ يُتَعَاهَدُ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمُؤْمِنُ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ يَجْلِسُ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَالْفَاجِرُ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ وَلِذَلِكَ كَانَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ إذَا وَقَعَ الْأَمْرُ

[ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد]

مَا جَاءَ فِي مُنَاجَاةِ اثْنَيْنِ دُونَ وَاحِدٍ (ص) : (مَالِكٌ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كُنْت أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَا اسْتَأْخِرَا شَيْئًا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» . مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْذِبُ امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكْرَهُونَهُ وَبَّخُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ وَأَقْلَعُوا عَنْهُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُمْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَصْبَحَ الْعَبْدُ أَصْبَحَتْ الْأَعْضَاءُ تَسْتَعِيذُ مِنْ شَرِّ اللِّسَانِ وَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّك إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» . [مَا جَاءَ فِي مُنَاجَاةِ اثْنَيْنِ دُونَ وَاحِدٍ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ لَا يَتَسَارَّا وَيَتْرُكَا صَاحِبَهُمَا وَحْدَهُ قَرِينًا لِلشَّيْطَانِ يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ يَغْتَابَانِهِ أَوْ يَتَكَلَّمَانِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَفِعْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَهُوَ خَادِمُهُ وَوَاثِقٌ بِهِ يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ لِيُقْتَدَى بِهِ وَيُنْقَلَ الْحَدِيثُ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى عُمُومِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي السَّفَرِ وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَأَمِنَ النَّاسُ زَالَ هَذَا الْحُكْمُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَحَمَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْحَضَرِ وَبَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَةِ أَهْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ حُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَدَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزْنِيَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتْرَكَ وَاحِدٌ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانُوا عَشْرَةً أَنْ يَتْرُكُوا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ وَفِي تَرْكِ الِاثْنَيْنِ لِلْوَاحِدِ سَوَاءٌ وَهُوَ مِمَّا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا جَمِيعًا عَلَى شَيْءٍ إفْرَادُهُ بِسَتْرِهِ عَنْهُ وَإِخْرَاجِهِمَا لَهُ مِنْهُ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ] (ش) : قَوْلُ الرَّجُلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْذِبُ امْرَأَتِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُخْبِرَهَا عَنْ أَمْرٍ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي كَذِبٍ يُنَافِي الشَّرْعَ وَأَمَّا مَا كَانَ لِإِصْلَاحٍ فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَلِكَ «كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إلَّا ثَلَاثًا: كَذِبُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ لِيُرْضِيَهَا وَرَجُلٌ كَذَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدِيعَةِ حَرْبٍ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْمَعْنَى فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَجْوِيزِ الْكَذِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقَوْلُهُ {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ فِي سَارَةَ أَنَّهَا أُخْتُهُ وَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا كَانَ مِنْ وَضْعِ يُوسُفَ الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنَّكُمْ لَسَارِقُونَ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمُزْنِيَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَكْذِبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي كُلِّ مَا يَسْتَجِيزُ بِهِ هَوَاهَا وَطَوَاعِيَتَهَا إذَا لَمْ يُذْهِبْ

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَذِبِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا مِثْلَ أَنْ يُزَيِّنَ لَهَا مَا يُعْطِيهَا وَنَحْوُ هَذَا، وَإِنْ كَذَبَ وَقَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَنْ رَأَى رَجُلًا مُسْلِمًا يُقْتَلُ ظُلْمًا وَيَعْرِفُ أَنَّهُ يُنْجِيهِ بِالْكَذِبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ فَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ فِيهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَلَى مَعْنَى التَّوْرِيَةِ وَالْأَلْغَازِ لَا عَلَى مَعْنَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَقَصْدِهِ، وَقَدْ تَأَوَّلُوا مَا حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ عَلَى وُجُوهِ الْأَلْغَازِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يَمْشِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنَمِّي خَيْرًا أَوْ يَقُولُهُ» . (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الرَّجُلِ «أَعِدُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَعِدُهَا وَأَنَا أَعْتَقِدُ الْوَفَاءَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي. وَقَدْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْكَذِبُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَاضِي وَالْخَلَفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذِبًا فَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَقَدْ يُمْكِنُهُ تَصْدِيقُ خَبَرِهِ يَنْصَرِفُ مَذْهَبُهُ إلَى فِعْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْذِبَ ثُمَّ آثَرَ أَنْ يَصْدُقَ فَصَدَقَ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ) . (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ عَلَى مَعْنَى الْإِغْرَاءِ بِهِ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى الْعَمَلِ الْخَالِصِ مِنْ الْمَأْثَمِ وَيُوصِلُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَالْبِرُّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ مَعْنَاهُ يُرْشِدُ إلَى سَبِيلِهَا وَيُوصِلُ إلَيْهَا قَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ عَلَى مَعْنَى التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْكَذِبَ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ، وَأَصْلُ الْفُجُورِ الْمَيْلُ عَنْ الْقَصْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة: 5] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَذْهَبَ فِي فُجُورِهِ قَدَمًا قَدَمًا، وَقَالَ غَيْرُهُ يُقَدِّمُ الذَّنْبَ وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُكَذِّبُ بِمَا أَمَامَهُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْحِسَابِ يُقَالُ لِلْكَاذِبِ فَاجِرٌ كَذَّابٌ وَلِلْمُكَذِّبِ بِالْحَقِّ فَاجِرٌ، وَقَوْلُهُ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، مَعْنَاهُ يَدْعُو إلَى سَبِيلِهَا وَيُوصِلُ إلَيْهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْبِرَّ مِمَّا يُؤَكَّدُ بِهِ الصِّدْقُ وَيُوصَفُ بِهِمَا الْفِعْلُ الْوَاحِدُ لِفَاعِلٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ وَالْفُجُورُ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا يُقَالُ فِيهِ كَذَبَ وَفَجَرَ فَيُوصَفُ فِيهِ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِلُقْمَانَ مَا بَلَغَ بِك مَا نَرَى يُرِيدُونَ الْفَضْلَ فَقَالَ لُقْمَانُ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي) . (ش) : قَوْلُهُ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي بِجَمْعِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] . وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ رَأَيْت الْأَوْزَاعِيَّ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَنَّةِ فَقُلْت: وَأَيْنَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؟ فَقِيلَ: رُفِعَ، فَقُلْت بِمَاذَا؟ قَالَ: لِصِدْقِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ يُقَالُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ: لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ: لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لَا» . (ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتَنْكُتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ النُّكْتَةُ الْأَثَرُ

[ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين]

مَا جَاءَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَذِي الْوَجْهَيْنِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرُ مِنْ أَيِّ لَوْنٍ كَانَ وَوَصْفُهَا بِالسَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْوَانِ الْكُفْرِ وَبِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] وَلِذَلِكَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَوْعِبَ النُّكْتَةُ قَلْبَهُ وَلَا يَزُولُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبْعِدُ ذَلِكَ عَنْهُ فَيَمْنَعُ التَّوْبَةَ وَلَا يُوَفَّقُ لِشَيْءٍ يُزِيلُ عَنْهُ مَا هُوَ فِيهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعِصْمَةَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ» وَكَذَلِكَ فِي الْبَخِيلِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَّابًا. [مَا جَاءَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَذِي الْوَجْهَيْنِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ بِعَهْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَرْكُ الْفُرْقَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَيْكُمْ بِحَبْلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ كِتَابُهُ، قَالَ وَالْحَبْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا الْعَهْدُ وَهُوَ الْأَمَانُ قَالَ الشَّاعِرُ ، وَإِذَا تَجَوَّزَهَا حِبَالُ قَبِيلَةٍ ... أَخَذْت مِنْ الْأُخْرَى إلَيْك حِبَالَهَا وَالْحَبْلُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُوَاصَلَةُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - شَأْنَكُمْ وَهُمْ الْأَئِمَّةُ فَإِنَّ مُنَاصَحَتَهُمْ مُنَاصَحَةُ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا» قِيلَ وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ هُوَ الْإِكْثَارُ مِنْ الْكَلَامِ وَالْإِرْجَافُ نَحْوُ قَوْلِ النَّاسِ قَالَ فُلَانٌ وَفَعَلَ فُلَانٌ وَالْخَوْضُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُرِيدُ قِيلًا وَقَالًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِتَضْيِيعِهِ تَرْكَ تَثْمِيرِهِ وَحِفْظِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إنْفَاقَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْمَعَاصِي. وَقَالَ مَالِكٌ إضَاعَةُ الْمَالِ أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ رِزْقًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَدْرِي أَهُوَ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ فَقَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا أَوْ هُوَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ» وُصِفَ بِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهِ التَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالرِّضَا عَنْ قَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ فَإِذَا زَالَ عَنْهُمْ وَصَارَ مَعَ مُخَالِفِيهِمْ لَقِيَهُمْ بِوَجْهِ مَنْ يَكْرَهُ الْأَوَّلِينَ وَيُسِيءُ الْقَوْلَ فِيهِمْ وَالذَّمَّ لِفِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ.

[ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة]

مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْعَامَّةِ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: كَانَ يُقَالُ: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ وَلَكِنْ إذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا اسْتَحَلُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ) . مَا جَاءَ فِي التُّقَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَخَرَجْت مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَسَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ وَاَللَّهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقُولُ: أَدْرَكْت النَّاسَ وَمَا يُعْجَبُونَ بِالْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَمَلِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْعَامَّةِ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ] (ش) : قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ بِالصَّالِحِينَ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ الْمُسِيئِينَ الْعَذَابَ وَلَعَلَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] فَتَأَوَّلَتْ فِي كُلِّ قَوْمٍ فِيهِمْ صَالِحٌ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصًّا وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَدْ أُهْلِكَ قَوْمُهُمْ مَعَ كَوْنِ النَّبِيِّ فِيهِمْ وَيُنْجِي اللَّهُ رُسُلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا نَعَمْ فَقَدْ يُهْلِكُ اللَّهُ الْأُمَّةَ فِيهِمْ الصَّالِحُونَ إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً وَاعْتَقَدَتْ أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تُعَذَّبْ مَعَ بَقَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا أَنَّهَا لَا تَهْلِكُ مَا دَامَ فِيهَا صَالِحٌ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ لَيْسَ حَالُ الصَّالِحِ مِنْ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ قَدْ تَهْلِكُ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَّتِهِ فِيهَا صَالِحٌ وَصَالِحُونَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» أَرَادَ إذَا كَانَ الْخَبَثُ كَثِيرًا وَمِنْ الْخَبَثِ الْفُسُوقُ وَالشَّرُّ وَقِيلَ: الْخَبَثُ أَوْلَادُ الزِّنَى. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُقَالُ: إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَكِنْ إذَا عُمِلَ الْمُنْكَرُ جِهَارًا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمُجَاهَرَةِ بِالْمُنْكَرِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَزِيَّةَ مَا لَيْسَ لِلِاسْتِتَارِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عَاصُونَ مِنْ بَيْنِ عَامِلٍ لِلْمُنْكَرِ وَتَارِكٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَالتَّغْيِيرِ عَلَى فَاعِلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ لَهُ مُسْتَضْعَفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَيُنْكِرُهُ بِقَلْبِهِ فَإِنْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَحُشِرَ عَلَى نِيَّتِهِ. [مَا جَاءَ فِي التُّقَى] (ش) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ خَلَا بِنَفْسِهِ وَاعْتَقَدَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْمَعُهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ عَلَى مَعْنَى تَعْظِيمِ هَذِهِ الْحَالِ وَاسْتِشْنَاعِهِ لَهَا وَأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ مِنْ الرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا إلَى مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَيُعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مُعَظِّمًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِكْرًا لَهَا بِمَا يَذَّكَّرُ النَّاسُ لَهُ هَذِهِ الْحَالَ وَأَنَّهَا حَالٌ إنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَنْفَعْهُ وَلَمْ يَنْجُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ يَغْبِطُهُ بِهَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَهِيَ حَالٌ لَا تَنْفَعُهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ التُّقَى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَتَوْبِيخُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَمُحَاسَبَتُهُ لَهَا فِي الْخَلَاءِ مِنْ فِعْلٍ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِمَّا يَلِيقُ بِفِعْلِهِ وَعِلْمِهِ وَدِينِهِ

[القول إذا سمعت الرعد]

الْقَوْلُ إذَا سَمِعْت الرَّعْدَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثُمَّ يَقُولُ: إنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ) . مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَدْرَكْت النَّاسَ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا يُعْجَبُونَ بِالْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى عَمَلِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوْلَ مِمَّنْ لَا يَعْمَلُ لَا يُعْجَبُ بِهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَإِنَّمَا يُعْجَبُونَ بِعَمَلِ الْعَالِمِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] . [الْقَوْلُ إذَا سَمِعْت الرَّعْدَ] (ش) : وَقَوْلُهُ إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ارْتِيَاعًا مِنْهُ وَإِقْبَالًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّسْبِيحِ وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الرَّعْدَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّعْدُ مَلِكًا يَزْجُرُ السَّحَابَ عَلَى مَا قَالَهُ. [مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا» نَصٌّ عَلَى الدِّينَارِ لِقِلَّتِهِ وَنَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا زَادَ عَلَى الدِّينَارِ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] . وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] عَلَى مَعْنَى التَّنْبِيهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -، وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاَلَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ إنَّمَا ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَقَالَتْ الْإِمَامِيَّةُ إنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ يُورَثُونَ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ التَّخْلِيطِ لَا شُبْهَةَ فِيهَا مَعَ وُرُودِ هَذَا النَّصِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ السَّمْنَانِيُّ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ شَاذَانَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ عَرَبِيَّةً فَنَاظَرَ يَوْمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعَلِّمِ وَكَانَ إمَامَ الْإِمَامِيَّةِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَاسْتَدَلَّ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُورَثُونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّا مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً» نُصِبَ عَلَى الْحَالِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُعَلِّمِ مَا ذَكَرْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» إنَّمَا هُوَ " صَدَقَةً " نُصِبَ عَلَى الْحَالِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ مَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ هَذَا وَإِنَّمَا نَمْنَعُ ذَلِكَ فِيمَا تَرَكَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَاعْتُمِدَ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ أَبَا عَلِيِّ بْنَ شَاذَانَ لَا يَعْرِفُ

[ما جاء في صفة جهنم]

مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ إنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءُ كَنَارِكُمْ هَذِهِ لَهِيَ أَسْوَدُ مِنْ الْقَارِ وَالْقَارُ الزِّفْتُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الشَّأْنَ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَالِ وَغَيْرِهَا فَلَمَّا عَادَ الْكَلَامُ إلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ قَالَ لَهُ وَمَا زَعَمْت مِنْ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» إنَّمَا هُوَ " صَدَقَةً " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُ هَذَا الْحُكْمَ فِيمَا تَرَكَهُ الْأَنْبِيَاءُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَنَا لَا أَعْلَمُ فَرْقًا بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً بِالنَّصْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ بِالرَّفْعِ. وَلَا أَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ عِنْدِي وَعِنْدَك أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا مِنْ أَفْصَحِ الْعَرَبِ وَمِنْ أَعْلَمِهِمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً بِالنَّصْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ بِالرَّفْعِ، وَكَذَلِكَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ لَوْ كَانَ مَوْرُوثًا وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَفْصَحِ قُرَيْشٍ وَأَعْلَمِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ طَلَبَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِيرَاثَهَا مِنْ أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاوَبَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ فَهِمَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا فَانْصَرَفَتْ عَنْ الطَّلَبِ وَفَهِمَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَعْتَرِضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُحْتَجُّ بِهِ وَالْمُتَعَلَّقُ بِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الْعَالِمِينَ بِذَلِكَ لَمْ يُورِدْ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَّا بِمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ لِمَا أَوْرَدَهُ وَلَا تَعَلَّقَ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ يَقْتَضِي مَا يَقُولُهُ فَادِّعَاؤُك فِيمَا قُلْت بَاطِلٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فَهُوَ الْمَرْوِيُّ وَادِّعَاءُ النَّصْبِ فِيهِ بَاطِلٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ نَفَقَةَ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ أَزْوَاجِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَيْهِ عَنْ النِّكَاحِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53] لَازِمٌ لَهُنَّ عَلَى حَسْبِ مَا يَجِبُ لِغَيْرِهِنَّ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّفْضِيلِ لَهُنَّ لِعَدَمِ إيمَانِهِنَّ وَهِجْرَتِهِنَّ وَأَمَّا مُؤْنَةُ عَامِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَامِلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِأُمَّتِهِ وَقَائِمٌ بِشَرْعِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْفِيَ مُؤْنَتَهُ وَلَوْ ضَيَّعَ ذَلِكَ لِضَيَاعِ عِيَالِهِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مُؤْنَتِي وَمُؤْنَةِ عِيَالِي فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيُعْمَلُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ أَمْوَالَهُ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا يُخْرِجُ مِنْهَا نَفَقَةَ عِيَالِهِ وَمُؤْنَةَ الْعَامِلِ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ صَدَقَةً. [مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ نَارَ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ» تَخْصِيصٌ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ لَا يُوقِدُهَا بَنُو آدَمَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ حَرَارَتَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَرُّهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هَذِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَنَارِ بَنِي آدَمَ ثُمَّ

التَّرْغِيبُ فِي الصَّدَقَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا طَيِّبًا كَانَ إنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: لَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ الْقَارِ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشِدَّةِ أَمْرِهَا فِي الْحَرِّ وَأَخْبَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ شِدَّةِ أَمْرِهَا فِي لَوْنِهَا؛ لِأَنَّ سَوَادَهَا أَشَدُّ فِي الْعَذَابِ فَقَالَ: إنَّهَا أَشَدُّ سَوَادًا مِنْ الْقَارِ وَالْقَارُ وَالْقِيرُ الزِّفْتُ وَمِثْلُ هَذِهِ لَا يَعْلَمُهَا أَبُو هُرَيْرَةَ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. 1 - (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ» يُرِيدُ حَلَالًا وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الْحَلَالَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْجُورٍ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ مَأْثُومٌ فِيهِ حِينَ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا طَيِّبًا» مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَعْتَدَّ لَهُ بِهَا صَدَقَةً وَيُرِيدَ أَنْ يُثِيبَهُ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ عِظَمَ إثَابَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَلَيْهَا وَحِفْظَهُ لَهَا، وَكَفُّ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَعْنَى يَمِينِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ» يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَمِّي الصَّدَقَةَ بِتَضْعِيفِ أَجْرِهَا كَمَا يُنَمِّي الْإِنْسَانُ الْفَلُوَّ وَهُوَ أُنْثَى وَلَدِ الْخَيْلِ مِنْ ذُكُورِ الْحُمُرِ أَوْ فَصِيلَهُ وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِتَنْمِيَتِهِ بِالتَّرْبِيَةِ وَرَجَاءِ زِيَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَبْلُغُ بِتَنْمِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُهَا كَالْجَبَلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261] . (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْت قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَبَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْت مَا قُلْت فِيهِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ فِي الْأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ الِاسْتِكْثَارُ مِنْ الْمَالِ الْحَلَالِ وَقَوْلُهُ: وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ يَقْتَضِي جَوَازَ حُبِّ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِلْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20] . وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14] وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اللَّهُمَّ إنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إلَّا أَنْ نُحِبَّ مَا زَيَّنْت لَنَا فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ فَيُنْفِقُهُ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى مِنْك وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْك وَقَرَأْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْرُحَاءَ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ وَالْجَمْعِ وَاللَّفْظَتَانِ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ وَلَيْسَتْ بِئْرٌ مُضَافَةٌ إلَى مَوْضِعٍ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ الْحَافِظُ إنَّمَا هِيَ بَيْرُحَاءَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَاتَّفَقَ هُوَ وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَفَعَ الرَّاءَ حَالَ الرَّفْعِ فَقَدْ غَلِطَ وَعَلَى ذَلِكَ كُنَّا نَقْرَؤُهُ عَلَى شُيُوخِ بَلَدِنَا وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَدْرَكْت أَهْلَ الْحِفْظِ وَالْعِلْمِ بِالْمَشْرِقِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ يُعْرَفُ بِقَصْرِ بَنِي حَرْمَلَةَ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِفِنَاءِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ» يُرِيدُ عَذْبًا وَهَذَا يَقْتَضِي تَبَسُّطَ الرَّجُلِ فِي مَالِ مَنْ يُعْرَفُ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِالدُّخُولِ إلَيْهِ وَيَتَنَاوَلُ مَا يَخَافُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْمِرْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ قَالَ أَنَسٌ «فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يُنَالُ الْبِرُّ بِصَدَقَةِ مَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّ إنْفَاقَ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ أَقْرَبُ فِي نَيْلِ مَا يُحِبُّ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ جَاءَ بِفَرَسِهِ وَقَالَ هَذَا أَحَبُّ أَمْوَالِي إلَيَّ فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ إذَا سَمِعَ سَائِلًا يَقُولُ: اُعْطُوهُ سُكَّرًا فَإِنَّ الرَّبِيعَ يُحِبُّ السُّكَّرَ. (فَصْلٌ) : وَفِي هَذَا أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِنْفَاقِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] هُوَ الْأَجْرُ وَالذُّخْرُ الَّذِي رَجَاهُ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ أَحَبِّ أَمْوَالِهِ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ أَرْجُو بِرَّهَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ثَوَابَ بِرِّهَا وَأَرَادَ أَنْ يَضَعَهَا أَيْضًا فِي أَفْضَلِ وُجُوهِ الْإِنْفَاقِ وَاسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِإِرْشَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعَهَا حَيْثُ يَرَى فَإِنَّهُ لَا يَرَى لَهُ وَلَا يَخْتَارُ إلَّا الْأَفْضَلَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، وَقَوْلُهُ هِيَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا حَيْثُ شِئْت وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمُطْلَقَةَ يَصِحُّ أَنْ تُصْرَفَ إلَى الْوُجُوهِ الَّتِي شَاءَ الْمُتَصَدِّقُ وَالْمُسْتَشَارُ فِي ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ» بِالْيَاءِ مُعْجَمَةً هِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَجَمَاعَةِ الرُّوَاةِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنَّ كُلَّ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ بَعْدَهُ فِي الدُّنْيَا رَاحَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ مَالٌ يَرُوحُ عَلَيْهِ ثَوَابُهُ وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ رَابِحٌ بِالْبَاءِ مُعْجَمَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ وَضَعَهُ مَوْضِعَ الرِّبْحِ وَالْغَنِيمَةِ لِثَوَابِهِ وَالِادِّخَارِ لِمُعَادِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرَى أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَقَارِبَهُ وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَجْهٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَتَفْوِيتِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَكَانَا مِنْ أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ الْأَشْهَلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطُوا السَّائِلَ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرَسٍ لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَاحِبِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ لَا فَضْلَ فِيهِمَا وَهَذَا فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَتُعْطَى لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَقَدْ يَكُونُ السَّائِلُ ابْنَ سَبِيلٍ وَيَكُونُ عَلَى فَرَسٍ فَيَلْزَمُ عَوْنُهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَيَكُونُ غَازِيًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُعَانَ عَلَى غَزْوِهِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ جُمْلَةً بَلْ تُعْطَى مَنْ لَهُ الْبُلْغَةُ لِيُبْقِيَ بِهَا أَوْ لِيَبْلُغَ بِهَا حَالَ الْغِنَى عَلَى حَسْبِ مَا تَصَدَّقَ أَبُو طَلْحَةَ بِبَيْرُحَاءَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ

[ما جاء في التعفف عن المسألة]

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إلَّا رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إيَّاهُ فَقَالَتْ لَيْسَ لَك مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَعْطِيهِ إيَّاهُ قَالَتْ فَفَعَلَتْ قَالَتْ فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ فَقَالَتْ كُلِي مِنْ هَذَا هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِك) (ص) : (مَالِكٌ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا عِنَبٌ فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ خُذْ حَبَّةً فَأَعْطِهِ إيَّاهَا فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَعْجَبُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَتَعْجَبُ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإرَادَةَ غِنَاهُمَا وَقُوَّتِهِمَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا قَرَأْته عَلَى جَمِيعِ شُيُوخِنَا بِالْمَشْرِقِ يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ بِنَصْبِ النِّسَاءِ وَخَفْضِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَهْلُ بَلَدِنَا يَقْرَءُونَهُ يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى أَنَّهُ مُنَادًى مُفْرَدٌ مَرْفُوعٌ وَالْمُؤْمِنَاتُ نَعْتٌ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ النِّسَاءَ أَعَمُّ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] فَأَضَافَ الْبَهِيمَةَ إلَى الْأَنْعَامِ وَالْبَهِيمَةُ أَعَمُّ مِنْ الْأَنْعَامِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقًا» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَحْقِرُهُ الْمُهْدِيَةُ فَتَمْنَعُ أَنْ يُهْدَى إلَيْهَا الْقَلِيلُ وَهُوَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا تَحْقِرُهُ الْمَهْدِيُّ إلَيْهَا وَلْتَقْبَلْهُ عَلَى قِلَّتِهِ فَهُوَ أَنْفَعُ لَهَا عَلَى قِلَّتِهِ مِنْ مَنْعِهِ وَأَحْسَنُ فِي التَّعَاشُرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إلَّا رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إيَّاهُ فَقَالَتْ لَيْسَ لَك مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَعْطِيهِ إيَّاهُ قَالَتْ فَفَعَلَتْ قَالَتْ فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ فَقَالَتْ كُلِي مِنْ هَذَا هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِك) . (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمَرَتْهَا أَنْ تُعْطِيَ لِلسَّائِلِ رَغِيفًا لَيْسَ عِنْدَهَا غَيْرُهُ وَهِيَ صَائِمَةٌ عَلَى مَعْنَى الْإِيثَارِ عَلَى نَفْسِهَا وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ لَمَّا رَأَتْ بِالسَّائِلِ مِنْ جَهْدٍ خَافَتْ عَلَيْهِ وَأَحَسَّتْ فِي نَفْسِهَا قُوَّةً عَلَى الصَّبْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهَا فَمَا أَمْسَيْنَا حَتَّى أَهْدَى إلَيْنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ مَلْفُوفَةً بِالرُّغُفِ وَقَوْلُهُ مَا كَانَ يُهْدِي لَنَا يُرِيدُ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَلَمْ تَحْتَسِبْ بِهِ فَتَثِقُ بِهِ وَتَعُولُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَوَّضَهَا مِنْ حَيْثُ لَمْ تَحْتَسِبْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمَتِهَا هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِك تُرِيدُ أَنْ تُذَكِّرَهَا بِوَجْهِ الصَّوَابِ فِيمَا قَدَّمَتْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِالْقُرْصِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا غَيْرُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَوَّضَهَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا شُكْرٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ عَلَى حُسْنِ بَلَائِهِ وَفَضْلِ مَا عَوَّضَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ مِسْكِينًا اسْتَطْعَمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ يَدَيْهَا عِنَبٌ فَقَالَتْ لِإِنْسَانٍ خُذْ حَبَّةً فَأَعْطِهِ إيَّاهَا فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَعْجَبُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَتَعْجَبُ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ) . (ش) : أَمْرُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطِيَ السَّائِلَ بَيْنَ يَدَيْهَا حَبَّةً عَلَى مَعْنَى الصَّدَقَةِ بِالْيَسِيرِ وَإِيثَارِهِ عَلَى الرَّدِّ وَمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ تَصَدَّقَ مَرَّةً بِقَلِيلٍ وَمَرَّةً بِكَثِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ وَيَرَى مِنْ مَوْضِعِ حَاجَةٍ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِلَّذِي تَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ كَمْ تَرَى فِي هَذِهِ الْحَبَّةِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ تُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجُزْءَ الْيَسِيرَ مِنْ الْحَبَّةِ إذَا تُصُدِّقَ بِهِ لَمْ يَعْدَمْ الْمُتَصَدِّقُ أَجْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ» ) (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَطَاءٍ فَرَدَّهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَ رَدَدْته فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَخْبَرْتنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ شَيْءٌ إلَّا أَخَذْته» ـــــــــــــــــــــــــــــQخَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الِادِّخَارُ الِاكْتِنَازُ وَالرَّفْعُ فِي الْبُيُوتِ وَالذُّخْرُ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ» فَلَنْ أَمْنَعَكُمُوهُ وَأَدَّخِرَهُ لِنَفْسِي قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ» مِنْ الْعَفَافِ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ يُمْسِكْ عَنْ السُّؤَالِ وَالْإِلْحَاحِ يُعِفَّهُ اللَّهُ أَيْ يَصُنْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ يَسْتَعِنْ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْيَسِيرِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ يَمُدَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغِنَى مِنْ عِنْدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ يُغْنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ يَتَصَدَّ لِلصَّبْرِ وَيُؤْثِرْهُ يُعِنْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيُوَفِّقْهُ لَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ أَمْرٌ يَدُومُ بِهِ الْغِنَى بِمَا يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلِأَنَّهُ يَفِي وَرُبَّمَا لَا يَفِي وَامْتَدَّ الْأَمَلُ إلَى أَكْثَرَ مِنْهُ مِمَّنْ عَدِمَ الصَّبْرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ فَضْلَ الصَّدَقَةِ وَيَعِيبُ الْمَسْأَلَةَ وَيَحُضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا وَتُسَمَّى يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَرْفَعُ دَرَجَةً وَمَحَلًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا رَسْمٌ شَرْعِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ بِالشَّرْعِ عُرِفَ وَلَمَّا كَانَتْ تَسْمِيَةً لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ «يَدَ الْمُعْطِي هِيَ الْيَدُ الْعُلْيَا وَأَنَّ الْيَدَ السَّائِلَةَ هِيَ السُّفْلَى» وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ» وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَمَدَحَ الْيَدَ الْمُنْفِقَةَ وَذَلِكَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَهْلِهِ وَيَكُونَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْأَجَانِبِ مَا فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ وَيَكُونُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْأَجَانِبِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْأَجَانِبِ مَا فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ فَإِنْ ضَاقَتْ حَالُهُ فَلْيَبْدَأْ بِأَهْلِهِ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَطَاءٍ فَرَدَّهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَ رَدَدْته فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَخْبَرْتنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ شَيْءٌ إلَّا أَخَذْته» . (ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدَّ عَطَاءَهُ إنَّمَا رَدَّهُ لَمَّا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ خَيْرٌ لِأَحَدِكُمْ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَتَأَوَّلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَخْذِ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَعَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَأْخُذَ أَحَدٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَاطَبَ بِذَلِكَ سَائِلًا وَقَوْلُهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ابْتَدَأَك بِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْك وَمَعْنَاهُ فَلَا تَرُدَّهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ عَلَى مَعْنَى الِالْتِزَامِ لِمَا يَقُولُهُ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا يُرِيدُ مَنْعَ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إلَّا أَخَذْته عَلَى مَعْنَى امْتِثَالِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَالَهُ وَنَهَى عَنْهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ وَهَذَا حُكْمُ الْعَطَاءِ

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلُهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْهِبَةِ مِنْ الْوَجْهِ الْمُبَاحِ دُونَ الْوَجْهِ الْمَحْظُورِ وَالْمَالِ الْحَرَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي فِي سُؤَالِ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْته فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ: إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَك أَبَدًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَأْخُذْ عَطَاءً فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تُوُفِّيَ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَمَلِ بِهَذَا الْمَالِ أَخْذُهُ وَجْهٌ يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ الْحَاجَةَ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمَالِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ» كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلُهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» ) . (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «؛ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ» عَلَى مَعْنَى التَّصْرِيحِ بِمُبَاشَرَةِ الِاحْتِطَابِ وَالْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ وَقَوْلُهُ «خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَالِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَسَأَلَهُ هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ فَضْلِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْغِنَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ السُّلْطَانَ وَيَكُونُ مَعْنَى آتَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ جَعَلَ اللَّهُ إلَيْهِ النَّظَرَ فِيهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاحْتِطَابَ أَفْضَلَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَرُبَّمَا أَعْطَاهُ إذْ سَأَلَهُ وَرُبَّمَا مَنَعَهُ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ عَيْبَ الْمَسْأَلَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَذَلَّةِ وَرُبَّمَا كَانَ مَعَهَا الْمَنْعُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الِاحْتِطَابَ أَفْضَلُ مِنْ السُّؤَالِ مَعَ الْعَطِيَّةِ فَمَعَ الْمَنْعِ أَوْلَى. (مَسْأَلَةٌ) : وَهَذَا فِي طَلَبِ مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُ مِثْلُ مَا إذَا سَأَلَ الْغَنِيُّ الْعَوْنَ وَمِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ السُّلْطَانَ غَنِيٌّ عَمَّا يُعْطِيهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُ عَطَاءٌ مُرَتَّبٌ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي أَوْ فِي وَقْتٍ ضَيِّقٍ وَأَمَّا سُؤَالُ السُّلْطَانِ مَعَ الْحَاجَةِ فَجَائِزٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] وَأَمَّا سُؤَالُ مَنْ لَهُمْ عَلَيْهِ عَطَاءٌ مُرَتَّبٌ أَوْ عِدَّةٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسُؤَالٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ طَالِبٌ لِحَقِّهِ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ وَفِي الْعِدَّةِ اسْتِنْجَازٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَطَاؤُهُ لَهُ. وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُك هَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ لَهُ قِبَلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةٌ فَلْيَأْتِنِي فَأَتَاهُ جَابِرٌ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ ذَكَّرَهُ بِذَلِكَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ إمَّا أَنْ تُعْطِيَ وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ أَقْبِضْ مِنْ الْمَالِ قَبْضَةً فَقَبَضَ فَعَدَّهَا فَوَجَدَهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً» إنْجَازًا لِوَعْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَأَمَّا سُؤَالُ الْمُحْتَاجِ فِي وَقْتِ غِنَى السَّائِلِ فَإِنَّمَا هُوَ مُذَكِّرٌ مِنْ مَالٍ لَهُ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيَعْرِضْ بِنَفْسِهِ لِيَكُونَ. وَقَدْ «قَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْت نَفْسِي وَفَادَيْت عَقِيلًا» فَإِنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يُضْطَرَّ إلَى السُّؤَالِ وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَضَعُفَ عَنْ التَّكَسُّبِ وَالِاحْتِطَابِ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ وَلَا يُلْحِفَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ

(ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ نَزَلْت أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِي أَهْلِي اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ فَذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيك فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي إنَّك لَتُعْطِي مَنْ شِئْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا قَالَ الْأَسَدِيُّ: فَقُلْت لَلِقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ» قَالَ مَالِكٌ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا «قَالَ فَرَجَعْت وَلَمْ أَسْأَلْهُ فَقُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَيُرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا) . مَا جَاءَ فِي التَّعَفُّفِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا» . (ص) : (عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ نَزَلْت أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِي أَهْلِي اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ فَذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيك فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي إنَّك لَتُعْطِي مَنْ شِئْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا قَالَ الْأَسَدِيُّ: فَقُلْت لَلِقْحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ» قَالَ مَالِكٌ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا «قَالَ فَرَجَعْت وَلَمْ أَسْأَلْهُ فَقُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ) . (ش) : قَوْلُ الْأَسَدِيِّ: نَزَلْت أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَأَنَّ أَهْلَهُ أَرْسَلُوهُ يَسْأَلُ لَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ وَذَكَرُوا حَاجَتَهُمْ مَعَ كَوْنِهِ ذَا مَالٍ فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَهُ مِنْ نَوْعِ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ مَعَهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ مِثْلَ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْخَادِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيك» إظْهَارًا لِعُذْرِهِ «وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي إنَّك لَتُعْطِي مَنْ شِئْت» هَذَا مِنْ الْأَمْرِ الْمَمْنُوعِ؛ لِأَنَّ غَضَبَهُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ ظُلْمٌ وَتَعَدٍّ وَتَسَخُّطٌ لِلْحَقِّ وَإِنَّمَا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي بِيَدِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا وَزَادَ مِنْ التَّعَدِّي أَنْ قَالَ: إنَّك لَتُعْطِي مَنْ شِئْت وَلَعَلَّهُ كَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ مِمَّنْ لَا يَسْتَقِرُّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ لَمْ يَتَّهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ» إنْكَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفِعْلِهِ ثُمَّ ضِيقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُوسِعًا عَلَيْهِمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلْحَاحًا يُقَالُ: أَلْحَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْ أَلَحَّ فِيهَا وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ تَقَرَّرَ فِيهِ أَنَّ الْإِلْحَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَمْنُوعٌ فَجَعَلَ مِنْ الْإِلْحَافِ الْمَمْنُوعِ سُؤَالَ مَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي السُّؤَالِ دُونَ الْأَخْذِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ يُرِيدُ الزَّكَاةَ مِمَّنْ لَهُ خَمْسَةُ أَوَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ زَكَاتُهَا إذَا كَانَ ذَا أَعْيَانٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنْته فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَيُرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا) . (ش) : قَوْلُهُ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تُنْقِصُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ مَا يُنْفَقُ فِي الصَّدَقَةِ فَالْعِوَضُ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ وَحِفْظِهِ وَقَوْلُهُ «وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ» يُرِيدُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا لَهُ قِصَاصٌ وَانْتِصَارٌ «إلَّا عِزًّا» يُرِيدُ رِفْعَةً فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَقُوَّةً عَلَى الِانْتِصَارِ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى «ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ» وَقَوْلُهُ «وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» عَلَى حَسَبِ فِي الْعَفْوِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَدْرِي أَيُرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا شَكَّ فِي رَفْعِهِ فَأُوقِفُهُ عَلَى مَا لَمْ يُشَكَّ فِيهِ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[ما يكره من الصدقة]

مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا نَدْرِي ذَلِكَ إلَّا فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا مِنْ التَّطَوُّعِ وَمَنْ أَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمْ تُجْزِهِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الَّذِي آخُذُ بِهِ وَسَمِعْته عَمَّنْ أَرْضَى أَنَّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ مِنْ الْأَمْوَالِ النَّاضَّةِ وَالْغَنَمِ وَالْحُبُوبِ وَتَطَوُّعِ النَّاسِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ مَصْرُوفٌ إلَى الصَّدَقَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ الَّتِي هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الصَّدَقَةِ غَيْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَلَا قَبُولٍ وَالْهَدِيَّةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ وَمُوَاصَلَةٌ فَلِذَلِكَ اُخْتُصَّتْ بِالْمُعَيَّنِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ» يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا فُرِضَ لَهُ فِي الْجِزْيَةِ فَإِنْ لَمْ يُفْرَضْ لَهُ رَجَوْت أَنْ يُصْنَعَ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ يَسْتَبِيحُ فِيهِ أَكْلَ الْمَيْتَةِ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآلِ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي بَنِي هَاشِمٍ بِأَعْيَانِهِمْ دُونَ مَوَالِيهِمْ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ صَرِيحُهُمْ وَمَوَالِيهِمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا تُطَهِّرُ أَمْوَالَهُمْ وَتُكَفِّرُ ذُنُوبَهُمْ وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَخْذُ الْفُقَرَاءِ لَهَا كَمَا يَسُوغُ لَهُمْ عِنْدَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الْمَحْظُورُ مِنْ الطَّعَامِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَزِّهَ آلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ الصَّبْرُ أَفْضَلَ مِمَّا لِغَيْرِهِمْ وَأَنْ تَكُونَ أُمَّتُهُ تَدَّعِي آلَهُ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعْطُوا مِنْ أَفْضَلِ الْمَطَاعِمِ مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَجْهٌ يَخْرُجُ بِهِ الْمَالِ إلَى الْمُعْطَى؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ لَا يَقْتَرِنُ بِهِ إكْرَامٌ وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فَعَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ تَكُونُ الْهِبَةُ ذَلِكَ مُقْتَضَاهَا وَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ لِلْعِوَضِ وَلَا تَكُونُ لِلصَّدَقَةِ لِلْعِوَضِ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إبِلًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَإِنْ مَنَعْته كَرِهْت الْمَنْعَ، وَإِنْ أَعْطَيْته أَعْطَيْته مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُك مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا» . (ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ وَهَلْ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إبِلًا مِنْ الصَّدَقَةِ» يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ سَأَلَهُ فِي أُجْرَةِ عَمَلِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَتِهِ مِمَّا غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ أَوْ مِمَّا لَيْسَ هُوَ بِأَهْلٍ لَهُ «فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ» مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ بَلَغَ مِنْهُ الْغَضَبُ إلَى أَنْ أَبْدَاهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ

[ما جاء في طلب العلم]

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ اُدْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَطَايَا أَسْتَحْمِلُ عَلَيْهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت نَعَمْ جَمَلًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ أَتُحِبُّ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ غَسَلَ لَك مَا تَحْتَ إزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاكَهُ فَشَرِبْته قَالَ فَغَضِبْت وَقُلْت يَغْفِرُ اللَّهُ لَك أَتَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: إنَّمَا الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ يَغْسِلُونَهَا عَنْهُمْ) . مَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ جَالِسْ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْك فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْكَرَ عَلَى الرَّجُلِ سُؤَالَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ «إنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يَصْلُحُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إيَّاهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ مَنَعْته كَرِهْت الْمَنْعَ» يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَا يَسْأَلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَنْعَ جُمْلَةً لَكِنَّهُ سُئِلَ مَا لَا يَصْلُحُ مَنْعُهُ لِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ كَرَاهِيَتِهِ لِلْمَنْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَيُقَالُ: إنَّهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لَا أَسْأَلُك مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِقْلَاعِ وَالتَّوْبَةِ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ اُدْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَطَايَا أَسْتَحْمِلُ عَلَيْهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت نَعَمْ جَمَلًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ أَتُحِبُّ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ غَسَلَ لَك مَا تَحْتَ إزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاكَهُ فَشَرِبْته قَالَ فَغَضِبْت وَقُلْت يَغْفِرُ اللَّهُ لَك أَتَقُولُ لِي مِثْلَ هَذَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ: إنَّمَا الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ يَغْسِلُونَهَا عَنْهُمْ) . (ش) : قَوْلُ أَسْلَمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ اُدْلُلْنِي عَلَى بَعِيرٍ مِنْ الْمَطَايَا أَيْ ظَهْرًا مِنْ الْمَطَايَا يُرِيدُ مَا يُمْتَطَى وَيُرْكَبُ لِقُوَّتِهِ وَحُسْنِ مِشْيَتِهِ وَقَوْلُهُ: أَسْتَحْمِلُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِجَازَةِ أَنْ يَسْأَلَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّ صَاحِبَ بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ احْتَاجَ إلَيْهِ لِرُكُوبِهِ فِيمَا يَخُصُّهُ وَيَتَمَلَّكُ رَقَبَتَهُ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ بَنُو إسْرَائِيلَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَسْلَمُ نَعَمْ جَمَلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ يُرِيدُ الَّذِي يَصْلُحُ لَهُ وَيُوَافِقُ مُرَادَهُ جَمَلٌ مِنْ الصَّدَقَةِ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ أَتُحِبُّ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ غَسَلَ لَك مَا تَحْتَ إزَارِهِ وَرُفْغَيْهِ فَشَرِبْته قَصَدَ إلَى الْبَادِنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَكْثَرَ عَرَقًا وَوَضَرًا مِنْ النَّحِيفِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ الْحَارَّ؛ لِأَنَّ الْعَرَقَ وَوَضَرَ الْبَدَنِ يَكُونُ فِيهِ أَكْثَرَ وَذَكَرَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَالرُّفْغَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْذَرُ مَوْضِعٍ فِي الْجَسَدِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُهُ عَرَقًا وَوَسَخًا مَعَ الْغُسْلِ وَالْإِنْقَاءِ فَكَيْفَ مَعَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ لِعِلْمِهِ أَنَّ مَالَ الصَّدَقَةِ أَقْبَحُ الْأَمْوَالِ وَأَقْذَرُهَا وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يَسْتَعْفِفَ عَنْهُ الْمُسْلِمُ الْغَنِيُّ عَنْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ: إنَّمَا الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ يُرِيدُ أَوْسَاخَ أَمْوَالِهِمْ وَمِمَّا يُتَطَهَّرُ بِهَا وَإِنَّ الْآخِذَ لِمَالِ الصَّدَقَةِ يَحْمِلُ وَسَخَهَا عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الْمُخْرِجِينَ لَهَا وَالْمُطَهِّرِينَ أَمْوَالَهُمْ بِهَا فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أُبِيحَتْ لَهُ لِضَرُورَتِهِ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَقَدْ عَدِمَ الضَّرُورَةَ الْمُبِيحَةَ لَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ. [مَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ] (ش) : قَوْلُ لُقْمَانَ لِابْنِهِ جَالِسْ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْك يُرِيدُ الْقُرْبَ مِنْهُمْ بِمُجَالَسَتِهِ لَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَيْدِيهِمْ وَيَتَعَلَّمَ مِنْ حِكْمَتِهِمْ وَلَا يَفُوتُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا يَفُوتُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُجَالِسًا لَهُمْ وَقَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ بِأَثَرِ قَوْلِهِ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْك فَلَعَلَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ فَتُصِيبَك مَعَهُمْ، وَلَا تُجَالِسْ الْفُجَّارَ لِئَلَّا يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ سَخَطُهُ فَيُصِيبَك مَعَهُمْ. (مَسْأَلَةٌ) : وَالْمُجَالَسَةُ لِلْعُلَمَاءِ إذَا كَانَتْ قُرْبَةً فَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِمَنْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يُجَالِسُهُمْ تَبَرُّكًا بِمُجَالَسَتِهِمْ وَانْحِيَازًا إلَيْهِمْ وَمَحَبَّةً فِيهِمْ وَرُبَّمَا جَرَى مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَتَحْمِلُهُ حَاجَتُهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَعِيَهُ وَيَحْفَظَهُ أَوْ يَسْتَثْبِتَ فِيهِ حَتَّى يَفْهَمَهُ وَرُبَّمَا سَأَلَهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِمَّا لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ فَيَأْخُذُهَا عَنْهُمْ وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي قُوَّتِهِ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَرُزِقَ عَوْنًا عَلَيْهِ وَرَغْبَةً فِي تَعَلُّمِهِ فَيُجَالِسُهُمْ لِيَأْخُذَ عَنْهُمْ وَيَتَعَلَّمَ مِنْ عِلْمِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إحْيَاءَهَا بِالْإِيمَانِ

[ما يتقى من دعوة المظلوم]

مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُسَمَّى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ وَإِيَّاكَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَك فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَاَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنْ قَدْ ظَلَمْتهمْ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا) . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْخُشُوعِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُرِيهَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَانْتِهَاكَ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ نُورَ الْحِكْمَةِ تَغْزُرُ الْقُلُوبَ حَيَاةً بِالطَّاعَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَيْتَةً بِالْمَعْصِيَةِ كَمَا أَنَّ وَابِلَ السَّمَاءِ وَهُوَ غَزِيرٌ قَطْرُهَا يُحْيِي الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَالْمِيَاهِ وَالْخِصْبِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ إلَيْهِ فِي الْقُلُوبِ مِنْ حَيَاتِهَا بِنُورِ الْحِكْمَةِ هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ] (ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى يَعْنِي أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى حِمَايَتِهِ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَهَذَا الْحِمَى قِيلَ: هُوَ النَّقِيعُ بِالنُّونِ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِهِ» لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَصَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُنَيًّا فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ فَقَالَ: يَا هُنَيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كُفَّ عَنْهُمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ» وَقَوْلُهُ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَالصُّرَيْمَةُ وَالْغُنَيْمَةُ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ هِيَ الْأَرْبَعُونَ شَاةً وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُهُ الصُّرَيْمَةُ مِنْ الْغَنَمِ خَطَأٌ وَإِنَّمَا الصُّرَيْمَةُ مِنْ الْإِبِلِ الْعِشْرُونَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَإِيَّاكَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ لِكَوْنِهِمَا مِنْ الْأَغْنِيَاءِ فَلَا يُخَافُ عَلَيْهِمَا الضَّيَاعُ وَلَا الْحَاجَةُ بِذَهَابِ مَاشِيَتِهِمَا؛ لِأَنَّ مَالَهُمَا مِنْ غَيْرِ الْمَاشِيَةِ كَثِيرٌ وَالْفَقِيرُ تَلْحَقُهُ الْحَاجَةُ بِذَهَابِ مَاشِيَتِهِ؛ لِأَنَّهَا جَمِيعُ مَالِهِ فَيَأْتِيهِ بِبَنِيهِ فَيُكَرِّرُ مَسْأَلَتَهُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يُمْكِنُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُهُمْ يَمُوتُونَ جُوعًا لِمَا قَلَّدَهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهِمْ. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِمْ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ فَمَا دَامَتْ مَاشِيَتُهُمْ بَاقِيَةً يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ بِالْمَاءِ وَالْكَلَأِ؛ لِأَنَّ بِرَعْيِ الْكَلَأِ وَشُرْبِ الْمَاءِ تَبْقَى مَاشِيَتُهُمْ فَإِنْ ذَهَبَتْ وَأَتَوْهُ لَمْ يُعِنْهُمْ إلَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيْهِ وَأَخَفُّ مُؤْنَةً. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ وَاَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ يُرِيدُ لَيَظُنُّونَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتهمْ فِي مَنْعِي لَهُمْ رَعْيَهَا وَحِمَايَتَهَا لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ أَنَّهَا لِبِلَادِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْأَرْضَ الَّتِي نَحْمِيهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ لَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِهِمْ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِهَا دُونَهُمْ إلَّا لِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَعُمُّهُمْ وَتَشْمَلُهُمْ؛ لِأَنَّ إبِلَ الصَّدَقَةِ تُصْرَفُ إلَى فُقَرَائِهِمْ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا مُسَافِرُهُمْ وَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ سُؤَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَسْمَحُ

[أسماء النبي صلى الله عليه وسلم]

أَسْمَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا فِي بَعْضِ الْوَقْتِ لِفُقَرَائِهِمْ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إنْ ذَهَبَتْ مَاشِيَتُهُمْ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ بِمَعْنَى أَنَّهَا بِلَادٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى وَأَعَمُّ نَفْعًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْفَعَةٍ تَخُصُّهُ وَإِنَّمَا يَحْمِي لِحَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ خَلِيفَتِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لِدِينِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ» لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29] وَقَوْلُهُ «وَأَنَا أَحْمَدُ» لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَنَا الْمَاحِي» وَفَسَّرَ ذَلِكَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ «الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» لِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ مِنْ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ فَيَكُونُ مَا آتَاهُ مِنْهُ هُوَ الظُّهُورُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ عَلَيْهِ لِغَلَبَةِ مَنْ جَاوَرَهُ مِنْهُ وَظُهُورِهِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَحْوَهُ مِنْ مَكَّةَ وَظُهُورَهُ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْكُفْرِ وَظُهُورَ دِينِهِ فِيهَا. (فَصْلٌ) : وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَنَا الْحَاشِرُ» وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ «الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِهِ» . وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْقَدَمِ هَهُنَا الدِّينُ يُقَالُ كَانَ هَذَا عَلَى قَدَمِ فُلَانٍ أَيْ عَلَى دِينِهِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا أَنَّ زَمَنَ دِينِهِ آخِرُ الْأَزْمِنَةِ وَأَنَّهُ عَلَيْهَا تَقُومُ السَّاعَةُ وَيَكُونُ الْحَشْرُ لَا تَنْسَخُ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ وَلَا يَسْتَأْصِلُ لِمِلَّتِهِ كُفْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عَلَى قَدِمَهُ بِمَعْنَى مُشَاهَدَتِهِ قَائِمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَشَاهِدًا عَلَى أُمَّتِهِ وَالْأُمَمِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] . وَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٌ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَنَا الْعَاقِبُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ سُفْيَانُ الْعَاقِبُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُكَنَّى الصَّبِيُّ فَقِيلَ: أَكَنَّيْت ابْنَك أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ أَمَّا أَنَا فَمَا فَعَلْته وَلَكِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ يُكَنُّونَهُ فَمَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا

§1/1